تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العاشقةُ الخرساء


علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-16, 20:09
بسم اللهِ الرحمنِ الرحيم.
مصارحةٌ وَالتماسُ عذرٍ.

أيها المارّون من هنا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ أمدٍ بعيدٍ شرعتُ في نشر "قصّتي" هذه هنا، ولكن لم يكتب الله لي مواصلة نشرها، نتيجة أنه حصلت بعض سوء أعمالٍ طرأ عليها من طرف [...]
بل هناك من رأى أنها يشوبها بعض "الكلام الخادش للحياء"
مما جعلني أغادر المنتدى.
وإن أعيد نشرها اليوم، فإنني آمل ألا يحدث ما حدث سابقًا.
وإذ أقول هذا الكلام، فليس كوني مشرفًا، لعمري أنني أعدّ نفسي عضوًا بسيطًا في هذا المنتدى.
ـــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله أبدأُ، وعلى الله أتوكّلُ.

علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-16, 20:10
أين نقطنُ؟
وما ذلك الضوءُ الذي اشرأبت له الأعناق؟
وماذا يقالُ إذا السائلُ أفحمهُ البرهان؟ وأبكَمه حسن البيان؟
أمّا الكلام فلم يسنح بعدُ سهلهُ، وما انقادَ وعرهُ.
أترى يأتي بعد تلك السنين العجاف، والتي لا يُرى مع مرورها البطيء سوى القيظ والجفاف، أبعد كل ذلك يأتي بما أمتع الدفء بعد الصقيع، وتتدثر النفوس بتلك الخضرة الناضرة؟
وهل بعد الآلام والأحزان تصبح الأشياء جارية في مجاريها جمالاً، وما أودع الله في الأرواح مع حضنها دلالا.
وماذا في الحكاية يا ترى؟!
أ هي حوادث تنثال إثر حوادث؟ أم أنها غير ذلك؟
إنها قصةٌ قد يصبح الواقع فيها خيالاً. لمن لم يعشها.
ومع ذلك فهي الواقع بحلوِ ماضيه، ومرارة حاضره.
وتلك الايام وتداولها.
قصةٌ..
فالعيشُ فيها ألذُّ من السلوى، وقراءتها أطيبُ من زوال البلوى.
ورغم الأشجان فهي سائغة الزلال، وفيها من السحر الحلال.
ومع إعادة السؤال، على ذلك المنوال.
أين نقطن؟!
أَ تُرانا نقطنُ في بروجٍ مشيّدة بأعمدة صنعتها تلك العاشقة الخرساء
وفوق أعمدة الإبداع سقف لشعورٍ عاطفيٍّ يعلوه بوح الهمس، وقد سكت الكلام، ولم يرجعه صدى .
فتدلّى زبرجد الحبرِ، الذي صنعته ذكريات الأشواق، وهي تنبعث من الأعماق، تصنع بالفصيح معجزةً لقصةٍ قال فيها القدر كلمتَه.
وماذا عسى للمرءِ سوى انتظار البيان يتساقط ودقًا يرنو، ثم يعانق ذلك الإنصات.
يحثّ النفسَ على نهم القراءة مرارًا وتكرارا..
فأيُّ سماءٍ لتلك النجمة المتألقة؟ وأيُّ عبورٍ يكون بين دهاليز السطور؟.
إذا تفاقمَ بنا الصمت؟ وقد دُثرنا برداءٍ يُلبسنا استحالة الخروج، بل يحثّنا على التقوقع ثم التموقغ في محرابِ الحرف والبيان .
إنها قصة " فاطمة " الخرساء.
فكونوا مع الموعد لقراءة القصة.. فالسرد ـــ بإذن الله ـــ سوف يطول.
تحياتي.

علي ق. الإبراهيمي

... يتبع

علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-16, 22:50
.../ ...
سجى الليل، واطبق الغسق على الكون، وقد أغطش الظلام.
مرّ الهزيع الثاني منَ الليل، وأحاطتِ العائلة بسرير فاطمة إحاطة السوار بالمعصم.
حيث انتابهم الخوف والقلق، وأصابهم الأرق.. بعد أنِ انطلقتِ الزفرات، وترقرقتِ العَبرات.
وقد أسرجَ الحزن خيولَه، ليتربَّع فوقَ عرشِ الأفئدة المكلومة، والمثقلة بأعباء الهمومِ، وهواجس الآلام.
وفاطمة تصارع الردى في هدوءٍ.
ينبعث الموت من كلّ أرجاء الغرفة. وهو يقصف جسدها ببردٍ وثقلٍ في وزِنه أكثر من الصخورِ الثقال.
ومع صلابة المقاومة بالعلاج الذي كان يقدّمه كلاًّ من ولدها الدكتور " رابح " و كنّتها الدكتورة " عائشة " أمام انهمار سيول المرض يُنذر بلحظات ثم سوف تكون القاضية.
إنّه الموت ! إنه الفراق! و يلتفّ الساقُ بالساق! إنه الرحيل الأبدي.
ومع ذلك فالعائلة تتمسك ببصيص أملٍ في الحياة.
فمن أجل ذلك، فكل العائلة تصادم وتقاوم أن تبقى فاطمة.. لأنها كانت لهم الجدة والأم.
إنها نبع العطاء، وعنوان التضحية والطهر والوفاء.
وبين لحظة وأخرى ينبعث من الغرفة بكاء، ثم ينخفض بسرعة خشية إفاقتها .. وتمتلئ الأعين بالدموع ..
ومع هول المنظر، وخوف المخطر.. تفتح فاطمة عينيها وتحدق في الوجوه مبتسمةً، كأنها تقول:
أن لا خوف عليّ.
فترى العائلة تُسارع إلى فرحٍ تعلوه الأشجان.
ومرت فاطمة المسكينة ليلتها تلك وكم تنهَّدت متألمة زفيرًا متحشرجًا بصدرها وتأوهت.
قاسمها أفراد العائلة السهاد وهجران النوم.. لكنهم بقوا متماسكين تظاهرًا يهدّئون من روعها، ويخفّفون ما تحسه من خوالج و سكرات الموت التي تضطرب بين جوانحها، حتى بزغ الفجر مبشرًا بقرب زوال الديجور من الكون، وطلع الصبح يطارد جحافل الظلام، وأشرقت الشمس ترسل أشعتها الفضية من خلال زجاج النافذة تتسلل بدفئها إلى النفوس الساهرة الحائرة.
ففتحت فاطمة عينيها مرّة أخرى وهي ترنو في الوجوه مشيرةً أنها تريد تقبيل أفراد العائلة واحدًا واحدا.
كأنها تعود بذاكرتها إلى الأيام الخوالي، من رحلةِ الإغتراب، عن أرضِ الأحباب، ومرتعِ الصّبا والشباب.

... يتبع

علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-17, 10:01
.../ ...

وكأنّ بكل واحدٍ من أفراد العائلة يعود بذاكرته إلى الوراء، ليسترجعَ قصة فاطمة الخرساء.
ولا يمحو تلك الذكرى تعاقب الأيام، وكرّ الأعوام، بل ووتتابع الحدثان، واختلاف الملَوان
بل أصبحت تلك القصة محفورة ومنقوشةً في ذاكرة العائلة نقشًا وكيانًا لا يُنسى.
تجد فاطمة ذات الخمسة عشرة سنةً نفسها قد رمت بها الأقدارُ في بلدٍ غير البلد الذي فيه درجت، ومنه خرجت، مقطع سُرّتها، ومجمع أُسرتها.
بلدٌ أنشأتها تربته، وغذاها هواؤه ورباها نسيمه، وحلّت عنها التمائم فيه.
بعد أن حاق بها ظلم وحيف الزمان، إذ أخذ منها كل أفراد عائلتها، شاهدتهم بأم عينيها يدّعون إلى الموت دعًّا
فلم يبق من العائلة إلاّ حسين ابن عمّها الذي يكبرُها بعشرة أعوامٍ، فتجدُ فيه النصير المنقذ.
حيث أصبحت لا سند لها، ولامعين من بعد الله، إلا هو.
فإذا هي في بلدٍ غريبٍ مع ابن عمها.
بلدٌ لا ترى فيه إلا زمهريرَ شتاءٍ، مع سيلٍ عرمٍ يُمزن ويُمطر في كل الفصول. يتخلّل جوّهُ وطقسه هول رعدٍ وبرقٍ، وصيِّبٍ من السماء ينهمر ويدمِّر،
ثم تتحوَّل الطبيعة في لمحٍ مِنَ البصر إلى بردٍ قارسٍ في شكلٍ تركيبةٍ عجيبةٍ من الصقيع.
فإذا فاطمة تبحث مع حسينٍ عن مكانٍ مأوى لهما.
وبعد عناءٍ وجهدٍ جهيدٍ، وتعبٌ شديدٍ يجدان منزلاً مهجورًا يكاد أن ينقضّ، فيتخذاه سكنًا لهما.
وهكذا هي الأيامٌ تكرّ، والليالٍ تمرُّ، ومع ذلك فلا شمسٌ تشرق، ولا قمر يضيء.
وفاطمة مع تقلباتٍ عجاب، رحيلٌ ونزول،فلا إشراقٌ يلوح في الأفق ولكنه أفول.
وترى فاطمة الدنيا ما هي سوى نارٌ واحتراق، وقربٌ وافتراق، ودمعٌ رقراق، ونبضٌ مشتاق، وقلبٌ خفاق.
وحول الموقد تتطلع إلى وجهِ حسين، وما حاق به من ظلم ِالزمان إذ أخذ القدر عائلته هو الآخر، حيث ماتت زوجته وولديه أمام ناظريه نتيجة ذلك الوباء اللعين.
حسين هو الآخر
كأنه تعرّض لغدرٍ أو خديعةٍ، فما ذنبه؟!
مسكينٌ هو.
فهي تدركُ ما يعانه في دواخله.. ولكنها لا تستطيع أن تخفّفَ عنه تبرّمه ولا أحزانه، ولا هي تقدر أن تتحدث إليهِ وذلك لعاهتها. ولكنها ترى فيه تجهمًا فلا هو يؤنس ما حوله، مع أنّه لا يريد أن يريها أو يظهر لها أحزانه، ومع ذلك يعلوه الصمت الكئيب، والسكوت الرهيب.
وتعيد الكرّةَ بالنظرِ إليه، فينقلب النظر إليها خاسئًا، فيتراءَى لها من بعيد هياكل الأموات التي عاشتها في بلدها الأصلي.
وهكذا يسير الزمن بطيئاً كدقات ساعة خشبية رتيبة ومملة.
يقوم حسين في الصباح الباكر بعد أن وجد عملاً ليعودَ في المساء.
وهكذا داوليك.. ومع ذلك فقد مرت ثلاثة أعوام
فإذا بفاطمة الطفلة الخرساء صارت فتاةً ذات ثمان عشر ربيعًا.
تفيضُ أنوثةً وجمالا.
لتبدأَ رحلةً أخرى من العذاب الشقاء.

