المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استشارات علمية


*عبدالرحمن*
2018-11-06, 14:14
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل يمكن تغيير القدر وكيف نكون مخيرين بينما القدر يحكمنا؟

السؤال

هل كل شيء في هذا العالم قد كتبه الله ؟ إن كان الأمر كذلك ، فلماذا نحن مخيرون ؟

ما الفائدة من ذلك إن كنا لا نستطيع تغيير القدر؟ هل يشمل ذلك الحالة الجسدية والموت ؟

هناك شخص عزيز علي أريد أن أقول له شيئًا لن يتقبله ، فأنا أظن أنه ما أن يسمع الخبر ، إما سيموت ، أو يصاب بنوبة قلبية ، أو سيجعلني بلا مأوى ، ولا طعام ، أو شراب ، أو نقود

وسيدمر حياتي بالكامل ، وحياة الكثير ممن أحب ، هذا الشخص مع العديد من العوامل هو السبب في ضياع كل شيء أحبه ، بما ذلك ديني

وصلاتي ، وهي الخسارة الكبرى ، ويجب علي أن أخبره للتوقف عن هذا الجنون ، والسبب الوحيد الذي يمنعني من إخباره هو : خشيتي أن أكون السبب في موته

وأنا أريد أحدا أن يخبرني أن أجله مكتوب في قضاء الله وقدره ؛ حتى أخبره ، ولكن الجميع يخبرونني أننا مسيرون ، ويمكننا تغيير قدرنا من خلال قراراتنا في الحياة ، ولكن ألا يعني ذلك أن الله ليس عظيمًا ؟

أنا لا استطيع تصديق ذلك ، فإما أن يكون الله عظيمًا ، وأن القضاء لا يمكن تغييره ، وإما أن ما يخبرني به الناس من بعض الأشياء المذكورة في صحيحي البخاري ومسلم كذب

أو أن يكون الله مجرد كذبة ، وأنا أرفض أن أعتقد الخيار الثاني.

الجواب

الحمد لله

أولا:

كل شيء في هذا العالم، ما كان وما سيكون، قد كتبه الله تعالى في كتاب عنده، وقد علمه، وشاءه، وهذا هو "القدر" بمراتبه الأربعة: الكتابة، والعلم، والمشيئة، إضافة للخلق والإيجاد.

قال تعالى: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر/49

وقوله سبحانه : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام / 59

وقوله : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد / 22

وقوله : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/ 29

وروى مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال : وعرشه على الماء ).

ثانيا:

هذا القدر لا يمكن تغييره، بمعنى أنه لو كان الله قد قدر أن فلانا يموت مؤمنا أو كافرا، أو يحيى سعيدا أو شقيا، أو يرزق بعشرة من الولد مثلا، فلا يمكن تغيير ذلك؛ لأنه لو أمكن تغييره لكان قدحا في علم الله

وإرادته ، وعظمته، بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ :

( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ

وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) رواه الترمذي (2516)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

لكن هنا مرتبة أخرى من مراتب القدر ، وهي كتابة مقادير الخلق ، في الصحف التي في أيدي الملائكة .

ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً

مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ) رواه البخاري (3208) ومسلم (2643).

وهنا أمر قد يعبر عنه بأنه تغيير للقدر، وهو تغيير لهذا القدر المكتوب في صحف الملائكة فقط، كأن يكون فيها أن فلانا سيمرض، فيدعو بدعاء ، فيعافيه الله ولا يمرض .

أو يكون فيها أن عمره ستون سنة، فيصل رحمه، فيزيد عمره إلى سبعين سنة .

فهذا تغيير لما في صحف الملائكة، وهو ممكن ، لا مانع منه .

وليس هذا تغييرا لما في اللوح المحفوظ ، ولا تغييرا لما في علم الله، فقد علم الله تعالى أن سيفعل ذلك، فيعافى أو يزيد عمره. وهذان ـ يعني : ما في اللوح المحفوظ

وما في علم الله ـ : لا تغيير لما فيهما ، كما سبق بيانه .

وأما تغيير ما كتب في الصحف التي في أيدي الملائكة

فهو ثابت ، لا مانع منه ، دل عليه حديث سَلْمَانَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ رواه الترمذي (2139)

وحسنه الألباني. وهو عند أحمد (22386) وابن ماجه (90) من حديث ثوبان بلفظ: (لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

والكتابة نوعان : نوع لا يتبدل ولا يتغير وهو ما في اللوح المحفوظ ، ونوع يتغير ويتبدل وهو ما بأيدي الملائكة ، وما يستقر أمره أخيراً عندهم هو الذي قد كتب في اللوح المحفوظ

وهو أحد معاني قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد / 39 ، ومن هذا يمكننا فهم ما جاء في السنة الصحيحة من كون صلة الرحم تزيد في الأجل أو تُبسط في الرزق

أو ما جاء في أن الدعاء يرد القضاء ، ففي علم الله تعالى أن عبده يصل رحمه وأنه يدعوه فكتب له في اللوح المحفوظ سعةً في الرزق وزيادةً في الأجل .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية :

عن الرزق هل يزيد أو ينقص ؟ وهل هو ما أكل أو ما ملكه العبد ؟

فأجاب :

الرزق نوعان :

أحدهما : ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير ، والثاني : ما كتبه وأعلم به الملائكة ، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب ، فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقاً

وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَن سرَّه أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصِل رحِمه "

وكذلك عُمُر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين ، ومِن هذا الباب قول عمر : " اللهم إن كنت كتبتَني شقيّاً فامحني واكتبني سعيداً فإنك تمحو ما تشاء وتُثبت "

ومن هذا الباب قوله تعالى عن نوح ( أنِ اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم إلى أجلٍ مسمَّى ) ، وشواهده كثيرة ، والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدَّره الله وكتبه

فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه : ألهمه السعي والاكتساب ، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب ، وما قدره له بغير اكتساب كموت موروثه يأتيه به بغير اكتساب .

والسعي سعيان : سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزارعة والتجارة ، وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ومحو ذلك ، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .

" مجموع الفتاوى " ( 8 / 540 ، 541 ) .

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 14:15
ثالثا:

لا تعارض بين كون الأشياء مقدرة ومكتوبة، وكوننا مخيرين عند فعلها، فنحن لا نعرف ما الذي كتب، ونشعر بتمام الحرية والاختيار في الفعل

ونميز بين الحركة الاضطرارية كحركة القلب والأمعاء، وبين الحركة الاختيارية التي نؤديها بالأيدي أو الأرجل أو الأعين أو غير ذلك.

ولهذا فإن الإنسان يحاسب على فعله، لأنه يفعله باختياره، فيمكنه فعل الخير كما يمكنه فعل الشر، وليس له أن يحتج بأنه مكتوب عليه كذا؛ لأنه لا يعلم بالمكتوب إلا بعد وقوعه

ولا يعلم نهاية الأمر، فقد يكون مكتوبا أنه بعد وقوع المعصية مثلا يدعو ويستغفر فيتوب الله عليه ، ويستقيم ويصلح، وهكذا، ولهذا لما سأل الصحابة رضي الله عنهم : "أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟"

أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ:

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى الْآيَةَ) رواه البخاري (4949) ومسلم (2647).

فما على الإنسان في هذه الحياة إلا أن يجدّ ويعمل، دون بحث ونظر: هل كتب علي كذا أم لا؟ فإنه لن يصل إلى ذلك، لكن يكفيه ، من أجل أن يكد ويعمل بالحسنى ، ويعمل بعمل أهل الجنة

: أن الحسنى إنما تنال بالعمل ، وأن منازل أهل الجنة : إنما تنال بالعمل لا بالأماني .

وإذا كان أمر الكتابة يشغل باله : فليعلم أن الله قد كتب عليه : أن يعمل بالطاعات ، وألا يعمل بعمل أهل النار ، بمعنى : أنه قد فرض عليه ذلك ، وشرعه له ، وأمره به ، وهذا يكفيه دافعا للعمل.

وأما العلم بأن كل شيء بقدر ، فهذا يطمئن قلبه عند حدوث المصيبة، فلا يأسى، ولا يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، وهذا معنى

قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد/ 22، 23

رابعا:

ما سألت عنه بشأن صاحبك، جوابه أن أجله مكتوب، معلوم لله تعالى، لا يتغير، لكن الأمور تكتب مع أسبابها، فقد يكون مكتوبا أنه يموت بسماع خبر من فلان، أو يموت بمرض، أو يموت بالقتل، أو بالحرق الخ، فيقع الأمر كما هو مكتوب.

وهنا نعود فنقول: لا جدوى في البحث عما هو مكتوب. فلا يكون بحثك في القدر، بل في الشرع، فتسأل: هل يجوز أن أخبره خبرا قد يؤدي إلى موته، أو إلى حصول ضرر له، أو ضرر لي؟

وهذا لا يمكن الجواب عنه إلا بمعرفة طبيعة الخبر، وتعلقه بهذا الشخص، فربما كان السؤال عن معصية يجب أن يحذّر منها، أو عن أمر لا يمكن السكوت عنه، فهب أن رجلا متزوجا من سنوات من امرأة يحبها

غاية الحب، وإذا هي لا تحل له ، لأنها أخته من الرضاع أو خالته، فليس أمامنا إلا إخباره بذلك، لأن بقاءه معها يعنى الوقوع في الزنا .

إلا إن كان إخباره يغلب على الظن موته به، فلو أمكن تلافي المحرم دون إخباره في الحال، خوفا عليه، فلا بأس، كأن تسافر المرأة، أو غير ذلك من الوسائل.

والمقصود : أنه ينبغي عرض كل قضية ، مما ذكرت ، بعينها ، على أهل العلم لينظروا فيها، ويروا هل يجب الإخبار، أم يجوز التأجيل، أم لا يجب مطلقا.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 14:21
الرد على من قال : إن العبد فاعل مجازا أو فاعل بقدرة غير مؤثرة

السؤال

علق أحد الإخوة في مجموعة على تفسير السعدي رحمه الله بتعليق أشكل علي في مسألة القدر. هذا هو المقطع من تفسير السعدي لسورة الفاتحة: "وتضمنت إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة

خلافا للقدرية والجبرية. بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع [والضلال] في قوله: [اهدنا الصراط المستقيم] لأنه معرفة الحق والعمل به. وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف لذلك. وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى

عبادة واستعانة في قوله: [إياك نعبد وإياك نستعين] فالحمد لله رب العالمين." وهذا هو التعليق الذي أشكل علي: " يجب التنبيه على أمر هام ودقيق مفاده : أنه ﻻ فاعل على الحقيقة إﻻ الله تعالى ،

وهذا ركن أساسي من أركان التوحيد ، وأن العبد فاعل باﻻختيار ، وأنه فاعل بالمجاز وليس على الحقيقة ، والله تعالى أعلم " فأرجو إزالة هذا الإشكال .

الجواب

الحمد لله

القول بأن العبد فاعل حقيقة بقدرته وإرادته، وأن الله خالق له ولقدرته وإرادته، هو قول أهل السنة والجماعة.

قال السفاريني رحمه الله:

"ومذهب سلف الأمة وأئمتها وجمهور أهل السنة المثبتة للقدر من جميع الطوائف يقولون: إن العبد فاعل لفعله حقيقة ، وإن له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية" .

انتهى من "لوامع الأنوار البهية" (1/ 312).

وأما القول بأن العبد فاعل مجازا، فهو قول باطل مخالف للكتاب والسنة ، وهو قول الجبرية ومن وافقهم ، ويلزم عليه لوازم فاسدة كثيرة ، تفتح بابا للإلحاد والكفر بهذا الدين، منها:

1-أنه لو كان العبد غير فاعل على الحقيقة، والله هو الفاعل حقيقة، للزم أن يكون المصلي الصائم العابد هو الله ، وأن يكون الزاني السارق القاتل هو الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

2-ولو كان العبد غير فاعل على الحقيقة، لكان تعذيبه على المعاصي ظلما وجورا، ولكان إثابته على الطاعات عبثا.
3-لو كان العبد غير فاعل حقيقة

لما كان لإرسال الرسل وإنزال الكتب والتبشير والإنذار معنى؛ إذ لا طائع ولا عاص على الحقيقة!

وكيف يكون العبد فاعلا مختارا، ثم يقال إنه فاعل مجازا !! فما ثمّ فعل منه أصلا!

وأي محذور في أن يقال إن العبد فاعل حقيقة، والله خالقه، وخالق قدرته وإرادته، فلا خالق إلا الله، وخالق السبب التام خالق للمسبّب.

ثم إن هذا القول الباطل يعلم بطلانه كل عاقل بالمشاهدة، فنحن نرى زيدا من الناس يأكل ويشرب وينكح ، فمن الذي يفعل ذلك ، حقيقة ؟! أو : ليس له فاعل حقيقة ؟! سبحانك ، هذا بهتان عظيم

وهذا القائل لو جاء زيد هذا فضربه وشتمه وهتك عرضه، هل يلومه على فعله، أم يعذره لأنه ليس فاعلا حقيقة؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

: " والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم . والعبد هو المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والمصلي والصائم . وللعباد القدرة على أعمالهم

ولهم إرادة ، والله خالقهم ، وخالق قدرتهم وإرادتهم ، كما قال الله تعالى : ( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ).

وهذه الدرجة من القَدَر يكذّب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة "

انتهى من "العقيدة الواسطية".

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في "التعليق على الواسطية" ، ص100

: " وتوضيح ذلك أن العبد إذا صلى وصام وعمل الخ

ير ، أو عمل شيئًا من المعاصي : كان هو الفاعل لذلك العمل الصالح ، وذلك العمل السيئ .

وفعله المذكور ـ بلا ريب ـ واقع باختياره ، وهو يحس ضرورة أنه غير مجبور على الفعل أو الترك ، وأنه لو شاء لم يفعل ، وكما أن هذا هو الواقع

فهو الذي نص الله عليه في كتابه ونص عليه رسوله ، حيث أضاف الأعمال ، صالحها وسيئها إلى العباد ، وأخبر أنهم الفاعلون لها ، وأنهم محمودون عليها إن كانت صالحة

ومثابون عليها ، ومذمومون إن كانت سيئة ، ومعاقبون عليها.

فقد تبين بهذا واتضح أنها واقعة منهم ، وباختيارهم ، وأنهم إن شاءوا فعلوا ، وإن شاءوا تركوا ، وأن هذا الأمر ثابت عقلًا وحسًا وشرعًا ومشاهدة .

ومع ذلك فإذا أردت أن تعرف أنها كذلك واقعة منهم ، واعترض معترض وقال: كيف تكون داخلة في القدر ، وكيف تشملها المشيئة؟

فيقال: بأي شيء وقعت هذه الأعمال الصادرة من العباد خيرها وشرها ؟

فهي بقدرتهم وإرادتهم ، وهذا يعترف به كل أحد .

ويقال أيضا: أليس الله خلق قدرتهم ومشيئتهم وإرادتهم ؟

والجواب كذلك ، يعترف به كل أحد ، وأن الله هو الذي خلق قدرتهم وإرادتهم ، وهو الذي خلق ما به تقع الأفعال ، كما أنه الخالق للأفعال

وهذا هو الذي يحل الإشكال ويتمكن العبد أن يعقل بقلبه اجتماع القدر والقضاء والاختيار.

ومع ذلك فهو تعالى أمد المؤمنين بأسباب وألطاف وإعانات متنوعة ، وصرف عنهم الموانع كما قال صلى الله عليه وسلم: أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة .

وكذلك خذل الفاسقين ووكلهم إلى أنفسهم ولم يعنهم؛ لأنهم لم يؤمنوا به ولم يتوكلوا عليه ، فولاهم ما تولوه لأنفسهم " انتهى .

وقد يلتبس الأمر على بعض الناس، فلا يمكنه الجمع بين كون العبد فاعلا حقيقة، وبين قولنا: الله خالق لأفعال العباد .
وبيان ذلك من ثلاثة أوجه

كما ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

قال: " قوله: (أفعالنا مخلوقة لله) ، أفعالنا: يعني ما نفعله من طاعة أو معصية، سواء كانت باليد أو الرجل أو العين أو الأنف أو الإذن ؛ كلها مخلوقة لله، وذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن أفعالنا من صفاتنا، ونحن مخلوقون لله ، وخالق الأصل خالق للصفة، فإذا كان الإنسان مخلوقاً لله ، فإن صفاته أيضاً مخلوقة

فأفعالنا صفات لنا، وخالق الذات خالق للصفة، ولهذا صح أن نقول: إن أفعالنا مخلوقة لله، وهذا وجه.

الوجه الثاني: أن فعل الإنسان ناتج عن أمرين : عن إرادة وقدرة:

أما القدرة: فالله تعالى هو الذي خلقها، ولا إشكال في ذلك، ولو شاء الله عز وجل لسلب الإنسان القدرة وصار عاجزاً عن الفعل.

والإرادة: كذلك، فإن الله هو الذي خلقها، لأنه هو الذي يودع في القلب هذه الإرادة، وما أكثر ما يريد الإنسان شيئاً ، وفي آخر لحظة يتجه إلى غيره.

فأحياناً تمشي على أنك ذاهب إلى صديق لك لتزوره، وفي أثناء الطريق ترجع وتترك الزيارة، وتقول: أذهب له غداً، أو بعد غد، وقد سئل أعرابي بم عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم وصرف الهمم .

وهذا الجواب من الأعرابي على فطرته، ونقض العزائم: يعني أن الإنسان يعزم على الشيء عزماً أكيداً، لا يداخله أدنى إشكال

ثم يتراجع بدون أي سبب، وكذلك صرف الهمم، فقد يهم الإنسان بالشيء ويبدأ بالفعل والمباشرة له ، ثم ينصرف.

ولهذا قال الأعرابي إنه بذلك عرف الله؛ لأن نقض العزائم وصرف الهمم ليس له سبب معلوم يضاف إليه، إذاً فلابد أن يكون السبب إلهياً.

إذاً فأفعالنا مخلوقة لله ودليل ذلك أمران:

الأمر الأول: أن أفعالنا صفات لنا وخالق الذات خالق للصفات.

ثانياً: أن أفعالنا ناتجة عن إرادة جازمة وعن قدرة، والذي خلق الإرادة وخلق القدرة فينا هو الله عز وجل، وخالق السبب التام وهو الإرادة والقدرة، خالق للمسبب، وهو الفعل الناتج عن الإرادة والقدرة.

الوجه الثالث: أن الله خالق كل شيء، كما قال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء) الرعد/ الآية 16 ، وهذا العموم يشمل أفعال العباد؛ لأن أفعال العباد من الشيء" .

انتهى من "شرح السفارينية" (1/ 323).

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 14:24
والحاصل :

أنه لا يمكن القول بأن العبد فاعل مجازا ؛ فهذا خلاف الشرع والمشاهدة، ويلزم عليه لوازم قبيحة باطلة . وقد ذهب بعض الناس إلى العبد يفعل حقيقة بقدرة، لكن قدرته غير مؤثرة،

وهذا باطل أيضا، وحقيقته رجوع إلى قول الجبرية ، ويلزم عليه ما لزم على قول الجبرية ، حتى اعتبر الجويني رحمه الله القول بأن قدرة العبد غير مؤثرة

–وهو مذهب أصحابه الأشاعرة- تكذيباً للرسل ، وإلغاء لأوامر الشرع.

قال رحمه الله: " الركن الأول: في قدرة العبد، وتأثيرها في مقدورها. فنقول: قد تقرر عند كل حاطٍ بعقله، مُرَقى عن مراتب التقليد في قواعد التوحيد،

أن الرب سبحانه وتعالى مطالِبٌ عباده بأعمالهم في حياتهم، وداعيهم إليها، ومثيبهم ومعاقبهم عليها في مآلهم، وتبين بالنصوص التي لا تنعرض للتأويلات أنه أقدرهم على الوفاء بما طالبهم به

ومكنهم من التوصل إلى امتثال الأمر، والانكفاف عن مواقع الزجر، ولو ذهبت أتلو الآي المتضمنة لهذه المعاني لطال المرام، ولا حاجة إلى ذلك مع قطع اللبيب المنصف به

. ومن نظر في كتب الشرائع وما فيها من الاستحثاث على المكرمات، والزواجر عن الفواحش الموبقات، وما نيط ببعضها من الحدود والعقوبات، ثم تلفّت على الوعد والوعيد

وما يجب عقده من تصديق المرسلين في الإنباء عما يتوجه على المردة والعتاة من الحساب والعقاب، وسوء المنقلب والمآب...

فمن أحاط بذلك كله ، ثم استراب في أن أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم واختيارهم واقتدارهم، فهو مصاب في عقله، أو مستقر على تقليده، مصمم على جهله

. ففي المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله: قطعُ طلبات الشرائع، والتكذيبُ بما جاء به المرسلون... ومن زعم ألا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها، كما لا أثر للعلم في معلومه،

فوجهُ مطالبة العبد بأفعاله عنده ، كوجه مطالبته أن يثبت في نفسه ألواناً وإدراكات، وهذا خروج عن حد الاعتدال، إلى التزام الباطل والمحال، وفيه إبطال الشرع، ورد ما جاء به النبيون عليهم السلام" .

انتهى من "العقيدة النظامية"

بتحقيق الكوثري، ص42، وما بعدها. ونقل الشهرستاني عنه أن " إثبات قدرة لا أثر لها بوجه، فهو كنفي القدرة أصلاً" .

انتهى من " الملل والنحل "(1/98).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 14:55
الحكمة في تركيب شهوة المعصية في النفوس

السؤال

هل الله عز وجل يجعل العبد المؤمن مرتبطا أو ضعيفا أمام معصية ما ليظهر له ضعفه؟

الجواب

الحمد لله

إظهار ضعف الإنسان ليس هو الحكمة الأساسية المقصودة لنفسها

ولا المقصد الشرعي القائم بذاته

بل الأمر يراد لما هو أعلى وأسمى، وأقرب إلى الحكمة العامة للخلق كله، وهي حكمة "الابتلاء"، أي صراع الخير والشر، والحق والباطل، ليحق الحق عن عقل وإرادة واختيار

وليُعبد الله عز وجل عبادة حرة كما يحب سبحانه وتعالى، سواء كانت عبادة فعلية بامتثال ما يحبه الله ويرضاه، أم عبادة تركية باجتناب الشر والظلم والفسوق والعصيان

ولكن بعد معالجة نوازع الشر والعصيان المودعة في النفوس، لتكون عبادة حرة حقيقية، تختلف عن عبادة الملائكة الجبلية.

هذه هي الحكمة من خلق الإنسان ضعيفا بين يدي أسباب الهوى والشهوات، كما تلخصها لنا الآية الكريمة

وتلخص الجواب على سؤالك كله -، وهي قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الكهف/7 .

فزينة الأرض كلها وما خلقت عليه من تأثير في قلب الإنسان إنما جعلت لاختبار حسن العمل. وبعبارة أخرى : يمكننا ادعاء أن هذه الحكمة هي أحد سياقات الحكمة من خلق الدنيا كلها

كما قال عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) هود/7. وقال سبحانه: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: 2] .

فابتلاء "إحسان العمل" جاء بعد حرف اللام المبينة للحكمة من خلق السماوات والأرض

ولخلق الحياة والموت بجميع تفاصيلها، وهو ما يفسر لنا أيضا قوله سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12]

أي : أن حكمة خلق السماوت والأرضين السبع أن يسلم العباد لله بالوحدانية، ويتوجهوا له بالعبادة، ولكنها العبادة الطوعية الاختيارية

التي يحققها العبد بعد اعتلاج أسباب الخير والشر في نفسه وعقله، ولهذا خلق الإنسان من طين لازب، ومن نطفة أمشاج، قابلة للتغير والتعرض لكل أنواع الهوى والشهوات

وفي الوقت نفسه للعقل والحكمة والعفة،

كما قال عز وجل: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 2، 3]

وقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام: 165]

. وقال عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]

روى الإمام الطبري بسنده في "جامع البيان" (18/440)

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) يقول: نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية

والهدى والضلالة، وقوله (وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) يقول: وإلينا يردّون فيجازون بأعمالهم، حسنها وسيئها.

فإذا كانت الدنيا خلقت لأجل (الابتلاء والامتحان)، فإن تمام هذا الابتلاء : إنما يكون بأن توجد هذه المعاصي في دار الدنيا

وأن يوجد في هذ الدار : العتاة ، والعصاة ، والدعاة على أبواب جهنم ، الذين يزينون للناس فسقهم وفجورهم.
أليس هؤلاء هم الفتنة نفسها التي يواجهها المؤمنون الصالحون المصلحون ؟!

