المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأخلاق المذمومة


*عبدالرحمن*
2019-08-02, 13:49
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


تقدم

مقدمة الاخلاق (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2146555)

الأخلاق المحمودة (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2204699)



حكم الاستمناء وكيفية علاجه

السؤال

لدي سؤال أخجل من طرحه ولكن هناك أخت أسلمت حديثا تريد له جوابا وليس لدي جواب بالدليل من القرآن والسنة. آمل أن تساعدنا.

وأسأل الله أن يغفر لي إن كان السؤال غير لائق ولكن بصفتنا مسلمين يجب ألا نخجل في طلب العلم.

وسؤالها هو : هل الاستمناء جائز في الإسلام ؟

الجواب

الحمد لله

الاستمناء محرم لأدلة من القرآن والسنة :

أولاً : القرآن الكريم : قال ابن كثير رحمه الله تعالى : وقد استدل الإمام الشافعي ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية وهي قوله تعالى :

( والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) 4-6 سورة المؤمنون

وقال الشافعي في كتاب النكاح : فكان بيّناً في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان ..

ثم أكّدها فقال : ( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) . فلا يحل العمل بالذكر إلا في الزوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء والله أعلم

. كتاب الأم للشافعي .

واستدل بعض أهل العلم بقوله تعالى : ( وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النور 33 على أن الأمر بالعفاف يقتضي الصبر عما سواه .

ثانيا : السنّة النبوية : استدلوا بحديث عبد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا

فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءةَ ( تكاليف الزواج والقدرة عليه )

فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ( حماية من الوقوع في الحرام ) رواه البخاري فتح رقم 5066 .

فارشد الشارع عند العجز عن النكاح إلى الصوم مع مشقّته ولم يرشد إلى الاستمناء مع قوة الدافع إليه وهو أسهل من الصوم ومع ذلك لم يسمح به .

وفي المسألة أدلة أخرى نكتفي بهذا منها . والله أعلم

وأمّا العلاج لمن وقع في ذلك ففيما يلي عدد من النصائح والخطوات للخلاص :

1- يجب أن يكون الداعي للخلاص من هذه العادة امتثال أمر الله واجتناب سخطه .

2- دفع ذلك بالصلاح الجذري وهو الزواج امتثالاً لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم للشباب بذلك .

3- دفع الخواطر والوساوس وإشغال النفس والفكر بما فيه صلاح دنياك وآخرتك لأن التمادي في الوساوس يؤدي إلى العمل ثم تستحكم فتصير عادة فيصعب الخلاص منه .

4- غض البصر لأن النظر إلى الأشخاص والصور الفاتنة سواء حية أو رسماً وإطلاق البصر يجرّ إلى الحرام ولذلك قال الله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) الآية

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تُتْبع النظرة النظرة " رواه الترمذي 2777

وحسّنه في صحيح الجامع 7953

فإذا كانت النّظرة الأولى وهي نظرة الفجأة لا إثم فيها فالنظرة الثانية محرّمة ، وكذلك ينبغي البعد عن الأماكن التي يوجد فيها ما يغري ويحرك كوامن الشهوة .

5- الانشغال بالعبادات المتنوعة ، وعدم ترك وقت فراغ للمعصية .

6- الاعتبار بالأضرار الصحية الناتجة من تلك الممارسة مثل ضعف البصر والأعصاب وضعف عضو التناسل والآم الظهر وغيرها من الأضرار التي ذكرها أهل الطّب

وكذلك الأضرار النفسية كالقلق ووخز الضمير والأعظم من ذلك تضييع الصلوات لتعدّد الاغتسال أو مشقتّه خصوصا في الشتاء وكذلك إفساد الصوم .

7- إزالة القناعات الخاطئة لأن بعض الشباب يعتقد أن هذه الفعلة جائزة بحجة حماية النفس من الزنا واللواط ، مع أنّه قد لا يكون قريبا من الفاحشة أبدا .

8- التسلح بقوة الإرادة والعزيمة وألا يستسلم الشخص للشيطان . وتجنب الوحدة كالمبيت وحيدا وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيت الرجل وحده " .

رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع 6919 .

9- الأخذ بالعلاج النبوي الفعّال وهو الصوم لأنه يكسر من حدة الشهوة ويهذّب الغريزة

والحذر من العلامات الغريبة كالحلف ألا يعود أو ينذر لأنه إن عاد بعد ذلك يكون نقضا للأيمان بعد توكيدها

وكذلك عدم تعاطي الأدوية المسكنة للشهوة لأن فيها مخاطر طبية وجسدية وقد ثبت في السنّة ما يُفيد تحريم تعاطي ما يقطع الشهوة بالكلية .

10- الالتزام بالآداب الشرعية عند النوم مثل قراءة الأذكار الواردة ، والنوم على الشقّ الأيمن وتجنب النوم على البطن لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

11- التحلي بالصبر والعفة لأنه واجب علينا الصبر عن المحرمات وإن كانت تشتهيها النفس ولنعلم بأنّ حمل النّفس على العفاف يؤدي في النّهاية إلى تحصيله وصيرورته خُلُقا ملازما للمرء وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم :

مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ . "

رواه البخاري فتح رقم 1469 .

12- وإذا وقع الإنسان في هذه المعصية فعليه أن يبادر إلى التوبة والاستغفار وفعل الطاعات مع عدم اليأس والقنوط لأنه من كبائر الذنوب .

13- وأخيراً مما لا شك فيه أن اللجوء إلى الله والتضرع له بالدعاء وطلب العون منه للخلاص من هذه العادة هو من أعظم العلاج لأنه سبحانه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه

والله أعلم .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-08-02, 13:54
أدلة تحريم الإسبــال

السؤال

أخبرني أحد الأخوان بأن لبس الملابس تحت الكعب حرام وأن هناك أحاديث كثيرة تثبت هذا ، أريد رأيك حول الموضوع .

الجواب

الحمد لله

ما قاله لك صاحبك حقّ ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في منع الإسبال فمن ذلك :

ما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ) البخاري رقم 5787

وقال صلى الله عليه وسلم ( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ:الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» ) رواه مسلم رقم 106

وقال صلى الله عليه وسلم : ( الإسبال في الإزار والقميص والعمامة ، من جر منها شيئاً خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ) رواه أبو داود رقم 4085 والنسائي رقم 5334 بإسناد صحيح

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنْظُرُ إِلَى مُسْبِلِ الْإِزَارِ . " رواه النسائي في المجتبى (5332) كتاب الزينة : باب : إسبال الإزار

وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَضَلَةِ سَاقِي أَوْ سَاقِهِ فَقَالَ هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلَ فَإِنْ أَبَيْتَ فَلا حَقَّ لِلإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ " رواه الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ سنن الترمذي رقم 1783

وكلّ الأحاديث المتقدّمة عامة في منع الإسبال سواء قصد صاحبه الخيلاء والكبر أو لم يقصد

ولكن إذا قصد الخيلاء فلا شكّ أنّ إثمه سيكون أعظم وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً ) البخاري رقم 5788 ، ومسلم رقم 2087

وقال جابر بن سليم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إياك وإسبال الإزار فإنهـا من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة ) صححه الترمذي رقم 2722

ثمّ إنّ المرء لا يستطيع أن يبرّئ نفسه من الخيلاء ولو ادّعى ذلك فلا يُقبل منه لأنّها تزكية لنفسه

أما من شهد له الوحي بذلك فنعم كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال

( من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر يا رسول الله إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال ( إنك لست ممن يفعله خيلاء ) رواه البخاري رقم 5784.

ومما يدّل على أنّ الإسبال ممنوع ولو لم يكن معه خيلاء حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين

وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار ، ومن جرّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه ) رواه أبو داود رقم 4093 بإسناد صحيح . فقد ذكر في الحديثين عملين مختلفين رتّب عليهما جزاءين مختلفين .

وروى الإمام أحمد عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الإِزَارِ شَيْئًا قَالَ نَعَمْ تَعَلَّمْ

سَمِعْتُهُ يَقُولُ : " إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ ، وَمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ هُوَ فِي النَّارِ يَقُولُهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَرَفَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ زِدْ فَزِدْتُ فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى أَيْنَ فَقَالَ أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ . "

رواه مسلم رقم 2086

كتاب الكبائر للذهبي 131-132.

والإسبال كما يكون في الرّجال فإنّه يكون في النساء كذلك ومما يدلّ عليه حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ

: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلاءِ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ تُرْخِينَهُ شِبْرًا قَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ تُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا تَزِدْنَ عَلَيْهِ ."

النسائي : كتاب الزينة : باب ذيول النّساء .

وربما تكون عقوبة المختال في الدنيا قبل الآخرة كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

" بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " رواه مسلم 2088

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-08-02, 13:59
وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته

السؤال

كنت أرتكب المعاصي وكان الله يسترها عن أعين الناس, لكني كنت أتفاخر وأتباهى باقترافي لها. وقد قرأت أن من يفعل ذلك فلن يُغفر له, فهل هذا صحيح؟

وهل يوجد مخرج من هذا الوضع ؟

الجواب

الحمد لله

المسلم بعيد عن الفحش والتفحش ، ومن شر الأمور أن يكون من كلام المسلمين ما يظهر فسقهم وبعدهم عن الله تعالى ،

ومن ذلك أن المسلم يرتكب الذنب الذي يسخط به ربَّه عز وجلَّ، ويسيء به إلى خالقه ومولاه وربه فيستر الله عليه وهو الستير الكريم الغفور الذي لو شاء لأطبق الأرض عليه حال مجونه واستهتاره بحرمة الله

ليس هذا حسب بل يصبح مفتخراً بسخط الله ينشره بين الناس كاشفاً الغطاء الذي يستتر به بينه وبين الناس ، فأنى يغفر الله لمثله.

ولذا حجب الله عن مثل هذا العاصي توبته .

عن سالم بن عبد الله قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه " .

رواه البخاري ( 5721 ) ومسلم ( 2990 ) .

قال الحافظ ابن حجر :

وورد في الأمر بالستر حديث ليس على شرط البخاري وهو حديث ابن عمر رفعه " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألمَّ بشيءٍ منها فليستتر بستر الله" ..

الحديث أخرجه الحاكم وهو في الموطأ من مرسل زيد بن أسلم .

قال ابن بطال : في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين ، وفيه ضرب من العناد لهم ، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف

لأن المعاصي تذل أهلها ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حدّاً

وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة ، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك .

.. والحديث مصرح بذم من جاهر بالمعصية فيستلزم مدح من يستتر وأيضا فإن ستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه

فمن قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربه فلم يستره ومن قصد التستر بها حياء من ربه ومن الناس من الله عليه بستره لله . "

فتح الباري " (10 / 487 - 488 ) .

وقال المناوي :

والمراد الذين يجاهر بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي وجعل منه ابن جماعة إفشاء ما يكون بين الزوجين من المباح ويؤيده الخبر المشهور في الوعيد عليه " وإن من الجهار " أي الإظهار والإذاعة "

أن يعمل الرجل بالليل عملاً مسيئاً ، ثم يصبح " أي يدخل في الصباح " وقد ستره الله فيقول عملت البارحة " هي أقرب ليلة مضت .. " كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه " بإشهار ذنبه في الملأ

وذلك خيانة منه على ستر الله الذي أسدله عليه وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه أو أشهده فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فتغلظت به فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه صارت جناية رابعة وتفاحش الأمر . . .

. والتقدير لا ذنب لهم إلا المجاهرون ثم فسر المجاهر بأنه الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه ثم يصبح فيقول يا فلان إني عملت البارحة كذا وكذا فيكشف ستر الله عز وجل عنه فيؤاخذ به في الدنيا بإقامة الحد

وهذا لأن من صفات الله ونعمه إظهار الجميل وستر القبيح فالإظهار كفران لهذه النعمة وتهاون بستر الله

قال النووي فيكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها بل يقلع ويندم ويعزم أن لا يعود فإن أخبر بها شيخه أو نحوه ممن يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجا منها

أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها أو يدعو له أو نحو ذلك فهو حسن وإنما يكره لانتفاء المصلحة وقال الغزالي الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء

لا على السؤال والاستفتاء بدليل خبر من واقع امرأته في رمضان فجاء فأخبر المصطفى فلم ينكر عليه . "

فيض القدير " ( 5 /11 - 12 ) .

هذا بالنسبة للمجاهرة بالمعصية ، أما ما قلته من المباهاة والمفاخرة ، فليس الأمر فيهما متوقفاً على عدم مغفرة الذنب ، بل يخشى أن يكون هذا الفعل سبباً للردة والخروج من الإسلام

لأن المباهاة والمفاخرة بالذنب قد تعني الاستحلال لما حرَّم الله .

قال الشيخ ابن عثيمين :

هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن ، يتحدث بالزنى افتخاراً والعياذ بالله ، يقول : إنه سافر إلى البلد الفلاني ، وفجر وفعل وزنى بعدة نساء ، وما أشبه ذلك يفتخر بهذا :

هذا يجب أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قُتل ؛ لأن الذي يفتخر بالزنى : مقتضى حاله أنه استحل الزنى والعياذ بالله ، ومن استحل الزنى فهو كافر .

ويوجد بعض الناس الفسقة يفعل ذلك ، الذين أصيب المسلمون بالمصائب من أجلهم ومن أجل أفعالهم .

يوجد من يتبجح بهذا الأمر ، إذا سافر إلى بلد معروف بالفسق والمجون مثل ( بانكوك ) وغيرها من البلاد الخبيثة التي كلها زنى ولواط وخمر وغير ذلك : رجع إلى أصحابه يتبجح بما فعل .

هذا - كما قلت - يجب أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ؛ لأن من استحل الزنى أو غيره من المحرمات الظاهرة المجمع عليها : فإنه يَكفر .

" شرح رياض الصالحين " ( 1 / 116 ) .

والمخرج من وضعك هذا - يا أخي - التوبة النصوح إلى الله تعالى وعدم الإسراف في المعاصي والذنوب ، وإن كانت منك معصية حادثة فلا تهتك عنك ستر الله الذي يسترك به .

والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-08-02, 14:03
هل يجوز الذهاب إلى الشواطئ التي فيها عري واختلاط

السؤال

يذهب الناس في مصر إلى مدينة الإسكندرية لقضاء الصيف هناك ، ويوجد على البحر هناك الآلاف من النساء الكاسيات العاريات والعاريات ، واختلاط الرجال بالنساء ، وإني رجل ملتحٍ

فهل يجوز لي الذهاب هناك والجلوس على البحر أم لا يجوز ؟.

الجواب

الحمد لله

إذا كان الواقع كما ذُكر

فلا يجوز للمسلم أن يذهب إلى تلك المجتمعات

خشية الفتنة واجتناباً لمواطنها

إلا أن يكون ممن يقوى على إزالة ما فيها من المنكرات

لما له من سلطة ومعرفة بالشرع

وقوة على البيان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 362

*عبدالرحمن*
2019-08-02, 14:06
هل التحذير من عمل الفاسق نميمة وغيبة

السؤال

هل إذا عُرف إنسان بسوء سلوكه وكان مجاهراً بكبيرة مثل شرب الخمر أو غيرها ، ونصحنا غيرنا بالبعد عنه والتعامل معه ، هل هذا جائز ؟.

الجواب

الحمد لله

التحذير من عمل الفاسق ومرتكبي الكبائر واجب

فإذا خشي المسلم على إخوانه من عمل أولئك وجب نصحهم وكشف أحوال الفساق

حتى لا يقع أحد في شراكهم .

ويجب أيضاً مناصحة الفساق ومرتكبي الكبائر لعل الله أن يهديهم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة " قالوا : لمن يا رسول الله ؟

قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه .

من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 385 -386

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-04, 04:48
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


طبيب متخصص في علم الجنس ينصح بما يخالف الشرع بحجة أنه يفرق بين الدين وعمله كطبيب

السؤال

أعرف طبيبا متخصصا في علم الجنس ، له برنامج إذاعي ، يقدم فيه مواضيع لها علاقة بالتربية الجنسية والمشاكل النفسية ، هو شخص طيب

ولكنه يجهل أمورا في الدين ، وينصح الناس عندما يتصلون به في برنامجه نصائح تخالف الدين الإسلامي ، مثلا يقول : إن المثلية الجنسية ليس بشدوذ جنسي ، وإن العلاقة الجنسية في فترة الحيض لا تشكل أي مشكلة

وإن ملابس المرأة ليست سببا في التحرش الجنسي ، وإن العلاقة جنسية من الدبر ليس لها خطر ، وعندما يتصل به الزواني يجيبهم بشكل عادي ، وينصح بالعازل الطبي

ويقول : إنه لا يمكن أن يقول حراما ؛ لأنه ليس برجل دين ، فأنا راسلته ، وقلت له : إن كلامه خطأ فأجابني أن هناك فرق بين الدين وبين عمله كطبيب

وأنه ينصح بما يقوله الطب ، وأنه ليس بمتخصص في الدين ، فأنا إن شاء الله تعالى سأزوره في عيادته

واأتمنى منكم شرحا مفصلا لهذا الشخص ؛ لأني احب الخير له ولجميع الناس ، فما رأي الدين ؟

وهل هناك فرق بين عمل وتخصص دنيوي وبين الدين ؟

وهل سيحاسب على نصائحه ؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

يجب على كل إنسان أن يقول الحق الذي يعلمه، حيث كان.

وكون الطبيب ليس عالما شرعيا أو مفتيا، لا يعني أنه يجهل تحريم اللواط ، أو تحريم إتيان الحائض أو الوطء في الدبر، وإذا كان يجهل شيئا من ذلك، فعليه بسؤال أهل العلم ، ليراعي ذلك في برنامجه.

وينظر: جواب السؤالين القادمين

وليس من اللازم عليه أن يقول إن اللواط شذوذ، لكن عليه أن ينفر منه، ويدعو إلى تركه، ويبين تحريمه الشديد، وإلا كان غاشا كاتما للعلم، معرضا نفسه للوعيد.

قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ

* لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ آل عمران/187، 188 .

وروى مسلم (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ؟

قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ .

وروى البخاري (57) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " .

ولا يجوز لإنسان أن يكتم الحق الذي يعلمه، أو يقول الباطل، بحجة أنه ليس عالم دين، أو أنه يتكلم كطبيب، فإنه مسئول بين يدي الله عما يخرج من فمه.

ثم عدم علمه، ليس عذرا له أن يتكلم بغير علمه .

بل إما أن يسكت عن الكلام في مثل هذه المواضيع، التي لا يتمحض اتصالها بالطب، بل حكم الدين فيها هو الأساس، أو يتعلم من دينه ، ما يحتاجه في مهنته، وكلامه، ونحو ذلك .

فالتاجر الذي يتعامل بالربا ، أو يدل الناس عليه ، أو يتعامل بالغرر ، أو غير ذلك من البيوع والمعاملات المحرمة : ليس معذورا بما أنه ليس رجل دين

وإنما الواجب عليه أن يسأل أهل العلم والدين في كل ما ينوبه من أمره ، ويحتاجه في مهنته ، ومعاملاته ، كما عليه أن يتعلم ما يحتاجه من أمر عباداته، فالدين واحد

والذي شرع لعباده الحلال والحرام في معاملاتهم، هو الذي شرع لهم ذلك في عباداتهم، وما يجب عليهم فيها ؛ ولا فرق .

قال الله تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا الإسراء/36 .

وقد سئل الشيخ ابن عثييمن رحمه الله:

"ما صحة حديث (من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار) نرجو التفصيل وكيف يكون الكتمان؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كتمان العلم يكون بإخفائه حين تدعو الحاجة إلى بيانه ، والحاجة التي تدعو إلى بيان العلم بالسؤال ، إما بلسان الحال

وإما بلسان المقال ؛ فالسؤال بلسان الحال أن يكون الناس على جهل في دين الله ، بما يلزمهم ، في الطهارة في الصلاة في الزكاة في الصيام في الحج في بر الوالدين في صلة الأرحام

فيجب حينئذٍ بيان العلم ، أو بلسان المقال بأن يسألك إنسان عن مسألة من مسائل الدين ، وأنت تعرف حكمها ، فالواجب عليك أن تبينها .

ومن كتم علماً مما علمه الله ، فهو على خطر عظيم . قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159)

إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وقال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) وليعلم طالب العلم أنه كلما بيَّن العلم ازداد هذا العلم

فإن العلم يزيد بزيادة نفسه قال الله تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (6/ 2) ترقيم الشاملة.

وكيف يسمع الإنسان المنكر، كالزنا، ثم لا ينكره، بل ينصح بما يدعو للمزيد منه، عياذا بالله.

فالنصيحة لهذا الطبيب أن يتقي الله تعالى، وأن يراقب لسانه، وأن يحذر أن يكون داعية إلى إثم أو معصية، فيلحقه مثل أوزار من تبعه واغتر بكلامه.

قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا

أخرجه مسلم في صحيحه (4831).

وليقارن هذا الطبيب حاله بحال من يستغل موقعه وثقة الناس فيه في تقريبهم إلى الله، وإرشادهم إلى طاعته، وتنفيرهم عن معصيته

فكم من مبتلى أعرض عن الحرام لكلمة يسمعها من طبيبه أو معلمه، فنال الطبيب أو المعلم بذلك الأجر، وجاءت توبة المبتلى في صحيفة حسناته.

ثانيا:

لا ننصحكِ بزيارة هذا الطبيب، ولا الحديث معه بهذا الشأن، بل يكفي إرسال النصيحة له، فإن ما ذكرت عنه يدل على فساد فكره وانحرافه.

ولا يصلح للمرأة أن تتحدث مع رجل في مثل هذه الأمور، بل ينبغي أن يحجزها الحياء عن ذلك. لا سيما وزيارتها له، وكلامها معه في ذلك : سوف يكون في عيادته، ومكانه ، وبعيدا عن الناس.

والحاصل في أمر زيارتك له : أننا لا نوافقك على ذلك ، ولا نوافقك على الحديث معه في مثل ذلك

بل يتحدث معه في ذلك الرجال ، فإن كان عندك من الرجال من يقوم بذلك، فبها ونعمت، وإلا ، فيكفي أن ترسلي له هذا الجواب، ومثله من المواد النافعة، دون فتح لباب الحوار ، أو النقاش معه في مثل ذلك .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-04, 04:52
مباشرة المرأة وهي حائض أو نفساء

السؤال

هل تجوز ملاعبة الزوجة وهي في فترة الحيض أو النفاس ؟.

الجواب

الحمد لله

مباشرة الرجل وملاعبته لامرأته وهي في فترة الحيض أو النفاس على ثلاثة أقسام :

أَحَدهَا :

أَنْ يُبَاشِرهَا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْج , فَهَذَا حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وبِنَصِّ الْقُرْآن الْعَزِيز

قال الله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) البقرة/222 .

الْقِسْم الثَّانِي :

الْمُبَاشَرَة فِيمَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة بِالْقُبْلَةِ أَوْ الْمُعَانَقَة أَوْ اللَّمْس أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَهُوَ حَلال بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء .

انظر : "شرح مسلم" للنووي ، و "المغني" (1/414) .

الْقِسْم الثَّالِث :

الْمُبَاشَرَة فِيمَا بَيْن السُّرَّة وَالرُّكْبَة فِي غَيْر الْقُبُل وَالدُّبُر , فهذا قد اختلف العلماء في جوازه . فذهب إلى تحريمه الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي .

وذهب إلى جوازه الإمام أحمد ، واختاره بعض الحنفية والمالكية والشافعية . قال النووي : هو الأقٌوى دليلاً وَهُوَ الْمُخْتَار اهـ .

واحتج القائلون بالجواز بأدلة من القرآن والسنة :

أما القرآن ، فاحتجوا بالآية السابقة : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) البقرة/222 .

قال ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (1/413) :

المحيض هو زمان الحيض ومكانه ، ومكانه هو الفرج فما دامت حائضا فوطؤها في الفرج حرام اهـ .

وقال ابن قدامة في "المغني" (1/415) :

فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما عداه اهـ .

وأما السنة فروى مسلم (302) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ . . . إِلَى آخِرِ الآيَةِ )

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ . فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا : مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ !!

ومعنى ( لَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوت ) أَيْ لَمْ يُخَالِطُوهُنَّ وَلَمْ يُسَاكِنُوهُنَّ فِي بَيْت وَاحِد اهـ . قاله النووي .

وروى أبو داود (272) عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا . قال الحافظ : إسناده قوي اهـ . وصححه الألباني في صحيح أبي داود (242) .

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/395) :

يحرم على الزوج أن يجامع زوجته في فرجها وهي حائض ، وله أن يباشرها فيما عداه اهـ.

والأولى للرجل إذا أرد أن يستمتع بامرأته وهي حائض أن يأمرها أن تلبس ثوباً تستر به ما بين السرة والركبة ، ثم يباشرها فيما سوى ذلك .

لما رواه البخاري (302) ومسلم (2293) عن عَائِشَةَ قَالَتْ

: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا .

وروى مسلم (294) عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ .

( فِي فَوْر حَيْضَتهَا ) أي : أَوَّله وَمُعْظَمه . قَالَه الْخَطَّابِيُّ .

قال ابن القيم في "تهذيب السنن" عند شرح حديث رقم ( 2167 ) من عون المعبود :

وَحَدِيث " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ" ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّحْرِيم إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَوْضِع الْحَيْض خَاصَّة , وَهُوَ النِّكَاح , وَأَبَاحَ كُلّ مَا دُونه . وَأَحَادِيث الإِزَار لا تُنَاقِضهُ ، لأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغ فِي اِجْتِنَاب الأَذَى , وَهُوَ أَوْلَى اهـ . بتصرف .

ويحتمل أن يفرق بين أول الحيض وآخره ، ويكون استحباب ستر ما بين السرة إلى الركبة خاصاً بوقت نزول الدم بكثرة وهذا يكون في أول الحيض .

قال الحافظ :

وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ أُمّ سَلَمَة أَيْضًا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَّقِي سَوْرَة الدَّم ثَلاثًا ثُمَّ يُبَاشِر بَعْد ذَلِكَ . اهـ بتصرف .

تنبيه :

ما سبق من الأحكام تستوي فيها الحائض والنفساء .

قال ابن قدامة رحمه الله

بعد أن ذكر أقسام مباشرة الرجل لامراته وهي حائض ، قال :

والنفساء كالحائض في هذا اهـ المغني (1/419) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-04, 04:55
الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في حال الحيض والنفاس

السؤال

ما الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في حال الحيض والنفاس ؟

إذا كان سبب التحريم هو الدم لأنه نجس فهل يجوز الوطء بمانع مثل الواقي المطاطي ؟ .

الجواب

الحمد لله

حرّم الله عز وجل على الرجال وطء زوجاتهم في الفرج في زمن الحيض .

وقد نص القرآن الكريم على علّة التحريم ، وهي كون المحيض أذى قال تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) البقرة / 222

والدراسات العلمية في هذا المجال كشفت لنا عن شيء من الأذى الذي أشارت إليه الآية الكريمة ولكنهم لم يصلوا إلى التعرف على جميع الأذى الذي عناه النص القرآني .

يقول الدكتور محيي الدين العلبي :

" يجب الامتناع عن جماع المرأة الحائض لأن جماعها يؤدي إلى اشتداد النزف الطمثي

لأن عروق الرحم تكون محتقنة وسهلة التمزّق وسريعة العطب ، كما أن جدار المهبل سهل الخدش

وتصبح إمكانية حدوث الالتهابات كبيرة مما يؤدي إلى التهاب الرحم أو يحدث التهاب في عضو الرجل بسبب الخدوش التي تحصل أثناء عملية الجماع

كما أن جماع الحائض يسبب اشمئزازاً لدى الرجل وزوجه على السواء بسبب وجود الدم ورائحته ، مما قد يكون له تأثير على الرجل فيصاب بالعنة (البرود الجنسي )

ويقول الدكتور محمد البار متحدثاً على الأذى الذي في المحيض : يُقذف الغشاء المبطّن للرحم بأكمله أثناء الحيض .. ويكون الرحم متقرحاً نتيجة لذلك

تماماً كما يكون الجلد مسلوخاً فهو معرّض بسهولة لعدوان البكتيريا الكاسح .. ويصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب يشكل خطراً داهماً على الرحم .

لهذا فإن إدخال القضيب إلى الفرج والمهبل في أثناء الحيض ليس إلا إدخالاً للميكروبات في وقت لا تستطيع فيه أجهزة الدفاع أن تقاوم .

ويرى الدكتور البار أن الأذى لا يقتصر على ما ذكره من نمو الميكروبات في الرحم والمهبل الذي يصعب علاجه ، ولكن يتعداه إلى أشياء أخرى هي :

1. امتداد الالتهابات إلى قناتي الرحم فتسدها ، مما قد يؤدي إلى العقم أو إلى الحمل خارج الرحم ، وهو أخطر أنواع الحمل على الإطلاق .

2. امتداد الالتهاب إلى قناة مجرى البول ، فالمثانة فالحالبين فالكلى ، وأمراض الجهاز البولي خطيرة ومزمنة .

3. ازدياد الميكروبات في دم الحيض وخاصة ميكروب السيلان .

والمرأة الحائض كذلك تكون في حالة جسمية ونفسية لا تسمح لها بالجماع ، فإن حدث فإنه يؤذيها أذى شديداً ، ويصاحبه آلالام وأوجاع أثناء الحيض ـ يقول الدكتور البار ـ :

1. يصاحب الحيض آلام تختلف في شدتها من امرأة إلى أخرى ، وأكثر النساء يصبن بآلام في الظهر وفي أسفل البطن ، وبعض النساء تكون آلامهن فوق الاحتمال مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات .

2. تصاب كثير من النساء بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض وخاصة عند بدايته ..كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها أثناء الحيض .

3. تصاب بعض النساء بالصداع النصفى قرب بداية الحيض ، وتكون آلالام مبرحة وتصحبها زغللة في الرؤية وقيء .

4. تقل الرغبة الجنسية لدى المرأة ، بل إن كثيراً من النساء يكن عازفات تماماً عن الجماع أثناء الحيض . وتكون الأجهزة التناسيلة بأكملها في حالة شبه مرضية

فالجماع في هذه الآونة ليس طبيعياً ولا يؤدي أي وظيفة ، بل على العكس يؤدي إلى الكثير من الأذى .

5. تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض درجة مئوية كاملة ، ومع انخفاض درجة الحرارة يبطئ النبض وينخفض ضغط الدم فيسبب الشعور بالدوخة والفتور والكسل .

ويذكر الدكتور البار أيضاً أن : الأذى لا يقتصر على الحائض في وطئها

وإنما ينتقل إلى الرجل الذي وطئها أيضاً مما قد يسبب له التهابات في الجهاز التناسلي الذي قد يسبب عقماً نتيجة هذه الالتهابات .

كما أن الآلام المبرحة التي يعانيها المريض من هذه الالتهابات تفوق ما قد ينتج عن ذلك الالتهاب من عقم .

إلى غير ذلك من المضار الكثيرة والتي لم يكشف عنها الآن

وإنما عبّر عنها الله عز وجل بقوله : ( قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ، ولا تقربوهن حتى يطهرن ) فوصفه تعالى له بأنه ( أذى ) أذى للزوجة ، وأذى للزوج وغير ذلك من مضار كثيرة الله أعلم بها .

وبهذا يتبيّن أنه ليس المنع من وطء الزوجة في زمن الحيض من أجل الدم فقط . بل لأسباب كثيرة سبق ذكرها .

كما أن على المسلم أن يمتثل أمر الله عز وجل فإنه هو الخالق وهو أعلم بما يصلح العباد وما يضرهم

وهو القائل ( فاعتزلوا النساء في المحيض ) فحتى لو لم يتبيّن للشخص الحكمة من ذلك فإن عليه أن يسلّم لأمر الله الذي أمر أن يترك الرجل جماع أهله في هذه الفترة .

انظر : الحيض والنفاس والحمل بين الفقه والطب د . عمر الأشقر .

توضيح الأحكام للبسام (1/362)

ومع ذلك فإنه يجوز للرجل أن يستمع بزوجته فيما دون الفرج .

*عبدالرحمن*
2019-08-04, 04:59
حكم الكذب على الوالدة بشأن مرضه خوف حزنها وألمها

السؤال

أنا مصاب بالسكر من فترة طويلة ، وأمي دائما تسألني عن مستوى السكر ، فأحيانا يكون عاليا ، وفي كل مرة أخبرها بأنه عالي ، مثلا : أقول لها إنه ٣٠٠ تضطرب ، وتحزن

وتغضب أحيانا ، فأصبحت أكذب ، وأقول دائما إنه ممتاز ، وأكذب في الرقم فأقول ١١٠ ، أو ١٠٠ ، فهل هذا الكذب جائز أم إنني أأثم عليه ؟

ويجب علي قول الحقيقة ؟

الجواب

الحمد لله

الكذب خصلة ذميمة محرمة ولا تباح إلا في حالات معينة، والواجب التحرز منه، وتحري الصدق ما أمكن.

قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ التوبة/119 .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ

وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا . وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا

رواه البخاري (5629) ، ومسلم (4719).

وإذا كان إخبار والدتك بالحقيقة يؤلمها ، ويدخل الغم عليها، فينبغي أن تستعمل التورية

وهي الكلام الذي يحتمل، "فتطلق لفظا ظاهرا (قريبا) في معنى، تريد به معنى آخر (بعيدا) يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره"

انتهى من " الموسوعة الفقهية" (12/ 247).

وذلك كأن تقول عن حالة السكر: الحمد لله ، الأمور بخير، أنا بعافية ، وهذه الأخيرة تحتمل الصحة والمرض.

وإذا سئلت عن نسبة السكر قلت: السكر بلغ أو وصل 100 أو بلغ 110، وأنت صادق في ذلك، فإذا كان قد وصل إلى 300 فإنه لا شك قد بلغ 100 و 110 .

أو تذكر لها نسبة السكر في التحاليل قبل الأكل، كما يفعل عادة ، وهي تكون أقل من النسبة الأخرى بعد الأكل .

أو نحو ذلك من المعاريض .

وهذه التورية إنما تستعمل للحاجة، تفاديا للكذب، ولا يصح أن تكون ديدن المؤمن.

قال البخاري في صحيحه: " الْمَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْكَذِبِ . وَقَالَ إِسْحَاقُ : سَمِعْتُ أَنَسًا مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ : كَيْفَ الْغُلَامُ؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هَدَأَ نَفَسُهُ ،وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَرَاحَ ، وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ" انتهى.

فقولها: (هدأ نفسه)، فهم منه زوجها أنه عوفي أو استراح، والحقيقة أنه قد مات.

وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم صنيع أم سليم ولم ينكر عليها.

فقد روى البخاري (5470) ، ومسلم (2144) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبِيُّ

فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ : مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ

فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى ، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارُوا الصَّبِيَّ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: أَعْرَسْتُمْ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا ".

