المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حد الرده


*عبدالرحمن*
2018-10-25, 14:50
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


تقدم

الحدود والتعزيرات الإسلامية (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2165322)

حد القذف (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2165442)

حكم الردة في الإسلام

أجمع المسلمون وجمهور العلماء وأئمة المذاهب الأربعة على أنّ حكم المرتد هو القتل، لورود هذا الحكم صريحاً في الأحاديث النبوية

^ أ ب " عقوبة المرتد وضوابطها"، إسلام ويب، 2-5-2006، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2018. بتصرّف.

ومنها حديث: (من بدل دينَة فاقتلوه)

? رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3017، صحيح.

ولا يُحكم على المرتد بالرّدة إلّا من قبل القضاء الشرعي، ولا يقوم بتنفيذ الحكم إلّا ولي أمر المسلمين، ولا يحكم عليه بالردة إلّا إذا اجتمعت فيه الشروط التي توجب ذلك الحكم

وإذا توفرت هذه الشروط فإنَّ المرتد ّيستتاب ثلاثة أيام، مع محاولة إقناعه ومجادلته بالتي هي أحسن ليعود إلى الإسلام، فإن لم يتب ويرجع فإنّه يقتل

كما ذهب بعض أهل العلم إلى تأجيل تنفيذ حدّ الردة على المرتد إذا رُجيت توبته.

تعريف الردة

الردة لغة هو الرجوع عن الشيء إلى غيره، وصرف الشيء بذاته

أما المرتد هو الراجع

أما اصطلاحاً فإنَّ الردة هي رجوع الشخص عن دينه

أي أن يقطع إسلامه طوعاً بنية الكفر، ويكون ذلك بنية، أو بقول، أو اعتقاد، أو فعل، أو شك، يوجبون الكفر، سواء كان القول بطريقة استهزاء، أم عناد، أم اعتقاد

ولا تصحّ الردة إلا من عاقل، وهو محلّ اتفاق علماء أهل السنة والجماعة، فالطفل، والمجنون، ومن ذهب عقله لحادث كمرض، أو إغماء، أو نوم، ونحوه فلا تصح ردّته

? "تعريف الردة"، الدرر السنية ، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2018. بتصرّف.

أقسام الردة

للردة أقسام هي

? علي محمد سلمان العبيدي (22-6-2014)، "الردة وأقسامها"، شبكة الألوكة ، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2018. بتصرّف.

الردة بالقول:

تكون إذا سبّ المسلم الله تعالى، أو نبيه صلى الله عليه وسلم، أو سبّ أحداً من الرسل الكرام، أو الملائكة، أو ادعى النبوة، أو صدّق من يدعيها، أو دعا غير الله، أو استعان واستعاذ بغيره سبحانه، بما لا يقدر عليه إلا الله.

الردة بالفعل:

كأن يسجد المسلم لغير الله، أو يذبح لغيره، أو أن يلقي المصحف في مكان لا يليق به كالمواطن القذرة، أو يتعلّم السحر ويعمل به، أو أن يحكم بغير ما أنزل الله. الردة بالاعتقاد: كأن يعتقد الشرك بالله تعالى

أو ينكر حرمة الزنا والخمر، ووجوب الصلاة، أو ينكر ما أجمع العلماء والأمة قطعاً على حلّه أو حرمته أو وجوبه.

الردة بالشك:

كأن يشك المسلم في حرمة الشرك، أو حرمة الزنا والخمر، أو حلّ شيء ما، أو أن يشك في نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام ورسالته، وغيره.

الردة بالترك:

كأن يترك الصلاة عمداً.

وبعد أيها القارئ الكريم

فهذه جملة من التوضيحات التي ذكرها
أهل العلم نسوقها إليك

عسى الله أن ينفعنا وإياكم بها

>>>>>>

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 14:57
هل صح عدم إقامة الحد على المرتد في عصر النبوة، وأن عمر كان يرى الاكتفاء بسجنهم فقط؟

السؤال

هل صحيح أن هناك من ارتد عن الإسلام فى عهد الرسول ، ولم يأمر الرسول بقتله ، وأن أحاديثه لقتلهم كانت فقط بسبب بعض المشاكل السياسة ، حيث كان المرتدون يحاولون زعزعة الدولة ؟

وهل صحيح أن سيدنا عمر بن الخطاب غير حد الردة من القتل إلى السجن ؟

وكيف أقنع المرتد بالعدول عن الردة ؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل المرتد إذا ثبتت ردته.

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ

إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ ) رواه البخاري (6878) ومسلم (1676).

وعَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَرَّقَ قَوْمًا، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ:

( لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ. وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) رواه البخاري (3017) .

قال الترمذي رحمه الله ، بعد روايته لهذا الحديث (1458): " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ فِي المُرْتَدِّ " انتهى.

وقال ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى:

" وفقه هذا الحديث، أن من ارتد عن دينه حل دمه، وضربت عنقه، والأمة مجتمعة على ذلك، وإنما اختلفوا في استتابته "

انتهى. "التمهيد" (5 / 306).

ثانيا :

أمّا، هل هناك من ارتد في عهد النبوة وأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعاقبه؟

فإن كان المقصود، أن هذا المرتد بقي بين أظهر المسلمين يغدو ويروح ، مظهرا لردته، ولم يقتل: فهذا لم يقع قط .

لكن هناك من ارتد وفارق المسلمين ولحق بالكفار، فمن هؤلاء من لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم لعدم التمكن منهم؛ ومن ذلك:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ( كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ

فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه أبو داود (4358)، والحاكم في "المستدرك" (2 / 356 - 357) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ " ووافقه الذهبي.

وقد بيّنت رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاره بسبب أنه جاء تائبا من ردته ، ورجع إلى الإسلام ، وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم .

وأما من قُدِر عليه فقد عوقب بالقتل :

عَنْ البَرَاءِ، قَالَ: ( مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ لِوَاءٌ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ ؛ أَنْ آتِيَهُ بِرَأْسِهِ) .

رواه الترمذي (1362) وقال: " حَدِيثُ البَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ"، وصححه الألباني في "ارواء الغليل"(8 / 18).

قال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى:

" سألت أبي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن رجلا تزوج امرأة أبيه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، وأخذ ماله ).

قال أبي: نرى ، والله أعلم : أن ذلك منه على الاستحلال، فأمر بقتله بمنزلة المرتد، وأخذ ماله ؟

قال أبي: وكذلك المرتد : لا يرثه أهله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يرث المسلم الكافر ). "

انتهى. "مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله" (ص 351 - 352).

وعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: ( ... اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى، أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، إِلَى اليَمَنِ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً، قَالَ: انْزِلْ، فَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ، قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ

قَالَ: اجْلِسْ، قَالَ: لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (ثَلاَثَ مَرَّاتٍ). فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ... ) رواه البخاري (6923) ومسلم (1733).

وينظر للفائدة جواب السؤال الاسئلة الثلاثة القادمه

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 14:58
ثالثا:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ( لَمَّا نَزَلْنَا عَلَى تُسْتَرَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ، وَفِي قُدُومِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ عُمَرُ: يَا أَنَسُ! مَا فَعَلَ الرَّهْطُ السِّتَّةُ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ فَلَحِقُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟

قَالَ: فَأَخَذْتُ بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ لِيَشْغَلَهُ عَنْهُمْ، قَالَ: مَا فَعَلَ الرَّهْطُ السِّتَّةُ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ فَلَحِقُوا بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قُتِلُوا فِي الْمَعْرَكَةِ، قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ

وَهَلْ كَانَ سَبِيلُهُمْ إِلَّا الْقَتْلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَعْرِضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَوَا اسْتَوْدَعْتُهُمُ السِّجْنَ )

رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (17 / 135 - 136)، وعبد الرزاق في "المصنف" (10 / 165 - 166)، وحسنه الألباني في "التعليقات الرضية" (3 / 342).

وهذا الأثر، لا يدل على أن عمر رضي الله عنه كان لا يرى قتل المرتد، فقد نقل أهل العلم اتفاق السلف على قتل المرتد، ولم يذكروا أن عمر خالف في ذلك، وإنما غاية ما نقلوا عنه أنه كان يرى استتابة المرتد والتأنّي به قبل قتله.

وقد ورد عنه الأمر بقتل المرتد

فقد روى عبد الرزاق في "المصنف" (10 / 168 - 169) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: ( أَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَكَتَبَ فِيهِمْ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:

أَنْ اعْرِضْ عَلَيْهِمْ دِينَ الْحَقِّ، وَشَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ قَبِلُوهَا فَخَلِّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَاقْتُلْهُمْ، فَقَبِلَهَا بَعْضُهُمْ فَتَرَكَهُ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا بَعْضُهُمْ فَقَتَلَهُ).

ولهذا قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى عن رواية السجن تلك:

" يعني استودعتهم السجن حتى يتوبوا، فإن لم يتوبوا قتلوا، هذا لا يجوز غيره؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه، فاضربوا عنقه) "

انتهى، من "الاستذكار" (22 / 142).

رابعا:

الذي يرتد -نسأل الله تعالى السلامة والعافية- إما أن يكون دافعه شهوات أو شبهات.

فإن كانت ردته بسبب الشهوات، فالذي ينبغي هو أن تتعاهده بالنصح وتحذيره من عاقبة ذلك في الدنيا والآخرة، ولا تيأس من حاله.

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الأعراف (164).

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" وقالوا لهم: ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ) كأنهم يقولون: لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم الله، ولم يصغ للنصيح، بل استمر على اعتدائه وطغيانه، فإنه لا بد أن يعاقبهم الله، إما بهلاك أو عذاب شديد.

فقال الواعظون: نعظهم وننهاهم ( مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ) أي: لنعذر فيهم.

( وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أي: يتركون ما هم فيه من المعصية، فلا نيأس من هدايتهم، فربما نجع فيهم الوعظ، وأثر فيهم اللوم.

وهذا المقصود الأعظم من إنكار المنكر : ليكون معذرة، وإقامة حجة على المأمور المنهي، ولعل الله أن يهديه فيعمل بمقتضى ذلك الأمر والنهي " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 306 - 307).

وأما إذا كانت ردته بسبب الشبهات، فالذي ينبغي هو أن ترشده إلى ما يزيل شبهته، إما بمناقشته – إن كان المناقش له من أهل العلم – وإما بإيصاله إلى أهل العلم

وإما بإرشاده إلى بعض الكتب أو المقالات أو التسجيلات التي ترد على شبهته .

ومن لم يكن من أهل العلم ، ولا هو على معرفة بطرق الجدال ، وشبهات المرتدين والملاحدة ونحوهم : فلا يحل له أن يخوض غمار الجدال معهم ، ولا استتابتهم ، ولا الاستماع إلى شبهاتهم

فإنه ربما علق بقلبه شيء من ذلك ، ولم يكن عنده من العلم ما يدفعه به ، والقلوب ضعيفة ، والشبه خطافة . نسأل الله العافية والسلامة .

وكما هو معلوم لكل مسلم فإن الهداية بيد الله تعالى، فادع الله له بإخلاص أن يهديه تعالى إلى الحق ويثبته عليه وأن يلهمه رشده.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 15:01
هل تطبيق عقوبة المرتد خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم؟

السؤال

استمعت لعالم قال إن عقوبة القتل للردة كانت مقتصرة على زمان النبي صلى الله عليه وسلم فقط ، وأنها لا تطبق على من ارتد في زماننا هذا .

وقال إنها طبقت على اليهود الذين قالوا ندخل الإسلام ثم نتركه لنضعفه. فما قولكم في هذا؟

الجواب

الحمد لله

عقوبة قتل المرتد ثابتة بالنصوص الصريحة الصحيحة التي لا مجال لإنكارها

إلا أن كثيراً من المنهزمين فكرياً من أبناء هذه الأمة يحاولون التنصل من هذا الحكم الشرعي الصريح ، وإيجاد المبررات التي قد تبدو منطقية ومقبولة لدى الغرب .

ومن ذلك زعم بعضهم : أن قتل المرتد إنما شُرع رداً على سياسة اليهود الذين أرادوا زعزعة هذا الدين والتشكيك فيه عن طريق الدخول في الإسلام ثم الخروج منه

مما يورث شبهة وشكاً عند أتباعه ، وليس هو حكماً عاماً يشمل كل من خرج من دين الإسلام .

وعضدوا قولهم هذا بما أخبر الله عنه من سياسة اليهود : (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) آل عمران/72 .

وهذا القول باطل ، لا نعلم أحداً قاله من علماء الإسلام وفقهائه المعتبرين ، وليس في النصوص الشرعية ما يؤيده أو يدل عليه .

وليس في الآية المذكورة دليل على أن عقوبة المرتد (وهي القتل) كان بسبب هؤلاء اليهود ، ولا أنها خاصة بهم أو بزمن الرسول صلى الله عليه وسلم .

وقصارى ما في الآية الإخبار عن مكيدة يهودية أرادوا بها أن يلبسوا على الضعفاء من الناس ، بأن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين ، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم

ليقول الناس : إنما رَدّهم إلى دينهم اطّلاعهُم على نقيصة وعيب في دين المسلمين.

ينظر : "تفسير ابن كثير" (2/59) .

وليس في هذه الآية ولا غيرها من النصوص الشرعية ما يدل أو يشير إلى أن مشروعية قتل المرتد كان بسبب هذه المؤامرة ، فضلا ًعلى أن تكون خاصة بهم .

ومن الأدلة على بطلان هذا القول :

أولا : عموم قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري (2794) .

و"مَنْ" اسم شرط ، ومن المقرر عند علماء الأصول أن اسم الشرط يفيد العموم ، فهذا الحكم عام في كل من ارتد عن دين الإسلام في كل زمان ومكان

ومن رام تخصيصه في زمن معين فيلزمه الدليل الشرعي الواضح على هذا التخصيص .

ثانياً : جريان عمل الأمة الإسلامية على تطبيق "عقوبة الردة" من بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم في العصور كافةً من غير نكير من أحد من أهل العلم .

فقاتل أبو بكر المرتدين عن دين الإسلام ، وتبعه الصحابة على ذلك ولم يخالفه منهم أحد .

وأمر عمر بن الخطاب بقتل جماعة من المرتدين كما رواه عبد الرزاق في " المصنف" (10/168) عن عبد الله بن عتبة قال : أخذ ابن مسعود قوماً ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق ، فكتب فيهم إلى عمر .

فكتب إليه : (أن اعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله ، فإن قبلوها فخل عنهم ، وإن لم يقبلوها فاقتلهم) .

فقبلها بعضهم فتركه ، ولم يقبلها بعضهم فقتله .

وكذلك قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه جماعة من المرتدين ، وأقره على قتلهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري (6922) .

وفي " المصنف" لعبد الرزاق (10/170)

عن أبي عمرو الشيباني : أن المستورد العجلي تنصر بعد إسلامه ، فبعث به عتبة بن فرقد إلى علي ، فاستتابه فلم يتب ، فقتله .

وقتل أبو موسى الأشعري ومعاذ رضي الله عنهما يهودياً أسلم ثم ارتد .

ففي البخاري (7157) ومسلم (1824) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ ، فَأَتَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى ، فَقَالَ : مَا لِهَذَا؟

قَالَ: أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ .

قَالَ معاذ : لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ ، قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وحوادث قتل المرتين وشواهده في التاريخ كثيرة جداً ، لا يمكن حصرها .

ثالثاً : لم يقل أحد من علماء الإسلام في تاريخ هذه الأمة على مدار أربعة عشر قرناً أن "عقوبة المرتد " خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم

فكيف يخفى الحق في هذه المسألة الهامة على علماء الأمة على مدار هذه الأزمان حتى يأتي في هذا الزمن من يبينه لهم !!.

قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى

: " وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ , وَمُعَاذٍ , وَأَبِي مُوسَى , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَخَالِدٍ , وَغَيْرِهِمْ , وَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ , فَكَانَ إجْمَاعًا ".

انتهى " المغني" (9/16) .

والردة ليست مجرد موقف عقلي ، بل هي تغيير للولاء ، وتبديل للهوية ، وتحويل للانتماء ، فالمرتد ينقل ولاءه ، وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى

فهو يخلع نفسه من أمة الإسلام التي كان عضواً في جسدها ، وينضم بعقله وقلبه وإرادته إلى خصومها .

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) ، رواه البخاري (6878) ، ومسلم (1676) .

فكلمة (المفارق للجماعة) وصف كاشف ؛ لأن كل مرتد عن دينه هو مفارق للجماعة .

وإن التهاون في عقوبة المرتد يعرض المجتمع كله للخطر ، ويفتح عليه باب فتنة لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه وتعالى ، فلا يلبث المرتد أن يغرر بغيره ، وخصوصاً الضعفاء والبسطاء من الناس .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 15:06
ما الفرق بين المنافق والمرتد؟

وما حكم كل منهما؟

السؤال

من فضلك : اشرح لي بالتفصيل الفرق بين المنافق والمرتد؟

وكيف يكون المرء منافقا أو مرتدا ؟

وما حكم الدين تجاه كل واحد من هؤلاء.؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام .

والمنافقون هم المقصودون بقول الله تعالى : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) البقرة/8 .

قال الجرجاني رحمه الله :

"المنافق هو الذي يضمر الكفر اعتقادا ويظهر الإيمان قولا" انتهى .

"التعريفات" (ص / 298) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"المنافق هو الذي خرج من الإيمان باطنا بعد دخوله فيه ظاهرا" انتهى .

"مجموع الفتاوى" (7 / 300) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" المنافق هو الذي يظهر أنه مسلم ، ولكن قلبه كافر - والعياذ بالله -" انتهى .

"شرح رياض الصالحين" (ص 1145) .

وهو أشد خطرا على الإسلام والمسلمين من الكافر المعلن بكفره ؛ ولهذا كان في الدرك الأسفل من النار ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) النساء/145 .

قال السعدي رحمه الله :

"يخبر تعالى عن مآل المنافقين أنهم في أسفل الدركات من العذاب ، وأشر الحالات من العقاب . فهم تحت سائر الكفار ؛ لأنهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله

وزادوا عليهم المكر والخديعة والتمكن من كثير من أنواع العداوة للمؤمنين ، على وجه لا يشعر به ولا يحس ، ورتبوا على ذلك جريان أحكام الإسلام عليهم ، واستحقاق ما لا يستحقونه

فبذلك ونحوه استحقوا أشد العذاب" انتهى .

"تفسير السعدي" (ص 211) .

أما المرتد : فهو من كفر بعد إسلامه .

فمن كان مسلما ثم أشرك بالله أو جحده أو نفى صفة ثابتة من صفاته أو ادعى أن لله الولد فهو مرتد كافر .

وكذلك من جحد القرآن كله أو بعضه ، ولو كلمة منه ، أو اعتقد كذب النبي صلى الله عليه وسلم في بعض ما جاء به ، أو اعتقد حل شيء مجمع على تحريمه كالزنا وشرب الخمر

أو أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة ، أو استهزأ بالله أو آياته أو رسوله أو أحكام دينه ، فهو مرتد كافر .

جاء في الموسوعة الفقهية (42/350) :

"الرِّدَّةُ : هِيَ كُفْرُ الْمُسْلِمِ بِقَوْلٍ صَرِيحٍ ، أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ ، أَوْ هِيَ : قَطْعُ الإِسْلاَمِ بِنِيَّةِ الْكُفْرِ ، أَوْ قَوْل الْكُفْرِ ، أَوْ فِعْلٍ مُكَفِّرٍ ، سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً ، أَمْ عِنَادًا ، أَمِ اعْتِقَادًا ، وَالرِّدَّةُ أَفْحَشُ الْكُفْرِ وَأَغْلَظُهُ حُكْمًا" .

وقال ابن قدامة رحمه الله :

"الْمُرْتَدُّ : هُوَ الرَّاجِعُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إلَى الْكُفْرِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) .

وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ" انتهى .

"المغني" (9/16) .

أما حكم المنافق والمرتد في الآخرة ، فحكمهما واحد ، وهو الخلود الأبدي في النار ، وذلك إذا لم يتوبا من النفاق والردة .

أما حكمهما في الدنيا ، فالمنافق تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة ، ما لم يعلن بكفره ويظهره ، أو يُعلم منه ببينة ، فهذا يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ردةً .

جاء في "الموسوعة الفقهية" (41 / 20) :

" يُجْرَى عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَحْكَامُ الإِسْلاَمِ الظَّاهِرَةُ ، مَا دَامَ كُفْرُهمْ مَخْفِيًّا غَيْرَ مُعْلَنٍ ، وَكَانُوا يُظْهِرُونَ الإِسْلاَمَ ؛ لأِنَّ كُفْرَهُمْ مَظْنُونٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ ، وَيُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّاتِهِمْ .

أَمَّا مَنْ يُعْلَمُ نِفَاقُهُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْكَافِرِ الْمُرْتَدِّ " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"من كان مظهرا للإسلام فإنه تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة : من المناكحة والموارثة وتغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ونحو ذلك

لكن من علم منه النفاق والزندقة فإنه لا يجوز لمن علم ذلك منه الصلاة عليه ، وإن كان مظهرا للإسلام" انتهى .

"مجموع الفتاوى" (24 / 285) .

وقال أيضا :

"والمنافقون في الدرك الأسفل من النار ، وإن كانوا في الدنيا مسلمين ظاهرا تجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (7 / 352) .

أما المرتد : فإنه يقتل إن لم يتب من ردته .

جاء في "الموسوعة الفقهية" (42/197) :

"اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِ تُهْدِرُ دَمَهُ ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لاَ يَحِل دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُول اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي

وَالْمُفَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ) رواه البخاري (6878) ومسلم (1676) ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) رواه البخاري (3017) .