ومن هنا : يكون التدافع في الأرض، وينشأ من تفاصيل تلك المدافعة جميع الملاحم ، والحوادث الأرضية العظيمة!!
إذن فلا بد أن تقع الشرور الكبار

ويحصل الخير العميم أيضا، كي تستمر حكمة "الابتلاء"، على طريقة "التدافع"، وكي تبقى للدنيا ماهيتها التي وجدت لأجلها أصلا

كما قال سبحانه: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) سبأ/21

كل هذه الآيات تدل على أن " الاختبار " هو السر في خلق الإنسان، وهذا الاختبار يشمل تكليف العبادة أيضا، فمن أدى العبادة - بمفهومها الشامل لكل خير - فقد فاز وربح، ومن قصر خسر بقدر تقصيره.

يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله:

"أخبر سبحانه عن خلق العالم، والموت، والحياة، وتزيين الأرض بما عليها، أنه للابتلاء والامتحان، ليختبر خلقه أيهم أحسن عملا، فيكون عمله موافقا لمحاب الرب تعالى،

فيوافق الغاية التي خلق هو لها، وخلق لأجلها العالم، وهي عبوديته المتضمنة لمحبته وطاعته، وهي العمل الأحسن، وهو مواقع محبته ورضاه "

انتهى من " روضة المحبين " (61)

ويقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله

- في تفسير قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56 - :

"التحقيق - إن شاء الله - في معنى هذه الآية الكريمة (إلا ليعبدون) أي: إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم، أي أختبرهم بالتكاليف، ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر .

وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية، لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملا

وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم. قال تعالى في أول سورة الكهف: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا)، فتصريحه -

جل وعلا - في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملا، يفسر قوله: (ليعبدون). وخير ما يفسر به القرآن - القرآن.

ومعلوم أن نتيجة العمل المقصود منه لا تتم إلا بجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ولذا صرح تعالى بأن حكمة خلقهم أولا ، وبعثهم ثانيا :

هو جزاء المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، وذلك في قوله تعالى في أول يونس: (إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون)

وقوله في النجم: (ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى).

وقد أنكر تعالى على الإنسان حسبانه وظنه أنه يُترك سدى، أي مهملا، لم يُؤمر ولم يُنهَ، وبين أنه ما نقله من طور إلى طور حتى أوجده إلا ليبعثه بعد الموت، أي ويجازيه على عمله،

قال تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى. ألم يك نطفة من مني يمنى) إلى قوله: (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى)"

انتهى من "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (7/ 445)

وأما إظهار ضعف الإنسان ، بخلق أسباب المعصية والانحراف في قلبه ؛ فالمقصود به أن يدرك العبد حقيقة نفسه بين يدي خالقه ومولاه، وفاقته إليه

وتقصيره في جنبه، فيتخلص من عُجْبِه وخيلائه ، ويرجع إلى رشده ، بسبب ما يستشعره من تلك المعاني، فتكتمل حكمة الابتلاء.

ونحن هنا نستسمح السائل الكريم أن ننقل له كلاما مطولا بعض الشيء

من كلام الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله، يشرح فيه ما ينبغي أن يقوم في قلب المؤمن وعقله ، لفهم ما يجري في الدنيا من سُعار الشبهات

والشهوات، الأمر الذي يوقع الكثيرين في الزلل والمعصية، ولكنْ وراء ذلك حكم جليلة وعظيمة.

يقول رحمه الله

في سياق حديثه عن الحكم في وقوع المعاصي ، ونظر المؤمن لتقديرها :

" السابع : مشهد الحكمة :

وهو أن يشهد حكمة الله في تخليته بينه وبين الذنب، وإقداره عليه، وتهيئته أسبابه له، وأنه لو شاء لعصمه ، وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة ، لا يعلم مجموعها إلا الله:

أحدها: أنه يحب التَّوابين ويفرح بتوبتهم، فلمحبته للتوبة وفرحه بها ، قضى على عبده بالذنب، ثم إذا كان ممن سبقت له العناية : قضى له بالتوبة.

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 14:55
الثاني: تعريف العبد عزة الله سبحانه في قضائه ونفوذ مشيئته وجريان حكمه.

الثالث: تعريفه حاجته إلى حفظه وصيانته، وأنه إن لم يحفظه ويصنه فهو هالك ولا بد، والشياطين قد مدت أيديها إليه تمزقه كل ممزق.

الرابع: استجلابه من العبد استعانته به ، واستعاذته به من عدوه ، وشر نفسه ، ودعاءه ، والتضرع إليه ، والابتهال بين يديه.

الخامس: إرادته من عبده تكميل مقام الذل والانكسار، فإنه متى شهد صلاحه واستقامته ، شمخ بأنفه وظن أنه وأنه.. فإذا ابتلاه بالذنب : تصاغرت عنده نفسه ، وذلّ ، وتيقن ، وتمنى أنه وأنه.

السادس: تعريفه بحقيقة نفسه، وأنها الخطاءة الجاهلة، وأن كل ما فيها من علم أو عمل أو خير: فمن الله ، منَّ به عليه ، لا من نفسه.

السابع: تعريفه عبده سعة حلمه ، وكرمه في ستره عليه، فإنه لو شاء لعاجله على الذنب ، ولهتكه بين عباده ، فلم يَصْفُ له معهم عيش.

الثامن: تعريفه أنه لا طريق إلى النجاة إلا بعفوه ، ومغفرته.

التاسع: تعريفه كرمه في قبول توبته ، ومعرفته له ، على ظلمه وإساءَته.

العاشر: إقامة الحجة على عبده، فإن له عليه الحجة البالغة، فإن عذبته فبعدله وببعض حقه عليه بل اليسير منه.

الحادي عشر: أن يعامل عباده في إساءتهم إليه وزلاتهم معه ، بما يحب أن يعامله الله به، فإن الجزاء من جنس العمل، فيعمل في ذنوب الخلق معه ، ما يحب أن يصنعه الله بذنوبه.

الثاني عشر: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمره فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم.

الثالث عشر: أن يخلع صولة الطاعة والإحسان من قلبه، فتتبدل برقة ورأفة ورحمة.

الرابع عشر: أن يعريه من رداءِ العجب بعمله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ لَمْ تُذّنِبُوا ، لَخِفْتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَشدُّ مِنْهُ ؛ العُجْبَ"، أو كما قال.

الخامس عشر: أن يعريه من لباس الإدلال الذي يصلح للملوك ، ويلبسه لباس الذل الذي لا يليق بالعبد سواه.

السادس عشر: أن يستخرج من قلبه عبوديته بالخوف والخشية ، وتوابعهما من البكاء والإشفاق والندم.

السابع عشر: أن يعرف مقداره ، مع معافاته وفضله في توفيقه وعصمته، فإن من تربى في العافية، لا يعرف ما يقاسيه المبتلى ولا يعرف مقدار العافية.

الثامن عشر: أن يستخرج منه محبته وشكره لربه إذا تاب إليه ورجع إليه، فإن الله يحبه ويوجب له بهذه التوبة مزيد محبة وشكر ورضا

لا يحصل بدون التوبة ، وإن كان يحصل بغيرها من الطاعات أثر آخر، لكن هذا الأثر الخاص لا يحصل إلا بالتوبة.

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 14:56
التاسع عشر: أنه إذا شهد إساءته وظلمه، واستكثر القليل من نعمة الله ، لعلمه بأن الواصل إليه منها كثير ، على مسيء مثله، فاستقل الكثير من عمله

لعلمه بأن الذي يصلح له أن يغسل به نجاسته وذنوبه : أضعاف ، أضعاف ما يفعله ؛ فهو دائماً مستقل لعمله كائناً ما كان، ولو لم يكن في فوائد الذنب وحكمه إلا هذا وحده لكان كافياً.

العشرون: أنه يوجب له التيقظ والحذر من مصايد العدو ومكايده، ويعرفه من أين يدخل عليه، وبماذا يحذر منه، كالطبيب الذي ذاق المرض والدواء.

الثاني والعشرون: أنه يرفع عنه حجاب الدعوى، ويفتح له طريق الفاقة، فإنه لا حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريق أقرب من العبودية، فإن دوام الفقر إلى الله مع التخليط خير من الصفاءِ مع العجب.

الثالث والعشرون: أن تكون في القلب أَمراض مزمنة لا يشعر بها، فيطلب دواءَها، فيَمُن عليه اللطيف الخبير، ويقضي عليه بذنب ظاهر، فيجد أَلم مرضه

فيحتمى ، ويشرب الدواءَ النافع ، فتزول تلك الأمراض التي لم يكن يشعر بها، ومن لم يشعر بهذه اللطيفة ، فغلظ حجابه كما قيل:

لعل عتبك محمود عواقبه *** وربما صحت الأجسام بالعلل

الرابع والعشرون: أن يذيقه ألم الحجاب والبعد بارتكاب الذنب، ليكمل له نعمته وفرحه وسروره إذا أقبل بقلبه إليه، وجمعه عليه، وأقامه في طاعته

فيكون التذاذه في ذلك- بعد أن صدر منه ما صدر- بمنزلة التذاذ الظمآن بالماء العذب الزلال، والشديد الخوف بالأمن، والمحب الطويل الهجر بوصل محبوبه. وإن لطف الرب وبره وإحسانه

ليبلغ بعبده أكثر من هذا، فيا بؤس من أعرض عن معرفة ربه ومحبته.

الخامس والعشرون: امتحان العبد ، واختباره هل يصلح لعبوديته وولايته أم لا، فإنه إذا وقع الذنب، سُلِب حلاوةَ الطاعة والقرب، ووقع في الوحشة. فإن كان ممن يصلح

اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة ، فحنَّت ، وأنَّت ، وتضرعت ، واستغاثت بربها ، ليردَّها إلى ما عوَّدها ، من بره ولطفه، وإن ركبت غيها ، واستمر إعراضها ، ولم تَحِنَّ إلى معهدها الأول

ومأْلفها، ولم تحس بضرورتها ، وفاقتها الشديدة إلى مراجعة قربها من ربها ؛ علم أنها لا تصلح لله، وقد جاء هذا بعينه في أثر إلهي لا أحفظه.

السادس والعشرون: أن الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الإنسان أو بعضها، ولو لم يخلق فيه هذه الدواعي لم يكن إِنساناً بل ملكاً، فالذنب من موجبات البَشرية

كما أن النسيان من موجباتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)، ولا يتم الابتلاءُ والاختبار إلا بذلك.

السابع والعشرون: أن ينسيه رؤية طاعته ويشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نصب عينيه، فإن الله إذا أراد بعبد خيراً ، سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه

والإخبار بها من لسانه، وشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نصب عينيه ، حتى يدخل الجنة، فإن ما تقبل من الأعمال رفع من القلب رؤيته ومن اللسان ذكره.

وقال بعض السلف: إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا: كيف؟ قال: يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه، إذا ذكرها ندم واستقال

وتضرع إلى الله، وبادر إلى محوها ، وانكسر ، وذل لربه ، وزال عنه عُجْبُه ، وكبره .

ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه ، يراها ، ويمن بها ، ويعتد بها ، ويتكبر بها ؛ حتى يدخل النار.

الثامن والعشرون: أن شهود ذنبه وخطيئته : يوجب له أن لا يرى له على أحد فضلاً، ولا له على أحد حقاً. فإنه إذا شهد عيب نفسه بفاحشة ، وخطأها وذنوبها

لا يظن أنه خير من مسلم ، يؤمن بالله واليوم الآخر، وإذا شهد ذلك من نفسه لم ير لها على الناس حقوقاً من الإِكرام ، يتقاضاهم إياها ، ويذمهم على ترك القيام بها، فإنها عنده أخس قدراً

وأقل قيمة ، من أن يكون لها على عباد الله حقوق يجب مراعاتها، أو لها عليهم فضل يستحق أن يكرموه لأجله، فيرى أن من سلم عليه

أو لقيه بوجه منبسط : قد أحسن إليه، وبذل له ما لا يستحقه، فاستراح في نفسه، واستراح الناس من عتبه ، وشكايته. فما أطيب عيشه وما أنعم باله، وما أقر عينه، وأين هذا ممن لا يزال عاتباً على الخلق

شاكياً ترك قيامهم بحقه ، ساخطاً عليهم ، وهم عليه أسخط؟ فسبحان ذي الحكمة الباهرة التي بهرت عقول العالمين.

التاسع والعشرون: أنه يوجب له الإمساك عن عيوب الناس والفكرِ فيها، فإنه في شغل بعيبه ونفسه، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس

فالأَول علامة السعادة، والثاني علامة الشقاوة
.
الثلاثون: أنه يوجب له الإِحسان إلى الناس ، والاستغفار لإخوانه الخاطئين من المؤمنين

فيصير هجِّيراه: ربِّ اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، فإنه يشهد أن إخوانه الخاطئين يصابون بمثل ما أُصيب به

ويحتاجون إِلى مثل ما هو محتاج إليه، فكما يحب أن يستغفر له أخوه المسلم ، يحب أن يستغفر هو لأخيه المسلم ..
.
الحادي والثلاثون: أنه يوجب له سعة بِطانه ، وحلمه ، ومغفرته لمن أساء إليه، فإنه إذا شهد نفسه مع ربه ، مسيئاً خاطئاً مذنباً - مع فرط إحسانه إليه ، وبره

وشدة حاجته إلى ربه ، وعدم استغنائه عنه طرفة عين ، وهذا حاله مع ربه - فكيف يطمع أَن يستقيم له الخلق ، ويعاملوه بمحض الإحسان ، وهو لم يعامل ربه بتلك المعاملة؟

وكيف يطمع أن يطيعه مملوكه وولده وزوجته في كل ما يريد ، وهو مع ربه ليس كذلك، وهذا يوجب أن يغفر لهم ويسامحهم ، ويعفو عنهم ، ويغضي عن الاستقصاءِ في طلب حقه قِبَلَهم"

انتهى باختصار من "طريق الهجرتين" (ص166-173)

والله أعلم.

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 15:04
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


أسباب تيسير العبادة والشعور بلذتها

السؤال

هل طبيعي في المسلم أن تشق عليه الطاعة مشقة عظيمة لا يقدر على فعلها لخلل في قلبه من جبن مثلا أو غيره فيقول في نفسه لو عرفت الله حق المعرفة لتمكنت من فعل هذه الطاعة بكل سهولة

و هذا حق ، فيبدأ رحلته في معرفة الله بالنّظر في الكون ليزداد إيمانه ، ولكن مع ذلك تبقى تلك الطاعة شاقة عليه ، فيصيبه الحزن الشديد كونه عاجز وجبان

و لكن قُذف في قلبي أنّ النظر في الكون وحده وفي نعم الله غير كاف بل لابد من الدّعاء لأنّه سرّ التوفيق ومفتاحه ، فهل هذا الكلام الّذي أعزّي به نفسي صحيح؟

أرجو الجواب بدقّة ؟

الجواب

الحمد لله

التوفيق للطاعات والشعور بلذتها له أسباب كثيرة، من أعظمها ما ذكرت من معرفة الله ومحبته ودعائه.

1-ومعرفة الله تعالى لا تحصل بالنظر في آياته المشاهدة فحسب، بل تحصل أيضا بالنظر في آياته الشرعية المقروءة، وذلك بتلاوة كتابه، وتدبره، والنظر في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي هي وحي منه تعالى.

فكلما أدمن العبد النظر في آيات الله مع التدبر والتفهم؛ امتلأ قلبه من حبه، ومعرفته، والإقبال عليه، فيزيد بذلك إيمانه ويقينه، وهذا يسهل عليه العبادة مهما بدت شاقة، ولهذا بذل الصالحون أرواحهم ومهجهم في سبيل الله تعالى.

قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ

* أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال/2- 4

وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: هيا نؤمن ساعة، فيذكرون الله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " كان معاذ بن جبل يقول لرجل: اجلس بنا نؤمن نذكر الله تعالى.

وروى أبو اليمان: حدثنا صفوان عن شريح بن عبيد ، أن عبد الله بن رواحة كان يأخذ بيد الرجل من أصحابه ، فيقول: قم بنا نؤمن ساعة، فنحن في مجلس ذكر"

انتهى من مجموع الفتاوى (7/ 225).

2-وكلما تأمل العبد في آيات الله الكونية؛ امتلأ قلبه تعظيما وإجلالا لله، ولهذا دعانا الله لهذا النظر والتفكر.

قال تعالى: ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) الذاريات/21.

قال قتادة رحمه الله:

من تفكر في نفسه ، عرف أنما لينت مفاصله للعبادة.

وقال تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) الأنعام/75.

وهذا يدل على أن النظر في الآيات الكونية يزيد الإيمان واليقين.

قال الإمام أبو بكر ابن العربي المالكي رحمه الله: " أمر الله تعالى بالنظر في آياته، والاعتبار بمخلوقاته في أعداد كثيرة من آي القرآن، أراد بذلك زيادة في اليقين، وقولا في الإيمان، وتثبيتا للقلوب على التوحيد.

وقد روى ابن القاسم عن مالك؛ قال: قيل لأم الدرداء: ما كان أكثر شأن أبي الدرداء؟ قالت: كان أكثر شأنه التفكر. قيل له: أفترى الفكر عملا من الأعمال؟ قال: نعم. هو اليقين.

وقيل لابن المسيب ، في الصلاة بين الظهر والعصر؟

فقال: ليست هذه عبادة؛ إنما العبادة الورع عما حرم الله ، والفكر في أمر الله.

وقال الحسن: تفكرُ ساعة خير من قيام ليلة" انتهى من أحكام القرآن (2/ 351).

3- ومن أسباب زيادة الإيمان، والإقبال على الله تعالى، والفرح والأنس بعبادته: نظر العبد في نعم الله عليه في نفسه وأهله وماله، فذلك يثمر المحبة، ويدعو للشكر، ويخفف العبادة ويسهلها على النفس.

وكلما زادت محبة العبد لربه، شعر بلذة العبادة.

قال ابن القيم رحمه الله:

" المحب يتلذذ بخدمة محبوبه ، وتصرفه في طاعته، وكلما كانت المحبة أقوى ، كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل، فليزن العبد إيمانه ومحبته لله بهذا الميزان، ولينظر هل هو ملتذ بخدمته

كالتذاذ المحب بخدمة محبوبه ، أو متكرِّه لها ، يأتي بها على السآمة والملل والكراهة؟ فهذا محك إيمان العبد ، ومحبته لله.

قال بعض السلف: إني أدخل الصلاة فأحمل هم خروجي منها ، ويضيق صدري إذا عرفت أني خارج منها .

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) . ومن كانت قرة عينه في شيء ؛ فإنه يود أن لا يفارقه ، ولا يخرج منه ؛ فإن قرة عين العبد : نعيمه ، وطيب حياته به.

وقال بعض السلف: إني لأفرح بالليل حين يقبل، لما يلَذُّ به عيشي ، وتقر به عيني ، من مناجاة من أُحب، وخلوتي بخدمته ، والتذلل بين يديه .

وأغتم للفجر إذا طلع، لما اشتغل به بالنهار عن ذلك !!

فلا شيء ألذ للمحب من خدمة محبوبه وطاعته.

وقال بعضهم: تعذبت بالصلاة عشرين سنة، ثم تنعمت بها عشرين سنة.

وهذه اللذة ، والتنعم بالخدمة ؛ إنما تحصل بالمصابرة ، على التكرُّهِ والتعب ، أولاً .

فإذا صبر عليه ، وصدق في صبره : أفضى به إلى هذه اللذة.

قال أبو يزيد: سقت نفسى إلى الله ، وهى تبكى، فما زلت أسوقها ، حتى انساقت إليه وهى تضحك!!

ولا يزال السالك عرضة للآفات ، والفتور والانتكاس ، حتى يصل إلى هذه الحالة .

فحينئذ ؛ يصير نعيمه في سيره ، ولذتُه في اجتهاده ، وعذابه في فتوره ووقوفه، فترى أشد الأشياء عليه ، ضياع شيء من وقته ، ووقوفه عن سيره .

ولا سبيل إلى هذا ؛ إلا بالحب المزعج"

انتهى من طريق الهجرتين (2/697-698) ط عالم الفوائد.

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 15:05
4- ومن أعظم أسباب التوفيق والإعانة: سؤال الله تعالى ، والالتجاء إليه، وقد علّم النبي صلى الله عليه وسلم معاذا أن يقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

روى أبو داود (1522) والنسائي (1303) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ ، وَقَالَ : ( يَا مُعَاذُ ؛ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ).

5-واعلم أنه لابد مع ذلك كله من الاجتهاد، والمثابرة، والصبر، فمن اجتهد وكابد ذاق لذة العبادة.

قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران/200

وقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69

قال محمد بن المنكدر : كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي .

وقال ثابت البناني : كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة.

6-ومن أعظم ما يعينه على علاج ذلك ، مداواة الشيء بضده ؛ فمن كان بخيلا ، فسبيله أن يجاهد نفسه على البذل ، ويحملها على الجود بما عندها ، وترك الشح

رويدا ، رويدا . ومن كان جبانا ، عالجها على التصبر والشجاعة ، وحملها على قول الحق ، وعمله ، والتحمل في سبيله . ومن كان مهذارا ، كثير الكلام ، خواضا في الباطل ، أمسك لسانه ، وزمه ، وراقبه .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ لاَ أَدَّخِرْهُ عَنْكُمْ، وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ ) .

رواه البخاري (6470) ومسلم (1053) .

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ ) .

رواه الطبراني في الأوسط (2663) ، وغيره ، وحسنه الألباني .

7-ومن وسائل ذلك: ترك الذنوب والمعاصي، فإنها حجاب بين العبد وربه، وسبب من أسباب حرمان الرزق والخير.

قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟

فقال : لا تعصيه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف .

وقال رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟

فقال الحسن : ذنوبك قيدتْك .

وقال رحمه الله : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل ، وصيام النهار .

وقال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ، فأعلم أنك محروم مكبّل ، كبلتك خطيئتك .

8- ومما يعين على الطاعة وييسرها: قراءة ما أعد الله لأهلها من الثواب الجزيل والأجر العظيم، ومطالعة سير الصالحين، والوقوف على عبادات المحبين

فانظر: الترغيب والترهيب، للمنذري، والمتجر الرابح في ثواب العمل الصالح، للدمياطي، وصفة الصفوة، لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء، للذهبي.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 15:13
إذا نفع الإنسان غيره فهل يكون مجبورا على ذلك ؛ لأن الله هو النافع ؟

السؤال

هل يستطيع المخلوق أن ينفع أو يضر؟

وكيف نوافق بين ذلك، وبين أن الله هو النافع والضار ؟

وهل كون الله هو النافع الضار يفضي بنا إلى القول بعقيدة الجبرية ؛ أي إن الإنسان مجبور على مساعدة شخص ما بمال أو بغيره ، أرجو أن تجيبوا على أسئلتي كلها ، فأنا في حيرة كبيرة ، وقد وصل الأمر إلى الوسواس .

الجواب

الحمد لله

أولا :

لا شك أن من أصول اعتقاد المسلم : أن الله جل جلاله خالق الخلق ، ومالك الملك ، تفرد بالخلق والتدبير ، وليس له في ملكه شريك ، ولا في سلطانه ند ، ولا نظير ، سبحانه وتعالى .

قال الله تعالى : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *

تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) آل عمران/26-27

والله جل جلاله ، هو وحده من يملك النفع والضر ، دون من سواه ، وهذا من دلائل عظمته ، وآيات ربوبيته ووحدانيته : أنه هو وحده من يملك الضر والنفع ، والعطاء والمنع ، والخفض والرفع .

قال الله تعالى : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) المائدة/76

وقال تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) يونس/18

وقال تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ

أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) الرعد/16

وقد دل الله عباده على أن الحنيفية السمحة : أن يعبدوا الله رب العالمين ، مالك الملك ، الذي بيده ملكوت كل شيء ، وأن عبادة غيره ، ممن لا يملك ضرا ولا نفعا : ظلم مبين .

قال تعالى : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) يونس/105-106

وقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ

* يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) الحج/11-13

ثانيا :

إذا تقرر أن الله جل جلاله هو وحده ، مالك الضر والنفع ، والعطاء والمنع ، فإن ذلك لا ينفي أن يكون للعبد قدرة على أن ينفع غيره من العباد

أو يضرهم ، بما أقدره الله عليه ؛ كما أن الله تعالى هو المعطي المانع ، ولا ينفي ذلك أن العبد يعطي غيره ، أو يمنعه .. وهكذا ما كان من هذا الباب

فإن الله جل جلاله هو المعطي حقيقة ، لأنه الخالق لكل شيء ، والعبد يعطي غيره ما يملكه ، وما يمكن لمثله أن يعطيه ـ حقيقة ـ لكن جهة نسبة الأفعال هنا مختلفة

فالله هو المعطي : خلقا ، وتقديرا ، والعبد هو المعطي: فعلا ، واكتسابا .

