مشاهدة النسخة كاملة : الحدود والتعزيرات الإسلامية
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 13:05
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اهلا و مرحبا بكم في سلسلة جديدة
من سلاسل الفقه الاسلامي
الحدود سياج المجتمع الأمني المتين
الحمد لله الذي خضعت الخلائق لعظمته
وذلت الرقاب لهيبته
أحمده جل شأنه وأشكره حفظ على الأمة أمنها بسياج حدود شريعته
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أسمائه وصفاته ولا في ربوبيته ولا في إلهيته،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خليقته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعترته.
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تسعدوا في الدنيا والآخرة
واسمعوا معي لله ربنا يخبرنا عن ذلك بقوله : { وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ()جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ }(النحل:30-31).
أمة الإسلام ما من مجتمع إنساني على وجه الأرض إلا وهو ينشد الأمن بكل صوره الأمن على الأموال،الأمن على الأعراض،الأمن على الأفكار والمعتقدات ونحو ذلك من صور الأمن
فبلا أمن يفقد المجتمع أس سعادته
ومقومات تطوره ونموه
عباد الله ما الذي يردع المجرمين والمعتدين والعابثين بأمن البلاد والعباد؟.
أنهما أمران:الأول حدود قوية
والثاني الصرامة في تنفيذها.هذه هي شريعتنا التي جنينا بفضل الله في عصور القوة الاسلامية ثمار تطبيقها أمناً وأماناً تغبطنا عليه حتى الدول المتقدمة
هذه هي شريعة رب وخالق البشر للبشر فهو الذي خلفهم وهو أعلم بما يصلحهم ويردع أصحاب النفوس الضعيفة منهم
أحبتي في الله اسمحوا لي أن أخذكم في جولة سريعة مع بعض حدود الإسلام
ففي جانب تحقيق الأمن المالي والاقتصادي شرع لنا ربنا العظيم حد السرقة بقوله:{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(المائدة:38).
فبالله عليكم كيف تقوم حياة اقتصادية
وكيف يأمن الناس على ممتلكاتهم في حال غياب هذا الحد الرادع
فمن تسول له نفسه السرقة يفكر ألف مرة كيف لو أقيم عليه الحد وقطعت يده؟
كيف سيعيش في المجتمع؟
فيرتدع
وتأملوا معي في الحزم في التطبيق مثَّله خير البشر صلى الله عليه وسلم فداه نفسي وأبي وأمي
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ
ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))(البخاري،حديث الغار،ح(3216)).
إذاً لا يوجد في الإسلام حصانة لأي شخص كان ولو كانت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم،وفي جانب تحقيق الأمن على الأعراض يقول ربنا جل في علاه:{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ.. }.
وتأملوا معي أحبتي في الحزم في تطبيق هذا الحد
في تتمة الآية:{ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }(النور:2).
وانظروا كيف ربط العظيم بين الحزم في تطبيق الحد والإيمان بالله واليوم الآخر.هذا في جانب غير المحصن
أما إذا كانت جريمة الزنا من رجل أو امرأة محصن بالزواج فإن العقوبة الرجم بالحجارة حتى الموت
فبالله عليكم لو تأمل الزانية أو الزاني بأن مصيره في مقابل لذة دقائق أو ساعات أو حتى ليلة كاملة أن يعيش الموت البطيء تحت الحجارة
فحجر يفقأ عينه وحجر يكسر أنفه
وحجر يشدخ رأسه ويظل يعاني تحت وابل الحجارة حتى الموت
هل بعدها يفكر في انتهاك أعراض الناس؟
.عباد الله تعالوا نتأمل مع أننا بلاد بفضل الله تطبق شريعة الله ومنها إقامة الحدود ما الذي جعل أسواقنا ومنتزهاتنا تعج بالمعاكسين والمعاكسات
وقد تصل الجرأة لمحاولة الاختطاف؟
.هل السياسة التنفيذية التي تتبعها بعض الجهات من الستر على المرأة ومعاقبة الرجل مجدية؟.
أم أنها تركت الحبل للغارب للمرأة التي بدأت آية حد الزنا بها فهي تقيم العلاقات مع شاب ثم إذا ملت منه شكته بأنه يبتزها،ثم تنتقل لآخر وهكذا،فيتساقط الرجال والشباب أمام امرأة لعوب
أمنة العقوبة فأطلقت لنفسها العنان تعيث في الأرض فساداً؟.
عباد الله إن إقامة الحدود في البلاد والحزم في ذلك وعدم التهاون فيه تحت أي مبرر فيه الحياة والسعادة والاطمئنان أخبرنا بذلك ربنا الذي خلقنا
ويعلم ما يصلحنا سبحانه بقوله:{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }(البقرة:179).
و يمكن متابعة
فقه الجنايات (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2175785)
حد الرده (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2165819)
حد القذف (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2165442)
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 13:10
الحدود حق لله تعالى
السؤال
كيف نفرق بين الحدود إذا كانت راجعة لله أم للعبد ؟
وكيف نميز بينهما ؟
ما هي ضوابطها ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
الحقوق الشرعية بصفة عامة على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: حق الله تعالى المحض ، كالإيمان به سبحانه، وإقامة العبادات المحضة كالصلاة والصيام والحج والعمرة.
القسم الثاني: حق العباد المحض كأداء الديون، ودفع الأثمان عند الشراء.
القسم الثالث: ما اختلف أهل العلم فيه هل يغلب فيه حق الله تعالى أم حق العباد ؛ كحد القذف؛ فهو من جهة أن فيه استهانة بأعراض الناس علناً :
فهو حق لله تعالى ، ومن جهة أن المقذوف بالزنى قد اتهم في عرضه وأصابه بذلك الأذى ولحقه العار : فهو حق له.
مع ملاحظة أن كل حق للعبد ففيه حق لله تعالى ؛ فمثلا أداء الديون فإنه وإن كان حقا للعبد ففيه حق لله تعالى من جهة أنه سبحانه أمر بأداء الأمانات إلى أهلها
قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) [النساء: 58] .
يقول القرافي رحمه الله تعالى في الفروق (1 / 140):
" فحق الله أمره ونهيه ، وحق العبد مصالحه .
والتكاليف على ثلاثة أقسام : حق الله تعالى فقط ؛ كالإيمان ، وتحريم الكفر .
وحق العباد فقط ، كالديون والأثمان .
وقسم اختلف فيه هل يغلب فيه حق الله ، أو حق العبد ؛ كحد القذف .
ونعني بحق العبد المحض : أنه لو أسقطه لسقط ، وإلا فما من حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى، وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه ؛ فيوجد حق الله تعالى دون حق العبد
ولا يوجد حق العبد إلا وفيه حق الله تعالى" انتهى.
وقد بين القرافي الفرق بين حق الله تعالى وحق العبد ، ووضح الضابط في ذلك بقوله في الفروق (1 / 141): "وإنما يعرف ذلك بصحة الإسقاط :
فكل ما للعبد إسقاطه فهو الذي نعني به حق العبد .
وكل ما ليس له إسقاطه ، فهو الذي نعني بأنه حق الله تعالى .
وقد يوجد حق الله تعالى ، وهو ما ليس للعبد إسقاطه ، ويكون معه حق العبد؛ كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات؛ فإن الله تعالى إنما حرمها صونا لمال العبد عليه
وصونا له عن الضياع بعقود الغرر والجهل ، فلا يحصل المعقود عليه ، أو يحصل دَنِيَّا ونزرا حقيرا ، فيضيع المال؛ فحجر الرب تعالى برحمته على عبده في تضييع ماله
الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته، ولو رضي العبد بإسقاط حقه في ذلك لم يؤثر رضاه .
وكذلك حجر الرب تعالى على العبد في إلقاء ماله في البحر ، وتضييعه من غير مصلحة.
ولو رضي العبد بذلك لم يعتبر رضاه .
وكذلك تحريمه تعالى على المسكرات صونا لمصلحة عقل العبد عليه، وحرم السرقة صونا لماله، والزنا صونا لنسبه، والقذف صونا لعرضه
والقتل والجرح صونا لمهجته وأعضائه ومنافعها عليه، ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك ، لم يعتبر رضاه ، ولم ينفذ إسقاطه .
فهذه كلها ، وما يلحق بها من نظائرها ، مما هو مشتمل على مصالح العباد : حق لله تعالى؛ لأنها لا تسقط بالإسقاط ، وهي مشتملة على حقوق العباد ، لما فيها من مصالحهم ودرء مفاسدهم .
وأكثر الشريعة من هذا النوع ، كالرضا بولاية الفسقة وشهادة الأراذل ونحوها ، فتأمل ذلك بما ذكرته لك من النظائر تجده ، فحجر الرب تعالى على العبد في هذه المواطن لطفا به ورحمة له سبحانه وتعالى" انتهى.
ثانيا :
أما بخصوص سؤال السائل عن الحدود فإن الحدود كلها كحد الزنى والسرقة والحرابة حق لله تعالى ، وقد نص على ذلك أهل العلم .
يقول ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 202)
"الحقوق نوعان: حَقٌّ للَّه، وحَقٌّ لآدمي، فحق اللَّه لا مَدْخَلَ للصلح فيه ، كالحدود والزكَوَات والكفارات ونحوها ...
وأما حقوق الآدميين فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها " انتهى.
ويقول السرخسي:
"فَأَما الْعُقُوبَات الْمَحْضَة : فَهِيَ الْحُدُود الَّتِي شرعت زواجر عَن ارْتِكَاب أَسبَابهَا المحصورة ، حَقًا لله تَعَالَى خَالِصا ؛ نَحْو حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر"
انتهى من أصول السرخسي (2/ 294).
ولذلك فإن أهل العلم لم يعدوا القصاص من الحدود ، لأنه يقبل الإسقاط من قِبَل ولي الدم ، إن كان القصاص في القتل، ويقبل الإسقاط من قبل صاحب الحق ، إن كان القصاص في الأطراف والأعضاء.
يقول الكمال ابن الهمام الحنفي "الْحَدُّ لُغَةً: هُوَ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ الْحَدَّادُ لِلْبَوَّابِ.
وَفِي الشَّرِيعَةِ: هُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ، حَتَّى لَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ، وَلَا التَّعْزِيرُ ؛ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ" انتهى من فتح القدير للكمال ابن الهمام (5/ 212).
وأما حد القذف خاصة من بين الحدود : فقد اختلف فيه هل هو من حق الله تعالى ، أم من حق العبد ؟
يقول ابن حزم: "إما أن يكون الحد في القذف من حقوق الله تعالى، كالحد في الزنا، والحد في الخمر، والحد في السرقة، والحد في المحاربة .
وإما أن يكون من حقوق الناس، كالقصاص في الأعضاء، والجنايات على الأموال.
فإن كان الحد في القذف من حقوق الله تعالى كسائر الحدود، فلا يجوز لأحد عفو فيه؛ لأنه لا حق له فيه، ولا فرق بين من سرق مال إنسان، أو زنى بأمته وافترى عليه
أو بامرأة أكرهها، وسرق مالا من مالها، وافترى عليها، فلم يختلفوا في أنه ليس للرجل أن يعفو عن الزنا بأمته فيسقط عنه حد الزنا بذلك
ولا لهما أن يعفوا عمن سرق مالهما، أو قطع عليهما الطريق، فيسقط عنه حد السرقة بذلك، وحد المحاربة.
والمفرق بين القذف وبين ما ذكرنا: متحكم في الدين بلا دليل.
وإن كان الحد في القذف من حقوق الناس: فعفو الناس عن حقوقهم جائز" انتهى من المحلى بالآثار (12 / 255).
مع التنبيه على أنه من الأصول المهمة ، التي يجب معرفته والعناية به في هذا المقام وهو أن الحدود يشرع العفو عنها ، فيما بين الناس
ويشرع لمن شهد بعض ذلك أن يستر على من ألم به ، ولا يفضحه ، ولا يجب عليه أن يشهد به عند ولي الأمر .
لكن متى شهد الشهود بذلك عند ولي الأمر ، وقامت البينة به عنده : حرم الشفاعة فيه ، ووجب على ولي الأمر أن يقيم حد الشرع على صاحبه، وقد سبق بيان هذا الأصل بالتفصيل في الفتوى رقم (226758).
والخلاصة : أن جميع الحدود هي حقوق لله تعالى ، ولم يختلف العلماء إلا في حد القذف .
هذا مع التذكير بما تقرر في اعتقاد كل مسلم : أن تشريع الأحكام ، وسن الشرائع والقوانين : هو حق الله تعالى على عباده ، تفرد به دونهم
لم يأذن لأحد من خلقه أن يشاركه في شرع ، أو أمر أو نهي ، كما لم يكن من عباده ، سبحانه ، من شركه في خلق العباد .
وينظر للفائدة جواب السؤالين القادمين
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 13:13
كفر من يحكم بغير ما أنزل الله
السؤال
هل الحكم بغير الشريعة كفر أكبر أم كفر أصغر؟.
الجواب
الحمد لله
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتحاكم إليه وتحكيم شرعه وحرّم الحكم بغيره كما يتضّح ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم ومنها ما تضمّنته سورة المائدة
التي اشتملت على عدد من الآيات التي تتحدّث عن الحكم بما أنزل الله ومواضيعها تدور على ما يلي :
ـ الأمر بالحكم بما أنزل الله كما في قوله تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) آية 49
ـ التحذير من التحاكم إلى غير ما أنزل الله كما في قوله عز وجل : ( ولا تتبع أهواءهم ) آية 49
ـ التحذير من التنازل عن شيء من الشريعة مهما قلّ كما في قوله تعالى : ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) آية 49
ـ تحريم ابتغاء حكم الجاهلية كما جاء ذلك بصيغة الاستفهام الإنكاري في قوله عز وجل : ( أفحكم الجاهلية يبغون ) آية 50
ـ النصّ على أنه لا أحد أحسن من الله في الحكم كما قال عز وجلّ : ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) آية 50
ـ النصّ على أنّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وظالم وفاسق كما في قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) آية 44
وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) آية 45 وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) آية 47
ـ النصّ على أنّه يجب على المسلمين الحكم بما أنزل الله ولو كان المتحاكمون إليهم كفارا كما قال عز وجل : ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) آية 42
فالحكم بغير ما أنزل الله مناف للإيمان والتوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد ، وقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر بحسب الحال فيكون كفرا أكبر مخرجا من ملة الإسلام في حالات منها :
1 ـ من شرّع غير ما أنزل الله تعالى : فالتشريع حق خالص لله وحده لا شريك له ، من نازعه في شيء منه ، فهو مشرك ، لقوله تعالى : أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله .
2 ـ أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ أحقية حكم الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في رواية لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله ـ تعالى ـ :
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون حيث قال : ( من جحد ما أنزل الله فقد كفر ) .
3 ـ أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله ـ تعالى ـ سواء كان هذا التفضيل مطلقاً ، أو مقيداً في بعض المسائل قال تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون } .
4 ـ من ساوى بين حكم الله ـ تعالى ـ وبين حكم الطاغوت ، قال ـ عز وجل ـ: فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون .
5 ـ أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله . أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ غير واجب ، وأنه مخيّر فيه ، فهذا كفر مناقض للإيمان . فأنزل الله عز وجل ـ
: يا أيُّها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إلى قوله تعالى : إن أوتيتم هذا فخذوه [ سورة المائدة الآية : 41] يقول ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم
فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروه ، فأنزل الله تعالى ـ: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .
6 ـ من لم يحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ إباءً وامتناعاً فهو كافر خارج عن الملة . وإن لم يجحد أو يكذِّب حكم الله تعالى . ومما يمكن إلحاقه بالإباء والامتناع : الإعراض ، والصدود يقول ـ تعالى
ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً .
وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدُّون عنك صدوداً .
7 ـ من ضمن الحالات التي يكون الحكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ كفرا أكبر ، ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم عن تشريع القانون الوضعي وتحكيمه : وهو أعظمها ، وأشملها
وأظهرها معاندة للشرع ، ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ورسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً ، وإمداداً ، وإرصاداً ، وتأصيلاً ، وتفريعاً ، وتشكيلاً ، وتنويعاً ، وحكماً ، وإلزاماً ، ومراجع مستمدات .
ومما سبق يمكن تلخيص بعض الحالات التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله شركا أكبر :
( 1 ) من شرّع غير ما أنزل الله
( 2 ) أن يجحد أو ينكر أحقيّة حكم الله ورسوله
( 3 ) تفضيل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى سواء كان التفضيل مطلقا أو مقيدا
( 4 ) من ساوى بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت
( 5 ) أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله أو أن يعتقد أنّ الحكم بما أنزل الله ليس بواجب أو أنه مخيّر فيه
( 6 ) الإباء والامتناع عن الحكم بما أنزل الله
وبالحديث عن مظاهر هذا القسم يتبين ويتوضّح فمن مظاهر ما يعدّ كفرا أكبر ما يلي :
1- تنحية الشريعة عن الحكم وإلغاء العمل بها كما فعل مصطفى كمال في تركيا وغيره وقد ألغى المذكور العمل بمجلة الأحكام العدلية المستمدّة من المذهب الحنفي وأحلّ بدلا من ذلك القانون الوضعي .
2- إلغاء المحاكم الشرعية
3- فرض القانون الوضعي للحكم بين الناس كالقانون الإيطالي أو الفرنسي أو الألماني وغيرها أو المزج بينها وبين الشريعة كما فعل جنكيز خان بكتاب الياسق الذي جمعه من مصادر متعددة ونصّ العلماء على كفره .
4- تقليص دور المحاكم الشرعية وحصرها في النّطاق المدني بزعمهم كالنكاح والطّلاق والميراث
5- إنشاء محاكم غير شرعية .
6- طرح الشريعة للاستفتاء عليها في البرلمان وهذا يدلّ على أنّ تطبيقها عنده متوقّف على رأي غالبية الأعضاء
7- جعل الشريعة مصدرا ثانويا أو مصدرا رئيسا مع مصادر أخرى جاهلية بل وحتى قولهم الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع هو كفر أكبر لأن ذلك يفيد تجويز الأخذ من مصادر أخرى
8- النصّ في الأنظمة على الرجوع إلى القانون الدولي أو النصّ في الاتفاقيّات على أنه في حال التنازع يُرجع إلى المحكمة أو القانون الجاهلي الفلاني
9- النصّ في التعليقات العامة أو الخاصة على الطعن في الشريعة كوصفها بأنها جامدة أو ناقصة أو متخلّفة أو أنّ العمل بها لا يتناسب مع هذا الزمان أو إظهار الإعجاب بالقوانين الجاهلية .
وأما متى يكون الحكم بما أنزل الله كفرا أصغر لا يُخرج عن الملّة ؟
فالجواب أنّ الحاكم أو القاضي يكون حكمه بغير ما أنزل الله كفرا أصغر غير مخرج عن الملّة إذا حكم في واقعة ما بغير ما أنزل الله معصية أو هوى أو شهوة
أو محاباة لشخص أو لأجل رشوة ونحو ذلك مع اعتقاده بوجوب الحكم بما أنزل الله وأنّ ما فعله إثم وحرام ومعصية .
أمّا بالنسبة للمحكوم بالقوانين الجاهلية فإن تحاكم إليها عن رضى واختيار فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملّة وأماّ إن لجأ إليها إكراها واضطرارا فلا يكفر لأنه مكره
وكذلك لو لجأ إليها لتحصيل حقّ شرعي لا يحصل عليه إلا بواسطتها مع اعتقاده بأنها من الطاغوت .
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد ..
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 13:22
التوفيق بين طلب الستر في قصة ماعز وبين عدم التهاون في إقامة الحدود في قصة المخزومية
السؤال
في السيرة النبوية بدا لي أن فيها تعارض بين قصتين : الحادثة الاولى : قصة المرأة المخزومية التي سرقت والرسول أراد أن يقيم عليها الحد
فحرك أهلها أسامة بن زيد ليشفع لها عند رسول الله ، فغضب الرسول من أسامة وقال : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ... وهذا من حرصه صلى الله عليه وسلم على إقامة الحدود
وعدم التهاون فيها . الحادثة الثانية : قصة الصحابي ماعز الذي طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطهره وأصر عليه ، حتى أقام النبي عليه حد الرجم . ملاحظة مهمة وهي : ان علمائنا ومشايخنا يصورون لنا في الحادثة الثانية
: أن الرسول كان يريد من "ماعز" أن يرجع وأن يتوب بينه وبين ربه ، ولا يقام عليه الحد الشرعي ، "ونفس الامر أيضا مع المرأة الغامدية التي زنت ، وجاءت للنبي وهي حُبلى"
. والسؤال المهم هنا : كيف نوفق بين الحادثتين الأولى : عدم التهاون في تنفيذ الحكم الشرعي في مخالفة السرقة ، وبين ما أوضحه لنا العلماء والمشايخ من أن النبي لم يرد أن يُقام حد الزنا على ماعز أو المرأة الغامدية ؟
الجواب
الحمد لله
لا يوجد تعارض بين الحادثتين ، فكل حادثة منهما لها أحكامها التي لا تنطبق على الحادثة الأخرى .
