المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأخلاق المحمودة


*عبدالرحمن*
2019-08-01, 16:25
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


تقدم

مقدمة الاخلاق (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2146555)

حديث : (خُلُق الإسلام الحياء)

السؤال

هل هذا حديث يجوز الاستشهاد به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

: ( لكل أمة خلق وخلق أمتي الحياء ، وإن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبداً نزع منه الحياء فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتاً ) ؟

الجواب

الحمد لله

لا نعرف حديثا بهذا اللفظ : " لكل أمة خلق ، وخلق أمتي الحياء " .

والمعروف ما رواه ابن ماجة (4181) ، والطبراني في " الأوسط " (1758) عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ ) .

ثم رواه ابن ماجة (4182) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

ورواه الإمام مالك في "الموطأ" (3359) من حديث يزيد بن طلحة بن ركانة مرفوعا مرسلا .

ورواه ابن عبد البر في " التمهيد " (21/142) من حديث معاذ ، وحسنه .

وقال في "الاستذكار" (8/ 281):

" هَذَا الْحَدِيثُ مُسْنَدٌ مِنْ وُجُوهٍ " .

وصححه الألباني في "الصحيحة" (940).

والحديث باللفظ الذي ذكرناه : مقبول ، يصح إيراده ، والاستشهاد به ، واستنباط الآداب منه .

وأما قوله : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا، نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ ... " :

فرواه ابن ماجة (4054) من طريق سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ أَبِي شَجَرَةَ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا، نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاء

فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ

فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَة ُ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا، نُزِعَتْ مِنْهُ رِبْقَةُ الْإِسْلَامِ) .

وهذا إسناد ضعيف جدا ، آفته سعيد بن سنان ، وهو أبو مهدي الحمصي ، قال يحيى: ليس بثقة -

وقال مرة: ليس بشيء. وقال الجوزجاني: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة. وقال البخاري: منكر الحديث ، وقال النسائي: متروك.

"ميزان الاعتدال" (2 /143).

وقد ذكره الألباني في "الضعيفة" (3044) وقال : " موضوع " .

فلا يجوز أن ينسب ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أن يستشهد به

لأنه من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم ، وقد قال : ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ) رواه مسلم في " مقدمة الصحيح " (1/7)

قال النووي رحمه الله :

" فِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ ، وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ ، فَرَوَاهُ: كَانَ كَاذِبًا , وَكَيْف لَا يَكُون كَاذِبًا ، وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ ؟ " انتهى .

وفي خلق الحياء أحاديث صحيحة تغني عن هذا الحديث الضعيف .

انظر جواب السؤالين القادمين

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-01, 16:35
مشكلة " عدم الحياء " وكيف يمكن التخلص منها وكيفية تحقيق خلق الحياء

السؤال

أنا فتاة تعاني من مشكلة " عدم الحياء " ، وهذا أمر يزعجني كثيراً ويشغل بالي ، والسبب في ذلك : أني كنت من قبل فتاة ضالة ، لم أكن أصلي ولا أقرأ القرآن ولا ذكر ولا ..ولا ..

وكان لي رفقة كان كل وقتنا يذهب في الحديث عن المطربين والمطربات أخبارهم وعن العلاقات مع الشباب ومشاهدة الأفلام المليئة بالمشاهد الساخنة ، فترتب عن ذلك أن أصبحت فتاة شهوانية

ووسط كل هذا كان من الصعب عليَّ السيطرة على غريزتي ، فكنت ألجأ إلى العادة السرية عن طريق الخيال الجنسي دون أن ألمس جسدي بشيء ، كان الأمر يقتصر على الخيال فقط

ولم أكن أعرف خلالها أن هذا الفعل حرام ، فكما تلاحظون إن العيش في هذه الظروف من الطبيعي ألا يكون لدي حياء ، لكن الآن بعد أن منَّ الله عليَّ بالهداية واستقمت بدأت بالصلاة وحفظ القرآن وإشغال علاقتي بالله

لاحظت أن عدم الحياء لا يزال بداخلي أي أني يمكن لي أن أذهب إلى طبيب رجل ليفحصني ولو في أماكن خاصة من جسدي دون أن أشعر أن هذا الفعل حرام أو لا يجوز . الخلاصة

: أريد أن أكون فتاة حيية ، كيف السبيل إلى ذلك ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

إن شكواك – أيتها الأخت السائلة – من عدم وجود الحياء في حياتك

وبحثك عن الوسائل التي تستطيعين تحقيق ذلك الخلق : ليدل – إن شاء الله – على صدق في الالتزام

وحب في الانقياد لشرع الله تعالى ، فالمعاناة هذه لم تصدر من فراغ ، بل هي دالة – إن شاء الله – على خير دفين تستطيعين – بإذن الله - إخراجه ليكون درة في يديك وتاجاً على رأسك .

ثانياً:

قال ابن رجب رحمه الله :

" واعلم أنَّ الحياء نوعان :

أحدهما : ما كان خَلْقاً وجِبِلَّةً غيرَ مكتسب ، وهو من أجلِّ الأخلاق التي يَمْنَحُها الله العبدَ ويَجبِلُه عليها

ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : ( الحياء لا يأتي إلاَّ بخير ) ، فإنَّه يكفُّ عن ارتكاب القبائح ، ودناءةِ الأخلاق ، ويحثُّ على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها ، فهو مِنْ خصال الإيمان بهذا الاعتبار

وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه قال : من استحيى اختفى ، ومن اختفى اتقى ، ومن اتقى وُقي .

وقال الجَرَّاح بنُ عبد الله الحكمي - وكان فارس أهل الشام - : تركتُ الذنوب حياءً أربعين سنة ، ثم أدركني الورع . وعن بعضهم قال : رأيتُ المعاصي نذالةً ، فتركتها مُروءةً ، فاستحالت دِيانة.

والثاني : ما كان مكتسباً من معرفة اللهِ ، ومعرفة عظمته وقربه من عباده ، واطلاعه عليهم ، وعلمِه بخائنة الأعين وما تُخفي الصدور ، فهذا من أعلى خصالِ ، الإيمان ، بل هو مِنْ أعلى درجات الإحسّان "

انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/501) .

ثالثاً:

وتستطيعين – بإذن الله – تحقيق خلق الحياء في حياتك إذا استطعتِ تحقيق ما نوصيك به وما ندلك عليه ، ومن ذلك :
1. تقوية الإيمان بالله تعالى ، فكلما قوي إيمانك ازداد حياؤك .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ ) .

رواه البخاري ( 24 ) ومسلم ( 36 ) .

قال ابن قتيبة:

( إنما جعل الحياء ، وهو غريزة ، شعبة من الإيمان ـ وهو اكتساب ؛ لأن المستحي ينقطع بالحياء عن المعاصي

وإن لم يكن له تقية [= يعني : وإن لم يكن صاحب تقوى تحجزه ] ؛ فصار كالإيمان الذي يقطع عنها ؛ ولذلك يقال " إذا لم تستح فاصنما شئت "

يراد : أن من لم يستح صنع ما شاء ، لأنه لا يكون له حياء يحجزه ، ويكفه عن الفواحش والقبح ) .

" ‫ انتهى من غريب الحديث له " ( 1 / 130) .

2. استشعار نِعَم الله تعالى الجليلة عليك ، فمن شأن التفكر في تلك النعَم أن يولِّد حياء من الله عظيماً أن يكون منك مثل تلك الأفعال المناقضة للحياء

فهل يُشكر الله بما وهبه لك من نعمة الجمال أن تعرضيه على الأجانب ؟!

وهل من شكر نعمة الصحة والعافية في البدن أن يُكشف على رجل أجنبي ؟!

والمسلم مقصِّر أصلاً في شكر نعَم الله تعالى عليه ، وهو يعجز عن إحصائها فكيف له أن يشكرها ؟!

فهل يصلح أن يكون مع هذا التقصير في الشكر شيء من المعاصي التي نهاه ربُّه تعالى عنها ؟ .

قال الجنيد - رحمه الله - :

الحياء : رؤية الآلاء ، ورؤية التّقصير فيتولّد بينهما حالة تسمّى : الحياء .

انظر : " مدارج السالكين " ( 2 / 259 ، 260 ) .

وقال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :

وقد يتولد الحياء مِن الله مِن مطالعة النِّعَم ، فيستحيي العبدُ مِن الله أن يستعين بنعمته على معاصيه ، فهذا كله من أعلى خصال الإيمان .

" فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 51 ) .

3. استشعار مراقبة أحدٍ من النَّاس ممن ترين فيهم الصلاح والتقوى عند فعل أي شيء يخدش الحياء أو يناقضه .
عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي

قَالَ : ( أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ ) .

رواه الإمام أحمد في " الزهد " ( 46 ) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " ( 741 ) .

وانظري شرح هذا الحديث الجليل في جواب السؤال القادم

4. اتخاذ القدوة الصالحة فيمن حقق خلق الحياء ، ومصاحبة الخيِّرات الحييات من النساء .

ويكفيك قدوتان : أحدهما من الرجال ! والآخر من النساء :

القدوة الأولى : هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : " كَانَ النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسلَّم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ - أي : البكر - في خِدْرِهَا " . رواه البخاري ( 5751 ) ومسلم ( 2320 ) .

والقدوة الثانية الثانية : ابنة الرجل الصالح في " مَدْين " .

قال تعالى – واصفاً مشيتها لما جاءت لموسى عليه السلام - : ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) القصص/ 25 .

قال ابن كثير – رحمه الله - :

أي : مشي الحرائر ، كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال : كانت مستتَرة بكُم دِرْعها .
وقال ابن أبي حاتم : ... : قال عمر رضي الله عنه

: " جاءت تمشي على استحياء ، قائلة بثوبها على وجهها ، ليست بسَلْفَع خَرَّاجة ولاَّجة " هذا إسناد صحيح .

قال الجوهري : السلفع من الرجال : الجَسور ، ومن النساء : الجريئة السليطة ، ومن النُّوق : الشديدة .

" تفسير ابن كثير " ( 6 / 228 ) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :

وهذا يدل على كرم عنصرها ، وخُلُقها الحسن ؛ فإنَّ الحياء من الأخلاق الفاضلة ، وخصوصاً في النساء .

" تفسير السعدي " ( ص 614 ) .

وفي صحبة الحييات من النساء قال ابن القيم – رحمه الله - :

ومن كلام بعض الحكماء : أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيى منه ، وعمارة القلب بالهيبة والحياء ؛ فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير .

" مدارج السالكين " ( 2 / 260 ) .

5. تذكر القبر واليوم الآخر والحشر والصراط ، فإن المسلم إذا علم أن حاله سيصير إلى دنيا أخرى يحاسبه ربه تعالى على ما فعل في دنياه : منعه ذلك من اقتراف السيئات ، ودفعه إلى تحقيق خلق الحياء من ربِّه تعالى .

قال ابن مسعود رضي الله عنه: " الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ : أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى

وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ : تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ : فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ) رواه الترمذي ( 2458 ) مرفوعاً للنبي صلى الله عليه ، والأصح أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه .

6. التفكر في أسماء الله التي من معانيها مراقبة العبد ورؤيته له واطلاعه على أحواله ، كأسمائه تعالى : الشهيد ، والرقيب ، والعليم ، والبصير .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

العبد متى علِم أنَّ الرب تعالى ناظر إليه : أورثه هذا العلم حياءً منه يجذبه إلى احتمال أعباء الطاعة .

" مدارج السالكين " ( 2 / 264 ) .

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

وقد قال بعض السلف : خفِ الله على قدْر قُدرته عليك ، واستحي منه على قدْر قُربه منك .

" فتح الباري " ( 1 / 75 ) .

قال حاتم الأصم – رحمه الله - :

تعاهد نفسك في ثلاث : إذا عملتَ : فاذكر نظر الله إليك ، وإذا تكلمتَ : فاذكر سمع الله منك ، وإذا سكتَّ : فاذكر علم الله فيك .

" سير أعلام النبلاء " ( 11 / 485 ) .

وفيما ذكرناه كفاية ، والمطلوب منك الآن أن تبدئي بعلاج نفسك وتهذيبها وتحقيق ما ذكرناه لك من الوصايا ، وسترين أثر ذلك على نفسك وفي حياتك ، ونسأل الله تعالى أن يعجِّل لك الخير .

7. مجاهدة النفس وإلزامها بترك كل ما يخالف الحياء ، ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الآداب : من الأقوال والأفعال ، ومعاندة الشيطان الذي يجر النفس إلى مثل هذه البذاءات ، ويزينها له .

وينصح بمراجعة رسالة " الحياء خلق الإسلام " لفضيلة الدكتور محمد إسماعيل المقدم ، حفظه الله ، فهي نافعة في بابها .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-01, 16:42
الحياء من الله تعالى ، صُوَره ، وأنواعه ، وآثاره

السؤال

كيف - يا شيخ - أستحي من الله ؟ فالله يراني في الخلاء ، وعند قضاء الحاجة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : إنه يجب علينا أن نستحي من الله كما نستحي من الرجل الصالح منا

فمَن أستحي منه مِن البشر لا أريده أن يراني على هذه الأوضاع التي ذكرتها سابقاً ، فأخجل منه مِن أن يطلع على عورتي ويراني كذلك ، ولكن هذا يستحيل مع الله

فكيف أستحي من الله ؟

وهل لهذا الحياء ثواب عند الله ؟

الجواب

الحمد لله

سؤالك أخي الفاضل في محله ، وهو يدل على انتباه ، ونباهة ، فنسأل الله أن يزيدك هدى وتوفيقاً ، وأن تكون من حملة العلم والدعاة إلى الله .

وجواباً عليه نقول :

1. الحياء لغةً مصدر حيي ، وهو : تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذمّ ، وفي الشّرع : خلق يبعث على اجتناب القبيح من الأفعال والأقوال ، ويمنع من التّقصير في حقّ ذي الحق .

" الموسوعة الفقهية " ( 18 / 259 ) .

2. الحديث الذي ورد في سؤالك هو :

عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي ، قَالَ : أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ .

رواه الإمام أحمد في " الزهد " ( 46 ) ، والبيهقي في " شعب الأيمان " ( 6 / 145 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 7738 ) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " ( 741 ) .

قال المناوي – رحمه الله - :

( أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك ) قال ابن جرير : هذا أبلغ موعظة وأبْين دلالة بأوجز إيجاز ، وأوضح بيان

إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح ، وذوي الهيئات والفضل ؛ أن يراه وهو فاعله ، والله مطلع على جميع أفعال خلقه

فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه : تجنَّب جميع المعاصي الظاهرة ، والباطنة ، فيا لها مِن وصية ، ما أبلغها ، وموعظة ما أجمعها " انتهى .

" فيض القدير " ( 3 / 74 ) .

ولذلك قال بعض السلف : خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه على قدر قربه منك !!

قال الراغب الأصفهاني ـ رحمه الله ـ
:
( حق الإنسان إذا همَّ بقبيح أن يتصور أجل من في نفسه حتى كأنه يراه

فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه ، ولذلك لا يستحي من الحيوان ، ولا من الأطفال ، ولا من الذين لا يميزون ، ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل ، ومن الجماعة أكثر ما يستحي من الواحد .

والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة : البشر ، وهم أكثر من يستحي منه ، ثم نفسه ، ثم الله تعالى ، ومن استحى من الناس ولم يستحي من نفسه : فنفْسه عنده أخس من غيره

ومن استحى منها ولم يستح من الله : فلعدم معرفته بالله ، فالإنسان يستحيي ممن يعظمه ، ويعلم أنه يراه أو يسمع نجواه ، فيبكته ؛ ومن لا يعرف الله فكيف يعظمه، وكيف يعلم أنه مطلع عليه ؟"

انتهى . "الذريعة إلى مكارم الشريعة" ص (289) .

3. وما ذكرتَه أخي الفاضل ليس له دخل بالحياء في أصل صورته ؛ لأنه لا قضاء للحاجة ، ولا جماع

ولا اغتسال إلا بكشف عورة ، وهذا أمرٌ معلوم ، لكن قد يفعل ذلك بعض من نزع الحياء من قلبه ، فتراه يتمشى في البيت وهو عريان ! أو يعبث بعورته أثناء قضائه لحاجته

أو تراه يغتسل ولا يبالي بمن يراه من الناس ، وهكذا تختلف صور أولئك الذين يقضون حاجتهم ، أو يغتسلون بحسب ما في قلوبهم من الحياء .

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟

قَالَ : احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ

قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ، قَالَ : إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِياً ، قَالَ : اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ
.
رواه الترمذي ( 2794 ) وأبو داود ( 4017 ) وابن ماجه ( 1920 ) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .

وقوله في الحديث : ( فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ ) " أَيْ : فَاستتر [ يعني : مما أمر الله بالاستتار منه ] ، طَاعَة لَهُ وَطَلَبًا لِمَا يُحِبّهُ مِنْك وَيُرْضِيه ؛ وَلَيْسَ الْمُرَاد فَاسْتَتِرْ مِنْهُ ؛ إِذْ لَا يُمْكِن الِاسْتِتَار مِنْهُ جَلَّ ذِكْرُهُ وَثَنَاؤُهُ "

قاله السندي في حاشية ابن ماجة .

وقد سئل ابن عباس ، رضي الله عنهما

عن قول الله عز وجل : ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) هود/5

فَقَالَ : ( أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ ) . رواه البخاري (4681) .

يعني : أنهم كانوا يكرهون أَنْ يَقْضُوا الْحَاجَة فِي الْخَلَاء وَهُمْ عُرَاة .

كان الصدِّيق يقول : استحيوا من الله ؛ فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياءً من ربي عز وجل !!

وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم لا يقيم صلبه حياء من الله عز وجل .

" فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 52 ) .

ولكن هذا قدر زائد ، ومكرُمة عالية ، لا يؤمر بها كل الناس

والإخلال بمثل هذا المقام ، لا يخل بأدب ولا دين ، مادام المرء قد حفظ عورته ، كما أمره نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأعطى الحياء حقه ؛ فلم يقدم على قبيح في الشرع ، ولا مرذول في الأدب والأخلاق .

وللفائدة :

ففي المسألة حديث مشهور ، لكنه ضعيف ، ينهى عن التعري عند قضاء الحاجة ، وعند الجماع

وهو : ( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ ؛ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ )

رواه الترمذي ( 2800 ) ، وفيه ليث بن أبي سليم ، وكان قد اختلط ، وضعفه الألباني في " إرواء الغليل " ( 64 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-01, 16:47
صفات التاجر المسلم الأمين.

السؤال

ما هي القواعد الأساسية أو الحدود في التجارة ؟

بمعنى الآن لي منافسون ، فمنهم من يراقب ، ويتجسس علي منافسه بشكل دائم ، ومنهم من يسحق منافسة بمبدأ أنه لا رحمة في التجارة ، أو أنه إن لم أفعل فسوف يفعل بي ، فما المسموح لي فعله مع المنافسين ؟

أما التعامل مع الزبائن فعلي سبيل المثال من ناحية الإغراء للشراء مني ، فهل يحق لي أن آتي بأفراد أدفع لهم حتى ينصحوا الزبائن بمنتجاتي ، والناس تظنهم زبائن ، وليسوا كذلك ، فقط بغية جلب الناس لمعرفة منتجاتي

التي لا أغش فيها ، فما حكم ذلك ؟

وهل يجب علي مثلا أن أخبر الزبائن بمصادر خامات منتجاتي تحت بند الأمانة ، فمن المعروف أن هذا جانب من جوانب أسرار الشركات والتجار ؟

فكيف لي أن أكون تاجرا أمينا في ظل الكثير من الشبهات في التعامل مع الناس زبائن ومنافسين ؟

وهل هناك نصيحة بمصادر علمية تصلح كمرجع للتاجر بشكل يومي؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

ينبغي على التاجر أن يتحلى بمجموعة من الصفات والأخلاق الحسنة ، حتى يبارك الله له في تجارته ورزقه .

فمن تلك الصفات :

- ألاَّ تشغلَه تجارتُه عن ذكر الله تعالى، ولا عن الصلاةِ

ولا عن أداءِ حقِّ اللهِ في ماله، فقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين الذين لا تشغلُهم تجارتُهم عن طاعته، فقال: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ

وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ النور/ 37، 38.

- أن يتحرى الحلال ، وألا يدخل على نفسه وأهل بيته الحرام، قال تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ النساء/29 .

- أن يبتعد عن الشبهات، وفي الحديث: فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ

رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599).

- أن يتحلى بالبر والصدق وتقوى الله؛ فعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا .

رواه البخاري (1973) ، ومسلم (1532) .

وعنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى ، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ

فَقَالَ : ( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ ) ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ : إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً ، إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ .

رواه الترمذي (1210) ، وابن ماجه (2146) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1785) .

- عدم الغفلة عن الصدقة ؛ فعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال : كان صلى الله عليه وسلم يقول : يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ .

رواه الترمذي (1208) ، وأبو داود (3326) ، والنسائي (3797) ، وابن ماجه (2145 ) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

- السماحة ، واليسر ؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى رواه البخاري (1970) .

- إنظار المعسر والحط عنه ؛ فعن أبي اليسر رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ رواه مسلم ( 3006 ) .

- البعد عن المعاملات المحرمة والصفات الذميمة التي لا تليق بالمسلم ، تاجرا كان أو غير تاجرة ، كالتعامل بالربا ، وبيع الغرر ، وبيع العِينة ، والتجارة بالمحرمات ، والغش والكذب والخداع ونحو ذلك .

- كما ينبغي أن يحرص التاجر المسلم على مكارم الأخلاق ، من إقالة النادم

وإعانة المحتاج، وأن يحب لأخيه التاجر ما يحب لنفسه ، وأن يكثر الدعاء له ولإخوانه المسلمين أن يكفيهم الله بحلاله عن حرامه ويغنيهم بفضله عمن سواه .

وأن يحسن التوكل على الله ، وأن يتعلق قلبه بربه مسبب الأسباب ورازق الخلق أجمعين .

وأن يبتعد عن الطمع والجشع والبخل والشح والتطفيف والاحتكار، وغير ذلك من مذام الصفات ، ويتصف بضدها من الأخلاق الحسنة الكريمة ، من الصدق وحسن التعامل وحب الخير للناس والكرم والجود وغير ذلك .

ثانيا :

التجسس على التجار، وقصد الإضرار بالمنافسين

والقول بأنه لا رحمة في التجارة : كل ذلك محرم لا يليق بالتاجر المسلم

فالتجسس حرام ، وقصد إيقاع الضرر بالمسلم حرام ، ويجب على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه .

وقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ رواه ابن ماجة (2340) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

قال الشوكاني رحمه الله:

" فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الضِّرَارِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ ، فَلَا يَجُوزُ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ إلَّا بِدَلِيلٍ يُخَصُّ بِهِ هَذَا الْعُمُومَ "

انتهى من "نيل الأوطار" (5/ 311) .

وروى البخاري (13) ، ومسلم (45) ، والنسائي (5017) - واللفظ له

- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ .

قال الحافظ رحمه الله :

" قَالَ الْكَرْمَانِيّ : وَمِنْ الْإِيمَان أَيْضًا أَنْ يَبْغَض لِأَخِيهِ مَا يَبْغَض لِنَفْسِهِ مِنْ الشَّرّ " انتهى .

كما لا يجوز إساءة الظن بالمسلمين ، فلا يقول التاجر عن أخيه التاجر : " إن لم أفعل به كذا فعل بي " ولكن يحسن الظن به ، ولا يقابل السيئة بالسيئة، بل يعفو ويصفح ، كما كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم .

وإنما تكون المنافسة شريفة مبنية على الصدق والإخاء والمحبة، والحرص على سلامة الصدور، وعدم الظلم

وعدم أكل أموال الناس بالباطل ، والتبري من الشح والبخل والحرص المبني على الشره والطمع والجشع ، وأن نتعامل مع السوق بالعرض والطلب ، ولا نحتكر سلعة ، ولا نظلم أحدا شيئا .

ثالثا :

التعامل مع الزبائن لا بد أن يكون قائما على الصدق وعدم الغش والخداع والظلم ، وكونك تستأجر أناسا يختلطون بالزبائن وينصحونهم بشراء السلع منك .

فيحسبهم المشترون أنهم منهم : فهذا لا يجوز لأنه من الغش والكذب والخداع ، وكل هذا محرم في دين الله ، ولأنه ضد ما يجب أن يتصف به التاجر المسلم من الصدق والبر .

والذي يظهر ، والله أعلم : أن هذا من صور "النجش" المحرم .

قال النووي :

" (النَّجْشُ) : أنْ يزيدَ في ثَمَنِ سلْعَة يُنَادَى عَلَيْهَا في السُّوقِ وَنَحْوه ، وَلاَ رَغْبَةَ لَهُ في شرَائهَا بَلْ يَقْصدُ أنْ يَغُرَّ غَيْرَهُ ، وهَذَا حَرَامٌ "

انتهى من "رياض الصالحين" (174) .

وما يفعله البائع هنا لا يخرج عن عمل هذا "الناجش" ، وتغريره بالمشترين .

والتاجر المسلم يتقي الله ، ويصدق مع الناس ، ويتحرى الأمانة ، ويحرص على جلب المنتجات النافعة الصالحة ، ويحرص على التحلي بمكارم الأخلاق

فهذا ونحوه هو الذي يجلب له الزبائن، وينتفع به في تجارته، فيعرف في الأسواق بالتاجر الصديق الأمين، فيأتيه الناس من كل مكان، ويحبب الله فيه الخلق

ويكتب له القبول: تاجرا مسلما صادقا أمينا كريما حسن الخلق حسن العشرة ودودا رحيما.

رابعا :

لا يجب عليك أن تخبر الزبائن بمصادر خامات منتجاتك ، وإذا سألك أحد الزبائن عن هذا ، فأنت بين أحد خيارين ، إما أن تخبره بالصدق .

وإما أن تعتذر له عن الجواب .

ولكن لا يجوز لك أن تخبره بغير الحقيقة .

وننصحك بمطالعة كتاب : "فقه التاجر المسلم" للشيخ حسام الدين بن عفانة.

وكتاب : "ما لا يسع التاجر جهله" للدكتور عبد الله المصلح ، والدكتور صلاح الصاوي .

وكذلك كتاب : "أخلاق المسلم في التجارة" د. نزار محمود قاسم الشيخ .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-01, 16:53
كيف يحقق التجار التوكل على الله

السؤال

أرغب في معرفة كيفية التوكل عند التجارة .

الجواب

الحمد لله

التوكل على الله في عموم حاجات المسلم من علامات إيمان المرء ، ويتأكد ذلك في التوكل على الله في الرزق ، وتحصيله .

قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله - :

الواجب على العاقل : لزوم التوكل على من تكفل بالأرزاق ؛ إذ التوكل هو نظام الإيمان [ النظام : هو السلك الذي تنظم فيه حبات العقد ] ، وقرين التوحيد

وهو السبب المؤدي إلى نفي الفقر ، ووجود الراحة ، وما توكل أحدٌ على الله جل وعلا من صحة قلبه

حتى كان الله جلَّ وعلا ـ بما تضمَّن من الكفالة ـ أوثق عنده بما حوته يده : إلا لم يكِلْه الله إلى عباده ، وآتاه رزقه من حيث لم يحتسب .

وأنشدني منصور بن محمد الكريزي :

توكلْ على الرحمن في كلِّ حاجةٍ ...
أردتَّ فإن الله يقضي ويَقْدُرُ

متى ما يُرِدْ ذو العرش أمراً بعبده ...
يُصِبْه ، وما للعبد ما يتخَيَّر

وقد يَهلك الإنسانُ من وجه أَمْنِه ..
. وينجو بإذن الله من حيث يَحْذَر

" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " ( ص 153 ، 154 ) .

أما كيفية التوكل في التجارة ، فينبغي على العبد أن يلتفت إلى ما يلي:

أ. أن يعتقد أن الله تعالى قد قسم الأرزاق بين خلقه ، وقدَّر ذلك في الأزل .

قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله - :

العاقل يعلم أن الأرزاق قد فُرغ منها ، وتضمنها العلي الوفي

على أن يوفرها على عباده في وقت حاجتهم إليها ، والاشتغال بالسعي لما تضمن ، وتكفل : ليس من أخلاق أهل الحزم ، إلا مع انطواء صحة الضمير على أنه وإن لم يسع في قصده : أتاه رزقه من حيث لم يحتسب .

" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " ( ص 155 ) .

ب. أن يقطع العلائق في تحصيل رزقه بينه وبين غير الله تعالى .

قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله - :

التوكل هو : قطع القلب عن العلائق برفض الخلائق ، وإضافته بالافتقار إلى محوِّل الأحوال ، وقد يكون المرء موسراً في ذات الدنيا ، وهو متوكل صادق في توكله

إذا كان العُدْم والوجود عنده سيين لا فرق عنده بينهما ، يشكر عند الوجود ، ويرضى عند العدم

وقد يكون المرء لا يملك شيئاً من الدنيا بحيلة من الحيل ، وهو غير متوكل ، إذا كان الوجود أحب إليه من العدم ، فلا هو في العدم يرضى حالته ، ولا عند الوجود يشكر مرتبته .

" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " ( ص 156 ) .

ج. أن يكون قلب الطالب للرزق معتمداً على الله تعالى ربِّه ، مع بذل الأسباب ، والسعي في تحصيلها .

ومما يدل على أن التوكل فيه أخذ بالأسباب : ما جاء عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ :

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ) .

رواه الترمذي ( 2344 ) وابن ماجه ( 4164 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

قال ابن كثير - رحمه الله - :

فالسعي في السبب لا ينافي التوكل - وذكر حديث ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ... ) - ، فأثبت لها رواحاً ، وغدوّاً ، لطلب الرزق ، مع توكلها على الله عز وجل ، وهو المسَخِّر ، المسيِّر ، المسبِّب .

" تفسير ابن كثير " ( 8 / 179 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

فعلى العبد أن يكون قلبه معتمداً على الله ، لا على سببٍ من الأسباب ، والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة .

" مجموع الفتاوى " ( 8 / 528 ) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :

التوكل يجمع شيئين : أحدهما : الاعتماد على الله ، والإيمان بأنه مسبب الأسباب ، وأن قدره نافذ ، وأنه قدر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى .

الثاني : تعاطي الأسباب ؛ فليس من التوكل تعطيل الأسباب ، بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله ، ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل .

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 4 / 427 ) .

د. حسن الظن بالله تعالى ، والالتجاء إليه بالدعاء ، والسؤال ، والطلب .

يقول شيخ الإسلام : ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه إلى الله ويدعوه , كما قال سبحانه فيما يؤثر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ) – رواه مسلم - .

نقلاً عن رسالة ( الوصية الجامعة لخير الدنيا والآخرة ) تصنيف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - طبعة المكتبة السلفية بالقاهرة

والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-03, 13:45
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل يمكن الحصول على الرزق عن طريق الدعاء دون سعي؟

السؤال

أنت تقول : إن الرجل لا يستطيع الحصول على الرزق فقط عن طريق الدعاء

ولكن في سورة آل عمران الله يخبرنا أنه اعتاد إعطاء مريم الرزق دون جهد

فكيف تفسرون الأمر ؟

الجواب

الحمد لله

الأصل أن الرزق وغيره : قائم على الأسباب

فلا ينال الرزق إلا بالسعي

كما قال تعالى: هوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الملك/15

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (8/ 180) :

" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: مناكبها : أطرافها وفجاجها ونواحيها.

وقال ابن عباس وقتادة: مناكبها : الجبال" انتهى.

وروى أحمد (370) ، والترمذي (2344) ، وابن ماجه (4164) عنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ ، تَغْدُو خِمَاصًا ، وَتَرُوحُ بِطَانًا وصححه الألباني ، وشعيب الأرنؤوط.

وفي الحديث بيان : أن الطير (تغدو) ؛ أي : تذهب في أول النهار بحثا عن الطعام، وهذا من مباشرة الأسباب، مع أن الحديث في بيان تقرير التوكل

وتصحيح مقامه ؛ فدل على أن الأخذ بالأسباب لاينافي التوكل ، بل هو من تمامه .

وهذا هو الأصل العام الذ ي شرعه الله لعباده ، أن يطلبوا الشيء بأسبابه الشرعية ، والحسية.

وقد يخرق الله العادة ، ويرزق عبدا من عباده ، بلا سبب ولا سعي، معجزة لنبي، أو كرامة لولي.

وهذا هو ما حصل لمريم عليها السلام ؛ فرزقها الله من غير سبب حسي ظاهر ؛ كرامة لها؛ لأنها ليست نبية، في قول الجمهور.

قال الله تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ *

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ آل عمران/37، 38 .

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (4/ 71):

"وكان زكريا ، إذا دخل عليها ، يجد عندها فاكهة الشتاء في القيظ ، وفاكهة القيظ في الشتاء !!

فقال: يا مريم ؛ أنى لك هذا؟

فقالت: هو من عند الله !!

فعند ذلك طمع زكريا في الولد ، وقال: إن الذي يأتيها بهذا ، قادر أن يرزقني ولدا" انتهى.

وقال البغوي رحمه الله في تفسيره (2/ 32):

" قال أهل الأخبار : فلما رأى ذلك زكريا قال: إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة ، في غير حينها ، من غير سبب : لقادر على أن يصلح زوجتي ، ويهب لي ولدا في غير حينه من الكبر ؛ فطمع في الولد" انتهى.

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/ 36):

" وجد عندها رزقا : قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبو الشعثاء، وإبراهيم النخعي، والضحاك، وقتادة، والربيع بن أنس، وعطية العوفي

والسدي [والشعبي]: يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف.

وعن مجاهد - وجد عندها رزقا - أي: علما، أو قال: صحفا فيها علم. رواه ابن أبي حاتم. والأول أصح، وفيه دلالة على كرامات الأولياء، وفي السنة لهذا نظائر كثيرة" انتهى.

والحاصل :

أن الأصل هو أن الرزق لا يأتي إلا بالسعي، إلا أن يكون معجزة ، كنزول المائدة على عيسى عليه السلام، أو تكثير الطعام والماء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كرامة كالذي حصل لمريم .

وقد يكون ذلك استجابة لدعاء يدعو به العبد ، فيرزقه ببركة دعائه

والدعاء أيضا من جملة الأسباب الشرعية ؛ لكن لا يجوز للعبد أن يعطل أسباب مطالبه الدينية والدنيوية ، اعتمادا على مجرد الدعاء ؛ فإن ذلك أقرب إلى الغرور .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-03, 13:51
أهمية مجالسة أهل العلم لاكتساب الخلق الحسن والأدب الرفيع

السؤال

يقول البعض : إن مجالسة العلماء لتلقي العلم الشرعي هامة لتعلم الأخلاق

والسؤال : أليست الأخلاق مذكورة في الكتاب والسنة ؟

وكيف أحتاج لعالم لتعلم الصدق أو الأمانة أو الكرم فهذه رؤوس الأخلاق ، ومن السهل تعلمها ، فكيف نتعلمها منهم مع الاحترام لهم ؟

الجواب

الحمد لله

لا شك في صحة ما ذكرت في سؤالك؛ أن الكتاب والسنة قد فصلا ما يحتاج إليه المسلم من أدب وخلق

فمن عمل بالقرآن والسنة فقد جمع الأدب والخلق الحسن؛ ولذلك لما وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه خلق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: بأن خلقه كان القرآن.

عن سَعْد بْن هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، أنه سئل عائشة رضي الله عنها، فقال: ( يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ! أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟

قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ ) رواه مسلم (746).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ )

رواه البخاري في "الأدب المفرد" (273) والإمام أحمد في "المسند" (14 / 512 – 513). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2349) .

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" وهذا الحديث يتصل من طرق صحاح، عن أبي هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم "

انتهى. "التمهيد" (24 / 333).

روى الخطيب البغدادي بسنده عن سفيان بن عيينة، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:

" إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمِيزَانُ الْأَكْبَرُ، فَعَلَيْهِ تُعْرَضُ الْأَشْيَاءُ، عَلَى خُلُقِهِ وَسِيرَتِهِ وَهَدْيِهِ، فَمَا وَافَقَهَا فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَا خَالَفَهَا فَهُوَ الْبَاطِلُ "

انتهى من "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1 / 79).

لكن؛ كون الأخلاق والآداب مصدرها الكتاب والسنة، لا ينافي هذا أن للعالم دورا كبيرا في تأديب طلابه

فالشيخ ليس أساسا للأدب والخلق لكنه وسيلة فعّالة لاكتساب ذلك؛ ولهذا أوصى أهل العلم الطالب أن يختار في تعلمه الشيخ العامل بعلمه، الذي يظهر عليه خلق الكتاب والسنة.

قال ابن مفلح رحمه الله تعالى :

" وعن إبراهيم النخعي قال : كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته وإلى صلاته وإلى حاله، ثم يأخذون عنه وقد روي هذا المعنى عن جماعة "

انتهى من "الآداب الشرعية" (1 / 418).

قال ابن جماعة رحمه الله تعالى:

" ينبغي للطالب أن يقدم النظر ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه، وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته، وتحققت شفقته، وظهرت مروءته، وعرفت عفته، واشتهرت صيانته ...

ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين، أو عدم خلق جميل، فعن بعض السلف : هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. "

انتهى من " تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم" (ص 96).

إن المعضلة الكبرى : ليست هي مجرد "معرفة" الفضائل والرذائل ، كما يظن السائل الكريم ؛ فعامة الناس يعلمون : أن الصدق حسن ، والكذب قبيح ، وكم من الناس من يكذب ، وكم من الناس من يخون ، وكم ، وكم .

إن المعضلة ـ حقا ـ والفارق بين "الصدق" والدعاوى ، إنما تكمن في "العمل" بهذا العلم ، والصبر عليه ، ومجاهدة النفس على هواها ، وما تشتهي .

وهذه وظيفة العالم الرباني ؛ أن يربي الناس على ذلك ، ويؤدبهم به .

قال الله تعالى : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ) آل عمران/79

قال البغوي رحمه الله ، في تفسير "ربانيين" :

" وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: كُونُوا فُقَهَاءَ علماء، وقال قتادة: حكماء علماء، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْعَالِمُ الَّذِي يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فُقَهَاءَ مُعَلِّمِينَ .

وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كباره .

وقال عطاء: حكماء علماء نُصَحَاءَ لِلَّهِ فِي خَلْقِهِ .

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَمِعْتُ رَجُلًا عَالِمًا يَقُولُ: الرَّبَّانِيُّ الْعَالِمُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ والأمر والنهي العارف بِأَنْبَاءِ الْأُمَّةِ ، مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ .

وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ فَوْقَ الْأَحْبَارِ، والأحبار فوق الْعُلَمَاءُ، وَالرَّبَّانِيُّونَ الَّذِينَ جَمَعُوا مَعَ الْعِلْمِ الْبَصَارَةَ بِسِيَاسَةِ النَّاسِ ..

وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُمْ أَرْبَابُ الْعِلْمِ سُمُّوا بِهِ لِأَنَّهُمْ يُرَبُّونَ الْعِلْمَ، وَيَقُومُونَ بِهِ وَيُرَبُّونَ الْمُتَعَلِّمِينَ بِصِغَارِ الْعُلُومِ قَبْلَ كِبَارِهَا، وَكُلُّ مَنْ قَامَ بِإِصْلَاحِ الشيء وَإِتْمَامِهِ فَقَدْ رَبَّهُ يَرُبُّهُ ... "

انتهى ، من "تفسير البغوي" (1/463)

. وينظر : "تفسير الطبري" (6/544) .

وحاصل ذلك :

أن هذه هي وظيفة العالم الرباني : أن يقوم في الناس بالعلم الذي علمه الله؛ يعلمهم إياه ، ويسوسهم ، ويربيهم ويصلح أمرهم بمقتضى ذلك .

ثم مع ذلك ، وربما فوق ذلك : أن يسير فيهم بعلمه الذي علمه الله ، حتى إنهم ليرون فيه : واقعا عمليا ، لذلك العلم الذي تعلموه .

- يرُوى أنَّ الأحنف بن قيس قال: "كنا نختلف إلى قيس بن عاصم نتعلم منه الحلم، كما نتعلم الفقه".

- وكان أصحاب عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يرحلون إليه، فينظرون إلى سمته، وهديه، ودَلَّه، قال: "فيتشبهون به" .

- وقال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم.

- قال القاضي أبو يعلى رحمه الله: روى أبو الحسين بن المنادي بسنده إلى الحسين بن إسماعيل قال: سمعت أبي يقول:

"كنا نجتمع في مجلس الإمام أحمد زُهاء على خمسة آلاف أو يزيدون، أقل من خمسمائة يكتبون، والباقي يتعلمون منه حُسنَ الأدب، وحسن السمت" .

- وقال إبراهيم بن حبيب بن الشهيد لابنه: "يا بني، إيت الفقهاء والعلماء، وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإن ذاك أحب إليَّ لك من كثير من الحديث" .

- وقال الأعمش: كانوا يأتون همام بن الحارث يتعلمون من هديه وسمته...

ينظر : "موسوعة الأخلاق" ، لخالد الخراز، ص (81) وما بعدها .

ثانيا :

الأصحاب يؤثر بعضهم في أخلاق بعض، والقوي يسحب الضعيف إلى طباعه، فلهذا حث الشرع على ملازمة صحبة أهل التقوى وحذر من صحبة أهل السوء.

عن أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ :

إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ : إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) رواه البخاري (5534) ومسلم (2628) .

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

" فيه تجنب خلطاء السوء ومجالسة الأشرار وأهل البدع والمغتابين للناس؛ لأن جميع هؤلاء ينفذ أثرهم إلى جليسهم، والحض على مجالسة أهل الخير وتلقى العلم والأدب، وحسن الهدى والأخلاق الحميدة "

انتهى من " اكمال المعلم" (8 / 108).

فإذا صاحب الطالب شيخا عاملا بعلمه فإنه سيتأثر بهذه الصحبة ويتخلق بأخلاق شيخه؛ فلهذا نجد في كتب التراجم والسير أن فلانا كان كشيخه في الأدب والخلق والهيئة والسيرة.

قال عبد الله ابن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى :

" حدثني أبي قال حدثنا عثمان بن عثمان قال: سمعت البتي يقول: كان يقال: ما رأينا رجلا قط أشبه هديا بعلقمة من النخعي، ولا رأينا رجلا أشبه هديا بابن مسعود من علقمة

ولا كان رجل أشبه هديا برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن مسعود "

انتهى من " العلل ومعرفة الرجال" (2 / 194).

والنخعي تلميذ علقمة، وعلقمة تلميذ ابن مسعود رضي الله عنه، وابن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" قال أبو بكر بن إسحاق الصبغي، وقيل له: ألا تنظر إلى تمكن أبي علي الثقفي في عقله؟

قال: ذاك عقل الصحابة والتابعين من أهل المدينة.

قيل: وكيف ذاك؟

قال: إن مالك بن أنس كان من أعقل أهل زمانه، وكان يقال: إنه صار إليه عقول من جالسهم من التابعين، فجالسه يحيى بن يحيى النيسابوري، فأخذ من عقله وسمته، حتى لم يكن بخراسان مثله

فكان يقال: هذا عقل مالك وسمته. ثم جالس يحيى محمدُ بن نصر سنين، حتى أخذ من سمته وعقله، فلم ير بعد يحيى من فقهاء خراسان أعقل منه. ثم إن أبا علي الثقفي جالس محمد بن نصر أربع سنين، فلم يكن بعده أعقل منه "

انتهى من "تاريخ الإسلام" (6 / 1046 – 1047).

ثالثا:

هناك من الآداب والأخلاق ما يحتاج إلى تحقيق وعلم وحكمة لإصابة وجه الحق فيها، كالتفريق بين أوقات اختيار العزلة وأوقات مخالطة الناس

بين حالات استعمال خلق الحياء والحلم وبين حالات استعمال الجرأة والغضب، وكفهم حد الحلم وحد الضعف

وفهم حد البخل وحد الجود، ونحو هذا من المسائل التي قد يغنيك العالم بعلمه وحكمته وتجربته عن التيهان ومكابدة التجارب الخاطئة.

وهناك من الآداب والأخلاق ، ما هو داخل في دائرة المباح

لكنها مما يناسب تركها أو فعلها كمال المروءة وحسن السمت، ومثل هذه الآداب والأخلاق إنما تعرف وتكتسب بمعاشرة أهل المروءة، وأهل العلم العاملين بعلمهم هم أهلها وأولى الناس بها.

قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:

" عن الأعمش قال: كانوا يتعلمون من الفقيه كل شيء حتى لباسه ونعليه ...

وقال عبد الرحمن بن مهدي: كنا نأتي الرجل ما نريد علمه ليس إلا أن نتعلم من هديه وسمته ودله، وكان علي بن المديني وغير واحد يحضرون عند يحيى بن سعيد القطان ما يريدون أن يسمعوا شيئا إلا ينظروا إلى هديه وسمته.

وقال عبد الله بن أحمد سمعت ابن علي بن المديني يقول: رأيت في كتب أبي ستة أجزاء مذهب أبي عبد الله وأخلاقه، ورأيت أحمد يفعل كذا ويفعل كذا وبلغني عنه كذا وكذا "

انتهى من "الآداب الشرعية" (2 / 149).

وحاصل الأمر :

المسألة : ليست قاصرة على "كبار الأخلاق" وتعلمها ، فهناك من تفاصيل الوقائع ، ودقائق الأمور

في أبواب الخلق ، والورع ، والتربية والسلوك ، يحتاج من الناصح لنفسه ، البصير بأمره ، أن يتخذ شيخا ، أو صديقا صالحا ، يستشيره ، ويتعلم منه ما يحتاج إليه .

بل في كثير من الأحكام المتعلقة بكبار المسائل ، من الصدق والكذب ، والأمانة والخيانة ، والغيبة والنميمة : ما يحتاج إلى بصر العالم، وفقهه ، وإرشاده .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-08-03, 13:57
كيف يحيا التائب مِن فعل الكبائر بين الناس حياة كريمة ؟

السؤال

كيف يمكن أن يعيش الذي عصى الله بالكبائر كالزنا والظلم حياة الطهر بعد ذلك ، خصوصا أن الذي زنى ، يكون معروفا بين الناس أنه زنا ، ويكون ، حتى لو تاب : ساقطا من عيون الناس

فكيف السبيل إلى حياة الطهر ؟

الجواب

الحمد لله

من عصى الله بالكبائر ، واجترح السيئات العظائم ، ثم تاب وأناب وأخلص وصدق مع الله : تاب الله عليه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .

وإن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل

ويفرح بتوبة عبده ، ويقربه ، ويدنيه ، ويكفر عنه سيئاته ، ويبدل سيئاته حسنات ، والتائب حبيب الله

قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة/ 222 .

ولمعرفة شروط التوبة الصحيحة راجع جواب السؤال القادم

ويمكن لمن تاب وأناب أن يحيا بين الناس حياة كريمة

وأي شيء يمنعه من ذلك ؟ وقد فتح الله له باب التوبة ، ورضي منه بالرجوع إليه ، ومن رضي الله عنه أرضى عنه الناس ، ومن أحبه الله كتب له القبول في الأرض .

فمن تاب وأحسن وأصلح وأحب أن تتغير نظرة المجتمع والناس إليه فعليه بما يلي :

- أن يصدق في التوبة فعلا ، ويحقق شروطها حتى تكون توبة صحيحة .

- أن يترك صحبة أهل الشر والفساد، ويصاحب أهل الخير والصلاح ، والمرء على دين خليله ، فيراه الناس مع أهل الخير ، يقتدي بهم ، ويهتدي بهديهم .

- أن يقبل على طاعة ربه ، ويكثر من أعمال البر ، فيصلي في المساجد ، ويحضر حلق الذكر وتلاوة القرآن ومجالس العلم ، ويقبل على طلب العلم .

- أن يسعى في مرضاة الله بالقول والفعل والنية الحسنة ، فإن من التمس رضا الله رضي عنه وأرضى عنه الناس

وقد روى ابن حبان في صحيحه (276) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ

وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عليه الناس ) .

وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2250) .

- أن يخالق الناس بخلق حسن ، وتظهر منه صفات النخوة والكرم والنجدة والإيثار ، فيرى الناس فيه شخصا آخر ، قد تغير حاله ، وتبدل من السيئ إلى الحسن .

- أن يحسن إلى من أساء إليهم ، ويثني بالخير على من كان بالسوء يذكرهم.

- أن يحسن سريرته ، ويراقب ربه ، ويراجع نفسه ، ويحاسبها ، فتستقيم على طاعة الله ولا تزيغ ولا تروغ .

- أن يشتهر بين الناس بعد التوبة بخلاف ما اشتهر بينهم قبل التوبة ، بالعفة ، والصدق ، وحفظ اللسان ، وطيب الكلام ، وخفض الجناح ، وغير ذلك من محاسن الأخلاق .

- أن يدعو الله أن يقبِل بقلوب عباده إليه ، ولا ينفرهم منه ، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، يقلبها كيف شاء .

والواجب على إخوانه المؤمنين أن يقبلوا التائب بينهم ، وأن يعينوه على التوبة والاستقامة ، وألا يكونوا عونا للشيطان عليه ، فلا تجوز مقاطعته ولا معاقبته ولا لومه مادام قد تاب ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

فإن رأى أن الأمر لا يستقيم له أيضا في بيئته تلك ، وفي مجتمعه ، الذي لم يتخلق بالخلق العالي ، فالنصيحة له أن يغير ذلك المكان الذي لبث فيه ما لبث ، وعرف فيه بالمعصية والسوء

ووجد له فيه من الأعوان من سهل له المعصية أو أغراه بها ، أو من عيره بها بعد ذلك

فقد يكون من الخير له في ذلك كله : أن يغير بيئته تلك ، وبلده التي واقع فيها معصية ربه ، وليبدأ صفحة جديدة ، في مجتمع جديد ، يستقبله بتوبة نصوح ، وخلق فاضل .

وتأمل يا عبد الله قصة ذلك الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ؛ فأي ذنب أشنع وأفظع من ذلك ؛ إلا أن الله جل جلاله تداركه برحمة منه ، ومن عليه بتوبة نصوح
.
ثم الشاهد من القصة : أن الرجل العالم العاقل ، نصحه بألا يرجع إلى بلده ، بلد السوء التي نشأ فيها على المعاصي ، وأمره أن يتركها إلى بلد آخر ، بها قوم صالحون ، يعبد الله بينهم :

روى البخاري (3470) ، ومسلم (2766) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

( كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟

فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟

انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ

فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ

فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَه ُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ "
.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وفيه فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه

ولهذا قال له الأخير ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية والتحول منها كلها ، والاشتغال بغيرها "

انتهى ، من "فتح الباري" (6/517) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-03, 14:00
شاب فعل جميع المحرمات ويريد التوبة

السؤال

انا شاب فاسق وكافر اريد ان اتوب الى الله كنت افعل جميع المحرمات ولا اصلي والان اريد التوبه فارجوا من الشيخ ان يدلني على طريق التوبة ؟.

الجواب

الحمد لله

( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ )الزمر/53-54 .

لقد وصلني سؤالك وأعجبني فيه حرصك على التوبة والعودة إلى الله بالرغم من فعلك جميع المحرمات كما قلت وعلى رأس ذلك تركك للصلاة

ومن المهم جداً أن تعلم أيها الشاب الحريص أن باب التوبة مفتوح بالنسبة لك وأن تتأمل جيداً ما هو مذكور في الآيتين السابقتين وأنا سأذكر لك خطوات عملية تبين لك بوضوح كيفية التوبة بإذن الله تعالى :

كلمة التوبة كلمة عظيمة ، لها مدلولات عميقة ، لا كما يظنها الكثيرون ، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب ، وتأمل قوله تعالى : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ) هود /3 تجد أن التوبة هي أمر زائد على الاستغفار .

ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط ، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث ، وهذا ذكر بعضها :

الأول : الإقلاع عن الذنب فوراً .

الثاني : الندم على ما فات .

الثالث : العزم على عدم العودة .

الرابع : إرجاع حقوق من ظلمهم ، أو طلب البراءة منهم .

ولا تنسى أموراً أخرى مهمة في التوبة النصوح ومنها :

الأول : أن يكون ترك الذنب لله لا لشيء آخر ، كعدم القدرة عليه أو على معاودته ، أو خوف كلام الناس مثلاً .

فلا يسمى تائباً من ترك الذنوب لأنها تؤثر على جاهه وسمعته بين الناس ، أو ربما طرد من وظيفته .

ولا يسمى تائباً من ترك الذنوب لحفظ صحته وقوته ، كمن ترك الزنا أو الفاحشة خشية الأمراض الفتاكة المعدية ، أو أنها تضعف جسمه وذاكرته .

ولا يسمى تائباً من ترك أخذ الرشوة لأنه خشي أن يكون معطيها من هيئة مكافحة الرشوة مثلاً .

ولا يسمى تائباً من ترك شرب الخمر وتعاطي المخدرات لإفلاسه .

وكذلك لا يسمى تائباً من عجز عن فعل معصية لأمر خارج عن إرادته

كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق ، أو الزاني إذا فقد القدرة على الوقاع ، أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه

بل لابد لمثل هذا من الندم والإقلاع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الندم توبة ) رواه أحمد وابن ماجه ، صحيح الجامع 6802 .

الثاني : أن تستشعر قبح الذنب وضرره .

وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية ، أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل .

وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء والفوائد أضراراً كثيرة للذنوب منها :

حرمان العلم - والوحشة في القلب - وتعسير الأمور - ووهن البدن - وحرمان الطاعة - ومحق البركة - وقلة التوفيق - وضيق الصدر - وتولد السيئات - واعتياد الذنوب -

وهوان المذنب على الله - وهوانه على الناس - ولعنة البهائم له - ولباس الذل - والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة - ومنع إجابة الدعاء - والفساد في البر والبحر- وانعدام الغيرة

- وذهاب الحياء - وزوال النعم - ونزول النقم - والرعب في قلب العاصي - والوقوع في أسر الشيطان - وسوء الخاتمة - وعذاب الآخرة .

وهذه المعرفة لأضرار الذنوب تجعلك تبتعد عن الذنوب بالكلية ، فإن بعض الناس قد يعدل عن معصية إلى معصية أخرى لأسباب منها :

أن يعتقد أن وزنها أخف .

لأن النفس تميل إليها أكثر ، والشهوة فيها أقوى .

لأن ظروف هذه المعصية متيسرة أكثر من غيرها ، بخلاف المعصية التي تحتاج إلى إعداد وتجهيز ، وأسبابها حاضرة متوافرة .

لأن قرناءه وخلطاؤه مقيمون على هذه المعصية ويصعب عليه أن يفارقهم .

لأن الشخص قد تجعل له المعصية المعينة جاهاً ومكانة بين أصحابه فيعز عليه أن يفقد هذه المكانة فيستمر في المعصية .

الثالث : أن تبادر إلى التوبة ، ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته ذنب يحتاج إلى توبة .

الرابع : استدرك ما فاتك من حق الله إن كان ممكناً ، كإخراج الزكاة التي منعتها في الماضي ولما فيها من حق الفقير كذلك .