قال الله تعالى : ( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) يونس/49

وهكذا ، كما أن للعبد مشيئة ، حقيقة ، وهو يفعل أفعاله ، بمشيئته هذه واختياره ، وإن كان كل ذلك بخلق الله وتدبيره ، وتصريفه لأمر خلقه

لا يخرج أحد عن سلطانه ، وكل مشيئة للعباد ، فإنما هي تحت سلطان الله ، وبعد مشيئته ، سبحانه .

قال الله تعالى : (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) الإنسان/29-30

وهذا هو ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أن قدرة العباد على العطاء والمنع ، والضر والنفع ، فيما يقدر عليه مثلهم من الخلق : إنما هي خاضعة لأمر الله وتقديره وتدبيره :

( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ

وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )

قال الترمذي رحمه الله :

"هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " ، وقال ابن رجب ـ عن طريق الترمذي هذه ـ : "حسنة جيدة"

انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/483)

وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

”لم يقل النبي صلي الله عليه وسلم : لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك ؛ بل قال: ( لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ) .

فالناس بلا شك ينفع بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضا، ويساعد بعضهم بعضا، لكن كل هذا مما كتبه الله للإنسان ، فالفضل فيه أولا لله عز وجل ، هو الذي سخر لك من ينفعك ويحسن إليك ويزيل كربتك .

وكذلك بالعكس ، لو اجتمعوا علي أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.

والإيمان بهذا يستلزم أن يكون الإنسان متعلقا بربه ، ومتكلا عليه ، لا يهتم بأحد ، لأنه يعلم أنه لو اجتمع كل الخلق علي أن يضروه بشيء

لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه ؛ وحينئذ يعلق رجاءه بالله ويعتصم به ، ولا يهمه الخلق ولو اجتمعوا عليه "

انتهى من "شرح رياض الصالحين" (1/492) .

ثانيا :

العبد له مشيئة واختيار ، بها يفعل ويترك ، ويؤمن ويكفر ، ويطيع ويفجر ، وعليها يحاسب ويجازى ، مع أن الله سبحانه يعلم ما يكون عليه ، وما سيختاره

وكيف سيكون مصيره ، لكن الله لم يجبره على فعل الشر ، ولا اختيار الكفر ، بل وضح له الطريق ، وأرسل له الرسل وأنزل له الكتب ، ودله على الصواب ، فمن ضل فإنما يضل على نفسه ، ومن هلك فإنما يهلك عليها .

قال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف/29

وقال : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان/3

وقال : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/7، 8

وقال : ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الأعراف/43

وقال : ( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) السجدة/14 .

فبين سبحانه أن الإنسان يؤمن ويعمل والصالحات ، باختياره ومشيئته ، فيدخل الجنة ، أو يكفر ويعمل السيئات باختياره ومشيئته ، فيدخل النار .

لمَا كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ بَاطِلًا فِي فِطَرِ الْخَلْقِ وَعُقُولِهِمْ : لَمْ تَذْهَبْ إلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ ، وَلَا هُوَ مَذْهَبُ أَحَدٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ يَطْرُدُونَ قَوْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةُ أَحَدٍ لَا فِي دُنْيَاهُ وَلَا آخِرَتِهِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/167) .

وقال الشيخ السعدي رحمه الله :

" كل عاقل لا يقبل الاحتجاج بالقدر ، ولو سلكه في حالة من أحواله لم يثبت عليها قدمه .

وأما شرعا ، فإن اللّه تعالى أبطل الاحتجاج به ، ولم يذكره عن غير المشركين به المكذبين لرسله "

انتهى من "تفسير السعدي" (1/763) .

والنصيحة للسائل الكريم : أن يدع الالتفات إلى الوساوس ، فإنها متى استمكنت من العبد أفسدت عليه أمره كله ، وأهلكت دينه ودنياه ، وليحذر من التنقير والتدقيق ، فيما لا طائل من ورائه

ولا منفعة ترجى منه ، وليكثر من ذكر الله تعالى ، والمحافظة على الطهارة والصلاة ، فإن ذلك من أعظم ما يعصمه من كيد الشيطان ، ووساوسه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 15:20
إذا كانت الأمور مقدرة فكيف يحاسب العبد عليها

السؤال

هل اكتساب المعصية ، أو الإقدام عليها ، أمر مكتوب ومقدر عند الله ؟

إذا كانت الإجابة نعم ؛ فلماذا يقدر الخالق على بشر اكتساب الذنب ، وآخرون يكتسبون الأجر وجميعنا بشر من نفس الجنس ؟

ولكم جزيل الشكر والتقدير

الجواب

الحمد لله

يجب على العبد أن يؤمن بأمرين :

الأول : أن الله تعالى خالق كل شيء ، وأنه لا يقع في الكون شيء إلا بإرادته ومشيئته

وأنه علم ما سيكون ، وكتب ذلك كله في كتاب ، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم

وأنه سبحانه وتعالى عدل لا يظلم أحدا مثقال ذرة ، لأنه غني عن خلقه ، لا يحتاج إليهم ، وهو المتفضل عليهم في جميع الأحوال ، فكيف يظلمهم !

وقد دل على هذا الأصل أدلة كثيرة من الكتاب والسنة

فمن ذلك قوله تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر/49

وقوله : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد/22

وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) رواه مسلم (2653).

والأمر الثاني : أن العبد له مشيئة واختيار ، بها يفعل ويترك ، ويؤمن ويكفر ، ويطيع ويفجر ، وعليها يحاسب ويجازى ، مع أن الله سبحانه يعلم ما يكون عليه

وما سيختاره ، وكيف سيكون مصيره ، لكن الله لم يجبره على فعل الشر ، ولا اختيار الكفر ، بل وضح له الطريق ، وأرسل له الرسل وأنزل له الكتب ، ودله على الصواب

فمن ضل فإنما يضل على نفسه ، ومن هلك فإنما يهلك عليها .

قال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف/29

وقال : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان/3

وقال : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/7، 8

وقال : ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الأعراف/43

وقال : ( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) السجدة/14 .

فبين سبحانه أن الإنسان يؤمن ويعمل والصالحات ، باختياره ومشيئته ، فيدخل الجنة ، أو يكفر ويعمل السيئات باختياره ومشيئته ، فيدخل النار .

وكل إنسان يعلم من نفسه ومن النظر إلى من حوله ، أن أعمالنا - من خير وشر ، وطاعة ومعصية – نفعلها باختيارنا ، ولا نشعر بسلطة تجبرنا على فعلها

فأنت تستطيع أن تسب وتشتم وتكذب وتغتاب ، كما تستطيع أن تحمد وتسبح وتستغفر وتصدق وتنصح ، وتستطيع أن تمشي إلى أماكن اللهو والباطل والمنكر

كما تستطيع أن تمشي إلى المساجد وأماكن الخير والطاعة ، وهكذا يستطيع الإنسان أن يضرب بيده ، ويسرق ويزوّر ويخون ، ويستطيع أن يساعد المحتاج

ويبذل الخير ، ويقدم المعروف بيده . وكل إنسان يؤدي شيئا من هذه الأعمال ، لا يشعر بالجبر ولا بالقهر ، بل يفعلها باختياره وإرادته ، ومن ثم فإنه سيحاسب عليها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

وما كتبه الله تعالى وقدره ، أمر لا يعلم به العبد ، ولا يصح له أن يعتمد عليه ، أو يحتج به ، كما لا يصح أن يعترض على ربه ، لم جعلت هذا في الأشقياء

وذاك في السعداء ، فإن الله لم يظلم هذا الشقي ، بل أعطاه المهلة والقدرة والاختيار ، وأرسل له الرسل وأنزل معهم الكتب

وذكّره وأنذره بأنواع من المذكّرات ، كالمصائب والابتلاءات ، ليتوب إليه ، ويقبل عليه ، فإذا اختار طريق الغواية ، وسلك سبيل المجرمين

فلن يضر إلا نفسه ، وهو من أهلك نفسه ، كما قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس/9، 10

وقال : ( وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) آل عمران/117

وقال : ( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) التوبة/70

والحاصل أن الإيمان بأن الله تعالى هو الخالق ، الذي قدر الأشياء وكتبها ، وميز السعداء من الأشقياء ، لا يعني أن الله جبر عباده على الطاعة أو المعصية

بل أعطاهم القدرة والإرادة والاختيار ، فبها يفعلون ، وعليها يحاسبون ، وما ربك بظلام للعبيد .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 15:31
معنى حديث " فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار "

السؤال

أريد شرح هذا الحديث : عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنـه قال حدثنه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الصادق المصدوق ( إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفه ثم يكون علقه مثل ذلك ثم

يكون مضغه مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وٍأجله وعمله وشقي أم سعيد فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع

فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل

أهل الجنة فيدخلها ) رواه البخاري بصراحـة أجد نوعا من التحبيط أني قد أعمل بعمل أهل الجنة ومكتوب أني من أهل النار ، وأرجو من فضيلتكم الإجابـة مأجورين ومشكورين على جهودكم ، والله يجعلها في ميزان حسناتكم .

الجواب

الحمد لله

قال ابن القيم رحمه الله :

" الجهال بالله وأسمائه وصفاته ، المعطلون لحقائقها ، يُبَغِّضون اللهَ إلى خلقه ، ويقطعون عليهم طريق محبته ، والتودد إليه بطاعته من حيث لا يعلمون !!

ونحن نذكر من ذلك أمثلة يُحتذى عليها : فمنها أنهم يقررون في نفوس الضعفاء أن الله سبحانه لا تنفع معه طاعة ، وإن طال زمانها وبالغ العبد وأتى بها بظاهره وباطنه

وأن العبد ليس على ثقة ولا أمن من مكره ؛ بل شأنه سبحانه أن يأخذ المطيع المتقي من المحراب إلى الماخور ، ومن التوحيد والمسبحة إلى الشرك والمزمار

ويقلب قلبه من الإيمان الخالص إلى الكفر ، ويروون في ذلك آثار صحيحة لم يفهموها ، وباطلة لم يقلها المعصوم ، ويزعمون أن هذا حقيقة التوحيد .. "

انتهى ، الفوائد (159) .

ثم قال رحمه الله

: " ... فأفلس هذا المسكين من اعتقاد كون الأعمال نافعة أو ضارة ؛ فلا بفعل الخير يستأنس ، ولا بفعل الشر يستوحش ، وهل في التنفير عن الله وتبغيضه إلى عباده أكثر من هذا ؟

!! ولو اجتهد الملاحدة على تبغيض الدين والتنفير عن الله لما أتوا بأكثر من هذا .

وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر ، ويرد على أهل البدع ، وينصر الدين ، ولعمر الله : العدو العاقل أقل ضررا من الصديق الجاهل

وكتب الله المنزلة كلها ورسله كلهم شاهدة بضد ذلك ، ولا سيما القرآن ؛ فلو سلك الدعاة المسلك الذي دعا الله ورسوله به الناس إليه لصلح العالم صلاحا لا فساد معه .

فالله سبحانه أخبر ، وهو الصادق الوفي ، أنه إنما يعامل الناس بكسبهم ، ويجازيهم بأعمالهم ، ولا يخاف المحِسن لديه ظلما ولا هضما

ولا يخاف بخسا ولا رهقا ، ولا يضيع عمل محسن أبدا ، ولا يضيع على العبد مثقال ذرة ، ولا يظلمها : ( وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )

وإن كان مثقال حبة من خردل جازاه بها ، ولا يضيعها عليه ، وأنه يجزي بالسيئة مثلها ، ويحبطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب

ويجزي بالحسنة عشر أمثالها ، ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة !!

وهو الذي أصلح الفاسدين ، وأقبل بقلوب المعرضين ، وتاب على المذنبين ، وهدى الضالين ، وأنقذ الهالكين ، وعلَّم الجاهلين ، وبصَّر المتحيرين

وذكَّر الغافلين ، وآوى الشاردين ، وإذا أوقع عقابا أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه ، ودعوة العبد إلى الرجوع إلى إليه ...) . انتهى

الفوائد (161) .

وهذا الحديث العظيم رواه البخاري (3208) ومسلم (2643) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وقد أشكل على بعض الناس قوله صلى لله عليه وسلم فيه :

( فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ).

وهو مثال لما أشار إليه ابن القيم رحمه الله من الآثار الصحيحة التي لم يفهموها .

والجواب عن ذلك أن هذا في حق من لا يعمل إخلاصا وإيمانا ، بل يعمل بعمل أهل الجنة

( فيما يبدو للناس ) فقط ، كما جاء موضحا في الحديث الآخر الذي رواه البخاري (4207) ومسلم (112) عَنْ سَهْلٍ قَالَ الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ

فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ

فَقَالُوا أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لَأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ

عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ

أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ).

وأما من يعمل بعمل أهل الجنة حقيقة ، إخلاصا وإيمانا ، فالله تعالى أعدل وأكرم وأرحم من أن يخذله في نهاية عمره .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 15:32
بل هذا أهل للتوفيق والتسديد والتثبيت

كما قال تعالى : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) إبراهيم/27

وقال : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت/69

وقال : ( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) يوسيف/90

وقال : ( يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) آلعمران/171

قال ابن القيم رحمه الله في "الفوائد" ص 163 :

" وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فإن هذا عمل أهل الجنة فيما يظهر للناس ، ولو كان عملا صالحا مقبولا للجنة قد أحبه الله ورضيه لم يبطله عليه

. وقوله : ( لم يبق بينه وبينها إلا ذراع ) يشكل على هذا التأويل

فيقال : لما كان العمل بآخره وخاتمته ، لم يصبر هذا العامل على عمله حتى يتم له ، بل كان فيه آفة كامنة ونكتة خُذل بها في آخر عمره ، فخانته تلك الآفة والداهية الباطنة في وقت الحاجة

فرجع إلى موجبها ، وعملت عملها ، ولو لم يكن هناك غش وآفة لم يقلب الله إيمانه ... والله يعلم من سائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض " انتهى .

وقال ابن رجب رحمه الله :

" وقوله : ( فيما يبدو للناس ) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك ، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس ؛ إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك

فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت .

وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار ، وفي باطنه خصلة خفيه من خصال الخير ، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره ، فتوجب له حسن الخاتمة .

قال عبد العزيز بن أبي رواد : حضرت رجلا عند الموت يلقن الشهادة : لا إله إلا الله ، فقال في آخر ما قال : هو كافر بما تقول ، ومات على ذلك !!

قال : فسألت عنه ، فإذا هو مدمن خمر !!

وكان عبد العزيز يقول اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته .

وفي الجملة : فالخواتيم ميراث السوابق ؛ وكل ذلك سبق في الكتاب السابق ، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم ، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق .

وقد قيل : إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم ، يقولون : بماذا يختم لنا ؟!!

وقلوب المقربين معلقة بالسوابق ، يقولون : ماذا سبق لنا ؟!! ...

وقال سهل التستري : المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي ، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر !!

ومن هنا كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ، ويشتد قلقهم وجزعهم منه ؛ فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر

ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر ؛ كما تقدم أن دسائس السوء الخلفية توجب سوء الخاتمة " انتهى .

جامع العلوم والحكم (1/57-58) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

: " إن حديث ابن مسعود : (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: بين الجنة ، ليس المراد أن عمله أوصله إلى هذا المكان حتى لم يبق إلا ذراع

لأنه لو كان عمله عمل أهل الجنة حقيقة من أول الأمر ما خذله الله عز وجل

لأن الله أكرم من عبده، عبد مقبل على الله ، ما بقي عليه والجنة إلا ذراع ، يصده الله؟! هذا مستحيل ، لكن المعنى: يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس

حتى إذا لم يبق على أجله إلا القليل زاغ قلبه والعياذ بالله -نسأل الله العافية- هذا معنى حديث ابن مسعود . إذاً: لم يبق بينه وبين الجنة إلا ذراع بالنسبة لأجله ، وإلا فهو من الأصل ما عمل عمل أهل الجنة -نعوذ بالله من ذلك

نسأل الله ألا يزيغ قلوبنا- عامل وفي قلبه سريرة خبيثة أودت به إلى أنه لم يبق إلا ذراع ويموت "

انتهى من "اللقاء الشهري" (13/14).

وأشار بعض أهل العلم إلى أن المذكور في الحديث قد يعمل بعمل أهل الجنة حقيقة ، حتى إذا اقترب أجله ساءت خاتمته ، فمات على كفر أو معصية ، لكن هذا نادر

وهو راجع أيضا إلى خبيئة وبلية يقيم عليها هذا الشخص

من اعتقاد فاسد أو كبيرة موبقة ، أوجبت سوء خاتمته ، نسأل الله العافية

. فيكون الحديث فيه تحذير من الاغترار بالأعمال ، وتوجيه إلى سؤال الله الثبات حتى الممات، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم"

: " الْمُرَاد بِالذِّرَاعِ التَّمْثِيل لِلْقُرْبِ مِنْ مَوْته وَدُخُوله عَقِبه , وَأَنَّ تِلْكَ الدَّار مَا بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن أَنْ يَصِلهَا إِلَّا كَمَنْ بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن مَوْضِع مِنْ الْأَرْض ذِرَاع , وَالْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَع فِي نَادِر مِنْ النَّاس ,

لَا أَنَّهُ غَالِب فِيهِمْ , ثُمَّ أَنَّهُ مِنْ لُطْف اللَّه تَعَالَى وَسَعَة رَحْمَته اِنْقِلَاب النَّاس مِنْ الشَّرّ إِلَى الْخَيْر فِي كَثْرَة , وَأَمَّا اِنْقِلَابهمْ مِنْ الْخَيْر إِلَى الشَّرّ فَفِي غَايَة النُّدُور , وَنِهَايَة الْقِلَّة

, وَهُوَ نَحْو قَوْله تَعَالَى : إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَغَلَبَتْ غَضَبِي وَيَدْخُل فِي هَذَا مَنْ اِنْقَلَبَ إِلَى عَمَل النَّار بِكُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَة , لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي التَّخْلِيد وَعَدَمه ; فَالْكَافِر يُخَلَّد فِي النَّار ,

وَالْعَاصِي الَّذِي مَاتَ مُوَحِّدًا لَا يُخَلَّد فِيهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره . وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَصْرِيح بِإِثْبَاتِ الْقَدَر , وَأَنَّ التَّوْبَة تَهْدِم الذُّنُوب قَبْلهَا , وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْء

حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ , إِلَّا أَنَّ أَصْحَاب الْمَعَاصِي غَيْر الْكُفْر فِي الْمَشِيئَة . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .

على أن الذي ينبغي أن ننتبه إليه في هذا السياق ، أن في نفس الحديث الذي أشكل عليك حل هذا الإشكال ؛ وذلك أنه لم يتضمن مجرد إثبات القدر

وعلم الله تعالى السابق في خلقه ، وكتابته لأعمالهم ، وإنما تضمن ، هو وأمثاله من النصوص ، إلى جانب ذلك كله ، إثبات أمره ونهيه ، وأن الله تعالى لا يعذب عباده

ولا ينعمهم ، على مجرد علمه فيهم ، بل على ما عملت أيديهم ، وكسبت نفوسهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَهَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ فِيهِ فَصْلَانِ : أَحَدُهُمَا : الْقَدَرُ السَّابِقُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلِمَ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْمَلُوا الْأَعْمَالَ وَهَذَا حَقٌّ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ ;

بَلْ قَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّ مَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدَ كَفَرَ ; بَلْ يَجِبُ الْإِيمَانُ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ كُلَّهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ...

[ والفصل الثاني ] : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُ الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَدْ جَعَلَ لِلْأَشْيَاءِ أَسْبَابًا تَكُونُ بِهَا ؛ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَكُونُ بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يُولَدُ لَهُ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَةً فَيُحْبِلَهَا

فَلَوْ قَالَ هَذَا : إذَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُولَدُ لِي فَلَا حَاجَةَ إلَى الْوَطْءِ كَانَ أَحْمَقَ ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ بِمَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْوَطْءِ ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا يُنْبِتُ لَهُ الزَّرْعَ بِمَا يَسْقِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَيَبْذُرُهُ مِنْ الْحَبِّ

فَلَوْ قَالَ : إذَا عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَذْرِ كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ بِذَلِكَ ..
.
وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ سَعِيدًا فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا شَقِيًّا فِي الْآخِرَةِ ، قُلْنَا : ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِعَمَلِ الْأَشْقِيَاءِ ؛ فَاَللَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْقَى بِهَذَا الْعَمَلِ

فَلَوْ قِيلَ : هُوَ شَقِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَانَ بَاطِلًا ; لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُدْخِلُ النَّارَ أَحَدًا إلَّا بِذَنْبِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ؛ فَأَقْسَمَ أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا مِنْ إبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ

وَمَنْ اتَّبَعَ إبْلِيسَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَا يُعَاقِبُ اللَّهُ الْعَبْدَ عَلَى مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ حَتَّى يَعْمَلَهُ ...

وَكَذَلِكَ الْجَنَّةُ خَلَقَهَا اللَّهُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ فَمَنْ قَدَّرَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ يَسَّرَهُ لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ ؛ فَمَنْ قَالَ : أَنَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَوَاءٌ كُنْت مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا ، إذَا عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَهْلِهَا كَانَ مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ

فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا بِالْإِيمَانِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، بَلْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ، بَلْ كَافِرًا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .

وَلِهَذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ . وَمَنْ قَالَ : أَنَا لَا أَدْعُو وَلَا أَسْأَلُ اتِّكَالًا عَلَى الْقَدَرِ كَانَ مُخْطِئًا أَيْضًا ;

لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الدُّعَاءَ وَالسُّؤَالَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنَالُ بِهَا مَغْفِرَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَهُدَاهُ وَنَصْرَهُ وَرِزْقَهُ . وَإِذَا قَدَّرَ لِلْعَبْدِ خَيْرًا يَنَالُهُ بِالدُّعَاءِ لَمْ يَحْصُلْ بِدُونِ الدُّعَاءِ

وَمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَعَلِمَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْعِبَادِ وَعَوَاقِبِهِمْ فَإِنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ بِأَسْبَابِ يَسُوقُ الْمَقَادِيرَ إلَى الْمَوَاقِيتِ ؛ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَيْءٌ إلَّا بِسَبَبِ ، وَاَللَّهُ خَالِقُ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ...

وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَلَّ طَائِفَتَانِ مِنْ النَّاسِ : " فَرِيقٌ " آمَنُوا بِالْقَدَرِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ ، فَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَهَؤُلَاءِ يَئُولُ بِهِمْ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَكْفُرُوا بِكُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَدِينِهِ !!

وَفَرِيقٌ أَخَذُوا يَطْلُبُونَ الْجَزَاءَ مِنْ اللَّهِ كَمَا يَطْلُبُهُ الْأَجِيرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ مُتَّكِلِينَ عَلَى حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَعَمَلِهِمْ ، وَكَمَا يَطْلُبُهُ الْمَمَالِيكُ ، وَهَؤُلَاءِ جُهَّالٌ ضُلَّالٌ

فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْعِبَادَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ حَاجَةً إلَيْهِ ، وَلَا نَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ بُخْلًا بِهِ ؛ وَلَكِنْ أَمَرَهُمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ فَسَادُهُمْ

وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ : يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ...

فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ نَاظِرًا إلَى الْقَدَرِ فَقَدْ ضَلَّ ، وَمَنْ طَلَبَ الْقِيَامَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُعْرِضًا عَنْ الْقَدَرِ فَقَدْ ضَلَّ ; بَلْ الْمُؤْمِنُ

كَمَا قَالَ تَعَالَى : إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ؛ فَنَعْبُدُهُ اتِّبَاعًا لِلْأَمْرِ وَنَسْتَعِينُهُ إيمَانًا بِالْقَدَرِ ..." انتهى .

مقتطفات من مجموع الفتاوى (8/66) وما بعدها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 15:35
الإنسان مسيّر أو مخيّر

السؤال

هل الإنسان مخير أو مسير؟ .

الجواب

الحمد لله

سئل الشيخ ابن عثيمين هذا السؤال فأجاب :

على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها ؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير .

ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره ؟

هل يصيبه المرض باختياره ؟

هل يموت باختياره ؟

إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير .

والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب واسمع إلى قول الله تعالى : ( فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبًا )

وإلى قوله : ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)

وإلى قوله : ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً )

وإلى قوله : ( ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) حيث خير الفادي فيما يفدي به.

ولكن العبد إذا أراد شيئاً وفعله علمنا أن الله -تعالى -قد أراده - لقوله – تعالى :( لمن شاء منكم أن يستقيم

. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى .

وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة .

والله الموفق .

: مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج2

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

سليم العمري
2018-11-12, 16:01
مواضيع خطيرة جدا على الأمة خصوصا ذوي البضاعة المزجاة من العلم



لو كان التعريف بالإيمان والعلم والعمل



توضيح طريق الجنة (بلاد الافراح)


أما تلك النقاشات والمعارك والحروب الطاحنة التى دارت بين الفلاسفة وعلماء الكلام والفقهاء يجب ألا تطرح للجميع .

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 16:44
مواضيع خطيرة جدا على الأمة خصوصا ذوي البضاعة المزجاة من العلم



لو كان التعريف بالإيمان والعلم والعمل



توضيح طريق الجنة (بلاد الافراح)


أما تلك النقاشات والمعارك والحروب الطاحنة التى دارت بين الفلاسفة وعلماء الكلام والفقهاء يجب ألا تطرح للجميع .




اخي الكريم

في البدايه اشكر حضرتك علي الحضور الطيب مثلك

والذي لمست فيه خوفك وحرصك علي مصلحه اخيك المسلم

واقول

يا ليتنا نستطيع ان نتفرغ لتعلم الاساسيات لديننا الحنيف ونتمسك بها

لتحقيق الهدف الحقيقي من الحياه

ويكفي والله عدواه الشيطان وعداوه النفس الاماره بالسوء في طريقنا

لكن يجب ان نكون علي يقين ان لكل نجاح كبير اعداء كثيرة

وهذا هو حال الاسلام في زمننا

اعداء الاسلام الذين لم يتركوا باب للفتنه و التشكيك

بل جعلوه ك الماء و الهواء يقذفوه علي المسلمين من كل مكان

قول لي اذن كيف نحمي انفسنا من هذا الطوفان الجارف بدون الاطلاع علي مزيد من العلم يكون بمثابه السيف و الدرع لعلنا ننجوا من شر الصلال المنتشر في معظم الحياه

اما ماهو مطلوب ومقدم عن هذا تم نشره وهذا علي سبيل المثال

سلسله الاداب الاسلاميه (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2127558)

حقوق وواجبات الاسرة (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2131065)

أركان الايمان (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2134391)

مكانه الصلاة في الاسلام (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2139309)

مكانة الحج والعمرة (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2139099)

الأذكار الشرعية في مائة سؤال (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2129137)

المعاملات الإسلامية (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2158433)

أصول عقيدة أهل السنة والجماعة (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2153427)

مكانة الحج والعمرة (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2140855)

و لمعرفه المزيد اضغط هنا (https://www.djelfa.info/vb/search.php?searchid=17349937&pp=25)

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 15:52
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


كيف بقي الرجل الذي ورد ذكره في آية ( فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) مخفياً عن الناس؟

السؤال

في قصة العزير أود أن أسأل عندما أمات الله العزير ، هل أماته وهو قائم في مكانه ومكث 100عام ؟

وهل لم يمر أحد في هذا المكان ليرى أن هناك رجلا ميت وبجانبه حماره وهو ميت أيضا ؟

أم أن الله خبأه عن أعين الناس فلا يبصرونه لحكمته جلا وعلا ؟

أم أن هناك تفسير آخر؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

قال الله تعالى:

( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا

أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة (259).

في القول المشهور عند أهل التفسير : أن هذا الرّجل المار هو عزير، وقيل غيره .

وأما القرية فالقول المشهور أنها بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" اختلفوا في هذا المار من هو؟ فروى ابن أبي حاتم عن عصام بن رواد، عن آدم بن أبي إياس، عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي بن أبي طالب أنه قال: هو عزير.

ورواه ابن جرير، عن ناجية نفسه. وحكاه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وسليمان بن بريدة وهذا القول هو المشهور...

وأما القرية: فالمشهور أنها بيت المقدس، مر عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها " انتهى. "تفسير ابن كثير" (1 / 687 - 688).

لكن لم يقم دليل من الخبر الصحيح ، يقطع بذلك.

قال الطبري رحمه الله تعالى:

" ولا بيان عندنا من الوجه الذي يصح من قِبَله البيان عن اسم قائل ذلك، وجائز أن يكون عزيرا، وجائز أن يكون إرميا .

ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه، إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك، وإنما المقصود بها تعريف المنكرين قدرة الله على إحيائه خلقه بعد مماتهم

وإعادته إيّاهم بعد فنائهم، وأنه الذي بيده الحياة والموت، من قريش ، ومن كان يكذب بذلك من سائر العرب، وتثبيت الحجة بذلك على من كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل

بإطلاعه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على ما يزيل شكهم في نبوته، ويقطع عذرهم في رسالته، إذ كانت هذه الأنباء التي أوحاها الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه

من الأنباء التي لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم وقومه، ولم يكن علم ذلك إلا عند أهل الكتاب، ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم وقومه منهم، بل كان أميا وقومه أميون .

فكان معلوما بذلك -عند أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره- أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك إلا بوحي من الله تعالى ذكره إليه .

ولو كان المقصود بذلك الخبر عن اسم قائل ذلك، لكانت الدلالة منصوبة عليه نصبا يقطع العذر، ويزيل الشك، ولكن القصد كان إلى ذم قيله، فأبان ذلك جلّ ثناؤه لخلقه.

واختلف أهل التأويل في القرية التي مر عليها القائل: ( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) :

فقال بعضهم: هي بيت المقدس ...

والصواب من القول في ذلك كالقول في اسم القائل: ( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا )، سواء لا يختلفان " انتهى، من "تفسير الطبري" (4 / 581 - 584).

ثانيا:

ما ذكره السائل في سؤاله : هو من هذا الجنس الذي قال عنه الإمام الطبري ، وغيره من الأئمة: لا حاجة بنا إلى العلم به ، وليس في الجهل به تضييع لفريضة ولا فضيلة ، ولا في العلم به إدراك لشيء من ذلك

بل هو أقرب إلى مسالك التكلف ، والانشغال بما لا طائل وراءه .

يقول الإمام الطبري رحمه الله ، في ذكر اختلاف القائلين : في مبلغ الثمن الذي بيع به يوسف عليه السلام :

" والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعُوه بدراهم معدودة غير موزونة، ولم يحدَّ مبلغَ ذلك بوزن ولا عدد

ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يحتمل أن يكون كان عشرين = ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين =

وأن يكون كان أربعين، وأقل من ذلك وأكثر، وأيُّ ذلك كان، فإنها كانت معدودة غير موزونة ; وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين، ولا في الجهل به دخول ضرّ فيه.

والإيمان بظاهر التنزيل فرضٌ، وما عَداه فموضوعٌ عنا تكلُّفُ علمه."

انتهى، من "تفسير الطبري" (15/16) .

وبحسب المسلم من ذلك أن يقف على محل الحجة والشاهد في الآيات ، وموطن العبرة والعظة في القصة ، ويتدبر معنى ما قص الله على عباده من ذلك .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 15:56
هل ورد أن إبليس يبكي ؟

السؤال

قرأت هذا الموضوع وأحب أن أستفسر عنه : سبحان الله هل تعلمون أن " إبليس " يبكي ..؟؟!! هل تعلمون أن عدوكم الأول يبكي .. ؟! هل تحبون أن تجعلوه دائما يبكي ؟؟

! إذاً عليكم بـ " سجدة التلاوة " فإنها تبكيه .. !! فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويلي ، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة

وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار ) الراوي : أبو هريرة - خلاصة الدرجة : صحيح - المحدث: مسلم - المصدر : المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم : 81 أنا أحب أن أطهر المنتديات من مواضيع كهذه ، . لأن المواضيع هذه منتشرة بشكل كبير

الجواب

الحمد لله

ثبت في السنة النبوية ما يدل على وقوع البكاء من الشيطان الرجيم .

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ : يَا وَيْلَهُ ! - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ : يَا وَيْلِي - أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ )

رواه مسلم (رقم/81)، فهو حديث صحيح، وأخرجه الإمام ابن خزيمه أيضا في " صحيحه " (1/276) وبوب عليه بقوله : " باب فضل السجود عند قراءة السجدة ، وبكاء الشيطان ، ودعائه بالويل لنفسه عند سجود القارئ السجدة " انتهى.

يقول القرطبي رحمه الله :

" وبكاء إبليس المذكور في الحديث : ليس ندما على معصيته ، ولا رجوعا عنها ، وإنما ذلك لفرط حسده وغيظه وألمه بما أصابه من دخول أحد من ذرية آدم عليه السلام الجنة ونجاته

وذلك نحو مما يعتريه عند الأذان ، والإقامة ، ويوم عرفة .

وقوله : يا ويلتا : الويل : الهلاك ، وويل : كلمة تقال لمن وقع في هلكة ، والألف في : ( يا ويلتا ) : للندبة والتفجع " انتهى.

" المفهم " (1/274)

فالحاصل أن هذا الأمر ثابت وصحيح ، فلا يجوز لك الدعوة إلى تكذيب ذلك ، وننصحك ألا تخوضي في التحذير من أمر أو النصيحة بأمر حتى تتثبتي –

كما فعلت الآن – كي تكون دعوتك على بصيرة ؛ فالعاطفة النبيلة ، والنية الصالحة لا تكفي وحدها لكي يكون عمل المرء نافعا ونبيلا

بل لا بد له من أن يتعلم العلم المناسب للأمر الذي يريده ، ويسلك سبيل أهله في ذلك .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 16:04
ترك الأخذ بالأسباب بحجة التوكل على الله

السؤال

بعض الصوفية يقول بترك الأخذ بالأسباب ، بحجة التوكل على الله والتسليم لقضائه وقدره ، فهل هذا الكلام صحيح ، وما هو المذهب الصحيح ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا الأمر مما عمت به البلوى ، واشتدت به المحنة ، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمة .

فأمة الإسلام مرت بأزمات كثيرة ، وفترات عسيرة ، وكانت تخرج منها بالتفكير المستنير ، والنظرة الثاقبة ، والتصور الصحيح ، فتبحث في الأسباب والمسببات

وتنظر في العواقب والمقدمات ، ثم بعد ذلك تأخذ بالأسباب ، وتلج البيوت من الأبواب ، فتجتاز - بأمر الله - تلك الأزمات ، وتخرج من تلك النكبات

فتعود لها عزتها ، ويرجع لها سالف مجدها ، هكذا كانت أمة الإسلام في عصورها الزاهية .

أما في هذه العصور المتأخرة التي غشت فيها غواشي الجهل ، وعصفت فيها أعاصير الإلحاد والتغريب ، وشاعت فيها البدع والضلالات ، فقد اختلط هذا الأمر على كثير من المسلمين

فجعلوا من الإيمان بالقضاء والقدر تكأة للإخلاد في الأرض ، ومسوغاً لترك الحزم والجد والتفكير في معالي الأمور ، وسبل العزة والفلاح ، فآثروا ركوب السهل الوطيء الوبيء على ركوب الصعب الأشق المريء .

فكان المخرج لهم أن يتكل المرء على القدر ، وأن الله هو الفعال لما يريد ، وأن ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن ، فلتمض إرادته ، ولتكن مشيئئته ، وليجر قضاءه وقدره ، فلا حول لنا ولا طول ، ولا يد لنا في ذلك كله .

هكذا بكل يسر وسهولة ، استسلام للأقدار دون منازعة لها في فعل الأسباب المشروعة والمباحة .

فلا أمر بالمعروف ، ولا نهي عن المنكر ، ولا جهاد لأعداء الله ، ولا حرص على نشر العلم ورفع الجهل ، ولا محاربة للأفكار الهدامة والمبادئ المضللة ، كل ذلك بحجة أن الله شاء ذلك !

والحقيقة أن هذه مصيبة كبرى ، وضلالة عظمى ، أدت بالأمة إلى هوة سحيقة من التخلف والانحطاط ، وسببت لها تسلط الأعداء ، وجرت عليها ويلات إثر ويلات .

وإلا فالأخذ بالأسباب لا ينافي الإيمان بالقدر ، بل إنه من تمامه ، فالله عز وجل أراد بنا أشياء ، وأراد منا أشياء ، فما أراده بنا طواه عنا

وما أراده منا أمرنا بالقيام به ، فقد أراد منا حمل الدعوة إلى الكفار وإن كان يعلم أنهم لن يؤمنوا ، وأراد منا قتالهم وإن كان يعلم أننا سُنهزم أمامهم

وأراد منا أن نكون أمة واحدة وإن كان يعلم أننا سنتفرق ونختلف ، وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا وإن كان يعلم أن بأسنا سيكون بيننا شديداً وهكذا ...

فالخلط بين ما أريد بنا وما أريد منا هو الذي يُلبس الأمر ، ويوقع في المحذور .

صحيح أن الله عز وجل هو الفعال لما يريد ، الخالق لكل شيء ، الذي بيده ملكوت كل شيء ، الذي له مقاليد السموات والأرض ، ولكنه تبارك وتعلى جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها

وقوانين ينتظم بها ، وإن كان هو عز وجل قادراًَ على خرق هذه النواميس وتلك القوانين ، وإن كان أيضاً لا يخرقها لكل أحد .

فالإيمان بأن الله قادر على نصر المؤمنين على الكافرين - لا يعني أنه سينصر المؤمنين وهم قاعدون عن الأخذ بالأسباب ، لأن النصر بدون الأخذ بالأسباب مستحيل

وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيل ولأنه منافٍ لحكمة الله ، وقدرته عز وجل متعلقة بحكمته .

فكون الله قادراً على الشيء لا يعني أن الفرد أو الجماعة أو الأمة قادرة عليه ، فقدرة الله صفة خاصة به

وقدرة العبد صفة خاصة به ـ فالخلط بين قدرة الله والإيمان بها وقدرة العبد وقيامه بما أمره الله به هو الذي يحمل على القعود ، وهو الذي يخدر الأمم والشعوب .

وهذا ما لاحظه وألمح إليه أحد المستشرقين الألمان فقال وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم المتأخرة : ( طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله ، والرضا بقضائه وقدره ، والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار )

وكان لهذه الطاعة أُثران مختلفان ؛ ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دوراً كبيراً في الحروب ، وحققت نصراً متواصلاً ، لأنها دفعت في الجندي روح الفداء .

وفي العصور المتأخرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي ، فقذف به إلى الإنحدار

وعزله وطواه عن تيار الأحداث العالمية . العلمانية للشيخ سفر الحوالي نقلاً عن باول شمتز في كتابه الإسلام قوة الغد العالمية ص 87

كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 144

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 16:49
ما هي الحكمة من تألُّم الأطفال في الدنيا ؟

السؤال

حاولت أن أدعو صديقاً لي في العمل للإسلام والإيمان بالله فقال إن الحاجز الذي يعيقه عن الإيمان بالله هو أن الأطفال البريئين يتألمون في هذه الدنيا ، وهو لا يستطيع أن يفهم لماذا يحصل هذا الشيء .

فما هي الطريقة المثلى لأُجيبه على هذا الإشكال؟.

الجواب

الحمد لله

ينبغي أن يعلم الناس جميعاً أن الله تعالى حكيم ، وأن في أوامره وتقديراته الحكمة البالغة ، وأنه قد يعلم عباده أو بعض عباده حكمته فيها ، وقد يخفيها عنهم ابتلاء واختباراً .

والأمور العامة التي يفعلها تكون لحكمة عامة ، وذلك كإرسال النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر أنه أرسله رحمة للعالمين ، ومثلها خلق الجن والإنس إنما هو لتوحيده سبحانه وتعالى .

قال ابن تيمية :

وعلى هذا فكل ما فعله علمْنا أن له فيه حكمة ، وهذا يكفينا من حيث الجملة ، وإن لم نعرف التفصيل ، وعدم علْمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته

وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ـ أي حقيقة ـ ذاته فغير معلومة لنا : فلا نكذب بما علمناه ـ أي من كماله ـ ما لم نعلمه ـ أي من تفاصيل هذا الكمال ـ

وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به ، وعدم علْمنا بالحكمة فى بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته ، فلا نكذب بما علمناه من حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها .

ونحن نعلم أن مَن علم حذق أهل الحساب والطب والنحو ولم يكن متصفاً بصفاتهم التى استحقوا بها أن يكونوا من أهل الحساب والطب والنحو : لم يمكنه أن يقدح فيما قالوه لعدم علمه بتوجيهه

والعباد أبعد عن معرفة الله وحكمته فى خلقه من معرفة عوامهم بالحساب والطب والنحو

فاعتراضهم على حكمته أعظم جهلاً وتكلفاً للقول بلا علم من العامي المحض إذا قدح فى الحساب والطب والنحو بغير علمٍ بشىءٍ من ذلك . "

مجموع الفتاوى " ( 6 / 128 ) .

وإيلام الله تعالى للأطفال لا شك ولا ريب أنه لحكمٍ عظيمة لكنها قد تخفى على بعض الناس فينكر تقدير الله تعالى لهذا الأمر ، ويَدخل عليه الشيطان من خلاله فيصده عن الحق والهدى .

ومن حِكم الله تعالى في ألم الأطفال :

1. الاستدلال به على مرضه أو وجعه ، ولولا ذلك ما عُلم ما به من مرض .

2. البكاء الذي يولٍّده الألم ، وفيه منافع عظيمة لجسم الطفل .

3. الاعتبار والاتعاظ ، فقد يكون أهل الطفل هذا من مرتكبي المحرَّمات أو تاركي الواجبات

فإذا رأوا تألَّم طفلهم فقد يرجعهم ذلك إلى ترك المحرَّمات كأكل الربا أو الزنا أو ترك الصلوات أو شرب الدخان ، وخاصة إذا كان هذا الألم بسبب مرض تسببوا بوجوده كبعض ما سبق ذكره من المحرَّمات .

4. التفكر في الدار الآخرة ، وأنه لا سعادة ولا هناء إلا في الجنة ، ولا يكون هناك ألَم ولا عذاب ، بل صحة وعافية وسعادة

والتفكر في النار وأنها دار الألَم الدائم غير المنقطع ، فيعمل ما يقربه إلى الجنة ، ويباعده عن النار .

قال ابن قيم الجوزية :

ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة ؛ فإن الأطباء والطبائعيين شهدوا منفعة ذلك وحِكمته

وقالوا : في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمةً ، فالبكاء يسيِّل ذلك ويحدِّره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح .

وأيضاً : فإن البكاء والعِياط – أي : الصراخ - يوسِّع عليه مجاري النَّفَس ، ويفتح العروق ، ويصلِّبها ، ويقوِّي الأعصاب .

وكم للطفل مِن منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه ، فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك :

فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة مِن الحكَم ما قد خفي على أكثر النَّاس ، واضطرب عليهم الكلام في حِكمته اضطراب الأرشية – أي : الخصوم - . "

مفتاح دار السعادة " ( 2 / 228 ) .

وقال – أيضاً - :

هذه الآلام هي من لوازم النشأة الإنسانية التي لا ينفك عنها الإنسان ولا الحيوان ، فلو تجرَّد عنها لم يكن إنساناً بل كان ملَكا أو خلقاً آخر .

وليست آلام الأطفال بأصعب من آلام البالغين ، لكن لما صارت لهم عادة سهُل موقعها عندهم ، وكم بين ما يقاسيه الطفل ويعانيه البالغ العاقل .

وكل ذلك من مقتضى الإنسانية وموجب الخلقة ، فلو لم يُخلق كذلك لكان خلقاً آخر ، أفترى أن الطفل إذا جاع أو عطش أو برَد أو تعب قد خُصَّ من ذلك بما لم يُمتحن به الكبير ؟

فإيلامه بغير ذلك من الأوجاع والأسقام كإيلامه بالجوع والعطش والبرد والحر دون ذلك أو فوقه ، وما خلق الإنسان بل الحيوان إلا على هذه النشأة .

قالوا : فإن سأل سائل وقال : فلم خُلق كذلك ؟ وهلا خُلق خلقة غير قابلة للألم ؟

فهذا سؤال فاسد ؛ فإن الله تعالى خلَقه في عالم الابتلاء والامتحان من مادة ضعيفة ، فهي عرضة للآفات ، وركبَّه تركيباً معرَّضا للأنواع من الآلام ...

فوجود هذه الآلام واللذات الممتزجة المختلطة من الأدلة على المعاد ،

وأن الحكمة التي اقتضت ذلك هي أولى باقتضاء دارين : دار خالصة للذات لا يشوبها ألم ما ، ودار خالصة للآلام لا يشوبها لذة ما ، والدار الأولى : الجنة ، والدار الثانية : النار ... "

مفتاح دار السعادة " ( 2 / 230 ، 231 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 16:56
هل الأشياء السيئة التي تقع في الكون تحدث بإرادة الله ؟

السؤال

هل كل ما يقع في هذا الكون هو بإرادة الله تعالى ؟

وإذا كان كذلك فكيف تقع الأشياء التي لا يحبها الله في ملك الله وبإرادته ؟.

الجواب

الحمد لله

اعلم وفقك الله تعالى أن بعض الناس قد ضل في باب القدر لأنهم ظنوا أن إرادة الله للفعل تقتضي محبته له فجرهم ذلك إلى القول بأن أفعال الشر تقع بغير إرادة الله

فنسبوا إلى الله العجز والضعف حيث أثبتوا أنه يقع في ملكه ما لا يريد ، وبالتالي فقد يريد الشيء ولا يقع ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ

والحق أنه لا تلازم بين ما يحبه الله ويريده شرعا ، وبين ما يقضيه ويريده ويقدره كوناً ويتضح ذلك بالنقاط التالية :

أولاً: إرادة الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة على قسمين :

القسم الأول :

الإرادة الكونية القدرية : وهي مرادفة للمشيئة ، وهذه الإرادة لا يخرج عن مرادها شيء ؛ فالكافر والمسلم تحت هذه الإرادة الكونية سواء ؛ فالطاعات ، والمعاصي ، كلها بمشيئة الرب ، وإرادته .

ومن أمثلتها قوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ ) الرعد/11

وقوله : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) الأنعام/125

القسم الثاني :

الإرادة الشرعية الدينية : وهي مختصة بما يحبه الله ويرضاه .

ومن أمثلتها قوله ـ تعالى ـ : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر ) البقرة/185

وقوله : ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) النساء/27 ، وقوله ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) المائدة/6 .

ثانياً : الفرق بين الإرادتين :

بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية فروق تميز كل واحدة منهما عن الأخرى ، ومن تلك الفروق ما يلي :

1ـ الإرادة الكونية تتعلق بما يحبه الله ويرضاه ، وبما لا يحبه ولا يرضاه .

أما الشرعية فلا تتعلق إلا بما يحبه الله ويرضاه فالإرادة الكونية مرادفة للمشيئة ، والإرادة الشرعية مرادفة للمحبة .

2ـ الإرادة الكونية قد تكون مقصودة لغيرها كخلق إبليس مثلاً ، وسائر الشرور ؛ لتحصل بسببها أمور كثيرة محبوبة لله تعالى كالتوبة ، والمجاهدة ، والاستغفار .

أما الإرادة الشرعية فمقصودة لذاتها ؛ فالله تعالى أراد الطاعة وأحبها ، وشرعها ورضيها لذاتها .

3ـ الإرادة الكونية لابد من وقوعها ؛ فالله إذا شاء شيئاً وقع ولا بد ، كإحياء أحد أو إماتته ، أو غير ذلك .

أما الإرادة الشرعية ـ كإرادة الإيمان من كل أحد ـ فلا يلزم وقوعها ، فقد تقع وقد لا تقع ، ولو كان لابد من وقوعها لأصبح الناس كلهم مسلمين .

4ـ الإرادة الكونية متعلقة بربوبية الله وخلقه ، أما الشرعية فمتعلقة بألوهيته وشرعه .

5ـ الإرادتان تجتمعان في حق المطيع ، فالذي أدى الصلاة ـ مثلاً ـ جمع بينهما ؛ وذلك لأن الصلاة محبوبة لله

وقد أمر بها ورضيها وأحبها ، فهي شرعية من هذا الوجه ، وكونها وقعت دل على أن الله أرادها كوناً فهي كونية من هذا الوجه ؛ فمن هنا اجتمعت الإرادتان في حق المطيع .

وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر ، ومعصية العاصي ، فكونها وقعت فهذا يدل على أن الله شاءها ؛ لأنه لا يقع شيء إلا بمشيئته ، وكونها غير محبوبة ولا مرضية لله دليل على أنها كونية لا شرعية .

وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر المأمور به ، وطاعة العاصي المطلوبة منه بدل معصيته ، فكونها محبوبة الله فهي شرعية

وكونها لم تقع ـ مع أمر الله بها ومحبته لها ـ دليل على أنها شرعية فحسب ؛ إذ هي مرادة محبوبة لم تقع .