أولا :
حادثة ماعز رضي الله عنه ثبت فيها الحد بإقراره ، ولم يثبت بالشهود .
روى البخاري ( 6825 ) ومسلم ( 1691 ) عن أَبَي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : ( أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ ، فَنَادَاهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنِّي زَنَيْتُ - يُرِيدُ نَفْسَهُ - فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي زَنَيْتُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ
فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ ، دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَبِكَ جُنُونٌ ؟ قَالَ : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : أَحْصَنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: اذْهَبُوا فَارْجُمُوهُ ) رواه البخاري ( 6825 ) ومسلم ( 1691 ) .
وفي لفظ للبخاري ( 6824 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : ( لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ ، أَوْ غَمَزْتَ ، أَوْ نَظَرْتَ ؟ قَالَ : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ...) .
والحد الذي ثبت بالإقرار : فإنه لا يجب على الحاكم أن يبادر إليه ؛ بل يستحب له أن يُعَرِّض للمقر ليرجع عن إقراره ، فإن أصر المقر على إقراره ، أقام الإمام عليه الحد .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى عن قصة ماعز :
" فتضمنت هذه الأقضية رجم الثيب ...
وأن الإمام يستحب له أن يعرض للمقر بأن لا يقر "
انتهى من " زاد المعاد " ( 5 / 30 ) .
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
"وقد ذكر بعض العلماء أنه يستحب للإمام أو الحاكم الذي يثبت عنده الحد بالإقرار التعريض له بالرجوع ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعرض عن ماعز حين أقر عنده
ثم جاء من الناحية الأخرى فأعرض عنه ، حتى تم إقراره أربعاً . ثم قال : (لعلك لمست) .
وفي "المغني" لابن قدامة (12/466) : قال الإمام أحمد: لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره ، وهذا قول عامة الفقهاء" ا
نتهى من "مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (12/466) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"إذَا جَاءَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَاعْتَرَفَ وَجَاءَ تَائِبًا فَهَذَا لَا يَجِبُ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ الإمام أَحْمَد ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهَا الْقَاضِي بِعِدَّةِ أَحَادِيثَ
وَحَدِيثُ الَّذِي قَالَ: (أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ ...إلخ الحديث) يَدْخُلُ فِي هَذَا ، لِأَنَّهُ جَاءَ تَائِبًا .
وَإِنْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا شَهِدَ بِهِ مَاعِزٌ والغامدية ، وَاخْتَارَ إقَامَةَ الْحَدِّ : أُقِيمَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا. كَمَا فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ: (فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ؟) ، والغامدية : رَدَّهَا مَرَّةً
بَعْدَ مَرَّةٍ. فَالْإِمَامُ وَالنَّاسُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مِثْلِ هَذَا؛ وَلَكِنْ هُوَ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهِ ، كَاَلَّذِي يُذْنِبُ سِرًّا ، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ حَدًّا: لَكِنْ إذَا اخْتَارَ هُوَ أَنْ يَعْتَرِفَ وَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أُقِيمَ"
انتهى من "مجموع الفتاوى" (16/31-32) .
ثانيا :
أما حادثة المخزومية فقد رواها البخاري ( 3475 ) ومسلم ( 1688 ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ
فَقَالُوا : وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ
ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) .
فالحد في هذه الحادثة لم يثبت باعترافها ، بل ورد في بعض روايات الحديث أنها أنكرت أن تكون سرقت ، وأن المال المسروق وُجد في بيتها ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها.
انظر : "فتح الباري" (12/92) .
فهناك فرق بين من ثبت الحد عليه باعترافه ، ومن يثبت الحد عليه بالبينة .
فالثاني هو الذي يجب إقامة الحد عليه .
ثالثا :
من الأصول المهمة ، وما يجب معرفته والعناية به هنا : أن الحدود يشرع تعافيها ، والعفو عنها ، فيما بين الناس ، ويشرع لمن شهد بعض ذلك أن يستر على من ألم به
ولا يفضحه ، ولا يجب عليه أن يشهد به عند ولي الأمر ؛ لكن من شهد الشهود بذلك عند ولي الأمر ، وقامت البينة به عنده : حرم الشفاعة فيه ، ووجب على ولي الأمر أن يقيم حد الشرع على صاحبه .
روى أبو داود (4376) وغيره ، عن عبدِ الله بنِ عمرو بنِ العاص، أن رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - قال: "تعافَوُا الحُدُودَ فيما بينكم، فما بلغني مِن حدٍّ، فقد وَجَبَ" . وصححه الألباني .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"وَلَا بَأْسَ بِالشَّفَاعَةِ فِي السَّارِقِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ وَجَب) .
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ ، لَمْ تَجُزْ الشَّفَاعَةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إسْقَاطُ حَقٍّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَفَعَ أُسَامَةُ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ
وَقَالَ : ( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ) ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي حُكْمِهِ"
انتهى .المغني (12/467) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 13:26
مراعاة المصالح والمفاسد ومناصرة الشواذ بحجة وقوفهم مع المسلمين
السؤال
في كثير من الأحيان يتبنى العلماء هنا في الغرب باب المصلحة العامة ، أو الأخذ بالجيد وترك السئ ، وهو أمر أتفهمه ، ولكن ذلك يخلق لبسًا كبيرًا لدى العامة
فعلى سبيل المثال : مسألة أنه ينبغي علينا مناصرة من يطالبون بحقوق الشاذين جنسيًا ؛ لإن كثيرا منهم يقفون ضد الحظر المفروض على المسلمين ، وعليه لا يمكننا القول بأننا ضد المثليين
فذلك سيؤي إلى مزيد من العنصرية، ، وكذلك مسألة مصافحة المرأة ، وعدم إعفاء اللحية ؛ حتى يتمكن الرجل من العمل ، وإطعام عائلته
فضلًا أننا لا نريدهم أن يظنوا أننا ضد المرأة ، وكذلك الأمر بالنسبة للقروض الربوية لشراء المنزل للعيش في استقرار ، فآمل توضيح الموقف الصحيح من هذه الأقوال .
الجواب
الحمد لله
الشريعة قائمة على تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
والموازنة بين المصالح والمفاسد والترجيح بينها باب دقيق من أبواب الفقه، فقد يترك الواجب، لدفع مفسدة أعظم، ويرتكب أهون الشرين لدفع أعلاهما.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فصل نافع سماه: "فصل جامع في تعارض الحسنات؛ أو السيئات؛ أو هما جميعا" جاء فيه:
"فالتعارض إما بين:
1 - حسنتين لا يمكن الجمع بينهما؛ فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح.
2 - وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما؛ فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما.
3 - وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة؛ وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة"
انتهى من مجموع الفتاوى (20/ 48).
والمقصود أن الموازنة بين المصالح والمفاسد باب دقيق، ولا يقوم بها إلا العلماء المتقنون.
وقد ذكرت في سؤالك أمورا متفاوتة، فالفاحشة والشذوذ والربا: ليستا كمصافحة الأجنبية، وحلق اللحية، مثلا .
فإن الشذوذ كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وانتشارها في المجتمع من أسباب الهلاك ونزول العذاب، والإقرار بحق الشواذ قد يفهم منه إباحة ذلك ، وأنه ليس محرما ولا جرما، وهذا كفر بيِّن.
وكيفما كان الأمر ، فلا نرى رخصة في مجاملة الشواذ بحجة تقليل العنصرية، أو كون هؤلاء يقفون مع قضايا المسلمين
فإن انتشار الشذوذ هلاك للمجتمع، ومضرته ستعود على المسلمين وغيرهم. ومفسدة الرضا بمنكرهم العظيم ، أو الإقرار به : أعظم في ميزان الشرع ، من كل ما يتوهم من المصالح في ذلك .
والربا كبيرة من كبائر الذنوب أيضا، وفاعله متوعَّد باللعن والمحق والحرب، فلا يباح إلا عند الضرورة.
والحاجة إلى السكن تندفع بالاستئجار، ولهذا يخطئ من يرخص في الربا لشراء أو بناء المسكن.
وأما مصافحة المرأة الأجنبية فمحرمة، وقد يترتب على تركه مفسدة نفور المرأة من الإسلام وظنها أن ذلك إهانة للمرأة، لكن هذه المفسدة يمكن دفعها بالبيان والشرح
وفي غير المسلمين من لا يصافح النساء أيضا، أو من لا تصافح الرجال، فتفهّم هذه المسألة سهل ويسير غالبا.
وأما حلق الرجل لحيته فمحرم، لكن إن أُكره على حلقها، أو لحق به ضرر معتبر فلم يتمكن من العمل وإعالة نفسه وأهله إلا بحلقها ، أو تخفيفها : جاز ذلك، من باب ارتكاب أهون الشرين وأخف المفسدتين .
والحاصل : أن إعمال الموازنة بين المصالح والمفاسد لابد منه، ولا يكون ذلك إلا على يد العلماء، وقد يخطئ بعضهم في ذلك فلا يتابع على خطئه.
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 13:31
لا تعارض بين الآية : ( لا إكراه في الدين ) وبين الأحاديث الدالة على قتل المرتد
السؤال
كيف التوفيق بين الآية ) لا إكراه في الدين ( ، وبين حكم قتل المرتد في الإسلام ؟
الجواب
الحمد لله
لا تعارض بين قوله تعالى : ( لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ، وبين النصوص الدالة على قتل المرتد ، فالآية محمولة على الكافر الأصلي الذي لم يدخل الإسلام ابتداء
فهذا لا يُكره على الدخول في الإسلام ، وأما من دخل في الإسلام طواعية ، ثم ارتد عنه ، فهذا لا تشمله الآية ، بل قتل مثل هذا تقتضيه الحكمة والمصلحة ؛ ففي قتله صيانة للدين ولأهله .
قال ابن حزم رحمه الله :
" وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : ( لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ : لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا ; لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى إكْرَاهِ الْمُرْتَدِّ عَنْ دِينِهِ "
انتهى من " المحلى " (12/119) .
وقال ابن تيمية رحمه الله :
" فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ ذَلِكَ – أي المرتد - لَكَانَ الدَّاخِلُ فِي الدِّينِ يَخْرُجُ مِنْهُ ، فَقَتْلُهُ حِفْظٌ لِأَهْلِ الدِّينِ وَلِلدِّينِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ النَّقْصِ ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْهُ ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ "
انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/102) .
وقال ابن عاشور رحمه الله :
" وَحِكْمَةُ تَشْرِيعِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ - مَعَ أَنَّ الْكَافِرَ بِالْأَصَالَةِ لَا يُقْتَلُ - أَنَّ الِارْتِدَادَ خُرُوجُ فَرْدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، فَهُوَ بِخُرُوجِهِ مِنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ
يُنَادِي عَلَى أَنَّهُ لَمَّا خَالَطَ هَذَا الدِّينَ وَجَدَهُ غَيْرَ صَالِحٍ ، وَوَجَدَ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلَحَ ، فَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالدِّينِ وَاسْتِخْفَافٌ بِهِ .
وَفِيهِ أَيْضًا تَمْهِيدُ طَرِيقٍ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْسَلَّ مِنْ هَذَا الدِّينِ ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى انْحِلَالِ الْجَامِعَةِ ، فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ لِذَلِكَ زَاجِرٌ ، مَا انْزَجَرَ النَّاسُ ، وَلَا نَجِدُ شَيْئًا زَاجِرًا مِثْلَ تَوَقُّعِ الْمَوْتِ ، فَلِذَلِكَ جُعِلَ الْمَوْتُ هُوَ الْعُقُوبَةَ لِلْمُرْتَدِّ
حَتَّى لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ فِي الدِّينِ إِلَّا عَلَى بَصِيرَةٍ ، وَحَتَّى لَا يَخْرُجَ مِنْهُ أَحَدٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنِ الْإِكْرَاهِ فِي الدِّينِ الْمَنْفِيِّ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) [الْبَقَرَة: 256]
عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ هُوَ إِكْرَاهُ النَّاسِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ أَدْيَانِهِمْ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ
وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ مِنِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَقَاءِ فِي الْإِسْلَام ".
انتهى من " التحرير والتنوير " (2/ 336) .
وينظر في الحكمة من قتل المرتد إلى جواب السؤال القادم
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 13:37
لماذا يقتل من كفر بعد إسلامه ؟
السؤال
عقوبة المرتد هو القتل ، فلماذا هذا التشدد ؟.
الجواب
الحمد لله
عقوبة المرتد عن دين الإسلام هي القتل ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/217
وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( من بدّل دينه فاقتلوه ) رواه البخاري في صحيحه
ومعنى الحديث : من انتقل عن دين الإسلام إلى غيره واستمر على ذلك ولم يتب فإنه يقتل
وثبت أيضاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيّب الزاني ، المارق من الدين التارك للجماعة ) رواه البخاري ومسلم .
وهذا التشديد في عقوبة المرتد لأمور عديدة منها :
1. أن هذه العقوبة زجر لمن يريد الدخول في الإسلام مصانعة أو نفاقاً ، وباعث له على التثبت في الأمر فلا يقدم إلا على بصيرة وعلم بعواقب ذلك في الدنيا والآخرة
فإن من أعلن إسلامه فقد وافق على التزامه بكل أحكام الإسلام برضاه واختياره ، ومن ذلك أن يعاقب بالقتل إذا ارتد عنه .
2. من أعلن إسلامه فقد دخل في جماعة المسلمين ، ومن دخل في جماعة المسلمين فهو مطالب بالولاء التام لها ونصرتها ودرء كل ما من شأنه أن يكون سبباً في فتنتها أو هدمها أو تفريق وحدتها
والردة عن الإسلام خروج عن جماعة المسلمين ونظامها الإلهي وجلب للآثار الضارة إليها والقتل أعظم الزواجر لصرف الناس عن هذه الجريمة ومنع ارتكابها .
3. أن المرتد قد يرى فيه ضعفاء الإيمان من المسلمين وغيرهم من المخالفين للإسلام أنه ما ترك الإسلام إلا عن معرفة بحقيقته وتفصيلاته ، فلو كان حقاً لما تحوّل عنه
فيتلقون عنه حينئذ كل ما ينسبه إليه من شكوك وكذب وخرافات بقصد إطفاء نور الإسلام وتنفير القلوب منه
فقتل المرتد إذاً هو الواجب ؛ حماية للدين الحق من تشويه الأفّاكين ، وحفظاً لإيمان المنتمين إليه وإماطة للأذى عن طريق الداخلين فيه .
4. ونقول أيضاً : إذا كانت عقوبة القتل موجودة في قوانين البشر المعاصرة حماية للنظام من الاختلال في بعض الأحوال ومنعاً للمجتمع من الانسياق في بعض الجرائم التي تفتك به ، كالمخدرات وغيرها
فإذا وُجد هذا لحماية قوانين البشر فدين الله الحق الذي لا يأيته الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي كله خير وسعادة وهناء في الدنيا والآخرة أولى وأحرى بأن يُعاقب من يعتدي عليه
ويطمس نوره ، ويشوه نضارته ، ويختلق الأكاذيب نحوه لتسويغ ردته وانتكاسه في ضلالته .
فتاوى اللجنة الدائمة (21/231-234) .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 13:46
لماذا استعمل الصحابة الحرق بالنار كعقوبة على بعض الجرائم ؟
السؤال
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: لا يعذب بالنار إلا الله ؟!
وبالتالي أليس الحرق محرم في الشرع ؟
لقد ذكرتم في الفتوى أن علياً وأبا بكر وخالد بن الولد حرقوا مرتكبي جريمة اللواط ، أفلا يأثمون لفعل ذلك ؟
وحتى على فرض أنه يُقتل قصاصاً، أليس القصاص بالحرق حرام ؟
الجواب
الحمد لله
العقوبة بالتحريق بالنار قد ثبت النهي عنها .
عَنْ عِكْرِمَةَ : " أَنَّ عَلِيًّا رضى الله عنه حَرَّقَ قَوْمًا ، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ
لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ ، وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ " رواه البخاري ( 3017 ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : " بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ فَقَالَ: ( إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ )
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَدْنَا الخُرُوجَ : ( إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا ، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا ) " رواه البخاري ( 3016 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم "
انتهى من " فتح الباري " ( 6 / 150 ) .
وهذا النهي العام عن العقوبة بالتحريق بالنار استثنى منه جمهور أهل العلم التحريق بالنار على سبيل القصاص ، والمعاقبة بالمثل ؛ فمن حرَّق غيره ، يجوز ـ على هذا القول ـ أن يعاقب بالحرق قصاصا .
واستدلوا بقوله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )البقرة /194.
وقوله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ )النحل /126 .
والقاعدة الأصولية تقول : إن إعْمال النصين الصحيحين ، غير المنسوخين : أولى من إهمال أحدهما .
وراجع للفائدة الفتوى القادمه) .
فلهذا يرى جمهور الفقهاء جواز التحريق بالنار على وجه القصاص .
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى :
" وقالت طائفة : من حرق يحرق ، وبه قال مالك وأهل المدينة والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق "
انتهى من " التوضيح لشرح الجامع الصحيح " ( 18 / 61 ) .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 13:47
ثانيا :
أما ما ذكر في الفتوى من أن علياً وأبا بكر وخالد بن الولد حرقوا مرتكبي جريمة اللواط ، فيقال في الجواب عنه :
الصحابة رضوان الله عليهم
خاصة كبارهم كالخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم قد أثنى الله عليهم في القرآن وثبتت فضائلهم بالسنة ، وكل ذلك بسبب شدة امتثالهم وطاعتهم لأوامر الشرع
وثباتهم عليها واجتهادهم في الدعوة إليها حتى لقوا الله تعالى وهم كذلك .
ومن كانت هذه حالهم ، فإننا إذا وجدنا لهم قضاء أو فتوى ظاهرها يعارض نصا شرعيا ، ففي هذه الحالة يجب اتباع الآتي :
الخطوة الأولى : علينا أن نتأكد من صحة ما نسب إليهم . فلا يجوز أن ننسب لشخص شيئا لم نتأكد من صحة ثبوته .
وحوادث القتل بالنار المنسوبة للصحابة رضوان الله عليهم ليست كلها صحيحة
وما جاء في الفتوى التي أشرت إليها ، فهذه الفتوى كانت بصدد بيان أقوال أهل العلم في عقوبة فاعل فاحشة اللواط ، فسيقت جميع الأقوال المذكورة في كيفية العقوبة على هذه الفاحشة .
وقد ذكر التحريق اتباعا لمن قال بثبوته عن الصحابة ، كابن القيم رحمه الله تعالى حيث قطع بثبوت هذه الحادثة كما سيق قوله في الفتوى .
لكن يوجد من خالف ابن القيم وضعف هذه القصة ؛ ومنهم البيهقي رحمه الله تعالى حيث قال في "السنن الكبرى" ( 17 / 219 ) : " هذا مرسل " انتهى .
ومن المعروف : أن المرسل أحد أنواع الحديث الضعيف.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" أما الإحراق : فروى ابن أبي الدنيا من طريق البيهقي ، ومن طريق ابن المنكدر : أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر أنه وجد رجلا في بعض نواحي العرب ، ينكح كما تنكح المرأة
فجمع أبو بكر الصحابة ، فسألهم ، فكان أشدهم في ذلك قولا علي ، فقال : نرى أن نحرقه بالنار ، فاجتمع رأي الصحابة على ذلك .
قلت : وهو ضعيف جدا ، ولو صح لكان قاطعا للحجة ".
انتهى من " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " ( 2 / 103 ) .
وعلق الشيخ بكر أبو زيد على هذه الرواية بقوله :
" وحكم الأئمة بأنه حديث مرسل كما صرح به البيهقي والشوكاني " .
انتهى من " الحدود والتعزيرات عند ابن القيم " ( ص 175 ) .
فالحاصل أن هذه الحادثة غير مقطوع بصحتها وثبوتها .
الخطوة الثانية : ففي حالة صحة نسبة فتوى أو قضاء ما ، كقصة علي رضي الله عنه .
عَنْ عِكْرِمَةَ : " أَنَّ عَلِيًّا رضى الله عنه حَرَّقَ قَوْمًا ، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ )
وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) " رواه البخاري ( 3017 ) .