وَيَقْتُلُهُ الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ " انتهى .

وإذا ارتد بسبب شبهة عرضت له فينبغي أن يحاور وتزال عنه الشبهة وتقام عليه الحجة قبل قتله.

قال في "فتح القدير" – فقه حنفي – (6/68) :

"وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ كُشِفَتْ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عَسَاهُ اعْتَرَتْهُ شُبْهَةٌ فَتُزَاحُ ، وَفِيهِ دَفْعُ شَرِّهِ بِأَحْسَنِ الْأَمْرَيْنِ ، وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ" انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 15:14
لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين ؟

السؤال

لدي اشكالية حول المنافقين ، كيف تركهم الرسول صلى الله عليه و سلم يطعنون في الدين ، ولم يقم عليهم حد الردة ؟

لماذا لم يعاملهم معاملة الجواسيس بما أن لهم اتصالات مع الأعداء ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

النفاق : هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر .

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى :

" ( النفاق ) وما تصرف منه اسما وفعلا ، وهو اسم إسلامي ، لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به ، وهو الذي يستر كفره ويظهر إيمانه ، وإن كان أصله في اللغة معروفا " .

انتهى من " النهاية " (5 / 98)
.
والأصل في الشرع أن مجرد إظهار الشخص للإسلام كاف لجريان أحكام الإسلام عليه ومنها عصمة دمه ، ويكتفى بما يُظْهره وتوكل سريرته إلى الله تعالى .

كما ورد في حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ في قصة الرّجل الذي اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المال وقال له : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اتَّقِ اللَّهَ ! " فقَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ

أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ ، قَالَ: ( لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي ) ، فَقَالَ خَالِدٌ : وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) رواه البخاري (4351) ، ومسلم (1064) .

وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: " بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ ، فَصَبَّحْنَا الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا ، فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ ؟ ) ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ ، قَالَ: ( أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا ؟

)فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ " رواه البخاري (6872) ، ومسلم (96) واللفظ له .

قال النووي رحمه الله تعالى :

" وقوله صلى الله عليه وسلم أفلا شققت عن قلبه فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر "

انتهى من " شرح صحيح مسلم " (2 / 107) .

لكن في المقابل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنّ من ارتد وأظهر الكفر بعد إظهاره الإسلام أنه يقتل .
ومن هنا يظهر الإشكال :

فإنّ من المنافقين من أظهر النطق بالكفر وناصر الكفار وراسلهم بذلك وتمنى انهزام الإسلام وأهله ، كما حكى القرآن عنهم ذلك .

قال الله تعالى :

( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) التوبة /65 -66 .

وقال الله تعالى :

( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ) المنافقون /2 – 3.

وقال الله تعالى :

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) الحشر/11 .

ومع هذا لم يثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عاقبهم ؟!

ولحلّ هذا الإشكال : علينا أن نعلم أن أهل العلم اختلفوا في قتل المنافق إذا أعلن توبته بعد ظهور نفاقه .

القول الأول :

أن المنافق إذا أعلن التوبة بعد ظهور نفاقه فإنّ توبته تقبل على ظاهرها ولا يقتل .

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى :

" واختلفوا في الزنديق [يعني : المنافق] يُظهر عليه ، هل يستتاب أم يقتل ، ولا يقبل منه الرجوع ؟

فقالت طائفة : تقبل توبته إن تاب ، ويقتل إن لم يتب ، يُروى هذا القول عن علي بن أبي طالب ، وبه قال عبيد الله بن الحسن ، والشافعي .

قال أبو بكر – أي ابن المنذر - : كما قال الشافعي أقول . وقد احتج بقول الله تعالى في المنافقين : ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) قال : وهذا يدل على أن إظهار الإيمان جُنّة – أي وقاية - من القتل "

انتهى من " الإشراف على مذاهب العلماء " (8 / 64) .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 15:14
فمن ذهب من أهل العلم إلى هذا القول ، قالوا : بأن هؤلاء المنافقين كانوا يسارعون إلى إظهار التوبة بعد كل افتضاح لأمرهم

ويقسمون بأغلظ الأيمان ليرضى عنهم النبي صلى الله عليهم وسلم ومن معه ، كما قصّ الله تعالى لنا حالهم في الآيات التي سبق ذكرها .

القول الثاني : أن المنافق إذا ظهر نفاقه لا يستتاب ، بل يقتل .

وهؤلاء لمّا سئلوا عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين وعدم قتلهم أو عقابهم على كفرهم الذي ظهر منهم ، أجابوا بأحد جوابين :

الجواب الأول :

أنّ المنافقين وإِنْ عُلِم حالهم بالوحي ، أو ظهرت بعض أمارات نفاقهم : إلّا أنه لم تظهر للناس البينة الشرعية التي بها تقام الحدود الشرعية ، كالإقرار أو اكتمال نصاب شهادة الشهود .

فرأوا أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين تدل ـ أيضا ـ على أنّ القاضي لا يحكم بمجرد علمه ، بل لا بدّ من بينة ظاهرة يحتكم إليها .

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :

" ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه في حد ولا غيره ، لا فيما علمه قبل الولاية ولا بعدها . هذا قول شريح ، والشعبي ، ومالك ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، ومحمد بن الحسن . وهو أحد قولي الشافعي .
..
وقال أبو حنيفة : ما كان من حقوق الله ، لا يحكم فيه بعلمه ؛ لأنّ حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة والمسامحة ...
ولنا

قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه )

. فدل على أنه إنما يقضي بما يسمع، لا بما يعلم . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قضية الحضرمي والكندي: ( شاهداك أو يمينه ، ليس لك منه إلا ذاك ) ..
.
ولأن تجويز القضاء بعلمه يفضي إلى تهمته ، والحكم بما اشتهى ، ويحيله على علمه " .

انتهى من " المغني " (14 / 31 - 33) .

وانظر " الاستذكار " لابن عبد البر ( 6 / 335 – 336) .

الجواب الثاني :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ترك عقابهم لمصلحة تأليف القلوب ، وإخماد الفتن ولعدم تنفير الناس عن الإسلام .
عن جَابِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قال : " ... قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا

لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلاَ نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الخَبِيثَ ؟ لِعَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ) " رواه البخاري (3518) ، ومسلم (2584) .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

" والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له : ألا تقتلهم ؟ ، لم يقل : ما قامت عليهم بينة ، بل قال: ( لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) .

فالجواب الصحيح إذن : أنه كان في ترك قتلهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة تتضمن تأليف القلوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجمع كلمة الناس عليه

وكان في قتلهم تنفير، والإسلام بعد في غربة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص شيء على تأليف الناس ، وأترك شيء لما ينفرهم عن الدخول في طاعته "

انتهى من في زاد المعاد ( 3 / 497 ).

ويستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن كلا الجوابين صحيح ، وأن كل جواب منهما كان ينطبق على بعض المنافقين

فقال رحمه الله :

" فإن قيل : فلم لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بنفاق بعضهم وقبل علانيتهم ؟

قلنا: إنما ذاك لوجهين:

أحدهما: أن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة ، بل كانوا يظهرون الإسلام ، ونفاقهم يعرف تارة بالكلمة يسمعها منهم الرجل المؤمن

فينقلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيحلفون بالله أنهم ما قالوها ، أو لا يحلفون .

وتارة بما يظهر من تأخرهم عن الصلاة والجهاد ، واستثقالهم للزكاة ، وظهور الكراهية منهم لكثير من أحكام الله ، وعامتهم يعرفون في لحن القول...

ثم جميع هؤلاء المنافقين يظهرون الإسلام ، ويحلفون أنهم مسلمون، وقد اتخذوا أيمانهم جنة .

وإذا كانت هذه حالهم : فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم الحدود بعلمه ، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي ، ولا بالدلائل والشواهد ، حتى يثبت الموجب للحد

ببينة أو إقرار ... فكان ترك قتلهم ، مع كونهم كفارا : لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية ...

الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر مما في استبقائهم ، وقد بين ذلك حيث قال: ( لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) ...

وأن يخاف من يريد الدخول في الإسلام أن يُقتل مع إظهاره الإسلام كما قُتل غيرُه .

وقد كان أيضا يغضب لقتل بعضهم قبيلتُه ، وناس آخرون ، ويكون ذلك سببا للفتنة ، واعتبر ذلك بما جرى في قصة عبد الله بن أبي لما عرّض سعد بن معاذ بقتله

خاصم له أناس صالحون وأخذتهم الحمية ، حتى سكَّتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( القصة رواها البخاري 4141 ، ومسلم 2770 ) . وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استأذنه عمر في قتل ابن أبيّ .

قال أصحابنا : ونحن الآن إذا خفنا مثل ذلك كففنا عن القتل .

فحاصله : أن الحد لم يقم على واحد بعينه ، لعدم ظهوره بالحجة الشرعية التي يعلمه بها الخاص والعام ، أو لعدم إمكان إقامته ، إلا مع تنفير أقوام عن الدخول في الإسلام ، وارتداد آخرين عنه

وإظهار قوم من الحرب والفتنة ما يربى فساده على فساد ترك قتل منافق ، وهذان المعنيان حكمهما باق إلى يومنا هذا "

انتهى من "الصارم المسلول" (3 / 673 – 681).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 15:19
بعض أحكام الردة والمرتدين

السؤال

أنا مسرور لأني وصلت إلى موقعك هذا ، وقد ولدت مسلماً وتلقيت الكثير من التعليم الإسلامي بعد بلوغي ، وأحاول استيعاب وفهم أمور ديني .

وقد قرأت في بعض إجابتك المتعلقة بموضوع الردة أن عقوبة المرتد القتل ، لكني قرأت في أحد المواقع في الانترنت أن المرتد الذي يقتل هو الذي يتخذ موقفاً محارباً للدين . وأنا أميل إلى الرأي الثاني أكثر .

والسبب في ذلك أن لي اصدقاء ولدوا من عائلات إسلامية ويتسمون بأسماء إسلامية لكن بعضهم لا يعرف كيف يتوضأ وكيف يصلي ولكنهم يعرفون الشهادتين .

فهل يمكن أن نعتبر هؤلاء مرتدين ونقتلهم ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

على المسلم أن لا يميل إلى قول دون قول لمجرد موافقة القول لهواه أو لعقله ، بل لا بد أن يأخذ الحكم بدليله من الكتاب والسنة ، ولا بد أن يقدِّم نصوص الشريعة وأحكامها على كل شيء مما عداها .

ثانيا :

الردة والخروج من الإسلام قد تكون بالقلب أو اللسان أو العمل .

فقد تكون الردة بالقلب كتكذيب الله تعالى ، أو اعتقاد وجود خالق مع الله عز وجل ، أو بغض الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم .

وقد تكون الردة قولاً باللسان كسبِّ الله تعالى أو رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وقد تقع الردة بعمل ظاهر من أعمال الجوارح كالسجود للصنم ، أو إهانة المصحف ، أو ترك الصلاة .

والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في الرد على الاتحادية الباطنية - :

"ومعلوم أن التتار الكفار خير من هؤلاء فإن هؤلاء مرتدون عن الإسلام من أقبح أهل الردة ، والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة" اهـ .

مجموع الفتاوى " ( 2 / 193 ) .

ثالثاً :

ليس كل مسلم وقع في الكفر يكون كافرا مرتداً ، فهناك أعذار قد يعذر بها المسلم ولا يحكم بكفره ، منها :

الجهل ، والتأويل ، والإكراه ، الخطأ .

أما الأول : فهو أن يكون الرجل جاهلاً لحكم الله تعالى ، بسبب بعده عن ديار الإسلام كالذي ينشأ في البادية أو في ديار الكفر أو أن يكون حديث عهد بجاهلية

وقد يدخل في هؤلاء كثير من المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات يغلب فيها الجهل ، ويقل العلم ، وهم الذي استشكل السائل الحكم بتكفيرهم وقتلهم .

والثاني : هو أن يفسر الرجل حكم الله تعالى على غير مراد الشرع ، كمن قلد أهل البدع فيما تأولوه كالمرجئة والمعتزلة والخوارج ونحوهم .

والثالث : كما لو تسلط ظالم بعذابه على رجل من المسلمين فلا يخلي سبيله حتى يصرح بالكفر بلسانه ليدفع عنه العذاب ، ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان .

والرابع : ما يسبق على اللسان من لفظ الكفر دون قصد له .

وليس كل واحدٍ ممن جهل الوضوء والصلاة يمكن أن يكون معذوراً وهو يرى المسلمين يقومون بالصلاة ويؤدونها ، ثم هو يقرأ ويسمع آيات الصلاة ، فما الذي يمنعه من أدائها أو السؤال عن كيفيتها وشروطها ؟ .

رابعاً :

المرتد لا يقتل مباشرة بعد وقوعه في الردة ، لا سيما إذا كانت ردته بسبب شبهة حصلت له ، بل يستتاب ويعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وتزال شبهته إن كان عنده شبهة فإن أصر على الكفر بعد ذلك قتل .

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/18) :

المرتد لا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاثًا . هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; مِنْهُمْ عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَعَطَاءٌ , وَالنَّخَعِيُّ , وَمَالِكٌ , وَالثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . . .

. لأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِشُبْهَةٍ , وَلا تَزُولُ فِي الْحَالِ , فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِي فِيهَا , وَأَوْلَى ذَلِكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ اهـ .

وقد دلت السنة الصحيحة على وجوب قتل المرتد .

روى البخاري (6922) عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) .

وروى البخاري ( 6484 ) ومسلم ( 1676 ) عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله

وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .

وعموم هذه الأحاديث يدل على وجب قتل المرتد سواء كان محاربا أو غير محارب .

والقول بأن المرتد الذي يقتل هو المحارب للدين فقط مخالف لهذه الأحاديث ، وقد جعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السبب في قتله هو ردته لا محاربته للدين .

ولا شك أن بعض أنواع الردة أقبح من بعض ، وأن ردة المحارب أقبح من ردة غيره ، ولذلك فرّق بعض العلماء بينهما ، فلم يوجب استتابة المحارب ولا قبول توبته

بل يقتل ولو تاب ، وأما غير المحارب فتقبل توبته ولا يقتل . وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

قال رحمه الله :

الردة على قسمين : ردة مجردة ، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها ، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها ؛ والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمّ القسمين

بل إنما تدل على القسم الأول – أي : الردة المجردة - ، كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد ، فيبقى القسم الثاني – أي: الردة المغلظة - وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه

ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه ، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي ، فانقطع الإلحاق

والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه ، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرّق بين أنواع المرتدين ....

" الصارم المسلول " ( 3 / 696 ) .

والحلاّج من أشهر الزنادقة الذين تمّ قتلهم دون استتابة ، قال القاضي عياض :

وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهيــة والقول بالحلول ، وقوله : " أنا الحق " مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته .

" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ( 2 / 1091 ) .

وعليه : فيتبين خطأ ما قاله الأخ السائل من كون المرتد لا يقتل إلا إن كان محارباً للدين ، والتفريق الذي ذكرناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية لعله أن يزيل الإشكال ويوضح المراد .

والمحاربة للدين ليست قاصرة على محاربة السلاح فقط ، بل المحاربة تكون باللسان كسب الإسلام أو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوالطعن في القرآن ونحو ذلك . بل قد تكون المحاربة باللسان أشد من المحاربة بالسلاح في بعض الصور .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

المحاربة نوعان : محاربة باليد ، ومحاربة باللسان ، والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد - كما تقدم تقريره في المسألة الاولى -

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يَقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد ، خصوصاً محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فإنها إنما تمكن باللسان

وكذلك الإفساد قد يكون باليد ، وقد يكون باللسان ، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد ، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد

فثبت أن محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باللسان أشد ، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد .

" الصارم المسلول " ( 3 / 735 ) .

خامساً :

وأما ترك الصلاة : فالصحيح أن تاركها كافر مرتد .

والله أعلم .

اخوة الاسلام

وقد تم ذكر

لماذا يُقتل المرتد عن الإسلام

ولماذا يقتل من كفر بعد إسلامه ؟

في الحدود و التعزيزات في مقدمه الحدود

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 15:27
الحكم بالإسلام بمجرد الادعاء والانتساب .

السؤال

ما مقصود الفقهاء بأن الرجل يكون مسلما بالإدعاء والانتساب ، أرجو التفصيل .

الجواب

الحمد لله

الطريق لإثبات الإسلام لشخص ما؛ يكون إما بتصريحه بدخول الإسلام ، أو بنطقه الشهادة، والالتزام بمضمونها، أو بأن يُرى وهو يقوم بأركان الإسلام كالصلاة.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (4 / 266):

" ما يصير به الكافر مسلما:

ذكر الفقهاء أن هناك طرقا ثلاثة يحكم بها على كون الشخص مسلما وهي: النص - والتبعية - والدلالة.

أما النص فهو أن يأتي بالشهادتين صريحا.

وأما التبعية فهي أن يأخذ التابع حكم المتبوع في الإسلام، كما يتبع ابن الكافر الصغير أباه إذا أسلم مثلا، وسيأتي الكلام عليها مستوفى.

وأما طريق الدلالة فهي سلوك طريق الفعل للدخول في الإسلام " انتهى.

والإسلام بالنص أو بالتصريح؛ الأصل فيه أن يكون بالنطق بكلمة التوحيد، واظهار الالتزام بها.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ رواه البخاري (25) ، ومسلم (22).

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا،

فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ رواه البخاري (392).

لكن الشخص ربما يصرح بادّعاء الإسلام والانستاب إليه؛ كأن يقول أنا مسلم ؛ أو أنه من المسلمين ؛ فإنه يحكم بإسلامه ، ولو لم يُسْمَع منه النطق بالشهادتين .

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" وإن قال: أنا مؤمن، أو أنا مسلم. فقال القاضي: يحكم بإسلامه بهذا، وإن لم يلفظ بالشهادتين؛ لأنهما اسمان لشيء معلوم معروف ، وهو الشهادتان، فإذا أخبر عن نفسه بما تضمن الشهادتين؛ كان مخبرا بهما "

انتهى، من "المغني" (12 / 289).

وروي هذا عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى:

" قال الخلال: حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا مهنا، قال: سألت أحمد عن رجل من أهل الذمّة يهودي أو نصراني أو غير ذلك من الأديان يقول: أنا مسلم ، وإن محمدًا نبي؟

قال: هو مسلم، ثم قال: أما أنا فكنت أجبره على الإسلام.

وقال: عجبًا لأبي حنيفة ، بلغني عنه أنه يقول: لا يكون مسلمًا حتى يقول أنا بريء من الكفر الذي كنت فيه، وإلَّا فلا يكون مسلمًا ، ولا يجبر على الإسلام حتى يقول: وإني بريء من الكفر "

انتهى، من "الجامع لعلوم الإمام أحمد" (4 / 172).

وجاء في "الاختيار لتعليل المختار" في الفقه الحنفي (4 / 150):

" ولو قال: أنا مسلم كان أبو حنيفة يقول: لا يكون مسلما حتى يتبرأ، ثم رجع وقال: ذلك إسلام منه " انتهى.

ويستدل لهذا بحديث عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: " كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِى عُقَيْلٍ ، فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ

وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! فَأَتَاهُ ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي؟ وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟

فَقَالَ، إِعْظَامًا لِذَلِكَ : أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ .

ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! يَا مُحَمَّدُ! وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ .

قَالَ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ ... رواه مسلم (1641).

وأخرج النسائي في "السنن الكبرى" (9 / 11 - 12) تحت باب "قَوْلُ الْمُشْرِكِ: إِنِّي مُسْلِمٌ" عن عُقْبَة بْن مَالِكٍ، قَالَ:

" بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَغَارَتْ عَلَى قَوْمٍ فَشَذَّ مِنَ الْقَوْمِ رَجُلٌ، فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ السَّرِيَّةِ ، مَعَهُ السَّيْفُ شَاهِرُهُ ، فَقَالَ الشَّاذُّ من الْقَوْم: إِنِّي مُسْلِمٌ.

فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَى مَا قَالَ، فَضَرَبَهُ، فَقَتَلَهُ .

فَنُمِيَ الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا ...

قَالَ الْقَاتِلُ: وَاللهِ مَا كَانَ الَّذِي قَالَ إِلَّا تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ ...

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ أَبَى عَلَيَّ الَّذِي قَتَلَ مُؤْمِنًا. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ورواه الإمام أحمد في "المسند" (28 / 221)، وصححه محققو المسند.

وروى أبو داود في "السنن" (2652) عَنْ فُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَكَانَ عَيْنًا لِأَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ حَلِيفًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَمَرَّ بِحَلَقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ يَقُولُ: إِنِّى مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْكُمْ رِجَالًا نَكِلُهُمْ إِلَى إِيمَانِهِمْ، مِنْهُمْ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (4 / 276).

وكذا؛ إذا كان الشخص مجهول الحال ، وادعى أنه مسلم؛ فإن هذه الدعوى تُصدّق.

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 15:28
قال الخطابي رحمه الله تعالى:

" إذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه، وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا منه خلاف ذلك "

انتهى، من "معالم السنن" (1 / 223).

وهذا كله أخذا بظاهر الحال، من غير تنقيب عن سريرته فهذه حكمها إلى الله تعالى.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" وفي هذا من الفقه باب عظيم، وهو أن الأحكام تناط بالمظان والظواهر، لا على القطع واطلاع السرائر "

انتهى، من "تفسير القرطبي" (7 / 51).

