yasserhani
2019-10-23, 09:38
يَحثُّ الله تبارَك وتعالَى عبادَه المؤمنين على الإنفاق والبَذل، فيقول لهم: لن تُدركوا البرَّ- وهو الخيرُ الكثير من الله- ولن تَبلغوه، حتَّى تنفقوا وتتصدَّقوا من نفائس أموالكم الَّتي تحبُّها قلوبُكم، وتتعلَّق بها نفوسُكم، ومهما تُنفقوا من شيءٍ مِن أموالِكم، فإنَّ الله يَعْلمُه، فيَجزي صاحبَه عليه في الآخِرة الجزاءَ الأَوْفى.
تفسير الآية:
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا بيَّن اللهُ سُبحانَه في الآيةِ السابقةِ أنَّ الَّذين كفروا لن يُقبل من أحدِهم أعظمُ ما يُنفقه لتخليصِ نفْسِه في الآخِرة ممَّا يَلحَقه من الشدائد، حضَّ المؤمنين على الإنفاق، وبيَّن أنَّ الأحبَّ منه أجدرُ بالقَبول؛ وأنَّه يَبلُغ بصاحبه إلى مرتبة البرِّ (1) ، فقال:
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
أي: لنْ تُدركوا الخيرَ الكثيرَ من اللهِ بتفضُّله عليكم، بإدخالِكم الجَنَّةَ، وصَرْفِ العذاب عنكم- الَّذي يُطلَب بطاعة الله وعبادته- حتَّى تُنفقوا وتتصدَّقوا من أموالِكم الَّتي تحبُّها قلوبُكم (2) .
وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
أي: ومهما تُنفقوا من شيءٍ من أموالِكم، فإنَّ الله ذُو عِلم به، ويُجازي صاحبَه عليه جزاءَه في الآخِرة، ويُثيبه على ما أَنفَقَ (3) .
عن أنسِ بن مالكٍ رضِي اللهُ عنه، قال: كان أبو طلحةَ أَكثرَ أنصاريٍّ بالمدينة مالًا، وكان أحبَّ أموالِه إليه بَيْرَحاءُ- وكانتْ مستقبلةَ المسجِد، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يدخُلها ويَشرَب من ماءٍ فيها طيِّب- قال أنس: فلمَّا نزلت: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا ممَّا تُحِبُّونَ، قال أبو طلحة: يا رسولَ اللهِ، إنَّ الله يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا ممَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيرَحاءُ، وإنَّها صدقةٌ لله أرجو بِرَّها وذُخرَها عند الله تعالى؛ فضعْها يا رسول اللهِ حيث أراك الله تعالى، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((بَخٍ، ذاك مالٌ رابحٌ، ذاك مالٌ رابحٌ، وقد سمعتُ، وأنا أرَى أن تجعلَها في الأقربِينَ))، فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول اللهِ، فقَسمها أبو طلحة في أقاربِه وبَنِي عمِّه (4) .
وعنِ ابنِ عُمَرَ رضِي اللهُ عنهما، قال: أصابَ عُمَرُ أرضًا بِخَيبرَ، فأَتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتأمِرُه فيها، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إِنِّي أَصبْتُ أرضًا بخَيبرَ، لم أُصِبْ مالًا قَطُّ هو أَنْفَسُ عندي منه؛ فما تَأْمُرُني به؟ قالَ: ((إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَها، وَتَصَدَّقْتَ بها، قال: فَتَصَدَّقَ بها عُمَرُ؛ أَنَّهُ لا يُباعُ أَصْلُها، ولا يُبْتاعُ، ولا يُورَثُ، ولا يُوهَبُ، قال: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ في الفُقراءِ، وفي القُرْبَى، وفي الرِّقابِ، وفي سَبيلِ اللهِ، وابنِ السَّبيلِ، والضَّيْفِ...)) الحديث (5) .
الفوائد التربوية:
1- تحريضُ المؤمنين على نَيْل البِرِّ بتقديم محبَّة الله تعالى على محبَّة الأموال، فبالنُّزول عمَّا يحبُّون، وببذل الطَّيِّب من المال، سخيَّةً به نفوسُهم، تحصُل تزكيةُ النَّفْس من بقيَّة ما فيها من الشُّحِّ، والتَّحرُّر من استرقاقِ المال، ومن حبِّ الذَّات (6) .