ففي مثل هذه الحادثة لا بد من وجود سبب جعل عليّا رضي الله عنه يقضي بالتحريق ، وهذه الأسباب المحتملة :
السبب الأول : لعله لم يصله حديث النهي ، فالصحابة رضوان الله عليهم هم كباقي البشر ، يفوت الواحد منهم من العلم ، بحسب حاله ، كما فات أبا بكر وعمر
مسائل من العلم ، علمها غيرهم ، وهما أفضل من علي رضي الله عنهم جميعا . وكما فاتت غيرهم أيضا من مسائل العلم ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ما هو معلوم .
قال الحازمي رحمه الله تعالى :
" عن عكرمة ( أن عليا حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام ، فبلغ ابن عباس فقال : لم أكن لأحرقهم بالنار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله
وكنت أقتلهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه .
قال : فبلغ ذلك عليا ، فقال : ويح ابن عباس ).
هذا حديث ثابت صحيح .
قالوا : واستعجاب علي من كلام ابن عباس : يدل على أنه لم يكن قد بلغه النسخ ، وحيث بلغه قال به ، ولولا ذلك لأنكر على ابن عباس قوله " .
انتهى من " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار " ( ص 194 ) .
السبب الثاني : لعله نسي حديث النهي ولم يتذكره ، والناسي معذور غير آثم .
ولهذا نظائر في سير الصحابة أن بعضهم قد ينسى حديثا فيذكِّره الآخر .
قال محمد بن علي بن آدم الإثيوبي :
" ويحتمل أن يكون قالها – أي قول علي ( ويح ابن عباس ) - رضًا بما قال ، وأنه حفظ ما نسيه "
انتهى من " ذخيرة العقبى في شرح المجتبى " ( 31 / 385 ) .
السبب الثالث : لعله كان يتأول أن النهي لمجرد الكراهة وليس للتحريم ، كما اختار ذلك بعض أهل العلم .
قال الزرقاني رحمه الله تعالى :
" فقال – علي رضي الله عنه - : ( ويح أم ابن عباس ) . وهو محتمل أنه لم يرض اعتراضه عليه ، ورأى أن النهي للتنزيه ؛ لأن عليا كان يرى جواز التحريق
وكذا خالد بن الوليد وغيرهما تشديدا على الكفار ، ومبالغة في النكاية والنكال " .
انتهى من " شرح الموطأ " ( 3 / 193 - 194 ) .
وعلى مثل هذه الأسباب يحمل حرق أبي بكر رضي الله عنه لأصحاب فاحشة اللواط ، إن ثبتت صحتها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة - المقبولين عند الأمة قبولا عاما- يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته ، دقيق ولا جليل .
فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولكن إذا وجد لواحد منهم قول ، قد جاء حديث صحيح بخلافه ، فلا بد له من عذر في تركه . وجميع الأعذار ثلاثة أصناف :
أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله .
والثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول .
والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ .
وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة ... "
انتهى من " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " ( ص 8 – 9 ) .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 13:52
عند تعارض النصوص الشرعية ، ما العمل؟
السؤال
حجة مازال الشرع يتتابع كيف تضبط ؟ فمثلا إذا وجد حديث فيه أمر بالإلزام ، ثم وجدنا حديثا آخر في نفس المسألة لم يحتم علينا الأمر ، فيجنح بعض أهل العلم في هذا إلى :
1- الحكم بالوجوب حسب الأصل في الأوامر ، ولا يأخذ بمقتضى الحديث الثاني بحجة أن الشرع مازال يتتابع والوحي ينزل .
2- والبعض يجمع بينهما فيحمل الأمر على الندب . فما ضابط حجة مازال الشرع يتتابع ، ولماذا لا يقال بالندب في المثال السابق بنفس الحجة فيصير الأمر إلى الندب ؟
الجواب
الحمد لله :
من المعلوم أن كثيراً من الأحكام الشرعية جاء التشريع بها على مراحل ، مراعاة لأحوال الناس زمن نزول الوحي ، فقد يكون الشيء في أول الأمر مستحباً ، ثم يصير واجباً ، أو يكون مباحاً ثم محرماً ، أو العكس .
والعبرة بما استقر عليه الأمر في آخر الأمر .
ففي صحيح البخاري (989) عن ابن شهاب الزهري قال : ( وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).
ورواه مسلم (1113) عنه بلفظ : ( وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ ) .
وفي لفظ: ( فَكَانُوا يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَرَوْنَهُ النَّاسِخَ الْمُحْكَمَ ).
وهذا الذي قاله الزهري هو الذي جرى عليه عمل عامة العلماء : فيؤخذ بآخر الأمرين من النصوص الشرعية ؛ نظراً لتتابع الوحي وتجدد كثير من الواجبات والأحكام .
إلا أن شرط ذلك وضابطه : أن يتعذر الجمع بين النصوص الشرعية بوجه من وجوه الجمع المعتبرة ، وأما إذا أمكن الجمع بينها ، فهو مقدم على الأخذ بأحدهما وترك الآخر .
ومن القواعد المقرَّرة عند العلماء : " الجمع مقدَّم على الترجيح" ، أو " الإعمال أولى من الإهمال".
فإعمال جميع النصوص مقدم على الأخذ ببعضها وترك البعض الآخر .
قال ابن حزم في "الإحكام" (2/151)
: " إذا تعارض الحديثان ، أو الآيتان ، أو الآية والحديث ، فيما يَظنُّ من لا يَعْلَم ، ففرضٌ على كلِّ مسلمٍ استعمالُ كلِّ ذلك ، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض
ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله ، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها ، وكلٌّ من عند الله عز وجل ، وكلٌّ سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق ". انتهى.
وقال الحافظ ابن رجب :
"وإذا أمكن الجمع بينها والعمل بها كلها وجب ذلك ، ولم يجز دعوى النسخ معهُ ، وهذه قاعدة مطردة ".
انتهى من " فتح الباري" لابن رجب (5/84) .
وقال الحافظ ابن حجر :
" الجمع أولى من الترجيح ، باتفاق أهل الأصول ".
انتهى من " فتح الباري" لابن حجر (9/474) .
" ومما ينبغي التنبيه له : أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين آيتين أو بين حديثين صحيحين أو بين آية وحديث صحيح ، وإذا بدا تعارض بين نصين من هذه النصوص
فإنما هو تعارض ظاهري فقط بحسب ما يبدو لعقولنا ، وليس بتعارض حقيقي ، لأن الشارع الواحد الحكيم لا يمكن أن يصدر عنه دليلٌ آخر يقتضي في الواقعة نفسها حكماً خلافه ، في الوقت الواحد .
فإن وجد نصان ظاهرهما التعارض وجب الاجتهاد في صرفهما عن هذا الظاهر ، والوقوف على حقيقة المراد منهما ، تنزيهاً للشارع العليم الحكيم عن التناقض في تشريعه
فإن أمكن إزالة التعارض الظاهري بين النصين بالجمع والتوفيق بينهما ، جُمع بينهما وعُمل بهما ، وكان هذا بياناً ، لأنه لا تعارض في الحقيقة بينهما ".
انتهى ، "علم أصول الفقه" لخلاف صـ230.
وإن تعذر الجمع بين النصين الشرعيين بوجه من وجه الجمع المقبولة ، فيؤخذ بالمتأخر منهما عندئذ ، ويكون ناسخاً للأول .
وإن لم يعلم المتقدم منهما والمتأخر ، فيرجَّح بينهما بوجوه الترجيح الكثيرة
والتي أفاض العلماء في تفصيلها في كتب الأصول ، وللوقوف عليها يرجع إلى "البحر المحيط" (4 / 442) للزركشي ، و"إرشاد الفحول" (2 / 264) للشوكاني.
قال النووي :
" وأما إذا تعارض حديثان في الظاهر ، فلا بد من الجمع بينهما أو ترجيح أحدهما ، وإنما يقوم بذلك غالبا الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه ، والأصوليون المتمكنون في ذلك
الغائصون على المعاني الدقيقة ، الرائضون أنفسهم في ذلك ، فمن كان بهذه الصفة لم يُشكل عليه شيء من ذلك إلا النادر في بعض الأحيان .
ثم المختلف قسمان :
أحدهما : يمكن الجمع بينهما ، فيتعين ، ويجب العمل بالحديثين جميعاً ، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة ، تعين المصير إليه ، ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع
لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به ...
القسم الثاني : أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بوجه ، فإن علمنا أحدهما ناسخاً قدمناه ، وإلا عملنا بالراجح منهما ، كالترجيح بكثرة الرواة ، وصفاتهم
وسائر وجوه الترجيح ، وهى نحو خمسين وجهاً جمعها الحافظ أبو بكر الحازمي في أول كتابه الناسخ والمنسوخ ".
انتهى "شرح النووي على مسلم" (1/35) .
والخلاصة :
إذا تعارض نصان شرعيان ، فأول واجب هو الجمع بينهما بأحد وجوه الجمع المقبولة ، فإن تعذر ذلك فيعمل بالمتأخر منهما ، فإن لم يعلم المتأخر فيرجح بينهما ويؤخذ بالأرجح .
ولا بد من ملاحظة أن مناهج الفقهاء في دفع التعارض بين الأدلة الشرعية قد تختلف في الناحية التطبيقية ، فمنهم من يتبين له وجه الجمع بينها ، ومنهم من قد يرى في الجمع تكلفاً فيلجأ إِلى القول بالنسخ أو الترجيح ، وهكذا .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
Nadir1010
2018-10-22, 17:16
مع اقتراب موعد المعرض الدولي للكتاب بالجزائر والذي سيكون إن شاء الله يوم 25 أكتوبر نرجو أن ينبه بعضنا بعضا من أن الروافض يًدخلون كتبهم بعناوين غير مثيرة للانتباه، وعبر *دور نشر لبنانية وأخرى سورية*، ومن تلك الدور الشيعية اللبنانية:
*مؤسسة آل البيت* وهي مؤسسة دينية من أصل إيراني ومقرها طهران).
*دار المفيد*،
*دار الهادي*،
*دار الأمير*،
*دار الأعلمي*،
*دار الأضواء*،
*دار الغدير*،
*دار المحجة البيضاء*
،
*دار الأندلس* (مديرة دار الأندلس سميرة عاصي هي أخت زوجة نبيه بري قاتل الفلسطينيين في مخيمات صيدا وجنوب لبنان)،
*دار الملاك*،
*دار الرافدين*.
وعليه نرجو نشر هذه الرسالة على أوسع نطاق، ذلك أن ثمة تواطؤا كبيرا من الجهات المسؤولة مع هؤلاء الروافض الضالين لنشر ضلالهم.. بارك الله فيكم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
*عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله*.
رواه الترمذي.
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 12:38
مع اقتراب موعد المعرض الدولي للكتاب بالجزائر والذي سيكون إن شاء الله يوم 25 أكتوبر نرجو أن ينبه بعضنا بعضا من أن الروافض يًدخلون كتبهم بعناوين غير مثيرة للانتباه، وعبر *دور نشر لبنانية وأخرى سورية*، ومن تلك الدور الشيعية اللبنانية:
*مؤسسة آل البيت* وهي مؤسسة دينية من أصل إيراني ومقرها طهران).
*دار المفيد*،
*دار الهادي*،
*دار الأمير*،
*دار الأعلمي*،
*دار الأضواء*،
*دار الغدير*،
*دار المحجة البيضاء*
،
*دار الأندلس* (مديرة دار الأندلس سميرة عاصي هي أخت زوجة نبيه بري قاتل الفلسطينيين في مخيمات صيدا وجنوب لبنان)،
*دار الملاك*،
*دار الرافدين*.
وعليه نرجو نشر هذه الرسالة على أوسع نطاق، ذلك أن ثمة تواطؤا كبيرا من الجهات المسؤولة مع هؤلاء الروافض الضالين لنشر ضلالهم.. بارك الله فيكم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
*عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله*.
رواه الترمذي.
بارك الله فيك اخي الكريم
و جزاك الله عنا كل خير
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 12:41
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
ما الحكمة من عقاب النبي صلى الله عليه وسلم للعرنيين بسمل أعينهم ؟
السؤال
لقد ذكر في حديث ما يلي : عن أنس بن مالك رضي الله عنه : " أن نفراً من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام
فاستوخموا الأرض ، وسقمت أجسامهم ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال: ( ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها )
فقالوا: بلى , فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها حتَّى صَلَحَتْ أبْدانُهُمْ ، فقَتَلُوا الرَّاعيَ وساقُوا الإبلَ، فبَلَغَ النَّبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبَعَثَ في طَلَبِهمْ، فجِيءَ بِهِمْ، فقَطَعَ أيْدِيَهُم وأرْجُلَهُم وسَمَر أعْيُنَهُم "
رواه البخاري . لماذا سمر رسولنا الكريم أعينهم ، رغم أن ذلك غير موجود في آية الحد ؟
الجواب
الحمد لله
الحديث الذي سألت عنه ، هو :
ما رواه البخاري ( 233 ) ، ومسلم ( 1671 ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : " قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ
وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا ، فَانْطَلَقُوا ، فَلَمَّا صَحُّوا ، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ ، فَجَاءَ الخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ
فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ ، فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ، وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ ، وَأُلْقُوا فِي الحَرَّةِ ، يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَوْنَ " .
ومعنى ( سُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ ) قد جاء بيان معناها في رواية أخرى عند البخاري ( 3018 ) : ( ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا ) .
وسمر النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم على وجه القصاص والعقوبة بالمثل ، لأنهم فعلوا ذلك بالرعاة
كما جاء بيان ذلك في صحيح مسلم (1671) عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: " إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ ، لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ " .
قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
" استشكل بعض العلماء تمثيله صلى الله عليه وسلم بالعُرَنيين ؛ لأنه سمل أعينهم ، مع قطع الأيدي والأرجل ، مع أن المرتد يقتل ولا يمثل به ...
والتحقيق في الجواب : هو أنه صلى الله عليه وسلم فعل بهم ذلك قصاصا ، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم إنما سمل أعينهم قصاصا ؛ لأنهم سملوا أعين رعاة اللِّقاح " .
انتهى من " أضواء البيان " ( 2 / 115 – 116 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" وفيها من الفقه ... أنه يفعل بالجاني كما فعل ، فإنهم لما سملوا عين الراعي ، سمل أعينهم "
انتهى من " زاد المعاد " ( 3 / 255 ) .
وقال ابن حجر رحمه الله :
" وفي هذا الحديث من الفوائد ... المماثلة في القصاص ، وليس ذلك من المثلة المنهي عنها "
انتهى من " فتح الباري " ( 1 / 341 ) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 12:47
الدليل على اشتراط أخذ المال من حرزه لقطع يد السارق
السؤال
ما الدليل على اشتراط الحرز في السرقة ؟
الجواب
الحمد لله
ذهب جماهير العلماء ( ومنهم الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى ) إلى أن من شروط قطع يد السارق : أن يسرق المال من حرزه .
والحرز هو ما يحفظ فيه المال عادةً ، وهو يختلف باختلاف المال والأحوال .
انظر : " المغني " (12/426) ، و " الشرح الممتع " (14/341-346) .
وقد دل على هذا عدة أحاديث أُخذ منها هذا الحكم ، وإن كانت لم ترد بالنص الصريح على اشتراط الحرز .
فمن هذه الأحاديث :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛
أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ ؟ فَقَالَ : ( مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ
وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (1710) ، وَالنَّسَائِيُّ (4958) ، وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود " .
(الْجَرِينُ) هو الموضع الذي يجمع فيه التمر للتجفيف .
ففرَّق الرسول صلى الله عليه وسلم بين من أخذ من التمر وهو على الشجر ومن أخذ منه بعد نقله إلى الجرين ، فالأول لا قطع عليه
وإنما يعزر ، والثاني عليه القطع ، والفرق بينهما : أن الأول أخذ التمر من غير حرز ، والثاني أخذه من الحرز ، وقد جاءت أحاديث أخرى بهذا المعنى .
جاء في " عون المعبود شرح سنن أبي داود " :
" (غَيْر مُتَّخِذ خُبْنَة ) أَيْ : لَا يَأْخُذ مِنْهُ فِي ثَوْبه .
( فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ ) لَمْ يُفَسِّر الْعُقُوبَة فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ، لَكِنْ جَاءَ فِي رِوَايَات أُخْرَى تَفْسِيرهَا ، فَفِي رِوَايَة أَحْمَد (6645) : ( وَمَنْ اِحْتَمَلَ فَعَلَيْهِ ثَمَنه مَرَّتَيْنِ وَضَرْب نَكَال ) .
قَالَ الطِّيبِيّ : فَإِنْ قُلْت : كَيْف طَابَقَ هَذَا جَوَابًا عَنْ سُؤَاله عَنْ التَّمْر الْمُعَلَّق فَإِنَّهُ سُئِلَ : هَلْ يُقْطَع فِي سَرِقَة التَّمْر الْمُعَلَّق ؟ وَكَانَ ظَاهِر الْجَوَاب أَنْ يُقَال : لَا
فَلِمَ أَطْنَبَ ذَلِكَ الْإِطْنَاب ؟ قُلْت : لِيُجِيبَ عَنْهُ مُعَلِّلًا ، كَأَنَّهُ قِيلَ : لَا يُقْطَع ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْرَق مِنْ الْحِرْز ، وَهُوَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِين " انتهى .
وقال الصنعاني رحمه الله في " سبل السلام " (2/437) :
" أُخِذَ مِنْهُ اِشْتِرَاط الْحِرْز فِي وُجُوب الْقَطْع ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَعْد أَنْ يَأْوِيه الْجَرِين ) " اِنْتَهَى .
وقال القرطبي رحمه الله في " المفهم " (16/1) :
" تنبيه : آيةُ السَّرقة وردت عامة مطلقة ، لكنها مخصَّصة مقيَّدة عند كافة العلماء ؛ إذ قد خرج من عموم السَّارق من سرق أقل من نصاب
وغير ذلك . وتقيَّدت باشتراط الحِرز ، فلا قطع على من سرق شيئًا من غير حرز بالإجماع ، إلا ما شذَّ فيه الحسن ، وأهل الظاهر ، فلم يشترطوا الحِرز" انتهى .
وقال ابن عبد البر رحمه الله في " التمهيد " (23/312) :
" هذا الحديث أصل عند جمهور أهل العلم في مراعاة الحرز واعتباره في القطع ...
قال أبو عبيد : الثمر المعلق هو الذي في رؤوس النخل لم يُجَذْ ولم يحرز في الجرين " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (28/331-332) :
" وَلَا يَكُونُ السَّارِقُ سَارِقًا حَتَّى يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ حِرْزٍ . فَأَمَّا الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ صَاحِبِهِ وَالثَّمَرُ الَّذِي يَكُونُ فِي الشَّجَرِ فِي الصَّحْرَاءِ بِلَا حَائِطٍ ، وَالْمَاشِيَةُ الَّتِي لَا رَاعِيَ عِنْدَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ
فَلَا قَطْعَ فِيهِ ، لَكِنْ يُعَزَّرُ الْآخِذُ وَيُضَاعَفُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ ، كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ " انتهى .
وقال ابن رشد رحمه الله في " بداية المجتهد " (2/368) :
" وأما الشرط الثاني في وجوب هذا الحد فهو الحرز
وذلك أن جميع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وأصحابهم متفقون على اشتراط الحرز في وجوب القطع
وإن كان قد اختلفوا فيما هو حرز مما ليس بحرز .
والأشبه أن يقال في حد الحرز : إنه ما شأنه أن تحفظ به الأموال كي يعسر أخذها مثل الأغلاق والحظائر وما أشبه ذلك " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (12/426) :
" الشَّرْطُ الرَّابِعُ : أَنْ يَسْرِقَ مِنْ حِرْزٍ ، وَيُخْرِجَهُ مِنْهُ .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافَهُمْ ، إلَّا قَوْلًا حُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَالْحَسَنِ ، وَالنَّخَعِيِّ ، فِيمَنْ جَمَعَ الْمَتَاعَ ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ ، عَلَيْهِ الْقَطْعُ .
وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ .
وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَفْصِيلَ فِيهَا .
وَهَذِهِ أَقْوَالٌ شَاذَّةٌ ، غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَمَّنْ نُقِلَتْ عَنْهُ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَلَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ ثَابِتٌ ، وَلَا مَقَالٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ ، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ .... ثم ذكر الحديث المتقدم . ثم قال :
وَهَذَا الْخَبَرُ يَخُصُّ الْآيَةَ ، كَمَا خَصَّصْنَاهَا فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ " انتهى .