قال النووي في "شرح مسلم" (14/ 124):

" وفى هذا الحديث مناقب لأم سليم رضى الله عنها من عظيم صبرها وحسن رضاها بقضاء الله تعالى وجزالة عقلها فى إخفائها موته على أبيه فى أول الليل ليبيت مستريحا بلا حزن

ثم عشته وتعشت ثم تصنّعت له وعرضت له بإصابته فأصابها. وفيه استعمال المعاريض عند الحاجة؛ لقولها: "هو أسكن مما كان"

إنه كلام صحيح، مع أن المفهوم منه أنه قد هان مرضه وسهل وهو فى الحياة. وشرط المعاريض المباحة أن لا يضيع بها حق أحد، والله أعلم" انتهى.

وقال ابن قدامة رحمه الله: " روي أن مَهَنّا كان عنده [أي عند الإمام أحمد] , هو والمروذي وجماعة ,

فجاء رجل يطلب المروذي , ولم يرد المروذي أن يكلمه , فوضع مهنا أصبعه في كفه , وقال: ليس المروذي هاهنا , وما يصنع المروذي هاهنا؟ يريد: ليس هو في كفه، ولم ينكر ذلك أبو عبد الله "

انتهى من "المغني" (9/ 420).

وقد ذكرنا أمثلة لذلك من فعل الأئمة

في جواب السؤال القادم

وذكرنا فيه أن التورية لا تفعل إلا في حالات الحرج.

لكن إذا دار الأمر بين الصدق الذي يؤذي الأم ويغمها، وبين الكذب، فالمخرج هو استعمال التورية والمعاريض.

ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك.

والله أعلم.


*عبدالرحمن*
2019-08-04, 05:03
متى تصح التورية ؟

وما هي الضرورة فيها ؟

السؤال

متى تصح التورية ؟

وإذا كانت للضرورة فقط فما المعتبر في الضرورة ؟.

الجواب

الحمد لله

التورية لغةً هي : إخفاء الشيء .

قال الله عَزَّ و جَلَّ : فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ المائدة / 31 .

و قال عَزَّ من قائل : يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الأعراف / 26 .

وأما معناها الاصطلاحي فهو أن يقول القائل كلاماً يظهر منه معنى يفهمه السامع ولكن القائل يريد معنى آخر يحتمله الكلام

كأن يقول له ليس معي درهم في جيبي فيُفهم منه أنّه ليس معه أي مال أبداً ، ويكون مراده أنه لا يملك درهماً لكن يملك ديناراً مثلاً ، ويسمى هذا الكلام تعريضاً أو تورية .

وتُعد التورية من الحلول الشرعية لتَجَنُّب حالات الحرج التي قد يقع الإنسان فيها عندما يسأله أحدٌ عن أمرٍ وهو لا يريد إخباره بالواقع من جهة ، ولا يريد أن يكذب عليه من جهة أخرى .

وتصح التورية من القائل إذا دعت الحاجة أو المصلحة الشرعية لها ، ولا ينبغي أن يكثر منها بحيث تكون ديدناً له ، ولا أن يستعملها لأخذ باطل أو دفع حق .

قال النووي :

قال العلماء :‏ فإن دعَت إلى ذلك مصلحة شرعيَّة راجحة على خداع المخاطب

أو دعت إليه حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب : فلا بأس بالتعريض ،‏ فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة : فهو مكروه وليس بحرام ، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراماً ، وهذا ضابط الباب .

" الأذكار " ( ص ‏380 ) .

وذهب بعض العلماء إلى تحريم التعريض لغير حاجة أو مصلحة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . انظر الاختيارات ص 563 .

وهناك حالات أرشد النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى استخدام التورية ، فعلى سبيل المثال :

إذا أحدث الرجل في صلاة الجماعة فماذا يفعل في هذا الموقف المحرج ؟ .

الجواب : عليه أن يأخذ بأنفه فيضع يده عليه ثم يخرج .

والدليل : عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف "

- سنن أبي داود ( 1114 )

وهو في " صحيح سنن أبي داود " ( 985 ) .

قال الطيبي :

أمر بالأخذ ليخيل أنه مرعوف ( والرعاف هو النزيف من الأنف ) ، وليس هذا من الكذب ، بل من المعاريض بالفعل ، ورُخِّص له في ذلك لئلا يسوِّل له الشيطان عدم المضي استحياء من الناس ا.هـ "

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ( 3 / 18 ) .

وهذا من التورية الجائزة والإيهام المحمود رفعاً للحرج عنه ، فيظن من يراه خارجاً بأنه أصيب برعاف في أنفه ...

وكذلك إذا واجه المرء المسلم ظروفاً صعبة محرجة يحتاج فيها أن يتكلم بخلاف الحقيقة لينقذ نفسه ، أو ينقذ معصوماً ، أو يخرج من حرج عظيم ، أو يتخلص من موقف عصيب .

فهناك طريقة شرعية ومخرجٌ مباح يستطيع أن يستخدمه عند الحاجة ألا وهو " التورية " أو " المعاريض "

وقد بوَّب البخاري - رحمه الله - في صحيحه " باب المعاريض مندوحة عن الكذب " -

صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب ( 116 ) - .

وفيما يلي التوضيح بأمثلة من المعاريض التي استخدمها السلف والأئمة أوردها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه " إغاثة اللهفان " :

ذُكر عن حماد رحمه الله أنه إذا أتاه من لا يريد الجلوس معه قال متوجعاً : ضرسي ، ضرسي ، فيتركه الثقيل الذي ليس بصحبته خير .

وأحضر سفيان الثوري إلى مجلس الخليفة المهدي فاستحسنه

فأراد الخروج فقال الخليفة لا بد أن تجلس فحلف الثوري على أنه يعود فخرج وترك نعله عند الباب ، وبعد قليل عاد فأخذ نعله وانصرف فسأل عنه الخليفة فقيل له إنه حلف أن يعود فعاد وأخذ نعله .

وكان الإمام أحمد في داره ومعه بعض طلابه منهم المروذي فأتى سائل من خارج الدار يسأل عن المروذي والإمام أحمد يكره خروجه

فقال الإمام أحمد : ليس المروذي هنا وما يصنع المروذي ها هنا وهو يضع إصبعه في كفه ويتحدث لأن السائل لا يراه .

ومن أمثلة التورية أيضاً :

لو سألك شخص هل رأيت فلاناً وأنت تخشى لو أخبرته أن يبطش به فتقول ما رأيته وأنت تقصد أنك لم تقطع رئته وهذا صحيح في اللغة العربية أو تنفي رؤيته وتقصد بقلبك زماناً أو مكاناً معيناً لم تره فيه

وكذلك لو استحلفك أن لا تكلم فلاناً : فقلت : والله لن أكلمه ، وأنت تعني أي لا أجرحه لأن الكلم يأتي في اللغة بمعنى الجرح .

وكذلك لو أرغم شخص على الكفر وقيل له اكفر بالله ، فيجوز أن يقول كفرت باللاهي . يعني اللاعب . إ

غاثة اللهفان : ابن القيم 1/381 وما بعدها 2/106-107

وانظر بحثاً في المعاريض في الآداب الشرعية لابن مفلح 1/14 .

هذا مع التنبيه هنا أن لا يستخدم المسلم التورية إلا في حالات الحرج البالغ وذلك لأمور منها :

1- أن الإكثار منها يؤدي إلى الوقوع في الكذب .

2- فقدان الإخوان الثقة بكلام بعضهم بعضاً لأن الواحد منهم سيشك في كلام أخيه هل هو على ظاهره أم لا ؟ .

3- أن المستمع إذا اطلع على حقيقة الأمر المخالف لظاهر كلام الموري ولم يدرك تورية المتكلم يكون الموري عنده كذاباً وهذا مخالف لاستبراء العرض المأمور به شرعاً .

4- أنه سبيل لدخول العجب في نفس صاحب التورية لإحساسه بقدرته على استغفال الآخرين .

انتهى من كتاب " ماذا تفعل في الحالات الآتية ؟ " .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-05, 04:52
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل وضع الفاكهة أو الطماطم الصغيرة أسفل الصندوق والكبيرة في أعلاه نوع من الغش؟

السؤال

أنا أعمل في مجال الزراعة ، وعند جني المحاصيل نقوم بوضعها في صناديق بحيث نجعل الأحسن في الواجهة

مثلا نقوم بوضع حبات الطماطم الأكبر حجما في الواجهة ، والأقل حجما في الأسفل ، مع العلم إننا لا نضع الطماطم الفاسدة ، أو المنخورة ، أو المتضررة

مع العلم أن التاجر (المشتري) له علم بهذه العملية ، وهو يشترط أن تكون موضوعى بهذه الطريقة ، ويقوم بتفحصها من الأسفل. فما حكم هذه العملية ؟

وهل تعتبر تدليس ؟

الجواب

الحمد لله

ما يقوم به المزارع من وضع الجيد في أعلى الصندوق ، والأقل جودة في أسفله، نوع من الغش المحرم، إذا كان المشتري يظن أن الصندوق كله على الصفة الجيدة.

وقد روى مسلم (102) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ

قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي .

وروى أحمد (5113) عن ابن عمر قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسّنه صاحبه ، فأدخل يده فيه ، فإذا طعام رديء فقال: بع هذا على حدة ، وهذا على حدة، فمن غشنا فليس منا وصححه محققو المسند.

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله

: "وضابط الغش المحرم : أن يعلم ذو السلعة ، من نحو بائع أو مشتر

فيها شيئا ، لو اطلع عليه مُريد أخذها ، ما أخذها بذلك المقابل ؛ فيجب عليه أن يعلمه به ليدخل في أخذه على بصيرة"

انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 396).

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/ 212):

" إذا كان هناك بائع ويعطيه المزارعون ثمارهم لبيعها، وهو يعلم أنهم غاشون فيها، لجعلهم الثمار الكبيرة أعلى ، والصغيرة أسفل؛ هل يأثمون أم لا، وماذا يجب عليه في هذه الحالة؟

الجواب: على البائع مناصحة المزارعين، وتحذيرهم من الغش، لعل الله أن يهديهم، وعلى البائع أن يذكر ما في السلعة من عيب عند البيع، فإن لم يفعل أثم" انتهى.

وجاء فيها أيضا: " لدينا فواكه، مثل فاكهة التين، ونحن نجمع ثمار التين بعد النضوج في أسبات من عيدان النخل، نجعل الفاكهة أي التين النظيف

ونكتب عليه نمرة واحد، وأما الثاني فيجعلون الثمرة الكبيرة من الخارج ظاهرة والصغيرة في داخل السبَت وليست ظاهرة ، ولكنها مستوية أي ناضجة ، ومعروف عند المشتري بأن التين نمرة اثنين.

هل هذا يسمى غشا أم ليس غشا، وعندما ينضج ثمار التي داخل عبوة السبت، ولا نوجهه أي نرصه ونصلحه، وإذا لم نصلحه لا يشتريه أحد، وإذا اشتراه أحد الناس يشترونه بثمن بخس، فبماذا تنصحوننا؟

علما بأن كل الناس في قريتي يفعلون هذه الفعلة، كما أعرفكم بأن كلمة سبت عندنا هي: العبوة التي يعبأ بداخلها التين، وهي تصنع من جريد النخل. أفيدونا أفادكم الله، وأسأله لكم العافية في الدنيا والآخرة.

ج: وضع الثمار الصغار في أسفل عبوة السبت (الصندوق) ، والكبار في أعلاه من الغش، وهو حرام، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غشنا فليس منا

عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.

وكون التاجر الذي يشتري منك يعلم ذلك، بل ويريده، يرفع الغش في حق هذا التاجر فقط ، ولكن هذا التاجر سيبيع الصناديق لتجار الأسواق ويغشهم بهذه الطريقة .

فلا يجوز لك أن تعينه عليه، بل تضع في أعلى الصندوق من جميع ما عندك، من كبير وصغير.

وأما إن كان المشترون من هذا التاجر يعلمون أن واجهة الصندوق أو أعلاه يوضع فيه الأجمل، وأن بقيته ليست على هذه الصفة

فلا غش حينئذ، وإن كان هذا عملا سيئا؛ لأن فيه تعويد الناس على الزيف والخداع، فما دامت السلعة فيها الكبير والصغير، والجيد والرديء، فأي حكمة في تحسين ظاهرها وجعله كله من الجيد!

وقد يشتري من هذا التاجر من لا يعلم هذا ، أو يحسن الظن في التاجر ، فيخدع في البيع .

فلهذا ينبغي ألا تستجيب لطلب التاجر، بل تضع في أعلى الصندوق من جميع ما فيه.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-05, 04:59
الفرق بين الفجور والفسق والمعصية

السؤال

هل بالإمكان شرح معنى كلمة ( فاسق )، و( فاجر )، و( المذنب العادي ) بالتفصيل .

وما الفرق بين هذه المصطلحات جميعًا . فكلمة ( المذنب ) تستخدم للجميع ، وفي هذا شيء من الإشكال

لفهم أهمية كل مصطلح على حدة ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

يمكننا أن نلخص الفارق بين هذه الأوصاف الدينية ونوضحه على الوجه الآتي
:
الفسق : يغلب استعماله في كبائر الذنوب ، كالسرقة وأكل الربا والزنا ونحو ذلك .

وأما الفجور فيغلب استعماله في كبائر الذنوب أيضا

ولكنه كثيرا ما يخص إطلاقه على الإكثار من الكبائر والاستهتار بها والانطلاق فيها

أو بالكبائر الأشد شناعة ، التي يستنكرها كل عاقل حتى لو لم يكن مسلما ، كاللواط ، وزنا المحارم ، والبهتان ، والتنكيل في القتل ، واليمين الغموس ، ونحو ذلك .

فالفجور أشنع من الفسق

والمعصية أقل منهما درجة .

يقول أبو هلال العسكري رحمه الله :

" الفرق بين الفسق والفجور :

أن الفسق هو الخروج من طاعة الله بكبيرة .

والفجور الانبعاث في المعاصي ، والتوسع فيها

وأصله من قولك : ( أَفْجَرتُ السَّكْر ) إذا خرقتَ فيها خرقا واسعا ، فانبعث الماء كل منبعث ، فلا يقال لصاحب الصغيرة فاجر ، كما لا يقال لمن خرق في السَّكر خرقا صغيرا أنه قد ( فجر ) السَّكْر [السكر: هو سد النهر] .

ثم كثر استعمال الفجور حتى خص بالزنا واللواط وما أشبه ذلك "

انتهى من " الفروق "(231) .

ويقول أبو المكارم الخوارزمي (ت610هـ) رحمه الله :

" الفجور والفسوق والعصيان ، كأن الفاجر يفتح معصيته ويتسع فيها ، وفي دعاء القنوت ونترك من يفجرك ، أي : يعصيك "

انتهى من " المغرب في ترتيب المعرب " (ص: 351) .

ثانيا :

ما سبق لا يمنع إطلاق كل هذه الأوصاف : الفسق ، الفجور ، المعصية ، على بعضها بعضا، فما سبق تقريره من الفارق بينهما إنما يكون عند اجتماع هذه الألفاظ مع بعضها

أو عند إطلاقها وإرادة تخصيصها بالاصطلاح السابق

ولكن عند إطلاقها مفترقة ، يصح إرادة أي معنى من المعاني السابقة ، فاللواط مثلا معصية ، وكبيرة ، وفجور ، وهكذا قال أبو البقاء الكفوي رحمه الله : " الفاجر : يطلق على الكافر والفاسق "

انتهى من " الكليات " (ص/693) .

اللهم إلا أن صغائر الذنوب لا يطلق عليها ـ عادة ـ وصف الفسق أو الفجور ، فهذا الإطلاق علامة على كون الذنب من كبائر الذنوب كما يقول العلماء ، ويراجع في ذلك كتاب " الزواجر عن اقتراف الكبائر " (1/8)

وقد ورد قليلا إطلاق الفسق والفجور على مطلق المعصية :

يقول أبو المكارم الخوارزمي (ت610هـ) رحمه الله :

" في دعاء القنوت ( ونترك من يفجرك ) أي يعصيك "

انتهى من " المغرب في ترتيب المعرب " (ص: 351)

وكذا قال العيني في " عمدة القاري " (14/307) .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الفجور : اسم جامع لكل متجاهر بمعصية ، أو كلام قبيح يدل السامع له على فجور قلب قائله "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (15/286) .

ويقول أبو البقاء الكفوي :

" الفسق في القرآن على وجوه – فعدها وذكر منها - بمعنى السيئات ، نحو : ( ولا فسوق ولا جدال في الحج ) وكله راجع في اللغة إلى الخروج . من قولهم : فسقت الرطبة عن القشر "

انتهى من " الكليات " (ص/693) .

والخلاصة :

1. أنه إذا اجتمعت هذه الأسماء فالأشنع هو الفجور ، ثم الفسق ، ثم المعصية .

2. وإذا افترقت فيجوز إطلاق كل منها على الآخر .

3. إلا أن إطلاق الفجور والفسق على مطلق المعصية لتشمل أي صغيرة أو سيئة: قليل غير شائع الاستعمال .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-05, 05:03
علاج الفجور .

السؤال

ماعلاج الفجور في الكلام

أو علاج الفجور بشكل عام ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الفجور: هو الانبعاث إلى المعاصي والتوسع فيها، وركوب كل أمر قبيح ، دون رغبة في التوبة والإنابة .

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : " أَصْلُ الْفُجُورِ الْمَيْلُ عَنِ الْقَصْدِ ".

"شرح النووي على مسلم" (2/ 48)

وقال الحافظ رحمه الله :

" الفجور إكثار الْمعْصِيَة، شبه بانفجار المَاء وَيُطلق على الْكَذِب " .

انتهى من "فتح الباري" (1/ 165) .

وقال الزبيدي رحمه الله:

" أَصل الفَجْر الشَّقُّ، ثمّ اسْتُعْمِلَ فِي الانْبعاثِ فِي المَعَاصي والمَحَارِمِ والزِّنَى ورُكُوب كُلِّ أَمْرٍ قَبيح "

انتهى من "تاج العروس" (13/ 299) .

وقَالَ الرَّاغِبُ الأصبهاني رحمه الله:

" أَصْلُ الْفَجْرِ الشَّقُّ، فَالْفُجُورُ شَقُّ سِتْرِ الدِّيَانَةِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَيْلِ إِلَى الْفَسَادِ، وَعَلَى الِانْبِعَاثِ فِي الْمعاصِي، وَهُوَ اسْم جَامع للشر " .

انتهى من "فتح الباري" (10/ 508) .

ثانيا :

الفجور في الكلام يكون بالكذب، وفحش القول، والتوسع في ذلك.

وروى البخاري (6094) ، ومسلم (2607) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا .

وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ أَنَّ الصِّدْق يَهْدِي إِلَى الْعَمَل الصَّالِح الْخَالِص مِنْ كُلّ مَذْمُوم , وَالْبِرّ اِسْم جَامِع لِلْخَيْرِ كُلّه .

وَقِيلَ : الْبِرّ الْجَنَّة . وَيَجُوز أَنْ يَتَنَاوَل الْعَمَل الصَّالِح وَالْجَنَّة .

وَأَمَّا الْكَذِب فَيُوصِل إِلَى الْفُجُور , وَهُوَ الْمَيْل عَنْ الِاسْتِقَامَة , وَقِيلَ : الِانْبِعَاث فِي الْمَعَاصِي " انتهى .

ثالثا :

علاج الفجور في الكلام يكون بتحري الصدق ، وقول الحق ، وكثرة ذكر الله وتلاوة كتابه ، مع التوبة النصوح .

فالإنسان إذا شغل لسانه بالصدق وذكر الله ، صانه عن الكذب والفحش.

ويكون علاج الفجور عموما :

- بتقديم التوبة النصوح أولا ، ثم الاستقامة على طاعة الله ، والانشغال بذكره وتلاوة كتابه ، وصحبة أهل الخير والصلاح ، وترك صحبة أهل الشر والفساد .

- ثم النظر في حال الصالحين ، والاقتداء بهم ، والنظر في حال المفسدين والفاجرين ، والبعد عن طريقهم

والاتعاظ بسوء أحوالهم وعواقبهم ، فإنه قل أن يفجر رجل بلسانه أو بفرجه أو بغير ذلك ، إلا وكان سبيله الخزي والنكال .

- ونتعرف على صفات المتقين ، من حسن الخلق وصدق اللسان وعفة الفرج وحفظ النظر وحسن العشرة ، ونحو ذلك ، ونجتهد في تحقيق ذلك في أنفسنا .

- ثم نبتعد عما يثير كوامن الشهوة المحرمة ، ويدعو إلى الحرام ، من إطلاق النظر ، ومشاهدة الأفلام والتمثيليات ، ومصاحبة الدعار والمفسدين من أهل البطالة .

وبكل حال :

فمن انشغل بخصال الخير ، وصفات أهل الإيمان ، وصحبتهم ، وانصرفت نفسه عن الغي والشهوات المحرمة وقبيح الأقوال والأفعال، وأصحاب ذلك: استقام حاله ، وصلح أمره.

ومن ابتلي بشيء من تلك المعاصي فليبادر بالتوبة النصوح ، والاستقامة على شرع الله ، ولا يؤجل التوبة ويسوف فيها ، ولا يتمادى في المعصية ويستكين إليها ، فإن ذلك يبعده عن الفجور.

والله تعالى أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-05, 05:08
خطر النفاق

السؤال

ما هو النفاق وما خطره على المسلمين ؟.

الجواب

الحمد لله

النفاق مرض خطير وجرم كبير وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر..

والنفاق أخطر من الكفر وعقوبته أشد لأنه كفر بلباس الإسلام وضرره أعظم ولذلك جعل الله المنافقين في أسفل النار

كما قال سبحانه : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً ) النساء/145 .

المنافقون دائماً في حيرة وتقلب في خداع ومكر ظاهرهم مع المؤمنين .. وباطنهم مع الكافرين

حيناً مع المؤمنين وحيناً مع الكافرين ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً ) النساء/143 .

والمنافقون لفساد قلوبهم أشد الناس إعراضاً عن دين الله

كما أخبر الله عنهم بقوله : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً ) النساء/61 .

وتصرفات المنافقين تدور مع مصالحهم فإذا لقوا المؤمنين أظهروا الإيمان والموالاة غروراً منهم للمؤمنين , ومصانعة , وتقية , وطمعاً فيما عندهم من خير ومغانم ..

وإذا لقوا سادتهم وكبرائهم قالوا نحن معكم على ما أنتم عليه من الشرك ,

والكفر كما قال سبحانه عنهم : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) البقرة/14-15 .

وللمنافقين صفات كثيرة أشرها وأخطرها الكفر بالله

قال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ) البقرة/13 .

ومن صفاتهم العداوة والحسد للمؤمنين

كما قال سبحانه : ( إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون ) التوبة/50 .

ومن صفاتهم الاستهزاء بالله ورسوله ودينه

كما قال سبحانه : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) التوبة/65- 66 .

ومن صفاتهم الفساد في الأرض بالكفر والنفاق والمعاصي ..

قال تعالى : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) البقرة/11-12 .

ومن صفاتهم البهتان والكذب كما أخبر الله عنهم بقوله : ( ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ) المائدة/65 .

ومن صفاتهم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والبخل بالمال

كما أخبر الله عنهم بقوله : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ) التوبة/67 .

ومن صفاتهم الطمع والجشع .. ( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) التوبة/58 .

ومن صفاتهم ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً

ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر , وإذا وعد أخلف , وإذا خاصم فجر ) رواه مسلم/53 .

ومن صفاتهم الاهتمام بالمظهر و فساد المخبر وزخرفة القول

كما قال الله عنهم : ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) المنافقون/4 .

وإذا كان الكفار عدواً مبيناً من الخارج فإن المنافقين عدواً خفياً من الداخل , وهم أعظم ضرراً و أشد خطراً على المسلمين لأنهم يخالطونهم ويعلمون أحوالهم ..

وقد قضى الله أن مصير الكافرين و المنافقين إلى جهنم : ( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً ) النساء/140 .

لكن المنافقين لعظيم ضررهم في أسفل النار كما قال سبحانه : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) النساء/145 .

وحيث أن خطر الكفار و المنافقين على الأمة الإسلامية عظيم لذا أمر الله رسوله بجهادهم فقال : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ) التحريم/9 .

المصدر: من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري

*عبدالرحمن*
2019-08-05, 05:13
شرح حديث آية المنافق ثلاث

السؤال

ما هو شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف

وإذا اؤتمن خان )، وحديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين أيضا فيه زيادة : ( وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر )، ما معنى : ( إذا خاصم فجر ) ؟

نرجو التوضيح ، وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

يمكن أن نتكلم على هذين الحديثين بالمسائل المختصرة الآتية :

أولا :

نص الحديثين

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه البخاري (33) ومسلم (59)

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ )

رواه البخاري (34) ومسلم (58)

ثانيا :

معنى كون هذه الصفات من علامات النفاق

الكذب ، وإخلاف الوعد ، والخيانة ، والغدر ، والفجور عند المخاصمة : من أبرز صفات المنافقين من أهل المدينة الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم

والقرآن مليء بالآيات التي تصف حالهم هذا ، وهم إنما عرفوا بها

والله عز وجل يقول : ( وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ) محمد/30.

فإذا اتصف أحد المسلمين - الذين يشهدون بكلمة التوحيد - بشيء من هذه الصفات : فقد اتصف بصفات المنافقين التي ذمها الله عز وجل ، وعمل أعمالهم ، وحصل له من النفاق بقدر ما عمل .

ولكن ذلك لا يستلزم أن يكون هذا المسلم المتصف بالخيانة أو الكذب مثلا قد خرج عن الإيمان بالكلية ؛ لأن الإيمان يرفعه درجاتٍ عن النفاق

ولكنه يحاسب على هذه الأخلاق الذميمة ، ولذلك يسمِّي العلماء هذه الآفات المهلكات بـ : " النفاق العملي "، يقصدون أن المتصف بها آثم مستحق للعقوبة ، ولكنه ليس في درجة المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر .

ولذلك ذهب العلماء في تأويل هذا الحديث إلى خمسة أقوال :

1- المقصود بالحديث هو تشبيه المسلم المتصف بهذه الأخلاق الذميمة بالمنافق ، فالحديث على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة ، وهذا جواب النووي .

2- المقصود بالنفاق هنا النفاق العملي ، وليس النفاق الاعتقادي ، وهذا جواب القرطبي ، ورجحه الحافظ ابن رجب ، والحافظ ابن حجر العسقلاني ، وهذا أرجح الأقوال .

3- وقيل المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال ، وهذا ارتضاه الخطابي .

4- المراد : من اعتاد هذه الصفات حتى أصبحت له سجية وخلقا دائما ، حتى تهاون بها، واستخف أمرها ، فهذا كأنه مستحل لها ، ومثله يغلب عليه فساد الاعتقاد .

5- المقصود بالحديث ليس المسلمين ، وإنما المنافقون الحقيقيون الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن ضعَّف هذا الوجه الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/430)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قال النووي : هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره . قال : وليس فيه إشكال ، بل معناه صحيح

والذي قاله المحققون إن معناه : أنَّ هذه خصال نفاق ، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم .

قلت – أي الحافظ ابن حجر - : ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز ، أي : صاحب هذه الخصال كالمنافق ، وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر .

وقد قيل في الجواب عنه : إن المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه . وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة : هل تعلم فيَّ شيئا من النفاق ؟ فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر ، وإنما أراد نفاق العمل .

ويؤيده وصفه بالخالص في الحديث الثاني بقوله : ( كان منافقا خالصا ) .

وقيل : المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال ، وإن الظاهر غير مراد ، وهذا ارتضاه الخطابي .

وذكر أيضا أنه يحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له ديدنا . قال : ويدل عليه التعبير بإذا ، فإنها تدل على تكرر الفعل . كذا قال .

والأولى ما قال الكرماني : إن حذف المفعول من " حدث " يدل على العموم ، أي: إذا حدث في كل شيء كذب فيه . أو يصير قاصرا ، أي إذا وجد ماهية التحديث كذب .

وقيل : هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال ، وتهاون بها ، واستخف بأمرها ، فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالبا .

وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس .

ومنهم من ادعى أنها للعهد فقال : إنه ورد في حق شخص معين ، أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعين المصير إليه .

وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي . والله أعلم " انتهى.

" فتح الباري " (1/90-91) .

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" الذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في الشرع ينقسم إلى قسمين : أحدهما النفاق الأكبر ، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر

ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه ، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم ، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار .

والثاني : النفاق الأصغر ، وهو نفاق العمل : وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ، ويبطن ما يخالف ذلك .

وحاصل الأمر : أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية كما قاله الحسن

والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر ، كما أن المعاصي بريد الكفر ، وكما يخشي على من أصر على المعصية أن يُسلب الإيمان عند الموت

كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقا خالصا . وسئل الإمام أحمد : ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق ؟ قال : ومن يأمن على نفسه النفاق " انتهى باختصار.

" جامع العلوم والحكم " (1/429-432)

ثالثا : أخلاق المنافقين المذمومة هذه ليست على سبيل الحصر ، وإنما على سبيل المثال .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاثة أنها منبهة على ما عداها ، إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث : القول ، والفعل ، والنية . فنبَّه على فساد القول بالكذب ، وعلى فساد الفعل بالخيانة ، وعلى فساد النية بالخلف " انتهى.

" فتح الباري " (1/90)

رابعا : معنى الفجور عند المخاصمة

يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" ( إذا خاصم فجر ) يعني بالفجور : أن يَخرج عن الحق عمدا حتى يصيِّرَ الحق باطلا والباطل حقا ، وهذا مما يدعو إليه الكذب ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والكذب

فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ) ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم )

فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة – سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا – على أن ينتصر للباطل ، ويخيل للسامع أنه حق ، ويوهن الحق ، ويخرجه في صورة الباطل

كان ذلك من أقبح المحرمات ، وأخبث خصال النفاق

وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع ) وفي رواية له أيضا : ( ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله )" انتهى باختصار.

" جامع العلوم والحكم " (1/432)

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ( إذا خاصم فجر ) الخصومة : هي المخاصمة عند القاضي ونحوه ، فإذا خاصم فجر .

والفجور في الخصومة على نوعين :

أحدهما : أن يدعي ما ليس له .

والثاني : أن ينكر ما يجب عليه .

مثال الأول : ادعى شخص على آخر فقال عند القاضي : أنا أطلب من هذا الرجل ألف ريال ، وهو كاذب ، وحلف على هذه الدعوى ، وأتى بشاهد زور

فحَكَم له القاضي ، فهذا خاصم ففجر ؛ لأنه ادعى ما ليس له ، وحلف عليه .

مثال الثاني : أن يكون عند شخص ألف ريال فيأتيه صاحب الحق فيقول : أوفني حقي

فيقول : ليس لك عندي شيء ، فإذا اختصما عند القاضي ولم يكن للمدعى بينة حلف هذا المنكر الكاذب في إنكاره أنه ليس في ذمته له شيء ، فيحكم القاضي ببراءته ، فهذه خصومة فجور ، والعياذ بالله .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من حلف على يمين صبر ليقتطع بها حق امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ) نعوذ بالله .

وهذه الخصال الأربع إذا اجتمعت في المرء كان منافقا خالصا ؛ لأنه استوفى خصال النفاق والعياذ بالله ، وإذا كان فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها " انتهى باختصار.

" شرح رياض الصالحين " (4/49-50) .

خامسا : في هذا الحديث دليل على أن المسلم قد تجتمع فيه خصال الخير والشر

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فيه أيضا دليل على أن الإنسان قد يجتمع فيه خصال إيمان وخصال نفاق ، لقوله : ( كان فيه خصلة من النفاق ) هذا مذهب أهل السنة والجماعة : أن الإنسان يكون فيه خصلة نفاق وخصلة فسوق

وخصلة عدالة ، وخصلة عداوة ، وخصلة ولاية ، يعني أن الإنسان ليس بالضرورة أن يكون كافرا خالصا ، أو مؤمنا خالصا ، بل قد يكون فيه خصال من الكفر ، وهو مؤمن ، وخصال من الإيمان " انتهى.

" شرح رياض الصالحين " (4/50) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

~ قدس ~
2019-08-05, 18:47
باارك الله فيك على الموضوع القيم بالرغم من اني لم أقرأه كلياا ..

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 05:04
باارك الله فيك على الموضوع القيم بالرغم من اني لم أقرأه كلياا ..

الحمد لله الذي بقدرته تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 05:12
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


حكم بيع برامج لمراقبة تصرفات الأطفال على الكمبيوتر

السؤال

1) نحن نقوم ببيع البرامج التى يمكن من خلالها مراقبة وتأمين الأطفال حتى عمر بلوغهم فيما يشاهدون على الكمبيوتر ، وكل خطواتهم من قبل الوالدين ؛ لحماية الأطفال والأبناء من مشاهدة محتويات تضر بهم

وتخالف ما أمر الله به . فهل يشترط تثبيت مثل هذه البرامج على كمبيوتر أو هاتف الطفل بعلمه فقط أم يجوز سرًا ؟

إذا تم تثبيت البرنامج على علم من الطفل فهناك طريقة بسيطة لتعطيل البرنامج لحين جلستهم على الكمبيوتر ،وهي خدمة متاحة يمكن للطفل بها تعطيل عمل البرنامج ومن ثم يفقد البرنامج فائدته

. وإذا كان تثبيت البرنامج يتم سرا فهل يدخل هذا في باب التجسس على الأطفال ؟

2) وهل نحن كبائعين للبرامج مثل هذا مسؤولون عن طريقة استعماله سرا أو علنا ؟

مع العلم أن كل شروط استعماله سوف تكون مكتوبة مع البرنامج . وقد يشتريه كافر لا يلتفت نظره على شروط استعماله ، وسوف يستعمله ضد أي أحد سرا

فهل نحن كبائعين البرنامج ومسلمين مسؤلون عن ذلك ؟

ماذا يأمرنا الإسلام في هذا الحال ؟

وكيف نجتنب الحرام ؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

لا يجوز وضع برنامج لمراقبة تصرفات الأطفال أو الكبار أو الزوجة دون علمهم؛ لأن ذلك من التجسس المنهي عنه.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/12

وروى البخاري (5144) ومسلم (2563)

عن أَبُي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ".

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ

تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) رواه الترمذي (2032) وأبو داود (4880).

فالسبيل هنا أن يعلم الوالد أطفاله أنه وضع برنامجا لمراقبة تصرفاتهم على جهاز الكمبيوتر، ولا يلزمه أن يريهم البرنامج، بل له أن يخفيه، أو يختار برنامجا لا يمكن لأطفاله تعطيله.

ويجوز استعمال برنامج يحجب المواقع السيئة ونحوها، ولا يدخل ذلك في التجسس، بل هو منع وحجب لما يخشى منه الفساد والضرر، وهذا يدخل ضمن مسئولية الوالدين.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.

وعَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ

عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ

وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (7138) ومسلم (1829).

وروى البخاري (7151) ومسلم (142) عن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزنِيَّ رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ).

ثانيا:

أما بيع هذه البرامج وغيرها مما يمكن أن يستعمل استعمالا مباحا ومحرما، فالأصل أنه يجوز بيعها والاتجار فيها، إلا إذا عُلم ، أو غَلب على الظن : أن المشتري سيستعملها في الحرام، فلا يجوز بيعها له .

فإن جُهل الحال ، أو حصل التردد : هل سيستعملها في الحرام أم لا، فلا حرج في بيعها له، فإن استعملها في الحرام كان إثم ذلك عليه وحده .

