مصطفى_س
2018-12-06, 19:01
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله
عندما يصل مرض السرطان إلى مراحله الأخيرة، بسبب تفشيه ومقاومته لكل وسائل العلاج المتوفرة، تصبح المعاناة ظاهرة وجلية وتشمل المريض وكل أفراد العائلة. هذه اللحظات هي الفترة الأشد قساوة على عائلة المريض ومحيطه وكذلك بالنسبة لطبيبه المعالج الذي رافقه لشهور أو لسنوات.
بالنسبة للمريض فمعاناته لم تعد فقط نفسية. جسده هو الآخر يتألم ويعاني اختلالات شتى في وظائف الجسم الطبيعية، مما يؤدي إلى عياء شديد واضطراب في النوم وفقدان للشهية ونزول حاد في الوزن. لقد بدأ جسمه يستسلم شيئا فشيئا لسيطرة الخلايا الخبيثة التي استولت على طاقته وكل قوته. ويبقى الألم الحاد المتواصل أكثر ما يؤرق بال المريض وعائلته على حدٍّ سواء.
من الناحية النفسية تختلف الاضطرابات من شخص لآخر ومن حالة لأخرى. فهناك من يتقبل وضعيته بشكل ملفت ويعيش لحظاته الأخيرة في استسلام وسكينة، وهناك من لا يتحمل حالته خصوصا إذا كان يتألم كثيرا رغم مضادات الألم التي تعطى له باستمرار وتجده يدعو بتعجيل موعد رحيله أو يطلب ذلك من عائلته وأطبائه، خصوصا إذا كان بقاؤه حيا مرتبطا بتدخل طبي. لكن هناك أيضا حالات أخرى حيث يعاني المريض من وضعية معقدة تسمى بـ "الإنكار"، وبالتالي يتصرف وكأنه ليس مريضا بالسرطان أو كأنه لا يعلم حقيقة المرض الذي ألمَّ به.
وفي هذه المرحلة، تعاني العائلة بقدر معاناة المريض وأكثر. فهي تقف عاجزة أمام تدهور حالته المستمر والمتسارع، وتودُّ لو تقدم له أي نوع من المساعدة وبأي شكل من الأشكال، مما يجعلها تطالب بتقديم العلاج رغم تأكدها من عدم جدواه. وهذا النوع من الإصرار على تقديم العلاج الناتج عن حالة العجز وما تسببه من اضطرابات نفسية، يزيد من معاناة المريض بالسرطان ويُصَعِّب عليه لحظاته الأخيرة.
كل ما يحتاجه المريض في هذه اللحظات هو عدم الإحساس بالألم والقدرة على النوم بشكل مريح حتى تغمره السكينة وينعم بالاطمئنان بفضل العناية النفسية والشعور بالدفء والحنان العائلي. لذلك يجب اجتناب كثرة الأدوية وأخذ المكملات الغذائية، خصوصا عن طريق الدم، وكذلك اجتناب الحقن والأمصال الفيزيولوجية [serum]. فلا شيء من كل هذا يجدي نفعاً في حالته هذه ولن يزيده إلا ألما ومعاناة إضافية. ولا يمكننا أن نمنع عنه الموت بتدخلاتنا المستمرة، فجسمه قد استسلم للسرطان وليس هناك ما يمكن فعله في هذه الآونة. كل ما نستطيع القيام به هو مرافقته في لحظاته الأخيرة.
الأمر ليس بالهيِّن، فالعائلة تصبح شاهدة على معاناة من تحب وتتابع في حسرة وألم مسلسل موته البطيء. لذلك فهي في حاجة إلى مساعدة متخصصة تعنى بمرافقة المريض وإعطائه الرعاية التلطيفية وتعنى كذلك بالجانب النفسي لتمكينها من تجاوز هذه الفترة بأقل الأضرار النفسية. فمن بين الأشياء التي تصعّب عليها الأمور مطالبة المريض نفسه بالعلاج وتساؤلاته المستمرة عن حالته ومصيره. فهي لا تريد مواجهته في كل مرة بالحقيقة وتودُّ لو تترك له باب الأمل مفتوحا. ولكن كيف يكون جوابها مقنعا وهي تمنع عنه العلاج الذي أصبح يعرفه خير المعرفة.