... يتبع

علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-18, 11:00
.../ ... فاطمةُ..
وإن حرمها الله من نعمةِ النطق والكلام حتى لا تبوح لأحدٍ سيل الذكريات الماضية، وأنهار الأحزان الجارية ، ومشاعر الفؤاد الخافية. كان ذلك الصمت الأبدي. ولكن عوّضها بجمالٍ ساحرٍ، و حسنٍ باهر. يقف الناظرُ إليها منبهرًا مشدوهًا. فقد أخذت من الورد نضارتهُ، ومن البياض ملاحتهُ ونصاعتهُ، ومن السماء زرقة عينيها.
ولن أخطئَ إن قلت:
هي الجمال وقد بدأ في التفتّح.
أُتيت من الجمال ما تُغبط عليه حسدًا، وتتأوّه النفوس حرقةً وهياما.
وما من محدّقٍ إليها إلاّ ويراها ساحرة، وبجمالها باهرة . ولا يقع نظره منها على خلق قبيح أو بشعٍ صريح .. حسبها أنها جمال الجمال الذي لا نظير له ولا مثيل.
وأُتيت منَ الحسن كأنها لوحة إبداعٍ وحيدة، وآية للجمال فريدة. أبدعتها قدرة الخلاّق، تستنطق الألسن بالإعجاب..
فتبارك الله أحسن الخالقين.
ولكنّ المقتربَ منها كالمولع بالسراب، أو الماسك بأضغاث أحلام.
إذ كانت لا تتظاهر لمن حولها بالودّ، ولا بالصفاء. حتى لا يطمع الذي في قلبه بعض الزيغ .
تصد الخطر حينما تتوجس خيفة من هذا أو ذاك بقلبٍ كسير.
ولكنّها تصبر وتتصابر في الموجهة ولا تنهزم. يكتنفها نُهىً لا يعرف عبارات الإعجاب ولا المجاملة، لأنها لا تعيها نظرًا لعاهتها، ولا تفقهها لِما أصابها من أهوال.
وتدرك بالحدس المصائد وتحاذر كل من يقترب منها بعقيدة غامضة كالخرافة، ولكنها راسخة في النفس تقيها وتحميها عند كل مبادهة أو مخاطرة، فتثور وتستنفر، وتصارع دون توانٍ أو وجلٍ أو خور.
وهكذا كان دأبها وديدنها.
ورغم مرور الأيام و بعض الأعوام، ومع تقادم العهد لم يُرَ على محياها ابتسامة. لأنّ الجرح لا يزال غائرًا ولم يلتئم بعدُ. ولم تخرج من أحزانها لأنها تتذكر بل تعيش ما حاق بها.
فقد كانت تحيا في بيتٍ كان ميسورًا يتراوح بين الغنى والثراء، والسؤدد والجاه، ينعم أفراده بالهناءة ورغدالعيش والرضا مع الأمان والسكينة.
لكنّ الدهرَ كان بالمرصاد. وما هي إلا هنيهة وذهب كل شيء، وأصبح كل ذلك أثرًا بعد عين.
وها هو القدر قد رمى بها في بلدٍ غريبٍ مع خلائق لم تألف سحنتهم، ولم تتعوّد طبائعهم.
وتلك الأيام وتداولها.
فانقلبتِ الأمور من غنىً يُثير حسد الخانقين، إلى العيش في منزل ٍمهجورٍ مع فقرٍ يشفي صدور الناقمين.
وواهًا ! من ذلٍّ بعد عزٍّ.
ومع ذلك فالعزاء أن هناك حسين الذي يخفّف عنها ما رافقها من الأرزاء.
ومن هنا تبدأُ الحكاية.
... يتبع

علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-19, 07:08
.../ ...
وها هو حسينٌ لا يدري ماذا يفعل.
إن عاد من العمل في المساء؛ فلا يجد إلاّ سكون المكان، مع ذلك الصمت الأبدي.
وكم يريد أن ينسى ما أصابه من لوعة الافتراق، والقلب قد أتعبه الاحتراق، والنفس أصابها الاختناق، بعد أن نأت به الأيامُ، إذ سامرت دمعه الرَّقراق. ولكنه يُخفي كل ذلك عن فاطمة..
فقد أصبح لها الوكيل المعين، والأخ الودود.
فلم تمرّ أيام على إقامتِهما في تلك البلدة، وأدخلها في مركزٍ لتتعلمَ الخياطةَ لعل ذلك يخرجها مما هي عليه.
وأمتثلت لأمره على مضضٍ.
وأصبحت كل يومٍ تُرى وهي ذاهبة صباحًا، وعائدة مساءً.
وتمرّ الأيام وهي إلى المركز في غدوٍ ورواح.
ورغم عاهتها ومصائبها وعدم الاحتكاك مع بنات جنسها. وذلك لاختلاف المشرب والمذهب، وتباعد العرق والدين. إلاّ أن فاطمة تقدمت في ذلك.. بل صارت يُشار لها بالبنان في فن الخياطة والطرز والتفصيل.
مما حدى بمديرة المركز أن تشيرَ عليها أن تتعلّم مبادئ القراءة والكتابة بلغة القوم، وسوف ترى أي مستقبل تحياه.
فقبلت فاطمة، ولكن أخفت ذلك عن حسين لشيء في نفسها.
وهكذا أصبحا لا يلتقيان إلاّ عندما يحين المساء.
ومع ذلك الصمت الرهيب، مع دجى ظلامٍ يبقى جاثمًا، ولا يبدده سوى ضوء سراجٍ خافت.
وحتى عند تناول الطعام لم يلمحها حسين أن تناولت معه، أو قاسمته وجبة عشاءٍ.
دأبها أنها تقدّم له ما قامت بطهيهِ ثم تعود إلى مكانها في طرفٍ من الغرفة تنظر إليه في صمتها المعهود.
وكأنّ قلبها صار صخرًا مبثوثا بين أحجاره، عساه يعلُّ ويغلُّ.
في هذا المساء تعب حسين من هذا..
إنه العذاب مع العيش الضنك.. وخارت قِواه فصرخ في وجهها:
ـــ ارحميني.. ارحميني! فلم أعد أحتمل.. فأنا كذلك فقدتُ كل شيءٍ.
لماذا تزيدينني بفواجع ومواجع فيكِ، وقد فقدتُ من الأهلِ والأخلاّءِ مثلكِ أو يزيد؟.
ثم زمجر وثار كالمجنون .. وهو يقول:
ـــ ألا يكفُّ هذا الدهر، عن هذا الأسى الذي لا يتوقّف؟ أما آن لهذه الأشجان أن تنتهي؟ .. تعبتُ ! تعبتُ وقد سلّمتُ أمري، واستسلمتُ للمصائب طوعًا وخضوعًا وخنوعا..
ليت المنيّةَ رمت بنا في ذلك الوادي السحيق، وأخذتنا كما أخذت الآخرون ..لَكُنَّا قد ارتحنا من هذا العيش الخانق للشهيق والزفير.
لماذا لا يتوقّف يومًا، أو ساعةً، أو حتّى هنيهةً هذا الأذى والإيجاع؟
أَ مِن العدل أن نُرمى هكذا في بقعةٍ من الأرض لا نعرف شيئًا عنها من خريطة الكون؟!
أ نُقذَف هكذا كشهبٍ انفصلت عن كواكبها نزقًا أو غضبًا لشعورها بفراغ ممل لدورانها، وتاهت بين الأفلاك عن مدارها، وخرجت بدون وعي منها عن خط سيرها؟ أهكذا نحن يا بنت العم؟.
صدقيني يافاطمة.
قد تندثر الأرضُ، والجبال تلقي حِممًا متزاحمةً مترامية، أو تصبح كالعهن المنفوش، وقد تتبخّر البحارُ والمحيطات ويصير ماؤها كُتَلاً من الركام وقتامًا من السحاب، أو تصير براكينَ هائجةً مائجةً لا تُبقي ولا تذر، وتُطوى السماواتُ كطي السجل للكتب أهون عليَّ من أن أراكِ هكذا.. آه يا فاطمة .. فأنا وأنتِ من بقي من الأهل والأحباب. فقد خسرتُ كل شيءٍ، و لستُ على استعداد أن أخسركِ يا أختاهُ الصغيرة .
ثم سكت ممتلئًا غضبًا مشوبًا بالحزن.
فما كان من فاطمة أن قامت وذهبت لتقبّل يده كعادتِها قبل أن تذهبَ إلى النوم في طرف من أطراف الغرفة.
وبقي حسين ساهرًا يفكّر في الأمر .
لعلّه يجد هدى.
أحبّتي وخِلاّني..
لا تضجروا إن المقام سوف يطول.
... يتبع

زهرة جوري
2019-10-21, 22:28
أنا من متتبعي القصة
.....

علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-22, 15:29
أنا من متتبعي القصة
.....

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحترمة/ زهرة جوري
يا أختاهُ
مازلنا نقتطف ثمار الحروف طازجة في هذه القصة، ثم نهديها إلى من يتذوق عذب الضاد بأطباق من زبرجد البيان والبليغ.
أختاه
فكوني من المتابعين
فلكِ قوافل الشكر قِرًى، ما دمتِ متابعة، أو حتى لم تتابعي ما نخطه.
تحياي

علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-22, 15:35
.../ ...
بان الصبحُ ولم تظهر تباشير الصباحِ وإشراقه.
فتحرّكت فاطمة في فراشها مستيقظة.. حتى وأنها لم تنم ليلتها.
استيقظت لتقومَ بتحضيرِ زاد حسين كعادتها.
في حين أن حسينَ كان قد انتهى من صلاته وتهجده، مادام أن الأرقَ والسهاد قد سرق النومَ من عينيه.
فتناول قهوته ثم حمل زاده، وتهيأ للخروج ذاهبًا الى عملهِ ..
فتقدمت إليه فاطمة كعادتها لتودّعه، ولكن هذه المرة قبّلت رأسه .
وبقيت تنظر إليه وهو سائرًا في طريقه حتى توارى عن نظرها.
تذكرت فاطمة ثورة حسين أمس..إلاّ أنها لم تفقه ما كان يقوله.. ولكنّها شعرت وأحسّت بالغضب أصابه بسببها، فأنّبت نفسها وكم أشفقت عليه.
وهو الذي وجدت فيه عضدًا ونصيرا. كما وجدت معه من يضمد جراح وكلوم السنين.
وأخًا صاحب قلبٍ يحميها من تقلبات الأيام.
وما هي إلاّ ساعة وذهبت هي الأخرى إلى المركز كعادتِها، وعند وصولها للمركز وجدت أنّ فترة بعض الظهر لا تعليم ولا تدريب فيها بسبب أن من تقوم بتعليم فتيات المركز أصيبت بوعكة صحية.
وفي منتصف النهار وهي عائدة للمنزل سائرة بين الحقول تريد أن ترفه عن نفسها بمشاهدة ما يروّح عن نفسها مع تلك الطبعية الغنّاء.
وعلى طرف الوادي وقفت فاطمة تستنشق النسيم العليل، وهي ترعي بسمعها تغريد البلابل على الأفنان.
ثم أجلت بطرفها في تلك الأنحاء وهي تنظر إلى الأزهار، وكأن الطبيعة تشكّلت فأصبحت بساطًاً مزركش الألوان، صار لوحة بديعة فاقت محاسنها، فهي تسرّ الناظرين.
وفاطمة على تلك الحال والمنوال.
لاح لها منظر غابة بها أشجار السندان والصفصاف الوارفة الظلال.. فتذكرت مسقط رأسِها في بلدتها بغاباتها وأحراشها.. تذكرت رياضها المخضرّة بسهولها ذات بساطٍ من الأعشاب والأزهار التي تأخذ بالألباب. فقررت التجوال والتنزه في الغابة ..ثم أن المساء لم يأتِ بعدُ
فذهبت بفكرها بعيدًا.
وها هي الأيام قد طوت ذلك العهد بالسعادة كان حافلاً ، ولكنه الآن صار آفلا . إن هو إلاّ حال الأيام، وقد أظهرت عجائب مكرها، و غرائب دهرها، فالأحبة قد رحلوا وابتعدوا عن المزار، وتطاول البعد و نأي الديار.
و هي في تأملاتها .. بان لها أن وجدت بتلك الغابة ما كانت تشاهده عندما كانت تخرج في نزهةٍ بغابات بلدتها من أعشابٍ وأزهارٍ وأطيارٍ .
فوجدت انواعًا من الكمأة والفطر.
فتذكرت والدها، وهو يشير لها أن حذاري! يافاطمة أن هناك أنواعًا من الفطر هي سامة قاتلة.
بل أنه بيّنَ لها تلك الأنواع السامة ، وكم كان يشير لها:
ـــ أيّاكِ أن تقتربي منها، أو تقتلعيها، أو تضعينها في فمكِ.
تذكرت كل ذلك عندما رأت ذلك الفطر السام موجودًا بهذه الغابة. عقلته و عرفته تمام المعرفة ..
فجمعت قدرًا كبيرًا منه وجلست تحت شجرة، ثم بقيت ترنو إليه و ترفع رأسها إلى السماء.
ويا لها من هول ما أقدمت عليه!
..فقد بدأت بتناوله الواحدة تلو الأخرى.. وماهي إلاّ لحظاتٍ حتى
خارت قواها بقيت بلا حراكٍ.
صادف أن شيخًا كان من هواة جمع وجني الكمأة والفطر كان بذلك المكان ، ورأى ما أقدمت عليه.
فذهب مسرعًا إلى الطريق العام و أخبر المارة ..فجاء رجال الإسعاف فوجدوا فاطمة جثة هامدة.
فتأكدوا أنها أقدمت على وضعٍ حدّ لحياتها.
فحملوها إلى المستشفى لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرًا كان مفعولا.
فهل أنتم منتظرون؟

... يتبع

علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-25, 18:00
.../ ...