ثانيا:

المنتسب إلى الإسلام إذا ارتكب شيئا من المكفرات ونواقض الإسلام، واجتمعت فيه شروط التكفير، فمثل هذا لا ينفعه الانتساب إلى الإسلام، وهو يباشر شيئا من نواقض الإسلام ويصر عليه.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :

" وقد أجمع العلماء على أن من أتى بناقض من نواقض الإسلام : يحكم عليه بذلك الناقض وإن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وإن صلى وصام؛ لأن هذه الشهادة تنفع إذا أدى حقها، أما إذا ضيع حقها لم تنفع قائلها، والله المستعان."

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (1 / 52).

والله أعلم.

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 12:49
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

شك أنه فعل كفرا في الماضي فهل يلزمه الإتيان بالشهادتين؟

السؤال

قال لي رجل : "إذا الإنسان علم حكم مسألة ما أنها كفر ، وشك أنها ربما حصلت منه في الماضي ، أي أصبح عنده أحتمال هل حصلت منه أم لم تحصل فيتشهد فورا للإحتياط

وأيضا من عنده شك أي احتمال بأنه ربما صدر منه قول كفري في الماضي أو أعتقاد كفري أو لفظ بعبارة تحمل أكثر من معنى ومنها معنى كفري ، ولم يعرف هل هو قصد المعنى الكفري أم لم يقصده لكنه ليس متأكدا

هنا يتوجب عليه في هذه الحالة أن يتشهد للإحتياط فورا ، وليس المقصود بالشك الوسوسة المعروفة ، ولا الخواطر، فلذا ﻣﻦ شك ﻓﻲ ﻭﻗﻮﻋﻪ ﻓﻲ ﺍﻟكفر يجب ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟتشهد ﻓﻮﺭﺍً ؛ ﻷﻧﻪ بذلك يكون قد شك في إسلام نفسه

فإن شك فهل هو الآن مسلم أم كافر ، ﺃﻱ ﺻﺎﺭ عنده ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻧﻪ ﺍﻵﻥ ﻛﺎﻓﺮ ، ﻭهذا معلوم أنه يجب عليه أن ينطق بالشهادتين فورا ، سواء كان ذلك الشك ضعيفا أم قويا ؛ لأنه كله يدخل تحت مسمى الشك

أما الخواطر والوسوسة التي لم تصل إلى حد الشك فليس لها هذا الحكم ، وهذا حكم الشاك في إسلام نفسه منصوص عليه في كتب الحنفية ، وغيرهم ، وأنه يجب عليه النطق بالشهادتين

فمن قال لا يجب عليه أن ينطق بالشهادتين يكون قد رضي له أن يبقى على احتمال الكفر ، فلذا يكفر من يقول هذا ؛ لأن الرضا بالكفر كفر ، وهذه المسألة مجمع عليها ، معلومة علما ظاهرا

فتدخل تحت قاعدة من أنكر ما علم من الدين بالضرورة ". فهل هذا صحيح ؟

وهل حقا أن من عنده شك أو أحتمال في نفسه ، أي هل هو الآن كافر أم مسلم يجب عليه التشهد فورا للإحتياط ؟ وهل هذا الكلام مذكور في كتب الحنفية وغيرهم ؟

الجواب

الحمد لله

من ثبت إسلامه بيقين، لم يخرج منه بالشك ، ومن علم حكم مسألة أنها كفر، وشك هل حصلت منه في الماضي أم لا، فلا عبرة بالشك، والأصل عدم الفعل.

وعليه فلا يلزمه الإتيان بالشهادتين، والإلزام بذلك : يفتح باب الوسوسة ، فكلما علم حكم قول أو فعل، نظر هل احتمل أنه قاله أو فعله ، فيتشهد!

ولا صحة لما ذكره محدثك من أن عدم الأمر بالشهادتين هنا يعني الرضا بالكفر، فهذا كله تخليط لا قيمة له ، وهذا أسوأ من المسألة الأولى؛ لما يترتب عليه من تكفير من لم يشك، بل تكفير مسلم لأنه لم يأمر غيره بالشهادتين.

ويجب الحذر من هؤلاء الذي يتعاملون مع مسائل الإيمان والكفر كما يتعاملون مع مسائل الرياضيات، ويفرعون كثيرا من الأحكام على مقدمات لم تثبت أصلا.

ومستند عدم الأمر بالشهادتين: أن الوجوب يحتاج إلى دليل، وهذا المسلم يُستصحب في حقه حكم الإسلام، ولا يلتفت للشك الطارئ عليه.

وما لم تثبت الردة، فإنه لا يؤمر بالشهادتين.

وفي " الكافي في فقه الإمام أحمد " (4 / 62):

" وإن ارتد بجحد فرض ، أو استحلال محرم ، لم يصح إسلامه حتى يرجع عما اعتقده ، ويعيد الشهادتين " انتهى.

وفي " المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل " (2 / 168)

: " وتوبة المرتد وكل كافر : إسلامه ، بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إلا من كان كفره بجحد فرض ، أو تحريم ، أو تحليل

أو نبي ، أو كتاب ، أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب ، فتوبته مع الشهادتين : إقراره بالمجحود به " انتهى.

ولم نقف على ما ذكرت عند الحنفية، والأصح عندهم أن الرضا بكفر الغير لا يكون كفرا.

قال ابن عابدين في حاشيته على "البحر الرائق" (5/ 133)

: " قال في التتارخانية وفي النصاب: الأصح : أنه لا يكفر بالرضا بكفر الغير ، وفي غرر المعاني : لا خلاف بين مشايخنا أن الأمر بالكفر كفر.

وفي شرح السيرتان: الرضا بكفر الغير : إنما يكون كفرا ، إذا كان يستخف الكفر ويستحسنه ، أما إذا أحب الموت ، أو القتل على الكفر ، لمن كان شديدا مؤذيا بطبعه ، حتى ينتقم الله تعالى منه : فهذا لا يكون كفرا.

وقد عثرنا على رواية أبي حنيفة : أن الرضا بكفر الغير : كفر ، من غير تفصيل " انتهى.

والواجب الحذر من الوسوسة ، ولو ظهرت لغيرها في صورة البحث واليقين ، والحرص على قواعد الإيمان ،

ودفع الشك ؛ فما ذكر في السؤال : لا يعدو أن يكون فتحا لباب الوساوس ، وخطرات السوء ، وتطريق الشك والتكفير لعموم المؤمين ، وهو باب خطير ، وداء وبيل .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 12:52
ردة من ترك قذرا على مصحف ولم يزله مع القدرة

السؤال

يقول الشيخ عليش المالكي ـ رحمه الله ـ في "منح الجليل" شارحا أنواع الردة : " وَمِثْلُ إلْقَائِهِ (أي القرآن) تَلْطِيخُهُ بِهِ (أي بقذر) ، أَوْ تَرْكُهُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهِ

لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاء اهـ ". هل هذا الكلام صحيح ؟

ﻷن المرء قد ﻻ يقوم بإزالة القذر عن المصحف ، غير ممتهن ، وﻻ مستخف ، وهو منكر بقلبه ، كما دل عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده

فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان )

الجواب

الحمد لله

من وجد قذرا على مصحف، وجب عليه أن يزيله، فإن تركه مع القدرة على إزالته كان حكمه حكم الفاعل.

وما نص عليه عليش رحمه الله ، نص عليه غيره.

قال الدردير رحمه الله:

"(أو فعل يتضمنه) ، أي يقتضي الكفر ويستلزمه استلزاما بيِّنا ؛ (كإلقاء مصحف بقذر) ، ولو طاهرا ، كبصاق ، أو تلطيخه به .

والمراد بالمصحف : ما فيه قرآن ، ولو كلمة .

ومثل ذلك تركه به ، أي عدم رفعه ، إن وجده به ؛ لأن الدوام كالابتداء ، فأراد بالفعل ما يشمل الترك" انتهى.

وقال الدسوقي في حاشيته عليه (4/ 301):

"(قوله: ومثل ذلك) أي مثل إلقاء المصحف في القذر، في كونه ردة : تركه - أي المصحف - به ، أي بالقذر .

(قوله: إن وجده به) : أي : وحينئذ فيجب ، ولو على الجنب ، رفعه منه" انتهى.

وإذا كان منكرا بقلبه ، فما الذي يمنعه من إزالة القذر وتعظيم القرآن ، مع القدرة على ذلك؟!

فإن كان عاجزا كما لو كان أسيرا مقيدا مثلا، والمصحف بيد كافر يمتهنه ، فهذا معذور.

وينظر للفائدة: جواب السؤال القادم

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 12:56
ترك المصحف ليحترق في منزله ، ويتهم الجاني بذلك ؟

السؤال

مجموعة أشخاص قاموا بحرق بيت ، وفي البيت بعض نسخ القرآن ، وما علموا بالقرآن ، ولكن صاحب البيت أخرج بعض أوراق ومواد مهمة بالنسبة إليه

وترك القرآن ليحترق ، وفعل هذا حتى يتهم الأشخاص بالكفر ، فيعيبوهم بذلك .

فهل هذا الرجل آثم بذلك ؟

وهل هذا من باب إحراق القرآن بنفسه ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

إلقاء المصحف في النجس أو القذر ، أو إحراقه امتهانا واستخفافا بحرمته : كفر باتفاق أهل العلم .

جاء في "الموسوعة الفقهية" (2/ 123) :

" الْمُصْحَفَ الصَّالِحَ لِلْقِرَاءَةِ لاَ يُحْرَقُ، لِحُرْمَتِهِ ، وَإِذَا أُحْرِقَ امْتِهَانًا يَكُونُ كُفْرًا عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ .

أَمَّا كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهَا فَقَال الْمَالِكِيَّةُ : إِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الاِسْتِخْفَافِ فَإِحْرَاقُهَا كُفْرٌ مِثْل الْقُرْآنِ

وَأَيْضًا أَسْمَاءُ اللَّهِ وَأَسْمَاءُ الأْنْبِيَاءِ الْمَقْرُونَةِ بِمَا يَدُل عَلَى ذَلِكَ مِثْل : " عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " لاَ مُطْلَقُ الأْسْمَاءِ " انتهى .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" إذا حرقه كارها له ، سابا له ، مبغضا له ، فهذا منكر عظيم وردة عن الإسلام ، وهكذا لو قعد عليه ، أو وطئ عليه برجله إهانة له ، أو لطخه بالنجاسة ، أو سبه وسب من تكلم به

فهذا كفر أكبر وردة عن الإسلام والعياذ بالله "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (ص 85) .

ثانياً:

ترك المصحف في القذر ، أو تركه ليحترق ، مع القدرة على صيانته من ذلك : محرم ، لا شك في تحريمه ؛ بل حكمه في ذلك حكم من فعله ؛ لأنه مأمور بصيانته وإكرامه ، ولم يفعل ، مع القدرة عليه .

جاء في "شرح الدردير على مختصر خليل" :

" (بَابٌ فِي الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا) (الرِّدَّةُ كُفْرُ الْمُسْلِمِ) ... (بِصَرِيحٍ) مِنْ الْقَوْلِ ... (أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ) ؛ أَيْ : يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَيَسْتَلْزِمُهُ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا ؛ (كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ) ، وَلَوْ طَاهِرًا كَبُصَاقٍ أَوْ تَلْطِيخِهِ بِهِ ...

وَمِثْلُ ذَلِكَ تَرْكُهُ بِهِ ؛ أَيْ : عَدَمُ رَفْعِهِ إنْ وَجَدَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ ، فَأَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ التَّرْكَ .. " .

" وَمِثْلُ هَذَا مَنْ رَأَى وَرَقَةٌ مَكْتُوبَةٌ مَطْرُوحَةٌ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا كُتِبَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُهَا مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ لِتُوطَأَ بِالْأَقْدَامِ ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا آيَةً أَوْ حَدِيثًا وَتَرَكَهَا كَانَ ذَلِكَ رِدَّةً " .

وقال الدسوقي في حاشيته على الموضع السابق :

" أَيْ مِثْلِ إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَذَرِ فِي كَوْنِهِ رِدَّةً تَرَكَهُ أَيْ الْمُصْحَفَ بِهِ أَيْ بِالْقَذَرِ (قَوْلُهُ : إنْ وَجَدَهُ بِهِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ وَلَوْ عَلَى الْجُنُبِ رَفْعُهُ مِنْهُ " .

انتهى من "الدردير وحاشية الدسوقي" (4/301) .

وقال الشيخ عليش ـ في كتابة البسملة على الأرض ،

للتعليم : " وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِنِسْيَانِهِ فَيُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ وَالنِّعَالِ وَتُلْقَى عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَالْقَذَرُ وَلِكِتَابَةِ الصِّبْيَانِ ذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ وَتَرْكِهِ فَيُوطَأُ وَوَسِيلَةُ الْحَرَامِ مُحَرَّمَةٌ " (5/295) شاملة .

ثالثا :

إذا ظهر من حال هذا التارك عدم قصد الامتهان والاستخفاف بالمصحف ، إنما فعله لغرض آخر ، كالذي ذكر في السؤال من قصده الكيد لغيره

أو الانتقام منه ؛ فمع تحريم حرق المصحف ، إلا لمن قصد صونه عن الامتهان ، فإن من فعل ذلك لا يكفر به .

قال الدردير ، بعد الموضع السابق :

" وَحَرْقُ مَا ذُكِرَ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ صِيَانَتِهِ فَلَا ضَرَرَ بَلْ رُبَّمَا وَجَبَ وَكَذَا كُتُبُ الْفِقْهِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ بِالشَّرِيعَةِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا " .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/ 123) :

" قَال الشَّافِعِيَّةُ: الْخَشَبَةُ الْمَنْقُوشُ عَلَيْهَا قُرْآنٌ فِي حَرْقِهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : يُكْرَهُ حَرْقُهَا لِحَاجَةِ الطَّبْخِ مَثَلاً ، وَإِنْ قُصِدَ بِحَرْقِهَا إِحْرَازُهَا لَمْ يُكْرَهْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَرْقُ لِحَاجَةٍ

وَإِنَّمَا فَعَلَهُ عَبَثًا فَيَحْرُمُ ، وَإِنْ قَصَدَ الاِمْتِهَانَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَكْفُرُ " انتهى .

والخلاصة : أن الظاهر من حال هذا الذي ترك المصحف ليحترق ، ويظهر شناعة فعل هذا المعتدي ، الظاهر من حاله أنه لا يكفر بمجرد ذلك ، وإن كان وقع في أمر محرم منكر .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 13:03
إذا ارتد بتحليل الزنا ثم اعتقد تحريمه فهل يشترط أن يصرح بذلك

السؤال

يوجد شخص قال أمام الناس : أن الزنا حلال ، وهو يعلم أنه حرام ، وقال ذلك متعمدا ، ومعتقدا أن الزنا حلال ، لكن هذا الشخص بعد فترة فقط نطق بالشهادتين معتقدا بقلبه أن الزنا حرام .

وأسئلتي هي : 1-هل ذلك الشخص أصبح مسلما حقيقيا ، ولا يخلد في جهنم بمجرد نطقه بالشهادتين ، مع الأعتقاد بقلبه أن الزنا حرام ؟

2-هل ذلك الشخص لا يصبح مسلما حتى يقر لفظا باللسان بأن الزنا حرام ؟

3-هل ذلك الشخص لا يصبح مسلما حتى يقر أمام الناس بأن الزنا حرام ؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

استحلال المحرمات المجمع عليها، كالزنا وشرب الخمر: كفر وردة عن الإسلام.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه : كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/ 267).

ثانيا:

يتعلق بهذه الردة حكمان: ظاهر وباطن.

أما الظاهر، أي الحكم عليه بين الناس، فإنه لا يعود إلى الإسلام إلا بالنطق بالشهادتين، والتصريح بتحريم الزنا، وإلا فإنهم يستمرون في الحكم عليه بالردة.

قال في "كشاف القناع" (6/ 178): " وتوبة المرتد : إسلامه .

(و) توبة (كل كافر، موحدا كان) ، أي مقرا لله بالوحدانية (كاليهودي

أو غير موحد كالنصراني والمجوسي وعبدة الأوثان إسلامه : أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) .... وَهَذَا يَثْبُتُ بِهِ إسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ ؛ فَكَذَا الْمُرْتَدُّ ..

(لكن إن كانت ردته) أي المرتد (بإنكار فرض أو إحلال محرم أو جحد نبي أو) جحد (كتاب أو) جحد (شيء منه

أو) كانت ردته (إلى دين من يعتقد أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى العرب خاصة: فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده) ، إذا كانت ردته باعتبار أن محمدا بعث إلى العرب خاصة

فلا بد وأن (يشهد بأن محمدا) - صلى الله عليه وسلم - (بعث إلى العالمين) ؛ أي الإنس والجن ..

ولا بد أن يقول مع ذلك : كلمة الشهادتين ، ولا يكفي فيه مجرد إقراره بما جحده" انتهى.

فيجب على من وقع في هذا : أن يصرح بتحريم الزنا أمام من سمع تحليله له، ليزول عنه حكم الردة في الظاهر، ويعصم ماله ودمه .

فإن بقاء حكم الردة له في الظاهر : يعني إباحة دمه وماله، وتحريم مناكحته ، وأكل ذبيحته، وأنه إذا مات لم يصل عليه ، ولم يدفن في مدافن المسلمين .

فالواجب أن يبادر بإعلان توبته وعودته للإسلام، فينطق بالشهادتين، ويصرح أن الزنا حرام.

وأما في الباطن ، وهو الحكم فيما بينه وبين الله ؛ فإنه إن أتى بالشهادتين، واعتقد تحريم الزنا، وتحققت فيه شروط التوبة الخمس، فقد عاد إلى الإيمان، ولو لم يتلفظ بلسانه ويقول إن الزنا حرام.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"فإذا تاب الإنسان من أي ردة كانت ، توبةً نصوحاً ، استوفت شروط التوبة الخمسة ، فإن الله يقبل توبته .

وشروط التوبة الخمسة هي:

الشرط الأول :

الإخلاص لله بتوبته ، بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة ، أو خوفاً من مخلوق ، أو رجاء لأمر يناله من الدنيا ، فإذا أخلص توبته لله

وصار الحامل له عليها تقوى الله عز وجل ، والخوف من عقابه ، ورجاء ثوابه : فقد أخلص لله تعالى فيها.

الشرط الثاني :

أن يندم على ما فعل من الذنب ، بحيث يجد في نفسه حسرة وحزناً على ما مضى ، ويراه أمراً كبيراً يجب عليه أن يتخلص منه .

الشرط الثالث

: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه ؛ فإن كان ذنبه تَرْكَ واجبٍ : قام بفعله وتَدَارَكَه إن أمكن ، وإن كان ذنبُه بإتيانِ محرمٍ : أقلع عنه ، وابتعد عنه .

ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بالمخلوقين : فإنه يؤدي إليهم حقوقهم ، أو يستحلهم منها.

الشرط الرابع

: العزم على أن لا يعود في المستقبل ، بأن يكون في قلبه عزم مؤكد ألا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها.

الشرط الخامس :

أن تكون التوبة في وقت القبول ، فإن كانت بعد فوات وقت القبول : لم تقبل . وفوات وقت القبول : عام وخاص :

أما العام ؛ فإنه طلوع الشمس من مغربها ، فالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل

لقول الله تعالى : ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) الأنعام/158 .

وأما الخاص ؛ فهو حضور الأجل ، فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع لقول الله تعالى : ( وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) النساء/18 .

أقول : إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب - ولو كان ذلك سب الدين - فإن توبته تقبل ، إذا استوفت الشروط التي ذكرناها"

انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/ 152).

فلو فرض أنه فعل ذلك ، ومات ؛ فإنه يموت مؤمنا فيما بينه وبين الله .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 13:09
إذا سب الله ثم صلى ومات هل يحكم بإسلامه ؟

السؤال

سبَّ الله ، وبعدها صلى ، ثم مات ، فهل هو كافر ؟

وهو كان يعلم أن سب الله كفر ، ولكن كان يسب الله دون قصد أثناء الغضب .

الجواب

الحمد لله

أولا:

سب الله تعالى كفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء .

قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة / 65 - 66.

قال الإمام إسحاق بن راهوية رحمه الله:

" قد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل ، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئا أنزله الله، أو قتل نبيا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر" .

نقله ابن تيمية ، في "الصارم المسلول"، (ص/9) .

وأما كونه حال الغضب : فليس عذرا ، ما لم يصل به الغضب إلى حال الإغلاق التام ، كحال المجنون ، الذي لا يدري فيه ما يقول.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب ، ولو كان ذلك سب الدين؛ فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها .

ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة ، ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها ، لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره .

فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب ، نقول له: إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ما تقول ، ولا تدري حينئذ أنت في سماء أم في أرض ، وتكلمت بكلام لا تستحضره

ولا تعرفه ؛ فإن هذا الكلام : لا حكم له ، ولا يحكم عليك بالردة؛ لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد .

وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد : فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به ، يقول الله تعالى في الأيمان: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (24/ 2).

ثانيا:

إذا تاب الساب قبلت توبته في الدنيا والآخرة، على الراجح، فلا يقتل.

ثالثا :

من ارتد بسبه لله تعالى فإنه لا يكفيه النطق بالشهادتين ، أو الصلاة للرجوع إلى الإسلام ، بل لابد مع ذلك من الإقلاع عن ذلك الجرم العظيم الذي فعله ، والندم على ذلك ، والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى .

فبهذا تثبت توبته ، ورجوعه إلى الإسلام .

قال الخرقي : "وَمَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ ، فَقَالَ : مَا كَفَرْت . فَإِنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، لَمْ يُكْشَفْ عَنْ شَيْءٍ" .

