تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : استشارات تربوية


*عبدالرحمن*
2018-11-12, 14:36
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


خطر النفاق

السؤال

ما هو النفاق وما خطره على المسلمين ؟.

الجواب

الحمد لله

النفاق مرض خطير وجرم كبير وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر..

والنفاق أخطر من الكفر وعقوبته أشد لأنه كفر بلباس الإسلام وضرره أعظم ولذلك جعل الله المنافقين في أسفل النار

كما قال سبحانه : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً ) النساء/145 .

المنافقون دائماً في حيرة وتقلب في خداع ومكر ظاهرهم مع المؤمنين .. وباطنهم مع الكافرين

حيناً مع المؤمنين وحيناً مع الكافرين ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً ) النساء/143 .

والمنافقون لفساد قلوبهم أشد الناس إعراضاً عن دين الله كما أخبر الله عنهم بقوله : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً ) النساء/61 .

وتصرفات المنافقين تدور مع مصالحهم فإذا لقوا المؤمنين أظهروا الإيمان والموالاة غروراً منهم للمؤمنين , ومصانعة , وتقية , وطمعاً فيما عندهم من خير ومغانم .

. وإذا لقوا سادتهم وكبرائهم قالوا نحن معكم على ما أنتم عليه من الشرك , والكفر

كما قال سبحانه عنهم : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) البقرة/14-15 .

وللمنافقين صفات كثيرة أشرها وأخطرها الكفر بالله قال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ) البقرة/13 .

ومن صفاتهم العداوة والحسد للمؤمنين كما قال سبحانه : ( إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون ) التوبة/50 .

ومن صفاتهم الاستهزاء بالله ورسوله ودينه كما قال سبحانه : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) التوبة/65- 66 .

ومن صفاتهم الفساد في الأرض بالكفر والنفاق والمعاصي .. قال تعالى : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) البقرة/11-12 .

ومن صفاتهم البهتان والكذب كما أخبر الله عنهم بقوله : ( ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ) المائدة/65 .

ومن صفاتهم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والبخل بالمال كما أخبر الله عنهم بقوله : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون

عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ) التوبة/67 .

ومن صفاتهم الطمع والجشع .. ( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) التوبة/58 .

ومن صفاتهم ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً , ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر ,

وإذا وعد أخلف , وإذا خاصم فجر ) رواه مسلم/53 .

ومن صفاتهم الاهتمام بالمظهر و فساد المخبر وزخرفة القول كما قال الله عنهم : ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة

يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) المنافقون/4 .

وإذا كان الكفار عدواً مبيناً من الخارج فإن المنافقين عدواً خفياً من الداخل , وهم أعظم ضرراً و أشد خطراً على المسلمين لأنهم يخالطونهم ويعلمون أحوالهم ..

وقد قضى الله أن مصير الكافرين و المنافقين إلى جهنم : ( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً ) النساء/140 .

لكن المنافقين لعظيم ضررهم في أسفل النار كما قال سبحانه : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) النساء/145 .
وحيث أن خطر الكفار و المنافقين على الأمة الإسلامية عظيم لذا أمر الله رسوله بجهادهم فقال : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ) التحريم/9 .

كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 14:50
الأسباب المعينة على قيام الليل

السؤال

ما هي الأمور التي تساعد على قيام الليل ( التهجد ) .

لجواب

الحمد لله

الأسباب المعينة على قيام الليل كثيرة منها :

1- الإخلاص لله تعالى :

كما أمر الله تعالى بإخلاص العمل له دون ما سواه : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) ، فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات

وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض

فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " رواه أحمد صحيح الجامع 2825 .

قال مطرف بن عبدالله بن الشخير :

صلاح العمل بصلاح القلب ، وصلاح القلب بصلاح النية .

قال ابن القيم رحمه الله :

وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته ، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم

والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك . ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل ؛ سأل رجل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه فقال له :

كيف صلاتك بالليل ؟

فغضب غضباً شديداً ثم قال : والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي الليل كله ، ثم أقصه على الناس . وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله

فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه ، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك الساعة .

2- أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه للقيام : فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً كان ذلك أدعى للاستجابة

قال تعالى : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً ) ، قال سعد بن هشام بن عامر لعائشة رضي الله عنها : أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :

ألست تقرأ ( يا أيها المزمل ) قلت : بلى ، فقالت : إن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً

وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة . رواه مسلم .

2- معرفة فضل قيام الليل : فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة الله تعالى ، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت ، ومما جاء في فضل هذه العبادة

ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

: " أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل ، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم " رواه مسلم . وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ويصوم يوماً ويفطر يوماً " متفق عليه . وعن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال : " أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " رواه الترمذي والنسائي . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

: " عجب ربنا من رجلين : رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله جل وعلا : أَيَا مَلَائِكَتِي، انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي، ثَارَ مِنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ

وَمِنْ بَيْنِ حَيِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ، رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي " رواه أحمد وهو حسن

صحيح الترغيب 258 . وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين

ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " رواه أبوداود وابن حبان وهو حسن ، صحيح الترغيب 635 .

قال يحى بن معاذ : دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتفكر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين .

4-النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل ومدى لزومهم له : فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل ، ويفرحون به أشد الفرح ، قال عبد الله بن وهب : كل ملذوذ إنما له لذة واحدة

إلا العبادة ، فإن لها ثلاث لذات : إذا كنت فيها ، وإذا تذكّرتها ، وإذا أعطيت ثوابها . وقال محمد بن المنكدر : ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث : قيام الليل ، ولقاء الإخوان

والصلاة في جماعة . وقال ثابت البناني : ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل وقال يزيد الرقاشي : بطول التهجد تقر عيون العابدين ، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله .

قال مخلد بن حسين : ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله ويصلي ، فأَغتمُّ لذلك ، ثم أتعزى بهذه الآية ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) .

وقال أبو عاصم النبيل : كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته . وعن القاسم بن معين قال

: قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) يرددها ويبكي ، ويتضرع حتى طلع الصبح . وقال إبراهيم بن شماس : كنت أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام .

وقال أبو بكر المروذي : كنت مع الإمام أحمد نحواً من أربعة أشهر بالعسكر ولا يدع قيام الليل وقرآن النهار ، فما علمت بختمة ختمها ، وكان يسرّ ذلك

وكان الإمام البخاري : يقوم فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن ، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال . وقال العلامة ابن عبد الهادي يصف قيام شيخ الإسلام ابن تيمية :

وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه ، ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن ، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية

وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة . وقال ابن رجب في شيخه الإمام ابن القيم : وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى

ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث وحقائق الإيمان . وقال الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي : وقد لازمته ، فلم أره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف .

3- النوم على الجانب الأيمن : وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن ، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه ، ثم ليضطجع على شقه الأيمن ، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها

وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " متفق عليه . وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال : إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن " متفق عليه ، وعن حفصة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن " رواه الطبراني

صحيح الجامع 4523 . قال الإمام ابن القيم رحمه الله : وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر ، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر

فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً ، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه ، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه .

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 14:51
4- النوم على طهارة : تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة " متفق عليه

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل ، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه " رواه أبو داود وأحمد ، صحيح الجامع 5754 .

وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " طهّروا هذه الأجساد طهركم الله ، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك

لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال : اللهم اغفر لعبدك ، فإنه بات طاهراً " رواه الطبراني ، قال المنذري : إسناد جيد ، صحيح الجامع 3831 .

6- التبكير بالنوم : النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية ، وخصلة حميدة ، وعادة صحية ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء

وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها " رواه البخاري ، نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في قوله : "وكان يكره النوم قبلها " قال : لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً

أو عن الوقت المختار ، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح ، أو عن وقتها المختار ، أو عن قيام الليل . وقال ابن رافع : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة

ويقول : قوموا لعل الله يرزقكم صلاة . ومما يتعلق بالنوم : اختيار الفراش المناسب ، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش ، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة

ومجلبة للكسل والدّعة ، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف . رواه أبوداود وأحمد ، صحيح الجامع 4714

. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال عمر : يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوْثر من هذا ؟

فقال صلى الله عليه وسلم : ما لي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ، ثم راح وتركها . رواه أحمد والحاكم

صحيح الجامع 5545. وكان علي بن بكار رحمه الله تفرش له جاريته فراشه ، فيلمسه بيده ثم يقول : والله إنك لطيب ، والله إنك لبارد ، والله لا علوتك ليلتي

ثم يقوم يصلي إلى الفجر . ومن ذلك عدم الإفراط في النوم والاستغراق فيه ، قال إبراهيم ابن أدهم : إذا كنت بالليل نائماً ، وبالنهار هائماً ، وفي المعاصي دائماً ، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائماً .

7- المحافظة على الأذكار الشرعية قبل النوم : فإن هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان ، ويعين على القيام ، ومن هذه الأذكار

ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه ، فلينفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه ، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن

ثم ليقل : باسمك ربي وضعت جنبي ، وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " متفق عليه .

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه

ثم نفث فيهما يقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات " متفق عليه

.وعن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " متفق عليه . وعن أنس بن مالك رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه

قال : " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا ، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له " رواه مسلم

. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقصة الشيطان معه قال له : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) حتى تختمها

فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : صدقك وهو كذوب " متفق عليه .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها لما جاءت إليه تطلب منه خادماً

فقال لها ولعلي : ألا أدلكما على خير لكما من خادم ،إذا أويتما إلى فراشكما ، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين

فإنه خير لكما من خادم " متفق عليه . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال : " اقرأ ( قل يا أيها الكافرون) عند منامك ، فإنها براءة من الشرك " رواه البيهقي ، صحيح الجامع 1172

. وعن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن وقال : رب قني عذابك يوم تبعث عبادك " رواه أبو داود ، صحيح الجامع 4532 .

وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتيت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن

ثم قل : اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك

آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ، فإن متّ متّ على الفطرة ، واجعلهن آخر ما تقول " متفق عليه . وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية عند الاستيقاظ

ومنها : ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا استيقظ أحدكم فليقل : الحمد لله الذي رد علي روحي

وعافاني في جسدي ، وأذن لي بذكره " رواه الترمذي والنسائي ، صحيح الجامع 326 . وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال : من تعارّ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله سبحان الله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله

ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن توضأ ثم صلى قُبلت صلاته " رواه البخاري . قال الإمام ابن بطال : وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن من استيقظ من نومه لَهِجاً بتوحيد ربه

والإذعان له بالملك ، والاعتراف بنعمه بحمده عليها ، وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير ، والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه ، أنه إذا دعاه أجابه ، وإذا صلى قبلت صلاته

فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ، ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى . وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه قال

: " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " رواه مسلم .

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل يمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم ينظر إلى السماء ويقرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران

: ( إن في خلق السماوات والأرض …) الآيات . رواه مسلم

قال الإمام النووي : فيه استحباب مسح أثر النوم عن الوجه ، واستحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم .

5- الحرص على نومة القيلولة بالنهار : وهي إما قبل الظهر أو بعده ، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قيلوا فإن الشياطين لا تقيل " رواه الطبراني ، الصحيحة 2647

قال إسحاق بن عبدالله : القائلة من عمل أهل الخير ، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل . ومرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال

: أما يقيل هؤلاء ، فقيل له : لا فقال : إني لأرى ليلهم ليل سوء .

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 14:52
6- اجتناب كثرة الأكل والشرب :

فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن قيام الليل ، وتحول بينه وبينه كما جاء في حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

: " ما ملأ آدمي وعاءاً شراً من بطنه ، حسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه " رواه الترمذي وابن ماجه ، صحيح الجامع 5674 .

وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تجشأ في مجلسه : أقصر من جشائك ، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة " رواه الحاكم ، صحيح الجامع 1190

. قال سفيان الثوري : عليكم بقلة الأكل ، تملكوا قيام الليل . ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً فقال :

ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة . وقال وهب بن منبه : ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام .

7- مجاهدة النفس على القيام : وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل لأن النفس البشرية بطبيعتها أمارة بالسوء تميل إلى كل شر ومنكر فمن أطاعها فيما تدعو إليه قادته إلى الهلاك والعطب

وقد أمرنا الله تعالى بالمجاهدة فقال : ( وجاهدوا في الله حق جهاده) وقال سبحانه : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )

وقال تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ) وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المجاهد من جاهد نفسه في الله " رواه الترمذي وابن حبان ، الصحيحة 549 .

وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد

فإذا وضأ يديه انحلت عقدة ، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة ، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة ، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة ، فيقول الله عز وجل للذين من وراء الحجاب : انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه

ويسألني ، ما سألني عبدي فهو له " رواه أحمد وابن حبان ، صحيح الترغيب 627 . قال محمد بن المنكدر : كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي

. وقال ثابت البناني : كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة .

وقال عمر بن عبد العزيز : أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس .

وقال عبد الله بن المبارك : إن الصالحين فيما مضى كانت تواتيهم أنفسهم على الخير ، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها .

وقال قتادة : يا ابن آدم : إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط ، فإن نفسك إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل ، ولكن المؤمن هو المتحامل .

8- اجتناب الذنوب والمعاصي : فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى ، والأنس بذكره في ظلم الليل ، فليحذر الذنوب

فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي ، قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال : لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل

فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف . وقال رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟

فقال الحسن : ذنوبك قيدتْك . وقال رحمه الله : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل ، وصيام النهار . وقال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ، فأعلم أنك محروم مكبّل ، كبلتك خطيئتك .

9- محاسبة النفس وتوبيخها على ترك القيام : فمحاسبة النفس من شعار الصالحين ، وسمات الصادقين قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) .

قال الإمام ابن القيم :

فإذا كان العبد مسئولاً ومحاسباً على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال تعالى : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً ) فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب .

وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى ، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية ، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات

ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش . ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة ، وسمات النفوس الكبيرة

وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى : ( أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) .

وقيام الليل سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله : " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، ومقربة إلى ربكم

ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد " رواه الترمذي وأحمد .

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل "

وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل

ولم يتركه سفراً ولا حضراً ، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه ، فقيل له في ذلك فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه .

وهكذا كان حال السلف الكرام عليه رحمة الله تعالى ؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه : صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور . وقال أحمد بن حرب : عجبت لمن يعلم أن الجنة تزيّن فوقه

والنار تضرم تحته ، كيف نام بينهما . وكان عمر بن ذر إذا نظر إلى الليل قد أقبل قال : جاء الليل ، وللّيل مهابة ، والله أحق أن يهاب

ولذا قال الفضيل بن عياض : أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال : ليس هذا لكِ ، قومي خذي حظك من الآخرة

. وقال الحسن : ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ، ونفقة المال ، فقيل له : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً ؟ قال : لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره .

وكان نساء السلف يجتهدن في قيام الليل مشمرات للطاعة ، فأين نساء هذه الأيام عن تلك الأعمال العظام . قال عروة بن الزبير أتيت عائشة رضي الله عنها يوماً لأسلم عليها فوجدتها تصلي

وتقرأ قوله تعالى : ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ) ترددها وتبكي

فانتظرتها فلما مللت من الانتظار ذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت إلى عائشة فإذا هي على حالتها الأولى تردد هذه الآية في صلاتها وتبكي

. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال لي جبريل : راجع حفصة فإنها صوامة قوامة . رواه الحاكم ، صحيح الجامع 4227 .

وقامت معاذة العدوية من التابعيات الصالحات ليلة زفافها هي وزوجها صلة بن أشيم يصليان إلى الفجر ، ولما قتل زوجها وابنها في أرض الجهاد

كانت تحيي الليل كله صلاة وعبادة وتضرعاً ، وتنام بالنهار ، وكانت إذا نعست في صلاتها بالليل قالت لنفسها : يا نفس النوم أمامك . وكانت حبيبة العدوية إذا صلت العشاء

قامت على سطح دارها وقد شدت عليها درعها وخمارها ، ثم تقول : إلهي ، غارت النجوم ، ونامت العيون ، وغلقت الملوك أبوابها ، وبابك مفتوح

وخلا كل حبيب بحبيبه ، وهذا مقامي بين يديك ، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها لربها إلى السحر ، فإذا جاء السحر قالت : اللهم هذا الليل قد أدبر ، وهذا النهار قد أسفر ، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهني

أم رددتها علي فأعزي . وقامت عمرة زوج حبيب العجمي ذات ليلة تصلي من الليل ، وزوجها نائم ، فلما دنا السحر ، ولم يزل زوجها نائماً ، أيقظته وقالت له : قم يا سيدي

فقد ذهب الليل ، وجاء النهار ، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل ، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ، ونحن قد بقينا .

نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وصلى الله على نبينا محمد .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 14:55
كيف يُعالج الإنسان نفسه إذا دعته إلى الرياء

السؤال

كلما فعلت شيئاً جيداً أنظر للناس لكي يقدروا عملي ، وبعبارة أخرى فأنا أرائي ، أعلم بأن الرياء غير مسموح به في الإسلام ولكن كيف أستطيع أن أتخلص من الرياء وهذا الشعور ؟.

الجواب

الحمد لله

على الراغب في التخلص من الرياء أن يسلك هذه السبل في علاج نفسه منه ، ومن ذلك :

1. استحضار مراقبة الله تعالى للعبد .

وهي منزلة " الإحسان " التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل ، وهي " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك " . رواه مسلم ( 97 ) .

فمن استشعر رقابة الله له في أعماله يهون في نظره كل أحد ، ويوجب له ذلك التعظيم والمهابة لله تعالى .

2. الاستعانة بالله تعالى على التخلص من الرياء

قال الله تعالى عن المؤمنين إياك نعبد وإياك نستعين [ الفاتحة 5 ]

ومن الأشياء التي تنفع في هذا الباب الاستعانة بالله في دعائه

قال صلى الله عليه وسلم : "أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقال له من شاء الله أن يقول :وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟

قال قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم " . رواه أحمد (4/403) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 3731 ) .