عاد حسين من عملهِ بعد يومٍ مضنٍ قضاه في عملٍ شاقٍّ في البناء.
ولكنه وجد المنزلَ خاليًّا يكتنفه بعض السكون الرهيب، وليس لفاطمة من أثرٍ.. فانتابه القلق، ولكنه قال في قرارة نفسه:
ــ ربما هي لا تزال في المركز.. يظهر أنّ موعد اختبارات التخرّج، وإنهاء التدريب قد قارب على نهايته.. أكثر من ثلاث سنوات من التربص.. ثم أين تذهب؟! وهي لا تعرف من الدنيا شيئًا !..
وكأنّه يلهي نفسه ببعض الاطمئنان.. وبعد هنيهة زاد قلقه وأخذته هواجس السؤالِ، وعلامات استفهام تنبئ بسوء الحالِ.
وشردتِ الأفكار، فكان جلّ منواله التطلع إلى الخارج لمراقبة الأجواء لعلّه يراها من بعيدٍ وهي آتية.. وسوف يحاسبها حسابًا عسيرًا، أو لِتأتيَه ببرهانٍ مبينٍ يشفع لها على تأخرها ..
ولكنه لم يلمح شيئًا.. ما عدا بعض الناس كل واحد يهرع إلى بيته. بعد أن أوشكتِ الشمس إذانًا بالغروب. والغروبُ رسول الدجى .. ومع ذلك الترقب والقلق دخل المنزل.. وما إن هو منهمكٌ في إشعال الموقد فإذا بالباب يُطرق طرقًا عنيفًا. فخرج ليستطلعَ منِ الطارق.. فإذا به أمام رجلين من شرطة المدينة.. فأوجس منهما خيفةً.
فتقدما منه لإلقاء عليه بعض الأسئلة:
ــ مساء الخير.. هل تسكن هنا في هذا المنزل المهجور؟
ــ مساء الخير.. نعم..
ــ هل تسكن وحدك ؟
ــ لا.. تسكن معي أختي.. بل إبنة عمي.
ـــ هل لنا أن نعرفَ أين هي الآن؟
فتلعثم لسانه .. وقال :
ـــ هي بمركز تعلُّم الخياطة والطرز والنسيج .
ــ أ متأكّدٌ أنت فيما تقول؟
ــ نعم، نعم.. اِنتظرا.. لا، لا.. لست ادري.
ــ إذًا هيا معنا إلى المخفر لنأخذَ أقوالك.
ــ ماذا حصل، أرجوكما؟!.
ــ هناك سوف تعرف كل شيءٍ.
فكاد الخوف يقتل حسين.. لأنه لم يتعود مقابلة رجال الأمن، وكذلك قلقه وخوفه على فاطمة.. لأن الاستفسار والإشارة لها جاء على لسان الشرطيين.
وفي المخفر أعادوا ــ بعد أن اِطّلعوا على بطاقة تعريفه ــ عليه نفس الأسئلة مستفسرين منه عن مكان وجود فاطمة الآن.
ولكنه لا يدري.
وأخذت الأسئلة منحى آخر.. إذ سأله مفتش الشرطة:
ــ كيف كان عيشك مع البنت؟
ــ نحيا معًا حياة عادية.
ــ هل هي أختك؟
ــ لا ..هي بنت عمي .
ــ هل كانت لطيفة معك؟
ــ بعض الشيء ..
ــ ليتك تحدّد ما تعنيه
ــ هي دائمًا متبرمة ومتجهمة.
ــ لماذا ذلك؟
ــ لست أدري.. هو ذلك طبعها وديدنها.
ــ عندما تتحدث معك ماذا كانت تقول لك؟
ــ هي لم تتحدث معي.
ــ هي لا تقدر أن تتحدثَ معي .
ــ كيف، ولماذا لا تقدر؟ هل تخاف منك؟ هل كنت تضربها؟..
ــ قلتُ لك يا سيدي هي لا تقدر على الحديث معي.
...
وقدح حسين زناد أفكاره لعلّه يجد مفردة " خرساء " بلغة هؤلاء القوم.. ولكنه عبثًا كان يحاول.
فلم يعثر على ما يقابل تلك الكلمة.. فاسودّت الدنيا بوجهه.. وتذكر قوله تعالى:
" ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ".
هنا أقسم حسين في قرارة نفسه.. أنه سوف يتعلّم لغة القوم قراءة وكتابة ويتقنها مثلهم في المستقبل.
عندها واجهه مفتش الشرطة بهذا الكلام:
ــ السيد حسين أنت متّهمٌ بالضغط ومعاملة إبنة عمك بقسوة.. نتج من خلال ذلك أنها انتحرت، ووضعت حدًّا لحياتها.. لأجل ذلك سوف نقوم بحبسك على ذمّة التحقيق .
يا للمصيبة! وهول ما سمع!
اِنتحرت .. اِنتحرت.
ثم تمتم..
"ربّ " أَنِّي مغلوبٌ فانتصِر.
...
وما هي إلاّ لحظات ودخل شرطيّ وأسرّ في أذن المفتش ..
ــ سيدي قد عملوا لها غسيل معدة، وأنها لا تزال على قيد الحياة .
فتهلّل وجه حسين بِشرًا.
اِنتظروني.

... يتبع

زهرة جوري
2019-10-27, 19:35
..............

وَحْـــ القلَمْ ـــيُ
2019-10-27, 21:30
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
،.
نحن في زيارة من حين لآخر لقسم القصة بما ييسره الله تعالى لنا؛ من أجل تشجيع من يعطوننا من أوقاتهم ليطلعونا على ما تفيض به أقلامهم من روايات
ومرويات وذلك بالنقد والتقويم على حد سوى
فبسم الله العزيز الرحيم نبدأ

:،:

منذ أمدٍ بعيدٍ شرعتُ في نشر "قصّتي" هذه هنا،
بل هناك من رأى أنها يشوبها بعض "الكلام الخادش للحياء"
مما جعلني أغادر المنتدى.
وإن أعيد نشرها اليوم، فإنني آمل ألا يحدث ما حدث سابقًا.



كملاحظة أولية؛ فمادامت القصة لا تخالف قوانين القسم المشار إليها من الإدارة فلن يطالها سوء بإذن الله
:،:




أين نقطنُ؟
وما ذلك الضوءُ الذي اشرأبت له الأعناق؟
وماذا يقالُ إذا السائلُ أفحمهُ البرهان؟ وأبكَمه حسن البيان؟
أمّا الكلام فلم يسنح بعدُ سهلهُ، وما انقادَ وعرهُ.
أترى يأتي بعد تلك السنين العجاف، والتي لا يُرى مع مرورها البطيء سوى القيظ والجفاف، أبعد كل ذلك يأتي بما أمتع الدفء بعد الصقيع، وتتدثر النفوس بتلك الخضرة الناضرة؟
وهل بعد الآلام والأحزان تصبح الأشياء جارية في مجاريها جمالاً،



الأسلوب قوي جزل من مبتدئه
وتخللت ثنايا مقدمته الحزينة أوصاف ملفتة
،.
(لكن الأسطر الأربعة الأولى بدت لي نوعا ما منفصلة عن النص الذي تلاها

ولم أحسن إيجاد رابطة بينهما)



.../ ...
سجى الليل، واطبق الغسق على الكون، وقد أغطش الظلام.
مرّ الهزيع الثاني منَ الليل،





النقطة الايجابية هنا -وفي ماسيلحق من القصة- استعمال كلمات مرتبطة في آذهاننا بآيات قرآنية

لكن هنا بالذات حدث تكرار عند وصف الليل "أطبق الغسق" و "أغطش الظلام" وهو تكرار غير محمود مادام الغسق الظلام ذاته
أما لو اعتبرنا "الغسق أول ظلمة الليل" كما تفيد بعض المعاجم يصير هناك تضارب مع عبارة "مر الهزيع الثاني"


..يتبع

[]كسؤال جانبي فقط مادمتم قمتم بتثبيت القصة ما المعايير التي تعتمدون عليها في ترشيح المواضيع ليتم تثبيتها؟ []

علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-27, 22:02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
،.
نحن في زيارة من حين لآخر لقسم القصة بما ييسره الله تعالى لنا؛ من أجل تشجيع من يعطوننا من أوقاتهم ليطلعونا على ما تفيض به أقلامهم من روايات
ومرويات وذلك بالنقد والتقويم على حد سوى
فبسم الله العزيز الرحيم نبدأ

:،:

كملاحظة أولية؛ فمادامت القصة لا تخالف قوانين القسم المشار إليها من الإدارة فلن يطالها سوء بإذن الله
:،:


الأسلوب قوي جزل من مبتدئه
وتخللت ثنايا مقدمته الحزينة أوصاف ملفتة
،.
(لكن الأسطر الأربعة الأولى بدت لي نوعا ما منفصلة عن النص الذي تلاها

ولم أحسن إيجاد رابطة بينهما)



النقطة الايجابية هنا -وفي ماسيلحق من القصة- استعمال كلمات مرتبطة في آذهاننا بآيات قرآنية

لكن هنا بالذات حدث تكرار عند وصف الليل "أطبق الغسق" و "أغطش الظلام" وهو تكرار غير محمود مادام الغسق الظلام ذاته
أما لو اعتبرنا "الغسق أول ظلمة الليل" كما تفيد بعض المعاجم يصير هناك تضارب مع عبارة "مر الهزيع الثاني"


..يتبع

[]كسؤال جانبي فقط مادمتم قمتم بتثبيت القصة ما المعايير التي تعتمدون عليها في ترشيح المواضيع ليتم تثبيتها؟ []



مرحبا بالمشرفة المبجلة/ وحي القلم
أيتها الاديبة المثقفة الناقدة، أختاه.
باديء ذي بدء.
أريد أن أرد على على أشرت عليه بالأحمر.
لكِ الحق وواجب عليكِ أن استفسري عن التثبيت.
ولكن يا أختاه
كان الإبراهيمي ولن يكون أن يثبّت عملاً له.
ولو تنتبه أختي أنني بدأتُ بتوطئة .. حيث قلتُ: "أقول هذا الكلام، فليس كوني مشرفًا، لعمري أنني أعدّ نفسي عضوًا بسيطًا في هذا المنتدى."
لعمري لستُ بمن ثبّت عملي هذا.
وأقول لكِ: من حقّكِ أن تسألي وتستفسري.
وعليه ليتكم تفكّون التثبيت عن تلك القصة.
ومتى ما قُبلت القصة بإستحسان الاعضاء، فلا محالة تبقى في الأعالي، نتيجة الردود عنه.
ــــــــــــ
أما في غير ذلك.
أحسن ما قلتِ حين نقدتِ يا فاضلة.
وما أتيتِ به.. ساأعد الناقدة المحترمة أنني ــ بحول الله ـــ سوف أتحاشاه.
تحياتي يا أختاه.

علي قسورة الإبراهيمي
2019-10-27, 22:10
..............

مرحبا
بأختي/ زهرة جوري الفاضلة.
يكفي أنكِ تمرين بقراءة ما أخطّه في قصتي.
سرني مروركِ يا أختاه.
تحياتي

وَحْـــ القلَمْ ـــيُ
2019-10-27, 23:01
الحديث عن فاطمة حديث ذو شجون
يجعلنا متلهفين لمعرفة ما وراءها؟
:،:

وقبل أن أواصل النقد أذكر أن الأسلوب في جزالته وجماله وحسن ضبطه يشجع على التقدم في القراءة خصوصا لمحبي هذا النوع وأنا -قطعا- منهم
لكني أركز على جانب الأخطاء تقويماً
وأذكر أن هذه الأخطاء هي من وجهة نظري ولعل للكاتب وجه صحة
:،:






ففتحت فاطمة عينيها مرّة أخرى وهي ترنو في الوجوه مشيرةً أنها تريد تقبيل أفراد العائلة واحدًا واحدا.
كأنها تعود بذاكرتها إلى الأيام الخوالي، من رحلةِ الإغتراب، عن أرضِ الأحباب، ومرتعِ الصّبا والشباب.





أولا: الرنو كما أعرف يكون إلى الشيء لا فيه
ثانيا: لا يمكن ابتداء جملة بـ"كأنما" يجب إيجاد جملة تسبقها وتبين محل التمثيل فيها.