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/109): " كل ما يستعمل على وجه محرم ، أو يغلب على الظن ذلك : فإنه يحرم تصنيعه ، واستيراده ، وبيعه ، وترويجه بين المسلمين" انتهى.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 05:17
حكم ذكر أخطاء الطلاب في قراءة القرآن للضحك والتسلية

السؤال

أعمل محفظا للقرآن في مركز للطلاب الصغار ، يحصل كثيرا أن يخطيء الطالب في ألفاظ القرآن ، كأن يقول طالب : الولد بدل البلد ، أو يعظُّه بدل يعِظه أو ليحمص بدل يمحص، وغيرها الكثير

. السؤال : بعض مدرسي القرآن يذكر هذه الأخطاء على سبيل التسلية والضحك ، فهل يجوز ؟

الجواب

الحمد لله

لا يجوز لمعلم القرآن أن يذكر أخطاء الطلاب في التلاوة على سبيل التسلية والضحك؛ لما في ذلك من الغيبة لهم، أو من السخرية والاستهزاء بهم إن كان ذلك في حضورهم، والغيبة والاستهزاء محرمان.

قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ

وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/11، 12

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (7/ 376):

" ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الكبر بطر الحق وغمص الناس" ويروى: "وغمط الناس".

والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له" انتهى.

والمزاح يشترط له ألا يشتمل على سخرية أو استهزاء بمسلم.

وينظر: جواب السؤال القادم

وينبغي الحذر من السخرية بالناس بما له صلة بالقرآن، فربما جر التساهل في ذلك إلى وقوع التنقص من القرآن نفسه ، وجعله مادة للضحك والعبث، أو امتهان كتاب الله

وزعزعة مكانته ومقامه في النفوس ، كما هو حال بعض المسلمين هداهم الله.

والقرآن أعظم وأجل من أن يتخذ مادة للضحك والتندر والتفكه، بحيث يُذكر أخطاء القراء ولحنهم وتبديلهم للكلمات عن غير قصد، ويستطرد في ذلك

ويُستجلب به الضحك، فهذا صنيع من لم يوقر القرآن ولم يعرف قدره، مع ما فيه من الاستهزاء بعباد الله والسخرية منهم، وهو محرم كما تقدم.

وينظر: جواب السؤال الثاني القادم

وفي ذلك مفسدة أخرى من تنفير الطالب، وكسر قلبه، وإغراء زملائه بالسخرية منه وتعييره .

وكل هذه آفات ينبغي لمعلم القرآن أن يربي طلابه على تركها، لا أن يعينهم أو يدعوهم إليها.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 05:23
شروط المزاح الشرعي

السؤال

ما هي شروط المزاح الشرعي ؟.

الجواب

الحمد لله

للمزاح الشرعي شروط وهي : 1-لا يكون فيه شيء من الاستهزاء بالدين :

فإن ذلك من نواقض الإسلام قال تعالى : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون – لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) التوبة/65-66

قال ابن تيمية رحمه الله :

( الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه )

وكذلك الاستهزاء ببعض السنن ، ومما انتشر كالاستهزاء باللحية أو الحجاب ، أو بتقصير الثوب أو غيرها .

قال فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين في المجموع الثمين 1/63

: فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يبعث فيه لا باستهزاء بإضحاك ، ولا بسخرية

فإن فعل فإنه كافر ، لأنه يدل على استهانته بالله عز وجل ورسله وكتبه وشرعه ، وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع

لأن هذا من النفاق ، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية من الله عز وجل وتعظيمه وخوفه ومحبته ، والله ولي التوفيق .

2-لا يكون المزاح إلا صدقاً :

قال صلى الله عليه وسلم : ( ويل للذي يُحدث فيكذب ليُضحك به القوم ويل له ) رواه أبو داود .

وقال صلى الله عليه وسلم محذراً من هذا المسلك الخطير الذي اعتاده بعض المهرجين : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليُضحك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا ) رواه أحمد

3-عدم الترويع :

خاصة ممن لديهم نشاط وقوة أو بأيديهم سلاح أو قطعة حديد أو يستغلون الظلام وضعف الناس ليكون ذلك مدعاة إلى الترويع والتخويف

عن أبي ليلى قال : ( حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم ،

فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل فأخذه ففزع ، فقال رسول الله عليه وسلم : ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً ) رواه أبو داود .

4-الاستهزاء والغمز واللمز :

الناس مراتب في مداركهم وعقولهم وتتفاوت شخصياتهم وبعض ضعاف النفوس – أهل الاستهزاء والغمز واللمز – قد يجدون شخصاً يكون لهم سُلماً للإضحاك والتندر – والعياذ بالله –

وقد نهى الله عز وجل عن ذلك فقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان )
الحجرات/11

قال ابن كثير في تفسيره :

( المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والاستهزاء بهم ، وهذا حرام ، ويعد من صفات المنافقين )

والبعض يستهزأ بالخلقة أو بالمشية أو المركب ويُخشى على المستهزئ أن يجازيه الله عز وجل بسبب استهزائه قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تُظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك ) رواه الترمذي .

وحذر صلى الله عليه وسلم من السخرية والإيذاء ، لأن ذلك طريق العداوة والبغضاء

قال صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم .

5-أن لا يكون المزاح كثيراً :

فإن البعض يغلب عليهم هذا الأمر ويصبح ديدناً لهم ، وهذا عكس الجد الذي هو من سمات المؤمنين ، والمزاح فسحة ورخصة لاستمرار الجد والنشاط والترويح عن النفس .

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : " اتقوا المزاح ، فإنه حمقة تورث الضغينة "

قال الإمام النووي رحمه الله :

" المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه ، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب

ويشغل عن ذكر الله تعالى : ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء ، ويورث الأحقاد ، ويسقط المهابة والوقار ، فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله .

7- معرفة مقدار الناس :

فإن البعض يمزح مع الكل بدون اعتبار ، فللعالم حق ، وللكبير تقديره ، وللشيخ توقيره ، ولهذا يجب معرفة شخصية المقابل فلا يمازح السفيه ولا الأحمق ولا من لا يُعرف .

وفي هذا الموضوع قال عمر بن عبد العزيز : ( اتقوا المزاح ، فإنه يذهب المروءة ) .

وقال سعد بن أبي وقاص : " اقتصر في مزاحك ، فإن الإفراط فيه يُذهب البهاء ، ويجرّئ عليك السفهاء "

7- أن يكون المزاح بمقدار الملح للطعام :

قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ) صحيح الجامع 7312

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( من كثر ضحكه قلت هيبته ، ومن مزح استُخف به ، ومن أكثر من شيء عُرف به )

8- ألا يكون فيه غيبة

وهذا مرض خبيث ، ويزين لدى البعض أنه يحكي ويقال بطريقة المزاح ، وإلا فإنه داخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذكرك أخاك بما يكره ) رواه مسلم .

9- اختيار الأوقات المناسبة للمزاح :

كأن تكون في رحلة برية ، أو في حفل سمر ، أو عند ملاقاة صديق ، تتبسط معه بنكتة لطيفة

أو طرفة عجيبة ، أو مزحة خفيفة ، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه ، أو عندما تتأزم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين ، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها .

أيها المسلم :

قال رجل لسفيان بن عيينة رحمه الله : المزاح هجنة أي مستنكر ! فأجابه قائلاً : " بل هو سنة ، ولكن لمن يُحسنه ويضعه في موضعه "

والأمة اليوم وإن كانت بحاجة إلى زيادة المحبة بين أفرادها وطرد السأم من حياتها

إلا أنها أغرقت في جانب الترويح والضحك والمزاح فأصبح ديدنها وشغل مجالسها وسمرها ، فتضيع الأوقات ، وتفنى الأعمار ، وتمتلئ الصحف بالهزل واللعب .

قال صلى الله عليه وسلم : ( لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً )

قال في فتح الباري :

( المراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه ، والأهوال التي تقع عند النزع والموت وفي القبر ويوم القيامة )

وعلى المسلم والمسلمة أن ينزع إلى اختيار الرفقة الصالحة الجادة في حياتها ممن يعينون على قطع ساعات الدنيا والسير فيها إلى الله عز وجل بجد وثبات ، ممن يتأسون بالأخيار والصالحين

قال بلال بن سعد : ( أدركتهم يشتدون بين الأغراض ، ويضحك بعضهم إلى بعض ، فإذا كان الليل كانوا رهباناً )

وسُئل ابن عمر رضي الله عنهما : " هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون "

قال : نعم ، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال .

فعليك بأمثال هؤلاء فرسان النهار ، رهبان الليل .

جعلنا الله وإياكم ووالدينا من الآمنين يوم الفزع الأكبر ، ممن ينادون في ذلك اليوم العظيم : ( ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون )

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المصدر: منشورة لعبد الملك القاسم

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 05:27
حكم الاستهزاء بالدين وأهله

السؤال

إذا قال قائل لشخص " اقرأ على هذا الجهاز يعمل " أو " لأنك قرأت عليه ما عمل " بقصد الضحك من هذا الكلام , هل يدخل هذا بالاستهزاء في الآيات ؟

أم هو استهزاء بالشخص ؟

وما الضابط في الاستهزاء حفظكم الله ؟

الجواب

الحمد لله

الاستهزاء – ويطلق عليه " الاستخفاف " و " السخرية " - منه ما هو كفر أكبر يُخرج من الملة ، ومنه ما هو فسق ، ومنه ما هو محتمل للحُكمين .

1. فما كان منه استهزاء بالله تعالى أو بالقرآن أو بالرسول صلى الله عليه وسلم : فهو كفر مخرج من الملة

وقد دلَّ على هذا قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/ 65،66 .

وقد أجمع على ذلك أهل العلم .

2. وما كان منه استهزاء بذات الأشخاص وأفعالهم الدنيوية المجردة : فهو فسق

وفيه يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنّ) الحجرات/ 11 .

3. وأما المحتمل لكونه كفراً مخرجاً من الملة ولكونه فسقا: فهو الاستهزاء بالمسلم لتدينه وهيئته الموافقة للسنَّة

فإن كان الاستهزاء لذات الشرع الملتزم به ذلك المسلم : فيكون كفراً مخرجاً من الملة ، وإن كان الاستهزاء يرجع لذات المسلم لأنه

مثلاً – ليس أهلاً لأن يُظهر أنه متدين ، أو لأنه يبالغ أو يتشدد في تطبيق السنَّة بما لم تدل عليه النصوص : فيكون فسقا ؛ لأنه استهزاء بالشخص وليس بالدين .

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

هل من يستهزئ بالدين بأن يسخر من اللحية أو من تقصير الثياب هل يعد ذلك من الكفر ؟ .

فأجاب :

"هذا يختلف ؛ إذا كان قصده الاستهزاء بالدِّين : فهي ردة ، كما قال تعالى : ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )

أما إذا كان يستهزئ من الشخص نفسه بأسباب أخرى من جهة اللحية أو من جهة تقصير الثياب

ويعني بذلك أنه متزمت ، وأن يستهزئ بأمور أخرى يشدد في هذا أو يتساهل في أمور أخرى يعلم أنه جاء بها الدين ، وليس قصده الاستهزاء بالدين ، بل يقصد استهزاءه بالشخص بتقصيره لثوبه أو لأسباب أخرى .

أما إذا كان قصده الاستهزاء بالدين والتنقص للدين : فيكون ردة ، نسأل الله العافية .

وسئل – بعدها - :

إن كان يقول : أنا أقول ذلك للناس من باب الضحك والمزاح ؟ .

فأجاب :

هذا لا يجوز ، وهذا منكر وصاحبه على خطر ، وإن كان قصده الاستهزاء بالدين : يكون كفراً" انتهى .

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 28 / 365 ، 366 ) .

وعليه فيقال فيما ورد السؤال عنه:

إن قصد المتكلم الاستهزاء بذات الرقية : فهو كفر مخرج عن الملة ؛ لأنه استهزاء بالقرآن .

وأما إن قصد الاستهزاء بالشخص نفسه وأنه ليس أهلاً للرقية ، أو أنه يدعي أنه يعالج بالقرآن وحقيقته ليست كذلك : فيرجع الاستهزاء هنا بالشخص نفسه ، ولا يكون كفراً بل هو فسق محرم .

وإن زعم أنه لم يقصد استهزاء وإنما أراد الضحك والمزاح ، فهو على خطر ، ولا مجال للمزاح في هذه الأمور .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 05:31
حكم صناعة مجسم لمسجد للزينة

السؤال

ما حكم صنع مجسم لمسجد ما للزينة ؟

الجواب

الحمد لله

الأصل في صناعة المجسمات لغير ذوات الأرواح: الجواز، ما لم يفض ذلك إلى محذور شرعي، كأن يكون المجسم لشيء معظم ، كالكعبة أو المسجد

ويكون في صناعة مجسم له تعريض له للامتهان، كدخول الخلاء به، فيمنع لأجل ذلك، أو أن يكون ذريعة لتبرك الجهال به، أو طوافهم حوله.

ولهذا صدر عن عدد من الهيئات العلمية تحريم صناعة مجسم للكعبة

كما سبق بيانه في جواب السؤال القادم

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة، المجموعة الثانية (1/ 323)

حول عمل مجسمات للكعبة والقبة الخضراء على شكل " مداليات ".:

" لا يجوز تصنيع مجسم للكعبة المشرفة وللقبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا التجارة فيهما ؛ وذلك لأن صناعتهما والتجارة بهما ، وتداولهما : يفضي إلى محظورات يجب الحذر منها ، وسد كل باب يوصل إليها .

عبد العزيز بن عبد الله بن باز –عبد العزيز آل الشيخ –عبد الله بن غديان –صالح الفوزان –بكر أبو زيد" انتهى .

فإذا خلا الأمر من المحاذير، كما لو كان مجسم المسجد يوضع على طاولة ونحوها، فيصان عن الامتهان، وليس هو مما قد يتعلق به الجهال : فلا حرج حينئذ عملا بالأصل.

فإن كان في ذلك سرف وتبذير، مُنع؛ لأنا نهينا عن الإسراف والتبذير وإضاعة المال.

قال تعالى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141

وقال: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27

قال المناوي في "فيض القدير" (1/ 50): " والسرف صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي. والتبذير صرفه فيما لا ينبغي " انتهى.

وروى البخاري (2408) ومسلم (593) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ).

والله أعلم.

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

Walid allouche
2019-08-06, 12:38
مشكووور اخي

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 05:43
مشكووور اخي

الحمد لله الذي بقدرته تتم الصالحات

الشكر موصول لحضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 05:49
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


الخلاف في تجسيم الكعبة لتعليم الصغار المناسك

السؤال

ستقيم المدرسة التي يدرس فيها أطفالي حفلا للاحتفال بموسم الحج يوم الجمعة ، وقد طلبوا مني في المدرسة أن أكسو أولادي ثيابا بيضاء ، كي يعلموهم كيفية أداء مناسك الحج والطواف حول الكعبة

ولكنها ستكون كعبة مصطنعة للتعليم فقط ، فهل هذا جائز ؟

وهل ينبغي أن أرسل أولادي للمدرسة في هذا اليوم ؟

الجواب

الحمد لله

صنع مجسمات للكعبة المشرفة ، سواء لغرض التعليم أو الزينة ونحوها ، ومباشرة المشي حولها على هيئة الطواف لغرض تعليم الصغار وتحبيب مناسك الحج إليهم ، أو لتفقيه الكبار أيضا

كلها من المسائل التي ثار الحوار حولها في السنوات الأخيرة ، بسبب انتشارها في بعض البلاد الإسلامية

وخاصة في المدارس الشرعية وبعض وزارات الأوقاف والحج ، وكان لبعض الباحثين والمشرفين على تلك الجهات آراء خاصة في المسألة ، بنوا على أساسها جواز هذه الممارسات ، ووافقهم عليها الكثيرون من الباحثين .

غير أن الذي صرح به غير واحد من علمائنا المعاصرين ، وصدرت به فتاوى المجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية ، هو منع هذا الباب وسده ، ورفض ممارسته للصغار والكبار

وذلك لسببين مهمين :

السبب الأول : قاعدة سد الذريعة التي قامت عليها عشرات الأدلة من نصوص الكتاب والسنة

والذريعة هنا هي " تصنيع المجسم والطواف حوله "، خشية أن ينسب الناس إلى هذا العمل شيئا من القداسة أو التعظيم ، فتختلط العبادة بالتعليم ، ويشتبه على عامة الناس علاقة مناسك الحج الحقيقية

وحرمةُ بيت الله الحرام ، بمثل هذه المجسمات التي تُبنى أحيانا بمثل حجم الكعبة الحقيقية ، وتقلد حولها جميع المظاهر المشابهة .

السبب الثاني : ملحظ قد تؤدي إليه كثرة تلك المجسمات ، وهو إنزال هيبة الكعبة المشرفة من قلوب الناس عن مقامها السامي ، وذلك حين تنتشر بين أيديهم تلك المجسمات

فتصنع على شكل تعليقات " ميداليات "، تربط بالمفاتيح ، أو تعلق في السيارات

أو يلعب بها الأطفال الصغار

والواجب أن نسعى دائما إلى زيادة تعظيم المشاعر المقدسة في قلوب الناس بكل صور الاحترام والتبجيل

فالله عز وجل يقول : ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ . ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) الحج/29-30.

ويقول سبحانه : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج/ 32 .

وننقل هنا الفتاوى والقرارات التي صدرت في المسألة :

" قرار رقم : 74 (3/ 13) بشأن موضوع تصنيع وتسويق مجسم للكعبة المشرفة .

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

أما بعد : فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الثالثة عشرة ، المنعقدة بمكة المكرمة

والتي بدأت يوم السبت 5 شعبان 1412هـ الموافق 8/ 2/1992م : قد نظر في الموضوع وقرر :

أن الواجب سد هذا الباب ومنعه ؛ لأن ذلك يفضي إلى شرور ومحظورات .

وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا . والحمد لله رب العالمين .

رئيس مجلس المجمع الفقهي : عبد العزيز بن عبد الله بن باز .

نائب الرئيس : د. عبد الله عمر نصيف .

الأعضاء : محمد بن جبير ، د. بكر عبد الله أبو زيد ، عبد الله العبد الرحمن البسام ، صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان (متوقف) ، محمد بن عبد الله بن السبيل

مصطفى أحمد الزرقا ، محمد رشيد راغب قباني ، أبو بكر جوسي ، عبد الرحمن حمزة المرزوقي ، د. أحمد فهمي أبو سنة ، محمد الحبيب بن الخوجه ( بدون توقيع ) ، فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي

الشيخ محمد الشاذلي النيفر ، فضيلة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ( بدون توقيع ) ، أبو بكر جوسي ، محمد محمود الصواف ( بدون توقيع ) .

مدير عام المجمع الفقهي الإسلامي : د. طلال عمر بافقيه " .

انتهى من " قرارات المجمع الفقهي " (ص/285) .

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/14) في المجموعة الثانية ، جوابا على سؤال نصه :

" رجل يعلم الناس مناسك الحج بطريقة عملية ، وذلك أنه صنع لهم إطارا خشبيا ملونا بالأسود يشبه الكعبة ، وكذلك مقام إبراهيم ، والصفا والمروة

وزمزم والجمرات .. وغير ذلك مما يتعلق بمناسك الحج ، وعملية التدريب تتم بأن يأتي الناس بإحرامهم ويلبسونه ، ويقومون بالمناسك ، ابتداء من العمرة إلى نهاية الحج

ويرفعون أصواتهم بالتلبية داخل المسجد بأصوات جماعية

وإن هذه الظاهرة بدأت تنتشر في كل مناطق المغرب ، بحيث إذا دخلت بعض المساجد ، تجد إطارا خشبيا يشبه الكعبة ، وكل ما له علاقة بالمناسك على طول السنة "

فأجابت اللجنة الدائمة بقولها :

" صناعة المجسمات من الخشب وغيره لبعض الشعائر الإسلامية كالكعبة ومقام إبراهيم والجمرات وغيرها لغرض استعمالها في التعليم لأداء مناسك الحج والعمرة على الوجه المذكور في السؤال لا يجوز

بل هو بدعة منكرة ؛ لما يفضي إليه من المحاذير الشرعية ، كتعلق القلوب بهذه المجسمات ولو بعد حين ، وتعريضها للامتهان وغير ذلك ، مع عدم الحاجة إلى هذه الطريقة

إذ الشرح والبيان باللسان والاستعانة على ذلك بالكتابة التوضيحية كاف شاف في إيصال المعاني الشرعية إلى عموم الناس

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أخرجه مسلم في صحيحه " انتهى .

الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز – نائب الرئيس عبد العزيز آل الشيخ – عضو عبد الله بن غديان – عضو صالح الفوزان – عضو بكر أبو زيد .

وجاء أيضا في المجموعة الثانية (1/ 323)

في جواب سؤال مجسمات للكعبة والقبة الخضراء على شكل " مداليات ".

فجاء في الفتوى :

" لا يجوز تصنيع مجسم للكعبة المشرفة وللقبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا التجارة فيهما

وذلك لأن صناعتهما والتجارة بهما وتداولهما يفضي إلى محظورات يجب الحذر منها ، وسد كل باب يوصل إليها " انتهى .

الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز – نائب الرئيس عبد العزيز آل الشيخ – عضو عبد الله بن غديان – عضو صالح الفوزان – عضو بكر أبو زيد .

والذي نراه أن التعليم بالشرح ، والاستعانة بالوسائل التوضيحية ، والعروض الإلكترونية على أجهزة الحاسوب ، وشاشات العرض ، أو عرض أفلام حقيقية ملتقطة للمناسك :

كل هذا يغني عن هذه الوسائل التي تكلم فيها أهل العلم بالمنع ، وسواء كان ذلك التعليم في البيت ، أو في المدرسة ؛ فلو عوضت أولادك بشيء من ذلك : فهو أحسن .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 05:52
حكم عمل مجسم للكعبة المشرفة لتوضيح المناسك

السؤال

هل يصح أن نصنع مجسماً للكعبة نشرح للأطفال به مناسك الحج ؟

الجواب

الحمد لله

مما ينبغي أن يعلم أن الأصل في العبادة تقوى القلب ، وتعظيمه لشعائر الله تعالى وحرماته ؛ ومن شأن كل أمر يضعف ذلك التعظيم لشعائره سبحانه ، أو تحويلها إلى رمز

أو أمر عادي كالذي يعمله الناس ويعتادونه : أن يمنع منه .

ولأجل ذلك نص غير واحد من أهل العلم على المنع من صنع "مجسم" للكعبة ؛ فمن شأن ذلك أن يضعف تعظيم الشعيرة في القلب .

سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –

عن مدرس يشرح للطلاب صفة الحج والعمرة ولكن يقول: لا يستوعب الطلاب استيعاباً جيداً فهل يجوز أن أجعل في المدرسة مجسماً للكعبة والمشاعر حتى يطبقونها تطبيقاً عملياً ؟

فأجاب فضيلته بقوله : هذا لا يجوز، ولا ينبغي إطلاقاً ، ويستطيع أنه يرسم في السبورة صورة كعبة

ويقول : تطوف عليها هكذا ، أما أن يجعل مجسماً ، فهذا في ظني أنه يجعل العبادات مجرد طقوس وحركات فقط ، ليس لها تأثير في القلب " .

انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (24 / 91).

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة

" لا يجوز تصنيع مجسم للكعبة المشرفة وللقبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم "

انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة – 2 " (1 / 324).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 05:56
حكم الانتساب لغير القبيلة وكيفية التوبة منه

السؤال

هل المنتسب لغير قبيلته كالمنتسب لغير أبيه، انني أعيش بدولة غير دولتي وتجنست بجنسيتها وانا في الأوراق أصلاً وفصلاً منها، وأخبر بذلك صديقاتي

أي أنني أكذب وأنسب نفسي إلى هذه الدولة وأنكر أصلي مدعية أني من قبيلة معروفةٍ قويةٍ منها، أنا خائفة جداً فقد قرأت في بعض الأحاديث في رياض الصالحين أن ذلك كفر فهل الكفر المقصود الكفر المخرج من الملة

أم يجب علي التوبة فقط، وهل إن تبت يلزمني أن أخبر من كذبت عليه بأصلي الحقيقي وبقبيلتي الحقيقية أم أنني أكتفي بقول الحقيقة لمن سألني

وإن كان يلزمني قول الحقيقة لكل من كذبت عليه فسيسبب ذلك أن يكرهوني كما أني عادةً أنصح صديقاتي وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فإن قلت بأني أكذب فسيستهينون بنصائحي

كما أنهم يكرهون دولتي الحقيقية ويستحقرونها، فإن كانت التوبة تلزمني الاعتراف فإني والله لن أهتم بصحبتهم إن كرهوني وليست صحبتهم بالمفيدة لي وأستطيع الاستغناء عنها.

الجواب

الحمد لله

أولا:

لا يجوز للإنسان أن ينتسب لقبيلة غير قبيلته

لما روى البخاري (3508) ومسلم (61) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلا كَفَرَ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ).

قال ابن حجر رحمه الله:

"وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والادعاء إلى غيره، وقيد في الحديث بالعلم ، ولا بد منه في الحالتين ، إثباتا ونفيا ، لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له"

انتهى من فتح الباري (6/ 541).

وقال العيني رحمه الله:

" قَوْله: (وَمن ادّعى قوما) أَي: وَمن انتسب إِلَى قوم. قَوْله: (لَيْسَ لَهُ فيهم نسب) ، أَي: لَيْسَ لهَذَا الْمُدَّعِي فِي هَذَا الْقَوْم نسب، أَي: قرَابَة"

انتهى من عمدة القاري (16/ 80).

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (20/ 392):

" حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم ومسلمة أن ينسب إنسانا له أو إلى غيره وهو ليس كذلك

أو يدعي نسبه إلى شخص أو قبيلة وهو كاذب

ويدل لذلك ما رواه أبو ذر رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار

متفق عليه وفي رواية: إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه " انتهى.

والكفر الوارد في الحديث هو الكفر الأصغر

لكن هذا يدل على تحريم الفعل وأنه من أكبر الكبائر.

ثانيا:

الواجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى من الكذب والانتساب إلى غير قبيلتك، وأن تقولي الحقيقة إذا سئلت عن أصلك وقومك.

ولا يلزمك إخبار من كذبت عليهم، بل توبي إلى الله تعالى، واستتري بستره، فإن الله غفور تواب رحيم.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 06:01
عقوبة العجب والفخر والخيلاء وطريق التخلص منها .

السؤال

نود أن نعرف الفرق بين العجب والفخر والخيلاء

وهل هي أمراض في النفس ، أم تكتسب من المحيط ، والبيئة ، والأسرة ؟

وكيف يمكن للمرء أن يعرف أنها موجودة فيه ؟

وما سبل التخلص منها ؟ وما عقوبتها ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

العجب : شدة سرور المرء بخصال نفسه .

قال ابن القيم

عن العجب " أصله : رؤية نفسه ، وغيبتُه عن شهود مِنَّة ربه وتوفيقه "

انتهى من الفوائد ص(152) .

والخيلاء : أن يرى نفسه فوق ما هي عليه ، أو ما تستحقه ، أو يُرِى الناس عظمةَ نفسه .

والفخر : هو التمدح بالخصال وذكر المناقب ، بتفضيل نفسه على غيره .

وهذه الخصال بينها من التداخل ما يجعلها مترابطة ، خاصة الفخر والخيلاء ؛ فلا يكاد يتصف أحد بخصلة منها ، فيسلم من أختها .

وكأن هذه الصفات قنوات تنبع من معين واحد وهو : الكبر ، وتخيل عظمة نفسه وفضله ، وَإِرَادَة تَعْظِيم الْخلق لَهُ ، وحمدهم له .

ولذلك كثيرا ما نجدها مقترنة مع بعضها

كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) النساء : 36

وقوله سبحانه : ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ، لقمان : 18

:( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) سورة الحديد : 23 .

قال ابن عطية :

"يقال خال الرجل يخول خولا : إذا تكبر وأعجب بنفسه"

انتهى من "المحرر الوجيز" (2/51) .

وقال ابن كثير :

( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا ) أَيْ : مُخْتَالًا فِي نَفْسِهِ ، مُعْجَبًا مُتَكَبِّرًا ، فَخُورًا عَلَى النَّاسِ ، يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَقِيرٌ ، وَعِنْدَ النَّاسِ بغيض "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/301) .

وقال ابن القيم :

"فالْفَخْر والبطر والأشر وَالْعجب والحسد وَالْبَغي وَالْخُيَلَاء وَالظُّلم وَالْقَسْوَة والتجبر والإعراض وإباء قبُول النَّصِيحَة والاستئثار وَطلب الْعُلُوّ وَحب الجاه والرئاسة وَأَن يحمد بِمَا لم يفعل وأمثال ذَلِك = كلهَا ناشئة من الْكبر"

انتهى من "الفوائد" ص(209) .

ثانيا :

من الناس من يكون مجبولا على شيء من الصفات السيئة من الخيلاء والعجب والفخر والكبر وغيرها ، فيجاهدها حتى يعافيه الله منها .

ومنهم من يكون معافى منها ، ولكنه لا يزال يسير في طريق اكتسابها ومصادقة أصحابها ، حتى تصير وصفا ملازما له .

ولا يخلو قلبٌ من القلوب من أسقام لو أُهلمت تَراكمت وترادفت ، وجميع الناس يكون فيهم شيء من صفات الخير

وشيء من صفات الشر ، فمنهم من ينمّي الصفات الحسنة فيه ، ويتخلص من الصفات السيئة حتى يصير كالذهب الصافي

كما قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) الشمس/9 .

ومنهم بعكس ذلك ، وقد قال الله تعالى عنهم: ( وقد خاب من دساها ) الشمس /10

ثالثا :

عقوبة الكبر والخيلاء والفخر :

الكبر صفة من الصفات التي لا تنبغي إلا لله تعالى ، فمن نازع الله فيها أهلكه الله وقصمه وضيق عليه ، وبما أن الفخر والخيلاء كلاهما من شعب الكبر ، فلكل متصف بشيء من ذلك نصيبه من الوعيد الوارد في الكِبر .

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ) رواه مسلم ( 2620 ) وأبو داود (4090) واللفظ له .

وكل من حاول الكبر والارتفاع خفضه الله تعالى في الأسفلين وجعله في الأذلين .

فالذي يتكبر على الناس يكون يوم القيامة مداساً تحت أقدام الناس فيذله الله تعالى ، جزاء ما كان منه من الكبر .

فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يُحشر الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُساقون إِلَى سِجْنٍ مِنْ جَهَنَّمَ يُسَمَّى: بُولَس

تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، وَيُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ؛ طِينَةَ الْخَبَالِ ) رواه الترمذي (2492) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ( 2025) .

ومما ورد في عقوبة المعجب بنفسه ، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ

مُرَجِّلٌ رَأسَهُ، يَخْتَالُ فِي مَشْيَتهِ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ) رواه البخاري ( 3297 ) ومسلم ( 2088 ) .

رابعا :

طريق معرفة هذه الآفات في النفس وسبل التخلص منها :

كثير من الناس جاهلون بعيوب أنفسهم ، يرى أحدُهم القذى في عين أخيه ، ولا يرى الجذع في عين نفسه ، فمن أراد أن يعرف نفسه ، أهو متصف بهذه الصفات السيئة أو لا ؟ وأراد أن يتخلص منها ، فله عدة طرق ، منها :

- أن يكون له شيخ عالم ، مؤدب مرب ، يدل على عيب نفسه ، ويعينه على التخلي عن رذائل الأخلاق ومساوئها ، والتحلي بمعالي الآداب والأخلاق .

- أن يتنبه إلى عيب نفسه ، من خلال نصح الناصحين ، وإرشاد الإخوان ، والمخالطين والمعاشرين له

ولا يحمله غضبه لنفسه ، ولا حب الانتصار له على جحد الحق ، وهجر نصيحة الناصح له. وقد كان عمر رضي الله عنه يقول : "رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي ".

- أن يقرأ في كتب الأخلاق، ويتعرف منها على صفات المتكبرين والمعجبين بأنفسهم ، ويتعرف على أعمالهم، ويقيس ذلك على نفسه ، فقد يكون فيه بعض تلك الصفات وهو لا يشعر.

- أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه ، ولعل انتفاع الإنسان بعدو مُشاحن يذكِّرُهُ عيوبَه ، يكون أكثرَ من انتفاعه بصديقٍ مداهنٍ ، يُثني عليه ويمدحه ويخفى عنه عيوبه .

- أن يخالط الناس ، فكل ما رآه مذموما من أخلاق الناس وتصرفاتهم ، طالب نفسه باجتناب ذلك. قيل لعيسى عليه السلام : مَن أدَّبك ؟ قال : ما أدبني أحد ، رأيت جهل الجاهل شَينًا، فاجتنبته .

- أن ترى نفسك كالناس ، وأنهم مثلك ولدوا من أم وأب كما ولدت وأن التقوى هي المعيار الحق

قال تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات / 13 .

- أن يعلم أن الله عز وجل حقه أكبر مما عمل ، وأنه لو وزن أعماله كلها يوم القيامة ما ساوت نعمة البصر مثلا! فكيف بنعمة الهداية! وكيف بنعمة الإيمان! ويعلم أن الله هو الذي وفقه لهذا العمل ؛ فلماذا العجب ؟

- أن يكثر من دعاء الله تعالى بالهداية والتوفيق للأخلاق الحسنة واجتناب الأخلاق السيئة

وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ) رواه مسلم (771) .

وينظر جواب السؤالين القادمين

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 06:04
التخلص من الكبر

السؤال

كيف يتخلص الإنسان من التكبر ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

التكبر صفة ذميمة يتصف به إبليس وجنوده من أهل الدنيا ممن طمس الله تعالى على قلبه .

وأول من تكبر على الله وخلقه هو إبليس اللعين لمَّا أمره الله تعالى بالسجود لآدم فأبى واستكبر وقال " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " .

قال الله تعالى : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين . قال ما منعك أن تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين الأعراف / 11 – 12 .

فالكبر خلُق من أخلاق إبليس ، فمن أراد الكِبر فليعلم أنه يتخلق بأخلاق الشياطين ، وأنه لم يتخلق بأخلاق الملائكة المكرمين الذين أطاعوا ربهم فوقعوا ساجدين .

ناهيك عن كون الكبر سبباً لحرمان صاحبه من الجنة ويحرم نفسه من أن ينظر رب العزة إليه كما جاء في الحديثين الآتيين :

1. عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر

قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر : بَطَر الحق وغَمْط الناس " .

رواه مسلم ( 91 ) .

وبطر الحق : رده بعد معرفته .

وغمط الناس : احتقارهم .

2. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" مَن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، فقال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء " .رواه البخاري ( 3465 ) .

ثانياً :

والكبر صفة من الصفات التي لا تنبغي إلا لله تعالى ، فمن نازع الله فيها أهلكه الله وقصمه وضيق عليه .

عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : " العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته " .رواه مسلم ( 2620 ) .

قال النووي :

هكذا هو في جميع النسخ ، فالضمير في " ازاره " ، " ورداؤه " : يعود إلى الله تعالى للعلم به ، وفيه محذوف تقديره : " قال الله تعالى : ومن ينازعني ذلك أعذبه " .