ولا يمكن الاعتماد في هذه المواقف على الخبرة الشخصية ونصائح المعارف والأصدقاء. ولا بد من اللجوء إلى أخصائي نفساني لمواجهة هذه التحديات بأفضل الوسائل الممكنة. وإلا سيصبح من السهل الرضوخ لبعض الأساليب المتحايلة التي تقتات على ضعف المريض وعجز العائلة.
اليوم، هناك باحثون وأخصائيون من كل أنحاء العالم ينكبون على دراسة هذا المرض وتجربة أنواع جديدة من العلاجات المتطورة. وفي كل مرة تزداد معرفتنا بعمل الخلية وكيفية نموها وتكاثرها، وفي الوقت نفسه نزداد دهشة وذهولا أمام عالم مجهري قائم بذاته يحاكي عالمنا، لا بل يفوقه نظاما وتطورا.
وكل هذا بفضل السرطان ودراستنا للتغيرات التي تطرأ على عمل الخلايا السرطانية. هذه هي المعادلة التي يصعب علينا فهمها وتقبلها. ويساهم المرضى بدورهم في تقدم هذه البحوث بمشاركتهم الطَّوعية في التجارب السريرية التي تسبق مرحلة الإعلان عن النتائج النهائية. ففي الوقت الذي يعتقدون فيه أنهم استنفذوا كل الحلول وكل الاختيارات المتوفرة، يظهر علاج جديد بنتائج مشجعة تغير كل الحسابات السابقة. وهذا ما يجعل نافذة الأمل مفتوحة على الدوام.
وقد شهدت السنوات الأخيرة نقلة نوعية في المقاربة التي يتبعها العلاج، لقد تحولنا من علاج مرض السرطان إلى علاج المريض بالسرطان. وهذه خطوة كبيرة جعلت من كل مريض حالة خاصة لها خصائصها المتفردة وبالتالي لها علاجها الخاص بها كذلك. وما ينطبق على هذا المريض لا ينطبق بالضرورة على مريض آخر مصاب بالنوع نفسه من أمراض السرطان.
لقد ساهمت هذه المقاربة الجديدة في تحسن النتائج بشكل ملحوظ وفي معرفة أدقَّ بنوعية الاختلالات التي تعرفها الخلايا السرطانية وتكون السبب في مقاومة بعض أنواع العلاج وتصبح أحيانا، ولحسن الحظ، هدفا لأنواع جديدة من العلاجات الموجهة توجيها دقيقا. وهي علاجات تختلف عن العلاج الكيماوي، فهي تستهدف الخلايا السرطانية دون باقي خلايا الجسم.
من جهة أخرى يعرف العلاج المناعي [immunotherapy] تطورا مبهرا في الآونة الأخيرة. فبعد العلاجات التقليدية المقدمة منذ الخمسينات، قد آن الأوان لمنح المريض طريقة جديدة في العلاج أكثر فعالية وأقل تسببا للأضرار الجانبية. وهناك العديد من الدراسات العلمية التي نشرت مؤخرا تؤكد نجاح العلاج المناعي الذي بدأ يتطور إلى عدة أشكال.
لكن وللأسف الشديد، تظل اللحظات الأخيرة لمرض السرطان بقساوتها خالدة في الأذهان ترسم صورة قاتمة عن المرض تلاحقه باستمرار مهما تقدم الطب وتطور العلاج، ومهما أصبح كثير من المرضى يشفون بصفة نهائية أو يعيشون مع مرضهم لسنوات عديدة قبل الوصول إلى هذه اللحظات الحزينة.