ولا يمحو تلك الذكرى تعاقب الأيام، وكرّ الأعوام، بل وتتابع الحدثان، واختلاف الملَوانالملفت استعمال ألفاظ درج عليها العرب القدامى دوننا؛مما يستحثنا على التركيز أكثر مع الكتابة ومحاولة سبر أغوارها.
لكن من أجل ذلك يجب الابتعاد عن التكلف والمبالغة التي تنحو بك الى تكرار غير مستساغ وتضارب في الألفاظ
فهنا "اختلاف الملوان" الذي هو كما عرفت تعبير عن اختلاف الليل والنهار متضمن بـ "تعاقب الأيام" فحدث به تكرار ،هذا أولا
وثانيا وقع خلط في الترتيب الزمني ؛ فذكر الأيام ثم الأعوام ثم الحدثان الذي هو الدهر ثم العودة الى اختلاف الملوان!، فأرى وجوب مراعاة الترتيب.





بعد أن حاق بها ظلم وحيف الزمان، إذ أخذ منها كل أفراد عائلتها، شاهدتهم بأم عينيها يدّعون إلى الموت دعًّا
وحول الموقد تتطلع إلى وجهِ حسين، وما حاق به من ظلم ِالزمان إذ أخذ القدر عائلته هو الآخر، حيث ماتت زوجته وولديه أمام ناظريه نتيجة ذلك الوباء اللعين.
حسين هو الآخر
كأنه تعرّض لغدرٍ أو خديعةٍ، فما ذنبه؟!




طبعا ما يكتبه الكاتب على لسان الشخصيات وخواطرهم قد لا يعبر عنه

ولذلك هنا أعيب على فاطمة ربطها مسمى القدر الالهي بالظلم.


ولكنها ترى فيه تجهمًا فلا هو يؤنس ما حوله،المعنى غير تام

مع أنّه لا يريد أن يريها أو يظهر لها أحزانه، ومع ذلك يعلوه الصمت الكئيب، والسكوت الرهيب.تكرار

فينقلب النظر إليها خاسئًا، فيتراءَى لها من بعيد هياكل الأموات التي عاشتها في بلدها الأصلي.العطف بحرف الفاء وجدت فيه خللا
لأن المعننين لا يستوجبانه.




فاطمةُ..
وإن حرمها الله من نعمةِ النطق والكلام حتى لا تبوح لأحدٍ سيل الذكريات الماضية، وأنهار الأحزان الجارية ، ومشاعر الفؤاد الخافية. كان ذلك الصمت الأبدي. ولكن عوّضها بجمالٍ ساحرٍ، و حسنٍ باهر

ما بالأحمر بدا دخيلا غير مرتبط بما قبله وما بعده
وكذلك لا يحسن قطع الجملة الأولى بنقطة توقف وابتداء أخرى بـ "ولكن"
لو قلت: وإن حرمها الله من نعمةِ النطق والكلام؛ حتى لا تبوح لأحدٍ سيل الذكريات الماضية، وأنهار الأحزان الجارية ، ومشاعر الفؤاد الخافية فقد عوّضها بجمالٍ ساحرٍ، و حسنٍ باهر




هي الجمال وقد بدأ في التفتّح.
هنا خلل..
الجمال لا يتفتح، ولا قرينة تجعل من الجملة استعارة مكنية أوحتى كناية..

وأُتيت منَ الحسن كأنها لوحة إبداعٍ وحيدة،


هنا أجد خطأ صريحا
فخلق الله الإنسان أعظم حتى من وصفك "لوحة إبداع"
فتكون وصفت الشيء بما هو دونه.. هذا لغويا
أما عقديا فأجده مستشكلا حسب فهمي.
كالمولع بالسراب، أو الماسك بأضغاث أحلام.
لو قلبت الفعلين

كالممسك بالسراب، أو المولع بأضغاث أحلام.

وَحْـــ القلَمْ ـــيُ
2019-10-27, 23:42
مرحبا بالمشرفة المبجلة/ وحي القلم
أيتها الاديبة المثقفة الناقدة، أختاه.
باديء ذي بدء.
أريد أن أرد على على أشرت عليه بالأحمر.
لكِ الحق وواجب عليكِ أن استفسري عن التثبيت.
ولكن يا أختاه
كان الإبراهيمي ولن يكون أن يثبّت عملاً له.
ولو تنتبه أختي أنني بدأتُ بتوطئة .. حيث قلتُ: "أقول هذا الكلام، فليس كوني مشرفًا، لعمري أنني أعدّ نفسي عضوًا بسيطًا في هذا المنتدى."
لعمري لستُ بمن ثبّت عملي هذا.
وأقول لكِ: من حقّكِ أن تسألي وتستفسري.
وعليه ليتكم تفكّون التثبيت عن تلك القصة.
ومتى ما قُبلت القصة بإستحسان الاعضاء، فلا محالة تبقى في الأعالي، نتيجة الردود عنه.
ــــــــــــ
أما في غير ذلك.
أحسن ما قلتِ حين نقدتِ يا فاضلة.
وما أتيتِ به.. ساأعد الناقدة المحترمة أنني ــ بحول الله ـــ سوف أتحاشاه.
تحياتي يا أختاه.

وبعد شكرك على المدح المبالغ فيه دوما (:

فعلا..

كنت تأكدت الى حد بعيد من تدخل مشرف آخر طالما ينافي ذلك مبادءك التي تسير عليها.. لكني تسرعت بسؤالي فعفوا..
أما التثبيت فلا علاقة له باستحسان الأعضاء بل بما يراه المشرفون أهلا لذلك، تقييما وتشجيعا..

ومن جانب آخر فلو تثبتت في حقيقة الأمر فإني لست بمشرفة حتى! وصلاحية الثتبيت ليست في يدي أصلا !
إنما هو مجرد استفسار فضولي مني.. وتعجلت به

وَحْـــ القلَمْ ـــيُ
2019-10-28, 00:09
بعد الرد المفصل هنا رد مجمل عن القصة وكان يجب أن يبتدأ به:
الأسلوب محبوك بعناية ملاحظة، وهو من النادر بمكان مع كتاب القصص هذه الأيام.. ذكرني بالمنفلوطي، وأرجو أن تستمر به.

القصة تسير بنسق متسارع ينفي عنها الرتابة، ومسمياتها العربية -الجزائرية كما تبدّى- ذات وقع خاص؛ إذ تعود بنا الى زمن أعده أنا جميلا
لجمال ما تقصه الوالدة عنه..

وتلحف التعابير بلحاف الإيمان ومرجعيتها الاسلامية شيء لا يعلى عليه
ولم أرد الكثيرين ممن يجيدون ذلك بهذه السلاسة..

أما تشربها بالمعاناة الانسانية والآلام الوجدانية فيجعل شخصياتها الحزينة والمتقلبة قريبة منا، -خصوصا أني ممن يستميلهم الأدب الحزين- ومع الوصف الدقيق لها نصبح وكأننا ننظر خلال الكلمات!

الأحداث معنا لا تزال في بدايتها ومحاولة فاطمة الانتحار كان شيئا صادما
وأرغب بمعرفة ما سيحصل لحسين بعد لك..!



يتبع بتفاصيل متبقية أخرى ان شاء الله
.
.
.



عبارات ملفتة وألفاظ ذات وقع..


سجى الليل، وقد أغطش الظلام.
أحاطتِ العائلة بسرير فاطمة إحاطة السوار بالمعصم.
وقد أسرجَ الحزن خيولَه، ليتربَّع فوقَ عرشِ الأفئدة المكلومة، والمثقلة بأعباء الهمومِ، وهواجس الآلام.
وفاطمة تصارع الردى في هدوءٍ.

إنّه الموت ! إنه الفراق! و يلتفّ الساقُ بالساق! إنه الرحيل الأبدي.
قاسمها أفراد العائلة السهاد وهجران النوم.. حتى بزغ الفجر مبشرًا بقرب زوال الديجور من الكون،







ولا يمحو تلك الذكرى تعاقب الأيام، وكرّ الأعوام، بل ووتتابع الحدثان، واختلاف الملَوان
في بلدٍ غير البلد الذي فيه درجت، ومنه خرجت، مقطع سُرّتها، ومجمع أُسرتها.
بلدٌ أنشأتها تربته، وغذاها هواؤه ورباها نسيمه، وحلّت عنها التمائم فيه.
يجدان منزلاً مهجورًا يكاد أن ينقضّ، فيتخذناه سكنًا لهما.

وفاطمة مع تقلباتٍ عجاب، رحيلٌ ونزول،فلا إشراقٌ يلوح في الأفق ولكنه أفول.
فما ذنبه؟!
مسكينٌ هو.

وهكذا يسير الزمن بطيئاً كدقات ساعة خشبية رتيبة ومملة.




فقد أخذت من الورد نضارتهُ، ومن البياض ملاحتهُ ونصاعتهُ، ومن السماء زرقة عينيها.
وأصبح كل ذلك أثرًا بعد عين.

في بلدٍ غريبٍ مع خلائق لم تألف سحنتهم، ولم تتعوّد طبائعهم.
وتلك الأيام وتداولها.
وواهًا ! من ذلٍّ بعد عزٍّ.

زهرة جوري
2019-10-29, 22:19
انتظر الباقي بفارغ الصبر
متابعة وفية للقصة

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-11, 15:43
الأستاذة الفاضلة أختي في الله/ وحي القلم
والمشرفة المبجلة، وأؤكد على ذلك، والناقدة اللوذعية
لكِ من السلام أجمله، ومن التحية أزكاها
أشكر لكِ تحليلكِ، للنصوص، وإعمال "مشرطكِ" في ذلك
وإنّ ما أتيتِ به من ملاحظاتِ قيّمة
فلا يسعني أنني أتقبّلها بصدرٍ رحبٍ
إلاّ أنني أريد أن أقول للناقدة الفاضلة، وهي أعلم بذلك، أن فطاحل من النقاد، وكذلك أرباب اللغة والادب، يذهبون، ويميلون حين يقولون:
أن في أي عملٍ أدبي هناك ما يُعرف بـ" زيادة في المبني، زيادة في المعني"
وأنتِ أدرى بذلك يا فاضلة
وفي أنتظار عودتكِ لنقد وتحليل قصتي
لكِ قوافل الشكر تترى
تحياتي

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-11, 15:52
انتظر الباقي بفارغ الصبر
متابعة وفية للقصة

زهرة جوري
أختاه أيتها الفاضلة
حيّاكِ الله وبيّاك، ورفع قدركِ وبالفضل رقّاكِ
إنه من الفخر
أن تقرأ لي طبيبة وأديبة مثلكِ
فلكِ تحياتي كلها، واحتراماتي تسبقها

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-11, 15:59
.../ ...