الخامس : أن تفارق موضع المعصية إذا كان وجودك فيها قد يوقعك في المعصية مرة أخرى .

السادس : أن تفارق من أعانك على المعصية .

والله يقول : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) الزخرف /67 .

وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة

ولذلك عليك أيها التائب بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم ولا يستجرينك الشيطان فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم وأنت تعلم أنك ضعيف لا تقاوم .

وهناك حالات كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلاقات مع قرناء الماضي .

السابع : إتلاف المحرمات الموجودة عندك مثل المسكرات وآلات اللهو كالعود والمزمار ، أو الصور والأفلام المحرمة والقصص الماجنة والتماثيل ، وهكذا فينبغي تكسيرها وإتلافها أو إحراقها .

ومسألة خلع التائب على عتبة الاستقامة جميع ملابس الجاهلية لابد من حصولها ، وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سبباً في نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضلالهم بعد الهدى، نسأل الله الثبات .

الثامن : أن تختار من الرفقاء الصالحين من يعينك على نفسك ويكون بديلاً عن رفقاء السوء وأن تحرص على حلق الذكر ومجالس العلم وتملأ وقتك بما يفيد حتى لا يجد الشيطان لديك فراغاً ليذكرك بالماضي .

التاسع : أن تعمد إلى البدن الذي ربيت بالسحت فتصرف طاقته في طاعة الله وتتحرى الحلال حتى ينبت لك لحم طيب .

العاشر : الاستكثار من الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات

وإذا صدقت مع الله في التوبة فأبشر بانقلاب جميع سيئاتك السابقة إلى حسنات

قال تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً

إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً )

أسأل الله أن ينفعك بهذه الكلمات ، وأن يهدي قلبك فقم الآن وتلفظ بالشهادتين وتطهر وصل كما أمرك الله ، وحافظ على الواجبات واترك المحرمات وسأكون سعيداً بمساعدتك حالما تحتاج إلى أي أمر آخر .

واسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى وأن يتوب علينا أجمعين أنه هو التواب الرحيم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-08-03, 14:06
حكم التوجع والأنين ، وقول وا جسدي حال المرض

السؤال

ما حكم قولي وا جسدي ، أو آخ عند الألم هل هذا ينافي الصبر الواجب عند البلاء ؟

الجواب

الحمد لله

الشكاية والتوجع والأنين في المرض لها حالان :

الأولى: أن يصدر ذلك من المريض من باب الإخبار عن حاله ، أو من باب التنفيس والتخفيف عن النفس ، بسبب شدة الوجع والمرض ، فهذا لا حرج فيه ، ولا ينافي الصبر الواجب .

كأن يقول الشخص : إني مريض أو إني وَجِع ، أو واجسداه ، أو وارأساه ، أو نحو ذلك من العبارات ، أو يُصدر صوتاً يدل على تألمه ووجعه .

وقد روى البخاري في صحيحه (5666) عن أم المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها ، أنها قالت:" وَا رَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ) !! فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَا ثُكْلِيَاهْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي ، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ !!

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ) " .

وترجم البخاري رحمه الله ، على هذا الحديث في صحيحه : "بَابُ قَوْلِ المَرِيضِ: " إِنِّي وَجِعٌ، أَوْ وَا رَأْسَاهْ، أَوِ اشْتَدَّ بِي الوَجَعُ" انتهى .

وينظر للفائدة : "فتح الباري" (10/123-124) .

قال ابن مفلح رحمه الله :

" وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: يُخْبِرُ بِمَا يَجِدُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، لَا لِقَصْدِ شَكْوَى" ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ لَمَّا قَالَتْ : وَا رَأْسَاهْ، قَالَ: (بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ) .

وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّك لَتُوعَكَ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: (أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ). مُتَّفَقٌ عليه .

وفي الفنون : قوله تعالى: ( لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً ) يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِرَاحَةِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الشَّكْوَى عِنْدَ إمْسَاسِ الْبَلْوَى .

قَالَ: وَنَظِيرُهُ: (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) و (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) و(مَا زَالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدنِي) .

وَفِي "تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ" فِي الْآيَةِ الْأُولَى: هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إظْهَارِ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَمَا يَلْحَقُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْأَذَى وَالتَّعَبِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَكْوَى."

انتهى ، من "الفروع" (3/255)

وينظر أيضا : "الآداب الشرعية" له (2/174) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فهذا اجتمع فيه سنتان : إقرارية ، وقولية ؛ أما الإقرارية : فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة عندما قالت : ( وارأساه ) ، وأما القولية : فهو نفسه قال : ( وارأساه ) .

وعليه : فإن الإنسان إذا قال : وا رأساه ، وا بطناه.. ، أو ما أشبه ذلك : فلا حرج ؛ بشرط ألا يقصد بذلك أن يشكو الخالق إلى المخلوق ، بل يقصد التوجع مما قضاه الله عليه .

فإذا كان مجرد خبر : فهذا لا بأس به ، ولاسيما إذا كان يذكر هذا عند من يريد أن يعالجه ؛ لأنه خبر مجرد ، ليس المراد به الاعتراض والتسخط على قضاء الله وقدره .."
.
انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/506) .

الثانية : أن يقصد بذلك التوجع والأنين ، شكاية الخالق للمخلوق ، والتسخط والاعتراض على القدر ، فهذا هو المذموم ، وفيه منافاة للصبر .

جاء في " فتح الباري " (10/124) :

" وَجزم أَبُو الطّيب وابن الصَّبَّاغِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّ أَنِينَ الْمَرِيضِ وَتَأَوُّهَهُ مَكْرُوهٌ

وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ : هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ ، وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ ذَلِكَ ، ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْبَابِ ، ثُمَّ قَالَ : فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالْكَرَاهَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى

فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالذِّكْرِ أَوْلَى. اهـ .

وَلَعَلَّهُمْ أَخَذُوهُ بِالْمَعْنَى ، مِنْ كَوْنِ كَثْرَةِ الشَّكْوَى ، تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْيَقِينِ ، وَتُشْعِرُ بِالتَّسَخُّطِ لِلْقَضَاءِ ، وَتُورِثُ شَمَاتَةَ الْأَعْدَاءِ .

وَأَمَّا إِخْبَارُ الْمَرِيضِ صَدِيقَهُ أَوْ طَبِيبَهُ عَنْ حَالِهِ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا " انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" وأما الأنين ، فهل يقدح في الصبر ؟ فيه روايتان عن الامام أحمد .

قال أبو الحسين:

أصحهما الكراهة ؛ لما روي عن طاوس أنه كان يكره الأنين في المرض

وقال مجاهد

: كل شيء يكتب على ابن آدم مما يتكلم حتى أنينه في مرضه ؛ قال هؤلاء : وإن الأنين شكوى بلسان الحال ينافي الصبر .

والرواية الثانية : أنه لا يكره ولا يقدح في الصبر .

قال بكر بن محمد عن أبيه : سئل أحمد عن المريض يشكو ما يجد من الوجع ، فقال : تعرف فيه شيئا عن رسول الله ؟ قال : نعم ، حديث عائشة : " وارأساه " ، وجعل يستحسنه .

والتحقيق : أن الأنين على قسمين :

1. أنين شكوى ، فيكره .

2. وأنين استراحة وتفريج ، فلا يكره ، والله أعلم "

انتهى من " عدة الصابرين" (ص/272) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ولا شك أن أنين المريض إذا كان ينبئ عن تسخط ، فإنه يكتب عليه ، أما إذا كان بمقتضى الحُمَّى ، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها " .

انتهى من " شرح العقيدة السفارينية " لابن عثيمين (ص/424) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-04, 15:28
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


حكم الأكل من طعام وليمة ، يُضرب عليها بآلات اللهو والمعازف .

السؤال

أفتى مجموعة من علماء الديبوندية في قريتنا بأن طعام الوليمة التي يُعزف فيها الموسيقى حرام

فهل هذا صحيح ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

" الديوبندية " : طائفة من طوائف المسلمين ، تنسب إلى جامعة ديوبند في الهند ، وهي مدرسة فكرية عميقة الجذور ، طبعت كل خريج منها بطابعها العلمي الخاص ، حتى أصبح ينسب إليها.

وهم في العقيدة على مذهب أبي منصور الماتريدي في الاعتقاد ، وعلى مذهب الإمام أبي حنيفة في الفقه والفروع ، وسلكوا الطرق الصوفية من النقشبندية والجشتية والقادرية والسهروردية في السلوك والاتباع ..

ثانيا :

قسم العلماء الدعوة إلى الطعام التي أُمر المسلم بإجابتها إلى قسمين :

الأول : الدعوة إلى وليمة العرس .

الثاني : الدعوة لغير وليمة العرس ، كالتي تكون بين الأقارب والأصحاب ونحوهم .

وجمهور العلماء على أن إجابة الأولى واجبة ، أما الثانية فإجابتها مستحبة .

وقد اشترط العلماء شروطا لإجابة الدعوة ، فإذا لم تتحقق هذه الشروط : لم يكن حضور الدعوة واجبا ولا مستحبا ، بل قد يحرم ، ومن هذه الشروط :

ألا يكون هناك منكر في مكان الدعوة ، فإن كان هناك منكر ، وهو يستطيع إزالته وجب عليه الحضور لسببين : إجابة الدعوة ، وتغيير المنكر .

وإن كان لا يمكنه إزالته : حرم عليه الحضور .

انظر جواب السؤالين القادمين

وبناء على هذا ، فحضور الولية التي يعزف فيها الموسيقى حرام على من لا يستطيع تغيير المنكر .

ولكن لا يوصف الطعام نفسه بأنه حرام ، فإنه لو حضر ، وأكل : لم يكن قد أكل طعاما حراما .

وكذلك لو لم يحضر ، وأهدي إليه من هذا الطعام : فلا حرج عليه أن يأكل منه ، فالتحريم هو لحضور المنكر ، وليس لأجل أن الطعام نفسه قد صار حراما بهذا المنكر .

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-08-04, 15:32
حكم إجابة الدعوة ، وشروط ذلك

السؤال

أحيانا أدعى إلى حضور عزيمة صغيرة أو مناسبة كبيرة .

. ما العمل إذا كانت هذه الاجتماعات غالبا فيها غيبة وهمز وتفاخر وتنافس على الملابس وهمز لمن تلبس ملابس بسيطة (مثلي) وقد يكون بها نميمة كما أن لدي أعمال منزلية (لا أرغب في استقدام خادمة ,

وكل من تحضر هذه المناسبات تقريبا لديها خادمة فتجد فراغا في الوقت) .

وزوجي وبيتي محتاج لي , كل دقيقة أبذلها في بيتي لها أثر إن شاء الله وهو رسالتي الأولى

كما أنني أتمنى وقتا إضافيا لكي أقرأ القرآن أو كتاب نافع ولا أريد الدخول في اجتماعات دنيا أرى مضارها تطغى على فوائدها إن كان لها فوائد

أرشدوني ما هو التصرف المناسب ؟ وما هو العذر المناسب لعدم الحضور إن كان يحق لي ذلك ؟

وما العمل إن كانت صاحبة العزيمة تحقد علي وتفرح إذا رأتني في موقف محرج وتتكلم علي هل يجب علي حضور دعوتها ؟.

الجواب

الحمد لله

وبعد : فقد ورد في صحيح البخاري ( 1164 ) ومسلم ( 4022 ) أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ

: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ " .

وقد قسم العلماء الدعوة التي أُمر المسلم بإجابتها إلى قسمين :

الأول : الدعوة إلى وليمة العرس ، فجماهير العلماء على وجوب إجابتها إلا لعذر شرعي

وسيأتي ذكر بعض هذه الأعذار ـ إن شاء الله

.والدليل على وجوب الإجابة ما رواه البخاري (4779 ) ومسلم ( 2585 )

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ "

الثاني : الدعوة لغير وليمة العرس على اختلاف أنواعها ، فجماهير العلماء يرون أن إجابتها مستحبة ، ولم يخالف إلا بعض الشافعية والظاهرية ، فأوجبوها ، ولو قيل بتأكد استحباب الإجابة لكان قريبا .والله أعلم .

لكن العلماء اشترطوا شروطا لإجابة الدعوة ، فإذا لم تتحقق هذه الشروط لم يكن حضور الدعوة واجبا ولا مستحبا ، بل قد يحرم الحضور ، وقد لخص هذه الشروط الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال :

1-ألا يكون هناك منكر في مكان الدعوة ، فإن كان هناك منكر وهو يستطيع إزالته وجب عليه الحضور لسببين : إجابة الدعوة ، وتغيير المنكر ، وإن كان لا يمكنه إزالته حرم عليه الحضور .

2-أن يكون الداعي للوليمة ممن لا يجب هجره أو يُسنّ . [ كأن يكون مجاهرا بفسق أو معصية ، وهجره قد ينفع في توبته من ذلك ]

3-أن يكون الداعي مسلما ، وإلا لم تجب إجابته لقوله صلى الله عليه وسلم : " حق المسلم على المسلم .. "

4-أن يكون طعام الوليمة مباحا ، يجوز أكله .

5-أن لا تتضمن إجابة الدعوة إسقاط واجب أو ما هو أوجب منها فإن تضمن ذلك حرمت الإجابة .

6-أن لا تتضمن ضررا على المجيب مثل أن يحتاج إلى سفر أو مفارقة أهله المحتاجين إلى وجوده بينهم ، أو نحو ذلك من أنواع الضرر . ( القول المفيد 3 / 111 بتصرف ) .

وزاد بعض العلماء :

7-أن يخص الداعي المدعو بالدعوة ، بخلاف ما لو دعا الحاضرين في مجلس عام لحضور وليمته ، وهو أحد هؤلاء ، فلا يلزمه الحضور عند الأكثر .

وبهذا يتبين لك أن حضور مثل هذه الدعوات لا يلزمك بل قد يحرم عليك ، إذا كنت لا تستطيعين تغيير المنكر أو يترتب على حضورك تضييع حق زوجك أو حق أولادك من تربيتهم ورعايتهم الواجبة عليك

ثم أنت أيضا لا تسلمين من شرهم و ضررهم ، وهذا عذر يسقط عنك حضور الدعوة الواجبة ، فكيف بما هو دونها .

ولابد أن تنبه المرأة أيضاً بأنها لابد من أن تستأذن زوجها للخروج إلى المناسبة التي دُعيت إليها وعليك أن تنصحي هؤلاء الأخوات بالحرص على الاستفادة من وقتهن ومجالسهن فيما يعود عليهن بالنفع الديني أو الدنيوي

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا من مغبة المجالس التي لا يذكر الله تعالى فيها فقال صلى الله عليه وسلم : " مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ "

رواه الترمذي (3302 ) و قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه الألباني كما في صحيح الترمذي ( 3 / 140 ) .

وَمَعْنَى قَوْلِهِ تِرَةً : يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً

وفي سنن أبي داود ( 4214 ) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

" مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً " وصححه النووي في رياض الصالحين ( 321 ) وتابعه الألباني رحمهما الله .

فأبلغي إليهم هذه النصيحة إما مشافهة أو كتابة ، ولو زدت على ذلك بأن دعوتهم في منزلك

واغتنمت الاجتماع لعقد حلقة ذكر بالإضافة إلى بعض الأمور المباحة المحببة إلى نفوسهن لعل الله أن يجعلك سببا في أن تسني لهم هذه السُنة الحسنة في الاستفادة من مثل هذه المجالس. والله الموفق .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-08-04, 15:37
هل يجوز الذهاب لوليمة عرس سبقتها منكرات وآثام ؟

السؤال

تقام في بلدنا حفلات الزفاف بحيث يكون فيها معازف ، وغناء ، وألعاب نارية ، حتى وقت متأخر من الليل ، وفي اليوم التالي تقام وليمة عرس ، نحن نقاطع الحفلة التي فيها المنكرات

ولكن اختلفنا بشأن الذهاب إلى الوليمة ، بعضنا يقول : إن الذهاب إلى الوليمة يكون تأييداً لهم على منكرهم

والبعض يقول : إن المنكر انتهى ، والوليمة ليس فيها منكرات ، لذا يجب إجابة الدعوة

هل يجوز الذهاب إلى وليمة من أقام المنكرات ، مع العلم أن الوليمة لا يصاحبها معازف ؟

الجواب

الحمد لله

قد بينَّا في جواب السؤال السابق حكم إجابة الدعوة ، ورجحنا وجوب الإجابة ، وذكرنا الشروط التي يجب تحققها لثبوت الوجوب ، ومن تلك الشروط :

" ألا يكون هناك منكر في مكان الدعوة ، فإن كان هناك منكر ، وهو يستطيع إزالته : وجب عليه الحضور لسببين : إجابة الدعوة ، وتغيير المنكر ، وإن كان لا يمكنه إزالته : حرم عليه الحضور " .انتهى

وهذا الشرط المذكور في الجواب هو في حال كون المنكر موجوداً وقت الوليمة ، وهذا مما لا ينبغي أن يُختلف فيه .

قال ابن قدامة - رحمه الله - :

إذا دعي إلى وليمة فيها معصية ، كالخمر ، والزمر ، والعود ، ونحوه ، وأمكنه الإنكار ، وإزالة المنكر : لزمه الحضور ، والإنكار .

وإن لم يقدر على الإنكار : لم يحضر ، وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر : أزاله ، فإن لم يقدر : انصرف .

" المغني " ( 7 / 279 ) .

وأما الوارد في السؤال فهو فيما لو كانت المنكرات قد سبقت الوليمة بيوم أو يومين

كما هو الحال في الأعراس في بعض الدول ، حيث يحتفل النساء في ليلة ، ثم الرجال والنساء في الليلة التي تليها ، ثم تكون الوليمة في اليوم الثالث

وغالباً ما تكون بعد صلاة الجمعة ، والذي نراه في هذه الحال أنه لا يجوز لأحدٍ أن يحضر تلك الوليمة إن كان قد سبقتها منكرات وآثام ، والعرس وحدة واحدة ، والوليمة جزء منه

وينبغي النظر إليه بهذا الاعتبار ، وثمة اعتبار آخر ، وهو أن حضور المسلم للطعام فيه إقرار لهم بما فعلوه قبلها من منكرات

والأصل أن مثل هؤلاء يهجرون لفعلهم المنكر ، فكيف لأحد أن يشاركهم طعامهم بعد أن عصوا ربهم وجاهروا بذلك على يومين أو أكثر ؟! .

نعم ، يوجد من يقول بأنه ليس ثمة منكر وقت الوليمة ، وأنه لا يشاهِد

ولا يَسمع شيئاً من المنكرات أثناء تناول الوليمة ، لكن لا ينبغي أن نغض الطرف عن فعل أصحاب العرس في لياليهم التي عصوا فيها الرب تعالى ، وهو متوعدون بالعقوبة عليها

والمسلم يجب أن يكون له موقف من تلك المنكرات ، وأهلها ، وإن ذهابه لتناول الطعام ليزري به ؛ حيث يقول أهل تلك الأعراس : " إن من أنكر علينا معاصينا سيشاركنا في الطعام ! وسيحضر في فقرة العرس الأخيرة ! " ،

وهذا ما يُقال من قبل أولئك العصاة ، مع تندر ، واستهزاء بأهل الفضل والخير ، وأنهم أهل طعام ! .

والحنفية مع تساهلهم في حضور الوليمة إن كان المنكر في المنزل ، غير مشاهد ، ولا مسموع ، لكنهم أبوا أن يكون أهل الدِّين من الحاضرين لتلك الوليمة .

ففي " الموسوعة الفقهية " ( 45 / 240 ) :

وأما الحنفية : فقد صرحوا بأنه لو كان المنكر في المنزل : فإنْ قدر المدعو على المنع : فعل ، وإلا صبر

مع الإنكار بقلبه ، هذا إن لم يكن مقتدى به ، فإن كان مقتدى به ، ولم يقدر على المنع : فإنه يخرج ، ولا يقعد ؛ لأن فيه شينَ الدِّين .انتهى

سئل الشيخ محمد بن عبد العزيز المسند – حفظه الله - :

أحياناً أدعى إلى وليمة بعدها تقام بدعة ، مثل ضرب الدفوف ، أو سهرة غناء أناشيد ، وهذا بعد الوليمة بكثير ، فهل يجوز تلبية مثل هذا ؟ .

فأجاب :

لا يجوز تلبية مثل هذه الولائم ، إلا لمن في حضوره إزالة لهذا المنكر ، أو تخفيف له

أمّا الاكتفاء بالحضور دون إنكار : فهو نوع من الإقرار ، لكن ينبغي أن يكون الإنكار بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، فلا يصل إلى درجة العراك ، أو الشتائم ، والسباب .

" الأسئلة الجزائرية " ( السؤال رقم 26 ، رقم الفتوى : 24563 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-04, 15:42
المعنى والعبرة من قوله تعالى

: (ولولا أن يكون الناس أمّة واحدة ... )

السؤال

ما هو تفسير أو معنى الآيات رقم 33 و34 و35 من سورة الزخرف ؟

وكيف الموعظة منها ؟

وهل العبرة منها هي ردّ على من يقولون لماذا يعيش الكافر في نعيم ويعيش المسلم في حالة من الكرّب والفقر والتعاسة ؟

وهل لهذه الآيات علاقة بقصة قارون ؟

وهل لنزول هذه الآيات سبب ؟

الجواب

الحمد لله

قال الله تعالى : ( وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ

* وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) الزخرف/ 33- 35 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ : لَوْلَا أَنْ يَعْتَقِدَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْجَهَلَةِ أَنَّ إِعْطَاءَنَا الْمَالَ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّتِنَا لِمَنْ أَعْطَيْنَاهُ

فَيَجْتَمِعُوا عَلَى الْكُفْرِ لِأَجْلِ الْمَالِ - هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ

وَغَيْرِهِمْ- (لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ) أَيْ: سَلَالِمَ وَدَرَجًا مِنْ فِضَّةٍ - قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: وَابْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ- (عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) ، أَيْ: يَصْعَدُونَ.

(وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا) أَيْ: أَغْلَاقًا عَلَى أَبْوَابِهِمْ (وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ) ، أَيْ: جَمِيعُ ذَلِكَ يَكُونُ فِضَّةً، (وَزُخْرُفًا) ، أَيْ: وَذَهَبًا .
ثُمَّ قَالَ: (وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) أَيْ: إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ الْحَقِيرَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ: يُعَجِّلُ لَهُمْ بِحَسَنَاتِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا مَآكِلَ وَمَشَارِبَ، لِيُوَافُوا الْآخِرَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنَةٌ يَجْزِيهِمْ بِهَا .

ثُمَّ قَالَ: (وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) أَيْ: هِيَ لَهُمْ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُمْ : فِيهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/ 226-227)

وانظر " تفسير السعدي " (ص765).

ثانيا :

العبرة من هذه الآيات : أنها وردت مورد الذم للحياة الدنيا ، فهي لا تزن عند الله جناح بعوضة

ولو شاء لأعطى الكافر منها كل ما يشتهي ، من هوانها عليه وهوانه عليه سبحانه

ولكنه برحمته لم يفتح عليهم أبواب الدنيا كلها ، لئلا يفتن الناس بذلك ، فيتسارعوا في الكفر ، وينسوا الآخرة .

روى ابن أبي شيبة (7/105) بسند صحيح عن ابن مسعود قال

: " إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ , وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ , فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَعْطَاهُ الْإِيمَانَ " .

ولهذا كان الواجب على المسلم ، إذا كان في ضيق من الدنيا ، وهو يرى الكافر في سعة منها : ألا يحزن ، بل يحسن الظن بالله ، وأن الله جل جلاله لم يمنعه الدنيا لهوانه عليه ، ولم يعطها الكافر لكرامة له

بل الأمر على العكس من ذلك .

روى البخاري (4913) ، ومسلم (1479) :

" أن عمر رضي الله عنه دخل على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقد نام على حصير أثَّر في جنبه صلى الله عليه وسلم ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ [جلد] حَشْوُهَا لِيفٌ

قال عمر : فَرَأَيْتُ أَثَرَ الحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ : (مَا يُبْكِيكَ ؟) ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ! فَقَالَ: ( أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟ )
".
ثالثا :

لا نعلم سببا مخصوصا لنزول هذه الآيات الكريمة

وإنما هي على نسق ما نزل من الآيات في ذم الدنيا وذم أهلها

وفي الحث على حرث الآخرة وأجرها ومنازلها وما أعد الله فيها لأهلها من النعيم المقيم

كما قال تعالى : (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/ 185

وقال تعالى : (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الأنعام/ 32.

أما قصة قارون ، فهي بيان عملي ، وبرهان واقعي ، على ما دلت عليه هذه الآيات وغيرها ، من ذم الدنيا ، وبطشها بأهلها الذين انشغلوا بها عن الحياة الآخرة ، وركنوا إليها ، فألهتهم وصرفتهم عن طاعة الله وعبادته .

وأن الدنيا إذا انفتحت على الناس بطروا وبغوا ، ونسوا شكر النعمة .

وأن الخوف من فتنتها : مما ينبغي أن يزهد فيها ، ويرغب في الآخرة ، ويحض على استعمال النعمة في طاعة الله ، فإنه من تمام شكرها .

قال تعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) القصص/ 83 .

وينظر للفائدة جواب الاسئلة الثلاثة القادمه
.
والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-04, 15:49
لماذا لا يعجل الله تعالى بهلاك الكفار ؟

ولماذا المسلمون في تأخر ؟

السؤال

لماذا لا يعاقب الله المسيحيين واليهود ؟

لماذا المسلمون في تأخر والمسيحيون واليهود في تطور

الجواب

الحمد لله

أولاً :

لعلَّ الأخ السائل أراد بالعقوبة في سؤاله العذاب والإهلاك ؛ لأن لفظ العقوبة أعم من العذاب

والكفار يعاقبهم الله تعالى على كفرهم بالمعيشة الضنك ، وبظلمة القلوب وقسوتها

ومن يُرى منهم على حال حسنة ونعيم في طعامه ولباسه ومسكنه فإنما هو ظاهر الأمر لا حقيقة بواطنهم وقلوبهم ، ويشترك العاصي مع الكافر في هذا الباب .

وأما تأخير العذاب والإهلاك لمن كفر بالله تعالى : فقد ذكر الله تعالى في كتابه حِكَماً كثيرة لذلك ، ومنها :

1. أنه تعالى غفور رحيم ، وإنما يؤخر إهلاكهم لأجل أن يتوبوا ويُسلموا .

قال الله تعالى : ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ) الكهف/58 .

قال الإمام الطبري – رحمه الله - :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وربك الساتر يا محمد على ذنوب عباده بعفوه عنهم إذا تابوا منها .

( ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا ) هؤلاء المعرضين عن آياته إذا ذكروا بها بما كسبوا من الذنوب والآثام .

( لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ) ولكنه لرحمته بخلقه غير فاعل ذلك بهم إلى ميقاتهم وآجالهم .

" تفسير الطبري " ( 18 / 52 ) .

2. أن من صفاته تعالى الحلم ، ومن أسمائه الحسنى الحليم ، فهو لا يعجل بالعقوبة ، بل يمهل لخلقه من غير إهمال ، ولن تفوته عقوبتهم لو أراد ، كما هو الحال في البشر .

أ. قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله - :

قوله تعالى : لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب الآية .

بيَّن في هذه الآية الكريمة : أنه لو يؤاخذ الناس بما كسبوا من الذنوب ، كالكفر والمعاصي ، لعجَّل لهم العذاب ، لشناعة ما يرتكبونه ، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة ، فهو يمهل ولا يهمل" .

أضواء البيان " ( 4 / 164 ) .

ب. وقال – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) النحل/61 - :

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه لو عاجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض ، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة ؛ لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة ، ورب السموات والأرض لا يفوته شيء أراده .

وذكر هذا المعنى في غير هذا الموضع

كقوله في آخر سورة فاطر : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ ) فاطر/45 الآية

وقوله : ( وَرَبُّكَ الغفور ذُو الرحمة لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب ) الكهف/ 58 ، الآية .

وأشار بقوله : ( ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى ) إلى أنه تعالى يمهل ولا يهمل .

" أضواء البيان " ( 3 / 263 ) .

3. أن عذاب الكفار حاصل ولا شك في الآخرة ، وأن التأخير فيه إنما لأنه لم يحن وقته الذي قدَّره الله تعالى عليهم ، وهو يوم القيامة .

قال الله تعالى : ( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) هود/110 .

وقال تعالى : ( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى ) طه/129 .

وقال تعالى : ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا ) الكهف/58 .

وقال تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ ) إبراهيم/42 .

أ. قال البغوي – رحمه الله - :

( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى ) فيه تقديم وتأخير، تقديره : ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجلٌ مسمّى ، والكلمة : الحُكم بتأخير العذاب عنهم

أي : ولولا حكمٌ سبق بتأخير العذاب عنهم وأجلٌ مسمى ، وهو القيامة .

( لَكَانَ لِزَاماً ) أي : لكان العذاب لازماً لهم ، كما لزم القرون الماضية الكافرة .

" تفسير البغوي " ( 5 / 302 ) .

ب. وقال ابن كثير – رحمه الله - :

قال تعالى : ( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) أي : لولا الكلمة السابقة من الله بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد : لعجل لهم العقوبة في الدنيا سريعاً .

" تفسير ابن كثير " ( 7 / 195 ) .

ج. وقال الشيخ السعدي – رحمه الله - :

( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ) بتأخيرهم ، وعدم معاجلتهم بالعذاب .

( لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) بإحلال العقوبة بالظالم ، ولكنه تعالى اقتضت حكمته أن أخَّر القضاء بينهم إلى يوم القيامة . " تفسير السعدي " ( ص 390 ) .

د. وقال الشنقيطي – رحمه الله - :

قوله تعالى : بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاٍ الآية .

بيَّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه وإن لم يجعل لهم العذاب في الحال : فليس غافلاً عنهم ولا تاركاً عذابهم ، بل هو تعالى جاعل لهم موعداً يعذبهم فيه ، لا يتأخر العذاب عنه ، ولا يتقدم . "

أضواء البيان " ( 4 / 164 ، 165 ) .

4. وأما من كفر نعمة ربه , ولم يتعرض لرحمته ، وأصر على كفره وعناده ، فإن في تأخير العذاب عنه زيادة في إثمه ، حتى يوافي ربه العزيز المنتقم ، وقد ازداد إثمه ، وأحاط به جرمه ، وانقطع عذره ، وذهبت حجته :

قال الله تعالى : ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام ٍ) ابراهيم/47

وقال تعالى : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) آل عمران/178 .

وقال تعالى : ( فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ) مريم/85 .

أ. قال الإمام الطبري – رحمه الله - :

وتأويل قوله : ( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ) : إنما نؤخر آجالهم فنطيلها ليزدادوا إثماً ، يقول : يكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم وتكثر .

( وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) يقول : ولهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله في الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة .

" تفسير الطبري " ( 7 / 423 ) .

ب. وقال الطبري – أيضاً - :

وقوله ( فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ) يقول عزّ ذكره : فلا تعجل على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك يا محمد .

( إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ) يقول : فإنما نؤخر إهلاكهم ليزدادوا إثماً ، ونحن نعدّ أعمالهم كلها ونحصيها حتى أنفاسهم لنجازيهم على جميعها ، ولم نترك تعجيل هلاكهم لخير أردناه بهم .

" تفسير الطبري " ( 18 / 252 ) .

فيا له من وعيد وتخويف ، وياله من بأس وانتقام ، حين يعد الجبار الجليل ، للمجرم الآبق ما يستحقه على جرمه ، حين لا مفر له ولا مهرب .

روى البخاري (4686) ومسلم (2583) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ .

ثانياً :

وأما الأمر الآخر وهو تأخر المسلمين وتقدم الكفار في أسباب المعاش

وعلوم الدنيا : فاعلم أن أمر تطورهم وتقدمهم لا يتعدى الأمور الدنيوية

وأما العلم الحقيقي ، وهو العلم بالله والدار الآخرة فهم في معزل عنه . قال الله تعالى : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) الروم/7 .

وهذا أيضا من تمام حجة الله تعالى عليهم ؛ أن أعطاهم الأسباب التي تمكنهم من العلم النافع لهم ، وتدلهم على الدين الحق ، فشغلوها بأمر الدنيا ، ولم ينتفعوا بها فيما ينجيهم عنده ، ويصلح لهم أمر آخرتهم

فينصلح تبعا له أمر دنياهم ـ أيضا ـ . قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ

وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الاحقاف/26 ولهذا قال الله تعالى ، ناهيا عباده عن الاغترار بما عندهم من أسباب الدنيا ، وزينتها وزخرفها

: ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) آل عمران/196 ، 197 .

قال الشوكاني رحمه الله :

( لا يَغُرَّنَّكَ ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد تثبيته على ما هو عليه ، كقوله تعالى ( يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنوا آمِنوا ) وخطاب لكل أحدٍ ، وهذه الآية متضمنة لقبح حال الكفار بعد ذكر حسن حال المؤمنين

والمعنى : لا يغرنك ما هم فيه من تقلبهم في البلاد بالأسفار للتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم

فهو متاع قليل يتمتعون به في هذه الدار ثم مصيرهم إلى جهنم ، فقوله : ( مَتَاعٌ ) خبر مبتدأ محذوف : أي : هو متاع قليل لا اعتداد به بالنسبة إلى ثواب الله سبحانه .

( وَمَأْوَاهُم ) أي : ما يأوون إليه .

والتقلب في البلاد : الاضطراب في الأسفار إلى الأمكنة ، ومثله قوله تعالى ( فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُم فِي البِلاَدِ ) والمتاع ما يعجل الانتفاع به ، وسمَّاه " قليلاً " لأنه فانٍ ، وكلُّ فانٍ وإن كان كثيراً فهو قليل .

وقوله ( وَبِئْسَ المَصِيرُ ) ما مهدوا لأنفسهم في جهنم بكفرهم ، أو ما مهد الله لهم من النار ، فالمخصوص بالذم محذوف : وهو هذا المقدر .

" فتح القدير " ( 1 / 622 ، 623 ) .

واعلم ـ أخانا الكريم ـ أن الله تعالى قد جعل لعمارة الأرض ، والتمكن من خيرها ، والانتفاع بما فيها ، وبلوغ أسباب القوة ، سننا كونية

هي جارية على العباد كلهم ؛ فمن أخذ بأسباب القوة بلغها ، بإذن ربه ، لكن الشأن فيمن يبلغ ذلك ، كما شرع له ربه ، ثم يستعمله فيما يوصله ، ويوصل العباد إلى مرضاة ربه .

قال الله تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً

* كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) الاسراء/18-20 .

ثم إن من حكم الله تعالى في تيسير أسباب المعاش ، وزينة الدنيا لهؤلاء الكفار ، أن من أحسن منهم في شيء ، تمتع بما عنده من الدنيا ، جزاء حسنته ، حتى إذا وافى ربه يوم القيامة ، لم يكن له عند الله حسنة يجازى بها .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً ؛ يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا ، وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ

. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا ) رواه مسلم (2808) .

ولهذا قال شداد بن أوس رضي الله عنه : ( إن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، والآخرة وعد صادق ، يحكم فيها ملك قاهر ، ولكل بنون ؛ فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا )

صفة الصفوة (1/709) .

على أننا ـ أيضا ـ ننبه هنا إلى أن ذلك لا يعني أن يترك المؤمنون أسباب القوة ، يتمتع بها الكفار ، ويصدون الناس بها عن سبيل الله ، بل إن المؤمن مأمور بعمارة الأرض على منهج ربه عز وجل .

قال الله تعالى : ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) هود/61

وأمر الله تعالى عباده بالأخذ بأسباب القوة ، كل القوة ، في مواجهة عدوهم : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) الأنفال/من الآية60

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله

: ( أي : كل ما تقدرون عليه ، من القوة العقلية والبدنية ، وأنواع الأسلحة ونحو ذلك ، مما يعين على قتالهم . فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع ، والرشاشات

والبنادق ، والطيارات الجوية ، والمراكب البرية والبحرية ، والقلاع ، والخنادق ، وآلات الدفاع

والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم ، وتعلم الرمي ، والشجاعة والتدبير . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن القوة الرمي [ رواه مسلم (1917) ] .

ومن ذلك : الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال

ولهذا قال تعالى : ( ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ؛ وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان ، وهي إرهاب الأعداء

والحكم يدور مع علته . فإذا كان شيء موجودا أكثر إرهابا منها ، كالسيارات البرية والهوائية

المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد ، كانت مأمورا بالاستعداد بها ، والسعي لتحصيلها ، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلم الصناعة ، وجب ذلك ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب ) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-05, 17:39
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


تحس بالراحة والطمأنينة عند تمسكها بالدين ولكن أصدقاءها يبتعدون عنها فما الحل

السؤال

أنا أمريكية مسلمة منذ المولد ، وأجد نفسي مؤخرا قريبا جدا من ديننا ، فقد توقفت عن الاستماع للموسيقى والذهاب لمشاهدة الأفلام ، وحتى عن الخروج غير الضروري دون وجود والد أو أخي

أو جماعة من أصدقائي ، ولا يزال أمامي الكثير للقيام به. وكنت أشعر براحة كبيرة وسعادة بالغة بنمط حياتي الإسلامي الجديد لبعض الأشهر ما شاء الله

لكن رغبتي في زيادة تقواي أدت إلى بعض المشاكل ، حيث أشعر بالملل كثيرا الآن ، وأصدقائي يبتعدون عني شيئا فشيئا ، وأقاربي يستاءون إذا لم أرغب في أن أنضم إليهم في تجمعات مختلطة .

وعندما أمارس الرياضة أستمع للقرآن ، أو الأناشيد ، بينما كنت أقوم قبلا بالاستماع للموسيقى ، وأجد نفسي الآن أُقلل من ممارستي للرياضة

. وبعبارة أخرى : ففي الوقت الذي تنعم فيه روحي بالشعور بالرضا والطمأنينة ، فإن جسدي واهتماماتى الدنيوية في تراجع ، وأنا أشعر كما لو أنى ولدت في زمان أو دنيا خاطئة

فهي كالسجن بالنسبة لي . فهل بوسعكم نصحي بنظام أو روتين أو دعاء للتخفيف مما أعانيه ،

وأيضا كلمات أو عبارات يمكنني قولها لأصدقائي وأقاربي يمكنهم من خلالها معرفة قصدي ؟ وسأقدر تماما جميع المعلومات التي ستقدمونها لي ، وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

أولا :

أيتها الأخت الكريمة ، هنيئا لك طريق الهداية الذي وجدتيه ، هنيئا لك راحتك بالطاعة ، هنيئا نفرتك من المعاصي ومن كل ما يبعدك عن دينك

فماذا فاتك بعد ذلك ، وأي شيء يستحق أن تتأسفي عليه ، إذا وجدت راحة قلبك ، وسعادتك بإيمانك وطاعتك

. قال الله تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الأنعام/125 .

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" يقول تعالى -مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته ، وعلامة شقاوته وضلاله- : إن من انشرح صدره للإسلام ، أي : اتسع وانفسح

فاستنار بنور الإيمان ، وحيي بضوء اليقين ، فاطمأنت بذلك نفسه ، وأحب الخير، وطوعت له نفسه فعله ، متلذذا به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه ، ومَنَّ عليه بالتوفيق ، وسلوك أقوم الطريق .

وإن علامة من يرد الله أن يضله ، أن يجعل صدره ضيقا حرجا ؛ أي : في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين ، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات ، فلا يصل إليه خير، لا ينشرح قلبه لفعل الخير

كأنه من ضيقه وشدته يكاد يَصَّعَّدُ في السماء، أي: كأنه يكلَّف الصعود إلى السماء، الذي لا حيلة له فيه !! "

انتهى من " تفسير السعدي" (272) .

ثانيا :

ليس من شك في أن طريق الجنة ليس ميسورا لكل أحد ، يستوي الناس في سلوكه ، بل لا بد من تعب وابتلاء ، ونصب ومشقة ، ليتبين الصادق في إيمانه من الكاذب

وليعلم العقلاء أن الراحة الكبرى والنعيم المقيم ، لا بد له من قدر من التعب والمشقة ومجاهدة النفس والهوى:

روى البخاري (6487) ومسلم (2823) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ) .

والمعنى : أن سالك طريق الجنة لا بد وأن يواجه قدر من المشقات والمكاره التي تصعب على النفس ، وأن طريق النار مليء بما تشتهيه النفس وتميل إليه .

ولهذا قال الشاعر :

بَصُرْتَ بالراحةِ الكُبرى فلم تَرَها ... تُنالُ إلا عَلَى جِسْرٍ من التّعَبِ

إن إشكالية التعارض بين راحة الدنيا وراحة الآخرة ، بين متع الدنيا ونعيم الآخرة ، هي إشكالية تتكرر كثيرا ، لكنها محسومة بالنسبة للمؤمن الموفق :

روى أحمد في مسنده (22392) ـ وصححه الألباني ـ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ

: يَا سَامِعَ الْأَشْعَرِيِّينَ ؛ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( حُلْوَةُ الدُّنْيَا مُرَّةُ الْآخِرَةِ وَمُرَّةُ الدُّنْيَا حُلْوَةُ الْآخِرَةِ ) .

قال ابن القيم رحمه الله :

" المصالح والخيرات ، واللذات والكمالات ، كلها لا تُنال إلا بحظ من المشقة ، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب ؛ وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم ، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة

وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة ؛ فلا فرحة لمن لا هَمَّ له ، ولا لذة لمن لا صبر له ، ولا نعيم لمن لا شقاء له ، ولا راحة لمن لا تعب له ؛ بل إذا تعب العبد قليلا استراح طويلا

وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد ، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة

والله المستعان ، ولا قوة إلا بالله "

"مفتاح دار السعادة" (2/15) .

ومن هنا علم العقلاء أن الدنيا دار نصب وتعب ، فمهما كان فيها من النعيم والراحة ، فهي أشبه بالسجن ، بل هي سجن حقيقي ، ما دامت تحبسه عن نعيم الجنة :

روى مسلم (2956) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ ) .

غير أن العاقل الموفق يوازن بين حاجات الدنيا ، ومصالح الآخرة

فيعطي كل ذي حق حقه

كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ويضبط سيره بحدود الله التي حدها لعباده ؛ فما فاتك من الدنيا لأجل ما أنت فيه من التزامك بأمر دينك

فاعلمي أن الله تعالى بمنه وكرمه يعوضك من نعيم الدنيا والآخرة ، ما هو خير منه وأعظم قدرا .

وليس هناك ما يمنعك من أن تمارسي الرياضة التي تناسبك وأنت في بيتك ، أو في حديقة منزلك ، أو في مكان خاص بالنساء ، لا يدخله ، ولا يطلع عليه أحد من الرجال .

كما أن قيامك بواجبك في المنزل ، وحرصك على صلواتك ، والإكثار من نوافلها ، كل ذلك من شأنه أن يعطي لبدنك راحة ، ويعوضك عما فاتك من شغل الجسد .

وأما أن أصدقاءك قد بدؤوا يملونك ، ويتركون صحبتك ، فاعلمي ـ يا أمة الله ـ أن من وجد الله ، فقد وجد كل شيء ، ومن فقد الله ، فقد فقد كل شيء ؛ فلا قيمة لشيء

أو لأحد تجدينه ، إذا كان يبعدك عن الله . ثم اعلمي أن القلوب بيد الرحمن جل جلاله ، يقلبها كيف يشاء

فاطلبي ما عنده سبحانه ، وسوف تجدين القلوب الصالحة تطلبك أنت وتبحث عنك ، وأما غير الصالحين : فلا تأسي عليهم ، ولا تحزني على فراقهم .

روى الترمذي (2414) ـ وصححه الألباني ـ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ !!

فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ : سَلَامٌ عَلَيْكَ

أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ) . وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ .

ولا تنسي أن راحتك ، وهناءة بالك تحصلينها ، أعظم ما تحصلينها ، بذكر الله : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28 .

نسأل الله أن يزيدك إيمانا ويقينا وهدى ، وأن يثبتك على الحق ، ويشرح صدرك بنور الإيمان ، ويوفقك لما يحب ويرضى من القول والعمل .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-05, 17:46
هل من المحظور على المسلم حب الدنيا ؟

وهل يقع بذلك في النفاق ؟

السؤال

توعد الله سبحانه وتعالى في سورة " النساء " المنافقين بالدرك الأسفل من النار ، ويقول الكثير من المحاضرين إن غالبية المنافقين يعتقدون أنهم مسلمون صالحون يريدون الآخرة لكنهم لا يريدون أن يعرضوا عن هذه الحياة أيضا

وأنا لا أريد أن أدفع أكثر من الزكاة المفروضة والقليل من الصدقات في سبيل الله

فهل من الأفضل لشخص مثلي أن يترك الإسلام وأن يتنصر لأنهم يتمتعون بالحياة أكثر وفى الآخرة ستكون عقوبتهم أقل من عقوبة المنافق ؟

وأنا لا يمكننى تخيل كوني ملحداً لأني متعلق بالله بشدة ، وسؤالي هو أنى أحب هذه الحياة كثيراً وقد حاولت لكني لم أتمكن من الإعراض عنها . وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

سبحان الله ! وهل الذي يحب الحياة الفانية يضحي بالحياة الخالدة ؟!

وهل الذي يحب الحياة المليئة بالهموم والغموم يضحي بالحياة الخالية من ذلك كله ؟!

وهل الذي يحب الحياة الدنيا لأن فيها الزوجة والأولاد والأقارب والمحبين يضحي بذلك كله في الحياة الأخروية - لأنه سيحال بينه وبينهم فيكونون هم في النعيم وهو في الجحيم - ؟!

أنت لا تتخيل نفسك ملحداً ولا نصرانيّاً ونحن كذلك نرى رأيك !

لأن من يحب الحياة الدنيا من المسلمين لما فيها نعيم مباح وملذة حلال ، فإنه يعلم أن في الجنة ما لا يمكن مقارنته من ذلك مع ما في الدنيا ، فهو لا يمنع نفسه من مباحات الدنيا وملذاتها

إلا لأجل نظرته إلى النعيم الأخروي الأبدي والذي فيه رؤية الله تعالى ولا يُنعم على أهل الجنة بمثل هذا النعيم العظيم ، فلذلك نحن لا نشك أن مثلك لا يمكن أن يترك الإسلام ويرتد

لأنه لن يكون في نعيم لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وأن حياته ستكون ضنكاً وكذا آخرته ، وإياك أن تغتر بما تراه من سعادة ظاهرة على الكفار ، ولكن انظر إلى قلوبهم وصدورهم كيف هي

فالسعادة سعادة القلب ولو كان صاحبها في شدة من العيش ، والشقاء شقاء القلب ولو كان صاحبه يعيش في قصر عظيم ، ودنيا واسعة

قال تعالى ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/ 124 .

واعلم أن المسلم الذي يعيش في دنياه في شدة من العيش وضيق في الرزق ، سينسى ذلك كله بغمسة يغمسها إياه ربه في جنته وسيقسم أنه لم ير بؤساً قط ! وأن الكافر المنعَّم في حياته الدنيا

سينسى ذلك كله في غمسة يغمسها إياه ربه في جهنم ، وسيقسم أنه لم ير نعيماً قط ! هذه غمسة وفعلت ذلك ، فكيف حين تصير الجنة مأوى دائما للأول ، والنار مأوى دائما للآخر ؟! .

وهذا يجعلنا نؤكد على أنك لست ممن يرضى لنفسه أن ينعم في دنياه مؤقتاً ، ثم يحل عليه سخط الله وعذابه

فيحيا حياة أبدية في سعير وذل ومهانة ، ولعلَّه قد تبين لك الآن أن ما جاءك من تفكير إنما هو من الشيطان ليصدَّك عن نعيم الدنيا والآخرة ، ولا نظن بمثلك أن يستجيب لذلك .

ثانياً:

ما سمعته في تعريف المنافق هو خطأ محض إما من القائل أو من فهمك له ، فليس ما ذكرتَ هو النفاق ولا أولئك هم المنافقون

بل النفاق الذي يكون أصحابه في الدرك الأسفل من النار هم الذين انطوت قلوبهم على الكفر بالله ، وتكذيب رسله ، والإعراض عن شرعه ، لكنهم أظهروا الإسلام ليحموا دماءهم وأموالهم .

ثالثاً:

من قال لك إن الإسلام يدعو أهله ليعرضوا عن الدنيا بكلها ؟!

بل هذا فهم خطأ منك للإسلام ، والله تعالى قد امتنَّ علينا بأنه خلق لنا ما في الأرض جميعاً وأحلَّه لنا لنستعمله ونهنأ به

فمن يمنعك من الاستمتاع بالمباح من اللباس والطعام والشراب والسكنى والنكاح والسيارات وغير ذلك من المباحات ؟!

قال تعالى : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) الأعراف/ 32

ولو أنك قرأتَ سورة " النحل " لرأيتَ فيها ما يذهلك مما ذكره الله تعالى فيها من نعمه الجليلة التي أباحها لعباده

حتى إن هذه السورة تسمَّى سورة النِّعَم من كثرة ما ذكره الله تعالى فيها من نعمه المجملة والمفصلة التي خلقها الله لعباده وأباح لهم الاستمتاع بها

وفيها يقول الله تعالى : ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النحل/ 18 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

" والله تعالى ذكر في " سورة النحل " إنعامَه على عباده ، فذكر في أول السورة أصول النعم التي لا يعيش بنو آدم إلا بها ، وذكر في أثنائها تمام النعم التي لا يطيب عيشهم إلا بها

فذكر في أولها الرزق الذي لا بد لهم منه ، وذكر ما يدفع البرد من الكسوة بقوله ( وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ )

ثم في أثناء السورة ذكر لهم المساكن والمنافع التي يسكنونها : مساكن الحاضرة والبادية ومساكن المسافرين فقال تعالى ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ) الآية

ثم ذكر إنعامه بالظلال التي تقيهم الحر والبأس فقال ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا ) إلى قوله ( كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) "

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 12 / 256 ) .

رابعاً:

هذا قارون كان يملك من الكنوز ما يعجز الرجال الأقوياء عن حمل مفاتحه ! وانظر ماذا قال له الناصحون تعلم حقيقة ما نطلب منك مع استمتاعك بالدنيا

فقد نصحه أولئك بخمس نصائح : أن لا يبطر ويطغى بالنعمة ، وأن يستعمل تلك النعمة لنيل درجات الآخرة

وأن يستمتع بما معه في الدنيا بما لا يضر آخرته ، وأن يُحسن إلى الناس كما أحسن الله إليه ، وأن لا يستعمل تلك النعمة في الفساد في الأرض ، وهذه – والله – نصائح غالية جامعة مانعة .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -

" ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ ) ناصحين له محذرين له عن الطغيان ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ )

أي : لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة وتفتخر بها وتلهيك عن الآخرة ، فإن اللّه لا يحب الفرحين بها المنكبين على محبتها
.
( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ) أي : قد حصل عندك من وسائل الآخرة ما ليس عند غيرك من الأموال ، فابتغ بها ما عند اللّه وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات وتحصيل اللذات .

( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) أي : لا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعاً ، بل أنفق لآخرتك ، واستمتع بدنياك استمتاعا لا يثلم دينك ولا يضر بآخرتك .

( وَأَحْسِنْ ) إلى عباد اللّه ( كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) بهذه الأموال .

( وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ ) بالتكبر والعمل بمعاصي اللّه والاشتغال بالنعم عن المنعم ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) بل يعاقبهم على ذلك أشد العقوبة . "

انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 623 ) .

فنرجو منك مزيد تأمل في تلك النصائح ، وهو المطلوب مِن كل مَن أنعم الله تعالى ، وأما بخصوص الصدقات على الفقراء والمحتاجين فاعلم أنه لا يجب عليك في شرعنا المطهر غير زكاة مالك

وقد يجب عليك الإنفاق على قريب فقير ، لكن من حيث المجمل ليس في المال حق سوى الزكاة

فإذا أديت زكاة الفريضة كما تقول ، فقد أديت ما عليك ، وإذا تصدقت بشيء قليل كما تقول ، فقد أحسنت وتطوعت بنافلة من مالك .

وإن لكن لا يليق بالمسلم أن ينسى أن ما هو فيه من نعمة فإنما هي من الله ، وأن الله تعالى يعطي مُنفقاً خلَفاً ، وأن من أنفق على الناس أنفق الله عليه

وكل ذلك ثابت بالكتاب والسنَّة الصحيحة ، وهو من الشكر العملي لنعمة المال ، ومن الجيد أن تنفق من مالك صدقات على فقراء ومحتاجين

فنسأل الله أن يتقبل منك وأن يُخلفك خيراً ؛ لكن إذا قدر أنك أديت الفريضة وفقط ، ولم تتصدق بشيء زائد على ذلك ؛ فليس ذلك من النفاق ، بل ليس ذلك ذبنا تستحق عليه عقوبة أصلا .

خامساً:

المهم في ذلك كله أن تعلم أنه ليس من الدين أن يعرض المسلم عن الدنيا بالكلية ، بل المحذور هو التعلق بالدنيا تعلقّاً كليّاً ، والإعراض عن العمل للدار الآخرة

وعدم العمل لما خُلق من أجله وهو إقامة الدين والعمل بالأوامر والبعد عن المنهيات ، وأما الاستمتاع بمباحات الدنيا وملذاتها الحلال فلا يمنع منها أحد

وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يُخبر عن نفسه إنه قد حُبِّب إليه من دنيا الناس : النساء والطِّيب

وقد أنكر صلى الله عليه وسلم على النفر الذين أراد أحدهم أن يقوم الليل كله ولا يرقد وعلى الثاني الذي أراد أن يصوم فلا يفطر وعلى الثالث الذي أراد ترك التزوج

وأخبر – صلى الله عليه وسلم – أنه يقوم وينام ، ويصوم ويفطر ، وأنه يتزوج النساء

فهذا هديه صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الهدي ، فعلى المسلم أن يكون وسطاً في أمورها كلها ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه ، فلا يتعلق بالدنيا تعلقاً كليّاً ولا يتركها تركاً كليّاً .

وليس الزهد هو الإعراض عن الدنيا ، فقد كان الصحابة الكرام سادة الزهَّاد ولم يمنعهم ذلك من الاستمتاع بما أباحه الله لهم ، بل الصحيح في تعريف الزهد أنه : " ترك ما لا ينفع في الآخرة ".

نسأل الله أن يشرح صدرك للحق وللعمل ه ، وأن يُبعد عنك نزغات الشيطان ، وأن يوفقك لما فيه رضاه .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-05, 17:52
الحياة الإسلامية أفضل حياة ولكن في بعض الأحيان أشعر أنه لا يمكنني المواصلة على هذا الطريق

السؤال

الحياة الإسلامية هي أفضل حياة يمكن أن يحياها الإنسان

ولكن في بعض الأحيان يكون الأمر صعباً وأشعر بأنه لا أمل في المواصلة

الجواب

الحمد لله

فقد أحسنت أيها الأخ السائل ـ بارك الله فيك ـ حين قررت أن الحياة الإسلامية هي أفضل حياة يمكن أن يحياها الإنسان

فهذه حقيقة عظيمة قل من يدركها من بني البشر ، فضلاً عن أن يقتنع بها

وقد بين الله تعالى ذلك في غير موضع من كتابه .