ومعنى " ينازعني " : يتخلق بذلك فيصير في معنى المشارك .

وهذا وعيد شديد في الكبر مصرح بتحريمه .

" شرح مسلم " ( 16 / 173 ) .

وكل من حاول الكبر والارتفاع خفضه الله تعالى في الأسفلين وجعله في الأذلين لأنه خالف الأصل فجازاه الله تعالى بنقيض قصده ، وقد قيل : الجزاء من جنس العمل .

والذي يتكبر على الناس يكون يوم القيامة مداساً تحت أقدام الناس فيذله الله تعالى جزاء ما كان منه من الكبر .

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذرِّ في صُوَر الرجال يغشاهم الذل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى " بولس " تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال".

رواه الترمذي ( 2492 ) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ( 2025 ) .

ثالثاً :

وللكبر صور عدة منها :

1. ألا يقبل الرجل الحق ويجادل بالباطل ، كما ذكرنا في حديث عبد الله بن مسعود " الكبر : بطر الحق وغمط الناس " .

2. أن تعجبه نفسه من جمال أو حسن ، أو ثراء في الملبس أو المأكل فيتبختر ويتكبر ويفخر على الناس .

عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة " .

رواه البخاري ( 3297 ) ومسلم ( 2088 ) .

ومنه ما كان من ذلك الرجل صاحب الذي قال الله تعالى فيه : وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً الكهف / 34 .

وقد يكون ذلك بالتفاخر بالعشيرة والنسب .

رابعاً :

ومن طرق علاج الكبر أن ترى نفسك كالناس وأنهم مثلك ولدوا من أم وأب كما ولدت وأن التقوى هي المعيار الحق .

قال الله تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم الحجرات / 13 .

وليعلم المسلم المتكبر أنه مهما بلغ فهو أضعف من أن يبلغ طول الجبال أو أن يخرق الأرض

كما قال الله تعالى : ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك واغضض من صوتك ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير لقمان / 18 – 17 .

قال القرطبي :

قوله تعالى : ولا تمش في الأرض مرحا وهذا نهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع ، والمرح : شدة الفرح ، وقيل : التكبر في المشي ، وقيل : تجاوز الإنسان قدره .

وقال قتادة : هو الخيلاء في المشي ، وقيل : هو البطر والأشر ، وقيل : هو النشاط .

وهذه الأقوال متقاربة ولكنها منقسمة قسمين :

أحدهما : مذموم ، والآخر : محمود .

فالتكبر والبطر والخيلاء وتجاوز الإنسان قدره : مذموم .

والفرح والنشاط محمود .

" تفسير القرطبي " ( 10 / 260 ) .

ومن العلاج أن يعلم الإنسان أن المتكبر يوم القيامة يحشر صغيراً كأمثال الذر تدوسه الأقدام

والمتكبر مبغوض عند الناس كما أنه مبغوض عند الله تعالى ، والناس يحبون المتواضع السمح اللين الهين ويبغضون الغليظ والشديد من الرجال .

ومنه أن يتذكر الإنسان أنه خرج هو والبول من مكان واحد ، وأن أوله نطفة قذرة وآخره جيفة نتنة وأنه بين ذلك يحمل العذرة ( أي البراز ) فبم يتكبر ؟!!

نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الكبر وأن يرزقنا التواضع .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-08, 04:35
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


كيف يتخلص من العجب ؟

السؤال

كيف يتخلص الإنسان من العجب بطريقة عملية ؟

فأحياناً عندما أفعل شيئاً - سواء طاعة ، أو فعل خير - أشعر بشيء من العجب ، وذلك يضايقني كثيراً

فكيف أتخلص من ذلك ؟

الجواب

الحمد لله

نسأل الله أن يرزقنا جميعا الإخلاص في السر والعلن .

اعلم أخي السائل أن العجب آفة يعاني منها الكثير من الناس ، وتكمن خطورتها في الانصراف عن الثناء على الله إلى الثناء على النفس ، وهي تتعارض مع واقع الانكسار والتذلل المستحب في طاعة المولى عز وجل .

وقد قرر علماء السلوك والأخلاق أن سبب العجب في الحقيقة هو الجهل المحض أو الغفلة أو الذهول

فإذا صاحب ذلك إطراء الناس للشخص وكثرة ثنائهم عليه ، مع ضعف مراقبة الله عز وجل وقلة الورع والخشية ، اجتمعت على المرء هذه الآفة الشديدة فأهلكته إلا أن يتداركه الله برحمته .

قال ابن القيم رحمه الله :

" جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها وعيوب عمله ، وجهله بربه وحقوقه وما ينبغي أن يعامل به يتولد منهما رضاه بطاعته وإحسان ظنه بها

ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة من الزنا وشرب الخمر والفرار من الزحف ونحوها " انتهى .

"مدارج السالكين" (1/175) .

وللعلماء في بيان طرق التخلص من هذه الآفة كتابات عديدة

من أوسعها وأفضلها وأدقها ما كتبه العلامة ابن حزم الأندلسي رحمه الله ، ونحن ننقله هنا بشيء من الاختصار الذي يحقق المقصود ولا يخل به إن شاء الله تعالى :

قال رحمه الله :

" من امتُحن بالعجب فليفكر في عيوبه ، فإن أُعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنيئة

فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه فليعلم أن مصيبته إلى الأبد ، وأنه لأتم الناس نقصاً ، وأعظمهم عيوباً ، وأضعفهم تمييزاً .

وأول ذلك أنه ضعيف العقل ، جاهل ، ولا عيب أشد من هذين ؛ لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالَبَها وسعى في قمعها ، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه .

واعلم يقيناً : أنه لا يسلم إنسي من نقص ، حاشا الأنبياء صلوات الله عليهم

فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط ، وصار من السخف والضعة والرذالة والخسة وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه متخلف من الأرذال

وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة ، فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه ، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها ، وعن عيوب غيره التي لا تضره في الدنيا ولا في الآخرة .

وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها ، فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته .

وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير لا يسوغ أصلاً ، والواجب اجتنابه إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب ، أو على سبيل تبكيت المعجَب فقط في وجهه ، لا خلف ظهره .

ثم تقول للمعجَب : ارجع إلى نفسك ، فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك

ولا تُمَيِّل [ أي : توازن وتقارن ] بين نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منها فتستسهل الرذائل وتكونَ مقلِّداً لأهل الشر ، وقد ذم تقليد أهل الخير

فكيف تقليد أهل الشر ! لكن ميِّلْ بين نفسك وبين من هو أفضل منك ، فحينئذ يتلف عجبك ، وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يولد عليك الاستخفاف بالناس ، وفيهم بلا شك من هو خير منك

فإذا استخففت بهم بغير حق ، استخفوا بك بحق ؛ لأن الله تعالى يقول : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) .

فإن أعجبت بعقلك : ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك ، وفي أضاليل الأماني الطائفة بك ، فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ .

وإن أعجبت بآرائك : فتفكر في سقطاتك ، واحفظها ولا تنسها ، وفي كل رأي قَدَّرته صواباً فخرج بخلاف تقديرك وأصاب غيرك ، وأخطأت أنت

فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابه ، فتخرج لا لك ولا عليك ، والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك ، وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم .

وإن أعجبت بعملك : فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه ، فو الله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك ، ويُعَفِّي على حسناتك ، فليطل همك حينئذ ، وأبدل من العجب تنقصاً لنفسك .

وإن أعجبت بعلمك : فاعلم أنه لا خصلة لك فيه ، وأنه موهبة من الله مجردة ، وهبك إياها ربك تعالى ، فلا تقابلها بما يسخطه ، فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها ، تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت .

ولقد أخبرني عبد الملك بن طريف ، وهو من أهل العلم والذكاء واعتدال الأحوال وصحة البحث

أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم ، لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته ، وأنه ركب البحر فمر به فيه هول شديد أنساه أكثر ما كان يحفظ ، وأخل بقوة حفظه إخلالاً شديداً ، لم يعاوده ذلك الذكاء بعد .

وأنا أصابتني علة فأفقت منها وقد ذهب ما كنت أحفظ إلا ما لا قدر له ، فما عاودته إلا بعد أعوام .

واعلم أن كثيراً من أهل الحرص على العلم يجِدّون في القراءة والإكباب على الدروس والطلب ثم لا يرزقون منه حظاً ، فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه

فصح أنه موهبة من الله تعالى ، فأي مكان للعجب ها هنا ! ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله تعالى ، واستزادة من نعمه ، واستعاذة من سلبها .

ثم تفكر أيضاً في أن ما خفي عليك وجهلته ـ من أنواع العلم الذي تختص به ، والذي أعجبت بنفاذك فيه ـ : أكثر مما تعلم من ذلك ، فاجعل مكان العجب استنقاصاً لنفسك واستقصاراً لها ، فهو أولى .

وتفكر فيمن كان أعلم منك ، تجدهم كثيراً ، فلتهن نفسك عندك حينئذ .

وتفكر في إخلالك بعلمك ، وأنك لا تعمل بما علمت منه ، فعلمك عليك حجة حينئذ ، ولقد كان أسلم لك لو لم تكن عالماً ، واعلم أن الجاهل حينئذ أعقل منك وأحسن حالاً وأعذر ، فليسقط عجبك بالكلية .

ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها ، كالشعر وما جرى مجراه ، فانظر حينئذ إلى مَن عِلمُهُ أجل من علمك في مراتب الدنيا والآخرة ، فتهون نفسك عليك .

وإن أعجبت بشجاعتك فتفكر فيمن هو أشجع منك ، ثم انظر في تلك النجدة التي منحك الله تعالى فيم صرفتها ، فإن كنت صرفتها في معصية فأنت أحمق ؛ لأنك بذلت نفسك فيما ليس ثمناً لها

وإن كنت صرفتها في طاعة ، فقد أفسدتها بعجبك ، ثم تفكر في زوالها عنك بالشيخوخة وأنك إن عشت فستصير من عدد العيال ، وكالصبي ضعفاً .

على أني ما رأيت العجب في طائفة أقل منه في أهل الشجاعة ، فاستدللت بذلك على نزاهة أنفسهم ورفعتها وعلوها .

وإن أعجبت بجاهك في دنياك : فتفكر في مخالفيك وأندادك ونظرائك ، ولعلهم أخساء وضعفاء سقاط ،

فاعلم أنهم أمثالك فيما أنت فيه ، ولعلهم ممن يُستحيا من التشبه بهم لفرط رذالتهم وخساستهم في أنفسهم وأخلاقهم ومنابتهم ، فاستهن بكل منزلة شاركك فيها من ذكرت لك ، وإن كنت مالك الأرض كلها ، ولا مخالف عليك ؟!!

واعلم أن عجبك بالمال حمق ؛ لأنه أحجار لا تنتفع بها إلا أن تخرجها عن ملكك بنفقتها في وجهها فقط ، والمال أيضاً غاد ورائح ، وربما زال عنك

ورأيته بعينه في يد غيرك ، ولعل ذلك يكون في يد عدوك ، فالعجب بمثل هذا سخف ، والثقة به غرور وضعف .

وإن أعجبت بحسنك ففكر فيما يولد عليك مما نستحي نحن من إثباته ، وتستحي أنت منه إذا ذهب عنك بدخولك في السن ، وفيما ذكرنا كفاية .

وإن أعجبت بمدح إخوانك لك : ففكر في ذم أعدائك إياك ، فحينئذ ينجلي عنك العجب

فإن لم يكن لك عدو : فلا خير فيك ، ولا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له ، فليست إلا منزلة من ليس لله تعالى عنده نعمة يحسد عليها ، عافانا الله .

فإن استحقرت عيوبك : ففكر فيها لو ظهرتْ إلى الناس ، وتمثل إطلاعهم عليها ، فحينئذ تخجل ، وتعرف قدر نقصك إن كانت لك مُسكة من تمييز .

وإن أعجبت بنسبك : فهذه أسوأ من كل ما ذكرنا

لأن هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلاً في دنيا ولا آخرة ، وانظر هل يدفع عنك جوعة ، أو يستر لك عورة ، أو ينفعك في آخرتك . وإن أعجبت بقوة جسمك :

فتفكر في أن البغل والحمار والثور أقوى منك وأحمل للأثقال .

وإن أعجبت بخفتك : فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب ، فمن العجب العجيب ، إعجاب ناطق بخصلة يفوقه فيها غير الناطق .

واعلم أن رياضة الأنفس أصعب من رياضة الأسد ، لأن الأسد إذا سجنت في البيوت التي تتخذ لها الملوك ، أمن شرها ، والنفس وإن سجنت لم يؤمن شرها " انتهى باختصار .

"الأخلاق والسير وأثرها في مداواة النفوس" (ص/29-34)

وانظر: "بريقة محمودية" (2/237)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-08, 04:40
كيف يتخلص من حسده لإخوانه

السؤال

حتى يكون المسلم صادقا في إسلامه عليه أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه. والحمد لله ، فإنه من السهل أن أحب لأخي من الدم (شقيقي) ما أحبه لنفسي ، لكن ذلك يصعب علي جدا تجاه إخواني من المسلمين إلا القليلين منهم .

والسبب هو أني عندما أرى إخواني من المسلمين وهم أفضل مني في أي شيء، فإني أشعر بالغيرة، وأظنه من الكبرياء ( أخي

أنا أدعو الله أن يغفر لي لأني وجدت هذا الشعور، لكني عندما أراهم مرة أخرى، فإني أجد الشعور ذاته مرة أخرى).

أريد أن أشعر بالفرح إذا رأيت إخواني ينجحون ، وأريد أن أحزن لحزنهم . لكني كلما رأيت الناس وهم يثنون عليهم فإني أشعر بالغيرة .

وأيضا، فإني أشعر وكأني أريد لإخوتي المسلمين دخول جنة الفردوس لكن كلما أخبرني أخ مسلم بشيء يفيدني في ديني ، فأنا أريد تطبيقه ، لكن الشيطان يحضر ويخبرني بأني أن أنا طبقت ما أخبرني به ذلك الأخ

فإنه سيحصل على نفس الأجر مثلي، ولذلك ، فإن درجته ستكون أعلى مني في الجنة، ونفسي أحيانا تسقط في هذه المصيدة . وأريد أن أعرف كيف لي أن أشفى من هذه المشكلة تماما؟.

الجواب

الحمد لله

الواجب على المسلم كما ذكرت أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره لأخيه ما يكره لنفسه من الشر ،

وهذا لا يتنافى مع أن يحب لنفسه ما يحب للآخرين ، أما كونه حين يرى عند إخوانه من الخير ما ليس عنده يتمنى ذلك فهذا من الغبطة ، إلا إذا تمنى أن تزول عنهم النعمة فيسمى حسدا .

والمسلم يحتاج إلى أن يجاهد نفسه حتى يصفو قلبه لإخوانه المسلمين ، وإذا صدقت محبته لإخوانه ، زالت كثير من هذه المشكلات التي يعاني منها

وحين يعلم المسلم ما له من الفضل والمنزلة حين يحب إخوانه ويحب لهم الخير ، وحين يعلم ما له من الأجر إذا أحسن إليهم فإن ذلك سوف يدفعه إلى الإحسان إليهم بكل سبيل

وأن يجتهد في نفع إخوانه بدلا من أن ينشغل بحسدهم وبالتفكير فيما سينالون دونه .

الشيخ محمد الدويش .

وعليك أن تتأمل طويلاً قول الله تعالى : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) .

وقول الله تعالى : ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) .

والحسد ضرره عظيم في الدنيا والآخرة فقد أخرج الترمذي عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين

والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلكم بينكم أفشوا السلام بينكم ) حديث حسن ( جامع الترمذي / 2434 ) .

" ومعنى تحلق الدين قال الطيبي : أي البغضاء تذهب بالدين كالموسى تذهب بالشعر "

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي .

والذي يظهر يا أخي أنك عالم بالحكم عارفٌ بما يترتب عليه وتريد الحلول لهذه الخصلة الذميمة وإليك بعض الحلول :

1- دعاء الله والتضرع إليه أن يزيل عنك هذا الداء وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ( واهدِ قلبي واسلل سخيمة صدري ) ومعناه "اهدِ قلبي" إلى الصراط المستقيم ، و "اسلل سخيمة صدري"

أي أخرج غشَّه وغلَّه وحقده .

2- التأمل في القرآن وإكثار قراءته لا سيما الآيات التي تكلمت عن الحسد - لأن قراءة القرآن يحصِّل به الإنسان الحسنات وقد قال الله تعالى : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) .

3- قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده عن الحسد وحبه الخير للغير حتى لأعدائه ومن الكتب النافعة ( نور اليقين في سيرة سيد المرسلين ) .

4- قراءة قصص الصحابة وأخبارهم ومن الكتب الميسرة في هذا الباب كتاب ( صور من حياة الصحابة لعبد الرحمن رأفت الباشا ) .

5- إذا حدثتك نفسك بمثل هذه الأمور فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم واشتغل بعمل ما ينسيك هذه الوساوس والخطرات .

6- إذا غلبك الشيطان بإلقاء الحسد في قلبك فإياك أن يظهر على لسانك أو في فعلك ما يدل على الحسد . فإن لكل إنسان نصيب من الحسد ، قال شيخ الإسلام

: " يقال ما خلا جسد من حسد ، فالكريم يخفيه واللئيم يبديه " .

أمراض القلوب ، والإنسان لا يحاسب على ما تحدثه به نفسه ولكنه يحاسب على أقواله وأفعاله قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه البخاري / 2033 .

7- إذا أحسست بأنك تحسد شخصاً معيناً فقم بشراء هدية له ومصافحته فقد قال عليه الصلاة والسلام ( تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء ) رواه مالك في الموطأ / 1413

لأن الحسد ناتج عن البغضاء وضدها المحبة وطريقها الهدية وإفشاء السلام لقوله صلى الله عليه وسلم "

لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) رواه مسلم / 81 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية

في كتابه أمراض القلوب :

" فمن وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر فيكره ذلك من نفسه .. وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب ومن اتقى وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه . " ا.هـ.

والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-08-08, 04:43
قول البعض: لا تخرج حتى تقول سبحان الله أو إذا لم تقل كذا فأنت تحب الشيطان

السؤال

ما نصيحتكم لمن ينشر على مواقع التواصل صورة نبات على شكل كلمة (الله) أو خروف مكتوب فيه (محمد)

ويقول لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله أو يضع صورة رعب ويكتب اللي يحب الشيطان يطنش واللي ما يحبه يكتب الله أكبر ومثل هذه المنشورات

الجواب

الحمد لله

أولا:

لا يجوز إلزام أحد بالتعليق على منشور في الفيسبوك أو الإعجاب به، وهذا من الاستعمال السيء لهذه الوسيلة التي يمكن الإفادة منها في نشر العلم والخير

كما نبهنا عليه في جواب السؤال القادم

وإرهاب الناس ، وجعل من لم يعلق على المنشور محبا للشيطان، عمل منكر، وافتراء على الناس

وقول على الله بلا علم، وإيجاب لما لم يوجبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا شيء يلزم الإنسان أن يقول سبحان الله إذا رأى ما يعجبه، أو أن يقول : الله أكبر ، إذا رأى ما لا يعجبه.

وقد ذم الله تعالى من يتقول عليه بلا علم فقال: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 .

ولهذا : فالمسلك الصحيح مع من يفعل ذلك : هو نصحه أولا، فإن استجاب ، وإلا فينبغي عدم الالتفات لما ينشره من هذا القبيل، أو إلغاء صداقته زجرا له.

ثانيا:

لا ينبغي الاغترار بما ينشر من صور النباتات ، أو الحيوانات التي يُزعم أنه مكتوب عليها اسم الله أو اسم نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن كثيرا منها لا حقيقة له

وإنما يفعله بعض الحاقدين للسخرية من تصديق المسلمين له، أو بعض من يريد نشر الخير، بالكذب، كحال من كان يضع الأحاديث المكذوبة ليرغب الناس في الخير بزعمه.

فلابد من اتباع المنهج الشرعي في التعامل مع الأخبار، فلا يصدق إلا ما نقله الثقات، ولا يُنقل

ولا يُشاع في الناس ، إلا ما تأكد الناقل من صدقه

لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) رواه مسلم برقم (5).

قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث :

" وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث وَالْآثَار الَّتِي فِي الْبَاب : فَفِيهَا الزَّجْر عَنْ التَّحْدِيث بِكُلِّ مَا سَمِعَ الْإِنْسَان ، فَإِنَّهُ يَسْمَع فِي الْعَادَة الصِّدْق وَالْكَذِب , فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، فَقَدْ كَذَبَ ، لِإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ " انتهى من "شرح مسلم للنووي" .

وإذا ثبت شيء من ذلك بالخبر الصادق، كان من جملة الآيات التي يُذَكِّر الله بها عباده

كما قال: ( سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) فصلت/53.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-08, 04:48
رسائل الجوال والبريد التي يقال فيها: انشرها وإلا تأثم أو يحصل لك كذا وكذا

السؤال

كثرت في الآونة الأخيرة .. رسائل الجوال أو البريد .. التي يكون فيها مثلا دعاء أو نصيحة

ويقال : أمنتك الله أن ترسلها وتنشرها .. أو أن يقول : إذا أرسلتها سوف تسمع خبراً سعيد !! هل عليّ إثم إن لم انشرها ؟؟

وما حكم مثل هذه الرسائل ؟

الجواب

الحمد لله

الاستفادة من الوسائل الحديثة كالجوال والبريد الالكتروني في نقل النصيحة والموعظة ، والتذكير والتوجيه ، عمل نافع ، وأمر مثمر

إذ يمكن إيصال ذلك لمئات من الناس بضغطة زر واحد ، ومعلوم أن الدال على الخير كفاعله

وأن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، كما روى مسلم (2674)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ).

وروى مسلم (1893) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ).

فإذا كتب المسلم نصيحة حول أذكار الصباح والمساء مثلا ، وأرسلها إلى مائة من الناس ، فعمل كثير منهم بنصيحته ، كان في ذلك أجرٌ عظيم له .

ولهذا ينبغي الاستفادة من هذه الوسائل ، والارتقاء بالكلمة والنصيحة التي تبث من خلالها ، ليكون لها أكمل الأثر ، وأتم النفع .

لكن مما يؤسف له أن بعض الناس خلط هذا العمل الصالح بآخر سيء ، وهو الوقوع في نوع الدجل والباطل

كقوله : إذا أرسلتها سوف تسمع خبراً سعيد !! ، فهذا ضرب من الكهانة ، فليس هناك دليل شرعي على أن من تلقى النصيحة وأرسلها لغيره أنه سيسمع خبرا سعيدا ، بل قد يسمع خبرا سيئا ، أو سعيدا ، أو لا يسمع شيئا .

وكذلك من يقول : حمَّلتك هذه الأمانة أن ترسلها وتنشرها ، أو أنك ستأثم إن لم تفعل ذلك ، أو من لم ينشرها سيحصل له كذا وكذا ، فهذا كله باطل لا أصل له

فالمرسَل له لم يتحمل شيئا ، وليس هناك ما يلزمه بالنشر ، ولا يأثم إن تركه ، ولا وجه لتأثيم أحد بغير موجِبٍ من الشرع ، كما أنه لا وجه للإخبار بالغيب المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله .

وترتيب الثواب والعقاب على عمل من الأعمال إنما مردّه إلى الله تعالى ، فالحلال ما أحله

والحرام ما حرمه ، والثواب والعقاب من عنده ، ومن قال في ذلك شيئا بغير برهان منه فقد افترى

وقد قال سبحانه : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 .

وقد ظن هؤلاء أنهم بهذا يحملون الناس على نشر الخير ، عن طريق ترغيبهم وترهيبهم

لكنهم أخطأوا وتجاوزوا ، وكان عليهم أن يقتصروا على ما ورد به الشرع ، وفيه الغنية ولله الحمد

كقولهم : إن من نشر هذا الخير ، يرجى له مثل أجر جميع من عمل به ، وكفى بذلك محفّزا ومشجعا على النشر
.
وهذا مما يبين أهمية العلم ، فإن غالب من يقع في هذا إنما يقع فيه لجهله ، كحال من كان يضع الأحاديث ويفتريها على النبي صلى الله عليه وسلم ، بحجة نشر الخير وترغيب الناس فيه

فيقع في الكذب المتوعَّد صاحبه بالوعيد الشديد ، لتحصيل الأجر والثواب فيما يظن !

والمقصود : التنبيه على بطلان هذا المسلك ، والتحذير منه ، ولهذا نقول :

ينبغي لمن وصله شيء من ذلك الباطل ، أن ينصح لصاحبه ، وأن يبين له وجوب الانتهاء عن مثل هذه المحفّزات الباطلة

وألا يصدّق بما جاء في الرسالة من أنه إن نشر سيحصل له كذا وإن لم ينشر سيحصل له كذا ، لأنه نوع من الكذب كما سبق .

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .

والله أعلم

الشيخ محمد صالح المنجد.

*عبدالرحمن*
2019-08-08, 04:52
المبالغة في التعلق وما يترتب عليها من المبالغة في المدح .

السؤال

لدي صديقة أحسبها والله حسيبها على خير وأنا وهي منتقبتان بفضل الله. .المشكلة أنها تحبني حبا شديدا لا أقصد الحب الذي يفضي إلى فواحش والعياذ بالله"

ولكنها ترفع من مكانتي بشكل ملفت وتوقرني كثيرا ودائما ما تحاول أن ترضيني. قد تقولون إذا ما المشكلة في أن يحبك ويحترمك شخص ما؟،لكن

أقول أنا لا أستحق عشر ما تفعله معي إضافة إلى ذلك اخشى أن لا يطيق الأخرون ذلك لأنها تفعل ذلك بشكل واضح . أعلم أنها تريد لي الخير وأنا أيضا أحبها كثيرا وأقدرها واتمنى لها الخير .

.لكنها تبالغ كثيرا في تقديري. فهل أجد منكم توجيها أصلح به الحال؟

من غير أن اجرحها أو أحرجها واضمن به بقاء أخوتنا وصداقتنا؟

وأكون شاكرة لكم.. وجزاكم الله خيرا

الجواب

الحمد لله

أولا :

مما ينبغي أن يعلم أن "الغلو" مذموم كله ، فلم يمدح الغلو في عمل ، ولا خلق ، ولا هدي ، ولا سلوك ، ولا دين ، ولا دنيا .

وقد قال صلى الله عليه وسلم : روى النسائي (3057)

من حديث ابْن عَبَّاسٍ أن النّبِي صَلّى اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ) صححه الألباني في "صحيح النسائي" وغيره .

ومن هذا الغلو المذموم : الغلو في التعلق بالأشخاص :

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا" . رواه الترمذي (1997) ، وصححه الألباني .

ومما ينبغي أن يعلم أيضا : أن التكلف – أيضا – مذموم ، في الأمر كله : قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ص/86 .

وفي صحيح البخاري (7293) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال : قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ ، فَقَالَ :( نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ ) .

ثانيا :

المبالغة في التعلق تفضي عادة إلى المبالغة في المدح ، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه المبالغة بـ"الذبح" ؛ لما فيها من الهلاك للممدوح .

فعَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ ) . رواه ابن ماجه (3743) وغيره ، وحسنه الألباني .

وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ، فَقَالَ: ( لَقَدْ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ ) . رواه البخاري 6060 ومسلم (3001)

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا مِنْ رَجُلٍ، بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ) ، مِرَارًا يَقُولُ ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ، لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا ) . رواه البخاري 6061 ومسلم (3000)

ثالثا :

الواجب عليك أن تنصحي صاحبتك برفق ، وتبيني لها أدب الشرع في ذلك ، وأن الغلو والإفراط مذموم كله ، وأن من تحب أختها حبا صادقا ، لا تكون سببا في هلاكها

ولا تمدحها بما يقطع عنقها ، بل تدعو لها في سرها وغيبها ، وتسأل الله أن يجعل هذه المحبة لله ، وخالصة فيه ، وأن يجعلها عونا على طاعته سبحانه .

فإن أبى المادح ، إلا أن يخالف أدب الشرع ، ويهلك صاحبه بغلوه ، وكلامه عنه ، فليسد الممدوح ذلك الباب عن نفسه ، ولينأ عن ذلك بالكلية .

عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ، فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ .

فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟

فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ" , رواه مسلم (3002)

قال الحليمي رحمه الله :

" وَذَلِكَ لأَنَّ الأَغْلَبَ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ، فَيَغُرُّونَ الْمَمْدُوحَ، فَإِذَا حُثِيَ التُّرَابُ فِي وَجْهِ الْمَادِحِ, فَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَغْتَرُّوا، وَأَيِسَ الْمَادِحُ مِنْ أَنْ يَغُرَّهُ."

انتهى. نقله البيهقي في "شعب الإيمان" (6/497) .

وعَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَأَةَ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زُكِّيَ ، قَالَ:

( اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ ) . رواه البخاري في الأدب المفرد (761) وصحح الألباني إسناده .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-09, 04:45
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل ذكر الصفات السيئة في بعض الشعوب من الغيبة المحرمة ؟

السؤال

إن اغتبت أو ذكرت دولة ما بسوء فهل يعني ذلك أن كل فرد من تلك الدولة سيأخذ من حسناتي يوم القيامة ؟

على سبيل المثال: لو قلت: "هكذا تعرف الدو: لة التي جاء منها الشخص

لأن الناس من تلك الدولة يفعلون كذا وكذا من الأشياء السيئة ، مثل الشره ، وشرب الخمر ، والظلم ، وغيره ؟

وما العمل للتكفير عن هذه الخطيئة؟

الجواب

الحمد لله

الإخبار عن بعض الشعوب أو الدول بما فيهم من صفات سيئة لا يعد من الغيبة ؛ إلا أن المسلم ينبغي له أن ينزِّه لسانه عن ذكر معايب الناس ومثالبهم .

وجاء في "الفتاوى الهندية" (5/362) :

" وَمَنْ اغْتَابَ أَهْلَ كُورَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ لَمْ تَكُنْ غِيبَةً حَتَّى يُسَمِّيَ قَوْمًا مَعْرُوفِينَ " انتهى .

وقد عرضت هذا السؤال على شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى فأفاد :

" ليس من الغيبة ، ولكن إذا كان أحد منهم حاضراً فلا يجوز لما فيه من الأذية ، أو ذكر هذا في معرض حديثه عن شخص معيَّن فإنها تكون غيبة حيندئذٍ ، كأن يقول فلان من بلد كذا وهم أغبياء " انتهى .

والله أعلم .

هل تعد قصص التندر المروية في كتب الأدب من الغيبة المحرمة ؟

السؤال

القصص في الكتب الأدبية القديمة التي فيها تندّر ، مثل : أخبار أبو دلامة ، وأشعب , وأحيانا تذكر أسماء لأناس تصفهم بالحمق والبخل , حكاية هذه القصص هل يعد من الغيبة ، مع أننا لا ندري عن صحة تلك الأخبار ؟

الجواب

الحمد لله

إذا نُسب السوء والمكروه إلى أحد فلا يخلو من حالتين :

الحالة الأولى :

أن يكون هذا الشخص المذكور بالشر معلوما لدى الحاضرين أو السامعين أو القارئين : فَذِكرُه بما يكره حينئذ – مِن غير سبب شرعي – يعد مِن الغيبة المحرمة المتفق عليها

سواء كان حيا أو ميتا ، معاصرا أو من الشخصيات التاريخية القديمة المعروفة ، فحرمة المسلم محفوظة حتى بعد موته ووفاته ، وأسباب تحريم الغيبة قائمة حتى في غيبة الأموات.

يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" الغيبة أن تذكر مسلما أو ذميا معيَّنًا للسامع ، حيا أو ميتا ، بما يكره أن يذكر به مما هو فيه ، بحضرته أو غيبته " انتهى.

" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2/25) .

الحالة الثانية :

ألا يكون الشخص المذكور بالسوء معينا لدى السامعين ، ولا معروفا عندهم ، ولم يسبق لهم به علم ولا تمييز

أو كان شخصية وهمية تذكرها كتب التاريخ والأدب على سبيل التخييل لأغراض أدبية أو قصصية : ففي هذه الحالة لا يحرم ذكر هذا الشخص بسوء ، ولا يعد ذلك من الغيبة المحرمة .

واستدل العلماء لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها قالت :

( جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا قَالَتْ الْأُولَى....-

فساقت عائشة حديث كل امرأة عن زوجها بما يكره ، حتى كان آخرهن أم زرع التي أثنت على زوجها خيرا ، ثم قالت رضي الله عنها - فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ )

رواه البخاري (5189)، ومسلم (2448) .

يقول الإمام النووي رحمه الله :

" قال المازري : قال بعضهم : وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهن أزواجهن بما يكره ولم يكن ذلك غيبة ، لكونهم لا يُعْرفون بأعيانهم أو أسمائهم ، وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنسانا بعينه أو جماعة بأعيانهم .

قال المازري : وإنما يُحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تغتاب زوجها وهو مجهول فأقر على ذلك ، وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات

لكن لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرمة ، فإن كان مجهولا لا يعرف بعد البحث ، فهذا لا حرج فيه عند بعضهم كما قدمنا ، ويجعله كمن قال : في العالَم مَن يشرب أو يسرق .

قال المازري : وفيما قاله هذا القائل احتمال .

قال القاضي عياض : صدق القائل المذكور ، فإنه إذا كان مجهولا عند السامع ومن يبلغه الحديث عنه لم يكن غيبة ؛ لأنه لا يتأذى إلا بتعيينه .

قال : وقد قال إبراهيم : لا يكون غيبة ما لم يسم صاحبها باسمه ، أو ينبه عليه بما يفهم به عنه ، وهؤلاء النسوة مجهولات الأعيان والأزواج ، لم يثبت لهن إسلام فيحكم فيهنَّ بالغيبة لو تعيَّنَّ ، فكيف مع الجهالة . والله أعلم "
.
انتهى من " شرح مسلم " (15/222) .

وجاء في " الآداب الشرعية " لابن مفلح (1/254-255) .

" قال صاحب " المختار " من الحنفية : ولا غيبة إلا لمعلوم ، ولا غيبة لأهل قرية .

وكذا ذكر القاضي عياض وغيره في غير المعين , وخالف فيه بعضهم ، ذكره النووي في حديث أم زرع , والأول مأثور عن إبراهيم , ولم يذكر أصحابنا هذا , والظاهر أنهم لا يريدون هذا

فظاهر كلام بعضهم إن عرف بعد البحث لم يجز , وإلا جاز ، فليس هذا ببعيد " انتهى.

يقول الخادمي الحنفي :

" دل هذا – يعني كلام الفقهاء – على شرطية معرفة المخاطب – حتى يكون غيبة – "
.
انتهى من " بريقة محمودية " (3/186-187) .

وجاء في " مجمع الأنهر " (2/553) من كتب الحنفية :

" ( ولا غيبة إلا لمعلوم ، فاغتياب أهل قرية ليس بغيبة ) " انتهى.

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (26/15):

" إذا لم توجد قرائن أحوال تعيِّن أو ترجح أصحاب الواقعة فليست بغيبة " انتهى.

عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن غديان .