3. معرفة آثار الرياء وأحكامه الأخروية .

حيث أن الجهل بذلك يؤدي إلى الوقوع أو التمادي فيه ، فليعلم أن الرياء مُحبط للأعمال ، وموجب لسخط الله ، والعاقل لا يتعب نفسه بأعمال لا يكون له أجر عليها ، فكيف إذا كانت توجب سخط الله وغضبه .

ومن أعظم الأحاديث في عقوبة المرائين في الآخرة ما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم :

" أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ

عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ

أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ

فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ

فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي

فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". رواه الترمذي ( 2382 ) وحسّنه ، وصححه ابن حبان ( 408 ) ، وابن خزيمة ( 2482 ) .

4. النظر في عقوبة الرياء الدنيوية .

وكما أن للرياء عقوبة أخروية ، فكذلك له عقوبة دنيوية ، وهي أن يفضحه الله تعالى

ويظهر للناس قصده السيّئ ، وهو أحد الأقوال في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم " من سمَّع : سمَّع الله به ، ومَن راءى : راءى الله به " رواه البخاري ( 6134 ) ومسلم ( 2986 )

. قال ابن حجر

: قال الخطابي معناه : من عمل عملا على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه .

وقيل : من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثا سيئا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة . أ.هـ "

فتح الباري " ( 11 / 336 ) .

5. إخفاء العبادة وعدم إظهارها .

وكلما ابتعد الإنسان عن مواطن إظهار العبادة : كلما سَلِم عمله من الرياء ، ومن قصد مواطن اجتماع الناس : حرص الشيطان عليه أن يظهر العبادة لأجل أن يمدحوه ويُثنوا عليه .

والعبادة التي ينبغي إخفاؤها هنا هي ما لا يجب أو يُسنُّ الجهر به كقيام الليل والصدقة وما أشبههما ، وليس المقصود الأذان وصلاة الجماعة وما أشبههما مما لا يُمكن ولا يُشرع إخفاؤه .

نسأل الله الإخلاص في القول والعمل وأن يغفر لنا ما وقعنا فيه من الرّياء والسمعة وصلى الله على نبينا محمد .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 14:57
ماذا يفعل من رأى في نفسه الشر وأن الشر يغلب الخير ؟

السؤال

ماذا يفعل من رأى في نفسه الشر وأن الشر يغلب الخير ؟

الجواب

الحمد لله

الإنسان كائن ضعيف ، يتعرض لنوازع الخير والشر ، وقد يضعف وينساق إلى طريق الرذيلة والانحراف ، ويدفعه الشر إلى طريق الظلم والتعدي ، ويزين له الشيطان فعل المنكرات ، ويبرر له كل تصرف منحرف .

لكن عنصر الخير يحرك فيه ضميره ، ويُشعره بالندم ، ويحثه على الرجوع إلى الحق ، والاستجابة لنداء العقل .

وتختلف قدرات الناس ، وقوة إرادتهم ، وصفاء نفوسهم ، وشفافية أرواحهم ، فمنهم من يروض نفسه على السير على طريق الفضائل والمكرمات ، ويربيها على المبادئ والأخلاق

ويقاوم الشهوات ، والميول المنحرفة ، ويلزم نفسه بالاستقامة والإنصاف ، فهذا يستطيع أن يواجه الشر ، ويحتمل في سبيل ذلك كل أمر عسير ، ولا يفقد الأمل بتغلب الخير ، واندحار الشر ، وزواله .

ومنهم من ينساق وراء الشهوات ، ويعجز عن إلزام نفسه بالفضائل ، ويتخلى عن كثير من أوامر الله ورسوله ، ويضعف أمام المواجهة ، ويفقد الأمل في تغلب الخير .

فالسرّ في المسألة كلها أن يُجاهد العبد هواه ونفسه الأمّارة بالسوء لينال الهداية من الله قال الله تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا ) .

وفيما يلي عبارات جميلة في المجاهدة لابن القيم رحمه الله

" يا أقدام الصبر احملي بقي القليل تذكّر حلاوة ( العبادة ) يَهُن عليك مُرّ المجاهدة " الفوائد

" اخرج إلى مزرعة المجاهدة واجتهد في البذر واسق شجرة الندم بساقية الدمع فإذا عاد العود أخضر فَعُد لما كان . " بدائع الفوائد 3/742

" وقيل : المحبة صدق المجاهدة في أوامر الله وتجريد المتابعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " طريق الهجرتين 1/460

" من ترك المجاهدة بالكلية ضعف فيه باعث الدين وقويَ فيه باعث الشهوة ومتى عود نفسه مخالفة الهوى غلبه متى أراد " عدة الصابرين ص/46

والمؤمن المجاهد يعلم أن الخير باقٍ ، وأن الغلبة له ، مهما اشتدت الظلمة ، وعظمت المصيبة وتحكم الشر واستبد ، وتجاوز كل حد ، والله المستعان .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 15:05
الأسباب المعينة على قوة الحفظ ومقاومة النسيان

السؤال

أنسى كثيرا من الأشياء التي تتعلق بنشاطاتي اليومية ، فهل تستطيع أن ترشدني إلى أي عمل يساعدني في هذا الأمر من القرآن والسنة ؟

الجواب

الحمد لله

من طبيعة الإنسان النسيان كما قال الشاعر :

وما سُمي الإنسان إلا لنسيه
ولا القلب إلا أنه يتقلب

وقد قالوا قديما : إن أول نَاسٍ أولُ الناس ، والمقصود بذلك آدم عليه السلام ، لكن النسيان يتفاوت من إنسان إلى آخر بحسب طبيعته ، فيكثر عند البعض ويقلّ عند آخرين ، ومما يُساعد على مقاومة النسيان ما يلي :

أولاً : الابتعاد عن الذنوب ، لأن شؤم المعصية يورث سوء الحفظ وقلّة التحصيل في العلم ولا تجتمع ظلمة المعصية مع نور العلم ، ومما يُنسب إلى الشافعي رحمه الله قوله :

شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقــال إن علم الله نــورٌ
ونور الله لا يعطى لعاصي

وروى الخطيب في الجامع (2/387)

عن يحيى بن يحيى قال سأل رجل مالك بن أنس : يا أبا عبد الله ! هل يصلح لهذا الحفظ شيء قال : إن كان يصلح له شيء فترك المعاصي .

وعندما يقارف الإنسان ذنباً ، فإن خطيئته تحيط به ويلحقه من جراء ذلك همّ وحزن وينشغل تفكيره بما قارفه من إثم فيطغى ذلك على أحاسيسه ويُشغله عن كثير من الأمور النافعة ومنها حفظ العلم .

ثانيا : كثرة ذكر الله عزّ وجلّ من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وغيرها

قال الله تعالى : ( واذكر ربك إذا نسيت ) .

ثالثا : أن لا يكثر الأكل ، فإن كثرة الأكل جالبة لكثرة النوم والبلادة وقصور الذهن وفتور الحواس ، وكسل الجسم ، وهذا مع ما فيه من التعرض لخطر الأسقام البدنية

كما قيل

فإن الداء أكثر ما تراه
يكون من الطعام أو الشراب

رابعا : ذكر بعض أهل العلم مطعومات تزيد في الحفظ ومن ذلك شرب العسل وأكل الزبيب ومضغ بعض أنواع اللبان :

قال الإمام الزهري :

عليك بالعسل فإنه جيد للحفظ

وقال أيضاً : من أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب من "

الجامع " للخطيب (2/394) .

وقال إبراهيم :

عليكم باللبان فإنّه يشجع القلب ويذهب النسيان .

من الجامع للخطيب (2/397 )

كما ذكروا أن الإكثار من الحوامض من أسباب البلادة ، وضعف الحفظ .

رابعا : ومن الأمور التي تساعد على الحفظ وتقاوم النسيان : الحجامة في الرأس وهذا معروف بالتجربة . ( وللمزيد يُنظر الطب النبوي لابن القيم ) .

والله أعلم

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 15:09
يحسّ بالتقصير والشيطان يثبّطه عن تحسين حاله

السؤال

الحمد لله أنا مسلم ولكنني لا أشعر بأنني مؤمن ، لا أشعر بالراحة للطريقة التي أعيش بها وأشعر بهذا من وقت لآخر ، وأسأل نفسي (أين مكاني يوم القيامة ؟ ) لا أشعر بالسعادة في حياتي بسبب هذا الإحساس ..

أشعر بالندم إذا ضيعت الصلاة ، أشعر بالرغبة في أن أفعل الكثير من الأشياء التي يريد مني الله أن أفعلها وبهذا أدخل الجنة مع الرسول صلى الله عليه وسلم

ولكن ينتهي الأمر بأنني لا أفعل شيئا. والذي أريده منك أن تخبرني ما هي طريقة البداية .. شكرا و جزاك الله خيرا.

الجواب

الحمد لله

هذه المشاعر التي ذكرتها في سؤالك يا أخي دوافعها طيبة إن شاء الله وناتجة عن شعورك بالتقصير والرغبة في تزكية نفسك ورفع مستواها الإيماني

ولكن المهمّ أن لا تقودك إلى الإحباط بل تكون دافعا عمليا للتحسين فاستثمر الشعور بالتقصير في الاندفاع للعمل وليس الاستسلام للمستوى المتدني والانكفاء على الحال وعدم التغيير .

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في دعائه من العجز والكسل وهو الذي علمنا السعي لعمل ما ينفعنا في دنيانا وأخرانا

فقال : ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) رواه مسلم برقم 4816 فاجعل أيها الأخ الكريم تقوى الله نصب عينيك لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته

ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وأن تتذكر وعده ووعيده ، وعده لأوليائه الصالحين بالمغفرة والأجر الكريم وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كريم المائدة 9

ووعيده لمن حادوا عن الصراط المستقيم وخالفوا أمره وضيعوه وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم التوبة 68 لكي تكون دائما بين الخوف والرجاء

لتعلم أن وعد الله حق فلا تغتر بهذه الحياة ولتعد العدة ليوم تلقاه يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور فاطر : 5 ولتكثر من ذكر الله

فإن فيه طمأنينة للقب وراحة للنفس الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الرعد : 28، وعليك بالاستغفار مما ضيعت من أوامر الله فقد جعل الله سبحانه باب التوبة مشرعاً أمام سائر المذنبين

: روى مسلم في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها . صحيح مسلم 4954

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ، قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي

يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة رواه الترمذي بإسناد حسن سنن الترمذي برقم 3463.

فإذا عمل المسلم بطاعة الله تعالى جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ، قال تعالى : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب الطلاق : 3

وابدأ بالفرائض وألزم نفسك بها وبالامتناع عن المحرمات ثم التفت إلى المستحبّات وتدرّج في القيام بها والزيادة في عملها شيئا فشيئا حتى لا تنفر نفسك ولا تملّ .

وأخيراً إياك والتسويف فإنه محبط للقيام بالعمل فإذا شرعت بطاعة فسارع بها ولا تتوانى فيها والمسارعة

في مثل هذا الباب أمر محمود وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وداوم على العمل وإن قلّ فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلّ

والله ولي التوفيق.

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-17, 14:24
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


أبي يشاهد الأشياء المحرمة ؟!

السؤال

اكتشفت مؤخرا أن أبي بدأ يطلب مني الكمبيوتر ، فبدأ يتعلق به ، وكان يقرأ الأشياء المفيدة ، وفي اليومين الأخيرين بدأ يطلبه مني ليلا ، ويبقى عليه فاكتشفت من المحفوظات أنه كان يبحث عن الأشياء المحرمة

والأفلام الجنسية ، ولم يحصل شيئا ، علما بأنني ابنه الأصغر ، وعلما بأن حالتنا الاجتماعية سيئة جدا جداً . ولكن أبي هو الأب المثالي

فإنه لم يقصر معنا بشيء ، حتى ولو كان ظروفه ما تسمح ، ويحبنا ، ويهتم بنا وبأمي ، ويحاول قدر ما يقدر أن يوفر وسائل الراحة لنا ؛ وأنا في حيرة من مري ، كأنه ما هو أبوي ، كأنه شخص آخر ؟!

الجواب

الحمد لله

اعلم ـ أولا ـ أيها الابن الكريم ، أنك ينبغي أن تتحرك وتجاهد بدافع من حبك لأبيك ، وحرصك عليه ، وخوفك عليه من النار ، وغضب الجبار!!

ثم اعلم ـ ثانيا ـ أنه لا أحد منا معصوم من نزغات الشيطان ، واستدراجه له بمعصية ما ، يرى ضعفه في جانبها ، فيحاول أن يستزله بها .

ثم اعلم ـ ثالثا ـ أنه : ( مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) ، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فكيف إذا كان هذا المسلم أباك ؟!!

وبناء على ذلك ، فالواجب عليك أن تجتهد في سد هذا الطريق أمام والدك ، فتظهر حاجتك للجهاز ، لا سيما في الأوقات التي تخشى من مطالعته فيها لذلك

أو تعطله بعض هذه الأوقات ، ولا بأس أن تعرض عليه بعض الآثار السيئة للجري وراء سراب هذه المواقع الإبليسية ، ولو بصورة غير مباشرة

وما حل بهؤلاء المنحلين ، ودعاة الرذيلة ، من خزي الدنيا وفضائحها ، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى .

غير أن ها هنا أمرا مهما ، يجب عليك تجاه أبيكم ، وهو أن تشاركوه همومه ، فربما كانت همومه ، وديونه ، ومسؤولياته ، هي الدافع له إلى أن يهرب من التفكير فيها إلى هذه التصرفات التي تستغربها أنت

فحاول أنت وأمك وإخوتك أن تشاركوا أباكم همومه ، وأن تخففوا عنه أعباءه ، قدر استطاعتكم ، والعبء الأكبر في ذلك سوف يقع على والدتك الكريمة

فهي موضع سره ، وستره ومستراحه ، فلتحاول أن تخرجه من ذلك ، وأن تحيا معه حياة زوجية طبيعية ، بعيدة عن الهموم والديون
وليكن لكل شيء وقته وقدره ، ولتغنه بنفسها عن المطالعة في تلك المواقع ، والجري وراء السراب .

حاول ـ أخي العزيز ـ أن تدل أباك على ما يشغل به وقته ، من العلم النافع ، والعمل الصالح ، وأهده ما تستطيع من دروس العلم

لا سيما تلك التي تواسي المحزون والمهموم ، ثم نوعا آخر من الدروس ، حول العفة ، وغض البصر ، والتحذير من مطالعة المحرمات ، من الصور ونحوها .

وإذا كنت ترى فيه ، كما هو ظاهر لنا ، ضعفا من الهموم والديون ، فدله على الصلاة ، لعل الله أن يشرح صدره ، ويهدي قلبه ، ويريحه مما هو فيه ، وقد روى أبو داود في سننه (1124)

وصححه الألباني ـ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى ) .

حزبه : أي : أهمه ، وشغل باله .

وفي سنن أبي داود أيضا (4333) ـ وصححه الألباني ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يَقُولُ : ( يَا بِلَالُ أَقِمْ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا ) .

وعلمه كلمات النبي صلى الله عليه وسلم التي كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ ، وَيَقُولُهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ :

( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) ، كما رواه البخاري (5870) ومسلم (4909) .

نسأل الله أن يوفق والدك لما يحبه الله ويرضاه ، وأن يصرف عنه سبل الغواية ، ويحفظه من خطوات الشيطان .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-17, 14:29
تحس بالراحة والطمأنينة عند تمسكها بالدين ولكن أصدقاءها يبتعدون عنها فما الحل

السؤال

أنا أمريكية مسلمة منذ المولد ، وأجد نفسي مؤخرا قريبا جدا من ديننا ، فقد توقفت عن الاستماع للموسيقى والذهاب لمشاهدة الأفلام ، وحتى عن الخروج غير الضروري دون وجود والد أو أخي

أو جماعة من أصدقائي ، ولا يزال أمامي الكثير للقيام به. وكنت أشعر براحة كبيرة وسعادة بالغة بنمط حياتي الإسلامي الجديد لبعض الأشهر ، ما شاء الله ، لكن رغبتي في زيادة تقواي أدت إلى بعض المشاكل

حيث أشعر بالملل كثيرا الآن ، وأصدقائي يبتعدون عني شيئا فشيئا ، وأقاربي يستاءون إذا لم أرغب في أن أنضم إليهم في تجمعات مختلطة . وعندما أمارس الرياضة أستمع للقرآن

أو الأناشيد ، بينما كنت أقوم قبلا بالاستماع للموسيقى ، وأجد نفسي الآن أُقلل من ممارستي للرياضة . وبعبارة أخرى : ففي الوقت الذي تنعم فيه روحي بالشعور بالرضا والطمأنينة

فإن جسدي واهتماماتى الدنيوية في تراجع ، وأنا أشعر كما لو أنى ولدت في زمان أو دنيا خاطئة ، فهي كالسجن بالنسبة لي . فهل بوسعكم نصحي بنظام أو روتين أو دعاء للتخفيف مما أعانيه

وأيضا كلمات أو عبارات يمكنني قولها لأصدقائي وأقاربي يمكنهم من خلالها معرفة قصدي ؟ وسأقدر تماما جميع المعلومات التي ستقدمونها لي ، وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

أولا :

أيتها الأخت الكريمة ، هنيئا لك طريق الهداية الذي وجدتيه ، هنيئا لك راحتك بالطاعة ، هنيئا نفرتك من المعاصي ومن كل ما يبعدك عن دينك ؛ فماذا فاتك بعد ذلك

وأي شيء يستحق أن تتأسفي عليه ، إذا وجدت راحة قلبك ، وسعادتك بإيمانك وطاعتك .

قال الله تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الأنعام/125 .

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" يقول تعالى -مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته ، وعلامة شقاوته وضلاله-

: إن من انشرح صدره للإسلام ، أي : اتسع وانفسح ، فاستنار بنور الإيمان ، وحيي بضوء اليقين

فاطمأنت بذلك نفسه ، وأحب الخير، وطوعت له نفسه فعله ، متلذذا به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه ، ومَنَّ عليه بالتوفيق ، وسلوك أقوم الطريق .