قال تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل/97 .

كما بين سبحانه أن من أعرض عن الإيمان بالله وذكره فقد عرض نفسه لحياة الضنك والشقاء

كما قال تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا *

قال كذلك أتتك آيتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) طه/124 ـ 127

فإذا علمت ذلك ـ أخي الكريم ـ واستقر في قلبك ، واطمأنت به نفسك ، ثم علمت أن الله تعالى ما خلق هذا الكون بأرضه وسمائه وبحاره وأنهاره

وجباله وسهوله ووهاده وصحاراه ؛ إلا من أجلك أنت أيها المخلوق الضعيف الفقير

كما قال سبحانه : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ً ) البقرة/29

ثم علمت أن الحكمة العظمى من وجودك في هذه الدار إنما هي عبادة ربك وخالقك وبارئك الذي أحسن كل شيء خلقه ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56 .

وأنه سبحانه ما خلق الموت والحياة إلا ليختبر عباده ويبتليهم في أدائهم لهذه العبادة

وقيامهم بحق الله فيها ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/2

ثم تكرم سبحانه على عباده فوعد المحسنين في هذه الدار ، بأن لهم عنده في تلك الدار جنة عرضها السماوات والأرض ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

كما وعد المسيء المفرط في حقه سبحانه بأن له نارا تلظى ، لا يموت فيها ولا يحي، وجعل فيها من أنواع النكال والعذاب ما يشيبُ الوليد سماعُه فضلا عن رؤيته ومعاينته نسأل الله لنا ولك السلامة منها .. آمين .

فإذا عرفت هذا معرفة قلب ويقين؛ علمت أن الفوز بهذا النعيم العظيم ، والنجاح في هذا الامتحان الخطير ، لا يكون إلا على جسر من التعب والمشقة التي تحتاج إلى صبر وتحمل ومعاناة .

لكنها مشقة سرعان ما تنقضي، ومعاناة عن قريب تنتهي ؛ ليعقبها راحة أبدية ونعيم سرمدي فما عسى أن تساوي مشقة ساعة

ولحظة ألم ؛ إذا ما قورنت بنعيم الدهر ولذة الأبد .. نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليك بفضله وجنته .. آمين .

ثم اعلم أخي ـ وفقك الله لهداه ـ أنه كلما اشتدت غربة الدين وقل المتمسكون بالحق ـ كما هو الحال في زماننا هذا ـ صعب على النفس الثبات عليه

وشق عليها مخالفة الكثرة الكاثرة من الخلق . ولذا فقد اقتضت حكمة الله تعالى وكرمه مضاعفة أجور المؤمنين الصادقين الثابتين على الحق

الذين قدموا رضاه على ما سواه ، وضحوا في سبيل ذلك بالغالي والنفيس

. ففي صحيح مسلم ( 145 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء ) .

وفي سنن الترمذي ( 3058 ) عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

: ( .. َإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ) . وفي رواية :

( قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3172 ) .

فدلت هذه الأحاديث العظيمة وغيرها على أن الناس في آخر الزمان يكثر فيهم أهل الشر والفساد

ويقل فيهم أهل الخير والتقوى والصلاح ، وذلك لكثرة الفتن ، وانتشار المعاصي والمغريات حتى يصبح المتمسك بالدين غريباً بينهم؛ بل ربما صار غريبا بين أهله وذويه .

كما دلت على أن التمسك بالدين ليس بالأمر السهل بل هو كحال القابض على الجمر

وأن المعين على ذلك بعد توفيق الله هو الصبر على هذا الطريق حتى يلقى العبد ربه غير مفرط ولا مبدل فيلقى رباً راضياً غير غضبان يوفيه أجره مضاعفا أضعافاً كثيرة .

فمن علم هذا حق العلم هان عليه ما يلقى في سبيل ما ينتظره عند ربه بمشيئة الله تعالى وكرمه وفضله .

وهذا الذي قلناه إذا كانت تشعر بصعوبة الأمر على نفسك ، وخوفك من أن يضعف صبرك ، وتزل قدمك عن طريق الثبات .

فأما إن تشعر أنه لا أمل لك في العمل على نشر هذه الحياة الإسلامية التي تحياها ، فيمن حولك ، وإعادتهم إليها ، كما هو الواجب عليك لشدة ما تلاقي من الممانعة والمحاربة ، وعوامل الهدم لبنائك

فأعلم أن كل خطوة تخطوها في ذلك الطريق نصر ، وصدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وإنك لا تدري متى تعمل الكلمة التي تقولها في نفس من سمعها ، فلعلها تنفعه ، ولو بعد حين

ولا ينبغي أن ينقطع رجاؤك في ذلك النفع يوماً ( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الأعراف/164 .

واحذر من دبيب اليأس إلى قلبك ، فإنه : ( لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ) يوسف/87 ، واحذر من القنوط فإنه ضلالة : ( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ ) الحجر/56 .

واعلم أن خطاك لن تضيع ، فما دمت على الطريق ، فنقطتك التي ينتهي إليها أجلك هي محطة الوصول لك ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء/100

ثم يأتي الدور على من بعدك ، ليحمل عنك الراية ويكمل باقي الطريق ، وكم في هذه الأمة من بقايا : ( لا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ ) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة 1/5 .

وكن على ثقة بوعد الله لهذه الأمة بالنصر والتمكين : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ ) الأنبياء/ 105

– ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر )

رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 32

( ويمكنك الرجوع إلى محاضرة : لا تيأس فالنصر قادم ، موقع الصوتيات والمرئيات ) .

فأوصيك أيها الأخ الكريم بالثبات على الدين وعدم التزحزح عنه رغم كثرة الفتن والمغريات ، وكثرة العوائق والمثبطات ، واعلم أن العاقبة للمتقين .

وعليك بالحرص على جميع الوسائل التي تعينك على الثبات على دين الله ، وستجد في هذا الموقع رسالة في بيان طرق ووسائل الثبات على الدين أنصحك بمراجعتها والاطلاع عليها .

وفي ختام هذه الكلمات أحب أن أتركك ـ أخي الكريم ـ مع هذه الآيات العظيمة من كتاب الله تعالى والتي أنزلها على عبده محمد صلى الله عليه وسلم لتكون شفاء لقلوب المؤمنين

ودواء لأمراضها ؛ فاقرأها قراءة تدبر وتأمل ، وإذا تيسر لك مراجعة تفسيرها في أحد التفاسير المختصرة كتفسير الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي أو تفسير ابن كثير رحمه الله ـ فهذا حسن ـ

قال الله تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) البقرة/214 .

وقال جل شأنه : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين َ) العنكبوت/1 ـ 3

وقال عز وجل : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ) العنكبوت/9 ـ10 .

وقال تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) الحج/11 .

وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) فصلت/30 .

وقال عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الاحقاف/13 ـ 14

إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على التمسك بالدين وتبين ما أعد الله للمؤمنين الصاقين ، وكتاب الله مليء بالآيات التي تقرر هذا المعنى وتوضحه وتبينه أبلغ بيان فأنصحك

أخي ـ بالإقبال على قراءة القرآن قراءة تدبر وتعقل ، وستجد فيه بإذن الله خير معين لك على الصبر وعدم الممل أو اليأس أو استطالة الطريق

فهذه الدار الدنيا سرعان ما تفنى وتزول ثم يلقى العبد ما قدمه عند ربه إن خيراً فخير وإن شراً فشر ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً

وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ) آل عمران/30 .

أسأل الله أن يشرح صدرك للخير وأن يثبتك عليه حتى تلقاه ، وأن يصرف عنك السوء والشر إنه سميع قريب. والله تعالى أعلى وأعلم .

وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
.

*عبدالرحمن*
2019-08-05, 18:34
الأمانة في الإسلام

السؤال

ما هي الأمانة ؟

وما عقوبة من خانها ؟

وكيف يتوب ؟

وما الأدلة على كل ذلك من الكتاب والسنة ؟

الجواب

الحمد لله

الأمانة في الشرع لها معنيان

معنى عام وآخر خاص .

فالمعنى العام : هو أنها تتناول جميع أوامر الشرع ونواهيه .

ومما يدلّ على ذلك

قول الله تعالى :( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) الأحزاب/72.

ساق ابن كثير رحمه الله تعالى مجموعة من أقوال علماء السلف في تفسير لفظ " الأمانة " ، ثمّ قال :

" وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها ، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها : التكليف

وقبول الأوامر والنواهي بشرطها ، وهو أنه إن قام بذلك أثيب ، وإن تركها عوقب ، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه ، إلا من وفق الله ، وبالله المستعان "

انتهى من "تفسير ابن كثير " (6 / 489) .

وهذا المعنى هو الذي اختاره ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى ؛ حيث قال :

" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين قالوا : إنه عُنِي بالأمانة في هذا الموضع جميع معاني الأمانات في الدين ، وأمانات الناس . وذلك أن الله لم يَخُصّ بقوله (عَرَضْنَا الأمَانَةَ) بعض معاني الأمانات لما وصفنا "

انتهى من " تفسير الطبري " (19 / 204 - 205).

وقال القرطبي رحمه الله تعالى :

" والأمانة تعمّ جميع وظائف الدّين على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور " .

انتهى من " تفسير القرطبي " (17 / 244) .

وقال الله تعالى :

( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) المؤمنون/8 .

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :

" والأمانة تشمل : كل ما استودعك الله ، وأمرك بحفظه ، فيدخل فيها حفظ جوارحك من كل ما لا يرضي الله ، وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق الناس ... "
.
انتهى من " أضواء البيان " (5 / 846) .

والمعنى الخاص للأمانة :

تواترت نصوص الشرع على الأمر بحفظه ، وعدم تضييعه ، أو خيانته ؛ واشتهر في كتب أهل العلم والفقه ، وعلى ألسنة الناس ، ولعله هو مراد السائل هنا بسؤاله عن الأمانة .

والمراد بها على ذلك : كل ما يجب على الإنسان حفظه وأداؤه من حقوق الآخرين .

ولها ثلاث صور مشهورة :

الصورة الأولى : الحقوق المالية الثابتة بعقود ، كالودائع ، والقروض ، والإجارات ونحوها ، أو بدون عقود كاللقطة وما يجده الإنسان من أموال الناس الضائعة منهم .

جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (6 / 236) :

" وبالتتبع تبين أن الأمانة قد استعملها الفقهاء بمعنيين :

أحدهما: بمعنى الشيء الذي يوجد عند الأمين ، وذلك يكون في :

أ - العقد الذي تكون الأمانة فيه هي المقصد الأصلي ، وهو الوديعة ، وهي العين التي توضع عند شخص ليحفظها، فهي أخص من الأمانة ، فكل وديعة أمانة ولا عكس.

ب - العقد الذي تكون الأمانة فيه ضمنا ، وليست أصلا ، بل تبعا ، كالإجارة والعارية والمضاربة والوكالة والشركة والرهن .

ج - ما كانت بدون عقد ، كاللقطة ، وكما إذا ألقت الريح في دار أحد مال جاره ، وذلك ما يسمى بالأمانات الشرعية " انتهى .

الصورة الثانية : حفظ أسرار الناس .

عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ) رواه مسلم (1437).

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ : فَهِيَ أَمَانَةٌ ) رواه أبوداود (4868) ، والترمذي (1959) وقال : هذا حديث حسن .

وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة" (4868) .

الصورة الثالثة : المسؤوليات والمناصب العامة والخاصة : فهي أمانة يجب القيام فيها بالحق والعدل

فمنصب الحكم أمانة ، ومنصب القضاء أمانة ، ومنصب المدير في أي مؤسسة أمانة ، ومسؤولية الأسرة أمانة ، وهكذا كل المسؤوليات والمناصب .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ) ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

قَالَ : ( إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ) رواه البخاري (6496) .

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي ؟

قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ، ثُمَّ قَالَ : ( يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا ، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا ) " رواه مسلم (1825) .

ثانيا :

الواجب في الأمانات العامة والخاصة أن تحفظ وتؤدى على الوجه المطلوب شرعا ، ويحرم إضاعتها وخيانتها .

قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) الأنفال/27 .

وقال الله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) النساء/58 .

وخيانة الأمانة علامة من علامات النفاق .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (‏ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا

وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ‏) رواه البخاري (34) ، مسلم (58) .

ثالثا :

خيانة الأمانة هي ذنب من الذنوب ، وكبيرة من الكبائر . ورغم عظم هذا الذنب إلّا أنّ باب التوبة مفتوح .

قال الله تعالى :( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .

وقال الله تعالى :( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/ 25 .

وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ اللهُ عَلَيهِ ) رواه مسلم ( 2703 ) .

والتوبة الصادقة النصوح : هي المسارعة إلى ترك الذنب ، والندم عليه ، والعزم على عدم العودة إليه .

ثمّ ينظر المذنب المضيع للأمانة ؛ فإذا كانت هذه الأمانة التي أضاعها تتعلق بحقوق الله

فيجب ـ زيادة على التوبة والاستغفار ـ : أن ينظر إذا ما كان هناك تكليف شرعي لجبر هذه الإضاعة فيجب القيام به ، كالقضاء أو الكفارة .

فمثلا المضيع لأمانة الصوم بأن أفطر متعمدا في رمضان ، عليه ، مع توبته ، قضاء الأيام التي أفطرها ، وإذا كان إفطاره حصل بجماع : فعليه أن يؤدي الكفارة ، وهكذا باقي أمور الشرع.

أمّا إذا كانت الأمانة التي خانها تتعلق بحقوق الناس ، فعليه ، مع ما سبق بيانه من أمر توبته : أن يؤدي الحق إلى صاحبه ، أو يطلب منه العفو والمسامحة .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ

: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ

إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) رواه البخاري ( 2449 ) .

قال النووي رحمه الله تعالى :

" قال العلماء : التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى ، لا تتعلق بحق آدمي

فلها ثلاثة شروط :

أحدها : أن يقلع عن المعصية .

والثاني : أن يندم على فعلها .

والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا .

فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته .

وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه : رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مَكَّنَه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة : استحله منها "

انتهى من " رياض الصالحين " ( ص 14 ) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

Walid allouche
2019-08-06, 12:40
مشكووووور اخي

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 15:49
مشكووووور اخي

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

الشكر موصول لحضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 15:56
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


يتهمونني بالطيب إلى حد السذاجة

السؤال

يحزنني كثيرا أن كثيرا ممن أعرفهم أخبروني أني لست فطنا ، وأني لا يعتمد علي ، وأني طيب إلى درجة السذاجة ، شعور مؤلم أن يسمع الإنسان كلاما موجعا مثل هذا ، خاصة من أقرب الناس لي

علما أني - ولله الحمد - وهبني الله قدرات عظيمة ، مثل اللباقة في الكلام ، وحسن التصرف ، وتولي المسؤولية بكل حنكة وحكمة ، والنباهة ، والفطنة .

فأريد إظهار قدراتي لدى كل الناس أيا كانوا بنية أن يحترموني ويقدروا مكانتي ، وأن يعلموا بأني حذق ولمّاح وأستحق التقدير ، ولست بغبي وغافل ، فهل هذا من التفاخر أو الكبر المذموم شرعاً ؟

علما أني أستعملها كوسيلة رد على نظرتهم الاحتقارية الاستصغارية لذاتي . لن تستطيعوا أن تتخيلوا مدى عمق الجرح الذي أصابني بعد سماعي لهذه الأحاديث الموجعة التي تتكرر علي

وكأني لا قيمة ولا مكانة لي . أصبحت سجين نفسي . هل أظهر قدراتي ليعرفوا من أنا فعلا ، أم لا أظهرها ظنا بأن مقصدها التكبر والتفاخر فتحبط أعمالي !؟

أرجو الإجابة على سؤالي الذي أرهق تفكيري ، وجعلني سلبيا في حياتي التي تدهورت .

الجواب

الحمد لله

يؤلمنا أن نسمع كثيرا من صغار الشباب هذه الشكاية المتكررة ، التي تدل على اهتزاز الثقة بالنفس ، والتأثر السريع والمبالغ فيه بانتقاد الآخرين ، إلى درجة الوقوع في الاكتئاب والإحباط والرغبة عن الدنيا .

ومثل هذه المشاعر لا يعالجها – في رأينا - تكلف إظهار قدراتك في غير محلها ، وإنما يعالجها أمور مهمة ، نختصرها فيما يلي :

أولا :

أن تعزز ثقتك بنفسك ، فالواثق لا تؤثر فيه الكلمات الطائشة التي تصدر عن الحاقدين أو الحاسدين أو الصغار الأغرار ، وإنما إذا وُجِّه إليه الانتقاد من أحد العقلاء الحكماء راجع نفسه

واستفاد من بيان النقص الذي عنده ، وفي الوقت نفسه لم تهتز ثقته بنفسه في جميع الجوانب الأخرى الإيجابية والإبداعية في شخصيته ، ولم يتأثر نجاحه في حياته من الجهات الأخرى . هذه سمة الواثق

يستفيد من النقد الصحيح ، ويُعرض عن النقد السلبي المتسرع ، وفي جميع الأحوال لا تتأثر شخصيته عامة بما سمعه ، وإنما يسعى دائما للأفضل مع الاعتزاز والبناء على ما حققه ، من غير هدم ولا إلغاء .

ثانيا :

أن تُدرك أن الطعن والتنقص من قبل الآخرين له بداية وليس له نهاية ، فالأذى في الناس كثير ، ودوافعه النفسية المريضة أكثر ، ولو وقف كل منا عند طعن كل جاهل فينا لَمِتنا هما وغما

ولما تقدمنا خطوة واحدة في سبيل النجاح في حياتنا ، وإذا كان الله جل جلاله ، وعز شأنه ، لم يسلم من ألسنة البشر بالسب والأذى ، فهل تريد ذلك أنت ، وأنت العبد الفقير إلى الله سبحانه .

قال صلى الله عليه وسلم : ( مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ) رواه البخاري (7378) ، ومسلم (2804) .

يقول ابن مفلح المقدسي رحمه الله :

" قال موسى صلوات الله عليه : يا رب ! إن الناس يقولون فيَّ ما ليس فيَّ ! فأوحى الله إليه : يا موسى : لم أجعل ذلك لنفسي ، فكيف أجعله لك " .

انتهى من " الآداب الشرعية " (1/7-8).

والفائدة من هذا الخبر أن لا يكون نقد الحساد ، وطعن المغرضين

سببا في فتور المسلم عن نجاحه وتقدمه ، ولا سببا في حبوط همته وضعف عزيمته ، وليتذكر دائما أن الله عز وجل والملائكة والرسل والأنبياء لم يسلموا من الشتم والأذى .

ثالثا :

كما ننصحك أن تنشغل بتحقيق النجاحات في علمك وشخصك ، فتحرص على تطوير مهاراتك ، والالتحاق بالدورات النافعة التي تعلم العلوم الشرعية

أو علوم الحاسوب ، أو الرياضات المفيدة ، فضلا عن النجاح في دراستك والتفوق فيها

كل ذلك سيكون الأفضل لك في الدنيا والآخرة ، وسيشغلك عن القيل والقال الذي تسبب لك بالأذى ، بل هو الذي سيثبت بطريقة عملية : مدى نجاحك ، وتفوقك ، وأنك لست كالذي يظنونه بك .

فشأن المسلم دائما هو امتثال وصية النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ

وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ . احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) رواه مسلم (2664) .

رابعا :

أما سعيك في إظهار القدرات والمهارات فهذا فيه تفصيل :

إن كان الموقف يتطلب منك إظهار كفاءتك في حسن التصرف ، أو الحكمة في القول ، أو لباقة الحديث ، ونحو ذلك

فلا حرج عليك في اتخاذ الموقف المناسب ، بل هذا هو الواجب عليك ، ليس لأجل إقناع الناس بما عندك ، وإنما لأن الظرف يقتضي ذلك ، ولأن الصواب في هذا المقام أن تفعل ذلك .

أما إذا لم يكن هناك ظرف ولا مناسبة أصلا ، ولا وجد الحدث الذي يحتاج منك التصرف بما ذكرته في سؤالك ، فلا ينبغي لك تكلف أقوال أو أفعال لتثبت للناس ما في شخصيتك

فإن فعلت ذلك وقعت في التنطع المذموم ، ودللت على ضعف ثقتك بنفسك ، وتسببت - في الوقت نفسه - بتنفير من حولك بسبب هذا التصرف في غير مقامه المناسب .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 16:02
ماذا تعني ثقة المسلم بنفسه وهل تتعارض مع حاجته لربه تعالى ؟

السؤال

كيف يمكن لمسلم ليس لديه ثقة بنفسه أن يزيد من ثقته بنفسه ؟

لقد حاول أن يعمل أموراً عديدة ولكنه لم يتغلب على عصبيته أثناء الكلام مع الناس .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

الثقة بالنفس أمرٌ مكتسب يحتاج المسلم أن يتعرف على طرق تحصيله ليكون من أهله

ولكن ينبغي عليه أولاً : التفريق بين الثقة بالنفس ، والغرور

فالثقة بالنفس تعني الشعور بما وهبك الله إياه من الصفات الحسنة

والعمل من خلالها على ما ينفعك

فإن أسأت استعمالها أصابك الغرور والعُجب

وهما مرضان مهلكان

وإن أنت أنكرتَ تلك النعم التي أنعمها عليك ، والصفات الحسنة التي وهبك الله إياها : أصابك الكسل ، والخمول ، وخيبت نفسك ، وأضعت نعم الله عز وجل عليك .

قال الله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس /9-10

كما يجدر التنبيه على مسألة مهمة ، وهي أن ثقة المسلم بنفسه لا تعني عدم حاجته لربه تعالى ليوفقه ويسدده ، ولا تعني - كذلك - عدم حاجته لإخوانه ولعامة الناس ، لينصحوه ، ويرشدوه

وهذا الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه تعالى به ، وهو " أن لا يكِلَه لنفسه ، ولو طرفة عيْن " ! .

عَنْ أبي بَكرة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ )

رواه أبو داود ( 5090 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود " .

ورواه النسائي ( 10405 ) من حديث أنس ، وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي " : أنه يقال في الصباح والمساء .

سئل الشيخ العثيمين – رحمه الله - :

ما حكم قول " فلان واثق من نفسه " ، أو " فلان عنده ثقة بنفسه " ؟ وهل هذا يعارض الدعاء الوارد ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) ؟ .

فأجاب :

لا حرج في هذا ؛ لأن مراد القائل " فلان واثق من نفسه " : التأكيد ، يعني : أنه متأكد من هذا الشيء ، وجازم به ، ولا ريب أن الإنسان يكون نسبة الأشياء إليه أحياناً على سبيل اليقين ، وأحياناً على سبيل الظن الغالب

وأحيانا على وجه الشك والتردد ، وأحياناً على وجه المرجوح ، إذا قال " أنا واثق من كذا " ، أو " أنا واثق من نفسي " ، أو " فلان واثق من نفسه "

أو " واثق مما يقول " المراد به أنه متيقن من هذا ولا حرج فيه ، ولا يعارض هذا الدعاء المشهور ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) ؛ لأن الإنسان يثق من نفسه بالله ، وبما أعطاه الله عز وجل من علم ، أو قدرة ، أو ما أشبه ذلك .

" فتاوى إسلامية " ( 4 / 480 ) .

وهذا يؤكد عظيم حاجة العبد لربه تعالى ، فالعبد جاهل ، وربه تعالى العليم ، والعبد فقير ، وربه تعالى الغني ، والعبد ضعيف ، وربه تعالى القوي ، والعبد عاجز ، وربه تعالى القادر .

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر/ 15 .

فالأمر ـ إذا ـ بين أمرين ، فلا هو العجب بالنفس ، والغفلة عن الله ، ولا هو الضعف والتردد والتواني وخيبة النفس ؛ بل هو قوة في العمل ، ومضاء في الأمور ، مع استعانة بالله عز وجل

وتوكل عليه ؛ وإلى هذا المقام الشريف يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ

وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) . رواه مسلم (2664) من حديث أبي هريرة .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان :

أحدها : أن الله سبحانه وتعالى موصوف بالمحبة ، وأنه يحب حقيقة .

الثاني : أنه يحب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها ؛ فهو القوي ويحب المؤمن القوي

وهو وتر يحب الوتر ، وجميل يحب الجمال ، وعليم يحب العلماء ، ونظيف يحب النظافة ، ومؤمن يحب المؤمنين ، ومحسن يحب المحسنين ، وصابر يحب الصابرين ، وشاكر يحب الشاكرين .

ومنها : أن محبته للمؤمنين تتفاضل فيحب بعضهم أكثر من بعض

ومنها : أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده ، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ، فإذا صادف ما ينتفع به الحريص : كان حرصه محمودا

وكماله كله في مجموع هذين الأمرين : أن يكون حريصا ، وأن يكون حرصه على ما ينتفع به ؛ فإن حرص على مالا ينفعه

أو فعل ما ينفعه بغير حرص : فاته من الكمال بحسب ما فاته من ذلك ؛فالخير كله في الحرص على ما ينفع.

ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه : أمره أن يستعين به ، ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين ؛ فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله ، ولا تتم إلا بمعونته ؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به .

ثم قال : " ولا تعجز" ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه ، وينافي استعانته بالله

فالحريص على ما ينفعه المستعين بالله ضد العاجز ؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله ، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أَزِمَّة الأمور بيده ، ومصدرها منه ، ومردها إليه .

فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له : فله حالتان : حالة عجز ، وهي مفتاح عمل الشيطان ؛ فيلقيه العجز إلى " لو " ؛ ولا فائدة في لو ههنا

بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن ، وذلك كله من عمل الشيطان ؛ فنهاه صلى الله عليه و سلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح ، وأمره بالحالة الثانية

وهي : النظر إلى القدر وملاحظته ، وأنه لو قُدر له لم يفُت ولم يغلبه عليه أحد ، فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور

وإذا انتفت امتنع وجوده ؛ فلهذا قال : فإن غلبك أمر فلا تقل : لو أني فعلت لكان كذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ؛ فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين : حالة حصول مطلوبه ، وحالة فواته

فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا ، بل هو أشد شيء إليه ضرورة

وهو يتضمن إثبات القدر ، والكسب والاختيار ، والقيام والعبودية ظاهرا وباطنا ، في حالتي حصول المطلوب وعدمه ، وبالله التوفيق . "

انتهى كلامه رحمه الله . من شفاء العليل (18-19) .

ومن هنا ـ أيضا ـ كانت حاجة العبد للاستخارة ، والتي يعترف بها بحقيقة الأمر فيما يتعلق به ، وبربه تعالى

وفي أول دعاء الاستخارة يقول العبد " اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ " .

ثانياً:

مما نراه يزيد من ثقة المسلم بنفسه :

1. ثقته بربه تعالى ، وحسن التوكل عليه ، وطلب النصرة والتأييد منه ، فالمسلم لا غنى له عن ربِّه تعالى ، وكما ذكرنا فإن الثقة بالنفس أمر مكتسب ، ويحتاج المسلم من ربه تعالى التسديد

والتوفيق ، وكلما كانت ثقته بربه أكثر كانت ثقته بنفسه في أعلى درجاتها .

ولما فرَّ موسى وقومه من فرعون وجنوده وتراءى الجمعان رأينا عظيم ثقة موسى بربه تعالى

قال تعالى : ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) الشعراء/ 61 ، 62 .

2. البحث عن جوانب القوة في النفس ، فيزيدها ، وجوانب الإتقان فينميها ، وجوانب الضعف والنقص فيعالجها .

وحتى تتعزز الثقة بالنفس لا بدَّ من النظر بعين الثقة لما وهبك الله تعالى إياه من صفات وأفعال متقنة ، حتى يكون ذلك دافعاً لك لتعزيز ثقتك بنفسك

وأما جوانب الضعف فإن عليك إصلاح حالها ، وجعلها في مصاف الطبقة الأولى من حيث قوتها وإتقانها .

3. ومن المهم جدّاً للمسلم الذي يبحث عن وسائل تقوية الثقة بنفسه : أن لا يردد كلمات الإحباط ، مثل أنه ليس عنده ثقة بنفسه ، أو أنه لا يكاد يوفَّق في عمل .

4. وعلى المسلم وضع أهداف محددة في حياته ، ومراجعة نتائجها أولاً بأول ؛ لأن الواثق بنفسه يرى أهدافه محققة ، فقد أحسن التخطيط ، ووهبه ربه حسن النتائج .

5. وليحرص المسلم على الصحبة الصالحة ؛ لأنها تقوي مظاهر النجاح عنده وتَفرح له

وتشجعه على بذل المزيد من العمل ، والصحبة الصالحة لا تتغاضى عن جوانب الضعف عند صاحبها ، بل تدله على سلوك الطريق الأفضل ، فصارت الصحبة الصالحة من عوامل نجاح ثقة المسلم بنفسه .

6. عدم الانشغال بالتجارب القاسية السابقة ، ومحطات الفشل الماضية ؛ لأن من شأن ذلك أن يحبط على المسلم العمل ، ويزدري بذلك جوانب النجاح عنده ، وهذا ما لا يريد المسلم لنفسه .

ثالثاً:

ضبط المسلم لتصرفاته وأفعاله أمرٌ بإمكانه فعله ، وفي وسعه تقويمه ، ومن ذلك : خلق الغضب ، فليثق المسلم بنفسه أنه قادر بتوفيق ربه أن يتخلص من شرِّ الغضب وسوئه ، وأن يعمل على إصلاح نفسه وتهذيبها

وتربيتها على الالتزام بشرع الله تعالى ، وهذا أمر في غاية اليسر والسهولة على من أراد تحقيقه في أرض واقعه ، بشرط أن يكون عنده من الهمة الشيء الكثير ليتم له ما أراد من تهذيب نفسه ، وتزكيتها .

وليس على الراغب بالتخلص من الغضب إلا أن يبادر للعمل ، فهو ما ينقصنا بحق ، وأما الكلام فكثير ،

وأما العمل فقليل ، فليبادر المسلم الراغب بتزكية نفسه ، وتهذيبها إلى العمل ، وإلى تنفيذ ما أمره به ربه ، والانتهاء عما نهاه عنه ، فبذلك يكون من المفلحين إن شاء الله .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 16:08
حقوق العالم والمتعلم ، كل منهما تجاه الآخر .

السؤال

ما هي الحقوق والواجبات التي يجب مراعاتها بين المعلِّم والطالب كلٌ من جهته ؟

وليس المقصود هنا طالب العلم الشرعي فقط بل أي علم أخر.

الجواب

الحمد لله

أولا :

لا شك أن طلب العلم النافع ، سواء كان علما شرعيا - وهو أشرف العلوم - أو علما دنيويا مفيدا ، من أنبل المقاصد ، وأسمى المطالب ؛ إذ بالعلم تجلب المنافع ، وتتقى المضار ، وبه يحصل الخير ، ويدفع الشر .

وقد روى الدارمي (332) عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: " النَّاسُ عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِ " .

وقَالَ أَبُو الْأسود الدؤلي رحمه الله :

" لَيْسَ شَيْء أعز من الْعلم ، وَذَلِكَ أَن الْمُلُوك حكام على النَّاس، وَالْعُلَمَاء حكام على الْمُلُوك "

انتهى من "الحث على طلب العلم" (ص 53) .

فالعالم والمتعلم خير الناس ، فيجب على كل منهما أن يتحلى بكريم الصفات ومعالى الأخلاق ، وأن يترفع عن سفاسفها ؛ لأن كليهما قدوة في الناس ، ومثال يحتذى به .

ثانيا :

من الحقوق والواجبات التي تجب للعالم على المتعلم :

- أن يوقره ويبجله ويحترمه ، سواء في مجلس العلم أو خارجه ؛ فإن احترامه وتبجيله من احترام وتبجيل العلم .

قال أبو الحسن الماوردي رحمه الله :

" رَجَّحَ كَثِيرُ مِنْ الْحُكَمَاءِ حَقَّ الْعَالِمِ عَلَى حَقِّ الْوَالِدِ " .

انتهى من "أدب الدنيا والدين" (ص 69) .

- أن يتأدب معه بأنواع الآداب :

جاء في "الفتاوى الهندية" (5/ 373):

" حَقُّ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ ، وَحَقُّ الْأُسْتَاذِ عَلَى التِّلْمِيذِ وَاحِدٌ عَلَى السَّوَاءِ: وَهُوَ أَنْ لَا يَفْتَتِحَ بِالْكَلَامِ قَبْلَهُ ، وَلَا يَجْلِسَ مَكَانَهُ وَإِنْ غَابَ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى كَلَامِهِ ، وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي مَشْيِهِ " انتهى .

- أن يعرف له حقه ولا ينسى له فضله ، قال شعبة: " كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدًا ، ما يحيا ".

- أن يُعظِّم حرمته ، ويرد غيبته ، ويغضب لها، فإن عجز عن ذلك قام وفارق ذلك المجلس.

- أن يدعو له ويرعى ذريته وأقاربه في حياته وبعد وفاته .

- أن يصبر على ما قد يصدر منه من جفوة أو سوء خلق ، ولا يصده ذلك عن ملازمته والاستفادة منه ، ويحسن الظن بأستاذه ، ويتأول أفعاله التي يظهر أن الصواب خلافها على أحسن تأويل

ويبدأ هو عند جفوة أستاذه وشيخه بالاعتذار ، وينسب التقصير إلى نفسه ، ويجعل العَتْبَ عليها ، فإن ذلك أبقى لمودة شيخه ، وأحفظ لقلبه .

وعن بعض السلف: "من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهالة ، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة ".

- أن يحسن خطابه معه بقدر الإمكان ولا يقول له : لم؟ ولا : من نقل هذا؟ ولا : أين موضعه؟ وشبه ذلك، فإن أراد الاستفادة ، تلطف في الوصول إلى ذلك .

انظر : "تذكرة السامع والمتكلم" (ص40-45) .

ثالثا :

أما حقوق الطالب على معلمه ، فقد سبق الجواب عنها مفصلاً في جواب السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 16:13
من حقوق الطالب على معلمه

السؤال

ما هي الحقوق والواجبات التي يجب مراعاتها بين الطالب والمعلِّم ؟

الجواب

الحمد لله

من حقوق الطالب على معلمه :

- أن يقصد بتعليمه وتهذيبه وجه الله تعالى ، ونشر العلم ، ودوام ظهور الحق ، وخمول الباطل .

- إذا كان العلم من العلوم الدنيوية علّم الطالب كيفية الانتفاع به في دينه ، بأن ينوي بتعلمه نفع المسلمين .

- أن يحب لطالبه ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه، قال ابن عباس: " أكرم الناس عَلَيَّ جليسي الذي يتخطى رقاب الناس إليّ ، لو استطعت أن لا يقع الذباب عليه لفعلت " ، وفي رواية: " إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني ".

- أن يعتني بمصالح الطالب ، ويعامله بما يعامل به أعز أولاده ، من الحنو والشفقة عليه والإحسان إليه ، والصبر على جَفَاءٍ ربما وقع منه ، ونقص لا يكاد يخلو الإنسان عنه

وسوء أدب في بعض الأحيان ، ويبسط عذره بحسب الإمكان ، ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف ، لا بتعنيف وتعسف ، قاصدًا بذلك حسن تربيته ، وتحسين خلقه ، وإصلاح شأنه .

- أن لا يدخر عنه من أنواع العلوم ما يسأله عنه ، وهو أهل له . وكذلك لا يلقي إليه ما لم يتأهل له ؛ لأن ذلك يبدد ذهنه ويفرق فهمه .

- أن لا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض عنده ، في مودة أو اعتناء، مع تساويهم في الصفات ، من سن أو فضيلة أو تحصيل أو ديانة ، فإن ذلك ربما يوحش منه الصدر

وينفر القلب، فإن كان بعضهم أكثر تحصيلاً ، وأشد اجتهادًا ، أو أحسن أدبًا ، فأظهر إكرامه وتفضيله ، وبَيَّن أن زيادة إكرامه لتلك الأسباب : فلا بأس بذلك ؛ لأنه ينشط ويبعث على الاتصاف بتلك الصفات .

- وينبغي أن يتودد لحاضرهم ، ويذكر غائبهم بخير وحسن ثناء ، وينبغي أن يستعلم أسماءهم وأحوالهم ، ويكثر الدعاء لهم بالصلاح.

- وأن يلاحظ أحوال الطلبة في آدابهم وهديهم وأخلاقهم ، فمن صدر منه من ذلك ما لا يليق من ارتكاب محرم أو مكروه : عَرَّضَ الشيخ بالنهي عن ذلك بحضور مَنْ صدر منه

غير مُعَرِّضٍ به ولا مُعيِّن له ، فإن لم ينته نهاه عن ذلك سرًا ، ويكتفي بالإشارة مع من يكتفي بها، فإن لم ينته ، نهاه عن ذلك جهرًا ، ويغلظ القول عليه إن اقتضاه الحال ؛ لينزجر هو وغيره ، ويتأدب به كل سامع .

- أن يسعى في مصالح الطلبة ، وجمع قلوبهم ، ومساعدتهم بما تيسر له من جاه ومال عند قدرته على ذلك .

- وإذا غاب بعض الطلبة زائدًا عن العادة سأل عنه وعن أحواله ، فإن لم يخبر عنه بشيء أرسل إليه أو قصد منزله بنفسه .

فإن كان مريضًا عاده ، وإن كان في غَمٍّ ساعده بما يقدر عليه ، وإن كان مسافرًا تفقد أهله ومن يتعلق به ، وسأل عنهم ، وتعرض لحوائجهم ، ووصلهم بما أمكن .

- أن يتواضع مع الطالب وكل مسترشد سائل ، ويخفض له جناحه ويلين له جانبه .

- ألا يبخل عليه بالمراجع والبحوث المستجدة في فروع العلم التي يتعلمها منه .

وانظر : "تذكرة السامع والمتكلم" (ص24-32) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-06, 16:17
معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ ) .

السؤال

كنت في المسجد بعد صلاة العشاء حين قام أحدهم وألقى درساً ذكر فيه أن شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى إليه الأغنياء ويمنع منه الفقراء ، وساق الحديث على ذلك .

فذهبت وبحثت عن هذا الحديث فوجدت كلاماً كثيراً للعلماء يؤيدونه . ولاحظت أن هذا الحديث مذيل بزيادة تقول : ولكن إذا دعيتم فأجيبوا . فهل هذا الحديث صحيح ؟ لأنني بحثت عنه فلم أجد له مصدراً

في حين أني وجدت أحاديث أخرى منفردة تحث على إجابة الدعوة وضرورة قبول اللبن والطيب ممن أعطاك . ثم أين يكمن الإشكال في طعام الوليمة إذا لم يدعى إليها الفقراء ، خصوصاً إذا كانت مخصصة للأهل والأقارب ؟

وهل من الضروري في كل وليمة أن يدعى إليها الفقراء حتى تتخلص من الشر الذي وُصفت به ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

هذا الحديث الذي سألت عنه حديث صحيح ؛ رواه البخاري (5177) ، ومسلم (1432) - والفظ له -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال : ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا ، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ )

إلا أن البخاري أوقفه على أبي هريرة رضي الله عنه ، ولفظه : ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ ) .

والمقصود بالوليمة في هذا الحديث هي وليمة العرس خاصة ، وليست كل طعام دعي إليه أحد من الناس ، كما قرره الصنعاني في "

سبل السلام " (2/ 229) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" أَيْ أَنَّهَا تَكُون شَرّ الطَّعَام إِذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَة , وَلِهَذَا قَالَ اِبْن مَسْعُود : ( إِذَا خُصَّ الْغَنِيّ وَتُرِك الْفَقِير أُمِرْنَا أَنْ لَا نُجِيب )

انتهى من " فتح الباري " (9/245) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فسر هذه الوليمة التي طعامها شر الطعام وهي التي يدعى إليها من يأباها ويمنعها من يأتيها ، يعني يدعى إليها الأغنياء ، والغني لا يحرص على الحضور إذا دعي ؛ لأنه مستغن بماله ، ويمنع منها الفقراء

والفقير هو الذي إذا دعي أجاب ، فهذه الوليمة ليست وليمة مقرِّبةً إلى الله ؛ لأنه لا يدعى إليها من هم أحق بها ، وهم الفقراء ؛ بل يدعى إليها الأغنياء "
انتهى من " شرح رياض الصالحين " (3/ 102) .

ووليمة العرس تكون شكرا لنعمة النكاح ، وإشهارا للنكاح وإعلانا له ، وإظهارا للسرور ، وإذا كانت كذلك

فلا ينبغي أن يخص بها الأغنياء دون الفقراء ، فإن ذلك يدل على تكبر صاحبها ، بل الذي ينبغي أن يدعو الإنسان إليها أقاربه وجيرانه وأصحابه ومن يعرفهم من المسلمين

وبالقطع سيكون في هؤلاء الغني والفقير ، وأما تخصيص الأغنياء بالدعوة ، فذلك الذي ذمه الحديث .

وقد يقاس على وليمة العرس في هذا : الولائم العامة التي يكون سببها من أسباب السرور كالعقيقة أو رجوع مسافر ، أو إتمام حفظ القرآن الكريم .... أو نحو ذلك .

وأما الولائم الخاصة كالتي يصنعها المسلم ، ليدعو إليها صديقا له ، أو قريبا ، أو خاصا من الناس : فلا حرج عليه أن تكون خاصة بمن صنعها من أجله .

وقد كان الصحابة يدعون النبي صلى الله عليه وسلم للطعام ويجيب دعوتهم .

غير أنه ينبغي في هذه الحالة أن لا يكون قد صنعها لفلان من أجل غناه ، بل من أجل قرابته له ، أو صلته به ، ونحو ذلك من المقاصد الحسنة التي يثاب عليها المسلم .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

amialamia
2019-08-07, 15:38
بااااااااااااارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 15:41
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


حكم إجابة الدعوة ، وشروط ذلك

السؤال

أحيانا أدعى إلى حضور عزيمة صغيرة أو مناسبة كبيرة .

. ما العمل إذا كانت هذه الاجتماعات غالبا فيها غيبة وهمز وتفاخر وتنافس على الملابس وهمز لمن تلبس ملابس بسيطة (مثلي) وقد يكون بها نميمة كما أن لدي أعمال منزلية (لا أرغب في استقدام خادمة ,

وكل من تحضر هذه المناسبات تقريبا لديها خادمة فتجد فراغا في الوقت) .

وزوجي وبيتي محتاج لي , كل دقيقة أبذلها في بيتي لها أثر إن شاء الله وهو رسالتي الأولى كما أنني أتمنى وقتا إضافيا لكي أقرأ القرآن أو كتاب نافع ولا أريد الدخول في اجتماعات دنيا أرى مضارها تطغى على فوائدها

إن كان لها فوائد أرشدوني ما هو التصرف المناسب ؟

وما هو العذر المناسب لعدم الحضور إن كان يحق لي ذلك ؟

وما العمل إن كانت صاحبة العزيمة تحقد علي وتفرح إذا رأتني في موقف محرج وتتكلم علي هل يجب علي حضور دعوتها ؟.

الجواب

الحمد لله

وبعد : فقد ورد في صحيح البخاري ( 1164 ) ومسلم ( 4022 )

أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ " .

وقد قسم العلماء الدعوة التي أُمر المسلم بإجابتها إلى قسمين :

الأول : الدعوة إلى وليمة العرس ، فجماهير العلماء على وجوب إجابتها إلا لعذر شرعي

وسيأتي ذكر بعض هذه الأعذار ـ إن شاء الله

.والدليل على وجوب الإجابة ما رواه البخاري (4779 ) ومسلم ( 2585 )

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ "

الثاني : الدعوة لغير وليمة العرس على اختلاف أنواعها ، فجماهير العلماء يرون أن إجابتها مستحبة ، ولم يخالف إلا بعض الشافعية والظاهرية ، فأوجبوها ، ولو قيل بتأكد استحباب الإجابة لكان قريبا .والله أعلم .

لكن العلماء اشترطوا شروطا لإجابة الدعوة ، فإذا لم تتحقق هذه الشروط لم يكن حضور الدعوة واجبا ولا مستحبا ، بل قد يحرم الحضور ، وقد لخص هذه الشروط الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال :

1-ألا يكون هناك منكر في مكان الدعوة ، فإن كان هناك منكر وهو يستطيع إزالته وجب عليه الحضور لسببين : إجابة الدعوة ، وتغيير المنكر ، وإن كان لا يمكنه إزالته حرم عليه الحضور .

2-أن يكون الداعي للوليمة ممن لا يجب هجره أو يُسنّ . [ كأن يكون مجاهرا بفسق أو معصية ، وهجره قد ينفع في توبته من ذلك ]

3-أن يكون الداعي مسلما ، وإلا لم تجب إجابته لقوله صلى الله عليه وسلم : " حق المسلم على المسلم .. "

4-أن يكون طعام الوليمة مباحا ، يجوز أكله .

5-أن لا تتضمن إجابة الدعوة إسقاط واجب أو ما هو أوجب منها فإن تضمن ذلك حرمت الإجابة .

6-أن لا تتضمن ضررا على المجيب مثل أن يحتاج إلى سفر أو مفارقة أهله المحتاجين إلى وجوده بينهم ، أو نحو ذلك من أنواع الضرر . ( القول المفيد 3 / 111 بتصرف ) .

وزاد بعض العلماء :

7-أن يخص الداعي المدعو بالدعوة ، بخلاف ما لو دعا الحاضرين في مجلس عام لحضور وليمته ، وهو أحد هؤلاء ، فلا يلزمه الحضور عند الأكثر .

وبهذا يتبين لك أن حضور مثل هذه الدعوات لا يلزمك بل قد يحرم عليك ، إذا كنت لا تستطيعين تغيير المنكر أو يترتب على حضورك تضييع حق زوجك أو حق أولادك من تربيتهم ورعايتهم الواجبة عليك

ثم أنت أيضا لا تسلمين من شرهم و ضررهم ، وهذا عذر يسقط عنك حضور الدعوة الواجبة ، فكيف بما هو دونها .

ولابد أن تنبه المرأة أيضاً بأنها لابد من أن تستأذن زوجها للخروج إلى المناسبة التي دُعيت إليها وعليك أن تنصحي هؤلاء الأخوات بالحرص على الاستفادة من وقتهن ومجالسهن

فيما يعود عليهن بالنفع الديني أو الدنيوي ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا من مغبة المجالس التي لا يذكر الله تعالى فيها فقال صلى الله عليه وسلم :

" مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " رواه الترمذي (3302 ) و قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه الألباني كما في صحيح الترمذي ( 3 / 140 ) .

وَمَعْنَى قَوْلِهِ تِرَةً : يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً

وفي سنن أبي داود ( 4214 ) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

" مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً " وصححه النووي في رياض الصالحين ( 321 ) وتابعه الألباني رحمهما الله .

فأبلغي إليهم هذه النصيحة إما مشافهة أو كتابة ، ولو زدت على ذلك بأن دعوتهم في منزلك

واغتنمت الاجتماع لعقد حلقة ذكر بالإضافة إلى بعض الأمور المباحة المحببة إلى نفوسهن لعل الله أن يجعلك سببا في أن تسني لهم هذه السُنة الحسنة في الاستفادة من مثل هذه المجالس. والله الموفق .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 15:44
جاره مريض ويؤذيه بالصراخ ، فماذا يفعل؟

السؤال

لقد سكن فوق داري من قبل 5 أشهر عائلة لديها ولد ، الله يعافيه ؛ مجنون ، طول النهار يدج بقدميه على الأرض ، ويخرج إلى شرفة المنزل ويصرخ صراخ مزعج

لقد تكلمت مع أهله ، وقلت لهم مشكلتي ، قالوا لي : عليك أن تتعود . ونحن الآن في رمضان ، وأوجاع الرأس لا تتوقف . سؤالي هو : هل أذهب إلى الجهات المختصة لأبلغ عنه ؟

ونحن في شهر فضيل أم ماذا أفعل ؟

الجواب

الحمد لله

الصبر على أذى الجار فيه ثواب عظيم

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب ثلاثة، ويبغض ثلاثة )

وذكر من الثلاثة الذين يحبهم الله : ( والرجل يكون له الجار يؤذيه جِوارُه ، فيصبر على أذاه ، حتى يفرِّق بينهما موتٌ أو ظعن [ أي : الانتقال ] ) ؛ أخرجه الإمام أحمد (21340) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع [5385] .

وليس من حسن الجوار أن تبلغ الجهات المسؤولة ، ولا أن تطلب منهم كَف ذلك الولد .

فهذه الأسرة قد ابتليت بهذا الولد المريض ، والذي ينبغي عليك أن تخفف عنهم الألم – إن استطعت - وألا تظهر لهم ضيقًا من تصرفات ذلك الولد ، فإن لم تستطع أن تخفف عنهم فأقل ما تفعله هو أن تتركهم ولا تزيد آلامهم آلامًا .

وضع نفسك مكانهم – عافاك الله - وتفكر : كيف تريد من الناس أن يعاملوك وأنت في هذه الحالة ؟

فما أحببته من معاملة الناس لك فعاملهم تلك المعاملة ، بهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نعامل الناس كما نحب أن يعاملونا .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 15:48
مجاهدة النفس على ترك المعاصي والأخلاق السيئة

السؤال

أجاهد نفسي حتى أمنعها عن الحقد ،أغلبها ( نفسي ) وتغلبني ، فهل أثاب على هذه المجاهدة ، أم أكون حقودا ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الإنسان كائن ضعيف ، يتعرض لنوازع الخير والشر ، وقد يضعف وينساق إلى طريق الرذيلة والانحراف ، ويدفعه الشر إلى طريق الظلم والتعدي ، ويزين له الشيطان فعل المنكرات .

لكن عنصر الخير يحرك فيه ضميره ، ويُشعره بالندم ، ويحثه على الرجوع إلى الحق ، والاستجابة لنداء العقل .
وتختلف قدرات الناس

وقوة إرادتهم ، وصفاء نفوسهم ، وشفافية أرواحهم ، فمنهم من يروض نفسه على السير على طريق الفضائل والمكرمات ، ويربيها على المبادئ والأخلاق

ويقاوم الشهوات ، والميول المنحرفة ، ويلزم نفسه بالاستقامة والإنصاف ، فهذا يستطيع أن يواجه الشر ، ويحتمل في سبيل ذلك كل أمر عسير ، ولا يفقد الأمل بتغلب الخير ، واندحار الشر ، وزواله.

ومنهم من ينساق وراء الشهوات ، ويعجز عن إلزام نفسه بالفضائل ، ويتخلى عن كثير من أوامر الله ورسوله ، ويضعف أمام المواجهة ، ويفقد الأمل في تغلب الخير .

والسرّ في المسألة كلها أن يُجاهد العبد هواه ، ونفسه الأمّارة بالسوء ، لينال الهداية من الله ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) [العنكبوت: 69] .

وروى الإمام أحمد (23958) ، وابن حبان (4862) وغيرهما، عن فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ

قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ ؟

مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ ) .

وصححه الترمذي والحاكم ، وكذا صححه الألباني في "الصحيحة" (549) .

قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (3/ 6).

" كَانَ جِهَادُ النَّفْسِ مُقَدَّمًا عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ فِي الْخَارِجِ ، وَأَصْلًا لَهُ ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُجَاهِدْ نَفْسَهُ أَوَّلًا

لِتَفْعَلَ مَا أُمِرَتْ بِهِ ، وَتَتْرُكَ مَا نُهِيَتْ عَنْهُ ، وَيُحَارِبهَا فِي اللَّهِ : لَمْ يُمْكِنْهُ جِهَادُ عَدُوِّهِ فِي الْخَارِجِ ؛ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ جِهَادُ عَدُوِّهِ ، وَالِانْتِصَافُ مِنْهُ : وَعَدُوُّهُ الَّذِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ قَاهِرٌ لَهُ

مُتَسَلِّطٌ عَلَيْهِ ، لَمْ يُجَاهِدْهُ ، وَلَمْ يُحَارِبْهُ فِي اللَّهِ ؛ بَلْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إِلَى عَدُوِّهِ ، حَتّى يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى الْخُرُوجِ " انتهى .

والحاصل : أن المسلم إذا جاهد نفسه على تجنب المعاصي وفعل الطاعات ممتثلا لأمر الله تعالى ونهيه فإنه يثاب على ذلك -إن شاء الله- بقدر ما جاهد نفسه في الله.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" أَيُّمَا أَوْلَى مُعَالَجَةُ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ مِنْ قَلْبِك مِثْلُ. الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالْغِلِّ وَالْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَرُؤْيَةِ الْأَعْمَالِ وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ.

مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْقَلْبِ مِنْ دَرَنِهِ وَخُبْثِهِ؟ أَوْ الِاشْتِغَالُ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ: مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ: مَنْ النَّوَافِلِ وَالْمَنْذُورَاتِ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الْأُمُورِ فِي قَلْبِهِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ." ؟

فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

الْحَمْدُ لِلَّهِ، مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ: وَأَنَّ لِلْأَوْجَبِ فَضْلًا وَزِيَادَةً. كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ .

ثُمَّ قَالَ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ .

وَالْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لَا تَكُونُ صَالِحَةً مَقْبُولَةً إلَّا بِتَوَسُّطِ عَمَلِ الْقَلْبِ ، فَإِنَّ الْقَلْبَ مَلِكٌ وَالْأَعْضَاءُ جُنُودُهُ

فَإِذَا خَبُثَ الْمَلِكُ خَبُثَتْ جُنُودُهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ .

وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْقَلْبِ لَا بُدَّ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي عَمَلِ الْجَسَدِ ، وَإِذَا كَانَ الْمُقَدَّمُ هُوَ الْأَوْجَبُ، سَوَاءٌ سُمِّيَ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا ؛ فَقَدْ يَكُونُ مَا يُسَمَّى بَاطِنًا أَوَجَبَ ، مِثْلُ تَرْكِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ ؛ فَإِنَّهُ أَوَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَوَافِلِ الصِّيَامِ .

وَقَدْ يَكُونُ مِمَّا سُمِّيَ ظَاهِرًا أَفْضَلَ: مِثْلُ قِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ بَعْضِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَخْطُرُ فِي الْقَلْبِ ، مِنْ جِنْسِ الْغِبْطَةِ وَنَحْوِهَا .

وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَمَلِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ يُعِينُ الْآخَرَ ، وَالصَّلَاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ، وَتُورِثُ الْخُشُوعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ الْعَظِيمَةِ : هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ، وَالصَّدَقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ."

انتهى، من "مجموع الفتاوى" (11/381-382) .

ثانيا :

جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/5) وما بعدها :

" الْحِقْدُ مِنْ مَعَانِيهِ: الضَّغَنُ وَالاِنْطِوَاءُ عَلَى الْبَغْضَاءِ، وَإِمْسَاكُ الْعَدَاوَةِ فِي الْقَلْبِ، وَالتَّرَبُّصُ لِفُرْصَتِهَا

أَوْ سُوءُ الظَّنِّ فِي الْقَلْبِ عَلَى الْخَلاَئِقِ لأِجْل الْعَدَاوَةِ، أَوْ طَلَبُ الاِنْتِقَامِ. وَتَحْقِيقُ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْغَضَبَ إذَا لَزِمَ كَظْمُهُ لِعَجْزٍ عَنِ التَّشَفِّي فِي الْحَال رَجَعَ إلَى الْبَاطِنِ وَاحْتَقَنَ فِيهِ فَصَارَ حِقْدًا..

يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْحِقْدِ بِحَسَبِ بَاعِثِهِ، فَإِنْ كَانَ لِحَسَدٍ وَضَغَنٍ دُونَ حَقٍّ : فَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا، لأِنَّهُ يُثِيرُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَالإْضْرَارَ بِالنَّاسِ لِغَيْرِ مَا ذَنْبٍ جَنَوْهُ.

وَقَدْ وَرَدَ ذَمُّهُ فِي الشَّرْعِ ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي ذَمِّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ سَاءَهُمُ ائْتِلاَفُ الْمُؤْمِنِينَ وَاجْتِمَاعُ كَلِمَتِهِمْ بِحَيْثُ أَصْبَحَ أَعْدَاؤُهُمْ عَاجِزِينَ عَنِ التَّشَفِّي مِنْهُمْ : وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأْنَامِل مِنَ الْغَيْظِ ...

وَمِمَّا يُذْهِبُ الْحِقْدَ الإْهْدَاءُ وَالْمُصَافَحَةُ ، كَمَا قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ. وَفِي رِوَايَةٍ: تَهَادَوْا تَحَابُّوا .

أَمَّا إِنْ كَانَ الْحِقْدُ عَلَى ظَالِمٍ لاَ يُمْكِنُ دَفْعُ ظُلْمِهِ ، أَوِ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ، أَوْ عَلَى كَافِرٍ يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ وَلاَ يُمْكِنُهُمْ دَفْعُ أَذَاهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَذْمُومٍ شَرْعًا، ثُمَّ إذَا تَمَكَّنَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ، فَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَذَلِكَ مِنَ الإْحْسَانِ ..

. وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهُ ، فَلاَ حَرَجَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ .." انتهى ، مختصرا .

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 15:51
هل يشتغل بطهارة القلب أم بنوافل الأعمال ؟

السؤال

أَيُّمَا أَوْلَى مُعَالَجَةُ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ مِنْ قَلْبِك مِثْلُ : الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالْغِلِّ وَالْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَرُؤْيَةِ الأَعْمَالِ وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْقَلْبِ مِنْ دَرَنِهِ وَخُبْثِهِ ؟

أَوْ الاشْتِغَالُ بِالأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ : مِنْ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ : مَنْ النَّوَافِلِ وَالْمَنْذُورَاتِ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الأُمُورِ فِي قَلْبِهِ ؟

أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .

الجواب

الحمد لله

مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ : وَأَنَّ لِلأَوْجَبِ فَضْلا وَزِيَادَةً ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم : مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ

ثُمَّ قَالَ : وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ وَالأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لا تَكُونُ صَالِحَةً مَقْبُولَةً إلا بِتَوَسُّطِ عَمَلِ الْقَلْبِ فَإِنَّ الْقَلْبَ مَلِكٌ وَالأَعْضَاءُ جُنُودُهُ

فَإِذَا خَبُثَ الْمَلِكُ خَبُثَتْ جُنُودُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ

وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْقَلْبِ لا بُدَّ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي عَمَلِ الْجَسَدِ وَإِذَا كَانَ الْمُقَدَّمُ هُوَ الأَوْجَبُ [ سَوَاءٌ ] سُمِّيَ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَدْ يَكُونُ مَا يُسَمَّى بَاطِنًا أَوَجَبَ مِثْلُ تَرْكِ الْحَسَدِ

وَالْكِبْرِ فَإِنَّهُ أَوَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَوَافِلِ الصِّيَامِ وَقَدْ يَكُونُ مِمَّا سُمِّيَ ظَاهِرًا أَفْضَلَ : مِثْلُ قِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ بَعْضِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَخْطُرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ جِنْسِ الْغِبْطَةِ وَنَحْوِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَمَلِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ

يُعِينُ الآخَرَ وَالصَّلاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتُورِثُ الْخُشُوعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الآثَارِ الْعَظِيمَةِ : هِيَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ وَالصَّدَقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ."

انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( مجموع الفتاوى 6/381)

فلا فصل بين صلاح الباطن وإصلاح الظاهر .

والعبادات الظاهرة التي يمارسها الإنسان بجوارحه فإنها – إذا أراد بها وجه الله – تؤثر إيجاباً في باطنه ولا شك .

ومن أمثلة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْر "

رواه النسائي (2386) وصححه الألباني في صحيح النسائي (2249)

ووحر الصدر : غيظة وحقده وحسده .

ومن العلاجات المهمة لأمراض القلب التدبر والتفكر في نصوص الوعيد على من ترك هذه الأمراض ترتع في قلبه كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر " رواه مسلم (91) .

وحديث قول النار : " أُوثرت بالمتكبرين " رواه البخاري (4850) ومسلم (2846)

وحديث : " يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال " رواه الترمذي (2492) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2025) .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ

وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ "

رواه الترمذي (2510) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2038)

فمن تأمل بعين البصيرة مثل هذا الوعيد على هذه الأمراض القلبية فإنه ولا شك سيجاهد نفسه في تطهير قلبه منها

ويستعين على ذلك بأعمال الجوارح ويدعو ربه أن ينقي قلبه من الغلِّ والحسد والحقد وغيرها كما قال تعالى عن دعاء المؤمنين : ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا .

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد .

*عبدالرحمن*
2019-08-07, 16:00
الفرق بين الصبر والرضا

السؤال

أواجه أذى من أهل زوجي ، أي أنهم يتكلموا عني كثيرا وربما يخرجون أسراري هداهم الله وغفر لهم وأنا بفضل الله أصبر على أذاهم وأحتسب ذلك عند الله

ولكن بعض اﻷوقات أشعر بضيق شديد وأشعر أني لم أعد أتحمل وأتمنى لو لم أكن علمت هؤلاء الناس مع أن زوجي ولله الحمد يتقي الله في ولكنه مسافر وأنا أعيش مع أهله فلابد لي من المشاكل

وسؤالي : هل ضيقي وشعوري بعدم التحمل ينافي الصبر ؟

وكيف أصل لدرجة الرضا بحيث أرى ما أنا فيه هو نعمة من الله فقدره كله خير ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

قد أحسنت في صبرك على أذى أهل زوجك واحتسابك ذلك عند الله تعالى . وتلك درجة عالية من درجات الإيمان نسأل الله تعالى أن يجزيك عليها خيرا

ويعوضك خيرا . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ )

رواه الإمام أحمد (5002) ، والترمذي (5307) ، وصححه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (939) .

ثانيا :

هناك فرق بين الصبر والرضا ، فرق في التعريف ، وفرق في الحكم .

أما الحكم ، فالصبر واجب ، بحيث يأثم الإنسان إذا لم يصبر على ما أصابه من مكروه ، ويعرض نفسه بهذا لعقوبة الله تعالى .

وأما الرضا ، فهو درجة أعلى من الصبر ، وهي درجة السابقين بالخيرات ، ولذلك كانت مستحبة وليست واجبة ، فلا يأثم المسلم إذا لم يصل إليها ، غير أنه مطالب بمجاهدة نفسه والشيطان حتى يصل إلى تلك الدرجة العالية .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/682) :

" الرضا بالمصائب كالفقر والمرض والذل : مستحب في أحد قولي العلماء وليس بواجب ، وقد قيل : إنه واجب ، والصحيح أن الواجب هو الصبر" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فما يقع من المصائب يستحب الرضا به عند أكثر أهل العلم ولا يجب ، لكن يجب الصبر عليه "

انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2/92) .

وأما الفرق بين الصبر والرضا في التعريف ، فالصبر هو أن يمنع الإنسان نفسه من فعل شيء ، أو قول شيء يدل على كراهته لما قدره الله

ولما نزل به من البلاء ، فالصابر يمسك لسانه عن الاعتراض على قدر الله ، وعن الشكوى لغير الله ، ويمسك جوارحه عن كل ما يدل على الجزع وعدم الصبر

كاللطم وشق الثياب وكسر الأشياء وضرب رأسه في الحائط وما أشبه ذلك .

قال ابن القيم رحمه الله في " عدة الصابرين " (ص/231) :

" الصبر : حبس اللسان عن الشكوى الى غير الله ، والقلب عن التسخط ، والجوارح عن اللطم وشق الثياب ونحوها " انتهى .

وأما الرضا فهو صبر وزيادة ، فالراضي صابر ، ومع هذا الصبر فهو راضٍ بقضاء الله ، لا يتألم به .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"الصبر : يتألم الإنسان من المصيبة جدا ويحزن ، ولكنه يصبر ، لا ينطق بلسانه ، ولا يفعل بجوارحه ، قابض على قلبه ، موقفه أنه قال : ( اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها ) ، ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ...

الرضا : تصيبه المصيبة ، فيرضى بقضاء الله .

والفرق بين الرضا والصبر : أن الراضي لم يتألم قلبه بذلك أبدا ، فهو يسير مع القضاء ( إن إصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له )

ولا يرى الفرق بين هذا وهذا بالنسبة لتقبله لما قدره الله عز وجل ، أي إن الراضي تكون المصيبة وعدمها عنده سواء "

انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (3/206) .

ثالثاً :

مجرد شعور الإنسان بالضيق وعدم التحمل ، وتمنيه أن ما وقع به من الشدة لم يكن وقع .. كل هذا لا ينافي الصبر ، مادام قد أمسك قلبه ولسانه وجوارحه عن كل ما يدل على الجزع

وما دام لم يعترض على قضاء الله تعالى ، بل الصبر في الغالب لا يكون إلا مع هذا الضيق والمشقة والتعب .

وأما الراضي : فلا يجد ذلك الضيق والألم ؛ لأنه يعلم أن الله تعالى لن يختار له إلا ما هو خير ، فهو يتقلب فيما يختاره الله بنفس راضية مطمئنة .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"الصبر مثل اسمه مر مذاقته ... لكن عواقبه أحلى من العسل

فيرى الإنسان أن هذا الشيء ثقيل عليه ويكرهه ، لكنه يتحمله ويتصبر ، وليس وقوعه وعدمه سواء عنده ، بل يكره هذا ، ولكن إيمانه يحميه من السخط .

والرضا ، وهو أعلى من ذلك ، وهو أن يكون الأمران عنده سواء بالنسبة لقضاء الله وقدره ، وإن كان قد يحزن من المصيبة ؛ لأنه رجل يسبح في القضاء والقدر

أينما ينزل به القضاء والقدر فهو نازل به على سهل أو جبل ، إن أصيب بنعمة ، أو أُصيب بضدها

فالكل عنده سواء ، لا لأن قلبه ميت ، بل لتمام رضاه بربه سبحانه وتعالى يتقلب في تصرفات الرب عز وجل ، ولكنها عنده سواء ، إذ ينظر إليها باعتبارها قضاء لربه"

انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (10/692) .

رابعاً :

هناك درجة أعلى من الرضا وهي درجة الشكر ، بأن يشكر الإنسان الله تعالى على ما أصابه من بلاء وشدة ، فيرى أن ما أصابه كان نعمة من الله ولذلك يقوم بشكرها .

ويصل الإنسان إلى درجة الصبر ثم الرضا ثم الشكر بما يأتي :

1- أن ينظر إلى اختيار الله تعالى له ، وأن الله لن يختار له إلا الخير .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .

2- أن يتأمل فيما أصابه : فإنه سبب لتكفير ذنوبه ، حتى يلقى الله تعالى طاهرا من الخطايا

قال صلى الله عليه وسلم : ( مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) رواه الترمذي ، وصححه الألباني في " سنن صحيح الترمذي " .

3- أن ينظر إلى ما أصابه وأن الله تعالى رفق به فيه ، فكم من الناس أصيب بما هو أشد من ذلك وأعظم ؟

قال ابن القيم في الفوائد (1/112-113) بعد أن ذكر الصبر والرضا

: " عبودية العبد لربه في قضاء المصائب الصبر عليها ، ثم الرضا بها وهو أعلى منه

ثم الشكر عليها وهو أعلى من الرضا ، وهذا إنما يتأتى منه ، إذا تمكن حبه من قلبه ، وعلم حسن اختياره له وبره به ولطفه به وإحسانه إليه بالمصيبة ، وإن كره المصيبة " انتهى .

4- أن ينظر إلى عواقب الابتلاء والشدة ، وأن الله يسوقه إليه بهذه الشدة التي تجعله يكثر من ذكر الله تعالى ودعائه والتضرع إليه .

5- أن ينظر إلى ثواب الصبر والرضا ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر: 10

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ) رواه الترمذي وصححه الألباني في " سنن صحيح الترمذي " .

ورضا الله تعالى عن العبد أعظم من دخول الجنة

قال الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/72 .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ . فَيَقُولُ : هَلْ رَضِيتُمْ ؟

فَيَقُولُونَ : وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ . فَيَقُولُ : أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ! فَيَقُولُونَ : يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ؟

فَيَقُولُ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ) رواه البخاري (6549) ، ومسلم (2829) .

قال ابن القيم في " طريق الهجرتين " (1/417)

بعد أن ذكر نحوا من هذه الأسباب التي تعين العبد على الرضا بقضاء الله تعالى : " فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء ، فإن قويت أثمرت الرضا والشكر " انتهى .

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين الراضين الشاكرين .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-08, 15:32
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


يجب على من تقدم لشغل وظيفة أن يراعي الصدق والأمانة

السؤال

هل يجوز أن يقوم الشخص بالترويج لنفسه من خلال ذكر محاسنه وإيجابياته واخفاء جوانبه السلبية للحصول على الوظيفة ، حيث يعد الأمر ضرورياً وشائعاً هذه الأيام إن الشخص يريد الحصول على الوظيفة ؟

وفي حال تعرض الشخص لسؤال عن سلبياته ، فإنه من المفترض أن يوضح الشخص كيف أنه سوف يتغلب على هذه السلبية ، وفقاً للخبراء . وفي بعض الأحيان

يتوجب على الشخص ذكر الأسباب التي تجعل منه الشخص الأفضل للحصول على الوظيفة ، أو كيف أنّ مهاراتك ( مثل العمل بجد ، امتلاك الدافع الذاتي ، الشغف لهذا النوع من العمل

وما إلى ذلك ) تلبي متطلبات الشركة . ولكن أنا أخشى أن يؤدي ذلك إلى الشعور بالأنانية وحب الذات ، والفخر ، والتكبر . وعلى الرغم من أنني اضطررت لكي أقوم بمثل هذا الفعل

إلا أنني لم أؤمن أنني حقاً امتلك كل الصفات الإيجابية التي ادعيت أنها عندي ، ولذلك كنت في خوف دائم أنهم سوف يكتشفون عدم صحة كلامي ، فضلاً عن شعوري بالذنب لإخفاء حقيقة ذاتي ، ولكن ماذا أفعل غير ذلك ؟

هل ارتكبت إثماً ؟

الرجاء الجواب بشيء من التفصيل حول هذا الموضوع وإخباري بالطريقة المناسبة لحل هذه المشكلة ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الأصل أن ذكر محاسن النفس ، ومدحها مذموم ، وأقل أحواله الكراهة ، لكن في موضع الحاجة والمصلحة يرخص في مثل ذلك ، بقدر ما تقتضيه الحاجة .

راجع جواب السؤال بعد القادم

فلا حرج على من تقدم للالتحاق بعمل ما أن يذكر مؤهلاته وصفاته التي تؤهله لهذا العمل .

ولكن ... يجب عليه أن يكون صادقاً .

قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) النساء/ 135.

قال السعدي رحمه الله :

"ومن القسط [ أي العدل ] أداء الشهادة التي عندك على أي وجه كان ، حتى على الأحباب بل على النفس .....

وأعظم عائق لذلك اتباع الهوى

ولهذا نبه تعالى على إزالة هذا المانع بقوله : ( فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا )

أي : فلا تتبعوا شهوات أنفسكم المعارضة للحق ، فإنكم إن اتبعتموها عدلتم عن الصواب ، ولم توفقوا للعدل ، فإن الهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطلا والباطل حقا

وإما أن يعرف الحق ويتركه لأجل هواه ، فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي إلى الصراط المستقيم ".

انتهى من "تفسير السعدي" (ص208).

وقال ابن كثير رحمه الله :

" ( وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) أَيْ : اشْهَدِ الْحَقَّ وَلَوْ عَادَ ضَرَرُهَا عَلَيْكَ ، وَإِذَا سُئِلت عَنِ الْأَمْرِ فَقُلِ الْحَقَّ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مَضرة عَلَيْكَ

فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لِمَنْ أَطَاعَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مَنْ كُلِّ أَمْرٍ يَضِيقُ عَلَيْهِ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 433).

فمن احتاج إلى مدح نفسه وذكر إيجابياته فليتحر الصدق والأمانة ، ولا يصف نفسه بما ليس فيه ، ولا يدعي لنفسه علما لا يعلمه ، أو فنا لا يتقنه ، أو عملا لا يحسنه.

ثانيا :

أما إخفاء سلبياته وعيوبه :

- فإن كانت هذه العيوب لا علاقة لها بالعمل ، كأن يكون بخيلا مثلا ، فلا حرج عليه في إخفائها .

- أما إن كانت لها علاقة بالعمل ، كأن يكون كثير النوم بالنهار ، مما يترتب عليه تأخره عن العمل ، أو عصبي المزاج يكثر من الشغب ولا يتحمل الناس : فالواجب إظهار هذه العيوب وعدم كتمانها .

وإن كانت سلبياته مما يمكنه معالجتها فلا حرج عليه أن يذكرها ويعد بمعالجتها والتخلص منها .

وانظر للفائدة الفتوى القادمة

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-08, 15:35
هل يجوز أن تكتب في السيرة الذاتية حصولها على خبرة لم تكتسبها على الوصف المطلوب؟

السؤال

لدي خبرة في التدريس المنزلي، فقد درّست إخوتي وأبناء عمي والأن أدرّس أولادي.

فهل يجوز لي أن أذكر هذه الخبرة في سيرتي الذاتية على أنها خبرة في مؤسسة تعليمة أو خبرة تدريسية؟

لأني أنوي أن أقدم لوظيفة تدريس في إحدى المدارس. أم أن ذلك يُعد كذباً؟

الجواب

الحمد لله

ينبغي للمسلم أن يصدق ويتحرى الصدق

قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119 .

وروى البخاري (6094) ومسلم (2607) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ

فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا . وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ

وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ) .

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ : أَنَّ الصِّدْق يَهْدِي إِلَى الْعَمَل الصَّالِح الْخَالِص مِنْ كُلّ مَذْمُوم , وَالْبِرّ اِسْم جَامِع لِلْخَيْرِ كُلّه . وَأَمَّا الْكَذِب فَيُوصِل إِلَى الْفُجُور , وَهُوَ الْمَيْل عَنْ الِاسْتِقَامَة , وَقِيلَ : الِانْبِعَاث فِي الْمَعَاصِي .

قَالَ الْعُلَمَاء : هَذَا فِيهِ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْق , وَهُوَ قَصْده , وَالِاعْتِنَاء بِهِ , وَعَلَى التَّحْذِير مِنْ الْكَذِب وَالتَّسَاهُل فِيهِ ; فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فِيهِ كَثُرَ مِنْهُ , فَعُرِفَ بِهِ , وَكَتَبَهُ اللَّه لِمُبَالَغَتِهِ صِدِّيقًا إِنْ اِعْتَادَهُ , أَوْ كَذَّابًا إِنْ اِعْتَادَهُ " انتهى .

وكونك تذكرين تدريسك في البيت على أنه تدريس في مؤسسة تعليمية ، لا شك أن هذا نوع من الكذب ، ولكن عليك بالصدق ، فاذكري لهم أنك قمت بالتدريس الخاص في بيتك .

واعلمي أنك إن صدقت واتقيت الله تعالى فسوف يرزقك الله تعالى من حيث لا تحتسبين

قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2 ، 3 .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-08, 15:40
متى يجوز للإنسان مدح نفسه ؟

السؤال

ما حُكم مدح النَفس في الإسلام ؟

يعني هل إذا سُئل الإنسان عن نفسه مَثلاً ما أفضل صفاتك ، وأجاب : لا أتكبر ، وأحب للغير ما أحبه لنفسي ، وهكذا

هل هذا يدخل في باب مدح النفس ؟

وما تفسير هذه الآية ضمن موضوع مدح النفس : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) النجم/ 32 ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

قال الله عز وجل : (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) النجم/ 32 .

وفي هذا نهي عن تزكية النفس وإطرائها والإخبار عنها بطهارتها وبعدها عن الذنوب والآثام لغير حاجة إلى ذلك ، إلا مجرد حب المدح والثناء .

قال الطبري رحمه الله :

" يقول جل ثناؤه : لا تشهدوا لأنفسكم بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي" .

انتهى من "تفسير الطبري" (22/540) .

وقال الشوكاني رحمه الله :

" أَيْ : لَا تَمْدَحُوهَا وَلَا تُبَرِّئُوهَا عَنِ الْآثَامِ وَلَا تُثْنُوا عَلَيْهَا ، فَإِنَّ تَرْكَ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ أَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ "

انتهى من " فتح القدير" (5/ 136) .

وقال ابن عقيل رحمه الله :

" نَهَى عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ بِالْمَدْحِ وَالْإِطْرَاءِ الْمُورِثِ عُجْبًا وَتِيهًا وَمَرَحًا " .

انتهى من " الآداب الشرعية " (3/ 464) .

ثانياً :

الأصل في ذكر محاسن النفس ، ومدحها بذلك : المنع ، وأقل أحواله الكراهة ، لكن في موضع الحاجة والمصلحة الشرعية : يرخص في مثل ذلك ، بقدر ما تقتضيه الحاجة .

قال النووي رحمه الله :

" اعلم أن ذكرَ محاسن نفسه ضربان: مذموم ; ومحبوب .

فالمذمومُ : أن يذكرَه للافتخار ، وإظهار الارتفاع ، والتميّز على الأقران ، وشبه ذلك.

والمحبوبُ : أن يكونَ فيه مصلحة دينية ، وذلك بأن يكون آمراً بمعروف ، أو ناهياً عن منكر ، أو ناصحاً أو مشيراً بمصلحة ، أو معلماً ، أو مؤدباً ، أو واعظاً

أو مذكِّراً ، أو مُصلحاً بين اثنين ، أو يَدفعُ عن نفسه شرّا ، أو نحو ذلك ، فيذكر محاسنَه

ناوياً بذلك أن يكون هذا أقربَ إلى قَبول قوله واعتماد ما يذكُره ، أو أن هذا الكلام الذي أقوله لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به ، أو نحو ذلك .

وقد جاء في هذا المعنى ما لا يحصى من النصوص ، كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: ( أنا النَّبِي لا كَذِبْ ) ، ( أنا سَيِّدُ وَلَد آدَم ) ، ( أنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ )

( أنا أعْلَمُكُمْ باللَّهِ وأتْقاكُمْ ) ، ( إني أبِيتُ عنْدَ ربي ) ، وأشباهه كثيرة .

وقال يوسف صلى الله عليه وسلم: (اجْعَلْني على خَزَائِنِ الأرْضِ إني حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ، وقال شعيب صلى الله عليه وسلم: (سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) .

وقال عثمان رضي الله عنه حين حُصر ما رويناه في صحيح البخاري أنه قال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ جَهّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ ) فجهّزتهم ؟

ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ حَفَرَ بِئرَ رُومَة فَلَهُ الجَنَّةُ ) فحفرتها ؟

فصدّقوه بما قال .

وروينا في صحيحيهما عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال حين شكاه أهل الكوفة إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه وقالوا: لا يُحسن يصلي!.

فقال سعد: والله إنّي لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله تعالى .

وروينا في صحيح مسلم عن عليّ رضي الله عنه قال: والذي فلق الحبَّة وبرأَ النسمةَ ، إنه لعهدُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إليّ : أنه لا يحبني إلا مؤمنٌ ، ولا يبغضني إلا منافق .

ونظائر هذا كثيرة لا تنحصر ، وكلُّها محمولة على ما ذكرنا " .

انتهى مختصرا من " الأذكار" (ص: 278-279) .

وقال ابن مفلح رحمه الله :

" قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ مَدَحَ نَفْسَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ ، وَمِنْ شَأْنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ التَّوَاضُعُ ؟

فَالْجَوَابُ : أَنَّهُ لَمَّا خَلَا مَدْحُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ بَغْيٍ وَتَكَبُّرٍ ، وَكَانَ مُرَادُهُ بِهِ الْوُصُولَ إلَى حَقٍّ يُقِيمُهُ ، وَعَدْلٍ يُحْيِيه ، وَجَوْرٍ يُبْطِلُهُ : كَانَ ذَلِكَ جَمِيلًا جَائِزًا.

وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَاَللَّهِ مَا آيَةٌ إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ بِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَأَتَيْتُهُ .

فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الشُّكْرِ لِلَّهِ وَتَعْرِيفِ الْمُسْتَفِيدِ مَا عِنْدَ الْمُفِيدِ .

انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ سُورَةٌ إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ ، وَمَا مِنْ آيَةٍ إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إلَيْهِ .

وَفِي تَرْجَمَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " سَلُونِي فَوَاَللَّهِ لَئِنْ فَقَدْتُمُونِي لَتَفْقِدُنَّ رَجُلًا عَظِيمًا .

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَبَكَتْ ابْنَتُهُ : يَا بُنَيَّةُ لَا تَبْكِي ، أَتَخَافِينَ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ وَقَدْ خَتَمْت فِي هَذِهِ الزَّاوِيَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ خَتْمَةٍ ؟

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ أيضاً : نَظَرْت إلَى أَقْرَأِ النَّاسِ فَلَزِمْته عَاصِمًا ، ثُمَّ نَظَرْت إلَى أَفْقَهِ النَّاسِ فَلَزِمْته مُغِيرَةً ، فَأَيْنَ تَجِدُ مِثْلِي ؟ " .

انتهى مختصرا من "الآداب الشرعية" (3/ 464-465) .

وعلى ذلك :

فالأصل في مثل هذا السؤال ألا يجاب ، بل ألا يسأل أيضاً ، ومن سُئل عن مثله ، رد العلم بتقوى القلوب ، إلى علام الغيوب .

لكن إن كانت هناك مصلحة شرعية راجحة ، دعت إلى ذلك ، مع أمن الفتنة له ولغيره بمثل ذلك المديح : جاز له منه ، بقدر ما تحصل به الحاجة .

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (36/380) :

" ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلإِنْسَانِ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَمْدَحَ نَفْسَهُ وَأَنْ يُزْكِيَهَا
.
قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ : وَمَدْحُكَ نَفْسَكَ أَقْبَحُ مِنْ مَدْحِكَ غَيْرِكَ ، فَإِنَّ غَلَطَ الإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَكْثَرُ مِنْ غَلَطِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، فَإِنَّ حُبَّكَ الشَّيْءَ يَعْمِي وَيَصُمُّ ، وَلا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَى الإِنْسَانِ مِنْ نَفْسِهِ

وَلِذَلِكَ يَرَى عُيُوبَ غَيْرِهِ وَلا يَرَى عُيُوبَ نَفْسِهِ ، وَيَعْذِرُ بِهِ نَفْسَهُ بِمَا لا يَعْذِرُ بِهِ غَيْرَهُ .

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )

وَقَالَ: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ) .

وَلا يَمْدَحُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ إِلا إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ خَاطِبًا إِلَى قَوْمٍ فَيُرَغِّبَهُمْ فِي نِكَاحِهِ

أَوْ لِيُعَرِّفَ أَهْلِيَّتَهُ لِلْوِلايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ ، لِيَقُومَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنًا أَوْ كِفَايَةً كَقَوْلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) .

وَقَدْ يَمْدَحُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ فِيمَا مَدَحَ نَفْسَهُ بِهِ ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالأَقْوِيَاءِ الَّذِينَ يَأْمَنُونَ التَّسْمِيعَ وَيُقْتَدَى بأمثالهم" انتهى .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-08, 15:48
إخفاء العمل الصالح ، والفرح بثناء الناس على صاحبه ؟

السؤال

سؤال يسبب لي المتاعب : في بعض الأحيان يغلب على ظني أن الناس سيثنون علي إذا أخبرتهم بعمل من الأعمال الصالحة "من باب شكر الله عز و جل" ؛ فهل أخبرهم به

وهل علي شيء إذا كنت ممن يفرح بثنائهم علي؟

وكيف نوفق بين الأدلة التي تحث على إخفاء العمل ، وبين التحديث بنعمة الله التي أهمها نعمة العمل الصالح ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

التحدث بنعمة الله تعالى من دواعي شكرها ، ومن إقرار المسلم بفضل الله عليه

قال الله تعالى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى / 11.

قال السعدي رحمه الله :

" وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية ( فَحَدِّثْ ) أي : أثن على الله بها

وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة ، وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق ، فإن التحدث بنعمة الله ، داع لشكرها ، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها ، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن " انتهى .

"تفسير السعدي" (ص928) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" قوله : ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم ) فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها

لأنه أبعد عن الرياء ، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة ، من اقتداء الناس به

فيكون أفضل من هذه الحيثية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمُسِر بالقرآن كالمُسِر بالصدقة "

والأصل أن الإسرار أفضل ، لهذه الآية ... " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (1/701)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" الذي يتحدث عن نفسه بفعل الطاعات لا يخلو من حالين :

الحال الأولى : أن يكون الحامل له على ذلك تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه

وهذا أمر خطير قد يؤدي إلى بطلان عمله وحبوطه ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن تزكية نفوسهم فقال تعالى : ( فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى ) .

الحال الثانية : أن يكون الحامل له على ذلك التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى ، وأن يتخذ من هذا الإخبار عن نفسه سبيلاً إلى أن يقتدي به نظراؤه وأشكاله من بني جنسه ، وهذا قصد محمود

لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) "

انتهى من "نور على الدرب" (12/ 30) .

قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله :

" جَاءَ آثَارٌ بِفَضِيلَةِ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ ، وَآثَارٌ بِفَضِيلَةِ الْإِسْرَارِ بِهِ وَالْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ : الْإِسْرَارُ أَفْضَلُ لِمَنْ يَخَافُ الرِّيَاءَ

وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَخَافُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجَهْرِ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ أَيْ مِنْ اِسْتِمَاعٍ أَوْ تَعَلُّمٍ أَوْ ذَوْقٍ أَوْ كَوْنِهِ شِعَارًا لِلدِّينِ

وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ عَنْهُ وَيُنَشِّطُ غَيْرَهُ لِلْعِبَادَةِ . فَمَتَى حَضَرَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّيَّاتِ فَالْجَهْرُ أَفْضَلُ "

انتهى من "تحفة الأحوذي" (8/191)

وعليه :

فإذا كان التحدث بنعمة الله من باب نسبة الفضل إلى الله تعالى ، والإقرار بمنته على عبده

وأنه الجواد الكريم ، أو كان ليقتدي بالإنسان غيره في فعل الخير ، حتى يكون له أجره وأجر من اقتدى به : فهذا مستحب مشروع .

وإن كان من باب تزكية النفس ، أو نسبة الفضل إليها ، أو المراءاة وتسميع الناس بالعمل ، وكسب الجاه والمنزلة بما له من الطاعات ، ونحو ذلك : فهذا أمر مذموم مقبوح .

ثانيا :

إذا تحدث العبد بنعمة الله عليه على الوجه المشروع ، فأحسن الناس الثناء عليه فأعجبه ذلك ، ولم يخالط ذلك في قلبه طلب الرياء والسمعة ، فهو من عاجل بشرى المؤمن .

وعاجل بشرى المؤمن أن يعمل المؤمن العمل الصالح ، يرجو به وجه الله ، فيطلع الناس عليه من غير تعمد منه لإظهار ذلك ، أو مراءاة الناس به ، فيثنوا عليه خيرا ، فيعجبه ذلك .

روى مسلم (2642) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ )

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-08, 15:52
يسكن في عمارة ويستعمل مواقف السيارات الخاصة بالضيوف

السؤال

يوجد بالمبنى الذي نقطن به ثلاث طوابق لمواقف السيارات اثنان منهما مخصص لمن يملك شقة بالمبنى يحصل على موقف واحد لسيارته بالمجان ، وأما الطابق الثالث لركن السيارات فهو مخصص للزائرين والضيوف

. سؤال هو : أننا قد اشترينا سيارة أخرى والحمد لله وإذا أردنا أن نحصل على موقف لركن سيارتنا بالطابقين السابقين ، فيجب أن ندفع ما يقارب 1000 دولار سنويا ,

فهل يجوز أن نركن سيارتنا بشكل دائم بالمواقف المخصصة للزائرين والضيوف ، مع العلم أن كثيرا من الناس الذين يملكون أكثر من سيارة يركنون سيارتهم بمواقف الزائرين ولذلك لشدة غلاء سعر الموقف .

الجواب

الحمد لله

الذي فهمناه من سؤالك أن هذه المواقف ملك لصاحب العمارة وليست مكانا مشاعا

كما أن كيفية استعمال هذه المواقف متفق عليه أثناء عقد الإيجار أو البيع ؛ فعلى هذا وقوفك بسيارتك الثانية في مواقف الضيوف له حالان :

الحال الأولى :

إذا كان وقوفك في هذه المواقف من دون إذن صاحبها ، وهو لا يرضى بذلك

إلا بعد دفع الأجرة المتفق عليها ، ففي هذه الحال لا يجوز لك استعمال هذه المواقف

لأن فيه أكل حق المسلم بغير حق

كما أن فيه نقضاً للاتفاق الذي بينك وبين صاحب العمارة في كيفية استعمال مواقف السيارات

والله سبحانه وتعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) المائدة : 1 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين ، بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود ، أي: بإكمالها ، وإتمامها ، وعدم نقضها ونقصها .

وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه ... والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات ، كالبيع والإجارة ، ونحوهما ، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها "

انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/238) .

الحال الثانية :

إذا كان وقوفك في الموقف المخصص للضيوف يتم بعلم صاحب العمارة ويتسامح فيه ولا يطلب الأجرة

ففي هذه الحال لا حرج عليك في استعمال هذه المواقف

لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ) رواه أحمد في مسنده برقم : (20172) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (5/279) .

فإذا طابت نفسه بذلك ورضي فلا بأس

وإذا لم يرض فلا يجوز لك استعمال تلك المواقف .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-09, 19:02
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


ما المقصود بالقُشعريرة في قوله تعالى :

( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) ؟

السؤال

قال تعالى : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد )

فما هي القشعريرة ؟

هل هي انتفاضه الجسم من الخشية ؟

ومن لم تحدث له هذه الحالة هل يُعتبر ممن لا يخشون الله ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

وصف الله تعالى عباده المؤمنين عند ذكر الله وتلاوة القرآن بأنهم تقشعر جلودهم ، وتوجل قلوبهم ، وتبكي أعينهم من خشية الله .

قال الله عز وجل : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) الزمر/ 23 .

والاقشعرار : انتفاض شعر الجلد وقيامه من الخوف والفزع ، فيرتعد الجسد من الخوف رِعدة وانتفاضة يسيرة لا تخرج عن حد الاعتدال .

تقول العرب : اقْشَعَرّ جِلْدُهُ اقْشِعْراراً ، فَهُوَ مُقْشَعِرٌّ : أَخَذَتْه قُشَعْرِيرَةٌ ، أَي رِعْدَة .

" تاج العروس " (13/420) .

وقال ابن القطاع الصقلي رحمه الله :

" اقشَعّر" تغير الجلد من فزع "

انتهى من " كتاب الأفعال " (3/71) .

وقال أبو محمد السرقسطي رحمه الله :

" وَالِاقْشِعْرَارُ مِنَ الْقُشَعْرِيرَةِ ، وَهُوَ انْتِفَاشُ الشَّعْرِ وَقِيَامُهُ "

انتهى من " الدلائل في غريب الحديث " (2/562) .

وقال ابن منظور رحمه الله :

" القُشَعْرِيرة : الرِّعْدَة "

انتهى من " لسان العرب " (5/95) .

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (21/253-354) :

" ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَال الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الذِّكْرِ ، فَنَعَتَهُمْ تَارَةً بِالْوَجَل ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) ، وَبِالْخُشُوعِ

كَمَا قَال تَعَالَى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَل مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْل فَطَال عَلَيْهِمُ الأْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ )

وَنَعَتَهُمْ تَارَةً أُخْرَى بِالطُّمَأْنِينَةِ عِنْدَ الذِّكْرِ ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) .

وَجَمَعَ بَيْنَ الأْمْرَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى : ( اللَّهُ نَزَّل أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمِنْ يُضْلِل اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) .

فَأَمَّا الْوَجَل : فَهُوَ الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا يَقُومُ بِالْقَلْبِ مِنَ الرَّهْبَةِ عِنْدَ ذِكْرِ عَظَمَتِهِ وَجَلاَلِهِ وَنَظَرِهِ إِلَى الْقُلُوبِ وَالأْعْمَال

وَذِكْرِ أَمْرِ الآْخِرَةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْحِسَابِ وَالْعِقَابِ ، فَيَقْشَعِرُّ الْجَلْدُ بِسَبَبِ الْخَوْفِ الآْخِذِ بِمَجَامِعِ الْقُلُوبِ ، وَخَاصَّةً عِنْدَ تَذَكُّرِهِمْ مَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّفْرِيطِ فِي جَنْبِ اللَّهِ .

وَأَمَّا الطُّمَأْنِينَةُ فَهِيَ مَا يَحْصُل مِنْ لِينِ الْقَلْبِ وَرِقَّتِهِ وَسُكُونِهِ ، وَذَلِكَ إِذَا سَمِعُوا مَا أُعِدَّ لِلْمُتَّقِينَ مِنْ جَزِيل الثَّوَابِ

وَذَكَرُوا رَحْمَتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَصِدْقَ وَعْدِهِ لِمَنْ فَعَل الطَّاعَاتِ وَاسْتَقَامَ عَلَى شَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَدْ يَصْحَبُ الْخَشْيَةَ الْبُكَاءُ وَفَيْضُ الدَّمْعِ " انتهى .

ثانيا :

أما ما يحدثه أهل البدعة من الصياح والصراخ والشهيق والاضطراب الشديد : فمن عمل الشيطان .

قال ابن كثير رحمه الله :

" قَوْلُهُ : ( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) أَيْ هَذِهِ صِفَةُ الْأَبْرَارِ ، عِنْدَ سَمَاعِ كَلَامِ الْجَبَّارِ ، الْمُهَيْمِنِ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، لِمَا يَفْهَمُونَ مِنْهُ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ .

وَالتَّخْوِيفِ وَالتَّهْدِيدِ ، تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُهُمْ مِنَ الْخَشْيَةِ وَالْخَوْفِ ، ( ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) لِمَا يَرْجُونَ ويُؤمِّلون مِنْ رَحْمَتِهِ وَلُطْفِهِ، فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ وُجُوهٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّ سَمَاعَ هَؤُلَاءِ هُوَ تِلَاوَةُ الْآيَاتِ ، وَسَمَاعُ أُولَئِكَ نَغَمات لِأَبْيَاتٍ ، مِنْ أَصْوَاتِ القَيْنات .

الثَّانِي : أَنَّهُمْ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيَّا ، بِأَدَبٍ وَخَشْيَةٍ ، وَرَجَاءٍ وَمَحَبَّةٍ ، وَفَهْمٍ وَعِلْمٍ .

الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ يَلْزَمُونَ الْأَدَبَ عِنْدَ سَمَاعِهَا ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عِنْدَ سَمَاعِهِمْ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ تِلَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ ، ثُمَّ تَلِينُ مَعَ قُلُوبِهِمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ

. لَمْ يَكُونُوا يتصارخُون وَلَا يَتَكَلَّفُونَ مَا لَيْسَ فِيهِمْ ، بَلْ عِنْدَهُمْ مِنَ الثَّبَاتِ وَالسُّكُونِ وَالْأَدَبِ وَالْخَشْيَةِ مَا لَا يَلْحَقُهُمْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا فَازُوا بالقِدح المُعَلّى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .

قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : حَدَّثَنَا مَعْمَر قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: ( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) قَالَ: " هَذَا نَعْتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ ، نَعَتَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ تَقْشَعِرَّ جُلُودُهُمْ ، وَتَبْكِيَ أَعْيُنُهُمْ

وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وَلَمْ يَنْعَتْهُمْ بِذَهَابِ عُقُولِهِمْ وَالْغَشَيَانِ عَلَيْهِمْ ، إِنَّمَا هَذَا فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ، وَهَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (7/55-56)

وينظر : " تفسير القرطبي " (12/59) .

ثالثا :

إذا لم تحدث هذه القشعريرة عند تلاوة القرآن أو سماعه : فلا يعني ذلك بالضرورة أن التالي أو السامع ليس ممن يخشى الله ، إذا كان مستحضرا معاني القرآن

ولكن يكون حاله من الخشية أقل من حال المقشعر الوجل ، الذي ينفعل قلبه وجلده وعينه للذكر ، كما أن البكاء من خشية الله ليس شرطا في حصول الخشية ، إلا أن حال الباكي أكمل .

فالذي ذكره الله من ذلك هو حال الكمال في الخشية ، ولا يعني نقص القشعريرة ، أو انتفاءها ، أن الخشية منتفية بالكلية ؛ بل قد يكون ذلك لنقصان حاله من الكمال والخشية ، وقد يكون ذلك في وقت دون .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" مَا يحصل عِنْد الذّكر الْمَشْرُوع من الْبكاء ووجل الْقلب واقشعرار الجسوم : فَمن أفضل الْأَحْوَال الَّتِي نطق بهَا الْكتاب ... وَأما السّكُون ، قسوةً وجفاء : فَهَذَا مَذْمُوم "

انتهى من " مختصر الفتاوى المصرية " (ص/100) .

وينظر للفائدة إلى جواب السؤال القادم.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-09, 19:05
لا يخشع قلبه عند سماع القرآن ، ويتأثر عند سماع النشيد

السؤال

عندما أسمع القرآن أو أقرأه فإني لا أتأثر من سماعه ولا يتحرك قلبي ولا يخشع بينما أحياناً عندما أستمع إلى نشيد فإني أتأثر جداً فما هو الحل؟؟

الجواب

الحمد لله

القرآن هو خير الكلام وأنفعه ، وأكثره تأثيراً وإصلاحاً للنفس

قال الله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر/23

وقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال/2 .

وكون المسلم لا يتأثر عند سماع القرآن أو قراءته ويتأثر عند سماع الأناشيد ، هذا نذير خطر، وسؤالك يدل على أنك غير راضٍ عن هذه الحال فعليك أن تبادر بمعالجة الأمر قبل أن يشتد الخطر ، وعلاج ذلك يكون بما يلي :

1- الإكثار من قراءة القرآن الكريم ، فهجر القرآن قد يكون سبباً لحرمان الشخص من الانتفاع بالقرآن الكريم .

2- الاهتمام بمعرفة معاني القرآن الكريم ، ولو من تفسير مختصر ، كتفسير السعدي رحمه الله ، فقد يكون السبب لعدم الخشوع والتأثر عند القرآن الكريم هو عدم معرفة معناه .

3- الإكثار من ذكر الله تعالى وطاعته ، فذلك سبب قوي من أسباب رقة القلب وإزالة القسوة عنه .

4- التوبة إلى الله من جميع المعاصي ، والاستقامة على أمر الله ، فقد يعاقب الإنسان على معصيته ، فيحرم من الخير ومن الخشوع ومن التدبر .

5- الإقلال من سماع الأناشيد أو عدم ذلك بالكلية ، حتى يصح القلب وتعود له الحياة والتأثر والانتفاع بكلام الله .
وإليك فتاوى لبعض العلماء في ذلك :

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" أما ما تسمونه بالأناشيد الإسلامية : فقد أُعطي أكثر مما يستحق من الوقت ، والجهد ، والتنظيم ، حتى أصبح فنّاً من الفنون ، يحتل مكاناً من المناهج الدراسية ، والنشاط المدرسي

ويقوم أصحاب التسجيل بتسجيل كميات هائلة منه للبيع والتوزيع ، حتى ملأ غالب البيوت ، وأقبل على استماعه كثير من الشباب والشابات

حتى شغل كثيراً من وقتهم ، وأصبح استماعه يزاحم تسجيلات القرآن الكريم ، والسنَّة النبوية ، والمحاضرات ، والدروس العلميَّة المفيدة " انتهى.

"البيان لأخطاء بعض الكتاب" ( ص 342 ) .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" أحسن ما يوصى به لعلاج القلب وقسوته العناية بالقرآن الكريم ، وتدبره والإكثار من تلاوته مع الإكثار من ذكر الله عز وجل ، فإن قراءة القرآن الكريم بالتدبر والإكثار من ذكر الله

وقول : سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وسبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير

كل هذه من أسباب إزالة القسوة " انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (24 /388)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" أسباب قسوة القلب : الإعراض عن الله عز وجل والبعد عن تلاوة القرآن واشتغال الإنسان بالدنيا وأن تكون الدنيا أكبر همه ولا يهتم بأمور دينه

لأن طاعة الله تعالى توجب لين القلب ورقته ورجوعه إلى الله تبارك وتعالى ، ودواء ذلك بالإقبال على الله والإنابة إليه وكثرة ذكره وكثرة قراءة القرآن وكثرة الطاعات بحسب المستطاع " انتهى .

"فتاوى نور على الدرب" - لابن عثيمين ( 12/171)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-09, 19:09
يسكن مع أصحابه ويكثر من الشخير المزعج أثناء النوم ، فهل يجب عليه عرض حالته على الطبيب ؟

السؤال

نعيش نحن ثلاثة رجال مسلمين في غرفة ، و أحد هؤلاء الرفقاء في الغرفة يشخر بصوت عالي وهو نائم ، ويكون هذا في عمق الليل مما يتسبب أن الرفيق الآخر لا يمكنه النوم أثناء الليل ، على أن هذا لا يزعجني لنومي العميق

ويدعي بأن هذا مرض يمكن الشفاء منه ، ولكن الذي يشخر لن يذهب للطبيب ، ولا يأخذ الموضوع مأخذ الجد .

وسؤالي : هل هو بهذا يتعدى على حقوق الآخرين في النوم ؟

وهل بهذا يحرم عليه الشخير حيث أنه سيمر الليل ويؤذي شخصاً آخر وعليه فما هو الحكم من الكتاب و السنة ؟

الجواب

الحمد لله

ينبغي للمسلم أن يراعي مشاعر إخوانه المسلمين ، فيأتي الذي يحبونه ويدع الذي يكرهونه وعليه أن يجتهد في الابتعاد عن أذيتهم ؛ لأن المسلم أخو المسلم ، يحب له ما يحب لنفسه

ويكره له ما يكره لنفسه ، ولا شك أن كل إنسان يحب أن ينام دون إزعاج من الآخرين

لأن النوم ضرورة ، وإذا هو لم يأخذ كفايته من النوم فقد تتعطل مصالحه ومصالح الآخرين ، وقد يتعرض بسبب ذلك إلى الفصل من العمل أو المجازاة على الإهمال والتأخير الذي يسببه عدم أخذه القدر الكافي من النوم .

وقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ) رواه ابن ماجة (2340) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجة " .

قال المناوي رحمه الله :

" فيه تحريم سائر أنواع الضرر إلا بدليل لأن النكرة في سياق النفي تعم " .

انتهى من " فيض القدير " (6/ 431) .

وقال الشوكاني رحمه الله :

" فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الضِّرَارِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ "

انتهى من " نيل الأوطار " (5/ 311) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " شرح الأربعين النووية " (ص 325-326) :

" الفرق بين الضرر والضرار: أن الضرر يحصل بدون قصد ، والمضارة بقصد ، ولهذا جاءت بصيغة المفاعلة .

مثال ذلك : رجل له جار وعنده شجرة يسقيها كل يوم ، وإذا بالماء يدخل على جاره ويفسد عليه ، لكنه لم يعلم ، فهذا نسميه ضرراً.

مثال آخر: رجل بينه وبين جاره سوء تفاهم ، فقال: لأفعلن به ما يضره ، فركب موتوراً له صوت عند جدار جاره وقصده الإضرار بجاره ، فهذا نقول مضار ...
.
وهذا الحديث أصل عظيم في أبواب كثيرة ، ولا سيما في المعاملات .

فالقاعدة : متى ثبت الضرر وجب رفعه ، ومتى ثبت الإضرار وجب رفعه مع عقوبة قاصد الإضرار " انتهى باختصار .
والفقهاء يقولون : لصاحب الملك التصرف في ملكه بشرط عدم الإضرار بالغير

قال ابن ضويان رحمه الله :

" وحرم على الجار أن يحدث بملكه ما يضر بجاره .... ولجاره منعه من ذلك ، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه ابن ماجه "

انتهى من "منار السبيل" (1 /373) .

وعلى هذا ، فعلى صاحبك هذا أن يتخذ الأسباب التي تمنع إضراره أو أذيته لإخوانه ، وليعرض نفسه على الأطباء فقد يكون علاج ذلك سهلا ، وقد ذكرت نصائح عدة لمنع الشخير أثناء النوم

ويوجد بالصيدليات أشرطة لاصقة قيل : إنها توسع القناة التنفسية مما يساهم في تقليل الشخير أو منعه بالكلية ، وقد يكون عنده مشكلة حقيقية في التنفس فيحتاج إلى عملية جراحية .

لكن ، إذا احتاج علاج ذلك إلى عملية جراحية فلا يلزمه ذلك ، لما فيها من ألم وخطورة وحينئذ ، فإما أن يتحمل أصحابه ذلك ، أو ينتقلوا إلى سكن أوسع ويستقل هو بغرفة مستقلة .

وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-09, 19:11
الطلاق بسبب الشخير أثناء النوم

السؤال

هل يجوز للرجل طلاق المرأة التي تشخر في النوم ، وهل يجور للمرأة طلب الطلاق بسبب شخير زوجها ؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

ليس الشخير أثناء النوم من العيوب التي تبيح فسخ النكاح بين الزوجين .

ولكن إذا كان أحد الزوجين يتضرر من شخير الآخر تضرراً واضحاً ، كما في بعض الحالات التي قد يتعذر معها النوم في مكان واحد ، ففي هذه الحال يكون الشخير مبرراً للزوج في الطلاق ، وعذراً للزوجة في طلبه من الزوج .

عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) .

رواه الترمذي (1187) وصححه الألباني في الإرواء (2035).

قال المناوي :

" والبأس : الشدة ، أي في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة ، كأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له "

. انتهى " فيض القدير" (3 / 138).

ولا شك أن الشخير بصوت مزعج يمنع النوم ، من الشدة التي قد لا يتحملها بعض الناس .

والذي ينصح به في مثل هذه الحال هو صبر كل من الزوجين على الآخر ، خاصة أن الشخير من الأمور التي تحدث من غير إرادة الإنسان واختياره .

ولا بد مع ذلك من السعي لعلاج هذا المرض ، سواء بإجراء عملية جراحية لإزالة الأنسجة المترهلة الزائدة التي تمنع مرور الهواء عبر القصبة الهوائية ، أو غير ذلك من العلاجات الممكنة .

ينظر : "الموسوعة العربية العالمية" .

فإذا تأخر علاج ذلك ، أو تعذر ، فبالإمكان أن يفترق الزوجان في بعض الأوقات التي تزداد فيها نوبة الشخير

أو يتعذر على الطرف المتضرر احتمال صوت الآخر ، إلى أن يعتاد ذلك الأمر ، وهو حل لجأ إليه الكثيرون ، وأمكن التكيف مع هذا الوضع الشائع ، والتعايش من خلاله .

وباعتقادنا ، أن كثيرا من البيوت سوف تهدم ، وآلافا ، بل أكثر من الأسر ، سوف تتشتت ، إذا كان أول ما يفكر فيه الإنسان ، لحل مشكلة كهذه : هو الطلاق .

نسأل الله أن يصلح أحوالنا ، وأن يشفي مرضانا .

والله أعلم

الشيخ محمد صالح المنجد.

*عبدالرحمن*
2019-08-09, 19:16
يخشى لو استغفر لعموم المسلمين أن يدخل فيهم من لا يحب أن يعفو عنهم !

السؤال

أحب أن أستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، طلباً للأجر ، ولكني لا أريد الاستغفار لأشخاص معينين ، وأخشى أني قد غفرت لهم ، وأنا لا أغفر لهم ، فكيف أستثني من لا أحب الاستغفار لهم ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

يستحب للمسلم أن يستغفر لإخوانه المسلمين وأخواته المسلمات

قال تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) محمد/ 19

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر/ 10.

وهذا من صفات المؤمنين المتقين ، وهو ما كان عليه أنبياء الله ورسله وعباده الصالحون .

وانظر للاستزادة جواب السؤال القادم

والذي يستغفر لعموم المسلمين لا يطلب مجرد الأجر على الدعاء فقط ، من غير أن يقصد معناه ، وإنما يرجو مع ذلك أن يغفر الله لهم ويتجاوز عنهم

وهو إنما ينال الأجر والمثوبة من الله إذا كان يرغب إلى الله في أن ينزل مغفرته على عباده .

ثانياً :

المسلم أخو المسلم ، يحب له الخير ، ويكره له الشر ، لا يظلمه ، ولا يسلمه

وقول السائل عن إخوانه المسلمين : " أخشى أن أكون قد سامحتهم وأنا لا أرغب في مسامحتهم " ؛ خلاف المندوب إليه من أخلاق المسلمين الفاضلة ، التي أدبهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورغبهم فيها

ولو أنك رغبت إلى الله في مسامحتهم ، والعفو عنهم ، لكنت خليقا : أن يعفو الله ويصفح عنك ، كما تجاوزت لإخوانك عن زلاتهم وخطيئاتهم وعفوت عنهم

قال الله تعالى : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/22

وقوله تعالى : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) الشورى/ 40 .

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ ) .

رواه الإمام أحمد أيضا (6541) ، وصححه الألباني في "الصحيحة" (482).

انظر جواب السؤال بعد القادم

ثالثا :

المشروع في الدعاء المأثور: أن تلتزم بأصله الوارد ، كما نقول في دعاء التشهد : ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) ؛ فهل يقول أحد : إن بيني وبين فلان كذا وكذا ، وأريد أن أستثنيه من سلامي ؟!