قال ابن قدامة في شرح كلام الخرقي في "المغني" (12/286- 289) :

"إذَا ثَبَتَتْ رِدَّتُهُ بِالْبَيِّنَةِ ، أَوْ غَيْرِهَا ، فَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ : لَمْ يُكْشَفْ عَنْ صِحَّةِ مَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ ، وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ ، وَلَا يُكَلَّفُ الْإِقْرَارَ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ

لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

وَلِأَنَّ هَذَا يَثْبُتُ بِهِ إسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَكَذَلِكَ إسْلَامُ الْمُرْتَدِّ ، وَلَا حَاجَةَ مَعَ ثُبُوتِ إسْلَامِهِ إلَى الْكَشْفِ عَنْ صِحَّةِ رِدَّتِهِ .

وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ الْوَحْدَانِيَّةِ ، أَوْ جَحْدِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ جَحْدِهِمَا مَعًا .

فَأَمَّا مَنْ كَفَرَ بِغَيْرِ هَذَا ، فَلَا يَحْصُلُ إسْلَامُهُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ بِمَا جَحَدَهُ .

وَمَنْ أَقَرَّ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مَبْعُوثًا إلَى الْعَالَمِينَ : لَا يَثْبُتُ إسْلَامُهُ حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ، أَوْ يَتَبَرَّأَ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ .

وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ مَبْعُوثٍ بَعْدُ غَيْرِ هَذَا ، لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ بِأَنَّ هَذَا الْمَبْعُوثَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ ، احْتَمَلَ أَنَّهُ أَرَادَ مَا اعْتَقَدَهُ .

وَإِنْ ارْتَدَّ بِجُحُودِ فَرْضٍ ، لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ ، وَيُعِيدَ الشَّهَادَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِمَا اعْتَقَدَهُ .

وَكَذَلِكَ إنْ جَحَدَ نَبِيًّا ، أَوْ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ كِتَابًا مِنْ كُتُبِهِ ، أَوْ مَلَكًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ ، أَوْ اسْتَبَاحَ مُحَرَّمًا فَلَا بُدَّ فِي إسْلَامِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِمَا جَحَدَهُ" انتهى.

فثبت بهذا أن من سب الله تعالى لا يعود إلى الإسلام إلا بتوبته من هذا السب ، ولا يكفي في هذا نطقه بالشهادتين ولا الصلاة .

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (1/412) :

" س : إذا نقض المسلم إسلامه، وبعد مدة قليلة استغفر ربه. فهل في هذه الحالة يشترط عليه أن يجدد توبته ويقول الشهادتين؟

الجواب :

توبة المرتد على حسب حاله، فإن كان بفعل شيء محرم يوجب الردة، فبتركه مع الندم على ما مضى منه

والعزم الصادق أن لا يعود فيه، وإن كان بترك شيء واجب فبفعله مع الندم على ما مضى، والعزم الصادق أن لا يعود فيه، وإن كان بقول شيء

فتوبته بترك ذلك مع الندم على ما مضى منه، والعزم الصادق أن لا يعود فيه.

فتارك الصلاة توبته بفعلها مع الندم على ما مضى منه، والعزم الصادق أن لا يعود فيه، والمستبيح لفعل المحرمات المجمع على تحريمها، والمعلوم من الدين بالضرورة، توبته باعتقاد تحريمها

مع الندم على ما مضى منه، والعزم الصادق أن لا يعود فيه، وتوبة من يدعو غير الله من الأموات وغيرهم يكون بترك ذلك وإخلاص العبادة لله تعالى

مع الندم على ما مضى منه والعزم الصادق أن لا يعود فيه.وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " .

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

"ما حكم من سب الدين، أو سب الرب في إحدى الساعات، ولما حان وقت الصلاة توضأ وصلى الفريضة، فهل أداء الفريضة في ذلك الوقت يعتبر بمثابة إعلان التوبة؟ " .

فأجاب :

" سب الدين ، وسب الرب : ردة عظمى، ردة عظمى عن الإسلام - نعوذ بالله - .

فالواجب على من فعل ذلك أن يبادر بالتوبة، والندم ، والإقلاع .

ولا تكفي الصلاة، فعل الصلاة : ما يكفي ؛ بل لابد من توبةٍ صادقة ، وندم على ما وقع منه، وعزم صادق أن لا يعود في ذلك، لأنه جريمة عظيمة

فلا يجوز له أن يتساهل في هذا الأمر، بل يجب أن يبادر بالتوبة، وحقيقتها الندم على الماضي منه، الندم الحقيقي ، والحزن على ما وقع منه، والعزم الصادق أن لا يعود في ذلك .

وقبل أن يفعل هذا صلاته غير صحيحة ؛ لأنها صلاة كافر، فلابد من توبةٍ قبل الصلاة" انتهى.

ولكن .. إن وقع ذلك من شخص قد مات ، كما في السؤال ، فإنه يتوجه الحكم له بالتوبة والإسلام ، إحساناً للظن بالمسلم ، وحملا لفعله على أحسن الأحوال

ولأنه لم يعد في محل الأمر بالتوبة ، أو التشديد عليه حتى يرجع ، وأمره إلى الله تعالى العالم بحقيقة الحال .

والله أعلم .

naoufelbougueroua
2018-10-27, 13:10
شـــــكرااا ����

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 13:15
قال نكتة تتعلق بالقرآن وضحك فهل يكفر بذلك؟

السؤال

هل المواقف التالية استهزاء بالدين ؟ -

ذات مرة مررنا على آية حتى يلج الجمل فى سم الخياط ، فقال صديق لنا : نأتى بجمل صغير وخياط كبير ، فضحكنا من مقولته ، علما بأن الضحك على عقل القائل ، وليس ضحكنا على القران .

لم يكن قصدى فيها أبدا الاستهزاء بالقرآن والدين ، ولكن المقصد كان الاستهزاء بصاحب المقولة ، ولو كنت أعلم أنها استهزاء بالدين ما كنت قلتها أبدا فهل هذه ردة ؟

ولو كانت ردة بدون أن أعلم ، فما حكم صلاتى وصيامى طوال السنين الماضية ، منذ أن حدثت تلك المواقف علما بأنني لو كنت أعلم وقتها أنها ردت لكنت تبت منها .

الجواب

الحمد لله

أولا:

الاستهزاء بالدين أو بالقرآن كفر وردة عن الإسلام

كما قال تعالى: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) التوبة/65

ولا يجوز إلقاء النكت حول شيء من القرآن، حتى لو كانت بقصد الضحك من أصحابها لا من القرآن، لأن القرآن أعظم من أن يتخذ مجالا للضحك والعبث والكذب، فإن هذه النكات التي لم تقع تدخل في جملة الكذب.

والواجب الحذر من آفات اللسان، فإن الكلمة قد تهوي بصاحبها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب.

روى البخاري (6478) ومسلم (2988) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ).

وروى البخاري (6477) ومسلم (2988) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ)

وعند الترمذي (2319) وابن ماجه (3969) عن بِلَال بْن الحَارِثِ المُزَنِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ

فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ . وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

واعلم أن المزح بالكفر : كفر باتفاق العلماء .

قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله في تفسيره لآية التوبة (2/ 543):

" لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخو الباطل والجهل" انتهى.

وانظر للفائدة: جواب السؤال القادم

ثانيا:

قد بينت في سؤالك أن ضحكك إنما كان من أصحاب المواقف، لا من القرآن الكريم، ولهذا لا تعد مستهزئا، ولا تكفر بذلك، لكن يلزمك الحذر كما قدمنا.

ونسأل الله أن يزيدك إيمانا وهدى وتعظيما.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 13:19
ضابط ما يعد استهزاء بالدين من التصرفات والأقوال

السؤال

كيف نفرّق بين تصرفات الاستهزاء بالإسلام وبين ما كان خطأً ؟

وماذا لو سمع الشخص أو رأى شيئاً من هذا القبيل، فلم يستطع مقاومة ذلك فابتسم أو ضحك، فما الحكم؟

ففي بعض الأحيان تحدث أمامي أو تدور في ذهني بعض الأشياء المتعلقة بالدين تجعلني أضحك

ولكني أتنبه فيما بعد أنه ما كان ينبغي لي أن أضحك.. فهل يُعتبر ضحكي من قبيل الاستهزاء بالإسلام؟

الجواب

الحمد لله :

أولاً :

الاستهزاء بالدين من كبائر الإثم والعدوان على حدود الله وحرماته

ومن أودية الكفر التي يتردى فيها كثير من الجهال وسفلة الناس ، وهم لا يعلمون .

قال الله تعالى : ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ

* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) التوبة/64-66 .

قال الإمام ابن حزم الظاهري :

" صَحَّ بِالنَّصِّ أَن كل من اسْتَهْزَأَ بِاللَّه تَعَالَى ، أَو بِملك من الْمَلَائِكَة ، أَو بِنَبِي من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ، أَو بِآيَة من الْقُرْآن ، أَو بفريضة من فَرَائض الدّين بعد بُلُوغ الْحجَّة إِلَيْهِ ، فَهُوَ كَافِر ".

انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/142).

وقال الشيخ سليمان آل الشيخ :

" من استهزأ بالله ، أو بكتابه ، أو برسوله ، أو بدينه : كفر ، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء ، إجماعاً ".

انتهى من "تيسير العزيز الحميد" صـ617.

ثانيا :

الاستهزاء بالدين يشمل كلَّ قولٍ أو فعلٍ ، يدل على الطعن في الدين ، والتنقص منه ، والاستخفاف به .

قال أبو حامد الغزالي :

" وَمَعْنَى السُّخْرِيَةِ : الِاسْتِهَانَةُ ، وَالتَّحْقِيرُ ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِضِ ، عَلَى وَجْهٍ يُضْحَكُ مِنْهُ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالْمُحَاكَاةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ ".

انتهى من " إحياء علوم الدين" (3/131) .

فكل قول أو فعل يدل ـ بحسب ما يتعارف عليه الناس ويفهمونه من لغتهم ـ على الانتقاص أو الاستخفاف بالله ورسوله ، أو القرآن والسنة ، أو شيء من شعائر هذا الدين ، فهو من الاستهزاء المخرج من الملة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الصارم المسلول" (541) :

" وإذا لم يكن للسب حد معروف في اللغة ولا في الشرع : فالمرجع فيه إلى عرف الناس ؛ فما كان في العرف سبا للنبي فهو الذي يجب أن ننزل عليه كلام الصحابة والعلماء ، وما لا فلا " انتهى .

ثالثا :

إذا لم يدل القولُ أو الفعلُ على الاستخفاف والانتقاص والتهكم ، فلا يكون من الاستهزاء المُخرج من الملة .

وقد يكون الاستهزاء معصية لا كفراً ، كأن يستهزئ بشخص مسلم لذاته ، فإن استهزأ به لتدينه وهيئته الموافقة للسنَّة ، فإن في ذلك خطراً عظيماً ، وقد يكون في بعض الأحيان كفراً ، والعياذ بالله .

رابعاً :

الواجب على المسلم إذا سمع أو رأى شيئاً من الاستهزاء بالدين أن ينكر على قائله وفاعله إنكاراً شديداً ، فإن لم يستجب له لزمه مغادرة المكان الذي هو فيه

قال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا ، فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ، إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ).

وأما التبسم والضحك عند سماع هذا الكلام ، فيجعل صاحبه شريكا للقائل في الإثم إن كان عن رضاً وقبول ، كما قال تعالى : (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ )

وإن لم يكن عن رضا وقبول ، فهو معصية كبيرة تدل على عدم تمكن تعظيم الله وشعائره من قلبه .

والواجب على المسلم أن يعظم شعائر دين الله وآيات الله وإجلالها وتفخيمها ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).

قال العلامة السعدي :

" أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة " .

انتهى من " تيسير الكريم الرحمن" صـ 342.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 13:24
حكم الاستهزاء بالدين وأهله

السؤال

إذا قال قائل لشخص " اقرأ على هذا الجهاز يعمل " أو " لأنك قرأت عليه ما عمل " بقصد الضحك من هذا الكلام , هل يدخل هذا بالاستهزاء في الآيات ؟

أم هو استهزاء بالشخص ؟ وما الضابط في الاستهزاء حفظكم الله ؟

الجواب

الحمد لله

الاستهزاء – ويطلق عليه " الاستخفاف " و " السخرية " - منه ما هو كفر أكبر يُخرج من الملة ، ومنه ما هو فسق ، ومنه ما هو محتمل للحُكمين .

1. فما كان منه استهزاء بالله تعالى أو بالقرآن أو بالرسول صلى الله عليه وسلم : فهو كفر مخرج من الملة

وقد دلَّ على هذا قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/ 65،66 .

وقد أجمع على ذلك أهل العلم .

2. وما كان منه استهزاء بذات الأشخاص وأفعالهم الدنيوية المجردة : فهو فسق

وفيه يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنّ) الحجرات/ 11 .

3. وأما المحتمل لكونه كفراً مخرجاً من الملة ولكونه فسقا: فهو الاستهزاء بالمسلم لتدينه وهيئته الموافقة للسنَّة ، فإن كان الاستهزاء لذات الشرع الملتزم به ذلك المسلم : فيكون كفراً مخرجاً من الملة

وإن كان الاستهزاء يرجع لذات المسلم لأنه – مثلاً – ليس أهلاً لأن يُظهر أنه متدين ، أو لأنه يبالغ أو يتشدد في تطبيق السنَّة بما لم تدل عليه النصوص : فيكون فسقا ؛ لأنه استهزاء بالشخص وليس بالدين .

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

هل من يستهزئ بالدين بأن يسخر من اللحية أو من تقصير الثياب هل يعد ذلك من الكفر ؟ .

فأجاب :

"هذا يختلف ؛ إذا كان قصده الاستهزاء بالدِّين : فهي ردة ، كما قال تعالى : ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )

أما إذا كان يستهزئ من الشخص نفسه بأسباب أخرى من جهة اللحية أو من جهة تقصير الثياب

ويعني بذلك أنه متزمت ، وأن يستهزئ بأمور أخرى يشدد في هذا أو يتساهل في أمور أخرى يعلم أنه جاء بها الدين ، وليس قصده الاستهزاء بالدين ، بل يقصد استهزاءه بالشخص بتقصيره لثوبه أو لأسباب أخرى .

أما إذا كان قصده الاستهزاء بالدين والتنقص للدين : فيكون ردة ، نسأل الله العافية .

وسئل – بعدها - :

إن كان يقول : أنا أقول ذلك للناس من باب الضحك والمزاح ؟ .

فأجاب :

هذا لا يجوز ، وهذا منكر وصاحبه على خطر ، وإن كان قصده الاستهزاء بالدين : يكون كفراً" انتهى .

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 28 / 365 ، 366 ) .

وعليه فيقال فيما ورد السؤال عنه:

إن قصد المتكلم الاستهزاء بذات الرقية : فهو كفر مخرج عن الملة ؛ لأنه استهزاء بالقرآن .

وأما إن قصد الاستهزاء بالشخص نفسه وأنه ليس أهلاً للرقية ، أو أنه يدعي أنه يعالج بالقرآن وحقيقته ليست كذلك : فيرجع الاستهزاء هنا بالشخص نفسه ، ولا يكون كفراً بل هو فسق محرم .

وإن زعم أنه لم يقصد استهزاء وإنما أراد الضحك والمزاح ، فهو على خطر ، ولا مجال للمزاح في هذه الأمور .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 13:28
هل يكفر من وصف صحابياً مشهود له بالجنة، بأنه ظالم ؟

السؤال

هل يرتد الإنسان إذا وصف أحدا من الصحابة الذين توارت النصوص بفضلهم بأنه ظلم شخصا ، فأنا قلت : إن عمر رضي الله عنه ظلم تلك المرأة التي لم يكن لديها طعام هي وأولادها ؛ لأنه هو المسؤول عنهم بما أنه أمير المؤمنين ؟

وسؤال آخر : اشتريت كتبا دينية ، وكان معي أغراض كثيرة ، وربما وضعت كافة الأغراض مع الكتب على الأرض لكي أشتري من عند بائع الخضار ، فما حكم وضعها على الأرض ، علما أنها كانت موضوعة بكيس ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

من نسب إلى صحابي مشهود له بالجنة أنه أخطأ أو ظلم، فإنه لا يكفر بذلك؛ إذ الصحابي ليس معصوما ، وقد يقع الظلم منه، لكن الله يوفقه للتوبة غالبا

أو يتجاوز عنه لحسناته. بخلاف ما لو سب صحابيا لأجل صحبته، أو سبه فيما برأه الله منه، أو سب عموم الصحابة، فإنه يكفر.

قال تقي الدين السبكي رحمه الله:

" وينبني على هذا البحث سب بعض الصحابة فإن سب الجميع لا شك أنه كفر ، وهكذا إذا سب واحدا من الصحابة ، [من] حيث هو صحابي ; لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة

ففيه تعرض إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك في كفر الساب .

وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الطحاوي " وبغضهم كفر " فإن بغض الصحابة بجملتهم لا شك أنه كفر .

وأما إذا سب صحابيا لا من حيث كونه صحابيا ، بل لأمر خاص به ، وكان ذلك الصحابي مثلا ممن أسلم من قبل الفتح ، ونحن نتحقق فضيلته كالروافض الذين يسبون الشيخين

فقد ذكر القاضي حسين في كفر من سب الشيخين وجهين .

ووجه التردد ما قدمناه ؛ فإن سب الشخص المعين قد يكون لأمر خاص به ، وقد يبغض الشخصُ الشخصَ لأمر دنيوي ، وما أشبه ذلك ؛ فهذا لا يقتضي تكفيرا .

ولا شك أنه لو أبغض واحدا منهما لأجل صحبته : فهو كفر ؛ بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته : كان كافرا قطعا"

انتهى من " فتاوى السبكي " ( 2 / 575 ) .

وعمر رضي الله عنه لم يظلم المرأة، بل بادر إلى الإحسان إليها فور علمه بحالها .

ولعلك تقصد أنه ظلمها لكونها من رعيته ولم تجد طعاما، وهذا يجاب عنه بأن عمر رضي الله عنه كان مجتهدا في التعرف على حال رعيته، والتطواف في المدينة لأجل ذلك

لكن الفقير المتعفف الذي لا يسأل الناس، قد يخفى أمره على عمر وغيره.

وقد اجتهد رضي الله عنه فيما يعطيه من مال المسلمين للفقراء، وهو في اجتهاده دائر بين الأجر والأجرين، فلم يتعمد ظلما، ولم يُبق على ظلم.

واعلم أن سلامة الصدر ، وتمام المحبة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وسادات الأولياء : تأبى على المسلم أن يدخل نفسه في مثل هذه المضايق ، ويوقع نفسه في الحرج

ويجعل أمره دائرا بين الغلط ، والخطأ ، أو ما يخشى عليه مما هو فوق ذلك .

وبحسب المؤمن أن يلزم أدب الله للمسلمين ، وعرفانهم بحق السابقين وفضلهم عليهم

قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر/10

ثانياً:

لا حرج في وضع الكتب على الأرض ، إذا لم يتضمن ذلك امتهانا كإلقائها، وتعريضها لوطء المارة. وأما وضعها للغرض الذي ذكرت، فلا حرج فيه، لا سيما وقد كانت مصونة في كيس.

وينبغي أن تحذر الوسوسة في باب الكفر وغيره، فإن الوسوسة داء كبير، وشر عظيم، وعلاجه بالإعراض والإهمال، مع كثرة الذكر والاستغفار.

فإذا علمت استحكامها فيك ، وأنك مبتلى بذلك الداء ، فبادر بعلاجها ، واعرض نفسك على طبيب مختص ، فإن الوسواس داء وبيل ، وله دواؤه عند أهل الطب ، كسائر الأدواء .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 13:34
قال لأمه: بربك أتوقظيني فقط من أجل الصلاة فهل هذا استهزاء؟ وحكم إيقاظ النائم

السؤال

أيقظتني أمي عند أذان العصر لكي أصلي العصر في الجامع ، فقلت لها : بربك أيقظتني فقط من أجل الصلاة ؟

علما أن كل ما كنت أفكر فيه هو: أنني معذور ؛ لأنني نائم ، وأنه أمامي الكثير من الوقت لكي أصليها بالبيت

ولكن بعد قولي لهذه الجملة بدأت الوساوس في عقلي ، فبدأت أظن أنني ارتددت ، وأنني استهزئت بالصلاة ، فهل فعلا أنا ارتددت ؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

اعلم أن المسلم لا يخرج من الإسلام إلا بيقين، فلا يخرج بالوسوسة ، أو الخطأ ، أو الإكراه ، أو بمجرد حديث النفس، فكل هذا لا يؤاخذ المسلم به فضلاً عن أن يكفر.

قال الله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الأحزاب/5 .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ ) متفق عليه .

وقَالَ أيضًا : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
ولا يظهر لنا أنك استهزأت بالصلاة، بل أردت أن تقول لها: إنك نائم معذور، فلم توقظينني؟

فدع عنك الوسوسة ولا تلتفت إليها، فإنما يريد الشيطان أن يحزنك بها.

وعظِّمْ أمر الصلاة واهتم بها، وإذا نمت فاتخذ الوسيلة للاستيقاظ لأجلها، ومنها توصية والدتك بإيقاظك، وهذا من إحسانها ومعروفها إليك، فجزاها الله خيرا.

ثانيا :

اعلم أنه يجب إيقاظ النائم للصلاة ، إن ضاق وقتها ، وخيف خروجه قبل أن يصلي .

قال المرداوي رحمه الله :

" قوله: "وتجب على النائم ومن زال عقله بسكر أو إغماء أو شرب دواء".

أما النائم فتجب الصلاة عليه إجماعا ، ويجب إعلامه إذا ضاق الوقت على الصحيح ، جزم به أبو الخطاب في التمهيد " انتهى .

