*عبدالرحمن*
2019-02-26, 16:33
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
كيف يجمع المسلم بين العفو والمسامحة في حقه مع بقاء هيبته ومكانته في الناس؟
السؤال
عندي مشكلة كبيرة جدّاً هي أني لا أستطيع الجمع بين هذين الأمرين : فإما أن أكون فظّاً مع الناس أو أكون متسامحاً جدّاً ، وفي كلتا الحالتين يعيب عليَّ الناس صنيعي .
أريد أن أعرف كيف أجمع بين أن أكون متسامحاً وفي نفس الوقت آخذ حقي وأحافظ على كرامتي ؟
وهل المسامحة معناها أن أترك حقي ؟
من الذي سمعته عن سنَّة النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان متسامحاً لأعلى الدرجات مع أنه كان أشرف الخلق وأعلاهم كرامة ، كيف أجمع بين الاثنين ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
يزول الإشكال – أخي السائل – إذا وضعتَ الشيء في مكانه المناسب في كل حال :
أما المسألة الأولى :
فإن الغلظة والفظاظة لا تكون إلا مع أعداء الله تعالى المحاربين من الكفار ، ويكون اللين وحسن المعاملة مع المؤمنين ، وفي دعوة الكفار ؛ إذ لا تصلح الغلظة هنا وإلا انفض عنك المؤمنون ولم يستفد الكفار من دعوتك .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" من الحكمة استعمال اللين في معاشرة المؤمنين ، وفي مقام الدعوة للكافرين
كما قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ 159
وقال : (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه/ 44
فأمر باللين في هذه المواضع وذكر ما يترتب عليه من المصالح
كما أن من الحكمة استعمال الغلظة في موضعها .
قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) التحريم/ 9
لأن المقام هنا مقام لا تفيد فيه الدعوة ، بل قد تعين فيه القتال ، فالغلظة فيه من تمام القتال ، وقد جمع الله بين الأمرين في قوله في وصف خواص الأمة (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) الفتح/ 29 "
انتهى من " تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام " ( ص 312 ) .
ثانياً :
هكذا يقال في المسألة الثانية : هل العفو والمسامحة أفضل أو أخذ الحق ،
والجواب عليه : أن العفو أفضل من حيث الأصل لكن قد يوضع في غير مكانه فلا يكون أفضل
بل قد يأثم العافي ، فيكون وضع كل شيء في مكانه المستحق له هو الجواب عن الإشكال عندك .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
" الانتقام له موضع يحسن فيه , والعفو له موضع كذلك , وإيضاحه أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله , ألا ترى أنّ من غصبت منه جاريته –
مثلاً - إذا كان الغاصب يزني بها فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور تنتهك به حرمات الله ؟
! فالانتقام في مثل هذه الحالة واجب , وعليه يحمل الأمر ( فَاعْتَدُوا ) الآية ,
أي : كما بدأ الكفار بالقتال فقتالهم واجب , بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه من المسلمين بكلام قبيح ونحو ذلك فعفوه أحسن وأفضل .
وقد قال أبو الطيب المتنبي :
إذا قيل حِلمٌ قال للحِلم موضعٌ *** وحِلمُ الفتى في غير موضعه جهلُ "
انتهى من " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ( ص 32 ، 33 ) .
والذي يعفو عن المسيء المستحق للعفو : فإن له البشرى بالعز في الدنيا والآخرة ، تحقيقاً لقول رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً )
رواه مسلم ( 2588 ) من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، وله الأجر والثواب في الآخرة
ومن ذلك ما قاله تعالى ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ 133 ، 134 .
ويشترط لهذا الفضل وذاك الثواب للعافي حتى يتحققا أمور :
1. أن يعفو عن حقِّه قاصداً الأجر والفضل من الله ، فيترك الانتصار والانتقام لله تعالى .
عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ : مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ
وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ يُرِيدُ بِهَا صِلَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً)
رواه أحمد ( 15 / 390 ) وحسَّنه المحققون ، وجوَّد إسناده الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2232 ) .