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (101781) ففيها الشروط الواجب توافرها حتى تقطع يد السارق .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 12:51
اختراق مواقع البنوك وتحويل أموال منها هل تعدُّ سرقة توجب القطع ؟
السؤال
هل يعتبر اختراق مواقع البنوك عن طريق الإنترنت وتحويل مبالغ مالية من البنك إلى حساب المخترق , هل يعتبر ذلك سرقة ؟
وهل يقام على المخترق حد السرقة ؟
الجواب
الحمد لله
السرقة حرام ، بل هي من كبائر الذنوب ، حتى قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) رواه البخاري (5578) ومسلم (57) .
ولا شك أن اختراق مواقع البنوك وتحويل الأموال منها أمر محرّم ، وأكل لأموال الناس بالباطل .
وأما كون ذلك يوجب قطع اليد ، فالأمر في ذلك راجع إلى القاضي الشرعي الذي رفعت له القضية .
وقطع يد السارق لا بد له من شروط ، منها أن يكون المال مسروقاً من حرز ( وهو ما يُحفظ فيه المال عادة )
قال الإمام القرطبي رحمه الله
: " اتفق جمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على مَن أخرج مِن حرزٍ ما يجب فيه القطع ...
الحزر هو : ما نُصب عادةً لحفظ أموال الناس ، وهو يختلف في كل شيء بحسب حاله .
قال ابن المنذر
: ليس في هذا الباب خبر ثابت لا مقال فيه لأهل العلم ، وإنما ذلك كالإجماع من أهل العلم " انتهى .
" تفسير القرطبي " ( 6 / 162 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما هي شروط قطع اليد في السرقة ؟ .
فأجابوا :
" يشترط لقطع يد السارق تسعة شروط :
1. السرقة ، وهي : أخذ المال مختفياً ، فإن اختطفه أو اختلسه : فلا قطع عليه .
2. أن يكون السارق مكلَّفاً ، فلا يجب الحد على الصبي ، ولا المجنون .
3. أن يكون المسروق نِصاباً ، فلا قطع فيما دونه ، والنصاب : ربع دينار من الذهب ، أو ما قيمته ذلك من غيره .
4. أن يكون المسروق مما يتمول عادة .
5. أن يكون المسروق مما لا شبهة فيه .
6. أن يسرق مِن حرز .
7. أن يُخرجه مِن الحرز .
8. أن تثبت السرقة عند الحاكم بشهادة عدلين ، أو إقرار من السارق .
9. أن يأتي مالك المسروق ويدعيه .
والنظر في هذه الشروط , وتنزيلها على السرقة راجع إلى القضاء الشرعي " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 223 ، 224 ) .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 12:58
الجواب عن حديث المخزومية التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ، مع أنها لم تسرق من حرز
السؤال
ما الدليل على اشتراط الحرز في السرقة ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد المخزومية التي تستعير المتاع وتجحده ، مع أنها لم تسرق من حرز ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
سبق في الفتوى قبل السابقه و السابقة بيان الدليل على أنه لا قطع على السارق حتى يسرق المال من حرزه ، وذكرنا شيئا من أقوال العلماء في ذلك .
ثانياً :
روى مسلم (1316) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا " .
وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها – أيضاً - : أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ ، فَقَالُوا : وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟! ) ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ
ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) رواه البخاري (3475) ، ومسلم (1688) .
وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله : في توجيه الرواية الأولى التي فيها أنها كانت تستعير المتاع وتجحد استعارته :
فذهب بعض العلماء – وهو مذهب الحنابلة - : أن جاحد العارية
تقطع يده ، حكمه في ذلك حكم السارق ، واستدلوا بظاهر الحديث .
وأما جمهور أهل العلم رحمهم الله ، فقد ذهبوا إلى أن جاحد العارية لا تقطع يده ، وأن حديث المخزومية محمول على أنها قد سرقت ، ودللوا على ذلك بالرواية الأخرى التي فيها أنها سرقت
وقالوا في لفظ : " أنها كانت تستعير المتاع وتجحده " أنه وصف اشتهرت به تلك المرأة ، وليس هو سببا في قطع يدها .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ , عَنْ أَحْمَدَ , فِي جَاحِدِ الْعَارِيَّةِ , فَعَنْهُ : عَلَيْهِ الْقَطْعُ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : " أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ ,
فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا ... الحديث " , قَالَ أَحْمَدُ : لَا أَعْرِفُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْهُ : لَا قَطْعَ عَلَيْهِ , وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ ... , وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ . وَهُوَ الصَّحِيحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - ; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( لَا قَطْعَ عَلَى الْخَائِنِ )
وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُ السَّارِقِ , وَالْجَاحِدُ غَيْرُ سَارِقٍ , وَإِنَّمَا هُوَ خَائِنٌ , فَأَشْبَهَ جَاحِدَ الْوَدِيعَةِ , وَالْمَرْأَةُ الَّتِي كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ إنَّمَا قُطِعَتْ لِسَرِقَتِهَا , لَا بِجَحْدِهَا , أَلَا تَرَى قَوْلَهُ : ( إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ
, وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ ) ، وَقَوْلَهُ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَة بِنْت مُحَمَّدٍ , لَقَطَعْت يَدَهَا ) ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ رِوَايَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ عَائِشَةَ
, أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ , وَذَكَرَتْ الْقِصَّةَ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَفِي حَدِيثٍ أَنَّهَا سَرَقَتْ قَطِيفَةً , فَرَوَى الْأَثْرَمُ , بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ :
" لَمَّا سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْظَمْنَا ذَلِكَ , وَكَانَتْ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ , فَجِئْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا : نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً .
قَالَ : تُطَهَّرَ خَيْرٌ لَهَا . فَلَمَّا سَمِعْنَا لِينَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ , أَتَيْنَا أُسَامَةَ , فَقُلْنَا : كَلِّمْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ سِيَاقِ عَائِشَةَ . وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ ,
وَأَنَّهَا سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ بِسَرِقَتِهَا , وَإِنَّمَا عَرَّفَتْهَا عَائِشَةُ بِجَحْدِهَا لِلْعَارِيَّةِ ; لِكَوْنِهَا مَشْهُورَةً بِذَلِكَ , وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا , كَمَا لَوْ عَرَّفَتْهَا بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا ,
وَفِيمَا ذَكَرْنَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ , وَمُوَافَقَةٌ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ , فَيَكُونُ أَوْلَى "
انتهى من " المغني " (9/94-95) .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 12:58
وجاء في " طرح التثريب " (8/31) :
" اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ قَدْرَ نِصَابِ السَّرِقَةِ ، وَجَحَدَهُ ، ثُمَّ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ : قُطِعَ بِهِ ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ..
.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى جَاحِدِ الْعَارِيَّةِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ .
وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ :
(أَحَدُهَا) : أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ ، فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِجَمَاهِيرِ الرُّوَاةِ ، وَالشَّاذَّةُ لَا يُعْمَلُ بِهَا ، حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ : مَنْ رَوَى أَنَّهَا سَرَقَتْ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهَا كَانَتْ تَجْحَدُ الْمَتَاعَ ، وَانْفَرَدَ مَعْمَرٌ بِذِكْرِ الْجَحْدِ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِحِفْظِهِ ...
..
وَقَالَ وَالِدِي [ يعني : الحافظ العراقي ] - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ : فَقَالَ اللَّيْثُ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ :
أَنَّهَا سَرَقَتْ . وَقَالَ مَعْمَرٌ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ : أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ ........ انْتَهَى .
وَعَكَسَ ابْنُ حَزْمٍ ذَلِكَ ، فَقَالَ : لَمْ يُضْطَربْ عَلَى مَعْمَرٍ وَلَا عَلَى شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ في ذَلِكَ، وَهُمَا فِي غَايَةِ الثِّقَةِ وَالْجَلَالَةِ
وَإِنْ خَالَفَهُمَا اللَّيْثُ وَيُونُسُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ؛ فَإِنَّ اللَّيْثَ وَيُونُسَ قَدْ اُضْطُرِبَ عَلَيْهِمَا أَيْضًا ، وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا فَوْقَ مَعْمَرٍ وَشُعَيْبٍ فِي الْحِفْظِ ، وَقَدْ وَافَقَهُمَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ . انْتَهَى .
(الْجَوَابُ الثَّانِي) : أَنَّ قَطْعَها إنَّمَا كَانَ بِالسَّرِقَةِ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْعَارِيَّةُ تَعْرِيفًا لَهَا ، وَوَصْفًا ؛ لَا لِأَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ . وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ؛ فَإِنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ .
وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ ، وَحَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَالنَّوَوِيِّ عَنْ الْعُلَمَاءِ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ السَّرِقَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا عِنْدَ الرَّاوِي ذِكْرُ مَنْعِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ ، لَا الْإِخْبَارِ عَنْ السَّرِقَةِ انْتَهَى " انتهى .
وقد اختار ابن القيم رحمه الله العمل بظاهر الرواية التي تفيد أنها قطعت من أجل جحدها العارية
فقال رحمه الله :
" وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ جَاحِد الْعَارِيَة لَا يُسَمَّى سَارِقًا
لَكَانَ قَطْعه بِهَذَا الْحَدِيث جَارِيًا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاس ، فَإِنَّ ضَرَره مِثْل ضَرَر السَّارِق ، أَوْ أَكْثَر ؛ إِذْ يُمْكِن الِاحْتِرَاز مِنْ السَّارِق بِالْإِحْرَازِ وَالْحِفْظ
وَأَمَّا الْعَارِيَة فَالْحَاجَة الشَّدِيدَة الَّتِي تَبْلُغ الضَّرُورَة مَاسَّة إِلَيْهَا ، وَحَاجَة النَّاس فِيمَا بَيْنهمْ إِلَيْهَا مِنْ أَشَدّ الْحَاجَات ، وَلِهَذَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى وُجُوبهَا
وَهُوَ مَذْهَب كَثِير مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ، وَأَحَد الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَب أَحْمَد ، فَتَرْتِيب الْقَطْع عَلَى جَاحِدهَا طَرِيق إِلَى حفظ أموال الناس
وتركٌ لباب هَذَا الْمَعْرُوف مَفْتُوحًا ، وَأَمَّا إِذَا عُلِمَ أَنَّ الْجَاحِد لَا يُقْطَع ، فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى سَدّ بَاب الْعَارِيَة فِي الْغَالِب .
وَسِرّ الْمَسْأَلَة : أَنَّ السَّارِق إِنَّمَا قُطِعَ ، دُون الْمُنْتَهِب وَالْمُخْتَلِس ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن التَّحَرُّز مِنْهُ ؛ بِخِلَافِ الْمُنْتَهِب وَالْمُخْتَلِس ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَل ذَلِكَ عِنْد عَدَم اِحْتِرَاز الْمَالِك ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَارِيَة فِيمَا بَيْن النَّاس أَمْر تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَة
فَلَا يُمْكِن سَدّه وَالِاحْتِرَاز مِنْهُ ، فَكَانَ قَطْع الْيَد فِي جِنَايَته كَقَطْعِهَا فِي جِنَايَة السَّرِقَة ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق "
انتهى من " تهذيب السنن " (12/24) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فالمذهب أن الخائن في العارية يقطع ، واستدلوا بحديث المخزومية أنها كانت تستعير المتاع فتجحده ، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقطع يدها .
وليست الخيانة في العارية ، كالخيانة في الوديعة ؛ لأن قابض العارية قبضها لمصلحته ، وأما الوديعة فلمصلحة المالك ، فمن قاسها عليها فقد أخطأ
لأن الفرق بينهما ظاهر ، ولأننا إذا قطعنا جاحد العارية امتنع الناس من جحدها ، وإذا لم نقطعهم تجرأ الناس على جحدها ، وفي هذا سد لباب المعروف
لأن المُعير محسن ، فإذا كان المعير يُجْحَد ، ولا يؤخذ له حقه ، إلا بالضمان فقط ، فإن الناس قد يمتنعون من العارية ، وهي واجبة في بعض الصور ، وهذا يؤدي إلى عدم القيام بهذا الواجب.
ثم نقول أيضاً : هي قسم برأسها ، افرض أنها لا تدخل في السرقة لغة ، فما دام فيها نص ، فما موقفنا أمام الله عزّ وجل إذا كان يوم القيامة
والرسول صلّى الله عليه وسلّم قطع بها ، وقال : ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) "
انتهى من " الشرح الممتع " (14/329) .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 13:04
ما طرق تنفيذ القتل على المحكوم عليه بالقتل ؟
السؤال
عندما يقال في الشرع : " حُكم عليه بالموت " فكيف يُطبق حكم الموت هذا، هل بالشنق أم بالذبح ؟
الجواب
الحمد لله
طريقة تنفيذ الحكم بالقتل الصادر في حق شخص ما من طرف محكمة شرعية ؛ تختلف بحسب نوع الحكم أو سببه وتفصيل ذلك كالآتي :
أولا : الرجم :
1- رجم الزاني المُحصَن :
قال ابن قدامة :
" ... وجوب الرّجم على الزّاني المحصن ، رجلا كان أو امرأة . وهذا قول عامّة أهل العلم من الصّحابة ، والتّابعين ، ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار ..
. وقد ثبت الرّجم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله وفعله ، في أخبار تشبه التّواتر ، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وقد أنزله الله تعالى في كتابه ، وإنّما نسخ رسمه دون حكمه "
انتهى من " المغني " ( 12 / 309 ) .
2- جريمة اللواط :
في " الموسوعة الفقهية الكويتية " ( 35 / 340 - 341 ) :
" ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عقوبة اللاّئط هي عقوبة الزّاني ، فيرجم المحصن ويجلد غيره وَيُغَرَّب لأنّه زنا بدليل قوله تعالى: ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ) وقال تعالى: ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ) ...
هذا في الجملة ، ولجمهور الفقهاء ولمخالفيهم في هذا الحكم تفصيل ...
وذهب المالكيّة إلى أنّ من فعل فعل قوم لوط رُجِم الفاعل والمفعول به ، سواء كانا مُحْصَنَيْنِ أو غير مُحْصَنَيْن ، وإنّما يشترط التّكليف فيهما ، ولا يُشْتَرط الإسلام ولا الحُرِّيَّة ...
والمذهب عند الشّافعيّة أنّه يجب باللّواط حدّ الزّنا، وفي قول يقتل الفاعل محصنا كان أو غيره لحديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) ... " انتهى.
ثانيا : القتل قصاصا :
اختلف أهل العلم فبعضهم ذهب إلى أن تنفيذ حكم القصاص على القاتل يكون بالسيف ، وذهب بعضهم إلى أن الحكم ينفذ بمثل الطريقة التي نفذ بها القاتل جريمته
فإن قَتَل بالسيف يُقتَل بالسيف ، وإن نفَّذ جريمتَه بالخنق ينفذ عليه القصاص بالخنق ... الخ ، إلا إذا كانت طريقة الجريمة محرمة في ذاتها ، كمن قتل امرأة بالاغتصاب ، أو قتل شخصا بالسحر
ففي هذه الحالة لا يقتل بمثل طريقة جريمته .
في " الموسوعة الفقهية الكويتية " ( 33 / 272 - 273 ) :
" طريقة استيفاء القصاص في النّفس ؛ ذهب المالكيّة والشّافعيّة وهو رواية للحنابلة إلى أنّ القاتل يقتصّ منه بمثل الطّريقة والآلة الّتي قتل بها
لقوله تعالى: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ )
إلاّ أن تكون الطّريقة محرّمة ، كأن يثبت القتل بخمر فيقتصّ بالسّيف عندهم ، وإن ثبت القتل بلواط أو بسحر ، فيقتصّ بالسّيف عند المالكيّة والحنابلة، وكذا في الأصحّ عن الشّافعيّة ...
وذهب الحنفيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّ القصاص لا يكون إلاّ بالسّيف ، ونصّ الحنابلة على أن يكون في العنق ، مهما كانت الآلة والطّريقة الّتي قتل بها " انتهى.
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 13:04
ثالثا : القتل بالسيف .
1- حدّا :
قتل المرتد .
عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : أُتِيَ عَلِيٌّ رضى الله عنه بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : " لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِنَهْىِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ الله )
وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) رواه البخاري ( 6922 ) ".
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
" القتلُ للكفر ، إما لكفر أصلي ، أو لردّة عن الإسلام ، فأكثر العلماء على كراهة المُثلة فيه أيضاً ، وأنَّه يُقتل فيه بالسيف "
انتهى من " جامع العلوم والحكم " ( 1 / 366 ) .
2- تعزيرا :
والتعزير هو : " التأديب في كل معصية لا حدّ فيها ولا كفارة "
انتهى من " الحدود والتعزيرات عند ابن القيم " للشيخ بكر أبو زيد ( ص 462 ) .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" هل يجوز أن يبلغ بالتّعزير القتل ؟ فيه قولان : أحدهما: يجوز ، كقتل الجاسوس المسلم ، إذا اقتضت المصلحة قتله ، وهذا قول مالك وبعض أصحاب أحمد
واختاره ابن عقيل . وقد ذكر بعض أصحاب الشّافعيّ وأحمد نحو ذلك في قتل الداعية إلى البدعة ، كالتّجهّم والرّفض ، وإنكار القدر ، وقد قتل عمر بن عبد العزيز غيلان القدريّ
لأنّه كان داعية إلى بدعته. وهذا مذهب مالك - رحمه اللّه - وكذلك قتل من لا يزول فساده إلَا بالقتل ... "
انتهى من " الطرق الحكمية في السياسة الشرعية " ( ص 283 – 285 ) .
وسبب استعمال السيف في تنفيذ عقوبة القتل في أغلب الحالات – باستثناء عقوبة الرجم والقصاص عند من يقول بالمماثلة في الآلة - : أن الضرب بالسيف على العنق أسهل وجوه القتل
فلا يتعذب المقتول ، وهذا من الإحسان في القتل .
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، قَالَ ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ
وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) رواه مسلم ( 1955 ) .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
" والقِتلة والذِّبحة بالكسر ، أي: الهيئة ، والمعنى: أحسنوا هيئة الذبح ، وهيئة القتل . وهذا يدلّ على وجوب الإسراع في إزهاق النفوس التي يُباح إزهاقها على أسهل الوجوه
. وقد حكى ابنُ حَزمٍ الإجماع على وجوب الإحسان في الذبيحة .
وأسهل وجوه قتل الآدمي ضربه بالسيف على العنق
قال الله تعالى في حقّ الكفار: ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ) ، وقال تعالى: ( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ ) .
وقد قيل: إنّه عيَّن الموضع الذي يكون الضرب فيه أسهل على المقتول وهو فوق العظام دون الدماغ "
انتهى من " جامع العلوم والحكم " ( 1 / 363 ) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 13:13
سؤال عن قصة الصحابي الذي سُرِقت خميصته وهو نائم ، وهل تقطع يد المختلس لأموال الناس ؟
السؤال
أولا: سمعت من أحد المشايخ أن صحابيا كان نائما وتحت رأسه عباءته ، فجاء رجل ليسرقها من تحته فاستيقظ وأمسك به ، وكان ثمن العباءة 30 درهم
فأخذه للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يده ، فقال الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم : أسامحه ولا تقطع يده ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ألا قبل أن تأتني به وقطع يده .
فقال : نستنتج من ذلك من أراد أن يسامح في حقه يكون قبل ذهاب اللص للقاضي ، أما إذا ذهب اللص للقاضي فليس لأي أحد أن يسقط قطع اليد فهل هذه القصة صحيحة وما نصها ؟
ثانيا : وفي فتواكم رقم : (9935 ) تقولون أن يكون أخذ الشيء على وجه الخِفْيَةِ
فإن لم يكن على وجه الخفية فلا تُقْطَع اليد . فهل إذا سرق شخص من الناس شيئا في زحام مثل المواصلات أو السوق فلا تقطع يده لأن المسروق منه رآه ؟
مثل : رجل سرق حقيبة امرأة تحملها على كتفها ، وأخذ يهرب ، فصرخت المرأة لكي يتمكن الناس من إمساكه فهل هذه الحالة ليس فيها قطع يد ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
القصة التي تسأل عنها هي ما جاء في الحديث التالي :
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ : " كُنْتُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى خَمِيصَةٍ لِي ثَمَنُ ثَلاَثِينَ دِرْهَمًا ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاخْتَلَسَهَا مِنِّي ، فَأُخِذَ الرَّجُلُ ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَ بِهِ لِيُقْطَعَ . قَالَ : فَأَتَيْتُهُ
فَقُلْتُ : أَنَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلاَثِينَ دِرْهَمًا ، أَنَا أَبِيعُهُ ، وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهَا ؟ قَالَ: فَهَلاَّ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ )
رواه أبو داود ( 4394 ) ، والحاكم في " المستدرك " ( 4 / 380 ) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " ( 2317 ) .