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" قولهم لا غيبة لمجهول : صحيح بشرط أن يكون هذا المجهول لو بحث عنه لم يعلم به " انتهى.

" شرح الأربعين النووية " ( الشريط الأخير ) ، ونحوه في "ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين" " (مسألة رقم/551)

ويقول الشيخ ابن جبرين حفظه الله :

" لا غيبة لمجهول كلام صحيح ، ومعناه : أن يتكلم أحدهم في إنسان لا يعرفونه ، ويذكر بخله وشحه ، وعيوبه وحقده ، ونقص خلقه ، وشراسته ، ونحوز ذلك

وكل الحاضرين لا يعرفون من يعنيه ، فقد يكون مثالًا غير واقعي قصد منه التحذير من هذه الأفعال ، وذمها ، وعيب فاعلها ، فلذلك لا تسمى هذه غيبة . والله أعلم. " انتهى.

*عبدالرحمن*
2019-08-09, 04:51
ادعت كذبا أنها رأت رؤيا لتمنع أخاها عن فعل شيء

السؤال

أخي يريد شراء سيارة ، وسوف يدفع أكثر من قيمتها الفعلية ، ونحن نعلم أنه سيتورط فيها ، حاولنا أن نصرف نظره عن شراء هذه السيارة ، ولكن هناك من يؤثر عليه ويقنعه بشرائها

ولأخي صديق عزيزي عليه توفي من فترة ، ففكرت أن أدعي أنني رأيت رؤيا لصديق أخي في المنام ، يطلب مني أن أخبر أخي ألا يكمل في الموضوع الذي يشغله ، وأن الله سبحانه وتعالى سيعوضه خيرا

فأخبرت أخي ، فلما سمع ذلك قرر الاستخارة في أمر شراء السيارة ، فهل ما فعلته يعد ذنبا أحاسب عليه ؟

على الرغم أن نيتي سليمة وهي أن أصرف أخي عن شراء شيء سيتضرر بشرائه .

الجواب

الحمد لله

لا شك أن ما فعلتِيه هو من الكذب المحرم ؛ بل إن الكذب في الرؤيا قد عده أهل العلم من كبائر الذنوب

لما ورد فيه من النهي والوعيد .

روى البخاري (7042) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ) .

وروى البخاري (3509) عن وَاثِلَةَ بْن الْأَسْقَعِ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ ، أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ) .

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" :

"قَوْله ( مَنْ تَحَلَّمَ ) أَيْ مَنْ تَكَلَّفَ الْحُلْم . قَوْله ( بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِد بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَل ) فِي رِوَايَة عَبَّاد بْن عَبَّاد عَنْ أَيُّوب عِنْدَ أَحْمَد : (عُذِّبَ حَتَّى يَعْقِد بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَيْسَ عَاقِدًا) .

وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَة هَمَّام عَنْ قَتَادَةَ (مَنْ تَحَلَّمَ كَاذِبًا دُفِعَ إِلَيْهِ شَعِيرَة وَعُذِّبَ حَتَّى يَعْقِد بَيْنَ طَرَفَيْهَا وَلَيْسَ بِعَاقِدٍ ) .... وَالْمُرَاد بِالتكليف نَوْع مِنْ التَّعْذِيب " .

انتهى من "فتح الباري" (12/428) .

وفي "عون المعبود" :

" (وَمَنْ تَحَلَّمَ ) : أَيْ اِدَّعَى أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا ( كُلِّفَ ) : مِنْ التَّكْلِيف أَيْ يَوْم الْقِيَامَة ( أَنْ يَعْقِد شُعَيْرَة ) : أَيْ وَلَا يَسْتَطِيع ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْد بَيْن طَرَفَيْ شُعَيْرَة غَيْر مُمْكِن .

وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ : (أَنْ يَعْقِد بَيْن شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَل) ، قَالَ الْقَسْطَلَانِيّ : وَذَلِكَ لِأَنَّ إِيصَال إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى غَيْر مُمْكِن عَادَة , وَهُوَ كِنَايَة عَنْ اِسْتِمْرَار التَّعْذِيب " انتهى .

قال الإمام الطبري رحمه الله :

" إن قال قائل: ما وجه خصوص النبي عليه السلام الكاذب في رؤياه بما خصه به ، من تكليف العقد بين طرفي شعرتين يوم القيامة ؟

وهل الكاذب في رؤياه إلا كالكاذب في اليقظة، وقد يكون الكذب في اليقظة أعظم في الجرم

إذا كان شهادة توجب على المشهود عليه بها حدًا أو قتلاً أو مالاً يؤخذ منه، وليس ذلك في كذبه في منامه؛ لأن ضرر ذلك عليه في منامه وحده دون غيره؟ قيل له: اختلفت حالتهما في كذبهم

فكان الكاذب على عينيه في منامه أحق بأعظم النكالين

وذلك لتظاهر الأخبار عن النبي عليه السلام أن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، والنبوة لا تكون إلا وحيًا من الله، فكان معلومًا بذلك أن الكاذب في نومه كاذب على الله أنه أراه ما لم ير

والكاذب على الله أعظم فرية ، وأولى بعظيم العقوبة من الكاذب على نفسه، بما أتلف به حقًا لغيره

أو أوجبه عليه .

وبذلك نطق محكم التنزيل فقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)

فأبان ذلك صحة ما قلناه أن الكذب في الرؤيا ليس كالكذب في اليقظة؛ لأن أحدهما كذب على الله ، والآخر كذب على المخلوقين" انتهى ، نقلا عن "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (9/544-555) .

فيجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى من هذا الكذب ، ولا يجب أن تخبري أخاك بأنك كذبت عليه ، وكان عليك أن تسلكي السبل المباحة في نصح أخيك ، ولا تلجئي إلى الكذب .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-09, 05:02
التوفيق بين حديث " بئس أخو العشيرة

" وحديث في " ذم ذي الوجهين

السؤال

هل يوجد تعارض بين الحديثين الآتيين : 1-عن عائشة قالت: " استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت عائشة: وأنا معه في البيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس ابن العشيرة

ثم أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت عائشة: فلم أنشب أن سمعت ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فلما خرج الرجل، قلت: يا رسول الله! قلت فيه ما قلت ، ثم لم تنشب أن ضحكت معه

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره ).

2-حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تجد من شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه).

حيث يروج المشككون أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم متناقض، ويقولون: إنه قال لعائشة عن الرجل المذكور فى الحديث الأول أنه بئس ابن العشيرة

وقام بذمه أمام عائشة، لكن عندما دخل عليه نفس الرجل ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم فى وجهه

ويقولون: إن محمدا كان بوجهين ، فذم الرجل أمام عائشة، ولكن ضحك فى وجهه عندما دخل عليه ، وهذا يناقض الحديث الثاني. أرجو أن تردوا على هذه الشبهة.

الجواب

الحمد لله

إذا كان أحد الطاعنين من أصحاب الشبهات لا يفرق بين "المداراة" من جهة ، وبين "المداهنة أو النفاق" من جهة أخرى

فهذه مشكلته المعرفية ، وليست إشكالية في السنة النبوية، ولا في الأخلاق الرسالية الشريفة التي تعلمناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذو الوجهين -

الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ) رواه البخاري (7179) ، ومسلم (2526) -

هو الذي يغش كلا الطرفين، فيوهمهم ويكذب عليهم بلسان حاله ومقاله ، أنه يحب منفعتهم ، ويتلهف لعونهم ومحبتهم ، ويسعى لأجلهم

ولكنه في حقيقة الأمر يطلب ضرهم ، ويبحث عن كل ما يسوؤهم، ويضمر لهم كل سوء، ويمكر بهم الدوائر، وذلك لحساب نفسه، أو لحساب قوم آخرين.

وهذا الخلق السيئ لا يمكن لأحد من الطاعنين إثبات نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذكر أي دليل عليه، بل الأدلة كلها جاءت بتحريم هذا السلوك، وذم كل خلق يقوم على هذا الوجه من النفاق.

أما المُداري فهو الذي لا ينطق بباطل، ولا يكذب، ولا يغش من يحادثه ويداريه، ولا يشاركه في سوء خلقه وعمله، ولا يظهر له موافقته على باطله

وإنما يسكت عنه في أحيان، ويجامله بالبشاشة والمعاملة الحسنة فقط، دون أدنى تنازل أو غش أو سعي في أذية، لعله يؤثر فيه بعد ذلك

ويستمع لنصحه، أو لعله يتقي شره ويجتنب أذيته، ولكن دون وقوع في أي مشاركة في الإثم والعدوان.

والمداراة هي ما صدرت عنه عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة الوارد في السؤال: " أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: ( بِئْسَ أَخُو العَشِيرَة ِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ )

فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ ، قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ) .

رواه البخاري (6032) ، ومسلم (2591) .

فهو صلى الله عليه وسلم لم ينطق بباطل مع هذا الرجل الذي دخل عليه ، فلم يمدحه، ولم يثن عليه ، ولم يشاركه في سوء أخلاقه، ولم يؤيده على شيء من مسالكه

وإنما داراه بالبشاشة وطلاقة الوجه – المعهودة عنه عليه الصلاة والسلام على الدوام–، لعله يؤثر في قلبه بعد ذلك إذا سمع نصحه وتذكيره ، فيخلصه من نفاقه وسوء أفعاله.

وهذا الفرق عظيم في الفلسفة الأخلاقية لدى جميع الناس، ولدى جميع المختصين بعلوم الأخلاق ومنظومتها، وقرره علماء الإسلام من قديم الزمان.

فمن لم يدرك هذا الفرق ، فهو كمن يساوي بين البخل والاقتصاد، وبين الجبن والحكمة، وبين الخوف والحذر. وما ذلك إلا بسبب ضعف المعرفة التي يتمكن الإنسان من خلالها أن يميز بين الأمور المشتبهة .

يقول القاضي عياض رحمه الله – في شرح حديث (بئس ابن العشيرة)-:

"هذا من المداراة، وهو بذل الدنيا لصلاح الدنيا والدين. وهى مباحة مستحسنة فى بعض الأحوال، خلاف المداهنة المذمومة المحرمة، وهو بذل الدين لصلاح الدنيا

والنبى عليه الصلاة والسلام هنا بذل له من دنياه حسن عشيرته، ولا سيما كلمته وطلاقة وجهه، ولم يمدحه بقول، ولا رُوي ذلك فى حديث، فيكون خلاف قوله فيه لعائشة.

فلا يعترض على هذا بالمداهنة، ولا بحديث ذى الوجهين، والنبى عليه الصلاة والسلام منزه عن هذا كله، وحديثه أصل فى المداراة وغيبة أهل الفسوق والكفار وأهل البدع والمجاهرة" .

انتهى من " إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 62) .

ويقول أيضا رحمه الله:

"وقوله: (مَن شر الناس ذو الوجهين): تقدم الكلام فيه، وهو بيِّنٌ، وهذا فيما ليس طريقه الإصلاح والخير، بل فى الباطل والكذب

وتزيينه لكل طائفة عملها، وتقبيحه عند الأخرى، وذم كل واحدة عند الأخرى ، بخلاف المداراة والإصلاح المرغب فيه ، وإنما يأتى لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل لها الجميل عنها" .

انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 76) .

ويقول ابن الملقن رحمه الله – في شرح حديث (إن من شر الناس ذا الوجهين)-:

" لا ينبغي لمؤمن أن يثني على سلطان أو غيره في وجهه ، وهو عنده مستحق للذم ، ولا يقول بحضرته خلاف ما يقوله إذا خرج من عنده ؛ لأن ذلك نفاق، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما

وقال فيه عليه السلام: (شر الناس ذو الوجهين)؛ لأنه يظهر لأهل الباطل الرضا عنهم، ويظهر لأهل الحق مثل ذلك ؛ ليرضي كل فريق منهم ، ويريد أنه منهم، وهذِه المداهنة المحرمة على المؤمنين.

فإن قلت: إن حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة يعارضان قوله عليه السلام للذي يستأذن عليه: (بئس ابن العشيرة) ثم يلقاه بوجه طلق وترحيب.

قلت: لا تعارض؛ لأنه عليه السلام لم يقل خلاف ما قاله عنه ، بل أبقاه على التجريح عند السامع

ثم تفضل عليه بحسن اللقاء والترحيب ، لما كان يلزمه عليه السلام من الاستئلاف، وكان يلزمه التعريف لخاصته بأهل التخليط ، والتهمة بالنفاق .

وقد قيل: إن تلقيه له بالبشر إنما كان لاتقاء شره، وليكف بذلك أذاه عن المسلمين، فإنما قصد بالوجهين جميعًا إلى نفع المسلمين ؛ بأن عرفهم بسوء حاله ، وبأن كفاهم ببشره له أذاه وشره .

وذو الوجهين بخلاف هذا؛ لأنه لا يقول الشيء بالحضرة، وقد قال ضده في غير الحضرة

وهذا تناقض. فالذي فعله عليه السلام محكم مبين ، لا تناقض فيه؛ لأنه لم يقل لابن العشيرة عند لقائه : إنه فاضل ولا صالح؛ بخلاف ما قال فيه في غير وجهه" .

انتهى من "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (32/ 534) .

ويقول المناوي رحمه الله:

"(ذو الوجهين في الدنيا) قال النووي: وهو الذي يأتي كل طائفة بما تحب ، فيظهر لها أنه منها، ومخالف لضدها، وصنيعه خداع ليطلع على أحوال الطائفتين .

.. فإن ذلك أصل من أصول النفاق، يكون مع قوم ، وفي حال ، على صفة

ومع آخرين بخلافهما، والمؤمن ليس إلا على حالة واحدة في الحق ، لا يخاف في الله لومة لائم، إلا إن كان ثمة ما يوجب مداراة ، لنحو اتقاء شر، أو تأليف، أو إصلاح بين الناس ...

وبما تقرر عرف أنه لا تدافع بين هذا وبين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيمن استأذن عليه : (بئس أخو العشيرة) فلما دخل ألان له القول. وقول علي: إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم"

انتهى من "فيض القدير" (3/ 568) .

وأخيرا ، النصيحة لجميع شباب المسلمين أن يشتغلوا بما ينفعهم من العلم النافع والعمل الصالح، بعيدا عن الانشغال بالشبهات ومنتدياتها ومواقعها، فطريق الشبهات طريق لا نهاية له سوى الحيرة والقلق والاضطراب

ولا يشرع التصدي لها ، إلا للعالم أو طالب العلم المتمكن من فهم العلوم وتحقيق مسائلها ومناهج البحث فيها، وما حال من ينطلق في بحر الشبهات ، إلا كحال من ينطلق في ماء البحر حقيقة ، وهو لا يحسن العوم والسباحة.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-09, 05:08
بين النفاق والمداراة

السؤال

1. أود معرفة الخط الفاصل بين النفاق والمجاملة ؛ ذلك أني ألمس في الكثير من الأحيان ازدواجية في سلوك الناس وتصرفاتهم تبعا للمصلحة والأهواء ، ويقال : إن الأمر مجرد مجاملة فهل هذا صحيح ؟

2. وهل يمكن أن يشوب الصداقة الحقة بعض النفاق ؛ ذلك أن لي صديقة لم تحمل لي من الود ما كنت اعتقده ، كانت لها مكانة في قلبي لا ينازعها عليها أحد ، واكتشفت أخيرا أن مكانتي لديها لا تساوي شيئا مطلقا

وسلوكها معي لسنوات تحكمه الأقنعة الزائفة ، كنت أعتقد ، وكان الكل يجزم قطعا ، أن الصداقة بيننا قوية ، وإلى الآن لست أدري كيف لي أن أتبرأ من هذه الصداقة بعد أن علمت بحقيقتها .

3. فهل سلوك هذه الصديقة يعد نفاقا ؟

4. وما جزاء نفاق الأصدقاء ؟

الجواب

الحمد لله

كثيراً ما يخلط بعض الناس بين مفاهيم النفاق والمداراة والمداهنة ، وسبب ذلك غياب معاني الأخوة والصحبة الصادقة في الذهن والواقع ، فلم تعد قلوبهم تفرق بين الحق والباطل ، وبين الإحسان والإساءة .

أولاً :

إذا أُطلق لفظ النفاق فإنه يستوحي معانيَ الشر كلها ، ولم يكن النفاق يوما محمودا ولو من وجه ما ، ويعرِّفُه علماء السلوك بأنه إظهار الخير للتوصل إلى الشر المضمر .

فالمنافق لا يبتغي الخير أبدا ، وإنما يسعى للإضرار بالناس وخيانتهم وجلب الشر لهم ، ويتوصل إلى ذلك بإظهار الخير والصلاح ، ويلبَسُ لَبوس الحب والمودة .

يقول سبحانه وتعالى في التحذير من صحبة المنافقين :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ

. هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) آل عمران/118-119 .

وهكذا كل من يصاحب الناس فيظهرُ لهم الخير والمودة ، وفي حقيقة أمره إنما يسعى في أذاهم ، ويتمنى النيل منهم ، ويطلبُ الشرَّ لهم .

ثانياً :

أما المُدَارِي ( وهو المُجَامِلُ أيضا ) فلا يُضمِرُ الشر لأحد ، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن

ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء ، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس ، ولكن دون أن يوافقه على باطله ، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل .

قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -

وقيل لابن عقيل في فنونه : أسمع وصية الله عز وجل ( ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا , فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق ؟
.
فقال ابن عقيل : " النفاق هو : إظهار الجميل , وإبطان القبيح , وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر, والذي تضمنتْه الآية : إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن " .

فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر ، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر

: فليس بمنافق ، لكنه يستصلح ، ألا تسمع إلى قوله سبحانه وتعالى ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ، فهذا اكتساب استمالة , ودفع عداوة , وإطفاء لنيران الحقائد , واستنماء الود

وإصلاح العقائد , فهذا طب المودات ، واكتساب الرجال . "

الآداب الشرعية " ( 1 / 50 ، 51 ) .

ولذلك كانت المداراة من الأخلاق الحسنة الفاضلة ، وذكر العلماء فيها من الآثار والأقوال الشيء الكثير .

قال ابن بطال رحمه الله

: المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ، ولين الكلمة ، وترك الإغلاظ لهم في القول ، وذلك من أقوى أسباب الألفة . "

فتح الباري " ( 10 / 528 )

وقد أنشأ البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان : ( باب المداراة مع الناس ) وقال فيه :

" ويُذكَرُ عن أبي الدرداء : إِنَّا لنُكَشِّرُ في وجوهِ أقوامٍ وإنَّ قُلوبَنا لَتَلعَنُهُم "
.
ومعنى " لنكشر " : من الكشر ، وهو ظهور الأسنان ، وأكثر ما يكون عند الضحك ، وهو المراد هنا .

وأسند في هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها :

( أَنَّهُ استَأذَنَ عَلَى النّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ : ائذَنُوا لَهُ فَبِئسَ ابنُ العَشِيرَةِ أَو بِئسَ أَخُو العَشِيرَةِ . فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الكَلَامَ .

فَقُلتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قُلتَ مَا قُلتَ ثُمَّ أَلَنتَ لَهُ فِي القَولِ ؟

فَقَالَ : أَيْ عَائِشَةُ ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنزِلَةً عِندَ اللَّهِ مَن تَرَكَهُ أَو وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحشِهِ)

قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :

وقول أبي الدرداء هذا ليس فيه موافقة على محرَّم ، ولا في كلام

, وإنما فيه طلاقة الوجه خاصة للمصلحة وهو معنى ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها : يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ .

قَالَ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ : " فيه مداراة من يتقى فحشه ، ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في وجهه ، ولا في قفاه ، إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام " .

وقد ذكر ابن عبد البر كلام أبي الدرداء في فضل حسن الخلق .

" الآداب الشرعية " ( 1 / 50 ) .

وقد كتب أهل العلم فصولا في " المداراة " حتى أفرد ابن أبي الدنيا جزءً بعنوان " مداراة الناس " ، وكان مما أسنده فيه في ( ص / 48 و 50 ) :

عن حميد بن هلال قال : أدركتُ الناس يَعُدُّون المداراة صدقة تُخرج فيما بينهم .

وعن الحسن قال : التودد إلى الناس نصف العقل " . انتهى .

وقال حنبل إنه سمع أبا عبد الله – أي : أحمد بن حنبل - يقول :

والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق ، وأمر بمعروف بلا غلظة ، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه .

" الآداب الشرعية " ( 1 / 191 ) .

وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله - :

في بعض الظروف تقتضي المجاملة بأن لا نقول الحقيقة ، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب ؟

فأجاب :

هذا فيه تفصيل : فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل : لم تجز هذه المجاملة

أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل ، إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ، ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ، ولا إسقاط حق لأحد : فلا أعلم حرجاً في ذلك .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 280 ) .

ثالثاً :

ومن المهم أيضا التفريق بين المداراة المحمودة ، وبين المداهنة المذمومة ، فقد يخلط الناس بينهما في حمأة اختلاط المفاهيم والأخلاق في هذه الأزمان .

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - :

وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها ، والمداهنةَ محرَّمة ، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه

وفسرها العلماء بأنها : معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه

والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله ، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك .

" فتح الباري " ( 10 / 528 ) .

رابعاً :

كثير من الأصحاب والأصدقاء – ويكثر ذلك في معشر النساء - يخطؤون في فهم الوجه الصحيح لصحبتهم ، فينحون نحو المغالاة الظاهرة التي تدفعهم إلى التعلق الشديد

في حين يكون الطرف المقابل لا يرى كل تلك المعاني المبالغة ، بل يقصد صحبة طيبة متزنة اقتضاها الحال والمقام ، وحينئذ يصدم من كان يُعَلِّقُ على تلك الصحبة آمالا لا تكاد تحملها الجبال

فنحن بحاجة إلى ترشيد المودة التي قد تأسر قلوبنا تجاه أناس نحبهم ، كي لا نُفاجأ يوما ، فنظن قصورا من المعاني هدمت ، وهي لم تكن مبنيةً يوما .

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا يكن حُبُّكَ كَلَفًا ولا بغضك تَلَفًا " .

وفي المقابل نحن بحاجة إلى تعميق معاني الأخوة ، الأخوة التي تقتضي الوفاء والصدق والإخلاص ، وترفع التكلف والمجاملة والمداراة . وقديما قالوا : " إِذَا صَحَّتِ المَوَدَّةُ سَقَطَ التَّكَلُّفُ "

جاء في " لسان العرب " ( 11 / 123 ) :

" وجامَل الرجلَ مُجامَلةً : لم يُصْفِهِ الإِخاءَ ، وماسَحَه بالجَمِيل " انتهى .

ولا شك أن مثل هذه المجاملة مذمومة ، إذ ليس لها محل في سياق الأخوة والصحبة الصالحة

وإن وقعت المجاملة أحيانا بين الأصحاب فإنما تكون بحسب المقام فقط ، درءا لفتنة أو حفظا لمودة ، أما أن تكون المجاملة شعار تلك الصداقة ، فذلك تشويه لجميع معاني الأخوة الصادقة.

قال علي رضي الله عنه : شر الأصدقاء من تكلف لك ، ومن أحوجك إلى مداراة ، وألجأك إلى اعتذار .

وقيل لبعضهم : من نصحب ؟ قال : من يرفع عنك ثقل التكلف ، وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ .

وكان جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما يقول : أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه .

" إحياء علوم الدين " ( 2 / 181 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-09, 05:20
المرأة التي لا تغار على بناتها وتقرهم على العلاقات مع الشباب هل تكون ديوثة؟

السؤال

هل هناك سيدة ديوثة ؟

مثلا إذا علمت أم أن بناتها يتحدثون مع أشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي ، وهي غير راضية ، ولكن لا تحاول أن تمنعهم ، فهل تعد بذلك ديوثة ؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

في تعريف الدياثة قالت "الموسوعة الفقهية" (21/ 96):

"الدياثة لغة : الالتواء في اللسان ، ولعله من التذليل والتليين ، وهي مأخوذة من داث الشيء ديثا

من باب باع : لان وسهل ، ويعدّى بالتثقيل فيقال: ديث غيره . ومنه اشتقاق الديوث ، وهو الرجل الذي لا غيرة له على أهله ، والدياثة بالكسر : فعله.

وفي اصطلاح الفقهاء : عرفت الدياثة بألفاظ متقاربة يجمعها معنى واحد لا تخرج عن المعنى اللغوي ، وهو عدم الغيرة على الأهل والمحارم " انتهى .

وجاء في السنة تعريف الديوث بأنه الذي يقر الخبث في أهله ، وبأنه الذي لا يبالي بمن يدخل على أهله.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

( ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْعَاقُّ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ) رواه أحمد (5372) من حديث ابن عمر ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"، وصححه محققو المسند.

وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَبَدًا

: الدَّيُّوثُ وَالرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ) ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا مُدْمِنُ الْخَمْرِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ ، فَمَا الدَّيُّوثُ ؟

قَالَ : ( الَّذِي لَا يُبَالِي مَنْ دَخُلُ عَلَى أَهْلِهِ ) ، قُلْنَا : فَمَا الرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ ؟ قَالَ : ( الَّتِي تَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ) .

قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني ورواته لا أعلم فيهم مجروحا وشواهده كثيرة. وقال الألباني: صحيح لغيره.

انتهى من "صحيح الترغيب والترهيب" (2/299).

فمن أهل العلم من قصر الديوث على من يقر الزنا في أهله .

ومنهم من جعله أعم من ذلك ، فكل من لا يغار على أهله ويقر فيهم المنكرات كالتبرج والاختلاط فهو ديوث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والديوث: الذي لا غيرة له "
.
انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/ 141).

وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: " قال العلماء : الديوث الذي لا غيرة له على أهل بيته" .

انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 347).

وقال الملا على القاري رحمه الله : " (والديوث) بتشديد التحتية المضمومة (الذي يقر) بضم أوله أي يثبت بسكوته (على أهله) أي من امرأته أو جاريته أو قرابته (الخبث) أي الزنا

أو مقدماته . وفي معناه سائر المعاصي ، كشرب الخمر وترك غسل الجنابة ونحوهما، قال الطيبي: أي الذي يرى فيهن ما يسوءه ، ولا يغار عليهن ولا يمنعهن ، فيقر في أهله الخبث" .

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (6/ 2390).

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/ 197):

"هل يطلق اسم (الديوث) على من يترك بناته بغير لباس إسلامي؟

فقد سمعنا من أحد الإخوان، أن الديوث ليس فقط الذي يرى امرأته أو أخته أو زوجته تزني، وفسر هذا الأخ الحديث الذي ذكر فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- المنكر وهو: الديوث الذي يرى المنكر في أهله ويسكت، بإظهار

المحاسن، وليس بمن رأى الزنى في أهله. إذا من هو الديوث؟ هل الذي يرى الزنا في أهله؟ وما هو المنكر الذي ذكر في الحديث النبوي الشريف؟

الجواب: روى أحمد عن ابن عمر -رضي الله- عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة قد حرم الله -تبارك وتعالى- عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق

والديوث الذي يقر في أهله الخبث قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): فيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات، وروى الطبراني عن عمار بن يسار -رضي الله عنه-

أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا: الديوث، والرَّجُلة من النساء، والمدمن الخمر، قالوا: يا رسول الله: أما المدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟

قال: الذي لا يبالي من دخل على أهله "، قلنا: فما الرجلة؟

قال: "التي تتشبه بالرجال قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): (فيه مساتير، وليس فيهم من قيل إنه ضعيف). وروى البزار والطبراني عن مالك بن أحيمر -رضي الله عنه-

قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يقبل الله من الصقور يوم القيامة صرفا ولا عدلا، قلنا: يا رسول الله: وما الصقور؟

قال: الذي يُدخل على أهله الرجال قال الهيثمي: فيه أبو رزين الباهلي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

وعلى هذا فمن نظر إلى ما جاء في الرواية الأولى أطلق كلمة (الديوث) على كل من أقر الخبث في كل من له ولاية عليه؛ من زوجته وبنته وأخته ونحو ذلك، سواء كان الخبث زنا

أو وسائل إلى الزنا، من كشف عورة أمام أجنبي وخلوة به ، وتطيب عند الخروج ونحو ذلك مما يثير الفتنة، ويغري بالفاحشة

ورأى أن الأحاديث الخاصة الواردة في هذا داخلة في عموم الحديث الأول، لكن هذه الأحاديث فيها من المطاعن ما تقدم بيانه، مع العلم بأن سكوت الإنسان عن المنكر محرم، سواء كان في أهله أم في غيرهم

إلا أن سكوته عن إنكاره فيمن ولاه الله أمرهم أشد نكرا، وأعظم إثما؛ لكونه ولي أمرهم الخاص، سواء سمي ذلك السكوت دياثة

أم لم يسم بذلك، فهو منكر على كل حال؛ للآيات والأحاديث العامة الدالة على ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .

الشيخ عبد الله بن قعود ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" نحن نعلم بأن (الديوث هو: الذي يقر الفاحشة في أهله) -أعاذنا الله من ذلك- فهل تطلق كلمة ديوث على صاحب الدش، لأنه مقر بدخول الدش إلى بيته، ومعرفته أن أهله يشاهدون المحرمات؟

فأجاب: لا. ليس بديوث؛ لأن الفاحشة الزنا والعياذ بالله بأن يعلم بأن امرأته تزني فيقر الفاحشة"

انتهى من " الفتاوى الثلاثية "( ص15) .

وقال رحمه الله : "ما جاء ضمن السؤال: هل وجود الدش يعتبر من الدياثة؟ نقول: هذا ليس من الدياثة؛ لأن الديوث هو الذي يقر الفاحشة في أهله

وهذا الذي عنده الدش لو رأى رجلاً يحوم حول بيته ، فضلاً عن أن يفعل الفاحشة في أهله لقاتله، فلا يمكن أن نقول: إن هذه دياثة، لكن نقول: إنه سببٌ للشر والفساد"

انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (48/ 2).

والذي يظهر والله أعلم أن الدياثة دركات ، فأعلاها إقرار الزنا في أهله ، ومنها إقرار غير الزنا مما يدخل في عدم الغيرة ، كإقرار الاختلاط ، ودخول الرجال على أهله.

والدياثة من كبائر الذنوب، لما روى النسائي (2562) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قَالَ

: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي "
.
قال ابن حجر الهيتمي:

" الكبيرة الثانية والثمانون والثالثة والثمانون بعد المائتين : الدياثة والقيادة بين الرجال والنساء"

انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 346).

ثانيا:

لم نقف على من وصف المرأة بالدياثة ، سواء أقرت زوجها أو بناتها على الزنا، أو على ما يدل على ضعف غيرتها.
لكن يلزم من رأى المنكر أن ينكره بيده أو بلسانه أو بقلبه

رجلا كان أو امرأة ، بحسب القدرة، وإلا كان آثما.

وفي صحيح مسلم (1829) : عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

( أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ

وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ،أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) .

وحديث الفتيات مع الرجال عبر مواقع التواصل لا يخلو – في الغالب – من محرمات

فقد يكون حديثا منكرا فيه خضوع بالقول ، أو إغراء بالحرام، أو حديثا عن الحب والعشق، فيجب إنكار المنكر من ذلك ، ويحرم السكوت عليه من أم وغيرها، سواء وصف الساكت بأنه ديوث أو لا.

والله أعلم.


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-10, 05:43
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


سرقت من والديها وتخشى الموت قبل رد المال

السؤال

أرجو الرد لأنني متعبة جدا من التفكير ، عندما كنت في سن السادسة عشر من عمري تعرفت على شاب ، وبدأ يهددني بصوري أن ينشرها ، كان يجبرني أن أسرق من والدي ووالدتي مبالغ غير بسيطة

وأعطيه حتى لا ينشر الصور ، كنت في حاله الله أعلم بها ، ولا أعلم إلى الآن كيف خلصني الله تعالى منه ، أنا الآن في الثالثة والعشرين من عمري ، ووالله إني تبت إلى الله

واستغفرته كثيرا ؛ لأنني قمت بفعل هذا العمل المشين ، وذهبت إلى الحج ، وكل يوم استغفر كثيرا ، مع العلم أنني كنت مجبرة على فعل ذلك حتى لا يؤذيني ، لكنني لا أبرر هذا الفعل لنفسي أبدا .

سؤالي : هل توبتي كافية أم يجب أن أسدد المال لأهلي ، مع العلم أنني لا أملك المال حتى أرجع شيء الآن ؟

أريد أن أعرف الحكم ، أرجوكم أخاف أن أموت ، ويكون علي سداد المال ، وحسبي الله ونعم الوكيل في هذا الشاب ، كل يوم أدعي عليه الله ينتقم منه .

الجواب

الحمد لله

أولا:

نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك للتوبة ، ونسأله أن يزيدك ثباتا وإيمانا ويقينا .

وقد قال الله تعالى : ( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .

وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) البقرة/222.

وقال تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ

رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التحريم/8 .

وقال تعالى : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا

* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان/68-71 .

وعن أبي موسَى عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ الأشْعريِّ ـ رضي الله عنه ـ عن النَّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم

قَالَ: ( إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها) رواه مسلم (2759) .

ثانيا :

أما ما ذكرت من تهديد هذا الشاب الباغي لك بنشر صورك ، وإجباره إياك على أن تسرقي من مال والدك ؛ فليس من شك في أن هذا التهديد بنشر الصور : هو إكراه لك على السرقة

بل التهديد بمثل ذلك أعظم من التهديد بالضرب أو الحبس أو نحو ذلك ، بل ربما كان أعظم على الفتاة من التهديد بقتلها ، والله يعفو عنك بمنه وكرمه .

فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
أخرجه ابن ماجه (2045 ) وصححه الألباني في " تخريج المشكاة " (6248) .

وعلى ذلك ؛ فمن سرق مكرها ، فليس عليه إثم ، وليس عليه أن يضمن شيئا مما سرقه مكرها

ولا عليه أن يرده لمن سرقه منه ، بل الإثم في ذلك كله على من أكرهه ، والضمان والمسؤولية المالية في ذلك كله على الشخص الذي أكرهه أيضا ، لا سيما إن كان هو الذي أخذ المال ، وانتفع به ، وليس السارق المكرَه .

قال السيوطي رحمه الله في جملة ما يبيحه الإكراه من التصرفات :

" ... السرقة . قال في المطلب: يظهر أن تلتحق بإتلاف المال ; لأنها دون الإتلاف.

قال في الخادم: وقد صرح جماعة بإباحتها، منهم القاضي حسين ؛ في تعليقه.

قلت: وجزم به الأسنوي في التمهيد "

انتهى من "الأشباه والنظائر" للسيوطي (207) .

وقال الشيخ سيد سابق رحمه الله في شروط إقامة حد السرقة :

" الاختيار: بأن يكون السارق مختارا في سرقته ، فلو أكره على السرقة فلا يعد سارقا، لأن الاكراه يسلبه الاختيار، وسلب الاختيار يسقط التكليف."

انتهى من "فقه السنة" (2/490) .

وينظر : "الفقه الإسلامي وأدلته" وهبة الزحيلي (6/4443) .