وبعد انتشارِ خبر إقدام فاطمة على محاولة وضع حدًّا لحياتها في أرجاء المدينة.
علمت مديرة المركز بالخبر فهرعت إلى المستشفى لجلاء الأمر.. وصادف أن الشرطة قابلتها وتكلمت معها عن سيرة فاطمة.
فاثنت عليها، ومدحت سيرتها.. ومما جاء في حديثها.
ــ رغم عاهتها عدم نطقها، إلاّ أن فاطمة لهي نعم الفتاة، فهي مجتهدة فى تربّصها في مركزنا، وتعلّمها بسرعةٍ لِما يُلقى عليها من دروس الخياطة نظريًّا، أما في الأمور الأمور التطبيقية فهي تفوق أمهر الخياطين المحترفين.. بل أنني على يقين وجازمة بذلك، أنّ مستقبلَها سيكون زاهرًا.
عندها عرف مفتش الشرطة سبب عدم كلامها مع حسين.
فعاد إلى المخفر وأطلق سراحه.
...
طار حسين إلى المستشفى بعد أن أخذ عليه مفتش الشرطة تعهدًا ألا يعاقب فاطمة ولا يتعرض لها بأذى.
وعند وصوله أمام الغرفة التي ترقد بها.. سمحوا له رؤيتها لبعض دقائق
وعندما لمحها وهي ملقاة على السرير.. همت كعادتها لتقبيل يده، ولكن قواها لم تساعدها. وهي تذرف السخين من الدموع.
فما كان من حسين إلا أن قبّل رأسها وأشار عليها أن ترتاح ..قائلاً:
ــ لا عليكِ يا أختاه.
يا لها من لحظة مؤثرة حين يقلب الإنسان صفحات من الماضي ذهبت بها رياح الذكريات ولم يبق منها إلاّ إطلال بالية، وعبرات باكية.. وهي ما تبقى رصيد الحب والوفاء.
...
وبعد أيام قضتها فاطمة في المستشفى، امتثلت للشفاء بسرعةٍ.. وفارقت المستشفى لتجدَ نفسها على موعدٍ لاختبارات إنهاء التربص..
فتجتاز الامتحان النظري والتطبيقي لمدة أسبوعٍ.. وكان الصراع على أشده بين المتربصات.
وبقيت ثلاثة أيام وهي تترقب نتيجة الامتحان و القلق قد اخذ منها مأخذه.
وقبل إعلان نتائج الامتحان بيومٍ.. طلبت منها المديرة أن تأتي بابن عمها معها غدًا.. كما أشارت عليها أن تأتيَ في زينتها.
وفي اليوم الموعود.. رأى الناسُ لأول مرة فاطمة تسير في الطريق يرافقها شابّاً يكبرها بعض سنوات.. وهم الذين اِعتادوا رؤيتها تسلك طريقها وحيدة.
وهي في طريقها يتوالى إلى مخيلتها سيل الذكريات، وتتقافز إلى خاطرها الآمال تطرب الفؤاد طالما كوته نيران البعد، وألهبته تباريح الوجد على مَن رحلوا.
وعند وصولها وابن عمها المركز استقبلتهما المديرة، وبعد التحية طلبت منهما الجلوس في الصفوف الأمامية من القاعة وكم كانتِ القاعة مكتظة بالحاضرين في أبهى زينتهم إلاّ فاطمة وحسين.
وما هي إلاّ لحظات و صعدت المديرة المنصة لإلقاء كلمة ترحيبٍ بالمدعوّين من وجهاء البلدة و عليّة القوم شارحة الرسالة التي يقوم بها المركز بتعليم الفتيات لكسبهن مهنة تكون لهن مساعدة لنشلهن من براثن الفقر الذي قد يؤدي بهن إلى الانحراف.
ثم أحالت الكلمة إلى عمدة البلدة بعد أن شكرته على الدعم الذي مافتئ يقدمه للمركز.
ومما أتى في كلمة عمدة البلدة.
..إن المتخرجات سوف يكون لهن عملاً على الفور
وجاء الإعلان عن النتائج
فما كان من المديرة أن قالت:
هنا بيننا فتاة كدّت واجتهدت طوال السنوات التي قضتها في المركز ، فكانت القدوة والمثال و التفاني في العمل سواء كان نظريًّا أم تطبيقيًّا.. فإنني و كل أساتذة و مدربات المركز نفتخر بفتاة مثل هذه.. على حصولها المرتبة الأولى.. والفتاة هي بنتنا فاطمة الإ......
فضجت القاعة بالتصفيق و الهتاف.. ولكن فاطمة لم تفقه أن الأمر يعنيها هي.
فتفطنت المديرة وأشارت عليها صعود المنصة.. فما كانت من فاطمة عندما فهمت.. أن انفجرت باكية.. فبكت و أبكت كل من كان بالقاعة.. وخانتها عاهتها أن تقول شيئًا.
..
وواصلت المديرة الإعلان عن بقية الفائزات..
وعند اختتام الحفل.. طلبت المديرة من فاطمة.. أن إدارة المركز وفريق التدريس موافقون على توظيفها كمدربة للأمور التطبيقية في الخياطة.. وعليها أن تستخرج الوثائق اللازمة لتوظيفها.
وعاد كلٌّ من حسين وفاطمة المنزل والفرح يغمر حسين وقد اظهر ذلك لها.. مشيرًا لها أن الفخرَ بها يعتليه.
انتظروني

... يتبع

زهرة جوري
2019-11-16, 19:06
............

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-18, 11:13
............

زهرة جوري/ أختاه، أيّتها الدكتورة النطاسية
مرحبًا بكِ دائمًا في متصفحي
حتى وأنكِ لم تدلِ بدلوكِ، يكفيني تشريفًا، أنكِ تقرئين ما أكتبه وأخطّه
فاهلا وسهلا بكِ مع متابعتكِ لهذه المحاولة المتواضعة
فلكِ قوافل الشكر تترى.
تحياتي

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-18, 11:19
.../ ...

أهو الفجر آتٍ يبتسم رغم الغمام؟
ألاَ نلتفتُ إلى الوراء إذًا؟.
فثمّت قد لا نجد سوى الذكريات الحزينة، والعبرات الغزيرة الفاضحة تغالب أعيننا الدامعة، لا نقلّب صفحات الماضي الآفل، فليس لنا إلا رجع الصدى الأليم .
أ تُرى أنّ مسافات البعد والبعاد، تشغلنا عن الذين رحلوا؟
أ نُوهِم ذاتنا أنهم باقون معنا، وهم لِوِصالنا قد يعودون؟
ومع ذلك نشعر أنّ مَن نضمر لهم ولأرواحهم الحبّ أنهم هاهنا، يحيون بيننا.
وهل تَستحقّ كُل القُلوب البَوح بما يختلج بها؟.
ألاَ يكون الآخر يعوّض مكان الذين رحلوا؟
ومع ذلك فالفَجرُ لايزال في شروقٍ، والزهر سوف يتفتّح لقطرات الندى..
فهل الآخر يفكّر في ذلك؟
ولِمَ نشعر أنَّنا حِين نعانق طيفًا يحمّلنا أحلامًا، ويلفّنا، بل يسقط علينا
خَيالاً؟!
ولولا خميلة الخيال لكنَّا فتات رمادٍ أو هشيمًا تذروهُ الرياح.
ولولا دجى الليل ما بزغ وتلألأ نور الصباح.
لِمَ الخوف من البوحِ؟ أ لِكوننا نهاب الواقع الذي يبدد تقاسيم اللقاء؟ ويستوطن جحود أنفاس العطاء؟ في أحضان وطنٍ قومه لا يعرفون سوى الأهواء؟.
غربةٌ من بعد غربةٍ .. وظلام الخوف يغشاه ظلام العيش في ذكرى الماضي.
فهل ينهكنا سديم عتمة النجوم؟.
وظلمة الغسق انكسارًا بات مدفونًا بِالفقد ليلتمس حلم الوصال.
تُرَى هل لنا أن نلتمسَ التخلص من بعض أحزان الماضي ولو لِلَحظات؟
واهًا من حياة ما أقساها!
وآهٍ ! لو نستسيغ شربةً من معينِ الحاضر؟ لَربما اغتسلنا بنقائها ونحيا الحياة من جديد.
بهذه التساؤلات فكّر وشعر بها حسين وفاطمة في تأملاتهما في ذلك الحضور الغيبي
ولكنهما عادا للواقع، إذ أشار حسين إلى فاطمة:
ــ أن متى تستخرجين الوثائق اللازمة حتى تقدمها مثلما طلت مديرة المركز؟
لكنّ فاطمة فاجأتهُ بإشارةٍ.
ــ أنها لا تريد أن تكونَ مدرّبة تطبيقية في المركز، بل هي تفكر وتريد أن تكونَ شيئًا آخر.
فامتعض حسين من ردها هذا، ولكنه تذكّر أنه تعهّد ألاّ يغضبها.
وتساءل في أعماقه .. ما هو الشيء الآخر الذي تريد عمله فاطمة؟
و لكنه تمتم هامساً::
ــ سوف نرى.. سوف نرى.

... يتبع

زهرة جوري
2019-11-18, 23:12
السلام عليكم
بداية رائعة
لا داعي للشكر فيجب علينا تشجيع المواهب الأدبية
متابعة وفية باذن الله
لا تطل علينا الحكاية

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-19, 10:22
السلام عليكم
بداية رائعة
لا داعي للشكر فيجب علينا تشجيع المواهب الأدبية
متابعة وفية باذن الله
لا تطل علينا الحكاية

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
زهرة جوري/أُختاه، أيتها الفاضلة
وكما قلتُ لكِ:
أتشرف دائمًا بمن يقرأ لي محاولاتي المتواضعة
وأنتِ من الذين، وكذلك من اللواتي يقرأن لي.
وما الروعة إلاّ في مروركِ وقراءتكِ لقصتي هذه، كما أنني يفرحني توجيهاتكِ مع تشجيعاتكِ، يا أختاه.
دمتِ كما تحبين أن تكوني، ويرضن الله عنكِ.
تحياتي

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-19, 10:31
.../ ...

ومع أتربة الانكسار.
فهل تستطيع فاطمة أن تطويَ صفحة ماضي الحزن المريب ؟
لتستفيقَ على واقعٍ قد تطير وتحوم فيه فراشات الأمل..
ومهما اعتلى غيمُ الضبابِ غامِراً فضاء الإحساس انكسارًا وخذلاناً !
فربما هناك غدٌ ومستقبلٌ تحت إشراقة فجرهِ الوليد يحملُ في ثغرهِ ابتسامة قد .تكون فريدةً
وعلى هذا التأمل خرجت فاطمة على غير عادتها تنتظر حسين.
فهذا موعد وصوله من عمله.
وعلى بعدٍ من ذلك المنزل المهجور
فإذا بها تلمحه يتحدث مع فتاة قد اعترضت طريقه.
ورغم أن الحديث لم يدم طويلاً.
إلاّ أنّ فاطمة أحست بشعورٍ غريبٍ سرى في أعماق نفسها، لم تألفه من قبل..
ودخلت المنزل.
أهو برد المساءِ الذي أعجلها على ولوج المنزل ولم تنتظر حسين؟
أم هناك شيء آخر؟
وصل حسين المنزل.
فلمح محياها فيه بعض الحنق يشوبه بعض الغيظ لم يألفه من قبل.. واضطرابٌ
فأشار عليها.. أن ما بها؟
فردت عليه بإيحاء.. لا شيء.
ثم تشجعت بعد لحظاتٍ.. مشيرة:
ــ من تلك التي كانت تحادثك بالخارج؟
فلم يردّ عليها.. وتظاهر أنه لم يفهم السؤال.
فزاد غضبها في دواخلها.
وحسين يراقبها.. وهو يقارن ويمايز، ولو على سبيل الحدس والتخمين.
وبعد العشاء.
أشار لها..
أن لا داعي من أن تستيقظي باكرًا.. فلا عمل لي غدًا نتيجة تهاطل الثلوج، فملاحظ ومراقب العمال أمرنا بذلك.
ثم أحسّ بما يخالج نفسه.. ليقولَ بصوت هو أقرب إلى الهمس:
أمازال الحزن يمخر بسفنه فوق هذا البحر منَ الدموع دون مجدافٍ وبوصلةٍ ترشدنا ِلبرّ الأمان؟..
لـمَ لا نهيم دُونَ وعيٍّ منَّا، ونجد أَنَّ إرتحالنا من كلِّ ملامحِ الحزنِ لَهُو خلاصٌ لنا ؟
فهل هذا قدرُنا؟ وأنه كُتب علينا نحيا البؤس والضياع؟
لماذا لا نبحثُ عن
كسرةِ انتماء نسدُّ بها رمق ضياعنا
فما أقساكِ يا دنيا.
و فجأة كرجلٍ شرقيٍّ.. أشار إليها إيحاءً..
ــ قد آن الآوان أن تتزوجي .. وهناك من يريد الزواج بكِ.
فعادت فاطمة بفكرها إلى ما رأته قبل قليلٍ.. ففكّرت في اعماق نفسها أن حسين يريد التخلّص والخلاص منها ..
فأشارت إليه:
ــ أن لا حاجة لها بالزواج.
وانفجرت باكية.
فأعاد حسين الكرّةَ،
مشيرًا لها :
ــ إنه شابّ لطيفٌ يقدركِ ويحبكِ
فأشارت إليه::
ـــ هي لا تحبّ أحدًا، ولا تريد أن يقدّرها أو يحبها أي أحدٍ.. ولكن من هو يا تُرى؟.. ثمّ كيف تعرفتَ عليه، وليس في المنطقة من العرب إلاّ أنت وأنا؟
فأشار لها:
ــ ألا تراجعيني، ولا أريد نقاشًا ، يكفي أنه يريد أن يكتبَ كتابكما غدًا في البلدية.. فعليكِ بتحضيري نفسكِ
توسلت إليه.. ألاّ يفعل.. ثم أشارت له:
ــ من هو ذلك الشاب لأتعرفَ عليه، وأقول له إنني لا أريد الزواج، لا به، ولا مع غيره؟.
فما كان من حسين إلاّ أن نظر إليها مليًّا، بنظرة، كانت هذه المرة توحي بشيء سرى في جوارحه لم يعهده من قبل، ثم أشار لها :
ــ حقيقة أنّ الشاب يكبركِ بسنواتٍ.. وإذا تريدين أن تعرفيهِ.. فذلك الشاب هو أنا.
صمتٌ عمّ المكان، وكأنه أختزل الزمان.
فما كان من فاطمة إلاّ أنها قامت وجعلت ستارًا يحجب فراشها عن أعين حسين. ودخلت "مخدعها "
لكن ولأول مرّة لم تقبّل يد حسين كما كانت تفعل من قبل.