"الإنصاف" (1 /277) . وينظر : "الإنصاف" (3 /216)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَفِيهِ - أي حديث ايقاظ النبي صلى الله عليه وسلم عائشة للوتر - اِسْتِحْبَاب إِيقَاظ النَّائِم لِإِدْرَاكِ الصَّلَاة

وَلَا يَخْتَصّ ذَلِكَ بِالْمَفْرُوضَةِ ، وَلَا بِخَشْيَةِ خُرُوج الْوَقْت ؛ بَلْ يُشْرَع ذَلِكَ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَة وَإِدْرَاك أَوَّل الْوَقْت وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَنْدُوبَات .

قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَلَا يَبْعُد أَنْ يُقَال إِنَّهُ وَاجِب فِي الْوَاجِب مَنْدُوب فِي الْمَنْدُوب ، لِأَنَّ النَّائِم وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا لَكِنْ مَانِعه سَرِيع الزَّوَال ، فَهُوَ كَالْغَافِلِ ، وَتَنْبِيه الْغَافِل وَاجِب "

انتهى، من "فتح الباري" (2/488)

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

أنا أقوم لصلاة الفجر والحمد لله ، ولكنني لا أوقظ أهلي إلا بعد أن أعود من المسجد ، فما حكم فعلي هذا ؟

فأجاب

: " فعلك هذا جائز إذا كنت توقظهم في وقت يتمكنون فيه من الطهارة والصلاة قبل طلوع الشمس ، ولكن الأفضل لك أن توقظهم من حين الأذان ؛ حتى يؤدوا الصلاة مبكرين ؛ لأن الصلاة في أول وقتها أفضل "

انتهى، من "مجموع فتاوى ابن باز" (10 /391)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" لو رأيت شخصاً نائماً وقت الصلاة، هل تقول: إن النائم مرفوع عنه القلم فلا أوقظه، أو توقظه؟

طبعاً توقظه، والعلماء قالوا: يجب إعلام النائم بدخول وقت الصلاة قبل أن يخرج وقت الصلاة "

انتهى، من "جلسات رمضانية للعثيمين" (2 /11) - بترقيم الشاملة .

والله أعلم.

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-27, 13:36
شـــــكرااا ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

الشكر موصل لحضورك الطيب مثلك

بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 15:24
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

أثر الردة على النكاح قبل الدخول

السؤال

بداية الحمد لله علي نعمة الإسلام ، وكفي بها نعمة ، وأرجو من الله أن يثبتنا علي هذا الدين ، أنا شاب خطبت فتاة ، وللأسف أنني بعيد عنها ، ومعقود قراني عليها ، ولكن لم أدخل بها بعد

وللأسف فقد تعرف خطيبتي علي فتاة مسيحية ، وناقشتها بالديانات ، وطلبت منها الذهاب إلي الكنيسة ، هذا الكلام منذ شهر تقريبا ، وذهبت إلي الكنيسة

وللأسف استطاعو السيطرة علي فكرها ، وقامت بالقول: إنها مسيحية ، وأصبحت تصلي معهم ، وذهبت 6 مرات إلي الكنيسة ، ولكنها لم تعمد ، ولم تقل لأحد شيئا عن هذا الموضوع

بعد شهر اكتشفت هي بأن المسيحية محرفة ، وذلك باطلاعها على الكتاب المقدس ، وبأنه من المستحيل أن يكون هذا كتاب الله ، بعدها أخبرتني بكامل الموضوع ، وناقشتها

وبينت لها كافة الأساليب والأكاذيب والافتراءات علي ديننا الحنيف ، وقد اقتنعت بكلامي ، وطلبت منها أن تسمع لمناظرات الشيخ أحمد الديدات ، وعادة مرة أخري إلي الإسلام

وقامت بالشهادة ، وهي نادمة جدا ، وخائفة من عقاب الله . أسئلتي هي : 1- هل تعتبر توبتها توبة نصوحة ، والله سيغفر لها أم لا ؟

2- هل عقد القران الذي بيننا قد بطل ويجب إعادته مرة أخرى ؟

وهنا أريد أن أخبركم شيئا أنني لا أريد أن يعلم أحد من اهلها بأنها قد ارتدت ؛ وذلك لخوفي من ردت فعلهم عليها ، فإن كان لا بد أن يتم تجديد عقد القران

فهل من الممكن أن نقوم به عند شيخ دون معرفة أهلها ، مع العلم أنه إذا أردنا أن نعود بعقد رسمي جديد فهذا أمر في غاية الصعوبة لأسباب شخصية .

3- هل تعتبر هذه طلقة من الطلقات الثلاث في حالة بطلان العقد ؟

4- ما الذي يجب أن تفعله كي تقبل توبتها ؟ 5- بماذا تنصحونني ؟

وكيف بإمكاني أن أثبت إيمانها أكثر ، فأنا خائف عليها ؛ لأنني أحبها ، ولأنها فتاة مسلمة قد سيطروا علي عقلها وفتنوها ؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

ما قامت به زوجتك من الردة أمر عظيم خطير، وهو أثر من آثار التساهل في العلاقة مع غير المسلمين، أو التساهل في المحاورات الدينية التي لا تنبغي إلا للمتخصص المتمكن من رد الشبهات ودفع الغوايات .

ونحمد الله تعالى أن من عليها وهداها ، وردها إلى الإسلام، ونوصيها ألا تغامر بمناقشة أحد في أمر الدين إلا بعد التمكن والتأهل لذلك .

ونوصيك أنت أن تُعجّل أنت بالدخول بها ، وضمها إليك ، لتكون تحت رعايتك ونصحك .

كما نوصي بالإكثار من تلاوة القرآن، وفعل النوافل من الصلاة والصيام والصدقة، وسؤال الله تعالى التثبيت، والبحث عن الرفقة الصالحة التي تذكّر بالخير وتعين عليه

وعدم اتخاذ الكافرين أولياء وأصدقاء

كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51

ثانيا:

إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول: انفسخ النكاح في الحال، عند جمهور الفقهاء.

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه لا فرق بين الردة قبل الدخول وبعده .

وأنه إن عاد المرتد إلى الإسلام، ورغب الزوجان في استمرار الزوجية : فهما على نكاحهما.

فعلى قول الجمهور يلزمك تجديد العقد، ويمكنك أن تجعل الأمر في أضيق نطاق فلا تخبر غير وليها ، وشاهدين مسلمين تثق فيهما .

كما يمكن أن تتعلل بأي أمر لتجديد العقد، ككون أحد الشاهدين لم يكن عدلا، وأن من الفقهاء من يشترط العدالة في الشاهدين، كما هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة ، فلا يصح النكاح مع شهادة فاسقين.

وينظر : الشرح الصغير مع حاشية الصاوي 1/348

تحفة المحتاج 7/228

الإنصاف 8/102.

ولذلك ، فأنت تريد تجديد العقد بشهادة عدلين، ويمكن أن يتم ذلك عبر برامج المحادثة المرئية، فيكون معك الشاهدان، وتطلب من الولي أن يتلفظ بالإيجاب، فيقول: زوجتك بنتي أو أختي فلانة، وتقول أنت: قبلت، فيتم بذلك العقد.

فإن شق ذلك ، وخشيت ترتب مفسدة من ذلك : فلك الأخذ بقول شيخ الإسلام، فلا تحتاجان إلى عقد جديد، بل أنتما على نكاحكما ما دمتما ترغبان في الاستمرار.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مبينا قوة ما ذهب إليه شيخ الإسلام: " بل إن شيخ الإسلام لا يفرق بين ما قبل الدخول وبعده؛ لأن الأصل بقاء النكاح

ما دام أنه معقود على وجه صحيح، وسبب الصحة باقٍ، ولم يحفظ عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه فرق بين الرجل وامرأته إذا سبقها بالإسلام، أو سبقته به .

وقال أيضاً: لدينا دليل على ثبوت ذلك، فهذا أبو العاص بن الربيع ـ رضي الله عنه ـ زوج زينب بنت الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، أسلم متأخراً عن إسلامها؛ لأنها أسلمت في أول البعثة

وما أسلم هو إلا بعد الحديبية، حين أنزل الله تعالى: فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10] .

فبين إسلامه وإسلامها نحو ثماني عشرة سنة، وردها النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنكاح الأول ، ولم يجدد نكاحاً . وهذا دليل واضح جداً .

وكذلك صفوان بن أمية ـ رضي الله عنه ـ أسلمت زوجته قبل أن يسلم بشهر؛ لأنها أسلمت عام الفتح ، وهو ما أسلم إلا بعد غزوة الطائف، وأقره النبي ـ عليه الصلاة والسلام

على نكاحه . ويقول شيخ الإسلام: القياس إما أن ينفسخ النكاح بمجرد اختلاف الدين، كما قاله ابن حزم؛ لأنه وجد سبب الفرقة إذا قلنا: إن الإسلام سبب للفرقة، وإما أن يبقى الأمر على ظاهر ما جاء في السنة،

وهو أنه لا انفساخ، لكن ما دامت في العدة : فهي ممنوعة من أن تتزوج من أجل بقاء حق الزوج الأول . وبعد انقضاء العدة إذا شاءت أن تتزوج تزوجت، وإن شاءت أن تنتظر لعل زوجها يسلم ، فلا حرج.

وهذا الذي قاله هو الذي تشهد له الأدلة، ولأنه القياس حقيقة"

انتهى من "الشرح الممتع" (12/ 246).

ثالثا:

هذه الردة لا تعتبر طلاقا، في قول الجمهور وغيرهم، وإنما هي عند الجمهور فسخ للنكاح، فإذا عادا بعقد جديد، لم يحسب عليهما –بهذه الردة- شيء من الطلاق.

رابعا:

اعلم أن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب، فهو الغفور الرحيم التواب الكريم، يقبل توبة عباده، ويحب التائبين، ويفرح بتوبتهم، ويبدل سيئاتهم حسنات

فما على زوجتك إلا أن تتشهد شهادة الحق، وتبرأ من النصرانية ومن كل دين يخالف الإسلام، وتغتسل، وتلتزم بأحكام الإسلام، فتؤدي الصلاة ، وما افترض الله عليها .

وينبغي عليها أن تكثر من النوافل كما قدمنا، فإنها من أسباب محبة الله للعبد، وعوامل تثبيته على الحق، كما روى البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: إِنَّ اللَّهَ قَالَ : (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ

وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).

نسأل الله لنا ولكم الثبات والهدى والرشاد.

وينظر للفائدة: جواب السؤالين القادمين

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 15:30
إذا تاب المرتد قبلت توبته

السؤال

أتاني أحد الإخوة في أحد الأيام نادماً خجلاً من نفسه على ما بدر منه من سوء أدب مع الله - وهذا أفضل ما استطاع أن يسميه هو نفسه - حيث أقدم في أحد الأيام في ثورة غضب من خطيبته على سب الله ! نسأل الله العفو والعافية

وقد أتاني في وضع يرثى له من الندم ، وأخبرني أنه خجل من نفسه ، وخجل الآن من أداء صلاته ، فهو إنسان - والحمد لله - ملتزم بأمور دينه وشرعه الحنيف .

فأرجو من فضيلتكم أن تفيدونا بشأنه بالنصيحة ، وبيان الحكم الشرعي لما حدث معه ، وكفارة ذلك - إن وجد - .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

لا شك أن ما فعله صاحبك هو سوء أدب مع ربه عز وجل ، فربه تعالى الذي خلقه في أحسن صورة ، وهداه للدين الصحيح ، وأكرمه بالعقل والسمع والبصر ، ثم يسبه ويشتمه ؟

! إن هذا الأمر لو فُعل مع واحدٍ من الخلق ممن أكرمه بتفاهات الدنيا أو سقط متاعها لعدَّ منقصة له ، وسوء أدب ، فكيف والأمر مع الله تعالى ، ولا مقارنة – أصلاً – بين إكرام الخلق وإكرام الخالق تعالى له ؟! .

وهذا السب يخرج صاحبه من الإسلام ، ويجعله مرتدّاً ، وليس بين العلماء خلاف في هذا الحكم .

قال ابن قدامة المقدسي - رحمه الله - :

ومَن سب الله تعالى : كفر ، سواءَ كان مازحاً أو جادّاً ، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه

قال تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ) التوبة/65 .

" المغني " ( 12 / 298 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

إن سب الله أو سب رسوله كفرٌ ظاهراً وباطناً ، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلا له ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء ، وسائر أهل السنَّة القائلين بأن الإيمان قول وعمل .

" الصارم المسلول " ( 1 / 513 ) .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 22 / 184 ) :

اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ اللّه تعالى كفر ، سواء كان مازحاً أو جادّاً أو مستهزئاً .

وفي ( 24 / 139 ) :

اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ ملّة الإسلام أو دين المسلمين يكون كافراً .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

سب الدين من أعظم الكبائر ، ومن أعظم المنكرات ، وهكذا سب الرب عز وجل ، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام ، ومن أسباب الردة عن الإسلام

فإذا كان مَن سبَّ الرب سبحانه وتعالى أو سب الدين ينتسب إلى الإسلام : فإنه يكون بذلك مرتدّاً عن الإسلام ، ويكون كافراً ، يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية

وقال بعض أهل العلم : إنه لا يستتاب ، بل يقتل ؛ لأن جريمته عظيمة ، ولكن الأرجح أنه يستتاب لعل الله يمنُّ عليه بالهداية فيلزم الحق ، ولكن ينبغي أن يعزر بالجلد والسجن حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة

وهكذا لو سب القرآن أو سب الرسول أو غيره من الأنبياء فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ؛ فإنَّ سبَّ الدين أو سب الرسول أو سب الرب عز وجل من نواقض الإسلام

وهكذا الاستهزاء بالله أو برسوله أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله كالصلاة والزكاة ، فالاستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام

قال الله سبحانه وتعالى : ( قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) التوبة/66،65 ، نسأل الله العافية .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 387 ) .

وقال – رحمه الله - :

كلُّ مَن سبَّ الله سبحانه بأي نوع من أنواع السب ، أو سب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم ، أو غيره من الرسل بأي نوع من أنواع السب أو سب الإسلام

أو تنقص أو استهزأ بالله أو برسوله صلى الله عليه وسلم : فهو كافر مرتد عن الإسلام إن كان يدَّعي الإسلام ، بإجماع المسلمين

لقول الله عز وجل : ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) الآية .

وقد بسط العلامة الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله الأدلة في هذه المسألة في كتابه " الصارم المسلول على شاتم الرسول "

فمن أراد الوقوف على الكثير من الأدلة في ذلك فليراجع هذا الكتاب لعظم فائدته ولجلالة مؤلفه ، واتساع علمه بالأدلة الشرعية رحمه الله .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 7 / 77 ، 87 ) .

وفي جواب السؤال رقم ( 42505 ) تجد فتوى الشيخ العثيمين في حكم سب الله ورسوله وسب الدين .

ثانياً :

ومع عِظم الذنب الذي فعله صاحبك ، ومع شدة ما يترتب عليه من أحكام إلا أن الله تعالى قد فتح باب التوبة لمن رغب بالرجوع عن ذنبه

وأراد أن يتوب ويستغفر ، ولا ينبغي له أن يستبعد عفو الله تعالى ومغفرته ، وودَّ الشيطان لو ظفر بهذا من العاصي والمرتد .

نعم ، يجب أن يندم وأن يؤرقه ذنبه ، لكن لا ينبغي أن يجعل بينه وبين الله تعالى حائلا يمنعه من التوبة والاستغفار .

قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .

وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) .

رواه مسلم ( 2759 ) .

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :

قيل للحسن – أي : البصري - : ألا يستحيى أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ، ثم يستغفر ثم يعود ؟ فقال : ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا ، فلا تملوا من الاستغفار .

وروي عنه أنه قال : ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين - يعني : أن المؤمن كلما أذنب : تاب - .

" جامع العلوم والحكم " ( 1 / 165 ) .

فالنصيحة له بالتوبة والندم على ما فعل ، والإكثار من الأعمال الصالحة ، وليحرص أن يكون حاله بعد التوبة خيرا من حاله قبل ارتكاب هذه المعصية الكبيرة ، والله تعالى يتوب على من تاب .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 15:34
تابت من ردتها فهل يجب عليها قضاء الصلاة والصيام حال ردتها ؟

السؤال

أنا من عائلة مسلمة ، ولكن لعدة سنوات من حياتي لم أكن أمارس شعائر الإسلام على الإطلاق ، بل أنني حاولت تعلم ديانة أخرى ، ومارستها بشكل يومي ، وقد استمر ذلك لمدة 7 سنوات تقريباً

ولكن خلال تلك الفترة كنت لا زلت أصوم شهر رمضان ، ولكن كنت أفطر أياماً منه في كل سنة ، والآن - الحمد لله - وجدت طريقي للإسلام ، وأحاول أن أتذكر عدد الأيام التي لم أصمها ، ولكنني لا أستطيع أن أتذكر ذلك

فضلاً عن أيام حيضي خلال تلك الأشهر، ولست متأكدة من قضائي تلك الأيام في السنة الأولى .

فسؤالي هو : هل يجب علي قضاء الأيام التي أفطرتها من السنة الأولى والتي أنا غير متأكدة من قضائي لها ؟

وكيف أقضي الأيام التي لم أصمها خلال السنوات الستة الأخرى ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نحمد الله أنْ مَنَّ عليكِ بالهداية إلى الإسلام والالتزام بشرائعه ، ونسأل الله لنا ولكِ الثبات على الدِّين والصراط المستقيم حتى الممات .

وعليكِ بلزوم الاستغفار ممَّا وقعَ منكِ من الرِّدَّة عن دين الإسلام ، وما وقعتِ فيه من تقصير وتفريط ، ونبشِّركِ أنَّ الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، والله غفور رحيم

قال الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25

وقال تعالى أيضا : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ *

وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الزمر/53-55 .

ثانيًا:

ما وقع منك من تعلم ديانة أخرى ، سوى دين الإسلام ، ثم ممارستك لها : هو ردة صريحة عن دين الله عز وجل ، بالإجماع ، حتى ولو بقيت متمسكة بشيء من دين الإسلام

بل ولو ظللت تؤدين جميع فرائضه ؛ فإن عدم الجزم في الثبات على الدين ، أو التردد بينه وبين دين آخر ، أو الأخذ بدين غيره ، مع التمسك بأحكامه

كل هذا ردة صريحة عن دين الله عز وجل ، لا شك فيها ؛ ولا يقبل لعبد فيها عملا من أعمال الإسلام ، مهما عمل ، حتى يتوب عن ردته ، ويترك ما سوى دين الإسلام .

يقول الله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/85 ، ويقول سبحانه: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران/19.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" مَن اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتديَّن بما شاء ، وأنه حُرّ فيما يتدين به ؛ فإنه كافر بالله عز وجل ؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) ، ويقول: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ).

فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنَّ دينًا سوى الإسلام جائز، يجوز للإنسان أن يتعبَّد به ؛ بل إذا اعتقد هذا فقد صرَّح أهل العلم بأنه كافر كفرًا مخرجًا عن الملة "

انتهى من "مجموع فتاواه" (3/ 100).

وقال: " ونؤمن بأنَّ شريعته صلى الله عليه وسلم هي دين الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده ، وأنَّ الله تعالى لا يقبل من أحدٍ دينًا سواه ...

ونرى أنَّ مَن زعم اليوم دينًا قائمًا مقبولاً عند الله سوى دين الإسلام ، من دين اليهودية أو النصرانية أو غيرهما؛ فهو كافر، يُستتاب ، فإنْ تاب وإلا قُتِلَ مرتدًّا ؛ لأنه مكذِّب للقرآن " .

انتهى من " عقيدة أهل السنة والجماعة " (ص 21).

ثالثا :

إذا تقرَّر هذا ؛ فالمرتَدّ إذا تابَ وعادَ إلى الإسلام ؛ فليس عليه قضاء ما تركَه من صلاة أو صيام زمنَ الرِّدَّة ؛ لأنَّ الإسلام يَجُبُّ ما قبلَه ، والتوبة تهِدم ما قبلها.

وقد سُئِلَ الشيخ ابن باز رحمه الله : هل على المرتَدّ قضاء الصلاة والصيام إذا عاد إلى الإسلام وتاب إلى الله ؟

فأجاب : " ليس عليه القضاء ، ومَن تاب تاب الله عليه ، فإذا ترك الإنسان الصلاة ، أو أتى بناقض من نواقض الإسلام ، ثم هداه الله وتاب : فإنَّه لا قضاء عليه .

هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم ؛ لأنَّ الإسلام يَجُبّ ما قبله ، والتوبة تهدِم ما كان قبلها.

قال الله سبحانه وتعالى: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) الأنفال/ 38؛ فبيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ الكافر إذا أسلم غفر الله له ما قد سلف .

والنبي صلى الله عليه وسلم قال : التوبة تَجُبّ ما قبلها ، والإسلام يهدِم ما كان قبله " .

انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (29/ 196).

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة "

: " وليس على المرتد إذا رجع إلى الإسلام أن يقضي ما ترك في حال الرِّدَّة من صلاة وصوم وزكاة ... إلخ.

وما عملَه في إسلامه قبل الرِّدَّة من الأعمال الصالحة ؛ لم يبطل بالرِّدَّة إذا رجع إلى الإسلام ؛ لأنَّ الله سبحانه علَّق ذلك بموته على الكفرر

كما قال عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ) الآية البقرة/161، وقال سبحانه : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) الآية البقرة/217"

انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/ 9).