منقول للإفادة
السلام عليكم و رحمة الله
عندما يصل مرض السرطان إلى مراحله الأخيرة، بسبب تفشيه ومقاومته لكل وسائل العلاج المتوفرة، تصبح المعاناة ظاهرة وجلية وتشمل المريض وكل أفراد العائلة. هذه اللحظات هي الفترة الأشد قساوة على عائلة المريض ومحيطه وكذلك بالنسبة لطبيبه المعالج الذي رافقه لشهور أو لسنوات.
بالنسبة للمريض فمعاناته لم تعد فقط نفسية. جسده هو الآخر يتألم ويعاني اختلالات شتى في وظائف الجسم الطبيعية، مما يؤدي إلى عياء شديد واضطراب في النوم وفقدان للشهية ونزول حاد في الوزن. لقد بدأ جسمه يستسلم شيئا فشيئا لسيطرة الخلايا الخبيثة التي استولت على طاقته وكل قوته. ويبقى الألم الحاد المتواصل أكثر ما يؤرق بال المريض وعائلته على حدٍّ سواء.
من الناحية النفسية تختلف الاضطرابات من شخص لآخر ومن حالة لأخرى. فهناك من يتقبل وضعيته بشكل ملفت ويعيش لحظاته الأخيرة في استسلام وسكينة، وهناك من لا يتحمل حالته خصوصا إذا كان يتألم كثيرا رغم مضادات الألم التي تعطى له باستمرار وتجده يدعو بتعجيل موعد رحيله أو يطلب ذلك من عائلته وأطبائه، خصوصا إذا كان بقاؤه حيا مرتبطا بتدخل طبي. لكن هناك أيضا حالات أخرى حيث يعاني المريض من وضعية معقدة تسمى بـ "الإنكار"، وبالتالي يتصرف وكأنه ليس مريضا بالسرطان أو كأنه لا يعلم حقيقة المرض الذي ألمَّ به.
وفي هذه المرحلة، تعاني العائلة بقدر معاناة المريض وأكثر. فهي تقف عاجزة أمام تدهور حالته المستمر والمتسارع، وتودُّ لو تقدم له أي نوع من المساعدة وبأي شكل من الأشكال، مما يجعلها تطالب بتقديم العلاج رغم تأكدها من عدم جدواه. وهذا النوع من الإصرار على تقديم العلاج الناتج عن حالة العجز وما تسببه من اضطرابات نفسية، يزيد من معاناة المريض بالسرطان ويُصَعِّب عليه لحظاته الأخيرة.
كل ما يحتاجه المريض في هذه اللحظات هو عدم الإحساس بالألم والقدرة على النوم بشكل مريح حتى تغمره السكينة وينعم بالاطمئنان بفضل العناية النفسية والشعور بالدفء والحنان العائلي. لذلك يجب اجتناب كثرة الأدوية وأخذ المكملات الغذائية، خصوصا عن طريق الدم، وكذلك اجتناب الحقن والأمصال الفيزيولوجية [serum]. فلا شيء من كل هذا يجدي نفعاً في حالته هذه ولن يزيده إلا ألما ومعاناة إضافية. ولا يمكننا أن نمنع عنه الموت بتدخلاتنا المستمرة، فجسمه قد استسلم للسرطان وليس هناك ما يمكن فعله في هذه الآونة. كل ما نستطيع القيام به هو مرافقته في لحظاته الأخيرة.
الأمر ليس بالهيِّن، فالعائلة تصبح شاهدة على معاناة من تحب وتتابع في حسرة وألم مسلسل موته البطيء. لذلك فهي في حاجة إلى مساعدة متخصصة تعنى بمرافقة المريض وإعطائه الرعاية التلطيفية وتعنى كذلك بالجانب النفسي لتمكينها من تجاوز هذه الفترة بأقل الأضرار النفسية. فمن بين الأشياء التي تصعّب عليها الأمور مطالبة المريض نفسه بالعلاج وتساؤلاته المستمرة عن حالته ومصيره. فهي لا تريد مواجهته في كل مرة بالحقيقة وتودُّ لو تترك له باب الأمل مفتوحا. ولكن كيف يكون جوابها مقنعا وهي تمنع عنه العلاج الذي أصبح يعرفه خير المعرفة.