هذه بعض الفوارق بين الإرادتين ، فمن عرف الفرق بينهما سلم من شبهات كثيرة ، زلت بها أقدام

وضلت بها أفهام ، فمن نظر إلى الأعمال الصادرة عن العباد بهاتين العينين كان بصيراً ومن نظر إلى الشرع دون القدر أو العكس كان أعور .

ثالثاً : أفعال الله كلها خير وحكمة وعدل :

فالله سبحانه وتعالى يفعل ما يفعل لحكمة يعلمها هو ، وقد يُعْلم العباد أو بعضهم من حكمته ما يطلعهم عليه ، وقد يعجز العباد بعقولهم القاصرة عن إدراك كثير من الحكم الإلهية .

والأمور العامة التي يفعلها سبحانه تكون لحكمة عامة ، ورحمة عامة كإرساله محمداً صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء/107

يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ

" إنه سبحانه حكيم ، لا يفعل شيئاً عبثاً ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة ، وهي الغاية المقصودة بالفعل ، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فَعَل

كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل ، وقد دل كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا "

هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

يراجع ( أعلام السنة المنشورة 147 ) ( القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للشيخ الدكتور / عبد الرحمن المحمود ) و ( الإيمان بالقضاء والقدر للشيخ / محمد الحمد ) .

اخوة الاسلام

اوشكت الاسئلة واجابتها المتاحه لاديا علي النفاذ

فمن لاديه سؤال يتقدم حتي يستفيد ويفيد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 15:35
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


سائل يقول : لماذا خلق الله الخلق وهو يعلم مصيرهم في الجنة أو النار ؟!

السؤال

لدي سؤال أتمنى منكم الإجابة عليه ، وجزاكم الله خيراً ، إذا كان الله سبحانه يعلم الغيب ، ويعلم ماذا سيفعل الناس ، ويعلم من سيذهب إلى النار ، أو إلى الجنة - حيث إن علم الله سبق كل شيء -

فلماذا خلَقَنَا إذن ؟

ولماذا أنزل الله إبليس إلى الأرض مع آدم و حواء ، مع العلم أن التوبة لن تنفعه وأنه حكم عليه بجهنم ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

إن معرفة الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق

فيها الجواب عن كثير من الإشكالات والشبهات التي يرددها كثير من الملحدين

وقد يتأثر بها بعض المسلمين

ومن تلك الشبهات الظن بأن الله تعالى خلق الناس من أجل أن يضع بعضهم في الجنة

وآخرين في النار ! وهذا ظن خاطئ

وما من أجل ذلك خلق الله الخلق ، وأوجدهم .

وليعلم الأخ السائل – ومن رام معرفة الحق – أن الغاية من خلق الإنسان ، وخلق السموات ، والأرض : ليُعرف سبحانه وتعالى ، ويوحَّد ، ويطاع .

قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدون ) الذاريات/ 56 .

قال ابن كثير – رحمه الله -:

أي : إنما خلقتُهم لآمرهم بعبادتي ، لا لاحتياجي إليهم .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( إلا ليعبدون ) أي : إلا ليقروا بعبادتي طوعاً ، أو كرهاً .

وهذا اختيار ابن جرير .

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 239 ) .

وثمة خلط عند كثيرين بين الغاية المرادة من العباد ، وهي : شرعه الذي أحبه منهم ، وأمرهم به ، والغاية المرادة بالعباد ، وهي إثابة المطيع ، ومعاقبة العاصي ، وهذا من قدره الكائن الذي لا يرد ولا يبدل .

قال ابن القيم - رحمه الله - :

وأما الحق الذي هو غاية خلقها – أي : السموات والأرض وما بينهما - : فهو غاية تُراد من العباد ، وغاية تراد بهم .

فالتي تُراد منهم : أن يعرفوا الله تعالى ، وصفات كماله عز و جل ، وأن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً ، فيكون هو وحده إلههم

ومعبودهم ، ومطاعهم ، ومحبوبهم ، قال تعالى : ( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً ) .

فأخبر أنه خلق العالم ليَعرف عبادُه كمالَ قدرته ، وإحاطة علمه ، وذلك يستلزم معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وتوحيده .

وقال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، فهذه الغاية هي المرادة من العباد ، وهي أن يعرفوا ربهم ، ويعبدوه وحده .

وأما الغاية المرادة بهم : فهي الجزاء بالعدل

والفضل ، والثواب ، والعقاب ، قال تعالى ( ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) النجم/ 31

قال تعالى ( إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ) طه/ 15 ، وقال تعالى ( ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ) النحل/ 39

قال تعالى ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون إليه مرجعكم جميعا

وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) يونس/ 3 ، 4 .

" بدائع الفوائد " ( 4 / 971 ) .

,و للاهمية يجب معرفه الحكمه من خلق الله

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 15:40
الحكمة مِن خَلْق البشر

أولاً :

من عظيم صفات الله تعالى " الحكمة " ، ومن أعظم أسمائه تعالى " الحكيم " ، وينبغي أن يُعلم أنه ما خلق شيئاً عبثاً ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً

وإنما يخلق لِحِكَمٍ بالغة عظيمة ، ومصالح راجحة عميمة ، عَلِمَها من عَلِمها ، وجَهِلها من جهلها

وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم ، فبيَّن أنه لم يخلق البشر عبثاً ، ولم يخلق السموات والأرض عبثاً

فقال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) المؤمنون/115،116

وقال سبحانه وتعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ) الأنبياء/16

وقال عز وجل : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) الدخان/38 ، 39

ويقول سبحانه وتعالى : ( حم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ) الأحقاف/1 – 3 .

وكما أن ثبوت الحكمة في خلق البشر ثابت من ناحية الشرع , فهو ثابت – أيضاً - من ناحية العقل

فلا يمكن لعاقل إلا أن يسلِّم أنه قد خلقت الأشياء لحكَمٍ ، والإنسان العاقل ينزه نفسه عن فعل أشياء في حياته دون حكمة ، فكيف بالله تعالى أحكم الحاكمين ؟!

ولذا أثبت المؤمنون العقلاء الحكمة لله تعالى في خلقه ، ونفاها الكفار ، قال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ

. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران/190 ، 191

وقال تعالى – في بيان موقف الكفار من حكمة خلقه - : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ص/27 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السموات والأرض ، وأنه لم يخلقهما باطلاً ، أي : عبثاً ولعباً ، من غير فائدة ولا مصلحة .

( ذلك ظن الذين كفروا ) بربهم ، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله .

( فويل للذين كفروا من النار ) فإنها التي تأخذ الحق منهم ، وتبلغ منهم كل مبلغ ، وإنما خلق الله السموات والأرض بالحق وللحق ، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته ، وسعة سلطانه

وأنه تعالى وحده المعبود ، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السموات والأرض ، وأن البعث حق ، وسيفصل الله بين أهل الخير والشر ، ولا يظن الجاهل بحكمة الله ، أن يسوي الله بينهما في حكمه

ولهذا قال : ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) هذا غير لائق بحِكمَتنا وحُكْمنا " انتهى .

" تفسير السعدي " ( ص 712 ) .

ثانياً :

ولم يخلق الله تعالى الإنسان ليأكل ويشرب ويتكاثر ، فيكون بذلك كالبهائم ، وقد كرَّم الله تعالى الإنسان ، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً

ولكن أبى أكثر الناس إلا كفوراً فجهلوا أو جحدوا الحكمة الحقيقية من خلقهم ، وصار كل هَمِّهِم التمتع بشهوات الدنيا , وحياة هؤلاء كحياة البهائم , بل هم أضل

قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) محمد/12 ، وقال تعالى : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) الحجر/3

, وقال تعالى : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف/179

. ومن المعلوم عند عقلاء الناس أن الذي يصنع الشيء هو أدرى بالحكمة منه من غيره ، ولله المثل الأعلى فإنه هو الذي خلق البشر ، وهو أعلم بالحكمة من خلقه للناس

وهذا لا يجادل فيه أحد في أمور الدنيا ، ثم إن الناس كلهم يجزمون أن أعضاءهم خُلقت لحكمة ، فهذه العين للنظر ، وهذه الأذن للسمع ، وهكذا

أفيُعقل أن تكون أعضاؤه مخلوقةً لحكمة ، ويكون هو بذاته مخلوقاً عبثاً ؟! أو أنه لا يرضى أن يستجيب لمن خلقه عندما يخبره بالحكمة من خلقه ؟!

ثالثاً :

وقد بيَّن الله تعالى أنه خلق السموات والأرض ، والحياة والموت للابتلاء والاختبار ، ليبتلي الناس , مَنْ يطيعه ليثيبه ، ومَنْ يعصيه ليعاقبه

قال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ) هود/ 7

وقال عز وجل : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/ 2 .

وبهذا الابتلاء تظهر آثار أسماء الله تعالى وصفاته ، مثل اسم الله تعالى " الرحمن " ، و " الغفور " و " الحكيم " و " التوَّاب " و " الرحيم " وغيرها من أسمائه الحسنى .

ومن أعظم الأوامر التي خلق الله البشر من أجلها – وهو من أعظم الابتلاءات - : الأمر بتوحيده عز وجل وعبادته وحده لا شريك له ، وقد نصَّ الله تعالى على هذه الحكمة في خلق البشر

فقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" أي : إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي ، لا لاحتياجي إليهم

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : إلا ليعبدون ، أي : إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً ، وهذا اختيار ابن جرير ، وقال ابن جريج : إلا ليعرفون

وقال الربيع بن أنس : إلا ليعبدون ، أي : إلا للعبادة " انتهى .

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 239 ) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ، ومعرفته بأسمائه وصفاته ، وأمرهم بذلك ، فمن انقاد ، وأدى ما أمر به ، فهو من المفلحين ، ومن أعرض عن ذلك ، فأولئك هم الخاسرون

ولا بد أن يجمعهم في دار ، يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم ، ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء ، فقال : ( ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين )

أي : ولئن قلتَ لهؤلاء ، وأخبرتهم بالبعث بعد الموت ، لم يصدقوك ، بل كذبوك أشد التكذيب ، وقدحوا فيما جئت به ، وقالوا : ( إن هذا إلا سحر مبين ) ألا وهو الحق المبين " انتهى .

" تفسير السعدي " ( ص 333 ) .

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 15:50
ثانياً:

إن الله تعالى لا يُدخل الناس الجنة أو النار ، لمجرد أنه يعلم أنهم يستحقون ذلك

بل يُدخلهم الجنة والنار بأعمالهم التي قاموا بها ـ فعلا ـ في دنياهم

ولو أن الله تعالى خلق خلّقاً وأدخلهم ناره : لأوشك أن يحتجوا على الله بأنه لم يختبرهم

ولم يجعل لهم مجالاً للعمل ، وهذه حجة أراد الله تعالى دحضها ؛ فخلقهم في الدنيا

وركَّب لهم عقولاً ، وأنزل كتبه ، وأرسل رسله

وكل ذلك لئلا يكون لهؤلاء حجة على الله يوم القيامة .

قال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) النساء/ 165 .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :

فصرح في هذه الآية الكريمة : بأن لا بد أن يقطع حجة كل أحدٍ بإرسال الرسل ، مبشِّرين من أطاعهم بالجنة ، ومنذرين مَن عصاهم النار .

وهذه الحجة التي أوضح هنا قطعَها بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين

: بيَّنها في آخر سورة طه بقوله ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَذِلَّ وَنَخْزَى )

وأشار لها في سورة القصص بقوله : ( وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )

وقوله جلَّ وعلا : ( ذلِكَ أَن لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ )

وقوله : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ )

وكقوله : ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ

أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ) ، إلى غير ذلك من الآيات .

ويوضح ما دلت عليه هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن العظيم من أن الله جلَّ وعلا لا يعذب أحداً إلا بعد الإنذار والإعذار على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام

: تصريحه جلَّ وعلا في آيات كثيرة : بأنه لم يُدخل أحداً النار إلا بعد الإعذار والإنذار على ألسنة الرسل

فمن ذلك قوله جلَّ وعلا : ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُواْ بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ ) .

ومعلوم أن قوله جلَّ وعلا : ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ) يعم جميع الأفواج الملقين في النار .

قال أبو حيان في " البحر المحيط " في تفسير هذه الآية التي نحن بصددها ما نصه : و ( كُلَّمَا ) تدل على عموم أزمان الإلقاء ، فتعم الملقَيْن .

ومن ذلك قوله جلَّ وعلا : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنكُمْ يَتْلُونَ

عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ، وقوله في هذه الآية : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) عام لجميع الكفار ... .

فقوله تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً ) إلى قوله ( قالُوا بَلَى ) : عام في جميع الكفار

وهو ظاهر في أن جميع أهل النار قد أنذرتهم الرسل في دار الدنيا

فعصوا أمر ربهم

كما هو واضح .

" أضواء البيان " ( 3 / 66 ، 67 ) .

وفي اعتقادنا أن معرفة الغاية التي خلَق الله الخلق من أجلها ، ومعرفة أن الله تعالى لا يعذِّب أحداً وفق ما يعلم منه سبحانه

بل جزاء أعماله في الدنيا

وأن في هذا قطعاً لحجته عند الله : يكون بذلك الجواب عن الإشكال الوارد في السؤال .

ثالثاً:

وأما لماذا أنزل إبليس إلى الأرض

مع آدم وذريته

ففرق بين نزول آدم ونزول إبليس

آدم عليه السلام نزل إلى الأرض

وقد تاب إلى ربه جل جلاله

فتاب عليه وهداه

وأنزله إلى دار الدنيا

نبيا مكرما

مغفورا له

يبقى في دار الدنيا إلى أجله الذي أجله الله له .

وأما عدو الله إبليس ، فإنه لم يتب أصلا ، ولا ندم عن ذنبه ، ولا رجع ، ولا رجا التوبة ، ولا سلك لها سبيلا ، بل عاند واستكبر ، وطغى وكفر ، وطلب من الله جل جلاله

ألا يعجل بهلاكه وعذابه ، بل يؤخر ذلك إلى يوم الوقت المعلوم ، لا يأخذ فرصته في التوبة ، ويتمكن من الإنابة ، بل ليكمل طريق الشقاء ، ويأخذ أهل الغواية معه إلى دار البوار

فنزل إماما لحزبه ، حزب الشيطان الخاسرين ، لتتم حكمة الله في خلقه ، وابتلائه لهم : هل يطيعونه ، أم يطيعون عدوه ؛ ولتتم الشقوة على العدو اللعين : بعناده وفساده ، ويستحق من ربه الخسران المبين .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 15:02
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل نحن نتصرف كما نشاء ؟

السؤال

لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي ؟

هل جميع تصرفات البشر كالولادة والموت والتصرفات اليومية وجميع ما نفكر في فعله قد قدّره الله ؟

هل حياتنا برمجها الله حتى قبل ولادتنا ، أم لنا حرية التصرف ونستطيع أن نقرر ونتصرف كما نشاء بدون تحكم الله ؟

باختصار ، هل نحن نتصرف كما نشاء أم كما خلقنا الله لنتصرف ؟.

الجواب

الحمد لله

اعلم أن أحوال العباد منها ما هو جبري ليس للناس فيه أدنى إرادة مثل اختيار يوم المولد ولون البشرة والشعر والعينين والوفاة فهذا كله مما لا سلطة للناس فيه

وإنما هم مجبرون عليه ونظراً لأنهم لا اختيار لهم فيه فإنه لا يترتب عليه جنة ولا نار ، ولا عذاب ولا نعيم .

وبعض الأفعال هم مخيرون فيه كاختيار الإيمان والكفر والقيام في شؤون الدنيا من اختيار المطعم والمشرب والمسكن .

وليس شيء من ذك كله يكون خارجاً عن إرادة الله تعالى ومشيئته وقدره .

ولكن كيف يكون ذلك ؟

الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي لا يصح إيمان المسلم إلا إذا سلّم بأن كل الأمر من الله ، قال تعالى : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) القمر/49 ، بل إن من أسماء الله تعالى القادر ، والقدير ، والمقتدر .

وأصل المسألة : أن الله تعالى يتصف بالعلم ، والقدرة ، والمشيئة .

وعليه : إذا أراد أصحاب الأفعال أن يقوموا بها سواء أكانت من المعاصي أو الطاعات فإن الله يعلمها ولا بد ، بل لقد علمها في الأزل قبل خلق الخلائق .

ثم بعد أن علمها كتبها عنده ، ثم لما أراد أصحابها أن يفعلوا ذلك شاء لهم ذلك ، ولو لم يشأ لم يفعلوا ، ثم كان قادراً فخلق هذا الفعل لأنه خالق لمن فعله من البشر .

فلذلك أفعال العباد كلها مكتوبة عند الله لأن علم الله سابق له ، وليس ذلك يعني أن الله أجبر الناس على أفعالهم ، فهم مخيرون في أفعالهم ، كما قال تعالى : ( إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً ) الإنسان/3 .

ولكن أفعالهم لن تكون جبراً من الله تعالى ، وليس الله يجبر العباد على شيء .

يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي في مثل هذا :

فإن قيل : كيف يريد الله أمراً ولا يرضاه ولا يحبه ؟ وكيف يشاؤه ويكوّنه ؟ وكيف يجمع إرادته له وبغضه وكراهته ؟

قيل : هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فرقاً ، وتباينت طرقهم وأقوالهم .

فاعلم أن المراد نوعان : مراد لنفسه ، ومراد لغيره .

فالمراد لنفسه : مطلوب محبوب لذاته ، وما فيه من الخير فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد .

والمراد لغيره : قد لا يكون مقصوداً للمريد ، ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته

وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده ، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته ، مراد له من حيث قضائه وإيصاله إلى مراده فيجتمع فيه الأمران : بغضه وإرادته ، ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما

وهذا كالدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه ، وقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده ، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه

بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب وإن خفيت عنه عاقبته ، فكيف ممن لا يخفى عليه خافية فهو سبحانه يكره الشيء ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره ، وكونه سبباً إلى أمر هو أحب إليه من فوقه .

ومن ذلك : أنه خلق إبليس الذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات ..

. ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى تترتب على خلقه ، ووجودها أحب إليه من عدمها .

( شرح العقيدة الطحاوية/252-253 ) .

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 15:08
امرأة مستقيمة ابتليت ، وتسأل لماذا ؟

السؤال

أنا شابة كنت أعيش حياة سعيدة مع أنها ليست إسلامية جادة ( أصلي وأصوم وألبس حجاباً لا بأس به )، ومنذ أن تزوجت أصبحت متدينة أكثر والحمد لله وهنا بدأت مشاكلي

. كثرة المشاكل تتعبني جداً فأرجو أن تجيب على سؤالي وتنصحني وأرجو كذلك أن تدلني على كتاب يساعدني في البحث عن أجوبة وحتى لو كان بالعربية .

دائماً أفكر وأقول بأنني لم أكن بذلك السوء قبل الزواج بالمقارنة بآخرين كانوا غير متدينين أبداً، ولم أقترف الكثير من الذنوب، فلماذا يحصل لي كل هذا وما هو الحل .

الجواب

الحمد لله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل :

( إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ ... )

رواه أحمد(3490) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 2714 .

و بناءً على هذا الحديث فعليكِ أن تحمدي الله حمداً كثيراً على هذه النعمة التي منّ بها عليكِ من الاستقامة على دينه ، واعلمي أن البلاء هو حال هذه الدار التي هي دار بلاء وامتحان ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)

الأنبياء/35

وحال المسلم مع كل بلاء هي حال الموقن بأن الله لن يقدِّر عليه إلا ما فيه الخير في دينه وفي دنياه

وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ

إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999)

وكل ما ذكرتيه أيتها الأخت السائلة هو داخل في هذا الابتلاء بما لا يريده الإنسان والواجب عليك فيه الصبر وأن تعلمي أن كل هذا من عند الله لخيرٍ يريده بك .

وليست الاستقامة على أمر الله هي السبب فيما أصابك من بلاء ؛ لأن من المتقرر شرعا أن الاستقامة هي سبب السعادة وأن ضدها هو سبب التعاسة قال تعالى ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) النحل/97

وقال سبحانه ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ) طه 123 ،124 فالإيمان سبب السعادة الحقة في الدارين والإعراض عن ذكر الله سبب التعاسة والضيق

وحقيقة السعادة في القلب فلا ينافيها ما يحصل للمؤمن من ابتلاءات ، بل إن الابتلاء الدنيوي قد حصل للأنبياء أيضاً كما في الحديث " إِنَّ مِنْ أَشَدّ النَّاس بَلاء الأَنْبِيَاء , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " أحمد 26539

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1165, وفي رواية" يُبْتَلَى الرَّجُل عَلَى حَسَب دِينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه حَتَّى يَمْشِي عَلَى الأَرْض وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَة " أَخْرَجَهُ ابن ماجه4013

و صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 3249. وكما تقدم في الحديث الأول فإن السعة والضيق في أمور الدنيا لا تتوقف على دين الشخص .

و الذي نوصيك به أيتها الأخت : مجاهدة النفس على الصبر ، وإبعاد الخواطر الفاسدة والظن السيئ بالله تعالى ، وعدم الضعف في الاستقامة بسبب هذه الظنون ، ومن أهم الوسائل المعينة على هذا الدعاء

بل قد يكون البلاء سبباً لكثرة دعاء الإنسان لربه فيفتح له بذلك خيرات كثيرة ، واختاري من الأدعية ما يناسب تفريج البلاء من القرآن والسنة كدعاء أيوب ( رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) الأنبياء/83

، وكوني موقنة بالإجابة ولا تعجلي فإن الله تعالى أرحم بعبده من الوالدة بولدها ، واحرصي على تحصين نفسك بالأذكار الشرعية .

ومن الأمور المُعينة على الصبر القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وما مر عليه من البلاء والشدة وكذلك التأمل في أجور الصابرين في الدنيا والآخرة ومن الكتب المفيدة في هذا كتاب عدة الصابرين لابن القيم رحمه الله .

نسأل الله تعالى لك الصبر وثبوت الأجر ، والشفاء لك ولولدك ، وأن يعود حالك مع زوجك وأهلك إلى خير حال ، وأن يثبتنا وإياك على طريق الحق .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 15:12
انتحر أخوه ويتساءل تساؤلات خطيرة في القدر

السؤال

مات أخي الصغير بتعليق نفسه. كان عمره 25 عاما فقط. كانت المشكلة عبارة عن شجار بسيط بين أمي وبينه. كلنا في غاية الدهشة وفي حالة حزن شديدة. هناك أسئلة كثيرة أحب أن أسألها عن هذا الوضع.

أولا، لماذا اختار الله هذا النوع من الوفاة لأخي؟

ثانيا، عمر والدي 75 عاما وهو ورع/متدين جدا وأمي شديدة الكرم والطيبة/واللطف. لماذا أراهما الله مثل هذا اليوم في حياتهما. ثالثا، كيف يمكننا أن نساعده (أخي) الذي لم يعد بيننا؟

كيف يمكننا رؤيته في الجنة؟ هل بإمكاننا أن نبلغه سلامنا ؟ هل سيصله سلامنا ؟

أيضا، عندما تم فحصه لتحديد سبب الوفاة، وجدنا أن وفاته لم تكن بسبب الاختناق ولكن بسبب كسر عموده الفقري. ما حدث في الواقع هو أنه كان يوجد في غرفتي أرجوحة قماشية لطفلي.

أخذ أخي كرسيا صغيرا كان قريبا منه وربطه في عنقه قائلا سأقتل نفسي. كانت أمي تصلي في نفس الغرفة. نشعر بأنه لم يكن انتحارا. ربما كان غضبه هو الذي دفعه لفعل ذلك.

يخبرنا أصدقاؤه بأنه ليس من نوعية الناس الذين يفكرون بالانتحار. في الحقيقة ، كان ينصحهم ضد الانتحار كلما ذكروه.

كانت جنازته جيدة أيضا، ولم يبدو من وجهه أنه يعاني أوشيئا من هذا القبيل. كان يبدو وكأنه نائم وما علينا إلا أن نوقظه من النوم. هل هذا يدل على شئ.

أرجو الرد على هذا إذ أننا في غاية الإنزعاج بسبب هذا الموت المفاجئ.

الجواب

الحمد لله

لا بد بين يدي هذه الأسئلة من معرفة ثلاثة أمور هي :

أولا : أن كل شيء بقدر الله ، وكل ما يجري في هذا الوجود من خير وشر فهو بتقدير الله وتدبيره ومشيئته فإنه تعالى لا ربّ غيره ، ولا مدبّر معه .

ثانيا : يجب الإيمان بحكمته سبحانه وتعالى في أقداره ، فله الحكمة البالغة في كل ما يجري في هذا الوجود سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه ، بل كثير من حِكم الله لا تبلغها عقول العباد

فيجب التسليم لله تعالى وذلك بالإيمان بكمال حكمته ، ولا يجوز الاعتراض عليه في شرعه ولا في قدره .