2. أن يكون قادراً على أخذ حقه ، فلا يعفو لضعف ولا لعجز .
وهو واضح في المعنى اللغوي والشرعي للعفو ، وقد قال البخاري في صحيحه ( 2 / 863 )
: باب الاِنْتِصَارِ مِنَ الظَّالِمِ لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ (لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) ، (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ –
أي : النخعي - كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا ، فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا " انتهى .
وبهذا الأمر تتبين قوة ومهابة العافي عن المسيء من المستحقين للعفو
فعندما تظهر قدرته على الانتصار والانتقام ويعفو عنه : يكون قد حقق لنفسه المهابة وحاز فضل وأجور العفو .
قال تعالى : (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ .
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
. وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ .
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) الشورى/ 36 – 43 .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله
:
" ووصفهم في معاملتهم للخلق بالمغفرة عند الغضب وندبهم إلى العفو والإصلاح ، وأما قوله (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)
فليس منافياً للعفو ؛ فإن الانتصار يكون بإظهار القدرة على الانتقام ثم يقع العفو بعد ذلك فيكون أتم وأكمل
قال النخعي في هذه الآية : " كانوا يكرهون أن يُستذلوا فإذا قدروا عفَوا "
وقال مجاهد :
" كانوا يكرهون للمؤمن أن يُذل نفسه فتجترئ عليه الفساق "
فالمؤمن إذا بُغي عليه يُظهر القدرة على الانتقام ثم يعفو بعد ذلك ، وقد جرى مثل هذا لكثير من السلف منهم عطاء وقتادة"
انتهى من " جامع العلوم والحكَم " ( ص 179 ) .
3. أن يترتب على عفوه إصلاح ، ولا يترتب ضرر .
قال تعالى : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) فلا يعفو عن مجرم معروف بالشر وإيقاع الضرر بالناس ، لما يترتب على العفو عنه من إطلاق يديه في الشر والسوء ،
لذا لا يشرع العفو عنه ، بل تجب عقوبته وكف يده عن الناس بما يُستطاع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والعدل نوعان :
أحدهما : هو الغاية ، والمأمور بها ، فليس فوقه شيء هو أفضل منه يؤمر به ، وهو العدل بين الناس .
والثاني : ما يكون الإحسان أفضل منه ، وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه في الدم والمال والعِرْضِ ، فإن الاستيفاء عدل ، والعفو إحسان ، والإحسان هنا أفضل ، لكن هذا الإحسان لا يكون إحساناً إلا بعد العدل
وهو أن لا يحصل بالعفو ضررٌ ، فإذا حصل منه ضرر : كان ظلماً من العافي ، إما لنفسه ، وإما لغيره ، فلا يشرع "
انتهى من " جامع المسائل " ( 6 / 38 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
في شرح حديث ( وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ) - :
" وفي هذا حثٌّ على العفو ، ولكن العفو مقيَّد بما إذا كان إصلاحاً ؛ لقول الله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ، أما إذا لم يكن إصلاحاً بل كان إفساداً :
فإنه لا يؤمر به ، مثال ذلك : اعتدى شخص شرير معروف بالعدوان على آخر ، فهل نقول للآخر الذي اعتدى عليه : اعف عن هذا الشرير ؟ لا نقول اعف عنه ؛ لأنه شرير
إذا عفوتَ عنه تعدَّى على غيرك من الغد ، أو عليك أنت أيضا ، فمثل هذا نقول : الحزم والأفضل أن تأخذه بجريرته ، يعني : أن تأخذ حقك منه
وألا تعفو عنه ؛ لأن العفو عن أهل الشر والفساد ليس بإصلاح بل لا يزيدهم إلا فساداً وشرّاً ، فأما إذا كان في العفو خير وإحسان وربما يخجل الذي عفوت عنه ولا يتعدى عليك ولا على غيرك : فهذا خير "
انتهى من " شرح رياض الصالحين " ( 3 / 525 ) .