*عبدالرحمن*
2019-08-10, 05:48
هل الأقوال والأفعال المباحة تدخل في اللغو المذكور في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )؟

السؤال

أود السؤال عن معنى اللغو في قول الله تعالى : ( والذين هم عن اللغو معرضون ) في سورة المؤمنون ، وكيف يتجنبه المسلم في حياته ؟

إذ قرأت أن معناه الباطل أي كل ما لا يفيد من العمل حسب تعريف الشيخ الألباني رحمه الله وغيره. فهل هو تعريف مطلق يشمل كل الأفعال المباحة غير المفيدة ، على سبيل المثال ؛ مشاهدة برنامج في التلفاز

أو اجتماع في جلسة مع الأصدقاء القدماء في العطلة ، والتحدث في أمور دنيوية ، وربما أجلس مع اخي ساعة في الأسبوع للعب في أمور مباحة والتي لا داخلة في حديث الرسول صلى الله عله وسلم "كل لهو ابن ادم باطل.

.." فهل إذا فعلت مثل هذه الأمور خرجت من دائرة الذين امتدحهم الله تعالى في أول سورة المؤمنون ولم أحظ بهذا الأجر العظيم؟

الجواب

الحمد لله

قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين :

( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) المؤمنون/ 3

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) الفرقان/ 72

وقال عز وجل : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ) القصص/ 55 .

واللغو المذكور في الآيات: هو كل كلام ساقط لا خير فيه ، ولا وجه له ، ويدخل فيه كل قول مستقبح كالكذب والسب

وكل قول ساقط من العبث الذي لا تنشغل به أنفس أصحاب المروءات ، وكل ما كان تركه أولى بالمسلم من قوله والانشغال به.

فكل ما عاد على المسلم بالضرر ، أو عاد عليه بالنقص ، فهو من اللغو الباطل .

وذلك يشمل الأقوال والأفعال على السواء .

قال الطبري رحمه الله :

" اللغو في كلام العرب : كلّ كلام كان مذمومًا ، وسَقَطًا لا معنى له ، مهجورا " .

انتهى من " تفسير الطبري " (4/ 446) .

وقال أيضا :

" هو كل كلام أو فعل باطل ، لا حقيقة له ولا أصل .

أو : ما يستقبح ، فسبّ الإنسان الإنسانَ بالباطل الذي لا حقيقة له : من اللغو " .

انتهى من " تفسير الطبري " (19/ 315) .

وقال البقاعي رحمه الله :

" هو الذي ينبغي أن يطرح ويبطل ، سواء كان من وادي الكذب ، أو العبث الذي لا يجدي "

انتهى من " نظم الدرر " (13/ 432) .

وقال القرطبي رحمه الله:

" هُوَ كُلُّ سَقْطٍ ، مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغِنَاءُ واللهو ، وغير ذلك مما قاربه، ويدخل فِيهِ سَفَهُ الْمُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَذِكْرُ النِّسَاءِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: اللَّغْوُ الْمَعَاصِي كُلُّهَا. وَهَذَا جَامِعٌ "

انتهى من " تفسير القرطبي " (13/ 80) .

وقال النسفي رحمه الله :

" كل كلام ساقط ، حقه أن يلغى ؛ كالكذب والشتم والهزل " .

انظر : " تفسير النسفي " (2/ 459) .

وعلى ما تقدم :

فلا يدخل في معنى اللغو: القول المباح ، والفعل المباح ، الذي أذن فيه الشرع .

فإذا أدى المسلم ما عليه من حقوق شرعية ودنيوية ، ثم أراد أن يروح عن نفسه ببعض المباحات ، كاللعب ، أو مجالسة الأصحاب ، والتحدث إليهم في بعض أمور الدنيا ، وممازحتهم

أو مشاهدة بعض البرامج المفيدة ، ونحو ذلك من أنواع التروح : فلا حرج عليه ، وليس هذا ونحوه من اللغو المذموم أو اللهو الباطل ؛ لما يترتب عليه عادة من المصالح .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ويمازحونه

فروى الترمذي (1990) وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا قَالَ: ( إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا ) وصححه الألباني في " الأدب المفرد " .

وروى أحمد (24334) عن عَائِشَةَ قَالَتْ : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ - يعني يوم أن لعب الحبشة في المسجد : ( لتعلم يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً ؛ إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ )

" وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3219)

وروى مسلم (670) عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، قَالَ : " قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟

قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا ، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ " .

ورواه النسائي (1358) ولفظه : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَيَتَحَدَّثُ أَصْحَابُهُ

يَذْكُرُونَ حَدِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَيُنْشِدُونَ الشِّعْرَ ، وَيَضْحَكُونَ ، وَيَتَبَسَّمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .

وروى البخاري في "الأدب المفرد" (266) عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَبَادَحُونَ بالبَّطِيخ ، فإِذا كَانَت الحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالُ " صححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد " .

يتبادحون: أي: يترامون .

فالترويح عن النفوس بين الحين والحين ، بالممازحة والمحادثة واللعب والمشاهدة المباحة والمسامرة والتنزه ونحو ذلك : لا حرج فيه ، وليس هو من اللغو المذموم

ولا اللهو الباطل ، إلا إذا أدى إلى ترك واجب ، أو فعل محرم ، أو غلب على طبع الإنسان حتى صار من عادته الدائمة ، وحاله اللازمة .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-10, 05:54
شاب عنده بعض المشكلات التي أثرت على حياته ويسأل عن العلاج .

السؤال

أنا شاب في العشرين من عمره ، لدي عدة مشاكل : الأولى: أنني من عائلة صوفية تنطبق عليها معظم نواقض الاسلام العشرة ، وأنا سلفي العقيدة أظهر لهم أني معهم

وعندما بلغت العشرين أوضحت منهجي كأفكار وليس كتطبيق ، فهددت بقطع النفقة والاعتزال ، وأبي متشدد جدا في الصوفية ، ويحبني جدا

وقد يتأذى إن أنا رفضت الرجوع عن أفكاري ، وأخشى بذلك من عقاب الله. فما واجبي تجاه عائلتي وأبي خاصة ؟

مشكلتي الثانية :

أنني قد أخفيت أمر عائلتي عن أصدقائي والناس فأخشى أن أخسرهم ، وفي المقابل أخشى على عائلتي منهم ومن القدح فيهم ، وكنت أكذب لأخفي ذلك الأمر

حتى أصبح الكذب عادة لي يعرفني بها جميع أصحابي وذلك يسوؤني جدا ، وحاولت التخلص منها ولكن بلا فائدة ، واقترفت ذنوبا كثيرة وتبت منها لكن آفة الكذب لم أقدر عليها

فأنا أمازح الناس كثيرا من عرفت ومن لم أعرف ، حتى أفقدني هيبتي أمام الجميع ، فأصبح لا يؤبه لي

فكون ذلك صورة عند أصحابي أنني طيب ، ساذج ، كذاب ، هذلي ، ولا أحد يرغب أن يتخذني صديقا ، وإن كانوا يحبونني ، فأدركت بذلك أنني شخصية تافهة ؛ فماذا أفعل لعلاج ذلك ؟

مشكلتي الثالثة :

أنني أحفظ القران ، ومتعني الله بقدرات عالية أحس أنها بدأت تندثر ، أحب أهل الدين ؛ درجاتي في المدرسة لا تفارق التفوق ، وأنا الآن أدرس في كلية الطب

وأهم بتركها لجميع الأمور السابقة وأتوجه إلى دراسة الشريعة فقد متعني الله بفهم جميل لها

والآن أصبح ليس لدي ثقة بنفسي ، قلبي مشغول دائما بانتقادات أصدقائي لي ، وجرحهم ، لا أستطيع التركيز في الصلاة ولا في الدراسة ، فأرجو منكم المساعدة .

الجواب

الحمد لله

أولا :

الواجب عليك تجاه أهلك أن تجمع بين برهم ونصحهم ، فإن بر الوالدين واجب على الأبناء ، مطلقا ، أيا كان حال الوالدين ، وإن كان مشركين

بل وإن أمرا ولدهما بالشرك بالله ، فقد حرم الله طاعتهما في ذلك ، ولم يسقط عن الابن حقهما في بره

قال الله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت/8 .

وقوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ *

وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/14-15

ثانيا :

وأما عن خصلة الكذب ، وهي شر ما وقعت فيه ، وشر ما يتصف به العبد من خلق ذميم ، عافا الله وإياك ، بمنه وكرمه ؛ فالواجب عليك أن تقلع عنها تماما

فالكذب لا يصلح من المسلم في شيء ، لا في جد ولا هزل ، بل الواجب عليه أن ينتهي عنه كله ، ويلزم نفسه الصدق في أمره كله

قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) التورة/119

ومما يعينك على التوبة من هذه الكبيرة ، والتخلص من تلك الخصلة الذميمة أمور :

أولها : الاستعانة بالله جل في علاه ، فقد ورد في الحديث: (وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ) متفق عليه.

وقال تعالى : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) سورة الفاتحة/5-7 .

فالتعبد لله بالصدق ، ومثله سائر شعب الإيمان ، وطرائق المهتدين

لا يسلم للعبد إلا بالاستعانة به سبحانه ؛ فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا بالله ؛ أي : أننا لا نتحول من حال إلى حال ، ولا نقوى على فعل من الأفعال إلا بالله الكبير المتعال !

2- التعبد لله سبحانه باسمه [ السميع ] ، ذلك الاسم الرفيع الجليل من أسمائه تعالى الحسنى

قال جل وعلا معاتبا عباده في استفهام إنكاري بديع : ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) الزخرف/80 .

فالله سبحانه يسمع السر والنجوى ، ويسمع الجهر والعلانية ، ورسله من الملائكة تكتب ما نتلفظ به في الحالين

قال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/16-18 .

3- التأمل في عاقبة الصدق ، وأنه في ذاته يهدي إلى الخير كله ، فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا ، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

رواه البخاري (6094) ، ومسلم (2607).

قال الإمام النووي في " شرح مسلم " ( 16/160 ) :

"قال العلماء: معناه : أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم ، والبر اسم جامع للخير كله ، وقيل : البر الجنة ، ويجوز أن يتناول العمل الصالح والجنة .

وأما الكذب : فيوصل إلى الفجور ، وهو الميل عن الاستقامة ، وقيل : الانبعاث في المعاصي" انتهى .

ثم قال رحمه الله :

"قال العلماء : هذا فيه حث على تحري الصدق ، وهو قصده والاعتناء به ، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه ؛ فإنه إذا تساهل فيه : كثر منه ، فعرف به .

وكتبه الله لمبالغته [ يعني :في الصدق ] : صديقا ، إن اعتاده . أو كذابا ، إن اعتاده [ أي اعتاد الكذب] " انتهى .

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ ) رواه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " (9 / 127) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة "(342) .

فلا تلتمس – يا عبد الله - رضى الناس في سخط رب الناس !

تصالح مع نفسك ، ولا يكن همك رضاهم عنك ، وعن أهلك ، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا

فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ) رواه ابن حبان (276)، وصححه الألباني في " الصحيحة " (2311) .

ثالثا :

يا عبد الله ، أنعم الله عليك ووفقك للاجتهاد في حفظ القرآن ، ومحبة أهل العلم والدين ، وهذا في ذاته دافع عظيم للتأدب بآداب أهل القرآن ، الذين هم أهل الله وخاصته .

ومن هذه الآداب أن تكون من أهل السكينة والوقار ، والعمل بطاعة العزيز الغفار ، وهذا لا يتعارض مع المزاح والتبسم وملاطفة أقرانك ، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس تبسما

فعن عبد الله بن الحارث قال : "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . رواه الترمذي (3641) ، وصححه الألباني .

وأما المزاح المنهي عنه فقال فيه الإمام النووي رحمه الله :

"قال العلماءُ: المزاحُ المنهيُّ عنهُ، هُو الذي فيه إفراطٌ ، ويُداوم عليه ، فإنه يُورث الضحك وقسوةَ القلب ، ويُشغل عن ذكر الله تعالى والفكر في مهمات الدين

ويؤولُ في كثيرٍ من الأوقات إلى الإِيذاء ، ويُورثُ الأحقاد ، ويُسقطُ المهابةَ والوقارَ، فأما ما سَلِمَ من هذه الأمور، فهو المباحُ الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهُ

فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعلهُ في نادرٍ من الأحوالِ لمصلحةٍ ، وتطييب نفس المخاطب ومؤانستهِ ، وهذا لا منعَ منهُ قطعاً، بل هو سنةٌ مستحبةٌ إذا كان بهذهِ الصفةِ

فاعتمدْ ما نقلناهُ عن العلماء وحققناهُ في هذه الأحاديث وبيان أحكامها، فإنه مما يعظمُ الاحتياجُ إليه ؛ وبالله التوفيق."

انتهى من "الأذكار" (521) .

رابعا :

دراسة الطب فرض من الفروض الكفائية على عموم المسلمين ، إذا قام بها بعضهم سقط عن الباقين ، وهو ـ كذلك ـ باب عظيم من أبواب الدعوة ، وسبب كبير من أسباب قبول الناس لما تحمله من العلم الشرعي

وذلك لأنه جرت عادة الناس بأن يربطوا ذهنيا ونفسيا ، بين التفوق في طب الأبدان والتفوق في طب الأديان ، فكونك طبيبا يمثل لهم في ذاته قدرا من المصداقية في دعوتك وكلامك ، وهذا مشاهد معروف لا يخفى .

ثم إن من أخطر ما يكون على العبد في سيره ، في مصلحة دينه ودنياه ، أن يشرع في أمر مشروع ، أو مباح ، وهو من الأمور الحسنة المحتاج إليها ، ثم هو يقطع شوطه قبل نهايته ، وينصرف إلى غيره .

وبناء عليه : فننصحك أخانا الكريم بالجمع بين طب الأبدان ، وطب الأديان في دراستك ، ولا تلتفت لفكرة التخلي عن دراسة الطب للتفرغ للعلوم الشرعية ، واضرب في كل غنيمة بسهم .

وحذار حذار من ترك ما أنت فيه ، لأجل فكرة عرضت لك ، أو بارق لاح لنظرك ؛ فكم من شباب فعلوا مثل هذا ، فتركوا دراستهم الدنيوية - بالرغم من تفوقهم فيها ، أو تأهلهم لها – على أمل أن يتفرغوا للدراسات الدينية

فاضطرب دينهم وحالهم ، واضطربت دنياهم ، ولم يحصلوا شيئا في مآل أمرهم ، واكتشفوا في نهاية سعيهم : أن هذا لم يكن إلا بمثابة الهروب من واقعهم ، ومصاعب الطريق التي يسلكونها .

وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى وثبتنا وإياك على الكتاب والسنة وسبيل المؤمنين من سلف الأمة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-10, 06:00
متابعة تلفزيون الواقع على القنوات المحافظة

السؤال

هل يجوز للفتيات مشاهدة البرامج الواقعية التي تبثها القنوات المحافظة ، وإذا جائز ، هل هناك ضوابط لمشاهدة تلك البرامج ، مع العلم أن مدة بث هذه النوعية من البرامج تتجاوز العشر ساعات ، وتكون متواصلة ؟

الجواب

الحمد لله

برامج الواقع كلمة إعلامية مجملة ، يدخل تحتها العديد من أنواع البرامج الفضائية التي تعرض على الناس اليوم ، وتعرف تعريفا مجملا بأنها البرامج التي "يتم فيها جمع أفراد من عامة الناس في مكان محدد

وبيئة محددة ، وتسجيل حياتهم وردود أفعالهم الطبيعية ، مع عدم وجود نص مكتوب أو مشهدية (سيناريو) ، وعرضه عرضا مباشرا للمشاهدين " .

فإذا كان البرنامج الواقعي من جنس البرامج الفضائية النافعة ، التي تشتمل على المسابقات العلمية والشرعية ، ومنافسات حفظ القرآن الكريم ، ومسامرات العلماء بالفكر والعلم والذكريات النافعة

أو البرامج التدريبية القيادية للأطفال والناشئة ، وهي كلها تسمى " واقعية " عند كثير من الإعلاميين - فهذه لا بأس بمشاهدتها ومتابعتها ، بل لا حرج في الحرص عليها ، والانتفاع بما يرد فيها من حكمة وخبرة ومعرفة وتجربة .

أما إذا كانت برامج الواقع من جنس البرامج التي تبث لغو المجالس بتمامها ، وما يكون فيها من أحداث وأحاديث كيفما اتفق ، فتنقل كما هي ، من غير تحرير ولا عناية بالنافع منها ، ولا ترتيب لإفادة المشاهد

وإنما لتشغل المشاهد بما ينشغل به هؤلاء الذين يسلط البث الفضائي عليهم ، على أي حال كانوا عليه - فنحن نربأ بالمسلم أو المسلمة أن يتابع هذه البرامج تلك الساعات الطوال

ليضيع عمره ووقته – لا نقول في مباحات نفسه وعياله -، بل في لغو غيره ، بعجره وبجره

والله عز وجل يقول : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )المؤمنون/ 1 – 3 .

يقول الإمام الحليمي رحمه الله :

" اللغو : الباطل الذي لا يتصل بفعل صحيح ، ولا يكون لقائله فيه فائدة ، وربما كان وبالًا عليه ...

فكل ما كان لغوًا : فينبغي أن لا يُشتغل به ...

ويعرض عنه ، فلا يكلم المُلاهي ، ولا يشارك في حديثه ، ولا يجلس عنده فيصغي إليه ، وإن دعت الضرورة إلى الجلوس عنده ، سكت عنه ، ولم يتلق حديثه منه ...

وإن أمكن وعظه وردعه عما هو عليه ، وصرفه إلى ما هو أولى وألزم ، فعل ...

هذا كله وراء الآيات التي كتبناها ، والسنة التي رويناها لوجهين :

أحدهما : إنَّ ترك الإعراض عن اللغو إنما يكون بالإقبال عليه ، والكلام نحو الكلام ، والسمع مستنطق اللسان

فلا يؤمن أن يكون من المقبل على اللاغي ، والمخالط له ، مشاركة له ، ومجاراة إياه ، وفي الإعراض أمان منه . فلذلك كان أولى .

والوجه الآخر : إن مجالسة اللاغي والإصغاء إليه تضييع للزمان ، فاغتنامه بإنفاذه في الحق والجد أولى من تضييعه وشغله بما لا فائدة منه " .

انتهى باختصار من " المنهاج في شعب الإيمان " (3/ 401-402) .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" إذا كان الله تعالى قد مدح وأثنى على من أعرض عن اللغو ، ومر به كريما لم يستمعه ، كيف يكون استماع كل قول ممدوحا ؟!"

انتهى من " الاستقامة " (1/ 218) .

وإذا كانت برامج الواقع في القنوات المحافظة ، خالية من المحرمات ؛ من علاقات محرمة أو معازف أو كشف للعورات - وهو الأمر المفترض فيما يعرض في هذه القنوات

فذلك لا يعني فتح الباب للاسترسال في مثل هذا النوع من البرامج ، فالمباح شيء ، وما نُخلص به نصيحتنا لمن يسألنا شيء آخر .

ويتأكد الإعراض عما لا منفعة فيه ، في دين أو دنيا ، في زماننا هذا الذي عظمت فيه مسؤوليات المسلمين جميعا ، وألحت عليهم واجباتهم

ولاحقتهم ضرورات الهموم الإصلاحية والدعوية ، التي نحن أحوج ما نكون إليها اليوم ، في ظل هذا التسارع الهائل في التغيرات العالمية

الأمر الذي يقتضي تضحيات عملية من المسلمين ، بالحكمة والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والفكر المتقدم وبناء النفس والجيل ، وهي هموم كبار تنقطع دون تحقيقها الأعمار لو شغلت بتمامها .

ولهذا فلا ينبغي للمسلم أن يتَقَحَّم أبواب المباح على حساب واجباته وغاياته السامية في أيامه ولياليه ، والإنسان الحقيقي هو الذي يضن بالدقيقة أن يفرط في قضائها بعيدا عن مسيرة خطته لحياته

فكيف بقضاء الساعات الطوال في متابعة ما لا يعنيه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ) رواه الترمذي في " السنن " (رقم/2317)، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".

يقول ابن رجب رحمه الله :

" إذا حسُن الإسلام ، اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات ، وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه ، وبلغ إلى درجة الإحسان ..

. فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه ، أو على استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه ، فقد حسن إسلامه ، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام ، ويشتغل بما يعنيه فيه

فإنه يتولد من هذين المقامين الاستحياء من الله ، وترك كل ما يستحيا منه

كما وصى صلى الله عليه وسلم رجلا أن يستحيي من الله كما يستحيي من رجل من صالحي عشيرته لا يفارقه ، وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام " .

انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/289-290) .

ورغم أن الإعلام اعتاد على تسمية هذه البرامج بأنها " واقعية "، إلا أننا نعتقد أن التسمية الصحيحة لهذه البرامج هي : برامج " الخيال "، أو " الافتراض "

وذلك أن الأثر الذي تحدثه في قلوب المتابعين هو نفس الأثر الذي تحدثه برامج الخيال فعلا ، وهو تعليق الناس بأوهام لا حقيقة لها إلا ضمن إطار شاشة التلفاز هذه .

فالبيئة الواقعية ـ بزعمهم ـ التي يحياها أفراد البرنامج : هي بيئة مصطنعة ، وبيئة مستحدثة لهذا الغرض ، ليست من صميم حياة الناس في مجتمعاتهم الطبيعية ، ولا من جنس ما يألفون ويحيون.

وعلى فرض انطلاق البرنامج فعلا من واقع الناس وحياتهم ، فإن عرض حياة الأفراد الطبيعيين على الملأ ، يكسبها نجومية وسحرا لا حقيقة لهما ، فالناس لا يحفلون بحياة بعضهم للوقوف على جميع تفاصيلها

ولا ينشغل بمتابعة أدق تفاصيل حياة الناس وواقعهم إلا الحسود أو الغيران أو الفضولي

أو نحو هؤلاء من مرضى النفوس والقلوب ؛ فكيف بنا أن ننقل ذلك كله ، ونغذي أمراض القلوب التي تسري في النفس فتسقمها ، وتزيدها سقما مثل هذه البرامج التي تسمى " واقعية ".

وإذا اجتمع إلى هذه المفاسد كون المتابعة من قبل الفتاة المسلمة ، أو المرأة المسلمة ، فقد زادت هنا شرور التعلق المحرم

وخطر إطلاق البصر الذي أمرت المرأة بغضه ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِن )النور/ 31

إلا أن تكون ثمة حاجة أو فائدة ؛ والواقع أنه لا حاجة في النوع الثاني من برامج " الواقع " هذه .

ومحاذير اعتياد الكسل والقعود عن الإنجاز والعمل ، كل ذلك كاف لتوضيح نظرتنا إلى هذه البرامج ، ونصيحتنا التي نخلصها للسائلين عنها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-10, 06:04
لماذا خُص النساء بكثرة اللعن ، مع أنه الآن يجود من الرجال بكثرة؟

السؤال

في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن النساء أنهن : ( يكثرن اللعن ) ، والآن أصبح الشباب والرجال يلعنون بكثرة ، فما معنى هذا نرجوا التوضيح ؟

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (1462) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال : ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ، تَصَدَّقْنَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ )

فَقُلْنَ : وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ ) .

وتخصيص النساء بأنهن يكثرن اللعن ، لا يلزم منه أنه لا يصدر من بعض الرجال بكثرة ، لكن المراد : أنه في جنس النساء أكثر منه في جنس الرجال ، حتى صار اللعن وكأنه عادة للنساء

، كما سيأتي في كلام القاري رحمه الله .

ثم إن لفظ ( اللعن ) الوارد في الحديث ، غير مقتصر على اللفظ المعروف ، بل هو أعم من ذلك ، فيشمل : السب والشتم والدعاء والكلام القبيح .

جاء في " لسان العرب " (13/387) :

" واللَّعْنُ : الإِبْعادُ والطَّرْد مِنَ الْخَيْرِ ، وَقِيلَ : الطَّرْد والإِبعادُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنَ الخَلْق : السَّبُّ والدُّعاء " انتهى .

وينظر أيضاً " النهاية في غريب الحديث والأثر " لابن الأثير رحمه الله (4/255) .

جاء في : " مرقاة المفاتيح " لملا القاري (1/93) :

" ( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ) أَصْلُهُ إِبْعَادُ اللَّهِ تَعَالَى الْعَبْدَ مِنْ رَحْمَتِهِ بِسَخَطِهِ ، وَمِنَ الْإِنْسَانِ الدُّعَاءُ بِالسخط وَالْإِبْعَادِ ، عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ .... .

وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّتْمِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ ، يَعْنِي : عَادَتُكُنَّ إِكْثَارُ اللَّعْنِ وَالشَّتْمِ وَالْإِيذَاءِ بِاللِّسَانِ " انتهى .

واللعن بهذا الاعتبار العام ، لا شك أنه في النساء أكثر منه في الرجال .

على أن بعض العلماء لم يحمل الحديث على العموم في كل زمان ومكان ، وإنما حمله على نساء العرب حينما قال لهن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث .

قال القرطبي رحمه الله :

"(تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وتَكْفُرْنَ العشيرَ) ، أي : يدور اللعنُ على ألسنتهنَّ كثيرًا لمن لا يجوزُ لعنه

وكأنَّ هذا كان عادةً جاريةً في نساء العرب ، كما قد غَلَبَتْ بعد ذلك على النساءِ والرجال ، حتَّى إنَّهم إذا استحسنوا شيئًا ربَّما لعنوه ، فيقولون : "ما أشعرَهُ! لَعَنَهُ الله!!"

انتهى من "المفهم" .

وهذا الحديث من أحاديث الوعيد على فعل معين ، فكل من فعل هذا الفعل فهو مستحق لهذا الوعيد .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-16, 15:19
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


الموقف من العصاة المجاهرين بالمعصية .

السؤال

الناس إذا رأت عاصيا ومرتكبا لذنب ومجاهرا به ، بعضهم يحتقره هو ومعصيته ، وبعضهم يكره المعصية وينكرها ، من غير احتقار لصاحبها

كأن يقول : ربما يكون عند الله أفضل منا ، لكنه ارتكب هذه المعصية ، وهكذا ، فما الصحيح ؟

الجواب

الحمد لله

المسلم يكره المعصية ، ويكره من العاصي فِعْلَها ، وإذا رآه على معصية أنكرها ، ونصحه ، وذكّره بالله ، وخوفه العقوبة العاجلة والآجلة ، ودعا له ، واستعاذ بالله من الوقوع فيما وقع

ولا يكون عونا للشيطان على أخيه المسلم .

روى البخاري (6777) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :

" أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ ، قَالَ: ( اضْرِبُوهُ )

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِ هِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ ، قَالَ: ( لاَ تَقُولُوا هَكَذَا، لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ ) .

ورواه أحمد (7985) ولفظه : (لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ، وَلَكِنْ قُولُوا: رَحِمَكَ اللهُ).

وإسناده صحيح على شرط الشيخين .

وعند أبي داود (4478) ، والبيهقي (17495) - واللفظ له - :

" أُتِيَ بِشَارِبٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَضْرِبُوهُ ، فَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ ، وَمِنْهُمْ بِيَدِهِ ، وَمِنْهُمْ بِثَوْبِهِ ، ثُمَّ قَالَ: ( ارْجِعُوا )

ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَبَكَّتُوهُ (واجهوه بقبيح فعله) ، فَقَالُوا: أَلَا تَسْتَحِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْنَعُ هَذَا ؟

ثُمَّ أَرْسَلَهُ،, فَلَمَّا أَدْبَرَ وَقَعَ الْقَوْمُ يَدْعُونَ عَلَيْهِ وَيَسُبُّونَهُ ، يَقُولُ الْقَائِلُ: اللهُمَّ أَخْزِهِ ، اللهُمَّ الْعَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَقُولُوا هَكَذَا، ولَكِنْ قُولُوا: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ , اللهُمَّ ارْحَمْهُ ) .

وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" (لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ) وَجْهُ عَوْنِهِمُ الشَّيْطَانَ بِذَلِكَ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ بِتَزْيِينِهِ لَهُ الْمَعْصِيَةَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْخِزْيُ ، فَإِذَا دَعَوْا عَلَيْهِ بِالْخِزْيِ ، فَكَأَنَّهُمْ قَدْ حَصَّلُوا مَقْصُودَ الشَّيْطَانِ"

. انتهى من " فتح الباري " (12/ 67) .

وقال القاري رحمه الله :

" قَالَ الْقَاضِي: فَإِنَّهُ إِذَا أَخْزَاهُ الرَّحْمَنُ ، غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، أَوْ لِأَنَّهُ إِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَيِسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَانْهَمَكَ فِي الْمَعَاصِي ، أَوْ حَمَلَهُ اللِّجَاجُ وَالْغَضَبُ عَلَى الْإِصْرَارِ، فَيَصِيرُ الدُّعَاءُ وَصْلَةً وَمَعُونَةً فِي إِغْوَائِهِ وَتَسْوِيلِهِ "

انتهى من " مرقاة المفاتيح " (6/ 2374) .

وروى أبو داود في "الزهد" (232) عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، أَنَّهُ قَالَ: " مُرَّ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ بِرَجُلٍ يُقَادُ فِي حَدٍّ أَصَابَهُ قَالَ: فَنَالَ الْقَوْمُ مِنْهُ ، فَقَالَ: لَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ ، وَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي عَافَاكُم

قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ رَأَيْتُمُوهُ فِي قَلِيبٍ أَكُنْتُمْ مُسْتَخْرِجِيهِ ؟ ، قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ، وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الَّذِي عَافَاكُمْ ، فَقِيلَ: لَهُ أَتُبْغِضُهُ؟ فَقَالَ: " إِنِّي لَا أُبْغِضُهُ، وَلَكِنْ أُبْغِضُ عَمَلَهُ ، فَإِذَا تَرَكَهُ كَانَ أَخِي " .

والحاصل :

أن المسلم مع أخيه المسلم على النصيحة وحب الخير له ، وإن وقع في المعصية ، فلا يعين الشيطان عليه ، ولا يدعو عليه ، ولا يحتقره

ولكن ينصحه ، وينكر عليه ، ويبغض فعله ، ويسأل الله العافية ، ويدعو لصاحبه بالستر والتوبة والمغفرة .

إلا إذا كان هذا العاصي مجاهرا بمعصيته ، معلنا لها ، فهذا مذموم منبوذ

يبغض في الله بقدر معصيته ، وتتخذ كل السبل المتاحة لرده عن غيه ، وكفاية الناس شره ، ولو بهجره ؛ لأنه يستطيل بالمعصية ، ويفاخر بها ، ولا يسلم الناس منه .

عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً

ثم يصبح وقد ستره الله عليه ، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه ).

رواه البخاري ( 5721 ) ، ومسلم ( 2990 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" إذَا أَظْهَرَ الرَّجُلُ الْمُنْكَرَاتِ : وَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ عَلَانِيَةً ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ غِيْبَةٌ ، وَوَجَبَ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَانِيَةً بِمَا يَرْدعُهُ عَنْ ذَلِكَ ، مِنْ هَجْرٍ وَغَيْرِهِ ؛ فَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ إذَا كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ

مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ. وَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ أَنْ يَهْجُرُوهُ مَيِّتًا [أي : بترك تشييع جنازته] ، كَمَا هَجَرُوهُ حَيًّا ، إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ كَفٌّ لِأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُجْرِمِينَ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (28/ 217) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" مَنْ قَصَدَ إِظْهَارَ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُجَاهَرَةَ بِهَا : أَغْضَبَ رَبَّهُ ، فَلَمْ يَسْتُرْهُ .

وَمَنْ قَصَدَ التَّسَتُّرَ بِهَا حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ وَمِنَ النَّاسِ : مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِسَتْرِهِ إِيَّاهُ " .

انتهى من "فتح الباري" (10/ 488) .

ففرق بين من غلبته نفسه فطاوع هواه وعصى الله ، لكنه لم يجاهر بمعصيته ، ولا أصر عليها : فهذا يستر عليه ، وينصح ، ويذكر بالله ، ويدعى له بالهداية

ولا يحتقر ، ولا يهان ، ويدعى إلى التوبة ، فإن تاب ، فربما كان حاله بعد التوبة أصلح من حاله قبل الذنب .

بخلاف المشاق المجاهر المعاند المفاخر بالمعصية ، فإن هذا ينكر عليه وينصح ويدعى له بالهداية أيضا ، فإذا أصر ولم يزدجر ، عوقب وذُكر في الناس بالسوء ، وهجروه ، وعابوه ، وحذروا الناس منه .

ومثل هذا لا يقال في حقه : " لعله عند الله أحسن حالا منا " فإن حاله من أسوأ الأحوال ، وهو متعرض لمقت الله وغضبه وعاجل عقوبته .

نسأل الله أن يتوب علينا ، وعلى كل مسلم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-16, 15:23
هل ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: " لَوْ أَنَّ رَجُلا عَيَّرَ رَجُلا بِرَضَاعِ كَلْبَةٍ لَرَضَعَهَا " ؟

السؤال

هل هذه الآثار التالية صحيحة في الشماته : - يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " والله لو أن أحداً عيّر رجلا رضع من كلبة لرضع هو من كلبة " .

- وورد عن ابن عمر رضي الله عنه: " والله لو عيرتُ امرأة حُبلى بحملها لخشيت أن أحمل " .

- يقول ابن القيم رحمه الله : " مامن عبد يعيبُ على أخيه ذنباً ، إلا و يُبتلى به ، فإذا بلغك عن فلان سيئةً فقل : غفر الله لنا وله " .

ﻻ تراقب الناس ، وﻻ تتبع عثراتهم - لا تكشف سترهم ، وﻻ تتجسس عليهم - اشتغل بنفسك وأصلح عيوبك ، فسوف تسأل فقط عن نفسك ﻻ عن غيرك ، فالله أرحم بهم منك ومن أنفسهم

" وقُل للشامتين صبراً فإن ؛ نوائب الدنيا تدورُ " ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

روى الخطيب في "تاريخه" (15/ 376) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلا عَيَّرَ رَجُلا بِرَضَاعِ كَلْبَةٍ ؛ لَرَضَعَهَا ) .

وهذا حديث ضعيف جدا، في إسناده نصر بن باب ، قال البخاري: يرمونه بالكذب. وقال ابن معين: ليس حديثه بشئ ."

ميزان الاعتدال" (4/ 250)

وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (2380) : " ضعيف جدا " .

وضعفه الحافظ ابن رجب في "الفرق بين النصيحة والتعيير" (ص: 21) ، وقال :

" وقد رُوي هذا المعنى عن جماعة من السلف " انتهى .

أما قوله : (الْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ) فقد ثبت عن ابن مسعود ، من قوله ؛ رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (5/231)

وابن أبي الجعد في مسنده (1963) من طريقين عن ابن مسعود ، وصححه الألباني عنه في "الضعيفة" (7/ 395).

والمقصود من هذا الكلام كله : حفظ اللسان مطلقا ، والحذر من تعيير المسلم ، أو الشماتة بذنبه .

قال المناوي رحمه الله :

" العَبْد فِي سَلامَةٍ ، مَا سكت ؛ فَإِذا تكلم : عرف مَا عِنْده بالنطق ، فيتعرض للخطر أَو الظفر "

انتهى من "التيسير" (1/ 440) .