وإن علامة من يرد الله أن يضله ، أن يجعل صدره ضيقا حرجا ؛ أي : في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين ، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات ، فلا يصل إليه خير، لا ينشرح قلبه لفعل الخير

كأنه من ضيقه وشدته يكاد يَصَّعَّدُ في السماء، أي: كأنه يكلَّف الصعود إلى السماء، الذي لا حيلة له فيه !! "

انتهى من " تفسير السعدي" (272) .

ثانيا :

ليس من شك في أن طريق الجنة ليس ميسورا لكل أحد ، يستوي الناس في سلوكه ، بل لا بد من تعب وابتلاء ، ونصب ومشقة ، ليتبين الصادق في إيمانه من الكاذب

وليعلم العقلاء أن الراحة الكبرى والنعيم المقيم ، لا بد له من قدر من التعب والمشقة ومجاهدة النفس والهوى:

روى البخاري (6487) ومسلم (2823) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ) .

والمعنى : أن سالك طريق الجنة لا بد وأن يواجه قدر من المشقات والمكاره التي تصعب على النفس ، وأن طريق النار مليء بما تشتهيه النفس وتميل إليه .

ولهذا قال الشاعر :

بَصُرْتَ بالراحةِ الكُبرى فلم تَرَها ...
تُنالُ إلا عَلَى جِسْرٍ من التّعَبِ

إن إشكالية التعارض بين راحة الدنيا وراحة الآخرة ، بين متع الدنيا ونعيم الآخرة ، هي إشكالية تتكرر كثيرا ، لكنها محسومة بالنسبة للمؤمن الموفق :

روى أحمد في مسنده (22392) ـ وصححه الألباني ـ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ

: يَا سَامِعَ الْأَشْعَرِيِّينَ ؛ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( حُلْوَةُ الدُّنْيَا مُرَّةُ الْآخِرَةِ وَمُرَّةُ الدُّنْيَا حُلْوَةُ الْآخِرَةِ ) .

قال ابن القيم رحمه الله :

" المصالح والخيرات ، واللذات والكمالات ، كلها لا تُنال إلا بحظ من المشقة ، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب ؛ وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم ، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة

وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة ؛ فلا فرحة لمن لا هَمَّ له ، ولا لذة لمن لا صبر له ، ولا نعيم لمن لا شقاء له ، ولا راحة لمن لا تعب له ؛ بل إذا تعب العبد قليلا استراح طويلا

وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد ، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة ، والله المستعان ، ولا قوة إلا بالله " "

مفتاح دار السعادة" (2/15) .

ومن هنا علم العقلاء أن الدنيا دار نصب وتعب ، فمهما كان فيها من النعيم والراحة ، فهي أشبه بالسجن ، بل هي سجن حقيقي ، ما دامت تحبسه عن نعيم الجنة :

روى مسلم (2956) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ ) .

قال الشاعر :

إِنَّ لِلَّهِ عِباداً فُطَنا
تَرَكوا الدُنيا وَخافوا الفِتَنا

نَظَروا فيها فَلَمّا عَلِموا
أَنَّها لَيسَت لِحَيٍّ وَطَنا

جَعَلوها لُجَّةً وَاِتَّخَذوا
صالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا

غير أن العاقل الموفق يوازن بين حاجات الدنيا ، ومصالح الآخرة ؛ فيعطي كل ذي حق حقه ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ويضبط سيره بحدود الله التي حدها لعباده

فما فاتك من الدنيا لأجل ما أنت فيه من التزامك بأمر دينك ، فاعلمي أن الله تعالى بمنه وكرمه يعوضك من نعيم الدنيا والآخرة ، ما هو خير منه وأعظم قدرا .

وليس هناك ما يمنعك من أن تمارسي الرياضة التي تناسبك وأنت في بيتك ، أو في حديقة منزلك ، أو في مكان خاص بالنساء ، لا يدخله ، ولا يطلع عليه أحد من الرجال .

كما أن قيامك بواجبك في المنزل ، وحرصك على صلواتك ، والإكثار من نوافلها ، كل ذلك من شأنه أن يعطي لبدنك راحة ، ويعوضك عما فاتك من شغل الجسد .

وأما أن أصدقاءك قد بدؤوا يملونك ، ويتركون صحبتك ، فاعلمي ـ يا أمة الله ـ أن من وجد الله ، فقد وجد كل شيء ، ومن فقد الله ، فقد فقد كل شيء ؛ فلا قيمة لشيء ، أو لأحد تجدينه

إذا كان يبعدك عن الله . ثم اعلمي أن القلوب بيد الرحمن جل جلاله ، يقلبها كيف يشاء ؛ فاطلبي ما عنده سبحانه ، وسوف تجدين القلوب الصالحة تطلبك أنت وتبحث عنك

وأما غير الصالحين : فلا تأسي عليهم ، ولا تحزني على فراقهم .

روى الترمذي (2414) ـ وصححه الألباني ـ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ !!

فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ : سَلَامٌ عَلَيْكَ

أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ) . وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ .

ولا تنسي أن راحتك ، وهناءة بالك تحصلينها ، أعظم ما تحصلينها ، بذكر الله : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28 .

نسأل الله أن يزيدك إيمانا ويقينا وهدى ، وأن يثبتك على الحق ، ويشرح صدرك بنور الإيمان ، ويوفقك لما يحب ويرضى من القول والعمل .

والله أعلم .

وينظر للأهمية السؤال القادم

*عبدالرحمن*
2018-11-17, 14:34
الحياة الإسلامية أفضل حياة ولكن في بعض الأحيان أشعر أنه لا يمكنني المواصلة على هذا الطريق

السؤال

الحياة الإسلامية هي أفضل حياة يمكن أن يحياها الإنسان، ولكن في بعض الأحيان يكون الأمر صعباً وأشعر بأنه لا أمل في المواصلة .

الجواب

الحمد لله

فقد أحسنت أيها الأخ السائل ـ بارك الله فيك ـ حين قررت أن الحياة الإسلامية هي أفضل حياة يمكن أن يحياها الإنسان

فهذه حقيقة عظيمة قل من يدركها من بني البشر ، فضلاً عن أن يقتنع بها ، وقد بين الله تعالى ذلك في غير موضع من كتابه .

قال تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل/97 .

كما بين سبحانه أن من أعرض عن الإيمان بالله وذكره فقد عرض نفسه لحياة الضنك والشقاء

كما قال تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آيتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى *

وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) طه/124 ـ 127

فإذا علمت ذلك ـ أخي الكريم ـ واستقر في قلبك ، واطمأنت به نفسك ، ثم علمت أن الله تعالى ما خلق هذا الكون بأرضه وسمائه وبحاره وأنهاره

وجباله وسهوله ووهاده وصحاراه ؛ إلا من أجلك أنت أيها المخلوق الضعيف الفقير؛ كما قال سبحانه : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ً ) البقرة/29

ثم علمت أن الحكمة العظمى من وجودك في هذه الدار إنما هي عبادة ربك وخالقك وبارئك الذي أحسن كل شيء خلقه ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56 .

وأنه سبحانه ما خلق الموت والحياة إلا ليختبر عباده ويبتليهم في أدائهم لهذه العبادة ، وقيامهم بحق الله فيها ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/2

ثم تكرم سبحانه على عباده فوعد المحسنين في هذه الدار ، بأن لهم عنده في تلك الدار جنة عرضها السماوات والأرض ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

كما وعد المسيء المفرط في حقه سبحانه بأن له نارا تلظى ، لا يموت فيها ولا يحي، وجعل فيها من أنواع النكال والعذاب ما يشيبُ الوليد سماعُه فضلا عن رؤيته ومعاينته نسأل الله لنا ولك السلامة منها .. آمين .

فإذا عرفت هذا معرفة قلب ويقين؛ علمت أن الفوز بهذا النعيم العظيم ، والنجاح في هذا الامتحان الخطير ، لا يكون إلا على جسر من التعب والمشقة التي تحتاج إلى صبر وتحمل ومعاناة

. لكنها مشقة سرعان ما تنقضي، ومعاناة عن قريب تنتهي ؛ ليعقبها راحة أبدية ونعيم سرمدي فما عسى أن تساوي مشقة ساعة

ولحظة ألم ؛ إذا ما قورنت بنعيم الدهر ولذة الأبد .. نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليك بفضله وجنته .. آمين .

ثم اعلم أخي ـ وفقك الله لهداه ـ أنه كلما اشتدت غربة الدين وقل المتمسكون بالحق ـ كما هو الحال في زماننا هذا ـ صعب على النفس الثبات عليه

وشق عليها مخالفة الكثرة الكاثرة من الخلق . ولذا فقد اقتضت حكمة الله تعالى وكرمه مضاعفة أجور المؤمنين

الصادقين الثابتين على الحق ؛ الذين قدموا رضاه على ما سواه ، وضحوا في سبيل ذلك بالغالي والنفيس . ففي صحيح مسلم ( 145 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ

: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء ) .

وفي سنن الترمذي ( 3058 ) عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( .. َإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ) . وفي رواية : (

قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3172 ) .

فدلت هذه الأحاديث العظيمة وغيرها على أن الناس في آخر الزمان يكثر فيهم أهل الشر والفساد ، ويقل فيهم أهل الخير والتقوى والصلاح ، وذلك لكثرة الفتن

وانتشار المعاصي والمغريات حتى يصبح المتمسك بالدين غريباً بينهم؛ بل ربما صار غريبا بين أهله وذويه .

كما دلت على أن التمسك بالدين ليس بالأمر السهل بل هو كحال القابض على الجمر ، وأن المعين على ذلك بعد توفيق الله هو الصبر على هذا الطريق حتى يلقى العبد ربه غير مفرط ولا مبدل

فيلقى رباً راضياً غير غضبان يوفيه أجره مضاعفا أضعافاً كثيرة . فمن علم هذا حق العلم هان عليه ما يلقى في سبيل ما ينتظره عند ربه بمشيئة الله تعالى وكرمه وفضله .

وهذا الذي قلناه إذا كانت تشعر بصعوبة الأمر على نفسك ، وخوفك من أن يضعف صبرك ، وتزل قدمك عن طريق الثبات .

فأما إن تشعر أنه لا أمل لك في العمل على نشر هذه الحياة الإسلامية التي تحياها ، فيمن حولك ، وإعادتهم إليها ، كما هو الواجب عليك لشدة ما تلاقي من الممانعة والمحاربة

وعوامل الهدم لبنائك ، فأعلم أن كل خطوة تخطوها في ذلك الطريق نصر ، وصدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وإنك لا تدري متى تعمل الكلمة التي تقولها في نفس من سمعها ، فلعلها تنفعه

ولو بعد حين ، ولا ينبغي أن ينقطع رجاؤك في ذلك النفع يوماً ( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الأعراف/164 .

واحذر من دبيب اليأس إلى قلبك ، فإنه : ( لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ) يوسف/87 ، واحذر من القنوط فإنه ضلالة : ( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ ) الحجر/56 .

واعلم أن خطاك لن تضيع ، فما دمت على الطريق ، فنقطتك التي ينتهي إليها أجلك هي محطة الوصول لك ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء/100

ثم يأتي الدور على من بعدك ، ليحمل عنك الراية ويكمل باقي الطريق ، وكم في هذه الأمة من بقايا : ( لا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ ) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة 1/5 .

وكن على ثقة بوعد الله لهذه الأمة بالنصر والتمكين : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ ) الأنبياء/ 105 –

( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 32

( ويمكنك الرجوع إلى محاضرة : لا تيأس فالنصر قادم ، موقع الصوتيات والمرئيات ) .

فأوصيك أيها الأخ الكريم بالثبات على الدين وعدم التزحزح عنه رغم كثرة الفتن والمغريات ، وكثرة العوائق والمثبطات ، واعلم أن العاقبة للمتقين .

وعليك بالحرص على جميع الوسائل التي تعينك على الثبات على دين الله ، وستجد في هذا الموقع رسالة في بيان طرق ووسائل الثبات على الدين أنصحك بمراجعتها والاطلاع عليها .

وفي ختام هذه الكلمات أحب أن أتركك ـ أخي الكريم ـ مع هذه الآيات العظيمة من كتاب الله تعالى والتي أنزلها على عبده محمد صلى الله عليه وسلم لتكون شفاء لقلوب المؤمنين

ودواء لأمراضها ؛ فاقرأها قراءة تدبر وتأمل ، وإذا تيسر لك مراجعة تفسيرها في أحد التفاسير المختصرة كتفسير الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي أو تفسير ابن كثير رحمه الله ـ فهذا حسن ـ

قال الله تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) البقرة/214 .

وقال جل شأنه : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين َ) العنكبوت/1 ـ 3 وقال عز وجل : (

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ *

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ) العنكبوت/9 ـ10 .

وقال تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) الحج/11 .

وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) فصلت/30 .

وقال عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الاحقاف/13 ـ 14

إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على التمسك بالدين وتبين ما أعد الله للمؤمنين الصاقين ، وكتاب الله مليء بالآيات التي تقرر هذا المعنى وتوضحه وتبينه أبلغ بيان فأنصحك ـ أخي

بالإقبال على قراءة القرآن قراءة تدبر وتعقل ، وستجد فيه بإذن الله خير معين لك على الصبر وعدم الممل أو اليأس أو استطالة الطريق

فهذه الدار الدنيا سرعان ما تفنى وتزول ثم يلقى العبد ما قدمه عند ربه إن خيراً فخير وإن شراً فشر ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً

وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ) آل عمران/30 .

أسأل الله أن يشرح صدرك للخير وأن يثبتك عليه حتى تلقاه ، وأن يصرف عنك السوء والشر إنه سميع قريب. والله تعالى أعلى وأعلم .

وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

*عبدالرحمن*
2018-11-17, 14:39
هربت من بيت أهلها وفعلت المنكرات وتريد إعادة العلاقة معهم وهي على حالها !

السؤال

لي ابنة عمرها 22 عاماً ، تعودت الابنة خداعَ أهلها ، واحترفت الكذب للوصول إلى أطماعها منذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها ، صبرت الأم سنوات وسنوات على أمل أن تنصلح ولكنها كانت تزداد سوءً

وفي الآونة الأخيرة اكتشفت الأم عن ابنتها ما لا يصدقه عقل ، وما يندى له الجبين ، فلم تحتمل مجرد النظر إليها ، ولكنها تحاملت علّه يكون هناك أمل في إصلاحها

ولكن ارتكاب المحرمات كان قد استولى على قلبها وعقلها ولا حياة لمن تنادي ، لقد تركت بيت أهلها عندما طلبوا منها العدول عما هي عليه من انحلال ، وانتهاج مسلك آخر يعينها على اتخاذ خطوات نحو طريق أفضل

ولكنها أعرضت واختارت أن تترك بيت أبيها بحثاً عن الدنيا والمتاع الرخيص ، بين الحين والآخر تطلب الابنة أن تعود العلاقات بينها وبين أهلها وتقبلها كما هي

فقد أوضحت نيتها في الاستمرار فيما هي عليه من المعصية ، إن الأم في غاية الأسى والحزن على عمر ضاع في تربية ابنتها ، كيف تأمنها بعد عمر مضى وهي تكذب وتخادع ؟

إنها تشعر أنها تكرهها ولا تطيق النظر إليها . تتمنى من الله أن يهديها ، ولكن لا تقوى على التعامل معها ، ما حكم صلة الرحم في هذه الحالة؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

لا يستطيع أحد وصف شعور الوالدين اللذين يريان ابنتهم تفعل المنكرات أمامهم ولا يملكون من أمرهم شيئاً !

ولا يستطيع أحد توصيف حالهما عندما تكون ابنتهم هاربة من بيتهم ، تفعل ما تشاء ، وتبيت حيثما تشاء ! .

إننا لنتخيل كيف أن قلب والدتها يتفطر ، وكيف أن عقل والدها يكاد يطيش ، ونسأل الله العفو والمعافاة ، ونسأله السلامة لديننا وأعراضنا ، وأن يهدي تلك الابنة الطائشة ، وأن يحفظ على والديها دينهم ، وعقولهم .

وإزاء هذه المشكلة ، وهي معضلة عويصة بحق ، وهي مصيبة ، دونها كل مصيبة ، نقول أولا : إن إثم القطيعة إنما هو على هذه البنت التي اختارت طريق الشيطان لها طريقا

ورفضت أن تعود إلى أدب دينها وفطرتها وعفتها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم .

وأما عن مبدأ بقائها خارج البيت ، وقطع الصلة بها ، فلعل في النصائح التالية ما يكون فيه نفع وفائدة لكم في ذلك الأمر :

1. إذا كان في قبول إعادة العلاقة مع ابنتكم أنها ستتسبب في إفساد أخواتها اللاتي يسكن عندكم في البيت : فمن غير تردد : لا تقبلوا بإعادتها ، مهما كانت الظروف ، ولا تجعلوا الحسرة تتكرر ، والخسارة تتفاقم .

2. إذا كنتم تودون لها الهداية ، وستبذلون في ذلك جهدكم ، واتفقتما على ذلك – والخطاب لوالديها - : فاقبلوا بها أن ترجع

وأما عدم استعدادكم لتحملها في سبيل هدايتها ، أو مع عدم اتفاقكما على ذلك : فلا تقبلوا بها ، ولا ترجعوها .

3. لعل في طلب ابنتكم بإعادة علاقتها معكم من الأمل ما يمكن أن يُستثمر من قبَلكم في سبيل هدايتها وصلاحها ، فلا تفرطوا فيه ، فقد يكون سبب طلبها الرجوع إليكم حاجتها لعاطفة الأمومة

أو لملء فراغ عاطفي لا تملؤه إلا الأسرة ، أو قد يكون سبب رجوعها إليكم حاجتها للمال ، والمهم في ذلك : أنها هي الراغبة في إعادة العلاقة

فمن النصحية أن تستثمروا هذا أفضل استثمار ؛ لتحققوا هدفكم وغايتكم في هدايتها ، وكف نفسها عن غيها ، حتى وإن كان بغضها والسخط على أفعالها يملأ قلوبكم :

فتجرعوا تلك المرارة ، من أجل إصلاحها ، أو ـ على أقل تقدير ـ الحد من فسادها وشرها .