ثم لك في ذلك ما نويت أنت ، فإن لم تكن تقصد الاستغفار لمعين : فأنت لم تدع له ، ولم تستغفر له

ولا يعني دعاؤك ذلك أنك قد سامحته ، أو تركت له ما عنده من الحق لك ، إن كان الأمر كما تقول

بل لك في ذلك كله ما نويت

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) متفق عليه .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-10, 15:38
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


يسأل عن تحقيقه العدل في كل شيء

السؤال

نطقت الشهادتين منذ عام ونصف ، وعندي بعض الأسئلة : هل يمكن للمرء أن يلتزم العدل مع جميع البشرية ، فأبو هريرة رضي الله عنه يروي أن أعرابيا ًجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال

: أريد أن أكون أعدل الناس . فقال صلى الله عليه وسلم : أحب للناس ما تحب لنفسك تكن أعدل الناس . وإذا كان القرآن يشير إلى أن المرء لا يستطيع العدل مع شخص واحد وهي زوجته

فكيف له أن يعدل مع البشرية كلها . ولا أدري إن كان ما أفعله أنا من قبيل العدل ! فقد أجد على سبيل المثال كلباً مريضاً فأربّت عليه علّه يشعر بشيء من الراحة . ثم أذهب وأقول في نفسي :

كيف تنشد العدل مع المخلوقات وأنت لم تعدل مع نفسك أولاً ، فعبادتك يعتريها النقص والتقصير . فما نصيحتكم في هذا السياق ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

جميل أن ترى في الناس من يحب العدل ويحرص عليه ، ويسأل عن تفاصيله وطريقة تحقيقه ، فالعدل به قامت السماوات والأرض

وعليه تقوم مصالح العباد والبلاد ، وهو من أعظم ما أمر الله به في كتابه الكريم

فقال سبحانه وتعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) النحل/90

وقال عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) النساء/58 .

والقاعدة الشرعية المبنية على رحمة الله تعالى وإرادته التيسير على الناس

تقتضي أن يمتثل المسلم ما يستطيع من هذه الأوامر ، فيحقق العدل في حياته ، ويحكم به فيمن حوله ، ويتعامل به مع الخلق ، كل ذلك بحسب قدرته وطاقته ، وإلا فالعدل المطلق لا يتصف به إلا الله سبحانه وتعالى .

لذلك لما أمر الله تعالى بالقسط في المكيال والميزان – وهو صورة من صور العدل – أتبعها برفع الحرج عما خرج عن الوسع والطاقة

فقال سبحانه وتعالى : ( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) الأنعام/152 .

جاء في " مفاتيح الغيب " (13/180) للرازي قوله :

" اعلم أنه لما كان يجوز أن يتوهم الإنسان أنه يجب على التحقيق - وذلك صعب شديد في العدل - أتبعه الله تعالى بما يزيل هذا التشديد ، فقال : ( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) " انتهى .

ويقول العلامة السعدي رحمه الله :

" ( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ) أي : بالعدل والوفاء التام . فإذا اجتهدتم في ذلك فـ ( لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) أي : بقدر ما تسعه ، ولا تضيق عنه . فمَن حرَص على الإيفاء في الكيل والوزن

ثم حصل منه تقصير لم يفرط فيه ، ولم يعلمه ، فإن الله عفو غفور . وبهذه الآية ونحوها استدل الأصوليون بأن الله لا يكلف أحدا ما لا يطيق

وعلى أن من اتقى الله فيما أمر ، وفعل ما يمكنه من ذلك ، فلا حرج عليه فيما سوى ذلك "

انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/280) .

ويقول العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله :

" ( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) هذه جملة مستأنفة لبيان حكم ما يعرض لأهل الدين والورع من الأمر بالقسط في الإيفاء ; فإنَّ إقامة القسط أمر دقيق جدا

لا يتحقق في كل مكيل وموزون إلا إذا كان بموازين كميزان الذهب الذي يضبط الوزن بالحبة وما دونها ، وفي التزام ذلك في بيع الحبوب والخضر والفاكهة حرج عظيم يخطر في بال الورع السؤال عن حكمه

فكان جوابه أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا ما يسعها فعله ، بأن تأتيه بغير عسر ولا حرج ، فهو لا يكلف من يشتري أو يبيع ما ذكر من الأقوات ونحوها أن يزنه ويكيله بحيث لا يزيد حبة ولا مثقالا

بل يكلفه أن يضبط الوزن والكيل له أو عليه على حد سواء بحسب العرف ، بحيث يكون معتقدا أنه لم يظلم بزيادة ولا نقص يعتد به عرفا .

وقاعدة اليسر وحصر التكليف بما في وسع المكلف وما يقابله من رفع الحرج ونفي العسر من أعظم قواعد هذا الشرع المبني على أقوى أساس من الحق والعدل ، فلا يساويه فيه قانون من قوانين الخلق

ولو عمل المسلمون بهذه الوصية لاستقامت أمور معاملتهم وعظمت الثقة والأمانة بينهم ، وكانوا حجة على غيرهم من المطففين والمفسدين .

وما فسدت أمورهم وقلت ثقتهم بأنفسهم وحل محلها ثقتهم بالأجانب الطامعين فيهم إلا بترك هذه الوصية وأمثالها ، ثم تجد بعض المارقين الجاهلين منهم يهذون ويقولون : إن ديننا هو الذي أخرنا وقدم غيرنا ! ! "

انتهى من " تفسير المنار " (8/168) .

فنصيحتنا لك أن تبذل جهدك في تحقيق العدل في حياتك كلها ، فتعدل مع نفسك بأن توردها موارد النجاة والفوز في الآخرة ، وتجتنب مواقع الزلل والتقصير ، كي لا تعرضها للعذاب والعقاب

وتعدل مع الناس بصلة الأرحام والإحسان إلى الخلق والعفو عن المسيء ، وأن تحب لهم ما تحب لنفسك من الخير ، وتعدل مع النبات والحيوان والأرض بالرحمة والشفقة واجتناب الأذى والضرر

وهكذا إذا رأى الله منك ذلك كافأك بإذنه سبحانه على الإحسان إحسانا

كما قال عز وجل : ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ . فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الرحمن/60-61 .

ثانيا :

أما الحديث الوارد في السؤال : فليس له إسناد صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يروه أصحاب الكتب المسندة المشهورة

وإنما ذكره المتقي الهندي في كتابه " كنز العمال " (16/127) قال :

" قال الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى : وجدت بخط الشيخ شمس الدين بن القماح في مجموع له عن أبي العباس المستغفري قال : قصدت مصر أريد طلب العلم من الإمام أبي حامد المصري

والتمست منه حديث خالد بن الوليد ، فأمرني بصوم سنة ، ثم عاودته في ذلك ، فأخبرني بإسناده عن مشايخه إلى خالد بن الوليد قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عما في الدنيا والآخرة

فقال له : سل عما بدا لك – فذكر فيما سأل أنه – قال : أُحِب أن أكون أعدل الناس ؟ قال : أحب للناس ما تحب لنفسك تكن أعدل الناس ) " انتهى .

وهذا – كما ترى – لا يكفي للحكم بثبوت الحديث ، حيث لم يذكر الإسناد إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه .

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى " (4/454) :

" الحديث غير صحيح لما في سنده من المجاهيل " انتهى .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" الحديث موضوع ، ورواته مجاهيل ، وكأن واضعه جمع متنه من الأحاديث الصحيحة ، ومن بعض كلام أهل العلم ، وبعض ألفاظه منكرة لا توافق الأدلة الشرعية

ولا ريب أن العمدة فيما ذكره في هذا الحديث هو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ، أما هذا المتن فلا يعتمد عليه ولا يحتج به ؛ لأنه ليس له إسناد صحيح "

انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (26/326) .

ويغني عن هذه الجملة في الحديث الموضوع : ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أَحِبَّ للناس ما تُحبُّ لنفسك تكن مسلما ) رواه أحمد في " المسند " (13/459) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/930)

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) رواه البخاري (13) ، ومسلم (45) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-10, 15:42
إذا أكل الأخ حق أخيه فلا بأس في التظلم للقاضي وإن غضبت الوالدة

السؤال

مات جدي منذ 22 عاماً ، وترك ثروة طائلة ، وقُسمت التركة ، ولم يحصل أبي إلا على مقدار 45% من نصيبه ؛ لأن عمي تولى مقاليد الأمور بعد وفاة أبيه مباشرة

أما أبي فكان في الخارج للدراسة ، ولم ينصب عمي شاهداً بالنيابة عن أبي يوم أن قسمت التركة ، وبالتالي فإنه قد استحوذ على الجزء الأكبر منها .

وسؤال والدي الآن هو : هل عليه أن يثير الموضوع من جديد ليحصل على بقية نصيبه أم لا ؟

فهو يخشى على جدتي الطاعنة في السن من أن يصيبها مكروه أو حزن فيما لو حدث صدام بينهما .

الجواب

الحمد لله

لا حرج على والدك في مطالبة أخيه بتمام حقه من التركة ، فتركة الميت أمانة في عنق من تولاها ، يجب عليه أداؤها إلى الورثة الشرعيين

كل بحسب حصته التي قسم الله عز وجل له ، ومن يطالب بحقه لا تثريب عليه في الدنيا ولا في الآخرة

فقد قال الله عز وجل : ( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا . إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) النساء/148-149

. فالمظلوم صاحب سلطان على ظالمه ، سلطان المطالبة أمام القضاء ، وسلطان الشكوى والتظلم القولي عند الناس ، وذلك بنص القرآن الكريم .

غير أننا ننبه هنا إلى أمور مهمة قبل رفع الأمر إلى القضاء ، ومن ذلك :

أولا :

لا بد من التثبت قبل المطالبة بالحق من وقوع الظلم ، وذلك بالبينة الظاهرة ، وليس من خلال الشكوك والأوهام أو النميمة التي يثيرها بعض الناس ، خاصة إذا كانت التركة قد قسمت عن طريق القضاء الشرعي .

ثانيا :

لا بد من الحوار الهادئ بين والدك وأخيه ، والشكاية له مباشرة لسماع كل منهما حجة الآخر ، مع توسيط أهل الخير والعلم والصلاح لتوضيح الأمور

وعدم اليأس من التوصل إلى حل وعلاج للقضية قبل الترافع إلى القضاء ، ولتكن المحكمة آخر الدواء ، بعد صبر وطول نفس .

ثالثا :

لا إثم على والدك إن حزنت والدته أو غضبت بسبب لجوئه إلى القضاء ، بل ليس ذلك من حقها ، متى كان الظلم الواقع عليه بينا ظاهرا

وعليه أدلة لا ينكرها أحد ، فلا بد حينئذ من إقناع الوالدة أيضا بهذه البينات ، والحوار الهادئ معها كي تتقبل الأمر ، وتعلم الأسباب التي أدت إلى ذلك

وحينئذ لو استمرت في حزنها وغضبها فلا إثم على والدك ، إذ ليس من حق الوالدة مطالبة الولد بالتنازل عن حقوقه ، والسكوت عن الظلم الواقع عليه .

يقول ابن تيمية رحمه الله :

" يلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين ، وهو ظاهر إطلاق أحمد ، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليه ، فإن شق عليه ولم يضره : وجب ، وإلا فلا " .

انتهى من "الاختيارات الفقهية" للبعلي (114) .

فلما كان في السكوت عن الحق ضرر ظاهر لم تكن طاعة الوالدة واجبة في هذه الحال ، ولا يجب على الأخ التنازل لأخيه ومسامحته برا بوالدته ، وإن كان ذلك هو الأولى والأفضل في كل الأحوال

كما قال سبحانه وتعالى : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/22.

فمن طلب المعالي نصحناه بصرف النظر عما جرى ، ورعاية قلب الوالدة الضعيف أن ترى أبناءها في خصامهم ، وفي الوقت نفسه من لجأ إلى القضاء فلا عتب عليه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-10, 15:45
ما هي نتائج اقتران الايمان بالاستقامة ؟

السؤال

ما هي نتائج اقتران الإيمان بالاستقامة ؟

الجواب

الحمد لله

قال الله عز وجل : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى :

" هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ صَالِحًا وَهُوَ الْعَمَلُ المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنْ بَنِي آدَمَ وَقَلْبُهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، بِأَنْ يُحْيِيَهُ اللَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً فِي الدُّنْيَا

وَأَنْ يَجْزِيَهُ بِأَحْسَنِ مَا عَمِلَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ . وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَشْمَلُ وُجُوهَ الرَّاحَةِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِالرِّزْقِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَسَّرَهَا بِالْقَنَاعَةِ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس : أنها هي السَّعَادَةُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ :

هِيَ الرِّزْقُ الْحَلَالُ وَالْعِبَادَةُ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَيْضً ا: هِيَ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ وَالِانْشِرَاحُ بِهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ تَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ "

انتهى من تفسير ابن كثير (4/ 516).

وقال تعالى : ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ )غافر/ 40

وقال تعالى : ( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) الإسراء/ 19

وقال جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ) طه/ 112 .

فدلت هذه الآيات الكريمة على أن العبد إذا آمن بالله تعالى ، وأخلص العمل لربه ، فلم يشرك بعبادته أحدا ، واستقام على شرع الله ، ولم يخرج عن ذلك : أن له سعادة الدارين

وفلاح الأولى والآخرة ، ومن أعظم ما يناله من نعيم الدنيا : أن يرزقه طمأنينة النفس وانشراح الصدر ، وصلاح البال ، والإقبال على طاعة الله بإيمان وإيقان ، بلا تشويش

بل يمن عليه بصلاح قلبه ، وصلاح قوله ، وصلاح عمله ، ويكفيه الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .

فإذا مات على ذلك : أنجاه من فتنة القبر ، فإذا بعثه هوَّن عليه الحساب ، ووفَّى له أجره مضاعفا ، وبدل سيئاته حسنات

ثم يدخله الجنة برحمته ، فيسعد فيها فلا يشقى أبدا ، ويحيا فيها فلا يموت أبدا ، ويجد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ

وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) فصلت/30-32 .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-10, 15:49
لماذا كانت الملائكة تستحي من عثمان رضي الله عنه ؟

السؤال

لماذا كانت الملائكة تستحي من عثمان رضي الله عنه ؟

وماذا عمل حتى بلغ تلك المرتبة ؟

الجواب

الحمد لله

كان عثمان رضي الله عنه من أحسن الناس خُلقاً ، وأشدهم حياءً ، فروى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي : أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ : عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً : عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ...) . وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

ولعله لأجل عِظَم هذه الخصلة الحميدة ، التي لا تأتي إلا بخير، كانت الملائكة تستحيي منه ، ما لا تستحيي من غيره .

روى مسلم (2401) عن عَائِشَةَ، قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي ، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ ، أَوْ سَاقَيْهِ ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ

فَأَذِنَ لَهُ ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، فَتَحَدَّثَ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ ، فَأَذِنَ لَهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَتَحَدَّثَ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَسَوَّى ثِيَابَهُ ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ : دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ ؟!

فَقَالَ: ( أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ ) ؟! " .

وفي لفظ له (2402) : ( إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ ، وَإِنِّي خَشِيتُ ، إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، أَنْ لَا يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ ) .
فهذا استحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم منه رضي الله عنه .

وروى الطبراني في "المعجم الأوسط" (8601) عَنْ عَائِشَةَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ عُثْمَانَ حَيِيٌّ سَتِيرٌ، تَسْتَحْييِ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ ) .

وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2106) .

وقد روى أحمد (543) عن سَالِم أَبي جُمَيْعٍ قال : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ، وَذَكَرَ عُثْمَانَ وَشِدَّةَ حَيَائِهِ ، فَقَالَ : " إِنْ كَانَ لَيَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ ، فَمَا يَضَعُ عَنْهُ الثَّوْبَ لِيُفِيضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ، يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ "
.
قال الهيثمي في "المجمع" (9/82) : " رجاله ثقات " .

قال المناوي رحمه الله :

" كان يستحي حتى من حلائله ، وفي خلوته ، ولشدة حيائه كانت تستحي منه ملائكة الرحمن "

انتهى من " فيض القدير" (1/ 459) .

والله تعالى أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-15, 14:38
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


كيف أتغلب على الوساوس ؟

وكيف أكون مخلصا صادقا مع الله ؟

السؤال

ماهي كيفية التغلب على الوساوس ؟

وكيف يمكن الإنسان أي يكون مخلصا لله وصادقا مع الله في كل أمور الحياة ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

هذه الوساوس الشيطانية وخطرات النفس السيئة دوافع سوء عارضة تحول بين العبد وبين طاعة الله وعبادته ، وتزين له الشهوات وتحثه عليها .

ولا يؤاخذ الله العبد بها ما لم يعمل بها أو يتكلم

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" ما يقع في نفس الإنسان من الأفكار السيئة كأن يفكر في الزنا أو السرقة أو شرب المسكر أو نحو ذلك , ولا يفعل شيئا من ذلك فإنه يعفى عنه ولا يلحقه بذلك ذنب

لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) متفق على صحته " .

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (5 / 424) .

انظر جواب السؤال القادم

ثانيا :

يمكن التغلب على الوساوس وخواطر السوء بما يلي :

- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، وحسن اللجوء إليه ، وكثرة التضرع .

قال تعالى : ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) الأعراف/ 200، 201 .

ومن ذلك الاستعاذة بالله من الشيطان عند دخول المسجد وعند الخروج منه

فقد روى أبو داود (466) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . قَالَ : فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ : حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

وروى ابن ماجة (773) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رصي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ . وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) .

وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة"
.
- الاعتصام بالله من الشيطان ، وعدم الخشية منه ، مع تمام الاحتراز من شره بالطاعة والذكر .

قال الله سبحانه : ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) النساء/ 76

وقال عز وجل : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) النحل/ 99، 100.

وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله :

" ما خلق الله خلقا أهون علي من إبليس ، ولولا أني أُمرت أن أتعوذ منه ما تعوذت منه أبدا ، ولو بدا لي ما لطمت إلا صفحة وجهه " .

انتهى من "تاريخ دمشق" (34 /140) .

- المحافظة على أذكار الصباح والمساء ، وأذكار النوم والاستيقاظ ، وأذكار الصلوات ، وغير ذلك من الأذكار المقيدة ، وكذلك الرقى الشرعية ، فهذا من أعظم ما يتحصن به المسلم من كيد الشيطان ووساوسه وهواجسه .

- مدافعة الوساوس والخطرات وعدم الاسترسال معها .

قال ابن القيم رحمه الله :

" دافع الخطرة ، فإن لم تفعل صارت فكرة ، فدافع الفكرة فإن لم تفعل صارت شهوة ، فحاربها فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة ، فإن لم تدافعها صارت فعلا ، فإن لم تتداركه بضده صار عادة ، فيصعب عليك الانتقال عنها " .

انتهى من "الفوائد" ( ص 31) .

فالواجب على المسلم مدافعة هذه الوساوس والخطرات لئلا تستحكم فيعظم بها البلاء بها .

- مصاحبة أهل الخير الذين يحضون عليه فلا يجد الشيطان لقلب ابن آدم مسلكا ، وترك مصاحبة أهل الشر الذين يسلك بهم الشيطان إلى قلب ابن آدم .

فإن العبد إذا صاحب أهل الخير انشغل خاطره بصحبتهم وما يعلمونه إياه وينصحونه به ، وإذا صاحب أهل الشر انشغل خاطره بباطلهم الذي يسمعه منهم ويحضونه عليه .

- كثرة ذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة ، والانشغال بأعمال البر ، ظاهرا وباطنا .

روى البخاري (6407) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ).

وروى ابن المبارك في "الزهد" (2/ 17) عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: " إِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ جَوَّانِيًّا وَبَرَّانِيًّا، فَمَنْ يُصْلِحْ جَوَّانِيَّهُ يُصْلِحِ اللَّهُ بَرَّانِيَّهُ، وَمَنْ يُفْسِدْ جَوَّانِيَّهُ يُفْسِدِ اللَّهُ بَرَّانِيَّهُ " .

- ذكر الله عند دخول البيت وعند الخروج منه .

روى مسلم (2018) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ ، وَلَا عَشَاءَ ، وَإِذَا دَخَلَ

فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ ) .

وروى أبو داود (5095) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ : هُدِيتَ

وَكُفِيتَ ، وَوُقِيتَ ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

ومن حفظه الله من الشيطان في دخوله وخروجه حفظه من وساوسه وما يزين له من سوء .

- كف النفس عن الشهوات ، مع حفظ حدود الله ، قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله : " عَلَى الْعَبْدِ ذَمُّ جَوَارِحِهِ، وَحِفْظُ حُدُودِ اللَّهِ ، وَكُفُّ النَّفْسِ عَنْ شَهَوَاتِهَا، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ حَفِظَ اللَّهُ تَعَالَى قَلْبَهُ ، وَأَصْلَحَ سِرَّهُ " .

انتهى من "بحر الفوائد" - للكلاباذي (ص: 125) .

- طلب العلم والانشغال به ، فإن العلم نور يحيا به القلب ، وتنقشع بها عمايات الجهل ، وتزول به الوساوس وما يهم به المرء من السوء .

ومن انشغل فكره بمسائل العلم ، وجال خاطره في اختلاف العلماء ، وتنوع أقوالهم ومسالكهم التي يسلكونها في تناول تلك المسائل : انسد الطريق على الشيطان إليه ، وارتحل من قلبه .

ثالثا :

طرق إخلاص العبد العمل لله والصدق مع الله في كافة أمره وشأنه كثيرة متعددة ، فمن ذلك :

- أن يوافق قوله عمله ، وظاهره باطنه .

- أن يكون العمل مشروعا مما يحبه الله ويرضاه ويثيب عليه .

- أن يبتغي بعمله الصالح هذا وجه الله والدار الآخرة .

- أن يبتعد عن البدعة وعن كل الطرق الموصلة إليها ، وعن مصاحبة أهل البدع والأهواء ، مع الالتزام بالسنة ومصاحبة أهلها ؛ فإن المرء على دين خليله .

- أن يراعي الإخلاص من قلبه ، ويعمل على تهذيب نفسه وتنقيتها من الشرك والرياء والسمعة .

- أن يسلك طريق الزهد في الدنيا ، وينصرف عنها وعن طلب مباهجها والرغبة فيها إلى طاعة الله والإقبال عليه ، في غير إفراط أو مغالاة .

- أن يصدق الله في عزمه على فعل الخير ، وفي فعله

قال تعالى : ( فإذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا الله لَكَانَ خَيْراً لَهُم ) محمد/21

ولا يكونن من أصحاب الأمانيّ المجردة التي لا تنفع بدون العمل الصالح واحتساب الأجر .

- أن يكون مطعمه ومشربه وملبسه من الحلال الطيب .

- أن يحب لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه من الخير ، ويكره لهم ما يكره لنفسه من الشر .

- أن يحقق قول الله تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام /162-163 .

فلا يعمل إلا بنية ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، في أكله وشربه وعمله ومداعبته أهله ومصاحبته أخلاءه ومجالسته الناس .
- أن يطلع على سير الصالحين من عباد الله ، الذين عرفوا بالصدق مع الله ، والإخلاص في العمل ، ويعمل عملهم ، ويتشبه بهم ؛ فإن من تشبه بقوم فهو منهم ، ومن أحب قوما حشر معهم .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-15, 14:43
مصادر الوساوس وهل يؤاخذ المسلم عليها ؟

السؤال

هل توجد طريقة للتفريق بين الوسوسة التي من الشيطان وتلك التي من النفس ؟

وهل يمكن أن نعرف أيّاً منهما يأتي من الآخر ؟

وإذا كانت الوسوسة من النفس :

فهل سيعاقب عليها الفرد حتى وإن كان يرفضها ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الوسواس الذي يصيب الإنسان ليس كله على درجة واحدة ، من حيث المرضية ، ومن حيث المصدر والأثر .

فالوسواس الذي يدعو الإنسان لسماع المحرمات أو رؤيتها أو اقتراف الفواحش وتزيينها له : له ثلاثة مصادر : النفس – وهي الأمَّارة بالسوء - ، وشياطين الجن ، وشياطين الإنس .

قال تعالى – في بيان المصدر الأول وهي النفس - : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق/16 .

وقال تعالى – في بيان المصدر الثاني وهم شياطين الجن - : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ ) طه/120 .

وقال تعالى – في بيان المصدر الثالث وهم شياطين الإنس - : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ . مَلِكِ النّاسِ . إِلَهِ النّاسِ . مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنّاسِ . الّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ . مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ ) سورة الناس .

أي أن هذه الوساوس تكون من الجن ومن بني آدم .

وما يعرض للمسلم في وضوئه وصلاته فلا يدري كم توضأ ولا كم صلى : فمصدره من الشيطان ، فإن استعاذ بالله من الشيطان كفاه الله إياه ، وإن استسلم له واستجاب لأوامره تحكَّم فيه الشيطان

وتحول من وسوسة عارضة إلى مرضٍ مهلك ، وهو ما يسمى " الوسواس القهري " وهذه الوساوس القهرية – كما يقول أحد المختصين - " علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى

وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها ، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها

لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً ، ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها

وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو – لغير المتخصصين – عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً ، ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية " .

فوسوسة الشيطان تزول بالاستعاذة .

ووسوسة النفس تزل أيضاً بالاستعاذة ، وبتقوية الصلة بين العبد وربه بفعل الطاعات وترك المنكرات .

وأما الوسواس القهري فهو حالة مرضية كما سبق .

وفي الفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس معنى لطيف ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بعض العلماء ، قال :

وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان ، فقال : " ما كرهتْه نفسُك لنفسِك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه ، وما أحبَّته نفسُك لنفسِك فهو من نفسك فانْهَها عنه " .

" مجموع الفتاوى " ( 17 / 529 ، 530 ) .

أي أن النفس غالباً توسوس فيما يتعلق بالشهوات التي يرغب فيها الناس عادةً .

وذكر بعض العلماء فرقاً آخر مهمّاً، وهو أن وسوسة الشيطان هي بتزيين المعصية حتى يقع فيها المسلم فإن عجز الشيطان انتقل إلى معصية أخرى ، فإن عجز فإلى ثالثة وهكذا

فهو لا يهمه الوقوع في معصية معينة بقدر ما يهمه أن يعصي هذا المسلم ربَّه

يستوي في هذا فعل المنهي عنه وترك الواجب ، فكلها معاصٍ ، وأما وسوسة النفس فهي التي تحث صاحبها على معصية بعينها ، تحثه عليها وتكرر الطلب فيها .

ثانياً :

والمسلم لا يؤاخذ على وساوس النفس والشيطان ، ما لم يتكلم بها أو يعمل بها .

وهو مأمور بمدافعتها ، فإذا ما تهاون في مدافعتها واسترسل معها فإنه قد يؤاخذ على هذا التهاون .

فقد أُمر بعدم الالتفات لوساوس الشياطين ، وأن يبني على الأقل في الصلاة عند الشك فيها ، وأُمر بالاستعاذة من الشيطان والنفث عن يساره ثلاثاً إذا عرضت له وساوس الشيطان في الصلاة

وأُمر بمصاحبة الأخيار والابتعاد عن الأشرار من الناس ، فمن فرَّط في شيء من هذا فوقع في حبائل نفسه الأمارة بالسوء أو الاستجابة لشياطين الجن والإنس فهو مؤاخذ .

وأما الوسواس القهري : فهو مرض – كما سبق- فلا يضير المسلم ، ولا يؤاخذه الله عليه ؛ لأنه خارج عن إرادته

قال الله تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ) الطلاق/7 .

وقال تعالى : ( فّاتَّقٍوا اللّهّ مّا اسًتّطّعًتٍمً ) التغابن/16

. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ ) رواه البخاري (4968) ومسلم (127) .

وعلى من ابتلي بمثل هذا الوسواس أن يداوم على قراءة القرآن والأذكار الشرعية صباحا ومساء

وعليه أن يقوي إيمانه بالطاعات والبعد عن المنكرات ، كما عليه أن يشتغل بطلب العلم ، فإن الشيطان إن تمكن من العابد فلن يتمكن من العالم .

وقد يأتي الشيطان ويوسوس للمسلم أشياء منكرة في حق الله تعالى ، أو رسوله

أو شريعته ، يكرهها المسلم ولا يرضاها ، فمدافعة هذه الوساوس وكراهيتها دليل على صحة الإيمان ، فينبغي أن يجاهد نفسه ، وأن لا يستجيب لداعي الشر .

قال ابن كثير رحمه الله :

في قوله ( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) أي : هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخصُ دفعَه

فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها : فهذا لا يكلَّف به الإنسان ، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان . "

تفسير ابن كثير " ( 1 / 343 ) .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

يخطر ببال الإنسان وساوس وخواطر وخصوصا في مجال التوحيد والإيمان ، فهل المسلم يؤاخذ بهذا الأمر ؟ .

فأجاب :

قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " – متفق عليه

وثبت أن الصحابة رضي الله عنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عما يخطر لهم من هذه الوساوس والمشار إليها في السؤال ، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله : " ذاك صريح الإيمان " – رواه مسلم

- وقال عليه الصلاة والسلام : " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسله " – متفق عليه -

وفي رواية أخرى " فليستعذ بالله ولينته " رواه مسلم في صحيحه .

" تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " ( السؤال العاشر ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-15, 14:47
الوسوسة وعلاجها

السؤال

إذا وسوست ولم أرد على زوجتي عندما تكلمني وذلك بسبب الوسوسة أو اعتقادي بأنها تسببت في الوسوسة هل يعتبر عدم ردي عليها طلاقاً ؟

وعندما أكلمها بعصبية وبانفعال هل يعتبر هذا طلاقاً ؟ .

الجواب

الحمد لله

عدم ردك على زوجتك لا يعتبر طلاقا ، وكذلك كلامك معها بعصبية وانفعال.

ومهما فكرت في الطلاق ، أو حدثتك نفسك به ، أو نويته وعزمت عليه ، فإن الطلاق لا يقع حتى تتلفظ به.

وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل تجاوز لأمتي ما وسوست به وحدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به " رواه البخاري 6664 ، ومسلم 127 .

والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به ).

بل إن المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به ، عند بعض أهل العلم ، ما لم يقصد الطلاق ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد

لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة ، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا طلاق في إغلاق " .

فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة ، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق.)

انتهى ، نقلا عن : فتاوى إسلامية ، 3/277

ونحن نوصيك بعدم الالتفات للوسواس ، والإعراض عنه ، ومخالفة ما يدعوك إليه ، فإن الوسواس من الشيطان ، ليحزن الذين آمنوا ، وخير علاج له

هو الإكثار من ذكر الله تعالى ، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، والبعد عن المعاصي والمخالفات التي هي سبب تسلط إبليس على بني آدم

قال الله تعالى: ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) النحل/ 99 .

ومما يحسن نقله هنا ، ما ذكره ابن حجر الهيتمي رحمه الله في علاج الوسوسة ، في كتابه " الفتاوى الفقهية الكبرى 1/149 ، وهذا نصه :

( وسئل نفع الله به عن داء الوسوسة هل له دواء ؟

فأجاب بقوله : له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية ، وإن كان في النفس من التردد ما كان - فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون ,

وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين بل وأقبح منهم ,

كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه صلى الله عليه وسلم بقوله : " اتقوا وسواس الماء الذي يقال له الولهان أي : لما فيه من شدة اللهو والمبالغة فيه

كما بينت ذلك وما يتعلق به في شرح مشكاة الأنوار , وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته . فتأمل هذا الدواء النافع الذي علّمه من لا ينطق عن الهوى لأمته

. واعلم أن من حُرمه فقد حُرم الخير كله ; لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا , واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يُخرجه من الإسلام

. وهو لا يشعر ( أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) فاطر / 6 .

وجاء في طريق آخر فيمن ابتلي بالوسوسة فليقل : آمنت بالله وبرسله . ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وجد طريقته وشريعته سهلة واضحة بيضاء بينة سهلة لا حرج فيها

( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج / 78 ,

ومن تأمل ذلك وآمن به حق إيمانه ذهب عنه داء الوسوسة والإصغاء إلى شيطانها . وفي كتاب ابن السني من طريق عائشة : رضي الله عنها " من بلي بهذا الوسواس فليقل : آمنا بالله وبرسله ثلاثا , فإن ذلك يذهبه عنه " .

وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا : دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني , وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأنه يقاتله ,

فيكون له ثواب المجاهد ; لأنه يحارب عدو الله , فإذا استشعر ذلك فر عنه , وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان وسلطه الله عليه محنة له ; ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون .

وفي مسلم بحديث رقم 2203 من طريق عثمان بن أبي العاص أنه قال: إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال : ذلك شيطان يقال له خنزب , فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا , ففعلت فأذهبه الله عني .

وبه تعلم صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تُسلط إلا على من استحكم عليه الجهل والخبل وصار لا تمييز له ,

وأما من كان على حقيقة العلم والعقل فإنه لا يخرج عن الاتباع ولا يميل إلى الابتداع . وأقبح المبتدعين الموسوسون ومن ثم قال مالك - رحمه الله - عن شيخه ربيعة - إمام أهل زمنه -

: كان ربيعة أسرع الناس في أمرين في الاستبراء والوضوء , حتى لو كان غيره - قلت : ما فعل . ( لعله يقصد بقوله : ( ما فعل ) أي لم يتوضأ )

وكان ابن هرمز بطيء الاستبراء والوضوء , ويقول : مبتلى لا تقتدوا بي .

ونقل النووي - رحمه الله - عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسوسة في الوضوء , أو الصلاة أن يقول : لا إله إلا الله فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس

; أي : تأخر وبعد , ولا إله إلا الله - رأس الذكر وأنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه ... ) انتهى كلام ابن حجر الهيتمي رحمه الله.

ونسأل الله أن يذهب عنك ما تجد من الوسوسة ، وأن يزيدنا وإياك إيماناً وصلاحاً وتقى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-15, 14:52
تقلقه الوساوس والخطرات ويريد أن يخشع في صلاته

السؤال

عندما أصلي أو أنوي فعل أمر طيب تخطر لي أفكار شيطانية. عندما أركز في الصلاة وأحاول أن أركز على معاني الكلمات تدخل الأفكار الشيطانية إلى عقلي

وتكون لي اقتراحات سيئة عن كل شيء بما في ذلك الله. أشعر بالغضب من أجل ذلك. أعلم أنه لا أحد يقبل التوبة إلا الله وحده، ولكن بسبب أفكاري أشعر أنه لا يوجد أسوأ من أن يخطر ببالي أفكار سيئة عن الله.

أسأل الله المغفرة بعد الصلاة ولكني أشعر بالضيق لأني أريد أن أوقف هذه الأفكار السيئة ولكني لا أستطيع. هذه الأفكار تفقدني التمتع بالصلاة وتشعرني بأني مشؤوم. أرجو منكم نصحي .

الجواب

الحمد لله

الوساوس السيئة في الصلاة وغيرها من الشيطان ، وهو حريص على إضلال المسلم ، وحرمانه من الخير وإبعاده عنه ، وقد اشتكى أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الوسواس في الصلاة

فقال : إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي " رواه مسلم (2203)

والخشوع في الصلاة هو لبها ، فصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح ، وإن مما يعين على الخشوع " شيئان :

الأول : اجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله ويفعله ، وتدبر القراءة والذكر والدعاء ، واستحضار أنه مناجٍ لله تعالى كأنه يراه ، فإن المصلي إذا كان قائماً فإنما يناجي ربه

والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، ثم كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة كان انجذابه إليها أوكد ، وهذا يكون بحسب قوة الإيمان – والأسباب المقوية للإيمان كثيرة –

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة " . وفي حديث آخر أنه قال : " أرحنا يا بلال بالصلاة " ولم يقل أرحنا منها .

الثاني : الاجتهاد في دفع ما يُشغل القلب من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه ، وتدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة

وهذا في كل عبدٍ بحسبه ، فإن كثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات والشهوات ، وتعلق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها ، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها " .

انتهى من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/605) .

وأما ما ذكرته من أن الوساوس بلغت بك مبلغاً عظيماً بحيث أصبحتَ توسوس في ذات الله بما لا يليق بالله ، فإن هذا من نزغات الشيطان

وقد قال الله تعالى : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) فصلت /36.

وقد اشتكى بعض الصحابة من الوساوس التي تنغص عليهم

فجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ " رواه مسلم (132) من حديث أبي هريرة .

قال النووي في شرح هذا الحديث : " قوله صلى الله عليه وسلم :

( ذَلِكَ صَرِيح الإِيمَان ) مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلام ( بهذه الوساوس ) هُوَ صَرِيح الإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الإِيمَان اِسْتِكْمَالا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك .

وَقِيلَ مَعْنَاهُ : أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يُوَسْوِس لِمَنْ أَيِسَ مِنْ إِغْوَائِهِ فَيُنَكِّد عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ إِغْوَائِهِ , وَأَمَّا الْكَافِر فَإِنَّهُ يَأْتِيه مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلا يَقْتَصِر فِي حَقّه عَلَى الْوَسْوَسَة بَلْ يَتَلَاعَب بِهِ كَيْف أَرَادَ .

فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث : سَبَب الْوَسْوَسَة مَحْض الإِيمَان , أَوْ الْوَسْوَسَة عَلامَة مَحْض الإِيمَان "

إذاً " فكراهة ذلك وبغضه ، وفرار القلب منه ، هو صريح الإيمان ... والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره ، لابد له من ذلك

فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ، ولا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً

كلما أراد العبد توجهاً إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوسواس أمور أُخرى ، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق ، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه

ولهذا قيل لبعض السلف : إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس ، فقال : صدقوا ، وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب "

انتهى من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/608)

* العلاج ..

1- إذا شعرت بهذه الوساوس فقل آمنت بالله ورسوله

فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرَأْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ "

رواه أحمد (25671) وحسنه الألباني في الصحيحة 116

2- محاولة الإعراض عن التفكير في ذلك بقدر الإمكان والاشتغال بما يلهيك عنه .

وختاماً نوصيك بلزوم اللجوء إلى الله في كل حال ، وطلب العون منه ، والتبتل إليه ، وسؤاله الثبات حتى الممات ، وأن يختم لك بالصالحات .

. والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-15, 14:58
يعاني من وساوس الشيطان في ذات الله

السؤال

رجل يوسوس له الشيطان بوساوس عظيمة فيما يتعلق بالله - عز وجل - وهو خائف من ذلك جداً فماذا يفعل ؟.

الجواب

الحمد لله

ما ذكر من جهة مشكلة السائل التي يخاف من نتائجها , أقول له : أبشر بأنه لن يكون لها نتائج إلا النتائج الطيبة

لأن هذه وساوس يصول بها الشيطان على المؤمنين, ليزعزع العقيدة السليمة في قلوبهم, ويوقعهم في القلق النفسي والفكري ليكدر عليهم صفو الإيمان , بل صفو الحياة إن كانوا مؤمنين.

وليست حاله بأول حال تعرض لأهل الإيمان, ولا هي آخر حال, بل ستبقى ما دام في الدنيا مؤمن. ولقد كانت هذه الحال تعرض للصحابة رضي الله عنهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال

: جاء أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه : إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به , فقال : ( أو قد وجدتموه؟). قالوا : نعم , قال : ( ذاك صريح الإيمان) . رواه مسلم

وفي الصحيحين عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال : إني أحدث نفسي بالشي

لأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به, فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة ). رواه أبو داود.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان :

والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره . كما قالت الصحابة يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به

. فقال ( ذاك صريح الإيمان ). وفي رواية ما يتعاظم أن يتكلم به. قال : ( الحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة).

أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له, ودفعه عن القلوب هو من صريح الإيمان, كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه, فهذا عظيم الجهاد, إلى أن قال

: ( ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعباد من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم, لأنه (أي الغير) لم يسلك شرع الله ومنهاجه,

بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه, وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة , فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى ) أ.هـ

المقصود منه ذكره في ص 147 من الطبعة الهندية.

فأقول لهذا السائل : إذا تبين لك أن هذه الوساوس من الشيطان فجاهدها وكابدها ,

واعلم أنها لن تضرك أبداً مع قيامك بواجب المجاهدة والإعراض عنها, والانتهاء عن الانسياب وراءها, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم ). متفق عليه.

وأنت لو قيل لك : هل تعتقد ما توسوس به ؟

وهل تراه حقاً؟

وهل يمكنك أن تصف الله سبحانه به ؟

لقلت : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا , سبحانك هذا بهتان عظيم , ولأنكرت ذلك بقلبك ولسانك,

وكنت أبعد الناس نفوراً عنه, إذن فهو مجرد وساوس وخطرات تعرض لقلبك , وشباك شرك من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم, ليرديك ويلبس عليك دينك .

ولذلك تجد الأشياء التافهة لا يلقي الشيطان في قلبك الشك فيها أو الطعن , فأنت تسمع مثلاً بوجود مدن مهمةٍ كبيرة مملوءة بالسكان والعمران في المشرق والمغرب ولم يخطر ببالك يوماً من الأيام الشك

في وجودها أو عيبها بأنها خراب ودمار لا تصلح للسكنى , وليس فيها ساكن ونحو ذلك , إذا لا غرض للشيطان في تشكك الإنسان فيها ولكن الشيطان له غرض كبير في إفساد إيمان المؤمن ,

فهو يسعى بخيله ورجله ليطفئ نور العلم والهداية في قلبه , ويوقعه في ظلمة الشك الحيرة , والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا الدواء الناجع الذي فيه الشفاء ,

وهو قوله : ( فليستعذ بالله ولينته) . فإذا انتهى الإنسان عن ذلك واستمر في عبادة الله طلباً ورغبة فيما عند الله زال ذلك عنه بحول الله ,

فأعرض عن جميع التقديرات التي ترد على قلبك في هذا الباب وها أنت تعبد الله وتدعوه وتعظمه , ولو سمعت أحداً يصفه بما توسوس به لقتلته إن أمكنك , إذن فما توسوس به ليس حقيقة واقعة بل هو خواطر ووساوس لا أصل لها .

ونصيحة تتلخص فيما يأتي :

1. الاستعاذة بالله والانتهاء بالكلية عن هذه التقديرات كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

2. ذكر الله تعالى وضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس .

3. الانهماك الجدي في العبادة والعمل امتثالاً لأمر الله , وابتغاء لمرضاته ، فمتى التفت إلى العبادة التفاتاً كلياً بجدٍّ وواقعية نسيت الاشتغال بهذه الوساوس إن شاء الله .

4. كثرة اللجوء إلى الله والدعاء بمعافاتك من هذا الأمر .

وأسال الله تعالى لك العافية والسلامة من كل سوء ومكروه .

المصدر: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 57 - 60

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-17, 15:11
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


معنى "الصدق مع الله" وكيف يحققه المسلم؟

السؤال

للعبادة أركان ثلاثة ، أحدها : " الصدق مع الله " ، فكيف يكون الصدق مع الله ؟

إني أتطلع للمعالي ، وأريد أن ألِمَّ بأكبر قدر من العلم الشرعي ، وأريد أن أكون داعية ، وقد رزقني الله مواهب عديدة تحتاجها الدعوة ، ونشر العلم ، وأريد أن أقوى على القيام ، والصيام

قد أتممت حفظ كتاب الله ، والآن في طريقي لأثبِّت حفظي ، وأتقن التلاوة ، وأتعلم العلم الشرعي ، وعندي مشاريع ، وأفكار عدة لخدمة كتاب الله ، ونصرة الدين ، ولكن خطواتي بطيئة ؛ لتعدد المهام

وكثرة العوائق ، خاصة من الأهل والمجتمع الذي حولي - وكم أعاني منهم - ولضعف بنيتي الصحية ، وعدم قدرتي على بذل مجهود كبير ، وإن بذلت : جلست أياما لا أستطيع أن أحرك شيئاً

إني دائما أضع جدولا لجميع المهام ، وأحاول أن أسير عليه ، ولكني لا أقدر بسبب الظروف المتغيرة ، إني أعيش وحدي ، لا أجد أختاً تشاركني أهدافي

ولا قائداً يمسك بي ويتابعني لأحقق طموحاتي ، أبحث كثيراً ، ولكن لا أجد ، لا أعلم ما سبب تباطئي خطواتي ، أهو الصدق مع الله هذا الركن الذي قد أكون لم أحققه بعد أم ماذا ؟

يحزنني كثيراً ، ويؤلمني ، تأخري في الوصول لأهدافي ، فإن كان ثم نصيحة : فلا تبخلوا بها عليَّ فإني بأمس الحاجة .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

" الصدق مع الله " أجل أنواع الصدق

ويكون المسلم صادقاً مع ربِّه تعالى إذا حقَّق الصدق في جوانب ثلاثة

: الإيمان والاعتقاد الحسَن ، والطاعات ، والأخلاق ، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، والصادق فيه هو من حققه على الوجه الذي أراده منه ربه تعالى ، ومنه الصدق في اليقين ، والصدق في النية

والصدق في الخوف منه تعالى ، وليس كل من عمل طاعة يكون صادقا حتى يكون ظاهره وباطنه على الوجه الذي يحبه الله تعالى .

وقد بَينَّ الله تعالى الصادقين في آية واحدة

وهي قوله عز وجل : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ

وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْس)ِ ثم قال سبحانه بعد هذه الأوصاف كلها: (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة/ 177 .

قال ابن كثير رحمه الله :

اشتملت هذه الآية الكريمة على جُمَل عظيمة ، وقواعد عميمة ، وعقيدة مستقيمة .

" تفسير ابن كثير " ( 1 / 485 ) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

( أُولَئِكَ ) أي : المتصفون بما ذُكر من العقائد الحسنة ، والأعمال التي هي آثار الإيمان ، وبرهانه ونوره ، والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقة الإنسانية : فأولئك هم ( الَّذِينَ صَدَقُوا ) في إيمانهم

لأن أعمالهم صدَّقت إيمانهم ، ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) لأنهم تركوا المحظور ، وفعلوا المأمور ؛ لأن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير ، تضمناً

ولزوماً ؛ لأن الوفاء بالعهد يدخل فيه الدين كله ، ولأن العبادات المنصوص عليها في هذه الآية : أكبر العبادات ، ومن قام بها : كان بما سواها أقوم ، فهؤلاء هم الأبرار ، الصادقون ، المتقون .

" تفسير السعدي " ( ص 83 ) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

ومن فوائد الآية : أن ما ذُكر هو حقيقة الصدق مع الله ، ومع الخلق ؛ لقوله تعالى : ( أولئك الذين صدقوا ) ؛ فصِدْقهم مع الله : حيث قاموا بهذه الاعتقادات النافعة : الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة

والكتاب ، والنبيين ، وأنهم أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وبذلوا المحبوب في هذه الجهات

وأما صدقهم مع الخلق :

يدخل في قوله تعالى : ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )

وهذا من علامات الصدق ، ولهذا قال تعالى : ( أولئك الذين صدقوا ) فصدقوا في اعتقاداتهم ، وفي معاملاتهم مع الله ، ومع الخلق .

" تفسير سورة البقرة " ( 2 / 293 ، 294 ) .

ثانياً:

اعلمي أختي السائلة : أن الصدق مع الله تعالى ليس شيئاً نتجمل به ، ونقنع به أنفسنا وندع العمل

بل الصدق مع الله يكون في النية ، ويكون في العمل إذا قمنا به ، وتيسرت أسبابه ، والصادق مع ربه تعالى يبلغ بصدق نيته ما يبلغ العامل إن تعذر عليه القيام بالعمل .

فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) . رواه مسلم ( 1909 ) .

قال ابن القيم رحمه الله :

ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربَّه في جميع أموره ، مع صدق العزيمة ، فيصدقه في عزمه ، وفي فعله ، قال تعالى : ( فإذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا الله لَكَانَ خَيْراً لَهُم ) فسعادته في صدق العزيمة

وصدق الفعل ، فصدق العزيمة : جمعها ، وجزمها ، وعدم التردد فيها ، بل تكون عزيمة ، لا يشوبها تردد ، ولا تلوُّم ، فإذا صدقت عزيمته : بقي عليه صدق الفعل ، وهو استفراغ الوسع

وبذل الجهد فيه ، وأن لا يتخلف عنه بشيء من ظاهره ، وباطنه ، فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة ، وصدق الفعل يمنعه من الكسل ، والفتور

ومَن صدَق الله في جميع أموره : صنع الله له فوق ما يصنع لغيره ، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص ، وصدق التوكل ، فأصدَقُ الناس : مَن صح إخلاصُه ، وتوكله .

" الفوائد " ( ص 186 ، 187 ) .

ثالثاً :

قد يحتار المسلم بم يبدأ ؟ وكيف يرتب أمره في يومه وليلته ؟ وهذا لا ينبغي أن يكون عائقاً أمام القاصد لفعل الخير ، من طلب العلم ، أو الدعوة إلى الله

فمثل تلك الفوضى يمكن للمسلم أن يتخلص منها بترتيب ساعات يومه ، فيجعل الجزء الأول من نهاره لحفظ القرآن ، ويرتب باقي يومه بين طلب العلم عن طريق الأشرطة ، وقراءة الكتب

وحضور مجالس العلم ، وبين أداء الواجبات التي في ذمته ، زوجاً كان أو زوجة ، عاملاً كان أو متفرغاً .

والذي ننصحكِ به أختنا السائلة : أن تبدئي ولا تؤجلي ، وأن تصدقي في النية حتى ييسر الله لك أموركِ .

ولمزيد الفائدة انظري جواب السؤال القادم

ونسأل الله أن يعينك على طاعته ، وأن يوفقك ، ويسددك .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-17, 15:18
متزوج ، وله مواهب متعددة ، ويعاني من التخبط والفوضوية

السؤال

مشكلتي أنني لا أعرف ما هي مشكلتي بالضبط !!!! أنا شاب قاربت الثلاثين من العمر ، متزوج ولدي بنت واحدة - ولله الحمد – المشكلة هي أنني شخص فوضوي لأبعد حدٍّ ، متخبط جدّاً

والمشكلة أني - ولله الحمد - متعدد المواهب ، فأنا شاعر ، وقاص ، ومبدع في التأليف ، والإخراج المسرحي والتلفزيوني ، وبارع في مجال الأدب والشعر ، وفي مجال التاريخ

وكذلك الثقافة العامة ، وفهم الواقع ، سريع الحفظ ، قوي الذاكرة , ومع ذلك فقد كنت مهملاً جدّاً في دراستي ، مع العلم أني كنت أستطيع التفوق ولكن ! أعشق النوم والكسل

نادراً ما أنجز شيئاً ، أحيانا طموحاتي تتجاوز حدود الخيال ، فأنا أريد أن أكون كل شيء ، فعندما أجد كتاباً في التاريخ - مثلاً - : أجزم أني سأكون مؤرخاً كالطبري ، وعندما أشاهد عالِماً في التلفاز

- مثلا - ويعجبني : أقرر بعدها أن أكون طالب علم يشار إليه بالبنان ، وبعد فترة أطالع قصيدة فأقول : سأكون شاعر الأمة الكبير ، وهكذا تجدني في اليوم الواحد أقرر أن أكون أعظم رجل في العالم ، وأصل إلى كل شي

وأكون ، وأكون ، والعجيب أني أحياناً أرسم ، وأضع خططاً وبرامج وأنا مبدع في ذلك ، ولكنها حبر على ورق ، مع يقيني أني لو عملت ربع هذه الخطط لأصبحت أفضل بكثير مما أنا عليه الآن

والأغرب من كل هذا أني متميز في مجال التربية ، والشباب ، والمراكز الصيفية ، ولا يستطيع أحد أن يجاريني ، فالأسرة التي أكون أنا رئيسها في المركز : تكون الأولى في كل شيء

ولكني لم أستطع أن أربي نفسي . أغراضي وملابسي دائما في فوضى ، كل شي بعدي يكون فوضويّاً ، لا أعرف الترتيب ، ولا النظام ، أحس أن الأشخاص المنظمين أناس لا يستمتعون في حياتهم

أحسهم كـ " الربورتات " التي تؤدي مهامها فقط . أنا كثير الأحلام والخيال ، أما في الواقع : فلا شيء ، بصراحة وأنا الآن عاطل ، تركت الجامعة بعد سنوات طويلة ، فأنا متخرج من الثانوية قبل عشر سنوات تقريبا

دخلت الجامعة وتنقلت بين عدة أقسام فيها ... وفي مجال الأعمال الخيرية والتطوعية كنت الأبرز من بين الشباب ، وإذا استلمت عمل : أُبدع فيه ، ولكن سرعان ما أتركه حتى عُرف عني هذا الأمر ، وأصبحت لا أُكلف بشي

مع علمهم أنني أفضل من يقوم بأي أمر . عمري يقارب الثلاثين ، ولا يوجد لديَّ دخل ، مع أني متزوج ، ولم أتعظ ، ولكني متضايق جدّاً من حالتي المزرية ، وأنا جاد في البحث عن الحل . والله المستعان .

الجواب

الحمد لله

نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، ونسأله تعالى أن ييسر أمرك ، ويفرِّج كربك ، ورسالتك تحمل في طياتها شعوراً صادقاً للبحث عن حلٍّ لما تعيشه من اضطرابٍ في التفكير

وخلل في التصور للأهداف الحياتية ، ولذا فسنحاول جهدنا الوصول بك إلى برِّ الأمان ، ونرجو أن تتعاون معنا بتحقيق ما نقوله لك في واقع العمل ، بعد أن تقرأه في واقع النظر .

1. إذا كنتَ مضطرباً في تحديد الهدف لحياتك فترى نفسك متنقلاً من مهنة إلى أخرى ، ومن عملٍ لآخر ، ومن موهبة لأختها : فلا ينبغي لك أن تتجاهل الغاية التي من أجلها خُلقت

بل خلق الإنس والجن من أجلها ، وهي توحيد الله وعبادته

قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/ 56

ومعرفتك لغاية واحدة خُلقت لأجلها ، وسيرك في هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها هو أيضاً عامل مساعد قوي في حل مشكلتك

فإن نسيت أو غفلت أو ضيعتك هموم الدنيا فإياك أن تغفل عن غاية خلقك ، واعمل جاهداً لتحقيقها ، وسترى السعادة في الدنيا قبل الآخرة .

قال الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه - يقول : إن في الدنيا جنَّة مَن لم يدخلها : لا يدخل جنة الآخرة .
وقال لي مرة : ما يصنع أعدائي بي ؟

أنا جنَّتي وبستاني في صدري ، إن رحتُ فهي معي لا تفارقني ، إن حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة .

" الوابل الصيب " ( ص 67 ) .

ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن غيره في " مجموع الفتاوى " ( 10 / 647 ) قوله :

لقدْ كنت في حال أقول فيها : إن كان أهل الجنة في الجنة في مثل هذا الحال : إنهم لفي عيش طيب . انتهى

2. ونرى أن عندك جوانب إيجابية ينبغي لك استثمارها ، وجوانب سلبية ينبغي لك التخلص منها .

ومن الجوانب الإيجابية عندك :

أ. أنك متعدد المواهب ، فمثلك لا يجد صعوبة في الاستقرار على شيء ، والإبداع فيه .

ب. أنك سريع الحفظ ، وقوي الذاكرة ، وهاتان الميزتان لم تُذكرا إلا في تراجم قليلة من أهل العلم والأدب والإبداع ، فتستطيع أن تملأ صدرك بكتاب الله تعالى

وتستطيع أن تطلب العلم الشرعي فتكون من الحاملين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، والذابين عنه وعن دينه .

ج. أنك تملك طموحاً قويّاً ، وهذا يعني قوة الشخصية ، وقوة الإرادة .