أما قوله : ( لَوْ أَنَّ رَجُلا عَيَّرَ رَجُلا بِرَضَاعِ كَلْبَةٍ لَرَضَعَهَا ) فلم نجده عن ابن مسعود إلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإسناده واه ، كما تقدم بيانه .

ولكن روى ابن أبي شيبة (5/ 231) ، وهناد في "الزهد" (2/570) عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود :" لَوْ سَخِرْتُ مِنْ كَلْبٍ، لَخَشِيتُ أَنْ أَكُونَ كَلْبًا " !! .

وروى الدينوري في "المجالسة" (3/ 243) عن عَمْرو بْن شُرَحْبِيلَ قال : " لَوْ عَيَّرْتُ رَجُلًا بِرَضَاعِ الْغَنَمِ؛ لَخَشِيتُ أَنْ أرضعها " .

وعن ابن سِيرِينَ قال: "عَيَّرْتُ رَجُلًا بِالْإِفْلَاسِ فَأَفْلَسْتُ".

"الآداب الشرعية" (1/ 322) .

ثانيا :

أما ما ذُكر في السؤال عن ابن عمر رضي الله عنهما : " والله لو عيرتُ امرأة حُبلى بحملها لخشيت أن أحمل " : فلم نجده

ولا ذكره أحد من أهل العلم - فيما علمنا – فمثله لا ينبغي الاشتغال به ، ولا تناقله ، حتى تعلم صحته إلى من نسب إليه .

ثالثا :

وأما ما ذُكر عن ابن القيم فلم نجده أيضا في شيء من كتبه بهذا النص

لكنه قال في "كتاب الفروسية" (ص 446):

" من ضحك من النَّاس ضُحك مِنْهُ، وَمن عير أَخَاهُ بِعَمَل ابْتُلِيَ بِهِ ؛ وَلَا بُد " انتهى .

فيخشى على من عير أحدا بذنب أو بلاء أن يبتلى بما عيره به .

والواجب على المسلم أن ينصح أخاه ، لا أن يعيره ، وأن يتمنى للناس الخير ويحبه لهم ، كما يتمناه لنفسه ويحبه ، كما روى البخاري (13) ، ومسلم (45) ، والنسائي (5017) - واللفظ له -

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَالَ الْكِرْمَانِيّ : وَمِنْ الْإِيمَان أَيْضًا : أَنْ يَبْغَض لِأَخِيهِ مَا يَبْغَض لِنَفْسِهِ مِنْ الشَّرّ " انتهى .

وننصح بقراءة رسالة الحافظ ابن رجب رحمه الله : "الفرق بين النصيحة والتعيير" .

وأما النهي عن تتبع عثرات الناس ، وكشف سترهم ، والتجسس عليهم ، والأمر بالانشغال بالنفس ، وإصلاح عيوبها : فكلام حسن ، تشهد له النصوص الشرعية .

وينبغي للمسلم أن يتثبت مما يقول وينقل عن أهل العلم ، حتى لا يقع في الكذب ، من حيث لا يدري .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-16, 15:27
تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَلاَ تَنَافَسُوا ) ، وأحكام المنافسة .

السؤال

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَنَافَسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ‏)‏ ‏

.‏ قرأت في عدة فتاوى أن التنافس في الأمور الدنيوية حلال ؟

فكيف ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " ولا تنافسوا " ، مع ذكر الأدلة إن أمكن ؟

الجواب

الحمد لله

روى مسلم (2563) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا) .

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بأن يكونوا إخوة متحابين ، ونهاهم عما يفسد عليهم هذه المحبة : من سوء الظن ، والتجسس ، والتنافس على الدنيا ، والتحاسد ، والتباغض والتدابر .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" قوله : ( ولا تَنَافَسُوا ) الْمُرَادُ بِهِ التَّنَافُسُ فِي الدُّنْيَا، وَمَعْنَاهُ طَلَبُ الظُّهُورِ فِيهَا عَلَى أَصْحَابِهَا ، وَالتَّكَبُّرُ عَلَيْهِمْ ، وَمُنَافَسَتُهُمْ فِي رِيَاسَتِهِمْ ، وَالْبَغْيُ عَلَيْهِمْ ، وَحَسَدُهُمْ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْهَا .

وَأَمَّا التَّنَافُسُ وَالْحَسَدُ عَلَى الْخَيْرِ ، وَطُرُقِ الْبِرِّ : فَلَيْسَ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ " .

انتهى من التمهيد (18/ 22) .

فإذا أدت المنافسة إلى محرم ، أو شغلت عن واجب : فهي حرام منهي عنها.

روى البخاري (3158) ، ومسلم (2961) عن عَمْرَو بْن عَوْفٍ الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( وَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ

وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" التَّنَافُسُ مِنَ الْمُنَافَسَةِ ، وَهِيَ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ وَمَحَبَّةُ الِانْفِرَادِ بِهِ وَالْمُغَالَبَةُ عَلَيْهِ ، وَأَصْلُهَا مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ فِي نَوْعِهِ .

قَوْلُهُ (فَتُهْلِككُمْ) أَيْ لِأَنَّ الْمَالَ مَرْغُوبٌ فِيهِ ، فَتَرْتَاحُ النَّفْسُ لِطَلَبِهِ فَتُمْنَعُ مِنْهُ ، فَتَقَعُ الْعَدَاوَةُ الْمُقْتَضِيَة للمقاتلة ، المفضية إِلَى الْهَلَاك

قَالَ ابن بَطَّالٍ: فِيهِ أَنَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا يَنْبَغِي لِمَنْ فُتِحَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهَا ، وَشَرِّ فِتْنَتِهَا، فَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَى زُخْرُفِهَا وَلَا يُنَافِسُ غَيْرَهُ فِيهَا "

انتهى من " فتح الباري " (11/ 245) .

والخلاصة :

أن التنافس على الدنيا : إذا أدى إلى التكبر والبغي والحسد ، أو شغل عن أمور الآخرة : فهو تنافس مذموم .

إما إذا كان التنافس فيها على أمر مباح، لا يؤدي إلى مذموم بالشرع :

فهو تنافس مباح لا حرج فيه ، وقد يكون في بعض الأحوال مستحبا .

وقد أجمل الحافظ ابن حجر رحمه الله أحكام المنافسة في قوله في "الفتح" (1/ 167) :

" التنافس : إِنْ كَانَ فِي الطَّاعَةِ فَهُوَ مَحْمُود ، وَمِنْه (فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ)،

وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ ، وَمِنْهُ (وَلَا تَنَافَسُوا)، وَإِنْ كَانَ فِي الْجَائِزَاتِ : فَهُوَ مُبَاحٌ " انتهى .

ففي هذا : أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التنافس ليس المراد به كل أنواع المنافسة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-16, 15:31
حد البخل في الشرع .

السؤال

متى يكون الرجل بخيلا على زوجته وأبنائه في الشريعة الإسلامية ؟

حيث إن البعض يرى أني أؤدي الواجب ، والبعض الآخر يرى أن عندي شيء من البخل .

الجواب

الحمد لله

أولا :

البخل صفة مذمومة ، وأي داء هو أدوأ من البخل ؟ وقد اختلفت عبارات العلماء في حده :

قال ابن مفلح رحمه الله :

" ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي حَدِّ الْبُخْلِ أَقْوَالًا:

(أَحَدُهَا) : مَنْعُ الزَّكَاةِ ، فَمَنْ أَدَّاهَا خَرَجَ مِنْ جَوَازِ إطْلَاقِ الْبُخْلِ عَلَيْهِ ..
.
(وَالثَّانِي) : مَنْعُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَالنَّفَقَةِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَمَنَعَ غَيْرَهَا مِنْ الْوَاجِبَات عُدَّ بَخِيلًا [اختاره ابن القيم وغيره] .

(وَالثَّالِثُ) : فِعْلُ الْوَاجِبَات، وَالْمَكْرُمَاتِ ، فَلَوْ أَخَلَّ بِالثَّانِي وَحْدَهُ كَانَ بَخِيلًا [اختاره الغزالي وغيره]

" انتهى باختصار lk "الآداب الشرعية" (3/ 303) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" الْبَخِيل هُوَ مَانع مَا وَجب عَلَيْهِ ، فَمن أدّى الْوَاجِب عَلَيْهِ كُله لم يسم بَخِيلًا ، وَإِنَّمَا الْبَخِيل مَانع مَا يسْتَحق عَلَيْهِ إِعْطَاؤُهُ وبذله "

انتهى من " جلاء الأفهام " (ص 385)

ومثله للقرطبي (5/ 193) .

وقال الغزالي رحمه الله :

" الْبَخِيلُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ ، إِمَّا بِحُكْمِ الشَّرْعِ ، وَإِمَّا بِحُكْمِ المروءة ، وذلك لا يمكن التنصيص على مقداره " .

انتهى من إحياء علوم الدين (3/ 260).

ومثله قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" البخل: هو منع ما يجب ، وما ينبغي بذله " .

انتهى من " شرح رياض الصالحين " (3/ 410) .

ثانيا :

يجب على الرجل أن ينفق على زوجته وأولاده بالمعروف ، والنفقة تشمل : الطعام والشراب والملبس والمسكن ، وسائر ما تحتاجه الزوجة ، ويحتاجه الأولاد ، مما لا بد منه ، كنفقة علاج ، ونفقة تعليم ، ونحو ذلك .

وتكون النفقة بحسب إمكانات الزوج ووضعه المادي

لقوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/ 7 .

فتختلف النفقة الواجبة للزوجة والأولاد باختلاف اليسار والإعسار ؛ فمن كان موسرا: أنفق نفقة موسر على زوجته وأولاده ، فإن ضيق عليهم في ذلك : عُدّ بخيلا ؛ لأنه منع أداء الحق الذي عليه .

ومن كان معسرا : أنفق نفقة معسر ، ومن كان متوسط الحال أنفق نفقة بقدر حاله ، ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها .
ولا تحديد لذلك شرعا ، وإنما يرجع في قدر النفقة إلى ما تعارف عليه الناس .

*عبدالرحمن*
2019-08-16, 15:39
تتهمه بالبخل ويتهمها بالإسراف

السؤال

بيني وبين زوجتي خلافات شديدة على الأموال وهي تطلب مني باستمرار طلبات كثيرة ومكلفة وحالتي المادية لا تسمح بذلك لانخفاض مستوى الأجور وقد أخبرتها وأهلها بوضعي المالي قبل الزواج

وأنا وإياها في شجار دائم هي تتهمني بالبخل وأنا أتهمها بالإسراف وتحميلي ما لا أحتمل فماذا أفعل في هذه المشكلة التي تكاد تبلغ حدّ الإنفصال .

الجواب

الحمد لله

من أعظم حقوق الزوجة على زوجها أن ينفق عليها ، ونفقته عليها من أعظم القرب والطاعات التي يعملها العبد ، والنفقة تشمل : الطعام والشراب والملبس والمسكن

وسائر ما تحتاج إليه الزوجة لإقامة مهجتها ، وقوام بدنها
.
وبالنسبة لما ذكرت من أن زوجتك تشكو من تقصيرك في نفقتها ، فقد أخبر الله عز وجل أن الرجال هم المنفقون على النساء ، ولذلك كانت لهم القوامة والفضل عليهن بسبب الإنفاق عليهن بالمهر والنفقة

فقال تبارك وتعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) ، وقد دل على وجوب هذه النفقة : الكتاب والسنة الصحيحة وإجماع أهل العلم .

أما أدلة الكتاب : فمنها قوله تعالى : ومنها قوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها ) ، ومنها قوله تعالى : ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) .

وأما أدلة السنة ، فقد وردت أحاديث كثيرة تفيد وجوب نفقة الزوج على أهله وعياله ، ومن تحت ولايته

كما ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع :

" اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن ، وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم 8/183 .

وعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع :

" أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً

أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ

أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ . " وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ يَعْنِي أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ . رواه الترمذي 1163 وابن ماجة 1851 وقال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا علينا ؟

قال : أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تقبح الوجه ، ولا تضرب "

رواه أبو داود 2/244 وابن ماجه 1850 وأحمد 4/446 .

قال الإمام البغوي :

قال الخطابي : في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها ، وهو على قدر وسع الزوج ، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لها فهو لازم حضر أو غاب

فإن لم يجد في وقته كان دينا عليه كسائر الحقوق الواجبة ، سواء فرض لها القاضي عليه أيام غيبته ، أو لم يفرض . أ.هـ

وعن وهب قال : إن مولى لعبد الله بن عمرو قال له : إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس

فقال له : تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر ؟ قال : لا ، قال : فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت "

رواه أحمد 2/160 وأبو داود 1692 .

وأصله في مسلم 245 بلفظ : " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته " .

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيّع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " رواه ابن حبان وحسنه في صحيح الجامع 1774 .

وجاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والله لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره ، فيبيعه ويستغني به

ويتصدق منه خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله ، يؤتيه أو يمنعه ، وذلك أن اليد العليا خير من اليد السفلى

وابدأ بمن تعول " رواه مسلم 3/96 . وفي رواية عند أحمد 2/524 : فقيل : من أعول يا رسول الله ؟ قال : امرأتك ممن تعول " .

وأما إجماع أهل العلم :

فقال الإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله في المغني 7/564

اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره .

وما سبق من النصوص الشرعية يدل على وجوب نفقة الرجل على أهل بيته والقيام بمصالحهم ورعايتهم ، وقد ثبتت أحاديث متكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد فضل هذا وأنه من الأعمال الصالحة عند الله تعالى

كما جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أنفق المسلم نفقة على أهله ، وهو يحتسبها ، كانت صدقة له " رواه البخاري 1/136 ،

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 9/498 :

النفقة على الأهل واجبة بالإجماع ، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه ، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر

فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ، ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع أ.هـ

وفي حديث سعد بن مالك رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر ، حتى اللقمة تضعها ترفعها إلى في امرأتك " رواه البخاري 3/164 ومسلم 1628 .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دينار تنفقه في سبيل الله

ودينار أنفقته في رقبة ـ أي في عتقها ـ ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك " رواه مسلم 2/692 .

وجاء في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم ، فقالوا : يا رسول الله ، لو كان هذا في سبيل الله ؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كان خرج يسعى على أولاده صغاراً فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله

وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان " رواه الطبراني ، صحيح الجامع 2/8 .

وقد فقه السلف رحمه الله تعالى هذا الواجب حق الفهم ، وظهر في عباراتهم ، وما أعظم ما قال الإمام الرباني عبد الله بن المبارك رحمه الله حيث قال : لا يقع موقع الكسب على شيء

ولا الجهاد في سبيل الله . السير : 8/399 .

ومن جهة أخرى فعلى زوجتك أن تعلم أن إنفاق الزوج إنما هو بحسب إمكانياته ووضعه المادي

كما قال تعالى : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً ) فلا يحق لها أن تتعنت في معاملة

زوجها بكثرة طلباتها وإرهاقه في النفقة عليها ، فإن ذلك من سوء العشرة .

ولعلك إذا استجبت لها في طلباتها المعقولة وذكّرتها دون منّة ولا إيذاء بما وفّيت لها من الطلبات تتمكّن من امتصاص بعض فورتها وإقناعها بالكفّ عن المزيد من المطالبات ، وكذلك المناقشة الهادئة -

دون مراء - في درجة أهمية بعض ما تطلبه وأن توفير هذا المبلغ لأمر أهم كدفع إيجار البيت ونحو ذلك يُمكن أن يُؤدي إلى اقتناعها بالتنازل عن طلبها .

واعلم بأن كثيرا من النّقص المادي يُعوّض بالكلام الطيّب والوعد الحسنُ ولمّا ذكر الله تعالى في كتابه إيتاء ذوي القربى وصلتهم بالمال ذكر عزّ وجلّ تصرّف الإنسان

الذي لا يجد ما يصل به أقاربه فقال سبحانه : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا (28) الإسراء ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية :

وقوله: "وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك" الآية : " أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة "فقل لهم قولا ميسورا"

أي عدهم وعدا بسهولة ولين إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله ." واعلم بأن حسن الخُلق يُنسيها ما أنت فيه من الضائقة فعليك بالصبر والمعاملة الحسنة مع تكرار نصحها ودعوتها

فإن عسرت المعيشة وازداد الوضع سوءاً بينكما حتى وصل إلى طريق مسدود ولم تُفلح جهودك في درء الشرّ وصارت الحياة لا تُطاق

فإن الله تعالى قد شرع الطلاق في مثل هذه الحال وقد يكون فيه خير للطرفين

كما قال تعالى : ( وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته ، وكان الله واسعاً عليماً ).

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-18, 14:45
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل صح في السنة النبوية أن من ترك الحج دون عذر مات يهودياً أو نصرانياً ؟.

السؤال

ما صحة الحديثين التاليين : -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يمنعه من الحج حاجة ظاهرة أو سلطان جائر أو مرض حابس فمات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ) الدارمي ، والبيهقي. -

وقال صلى الله عليه وسلم : ( من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً ) الترمذي ، والبزار؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

روى الدارمي (1826) ، والبيهقي في "الشعب" (3693) ، وأبو نعيم في " الحلية " (9/251) ، وابن الجوزي في " التحقيق" (2/118) من طريق شَرِيكٍ ، عَنْ لَيْثٍ

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنِ الْحَجِّ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ ، أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ، أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ فَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ ، فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا) .

وهذا إسناد ضعيف ، ليث ، هو ابن أبي سليم ، وهو ضعيف ، ضعفه أحمد ، وابن معين ، والنسائي ، وغيرهم .

انظر "الميزان" (3/420) .

وشريك ، هو ابن عبد الله القاضي ، وهو ضعيف أيضا ، سيء الحفظ ، ضعفه القطان ، وابن المبارك ، وابن معين ، والجوزجاني ، وغيرهم .

انظر "الميزان" (2/270) .

وقد خالفه أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ ، فرواه عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فذكره مرسلا ، رواه ابن أبي شيبة (3/ 305) .

وكذا رواه الثوري عن ليث ، أخرجه الخلال في "السنة" (5/46) .

وهذا أصح ، لكنه ضعيف أيضا ؛ لضعف ليث ، ولإرساله .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" لَيْثٌ ضَعِيفٌ ، وَشَرِيكٌ سيء الْحِفْظِ ، وَقَدْ خَالَفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَأَرْسَلَهُ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ ظَالِمٌ أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ ... ) فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ لَيْثٍ مُرْسَلًا " .

انتهى من "التلخيص الحبير" (2/ 486) .

وله طريق أخرى عن شريك

قال ابن الجوزي في "التحقيق" (2/ 118):

" رَوَاهُ عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: عَمَّارٌ يُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَنَاكِيرِ ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ " انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" أَوْرَدَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ شَرِيكٍ ، مُخَالِفَة لِلْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، وَرَاوِيهَا عَنْ شَرِيكٍ عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ ضَعِيفٌ "

انتهى من "التلخيص الحبير" (2/ 486) .

وقال ابن القيسراني :

" رَوَاهُ عمار بن مطر الرهاوي عَن شريك ، عَن مَنْصُور، عَن سَالم بن أبي الْجَعْد ، عَن أبي أُمَامَة ، وَهَذَا غير مَحْفُوظ ، والآفة فِيهِ من عمار الرهاوي هَذَا " .

انتهى من "ذخيرة الحفاظ" (4/ 2407) .

وعمار هذا قال أبو حاتم الرازي: كان يكذب ، وقال ابن عدى: أحاديثه بواطيل .

"ميزان الاعتدال" (3 /170)

وقال ابن القيسراني :

" ورواه نصر بن مُزَاحم الْكُوفِي عَن الثَّوْريّ، عَن لَيْث، عَن ابْن سابط، عَن أبي أُمَامَة. وَهَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظ، والآفة فِيهِ من نصر هَذَا "

انتهى من "ذخيرة الحفاظ" (4/ 2407) .

ونصر بن مزاحم : قال الذهبي في "الميزان" (4/253): " رافضي جلد ، تركوه ".

ورواه أبو الحسن النعالي في "جزئه" (71) من طريق مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الأشناني ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أنا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، به مرفوعا .

والأشناني هذا: قال الدارقطني: كان دجالا ، وقال الخطيب: كان يضع الحديث.

"لسان الميزان" (5 /228) .

والنعالي صاحب الجزء: قال الخطيب : كان رافضيا ، يتتبع الغرائب والمناكير .

"تاريخ بغداد" (5 /383) .

ثانيا :

روى الترمذي (812)، والطبري في "تفسيره" (6/41)، والبزار (861)،والبيهقي في "الشعب" (3692) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/209)

من طريق هِلَال بْن عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ البَاهِلِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، عَنْ الحَارِثِ،عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ

فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/ 97.

قال الترمذي عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ ، وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ ، وَالحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ " انتهى .

وهلال هذا قال البخاري : منكر الحديث ، وقال الترمذي: مجهول ، وقال ابن عدي: هو معروف بهذا الحديث ، وليس هو بمحفوظ ، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم.

"تهذيب التهذيب" (11/ 82) .

والحارث : هو الحارث بن عبد الله الأعور ، مشهور بالضعف ، وقد كذبه الشعبي ، وابن المديني

انظر : "التهذيب" (2/145) .

وللحديث طرق أخرى كلها لا تخلو من ضعف .

وقد ضعف هذا الحديث غير واحد من أهل العلم ، فضعفه الطبري في "تفسيره" (6/45) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/210) ، والمنذري في "الترغيب والترهيب" (2/137)

وابن عبد الهادي في "التنقيح" (3/404)، والهيتمي في "الزواجر" (1/330)، وحكى عن النووي تضعيفه ، وكذا ضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" .

ولكنه صح من قول عمر رضي الله عنه ، قال ابن كثير رحمه الله :

" رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْحَافِظُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْم أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ:

" مَنْ أَطَاقَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ، فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ يَهُودِيًّا مَاتَ أَوْ نَصْرَانِيًّا "وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 85) .

وانظر للاستزادة جواب السؤال الفادم

وبالجملة : فالحديثان لا يصحان .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-18, 14:48
حديث : ( مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ ... ) لا يصح إلا موقوفا على عمر رضي الله عنه

السؤال

سمعت بعض الناس يقولون : قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم : ( من كان في استطاعته أن يحج ، ولم يحج : يختار أن يموت يهوديا ، أو نصرانيا ) .

الجواب

الحمد لله

أولا :

هذا الحديث رواه الترمذي (812) ، والبزار (861) ، والطبري في "تفسيره" (6/ 41) ، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/713) ، والبيهقي في "الشعب" (3692)

من طريق هِلَال بْن عَبْدِ اللَّهِ ، مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ البَاهِلِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ ، عَنْ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ

فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) .

وهذا إسناد ضعيف جدا .

قال الإمام الترمذي بعد روايته له : " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ ، وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ ، وَالحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ " انتهى.

والحارث هو ابن عبد الله الأعور الهمداني ، كذبه الشعبي وابن المديني ، وقال ابن حبان : كان الحارث غاليا في التشيع واهيا في الحديث

وقال الذهبي : الجمهور على توهينه ، وضعفه أبو حاتم والدارقطني وابن عدي وغيرهم .

انظر : "تهذيب التهذيب" (2/ 145-14) .

وقال ابن القيسراني في "ذخيرة الحفاظ" (4/ 2419):

" قَالَ ابْن عدي: وهلال هَذَا لم ينْسب ، وَهُوَ مولى ربيعَة بن عَمْرو ، وَهُوَ مَعْرُوف بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَقَالَ البُخَارِيّ : حَدِيث هِلَال فِي الْحَج : مُنكر، قَالَ ابْن عدي: والْحَدِيث غير مَحْفُوظ " انتهى .

ورواه الدارمي في "سننه" (1826) من طريق شَرِيكٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مرفوعا .
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (2/ 486-487):

" وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ ، وَشَرِيكٌ سيء الْحِفْظِ ، وَقَدْ خَالَفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَأَرْسَلَهُ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ

قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ لَيْثٍ مُرْسَلًا " انتهى .

ورواه ابن عدي في "الكامل" (5/505) ، وابن الجوزي في "التحقيق" (2/ 118) من طريق عبد الرحمن القطامي ثنا أبو الْمُهَزّم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا به ، وقال ابن الجوزي عقبه :

" أَبُو الْمُهزم : اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ ، وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَطَّامِيُّ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَاس كَانَ كَذَّابًا ، وَقَالَ ابْن حبَان يجب تَكْذِيب رِوَايَاتِهِ " انتهى .

ورواه النعالي في "جزئه" (71) : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، أنا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به .

ومحمد بن عبد الله هو أبو بكر الأشناني ، وهو متهم ، قال الدارقطني: كان دجالا. وقال الخطيب: كان يضع الحديث .

"ميزان الاعتدال" (3 /605) .

والحديث ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي وغيره .

وقد صح من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

فرواه ابن أبي شيبة (3/ 306) عنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : " مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ ، يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا "
.
ثم رواه عَنْ عَدِيٍّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَمٍ، عَنْ عُمَرَ، مِثْلَهُ .

*عبدالرحمن*
2019-08-18, 14:53
حدث بينه وبين صاحبه نزاع فحلف له صاحبه بالله ولكنه يشعر أنه يتلاعب بالألفاظ

السؤال

كذب علي أحد الزملاء ، وكان بكذبه ظلم لي ، وكشفت كذبه بما لا يدع مجالاً للهرب من كذبته ، واعترف بلسانه أنه كاذب ، ومن ثم اعتذر عن كذبه ، وقبلت اعتذاره

فإذا به يشير إلىِ بيديه أني مجنون أثناء حديثي معه ، وبعد أن قبلت اعتذاره فأجبته بقول أشير فيه أنه هو المجنون وأعرضت عنه ، وأصبحت لا أكلمه إلا فيما يخص العمل فقط ، وبعد فتره قصيرة قلت له

: كيف تشير إلى بيديك أني مجنون بعد أن قبلت اعتذارك ، فإذا به ينكر ووضع يديه على المصحف ، وقال : أقسم بالله العظيم الذي له الأسماء الحسنى أني(لا أتذكر) أني أشرت إليك بيدي أنك مجنون

واتهمني بأني كاذب في ادعائي عليه ، وأن هذا الأمر لا يمكن أن يصدر منه أبداً وعلى الإطلاق ، عندها أردت أن آخذ المصحف وأحلف بالله أنه فعل فأزاح المصحف عني ، وقال : لا أريدك أن تحلف

فطلبت منه أن يحلف بالله وبالقرآن أنه لم يفعل هذا الأمر وأن يحلف بلفظ( لم أفعل) وأن لا يستخدم لفظ(لا أتذكر) فرفض! وهنا دليل على أنه يتذكر جيدا هذا الأمر وإلا لحلف أنه لم يفعل بلا تردد

إلا أنه حلف بلا أتذكر حتي يسقط على تهمة الكذب وأكون كاذباً مثله جهلاً منه واستهتار بالحلف والقران وأن التلاعب بالألفاظ بالحلف بالله بكلمة (لا أتذكر) تنجي من اليمين الغموس، فذكرته أن الحلف بالله أمره عظيم

ويهلكه في الدنيا ، وأن الله سيحكم بيننا ، فأجابني أنه حلف أنه لا يتذكر ولم يحلف أنه لم يفعل ، وعلى هذا فإن حديثه شاهد عليه ، ويبين أنه حلف كذباً فاليمين لا تنعقد ًبلفظ لا أتذكر

فما الواجب فعله تجاه هذا الشخص بما أشار إلى بيديه وبعد أن قبلت اعتذاره وبإسقاطه على تهمة الكذب ظلما بحلفه بالله كذباً متعمداً حتي أظهر أني كاذبً مثله ؟

مع العلم أنه يتذكر جوابي عليه جيداً بعد أن أشار إلى بيديه إلا أنه يحلف أنه لا يتذكر فعلته فقط .

الجواب

الحمد لله

الحلف بالله كاذبا أمر محرم ، وهو اليمين الغموس عند بعض العلماء ، وهو كبيرة من كبائر الذنوب

لما روى البخاري (6675) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْكَبَائِرُ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ( .

فالواجب على من وقع في هذا المنكر أن يتوب إلى الله تعالى ويسأله العفو والمغفرة ، ويعزم على عدم الحلف كاذباً مرة أخرى .

وهذه اليمين الكاذبة لا كفارة فيها عند كثير من أهل العلم ؛ لأنها أعظم من أن تكفّر .قال الإمام مالك رحمه الله في اليمين الغموس : " الْغَمُوسُ : الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ . . . وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفِّرَهُ الْكَفَّارَةُ "

انتهى باختصار من "التاج والإكليل" (4/406)

ونحوه في "المدونة" (1/577) .

وقال ابن قدامة رحمه الله : "(ومن حلف على شيء ، وهو يعلم أنه كاذب ، فلا كفارة عليه ; لأن الذي أتى به أعظم من أن تكون فيه الكفارة) هذا ظاهر المذهب ، نقله الجماعة عن أحمد

وهو قول أكثر أهل العلم ، منهم ابن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، ومالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والليث ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وأصحاب الحديث ، وأصحاب الرأي من أهل الكوفة

وهذه اليمين تسمى يمين الغموس ; لأنها تغمس صاحبها في الإثم . قال ابن مسعود : كنا نعدّ من اليمين التي لا كفارة لها ، اليمين الغموس . وعن سعيد بن المسيب ، قال: هي من الكبائر ، وهي أعظم من أن تكفر"

انتهى من "المغني" (9/392) .

وما دام صاحبك قد حلف لك أنه لا يتذكر ذلك : فعليك أن تعذره ، وتصدقه ؛ فلربما نسي ما فعل ، ولربما كان لا يقصد هذا المعنى السيء الذي ذكرت، فما دام أنه قد حلف لك أنه لا يتذكر فعليك أن تصدقه

وأن تكل قصده وسريرته إلى علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى، فقد أخرج ابن ماجه في سننه (2101)

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: (لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ ، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ ) وصححه الألباني .

ثم إن كان لا يتذكر ، فإنه يكون بارا في يمينه حتى وإن كان قد فعل هذا الفعل ونسيه .
أما إن كان يتذكر وحلف أنه لا يذكر فإنه يكون يمينا غموسا كما سبق .

والنصيحة لك أيها السائل أن تترفع عن هذه السفاسف ، وتدع الحدة وسوء الظن بإخوانك ، وأن تقدر له أنه لم يحب لك أن تحلف على أمر ، ربما تكون أنت المخطئ أو الواهم فيه ، مع أن حلفك لا يضره في شيء .

فجاهد نفسك ـ يا عبد الله ـ أن تتحلى بالحلم والعفو والصفح عمن أساء إليك ، فقد مدح الله سبحانه من يفعل ذلك بقوله : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ .

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ 133، 134


وقوله تعالى : (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/ 34، 35 .

وتذكر أن الشيطان لا يفتر أن يحرش بين المسلمين وينزغ بينهم

فقد قال الله تعالى : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) الإسراء/ 53

وأخرج مسلم (2812) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-18, 14:57
هل الكذب أشد من الزنا ؟

السؤال

قرأت الحديث التالي :

" المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألفا من الملائكة ، وخرج من قبله نتن حتى يبلغ العرش فيلعنه حملة العرش ، وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن زنى مع أمه"

فهل هذا الحديث ينطبق على المؤمن الذي اعتاد الكذب أم على أي شخص كذب على العمو م؟

وهل هذا الحديث يعني أنّ الكذب أعظم من الزنا ؟

وهل يمكننا القول عن كل شخص كذب أو يكذب أنه زنا 70 زنية ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الكذب من صفات المنافقين ، وهو خلق ذميم ، يحضّ على الشر ، ويمنع من الخير

وقد روى البخاري (6094) ، ومسلم (2607) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ

وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) .

وأشد الكذب : الكذب على الله ورسوله ، ثم الكذب بين الناس للإفساد بينهم ، واعتياد الكذب في الحديث من صفات المنافقين

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا

وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) رواه البخاري (34) ، ومسلم (58).

والواجب على من كذب - ولو كذبة واحدة - أن يتوب إلى الله تعالى ، فقد روى الترمذي (1973) عن عائشة قالت : ، ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب

ولقد كان الرجل يحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم بالكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة " وصححه الألباني في "الصحيحة" (2052) .

ثانيا :

هذا الحديث الوارد في السؤال لم نجد له أصلا – بعد البحث – والظاهر أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد ذكر العلماء أن من علامات الحديث الموضوع : المبالغة في ذكر الثواب أو العقاب على عمل من الأعمال ، وهذا الحديث كذلك .

والأصل أن الزنا أشد من الكذب في حديث الناس ، ولهذا جاء مرتبا ، بعد الشرك بالله

وقتل النفس في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ) النور/68 .

وجاء في الزنا ـ أيضا ـ من العقوبة في الدنيا (الحد) ، والوعيد في الآخرة ، ما لم يأت مثله في الكذب

إلا أن بعض أفراد الكذب أشد من الزنا وغيره من الموبقات ، كالكذب على الله ورسوله ، قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ) يونس/ 69 .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر : (من كذب علي متعمدا فيتبوأ مقعده من النار) .

أما القول بأن مطلق الكذب أشد من الزنا : فباطل ، فضلا عن أن يقال : أشد من سبعين زنية ، أهونها كمن زنى بأمه ؛ فهذا من أسمج المقال ، وأبين الكذب والمحال !!

وأما ما رواه ابن عساكر في "تاريخه" (27/ 241) عن عبد الله بن جراد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا نبي الله هل يزني المؤمن ؟ ، قال: ( قد يكون ذاك ) .

قال: هل يسرق المؤمن؟ ، قال: ( قد يكون ذاك ) .

قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: ( لا ، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون ) " .

فحديث باطل ، في إسناده يعلى بن الأشدق ، قال ابن حبان: وضعوا له أحاديث فحدث بها ولم يدر ، وقال أبو زرعة: ليس بشيء ؛ لا يصدق.

"ميزان الاعتدال" (4/ 457)

وذكره الألباني في الضعيفة (5521) وقال : " موضوع " .

ومثل ذلك : حديث صفوان بن سليم : " قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَاناً؟

فَقَالَ: (نَعَمْ) .

فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلاً ؟

فَقَالَ: (نَعَمْ) .

فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّاباً ؟

فَقَالَ: (لاَ) " .

رواه مالك (3630) وهو مرسل ، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1752).

*عبدالرحمن*
2019-08-18, 15:11
تحادث الشباب وتريد أن تتوب

السؤال

أنا بنت عمري 18سنة ، ومن ثلاث سنين أتحدث مع شباب ، وبعمل أشياء غلط معهم ، وكل مره بتعرف أمي بوعدها ما رح أرجع ، وبرجع أغلط ، وبدعي الله ، يسامحني ، وأوعده ، وبرجع ، وصرت منافقة

أوعد وأخلف ، والله أنا نادمة ، وما أدري ليه برجع أغلط ، مع إني رسبت توجيهي بسببهم ، والله تعبت

أشعر أني ما عدت أخاف الله عزوجل كما كنت سابقا ، ومن حولي يظنون أني مؤدبة ، وأنا على عكس ذلك

فأرجو نصيحة للتخلص من ذلك .

الجواب

الحمد لله

أولا :

يجب على الإنسان أن يسير على طريق مستقيم حتى يصل إلى مرضاة الله تعالى وجنته .