وما زال السرد، وسوف يطول.

... يتبع

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-20, 08:55
.../ ...
وتناجتِ الأرواح
أيا زهرة الهمسِ المطلة خلف عصارة الجوى وأشواق الحنين.
ها أنتِ ملتفّةً بسياج الصد، يقاسمني منكِ صبٌّ ألا تعلمين؟
تراني جئتكِ أُخبِّئُ مقلتي وقد ذاب جفنها مع زمهرير البِعاد
وكلّما أراكِ يزدادُ بكِ الأُفقُ اتساعًا لتزهو الروح بأحلامِ السنين.
أخبريني..
لِمَ لا نصنع زورقاً يخترق المدى؟
فنبحر به في حلمنا، ثم نرسو..
فأمامنا من العمر ما يسعدنا ألاَ تدركين؟
قد لا نملك القدرة احتمال الافتراق، إذًا لنسلك الطريقِ المُؤدّي إلى لقائنا ألا تصدقين؟
كم ناجيتكِ بعد أَن أَقفلتِ كلَّ باب..فهل كنتِ لبوحي وندائي تسمعين ؟
أتساءل.. هل ستحبُينِني؟!
أَم أَنَّ شغب بوحي يبقى مرددًا.. ثم يرجعه إليّ الصدى، ولا يجدُ منكِ جوابًا.
ـــــــــــ
هيهٍ!..
يا بدراً بزغ ألقًا في ليالي آلامي، ثم سكن أمام منزل الأمن والأماني
لِمَ لا تكون لي خفق شوقي في احتراقي، وأملٌ يراقص النبض في أَعماقي ؟.
تعالى واخلق لي لغةً خاليةً من الكلام.. تكون همسًا بالأعين.. ثم يسكت الكلام في أعزّ الكلام
كل ذلك من أَجلي.
طوق بذراعيك جيدي، وبيديك ألا تداعب معصمي؟
واجعل بوحكَ يراود جنون هذياني .!
يَا فارسًا بجواده سلك درب غربتي واغترابي
أنت من كنت المعين حين حلت اللعنة بأوطاني.
أنت أَيها القادم من زمن المحال، فإنني أتوق وكم اعشق الوصال
ألا أخبرتني عن تباريح الشوق التي بأنفاسكَ، ولِمَ ذاك العتاب؟
فأنفاسي تهوى اللقاء، حتى وإن تظاهرتُ بالغياب
من أجلكَ أصبحت أحب العيش
قسمًا أن الشوق لك قد ملأ أَركان وجداني.
ــــــــــــ
ولاحت تباشير الصباح، وشعشع النور وعمّ الأودية والتلال والبطاح ..
ومع ذلك فلا فاطمة استيقظت كعادتها، ولا حسين أعجله النهوض من فراشه.
ترى لِمَ ذلك؟
ألا من واحدٍ من
نومه يقوم؟
وأخيرًا قامت فاطمة والخجل قد اخذ منها مأخذه
ثم ذهبت نحو حسين وأشارت عليه أن يخرجَ ليتناولَ قهوته خارجًا في إحدى المقاهي .. لأنّ السكر لم يعد موجودًا، ونسيت أن تخبره.
فأشار لها أنه سوف يخرج ليأتي بالسكر ..
ويشربا قهوة الصباح معًا.. ثم أنه يريد محادثتها في أمورٍ.
وخرج.
فما كان من فاطمة إلاّ أن بدأت بتحضير فطور الصباح ..
ولو كان لها ما تبوح به لقالت :
أيا قلباً شهق حبّاً.
وكأنها تناجي بلسان الحال، وفي أعماقها كان المقال:
ربّاه! أحمدك على عطائك.. فقد كنتُ لا أرجو منك إلاّ
الارتواء حبَاً مِن رجلٍ يقبل بي رغم عاهتي .. وها أنت أعطيتني أكثر.
وما هي لحظات وعاد حسين .. فوجد فاطمة تنتظره، ولكن الخجل يجتاحها.
وأثناء تناول فطور الصباح، أشار حسين على فاطمة أنه سوف يزور السيدة كلودين مديرة المركز ويفاتحها في أمر زواجهما لتكونَ من الشهود على كتابهما.
فاعترى فاطمة الحجل والاضطراب
وعند قيامه قالت له بإيحاءٍ:
قبل أن تفعل ذلك.. ألا تعلم أن لي وليّا.. ألا كلمته؟ ربما هو لا يرضى بك.
وأن ولي أمري هو ابن عمي ..
مازحته هكذا.. دون أن تبتسم ..
فأشار لها :
أنني قد قد فاتحته، وهو الذي شجعني على ذلك.
ثم خرج يعلوه الفرح.
... يتبع

طاهر القلب
2019-11-20, 23:25
السلام عليكم
كم أنتم رائعون حين تكون وليمتكم حرف وكلمة ... وفي بعض الأحيان مشرط (نقد للبناء وليس الهدم)
أخي علي ... كنت ولازلت من متابعي قلمكم
فهذه الجزالة والحبكة والشخصيات والديباجة والأحداث والسيرورة والتدرج وشد القارئ
كلها تصب في واد واحد وهو القصة أو الأقصوصة المتميزة
وقد أجدت فيها خاصة لمن يشجعون الحرف العربي الفصيح أيام شبابه
سأبقى متابعا إن شاء الله

الأخت القديرة وحي القلم ... مازلت أذكر قلمكم جيدا
وكم سعدت أن رأيت خطه قلمكم على بياض هاته الصفحات البهية
وأقول هنا ... في تفصيلة صغيرة (ونحن نتعلم دوما من بعضنا)
لربما يكون البناء العام للقصة بكل مقوماتها المعروفة
أفضل من تشريح الفاصلة عن التفصيل فيها
ومع أننا لسنا ذوى اختصاص في هذا طبعا ...
هذا لأن الجميل يكون جميلا و رائقا وعابقا
بارك الله فيكم
وسنستفيد حقا من هذه الصفحات

ملحوظة : بخصوص التثبيت للمواضيع فالمشرف صاحب القرار هنا
وهو من يرى في المواضيع ما يستحق أن يكون ثابتا لنفعه وجماله وتقديرا لصاحبه
لذا فالتثبيت يرجع لكل هاته الضوابط في الموضوع

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-21, 15:57
السلام عليكم
كم أنتم رائعون حين تكون وليمتكم حرف وكلمة ... وفي بعض الأحيان مشرط (نقد للبناء وليس الهدم)
أخي علي ... كنت ولازلت من متابعي قلمكم
فهذه الجزالة والحبكة والشخصيات والديباجة والأحداث والسيرورة والتدرج وشد القارئ
كلها تصب في واد واحد وهو القصة أو الأقصوصة المتميزة
وقد أجدت فيها خاصة لمن يشجعون الحرف العربي الفصيح أيام شبابه
سأبقى متابعا إن شاء الله

الأخت القديرة وحي القلم ... مازلت أذكر قلمكم جيدا
وكم سعدت أن رأيت خطه قلمكم على بياض هاته الصفحات البهية
وأقول هنا ... في تفصيلة صغيرة (ونحن نتعلم دوما من بعضنا)
لربما يكون البناء العام للقصة بكل مقوماتها المعروفة
أفضل من تشريح الفاصلة عن التفصيل فيها
ومع أننا لسنا ذوى اختصاص في هذا طبعا ...
هذا لأن الجميل يكون جميلا و رائقا وعابقا
بارك الله فيكم
وسنستفيد حقا من هذه الصفحات

ملحوظة : بخصوص التثبيت للمواضيع فالمشرف صاحب القرار هنا
وهو من يرى في المواضيع ما يستحق أن يكون ثابتا لنفعه وجماله وتقديرا لصاحبه
لذا فالتثبيت يرجع لكل هاته الضوابط في الموضوع



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
طاهر القلب
أيها المشرف المبجل، والأخ الفاضل.
ويا أديب الضاد
أ تدري أنه لم يبق سطرًا في محاولتي القصصية المتواضعة إلا وابتهج لمرورك، وتشرّف بحضورك.
ياناي الْسطور وبهيُّها؛ بل وعملاقها.
ويحك ما هذا المديح والإطراء؟
ومثلي يتعلّم منكم.
وعلى ذكرك لمشرفتِنا الأديبة والناقدة/ وحي القلم، فقد جعلتْ من محاولتي هذه تساوي شيئا حين أخرجت جميلها من زيفها، وميّزت حسنها من رديئها.
فهي مشكورة عن ذلك، ونعم ما فعلت.
أخي/ طاهر القلب
ما أَنا إلاّ قلم يكتب بما تعلّمه منك، فيختال حبري سرورا، وكلماتي تزدان بتوجيهاتك حبورا.
فشكراً بِلا حدّ، واحترامًا قد تسربل التقدير والامتنان .
دمت أخا لي
تحياتي بك تليق

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-21, 21:36
.../ ...

ومع فجر العمرِ، فالقدر يعلن بداية يومٍ جديد؟ .
وها هي إشراقة أملٍ آتية معلنةً عن دفء شمسٍ من بعيد.
لعلّها تُبرز حقيقة وجودٍ، حتى مع ذلك الصمت الرهيب .
وسيُقتَفَى النور رغم ضبابِ الرؤى، وتصير الأيام كلها كأنها عيد.
....
يصل حسين المركزَ، ويقابل السيدة كلودين ..
ـ صباح الخير سيدتي..
ـــ صباح الخير حسين.. أهلاً بالشابِ المكافح.. كيف هي اِبنتنا فاطمة؟ .. ما زلتُ انتظر ملف توظيفها.. ليتها تسرِع باستخراج الوثائق
نسيتُ.. قل لي.. ما الذي أتى بك؟
ردّ حسين:
ـــ جئت لذلك الأمر.. وكذلك لأمرٍ آخر.. فأما أمر توظيفها بالمركز، لستُ أدرى ماذا حدث، ففاطمة غير متحمسة للتوظيف، بل رافضة ذلك .رغم إلحاحي عليها.
فمكان من كلودين إلاّ أن أخذتها الدهشة وقطّبت ما بين جبينها وقالت:
ـــ يا لها من خسارةٍ .. ولكن إيّاك أن تضغطَ عليها.. ربما يأتي اليوم وتعدل عن رأيها. ..
وما هو الأمر الآخر.
استجمع حسين أنفاسهُ.. وقال لها بعد أن أحمرّ وجهه خجلاً :
ـــ لقد قررنا أنا وفاطمة أن نتزوجَ.. وكم يفرحنا ويسعدنا أن تكوني من ضمن الشهود على عقد قراننا في البلدية.
فظهرت علامة الفرح والابتهاج على محيا كلودين فخاطبته:
ـــ أصدقًا ما تقول؟ يا لسعادتي ما أسمع، حقيقةً أحسن ما فعلتما.. أنت محظوظٌ يا حسين قد فزت بغادةٍ حسناء من أجمل ما رأت عيني.. وليبارك لكما الرب.. طبعًا سوف أكون شاهدة .. وإني لفخورة بذلك.. ومتى عقد القران؟
ـــ اليوم، بعد الزوال.
ـــ سأنتظركما هناك.. وسوف آتي معي ببعض اساتذة المركز ليعم الفرح.
ـــ شكرًا لكِ يا سيدتي .. أستأذنكِ.. عليّ أن أعودَ إلى المنزل ففاطمة تنتظرني.
عاد حسين فوجد فاطمة تنتظره .
فاشار لها مستفسرًا.
ـــ لماذا لم تعتني بزينتكِ وهندامكِ .. ألم تعلمي أنّ اليوم يوم زفافكِ؟!
فرفضت.
ولكنّ حسين أصرّ عليها ببعض التوسل والرجاء.
هنا اشارت فاطمة عليه أنها تريد أن تُريهِ وتظهر له شيئا.. وأخرجت علبة كبيرة كانت قد أخفتها عن أنظاره منذ مدة .
وقالت له إيحاءً:
كنت قد آليتُ على نفسي وعهدتها أن أهديَ فستان الفرح لمن تتزوج بحسين ابن عمي.. أما الآن أصبح من غير الضروري الاحتفاظ به.. مادام صارت من ترتبط بك لا وجود لها، فليبقى ملفوفاً. ربما أبيعه أو أتصدق بهِ.
ففتح فمهُ حسين ما رأى.. وأشار لها.. بكم اشتريتِ هذا الفستان؟ و منذ متى؟ وأنّى لكِ الدراهم ؟!
فتظاهرت وكأنها لم تفهم السؤال.
فعلم حسين أنها لا تريد تخبرهُ .. هو يعرف طبعها، عندما لا تريد الخوض في شيء لا تحب الحديث فيه.. تفعل ذلك.
ومع ذلك قال لها إيحاءً:
ـــ بل تلبسهُ الزوجة التي قررتُ الارتباط بها.. اِلبسيه يا فاطمة.. وليتنا نخرج من أحزاننا.. ولو ليومٍ واحدٍ.
وبعد أخذٍ وردٍّ أذعنت لطلبهِ على مضضٍ.
فلاحت له فكرة.. وأشار لها:
ــ أنِ انتظريني.
وخرج.. وبعد ساعة من نهارٍ عاد وقد اشترى له بدلة العرس..
ثم توجها نحو مقر البلدية..
فانفتحت الأفواه واشرأبت الأعناق وبقيت الأعين ترنو غير مصدقة ما ترى
شابٌّ له من الوسامة ما لهُ تتأبطه غادة في أبهى زينتها، وجمالها يسرّ الناظرين.
ثم بدأت أصوات من هنا وهناك.
فواحدة قالت والغيرة تقتلها.
ـــ من هذه يا ترى ؟.. أليست هي تلك الخرساء التي لا يُعرف لها لا أصل ولا فصل..
وصوتٌ من هناك لرجلٍ يقول:
ـــ أنها المعتوهة المجنونة.. سوف تقتل الذي معها.. صدّقوني فقد اعترضتُ طريقها يومًا فرمتني بحجر فشجت به رأسي.
وصوتٌ يقول:
ـــ أنظروا إلى الفستان الذي تلبسه من أين لها ثمنه.. يظهر أنها سرقتهُ.
ثم كلامٌ وكلامٌ..
حدث كل ذلك وحسين يسمع ويرى.. فهمس قائلاً :
ـــ أنتم شر الخلق.
وأراد أن يقولها لهم جهارًا.. لكنه كتمها في نفسه، ولم يعلنها أو يبديها.
وبعد لحظات وصلت السيدة كلودين مع جمهرة من أساتذة المركز .. فعانقت فاطمة.. وهي تقول :
ـــ أهلاً..أهلا بابنتي.. يا للروعة! ما ما أبهاكِ !.. ويا لِجمالِ فستانكِ .. فهذا الصنف من الفساتين لا يقدِر على خياطته سوى أمهر رجال الخياطة.
وهم على هذا الحال.. فقد وقع ما لم يكن في الحسبان.