د. تميزك في جانب الدعوة إلى الله ، وحفظ القرآن ، والقيام بالأعمال الخيرية ، وهذا يمكنك استثماره في تحقيق هدفك في الحياة ؛ لأن مثلك وقف على جوانب من الشرع من الآيات والأحاديث .

وأما الجوانب السلبية التي ينبغي لك التخلص منها فوراً ، ودون تردد :

أ. عشقك للنوم والكسل ، وهذا أمرٌ محزن أن يكون من مثلك ، فأنت مفعم بالحيوية والطاقة

وتملك مواهب متعددة ، وعندك طموح قوي ، وكل ذلك لا يتناسب مع الكسل والنوم ، وقد ذم الأطباء والعلماء والعقلاء كثرة النوم ، وجعلوها في سلسلة الأمراض التي تقتل الهمة والعمل وتمرض البدن .

قال الفضيل بن عياض - رحمه الله - : خصلتان تقسيان القلب : كثرة النوم ، وكثرة الأكل .

وقال ابن القيم - رحمه الله - :

وأما مفسدات القلب الخمسة : فهي التي أشار إليها : من كثرة الخلطة ، والتمني ، والتعلق بغير الله ، والشبع ، والمنام ، فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب .

" مدارج السالكين " ( 1 / 453 ) .

وشرح ما يتعلق بالنوم فقال - رحمه الله - :

المُفسد الخامس : كثرة النوم ؛ فإنه يميت القلب ، ويثقل البدن ، ويضيع الوقت ، ويورث كثرة الغفلة والكسل ، ومنه المكروه جدّاً ، ومنه الضار غير النافع للبدن ... .

وبالجملة : فأعدل النوم وأنفعه : نوم نصف الليل الأول ، وسدسه الأخير ، وهو مقدار ثمان ساعات ، وهذا أعدل النوم عند الأطباء ، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه .

" مدارج السالكين " ( 1 / 459 ) .

فانتبه لهذا الأمر ، والتزم بأنفع النوم وأعدله ، ودع عنك النوم الزائد عن الحاجة ، وانظر لما يسببه من آثار سيئة ، ولا ترضى لنفسك إلا بالكمال .

ب. يظهر لنا من رسالتك أنك تبحث عن المجد والشهرة ، ولا يهمك تحقيق ما تصبو إليه نفسك إلا من أجل أن تكون مميزاً ويشار إليك بالبنان – على حد تعبيرك - ، وهذا أمرٌ خطير

ويجب عليك التوقف عن هذه النية ، والتوقف عن السعي لتحقيق مجد وشهرة ؛ فإن هذا من كبائر الذنوب ، وهو مُحبط للأعمال ، وهو مسبب للقلق والكآبة حتى وإن تعلق بأمر غير شرعي

لأن سعيك لأن تكون شاعر الأمة ، أو عالِماً ، أو أعظم رجلٍ في الدنيا : لن يأتي من مواهب متعددة ، وطموح جامح ، مع كثرة نوم ، بل يحتاج لكد وتعب وجد واجتهاد ، وسترى نفسك مع واقعك أنك لن تصبح كذلك

فتصاب بالإحباط والكآبة ، وهذا هو الواقع ، وأنت قد أخطأت خطأ عظيماً ، وإياك أن تبحث عن مجد نفسك وشهرتها ؛ فإن ذلك سيكون على حساب الأجور والثواب إن كان في أعمالك طاعات

وسيكون على حساب صحتك وعقلك وبدنك ووقتك إن كان في أعمالك أمور دنيوية

فاحذر هذا المرض الخطير ، وليكن طلبك للعلم وحفظك للقرآن من أجل الأجور التي عند الله ، وليكن تنافسك مع غيرك داعياً لك للعمل والاجتهاد ، دون نية إزاحة غيرك والجلوس مكانه .

ج. التخبط في الاستقرار على عملٍ معيَّن ، وأنت قد حباك الله مواهب متعددة ، وتملك مواصفات مميزة ، وهذا التخبط سببه هو : عدم الاستقرار على شيء واحد من مواهبك وأعمالك

فالذي ننصحك به : أن تنظر أي الأشياء أقرب لقلبك من الأعمال التي تتقنها ، اخترها ودع غيرها ، واعمل في حقلها ، وأبدع في صناعتها وإنتاجها وقيامها ، على شرط أن تكون موافقة للشرع

فوضوح الهدف عندك لتحقيق عمل معيَّن سيجعلك تصرف النظر عن غيره ، واستقرارك على عملٍ واحد دون غيره : سيريح بالك

ويجعلك تبدع في تحقيقه ، ولك أن تتصور كم سيكون ذلك مساهماً في حل مشكلتك ، وكم سيفرح ذلك زوجتك الصابرة على أفعالك وكسلك ونومك !

د. الفوضوية في ملابسك وترتيب أغراضك : أمر مخالف للفطرة والعقل ، ولا يمكن لإنسان حباه الله تعالى عقلاً سليماً ويستمتع بالفوضى وعدم الترتيب

وهب أنك جئت مطعماً لتأكل فيه ، ووجدته فوضويّاً كما هو حالك : فهل ستستمتع بالأكل فيه ؟

وهب أنك جئت محلا للبقالة لتشتري غرضاً فلم تجد رفوفاً ولا ترتيباً للمواد

ولا تصنيفاً لها ، وسألت صاحب المحل عن شيء منها ، فقال لك : ابحث في كل أغراض المحل فستجده بينها ! فأي عاقل يمكن أن يقول إن هذه الفوضى خير من الترتيب والتنظيم والتصنيف للمواد ؟!

وقل مثل ذلك في شئون حياتك كلها ، فالاستمتاع –

أخي الفاضل – هو بوضع كل شيء في مكانه المناسب ، والاستمتاع بالنظافة ، والطهارة ، والترتيب ، وليس بعكس ذلك .

أخي الفاضل :

احرص على ما عندك من أمور إيجابية ، ونمِّها ، وقوِّها ، وتخلص مما عندك من سلبيات ، واعلم أنك مسئول عن نفسك ، وعن زوجتك

وابنتك ، فأي زوج تحب أن تكون ؟

وأي أبٍ تود أن تراه ابنتك ؟

الأمر يرجع إليك في الانطلاق نحو الكمال ، وأن تدع عنك الكسل ، وتنهض لتقوم بعملٍ واحد شرعي ، تبدع فيه ، وتحقق آمالك بالعمل المستقر ، والحياة الهانئة ، فتسعد ، وتسعد زوجتك ، وابنتك

ولا تنس الهدف الأسمى الذي خُلقت من أجله ، وهو توحيد الله وعبادته ، فأكثر من الأعمال الصالحة

واستثمر ذاكرتك وقوة حفظك في إتمام حفظ كتاب الله تعالى ، والالتزام بحلقات العلم ، واسأل ربك تعالى أن يوفقك ، وأن يهديك لما فيه صلاح ، وصلاح أسرتك .

ننصحك بأن تبحث عن عمل وظيفي تلتزم به ، يكون متناسبا مع أقرب مواهبك إلى نفسك ، وأولاها عندك بالعطاء والإبداع ، ولو أمكن أن تعرض شيئا من أعمالك على بعض المجلات الإسلامية

أو المواقع الإلكترونية الإسلامية ، فربما تجد فرصة للعمل والعطاء عندهم ، وربما يجدون هم ـ أيضا ـ عندك من الموهبة والعطاء ، ما يمكن أن ينفع الناس بما عندك من الخير

وتستثمر فيه النعمة التي رزقك الله ، شريطة أن تكون جادا في الالتزام ، عازما على إصلاح نفسك وتغييرها .

والله الموفق

*عبدالرحمن*
2019-08-17, 15:25
كيف أنوي العمل لله وكيف أحتسب الأجر فيه ؟

السؤال

كيف أنوي عمل العمل لله ، فأنا قبل أي عمل أقعد مع نفسي لحظات وأتخذ النيات المتعددة لله ، فمثلا عند قراءة القرآن أنوي نية الطاعة ، والعلم ، والعمل به ، والأجر ، والشفاء ، والشفاعة ، والتدبر ، وغيرها

فأقوم بتأمل تلك الأشياء من باب النية ، فهل هكذا اتخاذ النية . وبالنسبة للاحتساب ، فهل أنا ملزم عند كل عمل أن أحتسب الأجر عند الله عز وجل ، وعند كل فريضة ونافلة وأي عمل

وإذا نسيت ماذا علي فهل ذهب عملي سدى ، وكيف أحتسب الأجر عند الله ، وماذا علي لو لم أعرف أجر العمل الذي أقوم به ، فكيف أحتسبه ؟

وشكرا لكم كثيرا إخوتي في الله ، والله إني أحبكم كثيرا في الله .

الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث في " النيات " من أدق الأحاديث وأصعبها ؛ لارتباطها بخفايا النفوس وتعلقها بأفكار القلوب التي لا تنكشف إلا بالتفكر في مراحلها ودرجاتها

ولأن علم السلوك قائم عليها ، يدور في فلكها ، وهو من أدق العلوم وأرقاها ، ولا تتم سعادة العبد ولا نجاته يوم القيامة إلا بالتوفيق إلى النية الصالحة .

لذلك نجد في صفحات تراث سلفنا الصالحين ، وعلمائنا الأبرار المتقين الكثير من تجارب الخوض في هذه الأبواب ، والكثير من العلوم التي بنيت لفهم حقيقة النية وطريقة الإخلاص ومعالجة الإرادة .

وكان مما قالوه أن كل عمل لا بد - كي يقوم ويتم - أن تتحقق فيه أركان ثلاثة :

1- الداعية الباعثة على العمل ( العلم )

2- والإرادة التي هي الانبعاث نحو العمل ( القصد والنية )

3- والقدرة (العمل).

ولنمثل لذلك بمثال يتضح به المقال : إذا هجم على الإنسان سبع أو وحش مثلا ، فإن معرفته بضرر السبع وأذيته له هي الداعية الباعثة على الهرب للتخلص من ذلك الضرر

فتحقق الركن الأول ( الباعث )، ولذلك ستنبعث في قلبه إرادة الهرب وقصده ، فيتحقق الركن الثاني ( النية )، ثم تنتهض القدرة لتفعل فعل الهرب بسبب الإرادة ، فيتم الفعل بذلك .

فالفعل هنا هو الهرب ، والنية هي الفرار من السبع لا غير ، والباعث الذي هو المقصد المنوي الذي دعا إلى الفعل هو التخلص من ضرر السبع وأذاه .

ينظر: " إحياء علوم الدين " ، للغزالي (4/365) .

ثانيا :

من أراد أن ينوي النية الصالحة في عمله ، فلا بد أن يلتفت إلى الباعث الداعي الذي يزجره نحو ذلك العمل ، فيحرص على أن يكون باعثه أمرا صالحا مشروعا

مما يحبه الله ويرضاه ويثيب عليه ، فتنطلق النية والإرادة نحو ذلك العمل بسبب هذا الباعث الصالح

وبهذا تكون النية لله تعالى ، ثم عليه بعد ذلك أن يحافظ على هذا الداعي الأصلي الخالص لله تعالى ، فلا يتفلت منه أثناء عمله ، ولا يتقلب ، ولا ينصرف إلى غير الله ، ولا يداخله شرك آخر .

ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله :

" سفيان الثوريّ: "ما عالجت شيئاً عليّ أشد من نيّتي، إنها تتقلب عليّ " !!

فمن أراد أن يقوم بعمل " قراءة القرآن الكريم " مثلا ، ويكون عمله خالصا متقبلا عند الله تعالى ، فلا بد أن ينشأ الباعث في نفسه نشأة صحيحة شرعية ، كقصد عبادة الله تعالى

أو يعلم فضيلة ثواب قراءة القرآن الكريم فتتشوف النفس لتحصيله ، أو يعرف منفعة التدبر والتأمل في آيات الله تعالى

أو أن القرآن الكريم يأتي شفيعا لصاحبه يوم القيامة ، أو يستحضر أن القرآن كلام الله ، وهو من أحب ما يتقرب به إليه ، ونحو ذلك من البواعث الشرعية التي تلقي في النفس الرغبة نحو هذا الفعل .

فإذا رغبت النفس به ، وانطلقت الإرادة نحو تحقيقه لأجل تلك الأغراض : تحققت النية ، ثم إذا توفرت القدرة لتحقيق التلاوة : اكتمل العمل المشروع الخالص لوجه الله عز وجل .

ثم يبقى عليه بعد ذلك أن يحافظ على ما حصله من النية الخالصة ، والعمل الصالح ، فعدوه إبليس يتلصص عليه ، حريص على أن يخطف منه ما استطاع !!

ثالثا:

البواعث التي بتعث المرء على العمل الصالح قد تتعدد ، ولها درجات ومراتب ، وإذا كانت كلها صالحة تضاعف أجر العمل أضعافا كثيرة ، وكلما تعلقت بالدرجات العلى من اليقين والإيمان كان العمل أعظم عند الله عز وجل .

يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :

" أما الأصل فهو أن ينوى بها عبادة الله تعالى لا غير ، فإن نوى الرياء صارت معصية ، وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة ، فإن الطاعة الواحدة يمكن أن ينوي بها خيرات كثيرة ، فيكون له بكل نية ثواب

إذ كل واحدة منها حسنة ، ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها كما ورد به الخبر .

ومثاله : القعود فى المسجد ، فإنه طاعة ، ويمكن أن ينوى فيه نيات كثيرة حتى يصير من فضائل أعمال المتقين ، ويبلغ به درجات المقربين :

أولها : أن يعتقد أنه بيت الله ، وأن داخله زائر الله ، فيقصد به زيارة مولاه رجاء لما وعده به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وثانيها : أن ينتظر الصلاة بعد الصلاة ، فيكون في جملة انتظاره في الصلاة .

وثالثها : كف السمع والبصر والأعضاء عن الحركات والترددات ، فإن الاعتكاف كف وهو في معنى الصوم .

ورابعها : عكوف الهم على الله ، ولزوم السر للفكر في الآخرة ، ودفع الشواغل الصارفة عنه بالاعتزال إلى المسجد
.
وخامسها : التجرد لذكر الله ، أو لاستماع ذكره وللتذكر به .

وسادسها : أن يقصد إفادة العلم بأمر بمعروف ونهي عن منكر ، إذ المسجد لا يخلو عمن يسيء في صلاته ، أو يتعاطى ما لا يحل له

فيأمره بالمعروف ويرشده إلى الدين ، فيكون شريكا معه في خيره الذي يعلم منه ، فتتضاعف خيراته .

وسابعها : أن يستفيد أخا في الله ، فإن ذلك غنيمة وذخيرة للدار الآخرة ، والمسجد معشش أهل الدين المحبين لله وفي الله .

وثامنها : أن يترك الذنوب حياء من الله تعالى ، وحياء من أن يتعاطى في بيت الله ما يقتضي هتك الحرمة .

فهذا طريق تكثير النيات ، وقس به سائر الطاعات والمباحات ، إذ ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة

وإنما تحضر في قلب العبد المؤمن بقدر جده في طلب الخير وتشمره له ، وتفكر فيه ، فبهذا تزكوا الأعمال وتتضاعف الحسنات "

انتهى باختصار من " إحياء علوم الدين " (4/370-371)

رابعاً:

وأما الاحتساب فهو مرادف الإخلاص لوجه الله تعالى ، لا فرق بينهما ، فمن نوى بعمله نية صالحة فقد احتسبه عند الله تعالى ، ولا يحتاج إلى مزيد استحضار قلبي لفكرة أخرى .

يقول الإمام النووي رحمه الله :

" معنى : ( احتسابا ) : أن يريد الله تعالى وحده ، لا يقصد رؤية الناس ، ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص "

انتهى من " شرح مسلم " (6/39)

ويقول ابن بطال رحمه الله :

" وقوله : ( احتسابًا ) يعنى : يفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى "

انتهى من " شرح صحيح البخاري " (4/146)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الأجر الموعود به إنما يحصل لمن صنع ذلك احتسابا : أي : خالصا "

انتهى من " فتح الباري " (1/110)

وينصح بمراجعة كتاب "مقاصد المكلفين" لفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر، حفظه الله ، فهو كتاب نافع مفيد في بابه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-17, 15:28
هل تؤجر المرأة على عملها في البيت ولو لم تنو الاحتساب؟

السؤال

هل إذا عملت المرأة في بيتها دون احتساب نية أجر العمل عند الله تؤجر على عملها أم لا يحسب لها ؟.

الجواب

الحمد لله

عمل المرأة في بيتها عمل عظيم تساهم به في نشر المودة والرحمة في بيتها ، ولها اليد الطولى في المساهمة في تربية أولادها ، وهي مُعينة لزوجها على عمله وعلى دعوته وطلبه للعلم .

وهذا العمل – شأنه في ذلك شأن سائر الأعمال – لا تثاب عليها المرأة إلا إذا أخلصت فيه النية لله تعالى .

وهذه بعض النصوص المؤيدة لهذا مع نقل طائفة من أقوال أهل العلم :

1. ذكر البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان باباً عدَّد فيه واجبات شرعية ، وذكر فيه احتساب الأجر على فعله .

قال البخاري رحمه الله :

بَاب مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

فَدَخَلَ فِيهِ الإِيمَانُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالصَّوْمُ وَالأَحْكَامُ

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) عَلَى نِيَّتِهِ ، نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةٌ

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ) .

"صحيح البخاري" (1/29) "كتاب الإيمان" .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

قوله : " باب ما جاء " أي : باب بيان ما ورد دالاًّ على أن الأعمال الشرعية معتبرة بالنية والحسبة .

"فتح الباري" (1/135، 136) .

2. عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال :

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة ) . رواه البخاري (55) ومسلم (1002) .

فنفقة الرجل على زوجته وأولاده واجب شرعي ، ولا يثاب عليها إلا إن قصد الاحتساب .

قال القرطبي :

أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أو مباحة , وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر , لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة .

"فتح الباري" (1/136) .

وقال ابن حجر :

ويستفاد منه أن الأجر لا يحصل بالعمل إلا مقرونا بالنية . . .

وقال الطبري ما ملخصه : الإنفاق على الأهل واجب , والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده , ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة , بل هي أفضل من صدقة التطوع .

"فتح الباري" (9/498) .

وقال النووي رحمه الله :

(يحتسبها) معناه : أراد بها وجه الله تعالى ، فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلا ( أي غفل عن النية ، ولم ينو الاحتساب ) , ولكن يدخل المحتسب .

وطريقه في الاحتساب : أن ينفق بنية أداء ما أمر به من النفقة والإحسان .

"شرح مسلم" (7/88، 89) باختصار وتصرف .

3. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرتَ عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك )

رواه البخاري (56) ومسلم (1628) .

قال ابن الحاج المالكي رحمه الله :

وينبغي له أن لا يخلي نفسه من أن يلقم زوجته اللقمة واللقمتين

لقوله عليه الصلاة والسلام : ( حتى اللقمة يضعها في فم امرأته ) فقد حصل له الثواب مع أن وضع اللقمة في فم امرأته له فيها استمتاع ، وينبغي له أن يحتسب في ذلك كله أعني : إحضار الطعام والإطعام .

"المدخل" (1/224) باختصار .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

( وإنك لن تنفق نفق تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها ) علق حصول الأجر بذلك ( أي بابتغاء وجه الله ) وهو المعتبر .

"فتح الباري" (5/367) .

والخلاصة :

أن عمل المرأة في بيتها تثاب عليه إذا احتسبت ثواب ذلك عند الله تعالى ، وأخلصت النية .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-17, 15:33
كيف ينوي المسلم حياته كلها لله

السؤال

لدي صعوبة في فهم قضية ، أننا يجب أن نعمل كل شيء لله ، وله وحده فقط ، مثلا إذا أردت أن أقلل من وزني أو أي شيء آخر ، فإذا فعلته لكي أبدو أحسن ، هل هذه نية خاطئة ؟

وإذا كانت خاطئة ، فما هي النية الصحيحة التي أنوي بها إذا أردت عمل شيء كهذا ؟ عندما يقول الناس ينبغي أن تتزوج لله فقط ، وتعمل أي عمل آخر فلله فقط ، فما معنى ذلك عملياً ؟

الجواب

الحمد لله

المسلم هو المستسلم لله سبحانه وتعالى ، المنقاد لشرعه وأمره ونهيه ، الذي يعبد الله عز وجل لأنه ربه وخالقه

المستحق للعبادة ، آمن بعظمة الله وقيوميته ووحدانيته ، فملك عليه قلبه ونفسه ، وجعل حبه لربه مقصد معاشه ومعاده ، ورجا أن يتقبله في عباده الصالحين .

قال تعالى : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) الأنعام/161-163.

فمن استشعر هذه المعاني سعى في استحضار نية التقرب لله عز وجل في جميع شؤون حياته ، فإذا نام احتسب نومه لله عز وجل كي يستعين براحة جسمه على العبادة حين يستيقظ

وإذا أكل أو شرب قصد بذلك التقوي للقيام بحقوق الله ، وإذا تزوج أراد إعفاف نفسه والاشتغال بالحلال عن الحرام ، وإذا طلب الذرية قصد الذرية الصالحة التي تعمر الأرض بمنهج الله ، إذا تكلم فبالخير

وإذا سكت فإمساكاً عن الشر ، يرجو بنفقته على نفسه وأهله الأجر والثواب أيضاً ، وإذا تعلم وقرأ ودرس احتسب ذلك أيضاً... ، وهكذا تكون مقاصده في أعماله كلها .

قال ابن تيمية رحمه الله :

" ينبغي ألا يفعل من المباحات إلا ما يستعين به على الطاعة ، ويقصد الاستعانة بها على الطاعة " انتهى .

"مجموع الفتاوى" (10/460-461) .

هذا هو باختصار بيان كيف يمكن أن ينوي المسلم حياته وأعماله كلها لله ، ويمكن أن نُجمِلَ ذلك بأمرين اثنين :

1- أن يلتزم في أعماله الشريعة ، فلا يترك واجباً ، ولا يقع في محذور .

2- أن يلحظ في قلبه كيف يمكن أن يوصله هذا العمل – ولو كان في أصله دنيوياً – إلى الأجر والثواب والقربة من الله تعالى .

ويمكن تطبيق ذلك على سؤالك خاصة عن تقليل الوزن ، فمن أراد باجتهاده لتقليل وزنه المحافظة على صحته ليقوم بواجباته وحقوق الله عليه أكمل قيام ، أو أراد بذلك التجمل لزوجته لتحقيق السعادة والمودة بينهما

أو أراد بذلك التجمل للخلق ليكون أكثر قبولاً بينهم فيحسن التواصل معهم ، فهذا القصد قصد حسن مأجور عليه إن شاء الله تعالى .

كما أن هذا الفعل المباح إذا أراد به صاحبه التشبه ببعض الكفار ، أو التجمل لفتنة الفتيات ، ونحو ذلك من المقاصد الشيطانية فهذا يستحق الإثم والعقوبة .

وهكذا سائر الأمور المباحة ، لا يؤجر عليها صاحبها إلا إذا احتسبها لتحقيق مقصد من مقاصد الخير والفضل والأجر .
قال ابن الحاج رحمه الله : " المباح ينتقل بالنية إلى الندب " انتهى .

"المدخل" (1/21) .

وذكر ابن القيم أن خواص المقربين

هم الذين انقلبت المباحات في حقهم إلى طاعات وقربات بالنية ، فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين ، بل أعمالهم راجحة " انتهى .

"مدارج السالكين" (1/107) .

وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك ) رواه البخاري (56) ، ومسلم (1628) .

قال الإمام النووي - رحمه الله - معلقاً على الحديث :

" وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة ويثاب عليه ، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك )

لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة

وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح ، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة

ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك ، فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى .

ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه

وذلك كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى ، والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطاً

والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام ، وليقضي حقها ، وليحصل ولداً صالحاً ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( وفي بُضعِ أحدِكم صدقة) والله أعلم " انتهى .

"شرح مسلم" (11/77) .

وقال السيوطي رحمه الله :

" ومن أحسن ما استدلوا به على أن العبد ينال أجرًا بالنية الصالحة في المباحات والعادات قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولكل امرئ ما نوى ) ، فهذه يثاب فاعلها إذا قصد بها التقرب إلى الله ، فإن لم يقصد ذلك فلا ثواب له " انتهى .

"شرح السيوطي على النسائي" (1/19) .

والنقول عن أهل العلم في هذا الشأن كثيرة .

لكن ينبغي أن تعلم ـ أخانا السائل ـ أن ما ذكرناه لك من نية التقرب إلى الله تعالى بما تعمله من المباحات : ليس هو على وجه الوجوب والإلزام ؛ فإنه لو كان واجباً لازماً : لم يكن مباحاً

وإنما كان واجباً ، يأثم الإنسان بتركه .

وأما من لم يقصد شيئاً إلا تحقيق رغبته النفسية ، أو قضاء شهوته ، أو حاجته ، أو التمتع بالمباح : فهذا لا حرج عليه فيما فعل

ما دام قد علم أن هذا الأمر مما رخص فيه الشرع وأذن فيه ؛ لكن ليس له أجر بمجرد ذلك الفعل ، كما أنه لا إثم عليه بمجرد فعله .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

بـــيِسَة
2019-08-18, 11:30
بآركـ الله فيكـ

ننتظر منكـ المزيد

*عبدالرحمن*
2019-08-18, 14:38
بآركـ الله فيكـ

ننتظر منكـ المزيد

الحمد لله الذي بقدرته تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2019-08-20, 16:03
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


نتائج اقتران الايمان بالاستقامة ؟

السؤال

ما هي نتائج اقتران الإيمان بالاستقامة ؟

الجواب

الحمد لله

قال الله عز وجل : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى :

" هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ صَالِحًا وَهُوَ الْعَمَلُ المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنْ بَنِي آدَمَ وَقَلْبُهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، بِأَنْ يُحْيِيَهُ اللَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً فِي الدُّنْيَا

وَأَنْ يَجْزِيَهُ بِأَحْسَنِ مَا عَمِلَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ . وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَشْمَلُ وُجُوهَ الرَّاحَةِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِالرِّزْقِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَسَّرَهَا بِالْقَنَاعَةِ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس : أنها هي السَّعَادَةُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ : هِيَ الرِّزْقُ الْحَلَالُ وَالْعِبَادَةُ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَيْضً ا: هِيَ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ وَالِانْشِرَاحُ بِهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ تَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ "

انتهى من تفسير ابن كثير (4/ 516).

وقال تعالى : ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ )غافر/ 40

وقال تعالى : ( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) الإسراء/ 19

وقال جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ) طه/ 112 .

فدلت هذه الآيات الكريمة على أن العبد إذا آمن بالله تعالى ، وأخلص العمل لربه ، فلم يشرك بعبادته أحدا ، واستقام على شرع الله ، ولم يخرج عن ذلك : أن له سعادة الدارين ، وفلاح الأولى والآخرة

ومن أعظم ما يناله من نعيم الدنيا : أن يرزقه طمأنينة النفس وانشراح الصدر ، وصلاح البال ، والإقبال على طاعة الله بإيمان وإيقان ، بلا تشويش

بل يمن عليه بصلاح قلبه ، وصلاح قوله ، وصلاح عمله ، ويكفيه الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .

فإذا مات على ذلك : أنجاه من فتنة القبر ، فإذا بعثه هوَّن عليه الحساب ، ووفَّى له أجره مضاعفا ، وبدل سيئاته حسنات ، ثم يدخله الجنة برحمته

فيسعد فيها فلا يشقى أبدا ، ويحيا فيها فلا يموت أبدا ، ويجد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ *

نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) فصلت/30-32 .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-20, 16:10
هل قولنا للعاصي المستتر بمعصيته " استح من الله كما تستحيي من الناس " خطأ ؟

السؤال

لقد أعجبتني إجابة السؤال رقم ( 101539 ) لقد عرضتموه بشكل جميل ، وأكثر ما أعجبني هذه العبارات التي تلامس شغاف القلب "

الأمر الأول : هو أن نسألك : هل تستطيع فعل العادة السيئة أمام أهلك وإخوانك ؟

هل تستطيع فعلها أمام أصدقائك وجيرانك ؟ وهل تستطيع فعلها أمام أحدٍ من العلماء أو الصحابة ؟

نجزم عنك بأن الجواب : لا ، لا أستطيع ، ولو بلغت الشهوة مني مبلغها ، أليس كذلك ؟

حسناً ، هل تعلم أنك تفعلها أمام رب السموات والأرض ؟!

هل تعلم أن خالق الكون يراك وأنت تفعلها ؟!

هل تعلم أنك تفعلها والملائكة الكرام الكتبة يرونك ؟!

فكيف لم تفكِّر في ذلك ؟ كيف جعلت الله تعالى أهون الناظرين إليك ؟

" . أخي العزيز أرجو تصحيحي إن كنت مخطئاً ، فعلى الرغم من جمال هذه العبارات ، لكن ألا ترون أنكم قرنتم فيها تعظيم الخلق بتعظيم الخالق

حين جعلتم احترام الناس عند التخفي من هذه المعصية كاحترام الله تعالى والتخفي منه ؟ فليس كل ما يتخفى الشخص عن فعله أمام الملأ ، يتحرج من فعله أمام الخالق

فجماع الرجل لامرأته مثلاً أمر يستحيي الناس من فعله علناً ، أو حتى الحديث عنه ، لكنه قُربة وأجر عند الله . إنني لا أحاول تصيد الأخطاء وإنما حاولت فقط تصحيح ما بدا لي أنه من قبيل الخطأ

لا شك أنكم تتفقون معي أن مقدار ما نظهره من احترام وتعظيم لله تعالى يفوق بكثير ما نظهره للناس

وبالتالي فلا داعي للتمثيل والمقارنة بين هذا الاحترام وهذا ؛ فإنه سبحانه ليس كمثله شيء . سامحوني إن كنت قد أخطأت في الفهم ، راجياً منكم التوضيح والتبيين .

الجواب

الحمد لله

نشكر لك حرصك على الفائدة ، ونثني على دقة فهمك لما نجيب به ، ومع تقديرنا لنقدك الكريم للجواب السابق ، فلا يظهر لنا صوابه

فهناك فرق بين ما ذكرته من حال الرجل مع أهله ، وما أردناه في الجواب من تذكير المرء باطلاع ربِّه تعالى عموماً أو عند الطاعة أو عند المعصية ،

فمن حقَّق منزلة المراقبة أورثه ذلك إتقاناً للطاعة وابتعاداً عن المعصية لما تحققه تلك المنزلة في قلبه من التعظيم والخوف لربِّه عز وجل

وفي حديث جبريل المروي في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم عن " الإحسان "

: ( أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) فإذا استشعر المسلم المتعبد لربه تعالى مراقبة الله تعالى له وهو يتعبده كان ذلك أدعى لإتقان العبادة والإخلاص فيها .

ومثله يقال في جانب المعصية السريَّة وأن النفس تأبى فعلها بحضور الناس فيحرص العاصي على الاستتار عن الناس وفعلها بعيداً عن أعينهم ومراقبتهم

إما في الظلام أو في غرفة وحده يُغلق عليه أبوابها ويرخي ستورها ، وهذا الذي يحتاج للتذكير بمراقبة الله تعالى له وأنه كما حرص على عدم رؤية الناس له وهو يرتكب المنكر

فالله تعالى أولى أن يستحيي منه وفي مثله أوصى بعض السلف بقوله " لا تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك " ، وفي مثله قال أبو محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني في " نونيته " :

وإذا خلوتَ بريبة في ظلمة
*** والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحيِ من نظر الإله وقل لها
*** إن الذي خلق الظلام يراني

ولسنا نريد في إجابتنا إلا هذا ، وإلا فنحن نعلم أن كثيرين يرتكبون معاصي وآثام لا نذكرهم بمثل الأمر كالذي يشرب الدخان علناً ، ويحلق لحيته

بخلاف من يفطر في رمضان سرّاً ، أو من ينظر إلى المحرمات في بيته على حاسوبه أو جواله ، فما ذكرناه من التذكير بمنزلة مراقبة الله تعالى لم نرد به إلا هذا ولم نرد به من يفعل المنكر مجاهرة به

ولم نرد به من يجب عليه الاستتار عن الناس إذا فعله كمن يقضي حاجته ، وكم من يجامع أهله فإن الحرام في هذا هو فعل هذا أمام الناس .

ويدخل في هذا الباب " العادة السرية " فهي من المعاصي التي يحرص العاصي على فعلها سرّاً وهو في هذا يقدِّم الخوف والحياء من الناس على الخوف والحياء من الله تعالى ، ويَحسن بنا

– والحالة هذه – تذكيره بالحياء من الله واطلاع الله تعالى عليه ؛ لتركها حياءً من الله أو تخويفاً منه عز وجل .

بل إن صاحب هذه المعاصي وأمثالها ، يكره جدا أن يعلم كرام الناس عنه ذلك ، ويستحي من معرفتهم بذلك عنه ، حتى ولو لم يروه مباشرة ؛ وأما شأن الرجل مع امرأته فيختلف عن ذلك

فمن ذا الذي لا يعرف أن بين الرجل وامرأته ما بينهما ، وأنه يفضي إليها ، وتفضي إليه ؛ وإن كان لا يتكلم بذلك ، ولا يذكره ، لكنه يعلم أن هذا شأنه وشأن الناس جميعا ، وهكذا الناس كلهم يعلمون .

وقد جاءت الشريعة بمثل هذا الذي قلناه في جوابنا الأول ونوضحه هاهنا ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن كشف العورة خالياً قال ( اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ ) رواه الترمذي ( 2794 )

وأبو داود ( 4017 ) ، وابن ماجه ( 1920 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " ، وهذا تذكير للمسلم أن رؤية الله تعالى له أحق أن يكون لها وقع على قلبه وفي حياته

فلا يفعل المنكر والمعصية خالياً كما لا يفعله أمام الناس

فصارت النصيحة في هذا لا تصلح إلا لمن فعل معصية في الخفاء والسر بعيداً عن نظر الناس حياء منهم ، فيقال له هنا ما قاله صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ ) .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -

: " أحيانا إذا رآك الذي يشرب الدخان عرف أنه وقع في منكر واحترمك وأخفاه ، هل نقول : هذا يكفي عن نصيحتك إياه ؟ ربما نقول : يكفي ؛ لأن الرجل عرف أنك تنكر هذا الشيء

ولهذا استحيا منك وأخفاه ، وقد يقال : إنه الآن حانت الفرصة إلى أن توجهه وتقول : يا أخي ! إذا كنت الآن تستحيي مني ، فحياؤك من الله أولى ، الله أحق أن يستحيا منه ، ويكون هذا فرصة لك لتدعوه "

انتهى من " لقاء الباب المفتوح " ( 176 / جواب السؤال رقم 20 ) .

وفي الباب أيضاً حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نرجو التأمل فيهما وفي كلام العلماء في شرحهما ليتبين لك صحة ما ذكرناه في جوابنا الأول .

1. عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوْصِنِي ، قَالَ : ( أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ ) .

رواه الإمام أحمد في " الزهد " ( 46 ) والبيهقي في " شعب الأيمان " ( 6 / 145 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 7738 ) وصححه الألباني في " الصحيحة " ( 741 ) .

قال المناوي - رحمه الله -

: " ( أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك )

قال ابن جرير :

هذا أبلغ موعظة وأبْين دلالة بأوجز إيجاز وأوضح بيان ؛ إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح وذوي الهيئات والفضل ، أن يراه وهو فاعله ، والله مطلع على جميع أفعال خلقه

فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه : تجنَّب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة ، فيا لها مِن وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها "

انتهى من " فيض القدير " ( 3 / 74 ) .

2. وعن أبي أمامة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفْشِ السَّلامَ وابْذُلِ الطَّعامَ واسْتَحْيي مِنَ الله تعالى كما تَسْتَحِيي رَجُلاً مِنْ رَهْطِكَ ذا هَيْئَةٍ ) .

رواه الطبرانى في " المعجم الكبير " ( 8 / 228 ، رقم 7897 ) .

ورواه البزار في " مسنده " ( 7 / 89 ، رقم 2642) بلفظ (واسْتَحْيي مِنَ الله تعالى كما تَسْتَحِيي رَجُلاً مِنْ رَهْطِكَ ذا هَيْئَةٍ ) .
الحديثان فيهما كلام لكن يحسِّن أحدهما الآخر ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 3559 ) .

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله –

بعد أن ذكر حديث معاذ - : " وهذا هو السبب الموجب لخشية الله في السر ؛ فإنَّ مَن علم أن الله يراه حيث كان ، وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته

واستحضر ذلك في خلواته : أوجب له ذلك ترك المعاصي في السرّ ، وإلى هذا المعنى الإشارة في القرآن بقوله تعالى ( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) النساء/ 1.

والمقصود : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصَّى معاذاً بتقوى الله سرّاً وعلانية أرشده إلى ما يعينه على ذلك ، وهو أن يستحيي من الله كما يستحيي من رجل ذي هيبة من قومه

ومعنى ذلك : أن يستشعر دائما بقلبه قرب الله منه ، واطلاعه عليه ، فيستحيى من نظره إليه ، وقد امتثل معاذ ما وصَّاه به النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان عمر قد بعثه على عمل فقدم وليس معه شيء

فعاتبته امرأته فقال : " كان معي ضاغط " يعني : من يضيق عليَّ ويمنعني من أخذ شيء وإنما أراد معاذ ربَّه عز وجل ، فظنَّت امرأته أن عمر بعث معه رقيباً فقامت تشكوه إلى الناس

ومن صار له هذا المقام حالاً دائماً أو غالباً ، فهو من المحسنين الذين يعبدون الله كأنهم يرونه ، ومن المحسنين الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم "

انتهى من " جامع العلوم والحِكَم " ( ص 161 - 163 ) .

وانظر جواب سؤال سابق بعنوان

الحياء من الله تعالى ، صُوَره ، وأنواعه ، وآثاره

فهو مهم ، وفي الباب نفسه .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-20, 16:16
كلمة موجزة في فضل العفو عن الناس والصبر على أذاهم ظاهرا وباطنا

السؤال

ما النصيحة التي يمكن توجيهها لشخص ما بضرورة العفو عن الناس والصبر على أذاهم ، ليس فقط مجرد العفو الظاهري بل العفو الباطن ، أي العفو الصادق الصادر من القلب الذي لا يشوبه حقد وغلٍ على أحد .

الجواب

الحمد لله

المسلم أخو المسلم ، يحب له من الخير ما يحب لنفسه ، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه .

ولا شك أنه ما من أحد منا إلا وله زلات وسقطات وعليه مظالم وحقوق للناس ، وهو يحب أن يتجاوز الناس عنه في مظالمهم ويسامحوه ؛ حتى لا يطالبوه بها يوم القيامة ، وهو أحوج ما يكون إلى حسناته .

وقد رغب الله تعالى في كتابه في العفو عن الناس والصبر على أذاهم ، فقال :

( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران/ 134 .

وقال تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) النساء/ 149.

وقال سبحانه : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/ 126 .

وقال سبحانه : ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الشورى/ 43 .

وقال سبحانه: ( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التغابن/ 14 .

وفي السنة من ذلك شيء كثير ؛ فروى مسلم (4689) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ) .

وروى أحمد (21643) عن عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ رَجُلٍ يُجْرَحُ فِي جَسَدِهِ جِرَاحَةً فَيَتَصَدَّقُ بِهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ ) صححه الألباني في "الصحيحة" (2273) .

وروى أحمد (1584) عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ قال : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ثَلَاثٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنْ كُنْتُ لَحَالِفًا عَلَيْهِنَّ : لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا

وَلَا يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا ، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ ) صححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2462) .

وروى أحمد (6255) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : ( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ اللَّهُ لَكُمْ ) .

وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2465) .

ولما خاض مِسطح بن أثاثة فيما خاض فيه من حادثة الإفك ، وأنزل الله براءة عائشة رضي الله عنها ، وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق على مسطح لقرابته وفقره

قال أبو بكر رضي الله عنه :

" وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ

مَا قَالَ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/ 22

قَالَ أَبُو بَكْرٍ : بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي . فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا " .

الحديث رواه البخاري (4381) ومسلم (4974) .

ولا شك أن مثل هذا الخلق الكريم لا يخص الله به إلا الأصفياء النجباء من خلقه

فعلى المسلم أن تكون له القدوة في الصالحين ، وأي شيء هو أشد على النفس من قريب فقير تنفق عليه وتحسن إليه وهو يتكلم في عرضك بما يشينه ؟!

ومع ذلك فقد رد أبو بكر على مسطح رضي الله عنهما النفقة وحلف لا يقطعها عنه أبدا ، ولا يكون ذلك إلا بصفاء القلب ومحبته للإحسان والعفو والمسامحة ، وإلا لما حلف لا يقطعها عنه أبدا .

ومِن أحسن ما يستعين به المسلم على نفسه فيما يصيبه ، مما يصيبه من أذى الناس وإساءتهم ، أن يتذكر تفريطه في جنب الله تعالى

وحبه لعفو الله عنه ، وستره عليه ؛ وهكذا رغب الله تعالى أبا بكر الصديق في العفو عن مسطح بذلك : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )

يعني : عامل الناس من العفو والصفح ، بما تحب أن يعاملك به من ذلك ؛ والجزاء من جنس العمل .

ولهذا وعد الله تعالى من ينزل نفسه ذلك المقام العالي بأن يكون أجره على الله

قال تعالى : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) الشورى/ 40 .

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو ، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به ، فكما يحب أن يعفو الله عنه ، فَلْيَعْفُ عنهم ، وكما يحب أن يسامحه الله ، فليسامحهم ، فإن الجزاء من جنس العمل "

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 760) .

ومن أعظم ما يعين المسلم على سلامة صدره ، أن يحرص على بذل النصيحة للمسلمين عامة ، وأن يبذلها لله ، لأجل علمه برضا الله بذلك ، وحبه له .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )

رواه أحمد (12937) والترمذي (2658) وصححه الألباني .

قال الملا علي القاري رحمه الله :

" (ثَلَاثٌ) أَيْ: ثَلَاثُ خِصَالٍ (لَا يَغِلُّ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَبِكَسْرِ الْغَيْنِ، فَالْأَوَّلُ مِنَ الْغِلِّ الْحِقْدِ، وَالثَّانِي مِنَ الْإِغْلَالِ الْخِيَانَةِ (عَلَيْهِنَّ) أَيْ: عَلَى تِلْكَ الْخِصَالِ (قَلْبُ مُسْلِمٍ)

أَيْ كَامِلٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخُونُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَا يَدْخُلُهُ ضِغْنٌ يُزِيلُهُ عَنِ الْحَقِّ حِينَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَالَهُ التُّورِبِشْتِيُّ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ:

إِنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ يُسْتَصْلَحُ بِهَا الْقُلُوبُ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا طَهُرَ قَلْبُهُ مِنَ الْغِلِّ وَالْفَسَادِ، وَ " عَلَيْهِنَّ " فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ: لَا يَغِلُّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ كَائِنًا عَلَيْهِنَّ، وَإِنَّمَا انْتَصَبَ عَنِ النَّكِرَةِ لِتُقَدُّمِهِ "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (1/306) .

وفي قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سُئلَ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ . قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟

قَالَ : ( هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ ) رواه ابن ماجة (4206) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" . في ذلك ما يحرض على سلامة الصدر وذهاب وغره .

فما أحسن حال المؤمن في خاصة نفسه والناس من حوله : يدعوهم ، ويصبر على أذاهم ، ويعفو عنهم ، ويبيت وقلبه لا غل فيه ولا حقد لأحد

وإذا كان جزاء الصبر وحده أن يوفى الصابر أجره يوم القيامة بغير حساب ، قال الأوزاعي : " ليس يوزن لهم ولا يكال ، إنما يغرف لهم غرفا " .

انظر" تفسير ابن كثير" (7 /89)

فكيف بمن صبر وغفر وسامح ثم رجع إلى قلبه فهذبه بتهذيب الإيمان وصفاه من كدره حتى خلصه من شوائبه ؟!

نسأل الله تعالى أن يحسن أخلاقنا ، وأن يجلعنا من أهل ذلك الخلق الكريم .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-23, 16:15
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


ما هو معنى الغيرة ؟

وكيف يمكن أن تؤثر في حياتنا ؟

السؤال

في الصحيح عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أحد أغير من الله

ومن غيرته : حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وما أحد أحب إليه المدح من الله ، ومن أجل ذلك أثنى على نفسه ، وما أحد أحب إليه العذر من الله ، من أجل ذلك : أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ) .

هل يمكنكم أن تبينوا لي ما هو معنى الغيرة ، وكيف تؤثر في حياتنا ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (4634) ومسلم (2760) عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ) .

وليس الحديث في أي من الصحيحين عن أبي الأحوص ، وإنما هو عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله ، وهو ابن مسعود رضي الله عنه .

ورواه البخاري (7416) ومسلم (1499) – واللفظ له - عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : " قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ . فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :

( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ

وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ ) .

ثانيا :

صفة الغيرة ثابتة لله تعالى بصحيح السنة ، على ما هو معروف في لغة العرب ، لكن على وجه يليق به سبحانه ، لا يماثل فيه المخلوقين ، ولا يعلم كنهها وكيفيتها إلا هو سبحانه ، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .

انظر جواب السؤال القادم

ثالثا :

الغيرة التي تليق بالمخلوقين خلق نجيب جبل عليه الإنسان السوي الذي كرمه ربه وفضله ، وهي في موطنها والاعتدال فيها بالنسبة للرجال والنساء من الخصال المحمودة .

قال ابن حزم رحمه الله :

" الغيرة خلق فاضل متركب من النجدة والعدل ؛ لأن من عدل كره أن يتعدى إلى حرمة غيره ، وأن يتعدى غيره إلى حرمته ، ومن كانت النجدة طبعا له حدثت فيه عزة ، ومن العزة تحدث الأنفة من الاهتضام "

انتهى من "مداواة النفوس" (ص 55) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" وغيرة العبد على محبوبه نوعان : غيرة ممدوحة يحبها الله , وغيرة مذمومة يكرهها الله ، فالتي يحبها الله : أن يغار عند قيام الرِّيبة , والتي يكرهها : أن يغار من غيْرِ رِيبة ، بل من مجرد سوء الظن

وهذه الغيْرة تفسد المحبة ، وتوقع العداوة بين المحب ومحبوبه "

انتهى من "روضة المحبين" (ص 296) .

رابعا :

يمكننا التعرف على تأثير الغيرة في حياتنا بما يلي :

1- ما كان منها على وجه الاعتدال فهو المحمود المرضي ، وما كان منها على وجه الإفراط فهو المذموم ، ولا تستقيم الحياة إلا بالنوع الأول .

2- الغيرة على محارم الله من خصال أهل الإيمان .

جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (26/79) :

" المؤمن يدعوه إيمانه إلى الغيرة على محارم الله " .

3- الذنوب والمعاصي تضعف الغيرة المحمودة ، وقد تذهب بها بالكلية .

قال ابن القيم :

" كُلَّمَا اشْتَدَّتْ مُلَابَسَتُهُ لِلذُّنُوبِ أَخْرَجَتْ مِنْ قَلْبِهِ الْغَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَعُمُومِ النَّاسِ، وَقَدْ تَضْعُفُ فِي الْقَلْبِ جِدًّا حَتَّى لَا يَسْتَقْبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَبِيحَ لَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِذَا وَصَلَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَقَدْ دَخَلَ فِي بَابِ الْهَلَاكِ "

انتهى من "الجواب الكافي" (ص: 67) .

3- قيام دين العبد على الغيرة التي تحمي القلب وتدفع السوء
.
قال ابن القيم رحمه الله :

" ... وَلِهَذَا كَانَ الدَّيُّوثُ أَخْبَثَ خَلْقِ اللَّهِ، وَالْجَنَّةُ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مُحَلِّلُ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ لِغَيْرِهِ وَمُزَيِّنُهُ لَهُ، فَانْظُرْ مَا الَّذِي حَمَلَتْ عَلَيْهِ قِلَّةُ الْغَيْرَةِ.

وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الدِّينِ الْغَيْرَةُ، وَمَنْ لَا غَيْرَةَ لَهُ لَا دِينَ لَهُ، فَالْغَيْرَةُ تَحْمِي الْقَلْبَ فَتَحْمِي لَهُ الْجَوَارِحَ ، فَتَدْفَعُ السُّوءَ وَالْفَوَاحِشَ ، وَعَدَمُ الْغَيْرَةِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ، فَتَمُوتُ لَهُ الْجَوَارِحُ ؛ فَلَا يَبْقَى عِنْدَهَا دَفْعٌ الْبَتَّةَ.

وَمَثَلُ الْغَيْرَةِ فِي الْقَلْبِ مَثَلُ الْقُوَّةِ الَّتِي تَدْفَعُ الْمَرَضَ وَتُقَاوِمُهُ

فَإِذَا ذَهَبَتِ الْقُوَّةُ ، وَجَدَ الدَّاءُ الْمَحِلَّ قَابِلًا ، وَلَمْ يَجِدْ دَافِعًا ، فَتَمَكَّنَ، فَكَانَ الْهَلَاكُ ، وَمِثْلُهَا مِثْلُ صَيَاصِيِّ الْجَامُوسِ الَّتِي تَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، فَإِذَا تَكَسَّرَتْ طَمِعَ فِيهَا عَدُوُّهُ "

انتهى من "الجواب الكافي" (ص: 68) .

4- الغيرة المحمودة لا بد من الاعتدال فيها والحكمة .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" الذي أوصي به جميع إخواني من أهل العلم والدعوة إلى الله عز وجل هو تحري الأسلوب الحسن والرفق في الدعوة ، وفي مسائل الخلاف ، عند المناظرة والمذاكرة في ذلك

وأن لا تحمله الغيرة والحدة على أن يقول ما لا ينبغي أن يقول ، مما يسبب الفرقة والاختلاف والتباغض والتباعد "

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (5 /155) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وكثير من ذوي الغيرة من الناس تجدهم يميلون إلى تحريم ما أحل الله أكثر من تحليل الحرام ، بعكس المتهاونين ، وكلاهما خطأ "

انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (10 /732).

5- الواجب على النساء ألا يخرجن عن حد الاعتدال في الغيرة ، والذي يفضي عادة إما إلى سوء الظن أو ضيق الصدر وسوء معاشرة الزوج .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" نصيحتي للنساء ألا يغرن الغيرة العظيمة إذا تزوج الزوج عليهنّ ، بل يصبرن ويحتسبن الأجر من الله ولو تكلفن ، وهذه الكلفة أو التعب يكون في أول الزواج ثم بعد ذلك تكون المسألة طبيعية "

انتهى من فتاوى نور على الدرب" (19/2) .

فتبين بما تقدم أن الغيرة إذا كانت غيرة محمودة معتدلة يراعي فيها المسلم الحكمة والعدل ، فإن أثرها يكون طيبا على خلقه ودينه ودعوته ومعاشرته الناس

أما إذا كانت بخلاف ذلك فإنها تعود عليه بآثارها السيئة المذمومة من سوء الظن بالناس وسوء التعامل معهم وسوء العشرة ، سواء في ذلك الرجال والنساء .

راجع لمزيد الفائدة جواب السؤال بعد القادم

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-23, 16:21
هل يوصف الله عز وجل بالغيْرة ؟

وهل يقال " يغار الله على أنبيائه وأوليائه " ؟

السؤال

هناك قصيدة نظمها أحد الشعراء في الدفاع عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ورد فيها: قد غار ربي في حليلة أحمد .. وأنا على عرض النبي أغار فهل يجوز مثل هذا الكلام في حق الله عز وجل ؟

وكذلك هناك بعض القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أحس أنها لا تليق ، مثلاً : " طيفك يداعب خيالي " وهي أنشودة منتشرة في الأسواق ، فهل يجوز مثل هذا ؟ . وبارك الله فيكم .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

منهج أهل السنَّة والجماعة في باب صفات الله تعالى قائم على أمور ، من أهمها :

1. أنها صفات توقيفية لا يجوز لأحد أن يُثبتها من غير الكتاب والسنَّة ، فلا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم .

2. أن لها من المعاني ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته ، فتُعلم معانيها ويُجهل كيفياتها .

3. أنه يؤمن بمعانيها من غير تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل .

ثانياً:

ثبتت صفة " الغيْرة " لله تعالى في صحيح السنّة ، ومما جاء في ذلك :

1. عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) رواه البخاري ( 4925 ) ومسلم ( 2761 ) .

2. عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ : قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ

وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) .

رواه البخاري ( 6980 ) ومسلم ( 1499 ) وعنده زيادة بلفظ ( وَلاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ ) .

3. عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيراً ) .

رواه البخاري ( 1044 ) ومسلم ( 901 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

" وغيْرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه ، وغيْرته أن يزني عبدُه أو تزني أمَتُه ...
.
الغيْرة التي وصف الله بها نفسه : إمَّا خاصة وهو أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه ، وإما عامة وهي غيرته من الفواحش ما ظهر منها وما بطن" .

انتهى من " الاستقامة " ( 2 / 9 – 11 ).

وقال ابن القيم – رحمه الله -

: " الغيرة تتضمن البغض والكراهة ، فأخبر أنه لا أحدَ أغير منه ، وأن من غيْرته حرَّم الفواحش ، ولا أحد أحب إليه المِدْحة منه

والغيْرة عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية ، كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهية ؛ فيستحيل وصفه عندهم بذلك

ومعلوم أن هذه الصفات من صفات الكمال المحمودة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ، وأضدادها مذمومة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً

فإن الذي لا يغار بل تستوي عنده الفاحشة وتركها : مذموم غاية الذم مستحق للذم القبيح "

انتهى من " الصواعق المرسلة " ( 4 / 1497 ) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

" المحال عليه سبحانه وتعالى وصفه بالغيرة المشابهة لغيرة المخلوق ، وأما الغيرة اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى فلا يستحيل وصفه بها ، كما دل عليه هذا الحديث وما جاء في معناه

فهو سبحانه يوصف بالغيْرة عند أهل السنَّة على وجه لا يماثل فيه المخلوقين ، ولا يعلم كنهها وكيفيتها إلا هو سبحانه ، كالقول في الاستواء والنزول والرضا والغضب وغير ذلك من صفاته سبحانه ، والله أعلم " .

انتهى من تعليق الشيخ ابن باز على " فتح الباري " لابن حجر ( 2 / 531 ) .

وقال الشيخ عبد الله الغنيمان – حفظه الله

– في التعليق على حديث ( وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله ) - :

" ومعناه : أن الله يغار إذا انتهكت محارمه ، وليس انتهاك المحارم هو غيرة الله ؛ لأن انتهاك المحارم فعل العبد ، ووقوع ذلك من المؤمن أعظم من وقوعه من غيره .

وغيرة الله تعالى من جنس صفاته التي يختص بها ، فهي ليست مماثلة لغيرة المخلوق ، بل هي صفة تليق بعظمته ، مثل الغضب ، والرضا

ونحو ذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها ، وقد تقرر أنه تعالى ليس كمثله شيء في ذاته ، فكذلك في صفاته ، وأفعاله " .