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الفاتحة/6 ، فعليه أن يعلم أنه إن نزل عن هذا الطريق وانحرف عنه فقد سار في الطريق الخطأ ، الذي لن يصل به لا إلى راحة الدنيا وسعادتها ، ولا إلى جنة الآخرة ونعيمها ؛ وإنما يصل به إلى الشقاء والعذاب .

والخطوة الأولى للرجوع إلى الاستقامة على هذا الطريق : أن يعرف الإنسان أن ما فعله خطأ.

ثم تأتي الخطوة الثانية : وهي الابتعاد عن ذلك الخطأ وعدم فعله ، ثم إن ضَعُفَ الإنسانُ في بعض الأوقات ، وانحرف عن الطريق فإنه يجب عليه أن يعود إلى الطريق الصحيح

فيندم على ذلك الخطأ ، ويتراجع عنه ولا يستمر على الخطأ ، ويعزم على الاستقامة على الطريق المستقيم وعدم الانحراف عنه مرة أخرى ، وهذه هي " التوبة " .

ثم إن ضَعُفَ ثانيا : تاب ثانيا .... وهكذا .

والله تعالى يعلم أن الإنسان لن يستقيم على الطريق في جميع الحالات والأوقات ، بل لابد له من بعض انحرافات ، قليلة أو كثيرة ، ولهذا شرع الله تعالى لنا التوبة ليغفر لنا هذه الانحرافات

ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .

فعليك أن تستمري في التوبة ، فكلما أخطأت : ندمت وعزمت على الاستقامة وعدم العودة لذلك الخطأ مرة أخرى ، وهكذا .

ثانيا :

هناك أسباب كثيرة تجعل المسلم يتغلب على الشيطان الذي يوسوس له بالشر ، ويتغلب أيضا على نفسه التي تأمره بالسوء .

فمن هذه الأسباب :

• الخوف من الله تعالى الذي لا يخفى عليه خافية، وسيحاسب العبد على ما فعل في الدنيا ، لا يخفى على الله من عمله شيء .

• الحياء من الله تعالى ، يستحيي أن يراه الله وهو على معصيته .

• الخوف من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن الخزي والفضيحة في الآخرة .

• الرغبة في دخول الجنة والفوز بها .

وكل هذه الأسباب إذا ترك المسلم المعصية لأجل سبب منها ، أو لأجلها جميعا : فإنه يكون تركها من أجل الله ، ويثيبه الله تعالى على هذا الترك .

وهناك أسباب أخرى تجعل المسلم يترك المعصية أيضا ، وهي أسباب ليست مذمومة ، ولكنها لا يثاب المسلم إذا ترك المعصية من أجلها ، لأنه لم يتركها لله .

من هذه الأسباب
:
- الخوف من الفضيحة في الدنيا ، وسقوط المنزلة أمام الناس .

وقد ذكرت أن من يراك يظن أنك مؤدبة ، فحافظي على هذا الأدب

وحافظي على مكانتك واحترام الناس لك .

- الخوف من أن تشغله هذه المعصية عما هو أهم من أمور حياته ، وقد ذكرت أنك رسبت في الدراسة بسبب هذه الخطيئة .

- الخوف من أن تجره تلك الخطيئة إلى ما هو أشد ، وهنا يكون الأمر في غاية الخطورة ، لاسيما في حالتك

فقد تبدأ الفتاة بمثل هذه المحادثات وهي تتسلى أو تلعب أو تضيع الوقت ، لكنها سرعان ما تقع في شباك الشيطان ، حيث يتعلق قلبها بذلك الشاب أو بتلك المحادثات

فلا تستطيع الكف عنها ، ثم يكون ما هو أخطر وهو المحادثات الهاتفية ، قد تبدأ في أول الأمر على استحياء ، ولكنها سرعان ما تصل إلى درجة الإدمان هي الأخرى ويصعب الكف عنها . ... ثم تكون اللقاءات .... ثم ....

وقد سلكت كثير من الفتيات هذا الطريق خطوة خطوة ، ولم يستفقن إلا في نهايته ، بعد أن تكون الفتاة خسرت ما لا يمكن تعويضه .

كل هذه الأسباب تجعلك تتركين هذا الخطأ الذي تمارسينه .

وانظري لمزيد الفائدة الفتوى القادمة

ثالثا :

مما يعينك على ترك هذه المعصية إشغال النفس بطاعة الله تعالى وبالأشياء والأعمال المفيدة

حافظي على الصلاة ، فإنها تصلح قلب المؤمن ، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45.

وأكثري من ذكر الله تعالى ومن قراءة القرآن الكريم فإنه يطرد عنك الشيطان ويجعلك دائما قريبة من الله تعالى .
لا تجعلي عندك وقت فراغ يتسلل الشيطان إليك منه .

لا تجلسي منفردة كثيرا ، إلا أن تكوني مشغولة بطاعة أو شيء مفيد .

وأهم نصيحة لك هنا ، نؤكد عليك بها : أن تغلقي عنك سبل التواصل مع هؤلاء الشبان ؛ ففتاة في مثل عمرك : ما حاجتها إلى التواصل عبر الإنترنت ، بل ما حاجتها إلى الدخول إلى تلك الشبكة أصلا .

لا بد أن تكوني حازمة جادة في ذلك ، وإن كان لك أمر ، لا بد منه في ذلك ، فلا تدخلي فيه بمفردك ، بل تدخلين في وجود والدتك ، أو بعض إخوانك ، وتقضين حاجتك ، ثم تعودين إلى حياتك ، ومصالحك .

وأخيرا نسأل الله تعالى أن يحفظك من كل سوء وأن يوفقك لكل خير .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

~ قدس ~
2019-08-18, 22:02
بارك الله فيك فعلا نستحق هكذا مواضيع

*عبدالرحمن*
2019-08-22, 17:05
بارك الله فيك فعلا نستحق هكذا مواضيع

اسعدني حضورك المميز مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيكِ

*عبدالرحمن*
2019-08-22, 17:09
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


تحب شخصا وطلب منها الخروج معه فماذا تعمل ؟

السؤال

أنا أطلب منك المساعدة أنا أحب شابا وطلب مني أن أخرج معه ولكني لا أعرف ما أقوله أنا محتارة أرجو المساعدة .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

يسرنا كثيراً طلبك المساعدة في هذا الأمر ، قبل أن تقدمي عليه ، ونحن لا نرضى لك إلا ما نرضاه لبناتنا وأخواتنا ،وحافظي على أثمن ما تملكين ، وإياك أن يخدعك الشيطان بمسمى الحب تارة أو التسلية أخرى .

أختنا الكريمة... يسرنا كثيراً محافظتك على الصلاة ، والتزامك بالحجاب ، وتخلقك بالعفة والحياء ، وتمسكك بتعاليم الدين الذي جاء ليعلي من شأن الإنسان ويزكي نفسه ويطهرها .

ويسوؤنا كثيراً أن تكوني بخلاف ذلك ، يسوؤنا أن يجرك الشيطان إلى هلاكك ، فتكوني كالذبيحة تساق إلى موتها وهي لا تشعر !!

إنه كلام جد وليس بالهزل ، قد سلك في هذا الطريق كثيرات غيرك ، وكانت النهاية تعيسة ، وندمن

ولكن .. بعد فوات الأوان ، وقت لا ينفع الندم ، ولعلك تجدين في هذا الموقع قصصاً كثيرة في هذا ، لك فيها عبرة ، وإياك أن تكوني أنت عبرة لغيرك

ثانياً :

لا يجوز للمرأة أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها ، ولو كان في نيتهما الزواج ، لأن الله تعالى حرم الخلوة بالأجنبية ، ومصافحتها والنظر إليها – إلا لحاجة كالخطبة والشهادة – وحرم عليها أن تتبرج بالزينة

وأن تكشف عن عورتها أمام الرجال الأجانب عنها ، وأن تخرج متعطرة بينهم ، وأن تخضع بالقول لهم ، وهذه المحرمات معلومة بأدلة الكتاب والسنة

وليس فيها استثناء لمن عزم على الزواج ، بل ولا لمن خطب بالفعل ؛ لأن الخاطب يظل أجنبيا عن المرأة حتى يعقد النكاح عليها .

1- فمما جاء في تحريم الخلوة بالأجنبية ولو كانت مع خاطبها : ما رواه البخاري (3006) ومسلم (1341) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( أَلا ، لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

2- ومما جاء في تحريم نظر الرجل إلى المرأة : قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور/30 .

وروى مسلم (2159) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي .

و ( نظر الفجأة ) هو أن تقع عينه على المرأة من غير قصد ، كما لو كان ينظر إلى الطريق ونحو ذلك .

وأما المرأة فلها أن تنظر إلى الرجل من غير شهوة ، إذا أمنت الفتنة ، وأما مع الشهوة أو خوف الفتنة فلا يجوز .

3- ومما جاء في تحريم مصافحة المرأة الأجنبية : قوله صلى الله عليه وسلم :

( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) ، والإثم هنا على الرجل والمرأة سواء .

4- ومما جاء في تحريم تبرج المرأة ، وإظهارها لزينتها أمام الرجال الأجانب عنها : ما روى مسلم (2128) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (

صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ

وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) .

والبخت : نوع من الإبل طويلة الأعناق .

5- ومما جاء في تحريم خروجها متعطرة بحيث يشم الرجال الأجانب ريحها :

قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ) رواه النسائي (5126) وأبو داود (4173) والترمذي (2786) وحسنه الألباني في صحيح النسائي .

6- ومما جاء في تحريم الخضوع بالقول

قوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) الأحزاب/32 ، وإذا كان هذا في حق أمهات المؤمنين الطاهرات ، فإن غيرهن من باب أولى .

ثالثاً :

إن ما يسمى بالحب بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه ، لا يخلو من محرم من هذه المحرمات ، إن لم تجتمع كلها ، وما هو أزيد منها ، عافانا الله وإياك من كل سوء .

فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى ، والحذر من غضبه وانتقامه ، وقطع هذه العلاقة مع الشاب فوراً ، فلا تفكري في اللقاء به ، ولا تستجيبي لطلبه في الخروج معك

بل ينبغي أن تقطعي الاتصال معه تماما ، فإن بداية الشر هو تعلق قلبك به ، وهذا من استدراج الشيطان لك ، أنك نظرت إليه أو تكلمت معه حتى دخل حبه في قلبك ، فلا تزيدي الأمر شرا وبلاء بالكلام أو الخروج معه .

واعلمي أن أكثر المصائب إنما تبدأ بخطوات يسيرة ، ثم يقع ما لم يكن في الحسبان ، وكم من امرأة وثقت في نفسها ثقة زائدة ، وأن ذلك الشاب لن ينال منها أي شيء

ثم كانت النتيجة أنها خسرت كل شيء ! ثم تخلّى عنها ذلك الذئب الذي كان يعدها ويمنيها بالزواج ، لأنها لم تعد صالحة له ، وهيهات أن يثق بها وقد سمحت لنفسها أن تتعلق برجل أجنبي عنها .

ونحن إذ نقول ذلك لك ، فإنما نقوله من باب النصح وإرادة الخير لك ، نسأل الله أن يحفظك من كل سوء ومكروه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-22, 17:12
من باع آخرته بدنيا غيره ، فهو من أخسر الخاسرين .

السؤال

ما تفسير قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : "رجل باع اخرته بدنيا غيره" ؟

الجواب

الحمد لله

هذا القول نُقل عن جماعة من السلف والأئمة المتقدمين.

فروى أبو نعيم في "الحلية" (5/ 325) عن مَيْمُون بْن مِهْرَانَ، قال: " قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِجُلَسَائِهِ: " أَخْبِرُونِي بِأَحْمَقِ النَّاسِ " ؟

قَالُوا: رَجُلٌ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ !!

فَقَالَ عُمَرُ: " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَحْمَقَ مِنْهُ؟

" قَالُوا: بَلَى .

قَالَ: " رَجُلٌ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ " !!

وروى الدارمي (673) : " أن سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الْمَلِكِ سأل أبا حازم : أَيُّ الناس أَحْمَقُ؟

قَالَ: " رَجُلٌ انْحَطَّ فِي هَوَى أَخِيهِ ، وَهُوَ ظَالِمٌ، فَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ " !!

فقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: أَصَبْتَ " .

وروى ابن عبد البر عَنِ عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال : "كَانَ يُقَالُ: أَخْسَرُ النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ ، وَأَخْسَرُ مِنْهُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ ".

انتهى من "جامع بيان العلم وفضله " (2/ 906) .

وقَالَ سَحْنُونٌ :

" أَشْقَى النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ "

انتهى من " الآداب الشرعية والمنح المرعية " (2/ 63) .

وقد ورد ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه لا يصح نسبته إليه ؛ رواه ابن ماجة (3966) ، وضعفه الألباني في " ضعيف ابن ماجة " .

وانظر : " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (735) ، (835) ، "ضعيف الجامع" (1388) .

وروى ابن حبان (4909) عن أبي سعيد الخدري قال: " مَرَّ أَعْرَابِيٌّ بِشَاةٍ ، فَقُلْتُ تَبِيعُنِيهَا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، ثُمَّ بَاعَنِيهَا

فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَ: (باع آخرته بدنياه) وحسنه الألباني في "الصحيحة" (364) .

ومعنى (باع آخرته بدنياه) : أي : ارتكب معصية الله تعالى لينتفع في الدنيا، وعَرَّض نفسه لخسارة نعيم الآخرة ، كمن حلف كاذبا أو غش ليربح في البيع .

أو تعامل بالربا ليجمع الأموال .

أو ظلم الناس وأكل أموالهم بغير حق ، كالسارق والغاصب والخائن .

وأما معنى "باع آخرته بدنيا غيره " : فذلك يطلق على من يعصي الله تعالى ويعرض نفسه لخسارة نعيم الآخرة ، لا من أجل أن يتنعم هو بالدنيا ، ولكن ليتنعم غيره بها ؛ فهو يصلح دنيا غيره ، بفساد آخرته .

وذلك : كمن أعان ظالما ليتمكن من ظلمه ، كعلماء السوء أو جنود الحكام الظلمة الذين يعينونهم على ظلم رعيتهم ، فهؤلاء أعانوا ذلك الظالم ليستمتع بدنياه ويتمكن فيها

وأذهبوا آخرتهم ، فباعوا آخرتهم ولم يستفيدوا هم شيئا من الدنيا وإنما استفاد غيرهم .

قال المناوي : " سماه الفقهاء : أخس الأخساء"

انتهى من "التيسير" (2/380) .

وينظر : "فيض القدير" (2/424) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-22, 17:16
هل يجوز للمرأة العفيفة أن تكشف شيئا من زينتها أمام امرأة تفعل السحاق؟

السؤال

هل واجب عليَّ أن أرتدي الحجاب أمام امرأة تمارس السحاق ؟

الجواب

الحمد لله

السحاق هو إتيان المرأة المرأة ، وهو محرم بلا شك بل هو كبيرة من كبائر الإثم

وقد سبق بيان هذا في السؤال القادم

وقد اختلف الفقهاء في حكم نظر المساحقة للعفيفة وحكم تكشف العفيفة أمام المساحقة .

جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية "(24 / 252) : " اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ فِي جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ الْمُسَاحَقَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ

فَذَهَبَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ وَابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ وَعَمِيرَةُ الْبُرُلُّسِيُّ إِلَى مَنْعِهِ وَحُرْمَةِ التَّكَشُّفِ لَهَا لأِنَّهَا فَاسِقَةٌ ، وَلاَ يُؤْمَنُ أَنْ تَحْكِيَ مَا تَرَاهُ ، وَذَهَبَ الْبُلْقِينِيُّ وَالرَّمْلِيُّ وَالْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ إِلَى جَوَازِهِ

لأِنَّهَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ ، وَالْفِسْقُ لاَ يُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ " انتهى .

وينظر أيضا : " الموسوعة الفقهية " ( 40 / 362 ، 363 ) .

والراجح ما ذهب إليه العز بن عبد السلام ومن وافقه ؛ لأن نظر السحاقية إلى العفيفة وتكشف العفيفة أمامها ذريعة إلى الشر والفساد ، وقد جاءت الشريعة المطهرة بأصل عظيم من الأصول ،

وهو وجوب سد الذرائع إلى الشرور والمعاصي .

جاء في " الفتاوى الهندية " ( 5 / 327 ) : " ولا ينبغي للمرأة الصالحة أن تنظر إليها المرأة الفاجرة ؛ لأنها تصفها عند الرجال ، فلا تضع جلبابها ولا خمارها عندها " . انتهى .

وعليه : فمن عُلم عنها هذا الفعل من النساء ، فإنها تعامل معاملة خاصة غير سائر النساء ، في أحكام النظر ، وإبداء الزينة واللمس والخلوة ونحو ذلك

فلا يجوز للمرأة العفيفة أن تكشف شيئا من جسدها أمامها ، ولا أن تمكنها من النظر إلى شيء من زينتها أو لمس بدنها ؛ لأنها إن مكنتها من شيء من ذلك

فقد أعانتها على الإثم والخطيئة ، وفتحت لها ذريعة الشر والفساد .

ولا يجوز لمن علمت من نفسها الميل إلى النساء أن تنظر إليهن ، بل لو علمت حصول الفتنة لها بالنظر إلى الوجه أو الكفين ، لم يجز لها النظر إلى وجه امرأة ولا إلى كفيها .

وقد نص بعض أهل العلم أن العفيفة تعامل السحاقية كما تعامل الرجل .

جاء في " أسنى المطالب في شرح روض الطالب " (3 / 111):

" وَإِنْ كَانَتْ مُسَاحقةً فَكَالرَّجُلِ وَنَحْوِهِ ، قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ: إنْ كَانَتْ تَمِيلُ إلَى النِّسَاءِ ، أَوْ خَافَتْ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ الْفِتْنَةَ لَمْ يَجُزْ لَهَا النَّظَرُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ

وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ : وَأَمَّا الْمَرْأَةُ مَعَ الْمَرْأَةِ ، فَكَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَأَمَّا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ : فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِحَالٍ" انتهى.

ونص بعض أهل العلم أيضا على أنه لا يجوز أن تعار الخادمة لامرأة عرفت بالفجور ؛ لأن الفاجرة في هذا الباب كالرجل الأجنبي

. انظر : " تحفة المحتاج في شرح المنهاج " (5 / 416).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-22, 17:19
عقوبة السحاق

السؤال

أعلم بأن السحاق محرم ولكنني أريد أن أعرف العقوبة ، قالت لي إحدى الأخوات بأن حده مثل حد الزنى ، الجلد لغير المتزوجة والرجم للمتزوجة .

فما هو الصحيح في هذه العقوبة ؟.

الجواب

الحمد لله

السحاق هو إتيان المرأة المرأة ، وهو محرم بلا شك ، وقد عدَّه بعض العلماء من الكبائر .

انظر : "الزواجر عن اقتراف الكبائر" كبيرة رقم (362) .

وقد اتفق الأئمة على أن السحاق لا حد فيه لأنه ليس بزنى . وإنما فيه التعزير فيعاقب الحاكم من فعلت ذلك العقوبة التي تردعها وأمثالها عن هذا الفعل المحرم .

وجاء في الموسوعة الفقهية (24/252) :

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لا حَدَّ فِي السِّحَاقِ ; لأَنَّهُ لَيْسَ زِنًى . وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ ; لأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ اهـ .

وقال ابن قدامة (9/59) :

وَإِنْ تَدَالَكَتْ امْرَأَتَانِ , فَهُمَا زَانِيَتَانِ مَلْعُونَتَانِ ; لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ

: ( إذَا أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ , فَهُمَا زَانِيَتَانِ ) . وَلا حَدَّ عَلَيْهِمَا لأَنَّهُ لا يَتَضَمَّنُ إيلاجًا ( يعني الجماع ) , فَأَشْبَهَ الْمُبَاشَرَةَ دُونَ الْفَرْجِ , وَعَلَيْهِمَا التَّعْزِيرُ اهـ .

وقال في تحفة المحتاج (9/105) :

وَلا حَدَّ بِإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ ، بَلْ تُعَزَّرَانِ اهـ .

وقد يتوهم البعض أن عقوبة السحاق هي عقوبة الزنى للحديث الذي ذكره ابن قدامة آنفاً .

وهذا الحديث قد رواه البيهقي عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان ، وإذا أتت المرأةُ المرأةَ فهما زانيتان .

وهذا الحديث ضعيف ، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (282) .

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (7/287) :

فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَّبَهُ أَبُو حَاتِمٍ , وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : لا أَعْرِفُهُ ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ اِنْتَهَى .

ولو صح الحديث لكان معناه أنهما زانيتان في الإثم لا في الحد . قاله السرخسي في "المبسوط" (9/78).

كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِكُلِّ بَنِي آدَمَ حَظٌّ مِنْ الزِّنَا ، فَالْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ

وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ ، وَالرِّجْلانِ يَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ ، وَالْفَمُ يَزْنِي وَزِنَاهُ الْقُبَلُ ، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ ) رواه البخاري ومسلم وأحمد (8321) واللفظ له .

والله تعالى أعلم .

ثانياً :

على من ابتليت بهذا البلاء المبادرة بالتوبة إلى الله ، والعمل على معالجة هذا الداء ، ومن طرق معالجته :

- تقوى الله عز وجل والإخلاص في عبادته ومحبته والإحسان في ذلك قال سبحانه وتعالى عن يوسف ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) يوسف / 24 .

ومنها : غض البصر فإنه من أعظم تزكية النفوس فإذا رأى الإنسان ما يستحسنه فلا يعاود النظر.

ومنها : أن يتذكر الإنسان الموتى الذين حبسوا على أعمالهم فلا يقدرون على محو خطيئة ولا على زيادة حسنة ومنها الاشتغال بما ينفع.

ومنها : الزواج والتعجيل به ما أمكن .

ثالثا :

لا شك أن الوقوع في المعاصي وانتهاك حرمات الله تعالى سبب من أسباب العقوبات التي تنزل بالناس عامة وخاصة وهذه العقوبات نوعان : قدرية بسبب معصيته تصيبه في دينه وفي قلبه وبدنه

تصيبه في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله : ما يزيد على خمسين نوعاً من أثار الذنوب والمعاصي تناولها بالبيان

والتفصيل في كتاب (الداء والدواء) وفي معرض كلامه عن أسباب الصبر عن المعصية في كتاب (طريق الهجرتين) فمن أثار الذنوب : سواد الوجه وظلمة القلب وضيقه وغمه وحزنه وقلقه واضطرابه

وقسوته وتخلى الله عنه فلا يتولاه ولا ينصره ومرض القلب الذي إذا استحكم فيه فهو الموت ولا بد فإن الذنوب تميت القلب

ومنها : أن يصير في ذلة بعد عزة وفي وحشة بعد أُنسٍ بالطاعة وفي طرد وبُعدٍ عن الله بعد الطمأنينة به والسكون إليه

ومنها : فقره بعد غناه فإنه كان غنياً بما معه من رأس المال وهو الإيمان فإذا سلب رأس ماله أصبح فقيراً معدماً ولا يعود إليه ماله إلا بتوبة نصوح وجِدٍّ وتشمير ومنها نقصان الرزق فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه .

ومنها الطبع والرين على قلبه فالعبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب منها ذهبت عنه .

ومنها إعراض الله وملائكته وعباده عنه فإن العبد إذا أعرض عن الطاعة و اشتغل بالمعصية أعرض الله عنه وملائكته .

وبالجملة فأثار المعصية أكثر من أن يحيط بها العبد علماً ، وآثار الطاعة أكثر من أن يحيط بها العبد علماً فخير الدنيا والآخرة كله في طاعة الله وشر الدنيا والآخرة كله في معصية الله .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-22, 17:25
كيفية التعامل مع الحب للجنس الآخر قبل الزواج

السؤال

الحب والميل للجنس الآخر قبل الزواج ، وهو شيء ليس بيد البشر ، فالتعامل معه حدده ربنا _ سبحانه _ في تلك الآية الكريمة : ( وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ

عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) البقرة / 235

فالطريق واضح إما الخطبة أو نكتم الأمر داخلنا حتى يقضي الله فيه

فهل الاستدلال بالآية الكريمة هنا صحيح أم لا ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

ميل الرجل للمرأة والعكس ، هو مما جبل الله عليه الناس ليتحقق استمرار جنس الإنسان في الأرض ولا ينقطع إلى أن يشاء الله تعالى ، وليتحقق السكون والألفة داخل الأسرة .

قال الله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )الروم/21 .

ولا يلام الرجل على ميله لجنس النساء .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

" وأما محبّة النِّسْوان فلا لوم على المحِبّ فيها ، بل هي من كماله " .

انتهى من " الداء والدواء " ( ص552 ) .

ويدل على أن هذا الميل من صفات الكمال للرجل .

عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ) رواه النسائي ( 3940 ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن النسائي " ( 3940 ) .

وإذا تعلق قلب الرجل بامرأة أجنبية منه خارج إطار الزواج فقد يصعب عليه تخليص القلب من ذلك ، ولهذا جاء الشرع بالابتعاد عما يؤدي إلى هذا التعلق وقطع أسباب قبل وقوعه .

فالعشق والتعلق لا يولد في القلب غالبا إلا بسبب إطلاق البصر وعدم غضه عن المحرمات

ومزاولة الشخص لما يقوي هذا العشق من غناء محرم ومطالعات أو مشاهدات أو تفكيرات تثيره ، وتمكنّه في القلب ، خاصة إذا كان قلبه ضعيفا ، خاليا من ذكر الله تعالى .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

" مبادئ العشق وأسبابه اختيارية داخلة تحت التكليف ، فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري ، فإذا أتى بالأسباب ، كان ترتب المسبب عليها بغير اختياره ...

وهذا بمنزلة السكر من شرب الخمر ، فإن تناول المسكر اختياري ، وما يتولد عنه من السكر اضطراري

فمتى كان السبب واقعا باختياره ، لم يكن معذورا فيما تولد عنه بغير اختياره ، فمتى كان السبب محظورا ، لم يكن السكران معذورا .

ولا ريب أن متابعة النظر ، واستدامة الفكر ، بمنزلة شرب المسكر ، فهو يلام على السبب

"انتهى من " روضة المحبين " ( ص 225 ) .

نعم ؛ في بعض الأحيان يكون الشخص معذورا ، وغير ملوم على ما وقع في قلبه من الميل والعشق ؛ وذلك إذا حدث بلا تسبب محرم من العاشق كأن يتولد الميل بنظر الفجأة مثلا

أو أن يكون العاشق قد تزوج امرأة ، وأحبها لكنها لم ترغب فيه وسعت في الطلاق منه حتى تطلقت ، فبقي قلبه متعلقاً بها ، فهذا معذور .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

" إذا حصل العشق بسبب غير محظور ؛ لم يُلَم عليه صاحبه ، كمن كان يعشق امرأته ، أو جاريته ، ثم فارقها ، وبقي عشقها غير مفارق له ، فهذا لا يلام على ذلك ...

وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ، ثم صرف بصره ، وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره ، على أن عليه مدافعته ، وصرفه عن قلبه بضده ، فإذا جاء أمر يغلبه ؛ فهناك لا يلام بعد بذل الجهد في دفعه "

انتهى من " روضة المحبين " ( 225 - 226 ) .

ثانيا :

متى ما وقع في قلب الرجل شيء من الميل لامرأة معينة ؛ فالحل الصحيح أن يتقدم لخطبتها إذا كان ذلك يمكن ، شرعا وواقعا .

ومن هذا الباب : شفاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم لمغيث حتى تعود إليه بريرة بعد أن فارقته.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي ، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعبَّاسٍ

: ( يَا عَبَّاسُ ، أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا ) ،! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ رَاجَعْتِهِ ) ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : ( إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ ، قَالَتْ : لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ ) " . صحيح البخاري ( 5283 ) .

وإذا عجز عن الزواج ، فعليه في هذه الحالة باللجوء إلى الله تعالى لكي يفرج همّه ، وعليه بالصبر ، وليتنبّه إلى أن هذا ابتلاء واختبار من الله تعالى ، فإن صبر فله أجر عظيم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر فإنه يثاب على تقواه لله ... من المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات ، نظرا وقولا وعملا

وكتم ذلك ، فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلام محرم ، إما شكوى إلى المخلوق ، وإما إظهار فاحشة ، وإما نوع طلب للمعشوق ، وصبر على طاعة الله ، وعن معصيته

وعلى ما في قلبه من ألم العشق ، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر ، ( إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) "

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 10 / 133 ) .

ثالثا :

وأما الاستدلال بالآية الكريمة المذكورة في السؤال على أن الحل للحب والميل للجنس الآخر قبل الزواج

إما الخطبة أو كتم الأمر في النفس حتى يقضي الله فيه ؛ فهذه الآية الكريمة إنما نزلت في حق المعتدة من وفاة زوجها ، فيجوز لمن أراد أن يخطبها أن يعرض لها بالنكاح ولا يصرح

كما يجوز له أن يضمر في نفسه أنه متى انقضت عدتها تقدم للزواج منها .

ولا يظهر لنا مانع من الاستدلال بالآية على ما ذكر ، فمن وقع في قلبه حب امرأة ، فليقدم على خطبتها ، فإن كان هناك مانع من خطبتها فلا حرج عليه أن يضمر في نفسه أنه متى زال هذا المانع تقدم لها .

بشرط أنه لا يتواعد معها على شيء محرم ولا يفعل معها شيئا محرما ، لقوله تعالى : (إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) .
فلا يجوز أن يقول لها قولا منكرا شرعا .

والذي يصارح لمن يحب بالحب والعشق ، لم يقل معروفا بل قال قولا منكرا

فبهذا قد أطمع الطرف الآخر بالوصال ، فإذا لم يكن قادرا على الزواج بها ، فالأمر أشد في حقه ، ومن هنا يتلاعب الشيطان بهما ، فمتى كان باب الحلال موصدا ، لم يبق إلا الحرام !!

أمّا إذا كان قادرا على الزواج ، راغبا في الفتاة ، فليصرح بذلك ، وليخطبها من أوليائها .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

hako5000
2019-08-22, 21:45
بارك الله فيك على اجتهادك .موضوع مهم وقد افضت فيه كثيرا.

القناعة في كل شيء يكبح شهوات النفس.

ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء !(( وحذر الإسلام من الفتنة بالنساء ، فقال عليه الصلاة والسلام : "*ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء*" ( 1 )فالشهوة أمرها خطير وشرها جسيم ، فكم من عابد لله حولته الشهوة إلى فاسق ، وكم من عالم حولته إلى جاهل ، وكم أخرجت أناسا من الدين كانوا في نظر من يعرفهم أبعد الناس عن الضلال والانحراف ، ولذا قال أحد السلف : "*لم يكن كفر من مضى إلا من قـِبَل النساء وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء*" ( 2

حفظنا الله وإياكم من فتنة النساء.

adelamine
2019-08-23, 11:24
اللهم احفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن

*عبدالرحمن*
2019-09-19, 04:51
بارك الله فيك على اجتهادك .موضوع مهم وقد افضت فيه كثيرا.

القناعة في كل شيء يكبح شهوات النفس.

ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء !(( وحذر الإسلام من الفتنة بالنساء ، فقال عليه الصلاة والسلام : "*ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء*" ( 1 )فالشهوة أمرها خطير وشرها جسيم ، فكم من عابد لله حولته الشهوة إلى فاسق ، وكم من عالم حولته إلى جاهل ، وكم أخرجت أناسا من الدين كانوا في نظر من يعرفهم أبعد الناس عن الضلال والانحراف ، ولذا قال أحد السلف : "*لم يكن كفر من مضى إلا من قـِبَل النساء وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء*" ( 2

حفظنا الله وإياكم من فتنة النساء.

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2019-09-19, 04:52
اللهم احفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن

اللهم امين

بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2019-09-19, 04:56
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


من باع آخرته بدنيا غيره ، فهو من أخسر الخاسرين .

السؤال

ما تفسير قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

: "رجل باع اخرته بدنيا غيره" ؟

الجواب

الحمد لله

هذا القول نُقل عن جماعة من السلف والأئمة المتقدمين.

فروى أبو نعيم في "الحلية" (5/ 325) عن مَيْمُون بْن مِهْرَانَ، قال: " قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِجُلَسَائِهِ: " أَخْبِرُونِي بِأَحْمَقِ النَّاسِ " ؟

قَالُوا: رَجُلٌ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ !!

فَقَالَ عُمَرُ: " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَحْمَقَ مِنْهُ؟

" قَالُوا: بَلَى .

قَالَ: " رَجُلٌ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ " !!

وروى الدارمي (673) :

" أن سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الْمَلِكِ سأل أبا حازم : أَيُّ الناس أَحْمَقُ؟

قَالَ: " رَجُلٌ انْحَطَّ فِي هَوَى أَخِيهِ ، وَهُوَ ظَالِمٌ، فَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ " !!

فقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: أَصَبْتَ " .

وروى ابن عبد البر عَنِ عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال : "كَانَ يُقَالُ: أَخْسَرُ النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ ، وَأَخْسَرُ مِنْهُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ
".
انتهى من "جامع بيان العلم وفضله " (2/ 906) .

وقَالَ سَحْنُونٌ :

" أَشْقَى النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ "

انتهى من " الآداب الشرعية والمنح المرعية " (2/ 63) .

وقد ورد ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه لا يصح نسبته إليه ؛ رواه ابن ماجة (3966) ، وضعفه الألباني في " ضعيف ابن ماجة " .

وانظر : " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (735) ، (835)

"ضعيف الجامع" (1388) .

وروى ابن حبان (4909) عن أبي سعيد الخدري قال: " مَرَّ أَعْرَابِيٌّ بِشَاةٍ ، فَقُلْتُ تَبِيعُنِيهَا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ؟

قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، ثُمَّ بَاعَنِيهَا ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَ: (باع آخرته بدنياه) وحسنه الألباني في "الصحيحة" (364) .

ومعنى (باع آخرته بدنياه) : أي : ارتكب معصية الله تعالى لينتفع في الدنيا، وعَرَّض نفسه لخسارة نعيم الآخرة ، كمن حلف كاذبا أو غش ليربح في البيع .

أو تعامل بالربا ليجمع الأموال .

أو ظلم الناس وأكل أموالهم بغير حق ، كالسارق والغاصب والخائن .

وأما معنى "باع آخرته بدنيا غيره " : فذلك يطلق على من يعصي الله تعالى ويعرض نفسه لخسارة نعيم الآخرة ، لا من أجل أن يتنعم هو بالدنيا ، ولكن ليتنعم غيره بها ؛ فهو يصلح دنيا غيره ، بفساد آخرته .

وذلك : كمن أعان ظالما ليتمكن من ظلمه ، كعلماء السوء أو جنود الحكام الظلمة الذين يعينونهم على ظلم رعيتهم

فهؤلاء أعانوا ذلك الظالم ليستمتع بدنياه ويتمكن فيها ، وأذهبوا آخرتهم ، فباعوا آخرتهم ولم يستفيدوا هم شيئا من الدنيا وإنما استفاد غيرهم .

قال المناوي : " سماه الفقهاء : أخس الأخساء"

انتهى من "التيسير" (2/380) .

وينظر : "فيض القدير" (2/424) .

والله تعالى أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين