وسيمツ
2018-12-14, 00:18
باسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم
منتدى الجلفة أصبح كالـ plugin للمتصفحات كالـ chrom أو الـ ثعلب-النار ، في عقلي ، دائما ما أكتب مواضيع في المنتدى في الآونة الأخيرة لكن في مخيلتي ، أستفيقُ في بعض اللحظات لأجدَ أنني كنت أكتب موضوعًا في المنتدى بعد الضغط على أنشئ موضوعًا جديدا.
"إنها نهاية الأسبوع عليك أن تعطي وقتًا لنفسك .. لا مماطلةَ." جملة طائشة انبثقت في مخي بمحفز مجهول المصدر، غرقتُ في الأمور التي أنجزها لأجل نفسي حتى نسيت نفسي، لكن كيف أعطي وقتًا لنفسي كبداية ؟ عن طريق الإستماع لها بصمت، الإستماعُ الطبيعي يأتي عن طريق موجاتِ من الخارج ذات تردد مّا في المجال الذي يحفز الأذن على إرسال نبضات كهرائية لتصل في النهاية للمخ ، لكن هذا الإستماعَ عكسيٌ، يأتي من الداخل و كل تردداته مسموعة، من الخارقة العلو إلى الأنين ، دلالةُ حدوث هذا الاستماع هو الكتابةُ، و تردد هته الموجات يظهر في نظْمِ الكتابة، ثقلها ، جودتها مضمونها عمقها في أجزاء و سطحيتها في أخرى و الكثير الكثير من الأمور التي سأحس بالفوضى في داخلي إن نويت عدها.
لم يخطر ببالي شيئ محدد لأكتبه في الموضوع، سوى ذكرى عمي رحمه الله، عمي، و ... سبحان الله انتبهت الآن أنني أكتب هذا الموضوع في ذكرى يوم وفاته ! أرعبني هذا و شتت أفكاري في هذه اللحظة لكنه ليس بالشعور الجديد خلال هذا هته المدة.
أريد أن أكتب عن هذا بشدة لكن.. ، عند كتابتي لشيئ ما تستحوذ مخيلتي على إدراكي و أعيش فيها بكل كياني ، هذا بالضبط ما يجعل المشاعر داخلي تختفي من فرط الألم، أن أُعيد عيش تلك اللحظة كأنها تقع الآن و يالها من لحظة ! قد يكون عيشها مجددا سبيلا لإخراجها من داخلي و الاستراح بعد كل هذا، ... بدأ الموضوع يطول و لم أكتب شيئًا بعد ..، هناك من ينسحب في السطر الأول و هناك من ينسحب في الفقرة الثانية من الكتابة و أتساءل هل بقي أحد معي هنا ؟ بين كل هذا، الكتابةُ للنفسِ دون قارئ قبيلٌ من المواساة ،إنها بالضبط كأن تجد شخصا يفهمك تماما كأنه أنت و يستمعَ لك و يقوم بكل ما يتوافقُ مع نفسك في الداخل ... توافقٌ تافهٌ في الغالب لكن يعني لنفسك الكثير، كأن يبدي تفاجؤهُ لما تقوله له بتلك الملامح بالضبط، و هذا بعد ثانية و أربع عشر جزءًا من الثانية من انتهاء السرد !
كنت في المسبح يوم الأربعاء، كان يوما قارص البرد، بدأت الحصة على التاسعة تماما في الصباح، كنت مستمتعا لأقصى درجة بينما كان عمي يلفظ أنفاسه الأخيرة على بعد مئات من الأمتار فقط عني ، سكتة قلبية مفاجئة أنهت كل شيئ. عدت للبيت نشيطا للغاية لأجد أبي يهم بالخروج، "مالأمر، لم العجلة؟" أخبرني أن أحدًا هاتفهم و أخبرهم أن عمي فقد وعيه و أنه عليهم بالإسراع للمستشفى الجامعي. المستشفى الجامعيّ بباتنة إزار رفيع بين الحياة و الموت، إنه بوابة البؤسِ لعالم الألم و المعاناة. عند دخولك إليه تجد لافتة 'خذ نفسًا عميقًا و استعد لدخول العالم الخفي' بَيدَ أن هته اللافتة غير مرئيّة لجميع الأرواح، فمنها من يدخل ظاحكًا. ذلك العالم الذي لا يُروى عنه كثيرًا في الأفلام و الإشهارات عالم ذو مشاعرَ سلبية شديدةِ العدوى.
دخلنا المشفى و إذا بعمي مُتوفٍّ رحمه الله، و الكل واقف يبكي، أجل الكل يبكي... إلا أنا.
هممت بالسؤال أين هو؟ فأجابتني العيون المليئة بالحسرة على الفور، كشفت عنه الغطاء فإذا هو عمّي نفسهُ ، لا شيئ متغير سوى أنه مستلقٍ لم أشعر بشيئ، رددت الغطاء عن وجهه و جلست في زاوية من المشفى، اتبهتُ لأنني قمتُ بما قمت به بشكل عادي دون خوف كما حصل معي المرة الأخيرة التي حصل معي مثل هذا، هذه المرة كانت قبل ثمانية عشر سنة ،سنةَ ألفين ميلادي، حينها توفي جدّ أمي إبراهيم عليه الرحمة أذكر تماما تلك الخيبة التي أصابتني... خيبةُ معرفةِ أنّ الإنسانَ "يموت" و لم أكن أدري أن معنى ''موت' قبل ذلك هو ما يحصل لجد امي آنذاك. تذكرت كيف كان جد أمي مغطى في إحدى الغرف ووقفت عند رأسه مترددا هل أكشف و أرى؟ لم أفعل ، فقد خفتُ و ذهبتُ لحالي.
مالذي تغير؟ كل هذا خطر ببالي لحظة الإنتقال من الوقوف إلى الجلوس في تلك الزاوية.
*********************
مضى يوم أو أكثر، لم ندفنه رحمه الله لإنتظار جدي القادم من فرنسا، احسست بعدسة حدقة عيناي تتحركان ،و تتضحُ مع حركتهما صورةٌ مضببةٌ للأرض، كنت جالسا على إحدى الكراسي شاردًا أتساءل: ما بي؟ و لا دمعةً و لا إحساسًا بأي شيئ؟ إنني في وفاة أفهمها بعقلي و لا أحس لمجرياتها بشيئ، هل هذا سويّ؟ تشجعت حينها و حاورت نفسي بصدق: مابك؟ الجواب: إنني خائف لو كنت أنا مكانه، لم أكن مسعدا لشيئ في الآخرة و لا في الدنيا قبل ذلك كنت أمر بفترة فراغٍ أجوف، في أسوء حالاتي الدنيوية و أسوء حالاتي الدينية ، ماذا لو كنت أنت؟ فلا شيئ يمنع. هل تعلم يا وسيم الفرق بينك و بينه الآن ؟ لا. سأجيبك: إنه قلب متوقف.
طبعًا هي الآجال و ما توقفُ القلب إلا أحد الأسباب ، لكن صدمةَ تلك اللحظة كان لها أثر قلَب كل شيئ بما فيها من أبسط المفاهيم.
الآن قد علمت الجواب، الآن علمت لِمَ سألتُ عمي الطبيب الآخر عن سبب الوفاة، و فهمت لم كنت أدفع أكثر و أكثر عندما كان يتهرب من الجواب ، كنت أريد أن يخبرني بأي شيئ أو سبب و لا يهمني أن يكون صائبا، كان المهم عندي أن يخبرني بسبب لأقول في نفسي ،'أنا لسب مصابا بذلك' و أرتاحَ، وأقول 'حسن لن أموت' .أنا صادق كثيرا مع نفسي لكن و لَكَمْ شعرتُ بالخزي عند الإعتراف بذلك لنفسي. إنه رذاذ من الأنانيةٌ لم أدرِ مصدره و كيف تشكل في الفور، هل هي غريزة البقاء أو حب الدنيا ؟ لم يكن المقام و لا الطاقة تسمح بالمرحلة الأخيرةِ في كل جلسةِ نقاشٍ داخلي، و التي هي معالجة المشكلة. لذا حرّكت كفي الذي كان يسند ذقني بضع درجات عن المسقط الشاقولي لأرى الوافدين، الكل يتساءل عن سبب الوفاة، وعندما يكون الجواب الله أعلم، يكون رد فعل السائل : قد يكون مرض القلب أو قد يكون قلبه يشتغل ببطارية أو أي أمراض افتراضية لا يهم أن تكون صائبة ...المهم أن يقال في الداخل 'ليس بي ما به، حسن لن أموت'، ففهمت ما يجول بخاطرهم كما جال بخاطري من قبل.
تم القاء النظرة الأخيرة في المنزل و تم دفن عمي بعدها، و لم أذرف دمعة واحدة بعدُ. حضر جمعٌ غفير جدا أغلق كل الطرقات المؤدية للمنزل، و ذكره إمام المسجد في صلاة الجمعة و ترحم عليه، لقد كان رجلا صالحًا.
بعد أسبوع أو أكثر بدأت أشعر بما مضى و بدأت الدموع تأخذ مجراها كل ليلة ..بعد الوفاة بأشهر بدأ الجميع ينسى الأمر إلا أنا فلازلت مصدوما و لازال عقلي يتصرف كما لو أنه على قيد الحياة و لأكون صادقًا حتى هته الأيام. لكنني و رغم كل ذلك بدأت أتقبل ذلك .. أجل لقد رحل و رحمه الله.
لكن دائما يبقى السؤال يجول بخاطري لم انكسرت كل هذا الإنكسار؟ هل لأنني كنت أستند لشيئ هشّ فانكسر؟ هل هذا تنبيه من الله ألا أستند على العائلة بقوة حتى لا ينكسر الغصن و أسقط؟ و عوض ذلك أستند على الله وحده؟ لكن تلك غريزة و كيف أعلم أنني مستند أكثر من اللازم ؟ و كيف أعلم ان كان كل هذه الفكرة صائبة بالأساس؟
بعد إمضاء حياتي معه بكل ما مر، دوما أتذكر أمرين: الأول عندما كنت صغيرًا جدا، وكان يأخذني كل مساء للتنزه و شراء مشروب القنينة الزجاجية الصغيرة 'نقاوس' الذي كنت و لازلت أعشقه، و الأمر الثاني هو الموقف الذي حصل ذات مرة، ذهبتُ لأصلي العصر في المسجد، تُليتِ إقامة الصلاة و اصطف الجميع و كما يعلم الجميع أن الدعامة أو قائم المبنى قد يقع وسط الصفوف، طلب مني احد المصلين بنبرة الأمر أن أملأ ذلك الفراغ بينما هو ضيق و يعيق على الصلاة، كنت أكره ذلك كثيرًا و بشدة لكنني ذهبت، وقفت أمام القائم للصلاة و إذا بشخص لمسني من الخلف ، إنه هو رحمه الله طلب مني أن نتبادل المكان ، قال لي خذ مكاني هناك و أنا أصلي هنا، صلى هو العصر في ذلك المكان الضيق. حتى اللحظة كلما أرى قائما في المسجد أراه و تأتيني تلك الذكرى تحثني على الدعاء له.
رحمه الله.
شكرًا لصبركم على المشاعر السلبية الموجودة في الموضوع.
السلام عليكم
منتدى الجلفة أصبح كالـ plugin للمتصفحات كالـ chrom أو الـ ثعلب-النار ، في عقلي ، دائما ما أكتب مواضيع في المنتدى في الآونة الأخيرة لكن في مخيلتي ، أستفيقُ في بعض اللحظات لأجدَ أنني كنت أكتب موضوعًا في المنتدى بعد الضغط على أنشئ موضوعًا جديدا.
"إنها نهاية الأسبوع عليك أن تعطي وقتًا لنفسك .. لا مماطلةَ." جملة طائشة انبثقت في مخي بمحفز مجهول المصدر، غرقتُ في الأمور التي أنجزها لأجل نفسي حتى نسيت نفسي، لكن كيف أعطي وقتًا لنفسي كبداية ؟ عن طريق الإستماع لها بصمت، الإستماعُ الطبيعي يأتي عن طريق موجاتِ من الخارج ذات تردد مّا في المجال الذي يحفز الأذن على إرسال نبضات كهرائية لتصل في النهاية للمخ ، لكن هذا الإستماعَ عكسيٌ، يأتي من الداخل و كل تردداته مسموعة، من الخارقة العلو إلى الأنين ، دلالةُ حدوث هذا الاستماع هو الكتابةُ، و تردد هته الموجات يظهر في نظْمِ الكتابة، ثقلها ، جودتها مضمونها عمقها في أجزاء و سطحيتها في أخرى و الكثير الكثير من الأمور التي سأحس بالفوضى في داخلي إن نويت عدها.
لم يخطر ببالي شيئ محدد لأكتبه في الموضوع، سوى ذكرى عمي رحمه الله، عمي، و ... سبحان الله انتبهت الآن أنني أكتب هذا الموضوع في ذكرى يوم وفاته ! أرعبني هذا و شتت أفكاري في هذه اللحظة لكنه ليس بالشعور الجديد خلال هذا هته المدة.