4. وننصحكم أن لا تواجهوها بالتأنيب ، والتثريب ، فقد يكون هذا مما ينفرها منكم ، فما مضى ولَّى وانتهى ، وأنتم الآن تريدون إيقافه ، وقد يسوِّل لها الشيطان هجركم مرة أخرى

والفراق الأبدي معكم إن كنتم ستواجهونها بما فعلتْ ، وليكن همكم أن تراجع هي نفسها ، وتؤنبها ، وعسى أن يكون ذلك قريباً .

5. وننصح الأم الفاضلة أن تتحمل رؤيتها ، وأن تحتسب ذلك عند ربها ، ونحن نعلم أن الأمر مؤلم ، وأن القلب مجروح ، لكننا نريد إصلاح ما مضى ، وليس الاستمرار به

فضلاً عن زيادته ، ولتكن هذه الأم أختاً وصديقةً لابنتها بالإضافة لكونها أمّاً ؛ حتى تتقرب إليها أكثر ، وحتى يُسمع لكلامها ، ويُؤخذ بنصحها ، ولسنا بحاجة لإعادة الخطاب مع الأب ، وظننا أنه يتفهم ما نصحنا به زوجته .

6. وعلى الوالدين الفاضلين تجهيز برنامج هداية لابنتهما ، يبدأ في أول زياراتها لهم ، وينتهي إن شاء الله في أقرب وقت عندما نسمع أنها هداها الله ، واستقامت على الطريق ، وليكن من فقرات هذا البرنامج :

أ. كثرة إهدائها ما يتيسر من أشياء ؛ فإن الهدية تقرب القلوب المتباعدة ، وتحبب القلوب المتنافرة .

ب. الجلسات الأسرية الدافئة ، والسهرات العائلية الحانية ، ولعلَّ هذا ما تفتقده ، ويكون سبباً لرجوعها لدينها وعقلها .

ج. الرحلات إلى أماكن شرعية لا يكون فيها اختلاط ، ولا سماع معازف ومحرمات ، ومن شأن هذا أن يقرِّب المسافة بينها وبين أهلها .

د. تجهيز مواد سمعية ومرئية لبرامج ومحاضرات إسلامية نافعة ، على أن تتناول تلك المواد مواضيع تتعلق بسوء الخاتمة ، وحكم ترك الصلاة

والموت ، والقبر ، وليكن انتقاء تلك المواد عن طريق التعاون مع أقرب " مركز إسلامي " موثوق به ؛ فإنهم أقدر على جلب تلك المواد التي يحسن أصحابها مخاطبة من يعيش في الغرب ، ويتأثر بثقافتهم .

هـ. وأخيراً : نوصي الوالدين - والأم خاصة – أن يكون في ذلك البرنامج فقرة " الدعاء " لابنتهم أن يصلح الله تعالى حالها ، وأن يوفقها للاستقامة ، وليتذلل كل واحد منكما لربه أن يتقبل دعاءه .

7. إذا كان من الممكن لكم أن تستدرجوا ابنتكم ، وتهربوا بها وبالأسرة كلها ، من البلاد التي تعيشون فيها ، إلى بلاد إسلامية تأمنون فيها على أنفسكم وأديانكم وأعراضكم :

فلا تترددوا في ذلك ، فهو واجب حتمي عليكم ؛ حتى وإن خسرتم في سبيله من الدنيا وحطامها ما خسرتم ، حتى ولو عشتم على الكفاف وطي البطون ، فالآخرة خير وأبقى !!

واللهَ تعالى نسأل أن يهدي ابنتكم ، ويوفقها لما فيه رضاه .

والله الموفق

*عبدالرحمن*
2018-11-17, 14:44
عمر أختها إحدى عشرة سنة وأمها لاتأمرها بالصلاة فهل عليها مسئولية؟

السؤال

أختي لا تصلي , عمرها 11 سنة ، وأنا أكرر الكلام على أمي لكي تحثها على الصلاة , لكن أمي تقول : "ما عليكِ منها , فيه رب فوقها يحاسبها"

والرسول صلى الله عليه وسلم قال : (علموهم لسبع واضربوهم لعشر)

سؤالي الآن : هل عليَّ أمر أعمل به لهذا الأمر ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نسأل الله أن يكتب لك أجر اهتمامك بأختك ، وحرصك على قيامها بالصلاة ، ونسأله تعالى أن يهدي والدتك لأن تقوم بواجب دعوة ابنتها للخير ، وحسن تربيتها

فإن أبت : فتضربها ضرباً تأديبيّاً ؛ لتنقذها مما هي فيه من اتباعها هواها ، ولأجل أن تربَّى على طاعة الله تعالى ، كما نسأله تعالى أن يهدي أختك ، وأن ييسر لك الاستقامة على أمره عز وجل .

ثانياً :

نص الحديث المذكور في السؤال هو : عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

والمخاطَب بتعليم الصغير وأمره ، وضربه : ليس هو الأب فقط ، ولا الأم فقط

بل هو كل من كان مسئولاً عن هذا الصغير ، والأب هو أول المعنيين بهذا الخطاب ؛ لأنه هو الراعي في البيت ، والمسئول عن رعيته ، وتشاركه الأم في المسئولية .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"ويجب على كلِّ مطاعٍ أن يأمر مَن يطيعه بالصلاة ، حتى الصغار الذين لم يبلغوا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مروهم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع) .

ومَن كان عنده صغير مملوك ، أو يتيم ، أو ولد : فلم يأمره بالصلاة : فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير ، ويعزَّر الكبير على ذلك تعزيراً بليغاً

لأنه عصى الله ورسوله ، وكذلك من عنده مماليك كبار ، أو خدم ، أو زوجة ، أو إماء : فعليه أن يأمر جميع هؤلاء بالصلاة ، فإن لم يفعل : كان عاصياً لله ورسوله" انتهى باختصار .

" مجموع الفتاوى " ( 22 / 50 ، 51 ) .

وقال رحمه الله :

"بل يجب على الأولياء أن يأمروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبعاً ، ويضربوه عليها لعشر" انتهى.

" مجموع الفتاوى " ( 28 / 360 ) .

وعليه : فبوجود والدك ، أو والدتك : فإن عليهما مسئولية تعليم أختك ، وضربها إذا أكملت السنة العاشرة ، وإن لم يكن والدك موجوداً ، وكان لك أخ أكبر : فتنتقل المسئولية عليه ، وعلى والدتك .

وينظر – للفائدة – جواب السؤال القادم

وعلى والدتك أن تنتبه لنفسها من أن تبوء بإثم كلمتها تلك ؛ فإن الله تعالى لا يحاسب أختكِ على عدم صلاتها إن لم تبلغ ، لكن الأم مسئولة عن عدم دعوتها ابنتها ، وعدم حثها على الصلاة ، وضربها عليها .

قال الماوردي رحمه الله :

"ولأن في تعليمهم ذلك قبل بلوغِهم إلفاً لها ، واعتياداً لفعلها ، وفي إهمالهم وترك تعليمهم : ما ليس يخفى ضرره ، من التكاسل عنها عند وجوبها ، والاستيحاش من فعلها وقت لزومها

فأما تعليمهم ذلك لدون سبع سنين : فلا يجب عليهم ، في الغالب لا يضبطون تعليم ما يُعلَّمون ، ولا يقدرون على فعل ما يُؤمرون ، فإذا بلغوا سبعاً ميزوا

وضبطوا ما علموا ، وتوجه فرض التعليم على آبائهم ، لكن لا يجب ضربهم على تركها ، وإذا بلغوا عشراً : وجب ضربهم على تركها ضرباً غير مبرِّح ، ولا مُمْرِض

في المواضع التي يؤمَن عليهم التلف من ضربها ، فإذا بلغوا الحلُم : صاروا من أهل التكليف ، وتوجه نحوهم الخطاب ، ووجب عليهم فعل الطهارة ، والصلاة ، وجميع العادات" انتهى .

" الحاوي الكبير " ( 2 / 314 ) .

وأما دورك أنت فهو استمرار النصح والإرشاد لأختك وحثها على الصلاة برفق ولين .

ونسأل الله تعالى لها الهداية والتوفيق .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-17, 14:50
مسئولية الأخ الأكبر على شقيقاته الصغار والكبار بعد وفاة والده من حيث المال والتزويج

السؤال

عندي أسئلة مهمة ، وأرجو منكم الرد عليها بالرد العلمي ، مع ذكر المصادر ، وأقوال أهل العلم السابقين ، أو اللاحقين ، على أن يكون واضحاً ؛ لأنني بصدد تقديمه لأحد الشيعة

وأعلم مقدماً إنني سأجد جواباً على بعض أسئلتي من ضمن موقعكم المبارك ، ولكنني تعمدت أن أجعل جوابــكم في ورقـة واحدة غير مشـتتة ، فجزاكم الله عنا ، وعن المسلمين خيراً .

وأسئلتي هي : 1. إذا مـات أبي ، وجدي لأبي ، وعندي أخـت عمرها 10 سنوات ، وقد بلغـت التكليف الشرعي ، وهي بكـر ، وعاقـل ، ولكوني أخاها هل لي ولاية ، وسلطان ، عليهـا ، وعلى شئون حياتها إلى أن تتزوج ؟

. 2. وهل هنـاك حادثـة جرت في السنَّـة الشريفـة على عهـد رسول الله صلى الله عليه وسلم

أو في عهد الصحابة الأوائل رضوان الله عليهم أجمعين أن قام أحد الصحابة بتزويج أختـه وسأل رسول الله عن هذا الأمر لكي يوافق النص مضمون سؤالي

. 3. وما هو الترتيب الشرعي لولايـة البنـت الصغيرة ، المكلفة ، البالغ ، العاقل ، البكر ، والثيب ؟

. 4. وهل يحق للثيب - المطلقة ، أو الأرملـة - أن تنكح نفسها من غير موافقـة الولي ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

الولاية هي قيام شخص كبير ، راشد ، على شئون قاصر ، الشخصية منها ، والمالية ، فهي على هذا نوعان :

الأولى : ولاية على النفس .

والثانية : ولاية على المال .

والولاية على النفس تشمل : شؤون التربية ، والتعليم ، والتطبيب ، والتزويج ، والأنوثة هي أحد أسباب هذه الولاية .

ففي " الموسوعة الفقهية " ( 45 / 168 ) :

الولاية على النفس عند الفقهاء : سلطة على شؤون القاصر ، ونحوه ، المتعلقة بشخصه ، ونفسه ، كالتزويج ، والتعليم ، والتطبيب ، والتشغيل ، ونحو ذلك ، تقتضي تنفيذ القول عليه شاء أم أبى .

وعلى ذلك قرر الفقهاء أن أسباب الولاية على النفس ثلاثة : الصغر ، والجنون - ويلحق به العته - ، والأنوثة .

انتهى

وقولهم في التعريف " شاء أم أبى " مع اشتمال الولاية للتزويج " هو باعتبار قول جمهور الفقهاء أنه يجوز للولي أن يجبر موليته على الزواج بمن شاء ، وهذا قول ضعيف

وقد فرَّق العلماء بين الولاية على الذكر ، وعلى الأنثى ، فقال جمهورهم باستمرار ولاية أهلها عليها ، ووجوب العناية بها ، حتى بعد بلوغها ، وبعد زواجها .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 8 / 204 ، 205 ) باختصار :

عند الحنفيّة : تنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً ، واجتمع لها رأي ، فتسكن حيث أحبّت حيث لا خوف عليها ، وإن ثيّباً لا يضمّها إلاّ إذا لم تكن مأمونةً على نفسها ، فللأب والجدّ الضّمّ ، لا لغيرهما كما في الابتداء .

وعند المالكيّة : ... ، وبالنّسبة للأنثى : فتستمرّ الحضانة عليها ، والولاية على النّفس حتّى تتزوّج ، ويدخل بها الزّوج .

وعند الشّافعيّة : تنتهي الولاية على الصّغير - ذكراً كان أو أنثى - بمجرّد بلوغه .

وعند الحنابلة : ... ، وإن كانت أنثى : لم يكن لها الانفراد ، ولأبيها منعها منه ، لأنّه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها ، ويلحق العار بها وبأهلها ، وإن لم يكن لها أب : فلوليّها وأهلها منعها من ذلك .

انتهى

هذه أقوال المذاهب في وقت انتهاء مسئولية الأهل عن أولادهم ، وكلمة العلماء تكاد تكون متفقة على أن مسئولية الأهل على ابنتهم تستمر حتى لو بلغت ، ومنهم من جعل زواجها نهاية تلك المسئولية

وذلك من أجل وجود مسئول آخر عنها ، ومنهم من اشترط كونها في مكانٍ آمن لا خوف عليها فيه .

ثانياً:

لا خلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة أن الأخ الكبير هو الولي على أنفس أخواته بعد وفاة أبيه وجده ، وهم قد اختلفوا في ترتيب الأولياء

لكنهم لم يختلفوا فيما لو أنه لم يكن لها أب ، أو جد ، أو ابن ، أو وصي من أب : أنه يكون أخوها الشقيق وليّاً لها .

وولاية النفس على الأنثى تشمل التزويج ، والراجح من أقوال العلماء أنه لا يجوز لولي الأنثى أن يزوجها إذا كانت بالغة إلا بإذنها ، كما سبق .

وأما الأمر الثاني : وهو الولاية على المال فتعني : الإشراف على شئون القاصر المالية ، من حفظ المال ، وإنشاء العقود ، وسائر التصرفات المتعلِّقَة بالمال ، وهي تختص بالصغار من الذكور والإناث

وبمن ليس أهلاً للتصرف بالمال ، كمجنون ، ومعتوه ، فإن بلغت الأخت – أو الأخ – سن التكليف ، وكانت رشيدة تحسن التصرف بالمال : فيُدفع مالها إليها

لقوله تعالى ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ

وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ) النساء/ 6 .

ولا يجوز للأخ أن يأخذ منه شيئاً إلا بطيب نفْسٍ منها .

ويشترط في الولي الذي يكون قيِّما على تلك النفوس ، والأموال : البلوغ ، والعقل ، فلا تصلح الولاية لصغير ، ولا لمجنون .

وللتنبيه : فإن ولاية النفس تنتقل من الأب إلى الجد ، ثم إلى الأخ ، ولكن ولاية المال لا تعلق لها بالخلاف في ترتيب الأولياء :

فهي عند الحنفية : للأب ، ثم لوصيه ، ثم للجد - أبي الأب - ، ثم لوصيه ، ثم للقاضي ، فوصيه .

وعند المالكية والحنابلة : أنها تثبت للأب ، ثم لوصيِّه ، ثم للقاضي أو من يقيمه .

وهي عند الشافعية : للأب ، ثم للجد ، ثم لوصي الباقي منهما ، ثم للقاضي أو من يقيمه .

والقول الرابع : أنّ الولاية على المال تثبت للأم بعد الأب والجد ، ثمّ تكون للأقرب من العصبات بالنفس ، وهو رواية عن أحمد ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في " الإنصاف " ( 5 / 324 ) – ورجحه الشيخ العثيمين .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

فالمؤلف – أي : الشيخ موسى الحجاوي - يقول : إن الجدَّ ليس وليّاً ، والأخ الكبير ليس وليّاً ، والعم ليس وليّاً ، والأم ليست ولية ، فتنتقل الولاية من الأب مباشرة إذا لم يكن وصي إلى الحاكم

وهذا لا شك فيه نظر ؛ لأن أولى الناس بهم : جدهم ، أو أخوهم الكبير ، أو عمهم ،

والقول الثاني في المسألة : أن الولاية تكون لأوْلى الناس به ، ولو كانت الأم ، إذا كانت رشيدة ؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير ، أو حماية المجنون ، أو السفيه

فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من أقاربه : فهو أولى من غيره ، وهذا هو الحق - إن شاء الله تعالى - ، وعليه : فالجد ، أو الأب : يكون وليّاً لأولاد ابنه

والأخ الشقيق وليّاً لأخيه الصغير ، والأم إذا عدم العصبة : تكون ولية لابنها ، نعم ، إذا قدر أن أقاربه ليس فيهم الشفقة ، والحب ، والعطف : فحينئذٍ نلجأ إلى الحاكم ليولِّي من هو أولى .

" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 9 / 305 ، 306 ) باختصار .

ثالثاً:

أما بخصوص السؤال عن تزويج أحد من الصحابة رضي الله عنهم لأخته : فقد ثبت ذلك عن معقل بن يسار رضي الله عنه ، وكان زوَّج أخته ، فطلقها زوجها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها

ثم جاء ليخطبها من أخيها معقل فأبى ، فأنزل الله فيه قوله ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ

ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )البقرة/ 232.

عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ قَالَ زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا فَقُلْتُ لَهُ : زَوَّجْتُكَ ، وَفَرَشْتُكَ ، وَأَكْرَمْتُكَ

فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا ؟! لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا ، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ( فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) فَقُلْتُ : الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَزَوَّجَهَا إِيَّاه . رواه البخاري ( 4837 ) .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

وهي أصرح دليل على اعتبار الولي ، وإلا لما كان لعضله معنى ، ولأنها لو كان لها أن تزوِّج نفسها : لم تحتج إلى أخيها

ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه ، وذكر ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك .

" فتح الباري " ( 9 / 187 ) .

رابعاً:

وليس للمرأة أن تزوج نفسها ، بل لا بدَّ أن يزوجها وليها ، وإلا كان عقد زواجها باطلاً ، وهو مذهب جمهور العلماء ، بل لا يُعرف بين الصحابة في المسألة خلاف ، وقد سبق قبل قليل ذكر كلام الحافظ ابن حجر في اشتراط الولي .