... يتبع

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-26, 11:05
.../ ...

لِمَ لا تتجرّد الأنفس من أدران الخطايا؟
وهل من اللازمِ أن نحيا ذئابًا، ما دام كل شيءٍ قد تحوّل إلى غابة.
لك أن تكونَ قويًّا، وإلاّ تداس بأقدامٍ، أو توطأُ بمنسم.
ماذا يحصل لو نثور يومًا، ونرفع هامتنا؟ ثم ماذا يحدث؟.. وهل هناك أقل من العيش في منزل مجهورٍ سكنته الغربان والهوام من حشرات الأرض.
إما أن تكونَ أو لا تكون.
هكذا قالها هملت.
....
يدخل الجمع القاعة الرئيسية للبلدية في انتظار وصول عمدة البلدة لبداية عقد القران..
ولم يكن حسين وفاطمة هما فقط لذلك الحفل، بل كان ما سواهما عدة شباب وشابات في انتظار كتابة عقد زواجهم.
وما هي سوى لحظات، ودخل القاعة عمدة البلدة معلنا بداية عقد القران.. ثم طلب من العرسان والعرائس استحضار بطاقة التعريف.
وفجأة سمع الجميع صوت إمرأةٍ تقول:
ــ هاهي السارقة.. هاهي السارقة.. هي بلحمها وشحمها.
فما كان من الحضورِ إلاّ أنهم اِلتفتوا للوراء..فإذا بالمرأة ـــ مع رجال الشرطة يرافقهم رجلاً ــ تشير على فاطمة..
عندها صرخ عمدة البلدة:
ـــ ماذا يحدث هناك؟ .. سكوت.
فتقدّم رجلٌ من رجال الشرطة مخاطبًا العمدة بصوتٍ خافتٍ:
ــ سيدي العمدة لقد تم السطو أمس ليلاً على محلٍّ لبيع فساتين الفرح، وحسب تلك السيدة أن واحدًا من الفساتين ترتديه فتاة هنا.
ردّ عليه عمدة البلدة:
ــ أ واثق فيما تقول؟
فما كان من الشرطي أن ردّ عليه قائلاً:
ـــ لقد أحضرنا صاحب المحل ليتعرفَ على سلعتهِ.
ــ انتظر أيها الشرطي.. وإذا حصل العكس ألا تخشى أن يطالك القانون أنتَ ومن دلكم على ذلك.
ــ سوف نرى.. ثمّ أنني لا أدين أي أحدٍ دون بيّنة.
عندها طلبوا من صاحب المحلّ الاقتراب من فاطمة للتعرف على الفستان عن قربٍ.
فجنّ جنون حسين وثار وزمجر و صرخ :
ــ إيّاكم أن تقتربوا منها.. فاطمة شريفة .. هي ما سرقت في حياتها .. نحن أناس شرفاء.
عندها تذكر في أعماق نفسه قوله تعالى:
" قالوا تاللّهِ لقد علمتم ما جئنا لنفسدَ في الأرض وما كنّا سارقين"
ففهمت فاطمة أن كل تلك الضجة من أجلها.. وبسبب الفستان الذي ترتديهِ.
فأشارت على حسين أن يهدأ .. و هدأت من روعه.. وقالت له إيحاءً :
ــ ربما حدث هناك لبسٌ..
ثم أشارت لصاحب المحل..
ــ هل هذا فستانك؟
فقال : نعم..
أشارت للجميع.. سوف أخلعه..
ثم دخلت حجرة مجاورة للقاعة..
بعد أن وطلبت ألبسة لتستر بها نفسها.
فاحضروا لها ما طلبت..
وبينما هي في القاعة المجاورة .. تقدم صاحب المحل من العمدة والشرطي قائلاً :
الآن تذكرتُ عندما اقتربتُ من تلك الفتاة .. فملامحها ليست بغريبةٍ عليّ .. فقد كانت تأتي أمام واجهة المحل مرارًا وتكرارًا عدة أيامٍ
وتقف تنظر إلى الفساتين مليًّا، وكأنها تراقب المكان..
في تلك اللحظة فما كان من السيدة كلودين أن طلبت الكلام مع العمدة والشرطي، وقالت:
ــ مستحيل أن تكونَ فاطمة قد سرقت.. بل أنّ ذلك من سابع المستحيلات.. وأنا على استعداد أن أشهد على براءتها وكذلك فريق وأساتذة المركز.
فما كان من العمدة أن طمأن الجميع أنه سوف يعالج الأمر.
عندها عادت فاطمة وهي تحمل الفستان بين ذراعيها.. ثم قدمته لصاحب المحل..
فما كان من الشرطيين أن تقدما من فاطمة لاقتيادها إلى مخفر الشرطة على أنها هي من سطت على محل بيع فساتين الفرح.
عندها هتف صاحب المحل:
ــ انتظروا .. هذا ليس الفستان الذي أبيعه.. إنّ خياطته تمّت كلها يدويًّا، ولا أثر لآلة الخياطة فيه.. إنه مصنوعٌ يدويًّا.. ولكن بمهارة فائقة.
عندها طلبوا من فاطمة
ــ أهي التي خاطت ذلك الفستان؟.
فأشارت..
أي نعم..
فتقدم منها صاحب المحل.. طالبًا المعذرة .. وأنه مستعدّ أن يتحمّل تبعيات مع تفعل فاطمة ضده.
فما كان من العمدة أن اشهد القاعة على ما حدث وتعهد أن يأخذ القضية إلى أبعد..
تقدمت السيدة كلودين.. وقالت لحسين :
ــ الآن عرفت لماذا فاطمة رفضت العمل في المركز.. هنيئًا لك بهذه الجوهرة، ولتنعم بهذه الخريدة الجميلة والمكافحة.
ثم طلبت من الحضور بعض السكوت، حين خاطبت عمدة البلدة:
ــ سيدي العمدة هؤلاء العروسين يسكنان منزلاً مهجورًا في أطراف المدينة.. ليتك ترفأ بهما و تمنحهما منزلاً يليق بهما ..
ــ من الغد سيكونان في منزلهما الجديد.. وليس هذا فقط بل به آلة خياطةٍ من الطراز الرفيع.
ومع الإعجاب والفرح، مع بعض الغيرة تم عقد قران حسين على فاطمة..
وعادا إلى المنزل في انتظار ترحليها غدًا إلى منزلهما الجديد.
... يتبع

زهرة جوري
2019-11-28, 19:58
...................

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-28, 22:05
...................

اشكر لكِ مروركِ، وقراءتكِ لمحاولتي القصصية المتواضعة
يا أختاه.
فهذا يشرفني
تحياتي

علي قسورة الإبراهيمي
2019-11-28, 22:15
.../ ...
هاهو ميثاقٌ غليظٌ يجمعنا.
لِمَ لا نتخلّص مِن كلِ ذَوات تَسكننا؟
عندها قد يستوطن اللَيل مدائن حلمٍ سقفها من زبرجد لوعة الأشواق، فترنو الأعين بالأحداق، يتبعها حنين العناق .
ثم تنطلقُ الأبعاضُ زَفيرًا تتشابك وتجوب شطآنِ البوح .
فنتخلّى عن ذرّات الأسى من تجاعيد الماضي، لنعانقَ حاضرًا نريدُه أن يكونَ جميلاً.
فالشوق وحدهُ هو مَن يضرمنا نارًا لحنينٍ نستمِدّ منه دفء اللقاء.
لِم لا ندفن شجنًا لماضٍ فات، ولَم تتبق منه إلاّ الذكريات؟
سنوقد سراجًا في مشكاة دروبنا، نقتبِس منه نورًا يضيء لنا راحة عيشٍ قد أنهكتها عواصف الفقد .
أيا صوت السكون مهلاً ..
ويا أيتها الأشجان بُعدًا عنّا بُعد المشرقينِ..
ولتـُنحر وتجف المدامع، وتُدكّ حصون الصرخات .
....
وجد كل من حسين وفاطمة في منزلهما الجديد، ووجدت فاطمة ضالّتها في آلة الخياطة التي أهداها لها عمدة البلدة.
وكما قيل .. "ربّ ضارّة نافعة ".
وكأنّ ما حدث يوم عقد قرانها، كان دعاية لها على شهرتها.
قال حسين لفاطمة في إيحاءٍ :
ــ لقد جاء في كلامِ صاحب المحل، أنكِ كنتِ تكثرين من الوقوف أمام المحل منذ مدةٍ .. فلماذا كنت تفعلين ذلك؟
فأشارت له:
ــ فما كنت أفعله سوى أنني أردتُ أن أتعرّف عن كثبٍ طريقة تصميم الفستان لتنطبع في ذهني.. وعندما انطبع كل ذلك في مخيلتي اشتريتُ الأقمشة من السوق بالدراهم الذي كان المركز يصرفها لي كمنحةٍ، وقمتُ بتفصيل ذلك مع خياطته.
شكرها حسين .. وازداد حبهُ لها.
وبعد لحظات أشار لها مستفسرًا:
ــ وما رأيكِ في قضية متابعة صاحب المحل، والمرأة التي اتهمتكِ علانية بالسرقة زورًا.. ثم الشرطيان؟..
ــ بعد إذنك سوف أتنازل عن كل شيء..
وماذا أجني من متابعتهم؟.
أشار لها:
ــ أحسن ما تفعلينه
نظرت فاطمة إلى حسين مليّا.. وأشارت له :
ــ أنني في شوقٍ إلى المنزل المهجور.. وسوف نعود إليه لنسكنه، بعد أن يصير ليس بالهيئة التي بها.
وساد صمتٌ.
...
وما هي إلاّ بعض أيّامٍ وكأنها معدودات وتهافت طلبات النساء على فاطمة لخياطة الفساتين.
فكانت فاطمة منهمكة على خياطة ذلك ليل نهار.. ونالت شهرة واسعة في البلدة.
مما جعلها تقوم بتوظيف أخريات لمساعدتها.. بعد أنِ اشترت ثلاث آلات خياطة أخرى.
أما من جهة حياتها وحسين.
فقد أحبته حب المرأة للرجل، ولولا أن دينها يمنعها لكانت تجله إجلال العابد لمعبوده.
عاشا خمس سنوات كزوجين متاحبين في صمتٍ.
إن أقل ما يقال عنهما أنهما يعيشان لا ليفكران ويتدبران.. نتيجة الذكرى وما حلّ بهما في بلدهما الأصلي.. فكلّ ذلك بقي محفورًا في الذاكرة رغم أنه وقع في الأيام والأعوام الخوالي.
حتى وأنهما أصبحا يحسّان برغد العيش، إلاّ أن حالهما كان كسائمةٍ صامتةٍ تسمى تعوُّدًا وعادةً حيوانًا أعجمَ لا يبتئس ولا يستبشر.
فتساءل حسين في قرارة نفسه :
ــ هل هناك مخرجٌ من هذا الصمت ؟ أم يبقى أبدياً؟
... فلا هو وجد هُدىً، ولا هو اهتدى إلى جوابٍ
فلا يلبث إلاّ أن يتمتم بلسانٍ لاهجٍ يتضرّع به لخالقه، وحوقلةٍ متّصلةٍ لا تنقطع إلا بسنةٍ من نوم عابرة خالية من الأحلام.
وتنتاب فاطمة من حين لآخر نوبات عصبية، احتار زوجها في الأمر.. وكيف السبيل إلى معرفة عصبيتها، فإنها لا تجيبه حتى ولو كانت ناطقة، فما بالك بخرساء؟
ومرة عاد حسين إلى المنزل على غير عادتهِ.
ويا لمصيبة ! ما رأى.
... يتبع

علي قسورة الإبراهيمي
2019-12-22, 22:37
... / ...