2- الشيء الَّذي تتعلَّق به النَّفسُ كثيرًا هو الَّذي تَشُحُّ النفس في إنفاقه؛ لذا كان إنفاقُه علامةً على قوَّة الإيمان؛ لأنَّه لا يُدفع القويُّ إلَّا بما هو أقوى منه، كما قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (7) .
3- في الإنفاقُ من المال المحبوبِ صلاحٌ عظيمٌ للأمَّة؛ إذ تجود أغنياؤها على فُقرائِها بما تَطمَح إليه نفوسُهم من نفائسِ الأموال، فتشتدُّ بذلك أواصرُ الأُخوَّة، ويَهنأ عيشُ الجميع (8) .
4- تحرِّي الإخلاصِ في النَّفقة؛ فالله لا يَخفَى عليه شيءٌ من مقاصد المنفِقين، ولا يَعْزُب عنه شيءٌ منه، حتَّى يُجازي صاحبَه عليه جزاءَه في الآخِرة، قال تعالى: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (9) .
الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:
1- في قوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92]، إشارةٌ إلى أنَّ افتتاح الكلام ببيان بعض وسائل البرِّ- إيذانٌ بأنَّ شرائع الإسلام تدور على محور البِرِّ، وأنَّه معنًى عظيمٌ لا يَخْرِم حقيقتَه إلَّا ما يُفضي إلى نقْض أصلٍ من أصول الاستقامة (10) .
2- المقصودُ من قوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ أمران: أولهما التحريضُ على الإنفاقِ، والتنويهُ بأنَّه من البرِّ، وثانيهما: التنويهُ بالبرِّ الَّذي الإنفاقُ خَصلةٌ من خِصاله (11) .
3- في قوله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ إثباتُ الأسباب، حيث إنَّ الله أثبتَ للبرِّ سببًا، وهو الإنفاق ممَّا نحبُّ (12) .
4- كلمة (من) في قوله: مِمَّا تُحِبُّونَ للتبعيض؛ فمِن فضْل الله تعالى علينا أنِ اكتفى منَّا في نَيل البرِّ بأن نُنفق ممَّا نحبُّ، ولم يَشترطْ علينا أن ننفق جميعَ ما نحبُّ (13) .
5- قوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ يُوهِم أنَّ إنفاقَ غير هذا المقيَّد غيرُ نافع، فأَتْبَعه بقوله: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ؛ ليُفيد تعميمَ أنواع الإنفاق، فلا يضيِّق عليكم، بل يُثِيبكم عليه (14) .
6- يُؤخَذ من قوله: فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ: إثباتُ الجزاء، وأنَّ كلَّ إنسان سيُجازى بعمله؛ إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشرٌّ؛ لأنَّ المراد من إثبات العِلم إثباتُ ما يترتَّب عليه (15) .
بلاغة الآية:
1- قوله تعالى: فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ: فيه- مع التأكيدِ بـ(إنَّ)، واسميَّة الجملة- كنايةٌ لطيفة، وتعريضٌ حسَنٌ؛ فهو خبَرٌ مرادٌ به الوعدُ والتبشيرُ بعِظَم الجزاء، والترغيبُ في إنفاق الجيِّد، والتحذيرُ عن إنفاق الرَّديء. والتقدير: وما تُنفقوا من شيءٍ فإنَّ الله به يُجازيكم، قلَّ أم كثُر؛ لأنَّه عليمٌ به لا يَخفَى عليه شيءٌ منه، فجَعَل كونه عالِمًا بذلك الإنفاقِ كنايةً عن إعطاء الثواب، والتعريضُ في مِثل هذا الموضع أبلغُ من التصريح (16) .
- وهو تعليلٌ لجوابِ الشَّرطِ واقعٌ موقِعَه، أي: فمُجازيكم بحَسَبه، جيدًا كان أو رديئًا؛ فإنَّه تعالى عليمٌ بكلِّ شيءٍ تُنفِقونه علمًا كاملًا بحيثُ لا يَخفَى عليه شيءٌ من ذاته وصِفاته (17) .
- في قوله: بِهِ عَلِيمٌ قدَّم الجارَّ والمجرور على مُتعلِّقه؛ لفائدتين: الأولى لفظيَّة، وهي: مراعاةُ فواصلِ الآيات، والثانية معنويَّة، وهي: بيانُ الاعتناءِ بهذا المقدَّمِ حتَّى كأنَّ الله تعالى حصَرَ عِلمَه به (18) .