*عبدالرحمن*
2018-11-17, 14:54
نصائح شرعيَّة للأخوات خريجات الجامعة

السؤال

الرجاء من فضيلتكم توجيه نصيحة للخريجات - الفتيات اللواتي أنهين الدراسة الجامعية - ، ماذا يفعلن بعد التخرج وقبل الزواج أو لحين الزواج؟

الجواب

الحمد لله

فهذه نصائح نقدمها لمن أنهت دراستها ، فنقول :

1. على كل أخت أنهت دراستها أن تحاسب نفسها عن تلك السنوات التي قضتها في الجامعة أو غيرها ، ماذا كان فيها من معصية ، أو تقصير في حق الله ، وعليها التوبة الصادقة منها

فإن التوبة هي وظيفة العمر ، فلا يخلو المسلم من معصية أو تقصير في حق الله ، فلابد من التوبة من ذلك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

وإن كانت الأخت مستقيمة في أثناء دراستها : فلتحمد الله تعالى أن نجاها مما وقع فيه غيرها في المعصية ، وعليها المحافظة على استقامتها ، ودينها ، وأن يكون يومها – دائماً – خيراً من أمْسِها ، وغدها خيراً من يومها .

2. والنصيحة للأخوات أن لا يحرصن على تكملة الدراسة ، ولا البحث عن عمل ، لأنه لا يوجد ـ للأسف ـ في أكثر بلاد المسلمين عمل يليق بالمرأة ويخلو من المحرمات .

وقد يُفتى في نطاق ضيِّق لبعض الأخوات ، وفي بعض التخصصات بتكملة دراستهن ، أو العمل ، وذلك بعد أن يستشرن من يوثق بعلمه ، ودينه ، وذلك لظروف خاصة بهن .

3. على الأخوات الخريجات استثمار الفترة بين التخرج والزواج بالدعوة إلى الله ، فالنساء يحتجن إلى داعيات تحثهن على سلوك طريق الاستقامة

ونأسف أن نجد الحاجة ماسة لوجود داعيات ، مع قلة من يقوم بهذا الأمر من الأخوات ، وهناك الكثير منهن تكون قادرة على البذل والعطاء لبنات جنسها ، لكننا نرى العجز والكسل عند الكثيرات .

قال تعالى : ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) الأعراف/ 165 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

وهكذا سنَّة اللّه في عباده : أن العقوبة إذا نزلت : نجا منها الآمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر .

"تفسير السعدي" (ص 306) .

4. استثمار الوقت في طلب العلم ، وحفظ القرآن ، وذلك قبل مجيء شواغل الزواج ، فبعد الزواج قد تقل فرص طلب العلم ، وحفظ القرآن بسبب الأعمال البيتية ، والقيام بحقوق الزوج ، ورعاية الأولاد .

عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ : ( اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ

وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ) .

رواه الحاكم ( 4 / 341 ) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 3355 ) .

5. من رضيت لنفسها من الأخوات الخريجات باللحاق بركب العمل ، والدخول في سوقه : فلتتق الله ربها فيه ، ولتحرص على أن يكون عملها شرعيّاً في ذاته

وأن تكون بيئته خالية من المحرمات ، كالأغاني ، والاختلاط ، ومن كانت وظيفتها في تدريس البنات : فلتبذل قصارى جهدها في العناية بهن ، والحرص على هدايتهن ، واستقامتهن

؛ فقد كثرت الفتن على المسلمين والمسلمات ، وقد غلبت الكثرة الشجاعة ، فيحتاج المسلم من يقوي عزمه ، ويقف بجانبه ، ويحثه على الطاعة

وبخاصة الإناث ؛ فإن حملات الفتن عليهن أكثر ، وجانب الوقاية فيهن ضعيف غالباً .

6. الحرص على الصحبة الصالحة من بنات جنسها ، ومن شأن تلك الصحبة الصالحة أن تعين على طاعة الله ، وتدل على النافع المفيد ، وتثّبت السائر على درب الهداية .

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ

وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ) رواه أحمد (22029) ، وحسَّنه محققو المسند .

القاصية : المنفردة عن القطيع البعيدة عنه .

7. البُعد عن مهيجات الشهوة ، من كتبٍ تُقرأ ، أو صور تُرى ، أو أفلام تُشاهد ، فهذه المرحلة للأخوات لا شك أنها خطيرة ، والانسياق وراء تلك المهيجات لا تُضمن عواقبه

مع وجود الإثم أصلاً في فعله ، فعلى الأخوات الفضليات الانتباه لهذا ، والاستعانة بالله تعالى على الثبات على الدين ، فالفتن تسلب العقول

وتحرك الصخور ، ولا ملجأ للمسلم إلا ربه ، ليطلب منه الثبات على الحق ، والانتصار على النفس الأمَّارة بالسوء .

ونسأل الله تعالى أن نكون وفقنا في نصائحنا هذه ، ونسأله أن يوفق أخواتنا للعمل بها .

والله الموفق


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و من لاديه سؤال يتقدم به

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 14:22
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


كيف يكمل أعماله ؟

السؤال

مشكلتي أني لا أستطيع إكمال أي عمل أبدأ به ، سواء كنت شرعت فيه فعلا ، أم نويته

وسواء كان هذا العمل متعلقا بعباداتي ، أم بحياتي الدنيوية ، دائما في منتصف الطريق أقطع ما كنت أقوم به . أرجو الإفادة ، وشكرا .

الجواب

الحمد لله

ليست المشكلة في التوجيه والإرشاد ، فالأمر الذي تعاني منه أمر سلوكي ، يقتضي حلا وعلاجا عمليا ، لا يُكتفى فيه بالكلمات الوعظية أو النصيحة اللفظية .

فأول ما ينبغي عليك سلوكه لتجاوز هذا الخلل هو بكل وضوح : " الاستمرار حتى إكمال العمل " ، ولعل تجربة أولى ناجحة تحفزك نحو إنجاز جميع أعمالك على وجه الكمال ، ويمكنك أن تستعين على ذلك بأمرين اثنين :

1- تقسيم العمل إلى مراحل صغيرة متقاربة ، كي يكون ذلك أنشط لإتمام كل مرحلة على حدة

والمجاهدة حتى بلوغ المرحلة الأخيرة ، فالنفس تستثقل الأعمال الكبيرة الطويلة ، ولا بد أن تستعين عليها بالتقسيم والتجزئة والمرحلية في الإنجاز .

2- اختيار الأعمال القصيرة السريعة والبدء بها لإنجازها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ) رواه البخاري (5861) ومسلم (782)

ويقول صلى الله عليه وسلم : ( أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) رواه البخاري (6464)، ومسلم (783) ،

يقول الإمام النووي رحمه الله :

" أي : تطيقون الدوام عليه بلا ضرر ، وفيه دليل على الحث على الاقتصاد في العبادة ، واجتناب التعمق ، وليس الحديث مختصا بالصلاة ، بل هو عام في جميع أعمال البر " انتهى.

"شرح النووي على مسلم" (6/70-71) .

وننصحك بمراجعة بعد الكتب والدراسات التربوية ، والاستفادة منها في هذا المجال ، ومنها :

الفتور : أسبابه وعلاجه ، للشيخ د. ناصر العمر

عجز الثقات للشيخ د. محمد موسى الشريف .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 14:25
طالب علم تطلب منه أمه الاهتمام بدراسته الجامعية فكيف يوفق بين الأمرين ؟

السؤال

أريد طلب العلم الشرعي , وأنا - والحمد لله - أركز على طلب العلم , إلا أن أمي تقول لي إن عليك أن تركز على دروسك ، وواجباتك الجامعية ,

فكيف لي أن أوفق بين هذين الأمرين ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

إن مما يَحزن القلب أننا نجد بعض الشباب ممن يحبون العلم الشرعي ، ويسعوْن في تحصيله : أنهم يقصِّرون في واجباتهم المنزلية ، ويقصرون في دراستهم النظامية

وهذا – ولا شك – له أسوأ الأثر على الأهل ، وهو مما يدعوهم إلى منع أولادهم من حضور حلَق العلم ، ومن سماع الأشرطة العلمية النافعة

ومن قراءة الكتب الشرعية ، وما جعلهم يفعلون ذلك هو ما يرونه من تقصير أولادهم فيما ذكرنا

ولو أنهم رأوا من يجمع بين الأمور كلها ، ولا يغلِّب جانباً على آخر : لما أزعجهم سماع لشريط ، ولا حضور لحلقة علم ، ولا قراءة لكتاب في العلم الشرعي .

فلينتبه الشباب لهذا ، وليعلموا أن كثيراً من الأهالي وأولياء الأمور يشْكُون تقصير الأبناء في المواد الدراسية ، مما يتسبب عنه رسوب أولئك الشباب في امتحاناتهم أحياناً ، وتحميل أهلهم أعباء إضافية من جهد ، ومال .

نعم ، هناك كثيرون يبالغون في الاهتمام بالدراسة ، والامتحانات ، حتى إن بعضهم لا يكاد يذكِّر أولاده بصلاة ، ولا ذكر، فضلاً عن تشجيعه لأداء صلاة الجماعة في المسجد

وهؤلاء قد عظموا المدارس ومناهجها ، وجعلوا منها سعادة وشقاء الأولاد ، فجعلوا من معه شهادة هو من سيعيش ويأكل ويتزوج ، ومن لم يحصل عليها فسيشقى ، ولن تكون حياته سعيدة

مع أننا نرى عكساً لهذا في واقع الحياة ، وبكل حال : فإننا نود من أهالي الشباب المستقيمين على طاعة الله

والراغبين في طلب العلم أن يخففوا من غلوهم في الاهتمام بالمدارس ومناهجها ، ونود من إخواننا الشباب أن يحسنوا الموازنة بين الأمرين

وأن يوفروا أوقاتهم التي يضيعونها سدى فيما لا ينفع ، ويوظفوا هذه الأوقات في الموازنة المطلوبة بين الأمرين .

ثانياً:

حتى تجمع أيها الأخ الشاب الراغب بالعلم ، بين طلب العلم تحقيقاً للأمر النبوي بطلبه ، وبين طاعة أمك التي لا تأمرك بما هو محرَّم : فحاول أن تنتصح بما نقوله لك ، وما ندلك عليه ، عسى الله أن ينفعك به ، ومن ذلك :

1. أن تحرص على الصحبة الصالحة ، وتبتعد عن جليس السوء ، فالصحبة الصالحة تحفظ لك وقتك

وتذكرك بما هو واجب عليك ، وحتى لو كنتم تتعاونون في طلب العلم الشرعي فإنهم سينصحونك بتخصيص شيء من وقتك للدراسة المنهجية ، وستجد منهم خير معين لك

بخلاف الصحبة السيئة ، وجليس السوء ؛ فإنه لا يدلك على خير ، ولا يرشدك إلى هدى .

2. أن تحفظ عليك وقتك بساعاته ودقائقه ، وأن لا يكون منك تفريط في شيء منه ، فالمحافظة على الوقت من شأنها أن تجعل في يومك فسحة للقراءة ، وطلب العلم ، مع اهتمامك بدروسك المنهجية .

قال ابن القيِّم :

وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة ، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم ، وهو يمرّ أسرع من مرّ السحاب ، فما كان من وقته لله ، وبالله :

فهو حياته ، وعمره ، وغير ذلك : ليس محسوباً في حياته ، وإن عاش فيه : عاش عيش البهائم ، فإذا قطع وقته في الغفلة ، والشهوة ، والأماني الباطلة ، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة : فموت هذا خير له من حياته .

" الجواب الكافي " ( ص 109 ) .

قال الحسن البصري : " أدركت أقواماً كان أحدهم أشحّ على عمره منه على دراهمه ، ودنانيره " .

3. ترتيب وقتك ، وتنظيم ساعاته ، ومن شأن هذا الأمر أن تعطي كل شيء حقَّه ، فتجعل لنومك ساعات محددة ، ولطلبك العلم أوقاتاً معينة ، ولدروسك الجامعية أزمنة مقيَّدة ، لا تزيد في كل ذلك ، ولا تُنقص منه .

فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتناوب هو وأنصاري على حضور حلق العلم عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يجعلوا طلب الرزق معارضاً للعلم ، فجمعوا بينهما من غير تفريط في أحدهما .

عَنْ عُمَرَ قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنْ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَنْزِلُ يَوْمًا ، وَأَنْزِلُ يَوْمًا ، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ .

رواه البخاري ( 89 ) وبوَّب عليه بقوله : باب التناوب في العلم ، ومسلم ( 1479 ) نحوه .

4. اعلم أن طريق الدراسة الجامعية قصير محدود ، وأن طريق طلب العلم طويل لا ينتهي إلا بموت صاحبه ، فعجِّل قطع الطريق القصير على خير ، وبأسرع وقت ؛ لتتفرغ لسلوك ذلك الطريق الطويل من دون عوائق .

5. ترجم ما تعلمته من شرع الله على واقعك العملي ، وليظهر أثر العلم على عملك ، وعليه : فمن المتوقع منك أن يزداد برُّك بوالدتك ، وأن تكون ذلك الابن النشيط ، العاقل ، الودود

طاهر القلب والبدن . ومن شأن تطبيق ما تعلمته على واقعك العملي أن تقدم لأسرتك ، وللمجمتع من حولك رسالة مفادها : أن الإسلام يدعو إلى الأخلاق

وأنه لا يتعارض مع العلم ، وأن طالب العلم هو القدوة الحسنة للشباب في سلوكه ، وتصرفاته .

واستعن بالله تعالى على كل ما ذكرناه لك ، ونصحناك به ، واسأل ربك دوماً السداد ، والتوفيق .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 14:34
وسائل إزالة الغموم والهموم وضيق الصدور، ووصايا لبناء الشخصية والثقة في النفس

السؤال

نشأت في بيئة محطمة ، بين والداي ، حيث كبرت ولم يعطوني من حنان الوالدين شيئاً ، وأسلوبهم بالتربية معي كان قاسياً ومحطماً ، والآن ليس لدي طموح

وأشعر بضيقة صدر غالباً ، والتفاؤل عندي ضعيف جدّاً ، وكلما حاولت أن أبني لي طموحاً ، وأتفاءل يتراجع وينهدم ، فكيف أبني فيَّ التفاؤل وأثبته كي لا يتراجع ؟

وكيف أعيد الثقة في نفسي ؟

وكيف أُذهب عني ضيقة الصدر التي أعاني منها كثيراً ، مع العلم أني حافظ لكتاب الله ؟

فكيف أوظف هذا الحفظ لأبني نفسي ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نسأل الله تعالى أن يفرِّج كربك ، وأن يمتعك متاعاً حسناً ، وأن يحبِّب إليك الإيمان ويزينه في قلبك ، وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان .

وبما أنك من حفظة كتاب الله تعالى فإن الخطب سهل ، وأنت تملك مفتاح حلول مشكلات العالَم بأسره ، ولن يعجزك حل ما أنت فيه من كرب ، وجلاء ما بك من هم .

وسيكون حديثنا معك في مسألتين : الأولى : علاج الهموم ، وضيق الصدر ، والثانية : بناء التفاؤل ، والثقة بالنفس .

ثانياً :

أما علاج ضيق الصدر ، وإزالة الغموم والهموم فلا حل لهذه المعاناة إلا باللجوء إلى الأدوية الربانية الشرعية ، ولا يزال المسلم يبتلى من ربه تعالى بالهم ، والغم ، والحزَن

والمؤمن العاقل هو من يعلم أن في هذا التقدير أحد أمرين :

الأول : أن يكون ذلك عقوبة على معاصٍ يرتكبها ، وآثام يفعلها ، وإنما يقدِّر الله تعالى عليه ذلك حتى يرجع ، ويتوب ، ويدع ما هو فيه من فعل للسيئات ، وتركٍ للواجبات .

والثاني : أن يكون ذلك ابتلاءً لرفع الدرجات ، وتكفير السيئات ، وليس أمام المؤمن ما يفعله هنا إلا الصبر ، والاحتساب ، والحرص على إزالة تلك الهموم والغموم بمزيد من الطاعة ، وكثير من العمل الصالح .

ولن نطيل معك في هذا الباب

فقد ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله

وسائل كثيرة يمكن للمؤمن أن يستعين بها لحياة قلب سعيدة ، وسعادة نفس فسيحة

وقد جمع الشيخ رحمه الله هذه الوسائل في رسالة لطيفة سمَّاها " الوسائل المفيدة للحياة السعيدة " ، وقد قال في مقدمتها :

" فإنَّ راحة القلب ، وطمأنينته ، وسروره ، وزوال همومه ، وغمومه : هو المطلب لكل أحدٍ ، وبه تحصل الحياة الطيبة ، ويتم السرور ، والابتهاج ، ولذلك أسباب دينية ، وأسباب طبيعية

وأسباب عملية ، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين ، وأما من سواهم : فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب ، يجاهد عقلاؤهم عليه : فاتتهم من وجوه أنفع ، وأثبت ، وأحسن حالاً ، ومآلاً .

ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من الأسباب لهذا المطلب الأعلى ، الذي يسعى له كل أحدٍ .

فمنهم من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة ، وحيى حياة طيبة

ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء ، وحيي حياة التعساء ، ومنهم من هو بيْن بيْن ، بحسب ما وفق له ، والله الموفِّق ، المستعان به على كل خيرٍ ، وعلى دفع كل شر " .
انتهى

وإذا رمتَ الاطلاع على هذه الوسائل كاملة : فاقرأها هنا :

http://www.kalemat.org/sections.php?so=va&aid=114

وبما ذكرناه لك ، وأحلناك عليه : يتم الجواب ، ويكتمل البناء ، ولم يبق لك إلا الدخول فيه ، وتطبيق ما تقرؤه على أرض واقعك .

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 14:34
ثالثاً :

أما بخصوص بناء الثقة ، والتفاؤل في هذه الحياة : فمثلك من حفظة كتاب الله هو من ينبغي أن يدل الناس على ما يفعلونه من أجل ذلك

ففي صدرك الشفاء ، وبين يديك العلاج ، لا لهذه الأدواء فقط ، بل لكل أدواء الدنيا ، فكتاب الله تعالى ليس للمسلمين فحسب ، بل هو هدى للناس ، ودلالة للعالَمين .

وقد جاء في السنَّة النبوية ما يبين بجلاء أن الإسلام راعى جانب غرس الثقة في نفوس أهل الإسلام منذ الصغر ، وربَّاهم على الرجولة ، وبناء الشخصية منذ نعومة أظفارهم ، ونضرب لذلك مثلين :

الأول :

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فَشَرِبَ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ ، هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ : (يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِىَ الأَشْيَاخَ ؟)

فَقَالَ : مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِى مِنْكَ أَحَداً يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ . رواه البخاري (2237) ومسلم (2030) .