أريد أن أكتب عن هذا بشدة لكن.. ، عند كتابتي لشيئ ما تستحوذ مخيلتي على إدراكي و أعيش فيها بكل كياني ، هذا بالضبط ما يجعل المشاعر داخلي تختفي من فرط الألم، أن أُعيد عيش تلك اللحظة كأنها تقع الآن و يالها من لحظة ! قد يكون عيشها مجددا سبيلا لإخراجها من داخلي و الاستراح بعد كل هذا، ... بدأ الموضوع يطول و لم أكتب شيئًا بعد ..، هناك من ينسحب في السطر الأول و هناك من ينسحب في الفقرة الثانية من الكتابة و أتساءل هل بقي أحد معي هنا ؟ بين كل هذا، الكتابةُ للنفسِ دون قارئ قبيلٌ من المواساة ،إنها بالضبط كأن تجد شخصا يفهمك تماما كأنه أنت و يستمعَ لك و يقوم بكل ما يتوافقُ مع نفسك في الداخل ... توافقٌ تافهٌ في الغالب لكن يعني لنفسك الكثير، كأن يبدي تفاجؤهُ لما تقوله له بتلك الملامح بالضبط، و هذا بعد ثانية و أربع عشر جزءًا من الثانية من انتهاء السرد !
كنت في المسبح يوم الأربعاء، كان يوما قارص البرد، بدأت الحصة على التاسعة تماما في الصباح، كنت مستمتعا لأقصى درجة بينما كان عمي يلفظ أنفاسه الأخيرة على بعد مئات من الأمتار فقط عني ، سكتة قلبية مفاجئة أنهت كل شيئ. عدت للبيت نشيطا للغاية لأجد أبي يهم بالخروج، "مالأمر، لم العجلة؟" أخبرني أن أحدًا هاتفهم و أخبرهم أن عمي فقد وعيه و أنه عليهم بالإسراع للمستشفى الجامعي. المستشفى الجامعيّ بباتنة إزار رفيع بين الحياة و الموت، إنه بوابة البؤسِ لعالم الألم و المعاناة. عند دخولك إليه تجد لافتة 'خذ نفسًا عميقًا و استعد لدخول العالم الخفي' بَيدَ أن هته اللافتة غير مرئيّة لجميع الأرواح، فمنها من يدخل ظاحكًا. ذلك العالم الذي لا يُروى عنه كثيرًا في الأفلام و الإشهارات عالم ذو مشاعرَ سلبية شديدةِ العدوى.
دخلنا المشفى و إذا بعمي مُتوفٍّ رحمه الله، و الكل واقف يبكي، أجل الكل يبكي... إلا أنا.
هممت بالسؤال أين هو؟ فأجابتني العيون المليئة بالحسرة على الفور، كشفت عنه الغطاء فإذا هو عمّي نفسهُ ، لا شيئ متغير سوى أنه مستلقٍ لم أشعر بشيئ، رددت الغطاء عن وجهه و جلست في زاوية من المشفى، اتبهتُ لأنني قمتُ بما قمت به بشكل عادي دون خوف كما حصل معي المرة الأخيرة التي حصل معي مثل هذا، هذه المرة كانت قبل ثمانية عشر سنة ،سنةَ ألفين ميلادي، حينها توفي جدّ أمي إبراهيم عليه الرحمة أذكر تماما تلك الخيبة التي أصابتني... خيبةُ معرفةِ أنّ الإنسانَ "يموت" و لم أكن أدري أن معنى ''موت' قبل ذلك هو ما يحصل لجد امي آنذاك. تذكرت كيف كان جد أمي مغطى في إحدى الغرف ووقفت عند رأسه مترددا هل أكشف و أرى؟ لم أفعل ، فقد خفتُ و ذهبتُ لحالي.
مالذي تغير؟ كل هذا خطر ببالي لحظة الإنتقال من الوقوف إلى الجلوس في تلك الزاوية.
*********************
مضى يوم أو أكثر، لم ندفنه رحمه الله لإنتظار جدي القادم من فرنسا، احسست بعدسة حدقة عيناي تتحركان ،و تتضحُ مع حركتهما صورةٌ مضببةٌ للأرض، كنت جالسا على إحدى الكراسي شاردًا أتساءل: ما بي؟ و لا دمعةً و لا إحساسًا بأي شيئ؟ إنني في وفاة أفهمها بعقلي و لا أحس لمجرياتها بشيئ، هل هذا سويّ؟ تشجعت حينها و حاورت نفسي بصدق: مابك؟ الجواب: إنني خائف لو كنت أنا مكانه، لم أكن مسعدا لشيئ في الآخرة و لا في الدنيا قبل ذلك كنت أمر بفترة فراغٍ أجوف، في أسوء حالاتي الدنيوية و أسوء حالاتي الدينية ، ماذا لو كنت أنت؟ فلا شيئ يمنع. هل تعلم يا وسيم الفرق بينك و بينه الآن ؟ لا. سأجيبك: إنه قلب متوقف.