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
كيف يجمع المسلم بين العفو والمسامحة في حقه مع بقاء هيبته ومكانته في الناس؟
السؤال
عندي مشكلة كبيرة جدّاً هي أني لا أستطيع الجمع بين هذين الأمرين : فإما أن أكون فظّاً مع الناس أو أكون متسامحاً جدّاً ، وفي كلتا الحالتين يعيب عليَّ الناس صنيعي .
أريد أن أعرف كيف أجمع بين أن أكون متسامحاً وفي نفس الوقت آخذ حقي وأحافظ على كرامتي ؟
وهل المسامحة معناها أن أترك حقي ؟
من الذي سمعته عن سنَّة النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان متسامحاً لأعلى الدرجات مع أنه كان أشرف الخلق وأعلاهم كرامة ، كيف أجمع بين الاثنين ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
يزول الإشكال – أخي السائل – إذا وضعتَ الشيء في مكانه المناسب في كل حال :
أما المسألة الأولى :
فإن الغلظة والفظاظة لا تكون إلا مع أعداء الله تعالى المحاربين من الكفار ، ويكون اللين وحسن المعاملة مع المؤمنين ، وفي دعوة الكفار ؛ إذ لا تصلح الغلظة هنا وإلا انفض عنك المؤمنون ولم يستفد الكفار من دعوتك .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" من الحكمة استعمال اللين في معاشرة المؤمنين ، وفي مقام الدعوة للكافرين
كما قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ 159
وقال : (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه/ 44
فأمر باللين في هذه المواضع وذكر ما يترتب عليه من المصالح
كما أن من الحكمة استعمال الغلظة في موضعها .
قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) التحريم/ 9
لأن المقام هنا مقام لا تفيد فيه الدعوة ، بل قد تعين فيه القتال ، فالغلظة فيه من تمام القتال ، وقد جمع الله بين الأمرين في قوله في وصف خواص الأمة (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) الفتح/ 29 "
انتهى من " تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام " ( ص 312 ) .
ثانياً :
هكذا يقال في المسألة الثانية : هل العفو والمسامحة أفضل أو أخذ الحق ،
والجواب عليه : أن العفو أفضل من حيث الأصل لكن قد يوضع في غير مكانه فلا يكون أفضل
بل قد يأثم العافي ، فيكون وضع كل شيء في مكانه المستحق له هو الجواب عن الإشكال عندك .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
" الانتقام له موضع يحسن فيه , والعفو له موضع كذلك , وإيضاحه أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله , ألا ترى أنّ من غصبت منه جاريته –
مثلاً - إذا كان الغاصب يزني بها فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور تنتهك به حرمات الله ؟
! فالانتقام في مثل هذه الحالة واجب , وعليه يحمل الأمر ( فَاعْتَدُوا ) الآية ,
أي : كما بدأ الكفار بالقتال فقتالهم واجب , بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه من المسلمين بكلام قبيح ونحو ذلك فعفوه أحسن وأفضل .
وقد قال أبو الطيب المتنبي :
إذا قيل حِلمٌ قال للحِلم موضعٌ *** وحِلمُ الفتى في غير موضعه جهلُ "
انتهى من " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ( ص 32 ، 33 ) .
والذي يعفو عن المسيء المستحق للعفو : فإن له البشرى بالعز في الدنيا والآخرة ، تحقيقاً لقول رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً )
رواه مسلم ( 2588 ) من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، وله الأجر والثواب في الآخرة
ومن ذلك ما قاله تعالى ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ 133 ، 134 .
ويشترط لهذا الفضل وذاك الثواب للعافي حتى يتحققا أمور :
1. أن يعفو عن حقِّه قاصداً الأجر والفضل من الله ، فيترك الانتصار والانتقام لله تعالى .
عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ : مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ
وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ يُرِيدُ بِهَا صِلَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً)
رواه أحمد ( 15 / 390 ) وحسَّنه المحققون ، وجوَّد إسناده الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2232 ) .