فالغلام هنا – وهو ابن عباس – صاحب حق في أن يشرب بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه عن يمينه ، فاستأذنه النبي صلى الله عليه وسلم في أن يؤثر بنصيبه غيره ، فلم يأذن ! لأنه صاحب قرار

والحق له ، فقرَّر أن لا يؤثر أحداً على نصيبه ، وهذا لا شك مما يسهم في بناء شخصية الطفل ، ويغرس فيه الثقة .

والثاني :

عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ ، فَنَسْأَلُهُمْ : مَا لِلنَّاسِ ؟! مَا لِلنَّاسِ ؟! مَا هَذَا الرَّجُلُ ؟ فَيَقُولُونَ : يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ

أَوْ : أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا ، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ ، فَيَقُولُونَ : اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ

فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا ، فَقَالَ : صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا

وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا

فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ - أَوْ سَبْعِ سِنِينَ - . رواه البخاري (4051) .

وهذه غرس للثقة عظيم في نفس ذلك الطفل ، وتلك تربية عظيمة في الإسلام لأولئك النشء الذين سيكونون في المستقبل بناة لهذا الدين ، ودعاة لهذا الحق .

ونحن – أخي السائل – نشعر معك بالأسى ، والحزن ، والهم والغم ، والذي أصابك بسبب ما فعله أهلك ، لكن هذا ليس هو نهاية الأمر ، بل هي كانت البداية

وكانت بداية سيئة ، ويحتاج الأمر إلى تقويم ، ومعالجة ، وهذا ما ستفعله أنت ، مستعيناً بالله تعالى ، متوكلا عليه وحده لا شريك له

وفي صدرك كتاب الله ، فلن تجد الأمر إلا سهلاً يسيراً ، وسنذكر لك بعض النصائح والوصايا ، ونرجو أن تكون لك نافعة ، ونرجو أن يكون منك تطبيق لما نقوله لك .

1. احرص على تثبيت الإيمان في قلبك ؛ فإن القلب الذي يعمر بالإيمان الثابت فيه من القوة ما يحطم كل ماضٍ أليم ، وشر مستطير ، ويتحطم على هذا القلب القوي الثابت كل ضلال مبين .

2. ابذل من وقتك ما تتعلم به العلم الشرعي النافع ، وانظر لشخصية العلماء كيف هي قوية متينة ، وانظر لطموحهم في طلب العلم كيف هو عالٍ كبير ، فبالعلم تستطيع بناء الثقة في نفسك

وتكون به طموحاً لأن تكون في مصاف العلماء .

ولا تنس العمل بالعلم ، ولا خير فيمن يعلم ولا يعمل ، بل علمه سيكون حجة عليه ، والعلماء العاملون من أكثر الناس انشراحاً للصدور

ومن أكثر الناس طموحاً ، فهم يحرصون أشد الحرص على تعليم الناس ، ودعوتهم ، وإيصال الإسلام إلى أقاصي الدنيا .
3. لا تنشغل بماضيك الأليم

ومزِّق ورقته ، وتقدَّم للأمام ، ولا تنظر إلى الوراء ، وكل ذلك نافعك إن شاء الله ، وفي عكسه الضرر والألَم ، فما فات لن ينفعك تذكره ، ولا العيش على آلامه

بل اجعله دافعاً لك لأن تعوضه بالأمل ، والطموح ، والحياة الجديدة السعيدة ، واجعله عبرة لك أن تسلك الطريق ذاته مع أولادك .

4. اغفر لوالديك صنيعهم معك ، وتجاوز عن أخطائهم في حقك ، ولا بدَّ من هذا حتى يكون قلبك أبيض كالثلج ، وحتى لا تجعل للشيطان طريقاً إلى قلبك ليبغضك بهم

وقدِّر حالهم من الضعف ، والجهل ، حتى تجد لهم أعذاراً في فعل ما فعلوه .

واعلم أن الله تعالى أمر ببر والديك والإحسان إليهما ، حتى وإن جاهداك على أن تشرك بالله تعالى .

قال الله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ

عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان / 14 ، 15 .

قال ابن كثير رحمه الله :

أي : إن حَرَصَا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما ، فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً ، أي : محسنًا إليهما .

( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) يعني : المؤمنين .

" تفسير ابن كثير " ( 6 / 337 ) .

5. لا تقارن نفسك بمن هم أحسن منك حالاً ، حتى لا تزدري نعمة الله عليك ، وانظر لمن هم دونك ؛ حتى تعلم عظيم فضل الله عليك .

6. اقرأ سيرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، واتخذه لك قدوة حسنة ، وانظر كيف كانت طفولته مليئة بالآلام ، والأحزان ، فقد ولد فقيراً يتيم الأبوين

ثم لم يلبث أن مات جده ، ولم يكن هذا مانعاً من أن يكون إماماً للناس يقود الجيوش ، ويسير السرايا ، ويفتح البلدان ، ويعلم الجاهل ، وينصر المظلوم .

وقد امتن الله تعالى عليه بذلك فقال : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى/6- 11 .

7. خالط أصحاب الهمم العالية ، وتجنب أصحاب الهمم الدنيئة ، فللصحبة أثرها الحسن والسيئ ، فاحرص على صحبة من ينفعك .

8. تذكَّر أن الشيطان يحرص أشد الحرص على إحزانك ، وتكدرك ، وتثبيط عزائمك ، فقابل ذلك بقوة اليقين بالله تعالى ، وبالطاعات ، ولا تنس أن تستعيذ بالله دوماً من الشيطان الرجيم .

9. أخيراً : الزم الدعاء ، وتحيَّن أوقات الإجابة ، تسأل ربك من فضله العظيم ، وتعوذ به من كل هم ، وغم ، وحزَن ، وتسأله أن يوفقك لمعالي الأمور .

والله الموفق

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 14:41
كيف تتخلص من سارقي الأعمار

السؤال

ابتليت - والله تعالى المستعان- بصحبة الفارغات اللاتي لا يحسبن للوقت حسابا ، فيتحدثن في الهاتف لفترات طويلة ، ويتصلن في اليوم أكثر من مرة , وأنا أحيانا أجاريهن في انتظار أن ينهين المكالمات ولكن دون فائدة

فأنا من ينهيها غالبا , المشكلة أنني محتارة جدا بين أن أتعامل معهن بحسن خلق ، أو أن أحافظ على وقتي الذي هو عمري , كثيرا ما أشغلني هذا الموضوع إذا صارحتهن أو تجاهلت مكالماتهن أو أصررت على إنهائها رغما عنهن

أظل خائفة من أن أكون سيئة الخلق ، وسوء الخلق كما تعلمون يفسد العمل , وإذا جاريتهن وأرضيتهن نوعا ما أظل خائفة ماذا سأقول لربي في ساعاتي التي أضعتها دون فائدة ,

مع العلم أني حاولت كثيرا أن أصارح مرة بلطف ومرة بعنف ، ولكن دون جدوى ، كما لا أستطيع قطع هذه العلاقات التي تزيد مدة بعضها عن السبع سنوات .

أشيروا علي جزاكم الله خيرا ، فقد طالت معاناتي.. وحول نفس الموضوع : كيف أتعامل مع الأهل في المنزل ، أو كثرة الضيوف الذين لا يعرفون للوقت قيمة

ويطالبونني بالجلوس معهم لساعات ، أو ربما أيام دون عمل ترجى فائدته ؟

وفقكم الله لما يحب .

الجواب

الحمد لله

نصيحتنا لك نوجزها في أمور ثلاثة :

الأول : نثني على حرصك ومحافظتك على وقتك

والحق كل الحق فيما تشعرين

لأن عُمُر الإنسان هو أيامه التي تُطوى

وساعاته التي تُقضى ، والعاقل هو الذي يحفظ رأس ماله من الضياع ، والخاسر هو الذي يفرط في أثمن ما يملك ، فلا يرعى له حرمة ، ولا يعرف له قدرا .

جاء في تفسير الرازي "مفاتيح الغيب" (22/83) :

" أقسم الله تعالى بالعصر – الذي هو الزمن – لما فيه من الأعاجيب ؛ لأنه يحصل فيه السراء والضراء ، والصحة والسقم ، والغنى والفقر ؛ ولأن العمر لا يُقَوَّمُ بشي

نفاسة وغلاء ، فلو ضيعت ألف سنة فيما لا يعني ، ثم تبت وثبتت لك السعادة في اللمحة الأخيرة من العمر بقيت في الجنة أبد الآباد ، فعلمت أن أشرف الأشياء حياتك في تلك اللمحة

فكان الزمان من جملة أصول النعم ، فلذلك أقسم الله به ، ونبه سبحانه على أن الليل والنهار فرصة يضيعها الإنسان ، وأن الزمان أشرف من المكان فأقسم به

لكون الزمان نعمة خالصة لا عيب فيها ، وإنما الخاسر المعيب هو الإنسان " انتهى .

ثانيا : ثم نوصيك بعدم المبالغة في الزهد بالحديث مع الناس والأصحاب ، والمحافظة على قدرٍ مِن مجالستهم وملاطفتهم ، خاصة الأقارب منهم

فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم زيارة أصحابه

والأنس بهم ، والحديث معهم ، ولكن المحذور هو المبالغة في ذلك حتى تنقضي الساعات الطوال ، أو حتى يقع التفريط في الواجبات الأخرى التي تنتظر قضاءها ، من عبادة

وتعلم ، وعمل ، ونحوها ، وخير الأمور أوساطها ، ومن قصد الخير وفقه الله إليه .

ولتحرصي أثناء محادثة أصدقائك وأقاربك على مدارسة المواضيع الجادة المهمة ، ومناقشة ما ينفع في الدين أو الدنيا ، ليكتب لك الأجر في إفادتهم ، وليكون مجلسكم ذلك حجة لكم يوم القيامة ، لا حجة عليكم .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ )

رواه أحمد (2/463) ، وصححه المحققون على شرط الشيخين .

والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/76)

ثالثا : أحسني التخلص والاعتذار من سارقي الأعمار والأوقات ، وتأملي في الوسائل التي تعينك على ذلك ، فأنت أدرى بظرفك وحالك ، ومن ذلك مثلا :

أن تعتذري بانشغالك بالتحضير لامتحان الجامعة أو المدرسة أو الدورة العلمية إن كنت مرتبطة بشيء منها ، أو بانشغالك بتجهيز مشروع معين لتلك الجهة

فالناس غالبا ما يعذرون في هذه الأشياء ، بل ويشجعون على استغلال الوقت لها ، ولو اضطرك الأمر للارتباط فعليا بإحدى الجهات العلمية كي يقتنع الناس بعذرك .

ويمكنك استعمال هذا العذر مع الضيوف الحاضرين ، كما يمكنك الاعتذار به من صديقاتك المتصلات ، وإن كان التخلص على الهاتف أسهل وأيسر

إذ لا يرى المتصل حقيقة ما تفعلين في البيت ، فلك أن تعتذري منها برغبتك في الصلاة قبل فوات وقتها ، ولتكن نيتك صلاة النافلة إن كنت صليت الفريضة

أو اطلبي من والدتك مناداتك أثناء حديثك على الهاتف لطلب مساعدتها في العمل ، فإذا سمعت المتحدثة نداء الوالدة قطعت اتصالها بك

وهكذا يستطيع المرء أن يجد ما يتخلص به من نزيف الأوقات الذي يحدثه كثير من الناس .

وننقل لك هنا شكوى أحد العلماء من سارقي الأعمار ، وكيف كان علاجه لهذه المشكلة ، مع كلام جميل في أهمية الوقت ، وضرورة حفظه واستغلاله .

يقول ابن الجوزي في "صيد الخاطر" (ص/240-241) :

" أعوذ بالله من صحبة البطَّالين ! لقد رأيت خلقًا كثيرًا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة

ويسمون ذلك التردد خدمة ، ويطلبون الجلوس ، ويجرون فيه أحاديث الناس ، وما لا يعني ، وما يتخلله غيبة !

وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس ، وربما طلبه المزور ، وتشوق إليه ، واستوحش من الوحدة ، وخصوصًا في أيام التهاني والأعياد ، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض

ولا يقتصرون على الهناء والسلام ، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان
.
فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء ، والواجب انتهابه بفعل الخير ، كرهت ذلك ، وبقيت معهم بين أمرين : إن أنكرت عليهم وقعت وحشة

لموضع قطع المألوف ! وإن تقبلته منهم ضاع الزمان ! فصرت أدافع اللقاء جهدي : فإذا غلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق .

ثم أعددت أعمالًا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم ، لئلا يمضي الزمان فارغًا ، فجعلت من المستعد للقائهم : قطع الكاغد – ورق الكتابة -

وبري الأقلام ، وحزم الدفاتر ، فإن هذه الأشياء لا بد منها ، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب ، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي .

نسأل الله عز وجل أن يعرفنا شرف أوقات العمر ، وأن يوفقنا لاغتنامه .

ولقد شاهدت خلقًا كثيرًا لا يعرفون معنى الحياة : فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله ، فهو يقعد في السوق أكثر النهار ، ينظر إلى الناس

وكم تمر به من آفة ومنكر ! ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج ! ، ومنهم من يقطع الزمان بكثرة الحديث عن السلاطين ، والغلاء والرخص

إلى غير ذلك :

فعلمت أن الله تعالى لم يُطلِع على شرف العمر ، ومعرفة قدر أوقات العافية ، إلا مَن وَفَّقه وألهمه اغتنام ذلك ، ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت/35" انتهى .

نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 14:45
لا ننصحك باستمرار الاطلاع على كتب أهل الضلال

السؤال

أحب الاطلاع على كتب ومؤلفات وكتابات الرافضة والصوفية ، وبضاعتي في العلم قليلة ، والحمد لله أقف من الشبهات موقف المنكر ، لسبب بسيط

هو أني أعلم أن دينهم باطل ، والكثير منهم غال أو عامي جاهل مسكين مستحق الشفقة لخداع أسيادهم وضلالاهم .

فهل ترى أن أستمر بالاطلاع أم أترك ذلك ؟

الجواب

الحمد لله

يجب على المسلم أن يحافظ على عقيدته وإيمانه ، ويهتم بسلامة فطرته وفكره

ويهرب بدينه وقلبه من الشبهات والفتن ، فإن القلوبَ ضعيفةٌ والشبهَ خطَّافة ، تخطف بشيء من البريق الذي يزينها به أهل البدع والضلالات ، ولكنها في الحقيقة شبه واهية ضعيفة .

والنظر في كتب البدع والضلالة أو كتب الشرك والخرافة أو كتب الأديان الأخرى التي طالها التحريف أو كتب الإلحاد والنفاق لا يجوز إلا لمتأهِّل في العلم الشرعي

يريد بقراءته لها الرد عليها وبيان فسادها ، أما أن ينظر ويقرأ فيها من لم يتحقق بالعلم الشرعي فغالبا يناله من هذه المطالعة شيء من الحيرة والغواية

وقد وقع ذلك لكثير من الناس وحتى من طلبة العلم ، حتى انتهى بهم الأمر إلى الكفر والعياذ بالله

وغالبا ما يغتر الناظر في هذه الكتب بأن قلبه أقوى من الشبهات المعروضة ، إلا أنه يفاجأ – مع كثرة قراءته – بأن قلبه قد تشرَّب من الشبهات ما لم يخطر له على بال .

ولذلك كانت كلمة العلماء والسلف الصالحين على تحريم النظر والمطالعة في هذه الكتب ، حتى ألف ابن قدامة المقدسي رسالة بعنوان " تحريم النظر في كتب الكلام " .

وننقل هنا العديد من نصوص العلماء في تحريم قراءة هذه الكتب لغير العالم :

جاء في "الموسوعة الفقهية" (34/185) :

" قال الحنابلة : ولا يجوز النظر في كتب أهل البدع ، ولا في الكتب المشتملة على الحقّ والباطل ، ولا روايتها ؛ لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد .

وقال القليوبيّ : تحرم قراءة كتب الرقائق والمغازي الموضوعة " انتهى .

كما أفتى الشاطبي في "الإفادات والإنشادات" (44) أن العوام لا يحل لهم مطالعة كتاب أبي طالب المكي المسمى بـ ( قوت القلوب ) لما فيه من الشطحات الصوفية .

وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/525) :

" والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويصير من الراسخين في الإيمان ، فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك ، بخلاف الراسخ ، فيجوز له ، ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على المخالف " انتهى .

وقال محمد رشيد رضا في "الفتاوى" (1/137) :

" ينبغي منع التلامذة والعوام من قراءة هذه الكتب لئلا تشوش عليهم عقائدهم وأحكام دينهم ، فيكونوا كالغراب الذي حاول أن يتعلم مِشية الطاووس فنسي مشيته ولم يتعلم مشية الحجل " انتهى .

وجاء في "فتاوى نور على الدرب" (التوحيد والعقيدة/267) من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وأما كتب الصوفية فإنه لا يجوز اقتناؤها ولا مراجعتها إلا لشخص يريد أن يعرف ما فيها من البدع من أجل أن يرد عليها ، فيكون في نظره إليها فائدة عظيمة وهي معالجة هذه البدعة حتى يسلم الناس منها " انتهى .

وقد قالت اللجنة الدائمة كما في "مجلة البحوث الإسلامية" (19/138) :

" يحرم على كل مكلف ذكرا أو أنثى أن يقرأ في كتب البدع والضلال , والمجلات التي تنشر الخرافات وتقوم بالدعايات الكاذبة وتدعو إلى الانحراف عن الأخلاق الفاضلة

إلا إذا كان من يقرؤها يقوم بالرد على ما فيها من إلحاد وانحراف ، وينصح أهلها بالاستقامة وينكر عليهم صنيعهم ويحذر الناس من شرهم " انتهى .

فلماذا تعرِّض نفسك – أخي الكريم – للشر والشبهات ، فأنت في مأمن وغنى عن ذلك ، واحمد الله تعالى على السلامة والعافية ، واشكره على نعمة الهداية والثبات بأن تحافظ عليها فلا تعرضها لما قد يصيبها في مقتلها .

