تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العفو والتسامح وضوابطه


*عبدالرحمن*
2019-10-19, 15:44
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


إن الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله.

أما بعدُ:

عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

رواه الترمذي (1987)، وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ "

وصححه الألباني بمجموع طرقه في "السلسة الصحيحة" (3 / 361).

يقول الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله -

تعليقًا على الحديث -: "ومعنى ذلك أنك إذا ظُلِمتَ، أو أُسِيءَ إليك، فإنك تعفو وتَصفَحُ

وقد امتدَحَ الله العافِين عن الناس

فقال في صفات أهل الجنةِ: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].

وقال الله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: 237].

وقال تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ﴾ [النور: 22].

وكلُّ إنسان يتصل بالناس فلا بد أن يَجِدَ من الناس شيئًا من الإساءة

فموقفُه من هذه الإساءة أن يعفوَ ويصفَحَ، وليعلَمْ علمَ اليقين أنه بعفوه وصفحه ومجازاته بالحسنَى، سوف تنقلب العداوةُ بينَه وبين أخيه إلى ولايةٍ وصداقةٍ.

قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]"

كتاب العلم؛ لابن عثيمين ص 181

والعفْوُ من صفات الرفعه يومَ القيامة

لأن العفوَ هو أن تترُكَ معاقبةَ كلِّ من يستحق العقوبة

وأنت قادر على عقوبته

روى أحمد (1584) عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ قال

: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( ثَلَاثٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنْ كُنْتُ لَحَالِفًا عَلَيْهِنَّ : لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا ، وَلَا يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا ، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ )

صححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2462) .

واصحاب العفْوُ لهم البشرى بالعز في الدنيا والآخرة

تحقيقاً لقول رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :

( وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً )

رواه مسلم ( 2588 ) من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه

وله الأجر والثواب في الآخرة

ومن ذلك ما قاله تعالى ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ 133 ، 134 .

والسؤالُ الذي يطرح نفسَه:

هل العفْوُ دائمًا محمودٌ حتى إذا استَمرَّ شخصٌ في الإساءةِ إليك

وتمادى في إساءتِه؟

والجوابُ: لا.

فالهدفُ من العفوِ: هو الإصلاحُ

فإن لم يتحقَّقِ الإصلاحُ مع تَكْرارِ العفوِ

وتمادى المُسيءُ في إساءتِه

إلى درجةٍ تتسبَّبُ في الأذَى البالغِ للمُساء إليه

فهنا وجبَ الأخذُ بالحقِّ

والمطالبة بعقوبة المسيء

لذلك قال الشيخُ ابن عثيمين - رحمه الله -:

"قال شيخُ الإسلامِ: الإصلاحُ واجب، والعفوُ مندوبٌ، فإذا كان في العفو فواتُ الإصلاحِ، فمعنى ذلك أننا قدَّمْنَا مندوبًا على واجبٍ، وهذا لا تأتي به الشريعةُ. وصدق رحمه الله"

كتاب العلم؛ للشيخ ابن عثيمين ص 183.

عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ يَتَعَرَّضُ مِنْ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ ) .

رواه الترمذي (2254)

وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

أَيْ: إن الإنسانَ لا ينبغي له أن يترُكَ نفسَه تتعرضُ للإساءة والإهانة باستمرار

مُتَّسمًا بالعفو في موضعٍ لا يؤدِّي العفوُ لإصلاح

زاعمًا أن الشرعَ حثَّ على العفْوِ

بل ينبغي أن يكون المسلمُ عزيزًا بدينِه وتسامحِه

وإذا تحوَّلتِ العزةُ بالعفوِ إلى ذِلَّةٍ وإهانةٍ

فهنا وجَبَ عليه أن يقف وقفةً حازمة

فالله - عز وجل - عادلٌ لا يقبل الإهانةَ والذلَّ

وكما حث سبحانه على العفو

فقد حث أيضًا على القِصاص

والأخذِ حينما يَستدْعي الأمر ذلك.

وقد حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الذين يؤذون المسلمين

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ

فَقَالَ: ( يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ )

رواه الترمذي (2032)

وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

( قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا - غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ .

قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ )

رواه أحمد في "المسند" (2/440)

وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/321)

والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/190)

وهنا وجَبَ التوضيحُ:

أن الأخذَ والقِصاصَ لا يعني:

عدمَ المسامحةِ في القلب

بل تتم المسامحة في القلب مع أخذِ الحقِّ بالجوارحِ؛ ردعًا وزجرًا للمسيء

ليتوقفَ عن إساءتِه

وليس انتقامًا منه.

وماذا بعد الأخذ؟

ما هو الواجبُ على المسلم بعد أخذِ الحقوق وردعِ المسيء؟

يعتمد الأمر هنا على مدى الإساءةِ، وهل كان الأخذ سببًا لردع المسيء أم لا؟

فإن تحقق الإصلاحُ

وتم ردع المسيء

فينبغي على المُسَاءِ إليه أن يعفوَ، ويصفحَ ويسامحَ.

أما إن لم يتحقَّقِ الإصلاح

واستمر المسيء في قناعاتِه بأنه غيرُ مُخطئٍ

واستمر في إساءتِه

فهنا وجَبَ تجنبُه؛ اتِّقاءً لشره وأذاه

وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم من يتجنَّبه الناس اتِّقاءَ شرِّه وفُحْشِه من شِرارِ الناس منزلةً عندَ اللهِ يومَ القيامة فقال:

(يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ) .

رواه البخاري (6032)

*عبدالرحمن*
2019-10-19, 15:44
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" من الحكمة استعمال اللين في معاشرة المؤمنين

وفي مقام الدعوة للكافرين

كما قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ 159

وقال : (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه/ 44

فأمر باللين في هذه المواضع وذكر ما يترتب عليه من المصالح

كما أن من الحكمة استعمال الغلظة في موضعها .

قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) التحريم/ 9

لأن المقام هنا مقام لا تفيد فيه الدعوة

بل قد تعين فيه القتال

فالغلظة فيه من تمام القتال

وقد جمع الله بين الأمرين في قوله في وصف خواص الأمة (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) الفتح/ 29 "

انتهى من " تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام " ( ص 312 ) .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

" الانتقام له موضع يحسن فيه ,

والعفو له موضع كذلك ,

وإيضاحه أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله

, ألا ترى أنّ من غصبت منه جاريته –

مثلاً - إذا كان الغاصب يزني بها فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور تنتهك به حرمات الله ؟!

فالانتقام في مثل هذه الحالة واجب ,

وعليه يحمل الأمر ( فَاعْتَدُوا ) الآية

, أي : كما بدأ الكفار بالقتال فقتالهم واجب ,

بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه من المسلمين بكلام قبيح ونحو ذلك فعفوه أحسن وأفضل .

وقد قال أبو الطيب المتنبي :

إذا قيل حِلمٌ قال للحِلم موضعٌ *** وحِلمُ الفتى في غير موضعه جهلُ "

انتهى من " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ( ص 32 ، 33 ) .

و الله اعلم

masymars
2019-10-19, 19:18
شكرا على هذا الموضوع

ترانيم رووح
2019-10-19, 21:39
جزاك الله كل الخير على الطرح المميز
بارك الله لكم وبارك لنا في اناملكم

*عبدالرحمن*
2019-10-22, 14:54
شكرا على هذا الموضوع

الحمد لله الذي برحمته تتم الصالحات

الشكر موصول لحضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عنا كل خير