انتهى من " شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري " ( 1 / 287 ) .

ثالثاً:

إذا عُلم معنى الصفة العظيمة المتصف بها ربنا تعالى وهي الغيرة : يتبين أن استعمالها فيما سأل عنه الأخ السائل صحيح

وفي سياق حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه فإن الغيرة " تتضمن الغضب لانتهاك الحرمة ، والله سبحانه يبغض ما حرم ، ويغضب إذا انتهكت حرماته " –

كما جاء في " تعليقات الشيخ عبد الرحمن البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري " رقم ( 55 ) -

ومما لا شك فيه أن التعرض للنبي صلى الله عليه وسلم في عرضه بالطعن بقذف زوجته الصدِّيقة عائشة رضي الله عنها ، هو من أعظم الذنوب التي يغار الله تعالى لأجلها

والله تعالى يغار على رسله الكرام عليهم السلام ولذا لم يتعرض لهم أحد إلا خُذل وقُصم ، ويغار على أوليائه وأصفيائه ولذا فإنه تعالى قال ( مَن عَادى لي وَلِيّاً فَقَد آذَنْتُه بِالحَرْب )

ويغار الله تعالى على شرعه وعلى محارمه أن تُنتهك ولذا فإنه تعالى توعد العصاة بالعذاب وتعجل عقوبة بعضهم في الدنيا ليكونوا عبرة لغيرهم ، وكل ذلك من الغيرة اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى .

وقول الشاعر " غار فيها " هو بمعنى " غار لها " ، وحروف الجر تتناوب عند طائفة من أئمة العربية ، وقد استعمل مثلها أئمة الإسلام من أهل السنَّة .

قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :

" ولما تكلم فيها أهل الافك بالزور والبهتان غار الله لها فأنزل براءتها في عشر آيات من القرآن تتلى على تعاقب الزمان "

انتهى من " البداية والنهاية " ( 8 / 99 )

وينظر : ( 3 / 334 ) .

وأما بخصوص جملة " طيفك يداعب خيالي " المقولة في حق النبي صلى الله عليه وسلم فلم نر فيها ما يُنكر ، وإن كان غيرها أحسن منها

والبعد عنها أولى ، لئلا يختلط الأمر بكلام العشاق وأشباههم ، فهي أشبه بذلك ، وأقرب إليه .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-23, 16:29
زوجها غيور جدّاً يمنعها من الخروج من المنزل، ومن زيارة أهلها، فماذا تصنع؟

السؤال

أنا متزوجة من سنة ونصف تقريباً ، وعندي بنت عمرها 6 شهور ، مشكلتي مع زوجي هو أنه غيور جدّا جدّا , في أول زواجنا ألبسني النقاب , والحمد لله التزمت به ,

ومع ذلك يغار عليَّ لدرجة أني لم أعد قادرة على الاحتمال

فمثلاً : لا يوافق أبداً أن أخرج خارج البيت حتى عند أمي ، إلا نادراً , وكنت قبل الولادة أخرج أشترى طلبات البيت ، والآن لا يسمح لي أبداً أن أخرج أشتري أي حاجة للبيت ، حتى ولو كانت ضرورية ,

وقد سبب لي مشاكل كثيرة جدّا بسبب غيرته هذه , وأحياناً لسبب تافه جدّا , يعمل عليه مشكلة كبيرة جدّا ، فأتمنى من حضرتك أن تخبرني ما العمل ؟

فأنا متعبة جدّا , وقد حاولت مناقشته ، لكن بدون أي فائدة , وإضافة لذلك هو عصبي جدّاً , ولم أستطع إقناعه بأي حاجة ؛ فهل أطلب الطلاق منه ، أم ماذا أصنع ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

طاعة الزوج حسنة تثاب عليها الزوجة , وهي استجابة لأمر الله ، ومن سؤالك - أختنا السائلة - يظهر أنك مطيعة لزوجك ، ويظهر ذلك في طاعتك له في لبس النقاب ، وغيره ؛ فنسأل الله أن يثيبك , وأن يجزيك خير الجزاء .

ثانياً :

لا شك أن للزوجة على زوجها حقوقا وواجبات , ومنها : حسن العشرة ، والمعاملة الحسَنة ،

كما قال تعالى : ( وَعَاشرُوهُنَّ بالمَعْرُوف ) النساء/ 19 .

قال ابن كثير رحمه الله :

أي : طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم حسب قدرتكم ، كما تحبُّ ذلك منها ، فافعل أنت بها مثله ،

كما قال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى) – رواه الترمذي وصححه - .

"تفسير ابن كثير" (1/477) .

وكذلك للزوج على زوجته حقوق وواجبات ,

ثالثاً :

غيْرة الرجل على أهله ، ومحارمه : من الصفات التي يمدح عليها الإنسان ، وقد أكدها الإسلام ، وحث عليها , وقد تعجب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من شدة غيْرة سعد بن عبادة رضي الله عنه

فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي) رواه البخاري (6846) مسلم (1499) .

والمطلوب من الزوج : أن يعتدل في هذه الغيرة ، فلا يبالغ بها حتى يصل إلى إساءة الظن بزوجته , أو يسرف في تقصي كل حركاتها

وسكناتها ، وتتبع أقوالها ، ويغوص في معانيها ؛ فإن ذلك يفسد العلاقة الزوجية ، ويكون مدخلاً للشيطان لإفساد الود ، والمحبة بينهما .

فعن جابر بن عتيك الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِنّ َمِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ) .

رواه أبو داود (2659) والنسائي (2558) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

وعن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان بن داود عليهما السلام لابنه : يا بُني ! لا تكثر الغيرة على أهلك ولم تر منها سوءً ، فترمي بالشر من أهلك ، وإن كانت بريئة .

"شُعَب الإيمان" للبيهقي (1/499) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

وغيرة العبد على محبوبه نوعان : غيرة ممدوحة يحبها الله , وغيرة مذمومة يكرهها الله ، فالتي يحبها الله : أن يغار عند قيام الرِّيبة , والتي يكرهها : أن يغار من غيْرِ رِيبة

بل من مجرد سوء الظن ، وهذه الغيْرة تفسد المحبة ، وتوقع العداوة بين المحب ومحبوبه .

"روضة المحبين" (ص 296) .

ومن الغيرة المحمودة : غيرة الزوج على امرأته من اختلاطها بالرجال الأجانب ، أو من رؤيتهم لها .

قال الشيخ محمد بن أحمد السفاريني رحمه الله :

"والمحمود من الغيْرة : صون المرأة عن اختلاطها بالرجال" انتهى .

" غذاء الألباب شرح منظومة الآداب " ( 2 / 313 ، 314 ) .

رابعاً :

الأفضل للمرأة أن تلزم بيتها ؛ لقوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب/33 .

قال ابن كثير رحمه الله :

أي : الزمنَ بيوتكن ، فلا تخرجن لغير حاجة .

"تفسير ابن كثير" (6/409) .

وليس للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها ، فإذا لم يأذن لم تخرج ، حتى لو أمرها أهلها بزيارتهم ، فحق الزوج مقدَّم على حقِّ أهلها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه ، سواء أمرها أبوها ، أو أمها ، أو غير أبويها ، باتفاق الأئمة" انتهى .

"الفتاوى الكبرى" (3/148) .

وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :

"لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه ، لا لوالديها ، ولا لغيرهم ؛ لأن ذلك من حقوقه عليها ، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/165) .

ولكن ينبغي على الزوج أن لا يمنعها من زيارة أهلها ، بل يعينها على صلة الرحم ، وهذا من حسن عشرتها .

فالأولى للزوج أن يسمح لزوجته من وقت لآخر بالزيارة ، والتواصل بين زوجته وأهلها ؛ لما في زيارة والديها من تطييبٍ لخاطرها ، وإدخالٍ السرور عليها ، وعلى أولادها ، وهذا مطلب شرعي .

وإن كان للمرأة من يكفيها شراء ما تحتاج إليه ، فالأفضل لها أن لا تخرج هي للشراء بل تبقى في بيتها .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

"تمنع النساء من الخروج من البيوت ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما نهى عن منعهن من الذهاب إلى المساجد ، وأما إلى الأسواق : فالرجل حرٌّ ،

له أن يمنعها ، تُمنع من الخروج من البيت إلا لحاجة لا يمكن أن يقضيها أحد سواها ، وهذا الاستثناء أقوله من باب الاحتراز

وإلا فلا أظن أن حاجة لا يمكن أن يقضيها إلا النساء ، لأن بإمكان كل امرأة أن تقول لأخيها : "يا أخي اشتر لي الحاجة الفلانية"

لكننا ذكرنا هذا الاستثناء احتياطاً ، وأن يكون الرجل كما جعله الله عز وجل قوَّاماً على المرأة ، لا أن تكون المرأة هي التي تديره

لأن الله يقول : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34 ، فليكن قائماً حقيقة ، وليمنعها

ولكن لا بعنف ، بل بهدوء ، وشرح للمفاسد ، وبيان للثواب والأجر إذا لزمن البيوت ؛ لأن الله تعالى قال : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب/ 33

أي : نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهنَّ أكمل النساء عفة ، وأقومهن في دين الله

ومع ذلك : قال الله لهن : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الأحزاب/ 33" انتهى .

"اللقاء الشهري" (24/السؤال رقم 10) .

فالنصيحة للأخت السائلة : أن تصبر على طاعة زوجها ، وأن تكون لبيبة حكيمة في تعاملها معه ، فالإنسان تأسره الكلمة الطيبة ، وتقيِّده المعاملة الحسنة ، وخصوصا ممن يحب ويود

فكل شخص لا بد أن يكون له مفتاح يلج الإنسان من خلاله إلى قلبه , ويكون ذلك من الأمر الذي يحب ويرغب ، مع بيان أن الزوج الصالح والمستقيم نعمة عظيمة ، تُغبط عليه المرأة .

والنصيحة للزوج : أن يتقي الله في أهله , وأن يحسن صحبتهم ومعاملتهم ؛ وأن يرفق بها ، ويطيب خاطرها , ولا يؤذها ، وأن يهذِّب غيرته بما يتوافق مع الشرع

وأن لا يمنعها من الخروج إن كانت ستخرج لحاجة وهي ملتزمة بالحجاب الشرعي ، والبعد عن مخالطة الرجال.

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-23, 16:33
تعاني من " المثالية " والتي أدَّت بها إلى " التسويف "

السؤال

أنا مثالية وقد أدركت ذلك مؤخراً أن المثاليين هم أكثر تسويفاً بسبب هذه الطبيعة ، وقد جربت ذلك بنفسي أيضاً ، وأود أن أتخلص من التسويف لأنه من الشيطان

وأنا - والحمد لله - لا أقوم بالتسويف فى الأمور المتعلقة بالدين ، لكني أقوم بذلك في أمور أخرى ، وأود أن تشيروا عليَّ ببعض الاقتراحات التي تمكنني من محاربة المثالية ، وينتج عنها محاربة التسويف . برجاء المساعدة .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

أن ينشد المسلم المثالية في الأخلاق والعبادات والمعاملات هو أمر حسن ، وسعيه نحو تحقيقها سعي نحو معالي الأمور ، لكنَّ هذه المثالية قد تصطدم بالواقع الذي يعيشه المسلم مما يسبب له إحباطاً

كما أنه قد تضعف نفسه في بعض الجوانب فيترك الخير كله ، ولذا فليس خير من التوسط في الأمور والسداد فيها

وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في قوله ( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا واغْدُوا وَرَوِّحُوا ، وَشِيْءٌ مِنَ الدُّلْجَة ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا ) رواه البخاري ( 6098

وانظر شرح الحديث في جواب السؤال القادم

ولذا فمن أعظم ما ينبغي على المسلم فعله حتى يدع المثالية أن يعيش واقعه ، فلا يكون مبالغاً في تحقيق ما قد يعجز عن تحقيقه ، أو يعجز عن الاستمرار فيه ؛ مما يسبب له إحباطات قد تؤدي به إلى ترك السعي نحو الأفضل .

ومما يذكره أهل الاختصاص في علاج حالتك من المثالية :

1. أن تحددي أهدافاً واقعيَّة تقبل التنفيذ من قبَلك ، وأن تتخلي عن المثالية التي تعرقل تنفيذ هذه الأهداف .

2. أن تمتنعي عن مقارنة نفسك بالآخرين ، وأن تقنعي نفسك بأنه لكل واحد من الناس مواهبه الخاصة به وقدراته اللائقة به

ولعلَّ هذا الأمر أن يكون مهما جدّاً ؛ ذلك أن هناك خطأ في تربية كثير من الأهل لأولادهم في صغرهم ليكونوا مثاليين في نتائجهم الدراسية

فيحاول الأولاد أن يسعوا لإرضاء أهليهم خوفاً من الفشل ، فتتأصل فيه المثالية مما يسبب له ضيقاً في نفسه عندما يرى الواقع بعقله هو وبعيني نفسه .

3. أن لا تخاف من انتقاد الآخرين عند السعي نحو التغيير وإصلاح نفسك والرجوع بها لأن تعيش في واقعها الحقيقي
.
4. وأخيراً : لا بأس من أن تعرضي نفسك على طبيب نفسي مختص من الثقات ، فلعلَّ سماعه منك ، ومباشرتك له بالكلام أن يساهم في حصول علاج شافٍ بإذن الله .

ثانياً:

وأما علاج التسويف – وهو التأخير والمماطلة - فيكون بأمور ، منها :

1. أخذ النفس بالحزم وقوة العزيمة ، ولأن تَتعب النفسُ اليوم لتستريح غداً ، خير لها من أن تستريح اليوم وتتعب غداً .

2. تذكير النفس دوماً بأن التسويف عجز وضعف وخور ، وليس من سمات المسلم العجز والضعف والخور ، بل إن الإنسان إذا كان معتزّاً بإنسانيته فإنه يأبى عليها هذه الأوصاف .

3. دوام الدعاء والضراعة إلى الله - عز وجل - بالتحرر من العجز والكسل .

4. الانسلاخ من صحبة الكسالى والمسوفين والارتماء بين يدي ذوي الحزم والعزم والقوة ؛ فإن ذلك من شأنه أن يحمل على مجاهدة النفس وأخذها بالحزم والعزم والقوة .

5. معايشة السلف في نظرتهم إلى التسويف ونفورهم منه نفوراً شديداً قولاً وفعلاً فكراً وسلوكاً ، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب " من القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد " .

باختصار من كتاب " آفات على الطريق " للشيخ سيد نوح .

نسأل الله تعالى أن يسددك ويوفقك لما فيه رضاه ، وأن يجعلك من الجادين الطائعين له .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-23, 16:37
مشكلة الحماس أول التوبة ثم الفتور بعدها

السؤال

عندما يتوب الإنسان يبدأ بداية قوية ويقول : إن الشيطان يأمرني بالتخفيف ، ويزيد من الطاعات ، ثم تبرد الهمة فيقول : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ، وتخف الطاعات حتى يعود كما كان .

وسؤالي : ما هي النصيحة ؟

هل يبدأ بداية قوية أم بالتدريج حتى يثبت عليه ويزيد عليه بعد مدة أو يأخذ بالمقولة " إذا هبت رياحك فاغتنمها " ؟.

الجواب

الحمد لله

إن نعمة الهداية والتوبة من أعظم نعَم الله تعالى على المسلم

وتغيير حاله للأحسن مما يقرِّبه إلى الله تعالى أكثر ، وفي العادة يُقبل التائب على الطاعة إقبالاً عظيماً يحاول فيها تعويض ما فاته من العمر الذي قضاه في المعصية والضلال .

وهذا الأمر طبيعي بالنسبة لكل صادق في توبته ، وقد ذكَره نبينا صلى الله عليه وسلم ، وبيَّن ما يحصل بعده من برود وفتور في الهمة

وهذا أمر طبيعي أيضاً ، لكن الخطر على صاحب هذه التوبة أن يكون فتوره وبروده في تناقص مستمر إلى أن يرجع إلى حاله الأول ، ولذا كان من الواجب الانتباه إلى هذا الأمر

وعلى التائب الطائع إذا فترت همته أن يقف عند الاعتدال والتوسط ، والتزام السنة ؛ ليحافظ على رأس ماله ، ويحسن الانطلاق مرة أخرى إلى الطاعة بقوة ونشاط ؛ لأن الانطلاق من التوسط خير من الانطلاق من الصفر .

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً

وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ) . رواه ابن حبان في "صحيحه" (1/187) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (56) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً

وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ ) رواه الترمذي (2453) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (57) .

قال المباركفوري رحمه الله :

" قوله (إن لكل شيء شِرَّةً) أي : حرصا على الشيء ونشاطا ورغبة في الخير أو الشر .

(ولكل شِرَّةٍ فَتْرَةً) أي : وهْناً وضعفاً وسكوناً .

(فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ) أي : جعل صاحب الشرة عملَه متوسطاً ، وتجنب طرفي إفراط الشرة وتفريط الفترة .

(فَارْجُوهُ) أي : ارجو الفلاح منه ؛ فإنه يمكنه الدوام على الوسط , وأحب الأعمال إلى الله أدومها .

(وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ) أي : اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهوراً بالعبادة والزهد وسار مشهوراً مشارا إليه .

(فَلا تَعُدُّوهُ) أي : لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيا , ولم يقل فلا ترجوه إشارة إلى أنه قد سقط ولم يمكنه تدارك ما فرط " انتهى .

" تحفة الأحوذي " ( 7 / 126 ) .

ولكي يتجنب المسلم الإفراط والتفريط فعليه بالقصد ، وهو التوسط ، فلا يبالغ في فعل العبادة والطاعة ؛ لئلا يملَّ فيترك

ولا يتركها كسلاً وتهاوناً لئلا يستمرئ الترك فلا يرجع ، وكلا الأمرين ذميم ، ومن توسط في الأمر سلك ، ومن سلك وصل إلى ما يحبه الله ويرضاه .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ . قَالُوا : وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَلا أَنَا

إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا ، وَرُوحُوا ، وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا ) . رواه البخاري (6098) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : ( سددوا ) معناه : اقصدوا السداد أي : الصواب .

قوله " وقاربوا " أي : لا تُفْرِطُوا (أي تشددوا) فتُجهدوا أنفسكم في العبادة ، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فَتُفَرِّطُوا (أي تقصروا) .

قوله " واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة " : والمراد بالغدو السير من أول النهار , وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار , والدلجة : سير الليل

يقال : سار دلجة من الليل أي ساعة ، فلذلك قال : ( شيء من الدلجة ) لعسر سير جميع الليل .

وفيه إشارة إلى الحث على الرفق في العبادة , وعبر بما يدل على السير لأن العابد كالسائر إلى محل إقامته وهو الجنة .

قوله " والقصدَ القصدَ " أي : الزموا الطريق الوسط المعتدل , واللفظ الثاني للتأكيد " انتهى باختصار .

"فتح الباري" (11/297،) .

والخلاصة : ندعوك للتفكر في الأحاديث السابقة ، والتأمل في معناها ، واعلم أن التوبة بحاجة إلى شكر ، وأعظم الشكر أن تداوم على بقائها ، ولا يكون ذلك إلا بالمداومة على العمل والطاعة

واعلم أن ( أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) رواه البخاري ومسلم ، فلا تبدأ بقوة ولا تفتر بالمرَّة

بل اقتصد في الطاعة ، وهذا في مقدورك ، وكلما رأيت من نفسك نشاطا فاجعله في طاعة الله ، وكلما رأيتَ فتوراً ومللاً فارجع إلى التوسط ، ونسأل الله أن ييسر أمرك ، ويهديك لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-25, 16:54
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل يجب على المسلم العفو عن ظالمه ؟

وهل يؤجر لو أنه عفا عنه ؟

السؤال

هل يتعين عليك أن تسامح أحد أقربائك ممن يجاهر بالمعصية ويجرح مشاعرك ومشاعر بقية أقاربك ؟ .

الجواب

الحمد لله

لا يتعيَّن على المسلم فعل شيء إلا أن يوجبه الشرع عليه ، وليس في نصوص الشرع – فيما نعلم – ما يوجب عليك مسامحة من أخطأ في حقك ظلماً وعلوّاً

وأما فيما يتعلق بمجاهرته بالمعصية فإنه لا تعلق لها بمسامحة منك ؛ لأنها ذنب بين العاصي وربِّه.

وأما الذي يؤذي الناس بأقواله وأفعاله فإنه يكتسب بذلك آثاماً وذنوباً

فليحذر من سخط الله وعقابه في الدنيا والآخرة

قال تعالى ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/ 42

وقال تعالى ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) الأحزاب/ 58 .

ونحن نوصيكِ – أختنا السائلة – بالصبر على ما تجدينه من أذى من أقربائك ،

فالمسلم له رسالة سامية في حياته وهي دعوة الناس للخير وخاصة الأقربين منهم

ومن المتوقع أن يجد عنتاً ومشقة في دعوته تلك لما قد يواجهه من الغلاظ الشداد من الناس ، ولذا فإن عليه أن يصبر على الأذى في سبيل الله كما صبر أولوا العزم من الرسل وهم قدوات العالَمين .

ونوصيكِ بتنويع طرق إيصال الخير لذلك القريب وغيره سواء بالأشرطة أو الكتيبات ، أو عن طريق بعض من يثق بهم ويحبهم من عقلاء الناس ، فيكلمونه ويعظونه ، فلعله أن يدع قول السوء وفعله .

ونوصيكِ بالدعاء له بأن يشرح ربه له صدره للحق والصواب ، وأن يهديه لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق .

وأخيراً : فإن المسلم إذا علمَ عظيم الأجر من الله على عفوه عمن ظلمه ، ومسامحته له وهو قادر على رد الإساءة ، تطلع إلى ذلك الأجر والثواب وعفا وسامح في حقه

حتى ولو لم يكن العفو فرضا واجبا عليه في الأصل ؛ وهو ما ندعوكِ إلى فعله حتى تنالي أجر العفو والمسامحة من رب العالمين

يوم تكونين أحوج شيء إلى حسنة تزيدين فيها صحائفك

قال الله تعالى ( إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهْ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوء فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً ) النساء/ 149 .

قال ابن جرير الطبري – رحمه الله -

: " يعني بذلك : أن الله لم يزل ذا عفو على عباده مع قدرته على عقابهم على معصيتهم إياه ، فاعفوا أنتم أيضاً أيها الناس عمن أتى إليكم ظلماً

ولا تجهروا له بالسوء من القول ، وإن قدرتم على الإساءة إليه ، كما يعفو عنكم ربكم مع قدرته على عقابكم وأنتم تعصونه وتخالفون أمره "

انتهى من "تفسير الطبري" ( 9 / 351 ).

وقال الله تعالى ( وَٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ ) الشورى/ 39 ، 40 .

قال ابن كثير – رحمه الله -

: " فشرع العدل وهو القصاص ، وندب إلى الفضل وهو العفو "

انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 7 / 212 ) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :

" وفي جعل أجر العافي على الله : تهييج على العفو ، وأن يعامل العبدُ الخلقَ بما يحب أن يعامله الله به ، فكما يحب أن يعفو الله عنه فليعف عنهم ، وكما يحب أن يسامحه الله فليسامحهم ؛ فإن الجزاء من جنس العمل "

انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 760 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-08-25, 17:03
كيف يجمع المسلم بين العفو والمسامحة في حقه مع بقاء هيبته ومكانته في الناس؟

السؤال

عندي مشكلة كبيرة جدّاً هي أني لا أستطيع الجمع بين هذين الأمرين : فإما أن أكون فظّاً مع الناس أو أكون متسامحاً جدّاً ، وفي كلتا الحالتين يعيب عليَّ الناس صنيعي

. أريد أن أعرف كيف أجمع بين أن أكون متسامحاً وفي نفس الوقت آخذ حقي وأحافظ على كرامتي ؟

وهل المسامحة معناها أن أترك حقي ؟

من الذي سمعته عن سنَّة النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان متسامحاً لأعلى الدرجات مع أنه كان أشرف الخلق وأعلاهم كرامة ، كيف أجمع بين الاثنين ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

يزول الإشكال – أخي السائل – إذا وضعتَ الشيء في مكانه المناسب في كل حال :

أما المسألة الأولى : فإن الغلظة والفظاظة لا تكون إلا مع أعداء الله تعالى المحاربين من الكفار

ويكون اللين وحسن المعاملة مع المؤمنين ، وفي دعوة الكفار ؛ إذ لا تصلح الغلظة هنا وإلا انفض عنك المؤمنون ولم يستفد الكفار من دعوتك .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" من الحكمة استعمال اللين في معاشرة المؤمنين ، وفي مقام الدعوة للكافرين ، كما قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ 159

وقال : (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه/ 44

فأمر باللين في هذه المواضع وذكر ما يترتب عليه من المصالح

كما أن من الحكمة استعمال الغلظة في موضعها .

قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) التحريم/ 9 ؛ لأن المقام هنا مقام لا تفيد فيه الدعوة ، بل قد تعين فيه القتال ، فالغلظة فيه من تمام القتال

وقد جمع الله بين الأمرين في قوله في وصف خواص الأمة (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) الفتح/ 29 "

انتهى من " تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام " ( ص 312 ) .

ثانياً :

هكذا يقال في المسألة الثانية : هل العفو والمسامحة أفضل أو أخذ الحق ، والجواب عليه : أن العفو أفضل من حيث الأصل لكن قد يوضع في غير مكانه فلا يكون أفضل

بل قد يأثم العافي ، فيكون وضع كل شيء في مكانه المستحق له هو الجواب عن الإشكال عندك .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

" الانتقام له موضع يحسن فيه , والعفو له موضع كذلك , وإيضاحه أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله , ألا ترى أنّ من غصبت منه جاريته –

مثلاً - إذا كان الغاصب يزني بها فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور تنتهك به حرمات الله ؟!

فالانتقام في مثل هذه الحالة واجب , وعليه يحمل الأمر ( فَاعْتَدُوا ) الآية , أي : كما بدأ الكفار بالقتال فقتالهم واجب , بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه من المسلمين بكلام قبيح ونحو ذلك فعفوه أحسن وأفضل .

وقد قال أبو الطيب المتنبي :

إذا قيل حِلمٌ قال للحِلم موضعٌ *** وحِلمُ الفتى في غير موضعه جهلُ "

انتهى من " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ( ص 32 ، 33 ) .

والذي يعفو عن المسيء المستحق للعفو : فإن له البشرى بالعز في الدنيا والآخرة ، تحقيقاً لقول رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ) رواه مسلم ( 2588 )

من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، وله الأجر والثواب في الآخرة

ومن ذلك ما قاله تعالى ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ 133 ، 134 .

ويشترط لهذا الفضل وذاك الثواب للعافي حتى يتحققا أمور :

1. أن يعفو عن حقِّه قاصداً الأجر والفضل من الله ، فيترك الانتصار والانتقام لله تعالى .

عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ : مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ

وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ يُرِيدُ بِهَا صِلَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً) رواه أحمد ( 15 / 390 ) وحسَّنه المحققون

وجوَّد إسناده الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2232 ) .

2. أن يكون قادراً على أخذ حقه ، فلا يعفو لضعف ولا لعجز .

وهو واضح في المعنى اللغوي والشرعي للعفو ، وقد قال البخاري في صحيحه ( 2 / 863 ) :

باب الاِنْتِصَارِ مِنَ الظَّالِمِ لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ (لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) ، (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ – أي : النخعي - كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا ، فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا " انتهى
.
وبهذا الأمر تتبين قوة ومهابة العافي عن المسيء من المستحقين للعفو ، فعندما تظهر قدرته على الانتصار والانتقام ويعفو عنه : يكون قد حقق لنفسه المهابة وحاز فضل وأجور العفو .

قال تعالى : (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ .

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ .

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ

. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) الشورى/ 36 – 43 .

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :

" ووصفهم في معاملتهم للخلق بالمغفرة عند الغضب وندبهم إلى العفو والإصلاح ، وأما قوله (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)

فليس منافياً للعفو ؛ فإن الانتصار يكون بإظهار القدرة على الانتقام ثم يقع العفو بعد ذلك فيكون أتم وأكمل

قال النخعي في هذه الآية : " كانوا يكرهون أن يُستذلوا فإذا قدروا عفَوا "

وقال مجاهد : " كانوا يكرهون للمؤمن أن يُذل نفسه فتجترئ عليه الفساق " ، فالمؤمن إذا بُغي عليه يُظهر القدرة على الانتقام ثم يعفو بعد ذلك

وقد جرى مثل هذا لكثير من السلف منهم عطاء وقتادة"

انتهى من " جامع العلوم والحكَم " ( ص 179 ) .

3. أن يترتب على عفوه إصلاح ، ولا يترتب ضرر .

قال تعالى : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) فلا يعفو عن مجرم معروف بالشر وإيقاع الضرر بالناس

لما يترتب على العفو عنه من إطلاق يديه في الشر والسوء ، لذا لا يشرع العفو عنه ، بل تجب عقوبته وكف يده عن الناس بما يُستطاع .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" والعدل نوعان :

أحدهما : هو الغاية ، والمأمور بها ، فليس فوقه شيء هو أفضل منه يؤمر به ، وهو العدل بين الناس .

والثاني : ما يكون الإحسان أفضل منه ، وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه في الدم والمال والعِرْضِ ، فإن الاستيفاء عدل ، والعفو إحسان

والإحسان هنا أفضل ، لكن هذا الإحسان لا يكون إحساناً إلا بعد العدل ، وهو أن لا يحصل بالعفو ضررٌ ، فإذا حصل منه ضرر : كان ظلماً من العافي ، إما لنفسه ، وإما لغيره ، فلا يشرع "

انتهى من " جامع المسائل " ( 6 / 38 ) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرح حديث ( وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ) -
:
" وفي هذا حثٌّ على العفو ، ولكن العفو مقيَّد بما إذا كان إصلاحاً ؛ لقول الله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ، أما إذا لم يكن إصلاحاً بل كان إفساداً : فإنه لا يؤمر به

مثال ذلك : اعتدى شخص شرير معروف بالعدوان على آخر ، فهل نقول للآخر الذي اعتدى عليه : اعف عن هذا الشرير ؟

لا نقول اعف عنه ؛ لأنه شرير ، إذا عفوتَ عنه تعدَّى على غيرك من الغد ، أو عليك أنت أيضا ، فمثل هذا نقول : الحزم والأفضل أن تأخذه بجريرته

يعني : أن تأخذ حقك منه ، وألا تعفو عنه

لأن العفو عن أهل الشر والفساد ليس بإصلاح بل لا يزيدهم إلا فساداً وشرّاً ، فأما إذا كان في العفو خير وإحسان وربما يخجل الذي عفوت عنه ولا يتعدى عليك ولا على غيرك : فهذا خير "

انتهى من " شرح رياض الصالحين " ( 3 / 525 ) .

ثالثاً :

ما قد تجده في نفسك في حال رغبتك بالعفو عمن ظلمك ممن تستطيع أخذ حقك والانتصار منه ، وترى أن عفوك عنه فيه صلاح له وليس يترتب عليه ضرر عليك أو على الناس :

فإن ذلك من الشيطان يصوِّر لك أمر العفو والمسامحة أنه ذل وخنوع وانكسار ، وكل ذلك ليصدك عن العز ورفع الشأن ، ومزيد الأجر ، فكن متيقظاً لهذا .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" قال صلى الله عليه وسلم (وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّاً) إذا جنى عليك أحد وظلمك في مالك أو في بدنك أو في أهلك أو في حق من حقوقك ، فإن النفس شحيحة تأبى إلا أن تنتقم منه

وأن تأخذ بحقك ، وهذا لك

قال تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) البقرة/ 194

وقال تعالى (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) النحل/ 126

ولا يلام الإنسان على ذلك ، لكن إذا همَّ بالعفو وحدَّث نفسه بالعفو : قالت له نفسه الأمَّارة بالسوء : إن هذا ذل وضعف ! كيف تعفو عن شخص جنى عليك أو اعتدى عليك ؟

وهنا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّاً) والعز ضد الذل ، وما تحدثك به نفسُك أنك إذا عفوت فقد ذللت أمام من اعتدى عليك

: فهذا من خِداع النفس الأمَّارة بالسوء ونهيِها عن الخير ، فإن الله تعالى يثيبك على عفوك هذا عزّاً ورفعة في الدنيا والآخرة "

انتهى من " شرح رياض الصالحين " ( 3 / 408 ، 409 ) .

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : (وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّاً) دفع لما يسبق إلى الظنون من أن العفو سبب للذلة ، أو أن المهابة والمنزلة لا تكون إلا بالانتقام وأخذا الحق .

قال الصنعاني رحمه الله :

" وفيه : أنه يَجعل الله تعالى للعافي عزّاً وعظمةً في القلوب ؛ لأنه بالانتصاف يظن أنه يعظُم ويُصان جانبه ويُهاب ، ويظن أن الإغضاء والعفو لا يحصل به ذلك ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه سلم بأنه يزداد بالعفو عزّاً "

انتهى من " سبل السلام " ( 4 / 209 ) .

والله أعلم


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

محمد.114
2019-08-25, 17:07
اللهم صلي علي سيدنا محمد

اول مره أقرأ هذا الحديث سبحان الله

قال رسول الله صل الله عليه وسلم

: ( لكل أمة خلق وخلق أمتي الحياء ، وإن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبداً نزع منه الحياء فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتاً )

صدق رسول الله صل الله علية وسلم

اللهم خلقنا بخلاق القران ولا تنزع عنا الحياء اللهم امين اللهم امين اللهم امين

بارك الله فيك يا اخي عبد الرحمن

*عبدالرحمن*
2019-08-27, 19:00
اللهم صلي علي سيدنا محمد

اول مره أقرأ هذا الحديث سبحان الله

قال رسول الله صل الله عليه وسلم

: ( لكل أمة خلق وخلق أمتي الحياء ، وإن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبداً نزع منه الحياء فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتاً )

صدق رسول الله صل الله علية وسلم

اللهم خلقنا بخلاق القران ولا تنزع عنا الحياء اللهم امين اللهم امين اللهم امين

بارك الله فيك يا اخي عبد الرحمن

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك

بارك الله فيك
و جزاك الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2019-08-27, 19:04
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


جزاء الوفاء بالعهد وخطورة نقضه

السؤال

ما هو جزاء الوفاء بالعهد وما جزاء خيانته ؟

الجواب

الحمد لله :

أولا :

دلت آيات القرآن الحكيم ، وأحاديث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام على وجوب الوفاء بالعهد والميثاق، وبيّنت شناعة جرم من نقضهما، أو أخل بهما

وقد يصل الإخلال بهما إلى الكفر كما حدث لبني إسرائيل وغيرهم حينما نقضوا العهد والميثاق مع ربهم ، وتركوا ما عاهدوا الله عليه من الإيمان به ، ومتابعة رسله .

قال الله تعالى : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) الإسراء /34

وقال : ( وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ) الأنعام/152

وقال في مدح عباده المؤمنين : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) الرعد/2 .

والنصوص في الكتاب والسنة كثيرة صريحة الدلالة على وجوب الوفاء وحرمة الغدر والخيانة

وجميع الآيات التي ورد فيها لفظ العهد والميثاق تدل على ذلك بالمنطوق أو بالمفهوم . والسُنة العملية لنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هي أظهر شاهد وتطبيق لذلك .

ثانيا :

رتب الله على الوفاء بالعهد ثمرات عظيمة للفرد في دنياه وأخراه ، إضافة لثمراته الظاهرة في صلاح المجتمع واستقراره ، فمن تلك الثمرات :

- أن الوفاء بالعهد من صفات المتقين في كتاب الله ، ومن أعظم أسباب تحصيل التقوى . قال تعالى: ( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) آل عمران/76

- الوفاء بالعهد سبب لحصول الأمن في الدنيا وصيانة الدماء ، وحفظ حقوق العباد مسلمهم وكافرهم

كما قال تعالى : ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الأنفال/72 .

-كما أنه سبب لتكفير السيئات وإدخال الجنات: كما نجد هذا في قوله تعالى في سورة البقرة: ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) البقرة/40 ، قال ابن جرير: "وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة" انتهى.

وفي سورة المائدة ذكر الله سبحانه أنه أخذ ميثاق بني إسرائيل، ثم بيّن هذا الميثاق وذكر الجزاء على الوفاء به فقال:(لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) المائدة/12

إلى غير ذلك من الآثار التي تتضح جلية لكل من تدبر كتاب الله وتأمل في سنة رسول الله القولية وسيرته العملية.
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة

وينصح بالرجوع إلى كتاب "رياض الصالحين" ، للإمام النووي رحمه الله

وكتاب"الترغيب والترهيب" للإمام المنذري رحمه الله .

ثالثا :

الخيانة هي ضد الأمانة والوفاء ؛ فإذا كانت الأمانة والوفاء هي من خصال الإيمان والتقوى ، فإن الخيانة والغدر من خصال النفاق والفجور ، والعياذ بالله :

عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا، من إذا حدّث كذب

وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ) رواه البخاري (3178) ومسلم (58) .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ) - رواه البخاري ( 1870) ومسلم (1370) .

وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن الغادر ينصب الله له لواء يوم القيامة، فيقال: ألا هذه غدرة فلان ) رواه البخاري (6178) ومسلم (1735 ).

نسأل الله أن يجعلنا من الموفين بالعهود والمواثيق وأن يعيذنا من الخيانة ونقض العهد وأن يوفقنا لحسن القول والعمل .. والحمد لله رب العالمين

ينظر كتاب : (العهد والميثاق في القرآن الكريم/ أ.د. ناصر سليمان العمر )

*عبدالرحمن*
2019-08-27, 19:07
لا يخشع قلبه عند سماع القرآن ، ويتأثر عند سماع النشيد

السؤال

عندما أسمع القرآن أو أقرأه فإني لا أتأثر من سماعه ولا يتحرك قلبي ولا يخشع بينما أحياناً عندما أستمع إلى نشيد فإني أتأثر جداً فما هو الحل؟؟

الجواب

الحمد لله

القرآن هو خير الكلام وأنفعه

وأكثره تأثيراً وإصلاحاً للنفس

قال الله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر/23

وقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال/2 .

وكون المسلم لا يتأثر عند سماع القرآن أو قراءته ويتأثر عند سماع الأناشيد ، هذا نذير خطر، وسؤالك يدل على أنك غير راضٍ عن هذه الحال فعليك أن تبادر بمعالجة الأمر قبل أن يشتد الخطر

وعلاج ذلك يكون بما يلي :

1- الإكثار من قراءة القرآن الكريم ، فهجر القرآن قد يكون سبباً لحرمان الشخص من الانتفاع بالقرآن الكريم .

2- الاهتمام بمعرفة معاني القرآن الكريم ، ولو من تفسير مختصر ، كتفسير السعدي رحمه الله ، فقد يكون السبب لعدم الخشوع والتأثر عند القرآن الكريم هو عدم معرفة معناه .

3- الإكثار من ذكر الله تعالى وطاعته ، فذلك سبب قوي من أسباب رقة القلب وإزالة القسوة عنه .

4- التوبة إلى الله من جميع المعاصي ، والاستقامة على أمر الله ، فقد يعاقب الإنسان على معصيته ، فيحرم من الخير ومن الخشوع ومن التدبر .

5- الإقلال من سماع الأناشيد أو عدم ذلك بالكلية ، حتى يصح القلب وتعود له الحياة والتأثر والانتفاع بكلام الله .
وإليك فتاوى لبعض العلماء في ذلك :

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" أما ما تسمونه بالأناشيد الإسلامية : فقد أُعطي أكثر مما يستحق من الوقت ، والجهد ، والتنظيم ، حتى أصبح فنّاً من الفنون ، يحتل مكاناً من المناهج الدراسية ، والنشاط المدرسي

ويقوم أصحاب التسجيل بتسجيل كميات هائلة منه للبيع والتوزيع ، حتى ملأ غالب البيوت

وأقبل على استماعه كثير من الشباب والشابات ، حتى شغل كثيراً من وقتهم ، وأصبح استماعه يزاحم تسجيلات القرآن الكريم ، والسنَّة النبوية ، والمحاضرات ، والدروس العلميَّة المفيدة " انتهى.

"البيان لأخطاء بعض الكتاب" ( ص 342 ) .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" أحسن ما يوصى به لعلاج القلب وقسوته العناية بالقرآن الكريم ، وتدبره والإكثار من تلاوته مع الإكثار من ذكر الله عز وجل ، فإن قراءة القرآن الكريم بالتدبر والإكثار من ذكر الله

وقول : سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وسبحان الله وبحمده

سبحان الله العظيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، كل هذه من أسباب إزالة القسوة " انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (24 /388)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" أسباب قسوة القلب : الإعراض عن الله عز وجل والبعد عن تلاوة القرآن واشتغال الإنسان بالدنيا وأن تكون الدنيا أكبر همه ولا يهتم بأمور دينه

لأن طاعة الله تعالى توجب لين القلب ورقته ورجوعه إلى الله تبارك وتعالى ، ودواء ذلك بالإقبال على الله والإنابة إليه وكثرة ذكره وكثرة قراءة القرآن وكثرة الطاعات بحسب المستطاع " انتهى .

"فتاوى نور على الدرب" - لابن عثيمين ( 12/171)

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-08-28, 19:06
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل للضيف أن يأخذ ضيافته ، إذا لم يقم بها المضيف ؟

السؤال

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا ، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم" . ( صحيح الجامع الصغير 1441)

ولدى سؤالان :

1) ما هي حقوق الضيف ؟.

2) إذا تم حرمان الضيف من هذه الحقوق فما هي الوسائل المشروعة لأخذ هذه الحقوق ؟

وأعني إلى أي حد يمكن للمرء المطالبة بحقوقه ؟.

الجواب

الحمد لله

أولا :

الضيافة من آداب الإسلام ، وخلق النبيين والصالحين ، وأمارة من أمارات صدق الإيمان .

ويكون الأدب مع الضيف بإكرامه بطلاقة الوجه ، وحسن اللقاء ، وطيب الكلام ، والإطعام ونحو ذلك ، مما جرى العرف عليه .

ويقدم له في أول يوم ينزله عنده أحسن ما يأكل منه هو وعياله ، ويجتهد في إتحافه ، وتقديم أحسن ما يجده له .
روى البخاري (6019) ومسلم (48) عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ رضي الله عنه قَالَ

: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ ) قَالَ : وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

قَالَ : ( يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ) .

قال الحافظ رحمه الله :

" قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الضَّيْف أَنْ يُتْحِفهُ ، وَيَزِيدهُ فِي الْبِرّ عَلَى مَا بِحَضْرَتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَة , وفي الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يُقَدِّم لَهُ مَا يَحْضُرهُ , فَإِذَا مَضَى الثَّلَاث فَقَدْ قَضَى حَقّه ، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ مِمَّا يُقَدِّمهُ لَهُ يَكُون صَدَقَة " انتهى .

ثانيا :

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ سُنَّةٌ ، وَمُدَّتُهَا ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ .

وَالرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عَنْ أَحْمَدَ - وَهِيَ الْمَذْهَبُ - أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ، وَمُدَّتُهَا يَوْمٌ لَيْلَةٌ ، وَالْكَمَال ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ . وَبِهَذَا يَقُول اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ .

"الموسوعة الفقهية" (28 / 316-317)

والقول بوجوب ضيافة يوم وليلة هو الراجح .

قال ابن قدامة رحمه الله :

" والواجب يوم وليلة ، والكمال ثلاثة أيام " انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" إن للضيف حقّاً على مَن نزل به ، وهو ثلاث مراتب : حق واجب ، وتمام مستحب ، وصدقة من الصدقات

فالحق الواجب : يوم وليلة , وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المراتب الثلاثة في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي شريح الخزاعي " انتهى .

"زاد المعاد" (3/658) .

وقال الشوكاني رحمه الله :

" والحق وجوب الضيافة لأمور :

الأول : إباحة العقوبة بأخذ المال لمن ترك ذلك ، وهذا لا يكون في غير واجب .

والثاني : التأكد البالغ بجعل ذلك فرع الإيمان بالله واليوم الآخر يفيد أن فعل خلافه فعل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر

ومعلوم أن فروع الإيمان مأمور بها ، ثم تعليق ذلك بالإكرام وهو أخص من الضيافة فهو دال على لزومها بالأولي .
والثالث

: قوله : ( فما كان وراء ذلك فهو صدقة ) فإنه صريح في أن ما قبل ذلك غير صدقة بل واجب شرعا .

قال الخطابي : يريد أن يتكلف له في اليوم الأول ما اتسع له من بر وألطاف ، ويقدم له في اليوم الثاني ما كان بحضرته ولا يزيد على عادته ، فما جاوز الثلاث فهو معروف وصدقة إن شاء فعل وإن شاء ترك " انتهى .

"نيل الأوطار" (9 / 30) .

ثالثا :

الضيف المقصود بالإكرام هو المسافر الذي يجتاز بغيره في الطريق ، وليس المراد به من كان من أهل البلد ، فذهب إلى بيت صاحبه .

واختلف أهل العلم القائلون بوجوب الضيافة ، هل هذا الوجوب على كل أحد ، أو هو خاص بحال دون حال .

قال ابن رجب رحمه الله :

" وقال حُميدُ بن زَنجويه : ليلةُ الضَّيف واجبةٌ ، وليس له أنْ يأخذَ قِراه منهم قهراً ، إلاَّ أنْ يكونَ مسافراً في مصالح المسلمين العامَّة دونَ مصلحة نفسه ...

ونقل عليُّ بن سعيدٍ ، عن أحمدَ ما يدلُّ على وجوب الضيافة للغُزاة خاصَّةً بمن مرُّوا بهم ثلاثةَ أيَّامٍ ، والمشهور عنه الأولُ ، وهو وجوبُها لكلِّ ضيفٍ نزلَ بقومٍ .

واختلف قوله : هل تجبُ على أهلِ الأمصار والقُرى ، أم تختصُّ بأهلِ القُرى ومَنْ كان على طريقٍ يمرُّ بهم المسافرون ؟ على روايتين منصوصتين عنه

"انتهى من "جامع العلوم" (142).

وينظر جواب السؤال القادم

ثالثا :

إذا ترك المضيف حق ضيفه عليه ، فلم يقدم له ما يحتاجه

فهل له أن يأخذ بقدر ضيافته بالمعروف ، ولو لم يأذنوا به ؟

إلى ذلك ذهب بعض أهل العلم القائلين بوجوب الضيافة ، وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد

لأن الشرع قد جعل ذلك حقا له ، فإن لم يعطه المضيف طوعا ، كان له أن يأخذه قهرا ؛ إما بنفسه

أو عن طريق القضاء .

لما رواه أبو داود (3804) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَأَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا فَلَمْ يَقْرُوهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ )

وروى الإمام أحمد (8725) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَيُّمَا ضَيْفٍ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ قِرَاهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ ) .

صححه الألباني في "الصحيحة" (640) .

وروى البخاري (6137) ومسلم (1727) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى ؟

فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ ) .

قال الإمام أحمد رحمه الله :

" يعني أن يأخذ من أرضهم وزرعهم وضرعهم بقدر ما يكفيه بغير إذنهم "

انتهى . من "المغني" (9/343) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" الضيف إذا نزل بشخص وامتنع من ضيافته فإن للضيف أن يأخذ من ماله ما يكفيه لضيافته بالمعروف من غير علمه

لأن الحق في هذا ظاهر ؛ فإن الضيف إذا نزل بالشخص يجب عليه أن يضيفه يوما وليلة حقاً واجباً ، لا يحل له أن يتخلف عنه " انتهى .

"فتاوى نور على الدرب" (234 / 8) .

وذهب جمهور العلماء إلى أن الضيف لا يحل له أن يأخذ من مال مضيفه شيئا بغير إذنه

حتى ولو يقدم له ما ينبغي في ضيافته ، أو لم يضفه أصلا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني .

وهذا ظاهر على مذهب الجمهور الذين يرون الضيافة مكرمة ومستحبة ، ولا يرون وجوبها من حيث الأصل .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

"وقد روى الربيع عن الشافعي أنه قال : الضيافة على أهل البادية والحاضرة حق واجب في مكارم الأخلاق

وقال مالك : ليس على أهل الحضر ضيافة .

وقال سحنون إنما الضيافة على أهل القرى وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر"

انتهى . من التمهيد(21/43) .

وأما على مذهب الإمام أحمد في وجوب الضيافة ، فقد سبق النقل ـ في رواية عنه ـ أن ذلك خاص بالغزاة في سبيل الله فقط ، وأما غيرهم فلا يأخذ إلا ما أعطاه المضيف .

قال ابن قدامة رحمه الله :

" قَالَ الْأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الضِّيَافَةِ , أَيَّ شَيْءٍ تَذْهَبُ فِيهَا ؟ قَالَ هِيَ مُؤَكَّدَةٌ , وَكَأَنَّهَا عَلَى أَهْلِ الطُّرُقِ وَالْقُرَى الَّذِينَ يَمُرُّ بِهِمْ النَّاسُ أَوْكَدُ , فَأَمَّا مِثْلُنَا الْآنَ , فَكَأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ أُولَئِكَ "

انتهى . من "المغني" (9/343) .

والخلاصة :

أنه حق الضيف واجب في الأظهر ، على ما سبق ، وأما إذا امتنع مضيفه من حقه ، فقد اختلف أهل العلم : هل له أن يأخذ حقه منه قهرا ، كما هو ظاهر الأحاديث السابقة ، أو لا يحل له ذلك ؟

والأحوط ألا يأخذ شيئا منه قهرا ، لقوة الخلاف فيه ، واحتمال خصوصية الأخذ قهرا ببعض الأحوال ، كالمضطر إلى الضيافة ، أو نحو ذلك .

وينظر : "فتح الباري" ، لابن حجر (5/108)

"استيفاء الحقوق من غير قضاء" للدكتور فهد اليحي (148-153) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-08-28, 19:10
من هو الضيف الذي يجب إكرامه؟

السؤال

من هو الضيف الذي يجب إكرامه ؟

هل إذا زارني أحد أصحابي أو جيراني يكون ضيفا؟

ويكون له حق الضيف ؟

الجواب

الحمد لله

يجب على المضيف أن يكرم ضيفه ، ويقوم بحقه ، ويدل على ذلك :

ما جاء في الحديث عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزاعِي رضي الله عنه قَالَ :

سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ) قَالَ

: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ) رواه البخاري (5673) ومسلم (48) .

وفي لفظ لمسلم (48) : (الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) .

قال الخطابي رحمه الله :

قوله : (جائزته يوم وليلة) سئل مالك بن أنس عنه فقال : يُكرمه ، ويتحفه ، ويخصه ، ويحفظه ، يوماً وليلة ، وثلاثة أيام ضيافة .

قلت : يريد أنه يتكلف له في اليوم الأول بما اتسع له من بِر ، وألطاف

ويقدِّم له في اليوم الثاني والثالث ما كان بحضرته ، ولا يزيد على عادته ، وما كان بعد الثلاث : فهو صدقة ، ومعروف ، إن شاء فعل ، وإن شاء ترك .

"معالم السنن" (4/238) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

إن للضيف حقّاً على مَن نزل به ، وهو ثلاث مراتب : حق واجب ، وتمام مستحب ، وصدقة من الصدقات ، فالحق الواجب : يوم وليلة ,

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المراتب الثلاثة في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي شريح الخزاعي – وساق الحديث السابق - .

"زاد المعاد" (3/658) .

وقال ابن قدامة رحمه الله :

"والواجب يوم ليلة ، والكمال ثلاثة أيام ؛ لما روى أبو شريح الخزاعي - وساق الحديث -" انتهى.

"المغني" (11/91) .

والضيف الذي يجب إكرامه ، وله حق على المضيف ، هو الضيف المسافر ، وهو القادم من بلد آخر .

فيجب على من ينزل عليه أن يطعمه ويكرمه ، فإن لم يفعل فله حق في ماله

وهذا لا ينطبق على الزائر من البلد نفسه ، وليس قادماً من السفر ، فهذا يمكن أن تقول له : "ارجع"

كما قال تعالى : (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) النور/28 .

ومما يدل على ما قلناه : ما يوجد في بعض الأحاديث من التصريح بذلك ، وأن الحق للضيف إنما هو للمسافر ، وليس للمقيم ، ومنه :

عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَمُرُّ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَنَا [أي لا يقدموا لنا حق الضيف] ، فَمَاذَا تَرَى ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : (إِنْ أَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ) رواه البخاري (2329) ومسلم (1727) .

وقد اختلف العلماء في حكم الضيافة ، وعلى من تجب

ففي "الموسوعة الفقهية" (28/316 ، 317) :

"وقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الضيافة سنَّة ، ومدتها ثلاثة أيام ، وهو رواية عن أحمد .

والرواية الأخرى عن أحمد - وهي المذهب - أنها واجبة ، ومدتها يوم ليلة ، والكمال ثلاثة أيام . وبهذا يقول الليث بن سعد .

ويرى المالكية وجوب الضيافة في حالة المجتاز الذي ليس عنده ما يبلغه ويخاف الهلاك .

والضيافة على أهل القرى والحضر ، إلا ما جاء عن الإمام مالك ، والإمام أحمد - في رواية - أنه ليس على أهل الحضر ضيافة

وقال سحنون : الضيافة على أهل القرى ، وأما أهل الحضر فإن المسافر إذا قدم الحضر وجد نزلاً - وهو الفندق - فيتأكد الندب إليها ولا يتعين على أهل الحضر تعينها . انتهى

والراجح – والله أعلم – أن ضيافة المسافر المجتاز – لا المقيم - واجبة ، وأن وجوبها على أهل القرى ، والأمصار ، دون تفريق .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرح قول الحجاوي رحمه الله :

"وَتَجِبُ ضِيَافَةُ المُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ فِي الْقُرَى يَوْماً وَلَيْلَةً" .

قال : قوله : " وتجب ضيافة المسلم " : " تجب " هذا بيان حكم الضيافة ، والضيافة أن يَتلقَّى الإنسان مَن قدم إليه ، فيكرمه ، وينزله بيته ، ويقدم له الأكل

وهي من محاسن الدين الإسلامي ، وقد سبقنا إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام

كما قال الله تعالى : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ) الذاريات/ 24 ، أي : الذين أكرمهم إبراهيم ، ولا يمتنع أن يقال : والذين أكرمهم الله عزّ وجل بكونهم ملائكة .

فحكم الضيافة واجب ، وإكرام الضيف - أيضاً – واجب ، وهو أمر زائد على مطلق الضيافة

قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) ، أي : من كان يؤمن إيماناً كاملاً : فليكرم ضيفه .

... .

قوله : " المجتاز به " يعني : الذي مرَّ بك وهو مسافر ، وأما المقيم : فإنه ليس له حق ضيافة ، ولو كان المقيم له حق الضيافة : لكان ما أكثر المقيمين الذين يقرعون الأبواب ! فلا بد أن يكون مجتازاً

أي : مسافراً ومارّاً ، حتى لو كان مسافراً مقيماً يومين ، أو ثلاثة ، أو أكثر : فلا حق له في ذلك ، بل لا بد أن يكون مجتازاً .