2. أن يكون قادراً على أخذ حقه ، فلا يعفو لضعف ولا لعجز .
وهو واضح في المعنى اللغوي والشرعي للعفو ، وقد قال البخاري في صحيحه ( 2 / 863 )
: باب الاِنْتِصَارِ مِنَ الظَّالِمِ لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ (لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) ، (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ –
أي : النخعي - كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا ، فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا " انتهى .
وبهذا الأمر تتبين قوة ومهابة العافي عن المسيء من المستحقين للعفو
فعندما تظهر قدرته على الانتصار والانتقام ويعفو عنه : يكون قد حقق لنفسه المهابة وحاز فضل وأجور العفو .
قال تعالى : (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ .
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
. وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ .
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) الشورى/ 36 – 43 .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله
:
" ووصفهم في معاملتهم للخلق بالمغفرة عند الغضب وندبهم إلى العفو والإصلاح ، وأما قوله (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)
فليس منافياً للعفو ؛ فإن الانتصار يكون بإظهار القدرة على الانتقام ثم يقع العفو بعد ذلك فيكون أتم وأكمل
قال النخعي في هذه الآية : " كانوا يكرهون أن يُستذلوا فإذا قدروا عفَوا "
وقال مجاهد :
" كانوا يكرهون للمؤمن أن يُذل نفسه فتجترئ عليه الفساق "
فالمؤمن إذا بُغي عليه يُظهر القدرة على الانتقام ثم يعفو بعد ذلك ، وقد جرى مثل هذا لكثير من السلف منهم عطاء وقتادة"
انتهى من " جامع العلوم والحكَم " ( ص 179 ) .
3. أن يترتب على عفوه إصلاح ، ولا يترتب ضرر .
قال تعالى : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) فلا يعفو عن مجرم معروف بالشر وإيقاع الضرر بالناس ، لما يترتب على العفو عنه من إطلاق يديه في الشر والسوء ،
لذا لا يشرع العفو عنه ، بل تجب عقوبته وكف يده عن الناس بما يُستطاع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والعدل نوعان :
أحدهما : هو الغاية ، والمأمور بها ، فليس فوقه شيء هو أفضل منه يؤمر به ، وهو العدل بين الناس .
والثاني : ما يكون الإحسان أفضل منه ، وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه في الدم والمال والعِرْضِ ، فإن الاستيفاء عدل ، والعفو إحسان ، والإحسان هنا أفضل ، لكن هذا الإحسان لا يكون إحساناً إلا بعد العدل
وهو أن لا يحصل بالعفو ضررٌ ، فإذا حصل منه ضرر : كان ظلماً من العافي ، إما لنفسه ، وإما لغيره ، فلا يشرع "
انتهى من " جامع المسائل " ( 6 / 38 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
في شرح حديث ( وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ) - :
" وفي هذا حثٌّ على العفو ، ولكن العفو مقيَّد بما إذا كان إصلاحاً ؛ لقول الله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ، أما إذا لم يكن إصلاحاً بل كان إفساداً :
فإنه لا يؤمر به ، مثال ذلك : اعتدى شخص شرير معروف بالعدوان على آخر ، فهل نقول للآخر الذي اعتدى عليه : اعف عن هذا الشرير ؟ لا نقول اعف عنه ؛ لأنه شرير
إذا عفوتَ عنه تعدَّى على غيرك من الغد ، أو عليك أنت أيضا ، فمثل هذا نقول : الحزم والأفضل أن تأخذه بجريرته ، يعني : أن تأخذ حقك منه
وألا تعفو عنه ؛ لأن العفو عن أهل الشر والفساد ليس بإصلاح بل لا يزيدهم إلا فساداً وشرّاً ، فأما إذا كان في العفو خير وإحسان وربما يخجل الذي عفوت عنه ولا يتعدى عليك ولا على غيرك : فهذا خير "
انتهى من " شرح رياض الصالحين " ( 3 / 525 ) .