2- قوله: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ: تذييلٌ، قُصِد به تعميمُ أنواعِ الإنفاق، وتبيينُ أنَّ الله تعالى لا يَخفى عليه شيءٌ من مقاصِد المنفِقين، وقد يكونُ الشيءُ القليل نفيسًا بحسَب حال صاحبِه.
اللهم اجعلنا من اهل البر واجعل كل اعمالنا لوجهك الكريم.
تفسير الآية:
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا بيَّن اللهُ سُبحانَه في الآيةِ السابقةِ أنَّ الَّذين كفروا لن يُقبل من أحدِهم أعظمُ ما يُنفقه لتخليصِ نفْسِه في الآخِرة ممَّا يَلحَقه من الشدائد، حضَّ المؤمنين على الإنفاق، وبيَّن أنَّ الأحبَّ منه أجدرُ بالقَبول؛ وأنَّه يَبلُغ بصاحبه إلى مرتبة البرِّ (1) ، فقال:
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
أي: لنْ تُدركوا الخيرَ الكثيرَ من اللهِ بتفضُّله عليكم، بإدخالِكم الجَنَّةَ، وصَرْفِ العذاب عنكم- الَّذي يُطلَب بطاعة الله وعبادته- حتَّى تُنفقوا وتتصدَّقوا من أموالِكم الَّتي تحبُّها قلوبُكم (2) .
وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
أي: ومهما تُنفقوا من شيءٍ من أموالِكم، فإنَّ الله ذُو عِلم به، ويُجازي صاحبَه عليه جزاءَه في الآخِرة، ويُثيبه على ما أَنفَقَ (3) .
عن أنسِ بن مالكٍ رضِي اللهُ عنه، قال: كان أبو طلحةَ أَكثرَ أنصاريٍّ بالمدينة مالًا، وكان أحبَّ أموالِه إليه بَيْرَحاءُ- وكانتْ مستقبلةَ المسجِد، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يدخُلها ويَشرَب من ماءٍ فيها طيِّب- قال أنس: فلمَّا نزلت: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا ممَّا تُحِبُّونَ، قال أبو طلحة: يا رسولَ اللهِ، إنَّ الله يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا ممَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيرَحاءُ، وإنَّها صدقةٌ لله أرجو بِرَّها وذُخرَها عند الله تعالى؛ فضعْها يا رسول اللهِ حيث أراك الله تعالى، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((بَخٍ، ذاك مالٌ رابحٌ، ذاك مالٌ رابحٌ، وقد سمعتُ، وأنا أرَى أن تجعلَها في الأقربِينَ))، فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول اللهِ، فقَسمها أبو طلحة في أقاربِه وبَنِي عمِّه (4) .
وعنِ ابنِ عُمَرَ رضِي اللهُ عنهما، قال: أصابَ عُمَرُ أرضًا بِخَيبرَ، فأَتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتأمِرُه فيها، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إِنِّي أَصبْتُ أرضًا بخَيبرَ، لم أُصِبْ مالًا قَطُّ هو أَنْفَسُ عندي منه؛ فما تَأْمُرُني به؟ قالَ: ((إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَها، وَتَصَدَّقْتَ بها، قال: فَتَصَدَّقَ بها عُمَرُ؛ أَنَّهُ لا يُباعُ أَصْلُها، ولا يُبْتاعُ، ولا يُورَثُ، ولا يُوهَبُ، قال: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ في الفُقراءِ، وفي القُرْبَى، وفي الرِّقابِ، وفي سَبيلِ اللهِ، وابنِ السَّبيلِ، والضَّيْفِ...)) الحديث (5) .
الفوائد التربوية:
1- تحريضُ المؤمنين على نَيْل البِرِّ بتقديم محبَّة الله تعالى على محبَّة الأموال، فبالنُّزول عمَّا يحبُّون، وببذل الطَّيِّب من المال، سخيَّةً به نفوسُهم، تحصُل تزكيةُ النَّفْس من بقيَّة ما فيها من الشُّحِّ، والتَّحرُّر من استرقاقِ المال، ومن حبِّ الذَّات (6) .
2- الشيء الَّذي تتعلَّق به النَّفسُ كثيرًا هو الَّذي تَشُحُّ النفس في إنفاقه؛ لذا كان إنفاقُه علامةً على قوَّة الإيمان؛ لأنَّه لا يُدفع القويُّ إلَّا بما هو أقوى منه، كما قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (7) .