أَمِن أجل بعض عاهتنا نرفض ذواتنا ؟!
فهل إذا نحن نحيا ليل غسَقٍ، فلا لظهور ضوء نهار ينفض دجى ذِكراه ؟.
فلماذا نرفضُ شروقَ صباح قد بان ولاح ؟.. أ لأنّ الإحساس بالقهر، والجرح وكأنه طُعن بسكين الدهر، فلا هناك من أملٍ تبزغ معه الحياة ؟
حتى وإن أصيبت بعض أبعاضنا قارعة ، وحلّت بنا باقعة ما لها راقعة..
فلِمَ لا تشرئب الأعناق إلى كوثر البياض، والتوق مع الشوق إلى مواطن الطهر مع الذين سوف يأتون، وهم لبراءة النقاء عنوان ؟
أمَا آن لغيومِ الوجع أن ترحل؟ أ لم يحِنِ الوقت بعدُ لزفرات الأسى أن تزول ؟
أمكتوبٌ على النفس أن تتجرّع الغصات، وتحتسي الألم علقمًا مرًّا بأكواب الخوف من المستقبل المجهول ؟
أ يا فاطمة.
لِم لا يكون التجاهل أفضل الحلول بالعيش في نعيمٍ زائلٍ لا يدوم ؟.
لِم لا نرتقي بالروح إلى أعلى سموٍّ، ثم الخشوع في محراب اليقين.
ولامحالة أن هناك من هو يسمع ويرى، مع عنفوان الصمت، والسمو بالنفس رفعة و شموخا؟!
وأن هناك من ينظر إلى السرائر، ولا تعزبُ عنه خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟
تذكر جميلي مذ خلقتك نطفةً ** ولا تنسى تصويري و لطفي في الحشا
وفوض إليّ الأمر وأعلم بأنني ** أدبّر أحكامي وأفعل ما أشا
....
ظنت فاطمة أنّ حسينَ لم يعد إلى المنزل تلك الساعة بعد أن خُبرت حله وترحاله، خروجه وأوبتهِ من وإلي الدار، وحفظت ذلك، حتى رسخ في ذهنها.
وها هي تقدم على فعلتها.. ولكن هذه المرة الواقعة أدهى وأمرّ.
ولكن القدر يكون بالمرصاد.. وعاد حسين إلى الدار على غير عادته.
فإذا به يجد فاطمة تقوم بتعذيب نفسها، و تريد إسقاط ما في الأحشاء.
ففزع في غضبٍ مما رأى ..
وكالمجنون أنهال عليها صفعاً.
ثمّ نهرها وأنّبها على فعلتها.. فأشارت له، أنّها لا تريد زيادة عذابه وآلامه بمولودٍ قد يكون أصمًّا أبكمًا مثلها.
وبإشفاقٍ يشوبه الفرح عانقها وبكي لأول مرة أمامها.. و أشار عليها:
ـ أياكِ أن تفكري مرة أخرى بهذا التفكير.. ثم إنني أحبكِ، و أحبكِ أكثر عندما يأتي ويحلّ علينا ثالثنا..
ثم أسرع بها إلى أقرب طبيبٍ لفحصها.. خشية أن يكون ما أقدمت عليه كان له بعض الخطر على ما في بطنها..
ولكن الطبيب طمأنهما.. ألا خوف، وأن الحمل لا تشوبه شائبة.
....
ومع ما كسبته فاطمة من أموال طائلة من الخياطة.. وأصبح المنزل يعج بالعاملات وكأنه مشغلاً ،لأن الطلبات تزداد من يومٍ لآخر.
فقرر كل من حسين و فاطمة شراء المنزل المهجور وما تحيط به من اراضٍ.. وقاما بتشييد عليه منزلا فخماً و مشغلاً للخياطة والنسيج..
وأصبحا يعيشان في أرغدِ عيشٍ.
ونتيجة الأموال التي أنعمها الله عليهما أصبحت فاطمة هي من تدير المشغل الآمرة الناهية..
وأنشأ حسين مؤسسة صغيرة للبناء
فانقلبت حياتهما من حالٍ الى حال.
قررت فاطمة أن تتعلم طريقة قراءة تعابير الشفاه.. واصبحت تقرأ شفاه المتحدث و كأنها تسمعه.. ثم تردّ بالكتابة ، لأنها كانت تتضايق من الإشارة بحركات الأيدي ..
وتعلم حسين لغة القوم قراءة و كتابة و محادثة وبرع فيها كأهلها .
رزق حسين و فاطمة بطفلٍ اختارا له إسم "رابح".
ومع ذلك أن فاطمة لم تفرح أو تبتسم ، ولا يزال القلق والخوف يعتريها، ولم يعلو محياها انشراح.
ومع مرور قرابة عامين قرأت على شفاهِ عزيزها رابح وهو يقول:
ـــ ماما!.. ماما!.
ولأول مرة انفجرت فرحاً و ضحكًا وهي لا تدري ما تفعل ..فتأكدت أن فلذة كبدها ليس بأخرس. وأمرت بصرف راتب شهر لكل عمال وعاملات المشغل.
وعندما عاد حسين المنزل زفت له فاطمة البشرى ، فكانت الفرحة لها وقعها عليه.
فانقلبت كآبتهما إلى سعادةٍ.

انتظروني ولا تضجروا

... يتبع

علي قسورة الإبراهيمي
2019-12-28, 09:37
... / ...

ورغم الوجع الذي يكاد يخمد الأنفاس، و يتلوّى منه الجسد والإحساس.
عندما يصير كل ذلك رفيقًا، ليسلك دروبًا ويكون طريقًا.
أ كُل ذلك لأجل العودة بالخيال إلى الوراء وقد تباعد كل ذلك وتناءى.. ولم يبق منه إلاّ بصيص ذكرى، تأتي في المخيلة تتعاقب وتترى
ولكن لِمَ العودة إلى ماضٍ والانغماس في قيعان آلامٍ تتلظى؟.. حرِيٌّ بنا أن نصحو؛ حتى و إن احترقنا بنار الفقد فننطفئ إلى الأبد.
وكم نحاول النسيان، فينتصر علينا الحنين فنبدي للخلائق عجرنا وبجرنا، فينكشف ما سترناهُ، وينفضح أمرنا.
وعلى سفح ذلك الماضي تموت أنفاس السعادة، ويحتضر الفرح، حينما نتذكر الذين رحلوا.
أَ قدرٌ هذا وما يخبئُه من غوائل؟ ونحن حيارى مع الذي أصابنا في المقاتل.
ماذا ينفع لو أن الفرح بات يُشترى ويُباع؟
وهل يضير إن صار التمزق حزنًا حتى النخاع؟
أَ نكتُب تراتيل ؟ ..أم نذرف دمعًا؟
فهل يحيا المرء وكأنه في محراب حبٍّ معبأ الأشجان؟.
فليبق عناق الشجن إليه نتوق، وله لا نبالي إقداما، ولا نؤخرُ أقداما، ولا ننكص إحجاما، حتى وإن ابتلينا انهزاما.
يصيرُ الحلم ترياقًا يتوق المرء لارتشافهِ لعلّهُ يخفف وطأة الحميم، ووخز زجاج أسنَّةِ الجرحِ اللَّعين
لا شيء سوى أنّ الذكرى لتلك الخرساء العاشقة.
فيها الماضي، وفيها الحاضر يرنو بهما الإنسان إلى المستقبل يريده أن يكون جميلا
…………………….
أَ هو الفرحُ ؟..فهل طوت صفحة الأحزان والأشجان؟
والفرح لا يكتمل عند فاطمة سوى رؤية حبيبن.. وهما حسين ورابح..
أ هي الابتسامة وهجًا لتُعيد لقلبها النبض من جديد؟
أ هو نسيان الذين رحلوا، وقد خلت منهم الدار، وبَعُد المزار؟..
ومع ذلك هناك سعادة تحسّها فاطمة وتحياها
وخصوصًا عندما يأتي المساءُ الذي يخلق الحب من بريق عينيها، وهي تتأمل أغلى ما عندها في الوجود .. تتأمل حسين فترى الدفءَ والحماية والتبجيل الذي صار إعصار حبٍّ، وسيل منهمر من الأشواق و الصبابة.
ورغم تجهّمه من حين لآخر تحسّ أنه يبادلها ذلك الشوق والاشتياق، وله نحوها قلبٌ حفّاق.
فقد صارت تلمح على شفتيه تمتمة " ليتكِ تدرين .." بعد أن أصبحت تقرأ ما تتحرك به الشفاه وكأنها تسمعها.
ثم لا تلبثُ إلاّ أن تنظرَ إلى البراءةِ التي يشعها رابح بحبوره ومرحه.
فهو القطعة التي خرجت منها، بل هو أغلى هديّةٍ من ربٍّ بها رحيم.
كل ذلك .. وقد أصبحت فاطمة أُهزوجة حياةٍ تملأ أيامها بأعيادٍ وأفراحٍ لا تفارقها.. تجتاحها نشوة سعادة ثم تكتسيها.
لا لشيء سوى أنّ لها زوجًا انقذها من الموتِ ثم تزوجها، ورزقها الله ولدًا قرة أعينٍ لها
فتشعر أنّ كلّ من في الوجود أنه يغبطونها، حتى نسمات الهواء والماء والورد يحسدونها.
وفي الصباح تتحول فاطمة من تلك النسمة التي تشع حبًّا وحنانًا، إلى كتلة من طاقة، وآلة لا تخطئ في عملها..
فلا يراها القوم إلاّ في مشغلها لا هم لها سوى تكليف العمال والعاملات كلّ واحدٍ بعمله.
قد تتوقف عقارب الساعة عن الدوران، إلاّ أن فاطمة لم تتوقف عن العمل، أو تخطىء يومًا.. وكل عملٍ عندها بمقدار ..
فغبطها الناس، ومنهم من أعجب بها وأحبوها
ولكن من يقف أمامها؟..وقد صار مشغلها حديث الساعة، وخصوصًا نسوة المدينة اللائي لا همّ لهن سوى اقتناء الفساتين، فوجدن في فاطمة ضالتهن ..
و تهاطلت الأموال على فاطمة، وكثرت الطلبات، وجاءتها سيدات المجتمع زرافاتٍ ووحدانًا من كل حدبٍ وصوب.

... يتبع

الأيمان
2020-06-29, 17:04
لم أقرأ إلا العنوان ..أدعوكم لنشرها ورقيا فنحن جمهور القوارى بحاجة للورق .

zahozo
2021-12-15, 12:01
منذ مدة وانا انتظر تكملة القصة لكن مع الظروف انقطعت عن البعث
فهل للقصة بقية؟

fifi Hakima
2021-12-16, 07:10
جميييييل شكرا لك