وعلى هذا؛ فإذا كان الواقع ما ذكرتِ من التوبة عن الردة ، ورجوعك إلى دين الإسلام ، وترك ما سواه من الأديان : فليس عليكِ قضاء ما تركتيه عمدًا من الصلاة ولا الصِّيام

ولا ما أفطرتيه من رمضان أيَّام حيضك ، سواء في السنة الأولى أو السنوات التي تليها.

وعليك بلزوم الاستغفار، والإكثار من النوافل، مع المحافظة مستقبلاً على الصلاة والصِّيام وعدم التفريط فيها.

ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق لما يحبُّه ويرضاه ، والثبات على الدِّين حتى الممات
.
والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 15:38
حكم تغيير الديانة في الأوراق الرسمية للحصول على الإقامة في بلاد الكفر

السؤال

أنا مسلم ـ والحمدلله ـ لكن لظروف قاسية حولت ديني فقط على الورق عند الحكومة ؛ لأجل الحصول على الإقامة ، ولا أستطيع العودة إلى بلدي

لأنه لا يوجد بيت ولا شئ . سؤالي هو : هل أعتبر خارجا عن الإسلام أم مسلما ؛ لأن الله ينظر في القلب ، وأنا قلبي مسلم ، وأصلي ، ومؤدي جميع فرائضي وـ الحمدلله ـ ، وماذا أفعل الآن؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

تغيير الديانة في الأوراق من مسلم إلى نصراني أو يهودي أو غيره، كفر وردة عن الإسلام، ولو زعم صاحبه أن قلبه مطمئن بالإيمان، فكل من تكلم بالكفر أو أعلنه أو قال إنه كافر، مختارا غير مكره، فإنه يكفر بذلك.

والإكراه يكون بالتهديد الحقيقي بالقتل أو إتلاف عضو من الأعضاء.

جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " ( 6 / 101 – 102 ) في شرائط الإكراه :

" أن يكون ما هدد به قتلا أو إتلاف عضو ، ولو بإذهاب قوته مع بقائه كإذهاب البصر، أو القدرة على البطش أو المشي مع بقاء أعضائها

أو غيرهما مما يوجب غما يعدم الرضا ، ومنه تهديد المرأة بالزنا ، والرجل باللواط .

أما التهديد بالإجاعة ، فيتراوح بين هذا وذاك ، فلا يصير ملجئا إلا إذا بلغ الجوع بالمكرَه ( بالفتح ) حد خوف الهلاك ... " انتهى .

والحصول على الإقامة أو الجنسية ليس عذرا يبيح الإقدام على الكفر. وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلا مازحا أنه يكفر، فكيف بمن يسجل هذا ويدونه في الأوراق الرسمية.

قال تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة/64، 65

قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله في تفسيره (2/ 543):

" لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا، وهو - كيفما كان - : كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخو الباطل والجهل" انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"وقال تعالى في حق المستهزئين: (لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فبيّن أنهم كفار بالقول، مع أنهم لم يعتقدوا صحته .

وهذا باب واسع، والفقه فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم ، وإرادة فعلٍ فيه استهانةٌ واستخفاف، كما أنه يوجب المحبة والتعظيم "

انتهى من "الصارم المسلول" (3/ 975).

وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

" شاب مسلم يحمل مؤهلاً جامعيًّا في الهندسة، وقد سافر إلى إحدى الدول العربية للبحث عن عمل، ولكنه لم يفلح في ذلك، بينما وجد أن غير المسلمين لهم قبول أكثر، وفي مثل تخصصه ذلك ويُفَضَّلونَ على غيرهم من المسلمين،

أي أن عدم حصوله على عمل راجع إلى كونه يدين بالإسلام، فقرر أن يعود إلى بلده في محاولة لتغيير مُسمى الديانة في جواز سفره، وفعلاً سافر إلى إحدى البلاد الإفريقية

وحصل على جواز سفر منها بديانة غير الإسلام، ثم سافر مرة أخرى إلى إحدى البلاد العربية، فوجد القبول والحصول على وظيفة

ولكنه متألم لتغيير اسم الديانة في جواز سفره، وإن كان هو في داخله يدين بالإسلام ويفخر به دينًا، لذلك هو يسأل : ما حكم عمله هذا ؟ وما حكم كسبه المال بهذه الطريقة ؟

فأجاب:

أولاً : يجب على المسلم أن يتمسك بدينه وأن لا يتنازل عنه لأي ظرفٍ من الظروف؛ لأن الدين هو رأس المال ، وهو الذي تترتب عليه النجاة من عذاب الله سبحانه وتعالى، وهو الذي خُلِقَ الإنسان من أجله

كما قال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [ الذاريات : 56 . ] ؛ فيجب على المسلم أن يتمسك بدينه مهما كلفه الثمن .

وما فعلته فيما ذكرت في السؤال من أنك ذهبت وغيره من مسمى الديانة إلى ديانة غير الإسلام لتحصل على عمل؛ فهذا شيء خطير، ويعتبر ردة عن دين الإسلام؛ لأنك فعلت هذا

وتظاهرت بغير دين الإسلام، وانتسبت إلى غير دين الإسلام !!

والمسلم لا يجوز له ذلك، ويجب عليه أن يتمسك بدينه، وأن يعتزَّ بدينه، وأن لا يتنازل عنه لطمعٍ من أطماع الدنيا، فالله سبحانه وتعالى لم يستثن في أن يتلفظ الإنسان بشيء من ألفاظ الكفر؛ إلا في حالة الإكراه المُلجئ

كما في قوله تعالى : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ [ النحل : 106-107 . ] .

فأنت تظاهرت بغير دين الإسلام وانتسبت لغير دين الإسلام لأجل الدنيا وطمع الدنيا، لم تصل إلى حد الإكراه الذي تُعذَرُ به .

فالواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والمبادرة إلى تغيير هذا الانتساب، والمبادرة إلى كتابة الديانة الإسلامية في ورقة عملك، مع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى

والندم على ما فات، والعزم على أن لا تعود لمثل هذا الشيء؛ لعلَّ الله أن يتوب علينا وعليك"

انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان".

والحاصل :

أن تغيير الديانة في البطاقة ، أو جواز السفر : كفر وردة عن الإسلام ؛ ولو لم يعتقد الفاعل ذلك.

ثانيا:

الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تبادر بالعودة إلى الإسلام في أوراقك الرسمية، وأن تمحو هذا الكفر بأسرع ما يمكن.

وإن لم يمكنك العودة إلى بلدك، فابحث عن بلد آخر لا يشترط الكفر والردة للحصول على الإقامة.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 15:42
التحذير من النكات التي فيها استهزاء ببعض سور القرآن الكريم.

السؤال

للأسف وردتني هذه الرسالة على واتساب ( صايع صايم سألوه : ما هي أقرب سور القرآن لقلبك في رمضان ..؟

!! قال : المائدة ، والدخان ، والنساء ..!!! ) أرجو بيان حكم مثل هذه النكت ؟

الجواب

الحمد لله

هذا الكلام المذكور منكر عظيم واستهزاء بكلام الله تعالى، الذي هو أعظم الكلام وأشرفه، والمستهزئ به كافر متوعَّد بالوعيد الشديد

كما قال تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ

وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة/64، 65

ولا يقع في هذا إلا السفهاء المجترئون على حدود الله، يزعمون أنهم يمزحون ويتسلون، كحال الذين نزلت فيهم الآية الكريمة.

فقد روى الإمام الطبري في تفسيره (14/ 333)

عن سعد، عن زيد بن أسلم: أن رجلاً مِن المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تَبوك: ما لقُرَّائنا هؤلاء؛ أرغبنا بطونًا وأكذبنا ألسنةً، وأجبننا عند اللقاء؟! فقال له عوف: كذبتَ، ولكنك منافقٌ

لأُخْبِرَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوفٌ إلى رسول الله ليُخبره، فوجد القرآن قد سبَقه، قال زيد: قال عبدالله بن عمر: فنظرتُ إليه مُتعلقًا بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبُهُ الحجارة، يقول:

إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ) [التوبة: 65]، فيقول له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ) [التوبة: 65]؟ ما يَزيدُه.

قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله في تفسيره (2/ 543): " لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا، وهو كيفما كان : كفر؛ فإن الهزل بالكفر : كفر

لا خُلْف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخو الباطل والجهل" انتهى.

وهذه السور العظيمة فيها الأحكام والتشريعات والمواعظ، والمؤمن يحبها لأنها كلام الله، لا لما اشتملت عليه من ذكر المائدة أو ذكر النساء، فضلا عن جعل هذا متعلقا بالصائم الممنوع من شهوتي البطن والفرج.

ثم في هذه النكتة القبيحة تحريف لمعنى كلام الله، وحمله على الشيء المبغوض المحرم، فالدخان آية وعلامة من علامات الساعة، وليس الدخان المحرم الذي يشربه هذا وأمثاله ، ويتمناه هذا المستهزئ الفاجر.

قال تعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) الدخان/10- 13

والواجب على من أرسلت له هذه الرسالة أن ينكرها، وأن ينصح مرسلها، وألا يعيد نشرها؛ لما فيها من الكفر بالله تعالى والاستهزاء بكلامه.

والواجب الحذر من حصائد الألسنة، فإن الكلمة قد تهوي بصاحبها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب.

روى البخاري (6478) ومسلم (2988) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ).

وروى البخاري (6477) ومسلم (2988) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ)

وعند الترمذي (2319) وابن ماجه (3969) عن بِلَال بْن الحَارِثِ المُزَنِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ

فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

نسأل الله السلامة والعافية.

وليُعلم : أن المزح بالكفر : كفر ، باتفاق العلماء ، كما تقدم في كلام ابن العربي، فلا يشترط قصد الاستهزاء.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هنا ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجاد، كما يصنع أعداء الإسلام بسب الإسلام.

الثاني: أن يقصد الكلام دون السب، بمعنى يقصد ما يدل على السب ، لكنه مازحٌ غير جاد، فهذا حكمه كالأول: يكون كافراً؛ لأنه استهزاء وسخرية.

المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السب، وإنما يسبق لسانه فيتكلم بما يدل على السب دون قصدٍ إطلاقاً، لا قصد الكلام ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به

وعليه يتنزل قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) ، فإنه هو قول الرجل في عُرْض حديثه: لا والله ، وبلى والله، يعني ما قصد

فهذا لا يعتبر له حكم اليمين المنعقدة، فكل شيء يجري على لسان الإنسان بدون قصد : فإنه لا يعتبر له حكم"

انتهى من فتاوى نور على الدرب.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 15:47
حكم قول "خرج النبي من مكة مذموما مدحورا"

السؤال

قال أحد الأئمة في خطبة جمعة متحدثا عن فتح مكة: "خرج النبي من مكة مذموما مدحورا". ولقد نُصح بأن يمتنع عن وصف النبي بمثل هذه العبارات، لكنه عاد في خطبة عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم

ليبرر هذه العبارة في حق النبي صلى الله عليه وسلم بتبريرات غير مقنعة. فأرجو من سماحتكم توضيح هذه المسألة.

الجواب

الحمد لله

هذا القول منكر عظيم، وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخشى على صاحبه إن أصر عليه، وبيان ذلك كما يلي:

أولا:

المدحور هو المطرود، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج من مكة مطرودا، وإنما خرج بنفسه مهاجرا ، منصورا من الله تعالى .

وكانت قريش حريصة عند خروجه ألا يخرج، ووضعت لمن يرده ويأتي به الجوائز، بعد أن كانت تفكر أولا في إخراجه صلى الله عليه وسلم ، ثم عدلت عن ذلك خشية انتشار دعوته

فهاجر صلى الله عليه وسلم رغما عنها، ولم يكن حال خروجه مطرودا، صلوات الله وسلامه عليه.

وإنما نسب الله إخراجه من مكة للكفار، باعتبار أنهم ضيقوا عليه، وآذوه، ولم يمكنوه من تبليغ دعوة ربه فيهم

حتى اضطر للهجرة، كما قال تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ

عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/40

وقوله: (إِذْ أَخْرَجَهُ) متعلق بـ (نَصَرَهُ) فقد نصره الله تعالى وقت خروجه، فكان خروجه نصرا عظيما له، وغمّا لأعدائه.


قال ابن عطية رحمه الله في تفسيره:

" وقوله " إذ أخرجه الذين كفروا " يريد فعلوا من الأفاعيل ما أدى إلى خروجه ، وأسند الإخراج إليهم ؛ إذ المقصود تذنيبهم .

ولما كان مقصد أبي سفيان بن الحارث الفخر في قوله : ( من طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ ) ؛ لم يقرره النبي صلى الله عليه وسلم"

انتهى من المحرر الوجيز (3/ 39).

وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله:

" ويتعلق (إذ أخرجه) بـ (نصره) ؛ أي زمن إخراج الكفار إياه، أي من مكة، والمراد خروجه مهاجرا.

وأسند الإخراج إلى الذين كفروا ، لأنهم تسببوا فيه ، بأن دبروا لخروجه غير مرة ، كما قال تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) [الأنفال:30]

وبأن آذوه وضايقوه في الدعوة إلى الدين، وضايقوا المسلمين بالأذى والمقاطعة، فتوفرت أسباب خروجه .

ولكنهم كانوا مع ذلك يترددون في تمكينه من الخروج ، خشية أن يظهر أمر الإسلام بين ظهراني قوم آخرين، فلذلك كانوا في آخر الأمر مصممين على منعه من الخروج، وأقاموا عليه من يرقبه

وحاولوا الإرسال وراءه ليردوه إليهم، وجعلوا لمن يظفر به جزاء جزلا، كما جاء في حديث سراقة بن جعشم" .

إلى أن قال:

" (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم).

التفريع مؤذن بأن السكينة أنزلت عقب الحلول في الغار، وأنها من النصر، إذ هي نصر نفساني، وإنما كان التأييد بجنود لم يروها ، نصرا جثمانيا.

وليس يلزم أن يكون نزول السكينة عقب قوله: (لا تحزن إن الله معنا) ؛ بل إن قوله ذلك هو من آثار سكينة الله التي أنزلت عليه، وتلك السكينة هي مظهر من مظاهر نصر الله إياه، فيكون تقدير الكلام:

فقد نصره الله فأنزل السكينة عليه ، وأيده بجنود حين أخرجه الذين كفروا، وحين كان في الغار، وحين قال لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا. فتلك الظروف الثلاثة متعلقة بفعل (نصره)

على الترتيب المتقدم . وهي كالاعتراض بين المفرع عنه والتفريع .

وجاء نظم الكلام على هذا السبك البديع ، للمبادأة بالدلالة على أن النصر حصل في أزمان وأحوال، ما كان النصر ليحصل في أمثالها لغيره ، لولا عناية الله به، وأن نصره كان معجزة خارقا للعادة"

انتهى من التحرير والتنوير (10/ 201).

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 15:48
وبهذا يُعلَم أنه لا يجوز أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج طريدا من مكة؛ لأنه من الكذب، وباطل القول.

ويشبه هذا ما قاله العز بن عبد السلام رحمه الله جوابا لمن سأله: " هل يتوجه إنكار على من قال: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه آوى النبي صلى الله عليه وسلم طريداً، وآنسه وحيداً، أم لا؟

فأجاب:

" من زعم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه آوى النبي صلى الله عليه وسلم طريداً : فقد كذب .

ومن زعم أنه آنسه وحيداً : فلا بأس بقوله" انتهى من "فتاوى العز بن عبد السلام" (رقم/114).

وما أشار إليه ابن عطية من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان بن الحارث قوله: ومن طردتُ كل مطرد، جاء مبينا في الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 52):

" ... كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أسلم قال ...

لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً * لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ

لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ * فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي

هَدَانِيَ هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي ودلَّني ... على اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ

فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (بل نحن طردناكم)...

وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم وَابْنُهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مُعْتَمَّيْنِ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَيْهِ، قَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: أَسْفِرُوا تَعَرَّفُوا

قَالَ: فَانْتَسَبُوا لَهُ وَكَشَفُوا عَنْ وجُوهِهِمْ، وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: أَيُّ مُطَّرِدٍ طَرَدْتَنِي يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَوْ مَتَى طَرَدْتَنِي يَا أَبَا سُفْيَانَ؟

قَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا أَبَا سُفْيَانَ " انتهى.

على أن الوصف بـ:"الدحر" : أقبح ، وأشنع من الوصف بالطرد ؛ لأمرين:

الأول: أنه ارتبط بوصف إبليس وأهل النار كما سيأتي.

الثاني: أنه يفيد الإبعاد مع الإهانة.

قال ابن جزي رحمه الله: " مَّدْحُوراً أي مُبعداً ، أو مُهاناً" انتهى من التسهيل، ص887

ثانيا:

أن قوله: خرج مذموما مدحورا. بالجمع بين هذين الوصفين، أمر في غاية القبح، والبطلان .

وذلك أن هذا الوصف إنما جاء في كتاب الله تعالى لإبليس ولأهل النار، وارتبط في أذهان الناس بذلك، فلا ريب في تحريم استعارته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى في حق إبليس: (اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا) الأعراف/18، وقال: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا) الإسراء/18

والمذءوم هو المذموم.

فلو سلمنا صحة الوصف بالطرد ، باعتبار المفهوم العام للإخراج ، وأن الكفار ضيقوا عليه صلى الله عليه وسلم حتى خرج، فإن الجمع بين هذه الوصفين

اللذين وصف الله بهما إبليس ، وأهل النار: أمر غاية في القبح والشناعة ، ولا ندري : ما مسوغه عنده ، وما الذي ألجأه إليه أصلا ، وأورده ذلك المورد ؟!

ثالثا:

أن الفقهاء منعوا من كل ما يُشعر بهضم جنابه صلى الله عليه وسلم، أو التنقص من حقه، أو منافاة التوقير والتعظيم له.

قال القاضي عياض رحمه الله: " وأفتى أبو عبد الله بن عتاب ، في عَشّار ، قال لرجل : أدِّ ، واشك إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقال: إن سألت أو جهلت، فقد جهل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم = [ أفتى ] : بالقتل.

وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم ، المتفقه الطليطلى ، وصلبه ، بما شُهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه وسلم ، وتسميته إياه أثناء مناظرته

باليتيم ، وختن حيدرة ، وزعمه أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أكلها ، إلى أشباه لهذا...

وقال القاضي أبو عبد الله ابن المرابط: من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم هُزم : يستتاب ؛ فإن تاب ، وإلا قتل ؛ لأنه تنقص ، إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصته ، إذ هو على بصيرة من أمره ، ويقين من عصمته.

وقال حبيب بن ربيع القروى: مذهب مالك وأصحابه : أن من قال فيه صلى الله عليه وسلم ما فيه نقص : قتل دون استتابة.

وقال ابن عتاب: الكتاب والسنة : موجِبان أن من قصد النبي صلى الله عليه وسلم بأذى ، أو نقص ، معرّضا ، أو مصرحا ، وإن قل : فقتله واجب.

فهذا الباب كله مما عده العلماء سبا ، أو تنقصا : يجب قتل قائله ، لم يختلف في ذلك متقدمهم ولا متأخرهم ، وإن اختلفوا في حكم قتله على ما أشرنا إليه ونبينه بعد .

وكذلك أقول: حكم من غمصه ، أو عيّره برعاية الغنم ، أو السهو أو النسيان أو السحر أو ما أصابه من جرح أو هزيمة لبعض جيوشه أو أذى من عدوه أو شدة من زمنه

أو بالميل إلى نسائه فحكم هذا كله لمن قصد به نقصه: القتل، وقد مضى من مذاهب العلماء في ذلك ويأتي ما يدل عليه"

انتهى من "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/ 217).

وقال الدسوقي رحمه الله في ردة وقتل من قال

: "هُزم أو هزمت جيوشه": " وإنما قتل قائل ذلك; لأن غاية ما هناك أن بعض الأفراد فر يوم أحد، وهذا نادر والنبي صلى الله عليه وسلم وغالب الجيش لم يفر".

وقال: "الذي عليه مالك وعامة أصحابه أن من قال : إن النبي هزم يقتل ولا تقبل توبته وهو المذهب. وظاهر الإطلاق: أي قَصَد القائل بذلك التنقيص أم لا. وإنما قتل; لأن الله عصمه من الهزيمة فنسبة الهزيمة إليه فيه إلحاق نقص به"

انتهى من حاشية الدسوقي (4/ 310).

ولهذا فالواجب على هذا الخطيب أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يعتذر عن خطئه، وأن يحذر الإصرار والمكابرة ، ومحاولة توجيه قوله.

نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى وأن يقينا مضلات الفتن.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 15:56
الحدود كفارات لأهلها وقتل المرتد ليس حدا

السؤال

هل يعتبر حد الردة مكفرا لها ؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

ثبت ما يدل على أن الحدود كفارة لأهلها؛ وذلك فيما روى البخاري (18) ، ومسلم (1709)

عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : ( بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُو

ا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ

. وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ) فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك " .

وقد بوب له النووي في شرح مسلم: "باب الحدود كفارات لأهلها" ، وبين أن الشرك مستثنى من الحديث ، فقال: " واعلم أن هذا الحديث عام مخصوص

. وموضع التخصيص قوله ، صلى الله عليه وسلم: (ومن أصاب شيئا من ذلك) إلى آخره المراد به ما سوى الشرك ، وإلا فالشرك لا يغفر له ، و[لا] تكون عقوبته كفارة له"

انتهى من " شرح مسلم " (11/223).

ثانيا:

يجب قتل المرتد ؛ لما روى البخاري (6922) عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : " أُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزَنَادِقَةٍ ، فَأَحْرَقَهُمْ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ

لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ) ، وَلَقَتَلْتُهُمْ ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) " .