طبعًا هي الآجال و ما توقفُ القلب إلا أحد الأسباب ، لكن صدمةَ تلك اللحظة كان لها أثر قلَب كل شيئ بما فيها من أبسط المفاهيم.
الآن قد علمت الجواب، الآن علمت لِمَ سألتُ عمي الطبيب الآخر عن سبب الوفاة، و فهمت لم كنت أدفع أكثر و أكثر عندما كان يتهرب من الجواب ، كنت أريد أن يخبرني بأي شيئ أو سبب و لا يهمني أن يكون صائبا، كان المهم عندي أن يخبرني بسبب لأقول في نفسي ،'أنا لسب مصابا بذلك' و أرتاحَ، وأقول 'حسن لن أموت' .أنا صادق كثيرا مع نفسي لكن و لَكَمْ شعرتُ بالخزي عند الإعتراف بذلك لنفسي. إنه رذاذ من الأنانيةٌ لم أدرِ مصدره و كيف تشكل في الفور، هل هي غريزة البقاء أو حب الدنيا ؟ لم يكن المقام و لا الطاقة تسمح بالمرحلة الأخيرةِ في كل جلسةِ نقاشٍ داخلي، و التي هي معالجة المشكلة. لذا حرّكت كفي الذي كان يسند ذقني بضع درجات عن المسقط الشاقولي لأرى الوافدين، الكل يتساءل عن سبب الوفاة، وعندما يكون الجواب الله أعلم، يكون رد فعل السائل : قد يكون مرض القلب أو قد يكون قلبه يشتغل ببطارية أو أي أمراض افتراضية لا يهم أن تكون صائبة ...المهم أن يقال في الداخل 'ليس بي ما به، حسن لن أموت'، ففهمت ما يجول بخاطرهم كما جال بخاطري من قبل.
تم القاء النظرة الأخيرة في المنزل و تم دفن عمي بعدها، و لم أذرف دمعة واحدة بعدُ. حضر جمعٌ غفير جدا أغلق كل الطرقات المؤدية للمنزل، و ذكره إمام المسجد في صلاة الجمعة و ترحم عليه، لقد كان رجلا صالحًا.
بعد أسبوع أو أكثر بدأت أشعر بما مضى و بدأت الدموع تأخذ مجراها كل ليلة ..بعد الوفاة بأشهر بدأ الجميع ينسى الأمر إلا أنا فلازلت مصدوما و لازال عقلي يتصرف كما لو أنه على قيد الحياة و لأكون صادقًا حتى هته الأيام. لكنني و رغم كل ذلك بدأت أتقبل ذلك .. أجل لقد رحل و رحمه الله.
لكن دائما يبقى السؤال يجول بخاطري لم انكسرت كل هذا الإنكسار؟ هل لأنني كنت أستند لشيئ هشّ فانكسر؟ هل هذا تنبيه من الله ألا أستند على العائلة بقوة حتى لا ينكسر الغصن و أسقط؟ و عوض ذلك أستند على الله وحده؟ لكن تلك غريزة و كيف أعلم أنني مستند أكثر من اللازم ؟ و كيف أعلم ان كان كل هذه الفكرة صائبة بالأساس؟
بعد إمضاء حياتي معه بكل ما مر، دوما أتذكر أمرين: الأول عندما كنت صغيرًا جدا، وكان يأخذني كل مساء للتنزه و شراء مشروب القنينة الزجاجية الصغيرة 'نقاوس' الذي كنت و لازلت أعشقه، و الأمر الثاني هو الموقف الذي حصل ذات مرة، ذهبتُ لأصلي العصر في المسجد، تُليتِ إقامة الصلاة و اصطف الجميع و كما يعلم الجميع أن الدعامة أو قائم المبنى قد يقع وسط الصفوف، طلب مني احد المصلين بنبرة الأمر أن أملأ ذلك الفراغ بينما هو ضيق و يعيق على الصلاة، كنت أكره ذلك كثيرًا و بشدة لكنني ذهبت، وقفت أمام القائم للصلاة و إذا بشخص لمسني من الخلف ، إنه هو رحمه الله طلب مني أن نتبادل المكان ، قال لي خذ مكاني هناك و أنا أصلي هنا، صلى هو العصر في ذلك المكان الضيق. حتى اللحظة كلما أرى قائما في المسجد أراه و تأتيني تلك الذكرى تحثني على الدعاء له.
رحمه الله.
شكرًا لصبركم على المشاعر السلبية الموجودة في الموضوع.