وما استنتجه هذا القائل ، من الحديث : صحيح مقرر ؛ أن التسامح في الحدود ، والعفو عنها : إنما يكون قبل أن يرفع ذلك إلى الإمام : الحاكم
أو القاضي ؛ فإذا رفعت القضية إليه ، فقد صارها نظرها ، والحكم فيها : حقا للشرع ، لا للشخص ، صاحب الواقعة .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" لَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا فِي الْحُدُودِ إِذَا بَلَغَتْ إِلَى السُّلْطَانِ ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَفْوٌ لَا لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ ، وَجَائِزٌ لِلنَّاسِ أَنْ يَتَعَافَوُا الْحُدُودَ مَا بَيْنَهُمْ مَا لَمْ يَبْلُغِ السُّلْطَانَ ، وَذَلِكَ مَحْمُودٌ عِنْدَهُمْ .
وَفِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ السَّرِقَةِ فِي ذَلِكَ مَا لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغِ السُّلْطَانَ ، فَإِذَا بَلَغَ السَّارِقُ إِلَى السُّلْطَانِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِهِ فِي عَفْوٍ وَلَا غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يُتْبِعُهُ بِمَا سَرَقَ مِنْهُ إِذَا وَهَبَهُ لَهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ يَجِبُ فِي مِثْلِهَا الْقَطْعُ سَرَقَهَا مِنْ رَجُلٍ غَائِبٍ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ رَبُّ السَّرِقَةِ
وَلَوْ كَانَ لِرَبِّ السَّرِقَةِ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يَحْضُرَ فَيَعْرِفَ مَا عِنْدَهُ فِيهِ "
انتهى من " التمهيد " (11/225-226) .
ثانيا :
ما ذكر في السؤال ، من سرقة شنطة ... ونحو ذلك ، هو ما يعرف في الفقه بـ" الاختلاس" ، وهناك فرق بينه وبين السرقة .
فالسرقة في اللغة ، وفي الفقه ؛ هي أخذ المال من المسروق منه خفية .
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى :
" أما معناها – أي السرقة - : فتتفق كلمة أرباب اللسان على أن العنصر الأساسي في معنى مادة ( سرق ) هو ( الاختفاء ) .
ومنه قوله تعالى ( إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ) أي تسمع مختفيا .
ومنه قيل للأبحّ : سرق صوته ، فهو مسروق ، لاختفاءٍ حصل فيه .
ومنه هنا ، قيل لمن يأخذ المال من غيره مختفيا : ( سارق ) ؛ فإن أخذه من غير خفية فهو: مختلس . ومستلب . ومحترس .
فمعنى ( السرقة ) في اللغة إذًا هو ( الأخذ بخفية ) ...
تعريفها في لسان الشرع :
يجد الناظر في بيان أهل العلم لمعنى السرقة في اصطلاح الشرع : التقاء تعريف السرقة اصطلاحا ، مع المعنى اللغوي ، بجامع الاختفاء . فهو عنصر أساسي في التعريف الاصطلاحي شرعا "
انتهى من " الحدود والتعزيرات عند ابن القيم " ( ص 346 – 347 ) .
وأما : "الاِخْتِلاَسُ" و"الخَلْسُ" - في اللّغة – فهو : " أخذ الشّيء مخادعةً ، عن غفلة .
.. ويزيد استعمال الفقهاء عن هذا المعنى اللّغويّ أنّه : أخذ الشّيء بحضرة صاحبه جهرا ، مع الهرب به ، سواء جاء المختلس جهارا أو سرّا ، مثل أن يمدّ يده إلى منديل إنسان فيأخذه " .
انتهى من " الموسوعة الفقهية الكويتية " ( 2 / 288 ) .
فالمختلس : يغافل صاحب المتاع الذي يريد سرقته ، فيستخفي فقط في ابتداء اختلاسه ، لكنه يُعْلَم به أثناء أخذه الشيء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"والمختلس: الذي يجتذب الشيء ، فيعلم به قبل أخذه " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 28 / 333 ).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" وهو الذي يأخذ المال خطفاً ، وهو يركض ، فهذا أخذه علناً ، لكن معتمداً على هربه وسرعته ، نقول: هذا ـ أيضاً ـ ليس عليه قطع ؛ لأن هذه ليست سرقة ، فالسرقة اسمها يدل على أن الإنسان يأخذ المال خفية .
كذلك : لو أنه وقف عند دكان ، وقال لصاحب الدكان : هل عندك كذا وكذا ؟ ثم قال له: أعطني كذا الذي بالداخل ، فإذا دخل الرجل أخذ مما أمامه ما يريد ، ثم هرب ، فهذا نسميه مختلساً "
انتهى من " الشرح الممتع " ( 14 / 327 ) .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 13:13
وهنا مسألتان :
المسألة الأولى :
أخذ المال من الناس بغير حق ، بأي شكل من الأشكال ، بالسرقة أو بالاختلاس ، أو بغيرهما ؛ هو ظلم عظيم ، وفاعله توعده الله تعالى بالعقوبة
ولا فرق ـ في عقوبة الآخرة ـ بين أن يكون قد أخذ مال غيره : سرقة ، أو يكون قد أخذه اختلاسا ـ بحسب التفريق الاصطلاحي السابق .
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى /42.
وقال تعالى : ( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) المطففين / 1 – 6 .
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ : فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ) " رواه مسلم ( 137 ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ )
قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، فَقَالَ : ( إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي ، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا
وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا . فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ . فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ . ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ) " رواه مسلم ( 2581 ) .
فعدم قطع اليد على بعض أنواع الظلم لا يعني أنها معصية هينة ، ولا يعني أنها ليست سرقة وأكلا لأموال الناس بالباطل ، ولا يعني كذلك أنها لا عقوبة عليها في الآخرة
أو أن عقوبتها في الآخرة أهون من عقوبة السرقة ، بالمعنى الاصطلاحي المذكور ؛ فإن أخذ أموال الناس بالباطل ، أيا ما كانت وسيلته : هو من كبائر الإثم والعدوان ، وفاعله في خطر عظيم .
المسألة الثانية :
أما العقوبة الدنيوية فتختلف .
فالسارق : تقطع يده .
لقول الله تعالى : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) المائدة /38 .
أمّا المُخْتَلِس :
فأهل العلم على أن المختلس لا تقطع يده .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى :
" أجمع أهل العلم ، على أنّ الخُلْسَة ، لا قطع فيها ، ولا في الخيانة ؛ ولا أعلم أحدا أوجب في الخُلْسَة القطع ، إلا إياس بن معاوية ، وسائر أهل العلم ؛ لا يرون فيها قطعا " .
انتهى من " الاستذكار " ( 24 / 236 ) .
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" فإن اختطف أو اختلس : لم يكن سارقا ، ولا قطع عليه عند أحد علمناه ـ غير إياس بن معاوية ، قال : أقطع المختلس ؛ لأنه يستخفي بأخذه ، فيكون سارقا ، وأهل الفقه والفتوى من علماء الأمصار على خلافه "
انتهى من " المغني " ( 12 / 416 ) .
والدليل على عدم القطع :
حديث جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلاَ مُنْتَهِبٍ وَلاَ مُخْتَلِسٍ : قَطْعٌ ) رواه الترمذي ( 1448 ) ، وقَالَ الترمذي : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ "
انتهى من " سنن الترمذي " ( 4 / 52 ) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " ( 2403 ) .
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ ) رواه ابن ماجه (2592 )
وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " ( 4 / 123 ) ، والألباني في " إرواء الغليل " ( 8 / 65 ) .
فإن سئل لماذا تقطع يد السارق ، ولا تقطع يد المختلس ، وقد يختلس مالا أكثر من السارق ؟
فالجواب عن هذا :
1- السرقة خفية : تُغري السرّاق ، أكثر من أن يغريهم أخذ المال جهرة ، لأن أكثر السرّاق لا يحبون الفضيحة ؛ لذا جاء الحد على السرقة التي تشتهيها نفوس أكثر السرّاق
وهذا كشرب الخمر ، وأكل الميتة والخنزير ؛ فشرب الخمر تشتهيه نفوس كثير من عصاة المسلمين ، أما أكل الميتة والخنزير فتستقذره نفوس أغلب عصاة المسلمين ؛ لذا جاء الحدّ على شرب الخمر
ولم يأت على أكل الميتة كما ذكر ذلك أهل العلم .
2- قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم ، وترك قطع المختلس والمنتهب والغاصب فمن تمام حكمة الشارع أيضا ؛ فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه . فإنه ينقب الدور ، ويهتك الحِرْز ويكسر القُفل
ولا يمكن صاحبَ المتاع الاحتراز منه بأكثر من ذلك ، فلو لم يُشْرَع قطعه : لسرق الناس بعضهم بعضا ، وعظم الضرر ، واشتدت المحنة بالسُّرَّاق .
بخلاف المنتهب والمختلس ؛ فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس ، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه ، ويخلصوا حق المظلوم أو يشهدوا له عند الحاكم
وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه ، وغِرَّه ، فلا يخلو من نوع تفريط يُمكن به المختلس من اختلاسه ، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ ، لا يمكنه الاختلاس " .
انتهى من " إعلام الموقعين " ( 3 / 285 ) .
3 - عدم قطع يد المختلس ؛ لا يعني عدم العقوبة ، فلولي الأمر أن يعزره ويعاقبه بما يردعه عن العودة إلى الاختلاس ، فيعاقبه بالضرب أو الحبس ونحو ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" ولكن يسوغ كفّ عدوان هؤلاء بالضرب والنكال ، والسجن الطويل ، والعقوبة بأخذ المال "
انتهى من " إعلام الموقعين " ( 3 / 285 ) .
عَنْ قَتَادَةَ: " أَنَّ غُلَامًا اخْتَلَسَ طَوْقًا ، فَرُفِعَ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ ، فَسَأَلَ الْحَسَنَ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ ، وَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ؟ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ ، فَلَمَّا اخْتَلَفَا كَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَدْعُوهَا : عَدْوَةَ الظَّهِيرَةِ ، لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَوْجِعْ ظَهْرَهُ ، وَأَطِلْ حَبْسَهُ ) رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 14 / 499 بتحقيق عوّامة ) رقم ( 29258 ) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 13:17
هل للجمعية الخيرية استقبال مصادرات الخضار والفواكه ؟
السؤال
نحن جمعية خيرية ، وتأتينا مصادرات من فرع حلقة الخضار والفواكه ، وبعض الأحيان يكون جزء منها فاسد ، والجزء الآخر صالح للأكل ، فنقوم بتنظيفها
وفرزها ، ومن ثم توزيعها على المحتاجين من أرامل ، ومطلقات ، وأيتام ، وغيرهم
علما بأنه عند استفسارنا عن طبيعة هذه المصادرات أفادتنا إدارة فرع حلقة الخضار والفواكه بأن بعضها من الباعة المتجولين بالشوارع والمخالفين للأنظمة ، والبعض الآخر انتهاء فترة إيجار بسطه في حراج الخضار .
فنرجو توضيح حكم هذه المصادرات ؟ ، هل يجوز لنا استلامها ؟ علما بأنه في حالة رفضنا للاستلام تقوم باستلامها جمعيات أخرى ، وفي بعض الحالات تتلف ، ويقومون بعمل محضر إتلاف ورميها في النفايات .
الجواب
الحمد لله
المصادرة قد تكون بحق وقد تكون بغير حق :
فإن كانت بحق فلا بأس من استلامها وتوزيعها على الفقراء ؛ لأنها صارت ملكاً لبيت المال ، وهذا من مصارف بيت المال .
وإن كانت المصادرة بغير حق ، فهي في حكم المغصوب ، ويحرم قبضها والتصرف فيها ، ويجب إعادتها إلى صاحبها .
ولكن : إن كانت ستتلف أو تُتْلَف في جميع الحالات ، فلا شك أن إعطاءها للفقراء أولى من تركها تفسد .
والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
Nadir1010
2018-10-23, 13:30
بارك الله فيك اخي الكريم
و جزاك الله عنا كل خير
و فيك بارك الله أخي عبد الرحمان
*عبدالرحمن*
2018-10-26, 16:51
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل يقام الحد على البكر الحامل من الزنا ؟
السؤال
: هل يُطبق حد الزنا ؛ جلد مائة وتغريب عام ، على امرأة حامل في شهرها الرابع ؟
أم ننتظر إلى ما بعد فترة الرضاع ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
من مقاصد الشريعة في تشريع الحدود : تأديب العاصي وزجره عن معصيته ، حتى لا يعود إليها مرة أخرى ، وليس من مقاصدها : إهلاكه
ولذلك قال الفقهاء بتأخير إقامة الحد عن الإنسان في الحال التي تكون إقامتها مظنة لهلاكه ، أو هلاك معصوم غيره
.
قال ابن القيم -رحمه الله- في " إعلام الموقعين "(3/ 14): "وَتَأْخِيرُ الْحَدِّ لِعَارِضٍ : أَمْرٌ وَرَدَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ ، كَمَا يُؤَخَّرُ عَنْ : الْحَامِلِ ، وَالْمُرْضِعِ ، وَعَنْ وَقْتِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ، وَالْمَرَضِ " انتهى .
وقد ثبتت السنة بتأخير إقامة الحد على الحامل ، حتى تضع ما في بطنها .
روى مسلم في صحيحه (1695) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : " جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي ، فَقَالَ : ( وَيْحَكِ
ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ) ، فَقَالَتْ : أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ ؟ ، ( قَالَ وَمَا ذَاكِ ؟ ) ، قَالَتْ : إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى . فَقَالَ لَهَا : حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ .
قَالَ : فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ ؟ قَالَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ ، فَقَالَ : ( إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ ) .
فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، قَالَ فَرَجَمَهَا ".
قال النووي رحمه الله
: " فِيهِ أَنَّهُ لَا تُرْجَمُ الْحُبْلَى حَتَّى تَضَعَ ، سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا مِنْ زِنًا أَوْ غَيْرِهِ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُقْتَلَ جَنِينُهَا ، وَكَذَا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ تُجْلَدْ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَضَعَ "
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (11/344) .
وقال ابن قدامة : " وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًى أَوْ غَيْرِهِ ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ... وَلِأَنَّ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا إتْلَافًا لَمَعْصُومٍ ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ
وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا أَوْ غَيْرَهُ ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلَفُ الْوَلَدِ مِنْ سِرَايَةِ الضَّرْبِ وَالْقَطْعِ ، وَرُبَّمَا سَرَى إلَى نَفْسِ الْمَضْرُوبِ وَالْمَقْطُوعِ ، فَيَفُوتُ الْوَلَدُ بِفَوَاتِهِ ".
انتهى من "المغني" (12/327) .
وقال الكاساني مبيناً شروط إقامة الحد : " وَمِنْهَا : أَنْ لَا يَكُونَ فِي إقَامَةِ الْجَلَدَاتِ خَوْفُ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُهْلِكًا ، فَلَا يَجُوزُ الْإِقَامَةُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ ؛ لِمَا فِي الْإِقَامَةِ فِيهِمَا مِنْ خَوْفِ الْهَلَاكِ
وَلَا يُقَامُ عَلَى مَرِيضٍ حَتَّى يَبْرَأَ ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ وَجَعُ الْمَرَضِ وَأَلَمُ الضَّرْبِ ؛ فَيُخَافُ الْهَلَاكُ ، وَلَا يُقَامُ عَلَى النُّفَسَاءِ حَتَّى يَنْقَضِيَ النِّفَاسُ ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ .
وَلَا يُقَامُ عَلَى الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ وَتَطْهُرَ مِنْ النِّفَاسِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَوْفَ هَلَاكِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَةِ ".
انتهى من " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " (7/ 59) .
ثانياً :
إذا ولدت الحامل ، فلا يقام عليها حد الزنا حتى تنتهي من نفاسها .
لحديث علي بن أبي طالب : " إِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا ، فَإِذَا هِيَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ
فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ( أَحْسَنْتَ ، اتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ ) " [ أي تقارب الشفاء ] ، رواه مسلم في صحيحه (1705).
قال النووي :
" فِيهِ أَنَّ النُّفَسَاءَ وَالْمَرِيضَةَ وَنَحْوَهُمَا يُؤَخَّرُ جَلْدُهُمَا إِلَى الْبُرْءِ ".
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (11/214) .
قال ابن قدامة : " وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْوَلَدَ ، وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ ، وَكَانَتْ قَوِيَّةً يُؤْمَنُ تَلَفُهَا ، أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا ، أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ تَلَفُهَا ، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا الْحَدُّ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَقْوَى .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ "
انتهى من " المغني " (12/ 329) .
وجاء في " المدونة " للمالكية (4/ 514): " قُلْتُ : أَرَأَيْتَ الْبِكْرَ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا ، أَتُجْلَدُ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الزِّنَا ؟ أَمْ تُؤَخَّرُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: تُؤَخَّرُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ : فَإِذَا وَضَعَتْ ، أَتَضْرِبُهَا أَمْ حَتَّى يَجِفَّ دَمُهَا وَتَتَعَافى مِنْ نِفَاسِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمَرِيضِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ : إنَّهُ لَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ وَيُؤَخَّرُ وَيُسْجَنُ ، فأَرَى النِّفَاسَ مَرَضًا مِنْ الْأَمْرَاضِ ، وَأَرَى أَنْ لَا يُعَجَّلَ عَلَيْهَا ". انتهى .
*عبدالرحمن*
2018-10-26, 16:51
ثالثاً :
إذا انتهت المرأة الزانية من نفاسها وتعافت من ضعفها يقام عليها حد الجلد ، ولا يؤخر حتى تنتهي من فطام رضيعها ؛ لأن الجلد لا يحول بينها وبين رضاع صغيرها.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/ 181) : " وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا ، فَلاَ أَثَرَ لِلْفِطَامِ فِيهِ ".
وهذا بخلاف حد الرجم ، فلا ترجم الزانية حتى ترضع صغيرها وتفطمه ، إن لم يوجد من يقوم برضاعته .
قال ابن قدامة : " فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا ، لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ [وهو اللبن أول النتاج لاحتياج الولد إليه غالبا] ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ
ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ ، أَوْ تَكَفَّلَ أَحَدٌ بِرَضَاعِهِ رُجِمَتْ ، وَإِلَّا تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ " .
انتهى من "المغني" (12/329) .
رابعاً :
ومن العقوبات الشرعية للزاني البكر : تغريبه وإبعاده عن بلده مسافة لا تقل عن مسافة القصر ، وهذا الحكم يشمل الرجل والمرأة على أرجح الأقوال .
والظاهر لا يؤخر هذا الحكم عن المرأة لكونها حامل ؛ لأن التغريب لا يضر حملها شيئاً .
قال الشبراملسي في " حاشيته على نهاية المحتاج " (7/ 303) :
" تُغَرَّبُ ، وَيُؤَخَّرُ الْجَلْدُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ التَّغْرِيبِ " انتهى .
ويحتمل أن يقال بتأخير التغريب أيضا ، كما يؤخر الرجم ؛ لما ذكره ابن حزم ، رحمه الله
في "المحلى بالآثار" (12/ 101)
" وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : " أَتَى رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ أُخْتَهُ أَحْدَثَتْ - وَهِيَ فِي سِتْرِهَا وَأَنَّهَا حَامِلٌ -
فَقَالَ عُمَرُ: أَمْهِلْهَا حَتَّى إذَا وَضَعَتْ وَاسْتَقَلَّتْ فَآذَنِّي بِهَا، فَلَمَّا وَضَعَتْ جَلَدَهَا مِائَةً وَغَرَّبَهَا إلَى الْبَصْرَةِ عَامًا ".
وظاهر هذا الأثر أن التغريب كان بعد وضع الحمل ، لكن لم نقف على هذا الأثر إلا في المحلى ، ولم يذكر ابن حزم سنده فيه عن عروة .
واشترط العلماء لتغريب المرأة : أن يكون معها من يحفظها من محرم أو زوج ، فلو لم يوجد المحرم لم يجز تغريبها
ومن المهم هنا التنبيه على أن الحدود لا يقيمها إلا السلطان الشرعي ، وليس من حق الأفراد إقامة الحدود على أنفسهم أو غيرهم .
قال فخر الدين الرازي في " تفسيره "(11/ 356) :
" وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى الْجُنَاةِ ، بَلْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى الْأَحْرَارِ الْجُنَاةِ إِلَّا لِلْإِمَامِ
" انتهى ، وينظر جواب السؤال : (12461) .