ثالثا : أن الانتحار جريمة كبرى وسوء خاتمة ، فالذي يقتل نفسه فرارا من مصيبة أو ضائقة أو فقر أو نتيجة انفعال وغضب ، إنه بهذا يعرّض نفسه لعقوبة الله

فقد قال سبحانه وتعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما . ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا )

وثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يُلجم بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بسُم فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم ... الحديث ) .

فما ذكر في هذه الحالة يجب أن يفوض الحكم فيه إلى الله سبحانه ، فالظاهر أن ما فعل هو انتحار لأنه علّق نفسه ، أي ربط عنقه في حبل فشنق نفسه ، فهو إما أن يكون انتحر أو أراد الانتحار فالله أعلم .

واما صلاح الوالدين واستقامتهما فهذا لا يمنع أن يبتليهما الله ببعض المصائب ليظهر بذلك صبرهما

وليكون في ذلك تمحيص لذنوبهما فالمؤمن أمره كلّه خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن .

فالابتلاء بالمصائب لا يدل على هوان العبد عند ربّه إذا كان مستقيما على طاعة الله ، فالإيمان بالله وطاعته وتقواه هي سبب الكرامة

والكفر والفسوق والعصيان هي سبب الهوان ومن ابتلي بمصيبة فصبر كان ذلك رفعا لدرجاته ، والمصائب أنواع ، تكون مرضا ، وتكون فقد مال ، وتكون بفقد حبيب كابن ، أو أخ ، أو والد ، أو زوج أو زوجة

فالله تعالى يبتلي عباده بالنعم والمصائب وهي الخير والشر كما قال تعالى : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) . وإن كان الانتحار صدر عن جهل وكان الشخص مستقيما على طاعة الله محافظا

على الصلوات فإنه يرجى له العفو من الله سبحانه وتعالى فإنه تعالى أرحم الراحمين ، وإن كان يعلم تحريم الانتحار ولكنه لجأ إلى ذلك ليتخلص من المشكلة التي ضاق بها فإنه

على خطر من التعرض للوعيد والعقاب الذي ورد في الحديث ، ولكنه مع ذلك إن كان مؤمنا بالله ورسوله وموحدا لله غير مشرك ، فإنه تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له ، وإن شاء عذبه

ثم إذا عذبه فإنه لا بد أن يخرجه من النار ، قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرّة من إيمان " .

وأما حاله عند تغسيله وتجهيزه وما ظهر به من المظهر الحسن فقد يستأنس به لحسن حاله ، وحسن عاقبته

وأنه معذور عند ربه ومغفور له ، ولكن لا يجزم بشيء من ذلك لأن هذه الأمور غاية ما تفيد أنها تبشر بخير . وإن كان المنتحر مسلما موحدا مصليا فيمكن الإحسان إليه بالدعاء له بالمغفرة بأن يغفر الله له ذنوبه

ومن ذلك ما فعله بنفسه من التسبب في قتل نفسه . وأما ما ورد في السؤال من انتقاد الكيفية التي اختارها الله له ليموت بها فهذا نوع اعتراض على قدر الله ، فالله هو المقدّر

وهو خالق كل شيء ، وكل شيء بقدره سبحانه

وهو الحكيم العليم ، ولكن ما كان مخالفا لشرع الله فلا يحتج بالقدر عليه ، وما يجري في الوجود من هذه الأمور لا يجوز الاعتراض على الله في تقديرها فيجب الإيمان بالقدر ، والإيمان بحكمة الرب سبحانه وتعالى .

: الشيخ : عبد الرحمن البراك

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 15:15
الله عز وجل لا يجبر الناس على الكفر

السؤال

نقرأ في كثير من آيات القرآن أن الله تعالى يخبر بأنه جعل على قلوب الكافرين أكنة وعلى أبصارهم غشاوة وختم عليها وأنه يصمهم ويعميهم عن الحق ، وقد علمنا – أيضاً –

أن الله تعالى لا يجبر أحداً على الكفر ، فما هو توجيه هذه الآيات ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ الشنقيطي – رحمة الله تعالى عليه - :

فالجواب : أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة من كتابه العظيم أن تلك الموانع التي يجعلها على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، كالختم والطبع والغشاوة والأكنة

إنما جعلها عليهم جزاءاً وفاقاً لما بادروا إليه من الكفر وتكذيب الرسل باختيارهم ، فأزاغ الله قلوبهم بالطبع والأكنة ونحو ذلك ، جزاء على كفرهم ، فمن الآيات الدالة على ذلك

قوله تعالى : ( بل طبع الله عليها بكفرهم ) النساء/155

أي بسبب كفرهم ، وهو نص قرآني صريح في أن كفرهم السابق سبب الطبع على قلوبهم

وقوله : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) الصف/5 .

وهو دليل واضحٌ أيضاً على سبب إزاغة الله قلوبهم هو زيغهم السابق ، وقوله : ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ) المنافقون/3 ، وقوله تعالى : ( في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً …) البقرة/10

وقوله : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) الأنعام/110

وقوله تعالى : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) المطففين/14

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الطبع على القلوب ومنعها من فهم ما ينفع عقاب من الله على الكفر السابق على ذلك

وهذا الذي ذكرنا هو وجه رد شبهة الجبرية الذين يتمسكون بها في هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن الكريم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 15:39
هل مشيئة الله هي سبب إنحراف الإنسان

السؤال

إذا ضل الإنسان وانحرف هل يكون ذلك بمشيئة الله أم أن الله لا يُقدّر ذلك ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله تعالى - :

" قوله تعالى : ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً ) الكهف/17

بيَّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الهدى والإضلال بيده وحده جل وعلا فمَن هداه فلا مُضلَّ له ومن أضلَّه فلا هاديَ له ، وقد أوضح هذا المعنى في آياتٍ كثيرةٍ جدّاً كقوله تعالى

: ( ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عُمياً وبكماً وصمّاً ) الإسراء/97

وقوله : ( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ) الأعراف/178 ، وقوله : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) القصص/56

وقوله : ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ) المائدة/41، وقوله : ( إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ) النحل/37

وقوله تعالى : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيِّقاً حرجاً كأنَّما يصَّعَّد في السماء ) الأنعام/125

والآيات بمثل هذا كثيرة جدّاً .

ويؤخذ من هذه الآيات وأمثالها في القرآن بطلان مذهب القدرية :

أن العبد مستقلٌّ بعمله من خيرٍ أو شرٍّ ، وأن ذلك ليس بمشيئة الله وإنما بمشيئة العبد ، سبحانه جل وعلا عن أن يقع في ملكه شئ بدون مشيئته ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً .

المصدر: " أضواء البيان " ( 4 / 44 )

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 15:16
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل يختلف الحساب حسب عمر الانسان في الدنيا ؟

السؤال

هل الحساب يتفاوت بطول عمر الانسان بمعنى :

هل الإنسان الذي عاش 80 سنة وأخذ فرصة كافية للتوبة أو لزيادة حسناته كمثل الذي مات وهو في العشرين أو الثلاثين من عمره ، وهل يؤخذ هذا بعين الاعتبار بجانب اﻷمور الأخرى مثل نوع الاعمال ؟

الجواب

الحمد لله

أبانت نصوص الشرع وأشارت إلى أن مدة التعمير في هذه الدنيا لها أثر في الحساب والعقاب ؛ ومن ذلك :

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ،

وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) رواه الترمذي (2417 ) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

ويزيد هذا المعنى وضوحا حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً ) رواه البخاري (6419) .

قال ابن حجر رحمه الله تعالى :

" قوله : ( أعذر الله ) الإعذار إزالة العذر ، والمعنى : أنه لم يبق له اعتذار ، كأن يقول : لو مُدَّ لي في الأجل لفعلت ما أمرت به ، يقال : "أعذر إليه" إذا بلَّغه أقصى الغاية في العذر ومكَّنه منه "

انتهى من" فتح الباري " (11 / 240) .

وقال الله تعالى : ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) فاطر /37 .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى :

" ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) أي : أوما عشتم في الدنيا أعمارا ؛ لو كنتم ممن ينتفع بالحق ، لانتفعتم به في مدة عمركم ؟

وقد اختلف المفسرون في مقدار العمر المراد هاهنا ، فروي عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال: مقدار سبع عشرة سنة .

وقال قتادة : اعلموا أن طول العمر حجة ، فنعوذ بالله أن نُعَيَّر بطول العمر ، قد نزلت هذه الآية: ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) ، وإن فيهم لابن ثماني عشرة سنة ...

عن ابن عباس قال : العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في قوله : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) ستون سنة .
فهذه الرواية أصح عن ابن عباس ، وهي الصحيحة في نفس الأمر أيضا ... " .

انتهى من " تفسير ابن كثير " (6 / 553) .

وجعل الله تعالى إطالة عمر الكافر وإمهاله في هذه الدنيا سببا لزيادة العقاب عليه ؛ حيث قال الله تعالى :( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) آل عمران /178 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :

" قال : ( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) : فالله تعالى يملي للظالم ، حتى يزداد طغيانه ، ويترادف كفرانه ، حتى إذا أخذه أخذ عزيز مقتدر ، فليحذر الظالمون من الإمهال ، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 158) .

وقال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :

" ذكر في هذه الآية الكريمة أنه يملي للكافرين ، ويمهلهم لزيادة الإثم عليهم ، وشدة العذاب

. وبين في موضع آخر أنه لا يمهلهم متنعمين هذا الإمهال إلا بعد أن يبتليهم بالبأساء والضراء ، فإذا لم يتضرعوا أفاض عليهم النعم وأمهلهم حتى يأخذهم بغتة ...
" .
انتهى من " أضواء البيان " (1 / 352 - 353) .

والحاصل :

أن تأثير طول العمر في حساب العبد ، وميزان أعماله : إنما يكون باعتبارين :

الأول :

أن العمر الطويل : حجة من حجج الله على عباده ، فلا يقدر صاحبه أن يطلب مهلة العمر ، وطول الزمان الذي يعينه على العمل الصالح ؛ فلقد كان ذلك كله

وأمكنته الفرصة ليعتبر ، ويتعظ ، وينتهي عن غيه ، ويعود إلى ربه ؛ فلم يفعل ، وأضاع الفرصة والزمان ، حتى عاد ذلك كله حسرات عليه .

الثاني :

أن هذا العمر والزمان الطويل ، هو وعاء لعمله ؛ فإما ملأه بصالح العمل ، وإما ملأه بالتفريط ، والتضييع ، وسيء الأخلاق والأعمال ؛ ولذلك لا تزول قدمه يوم القيامة ، حتى يسأل عن ذلك الوعاء : بأي شيء ملأه .

ولا يتصور أن يكون حساب العبد يوم القيامة على مجرد الزمان ، من غير عمل ، فإن ذلك الزمان لا ينقضي على العبد من غير أن يعمل عملا ، يقدمه

أو يفرط تفريطا يؤخره عن ربه ، وهكذا العمل ، خيره وشره ، لا بد له من زمان ، وعمر يقع فيه .

ولهذا قال الله تعالى لعباده : ( كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) المدثر/32-37 .

قال ابن القيم رحمه الله :

" إضاعة الوقت الصحيح ، يدعو إلى درك النقيصة ، إذ صاحب حفظه مترق على درجات الكمال ؛ فإذا أضاعه ، لم يقف موضعه ؛ بل ينزل إلى درجات من النقص !!

فإن لم يكن في تقدم ، فهو متأخر ؛ ولا بد !!

فالعبد سائر ، لا واقف ؛ فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل . إما إلى أمام وإما إلى وراء .

وليس في الطبيعة ، ولا في الشريعة ، وقوف البتة ؛ ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي ، إلى الجنة أو النار ؛ فمسرع ومبطئ ، ومتقدم ومتأخر .

وليس في الطريق واقف البتة ؛ وإنما يتخالفون في جهة المسير، وفي السرعة والبطء : (

إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) ولم يذكر واقفا ؛ إذ لا منزل بين الجنة والنار، ولا طريق لسالك إلى غير الدارين البتة

فمن لم يتقدم إلى هذه بالأعمال الصالحة ، فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة "

انتهى من "مدراج السالكين" (1/278) .

ومن هنا كان يوم القيامة : يوم التغابن ، وكان يوم الحسرة ، حسرة من ضيع عمره ، في غير طاعة الله ، وقد أخذ الفرصة ، وأعطي المُهْلة ؛ فضاعت الأعمار ، وانقطعت الأعذار !!

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 15:20
كيف تكون الشكوى إلى الله تعالى وحده ؟

السؤال

هل يمكنكم شرح كيف تكون الشكوى لله سبحانه وتعالى وحده ؟

ففي سورة يوسف يقول الله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام : ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون )

وفي سورة المجادلة : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إنّ الله سميع بصير ) .

الجواب

الحمد لله

ينبغي أن تكون الشكوى إلى الله تعالى وحده ، فإن ذلك من تمام عبودية العبد وتوكله وفقره وحاجته إلى ربه ، ومن تمام استغنائه به سبحانه عن الناس .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الشَّكْوَى إِنَّمَا تَكُونُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ : (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) "

انتهى من "منهاج السنة النبوية" (4/ 244) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِالصَّبْرِ الْجَمِيلِ ، وَالصَّفْحِ الْجَمِيلِ ، وَالْهَجْرِ الْجَمِيلِ ، فَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - يَقُولُ: الصَّبْرُ الْجَمِيلُ هُوَ الَّذِي لَا شَكْوَى فِيهِ ، وَلَا مَعَهُ

وَالصَّفْحُ الْجَمِيلُ هُوَ الَّذِي لَا عِتَابَ مَعَهُ. وَالْهَجْرُ الْجَمِيلُ هُوَ الَّذِي لَا أَذَى مَعَهُ

وَالشَّكْوَى إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا تُنَافِي الصَّبْرَ. فَإِنَّ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَعَدَ بِالصَّبْرِ الْجَمِيلِ

وَالنَّبِيُّ إِذَا وَعَدَ لَا يُخْلِفُ. ثُمَّ قَالَ: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) يوسف/ 86، وَكَذَلِكَ أَيُّوبُ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ وَجَدَهُ صَابِرًا مَعَ قَوْلِهِ: (مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء/ 83 .

وَإِنَّمَا يُنَافِي الصَّبْرَ شَكْوَى اللَّهِ ، لَا الشَّكْوَى إِلَى اللَّهِ ، كَمَا رَأَى بَعْضُهُمْ رَجُلًا يَشْكُو إِلَى آخَرَ فَاقَةً وَضَرُورَةً ، فَقَالَ: يَا هَذَا، تَشْكُو مَنْ يَرْحَمُكَ إِلَى مَنْ لَا يَرْحَمُكَ؟ ثُمَّ أَنْشَدَ:

وَإِذَا عَرَتْكَ بَلِيَّةٌ فَاصْبِرْ لَهَا ** صَبْرَ الْكَرِيمِ فَإِنَّهُ بِكَ أَعْلَمُ

وَإِذَا شَكَوْتَ إِلَى ابْنِ آدَمَ إِنَّمَا ** تَشْكُو الرَّحِيمَ إِلَى الَّذِي لَا يَرْحَمُ ؟.

انتهى من "مدارج السالكين" (2/ 160) .

وقال أيضا :

" الشكوى نوعان : أحدهما: الشكوى إلى الله فهذا لا ينافي الصبر

كما قال يعقوب: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) مع قوله: (فصبر جميل) وقال أيوب: (مسني الضر) مع وصف الله له بالصبر، وقال سيد الصابرين صلوات الله وسلامه عليه (اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتى ... )
.
والنوع الثاني : شكوى المبتلى بلسان الحال والمقال ، فهذه لا تجامع الصبر ، بل تضاده وتبطله ، ففرق بين شكواه والشكوى إليه "

انتهى من "عدة الصابرين" (ص 17) .

وقال السعدي رحمه الله :

" الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما الذي ينافيه، الشكوى إلى المخلوقين ".

انتهى "تفسير السعدي" (ص 411) .

فالشكوى إلى الله : أن يكون العبد بحيث إذا أصابه شيء ، أو نزل به أمر ، أو افتقر إلى حاجة : اشتكى إلى الله وحده ، ورفع حاجته إليه

وأنزلها به - كما هو حال الأنبياء عليهم السلام في حاجاتهم وشكاياتهم -، فذكر ربه ودعا وتضرع ، وتاب وأناب ، وتقرب إليه بأنواع العبادات ؛ لأن ذلك من تمام عبوديته وتوكله على الله .
.
والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 15:23
الشكوى للمخلوق

السؤال

ما حكم الشرع فيمن اشتكى لغير الله بعد شكواه لله عز وجل ، حيث إن نفس الإنسان تضيق به إذا وقع في محنة ،

فهل يجوز له أن يجد سلوى في عباد الله فيخرج لهم ما يضيق به صدره وربما سألهم النصح والإرشاد ، أم إن ذلك عدم ثقة في إجابة الله عز وجل ؟

الجواب

الحمد لله

إخبار المخلوق بالحال ، عن كانت للاستعانة بإرشاده أو معاونته أو التوصل إلى إزالة الضرر ، لم يقدح ذلك في الصبر ، كإخبار المريض للطبيب بشكايته

وإخبار المظلوم لمن ينتصر به بحاله ، وإخبار المبتلى ببلائه لمن كان يرجو أن يكون فرجه على يديه ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المريض يسأل عن حاله ويقول : ( كيف تجدك ؟

) رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما

وقال النووي

: إسناده جيد ، وهذا إستخبار منه واستعلام عن حاله

وانظر عدة الصابرين للإمام ابن القيم ( 323 ) .

والله أعلم .

كتاب مسائل ورسائل /محمد المحمود النجدي

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 15:34
هل ثبت حديث : (اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي)

السؤال

قرأت في بعض المواقع والمنتديات أن إسناد دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ....)

إلى آخر الحديث عند خروجه من الطائف : هو إسناد ضعيف . ما مدى صحة هذا الرأي ، هل هو حديث صحيح أم ضعيف ؟

الجواب

الحمد لله

الحديث يرويه عبد الله بن جعفر رضي الله عنه فيقول :

لما توفي أبو طالب ، خرج النبي إلى الطائف ماشيا على قدميه ، فدعاهم إلى الإسلام ، فلم يجيبوه ، فانصرف ، فأتى ظل شجرة ، فصلى ركعتين ثم قال :

( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أرحم الراحمين ، أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني ، إلى عدو يتجهمني

أو إلى قريب ملكته أمري ، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي

غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك )

رواه الطبراني في " الدعاء " (ص/315) واللفظ له – وعزاه بعض أهل العلم إلى " المعجم الكبير " للطبراني-

ومن طريقه الضياء المقدسي في " المختار " (9/179) ، ورواه ابن عدي في " الكامل " (6/111) ، ومن طريقه ابن عساكر (49/152) ، ورواه الخطيب البغدادي في " الجامع لأخلاق الراوي " (2/275) وغيرهم :

جميعا من طريق وهب بن جرير بن حازم قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه به .

قلنا : وهذا الإسناد ضعيف ، بسبب عنعنة محمد بن إسحاق

فهو مدلس مكثر من التدليس عن الضعفاء والمجهولين كما وصفه بذلك أحمد والدارقطني

. انظر "مراتب المدلسين" لابن حجر (ص/51)

فمثله لا يقبل حديثه حتى يصرح بالسماع ، لما يخشى أن يكون أسقط شيخا ضعيفا من الإسناد .

قال الهيثمي رحمه الله :

" رواه الطبراني ، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة ، وبقية رجاله ثقات " انتهى.

" مجموع الزوائد " (6/35)

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (المجموعة الثانية: 3/208) :

" هذا الحديث ضعيف من جهة إسناده " انتهى.

عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، بكر أبو زيد .
ولذلك ضعفه أيضا الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/2933).

وقد ورد هذا الحديث أيضا ـ مرسلا ، من رواية ابن إسحاق في " السيرة " –

كما في " تهذيب السيرة " لابن هشام (1/421) ، وفي لفظه بعض الاختلاف ، فيقول :

( فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - فيما ذكر لي - : اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين

وأنت ربي ، إلى من تكلني ، إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي

أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك )

غير أن العلماء ما زالوا يوردون هذا الحديث في كتبهم وتصنيفاتهم ، وذلك لأسباب عدة :

1- أن ضعف إسناده ضعف يسير ؛ لأن احتمال الاتصال فيه قائم ، إذ لا يلزم أن يكون المدلس قد أسقط شيخه الذي سمع منه في كل عنعنة .

2- وما زال العلماء يتسمَّحون في رواية الأحاديث اليسيرة الضعف ، في أبواب السير والمغازي والفضائل .

3- ثم إن كثيرا من أهل العلم تناقلوا الحديث معتمدين له ، ومستشهدين بما ورد فيه ، كشيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (10/184)

وما زال العلامة ابن القيم يستشهد به على أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر في كتب عدة له رحمه الله .

وهذا الذي ذكرناه لا يعني صحة الحديث أو ثبوته ، لكنه فقط بيان لعذر من ينقله ويرويه من أهل العلم ، وبيان ـ أيضا ـ لجواز الاستئناس به في معرض السير والفضائل ، لكن يساق بصيغة التمريض والتضعيف : رُوي ، أو : حكي .

والله أعلم .
.

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 15:47
كيف ننمي تقوى الله في قلوبنا ؟

السؤال

كيف نرفع منسوب التقوى في قلوبنا ؟ إنني أضيع الوقت في مشاهدة التلفاز والألعاب ، فما العمل ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

أمر الله عز وجل بتقواه ، وأخبر أن التقوى هي عنوان الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة

فقال عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران/ 102

وقال عز وجل : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور/ 52

وأخبر أنه سبحانه مع المتقين، فقال : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل/ 128 ، وأنه وليهم ، فقال : (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) الجاثية/ 19

وأن العاقبة للمتقين، فقال : (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الأعراف/ 128، وأنهم أهل النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، فقال : (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فصلت/ 18

وقال : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) مريم/ 72 ، وقال : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) النبأ/ 31.

والمتقون من المؤمنين هم أولياء الله ، (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) يونس/62، 63. والآيات في ذلك كثيرة .

ثانيا :

التقوى هي فعل ما أمر الله به ، وترك ما نهى عنه .

ومما يعين العبد على ذلك : التفكر في أمر الدنيا والآخرة ، ومعرفة قدر كل منهما ، فإن هذه المعرفة لا بد أن تقود الإنسان إلى السعي إلى الفوز في الأخرة بنعيم الجنان

والنجاة من النار ، ولذلك أخبرنا الله عز وجل عن الجنة أنها (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133.

ومما يزيد التقوى في القلوب : اجتهاد الإنسان في طاعة الله تعالى ، فإن الله يكافئه على ذلك بزيادة الهداية والتقوى ، فيعينه على القيام بما أمر الله به

ويفتح له من أبوب الخير والطاعات وييسرها له ما لم يكن يسيرا عليه من قبل . قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) محمد/17.

ومما يصل بالإنسان إلى التقوى : الحرص على الصيام ، والإكثار منه ؛ فإن الله تعالى جعل فيه خاصية تعين العبد على الطاعات وتحببها إليه

ولذلك قال الله تعالى عن فرض الصيام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 .

ولذلك أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكد وصيته ، وأخبر بأنه لا مثل له في ذلك:

فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ) " .

رواه أحمد (22149) ، والنسائي (4/165) وغيرهما ، وصححه الألباني .

ومن ذلك أيضا : التخلق بأخلاق وصفات المتقين التي ذكرها الله تعالى في كتابه

قال الله تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى

وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ) البقرة/177.

وقال تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ *

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ

* أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران/133-136.

ومن ذلك أيضا : التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، والابتعاد عن البدع المحدثة في الدين ، قال الله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ

بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/ 153 .

ومن ذلك أيضا : الابتعاد عن حرمات الله ، قال الله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) البقرة/ 187.

ومن ذلك أيضا : التفكر في آيات الله الشرعية والكونية

قال تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) يونس/ 6 . وقال سبحانه : (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) طه/ 113

ومن ذلك أيضا :

- الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن .

- مصاحبة أهل الخير الذين ينصحون ويذكّرون ، ومجانبة أهل الشر والبدعة .

- قراءة سير المتقين ، من المؤمنين الصالحين ، من أهل العلم والزهد والعبادة .

وانظر للاستزادة إجابة السؤال القادم

ثانيا :

ينبغي للعاقل أن يستعد للقاء الله تعالى في كل لحظة ، فإنه لا يدري متى يحل به الموت ، فلا يمكنه استدراك ما قصر فيه ، وحينئذ يندم وقت لا ينفع الندم .