ولا يمكن الاعتماد في هذه المواقف على الخبرة الشخصية ونصائح المعارف والأصدقاء. ولا بد من اللجوء إلى أخصائي نفساني لمواجهة هذه التحديات بأفضل الوسائل الممكنة. وإلا سيصبح من السهل الرضوخ لبعض الأساليب المتحايلة التي تقتات على ضعف المريض وعجز العائلة.
اليوم، هناك باحثون وأخصائيون من كل أنحاء العالم ينكبون على دراسة هذا المرض وتجربة أنواع جديدة من العلاجات المتطورة. وفي كل مرة تزداد معرفتنا بعمل الخلية وكيفية نموها وتكاثرها، وفي الوقت نفسه نزداد دهشة وذهولا أمام عالم مجهري قائم بذاته يحاكي عالمنا، لا بل يفوقه نظاما وتطورا.
وكل هذا بفضل السرطان ودراستنا للتغيرات التي تطرأ على عمل الخلايا السرطانية. هذه هي المعادلة التي يصعب علينا فهمها وتقبلها. ويساهم المرضى بدورهم في تقدم هذه البحوث بمشاركتهم الطَّوعية في التجارب السريرية التي تسبق مرحلة الإعلان عن النتائج النهائية. ففي الوقت الذي يعتقدون فيه أنهم استنفذوا كل الحلول وكل الاختيارات المتوفرة، يظهر علاج جديد بنتائج مشجعة تغير كل الحسابات السابقة. وهذا ما يجعل نافذة الأمل مفتوحة على الدوام.
وقد شهدت السنوات الأخيرة نقلة نوعية في المقاربة التي يتبعها العلاج، لقد تحولنا من علاج مرض السرطان إلى علاج المريض بالسرطان. وهذه خطوة كبيرة جعلت من كل مريض حالة خاصة لها خصائصها المتفردة وبالتالي لها علاجها الخاص بها كذلك. وما ينطبق على هذا المريض لا ينطبق بالضرورة على مريض آخر مصاب بالنوع نفسه من أمراض السرطان.
لقد ساهمت هذه المقاربة الجديدة في تحسن النتائج بشكل ملحوظ وفي معرفة أدقَّ بنوعية الاختلالات التي تعرفها الخلايا السرطانية وتكون السبب في مقاومة بعض أنواع العلاج وتصبح أحيانا، ولحسن الحظ، هدفا لأنواع جديدة من العلاجات الموجهة توجيها دقيقا. وهي علاجات تختلف عن العلاج الكيماوي، فهي تستهدف الخلايا السرطانية دون باقي خلايا الجسم.
من جهة أخرى يعرف العلاج المناعي [immunotherapy] تطورا مبهرا في الآونة الأخيرة. فبعد العلاجات التقليدية المقدمة منذ الخمسينات، قد آن الأوان لمنح المريض طريقة جديدة في العلاج أكثر فعالية وأقل تسببا للأضرار الجانبية. وهناك العديد من الدراسات العلمية التي نشرت مؤخرا تؤكد نجاح العلاج المناعي الذي بدأ يتطور إلى عدة أشكال.
لكن وللأسف الشديد، تظل اللحظات الأخيرة لمرض السرطان بقساوتها خالدة في الأذهان ترسم صورة قاتمة عن المرض تلاحقه باستمرار مهما تقدم الطب وتطور العلاج، ومهما أصبح كثير من المرضى يشفون بصفة نهائية أو يعيشون مع مرضهم لسنوات عديدة قبل الوصول إلى هذه اللحظات الحزينة.
منقول للإفادة