ثالثا:

قتل المرتد لا يعتبر حدًّا، وإنما هو عقوبة دنيوية يعقبها العقاب الأخروي ، ومن الخطأ إدخاله في الحدود.

قال في " كشاف القناع " (6/175)

: " ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه ، حرا كان المرتد أو عبدا لأنه قتل لحق الله تعالى ، فكان إلى الإمام أو نائبه ، كقتل الحر .

ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم : ( أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) ؛ لأن قتل المرتد لكفره ، لا حدا " انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" الحد إذا بلغ الإمام لا يستتاب صاحبه ، بل يقتل بكل حال . أما الكفر، فإنه يستتاب صاحبه .

وهذا هو الفرق بين الحد ، وبين عقوبة الكفر
.
وبهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود ، وذكروا من الحدود قتل الردة .

فقتل المرتد ليس من الحدود ؛ لأنه يستتاب ، فإذا تاب ، ارتفع عنه القتل .

وأما الحدود ، فلا ترتفع بالتوبة ؛ إلا أن يتوب قبل القدرة عليه .

ثم إن الحدود كفارة لصاحبها ، وليس بكافر .

والقتل بالردة ليس كفارة ، وصاحبها كافر، لا يصلى عليه، ولا يغسل، ولا يدفن في مقابر المسلمين"

انتهى من " شرح كتاب التوحيد

ضمن مجموع ورسائل ابن عثيمين " (9/511).

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 16:05
هل يجوز لآحاد الناس قتل المرتد دون حكم القضاء؟

السؤال

سمعت أن القتل هو حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم بالإجماع ، إلا أن بعض علمائنا اليوم يرى أن هذا الحكم غير صحيح ، إذ لا بد من محاكمة أولاً

فما الرأي الصحيح ؟ وسمعت أيضاً أن كعب بن الأشرف وغيره قُتلوا لأنهم سبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، لكننا نجد أنهم قتلوا في العهد المدني

وهو عهد التمكين ، وبالتالي فإن البعض يرى أن المسلمين الآن في عهد يشبه العهد المكي وليس المدني ، إذ ليس لهم سلطة ، ولا خلافة ، وعليه فإن القتل ليس حكماً صحيحاً في مثل هذه الظروف ، فما رأيكم ؟

أتمنى منكم الشرح بالتفصيل ، مع ذكر الدليل من السنة والتنزيل ، وقول الأوائل من علماء التأويل .

الجواب

الحمد لله

المحاكمة العادلة لمن يسب النبي صلى الله عليه وسلم ليست قولا لبعض العلماء ، بل هي قول عامتهم ؛ لأنهم متفقون على أن إقامة الحدود شأن الإمام أو الحاكم أو نائبه

وهو لا يقيمها إلا بقضاء القاضي الذي يتولى الفصل في شؤون العباد في الدنيا .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو من يتولى القضاء بين الناس ، ويتولى الحكم في أقوالهم وأفعالهم ، فلما توفي صلى الله عليه وسلم كان ذلك للقضاة من الصحابة والتابعين والأئمة من بعده .

والمصلحة الشرعية تقضي بذلك على وجه القطع أيضا ؛ إذ لو تُرك الأمر للناس ، يضرب كل منهم عنق من ارتد عن الدين بزعمه

أو يقيم الحد على من وقع في الفاحشة ، لسالت الدماء في المجتمع ، واضطربت أحوال الناس ، ودبت الفوضى في شؤونهم وأمورهم .

ولهذا عقد ابن أبي شيبة رحمه الله في كتابه " المصنف " (6/429-430) بابا بعنوان : " الدم يقضي فيه الأمراء "

وأورد فيه بأسانيده الآثار الآتية :

-عن عبد الرحمن بن زيد قال : قال سليمان : " أما الدم فيقضي فيه عمر " .

-عن النزال بن سبرة قال : " كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن لا تقتل نفس دوني " .

-عن ابن سيرين قال : " كان لا يُقضَى في دم دون أمير المؤمنين " .

وعقد بابا آخر (6/507) بعنوان : " من قال : الحدود إلى الإمام "، وساق فيه الأقوال الآتية :

-عن الحسن قال : " أربعة إلى السلطان : الزكاة ، والصلاة [يعني الإمامة فيها] ، والحدود ، والقضاء " .

-عن ابن محيريز قال : " الجمعة ، والحدود ، والزكاة ، والفيء ، إلى السلطان " .

-عن عطاء الخراساني قال : " إلى السلطان الزكاة ، والجمعة ، والحدود ".

وهو الأمر الذي استقر في كتب المذاهب المتبوعة ، والأئمة والعلماء ، أن الحدود لا تقام إلا من خلال بوابة القضاء ، التي هي سلطة مستقلة بتوكيل الإمام .

يقول الكاساني الحنفي رحمه الله – في شروط إقامة الحد -:

" أن يكون المقيم للحد هو الإمام أو من ولاه الإمام "

انتهى من " بدائع الصنائع " (7/57) .

وجاء في " مواهب الجليل " (مالكي) (3/358):

" كان الأصل يقتضي أن يجوز لكل أحد القيام بحق الله تعالى في ذلك ، لكن الشرع فوضه إلى الأئمة ، كي لا يوقع الاستبداد به في الفتن " انتهى.

وجاء في " إعانة الطالبين " (4/157) من كتب الشافعية :

" إن لم يتب المرتد قتل كفرا لا حدا ، فلا يجب غسله ولا تكفينه ، ولا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين لخروجه عنهم بالردة ، أي : قَتَلَه الحاكم ، فلو قتله غيره عُزِّر لافتياته على الإمام [أي : لتعديه على حق الإمام] " انتهى.

ويقول ابن قدامة الحنبلي رحمه الله :

" قتل المرتد إلى الإمام ، حرا كان أو عبدا ، وهذا قول عامة أهل العلم ، إلا الشافعي ، في أحد الوجهين في العبد "

انتهى من " المغني " (9/8).

ويقول الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" لا يجوز الافتئات عَلَى الأئمة ونوابهم ، ولا إظهار مخالفتهم ، ولو كانوا مفرطين في نفس الأمر ، فإن تفريطهم عليهم لا عَلَى من لم يفرط

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأئمة: ( يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطئوا فلكم وعليهم ) خرَّجه البخاري " .

انتهى من " مجموع رسائل ابن رجب " (2/608)
.
وهكذا ثمة العشرات من النقول عن العلماء الأجلاء عبر العصور ، تؤكد أن إقامة الحد وقتل المرتد إنما هو شأن القضاء ، وليس شأنا عاما للناس كلهم ، سواء شابه عصرهم الفترة المكية أم الفترة المدنية

لا فرق بين الحالين ، كي لا يرفع بعضهم على بعض السلاح ، فتسيل الدماء بدعوى الوقوع في الردة ، فليس هذا من شأن خاصة الناس

فكيف بعامتهم الذين لا يفرقون بين أسباب الردة ، ولا يعرفون موانعها ، ولا حكمها في المدونات الفقهية ، ولا غيرها من الحدود .

وحوادث السيرة أو السنة النبوية المشار إليها في السؤال تتوافق مع هذا التأصيل ولا تتعارض ، بل هي التي دلت عليه ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يأمر بإقامة الحد أو بقتل من يستحق القتل بعد ثبوت ذلك عليه

وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته مقام القضاء ، ومقام الولاية ، ومقام الحكم ، وغيرها ، إلى جانب مقام النبوة المعصوم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الصارم المسلول "

: ” فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم الحدود بعلمه ، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي ، ولا بالدلائل والشواهد ، حتى يثبت الموجب للحد ، ببينة أو إقرار" انتهى .

فمن يفتئت على القضاء الشرعي اليوم ، ويقيم الحدود بنفسه بدعوى ما وقع من حوادث في السنة النبوية ، فقد تمسك بمنطق ضعيف ، وحجة واهية .

وأولئك الصحابة الكرام الذين قتلوا المرتدين أو المتعرضين لمقام النبوة إنما صنعوا ذلك بإذن مسبق مباشر من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بإمضاء لاحق منه عليه الصلاة والسلام ، وذلك هو نفسه حكم القضاء .

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 16:10
مذهب المالكية في أثر ردة أحد الزوجين على عقد الزواج

السؤال

ما أثر الردة على الزواج في المذهب المالكي ؟

لقد ذكرتم في إحدى إجاباتكم بأن ذلك يعتبر طلاقاً بائناً ولكن لم تذكروا ما إن كان بائناً بينونة صغرى أم كبرى ؟

وهل يستطيع الرجل العقد على زوجته بعقد زواج جديد ؟

الجواب

الحمد لله

سبق الحديث عن أثر الردة على الزواج في فتوي سابقة

وأما بخصوص المذهب المالكي فقد اختلفت الأقوال فيه عن أثر الردة على الزواج , فالمشهور في المذهب أنه إذا ارتد أحد الزوجين انفسخ النكاح بينهما بطلقة بائنة ,

وروي عن الإمام مالك أنه يفسخ بغير طلاق , وقيل : بل طلقة رجعية .

جاء في " الذخيرة " للقرافي (4/335) :

" إذا ارتد أحدهما بطلت العصمة بطلقة بائنة لوجود الخلاف في إبطال العمل بالردة ..... وروي عن مالك الردة فسخ بغير طلاق كالرضاع ، وقيل : طلقة رجعية " انتهى .

وعلى القول المشهور بأن الردة تقع طلقة بائنة ، فإن البينونة تكون بينونة صغرى لا كبرى , فيجوز لهما تجديد العقد بعد الرجوع للإسلام , وتحسب عليهما طلقة على المشهور , فيرجع لها على طلقتين باقيتين .

جاء في " التاج والإكليل لمختصر خليل " (8/378) :

" وَرِدَّةُ الزَّوْجِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ ، وَإِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ ، وَكَذَلِكَ رِدَّةُ الْمَرْأَةِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ . انْتَهَى مِنْ التَّهْذِيبِ . وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ مَا حُسِبَتْ لَهُمَا طَلْقَةٌ إلَّا لِيَكُونَا عَلَيْهَا إذَا رَجَعَا لِلْإِسْلَامِ " انتهى .

وجاء في " الشرح الكبير " للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/270) :

" إذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا وَجَدَّدَ الزَّوْجُ عَقْدَهَا ، فَعَلَى الْمَشْهُورِ تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ " انتهى .

فخلاصة مذهب المالكية في هذا :

أنه إذا ارتد أحد الزوجين فُرِّق بينهما وتكون طلقة بائنة بينونة صغرى ، فإذا تاب المرتد منها ورجع إلى الإسلام فلا رجعة للزوج على زوجته -

حتى ولو كان ذلك في العدة – وله أن يعقد عليها عقدا جديدا ، وتحسب عليه الطلقة السابقة التي حصلت بالردة .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 15:35
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن أبي سرح ليس فيه إسقاط حد الردة

السؤال

ما صحة ذاك الحديث الذي ورد في " سنن أبي داود " أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط الحد عن رجل ارتد عن الإسلام . وإذا كان صحيحاً ولم يُنسَخ ، فكيف يُطبق اليوم في ظلِّ التشريع الإسلامي ؟

الجواب

الحمد لله

لعل الحديث المقصود في السؤال ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ ، اخْتَبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ . فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا ، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى . فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : ( أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ ، فَيَقْتُلُهُ ؟

فَقَالُوا : مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ ، أَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟

قَالَ : إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ) رواه أبو داود (4359) بإسناد صحيح ، وصححه ابن تيمية في " الصارم المسلول " (2/219)

وابن الملقن في " البدر المنير " (7/450) ، وابن حجر في " التلخيص الحبير " (3/1136) ، والألباني في " السلسلة الصحيحة " (4/ 301) .

فإن كان هذا الحديث هو المقصود ، فليس فيه دلالة على عدم قتل المرتد ، فقد استحق عبد الله بن سعد بن أبي سرح القتل من جهتين :

الأولى : من جهة أنه ارتد عن الإسلام ، وحار إلى الكفر بعد الهداية .

والقتل لهذا السبب حق لله تعالى ، يسقط بتوبة المرتد ورجوعه إلى الإسلام .

الثانية : أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويفتري عليه الكذب بقوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبدل في القرآن بحسب ما يملي عليه ابن أبي سرح . كما روى ذلك ابن إسحاق في " السير والمغازي "

عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم : إنما أمر بابن أبي سرح لأنه كان قد أسلم ، فكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فرجع مشركا

ولحق بمكة ، فكان يقول لهم : إني لأصرفه كيف شئت ، إنه ليأمرني أن أكتب له الشيء فأقول له : أو كذا أو كذا . فيقول : نعم . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( عليم حليم ) فيقول له

: أو أكتب : ( عزيز حكيم ) فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلاهما سواء "

انتهى نقلا عن " الصارم المسلول " (ص/111) .

وقال ابن إسحاق أيضا :

" حدثني بعض علمائنا أن ابن أبي سرح رجع إلى قريش ، فقال : والله لو أشاء لقلت كما يقول محمد ، وجئت بمثل ما يأتي به ، إنه ليقول الشيء وأصرفه إلى شيء

فيقول : أصبت . ففيه أنزل الله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ) فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله .

وعن ابن أبي نجيح قال : إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان أسلم ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي

فارتد مشركا راجعا إلى قريش ، فقال : والله إني لأصرفه حيث أريد ، إنه ليملي علي فأقول : أو كذا أو كذا . فيقول : نعم . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يملي عليه فيقول

: ( عزيز حكيم ) أو ( حكيم حليم ) فكان يكتبها على أحد الحرفين فيقول : كل صواب " انتهى نقلا عن " الصارم المسلول " (ص/112) .

والقتل لهذا السبب حق للنبي عليه الصلاة والسلام ، يسقط بعفوه وصفحه .

فغاية ما وقع في هذه الحادثة :

أن السبب الأول سقط بتوبة عبد الله بن أبي سرح ، ورجوعه إلى الإسلام ، بل وحسُن إسلامه عقب ذلك ، والتائب من الردة لا يقام عليه الحد ، في أصح قولَيْ العلماء .

وأما السبب الثاني فقد سقط بموجب عفو النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد شفاعة عثمان بن عفان رضي الله عنه .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 15:36
والدليل على توبة ابن أبي سرح أمور :

أولا :

خطاب عثمان بن عفان رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية بقوله : ( بايع عبد الله ) ، وعلى أي شيء تكون المبايعة إلا على الإسلام والحق والخير !!

ثانيا :

روايات أخرى صريحة بذكر التوبة

منها ما جاء في " المغازي " (2/ 855) للواقدي قوله

: " وخرج هاربا من المدينة إلى مكة مرتدا ، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح ، فلما كان يومئذ جاء ابن أبي سرح إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وكان أخاه من الرضاعة

فقال : يا أخي ، إني والله اخترتك فاحتبِسني هاهنا ، واذهب إلى محمد فكلِّمه في ، فإن محمدا إن رآني ضرب الذي فيه عيناي ، إن جرمي أعظم الجرم ، وقد جئت تائبا "

ثالثا :

أقوال العلماء الذين ترجموا لعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كلهم أجمعوا على أنه أسلم في ذلك اليوم ، وحسن إسلامه بعد ذلك .

حتى روى البغوي في " معجم الصحابة " (4/24، 250) بإسناده إلى يزيد بن أبي حبيب قال :

لما حضرت عبد الله بن سعد بن أبي سرح الوفاة ، وهو بالرملة ، وكان خرج إليها فارا من الفتنة ، فجعل يقول لهم من الليل : أصبحتم ؟ فيقولون : لا . فلما كان عند الصبح قال

: إني لأجد برد الصبح ، فانظروا . ثم قال : اللهم اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح ، فتوضأ ثم صلى ، فقرأ في أول ركعة بأم القرآن والعاديات

وفي الآخرة بأم القرآن وسورة ، فسلم عن يمينه ، وذهب يسلم عن يساره فقبض الله عز وجل روحه .

وقال ابن عبد البر رحمه الله :

" أسلم عبد الله بن سعد بن أبي السرح أيام الفتح ، فحسن إسلامه ، فلم يظهر منه شيء ينكر عليه بعد ذلك "

انتهى من " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " (3/ 918) .

وقال النووي رحمه الله :

" ثم أسلم ذلك اليوم عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، وحَسن إسلامه ، ولم يظهر منه بعده ما يُنكر ، وهو أحد العقلاء والكرماء من قريش ، ثم ولاه عثمان مصر سنة خمس وعشرين

ففتح الله على يديه إفريقية ، وكان فتحًا عظيمًا بلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف مثقالٍ ذهبًا ، وشهد معه هذا الفتح عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص

وعبد الله بن الزبير ، وكان عبد الله بن سعد هذا فارس بني عامر بن لؤى ، وغزا بعدَ إفريقية الأساودَ من أرض النوبة ، سنة إحدى وثلاثين ، وغزا غزوة الصواري في البحر إلى الروم .

وحين قُتل عثمان بن عفان اعتزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح الفتنة ، فأقام بعسقلان ، وقيل : بالرملة ، وكان دعا بأن يختم عمره بالصلاة

فسلَّم من صلاة الصبح التسليمة الأولى ، ثم همَّ بالتسليمة الثانية عن يساره ، فتوفى سنة ست وثلاثين "

انتهى من " تهذيب الأسماء واللغات " (1/ 270) .

وقد كان أحد السببين كافيا لقتل عبد الله بن أبي سرح :

فلو ارتد ولم يَفْتَرِ على النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك موجبا للقتل ، ولكن التوبة تدرء هذا الحدّ .

ولو سبّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وافترى عليه : كان أيضا ذلك موجبا للقتل ، ولا يسقط الحد في هذه الحالة إلا بعفو خاص من صاحب الحق عليه الصلاة والسلام . فلما عفا سقط عنه الحد

أي حد إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم والافتراء عليه وعلى الوحي ، وليس حد رجوعه عن الإسلام إلى عبادة الأوثان ، فهذا تَكفِي لإسقاطه التوبةُ .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 15:36
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" عبد الله بن سعد بن أبي سرح : كان قد ارتد وافترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه يلقنه الوحي ، ويكتب له ما يريد ، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه ، ونذر رجل من المسلمين ليقتلنه

ثم حبسه عثمان أياما حتى اطمأن أهل مكة ، ثم جاء تائبا ليبايع النبي عليه الصلاة والسلام ويؤمنه ، فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا رجاء أن يقوم إليه الناذر أو غيره فيقتله ويوفي بنذره .

ففي هذا دلالة على أن المفتري على النبي صلى الله عليه وسلم ، الطاعن عليه : قد كان له أن يقتله ، وأن دمه مباح ، وإن جاء تائبا من كفره وفريته

لأن قتله لو كان حراما لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، ولا قال للرجل : هلا وفيت بنذرك بقتله .

ولا خلاف بين المسلمين علمناه أن الكافر إذا جاء تائبا مريدا للإسلام ، مظهرا لذلك ، لم يجز قتله لذلك . ولا فرق في ذلك بين الأصلي والمرتد...

بل لو جاء الكافر طالبا لأن يعرض عليه الإسلام ، ويقرأ عليه القرآن ، لوجب أمانه لذلك . قال الله تعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ )

وقال تعالى في المشركين : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) .

وعبد الله بن سعد إنما جاء تائبا ملتزما لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، بل جاء بعد أن أسلم .

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه كان مريدا لقتله ، وقال للقوم : ( هلا قام بعضكم إليه ليقتله ) و ( هلا وفيت بنذرك في قتله )

فعلم أنه قد كان جائزا له أن يقتل من يفتري عليه ، ويؤذيه من الكفار ، وإن جاء مظهرا للإسلام والتوبة بعد القدرة عليه .

وفي ذلك دلالة ظاهرة على أن الافتراء عليه وأذاه : يُجَوِّز له قتل فاعله ، وإن أظهر الإسلام والتوبة "

انتهى من " الصارم المسلول " (408-409) .

وقال – أيضا - رحمه الله :

" عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما طعن عليه ، وافترى افتراء عابه به ، بعد أن أسلم : أهدر دمه ، وامتنع عن مبايعته ، وقد تقدم تقرير الدلالة منه على أن الساب يقتل وإن أسلم

وذكرنا أنه كان قد جاءه مسلما تائبا ، قد أسلم قبل أن يجيء إليه ، كما رويناه عن غير واحد . أو قد جاء يريد الإسلام

وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد جاء يريد الإسلام ، ثم كف عنه انتظار أن يقوم إليه رجل فيقتله .

وهذا نص في أن مثل هذا المرتد الطاعن : لا يجب قبول توبته ، بل يجوز قتله وإن جاء تائبا ، وقد قررنا هذا فيما مضى وهنا من وجوه أخرى

أن الذي عصمَ دمَه : عفوُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، لا مجردُ إسلامه ، وأن بالإسلام والتوبة : انمحى الإثمُ ، وبعفو رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتقن الدمُ

والعفو بطل بموته صلى الله عليه وسلم ، وليس للأمة أن يعفوا عن حقه . وامتناعه من بيعته حتى يقوم إليه بعض القوم فيقتله : نص في جواز قتله ، وإن جاء تائبا "

انتهى من " الصارم المسلول على شاتم الرسول " (ص/340) .

والخلاصة : أنه لم يسقط في هذا الحديث حد الردة عن الإسلام إلى الكفر ، وإنما سقط حد الافتراء على النبي عليه الصلاة والسلام ، وفرق بين الأمرين .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 15:42
الدليل على قتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم رغم توبته

السؤال

ما هي الأحاديث التي تدل على وجوب قتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعرض له ، وإن أظهر صدق التوبة ؟

وهل هناك حديث ( نص ) على عدم قبول توبة من شتمه صلى الله عليه وسلم ؟

أم هو استدلال عقلي بأن قتل شاتمه حق خاص له عليه الصلاة والسلام ، ولا نملك نحن أن نعفو بالنيابة عنه صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله

مسألة قتل من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم بعد توبته وإعلانه بها ؛ من مسائل الخلاف بين أهل العلم ، وقد ذهب كثير منهم إلى أن هذا الساب ، إذا قامت عليه البينة بذلك : فإنه يقتل ، وإن أعلن بتوبته .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" في استتابة المسلم وقبول توبة من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرنا أن المشهور عن مالك وأحمد : أنه لا يستتاب ولا تسقط القتل عنه توبته

وهو قول الليث بن سعد وذكر القاضي عياض أنه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء ، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ، وحكى مالك وأحمد : أنه تقبل توبته

وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبة المرتد "

انتهى من " الصارم المسلول " (3/578) .

ومن ذهب من أهل العلم ، إلى قتل الساب مطلقا ، سواء تاب أو لم يتب ، لم يعتمد على مجرد العقل ، كما ذكر السائل ؛ وإنما هو أمر مبني على دلالات النصوص ، وأصول الشرع ، ولا مدخل للنظر العقلي المجرد في ذلك .

وبيان ذلك : أنّ السبّ يشتمل على جريمتين :

1- جريمة الكفر والردة عن دين الإسلام ، وهذه الجريمة ترتفع عقوبتها بالتوبة ، كما هو مذهب جماهير أهل العلم .
2- جريمة الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم

وقد فهم هؤلاء العلماء من هذه النصوص أن القتل هو الحدّ لجريمة الإيذاء هذه ، ومقتضى ذلك أن هذه العقوبة لا ترفع إلا بعفو من صاحب الحق ، وهو النبي صلى الله عليه ، كما هو الشأن في غيره من حقوق العباد المعينين .

ومن هذه النصوص التي استدل بها من ذهب إلى قتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم ، ما يلي :

1- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (‏ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟‏ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ

: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ) رواه البخاري ( 3031 ) ، ومسلم ( 1801 ) .

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى :

" ومما يحتج به في هذا الباب – أي في قتل من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم - قصة كعب بن الأشرف . وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من لكعب بن الأشرف

فإنه قد آذى الله ورسوله ) فانتدب له جماعة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقتلوه "

انتهى من " الإشراف على مذاهب العلماء " (8/60) .

وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" قد دل هذا الحديث على أن أذى الله ورسوله علة للانتداب إلى قتل كل أحد ، فيكون ذلك علة أخرى غير مجرد الكفر والردة ، فإن ذكر الوصف بعد الحكم بحرف الفاء دليل على أنه علة

والأذى لله ورسوله يوجب القتل ، ويوجب نقض العهد ، ويوجب الردة...

فلما علل قتله بالوصف الأخص علم أنه مؤثر في الأمر بقتله ، لا سيما في كلام من أوتي جوامع الكلم ، وإذا كان المؤثر في قتله أذى الله ورسوله وجب قتله وإن تاب ..
.
ولا خلاف علمناه أن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات لا تسقط عقوبتهم بالتوبة ، فالذين يؤذون الله ورسوله أحق وأولى "

انتهى من " الصارم المسلول " (3/769 – 770) .

2 - عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا "

رواه أبوداود (4362) ، وصحح إسناده الألباني في " إرواء الغليل " (5/91) .

وهذه المرأة يهودية واليهود كانوا ممن عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا نقضت الكافرة عهدها ولم تقاتل فإنها تسترق ولا تقتل

فالمرأة الكافرة لا يجوز قتلها إلا إذا قاتلت كما هو مشهور في النصوص الشرعية ، فيأخذ من هذا أن قتلها ليس للكفر وإنما للإيذاء الحاصل منها

ومن المعلوم أن من له حق المسامحة عن الإيذاء هو الذي أوذي وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قد توفي فليس لأمته أن تسامح في حقه بدلا عنه .

3 - حديث القينتين اللتين كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة بقتلهما ولم يعط لهما الأمان الذي

أعطاه لباقي سكان مكة رغم أن من سكان مكة من كان أشد عداوة وحربا للإسلام .

انظر " مغازي الواقدي " (2/859 – 860) ، و " سيرة ابن هشام " (4/52) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري : وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا أيديهم فلا يقاتلوا أحدا إلا من قاتلهم ، وأمر بقتل أربعة نفر

قال : وأمر بقتل قينتين لابن خطل تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : وقتلت إحدى القينتين وكمنت الأخرى حتى استؤمن لها . وكذلك ذكر محمد بن عائد القرشي في مغازيه .

– ونقل ابن تيمية عدة روايات ثم قال - وحديث القينتين مما اتفق عليه علماء السير ، واستفاض نقله استفاضة يستغنى بها عن رواية الواحد "

انتهى من " الصارم المسلول " (2/ 249 – 253) .

وقال رحمه الله – أيضاً - :

" فإنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل النسوة اللاتي كن يؤذينه بألسنتهن بالهجاء ، مع أمانه لعامة أهل البلد

ومع أن قتل المرأة لا يجوز إلا أن تفعل ما يوجب القتل ولم يستتب واحدة منهن حين قتل من قتل والكافرة الحربية من النساء لا تقتل إن لم تقاتل

والمرتدة لا تقتل حتى تستتاب ، وهؤلاء النسوة قتلن من غير أن يقاتلن ولم يستتبن ، فعلم أن قتل من فعل مثل فعلهن جائز بدون استتابة ، فإن صدور ذلك عن مسلمة أو معاهدة أعظم من صدوره عن حربية "

انتهى من " الصارم المسلول " (3/643) .

وللفائدة طالع كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " الصارم المسلول " الجزء الثالث من الصفحة (635) وما بعدها ، ففيه استيعاب الأدلة والنصوص حول هذه المسألة الكبيرة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 15:50
كان ذو الخويصرة التميمي منافقا .

السؤال

هناك رواية تذكر أن عبد الله بن الخويصرة التميمي قال للنبي صلي الله عليه وسلم : اعدل .

فهل يعد بقوله هذا مرتدا أو منافقا ؟

وهل يمكن أن تذكروا لي أقوال العلماء حول هذه الرواية ؟

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (3610) ومسلم (1064) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ

فَقَالَ : ( وَيْلَكَ ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ؟! قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ) ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ

فَقَالَ : ( دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ

آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ (أي تضطرب) وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ ) .

وذو الخويصرة هذا هو رأس الخوارج

راجع إجابة السؤال القادم

وفي رواية عن أبي سعيد أيضا قال :

" بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا ، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ

وَزَيْدِ الخَيْلِ ، وَالرَّابِعُ : إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ: ( أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً ) ، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ ، نَاشِزُ الجَبْهَةِ ، كَثُّ اللِّحْيَةِ ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ

فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ، قَالَ: ( وَيْلَكَ ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ ) قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ

أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ قَالَ: ( لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي ) فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَان ِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: ( إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ ، فَقَالَ: ( إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ

يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي " انتهى .

وقد كان هذا الرجل منافقا :

- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" هذا الرجل قد نص القرآن أنه من المنافقين بقوله : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ) أي يعيبك ويطعن عليك ، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: اعدل واتق الله ، بعدما خص بالمال أولئك الأربعة :

نسب للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه جار ، ولم يتق الله ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟! ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟! ) .

ومثل هذا الكلام لا ريب أنه يوجب القتل ، لو قاله اليوم أحد ؛ وإنما لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يظهر الإسلام ، وهو الصلاة التي يقاتل الناس حتى يفعلوها

وإنما كان نفاقه بما يخص النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى ، وكان له أن يعفو عنه ، وكان يعفو عنهم تأليفا للقلوب ، لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه "

انتهى من "الصارم المسلول" (ص 228-229) .

- ويدل على ذلك أيضا ما رواه مسلم (1063) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: " أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ

وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا، يُعْطِي النَّاسَ ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ : اعْدِلْ ، قَالَ: ( وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ؟

قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ ، فَقَالَ : ( مَعَاذَ اللهِ

أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ) .

فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه تسميته بالمنافق .

- ويدل عليه أيضا رواية البخاري لحديث أبي سعيد المتقدم (6933) وفيه : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا، قَتَلَهُمْ

وَأَنَا مَعَهُ ، جِيءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيهِ: ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ) التوبة/ 58 .

وقوله تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ) إنما نزل في أهل النفاق .

قال ابن كثير رحمه الله :

" يَقُولُ تَعَالَى: (وَمِنْهُمْ) أَيْ وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ (مَنْ يَلْمِزُكَ) أَيْ يَعِيبُ عَلَيْكَ فِي قَسْمَ الصَّدَقاتِ إِذَا فَرَّقْتَهَا ، وَيَتَّهِمُكَ فِي ذَلِكَ ، وَهُمُ الْمُتَّهَمُونَ الْمَأْبُونُونَ ، وَهُمْ مَعَ هَذَا لَا يُنْكِرُونَ لِلدِّينِ ، وإنما ينكرون لحظ أنفسهم

ولهذا فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ ؛ أَيْ يَغْضَبُونَ لِأَنْفُسِهِمْ .. "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 144) .

وقال القاري رحمه الله :

" ذُو الْخُوَيْصِرَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ) ، فَهُوَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ "

انتهى مختصرا من "مرقاة المفاتيح" (9/ 3796) .

وينظر :

- عمدة القاري (16/143)

- دليل الفالحين (1/186)

- تفسير ابن عطية (3/46)

- شرح الزرقاني على الموطأ (1/251)

- "التحرير والتنوير" (10/ 232)

وراجع إجابة سؤال سابق لمعرفة الفرق بين المنافق والمرتد .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 15:54
ارتد عن الإسلام ليتزوج ، ثم عاد للإسلام ، فهل نكاحه باقٍ ?

السؤال

منذ سنوات قلائل كنت أعاني من ضعف إيماني وارتددت عن الإسلام ، لأجل الزواج . وبعد العديد من السنوات ، رجعت إلي الإسلام ثانية بحماسة شديدة

وكذلك زوجتي ، نريد أن نعرف هل لا يزال نكاحنا منعقدا أم ينبغي أن نتزوج من جديد ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نحمد الله أن وفقك للتوبة ، ونسأله سبحانه كما منّ عليك بالرجوع إلى دينه أن يمنّ عليك بالثبات عليه إنه جواد كريم .

ثانياً :

الذي فهمناه من سؤالك : أنك – والعياذ بالله - ارتددت عن الإسلام لأجل الزواج من تلك المرأة ، وأنها كانت غير مسلمة في ذلك الوقت ، فإذا كان الأمر كذلك

فإنه لا يلزمكما بعد الدخول في الإسلام تجديد عقد النكاح ؛ لأن الكفار بعد إسلامهم يقرون على أنكحتهم السابقة ، ما لم يكن هناك مانع يمنع من استمرار النكاح

كأن يكون قد تزوج ـ وهو على كفره ـ أخته ، أو عمته ، أو إحدى محارمه ، ولو في الرضاع .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله

: " لو أسلم الكفار ، فإن نكاحهما لا يجدد إذا لم يكن هناك مانع شرعي من بقاء النكاح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الكفار الذين أسلموا في عام الفتح وغيره بتجديد أنكحتهم "

انتهى بتصرف يسير من " مجموع فتاوى ابن باز " (10/291) .

وينظر : " الشرح الممتع " ( 12 / 239 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 15:58
سب الدين كثيرا وإذا أراد التوبة وسوس له الشيطان بأنه معذور لكونه في حالة غضب

السؤال

سببت الدين في حوادث كثيرة والعياذ بالله ولكن عندما أتوب يقول لي: أنت كنت في حالة غضب ولم تتعمد ذلك، وثم أشك بنفسي هل كنت بحالة غضب أم لا، هل كنت متعمدا أم لا، ماذا أفعل؟

الجواب

الحمد لله

سب الدين كفر وردة عن الإسلام بالإجماع ، وعلى فاعله أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا ، بأن يندم على ما فات ، ويعزم على عدم العود إليه ، فإن تاب تاب الله عليه

قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .

وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) رواه مسلم (2759) .

فعليك بالتوبة والإكثار من الأعمال الصالحة . وأما التفكير في أن السب كان في حالة الغضب أم لا ، فهو من وسوسة الشيطان ، يريد أن يصرفك عن التوبة

أو يضعف خوفك من الله واجتهادك في الصالحات ، فإنك إن علمت قبح ما صدر منك ، وخطره ، وعظم شأنه ، دعاك ذلك للاجتهاد في الخير ، وأورث في قلبك الانكسار والذل بين يدي الله

وجعلك معلق الرجاء في فضله وإحسانه وعفوه عنك . وأما إن زينتَ لنفسك الباطل ، وخففت من قبح الجناية بزعم أنها صدرت في حال الغضب ، فهنا تضعف همتك ، ويقل إقبالك على الله .

ولتعلم أن الغضب ليس عذرا في جميع حالاته ، بل الغضب الذي يعذر معه الإنسان هو الغضب الذي يُفقد الإنسان قدرته على التمييز حتى لا يدري ما يقول

وهذا إن حصل مرة ، فلا يحصل مرات ، وكثير ممن ابتلي بسب الدين لا يمكنه أن يسب أباه أو الشخص المعظم عنده أو أبا خصمه ونحو ذلك مهما اشتد غضبه

لكنه يسب الدين ، لخواء قلبه ، وفقدان تعظيمه لله ولرسوله ولدينه ، نسأل الله العافية ، ولو كان في قلبه إيمان لحجزه ومنعه عن السب .

فدع عنك هذه الوساوس ، فقد ارتكبت المنكر الأعظم ، وأمامك رب رحيم كريم ، يقبل توبة التائب ، ويعفو عن المذنب ، ويبدل السيئات إلى حسنات

فشمر عن ساعد الجد ، واملأ قلبك من تعظيم الله تعالى وتعظيم دينه ، وأكثر من قراءة القرآن والعمل الصالح .

نسأل الله أن يتقبل توبك ويغفر ذنبك .

والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 16:04
سب أي نبي من الأنبياء كفر وردة

السؤال

لو أن مسلماً قرأ هذه المنشورات التي ينشرها الكفار مِن سبٍّ وقدحٍ في نبيِّنا صلى الله عليه وسلم فغضب من ذلك ، وفي ردة فعل منه - لكي يغضب المسيحيين - تلفَّظ بأشياء غير لائقة

عن سيدنا عيسى عليه السلام ، فما حكمه ، وكيف يتوب ، وهل عليه من كفارة ؟

الجواب

الحمد لله

عقيدة المسلم لا توجب عليه الإيمان بجميع الأنبياء فحسب ، بل توجب عليه إجلالهم وتقديرهم وتوقيرهم وتعظيمهم التعظيم اللائق بهم ، لأنهم خير البشر

وصفوة الله من خلقه ، وهم نور الهداية الذي أضاء الأرض من ظلمتها ، وآنسَ القلوبَ مِن وحشتها ، ولا سبيل إلى السعادة والفلاح إلا بهم وبسببهم .

لذلك أجمع جميع العلماء على حرمة سب الأنبياء والاستهزاء بهم ، وعلى أن من وقع في هذا الأمر العظيم فقد ارتد عن دين الإسلام

كما أن من وقع في سب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد ارتد عن الإسلام ، فالمسلم لا يفرق بين أنبياء الله ورسله ، كما قال سبحانه وتعالى :

( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) آل عمران/84.

وقد أمرنا عز وجل بتوقير نبينا عليه الصلاة والسلام ، فكذلك الحكم لسائر الأنبياء ، يقول الله عز وجل : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) الفتح/8-9.

وننقل هنا أقوال العلماء في تكفير من تنقص أحد الأنبياء :

قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله :

" ويكفر بعيبه نبياً بشيء "

انتهى من " البحر الرائق " (5/130)

وقال القاضي عياض رحمه الله :

" من استخف به – يعني بنبينا صلى الله عليه وسلم - أو بأحد من الأنبياء ، أو أزرى عليهم ، أو آذاهم ، أو قتل نبيا ، أو حاربه : فهو كافر بإجماع "

انتهى من " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2/284)

وقال الدردير المالكي :

" من سب نبياً مجمعاً على نبوته ، أو عرَّض بسب نبي فقد كفر "

انتهى من " حاشية الدسوقي على الشرح الكبير " (4/309)

وقال الشربيني رحمه الله :

" من كذب رسولاً أو نبياً أو سبه أو استخف به أو باسمه ... فقد كفر "

انتهى من " مغني المحتاج " (5/429)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" مِن خصائص الأنبياء أنَّ مَن سبَّ نبيًّا مِن الأنبياء قتل باتفاق الأئمة وكان مرتداً ، كما أنَّ مَن كفر به وبما جاء به كان مرتداً ، فإن الإيمان لا يتم إلا بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله "

انتهى من " الصفدية " (1/262)

فمن وقع في هذا الإثم العظيم فعليه أن يسارع إلى التوبة الصادقة ، والعودة إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين وتعظيم جميع الأنبياء ، ثم باليقين التام أننا أولى بالرسل والأنبياء من جميع الأمم التي تنتسب إليهم

وأننا يجب علينا أن ندافع عن جميع الأنبياء إن تعرض لهم أحد بالسب والأذى ، فالدفاع عن نبينا صلى الله عليه وسلم يكون بتوقير جميع الأنبياء

وإظهار فضلهم على الناس كافة ، وبيان ارتباط رسالاتهم ببعضها ، وأنهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ

إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ ، وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ ) رواه البخاري (3535) ومسلم (2287)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 16:11
الاستهزاء بملك الموت

السؤال

توفي قريب لأحد معارفي منذ فترة ، وبعدها بفترة وجيزة توفي له قريب آخر ، فبعدها بفترة طويلة عندما كنا نتحدث عنهما قلت له وبلا قصد : يبدو أن هناك ثأرا ما بين عائلتكم وبين ملك الموت

على سبيل المزاح ، فهل يعتبر هذا كفرا بالله ؛ لأني قلت هذا على أحد ملائكة الله ، أم ماذا ، وماذا أفعل ؟

الجواب

الحمد لله

الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه ، فلا يتكلم بما يغضب الله تعالى ، ورُبَّ كلمة يتكلم بها الإنسان ، وهو لا يظن أن لها شأناً ، تكون سبب هلاكه وعذابه ، والعياذ بالله .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا ، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ) رواه البخاري (6477) ومسلم (2988).

وفي رواية الترمذي (2314) : (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وعن بلال المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ

فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) رواه الترمذي (2319) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

والإيمان بالملائكة وإجلالهم وتقديرهم من أركان الإيمان الستة ، وملك الموت لا يتصرف إلا بما يأمره الله به ،

كما قال عز وجل : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ) الأنعام/61 .

فهم موكلون من الله عز وجل بتقدير حكيم ، وليس ذلك عن ثأر ولا عن بغض أو انتقام – تعالى الله عن ذلك - : قال الله سبحانه وتعالى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) السجدة/11 .

وقد ذكر أهل العلم أن الاستهزاء بالملائكة أو بأحد منهم كفر ، وخروج عن الإسلام واستدلوا بقول الله عز وجل : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ

. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) التوبة/65-66 .

قال ابن حزم رحمه الله :

" وصح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى ، أو بملك من الملائكة ، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام

أو بآية من القرآن ، أو بفريضة من فرائض الدين ، فهي كلها آيات الله تعالى ، بعد بلوغ الحجة إليه ، فهو كافر "

انتهى ."الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/142) .

وقال أيضا :

" كل من سب الله تعالى أو استهزأ به ، أو سب ملكا من الملائكة أو استهزأ به ، أو سب نبيا من الأنبياء أو استهزأ به ، أو سب آية من آيات الله تعالى أو استهزأ بها

والشرائع كلها والقرآن من آيات الله تعالى ، فهو بذلك كافر ، مرتد ، له حكم المرتد " انتهى .

"المحلى" (11/413) .

وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله :

" يكفر بعيبه ملكا من الملائكة أو الاستخفاف به " انتهى .

"البحر الرائق" (5/131) .

بل ذكر بعض العلماء أنه يكفر مَن تكلم بما فيه مجرد إشعار بالاستهزاء والسخرية .

قال ابن نجيم الحنفي :

"ويكفر بقوله لغيره : " رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت " عند البعض ، خلافاً للأكثر " انتهى .

والكلمة التي تكلمت بها فيها شيء من الاستهزاء بملك الموت ، فعليك التوبة منها والاستغفار ، وسؤال الله تعالى العفو والعافية ، والعزم على عدم العودة لذلك مرة أخرى

وتجديد إيمانك بالنطق بالشهادتين ، وأكثر من الأعمال الصالحة – الصدقة وغيرها – فإن الله تعالى يقبل توبة من تاب إليه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 16:17
كيف يعود المرتد إلى الإسلام ؟

السؤال

إذا ارتد شخص عن الإسلام ثم قرر العودة إلى الإسلام مؤخراً.فما هي الطريقة التي يجب عليه اتباعها للعودة إلى الإسلام؟

وهل هناك مدة محددة يمكن خلالها العودة للإسلام؟.

الجواب

الحمد لله

إذا ارتد شخص عن الإسلام ثم قرر العودة إليه

فالطريقة التي يجب عليه اتباعها أن يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله

وإن كانت الردة بسبب جحد أمرٍ من الدين بالضرورة

فلا يتم رجوعه إلا بالإقرار بما جحده

وليست هناك مده يمكن خلالها العودة إلى الإسلام فتقبل توبته وعودته ما لم يغرغر وتخرج روحه

فإذا وُفِّق للرجوع إلى الإسلام في وقت الإمكان وأدى ما أمكنه من شرائعه فهو مسلم .

الشيخ : عبد الكريم الخضير

...........

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

و اسالكم الدعاء بظهر الغيب