فإذا لم يكن هناك إمام يقيم الحد ، فليجتهد العبد في أن يطهر نفسه بالتوبة النصوح ؛ إذ فاته التطهير بإقامة الحد الشرعي عليه
وليجتهد ـ بقية عمره ـ في عمل صالح ، لعل الله يذهب عنه بلاء ذنبه بذلك ، إن الحسنات : يذهبن السيئات !!
هذا ، مع أن من وقع في ذنب موجبٍ للحد ، فالمستحب له أن يستر نفسه ويتوب فيما بينه وبين الله
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-26, 16:54
من ارتكب حداً في بلد لا يحكم بما أنزل الله ، ماذا يفعل ؟
السؤال
إذا ارتكتب المسلم معصية فيها حد ، كالزنى ، وأراد أن يطهر نفسه بإقامة الحد عليه ، ولكن حكومته لا تحكم بما أنزل الله ، فماذا يفعل ؟
وإذا طلب من بعض أقاربه أو أصدقائه أن يقيموا الحد عليه ، فهل هذا صحيح ، ويغفر له ذنبه ؟.
الجواب
الحمد لله
" اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لا يُقِيمُ الْحَدَّ إلا الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ , وَذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ , وَهِيَ صِيَانَةُ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ . وَالإِمَامُ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ لِشَوْكَتِهِ , وَمَنَعَتِهِ , وَانْقِيَادِ الرَّعِيَّةِ لَهُ قَهْرًا وَجَبْرًا ,
كَمَا أَنَّ تُهْمَةَ الْمَيْلِ وَالْمُحَابَاةِ وَالْتَوَانِي عَنْ الإِقَامَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّهِ , فَيُقِيمُهَا عَلَى وَجْهِهِ فَيَحْصُلُ الْغَرَضُ الْمَشْرُوعُ بِيَقِينٍ " اهـ . "
الموسوعة الفقهية" (17/145) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (21/7) :
" ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم أو من يقوم مقام الحاكم ، ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة "
وجاء فيها أيضاً (21/5-6) :
" لا يقيم الحدود إلا السلطان المسلم أو من ينوب عنه ، من أجل ضبط الأمن ، ومنع التعدي ، والأمن من الحيف ( الظلم ) ، وعلى العاصي الاستغفار والتوبة إلى الله والإكثار من العمل الصالح
وإذا أخلص لله في التوبة تاب الله عليه ، وغفر له بفضله وإحسانه . قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً *
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/67-70
وقال : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طـه/82 ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الإسلام يهدم ما كان قبله ، والتوبة تهدم ما كان ) اهـ.
*عبدالرحمن*
2018-10-26, 16:57
هل يُغفر للزاني التائب ولو لم يُقم عليه الحد ؟
السؤال
أريد أن أعرف إذا ارتكب الشخص كبيرة الزنا وندم ندماً حقيقيّاً لله وتاب توبة صادقة لله هل سيعفو الله عنه يوم القيامة حتى لو لم يقم عليه الحد بجلده مائة جلدة في الدنيا ؟ .
وهل التوبة وحدها تكفر هذا الذنب ؟
أم أنه لن يغفر الله له وسيعاقب يوم القيامة ما لم يطبق بحقه الحد الشرعي حد الزنا ؟
أرجو الإجابة من الكتاب والسنة وجزاكم الله خيراً .
الجواب
الحمد لله
إقامة الحدِّ على الذنب الذي شرع فيه الحد : يكفِّر الذنب وما يترتب عليه من إثم .
والتوبة الصادقة من الذنوب تكفِّر ما يترتب عليه من إثم ، و " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ، بل إن الله تعالى يبدِّل سيئاته حسنات .
فإن صدق في التوبة ، وأكثر من الاستغفار فلا يلزمه أن يعترف ليقام عليه الحد ، بل التوبة كافية إن شاء الله تعالى .
قال الله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً . يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً
. إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيماً . ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متاباً الفرقان / 68 – 71 .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف ، فمن وفَّى منكم : فأجره على الله
ومَن أصاب مِن ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا : فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله : فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه " .
رواه البخاري ( 18 ) ومسلم ( 1709 ) .
وفي صحيح مسلم ( 1695 ) عندما جاء "ماعز" إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقر بالزنى وقال : "طهِّرني" (يعني بإقامة الحد) ، قال له : ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه .
قال النووي :
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى سُقُوط إِثْم الْمَعَاصِي الْكَبَائِر بِالتَّوْبَةِ , وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ اهـ .
وقال الحافظ ابن حجر :
ويؤخذ من قضيته – أي : ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ . . .
وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال : أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب اهـ .
" فتح الباري " ( 12 / 124 ، 125 ) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألَمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنه من يُبد لنا صفحته نُقم عليه كتاب الله تعالى عز وجل " . والقاذورات : يعني المعاصي .
رواه الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " ( 4 / 425 ) والبيهقي ( 8 / 330 ) . وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 149 )
*عبدالرحمن*
2018-10-26, 17:01
حكم ضرب من سبّ الله تعالى وهو سكران ؟
السؤال
هل يجوز ضرب من يسب الله وهو فى حالة سكر
الجواب
الحمد لله
أولا :
شرب الخمر من كبائر الذنوب ، والخمر أم الخبائث ، ووسيلة الرذائل ، وجماع الإثم ، ومفتاح كل شر .
ثانيا :
لا يؤاخذ السكران بما يقول حال سكره ؛ لأنه لا عقل معه .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) النساء/43، فَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَى كَلَامِ السَّكْرَانِ حُكْمًا حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِمَا يَقُولُ؛ وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يستنْكه [ أي يشم رائحة فمه ] الْمُقِرَّ بِالزِّنَا ؛ لِيَعْلَمَ هَلْ هُوَ عَالِمٌ بِمَا يَقُولُ أَوْ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا يَقُولُ، وَلَمْ يُؤَاخِذْ حَمْزَةَ بِقَوْلِهِ فِي حَالِ السُّكْرِ:
" هَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي " ، وَلَمْ يُكفّر مَنْ قَرَأَ فِي حَالِ سُكْرِهِ فِي الصَّلَاةِ: " أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ "
انتهى من "إعلام الموقعين" (3/ 87)
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
" الصحيح أن من شرب مسكراً مع التحريم فإنه لا يعزَّر بأكثر مما جاءت به الشريعة، وهو أن يجلد أربعين جلدة
أو ثمانين جلدة، أو أكثر حسب ما يكون به ردع الناس عن هذا الشراب المحرم، وأما أن نؤاخذه بأقواله، وأفعاله، وهو لا يعقل فلا يمكن"
انتهى ، "الشرح الممتع" (14/ 443)
فمن سب الله تعالى - والعياذ بالله - حال سكره الذي لا يعلم فيه ما يقول فإنه لا يحكم بكفره.
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله :
" السكران لا يحكم بردته إذا قال أو فعل أثناء سكره وزوال عقله ما يوجب الردة، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) النساء/43
فبين سبحانه وتعالى أن السكران لا يعلم ما يقول، ومن لا يعلم ما يقول فلا يؤاخذ بقول "
انتهى من "شرح زاد المستقنع" (396/ 9) بترقيم الشاملة .
ثالثا:
إذا وجد الناس من هذه حاله ، فإنهم لا يتعرضون له بضرب ولا غيره ، لأن إقامة الحد الشرعي والتعزير من الأمور المنوطة بولي الأمر فقط .
قال ابن رشد
: " وأما من يقيم هذا الحد – أي : جلد شارب الخمر - فاتفقوا على أن الإمام يقيمه ، وكذلك الأمر في سائر الحدود . "
بداية المجتهد " ( 2 / 233 ) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-26, 17:05
ضرب شخصا حتى أفقده الوعي ، وأخذ ماله ، فكيف يتوب من ذلك توبة صحيحة ؟
السؤال
إذا مارس الشخص الحرابة ، وقام بضرب شخص حتى فقد الوعي ، وسرق كل ماله ، ومن ثم اعتذر له ، وأعاد له كل ماله الذي سرقه : فهل يتوب بذلك ؟
أم يجب عليه أن يعرض نفسه للشخص ، لكي يأخذ حقه بيده ، كما أفقده الوعي ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
الْحِرَابَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ - وَتُسَمَّى قَطْعَ الطَّرِيقِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ - : هِيَ الْبُرُوزُ لأِخْذِ مَالٍ ، أَوْ لِقَتْلٍ ، أَوْ لإِرْعَابٍ عَلَى سَبِيل الْمُجَاهَرَةِ ، مُكَابَرَةً ، اعْتِمَادًا عَلَى الْقُوَّةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ .
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّرِقَةِ : بِأَنَّ الْحِرَابَةَ هِيَ الْبُرُوزُ لأِخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ إِرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الشَّوْكَةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ .
أَمَّا السَّرِقَةُ فَهِيَ أَخْذُ الْمَال خُفْيَةً .
فَالْحِرَابَةُ : تَكْتَمِل بِالْخُرُوجِ عَلَى سَبِيل الْمُغَالَبَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ مَالٌ .
أَمَّا السَّرِقَةُ : فَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ أَخْذِ الْمَال عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ .
والْمُحَارِبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: هُوَ كُل مُلْتَزِمٍ مُكَلَّفٍ أَخَذَ الْمَال بِقُوَّةٍ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ
ولاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ عُقُوبَةَ الْمُحَارِبِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ لاَ تَقْبَل الإْسْقَاطَ وَلاَ الْعَفْوَ مَا لَمْ يَتُوبُوا قَبْل الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ .
وَالأْصْل فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ
فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المائدة / 33-34 .
ويَسْقُطُ حَدُّ الْحِرَابَةِ عَنِ الْمُحَارِبِينَ بِالتَّوْبَةِ قَبْل الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ ، وَذَلِكَ فِي شَأْنِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ حَقًّا لِلَّهِ ، وَهُوَ تَحَتُّمُ الْقَتْل ، وَالصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ مِنْ خِلاَفٍ ، وَالنَّفْيِ ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ .
أَمَّا حُقُوقُ الآْدَمِيِّينَ فَلاَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ ، فَيَغْرَمُونَ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الْمَال عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إِنْ كَانَ الْمَال قَائِمًا، وَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ إِذَا قَتَلُوا ، وَلاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِعَفْوِ مُسْتَحِقِّ الْحَقِّ فِي مَالٍ أَوْ قِصَاصٍ .
انظر : "الموسوعة الفقهية" (17/ 153-164) ، (24/ 293) .
ثانيا :
" شروط التوبة الصحيحة هي:
1 - الإقلاع عن الذنب.
2 - الندم على ما فات.
3 - العزم على عدم العودة إليه.
وإن كانت التوبة من مظالم العباد في مال أو عرض أو نفس ،
فتزيد شرطا رابعا، هو: استباحته والتحلل منه، أو إعطاؤه حقه " .
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/ 310-311) .
وأيا ما كان الأمر في الصورة المذكورة في السؤال : هل هي حرابة حقا ، كما أسماها السائل ، أو إن واقع الحادثة لم يكن حرابة ؛ فإن شرط صحة التوبة فيما يتعلق بحقوق العباد : رد المظالم إلى أهلها
أو التحلل منهم ، فإن كانت المظلمة سرقة أو غصبا أو أكلا للمال بالباطل ، بأي وجه من الوجوه : فإنه يجب على الظالم التوبة إلى الله ورد المظلمة إلى أصحابها
وتمكينهم من أخذ حقهم ، والقصاص العدل من المعتدي والبغي ، أو التحلل منهم .
قال ابن حزم رحمه الله :
" وأما التوبة من ضرب إنسان : فهو بأن يمكن الإنسان من نفسه ليقتص منه أو ليعفو "
انتهى من رسائل ابن حزم" (3/ 183) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة : وَهِيَ الْقِصَاص فِي اللَّطْمَة وَالضَّرْبَة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يُمْكِن لِلْمُقْتَصِّ أَنْ يَفْعَل بِخَصْمِهِ مِثْل مَا فَعَلَهُ بِهِ مِنْ كُلّ وَجْه : هَلْ يَسُوغ الْقِصَاص فِي ذَلِكَ , أَوْ يَعْدِل إِلَى عُقُوبَته بِجِنْسٍ آخَرَ , وَهُوَ التَّعْزِير ؟
عَلَى قَوْلَيْنِ ، أَصَحّهمَا : أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ الْقِصَاص , وَهُوَ مَذْهَب الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ , ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، حَكَاهُ عَنْهُمْ أَحْمَد وَأَبُو إِسْحَاق الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَم
, وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَام أَحْمَد فِي رِوَايَة الشَّالِنْجِيّ وَغَيْره , قَالَ شَيْخنَا رَحِمَهُ اللَّه : وَهُوَ قَوْل جُمْهُور السَّلَف "
انتهى من "تهذيب السنن" (2 /310) .
وقال ابن القيم رحمه الله ، أيضا :
" وَفِي الْعُقُوبَةِ بِجِنْسِ مَا فَعَلَهُ تَحَرٍّ لِلْمُمَاثِلَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَنْزَلَ بِهِ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ، فَإِنَّهُ قِصَاصٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ فِي مِثْلِ الْمَحَلِّ الَّذِي ضَرَبَ فِيهِ بِقَدْرِهِ ، وَقَدْ يُسَاوِيهِ
أَوْ يَزِيدُ قَلِيلًا، أَوْ يَنْقُصُ قَلِيلًا ، وَذَلِكَ عَفْوٌ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ "
انتهى من "إعلام الموقعين" (1/ 241-242) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-26, 17:09
الفرق بين توبة الكافر وتوبة قاطع الطريق بعد القدرة عليهما
السؤال
قرأت في سورة المائدة ، آية رقم (33-34) قبول توبة قاطع الطريق لكن قبل أن يقدر المسلمون عليه ، ولكن قرأت في صحيح البخاري ، كتاب (59) : أن أسامة بن زيد رضي الله عنه لمَّا قتل الرجل بعد أن شهد الشهادتين
أنكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الفعل . يرجى التوضيح ، وجزاكم الله خيرا .
الجواب
الحمد لله
التوبة في الشريعة الإسلامية مقبولة
لقول الله تعالى : (قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53) الزمر/53 .
قال ابن كثير رحمه الله :
وهذا عام في كل ذنب ، من كفر وشرك وشك ونفاق ، وقتل وفسق ، وغير ذلك ، كل من تاب من أي من ذلك تاب الله عليه" انتهى .
أما من حيث إسقاط التوبة للعقوبة في الدنيا فذلك يختلف باختلاف الذنب الذي تاب منه .
فالتوبة من الكفر ، وذلك بالدخول في الإسلام يسقط عقوبة الدنيا ، فمن أعلن إسلامه فقد عصم دمه وماله ، وحرم قتله وأخذ ماله ، ويدل على ذك حديث أسامة رضي الله عنه الذي ذكره السائل.
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ – اسم مكان -، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ
فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا أُسَامَةُ ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ! قُلْتُ : كَانَ مُتَعَوِّذًا
. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ) رواه البخاري (4269) ، ومسلم (96) .
وأما قاطع الطريق فإنه إن تاب قبل القدرة عليه فإن توبته تسقط عنه الحد
قال الله تعالى : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/33-34 .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (14/130) :
"اتفق الفقهاء على أن جريمة قطع الطريق (الحرابة) تسقط بتوبة القاطع قبل أن يُقدَر عليه ؛ لقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
فدلت هذه الآية على أن قاطع الطريق إذا تاب قبل أن يُظفَر به سقط عنه الحد" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إن تاب قطاع الطريق :
فإن كان بعد القدرة عليهم : فلا تقبل توبتهم .
وإن كان قبل : قُبِلَت ، ودليل ذلك قوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/34
فوجه الدلالة من الآية أن ختمها باسمين كريمين ، يدلان على العفو والمغفرة ، وأن مقتضى رحمته ومغفرته جل وعلا أن يغفر لهؤلاء ويرحمهم .
وفهم من قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) أنهم لو تابوا بعد القدرة فإنه لا تسقط عنهم العقوبة ؛ والحكمة من ذلك : أنهم إذا تابوا من قبل أن يقدر عليهم فإنه دليل على أن توبتهم صادقة ، فيتوب الله عليهم
أما إذا تابوا بعد القدرة عليهم فإن القرينة تدل على أن توبتهم خوفاً من النكال والعقوبة ، فلذلك لا تقبل .
أما الكافر فتقبل توبته ولو بعد القدرة عليه ، فإذا كان كافر حربي يظهر العداوة للمسلمين ، فقدرنا عليه ، فتاب بعد أن قدرنا عليه : فإننا نرفع عنه القتل
لقول الله تعالى : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) الأنفال/38 ، وهذا عام .
ولحديث أسامة رضي الله عنه في قصة المشرك الذي لحقه أسامة حتى أدركه ، فلما علاه بالسيف قال : لا إله إلا الله ، فقتله أسامة ، فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك
فقال له : (أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟! قال : نعم يا رسول الله ، إنما قالها تعوُّذاً ، قال : قتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟! قال : نعم ، فما زال يرددها عليه حتى قال أسامة : تمنيت أني لم أكن أسلمت بعد .
مع أن الرجل حسب ما يظهر - والعلم عند الله - قالها تعوذاً ، لكن فيه احتمال أنه قالها عن صدق ، وأنه لما رأى الموت قالها" انتهى باختصار .
"الشرح الممتع" (14/381-382) .
والحاصل : أنه لا تعارض بين الآية والحديث ، فالإسلام هو أفضل الحسنات ، ولذلك يغفر ذنوب صاحبه كلها ، ويسقط عنه العقوبة في الدنيا ، ولو كان بعد القدرة عليه .
وفي ذلك ترغيب للناس في الإسلام .
أما قاطع الطريق ، فلا تسقط توبته عنه العقوبة في الدنيا إلا إذا كانت قبل القدرة عليه .
وذهب الإمام أحمد والشافعي في أحد قوليه ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن جميع الحدود تسقط بالتوبة قبل القدرة عليه .
وانظر : "الإنصاف" (10/300)
و "المجموع" (22/240) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-26, 17:12
هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم علّق يد السارق بعد قطعها في عنقه ؟
السؤال
ما صحة هذا الحديث ؟
" ﺃﺗﻲ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺴﺎﺭﻕ ؛ فقطعت يده ، ﺛﻢ ﺃﻣﺮ ﺑﻬﺎ ، فعلقت في عنقه " .
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث رواه أحمد (23946) ، وأبو داود (4411) ، والترمذي (1447) ، والنسائي (4982) ، وابن ماجة (2587) ، كلهم : من طريق عُمَر بْن عَلِيٍّ المقدمي
حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، قَالَ : " سَأَلْنَا فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ ، عَنْ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي الْعُنُقِ لِلسَّارِقِ ، أَمِنَ السُّنَّةِ هُوَ؟ قَالَ :
( أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَارِقٍ ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ ) .
وهذا إسناد ضعيف ، مكحول الشامي مدلس ؛
كما في الميزان (4/ 177) .
والحجاج ، هو ابن أرطاة ، القاضي الكوفي ، مدلس أيضا ، مشهور بالتدليس ، وصفه بذلك ابن المبارك ، وابن معين ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، ومحمد بن نصر والساجي
والبزار ، وإسماعيل القاضي ، وابن عدي ، وغيرهم ، وربما دلس عن متروكين كأمثال محمد بن عبيد الله العرزمي ، والمثنى بن الصباح .
راجع : "التهذيب" (2/196-198) .
وقال النسائي عقب روايته لهذا الحديث : " الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ ، وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ " .
وكذلك ضعفه الألباني في "الإرواء" (8/85) .
فالحديث ضعيف .
لكن ثبت هذا من فعل علي رضي الله عنه ؛ فروى ابن أبي شيبة (5/ 561) بسند صحيح عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ : " أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ، ثُمَّ عَلَّقَهَا فِي عُنُقِهِ " .