وكل إنسان مسئول يوم القيامة : (عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) رواه الترمذي (2416) ، وصححه الألباني.

والصحة وتوفر الوقت من نعم الله تعالى التي لا يعرف قدرها كثير من الناس إلا بعد فواتها وضياعها منه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) رواه البخاري (6412) .

والغبن هو الخسارة في البيع ، فمعنى الغبن هنا : أنه لا يستفيد منها ، بل يخسر صحته وفراغه ووقته فيما لا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة . وهذا أعظم من خسارة التاجر في تجارته .

فالعاقل يعلم أنه مقبل على أمر عظيم ، فلا بد أن يستعد له .

وكل تعب في طاعة الله في الدنيا سيكون راحة في الآخرة ، ولذلك كان بعض السلف يجهد نفسه في طاعة الله ، فكلمه الناس أن يريح نفسه ولو قليلا ، فقال : "راحتَها أريد"

انتهى من " الفوائد " (ص 42) .

وكل راحة وتلذذ بمعصية الله في الدنيا سيعقبها الندم والعذاب إن لم يعف الله عن صاحبها يوم القيامة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 15:52
أريد ما يقوي إيماني

السؤال

هل لك أن ترسل لي برسالة روحانية تقوي إيماني حيث أنني أصلي وأصوم وأؤدي أساسيات الإسلام ولكنني في نفس الوقت أشعر وكأني لا أفعل شيئاً ولا أناضل ولا أجاهد .

الجواب

الحمد لله

يوجد في هذا الموقع رسالة بعنوان " ظاهرة ضعف الإيمان " فيها بيان تام لما يعانيه كثير من الناس من ضعف الإيمان وبيان الأسباب والعلاج ، ولا مزيد عليها إن شاء الله فننصحك بقراءتها ، وهذا رابطها :

ظاهرة ضعف الإيمان

وهذه نصيحتان من كبار أهل العلم تضاف إلى ما سبق وتختصر لك المراد منك والمطلوب :

1. ننصحك أن تقرأ القرآن كثيراً ، وتكثر من الاستماع لتلاوته وتتدبر معاني ما تقرأ وما تسمع منه بقدر استطاعتك ، وما أشكل عليك فهمه فاسأل عنه أهلَ العلم ببلدك أو مكاتبة غيرهم من أهل العلم من علماء السنَّة .

وننصحك أيضاً بالإكثار من ذِكر الله بما ورد من الأذكار في الأحاديث الصحيحة مثل " لا إله إلا الله " ومثل " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ونحو ذلك

وارجع في ذلك إلى كتاب " الكلِم الطيب " لابن تيمية ، وكتاب " الوابل الصيِّب " لابن القيم ، وكتاب " رياض الصالحين " وكتاب " الأذكار النووية " للنووي وأمثالها .

فإنَّ ذِكر الله يزداد به الإيمان وتطمئن به القلوب ، قال الله تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب .

وحافظ على الصلاة والصيام وسائر أركان الإسلام مع رجاء رحمة الله ، والتوكل عليه في كل أمورك

قال الله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون . الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . أولئك هم المؤمنون حقّاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم .

" اللجنة الدائمة للإفتاء " ( 3 / 185 ، 186 ) .

2. الإيمان يزيد بطاعة الله ، وينقص بمعصيته ، فحافظ على ما أوجب الله من أداء الصلوات في وقتها جماعة في المساجد ، وأداء الزكاة طيبة بها نفسك طُهرة لك من الذنوب ورحمة بالفقراء والمساكين.

وجالس أهل الخير والصلاح ليكونوا عوناً لك على تطبيق الشريعة ، وليرشدوك إلى ما فيه السعادة في الدنيا والآخرة .
وجانب أهل البدع والمعاصي لئلا يفتنوك ويضعفوا عزيمة الخير فيك .

وأكثِر مِن فِعل نوافل الخير ، والْجأ إلى الله ، واسأله التوفيق .

إنك إن فعلتَ ذلك : زادك الله إيماناً ، وأدركتَ ما فاتك من المعروف ، وزادك الله إحساناً واستقامة على جادة الإسلام .

" اللجنة الدائمة للإفتاء " ( 3 / 187 ) .

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

nabil.b
2018-12-11, 11:33
بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 15:44
بارك الله فيك

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
و كذلك يسعدني اجيب علي سؤال لديك

و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-12-16, 17:14
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل يجوز قول شاءت الظروف أو شاءت الأقدار

السؤال

قرأت في عدد من القصص والمقطوعات الأدبية والمقالات الصحفية عبارة ( شاءت الظروف أو شاءت الأقدار ) فما هو حكم هذه العبارة ؟.

الجواب

الحمد لله

هذه من الألفاظ التي لا ينبغي قولها ، لأنه ليس للظروف ولا للأقدار مشيئة .

وقد سئل العلامة محمد بن صالح العثيمين حفظه الله عن هذه الألفاظ فقال : ( شاءت الأقدار

وشاءت الظروف ألفاظ منكرة ، لأن الظروف جمع ظرف ، وهو الزمن ، والزمن لا مشيئة له

وكذلك الأقدار جمع قدر ، والقدر لا مشيئة له .

وإنما الذي يشاء هو الله عز وجل نعم لو قال الإنسان : اقتضى قدر الله كذا وكذا فلا بأس

أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار ، لأن المشيئة هي الإرادة ، ولا إرادة للوصف ، وإنما هي للموصوف )

. مجموع فتاوى ورسائل محمد بن عثيمين 3/131-132 .

كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 147

*عبدالرحمن*
2018-12-16, 17:16
تمني الموت من شدة الكرب

السؤال

حصلت لي مشاكل كبيرة في عملي وفي حياتي الاجتماعية ، فهل يجوز لي تمني الموت ؟.

الجواب

الحمد لله

حالتك هذه تشبه ما قاله الشاعر :

ألا موت يباع فاشتريه
فهذا العيش ما لا خير فيه

وهذا خطأ ، فلا يجوز للمؤمن أن يتمنى الموت ، فإن كان لابد متمنياً فليدعُ بالدعاء المأثور في ذلك .

قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لابد متمنياً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي )

رواه البخاري ( الفتح ) 11/154.

من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 159

*عبدالرحمن*
2018-12-16, 17:29
ولدت ابناً له أربع أصابع فقط فكيف تتصرف مع هذا الابتلاء ؟

السؤال

وُلد لي ولد بأربع أصابع فقط في يده اليمنى ، وما انزعجت لذلك ، غير أني ليلة أمس كنت أرى صورة ليدٍ يمنى وكيف أن الله أبدع صنع الأصابع والكف وغير ذلك فانفجرت بالبكاء ، صحيح أنه لا حيلة لي في ذلك

ولا أدري لماذا أصبح ابني هكذا ، مع أنه لا يوجد أحد في العائلة بهذه الحالة ، حتى أخوه الأكبر فهو كامل الخلقة . على ما أظن أن هذا شعور طبيعي تشعر به أي أمّ في مثل حالتي

إنني أتألم من ذلك ولكني لا أبدي ألمي هذا ولكنني أفكر أحياناً كيف سأواجهه بالإجابة عن سؤاله إذا سخر منه الأولاد في المدرسة حين يكبر فيأتي ويسألني عن ذلك ، فماذا أقول له حينها ؟ .

الجواب

الحمد لله

إننا نقدِّر – أيتها الأم – مشاعرك تجاه طفلك ، ونعيش معك شعورك عندما ترين ابنك قد ابتلاه الله تعالى بما ذكرتِ ، وإننا سنقف معك وقفات نرجو أن يكون لها أثر طيب عليكِ لمواجهة هذا الابتلاء وحسن التصرف تجاهه .

1. يجب عليكِ التأمل في عظيم حكمة الله فيما يقدِّره تعالى من الأشياء ، وليس خلْقُ ابنك بأربع أصابع خارجاً عما يجب تأمله ، فالله تعالى لا يخلق شيئاً عبثاً إنما يخلقه لحكمة بالغة

ومنه ما يقدِّره تعالى من إصابة بعض خلقه بإعاقات بدنية تتفاوت فيما بينهما

ومن أعظم الحكَم في ذلك أن يكون هذا من باب الابتلاء لوالديه ، ثم للابن نفسه إن صار من البالغين المكلَّفين

2. نرجو منكِ عدم الالتفات للوراء وعدم الانشغال بالذكريات المؤلمة ؛ فالانشغال بمشاعر الحزن والألم والإكثار منها فيه تعطيل للقيام بالواجبات والعمل لمصلحة الطفل

وقد يؤدي بكِ – لا قدَّر الله - إلى التسخط والاعتراض على فعل الله تعالى .

3. إننا لا نرى أنَّ خلْق الله تعالى أربع أصابع لابنك فيه عظيم ابتلاء ، فقد أكمل الله له عقله وجعله قادراً على الحركة وهو يأكل وينام ويرى ويسمع في نِعَم عظيمة جليلة تحتاج منكِ لشكرٍ عليها .

4. نوصيك بالاهتمام بطفلك ليكتسب مهارات يتفوق بها على أقرانه ليعوِّض عليه النقص في خِلقته ، فتميزه – مثلاً - بحفظ القرآن وطلب العلم يجعلان منه طفلاً مميزاً يُثنى عليه ولا يشعر معه بالنقص عن أقرانه .

5. تجنبي التعامل معه بعاطفة مجردة ، فلا تظهري أمامه الحزن والأسى حتى لا يشعر بالنقص عن أشقائه

وأقرانه .

6. نبِّهي أشقاءه وشقيقاته إلى ضرورة الانتباه في كلامهم معه وعدم السخرية به ، مع التشديد في عقوبة المخالف لهذا .

7. تعاوني مع إدارة المدرسة والأخصائي الاجتماعي في ضرورة حسن رعايته ومعاقبة من يسخر منه وتجنبيه آثار ذلك إن وقع .

8. احرصي أن يكون ابنك مِن أهل المساجد لتكون صحبته طيبةً نقية من طلبة العلم وحفاظ القرآن ، وهم مَن لا يمكن أن يصدر منهم – إن شاء الله - سخرية به .

وأما حين يكبر : فأفهميه أن الله تعالى قد ابتلى غيره بأشد من ابتلائه هذا ، فمنهم الذي لا يستطيع التحرك

ومنهم المجنون ، والأعمى ، والأصم ، والمصاب بسرطان الدم ، ومن يغسل كُليته كل يومين مرة ، وهكذا في ابتلاءات كثيرة وشديدة قد عافاه الله منها

وليعلم أن ما ابتلاه الله به ليس شيئاً بالنسبة لغيرها من الابتلاءات الشديدة ، وأعظم من هذا أن يعلم أنه يتقلب في أعظم نعمة وهي الإسلام ، وأنه الله تعالى قد جعله من الموحِّدين

وهي نعمة جليلة تحتاج منه لشكر عظيم بقلبه ولسانه وجوارحه ، وليعلم أن هذه الدنيا ليست إلا دار اختبار وابتلاء وأحزان وآلام ونقص

وأن السعادة والفرح والكمال إنما هو في جنَّة الخلد فعليه أن يسعى لأن يكون من أهلها .

نسأل الله تعالى أن يعينك وييسر أمرك ، ونسأله تعالى أن يهديه لما فيه رضاه .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-12-16, 17:33
هل تكون عبادة بدون نية ؟

السؤال

ما صحة هذه العبارة "الصلاة على الرسول عبادة لا تحتاج إلى نية" وإذا كانت خاطئة ، فهل هناك عبادة بدون نية؟

الجواب

الحمد لله

لا شك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أجلّ العبادات وأفضل القربات ، قال الله عز وجل : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب / 56 .

وروى مسلم (408) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ) .

فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عبادة .

والقول بأن هناك عبادة لا تحتاج إلى نية قول غير صحيح ، بل كل عبادة لا بد لها من نية ، وهي أن يعملها العبد ينوي بها وجه الله .

روى البخاري (1) ومسلم (1907) عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) .

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة وَالْأُصُول وَغَيْرهمْ : لَفْظَة ( إِنَّمَا ) مَوْضُوعَة لِلْحَصْرِ , تُثْبِت الْمَذْكُور

, وَتَنْفِي مَا سِوَاهُ . فَتَقْدِير هَذَا الْحَدِيث : إِنَّ الْأَعْمَال تُحْسَب بِنِيَّةٍ ,

وَلَا تُحْسَب إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّة . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الطَّهَارَة وَهِيَ الْوُضُوء وَالْغُسْل وَالتَّيَمُّم لَا تَصِحّ إِلَّا بِالنِّيَّةِ , وَكَذَلِكَ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحَجّ وَالِاعْتِكَاف وَسَائِر الْعِبَادَات " انتهى .

وبهذا يتبين أن جميع العبادات لا تصح ، إلا بنية خالصة لله

فإذا انضم إلى ذلك متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم كان العمل مقبولاً ، كما قال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) الكهف / 110 .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فهذا هو العمل المقبول الذي لا يقبل الله من الأعمال سواه ، وهو أن يكون موافقا لسنة رسول الله مرادا به وجه الله " انتهى .

"مفتاح دار السعادة" (1 / 85).

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-16, 17:36
هل يدخل المعوقون في الدنيا الجنة بغير حساب ولا عذاب ؟

السؤال

سألني أحد أصدقائي : هل حقيق أن أي معاق إعاقة خفيفة أو كبيرة سيدخل الجنة بدون حساب بسبب آلامه وما يعانيه ، بغض النظر عن حجم المعاناة هل كان كبيرا أم قليلا ؟

الجواب

الحمد لله

الثابت في الكتاب والسنة أن أصحاب البلاء لهم عند الله الأجر العظيم والمنزلة الكبيرة إن هم صبروا واحتسبوا

ذلك أن المريض – سواء كان مرضا طارئا أم إعاقة دائمة

يحتمل من الآلام التي كتبها الله عليه ما يكون سببا في تكفير سيئاته ، فالله عز وجل لا يجمع على العبد المؤمن الصابر عذابين في الدنيا والآخرة ، وهو سبحانه يحب الصابرين ، ويوفيهم أجورهم بغير حساب .

وليقرأ معنا كل مبتلى نبذة من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها من البشائر لهم ما يثلج صدورهم بإذن الله .

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا) رواه البخاري (5640) ومسلم (2572) .

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ : (مَا مِنْ عَبْدٍ يُصْرَعُ صَرْعَةً مِنْ مَرِضٍ إِلا بَعَثَهُ اللَّهُ مِنْهَا طَاهِرًا) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/97) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2277) .

وإذا كان هذا حال من أصيب بمرض عارض أو ألم طارئ ، فما بالك بالذي ابتلي بإعاقة دائمة تصاحبه إلى مماته

لا شك أن مَن هذا حاله فهو يتقلب في الأجر والثواب ، وينغمس في رحمة الله عز وجل ، إن هو صبر على ما ابتلاه الله به .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال : (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي (2399) وقال الألباني في "سنن الترمذي" : حسن صحيح .

وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا ابْتَلَى اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ قَالَ لِلْمَلَكِ :

اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ ، فَإِنْ شَفَاهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ ، وَإِنْ قَبَضَهُ غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ) رواه أحمد في " المسند " (21/268) قال الألباني : حسن صحيح .

وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من أصيب بإعاقة العمى ، وابتلي في عينيه ، فصبر واحتسب عوضه الله منهما الجنة .

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّ اللَّهَ قَالَ : إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ - يُرِيدُ عَيْنَيْهِ -) رواه البخاري (5653) .

ولما علم الصالحون حكمة الله تعالى في ابتلاء المؤمنين بالأمراض كان البلاء أحب إليهم من الرخاء ، كي ينالوا المنزلة العالية عند الله .

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ – يعني الصالحين - لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ) رواه ابن ماجه (4024)، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (144) .

وقال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ - لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ

- ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أبو داود (3090) صححه الألباني في "سنن أبي داود" .

وقال وهب بن منبه رحمه الله :

"إن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء عَدَّه رخاء ، وإذا أصابه رخاء عَدَّه بلاء" انتهى .

"سير أعلام النبلاء" (4/327) .

وقال سفيان الثوري رحمه الله : "ليس بفقيه من لم يعدّ البلاء نعمة والرخاء مصيبة" انتهى .

"حلية الأولياء" (7/55) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

"الآلام والأمراض والمشاقّ من أعظم النعم ، إذ هي أسباب النعم..... فأعظم اللذّات ثمرات الآلام ونتائجها" انتهى .

"شفاء العليل" (525) .

والحاصل : أن الثواب الذي يناله المبتلى بالإعاقة ، والأجر الذي وعده الله إياه ، يرجى له أن يكون سبباً في دخوله الجنة ، لا سيما وقد كفرت عنه خطاياه بسبب تقلبه في آلام البلاء ،

ولكننا لم نقف على حديث خاص يدل على أن المبتلى في الدنيا يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-16, 17:43
هل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟

السؤال

من المعلوم أن الله يطبع على قلب الكافر فلا يرى الحق , أو يرى الباطل حقا , ولكن هل يمكن أن يطبع الله عز وجل على قلب مسلم , وكيف يكون ذلك ,

وما دلالاته , وهل لذلك علاج . بارك الله فيكم ونفعنا بكم وبعلمكم .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

الطبع على القلوب يكون على قلوب الكفار ، وعلى قلوب المسلمين العاصين ، فأما الطبع على قلوب الكفار :

فهو طبعٌ على القلب كله ، وأما الطبع على قلوب المسلمين العاصين

: فيكون طبعاً جزئيّاً ، بحسب معصيته ، وفي كل الأحوال ليس الطبع ابتداء من الرب تعالى

بل هو عقوبة لأولئك المطبوع على قلوبهم ، أولئك بما كفروا

والآخرون بما عصوا

كما قال تعالى في حق الكفار : ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) النساء/ 155 .

ثانياً:

من الطبع الوارد في الشرع في حق عصاة المسلمين :

1. الطبع بسبب كثرة الذنوب والمعاصي على العموم .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ

فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .

رواه الترمذي ( 3334 ) وقال : حسن صحيح ، وحسَّنه الألباني .

والريْن هو الطبع .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

عن مجاهد في قوله ( بل ران على قلوبهم ) قال : ثبتت على قلوبهم الخطايا حتى غمرتها .

انتهى

والران ، والرين : الغشاوة ، وهو كالصدأ على الشيء الصقيل .

عن مجاهد قال : كانوا يرون الرين هو الطبع .

" فتح الباري " ( 8 / 696 ) .

وقال ابن القيم - رحمه الله - :

الذنوب إذا تكاثرت : طُبع على قلب صاحبها ، فكان من الغافلين ، كما قال بعض السلف في قوله تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : هو الذنب بعد الذنب

وقال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى يعمي القلب ، حتى قال : وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية ، فاذا زادت : غلب الصدأ حتى يصير راناً ، ثم يغلب حتى يصير طبْعاً

وقفلاً ، وختماً ، فيصير القلب في غشاوة وغلاف ، فاذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة : انتكس ، فصار أعلاه أسفله ، فحينئذ يتولاه عدوه ، ويسوقه حيث أراد .

" الجواب الكافي " ( ص 139 ) .

2. التعرض لفتن الشهوات ، والشبهات .

عن حُذَيْفَة قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ

حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ : عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ) .

رواه مسلم ( 144 ) .

مرباداً : الذي في لون رُبدة ، وهي بين السواد والغبرة .

كالكوز مجخياً : كالإناء المائل عن الاستقامة والاعتدال .

قال النووي – رحمه الله - :

قال القاضي رحمه الله – أي : القاضي عياض - : شبَّه القلب الذى لا يعي خيراً : بالكوز المنحرف الذي لا يثبت الماء فيه .

وقال " صاحب التحرير " – وهو محمد بن إسماعيل الأصبهاني - : معنى الحديث : أن الرجل إذا تبع هواه ، وارتكب المعاصي : دخل قلبَه بكل معصية يتعاطاها : ظلمةٌ

وإذا صار كذلك : افتُتن ، وزال عنه نور الإسلام ، والقلب مثل الكوز ، فإذا انكب : انصب ما فيه ، ولم يدخله شيء بعد ذلك .

" شرح مسلم " ( 2 / 173 ) .

وقال ابن القيم – رحمه الله - :

والفتن التي تُعرض على القلوب هي أسباب مرضها ، وهي فتن الشهوات ، وفتن الشبهات

فتن الغي والضلال ، فتن المعاصي والبدع ، فتن الظلم والجهل ، فالأولى : توجب فساد القصد والإرادة ، والثانية : توجب فساد العلم والاعتقاد .

" إغاثة اللهفان " ( 1 / 12 ) .

3. الطبع بسبب التخلف عن صلاة الجمعة .

أ. عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ) .

رواه الترمذي ( 500 ) وأبو داود ( 1052 ) والنسائي ( 1369 ) وابن ماجه ( 1126 ) .

قال ابن الجوزي – رحمه الله - :

أَصْلُ الطَّبْعِ : الوَسَخُ ، والدَّرَنُ ، ويحتمل أَنْ يُراد به : الخَتْمُ عَلَى القَلْبِ ، حَتَّى لاَ يَفْهَمَ الصَّوابَ .

" غريب الحديث " ( 2 / 26 ، 27 ) .

والمعني الثاني هو الأظهر عند عامة الشرَّاح .

قال السيوطي :

قال الباجي : معنى الطبع على القلب : أن يُجعل بمنزلة المختوم عليه ، لا يصل إليه شيء من الخير .

" تنوير الحوالك شرح موطأ مالك " ( 1 / 102 ) .

وقال المباركفوري – رحمه الله - :

قوله ( تهاوناً بها ) قال العراقي : المراد بالتهاون : الترك عن غير عذر ، والمراد بالطبع : أنه يصير قلبُه قلبَ منافق . انتهى .

" تحفة الأحوذي " ( 3 / 11 ) .

ب. وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ ) .

رواه مسلم ( 865 ) .

قال الصنعاني – رحمه الله - :

( لينتهين أقوام عن وَدْعهم ) بفتح الواو وسكون الدال المهملة وكسر العين المهملة أي : تركهم الجمعات .

( أو ليختمن الله على قلوبهم ) الختم : الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه ؛ كتماً له ، وتغطية

لئلا يتوصل إليه ، ولا يطلع عليه ، شبهت القلوب بسبب إعراضهم عن الحق واستكبارهم عن قبوله وعدم نفوذ الحق إليها : بالأشياء التي استوثق عليها بالختم

فلا ينفذ إلى باطنها شيء ، وهذه عقوبة على عدم الامتثال لأمر الله ، وعدم إتيان الجمعة من باب تيسير العسرى .

( ثم ليكونن من الغافلين ) بعد ختمه تعالى على قلوبهم ، فيغفلون عن اكتساب ما ينفعهم من الأعمال ، وعن ترك ما يضرهم منها .

وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن ترك الجمعة والتساهل فيها .

وفيه إخبار بأن تركها من أعظم أسباب الخذلان بالكلية .

" سبل السلام " ( 2 / 45 ) .

ومعنى " من باب تيسير العسرى " : من بخل بطاعة ربه ، وتأخر عنها : صار ذلك الكسل والتأخر عن الطاعة عادة ملازمة له ، يسهل عليه إتيانها

ويشق عليه تركها ، وهي طريق موصلة للعسرى . قال ابن كثير رحمه الله :

" فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى أي: لطريق الشر، كما قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام: 11]

والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عز وجل يُجازي من قصد الخير بالتوفيق له ، ومن قصد الشر بالخذلان . وكل ذلك بقدر مُقدّر . "

انتهى . "تفسير ابن كثير" (8/417) .

والخلاصة :

أن الناس أربعة أصناف : كافر ، ومنافق ، ومؤمن ، ومسلم عاصٍ ، ولكل واحدٍ من أولئك قلبه الخاص به ، ومن طبع عليه من الكفار والمنافقين : فهو طبع كلي ، لا يدخل إليهم نور الإسلام

ولا يخرج منهم ظلمة الكفر ، وأما الطبع على قلب المسلم العاصي : فهو بحسب ما ارتكب من ذنوب يكون حاله ، وهو دائر بين قلبين ، وقد يصل حاله لقلب المنافق - أو الكافر -

وذلك بحسب زيادة المعاصي تأثير المعاصي في قلبه ، وتكاثرها عليه .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

وقد قسَّم الصحابة رضي الله تعالى عنهم القلوبَ إلى أربعة ، كما صح عن حذيفة بن اليمان : " القلوب أربعة : قلب أجرد ، فيه سراج يُزهِر

فذلك قلب المؤمن ، وقلب أغلف ، فذلك قلب الكافر ، وقلب منكوس ، فذلك قلب المنافق ، عَرفَ ثم أنكر ، وأبصر ثم عمى ، وقلبٌ تُمِدُّه مادتان : مادة إيمان ، ومادة نفاق ، وهو لما غلب عليه منهما " .

فقوله : " قلب أجرد " أي : متجرد مما سوى الله ورسوله ، فقد تجرد وسلِم مما سوى الحق

و " فيه سراج يزهر " وهو مصباح الإيمان ، فأشار بتجرده إلى سلامته من شبهات الباطل ، وشهوات الغي ، وبحصول السراج فيه إلى إشراقه ، واستنارته بنور العلم ، والإيمان .

وأشار بالقلب الأغلف : إلى قلب الكافر ؛ لأنه داخل في غلافه ، وغشائه ، فلا يصل إليه نور العلم والإيمان ، كما قال تعالى حاكياً عن اليهود : ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) البقرة/ 88

وهو جمع أغلف ، وهو الداخل في غلافه ، كقُلف وأقلف ، وهذه الغشاوة هي الأكِنَّة التي ضربها الله على قلوبهم عقوبة لهم على رد الحق ، والتكبر عن قبوله

فهي أكنة على القلوب ، ووقْر في الأسماع ، وعمًى في الأبصار ، وهي الحجاب المستور عن العيون في قوله تعالى : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً .

وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً ) الإسراء/ 45 ، 46 ، فإذا ذكر لهذه القلوب تجريد التوحيد وتجريد المتابعة ولى أصحابها على أدبارهم نفورا

وأشار بالقلب المنكوس ، وهو المكبوب : إلى قلب المنافق ، كما قال تعالى : ( فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ) النساء/ 88 ، أي : نكسهم

وردهم في الباطل الذي كانوا فيه بسبب كسبهم ، وأعمالهم الباطلة ، وهذا شر القلوب ، وأخبثها ؛ فإنه يعتقد الباطل حقّاً ، ويوالي أصحابه ، والحقَّ باطلاً ، ويعادي أهله ، فالله المستعان .

وأشار بالقلب الذي له مادتان : إلى القلب الذي لم يتمكن فيه الإيمان ، ولم يزهر فيه سراجه ، حيث لم يتجرد للحق المحض الذي بعث الله به رسوله ، بل فيه مادة منه

ومادة من خلافه ، فتارة يكون للكفر أقرب منه للإيمان ، وتارة يكون للإيمان أقرب منه للكفر ، والحكم للغالب ، وإليه يرجع .

" إغاثة اللهفان " ( 1 / 12 ، 13 ) .

*عبدالرحمن*
2018-12-16, 17:44
ثالثا :

ليعلم أن معرفة أسباب النجاة من ذلك البلاء ، وفك قفل القلوب ، وفتحها لأسباب الهدى : ليعلم أن ذلك هو أهم ما ينبغي للعبد أن يصرف همته إليه ، فإن ذلك هو نجاته في الدنيا والآخرة .

وقد مر معنا في حديث أبي هريرة : (فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ) ؛ فهذا أول ما يعمل العبد إذا أراد لنفسه النجاة : أن يعلم الذنب الذي أتي من قبله ، والباب الذي دخل عليه البلاء منه ، ثم يطهر نفسه من رجس ذلك الذنب ، ويغلق عن نفسه باب ذلك البلاء .

وفي الحديث الآخر ، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا : نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ : عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ

وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ) رواه مسلم (144) .

فقد بين أن صمود القلب أمام ما يطرقه من فتن الشبهات والشهوات ، وثباته في مواقف الفتن : هو من أعظم أسباب هدايته ، وحفظ صحته ، وأن تعرضه للفتن ، واستجابته لها : هو من أعظم أسباب ضلاله وفساد حاله .

وفوق ذلك كله ، وقبل ذلك كله ، وأيضا : بعد ذلك كله : أن يلازم الافتقار إلى من بيده مقاليد كل شيء : أن يزيل عنه ما أصابه ، وأن يفتح قلبه للهدى والنور .

قال ابن القيم رحمه الله :

" ومما ينبغي أن يعلم : أنه لا يمتنع مع الطبع والختم والقفل حصول الإيمان ؛ بأن يفَك الذي ختم على القلب وطبع عليه وضرب عليه القفلَ ، ذلك الختمَ والطابع والقفل ، ويهديه بعد ضلاله ، ويعلمه بعد جهله

ويرشده بعد غيه ، ويفتح قفل قلبه بمفاتيح توفيقه التي هي بيده ، حتى لو كتب على جبينه الشقاوة والكفر : لم يمتنع أن يمحوها ويكتب عليه السعادة والإيمان . وقرا قارئ عند عمر بن الخطاب :

( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) وعنده شاب فقال :

( اللهم عليها أقفالها ، ومفاتيحها بيدك لا يفتحها سواك ) ، فعرفها له عمر وزادته عنده خيرا . وكان عمر يقول في دعائه : ( اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ) ...

والمقصود : أنه مع الطبع والختم والقفل ، لو تعرض العبد أمكنه فك ذلك الختم والطابع وفتح ذلك القفل ؛ يفتحه من بيده مفاتيح كل شيء .

وأسباب الفتح مقدورة للعبد غير ممتنعة عليه ، وإن كان فك الختم وفتح القفل غير مقدور له ؛ كما أن شرب الدواء مقدور له ، وزوال العلة وحصول العافية غير مقدور ، فإذا استحكم به المرض وصار صفة لازمة له

لم يكن له عذر في تعاطي ما إليه من أسباب الشفاء ، وإن كان غير مقدور له

ولكن لما ألف العلة وساكنها ، ولم يحب زوالها ولا آثر ضدها عليها ، مع معرفته بما بينها وبين ضدها من التفاوت : فقد سد على نفسه باب الشفاء بالكلية ...

فإذا عرف الهدى فلم يحبه ولم يرض به ، وآثر عليه الضلال مع تكرار تعريفه منفعة هذا وخيره ، ومضرة هذا وشره : فقد سد على نفسه باب الهدى بالكلية .

فلو أنه في هذه الحال تعرض وافتقر إلى من بيده هداه ، وعلم أنه ليس إليه هدى نفسه ، وأنه إن لم يهده الله فهو ضال ، وسأل الله أن يُقبِل بقلبه ، وأن يقيه شر نفسه : وفَّقَه وهداه

بل لو علم الله منه كراهيةً لما هو عليه من الضلال ، وأنه مرض قاتل ، إن لم يشفه منه أهلكه : لكانت كراهته وبغضه إياه ، مع كونه مبتلي به

من أسباب الشفاء والهداية ؛ ولكن من أعظم أسباب الشقاء والضلال : محبته له ورضاه به ، وكراهته الهدى والحق .

فلو أن المطبوع على قلبه ، المختوم عليه ، كره ذلك ورغب إلى الله في فك ذلك عنه ، وفعل مقدوره

: لكان هداه أقرب شيء إليه ، ولكن إذا استحكم الطبع والختم حال بينه وبين كراهة ذلك ، وسؤال الرب فكه وفتح قلبه " . انتهى .

" شفاء العليل" ، لابن القيم (192-193) .

والله أعلم


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-20, 18:53
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل الفتور معصية ؟

السؤال

كيف نجمع بين قولنا : إذا لم يكن المسلم في زيادة فهو في نقصان ، وبين أن المسلم يفتر أوقاتا عن الطاعات ؟

وأيضا هل الفتور معصية ؟

وإذا مات وهو في فتور هل يعتبر كمن يعمل ويجتهد ثم يختم له بسوء ؟

الجواب

الحمد لله

الفتور هو الكسل والتراخي بعد الجد والنشاط ، ولا شك أنه من الآفات التي تعرض للنفس بين الحين والآخر ، سواء في شؤون الدين ، أم في شؤون الدنيا ، وذلك من طبيعتها التي خلقها الله تعالى عليها .

وكل مسلم – بل كل إنسان –

يجد ذلك في نفسه تراه مجتهدا في العبادة والتأدب بالأخلاق الحسنة وفي طلب العلم والدعوة إليه ، ثم بعدَ حينٍ يَدِب إليه الفتور ، فتضعف همته عن الخير الذي كان فيه إلى مغريات الكسل والراحة .

وكل امرئ بقدر فترته محاسب .

فمن أداه فتوره إلى ترك الفرائض والوقوع في المحرمات ، فهو على خطر عظيم ، وفتوره حينئذ معصية تستوجب الخوف من سوء الخاتمة نسأل الله العافية .

أما من كان فتوره في الفضائل والنوافل ، وهو مع ذلك محافظ على الفرائض والواجبات ، مجتنب للكبائر والمحرمات ، ولكن قلَّ نصاب الساعات التي كان يقضيها في طلب العلم مثلا

أو في قيام الليل ، أو في قراءة القرآن الكريم ، فمِثلُه يُرجَى له أن تكون فترته عَرضا زائلا ، وآفةً مؤقتة ، تنتهي بعد مدة قصيرة إن شاء الله ، ولكن تحتاج إلى شيء من السياسة الحكيمة في العلاج والمداواة .

وهذا هو معنى ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا

فَقَالَ : ( تِلْكَ ضَرَاوَةُ الْإِسْلَامِ وَشِرَّتُهُ ؛ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ ، فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ : فَلِأُمٍّ مَا هُوَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي :

فَذَلِكَ الْهَالِكُ ) رواه أحمد (2/165) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2850) .

قوله : ( فَلِأُمٍّ مَا هُوَ ) أي : قد رجع في فترته إلى أصل عظيم ، يعني : السنة ، أو : إنه ما زال على الصراط المستقيم ، ما دام متمسكاً بالكتاب والسنة ، وفي بعض الروايات : ( فقد أفلح ) .

يقول أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله :

" ومن عيوبها – أي النفس - فَتَرٌ فيها في حقوق كان يقوم بها قبل ذلك ، وأتم منه عيبا من لا يهتم بتقصيره وفترته

وأكثر من ذلك عيبا من لا يرى فترته وتقصيره ، ثم أكثر منه عيبا من يظن أنه متوفر [ يعني : مجتهد ] مع فترته وتقصيره ، وهذا من قلة شكره في وقت توفيقه للقيام بهذه الحقوق

فلما قل شكره أزيل عن مقام التوفر إلى مقام التقصير ، ويستر عليه نقصانه ، واستحسن قبايحه ، قال الله تعالى : ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ) .

والخلاص من ذلك داوم الالتجاء إلى الله تعالى ، وملازمة ذكره ، وقراءة كتابه

وتعظيم حرمة المسلمين ، وسؤال أولياء الله الدعاء له بالرد إلى الحالة الأولى ، لعل الله تعالى أن يمن عليه بأن يفتح عليه سبيل خدمته وطاعته "

انتهى "عيوب النفس" (ص/8) .

والمسلم القائم بحقوق الله تعالى ، المبتعد عن نواهيه ، هو على خير إن شاء الله تعالى ، وإن جاءه ملك الموت على ذلك الحال فليستبشر بفضل الله ورحمته ، ويكفيه أنه يحمل في قلبه كلمة التوحيد متحققا بها عمله أيضا .

وما ورد عن شقيق بن عبد الله رحمه الله قال : ( مَرِضَ عبدُ الله بن مسعود ، فعدناهُ ، فجعل يَبكي ، فعوتب ، فقال : إني لا أبكي لأجل المرض ، لأني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : المرض كفارة .

وإنما أبكي أنه أصابَني على حال فترة ، ولم يُصِبْني في حال اجتهاد ، لأنه يُكتَب لِلْعبد من الأجر إذا مَرِض ما كان يُكتب له قبل أن يَمرض فَمَنَعَهُ منه المرض " انتهى .

عزاه ابن الأثير في "جامع الأصول" لـ "رزين" .

فلا يفسر ذلك على أن الموت في حال الفتور يعني سوء الخاتمة ، وإنما هي رغبة في الكمال ، وحرص على أفضل الأحوال ، ولكن قد لا يتيسر لكل مسلم أن يموت على الحال التي يتمنى .

وعلى كل حال فقد بشر الله تعالى المؤمنين المقتصدين بالأجر والخير ، فقال سبحانه :

( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة/277

وقال عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأحقاف/13-14 .

قال ابن القيم رحمه الله : " فتخلل الفترات للسالكين أمرٌ لازمٌ لا بد منه ، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ، ولم تُخرجه من فرض ، ولم تدخله في محرَّم ، رُجي له أن يعود خيرا مما كان .

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه :

إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا ، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل ، وإن أدبرت فألزموها الفرائض . وفي هذه الفترات والغيوم والحجب التي تعرض للسالكين مِن الحِكَم ما لا يعلم تفصيله إلا الله ، وبها يتبين الصادق من الكاذب :

فالكاذب ينقلب على عقبيه ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه .

والصادق ينتظر الفرج ولا ييأس من روح الله ، ويُلقي نفسه بالباب طريحا ذليلا مسكينا مستكينا ، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه البتة

ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء وصانعه ما يصلح له ، لا بسبب من العبد - وإن كان هذا الافتقار من أعظم الأسباب - لكن ليس هو منك ، بل هو الذي مَنَّ عليك به ، وجرَّدَك منك ، وأخلاك عنك

وهو الذي يحول بين المرء وقلبه ، فإذا رأيته قد أقامك في هذا المقام فاعلم أنه يريد أن يرحمك ويملأ إناءك

فإن وضعت القلب في غير هذا الموضع فاعلم أنه قلبٌ مضيَّع ، فسل ربه ومن هو بين أصابعه أن يرده عليك ، ويجمع شملك به ، ولقد أحسن القائل :

إذا ما وضعت القلب في غير موضع ... بغير إناء فهو قلب مضيع "

انتهى "مدارج السالكين" (3/126) .

وليس ثمة تعارض بين تأخر منزلة مَن فَتَرَ عن الكمالات ، وبين تعرُّضِ المؤمنين للفتور ، من وجهين اثنين :

1- أن المؤمن الذي يكون فتوره إلى اقتصاد والتزام ، يرجى له أن يرجع بعده أنشط على الخير ، وأحرص على الأجر ، فيعوض ما فاته من درجات المعالي وأسباب الكمال .

2- أنه إن بقي بعد ذلك تفاوت بين المؤمنين بسبب فتور بعضهم وَهِمَّةِ آخرين ، فذلك فضل الله تعالى ، يفاضل به بين درجات المؤمنين في الجنة .

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : " إضاعة الوقت الصحيح يدعو إلى درك النقيصة ، إذ صاحب حفظه مترق على درجات الكمال ، فإذا أضاعه لم يقف موضعه ، بل ينزل إلى درجات من النقص

فإن لم يكن في تقدم فهو متأخر ولا بد ، فالعبد سائر لا واقف ، فإما إلى فوق ، وإما إلى أسفل ، إما إلى أمام ، وإما إلى وراء ، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة

ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي ، إلى الجنة أو إلى النار ، فمسرع ومبطئ ، ومتقدم ومتأخر ، وليس في الطريق واقف ألبتة ، وإنما يتخالفون في جهة المسير وفي السرعة والبطء

قال تعالى : ( إنها لإحدى الكبر . نذيرا للبشر . لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) ، ولم يذكر واقفا ، إذ لا منزل بين الجنة والنار

ولا طريق لسالك إلى غير الدارين ألبتة ، فمن لم يتقدم إلى هذه الأعمال الصالحة ، فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة .

فإن قلت : كل مُجِدٍّ في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور ثم ينهض إلى طلبه ؟

قلت : لا بد من ذلك ، ولكن صاحب الوقفة له حالان :

إما أن يقف ليجم نفسه ، ويعدها للسير : فهذا وقفته سير ، ولا تضره الوقفة ، فإن لكل عمل شرَّة ، ولكل شرَّة فترة .
وإما أن يقف لداع دعاه من ورائه ، وجاذب جذبه من خلفه ، فإن أجابه أخره ولا بد

فإن تداركه الله برحمته ، وأطلعه على سبق الركب له وعلى تأخره : نهض نهضة الغضبان الآسف على الانقطاع ، ووثب ، وجمز – أي : [ قفز ] ، واشتد سعيا ليلحق الركب .

وإن استمر مع داعي التأخر ، وأصغى إليه ، لم يُرض برده إلى حالته الأولى من الغفلة وإجابة داعي الهوى ، حتى يرده إلى أسوأ منها ، وأنزل دركا ، وهو بمنزلة النكسة الشديدة عقيب الإبلال من المرض

فإنها أخطر منه وأصعب .

وبالجملة : فإن تدارك الله سبحانه وتعالى هذا العبد بجذبة منه مِن يَدِ عدوِّه وتخليصه ، وإلا فهو في تأخر إلى الممات ، راجع القهقرى ، ناكص على عقيبه ، أو مُوَلٍّ ظهره ، ولا قوة إلا بالله ، والمعصوم من عصمه الله " انتهى .

"مدارج السالكين" (1/267-268) .

وانظر جواب السؤالين القادمين

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-20, 18:55
أسباب ضعف الإيمان

السؤال

لدي بعض المشاكل في إيماني بعض الأحيان ، أعلم بأنها من الشيطان ، هل يمكن أن تذكر لي بعض القصص التي تقوي إيماني ؟.

الجواب

الحمد لله

إن الإنسان قد تعتريه الغفلة فيضف إيمانه ، وعلاج ذلك الإكثار من الاستغفار والمداومة على ذكر الله ،

وقراءة القرآن بتدبر وحضور قلب مع العمل بما فيه ، فإن في ذلك جلاء للقلب من غفلته ، وإيقاظه من رقدته ، فالله الله بالإكثار من الصالحات .

ولضعف الإيمان أسباب منها :

أولا : الجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان لأن الإنسان إذا نقصت معرفته بأسماء الله وصفاته نقص إيمانه .

ثانيا : الإعراض عن التفكير في آيات الله الكونية والشرعية , فإن هذا يسبب نقص الإيمان , أو على الأقل ركوده وعدم نموه .

ثالثا : فعل المعصية فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب وعلى الإيمان ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) . الحديث رواه البخاري ( 2475 ) ومسلم ( 57 ) .

رابعا : ترك الطاعة فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان , لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر فهو نقص يلام عليه ويعاقب , وإن كانت الطاعة غير واجبة , أو واجبة لكن تركها بعذر فإنه نقص لا يلام عليه .

مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 1/52

ونوصيك أختي السائلة بالإكثار من قراءة القرآن وتدبر آياته ففيه شفاء لما في صدرك بإذن الله ، قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) الإسراء/ 82

كما نوصيك بتدبر قصص الأنبياء ، فالله أوردها في كتابه ليثبت بها فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وأفئدة المؤمنين معه

قال تعالى : ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) هود/120 .

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين .

*عبدالرحمن*
2018-12-20, 18:58
أسباب الفتور وعلاجه

السؤال

ما هو الحل الأمثل للفتور في الإيمان بعد أن كان الشخص يتقي الله ثم أصابه فتور بحيث لم يعد يستطيع أن يقرأ القرآن ؟.

الجواب

الحمد لله

للفتور أسباب لا بدَّ قبل العلاج من الوقوف عليها ومعرفتها . ومعرفتها من طرق وعلاج الفتور .

ومن هذه الأسباب : ضعف الصلة بالله تعالى ، والتكاسل في الطاعة والعبادة ، وصحبة ضعيفي الهمة ، والانشغال بالدنيا وملذاتها ، وعدم التفكر في نهاية الدنيا ويعقبه ضعف الاستعداد للقاء الله تعالى .

وأما كيفية علاج المسلم لما يصيبه من فتور في الطاعة والعبادة ، فيكون بعدة أمور منها :

1. توثيق الصلة بربه تعالى ، وذلك عن طريق قراءة القرآن قراءة تفكر وتدبر ، واستشعار عظمة الله تعالى من عظمة كتابه ، والتفكر في عظيم أسمائه وصفاته وأفعاله تعالى .

2. المداومة على النوافل والاستمرار عليها ، وإن كانت قليلة فمن أكثر أسباب إصابة المسلم بالفتور هو الاندفاع بالطاعة والإكثار منها في أول الطريق ، ولم يكن هذا هديه صلى الله عليه وسلم ولا وصيته لأمته

فقد وصفت عائشة رضي الله عنها عمله صلى الله عليه وسلم بأنه " ديمة " أي : دائم غير منقطع ، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ "

فإذا أراد المسلم أن لا يصاب بالفتور فليحرص على العمل القليل الدائم فهو خير من كثير منقطع .

3. الحرص على الصحبة الصالحة النشيطة

فصاحب الهمة يزيدك نشاطا ، والكسول لا يرضى بصحبة صاحب الهمة ، فابحث عن صحبة لها همم تسعى للحفظ وطلب العلم والدعوة إلى الله ، فمثل هؤلاء يحثونك على العبادة ويدلونك على الخير .

4. قراءة الكتب المتخصصة في سير أعلام أصحاب الهمة لتقف على نماذج صالحة في سيرك إلى الله ، ومن هذه الكتب " علو الهمة " للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم ، وكتاب " صلاح الأمة في علو الهمة " للشيخ سيد عفاني .

5. ونوصيك بالدعاء ، وخاصة في جوف الليل الآخر ، فما خاب من لجأ إلى ربه واستعان بمولاه ليثبته على الطاعة ويعينه على حسن أدائها .

ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-12-20, 19:02
أريد ما يقوي إيماني

السؤال

هل لك أن ترسل لي برسالة روحانية تقوي إيماني حيث أنني أصلي وأصوم وأؤدي أساسيات الإسلام ولكنني في نفس الوقت أشعر وكأني لا أفعل شيئاً ولا أناضل ولا أجاهد .

الجواب

الحمد لله

يوجد في هذا الموقع رسالة بعنوان " ظاهرة ضعف الإيمان " فيها بيان تام لما يعانيه كثير من الناس من ضعف الإيمان وبيان الأسباب والعلاج ، ولا مزيد عليها إن شاء الله فننصحك بقراءتها ، وهذا رابطها :

ظاهرة ضعف الإيمان

وهذه نصيحتان من كبار أهل العلم تضاف إلى ما سبق وتختصر لك المراد منك والمطلوب :

1. ننصحك أن تقرأ القرآن كثيراً ، وتكثر من الاستماع لتلاوته وتتدبر معاني ما تقرأ وما تسمع منه بقدر استطاعتك ، وما أشكل عليك فهمه فاسأل عنه أهلَ العلم ببلدك أو مكاتبة غيرهم من أهل العلم من علماء السنَّة .

وننصحك أيضاً بالإكثار من ذِكر الله بما ورد من الأذكار في الأحاديث الصحيحة مثل " لا إله إلا الله " ومثل " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ونحو ذلك

وارجع في ذلك إلى كتاب " الكلِم الطيب " لابن تيمية ، وكتاب " الوابل الصيِّب " لابن القيم ، وكتاب " رياض الصالحين " وكتاب " الأذكار النووية " للنووي وأمثالها .

فإنَّ ذِكر الله يزداد به الإيمان وتطمئن به القلوب ، قال الله تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب .

وحافظ على الصلاة والصيام وسائر أركان الإسلام مع رجاء رحمة الله ، والتوكل عليه في كل أمورك

قال الله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون . الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون .

أولئك هم المؤمنون حقّاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم .

" اللجنة الدائمة للإفتاء " ( 3 / 185 ، 186 ) .

2. الإيمان يزيد بطاعة الله ، وينقص بمعصيته ، فحافظ على ما أوجب الله من أداء الصلوات في وقتها جماعة في المساجد ، وأداء الزكاة طيبة بها نفسك طُهرة لك من الذنوب ورحمة بالفقراء والمساكين.

وجالس أهل الخير والصلاح ليكونوا عوناً لك على تطبيق الشريعة ، وليرشدوك إلى ما فيه السعادة في الدنيا والآخرة .

وجانب أهل البدع والمعاصي لئلا يفتنوك ويضعفوا عزيمة الخير فيك .

وأكثِر مِن فِعل نوافل الخير ، والْجأ إلى الله ، واسأله التوفيق .

إنك إن فعلتَ ذلك : زادك الله إيماناً ، وأدركتَ ما فاتك من المعروف ، وزادك الله إحساناً واستقامة على جادة الإسلام .

" اللجنة الدائمة للإفتاء " ( 3 / 187 ) .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-09-25, 18:20
اخوة الاسلام

و نجاء الي ختام ما تم الحصول عليه بعد بحث

و يبقي مالديكم من استفسارات تحفزني لمزيد من البحث

و اخيرا

اسالكم الدعاء بظهر الغيب

ashko
2019-09-26, 13:53
شكرا لك اخي

Zoubir03
2019-10-25, 17:20
اخي الكريم

في البدايه اشكر حضرتك علي الحضور الطيب مثلك

والذي لمست فيه خوفك وحرصك علي مصلحه اخيك المسلم

واقول

يا ليتنا نستطيع ان نتفرغ لتعلم الاساسيات لديننا الحنيف ونتمسك بها

لتحقيق الهدف الحقيقي من الحياه