3- في الإنفاقُ من المال المحبوبِ صلاحٌ عظيمٌ للأمَّة؛ إذ تجود أغنياؤها على فُقرائِها بما تَطمَح إليه نفوسُهم من نفائسِ الأموال، فتشتدُّ بذلك أواصرُ الأُخوَّة، ويَهنأ عيشُ الجميع (8) .
4- تحرِّي الإخلاصِ في النَّفقة؛ فالله لا يَخفَى عليه شيءٌ من مقاصد المنفِقين، ولا يَعْزُب عنه شيءٌ منه، حتَّى يُجازي صاحبَه عليه جزاءَه في الآخِرة، قال تعالى: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (9) .
الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:
1- في قوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92]، إشارةٌ إلى أنَّ افتتاح الكلام ببيان بعض وسائل البرِّ- إيذانٌ بأنَّ شرائع الإسلام تدور على محور البِرِّ، وأنَّه معنًى عظيمٌ لا يَخْرِم حقيقتَه إلَّا ما يُفضي إلى نقْض أصلٍ من أصول الاستقامة (10) .
2- المقصودُ من قوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ أمران: أولهما التحريضُ على الإنفاقِ، والتنويهُ بأنَّه من البرِّ، وثانيهما: التنويهُ بالبرِّ الَّذي الإنفاقُ خَصلةٌ من خِصاله (11) .
3- في قوله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ إثباتُ الأسباب، حيث إنَّ الله أثبتَ للبرِّ سببًا، وهو الإنفاق ممَّا نحبُّ (12) .
4- كلمة (من) في قوله: مِمَّا تُحِبُّونَ للتبعيض؛ فمِن فضْل الله تعالى علينا أنِ اكتفى منَّا في نَيل البرِّ بأن نُنفق ممَّا نحبُّ، ولم يَشترطْ علينا أن ننفق جميعَ ما نحبُّ (13) .
5- قوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ يُوهِم أنَّ إنفاقَ غير هذا المقيَّد غيرُ نافع، فأَتْبَعه بقوله: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ؛ ليُفيد تعميمَ أنواع الإنفاق، فلا يضيِّق عليكم، بل يُثِيبكم عليه (14) .
6- يُؤخَذ من قوله: فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ: إثباتُ الجزاء، وأنَّ كلَّ إنسان سيُجازى بعمله؛ إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشرٌّ؛ لأنَّ المراد من إثبات العِلم إثباتُ ما يترتَّب عليه (15) .
بلاغة الآية:
1- قوله تعالى: فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ: فيه- مع التأكيدِ بـ(إنَّ)، واسميَّة الجملة- كنايةٌ لطيفة، وتعريضٌ حسَنٌ؛ فهو خبَرٌ مرادٌ به الوعدُ والتبشيرُ بعِظَم الجزاء، والترغيبُ في إنفاق الجيِّد، والتحذيرُ عن إنفاق الرَّديء. والتقدير: وما تُنفقوا من شيءٍ فإنَّ الله به يُجازيكم، قلَّ أم كثُر؛ لأنَّه عليمٌ به لا يَخفَى عليه شيءٌ منه، فجَعَل كونه عالِمًا بذلك الإنفاقِ كنايةً عن إعطاء الثواب، والتعريضُ في مِثل هذا الموضع أبلغُ من التصريح (16) .
- وهو تعليلٌ لجوابِ الشَّرطِ واقعٌ موقِعَه، أي: فمُجازيكم بحَسَبه، جيدًا كان أو رديئًا؛ فإنَّه تعالى عليمٌ بكلِّ شيءٍ تُنفِقونه علمًا كاملًا بحيثُ لا يَخفَى عليه شيءٌ من ذاته وصِفاته (17) .
- في قوله: بِهِ عَلِيمٌ قدَّم الجارَّ والمجرور على مُتعلِّقه؛ لفائدتين: الأولى لفظيَّة، وهي: مراعاةُ فواصلِ الآيات، والثانية معنويَّة، وهي: بيانُ الاعتناءِ بهذا المقدَّمِ حتَّى كأنَّ الله تعالى حصَرَ عِلمَه به (18) .
2- قوله: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ: تذييلٌ، قُصِد به تعميمُ أنواعِ الإنفاق، وتبيينُ أنَّ الله تعالى لا يَخفى عليه شيءٌ من مقاصِد المنفِقين، وقد يكونُ الشيءُ القليل نفيسًا بحسَب حال صاحبِه.
اللهم اجعلنا من اهل البر واجعل كل اعمالنا لوجهك الكريم.