ثم إن العمر أقصر من قضائه في مطالعة الباطل

فالحق والخير والعلم النافع كثير ، وإذا أنفق المرء عمره كله في مطالعة كتب العلم النافعة كالتفاسير وكتب الحديث والفقه والرقائق والزهد والأدب والفكر والتربية لما كاد يقضي منها وطره

فكيف إذا انشغل بكتب الخرافة والضلالة التي يكتبها الرافضة وبعض المتصوفة ؟!!

واستمع أخي الكريم إلى نصيحة العلامة ابن الجوزي في الاهتمام بالنافع من العلوم حيث يقول في "صيد الخاطر" (54-55) :

" أما العالم فلا أقول له اشبع من العلم ، ولا اقتصر على بعضه .

بل أقول له : قدم المهم ؛ فإن العاقل من قدَّر عمره وعمل بمقتضاه ، وإن كان لا سبيل إلى العلم بمقدار العمر ، غير أنه يبني على الأغلب .

فإن وصل فقد أعد لكل مرحلة زاداً ، وإن مات قبل الوصول فنيته تسلك به .....
.
والمقصود أن ينتهي بالنفس إلى كمالها الممكن لها في العلم والعمل " انتهى باختصار .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 15:10
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


أسباب الفتور وعلاجه

السؤال

ما هو الحل الأمثل للفتور في الإيمان بعد أن كان الشخص يتقي الله ثم أصابه فتور بحيث لم يعد يستطيع أن يقرأ القرآن ؟.

الجواب

الحمد لله

للفتور أسباب لا بدَّ قبل العلاج من الوقوف عليها ومعرفتها . ومعرفتها من طرق وعلاج الفتور .

ومن هذه الأسباب : ضعف الصلة بالله تعالى ، والتكاسل في الطاعة والعبادة ، وصحبة ضعيفي الهمة ، والانشغال بالدنيا وملذاتها ، وعدم التفكر في نهاية الدنيا ويعقبه ضعف الاستعداد للقاء الله تعالى .

وأما كيفية علاج المسلم لما يصيبه من فتور في الطاعة والعبادة ، فيكون بعدة أمور منها :

1. توثيق الصلة بربه تعالى ، وذلك عن طريق قراءة القرآن قراءة تفكر وتدبر ، واستشعار عظمة الله تعالى من عظمة كتابه ، والتفكر في عظيم أسمائه وصفاته وأفعاله تعالى .

2. المداومة على النوافل والاستمرار عليها ، وإن كانت قليلة فمن أكثر أسباب إصابة المسلم بالفتور هو الاندفاع بالطاعة والإكثار منها في أول الطريق

ولم يكن هذا هديه صلى الله عليه وسلم ولا وصيته لأمته ، فقد وصفت عائشة رضي الله عنها عمله صلى الله عليه وسلم بأنه " ديمة " أي : دائم غير منقطع

وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ " ، فإذا أراد المسلم أن لا يصاب بالفتور فليحرص على العمل القليل الدائم فهو خير من كثير منقطع .

3. الحرص على الصحبة الصالحة النشيطة

فصاحب الهمة يزيدك نشاطا ، والكسول لا يرضى بصحبة صاحب الهمة ، فابحث عن صحبة لها همم تسعى للحفظ وطلب العلم والدعوة إلى الله ، فمثل هؤلاء يحثونك على العبادة ويدلونك على الخير .

4. قراءة الكتب المتخصصة في سير أعلام أصحاب الهمة لتقف على نماذج صالحة في سيرك إلى الله ، ومن هذه الكتب " علو الهمة " للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم ، وكتاب " صلاح الأمة في علو الهمة " للشيخ سيد عفاني .

5. ونوصيك بالدعاء ، وخاصة في جوف الليل الآخر ، فما خاب من لجأ إلى ربه واستعان بمولاه ليثبته على الطاعة ويعينه على حسن أدائها .

ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 15:15
أريد أن أكون ربانيّا .. الوصايا العشر

السؤال

سؤالي قصير ، وهو أنني أحبُّ أن أدخل الجنَّة .. أحبُّ أن أجاهد نفسي ، أحبُّ أن أقبِّل يد أمي كلَّ يوم ، أحبُّ أن أبعد عن الهوى والشيطان ، أحبُّ أن يلقِّبني الله يوم القيامة بالعبد الرباني إن شاء الله

أحبُّ أن أحبَّ إخواني ، أحبُّ أن يستمرَّ إيماني في الارتفاع . ماذا أفعل ؟ .

الجواب

الحمد لله

نسأل الله أن يثبِّتك على الحقِّ دائمًا ، وأن يحقِّق مرادك ، وأن يجعلك من الأوَّابين العارفين بالحقِّ والمدافعين عنه والمتمسكين بالدين .

إنَّ التساؤلات التي طرحتها في استشارتك تدلُّ على فطرةٍ سويَّةٍ ونقيَّة ، ورغبةٍ كبيرةٍ في الوصول إلى المعالي وإعطاء كلَّ ذي حقٍّ حقَّه

وهذه أماني عظيمة تتحقَّق بالإيمان ، وكما ورد عن سفيان الثوري قوله :

" ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل"، ومن هنا سوف نعرج معك أخي على قضيَّة الإيمان ، وأهمِّيَّتها في الوصول إلى الربَّانيَّة ، وتحقيق رضى وبرِّ الوالدين والفوز بالجنَّة .

* من طلب العلا سهر الليالي، ولله درُّ الشاعر إذ يقول :

طوبى لمن سهرت بالليل عيناه……
. وبات في قلقٍ في حبِّ مولاه

وقام يرعى نجوم الليل منفـردًا…….
شوقًا إليه وعين الله ترعـاه

ولذلك يقول الفضيل : "حرامٌ على قلوبكم أن تصيب حلاوة الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا"، وقال أيضًا : " إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنَّك محروم".

فالمؤمن الصادق يحمل قلبًا كالجمرة الملتهبة ، ولذلك روى الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه بسندٍ صحيحٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم :

( إنَّ الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، اسألوا الله أن يجدِّد الإيمان في قلوبكم ) ، يعنى أنَّ الإيمان يبلى في القلب كما يبلى الثوب .

وتعتري قلب المؤمن في بعض الأحيان سحابةٌ من سحب المعصية، وهذه الصورة صوَّرها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ما من القلوب قلبٌ إلا وله سحابةٌ كسحابة القمر

إذا علته سحابةٌ أظلم وإذا تجلَّت عنه أضاء ) رواه الطبرانيّ في الأوسط وصححه الألباني ، كذلك قلب المؤمن تعتريه أحيانًا سحبٌ مظلمةٌ فتحجب نوره فيبقى في ظلمةٍ ووحشةٍ

فإذا سعى لزيادة رصيده الإيماني واستعان بالله انقشعت تلك السحب وعاد نور قلبه يضيء ، ولذا يقول بعض السلف : " من فقه العبد أن يعاهد إيمانه وما ينتقص منه " ومن فقه العبد أيضًا : " أن يعلم نزغات الشيطان أنَّى تأتيه ".

فلابدَّ من العودة إلى الإيمان، فإذا عدت إلى الإيمان ومقتضياته سيتحقَّق لك ما تريد ، ولذا سأضع أمامك قاعدةً تستدلُّ بها على وجود الإيمان أو عدمه ، يقول الإمام ابن الجوزي :

"يا مطرودًا عن الباب ، يا محرومًا من لقاء الأحباب ، إذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك ، فانظر فيما يستخدمك ، وبأيِّ الأعمال يشغلك ، كم عند باب الملك من واقفٍ

لكن لا يدخل إلا من عني به ، ما كلّ قلبٍ يصلح للقرب ، ولا كلّ صدرٍ يحمل الحبّ ، ما كلّ نسيم يشبه نسيم السحر ".

فإذا أراد المرء أن يعرف أين هو من الله ، وأين هو من أوامره ونواهيه ، فلينظر إلى حاله وما هو مشغول به ، فإذا كان مشغولاً بالدعوة وأمورها

وفى إنقاذ الخلق من النار، والعمل من أجل الفوز بالجنَّة ومساعدة الضعيف والمحتاج ، وبرِّ الوالدين ، فليبشر بقرب منزلته من ملك الملوك ، فإن الله لا يوفِّق للخير إلا من يحبّ.

وإذا كان منصرفًا عن الدعوة ، مبغضًا للدعاة ، بعيدًا عن فعل الخيرات ، منشغلاً بالدنيا وتحصيلها ، والقيل والقال وكثرة السؤال ، مع قلَّة العمل

أو متَّبعًا لهواه وشهواته ، فليعلم أنَّه بعيدٌ من الله ، وقد حُرِم ممَّا يقرِّبه من الجنَّة

إذ يقول الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم : ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمَّ جعلنا له جهنَّم يصلاها مذمومًا مدحورًا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكوراً ).

أخي ...

إن أردت أن تحظى بمرتبةٍ متقدِّمةٍ في كلِّ أوجه الخير ، بما فيها أن تكون عبدًا ربَّانيّا وبارّا بوالديك ، ومبتغيًا الجنَّة ، فعليك بالآتي :

أوَّلاً :

عليك بإحياء وإيقاظ الإيمان داخل نفسك ، فالإيمان هو الموصلٌ لكلِّ ما ينشده المسلم في الدنيا والآخرة ، فالإيمان هو مفتاحٌ لكلِّ خيرٍ مغلاقٌ لكلِّ شرّ

ووسائل بعث الإيمان وتمكينه في النفس كثيرةٌ ومتعدِّدة ، ومنها الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحات .

ثانياً :

أن تقبل على مولاك إقبالاً صادقًا كما جاء في الأثر : " إذا أقبل عليَّ عبدي بقلبه وقالبه أقبلت عليه بقلوب عبادي مودَّةً ورحمة " .

وأن تجعل الله عزَّ وجلَّ الغاية الأسمى والهدف الأعلى : ( وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون ).

ثالثاً :

أن تتطلَّع دائمًا إلى الدرجات العلا، وأن تجعل هدفك في الحياة هو رضى الله عزَّ وجلّ ، والعمل من أجل الفوز بالجنَّة ، أو بالأحرى الفوز بالفردوس الأعلى ، وأن تعمل ما استطعت جاهدًا على تحقيق هذه الأهداف السامية .

رابعاً :

أن تتأسَّى بأصحاب القدوة في التاريخ الإسلامي من الصحابة والتابعين والسلف الصالح .

خامساً :

أن تغتنم كلَّ دقيقةٍ وكلَّ لحظةٍ وكلَّ خلجة قلبٍ في أن تجعلها خزانةً في رصيدك الإيماني .

سادساً :

الصحبة الصالحة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) رواه أبو داود والترمذيّ بسندٍ حسن ، فالصحبة الطيِّبة هي خير معينٍ على الطاعة وهجران المعاصي والشرور والوقوع في الخطايا .

سابعاً :

كثرة الفضائل من الأعمال الصالحات التي تحقِّق لك سعادة العاجل والآجل.

ثامناً :

قيام الليل والدعاء في وقت السحر ، فالرسول صلى الله عليه وسلم كانت تتورم قدماه رغبةً في أن يكون عبدًا شكوراً ، رغم أنَّ الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر.

تاسعاً :

المداومة على الورد القرآني ، وأوراد التفكُّر والتأمُّل والتدبُّر في أسرار القرآن .

عاشراً :

الحرص على نشر الدعوة في سبيل الله ، والعمل للدين على قدر الاستطاعة .

وإذا أردت أن تصل إلى الربانية التي تطمح لها فكن كما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) فالربانية هي الانتساب للرب

وهذا الانتساب لا يتحقق إلا من خلال تطبيقنا لهذه الآية ، أن نكون لله رب العالمين في كل أحوالنا .

فالربانية لا تتأتى مكتملة إلا بهذا ، لا تتأتى إلا بعبادة الله عز وجل بالمفهوم الشامل للعبادة ، وهو جعل الحياة والممات ، بل الحركات والسكنات له سبحانه ، فلا ننطق إلا بما يرضي الله، ولا نعمل إلا ما يرضاه الله

ولا تتوجه نياتنا في تلك الأقوال والأفعال إلا لله ، لا أن نختزل العبادة في مجرد أن نرفع رءوسنا ونخفضها في أوقات معينة ومحددة

أو نخرج دريهمات قليلة كل مدة من الزمن ، أو نصوم أيامًا معدودات كل عام ، أو نحرك ألسنتنا ببعض التمتمات والأذكار .

ولهذا فالأعمال التي تؤدي إلى هذه المرتبة – الربانية – أكثر من أن تُحصَى أو تعد ، وهي تتشعب بتشعب مجالات حياتنا وأماكن وجودنا ، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس .

فقط ابحث في كل مكان تتواجد فيه ، وفي كل لحظة تمر عليك ، عما يرضيه عز وجل ، وعما تظن أنه يريد أن يراك عليه واعمل به ، تكن بذلك ربانياً .

وختاما نسأل الله أن يتقبل منا ومنك صالح العمل ، وأن يحشرنا وإياك في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسًن أولئك رفيقاً .

المرجع موقع إسلام أون لاين .

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 15:19
النبي صلى الله عليه وسلم وبناء المجتمع الإسلامي

السؤال

كيف وإلى أي حد نجح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في إنشاء مجتمع مستقر في المدينة عام 632 ميلادي .

الجواب

الحمد لله

لاشك أن المجتمع الذي أنشأه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو مثال للمجتمعات الآمنة المستقرة

وقد ظهر ذلك جليّاً منذ أن وطىء النبي صلى الله عليه وسلم بقدمه المدينة وبدأ في تكوين الدولة ، ويرجع أمن واستقرار المجتمع هذا إلى عدة أسباب وعوامل ، منها :

أولاً :

بناؤه صلى الله عليه وسلم للمسجد في المدينة أوّل قدومه مما ساعد في إيجاد مرجع يُلجأ إليه حين النوازل ، ومكان يجتمع فيه المسلمون يسأل بعضهم عن بعض ، ويعرف بعضهم أحوال بعض

فيعاد مريضهم ، وتتبع جنازة ميتهم ، ويعان مسكينهم ، ويزوج أعزبهم .

وهذه بعض الأحاديث في ذلك :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه : لمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أمر ببناء المسجد ، وقال : يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا

قالوا : لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله . رواه البخاري ( 2622 ) ومسلم ( 524 ) .

عن البراء بن عازب : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون قال : نزلت فينا معشر الأنصار ، كنا أصحاب نخل

فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقِنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة – وفي رواية ابن ماجه " فقراء المهاجرين " - ليس لهم طعام

فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل ، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلقه

فأنزل الله تبارك تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه قال

: لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطاه لم يأخذه إلا على إغماض أو حياء ، قال : فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده . رواه الترمذي ( 2987 ) وابن ماجه ( 1822 ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2389 ) .

القِنو : العذق الذي فيه الرطب . الشيص : النخل غير الملقح . الحَشَف : تمر يابس فاسد .

ثانياً :

إيخاؤه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرن والأنصار ، وقد قوَّى هذا الفعل بين أفراد المجتمع المدني بما لم يُسمع بمثله ، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين العجمي والعربي

وبين الحر والمولى ، وبين القرشي ومن دونه من أهل القبائل ، فصار المجتمع لحمة واحدة ، وجسداً واحداً ، فلم يستغرب بعدها أن يطلب الأنصاري من المهاجر أن يتقاسم معه ماله نصفين

وأن يعرض الأنصاري على المهاجر إحدى نسائه ليطلقها له ويتزوجها ، وكان المهاجر يرثُ الأنصاريَّ لقوة ما بينهم من العلاقة

ثم نسخ التوارث بينهما بآية المواريث ، ورُغِّب الأنصار أن يوصوا لهم بشيء ، فبمثل هذا المجتمع تضرب الأمثال .

وهذه بعض الأحاديث في ذلك :

1- عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : لمَّا قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع ، فقال سعد بن الربيع : إني أكثر الأنصار مالاً فأقْسِم لك نصف مالي

وانظر أي زوجتي هويتَ نزلتُ لك عنها ، فإذا حلَّت تزوجتَها

قال : فقال له عبد الرحمن : لا حاجة لي في ذلك ، هل من سوق فيه تجارة ؟ قال : سوق قينقاع ، قال : فغدا إليه عبد الرحمن فأتى بأقط وسمن

قال : ثم تابع الغدو فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجتَ ؟ قال : نعم ، قال : ومن ؟ قال : امرأة من الأنصار

قال : كم سقت ؟ قال : زنة نواة من ذهب – أو نواة من ذهب - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أوْلِم ولو بشاة . رواه البخاري ( 1943 ) .

2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المهاجرون لمَّا قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت

ثم قال والذين عقدت أيمانكم إلا النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له . رواه البخاري ( 2170 ) .

ثالثاً :

شرعت الزكاة في السنة الثانية للهجرة

فصارت المواساة بين الأغنياء للفقراء مما جعل اللحمة تزداد بين المجتمع المدني ، وأواصر الأخوة في الله تقوى أكثر من ذي قبل ، بل تعدى الأمر من إيتاء الزكاة إلى صدقة التطوع .

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحب أمواله إليه " بيرحاء "

وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال أنس : فلما أُنزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال

: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلي " بيرحاء " وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذُخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله

قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخٍ ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين

فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه . رواه البخاري ( 1392 ) ومسلم ( 998 ) .

وقد ظهرت علامات التآلف بين المسلمين في المدينة ، وعرف المهاجرون حق إخوانهم الأنصار عليهم، وفي ذلك بعض الأحاديث ومنها :

عن أنس قال : لما قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ أتاه المهاجرون ، فقالوا : يا رسول الله ، ما رأينا قوماً أبذلَ مِن كثيرٍ ولا أحسنَ مواساةً مِن قليلٍ من قومٍ نزلنا بين أظهرهم ، لقد كفونا المؤنة

وأشركونا في المهنإ ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم . رواه الترمذي ( 2487 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2020 ) .