قوله : " في القرى " دون الأمصار ، والقرى : البلاد الصغيرة ، والأمصار : البلاد الكبيرة ، قالوا : لأن القرى هي مظنة الحاجة ، والأمصار بلاد كبيرة فيها مطاعم ، وفنادق ، وأشياء يستغني بها الإنسان عن الضيافة

وهذا - أيضاً - خلاف القول الصحيح ؛ لأن الحديث عامّ ، وكم من إنسان يأتي إلى الأمصار وفيها الفنادق ، وفيها المطاعم ، وفيها كل شيء

لكن يكرهها ويربأ بنفسه أن يذهب إليها ، فينزل ضيفاً على صديق ، أو على إنسان معروف ، فلو نزل بك ضيف - ولو في الأمصار - : فالصحيح : الوجوب .

"الشرح الممتع على زاد المستقنع" (15/48 – 51) باختصار .

وأما الزائر من البلد نفسه فلا شك أن إطعامه وإكرامه يدخل في عموم الأمر بإطعام الطعام والإحسان إلى الناس ، ولكنه ليس هو الضيف الذي أوجب النبي صلى الله عليه وسلم إكرامه ، وجعل له حقاً في مال المضيف .

والله أعلم


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-09-06, 15:45
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


ماذا تعني ثقة المسلم بنفسه وهل تتعارض مع حاجته لربه تعالى ؟

السؤال

كيف يمكن لمسلم ليس لديه ثقة بنفسه أن يزيد من ثقته بنفسه ؟

لقد حاول أن يعمل أموراً عديدة ولكنه لم يتغلب على عصبيته أثناء الكلام مع الناس .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

الثقة بالنفس أمرٌ مكتسب يحتاج المسلم أن يتعرف على طرق تحصيله ليكون من أهله ، ولكن ينبغي عليه أولاً : التفريق بين الثقة بالنفس ، والغرور ، فالثقة بالنفس تعني الشعور بما وهبك الله إياه من الصفات الحسنة

والعمل من خلالها على ما ينفعك ، فإن أسأت استعمالها أصابك الغرور والعُجب ، وهما مرضان مهلكان

وإن أنت أنكرتَ تلك النعم التي أنعمها عليك ، والصفات الحسنة التي وهبك الله إياها : أصابك الكسل ، والخمول ، وخيبت نفسك ، وأضعت نعم الله عز وجل عليك

. قال الله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس /9-10

كما يجدر التنبيه على مسألة مهمة ، وهي أن ثقة المسلم بنفسه لا تعني عدم حاجته لربه تعالى ليوفقه ويسدده

ولا تعني - كذلك - عدم حاجته لإخوانه ولعامة الناس ، لينصحوه ، ويرشدوه ، وهذا الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه تعالى به ، وهو " أن لا يكِلَه لنفسه ، ولو طرفة عيْن " ! .

عَنْ أبي بَكرة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: ( دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ) رواه أبو داود ( 5090 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود " .

ورواه النسائي ( 10405 ) من حديث أنس ، وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي " : أنه يقال في الصباح والمساء .

سئل الشيخ العثيمين – رحمه الله - :

ما حكم قول " فلان واثق من نفسه " ، أو " فلان عنده ثقة بنفسه " ؟ وهل هذا يعارض الدعاء الوارد ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) ؟ .

فأجاب :

لا حرج في هذا ؛ لأن مراد القائل " فلان واثق من نفسه " : التأكيد ، يعني : أنه متأكد من هذا الشيء ، وجازم به ، ولا ريب أن الإنسان يكون نسبة الأشياء إليه أحياناً على سبيل اليقين

وأحياناً على سبيل الظن الغالب ، وأحيانا على وجه الشك والتردد ، وأحياناً على وجه المرجوح ، إذا قال " أنا واثق من كذا " ، أو " أنا واثق من نفسي " ، أو " فلان واثق من نفسه "

أو " واثق مما يقول " المراد به أنه متيقن من هذا ولا حرج فيه ، ولا يعارض هذا الدعاء المشهور ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) ؛ لأن الإنسان يثق من نفسه بالله ، وبما أعطاه الله عز وجل من علم ، أو قدرة ، أو ما أشبه ذلك .

" فتاوى إسلامية " ( 4 / 480 ) .

وهذا يؤكد عظيم حاجة العبد لربه تعالى ، فالعبد جاهل ، وربه تعالى العليم ، والعبد فقير ، وربه تعالى الغني ، والعبد ضعيف ، وربه تعالى القوي ، والعبد عاجز ، وربه تعالى القادر .

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر/ 15 .

فالأمر ـ إذا ـ بين أمرين ، فلا هو العجب بالنفس ، والغفلة عن الله ، ولا هو الضعف والتردد والتواني وخيبة النفس ؛ بل هو قوة في العمل ، ومضاء في الأمور ، مع استعانة بالله عز وجل

وتوكل عليه ؛ وإلى هذا المقام الشريف يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم :

( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )

. رواه مسلم (2664) من حديث أبي هريرة .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان :

أحدها : أن الله سبحانه وتعالى موصوف بالمحبة ، وأنه يحب حقيقة .

الثاني : أنه يحب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها ؛ فهو القوي ويحب المؤمن القوي

وهو وتر يحب الوتر ، وجميل يحب الجمال ، وعليم يحب العلماء ، ونظيف يحب النظافة ، ومؤمن يحب المؤمنين ، ومحسن يحب المحسنين ، وصابر يحب الصابرين ، وشاكر يحب الشاكرين .

ومنها : أن محبته للمؤمنين تتفاضل فيحب بعضهم أكثر من بعض

ومنها : أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده ، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ، فإذا صادف ما ينتفع به الحريص : كان حرصه محمودا

وكماله كله في مجموع هذين الأمرين : أن يكون حريصا ، وأن يكون حرصه على ما ينتفع به

فإن حرص على مالا ينفعه ، أو فعل ما ينفعه بغير حرص : فاته من الكمال بحسب ما فاته من ذلك ؛فالخير كله في الحرص على ما ينفع.

ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه : أمره أن يستعين به

ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين ؛ فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله ، ولا تتم إلا بمعونته ؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به .

ثم قال : " ولا تعجز" ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه ، وينافي استعانته بالله ؛ فالحريص على ما ينفعه المستعين بالله ضد العاجز ؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله

وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أَزِمَّة الأمور بيده ، ومصدرها منه ، ومردها إليه .

فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له : فله حالتان : حالة عجز ، وهي مفتاح عمل الشيطان ؛ فيلقيه العجز إلى " لو "

ولا فائدة في لو ههنا ، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن

وذلك كله من عمل الشيطان ؛ فنهاه صلى الله عليه و سلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح ، وأمره بالحالة الثانية ، وهي : النظر إلى القدر وملاحظته

وأنه لو قُدر له لم يفُت ولم يغلبه عليه أحد ، فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور ، وإذا انتفت امتنع وجوده

فلهذا قال : فإن غلبك أمر فلا تقل : لو أني فعلت لكان كذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ؛ فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين : حالة حصول مطلوبه

وحالة فواته ؛ فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا ، بل هو أشد شيء إليه ضرورة ، وهو يتضمن إثبات القدر ، والكسب والاختيار ، والقيام والعبودية ظاهرا وباطنا

في حالتي حصول المطلوب وعدمه ، وبالله التوفيق . "

انتهى كلامه رحمه الله . من شفاء العليل (18-19) .

ومن هنا ـ أيضا ـ كانت حاجة العبد للاستخارة ، والتي يعترف بها بحقيقة الأمر فيما يتعلق به

وبربه تعالى ، وفي أول دعاء الاستخارة يقول العبد " اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ "

ثانياً:

مما نراه يزيد من ثقة المسلم بنفسه :

1. ثقته بربه تعالى ، وحسن التوكل عليه ، وطلب النصرة والتأييد منه ، فالمسلم لا غنى له عن ربِّه تعالى ،

وكما ذكرنا فإن الثقة بالنفس أمر مكتسب ، ويحتاج المسلم من ربه تعالى التسديد ، والتوفيق ، وكلما كانت ثقته بربه أكثر كانت ثقته بنفسه في أعلى درجاتها .

ولما فرَّ موسى وقومه من فرعون وجنوده وتراءى الجمعان رأينا عظيم ثقة موسى بربه تعالى

قال تعالى : ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) الشعراء/ 61 ، 62 .

2. البحث عن جوانب القوة في النفس ، فيزيدها ، وجوانب الإتقان فينميها ، وجوانب الضعف والنقص فيعالجها .

وحتى تتعزز الثقة بالنفس لا بدَّ من النظر بعين الثقة لما وهبك الله تعالى إياه من صفات وأفعال متقنة

حتى يكون ذلك دافعاً لك لتعزيز ثقتك بنفسك ، وأما جوانب الضعف فإن عليك إصلاح حالها ، وجعلها في مصاف الطبقة الأولى من حيث قوتها وإتقانها .

3. ومن المهم جدّاً للمسلم الذي يبحث عن وسائل تقوية الثقة بنفسه : أن لا يردد كلمات الإحباط ، مثل أنه ليس عنده ثقة بنفسه ، أو أنه لا يكاد يوفَّق في عمل .

4. وعلى المسلم وضع أهداف محددة في حياته ، ومراجعة نتائجها أولاً بأول ؛ لأن الواثق بنفسه يرى أهدافه محققة ، فقد أحسن التخطيط ، ووهبه ربه حسن النتائج .

5. وليحرص المسلم على الصحبة الصالحة ؛ لأنها تقوي مظاهر النجاح عنده وتَفرح له

وتشجعه على بذل المزيد من العمل ، والصحبة الصالحة لا تتغاضى عن جوانب الضعف عند صاحبها ، بل تدله على سلوك الطريق الأفضل ، فصارت الصحبة الصالحة من عوامل نجاح ثقة المسلم بنفسه .

6. عدم الانشغال بالتجارب القاسية السابقة ، ومحطات الفشل الماضية ؛ لأن من شأن ذلك أن يحبط على المسلم العمل ، ويزدري بذلك جوانب النجاح عنده ، وهذا ما لا يريد المسلم لنفسه .

ثالثاً:

ضبط المسلم لتصرفاته وأفعاله أمرٌ بإمكانه فعله ، وفي وسعه تقويمه ، ومن ذلك : خلق الغضب ، فليثق المسلم بنفسه أنه قادر بتوفيق ربه أن يتخلص من شرِّ الغضب وسوئه ، وأن يعمل على إصلاح نفسه وتهذيبها

وتربيتها على الالتزام بشرع الله تعالى ، وهذا أمر في غاية اليسر والسهولة على من أراد تحقيقه في أرض واقعه ، بشرط أن يكون عنده من الهمة الشيء الكثير ليتم له ما أراد من تهذيب نفسه ، وتزكيتها .

وليس على الراغب بالتخلص من الغضب إلا أن يبادر للعمل ، فهو ما ينقصنا بحق

وأما الكلام فكثير ، وأما العمل فقليل ، فليبادر المسلم الراغب بتزكية نفسه ، وتهذيبها إلى العمل ، وإلى تنفيذ ما أمره به ربه ، والانتهاء عما نهاه عنه ، فبذلك يكون من المفلحين إن شاء الله .

ولا تك ممَّن يُغلقُ الباب دونه
عليه بمغلاق من العجز مقفلِ

وَما المَرءُ إِلّا حَيثُ يَجعَلُ نَفسَهُ
فَفي صالِح الأَعمالِ نَفسكَ فَاِجعَلِ

وفي جواب السؤال القادم

ذكرنا كيف يربي المسلم نفسه ، فلينظر .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-09-06, 15:51
كيفية تربية المسلم لنفسه

السؤال

كيف يربي الإنسان نفسه تربية إسلامية خصوصاً وأن فيه من قصور الدين ما الله به عليم ؟.

الجواب

الحمد لله

اكتشاف الشخص لقصوره من أوائل خطوات تربية النفس .

ومن عرف من نفسه قصوراً فقد سار في سبيل تربية النفس ، وهذه المعرفة مما يدعونا إلى تربية أنفسنا وإلى السير في تلكم السبيل سيراًً حثيثاً فليست هذه المعرفة صارفة عن تربية المرء لنفسه

وإن من توفيق الله للعبد سعيَه للتغير والتطوير كما قال تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فمن غيّر لله غيّر الله له .

والإنسان مسؤول عن نفسه مسوؤلية فردية ذاتية وسيحاسب ويُسأل فرداً

كما قال تعالى : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا(93)لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا(94)وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا(95) سورة مريم

والإنسان لا يمكن أن يستفيد مما يقدَّم له من خير ما لم يكن منه مبادرة ذاتية ، ألا ترى إلى امرأة نوح وامرأة لوط كانتا في بيت نبيين أحدهما من أولى العزم

وتصور – أخي – ذلك الجهد الذي سيبذله نبي مع زوجته فهي قد تلقت قدرأً كبيراً من التربية لكن لما لم يكن منهما مبادرة ذاتية قيل لهما (ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين) التحريم/10

بينما امرأة فرعون ـ مع أنها في بيت أحد أكابر المجرمين ـ ضربها الله مثلاً للذين آمنوا لما كان منها من تربية ذاتية .

ومن وسائل تربية المسلم نفسه :

1-التعبد لله والصلة به والاستسلام له . وذلك من خلال العناية بالفرائض وتطهير القلب من التعلق بغير الله .

2-كثرة قراءة القرآن وتدبره والتفكر في أسراره .

3-قراءة الكتب الوعظية النافعة التي تصف دواء القلوب وعلاجها مثل مختصر منهاج القاصدين وتهذيب مدارج السالكين ونحو ذلك

ومطالعة سير السلف وأخلاقهم وينظر في ذلك صفة الصفوة لابن الجوزي وكتاب (أين نحن من أخلاق السلف ) لبهاء الدين عقيل وناصر الجليل .

4-التفاعل مع البرامج التربوية : كالدروس والمحاضرات .

5-الحفاظ على الوقت وشغله بما ينفع العبد في دنياه وآخرته .

6-عدم الإكثار من المباحات وإيلائها العناية الكبيرة .

7-الصحبة الصالحة والبحث عن الجلساء الصالحين ،الذين يعينون على الخير ،أما من يعيش في عزله فإنه يفقد كثيراً من المعاني الأخوية كالإيثار والصبر .

8-العمل والتطبيق وترجمة المعلوم عملياً .

9-المحاسبة الدقيقة للنفس .

10-الثقة بالنفس ـ مع الاعتماد على الله تعالى ـ: لأن فاقد الثقة لا يعمل .

11-مقت النفس في ذات الله وهذا لا ينافي ما قبله فعلى الإنسان أن يعمل مع ظنه أن في نفسه الخلل .

12-العزلة الشرعية : أي لا يكون مخالطاً للناس في جميع أوقاته بل يجعل لنفسه أوقاتا يخصها بالعبادات والخلوات الشرعية.

نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا ويجعلها منقادة لما يحبه الله ويرضاه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

: الشيخ محمد صالح المنجد

اخوة الاسلام

من اراد ان يعرف المزيد من تربية النفس

و بالتفصيل سيجد هنا ما يريده

اضغط هنا (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2162070)

*عبدالرحمن*
2019-09-06, 15:56
معنى الذل والافتقار وكيف يحققهما العبد المسلم؟

السؤال

قرأت في كتاب "مدارج السالكين" لابن القيم : يحكى عن بعض العارفين : دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها ، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام ، فلم أتمكن من الدخول ، حتى جئت باب الذل ، والافتقار

فإذا هو أقرب باب إليه ، وأوسعه ، ولا مزاحم فيه ، ولا معوق ، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته : فإذا هو سبحانه قد أخد بيدي ، وأدخلني . " مدارج السالكين " . فما هو الذل ، والافتقار

المقصود هنا الذي يوصل لهذا المقام العظيم ؟

يعني : هل يوجد في عبادة بعينها أكثر من أي عبادة ؟

فوالله محتاجون ، ضعفاء إيماناً . والله المستعان .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

الحكمة من خلق الإنسان هي : عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/ 56 .

وأركان العبادة هي : كمال الذل والخضوع ، مع كمال المحبة ، لله تعالى .

قال ابن القيم رحمه الله :

وعبادة الرحمن غاية حبه ** مع ذل عابده هما قطبان

وعليهما فلك العبادة دائر ** ما دار حتى قامت القطبان

" النونية " ( ص 35 ) .

وقال ابن القيم رحمه الله أيضاً - :

والعبادة تجمع أصلين : غاية الحب ، بغاية الذل والخضوع , والعرب تقول : " طريق معبَّد " أي : مذلَّل

والتعبد : التذلل والخضوع ، فمن أحببتَه ولم تكن خاضعاً له : لم تكن عابداً له , ومن خضعت له بلا محبة : لم تكن عابداً له ، حتى تكون محبّاً خاضعاً .

" مدارج السالكين " ( 1 / 74 ) .

وانظر جواب السؤال القادم

فتحقيق الذل إذاً يكون بتحقيق العبودية لله تعالى وحده ، والعبد ذليل لربه تعالى في ربوبيته ، وفي إحسانه إليه .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

فإن تمام العبودية هو : بتكميل مقام الذل والانقياد ، وأكمل الخلق عبودية : أكملهم ذلاًّ لله ، وانقياداً ، وطاعة ، والعبد ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل ، فهو ذليل لعزِّه ، وذليل لقهره

وذليل لربوبيته فيه وتصرفه ، وذليل لإحسانه إليه ، وإنعامه عليه ؛ فإن مَن أحسن إليك : فقد استعبدك ، وصار قلبُك معبَّداً له ، وذليلاً ، تعبَّدَ له لحاجته إليه على مدى الأنفاس ، في جلب كل ما ينفعه ، ودفع كل ما يضره .

" مفتاح دار السعادة " ( 1 / 289 ) .

قد يظهر الذل في عبادة أعظم منه في عبادة أخرى , وأعظم العبادات التي فيها عظيم الذل والخضوع لله هي : الصلاة المفروضة ,

والصلاة ذاتها تختلف هيئاتها وأركانها في مقدار الذل والخضوع فيها ، وأعظم ما يظهر فيه ذل العبد وخضوعه لربه تعالى فيها : السجود .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

لفظ " السجود " ، فإنه إنما يستعمل في غاية الذل والخضوع ، وهذه حال الساجد .

" جامع الرسائل ، رسالة في قنوت الأشياء " ( 1 / 34 ) .

ثانياً :

أما الافتقار إلى الله فهو مقام عالٍ يصل إليه العبد من طرق كثيرة ، لعل أبرزها : العبودية ، والدعاء ، والاستعانة والتوكل .

1. فإذا تحصَّل العبدُ على مقام الذل لربه تعالى : ظهر مقام الافتقار ، وعلم أنه لا غنى له عن ربه تعالى ، بل صار مستغنٍ بربه عن غيره ، فكمال الذل ، وكمال الافتقار : يَظهران في تحقيق كمال العبودية للرب تعالى .

قال ابن القيم رحمه الله :

سئل محمد بن عبد الله الفرغاني عن الافتقار إلى الله سبحانه ، والاستغناء به

فقال : " إذا صح الافتقار إلى الله تعالى : صحَّ الاستغناء به ، وإذا صح الاستغناء به : صحَّ الافتقار إليه ، فلا يقال أيهما أكمل : لأنه لا يتم أحدهما إلا بالآخر " .

قلت : الاستغناء بالله هو عين الفقر إليه ، وهما عبارتان عن معنى واحد ؛ لأن كمال الغنى به هو كمال عبوديته ، وحقيقة العبودية : كمال الافتقار إليه من كل وجه ، وهذا الافتقار هو عين الغنى به .

" طريق الهجرتين " ( ص 84 ) .

2. ومما يظهر فيه مقام الافتقار إلى الله تعالى : الدعاء ، وخاصة بوصف حال الداعي ، كما قال موسى عليه السلام : ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) النمل/ 24

وكما قال تعالى عن أيوب عليه السلام : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) الأنبياء/ 83 , وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِى إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ

عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِى شَأْنِى كُلَّهُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ) رواه أبو داود (5090) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

والمقصود هنا : الكلام أولاً في أن سعادة العبد في كمال افتقاره إلى ربه ، واحتياجه إليه ، أي : في أن يشهد ذلك ، ويعرفه ، ويتصف معه بموجب ذلك ، من الذل

والخضوع ، والخشوع ، وإلا فالخلق كلهم محتاجون ، لكن يظن أحدهم نوع استغناء ، فيطغى ، كما قال تعالى ( كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَِآهُ اسْتَغْنَى ) .

" مجموع الفتاوى " ( 1 / 50 ) .

3. ومما يظهر فيه مقام الافتقار إلى الله تعالى : حين يستعين العبد بربه ويتوكل عليه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

إذا تبين هذا : فكلما ازداد القلب حبّاً لله : ازداد له عبودية ، وكلما ازداد له عبودية : ازداد له حبّاً ، وفضَّله عما سواه ، والقلب فقير بالذات إلى الله من وجهين : من جهة العبادة الغائية

ومن جهة الاستعانة والتوكل ، فالقلب لا يصلح ، ولا يفلح ، ولا ينعم ، ولا يسر ، ولا يلتذ ، ولا يطيب ، ولا يسكن ، ولا يطمئن ، إلا بعبادة ربه وحبه ، والإنابة إليه ، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات : لم يطمئن

ولم يسكن ؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده ، ومحبوبه ، ومطلوبه ، وبذلك يحصل له الفرَح ، والسرور ، واللذة ، والنعمة ، والسكون ، والطمأنينة .

وهذا لا يحصل له إلا باعانة الله له ؛ فإنه لا يقدر على تحصيل ذلك له إلا الله ، فهو دائماً مفتقر إلى حقيقة : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .

" العبودية " ( ص 97 ) .

والعبد مفتقر إلى الله تعالى في كل شيء ، في خلقه ووجوده وفي استمراره وحياته ، وفي علومه ومعارفه ، وفي هدايته وأعماله ، وفي جلب أي نفع له ، أو دفع أي ضرر له ، وهذا هو معنى : "لا حول ولا قوة إلا بالله" .

نسأل الله تعالى أن يغنينا بالافتقار إليه .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-09-06, 16:00
أقسام العبودية

السؤال

أقرأ في بعض الآيات ما يدل على أن عباد الرحمن هم المؤمنون

فقط مثل قوله تعالى : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) الفرقان/63

، وفي بعضها الآخر ما يدل على أن جميع الناس عباد الله

كقوله تعالى : ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ) مريم/93

فكيف نجمع بين الآيتين ؟

الجواب

الحمد لله

اعلم أرشدك الله لطاعته أن العبودية نوعان :عبودية خاصة ، وعبودية عامة .

فالعبودية الخاصة هي :

عبودية المحبة والانقياد والطاعة التي يشرف بها العبد ويعظم ،وهي التي وردت في مثل قول الله تعالى : الله لطيف بعباده الشورى/19 ،

وقوله : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً الفرقان/63

وهذه العبودية خاصة بالمؤمنين الذين يطيعون الله تعالى ، لا يشاركهم فيها الكفار الذين خرجوا عن شرع الله تعالى وأمره ونهيه ، والناس يتفاوتون في هذه العبودية تفاوتاً عظيما

فكلما كان العبد محباً لله متبعاً لأوامره منقاداً لشرعه كان أكثر عبودية .

وأعظم الناس تحقيقاً لهذا المقام هم الأنبياء والرسل ، وأعظمهم على الإطلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يرد ذكر أحد بوصف بالعبودية المجردة في القرآن إلا هو عليه الصلاة

والسلام فذكره الله بوصف العبودية في أشرف المقامات كمقام الوحي فقال سبحانه : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً ) الكهف/1

وفي مقام الإسراء فقال جل شأنه : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) الإسراء/1

وفي مقام الدعوة فقال تعالى : ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً ) الجن/19 إلى غير ذلك من الآيات .

فالشرف كل الشرف في استكمال هذه العبودية وتحقيقها ولا يكون ذلك إلا بتمام الافتقار إلى الله تعالى

وتمام الاستغناء عن الخلق ، وذلك لا يتأتى إلا بأن يجمع الإنسان بين محبة الله تعالى والخوف منه ورجاءِ فضله وثوابه .

وأما العبودية العامة :

فهذه لا يخرج عنها مخلوق وتسمى عبودية القهر فالخلق كلهم بهذا المعنى عبيد لله يجري فيهم حكمه

و ينفذ فيهم قضاؤه ، لا يملك أحد لنفسه ضراً ولا نفعاً إلا بإذن ربه ومالكه المتصرف فيه . وهذه العبودية هي التي جاءت في مثل قوله تعالى : ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ) مريم/93

وهذه العبودية لا تقتضي فضلاً ولا تشريفاًُ ، فمن أعرض عن العبودية الخاصة فهو مأسور مقهور بالعبودية العامة فلا يخرج عنها بحال من الأحوال .

فالخلق كلهم عبيد لله فمن لم يعبد الله باختياره فهو عبد له بالقهر والتذليل والغلبة .

نسأل الله أن يجعلنا من عباده المخلَصين وأوليائه المقربين ، إنه سميع قريب مجيب .

والله أعلم وأحكم .

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

يراجع ( مفاهيم ينبغي أن تصحح للشيخ محمد قطب 20- 23 ، 174- 182 )

و ( العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية ) .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-09-18, 16:53
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخافون من ربهم مع تبشيرهم بالجنة ؟

السؤال

لماذا كان الصحابة المبشَّرون بالجنة يخافون الله أشد الخوف

على الرغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشرهم بالجنة

بل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان أخوفهم؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

عبادة الله تعالى تتضمن الخوف ، والرجاء

والمحبة له سبحانه تعالى

وهذا هو كمال الإيمان .

قال ابن القيم رحمه الله :

وسبب هذا : اقتران الخوف من الله تعالى بحبِّه ، وإرادته

, ولهذا قال بعض السلف : " مَن عبد الله تعالى بالحب وحده : فهو زنديق

, ومن عبده بالخوف وحده : فهو حروري –

أي : من الخوارج - , ومن عبده بالرجاء وحده : فهو مرجئ , ومن عبده بالحب والخوف والرجاء : فهو مؤمن .

وقد جمع الله تعالى هذه المقامات الثلاثة بقوله :

( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَه ) الإسراء/ 57 ، فابتغاء الوسيلة هو محبته ، الداعية إلى التقرب إليه ، ثم ذكر بعدها الرجاء والخوف , فهذه طريقة عباده ، وأوليائه .

" بدائع الفوائد " ( 3 / 522 ) .

ثانياً:

لا يستغرب أن يكون الصحابة أشد الناس خوفاً من الله

فكلما ازداد العبد إيماناً : ازداد خوفه من الله

ألا ترى أن الله تعالى أثنى على أنبيائه ، ورسله بهذه الصفة

قال تعالى : ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ) الأحزاب/ 39 ،

وقال عن الملائكة الكرام : ( وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء/ 28

وقال : ( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) النحل/ 50 .

وعن جابر رضي الله عنه قال :

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالمَلإ الأَعْلَى وَجِبْريلُ كَالحِلْسِ البَالِي مِنْ خَشْيَةِ الله عزَّ وَجَلَّ )

رواه الطبراني في " الأوسط " ( 5 / 64 ) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2289 ) .

والحلس البالي : الثوب البالي .

وهكذا كان حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

فقد قال عن نفسه : (إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا) رواه البخاري (20) ومسلم (1108) .

قال ابن القيم رحمه الله :

والمقصود : أن الخوف من لوازم الإيمان ، وموجباته ، فلا يتخلف عنه

وقال تعالى : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) المائدة/ 44

وقد أثنى سبحانه على أقرب عباده إليه بالخوف منه

فقال عن أنبيائه بعد أن أثنى عليهم ومدحهم : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) الأنبياء/ 90

فالرغَب : الرجاء , والرغبة ، والرهَب : الخوف ، والخشية .

وقال عن ملائكته الذين قد أمَّنهم من عذابه : ( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) النحل/ 50

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية )

وفي لفظ آخر : ( إني أخوفكم لله وأعلمكم بما أتقي ) – رواه مسلم -

وكان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء –

رواه أبو داود والنسائي ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " - .

وقد قال تعالى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) فاطر/ 28 ، فكلما كان العبد بالله أعلم : كان له أخوف ، قال ابن مسعود : وكفى بخشية الله علماً .

ونقصان الخوف من الله : إنما هو لنقصان معرفة العبد به ؛ فأعرف الناس : أخشاهم لله , ومن عرف الله : اشتد حياؤه منه ، وخوفه له ، وحبه له , وكلما ازداد معرفة : ازداد حياء

وخوفاً ، وحبّاً ، فالخوف من أجلِّ منازل الطريق , وخوف الخاصة : أعظم من خوف العامَّة , وهم إليه أحوج ، وهم بهم أليق ، ولهم ألزم .

" طريق الهجرتين " ( 423 ، 424 ) .

فعلى ذلك فلما كان الصحابة أعلم ، وأتقى لله ، وأعرف به : استلزم ذلك عظم خوفهم منه تعالى ، مع الرجاء ، والمحبة ، وهكذا حال الأنبياء الذين هم أعرف ، وأعلم ، وأتقى لله تعالى من غيرهم من الناس .

ويمكن تلخيص أسباب خوف النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحابته الكرام ممن بشِّر بالجنة ، بما يلي :

1. أنهم عرفوا معنى عبادة ربهم تعالى ، وكان خوفهم من الله تعالى هو تحقيق لركن من أركانها ، مع تحقيق ركني الرجاء ، والمحبة .

2. أنهم كانوا علماء بالله تعالى ، ومن كان بالله أعلم كان منه أخوف .

3. بحثاً عن مزيد ثواب ، وعظيم أجر ، من ربهم تعالى ، قال تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن/ 46 .

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الخوف ، والرجاء ، والمحبة .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-09-18, 17:00
معنى "الصدق مع الله" وكيف يحققه المسلم؟

السؤال

للعبادة أركان ثلاثة ، أحدها : " الصدق مع الله " ، فكيف يكون الصدق مع الله ؟ إني أتطلع للمعالي ، وأريد أن ألِمَّ بأكبر قدر من العلم الشرعي ، وأريد أن أكون داعية

وقد رزقني الله مواهب عديدة تحتاجها الدعوة ، ونشر العلم ، وأريد أن أقوى على القيام ، والصيام ، قد أتممت حفظ كتاب الله ، والآن في طريقي لأثبِّت حفظي ، وأتقن التلاوة ، وأتعلم العلم الشرعي ، وعندي مشاريع

وأفكار عدة لخدمة كتاب الله ، ونصرة الدين ، ولكن خطواتي بطيئة ؛ لتعدد المهام ، وكثرة العوائق ، خاصة من الأهل والمجتمع الذي حولي - وكم أعاني منهم - ولضعف بنيتي الصحية

وعدم قدرتي على بذل مجهود كبير ، وإن بذلت : جلست أياما لا أستطيع أن أحرك شيئاً ، إني دائما أضع جدولا لجميع المهام ، وأحاول أن أسير عليه ، ولكني لا أقدر بسبب الظروف المتغيرة

إني أعيش وحدي ، لا أجد أختاً تشاركني أهدافي ، ولا قائداً يمسك بي ويتابعني لأحقق طموحاتي ، أبحث كثيراً ، ولكن لا أجد ، لا أعلم ما سبب تباطئي خطواتي

أهو الصدق مع الله هذا الركن الذي قد أكون لم أحققه بعد أم ماذا ؟

يحزنني كثيراً ، ويؤلمني ، تأخري في الوصول لأهدافي ، فإن كان ثم نصيحة : فلا تبخلوا بها عليَّ فإني بأمس الحاجة .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

" الصدق مع الله " أجل أنواع الصدق

ويكون المسلم صادقاً مع ربِّه تعالى إذا حقَّق الصدق في جوانب ثلاثة :

الإيمان والاعتقاد الحسَن

والطاعات

والأخلاق

فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، والصادق فيه هو من حققه على الوجه الذي أراده منه ربه تعالى

ومنه الصدق في اليقين ، والصدق في النية ، والصدق في الخوف منه تعالى ، وليس كل من عمل طاعة يكون صادقا حتى يكون ظاهره وباطنه على الوجه الذي يحبه الله تعالى .

وقد بَينَّ الله تعالى الصادقين في آية واحدة

وهي قوله عز وجل : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْس)ِ

ثم قال سبحانه بعد هذه الأوصاف كلها: (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة/ 177 .

قال ابن كثير رحمه الله :

اشتملت هذه الآية الكريمة على جُمَل عظيمة ، وقواعد عميمة ، وعقيدة مستقيمة .

" تفسير ابن كثير " ( 1 / 485 ) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

( أُولَئِكَ ) أي : المتصفون بما ذُكر من العقائد الحسنة ، والأعمال التي هي آثار الإيمان ، وبرهانه ونوره ، والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقة الإنسانية : فأولئك هم ( الَّذِينَ صَدَقُوا ) في إيمانهم

لأن أعمالهم صدَّقت إيمانهم ، ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) لأنهم تركوا المحظور ، وفعلوا المأمور ؛ لأن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير ، تضمناً ، ولزوماً

لأن الوفاء بالعهد يدخل فيه الدين كله ، ولأن العبادات المنصوص عليها في هذه الآية : أكبر العبادات ، ومن قام بها : كان بما سواها أقوم ، فهؤلاء هم الأبرار ، الصادقون ، المتقون .

" تفسير السعدي " ( ص 83 ) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

ومن فوائد الآية : أن ما ذُكر هو حقيقة الصدق مع الله

ومع الخلق

لقوله تعالى : ( أولئك الذين صدقوا )

فصِدْقهم مع الله :

حيث قاموا بهذه الاعتقادات النافعة : الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، وأنهم أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة

وبذلوا المحبوب في هذه الجهات ، وأما صدقهم مع الخلق :

يدخل في قوله تعالى : ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )

وهذا من علامات الصدق

ولهذا قال تعالى : ( أولئك الذين صدقوا ) فصدقوا في اعتقاداتهم ، وفي معاملاتهم مع الله ، ومع الخلق .

" تفسير سورة البقرة " ( 2 / 293 ، 294 ) .

ثانياً:

اعلمي أختي السائلة :

أن الصدق مع الله تعالى ليس شيئاً نتجمل به

ونقنع به أنفسنا وندع العمل

بل الصدق مع الله يكون في النية

ويكون في العمل إذا قمنا به ، وتيسرت أسبابه ، والصادق مع ربه تعالى يبلغ بصدق نيته ما يبلغ العامل إن تعذر عليه القيام بالعمل .

فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) . رواه مسلم ( 1909 ) .

قال ابن القيم رحمه الله :

ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربَّه في جميع أموره ، مع صدق العزيمة ، فيصدقه في عزمه ، وفي فعله ، قال تعالى : ( فإذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا الله لَكَانَ خَيْراً لَهُم ) فسعادته في صدق العزيمة

وصدق الفعل ، فصدق العزيمة : جمعها ، وجزمها ، وعدم التردد فيها ، بل تكون عزيمة ، لا يشوبها تردد ، ولا تلوُّم ، فإذا صدقت عزيمته : بقي عليه صدق الفعل ، وهو استفراغ الوسع

وبذل الجهد فيه ، وأن لا يتخلف عنه بشيء من ظاهره ، وباطنه ، فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة ، وصدق الفعل يمنعه من الكسل ، والفتور

ومَن صدَق الله في جميع أموره : صنع الله له فوق ما يصنع لغيره ، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص ، وصدق التوكل ، فأصدَقُ الناس : مَن صح إخلاصُه ، وتوكله .

" الفوائد " ( ص 186 ، 187 ) .

ثالثاً :

قد يحتار المسلم بم يبدأ ؟

وكيف يرتب أمره في يومه وليلته ؟

وهذا لا ينبغي أن يكون عائقاً أمام القاصد لفعل الخير ، من طلب العلم ، أو الدعوة إلى الله

فمثل تلك الفوضى يمكن للمسلم أن يتخلص منها بترتيب ساعات يومه ، فيجعل الجزء الأول من نهاره لحفظ القرآن ، ويرتب باقي يومه بين طلب العلم عن طريق الأشرطة ، وقراءة الكتب

وحضور مجالس العلم ، وبين أداء الواجبات التي في ذمته ، زوجاً كان أو زوجة ، عاملاً كان أو متفرغاً .

والذي ننصحكِ به أختنا السائلة :

أن تبدئي ولا تؤجلي ، وأن تصدقي في النية حتى ييسر الله لك أموركِ .

ونسأل الله أن يعينك على طاعته ، وأن يوفقك ، ويسددك .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-09-18, 17:04
ما هو الزهد؟

السؤال

ما هو الزهد ، هل الزهد لبس الثياب المرقعة

وصيام الدهر ، والابتعاد عن المجتمع ، أو غير ذلك ؟

الجواب

الحمد لله

"ليس الزهد لبس المرقع من الثياب

ولا اعتزال الناس والبعد عن المجتمع

ولا صيام الدهر

فإن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الزاهدين

وكان يلبس الجديد من الثياب

ويتزين للوفود وفي الجمع والأعياد

ويخالط الناس

ويدعوهم إلى الخير ويعلمهم أمور دينهم

وكان ينهى أصحابه رضي الله عنهم عن صيام الدهر

وإنما الزهد التعفف عن الحرام

وما يكرهه الله تعالى

وتجنب مظاهر الترف والإفراط في متع الدنيا

والإقبال على عمل الطاعات

والتزود للآخرة بخير الزاد

وخير تفسير له سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العملية .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .

"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/369) .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-09-20, 15:41
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن

السؤال

أرجو أن تؤكد ما إذا كانت عائشة رضي الله عنها قالت

عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي : ( كان خلقه القرآن )

. لقد أمضيت ساعات وأنا أبحث عن الدليل لكن دون جدوى .

الجواب

الحمد لله

أولا :

نعم ، ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ذلك في وصف النبي صلى الله عليه وسلم .

فقد جاء في حديث طويل في قصة سعد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة ، وأتى عائشة رضي الله عنها يسألها عن بعض المسائل ، فقال :

( فَقُلتُ : يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ ! أَنبئِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ؟

قَالَت : أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ ؟

قُلتُ : بَلَى .

قَالَت : فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ .

قَالَ : فَهَمَمْتُ أَن أَقُومَ وَلَا أَسأَلَ أَحَدًا عَن شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ ...الخ ) رواه مسلم (746)

وفي رواية أخرى :

( قُلتُ : يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ ! حَدِّثِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ .

قَالَت : يَا بُنَيَّ أَمَا تَقرَأُ القُرآنَ ؟ قَالَ اللَّهُ : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) خُلُقُ مُحَمَّدٍ القُرآنُ )

أخرجها أبو يعلى (8/275) بإسناد صحيح .

قال النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم" (3/268) :

" معناه : العمل به ، والوقوف عند حدوده ، والتأدب بآدابه ، والاعتبار بأمثاله وقصصه ، وتدبره ، وحسن تلاوته " انتهى .

وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/148) :

" يعني أنه كان يتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه ، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه ، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه ، وجاء في رواية عنها قالت : ( كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ ، يَرضَى لِرِضَاه ، وَيَسخَطُ لِسَخَطِهِ ) " انتهى .

وقال المُناوي في "فيض القدير" (5/170) :

" أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك .

وقال القاضي :

أي خلقه كان جميع ما حصل في القرآن ، فإنَّ كُلَّ ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحَلَّى به ، وكل ما استهجنه ونهى عنه تَجَنَّبَه وتَخَلَّى عنه ، فكان القرآن بيان خلقه ... " انتهى .

ثانيا :

ومن حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا –

خاصة في هذه الأيام التي يتعرض فيها شخصه الكريم لحملة الكذب والتشويه –

أن نَذكُرَ شيئا من شمائله الكريمة ، وصفاته الحميدة ، ليعلم العالَم أن في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم أطهر شخص وأعظم نفس وأكرم قلب .


يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (2/430-442) :

" بيان جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار ، فقال :

كان أحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأعدل الناس ، وأعف الناس ، لم تمسَّ يده قط يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه

وكان أسخى الناس ، لا يبيت عنده دينار ولا درهم ، وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفَجَأَهُ الليلُ لم يأو إلى منزله حتى يتبرَّأَ منه إلى من يحتاج إليه

لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل الله ، لا يُسأَلُ شيئا إلا أعطاه

ثم يعود على قوت عامه فيؤثِرُ منه حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء ، وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويخدم في مهنة أهله ، ويقطع اللحم معهن

وكان أشد الناس حياء ، لا يثبت بصره في وجه أحد ، ويجيب دعوة العبد والحر ، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويكافئ عليها ، ولا يأكل الصدقة

ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين ، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه

وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه ، وَجَدَ مِن فُضَلاء أصحابه وخيارهم قتيلا بين اليهود فلم يَحِفْ عليهم ولا زاد على مُرِّ الحق ، بل وداه بمائة ناقة وإنَّ بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد يتقوون به

وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، ولا يتورع عن مطعم حلال ، لا يأكل متكئا ولا على خِوان ، لم يشبع من خبزٍ ثلاثةَ أيام متوالية حتى لقي الله تعالى

إيثارا على نفسه لا فقرا ولا بخلا ، يجيب الوليمة ، ويعود المرضى ، ويشهد الجنائز ، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس ، أشد الناس تواضعا ، وأسكنهم في غير كبر

وأبلغهم من غير تطويل ، وأحسنهم بِشْرًا ، لا يهوله شيء من أمور الدنيا ، ويلبس ما وجد ، يردف خلفه عبده أو غيره ، يركب ما أمكنه ، مرة فرسا ، ومرة بعيرا

ومرة بغلة ، ومرة حمارا ، ومرة يمشي حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة ، يعود المرضى في أقصى المدينة ، يحب الطيب ، ويكرة الرائحة الرديئة ، يجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين

ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم ، لا يجفو على أحد ، يقبل معذرة من اعتذر إليه

يمزح ولا يقول إلا حقا ، يضحك من غير قهقهة ، يرى اللعب المباح فلا ينكره ، يسابق أهله

وترفع الأصوات عليه فيصبر ، وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس ، ولا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لا بد منه من صلاح نفسه

لا يحتقر مسكينا لفقره وزمانته [ الزمانة : المرض المزمن ] ، ولا يهاب ملكا لملكه ، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستويا .

ومما رواه أبو البختري قال : ما شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من المؤمنين بشتيمة إلا جعل لها كفارة ورحمة

وقال : ( إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا ) ، وكان إذا سئل أن يدعو على أحد ، مسلم أو كافر

عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له ، وما ضرب بيده أحدا قط ، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم ، وقد وصفه الله تعالى في التوراة قبل أن يبعثه

فقال : محمد رسول الله ، عبدي المختار ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق

ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، وكان من خلقة أن يبدأ من لقيه بالسلام ، ومن قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف

وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر ، ولم يكن يُعرَف مجلسه من مجلس أصحابه

قال الله تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159

قد جمع الله له السيرة الفاضلة والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، نشأ في بلاد الجهل والصحارى في فقره وفي رعاية الغنم ، يتيما لا أب له ولا أم

فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق ، والطرق الحميدة وأخبار الأولين والآخرين

وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة والخلاص في الدنيا ، ولزوم الواجب وترك الفضول ، وفقنا الله لطاعته في أمره والتأسي به في فعله آمين يا رب العالمين "

انتهى بشيء من الاختصار .

ولا يحسبن أحد أن ما سبق من قبيل الكلام الإنشائي الخطابي

بل كل جملة فيه جاء في المسانيد والصحاح والسنن عشرات الأحاديث الصحيحة المسندة مما يدل عليه ويشهد له ، ولكن آثرت عدم ذكرها اختصارا

ومن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى كتاب ( الشمائل المحمدية ) للإمام الترمذي .

ثالثا :

وفي النهاية أنصحك أخي السائل أن تستعين في بحثك بجهاز الحاسوب والبرامج الحديثية الميسرة ، وهي كثيرة بحمد الله ، فإنها تختصر عليك الوقت والجهد

كما أنك تستطيع من خلالها الوصول إلى الحديث الذي تريد ومعرفة حكمه ، وأنصحك بشراء بعض الكتب الشاملة ،مما تجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وترتبها على المواضيع

ومن أعظمها وأوسعها وأيسرها كتاب ( رياض الصالحين ) للإمام النووي

وكذلك ( الترغيب والترهيب ) للإمام المنذري ، فقد رتب أحاديثه على الموضوعات ، وجمع من جميع كتب السنة ما يتعلق بالموضوع الذي يتحدث عنه

وقد خدمه أهل العلم بالتحقيق وبيان الصحيح من الضعيف ، منهم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى .

أسأل الله تعالى لك الأجر على جهدك وبحثك ، وأسأله سبحانه أن يوفقنا وإياك لما فيه الخير .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-09-20, 15:47
الدعاء لمن أحسن إليك بـ ( جزاك الله خيرا )

السؤال

هل شكر من تأخذ منه المال بمثل :

" جزاك الله خيرا " فيه محذور ؟

الجواب

الحمد لله

الخلق الكريم يقتضي مكافأة من يؤدي إليك المعروف

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ، فقال : ( مَن صَنَعَ إِليكُم مَعرُوفًا فَكَافِئُوه ، فَإِن لَم تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوا بِهِ فَادعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوا أَنَّكُم قَد كَافَأتُمُوهُ )

رواه أبو داود (1672) وصححه الألباني .

وإحسان المكافأة يعني اختيار ما يدخل الفرح والسرور على صاحب المعروف ، فكما أنه أدخل على قلبك المسرة ، فينبغي أن تسعى لشكره بالمثل ، قال تعالى : ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) الرحمن/60 .

فإن قصرت الحيلة عن مكافأته بهدية ، أو مساعدة في عمل ، أو تقديم خدمة له ، ونحو ذلك ، فلا أقل من الدعاء له ، وقد يكون هذا الدعاء من أسباب سعادته في الدنيا والآخرة .

ومن أفضل صيغ الدعاء لمن أدى إليك معروفا ما جاءت به السنة :

فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا . فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ ) .

رواه الترمذي (1958) والنسائي في "السنن الكبرى" (6/53) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

وقد ورد هذا الدعاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم في سياق حديث طويل وفيه قوله : ( وَأَنتُم مَعشَرَ الأَنصَارِ ! فَجَزَاكُمُ اللَّهُ خَيرًا

فَإِنَّكُم أَعِفَّةٌ صُبُرٌ )

رواه ابن حبان (7277) والحاكم (4/79) وقال : صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي

وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3096) : وهو كما قالا .

كما كانت هذه الجملة من الدعاء معتادة على ألسنة الصحابة رضوان الله عليهم :

جاء في مصنف ابن أبي شيبة (5/322) :

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لو يعلم أحدكم ما له في قوله لأخيه : جزاك الله خيرا ، لأَكثَرَ منها بعضكم لبعض ) .

وهذا أسيد بن الحضير رضي الله عنه يقول لعائشة رضي الله عنها : ( جزاك الله خيرا ، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا ، وجعل للمسلمين فيه بركة )

رواه البخاري (336) ومسلم (367) .

وفي صحيح مسلم ( 1823 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :

( حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه ، وقالوا : جزاك الله خيرا . فقال : راغب وراهب ) . أي راغب فيما عند الله من الثواب والرحمة ، وراهب مما عنده من العقوبة .

ومعنى " جزاك الله خيرا" أي أطلب من الله أن يثيبك خيرا كثيراً .

"فيض القدير" (1/410) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (4/22) :

" والمكافأة تكون بحسب الحال ، من الناس من تكون مكافأته أن تعطيه مثل ما أعطاك أو أكثر ، ومن الناس من تكون مكافأته أن تدعو له

ولا يرضى أن تكافئه بمال ، فإن الإنسان الكبير الذي عنده أموال كثيرة

وله جاه وشرف في قومه إذا أهدى إليك شيئا فأعطيته مثل ما أهدى إليك رأى في ذلك قصورا في حقه

لكن مثل هذا ادع الله له ، ( فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) ، ومن ذلك أن تقول له : ( جزاك الله خيرا )

وذلك لأن الله تعالى إذا جزاه خيرا كان ذلك سعادة له في الدنيا والآخرة " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-09-20, 15:55
علاقة الذنوب والمعاصي والأخلاق بالعقيدة

السؤال

هل الوقوع في الذنوب دليل على فساد في العقيدة أو شبهة في العقيدة ؟ .

الجواب

الحمد لله

الأخلاق الحسنة – وهي التي تكون في ذاتها طاعة ، أو تؤدي إلى طاعة - من الدِّين ، بل هي الدِّين

وقد أثنى الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه على خُلُق عظيم ، وفسر ابنُ عباس الخلق هنا بالإسلام .

قال تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم/4 .

قال ابن عباس رضي الله عنهما :

أي : " إنك على دين عظيم ، وهو الإسلام " .

رواه الطبري في " تفسيره " ( 12 / 179 ) .

فالصحيح أنه لا انفكاك للخلُق عن الدِّين

قال الفيروزآبادي في كتابه " بصائر ذوي التمييز " ( 2 / 568 )

: واعلم أن الدين كلّه خلُق ، فمن زاد عليك في الخلُق زاد عليك في الدِّين . انتهى .

ومما لا شك فيه أن للعقيدة ارتباطاً وثيقاً بالسلوك والأخلاق ، سلباً وإيجاباً ، ويتبين ذلك من خلال أمور ، منها :

1. أن المسلم الذي يعتقد أن الله تعالى يسمعه ويبصره ويطلع على سريرته ، ويقوى هذا الجانب فيه لا يصدر منه من الأخلاق والأفعال ما يفعله من ضعف اعتقاده في هذه الأمور .

ومما يدل على ذلك :

أ. قوله تعالى ( وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) النساء/128 .

ب. وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ

أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) النساء/135 .

ج. وقوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) النساء/58 .

2. ومنها : أن المسلم الذي يؤمن بوعد الله تعالى ووعيده يدفعه اعتقاده ذاك للقيام بما هو محبوب لله تعالى ، والابتعاد عن كل ما هو مبغوض له عز وجل .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ) . رواه الترمذي ( 1162 ) وقال : حَسَنٌ صَحِيحٌ وأبو داود ( 4682 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

ومن المعلوم أن أحبَّ خلقه إليه المؤمنون ، فإذا كان أكملهم إيمانا أحسنهم خلقا : كان أعظمهم محبة له أحسنهم خلقا ، والخُلُق الدين

كما قال الله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، قال ابن عباس : على دين عظيم ، وبذلك فسره سفيان بن عيينة ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما ، كما قد بيَّناه في غير هذا الموضع . "

الاستقامة " ( ص 442 ) .

وقال المباركفوري – رحمه الله - :

قوله : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً ) بضم اللام ويسكن ؛ لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان .

" تحفة الأحوذي " ( 4 / 273 ) .

3. ومنها : أن قوة الإيمان تدفع للقيام بالأعمال الصالحة ، وتمنع من التدنس برجس المعاصي والآثام .

ومما يدل على ذلك :

أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) .

رواه البخاري ( 2334 ) ومسلم ( 57 ) .

ب. عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ ، قِيلَ : وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ ) .

رواه البخاري ( 5670 ) .

ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الإِيمَانِ ) .

رواه البخاري ( 24 ) ومسلم ( 36 ) .

قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رحمه الله : الإِيمَانُ يَبْدُو فِي الْقَلْبِ ضَعِيفًا ضَئِيلا كَالْبَقْلَةِ ; فَإِنْ صَاحِبُهُ تَعَاهَدَهُ فَسَقَاهُ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّغَلَ وَمَا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ

أَوْشَكَ أَنْ يَنْمُوَ أَوْ يَزْدَادَ وَيَصِيرَ لَهُ أَصْلٌ وَفُرُوعٌ وَثَمَرَةٌ وَظَلَّ إلَى مَا لا يَتَنَاهَى ، حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ . وَإِنْ صَاحِبَهُ أَهْمَلَهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْهُ جَاءَهُ عَنْزٌ فَنَتَفَتْهَا

أَوْ صَبِيٌّ فَذَهَبَ بِهَا ، وَأَكْثَرَ عَلَيْهَا الدَّغَلَ فَأَضْعَفَهَا ، أَوْ أَهْلَكَهَا أَوْ أَيْبَسَهَا ؛ كَذَلِكَ الإِيمَانُ !!

وَقَالَ خيثمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : الإِيمَانُ يَسْمَنُ فِي الْخِصْبِ وَيَهْزُلُ فِي الْجَدْبِ ؛ فَخِصْبُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَجَدْبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي !! [

نقله ابن تيمية في كتاب "الإيمان" ص (213) ]

4. ومنها : أن الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره يمنع من أخلاق سيئة كثيرة

ومعاصي توعد الشرع عليها أشد الوعيد ، كالتسخط ، وشق الثياب ، وتمزيق الشعر ، والنياحة ، كما أن هذا الإيمان يدعو صاحبه للتحلى بفضائل الأخلاق ومعاليها ، كالصبر ، والرضا ، والاحتساب .

عَنْ صُهَيْبٍ الرومي رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ

إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )

. رواه مسلم ( 2999 ) .

وفي سنن أبي داود (4700) :

قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ

وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ ، فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ !!

قَالَ : رَبِّ ، وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟!!

قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ !! )

يَا بُنَيَّ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي !! ) صححه الألباني .

5. ومنها : أن الشرع حث على كثيرٍ من الطاعات مؤكدا عليها بارتباطها بالإيمان بالله واليوم الآخر ، وحرَّم معاصٍ وموبقات مذكِّراً بالإيمان بالله واليوم الآخر .

ومما يدل على ذلك :

أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ) .

رواه البخاري ( 5672 ) ومسلم ( 47 ) .

ب. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلاثِ لَيَالٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ) .

رواه البخاري ( 1036 ) ومسلم ( 1338 ) – واللفظ له - .

ج. عَن أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) .

رواه البخاري ( 1221 ) ومسلم ( 1486 ) .

6. ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في سنَّته أن فساد الاعتقاد – كالنفاق – يؤدي إلى فساد الأخلاق والأعمال .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) .

رواه البخاري ( 33 ) ومسلم ( 59 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( المخالفون لأهل الحديث هم مظنة فساد الأعمال ؛ إما عن سوء عقيدة ونفاق

وإما عن مرض في القلب وضعف إيمان

ففيهم من ترك الواجبات واعتداء الحدود والاستخفاف بالحقوق وقسوة القلب ما هو ظاهر لكل أحد

وعامة شيوخهم يُرمون بالعظائم ، وإن كان فيهم من هو معروف بزهد وعبادة ، ففي زهد بعض العامة من أهل السنة وعبادته ما هو أرجح مما هو فيه !!

ومن المعلوم أن العلم أصل العمل ، وصحة الأصول توجب صحة الفروع ، والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين : إما الحاجة وإما الجهل

فأما العالم بقبح الشيء الغني عنه فلا يفعله ؛ اللهم إلا من غلب هواه عقله ، واستولت عليه المعاصي ، فذاك لون آخر وضرب ثان !! )

مجموع الفتاوى (4/ 53) .

نسأل الله تعالى أن يصلح شأننا كله ، وأن يهدينا لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

nooor.32
2019-09-25, 15:55
جزاكم الله خير