وقد ألّف الله بين قلوب أهل المجتمع المدني ، وكان الحب في الله تعالى من شعارات القوم ، وقد أوجبه الله عليهم ، وجعله من علامات كمال الإيمان .

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " . رواه البخاري ( 13 ) ومسلم ( 45 ) .

عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى " .

رواه البخاري ( 5665 ) ومسلم ( 2586 ) .

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 15:23
يشعر بنقص إيمانه واستثقال العبادة

السؤال

أنا شخص متدين منذ عدة سنوات و منذ عدة شهور أشعر أن عقلي وقلبي سلب منهما الإيمان و الإرادة وهذا الأمر يعذبني فقلت في نفسي لعله مس أو شيء من هذا وسيذهب عندما يأتي شهر رمضان

ولكن الأمر لم يذهب حتى إني كنت أتحمل صلاة القيام بصعوبة بالغة و أحاول الإكثار من قراءة القرآن على الرغم من الوساوس والضيق الذي ينتابني وبدأت حالتي تتدهور الاجتماعية و العملية و العائلية

و الدينية وحتى الآن فإني أعيش في عذاب لهذا السبب وأنى لا أجد إيماني الذي أشعر أنه سُلِب مني وأشعر أن هذه هي سوء خاتمتي وأن إيماني لن يرجع إليَّ وأن قلبي قد طُبع عليه

وعندما أذهب إلى المسجد للصلاة والتي لم أقطعها أشعر أنني لست مثل المصلين وأنى أحسدهم على إيمانهم ، وأيضاً أشعر بنفور غير عادى عن الدين وأحياناً كثيرة لا أستطيع سماع القرآن ولا الأحاديث

أو الشرائط إلا بصعوبة وضيق ، وهذا الأمر يعذبني لأني لا أريد ذلك

وأريد أن أكون كما كنت مؤمناً محباً للدين لأنه هو الحق ولكني أشعر أني لا أستطيع أن أتحكم في عقلي أو قلبي وبدأت أسترجع ذنوبي التي أعتقد أنها السبب فبدأت أجد من الذنوب

التي كنت أنساها الكثير وكأنها أمامي واحداً تلو الأخر وحتى الآن أعيش في هذا العذاب والحسرة والضيق ولا أعرف ما الذي أصابني وما هو الحل والعلاج

وهل سيرجع إلى إيماني أم أنها سوء الخاتمة وعقاب من الله - أخيراً لا تنسوني من الدعاء .

الجواب

الحمد لله

أخي في الله ليكن أملك في الله تعالى عظيماً

ولا تجعل للشيطان عليك سبيلاً بالقنوط من رحمة الله الواسعة التي أوجبها لعباده المؤمنين

وما يراود نفسك من كون هذه هي خاتمتك على غير ما يريد الله عز وجل إنما هي من وساوس الشيطان ونزغاته التي ينزغ بها عباد الله ليفتنهم عن دينهم ،

فهو يأتي العبد الصالح ويوسوس له بأن عمله حابط أو أنه يعمل لغير الله ويرائي الناس بعمله ليظنوا به خيراً

وكل هذا من أساليب الشيطان المتكررة مع عباد الله خاصة الذين ظهرت منهم آثار الاستقامة والصلاح – أحسبك من هؤلاء ولا أزكي على الله أحداً – ليعيقهم عن ذلك أعاذنا الله منه .

ولكنك أخي محتاج لأن تُعظِمَ الرجاء والأمل في الله الذي يغفر الذنوب جميعاً ، ويَقْبَل العبد الذي لاذ بحماه واستجار بجاهه فإنه الرحيم الغفور الودود .

ولعلك أن تكثر من الأعمال الصالحة : من قراءة قرآن , وصدقة , وذكرٍ لله ، وصلة أرحام ... الخ

وهذا الضعف الذي ينتابك ينتاب غيرك ، وهو أمرٌ طبيعي فكم من الأشخاص كانوا مثالاً يُقتدى بهم في علو الهمة ثم فترت همتهم مدةً طويلة ، ثم عادت إليهم همتهم بفضل الله ، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم :

" إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ " رواه الترمذي 2453 وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1995) .

ومعنى ( إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً ) أَيْ حِرْصًا عَلَى الشَّيْءِ وَنَشَاطًا وَرَغْبَةً فِي الْخَيْرِ ...

( وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً ) أَيْ وَهَنًا وَضَعْفًا وَسُكُونًا .

( فَإِنْ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ ) أَيْ جَعَلَ صَاحِبُ الشِّرَّةِ عَمَلَهُ مُتَوَسِّطًا وَتَجَنَّبَ طَرَفَيْ إِفْرَاطِ الشِّرَّةِ وَتَفْرِيطِ الْفَتْرَةِ .

( فَاَرْجُوهُ ) أَيْ ارْجُوا الْفَلاحَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ الدَّوَامُ عَلَى الْوَسَطِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدُومُهَا .

( وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ ) أَيْ اِجْتَهَدَ وَبَالَغَ فِي الْعَمَلِ لِيَصِيرَ مَشْهُورًا بِالْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ وَسَارَ مَشْهُورًا مُشَارًا إِلَيْهِ ( فَلا تَعُدُّوهُ ) أَيْ لا تَعْتَدُّوا بِهِ وَلا تَحْسَبُوهُ مِنْ الصَّالِحِينَ لِكَوْنِهِ مُرَائِيًا ,

وَلَمْ يَقُلْ فَلا تَرْجُوهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ قَدْ سَقَطَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَدَارُكُ مَا فَرَّطَ . انتهى من تحفة الأحوذي .

فتأمل هذا الحديث واربطه بواقعك وواقع كثير من الناس غيرك ، وستجد تقارباً واضحاً ، ففي هذا الحديث بيانٌ واضح على أن الإنسان يمر بمرحلة حماس منقطع النظير ، وإقبالٍ عظيم ، وهمةٍ عالية

وفجأة يضعف ويتراجع إقباله وحماسه ، وتفتر همته ، فإذا وصل إلى هذه المرحلة فعليه أن يحرص غاية الحرص على فعل الواجبات واجتناب المحرمات

فإن فعل فإنه يُرجى له الفلاح والاستمرار ، وإن وقع في المحظورات , وترك الواجبات فقد خاب وخسر .

فعليك بكثرة اللجوء إلى الله ، واستغفاره وسُؤاله الثبات حتى الممات ، كما أُوصيك بالبعد عن المحرمات ، غفر الله ذنبك ، ويسرَّ أمرك ..

وإلى لقاء قريب والسلام .

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 15:28
كيف يملأ الإنسان الفراغ

السؤال

أنا أعاني من مشكله الفراغ الشديد ، وبسبب الفراغ بدأت أصاب بحالة غريبة ، فقد بدأت عباداتي تقل بشكل ملحوظ ، ليس لسبب شيء يشغلني بل بسبب ما أصابني من اكتئاب

فأنا أحفظ القرآن على يد محفظة ، ولكن مازلت في جزء عم ، وأحفظ المطلوب منى ، ويظل لدي وقت فراغ قاتل ولكي أتخلص من حالة الاكتئاب أفتح التلفزيون ، ولكن أنا أكرهه ولا أرغب في مشاهدته

ولكني الآن أجلس أمامه أكثر من 10 ساعات ، هل تصدق 10 ساعات ؟ وأنا من كنت لا أجلس أمامه إلا قليلا لا أدري !! من فضلك انصحني ماذا أفعل لقتل الفراغ .

الجواب

الحمد لله

نعمة الوقت من النعم العظيمة التي امتن الله بها على عباده ، حتى أقسم الله تعالى ببعض الوقت فقال تعالى : ( وَالْعَصْرِ ) ، لأهمية هذا الوقت وبركته

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسم - : ( اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك )

انظر صحيح الجامع برقم (1077) .

ولما كان أكثر الناس جاهلين بقدر هذه النعمة ، غافلين عما يجب عليهم نحوها من عمارتها بشكر الله وطاعته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) رواه البخاري (6412)

والمغبون هو الخاسر في بيعه أو شرائه .

وَقَالَ الطِّيبِيُّ : " ضَرَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُكَلَّفِ مَثَلا بِالتَّاجِرِ الَّذِي لَهُ رَأْس مَال ,

فَهُوَ يَبْتَغِي الرِّبْح مَعَ سَلامَة رَأْس الْمَال , فَطَرِيقه فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَحَرَّى فِيمَنْ يُعَامِلهُ وَيَلْزَم الصِّدْق وَالْحِذْق لِئَلا يُغْبَن , فَالصِّحَّة وَالْفَرَاغ رَأْس الْمَال , وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَامِل اللَّه بِالإِيمَانِ , وَمُجَاهَدَة النَّفْس وَعَدُوّ الدِّين ,

لِيَرْبَح خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَة وَقَرِيب مِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى ( هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم ) الآيَات . وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِب مُطَاوَعَة النَّفْس وَمُعَامَلَة الشَّيْطَان لِئَلا يُضَيِّع رَأْس مَاله مَعَ الرِّبْح "

فتح الباري لابن حجر

وإذا كان الوقت بهذه المنزلة ، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يكون عنده وقت للفراغ ، لأنه يتقلب من طاعة إلى طاعة ، فإن لم يخرج من طاعة إلى أختها ، فإنه يخرج إلى المباح .

وينبغي أن يصلح فيه نيته ، ليكون له فيه أجر . كما قال معاذ رضي الله عنه : أما أنا فأقوم وأنام ، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي " رواه البخاري (6923) ومسلم (1854)

والمشكلة التي تعاني منها الأخت سببها عدة أشياء :

أولا :

أنها لا تعرف قيمة الوقت ، وهذا حال أكثر الناس كما سبق ، بل الأدهى من ذلك أن هذه النعمة العظيمة ، بإهمالها ، والتفريط فيها ، صارت فراغاً مدمراً ، فاعتبرته عدواً لها ، فهي " تقتله " ولم تدر أنها تقتل نفسها .

ثانيا :

أنها تحس بالاكتئاب ، ولا شك أن إهدار الوقت ، وإضاعة الحياة تسبب اكتئابا شديدا لدى الإنسان ، لأنه يحس أنه مثل الدابة التي تأكل لتنام ، وتنام لتأكل ، ولهذا نرى كثيرا من أهل الكفر ينهون حياتهم بالانتحار

بعد إصابتهم بالاكتئاب والأمراض المستعصية ، عافانا الله مما ابتلاهم به ، كما أن من أول وأهم أسباب الاكتئاب معصية الله عز وجل

ولا شك أن إضاعة الوقت في النظر لجهاز التلفاز يؤدي بالإنسان إلى ارتكاب المعصية ، من النظر المحرم ، وسماع المحرم ، وتضييع الوقت ، وغير ذلك مما يسببه هذا الجهاز المفسد

والفوائد التي تجنيها الأخت في جلوسها في حلقة تحفيظ القرآن الكريم تذهب كثير منها أو كلها بجلوسها أمام التلفاز ، فكما أن الحسنات يذهبن السيئات ، فذلك السيئات تضيع الحسنات .

[ يمكن الرجوع إلى قسم الكتب في الموقع ، ففي " علاج الهموم " تفصيل أكثر لأسباب الهموم وكيفية التغلب عليها ، وفي " أخطار تهدد البيوت " إشارة إلى بعض الآثار المدمرة لجهاز التلفاز .

ثالثا :

أنها تستسلم كثيرا لنفسها في مسألة الوقت ، فليس لديها من العزم ما يقويها على ملء وقتها بما هو مفيد .

ولحل مثل تلك المشكلة ، فإنه يجب على الأخت الفاضلة الحرص على النقاط التالية :

1. العبادات من الأذكار والأوراد والصلوات وتلاوة القرآن والصيام والتفكّر في آيات الله وآلائه .

2. بخصوص القرآن الكريم ، وقد أشارت السائلة إلى أنها تحفظ المطلوب منها ، ثم يبقى عندها من الفراغ ما تقتله بالتلفاز ، فلِمَ لا تحييه بذكر الله ، والاجتهاد في تلاوة القرآن

والزيادة في القدر المحفوظ حتى تكمل حفظه ، قبل أن تنشغل بأعباء الحياة ، إن كل حرف بحسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، إن كل آية هي رِفْعَة وزيادة ، هي رقي وكمال

كما قال صلى الله عليه وسلم :

( اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ) رواه أبو داود (1464) وصححه الألباني في الصحيحة (2240)

3. تبني قضية من قضايا المسلمات في البلد الذي تعيش فيه ، كالمساهمة في تدريس البنات المسلمات ودعم المشاريع الخيرية ونحو ذلك .

4. الرفقة الصالحة باجتماعاتها والجيرة الطيبة بزياراتها .

5. القراءة في الكتب الإسلامية خاصة والقصص المفيدة عامة .

6. الانخراط في مجال الدعوة والأنشطة النسائية ورياض الأطفال في المراكز الإسلامية.

7. سماع الأشرطة والمحاضرات وتلخيصها وتوزيع الملخّص على من يستفيد منه .

8. تعلم بعض العلوم الدنيوية المفيدة من طبخ وخياطة ونحو ذلك .

9. اتخاذ الكمبيوتر والبرامج المفيدة وهو حقل واسع وبحر كبير يأخذ وقتا طويلا ويُمكن استثماره في عمل كثير من الأشياء الطيبة والمفيدة

وهذا يغني عن الجلوس أمام شاشة التلفاز التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وتضر أكثر مما تنفع .

وينبغي عليك مطالعة بعض الكتب التي تتكلم عن أهمية الوقت وكيفية تنظيمه ، وسماع بعض المحاضرات النافعة في ذلك .

وفقنا الله وإياك لكل خير .

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 15:33
طبيعة الحل الإسلامي لإشكالية الفراغ

السؤال

ما هو الحل الإسلامي لمشكلة الفراغ ؟

الجواب

الحمد لله

إن التعريف الإسلامي لوقت الفراغ لا يقبل بوجود وقت يكون فيه الإنسان حراً طليقاً من أي تكليف ، أو عمل مفيد ، يذهب وقته عليه سُدى ، وهناك حقوق وواجبات لا بدّ من أدائها لله عزّ وجلّ وكذلك للمخلوقين .

وباستيفائه لهذه الحقوق على الوجه المطلوب شرعاً ، يجد المسلم نفسه أمام العديد من أبواب الخير التي رتّب عليها الشرع الأجر العظيم والجزيل ولم يُحطْها بشروط مكلّفة ولم يحصرها بأوقات ضيقة .

فقد حرص الإسلام على شغل أوقات الفراغ بعد الواجبات بالعمل النافع المثمر الذي يعين الإنسان

على الطريق إلى الله منذ يقظته إلى منامه ، بحيث لا يجد الفراغ الذي يشكو منه ويحتاج في ملئه إلى تبديد الطاقة أو الانحراف بها عن منهجها الأصيل .

وليس معنى هذا هو استنفاد المخلوق البشري واستهلاكه ..

فليس ذلك قط من أهداف الإسلام الذي يدعو إلى استمتاع الإنسان بالطيبات وتذكر نصيبه من الحياة الدنيا .

وليست المشغلة كلها إجهاداً أو استنفاداً للطاقة فإن منها تهويمة العبادة ، ومنها ذكر الله في القلب ، ومنها غفوة الظهيرة في الهاجرة ، ومنها السمر البريء مع الأهل والأصحاب

ومنها التزاور ، ومنها الدعابة اللطيفة ، إلى آخر أنواع الترويح .

ولكن المهم ألا يوجد في حياة الإنسان فراغ لا يشغله شيء أو فراغ يشغله الشر والفساد والتفاهة

وحين ألغى الإسلام عادات الجاهلية وأعيادها ومواسمها وطرائق حياتها لم يترك ذلك فراغاً يتحير المسلمون في ملئه ، أو يملؤونه دون شعور منهم فيما لا يفيد

بل جعل لهم في الحال عادات أخرى وأعياداً ومواسم وطرائق حياة تملأ الفراغ ، كانوا - في الجاهلية - يجتمعون على موائد الخمر والميسر ، أو لعبادة الأوثان ، أو سماع الشعر الضال الذي لا يعبّر عن هدف إنساني

فجمعهم على عبادة الله يؤدون الصلاة جماعة ، ويتذاكرون القرآن جماعة ، ويستمعون إلى توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويتزاورن لمثل ذلك

وكانوا - من قبل - يعيثون في أعيادهم فسداً فألغاها وجعل بدلاً منها أعياداً كريمة نظيفة زاخرة بالمعاني الطيبة والأهداف الرفيعة .

وحيث قطع علاقة القربى في أول عهده مع المشركين الذين لم يكونوا قد أسلموا بعد ، ملأ فراغها بالولاية بين المؤمنين ، وجعلها مكان القربى

فملأت فراغها حقيقة ، وصارت تعدل في حسهم صلة الدم ، حتى إن المؤاخاة التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وصلت بهم إلى اقتسام كل شيء مع المهاجرين .

قال تعالى : ( .. ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .. ) الحشر/9 . وكانت تصل إلى حد الاشتراك في الميراث

وهكذا لم يعد في نفوس المؤمنين فراغ .. محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية 1/206 .

وهكذا لا توجد هذه المشكلة قط في الحياة الإسلامية !! ولا يمكن أن يوجد الفراغ في قلب عامر بذكر الله ! ولا في روح متعبدة لله .

مشغولة بالذكر والعبادة التطوعية بعد أداء الفرائض .

مشغولة بحفظ القرآن وتلاوته تعبداً إلى الله .

ومشغولة في زيارة الأصحاب والأحباب وعيادة المرضى من المعارف والأصدقاء .

ومشغولة في ساعة مرح نظيفة مع الزوجة والأولاد ومع الأحباب المؤمنين في أي مكان .

من كتاب قضايا اللهو والترفيه لـ مادون رشيد /63

والله الموفّق

الشيخ محمد صالح المنجد

..........

و اخيرا

الحمد لله رب العالمين

واسالكم الدعاء بظهر الغيب

*عبدالرحمن*
2019-09-28, 18:43
السلام عليكم ورحمه الله و بركاتة

اخوة الاسلام

ارحب بجميع الاستفسارات

بارك الله فيكم

badriaalbishr.
2019-12-15, 18:09
مشكووور بارك الله فيكم