فذهب طائفة من أهل العلم إلى استحباب تعليق يد السارق المقطوعة في عنقه ؛ ردعا لأمثاله ، وقيد بعضهم ذلك بما إذا رأى الإمام المصلحة فيه .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/ 339-340) :
" وَيُسَنُّ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - تَعْلِيقُ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فِي عُنُقِ السَّارِقِ ، رَدْعًا لِلنَّاسِ ، اسْتِنَادًا إِلَى مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ
ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ ، وَقَدْ حَدَّدَ الشَّافِعِيَّةُ مُدَّةَ التَّعْلِيقِ بِسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلَمْ يُحَدِّدُوا مُدَّةَ التَّعْلِيقِ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْيَدِ لاَ يُسَنُّ ، بَل يُتْرَكُ الأْمْرُ لِلإمَامِ ، إِنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً فَعَلَهُ ، وَإِلاَّ فَلاَ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَالِكِيَّةُ شَيْئًا عَنْ تَعْلِيقِ الْيَدِ " انتهى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-26, 17:16
هل ثبت أن عمر استأذن النبي صلى الله عليه في نزع ثنيتي سهيل بن عمرو لئلا يحرض قومه على المسلمين ؟
السؤال
ما السبب الذي جعل عمر رضي الله عنه ، يقترح على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يكسر سن الذي يتكلم ضد الإسلام ، والمسمى سهيل بن عمرو حتى يقلل من التأثر بأحاديثه
فرد النبي صلى الله عليه و سلم : " لو أني فعلت ذلك فإن الله سوف يشوهني يوم القيامة وأنا رسوله " ، على الرغم من أنه في نفس الوقت فإن الشريعة الإسلامية تعاقب السارق بقطع يده ؛ فكنت أسأل : كيف يتوافق الأمران ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
روى ابن إسحاق في السيرة - كما في "سيرة ابن هشام" (1/ 649) ومن طريقه الطبري في "تاريخه" (2/465)
: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيَّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو،
وَيَدْلَعُ لِسَانَهُ، فَلَا يَقُومُ عَلَيْكَ خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ أَبَدًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا أُمَثِّلُ بِهِ فَيُمَثِّلُ اللَّهُ بِي ، وَإِنْ كُنْتُ نَبِيًّا) .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: ( إنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمُّهُ ) .
وهذا إسناد ضعيف ، محمد بن عمرو بن عطاء من صغار التابعين ، وقال ابن كثير رحمه الله : " وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ ، بَلْ مُعْضَلٌ "
انتهى من "البداية والنهاية" (5/202) .
ورواه الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" - كما في "نصب الراية" (3/ 120) :
حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ الْهَيْثَمِ ، مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: لَمَّا أُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْزِعْ ثَنِيَّتَهُ يُدْلَعُ لِسَانُهُ، فَلَا يقوم عليك خطيباً أَبَدًا . وذكر الحديث بنحوه .
وهذا إسناد واه جدا ، فمع إعضاله ، فإن راويه الواقدي - وهو محمد بن عمر بن واقد - متهم بالكذب ، قال الإمام أحمد : هو كذاب ، يقلب الأحاديث .
وقال ابن معين: ليس بثقة.
وقال - مرة : لا يكتب حديثه .
وقال البخاري وأبو حاتم: متروك .
وقال أبو حاتم أيضا والنسائي: يضع الحديث .
وقال ابن عدى: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه .
وقال ابن المديني : الواقدي يضع الحديث .
ينظر: "ميزان الاعتدال" (3 /663) .
وقال النسائي : " الكذابون المعروفون بوضع الحديث أربعة : إبراهيم بن أبي يحيى بالمدينة والواقدي ببغداد ومقاتل بخراسان ومحمد بن سعيد بالشام"
انتهى من "تهذيب التهذيب" (9 /163) .
ورواه الحاكم في "المستدرك" (5228) من طريق سُفْيَان، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيَّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فَلَا يَقُومُ خَطِيبًا فِي قَوْمِهِ أَبَدًا.
فَقَالَ: (دَعْهُ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسُرُّكَ يَوْمًا) .
قَالَ سُفْيَانُ: فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرَ أَهْلُ مَكَّةَ، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَهَهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَاللَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ .
وهذا مرسل أيضا ، الحسن بن محمد هو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من صغار التابعين .
فهذا الخبر لا يصح .
ثانيا :
لا علاقة بين هذا الخبر وبين حد السرقة الذي شرعه الله عز وجل ردعاً للظالمين ، وتنكيلاً بالمفسدين ، وطهرةً للمذنبين ، وحمايةً لأموال الناس .
فيقال : على فرض صحة الخبر ، فإن عمر رضي الله عنه إنما أراد تعزير سهيل بن عمرو وتأديبه ، وكان قد أسره المسلمون ، لأنه كان يؤلب الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز أن تنزع ثنيتيه ، فإن فِعْل ذلك من التمثيل به ، والتمثيل لا يجوز في مثل ذلك ، وبين له أنه لو فعل به ذلك لمثل الله به يوم القيامة ؛ لأن الجزاء من جنس العمل
ولا بد من العدل في العقاب ، قال تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/ 126 ، ولكن يُستأنى به فلعل الله أن يتوب عليه .
وقد أسلم سهيل بن عمرو رضي الله عنه فعلا بعد ذلك وحسن إسلامه .
انظر : "الإصابة" (3/177-178) .
وروى الإمام أحمد (5674) عن ابن عمر قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( اللهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا، اللهُمَّ الْعَنِ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، اللهُمَّ الْعَنْ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، اللهُمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ ).
قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ، فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) آل عمران/ 128 قَالَ: فَتِيبَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ .
وصححه محققو المسند .
وأما حد السرقة فهذا حد من حدود الله ، شرعه الله لحكم جليلة ، ولا مدخل فيه للقياس ، فلا يقال مثلا : كما قطع يد السارق ، ينبغي أن يقطع عضو الزاني ، أو لسان القاذف والساب ، أو نحو ذلك ؛ فمثل هذا الباب :
هو شرع مقدر ، لا مدخل للقياس ولا للتنظير فيه ، إنما فيه التسليم لأمر الله وشرعه ؛ وقد قال الله تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65
وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) الأحزاب/36 .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-26, 17:22
تأخر في إيصال المبلغ إلى جمعية خيرية ، فسُرق المال ، فهل يضمن ؟
السؤال
لي صديق يعمل في الإمارات ، وأرسل لي مبلغا كبيرا من المال لأوصله إلى جمعية خيرية تكفل الأيتام ، ورغما عني تأخرت في توصيل المبلغ إلى الجمعية عدة أسابيع
وكنت أحتفظ به منفصلا عن مالي في حرز داخل منزلي ، ثم تعرض منزلي للسرقة وأخذ السارق هذا المال ، وبعضاً من حلي زوجتي ، ومن فضل الله لم يفطن إلى مالي الخاص وبقية ذهب الزوجة
. سؤالي : هل أنا ضامن لهذا المال ويجب على أن أدفع نفس المبلغ للجمعية الخيرية من مالي الخاص ؟
وهل أنا آثم لتأخر المال عندي رغم توافر النية في سرعة توصيله ؟
الجواب
الحمد لله
نص أهل العلم رحمهم الله : على أن المال إذا كان عند الإنسان بإذن من الشارع أو من المالك
فهو أمانة .
والأمين لا يضمن ما تلف تحت يده
إلا عند التعدي أو التفريط .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
: " قوله : [ إذا تلفت من بين ماله ولم يتعد ولم يفرط لم يضمن ] ، وإن تلفت مع ماله فمن باب أولى
فقوله : [ إذا تلفت ] يعني الوديعة ، [ من بين ماله ] بأن احترقت أو أفسدها المطر أو سرقها السراق دون أن يتأثر ماله بذلك ، فلا ضمان على المودَع ؛ لأنه أمين قبض المال بإذن من مالكه
فكل من قبض مال غيره بإذن منه أو من الشارع فإن يده يد أمانة ، والقاعدة في الأمين أنه لا يضمن ما تلف تحت يده إلا بتعدٍّ أو تفريط بدليل
قول الله تعالى : ( مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) التوبة / 91 ، والمودَع محسن ، فإذا كان محسناً فلا ضمان عليه ، لكن إن تعدى أو فرط ضمن .
والفرق بين التعدي والتفريط من حيث العموم : أن التعدي فعل ما لا يجوز ، والتفريط ترك ما يجب ، فإذا كان المودَع طعاماً فأكله المودَع عنده
فهذا تعدٍّ ، وإذا كان طعاماً وأبقاه في ليالي الشتاء في الخارج فتلف ، فهذا تفريط ؛ لأنه ترك ما يجب .
فإذا قال قائل : لماذا قال المؤلف : [ من بين ماله ] ولم يقل : إذا تلفت ولم يتعدَّ ولم يفرط لم يضمن ؟
قلنا : إنه قال هذا إشارة إلى قول بعض العلماء إنها إذا تلفت من بين ماله فهي مضمونة مطلقاً ؛ لأن تلفها من بين ماله يدل على نوع تفريط ، وإلا فما الذي جعلها تتلف دون ماله ؟!
ولكن الصحيح ما قاله المؤلف : أنه لا ضمان على المودَع عنده إلا بتعدٍّ أو تفريط " .
انتهى من " الشرح الممتع " ( 10 / 68 ) .
فعلى هذا ، يُنظر في المانع الذي كان سببا في التأخير ، فإن كان مانعاً حقيقياً يُعذر به الإنسان ، فلا ضمان عليك ، وإن لم يكن هناك مانع حقيقي تعذر به في التأخير
وإنما حصل التأخير منك كسلا أو تهاوناً ، فعليك الضمان ؛ لأنك مفرط .
ومعنى الضمان أن تدفع لتلك الجمعية نفس المبلغ الذي دفعه لك ذلك المتبرع .
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-28, 12:22
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حكم السرقة من مال الوالديْن وعلاقة ذلك باستجابة الدعاء
السؤال
أعلم أن من شروط استجابة الدعاء : اليقين بأن الله سيستجيب لي ، وألا يكون في مالي مال حرام ، وهنا تذكرت ذنوباً كنت أفعلها
فكنت وأنا في الثانوية آخذ من مال أبي وأمي بدون أن يعلما ، واستمررت على ذلك فترة حتى عرفتْ أمي ، وتصرفتْ بحكمة فلم تنهرني بل ونصحتني بالتوبة وألا أعود . وفعلا لم آخذ منهما شيئا
ولكن بعد فترة كنت أحيانا آخذ منهم مال الدروس الخصوصية ولا أعطيها للمدرسين ولكن ذلك لم يكن كثيراً ، وبعد أن هداني الله وعلمت بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يحكي فيه عن الرجل :
الذي يطيل السفر أشعث أغبر ويقول : يا رب .. ومطعمه حرام ، ولا يستجيب الله له شعرت بضيق وقررت أن أعيد الأموال لهؤلاء المدرسين وكانوا اثنين ، فالأول ذهبت اليه واعتذرت له على تصرفي وأعطيته المال
ولكن بعد أن أعطيته ماله مباشرة شعرت ببعض الرياء والعجب ، والآخر ذهبت إليه فأخبرني زميل له : أنه مسافر للعمل في الخارج ، إلا أني بعد فترة رأيته ، فكتبت له جوابا أخبرته فيه عن تصرفي السيئ
واعتذرت له ووضعت فيه مبلغا من المال ، وطلبت منه أن يسامحني إذا لم يكن المبلغ مكافئا للمبلغ الذي كنت آخذه منه ، وصليت ركعتي قضاء حاجة ، وطلبت من الله أن ييسر لي هذا الأمر
لأنني خجلت من هذا المدرس بالذات ، وعندما وصلت إلى الشارع الذي يسكن فيه وجدت رجلا من جيرانه استبشرت فيه خيراً وسألته إذا كان يعرف هذا المدرس أم لا ، فقال : نعم إنه يعرفه فطلبت منه أن يسلمه هذا الجواب
في البداية رفض أن يأخذه مني عندما عرف أن به مالا وأنه أمانة ولكن بعد إلحاحي عليه وافق . بصراحة كان يبدو على هذا الرجل أنه تقي فتركت له الجواب وانصرفت وأنا مرتاحة . كان ذلك منذ حوالي أربع سنوات
حتى بعدها بفترة لم أثبت ورجعت مرة أخرى إلى المعاصي وطريق الضلال . أنا الآن أريد أن أتقرب من الله وأطيعه ، وأريد أن أدعوه بيقين فالدعاء بالنسبة لي مهم جدّاً، وأنا الآن أشعر بتأنيب الضمير
لأنني أعطيت هذا الرجل الجواب ، وأنه كان عليَّ أن أسلمه بنفسي لذلك الأستاذ . أنا أريد أن أدعو الله ولكني غير متأكدة إذا كان مالي طيِّباً وطاهراً أم لا . وأسئلتي هي:
كيف أطيب مطعمي لتكون دعوتي مستجابة ؟ هل الله يغفر لي إذا كنت قد أكلت طعاما ليس من حقي أو نصيبي ؟
. ماذا أفعل في المال الذي كنت آخذه من أبي وأمي ؟
. وماذا أفعل إذا كنت قد أخذت من أحد غيرهم وأنا لا أتذكره الآن ؟
فأحيانا كنت آخذ من مال إخوتي ولم أعترف لهم . هل الصدقه تطهر مالي ؟
. وهل يجب أن أرجع لذلك الأستاذ ماله مرة أخرى ؟
. هل إذا خالط عملي هذا رياء وعجب يحبط العمل وكأنني لم أرجع المال إلى أصحابه ؟
. وهل هناك حد أدنى للصدقات أم لا ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله أن يثبتك على الدين ويهديك إلى سواء السبيل وأن يبعد عنك المضلات والفتن
والتوبة بابها مفتوح
وقد جاء أناس بذنوب أعظم بكثير وقبَل الله توبتهم كالذي قتل مئة نفس فتاب فتاب الله عليه ، وقد قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التحريم / 8
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا
وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً ) رواه مسلم ( 2687 ) .
بل إن الله يفرح لتوبة عبده - مع استغنائه تعالى عن خلقه ومع توفيقه عبدَه للتوبة - كما جاء في حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا
هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ) رواه مسلم ( 4932 ) .
إلا أنه لا يغني عن الإنسان شيئاً قوله " أنا تبت " ، ولا يفعل ما يُمليه عليه دينه وما تأمره به الشريعة ، فللتوبة شروطها المعروفة وهي : الإخلاص
والندم ، والإقلاع عن الذنب ، والعزم على عدم الرجوع إليه ، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها –
والحمد لله فقد رزقتِ نفساً لوَّامة تؤنب على المعصية وهذه دلالة خير وبشرى لك فاغتنمي هذه الفرصة للتوبة والإنابة ورد الحقوق إلى أهلها .
*عبدالرحمن*
2018-10-28, 12:23
ثانياً:
والمال الذي أخذتِه على قسمين :
1. أن يكون صاحبُه معروفاً كوالديك وإخوانك ومعلمك وغيرهم فعليك رد حقهم إليهم ، ولا يلزمك إخبارهم بما فعلتِ – كما تصرفتِ مع المدرس الأول - بل يكفي منك إيصال حقِّهم لهم كما فعلتِ مع المدرِّس الآخر .
ويُستثنى ممن سبق : والدُك ؛ لأن نفقتك واجبة عليه ، فإذا كان الأب لم يكن ينفق عليكِ نفقتك الواجبة عليه فلكِ الأخذ من ماله ما يكفيك بالمعروف ؛ لإذن النبي صلى الله عليه وسلم –
كما في الصحيحين - لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف
فإن كنتِ أخذتِ أكثر من حاجتك أو كان والدك غير ممتنع عن النفقة عليك فيلزمك رد حقِّه له ، أو استسماحه فيما أخذت من ماله من غير إذنه .
2. أن يكون صاحبُه غير معروف العين أو لا يمكن معرفة مكان وجوده : فتقدِّرين قدر المال المأخوذ منهم بغير حق وتتصدقين به عنهم في وجوه الخير المختلفة .
وأما شأن المعلم الذي لم تتأكدي من وصول المال إليه : فهذا أمره هين بأن تتصلي عليه أو تبعثي له رسالة على البريد ، أو بأي طريق مشابه ، وتستفسري منه عن وصول المال له
فإن قال إن المال قد وصله فقد برأت ذمتك ، وإن لم يصله ، فتردين له حقه ؛ لأنَّ الشخص الذي أوصلتِ المال عن طريقه غير معروف عندك في الأصل ولا هو مزكَّى من أحد .
فإذا تعذر عليك ذلك ، فنرجو أن يكون الله قد أدى عنك ما أرسلت لهذا الأستاذ ، وأن تكون ذمتك قد برأت بذلك .
ثالثاً:
أما سؤالك عن كيفية إطابة مطعمك : فالجواب عنه : أنه بالعمل المباح والأكل من الحلال ، فمن كان كسبه من عمل حلال وأكل مما أباحه الله تعالى له من المطعومات فقد أطاب مطعمه
وهو أمر الله تعالى للمرسلين والمؤمنين ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) المؤمنون / 51
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ . إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) البقرة /172-173 .
قال ابن كثير - رحمه الله -
: " يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بالأكل من طَيبات ما رزقهم تعالى وأن يشكروه على ذلك إن كانوا عبيده ، والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة
كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولَ الدعاء والعبادة كما جاء في الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ( أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيِّبًا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) المؤمنون/ 51
وقال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ )البقرة /172 ، ثم ذكر الرجل يطيلُ السفر أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السماء : يا رب يا رب
ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام فأنَّى يستجاب لذلك ) رواه مسلم في صحيحه "
انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 1 / 481 ) .
وقال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -
: " والمراد بهذا : أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح ، فما كان الأكل حلالا فالعمل الصالح مقبول ، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولا ؟!
وما ذكره بعد ذلك من الدعاء وأنه كيف يُتقبل مع الحرام : فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام "
انتهى من " جامع العلوم والحِكَم " ( ص 100 ) .
ويُرجى أن تكون توبتك ماحيةً لذنبك فيرتفع عنك مانع استجابة الدعاء بالأكل الحرام ، وأن يكون ما سبق منك من أفعال لا تأثير له عليه مع التوبة الصادقة ، إن شاء الله .
*عبدالرحمن*
2018-10-28, 12:23
رابعاً:
العبد مطالب في أعماله بالإخلاص لله وحده ، ومطالب بالحذر من الرياء والعُجب عند قيامه بالطاعات ، لحديث عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ
: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قَالَتْ عَائِشَةُ : أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : ( لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ )
. رواه الترمذي ( 3175 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وفي الوقت نفسه على المؤمن الحذر من أن يوسوس له الشيطان بتخويفه من الرياء ليحجزه عن صنع المعروف وعن التوبة والرجوع ، فلا تلتفتي إلى هذه الوساوس ، وأخلصي عملك لله وامضِ على توبتك واستقامتك
والإخلاص باعث على العمل ومحفز له فإذا رأيت أنك ترجعين إلى الوراء من عملٍ يحبه الله خوفا من الرياء فاعلمي أن ذلك من الشيطان .
خامساً:
الصدقة تطيب النفس والمال وتبارك فيه وتنميه ، وهي سبيل عظيم لتكفير الذنوب وستر العيب وجبر المصاب ونزول الرحمات
قال تعالى : ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) البقرة/ 276 ،
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ) رواه البخاري ( 5073 ) ومسلم ( 993 ) ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ - وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَل )
رواه البخاري ( 1344 ) ومسلم ( 1014 ) .
فَلوَّه : مُهره الصغير .
ومعنى ( عَدل تمرة ) أي : مثلها وشبهها .
وهذا الحديث يفيدنا أن الصدقة ليست بالكم والكثرة ، فعدل تمرة إن خرجت لله تقبلها ونماها حتى تكون كالجبل .
وختاماً:
عليك بكثرة الدعاء ، والعمل الصالح ، والبحث عن رفقة حسنة ، وقيام الليل ، وقراءة القرآن وسماع المواعظ ، وطلب العلم ، والدعوة إلى الله
وغير ذلك مما يبعدك عن المعصية ، ويشغلك بالطاعة ، فالنفس إن لم تُشغل بالطاعة اشتغلت بالمعصية - والعياذ بالله - .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-10-28, 12:33
شاب فعل جميع المحرمات ويريد التوبة
السؤال
انا شاب فاسق وكافر اريد ان اتوب الى الله كنت افعل جميع المحرمات ولا اصلي والان اريد التوبه فارجوا من الشيخ ان يدلني على طريق التوبة ؟.
الجواب
الحمد لله
( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ )الزمر/53-54 .
لقد وصلني سؤالك وأعجبني فيه حرصك على التوبة والعودة إلى الله بالرغم من فعلك جميع المحرمات كما قلت وعلى رأس ذلك تركك للصلاة
ومن المهم جداً أن تعلم أيها الشاب الحريص أن باب التوبة مفتوح بالنسبة لك وأن تتأمل جيداً ما هو مذكور في الآيتين السابقتين وأنا سأذكر لك خطوات عملية تبين لك بوضوح كيفية التوبة بإذن الله تعالى :
كلمة التوبة كلمة عظيمة ، لها مدلولات عميقة ، لا كما يظنها الكثيرون ، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب ، وتأمل قوله تعالى : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ) هود /3 تجد أن التوبة هي أمر زائد على الاستغفار .
ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط ، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث ، وهذا ذكر بعضها :
الأول : الإقلاع عن الذنب فوراً .
الثاني : الندم على ما فات .
الثالث : العزم على عدم العودة .
الرابع : إرجاع حقوق من ظلمهم ، أو طلب البراءة منهم .
ولا تنسى أموراً أخرى مهمة في التوبة النصوح ومنها :
الأول : أن يكون ترك الذنب لله لا لشيء آخر ، كعدم القدرة عليه أو على معاودته ، أو خوف كلام الناس مثلاً .
فلا يسمى تائباً من ترك الذنوب لأنها تؤثر على جاهه وسمعته بين الناس ، أو ربما طرد من وظيفته .
ولا يسمى تائباً من ترك الذنوب لحفظ صحته وقوته ، كمن ترك الزنا أو الفاحشة خشية الأمراض الفتاكة المعدية ، أو أنها تضعف جسمه وذاكرته .
ولا يسمى تائباً من ترك أخذ الرشوة لأنه خشي أن يكون معطيها من هيئة مكافحة الرشوة مثلاً .
ولا يسمى تائباً من ترك شرب الخمر وتعاطي المخدرات لإفلاسه .
وكذلك لا يسمى تائباً من عجز عن فعل معصية لأمر خارج عن إرادته ، كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق ، أو الزاني إذا فقد القدرة على الوقاع ، أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه
بل لابد لمثل هذا من الندم والإقلاع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الندم توبة ) رواه أحمد وابن ماجه ، صحيح الجامع 6802 .
الثاني : أن تستشعر قبح الذنب وضرره .
وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية ، أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل .
وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء والفوائد أضراراً كثيرة للذنوب منها :
حرمان العلم - والوحشة في القلب - وتعسير الأمور - ووهن البدن - وحرمان الطاعة - ومحق البركة - وقلة التوفيق - وضيق الصدر - وتولد السيئات - واعتياد الذنوب - وهوان المذنب على الله - وهوانه على الناس
- ولعنة البهائم له - ولباس الذل - والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة - ومنع إجابة الدعاء - والفساد في البر والبحر- وانعدام الغيرة - وذهاب الحياء -
وزوال النعم - ونزول النقم - والرعب في قلب العاصي - والوقوع في أسر الشيطان - وسوء الخاتمة - وعذاب الآخرة .
وهذه المعرفة لأضرار الذنوب تجعلك تبتعد عن الذنوب بالكلية ، فإن بعض الناس قد يعدل عن معصية إلى معصية أخرى لأسباب منها :
أن يعتقد أن وزنها أخف .
لأن النفس تميل إليها أكثر ، والشهوة فيها أقوى .
لأن ظروف هذه المعصية متيسرة أكثر من غيرها ، بخلاف المعصية التي تحتاج إلى إعداد وتجهيز ، وأسبابها حاضرة متوافرة .
لأن قرناءه وخلطاؤه مقيمون على هذه المعصية ويصعب عليه أن يفارقهم .
لأن الشخص قد تجعل له المعصية المعينة جاهاً ومكانة بين أصحابه فيعز عليه أن يفقد هذه المكانة فيستمر في المعصية .
الثالث : أن تبادر إلى التوبة ، ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته ذنب يحتاج إلى توبة .
الرابع : استدرك ما فاتك من حق الله إن كان ممكناً ، كإخراج الزكاة التي منعتها في الماضي ولما فيها من حق الفقير كذلك .
الخامس : أن تفارق موضع المعصية إذا كان وجودك فيها قد يوقعك في المعصية مرة أخرى .
السادس : أن تفارق من أعانك على المعصية .
والله يقول : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) الزخرف /67 .
وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة ، ولذلك عليك أيها التائب بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم
والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم ولا يستجرينك الشيطان فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم وأنت تعلم أنك ضعيف لا تقاوم .
وهناك حالات كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلاقات مع قرناء الماضي .
السابع : إتلاف المحرمات الموجودة عندك مثل المسكرات وآلات اللهو كالعود والمزمار ، أو الصور والأفلام المحرمة والقصص الماجنة والتماثيل ، وهكذا فينبغي تكسيرها وإتلافها أو إحراقها .
ومسألة خلع التائب على عتبة الاستقامة جميع ملابس الجاهلية لابد من حصولها ، وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سبباً في نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضلالهم بعد الهدى، نسأل الله الثبات .
الثامن : أن تختار من الرفقاء الصالحين من يعينك على نفسك ويكون بديلاً عن رفقاء السوء وأن تحرص على حلق الذكر ومجالس العلم وتملأ وقتك بما يفيد حتى لا يجد الشيطان لديك فراغاً ليذكرك بالماضي .
التاسع : أن تعمد إلى البدن الذي ربيت بالسحت فتصرف طاقته في طاعة الله وتتحرى الحلال حتى ينبت لك لحم طيب .
العاشر : الاستكثار من الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات
وإذا صدقت مع الله في التوبة فأبشر بانقلاب جميع سيئاتك السابقة إلى حسنات ، قال تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً
يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ، إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً )
أسأل الله أن ينفعك بهذه الكلمات ، وأن يهدي قلبك فقم الآن وتلفظ بالشهادتين وتطهر وصل كما أمرك الله ، وحافظ على الواجبات واترك المحرمات وسأكون سعيداً بمساعدتك حالما تحتاج إلى أي أمر آخر .
واسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى وأن يتوب علينا أجمعين أنه هو التواب الرحيم .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-10-28, 12:58
هل يلحق حكم متناول الماريجوانا بشارب الخمر؟
السؤال
أعلم جيداً أن هناك الكثير من النصوص التي حرمت الخمر سواء في القرآن أو السنة ، وأعلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر، وأن كل مسكر خمر وكل خمر حرام. وقوله صلى الله عليه وسلم :
(لا يقبل الله لشارب الخمر صلاة ما دام في جسده شيء منها ) وفي رواية :( من شرب الخمر لم يقبل الله منه شيئا ومن سكر منها لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب ثم عاد كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال )
إلى غير ذلك من النصوص . وهذه كلها نصوص واضحة لا خلاف حولها نهائياً ، لكن السؤال هو عن مقارنة الماريجونا بالخمر وإقامتها مقامه ، وإنزال نفس العقوبات المتعلقة بالخمر عليها ، أرى أن هذه مبالغة تحتاج إلى دليل .
وكوني أقول هذا لا يعني أن الماريجونا حلال، إلا أني لا أرى وجه مقارنة بينها وبين الخمر، وإذا ما أردنا المقارنة حقاً فهي إلى الدخان السيجارة أقرب منها إلى الخمر، وإذا كان ولا بد من إنزال حكم بها على وجه
القياس فلنقل إنها كالدخان، والدخان كما نعلم جميعاً إنه لم يقل فيه أحدٌ أنه مسكر، فمبلغ القول فيه أنه حرام أو مكروه . بل ربما يمكن القول إن مقارنة الماريجوانا بالدخان بحاجة إلى نظر أيضا ؛ لأن الدخان أضراره
غير خافية أما الماريجونا فقد ثبت علمياً أنها لا تحتوي على أي مواد سرطانية كما هو الحال في الدخان ، بل على العكس من ذلك فهي تستخدم في بعض الأغراض الطبية ولها منافع في عدة مجالات
. ما جعلني أضع هذا السؤال هو أن بعض الناس أقامها مقام الخمر تماماً ، وعليه من تعاطاها لم تقبل صلاته أربعين يوما ... إلى غير ذلك من العقوبات! فأنا شاب مسلم ، وأقول أني للأسف، مدمن على الماريجوانا
ولكني أحافظ على صلواتي ولا أساوم فيها بحال من الأحوال. فهل يمكن القول أن صلاتي لن تقبل أربعين يوماً
أو أني إذا تبت ثم عدت فمت أني سأسقى من طينة الخبال أو إن مصيري سيكون إلى النار ؟! لا اشعر بارتياح لقول كهذا، فأرجو منكم التوضيح .
الجواب
الحمد لله
أولاً :
قبل الحكم على الماريجونا ، لا بد من أن نتعرف على حقيقتها ، وما تحدثه هذه المادة من تأثير.
فالماريجونا : هي إحدى مشتقات نبات ( القِنَّب الهندي ) ؛ وهو : نبات ذو تأثيرات مخدرة ، ينتشر في البلدان العربية بعدة أسماء : (
البانجو في مصر، بانجو ، والبانجو مختلف عن الحشيش، أو حتى التسمية الغربية الشائعة : ماريغوانا أو ماريوانا أو الماريجوانا ) .
والصورة العشبية للعقار تتألف من الزهور المجففه الناضجة ، والأوراق المقابلة ( بالإنجليزية: pistillate) (براعم النباتات المؤنثة المزهرة) .
وأما الصورة المصنعة منه فمعروفة باسم الحشيش ؛ ويتكون أساسا من غدد الزغب glandular trichomes
يتم جمعها من نفس المواد النباتية المادة الفعالة الرئيسية في القنب هي المركب الكيميائي العضوى رباعي هيدرو كانابينول Δ9-tetrahydrocannabinol (delta-9-en:tetrahydrocannabinol), والمعروف ب THC.
والحشيش من المواد المهلوسة (بالإنجليزية: Hallucinogens) بجرعات كبيرة نوعاً من الهلوسة
وتدخين الحشيش أكثر الطرق انتشاراً ، وأسرعها تأثيراً علي الجهاز العصبي المركزي نظراً لسرعة وصول المادة الفعالة من الرئة إلى الدم ، ومنه إلى أنحاء المخ
ليشعر الشخص بالاسترخاء والنعاس والابتهاج والانتعاش والمرح ، والشعور بضعف شديد في القدرة على التركيز والانتباه ، وفي قدرة التذكر المباشر وقريب المدى
كما يعاني الشخص من خلل في التوازن الحسي والحركي ، مع زيادة ضربات القلب ، وارتفاع النبض ، وهبوط ضغط الدم ، وجفاف الفم والحلق والحنجرة "
انتهى من "الموسوعة الحرة ـ ويكيبيديا" باختصار .
ثانيا :
إذا تبينا وصف مادة ( الماريجونا ) ، علمنا أنها هي الخمر ، وتنطبق عليها جميع أحكامها ؛ فالأحكام الشرعية لا تؤخذ بالعقل، أو النظر والفكرة ، وإنما تتلقى من النص الشرعي
وحكم الله ورسوله على الشيء ؛ وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم كل المسكرات خمرا ، وأنزل عليها جميع أحكامها :
روى مسلم في صحيحه (2003) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ ) .
فإذا كانت الماريجونا مادة مسكرة ، كما سبق في التعريف بها ، وكما هو معلوم مقرر من حالها ، فلا شك أنها خمر ، تنطبق عليها جميع أحكامها في الدنيا والآخرة .
ولا عبرة بأن المسكر منها هو كمية كبيرة ، وأما الكمية الصغيرة فلا تسكر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ) .
رواه النسائي (5607) وغيره ، وصححه الألباني.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلاما مهما مطولا حول ذلك ؛ فيه بيان ما تسأل عنه من الحكم ، وبيان حال هذه المادة ( الماريجونا / الحشيشة ) وبيان انطباق جميع أحكام الخمر عليها ، قال رحمه الله :
وَأَمَّا " الْحَشِيشَةُ " الْمَلْعُونَةُ الْمُسْكِرَةُ: فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ ، وَالْمُسْكِرُ مِنْهَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ بَلْ كُلُّ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا ، كَالْبَنْجِ ، فَإِنَّ الْمُسْكِرَ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ ، وَغَيْرَ الْمُسْكِرِ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ.
وَأَمَّا قَلِيلُ " الْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ " فَحَرَامٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ، كَسَائِرِ الْقَلِيلِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ ) يَتَنَاوَلُ مَا يُسْكِرُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْكِرُ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا؛ أَوْ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا، فَلَوْ اصْطَبَغَ كَالْخَمْرِ كَانَ حَرَامًا وَلَوْ أَمَاعَ الْحَشِيشَةَ وَشَرِبَهَا كَانَ حَرَامًا .
وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ؛ فَإِذَا قَالَ كَلِمَةً جَامِعَةً كَانَتْ عَامَّةً فِي كُلِّ مَا يَدْخُلُ فِي لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَعْيَانُ مَوْجُودَةً فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ ؛ فَلَمَّا قَالَ: ( كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ )
تَنَاوَلَ ذَلِكَ مَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ خَمْرِ التَّمْرِ وَغَيْرِهَا ، وَكَانَ يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ مِنْ خَمْرِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ مِنْ خَمْرِ لَبَنِ الْخَيْلِ الَّذِي يَتَّخِذُهُ التُّرْكُ وَنَحْوُهُمْ
فَلَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْمُسْكِرِ مِنْ لَبَنِ الْخَيْلِ وَالْمُسْكِرِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا فِي زَمَنِهِ كَانَ يَعْرِفُهُ ، وَالْآخَرُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مَنْ يَتَّخِذُ خَمْرًا مِنْ لَبَنِ الْخَيْلِ.
وَهَذِهِ " الْحَشِيشَةِ " : فَإِنَّ أَوَّلَ مَا بَلَغَنَا أَنَّهَا ظَهَرَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَائِلِ السَّابِعَةِ ، حَيْثُ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التتر؛ وَكَانَ ظُهُورُهَا مَعَ ظُهُورِ سَيْفِ " جنكسخان
" لَمَّا أَظْهَرَ النَّاسُ مَا نَهَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ مِنْ الذُّنُوبِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَشِيشَةُ الْمَلْعُونَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ ، وَهِيَ شَرٌّ مِنْ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ
وَالْمُسْكِرُ شَرٌّ مِنْهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ؛ فَإِنَّهَا مَعَ أَنَّهَا تُسْكِرُ آكِلَهَا حَتَّى يَبْقَى مصطولا ، تُورِثُ التَّخْنِيثَ والديوثة وَتُفْسِدُ الْمِزَاجَ .. وَتُوجِبُ كَثْرَةَ الْأَكْلِ ، وَتُورِثُ الْجُنُونَ ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ صَارَ مَجْنُونًا بِسَبَبِ أَكْلِهَا.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : إنَّهَا تُغَيِّرُ الْعَقْلَ فَلَا تُسْكِرُ كَالْبَنْجِ ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تُورِثُ نَشْوَةً وَلَذَّةً وَطَرَبًا كَالْخَمْرِ وَهَذَا هُوَ الدَّاعِي إلَى تَنَاوُلِهَا
وَقَلِيلُهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا كَالشَّرَابِ الْمُسْكِرِ ، وَالْمُعْتَادُ لَهَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ فِطَامُهُ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ الْخَمْرِ؛ فَضَرَرُهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ أَعْظَمُ مِنْ الْخَمْرِ .
وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّهُ يَجِبُ فِيهَا الْحَدُّ كَمَا يَجِبُ فِي الْخَمْرِ ، وَتَنَازَعُوا فِي " نَجَاسَتِهَا ...
فَمَنْ سَكِرَ مِنْ شَرَابٍ مُسْكِرٍ أَوْ حَشِيشَةٍ مُسْكِرَةٍ ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ قُرْبَانُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَصْحُوَ ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ
وَلَا بُدَّ أَنْ يَغْسِلَ فَمَهُ وَيَدَيْهِ وَثِيَابَهُ فِي هَذَا وَهَذَا ، وَالصَّلَاةُ فَرْضُ عليه ؛ لَكِنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ حَتَّى يَتُوبَ ، أَرْبَعِينَ يَوْمًا
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَهَا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ
عَادَ فَشَرِبَهَا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ ) .
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ هَذِهِ مَا فِيهَا آيَةٌ وَلَا حَدِيثٌ : فَهَذَا مِنْ جَهْلِهِ ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ فِيهِمَا كَلِمَاتٌ جَامِعَةٌ هِيَ قَوَاعِدُ عَامَّةٌ وَقَضَايَا كُلِّيَّةٌ ، تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا دَخَلَ فِيهَا
وَكُلُّ مَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ بِاسْمِهِ الْعَامِّ ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ ذِكْرُ كُلِّ شَيْءٍ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ .. "
.
انتهى من "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (34/204-207) .
فالواجب عليك يا عبد الله أن تقلع عن هذا الداء العضال ، وأن تكون قويا في أمر الله ، لا تهادن نفسك وهواك وشهوتك فيه
فاحفظ دينك وصلاتك من شرب الخمر أن تفسد عليك أمر دينك ودنياك ؛ ولو احتاج الأمر إلى علاج في مصحة طبية ، وجب عليك ذلك فورا ، لتستعين به على ترك ما أنت فيه من البلاء .
نسأل الله أن يشرح صدرك لما يحبه ويرضاه من القول والعمل ، وأن يمن عليك بالتوبة النصوح.
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-10-28, 13:02
حكم الأخذ بالثأر
السؤال
لماذا حرم الإسلام أن يأخذ الإنسان ثأره من قاتله أو قاتل قريبه؟
الجواب
الحمد لله
"الإسلام شرع القصاص ؛ فمن قتل غيره بغير حق فلورثته القصاص من القاتل بشروطه المعتبرة شرعاً عن طريق ولاة الأمور ، أما أن يتعدى هذا على هذا ، وعلى هذا
بغير نظام شرعي ، وبغير أمر شرعي فهذا لا يجوز ، لأنه مفضٍ إلى الفساد ، وإلى الفتن وسفك الدماء بغير حق ، فلا بد من القصاص بشروطه المعتبرة .
أولا: ثبوت القتل .
ثانياً : ثبوت المكافأة ، بأن كان القتيل مكافئاً للقاتل .
ثم يكون ذلك عن طريق ولاة الأمور في البلد حتى لا يحصل الفساد والفتنة ، أما كون الناس يأخذ بعضهم الثأر من بعض ويقتل بعضهم بعضاً من دون بصيرة ومن دون ولاة الأمور ومن دون ضبط للواجب
فهذا لا يجوز ، لأنه يفضي إلى فساد كبير" انتهى .
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (4/1896) .
*عبدالرحمن*
2018-10-28, 13:05
تعريف العقوبة التعزيرية
السؤال
ما هي التعزيرات ، ومتى تنفذ ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
"التعزير" في اللغة مصدر من الفعل المضعف : عزَّر ، بتشديد الزاي .
قال المرتضى الزبيدي :
" العَزْرُ : اللَّوْمُ ، يُقَال : عَزَرَه يَعْزِرُه ، بالكَسْر ، عَزْراً ، بالفَتح ، وعَزَّرَهُ تَعْزِيراً : لامَهُ ورَدَّهُ "
انتهى . " تاج العروس " (13/20) .
ثانيا :
التعزير شرعا : تختلف كلمة أهل الاصطلاح في تعريفه ، على وجوه ، منها ما يلي :
الحنفية :
قال الجرجاني وابن الهمام :
التعزير : هو تأديب دون الحد .
" التعريفات " (ص/55)، " شرح فتح القدير " (5/112)
المالكية :
أما المالكية فلم نر لهم تعريفا للتعزير ، لأنهم لا يعقدون للتعزير بابا ولا فصلا مستقلا ، بل يدرجون أحكامه في أخريات ( باب الشرب ) مع أحكام الصيال والضمان ونحو ذلك .
لكن نستطيع أن نأخذ تعريفهم له من بيانهم لمواضع التعزير على ما ذكره خليل ، وابن عرفة ، فيقال :
التعزير هو التأديب لحق الله أو لآدمي غير موجب للحد .
" جواهر الإكليل " (2/396)
الشافعية :
قال الماوردي ، وعنه نقل النووي :
التعزير : هو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود .
" الأحكام السلطانية " (ص/236)
وقال الرملي :
التعزير : هو التأديب في كل معصية لله أو لآدمي لا حد لها ولا كفارة .
" نهاية المحتاج " (8/16)
الحنابلة :
اختلفت كلمة الحنابلة في حد التعزير على وجوه ، منها : مثل تعريفه لدى الحنفية سواء
الثاني : تعريف بمطلق التأديب . الثالث : نحو تعريف الماوردي لدى الشافعية . الرابع : تعريف المجد ابن تيمية إذ يقول : التعزير : هو التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
فنخلص من هذه التعاريف أن نقول :
إن الفصل الأول من التعريف : وهو التأديب ، محل اتفاق لدى الجميع في التعريف .
والفصل الثاني : وهو قولهم : في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ينبغي أن يكون محل اتفاق أيضا .
فيكون التعريف المتفق عليه أن يقال :
التعزير هو : التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة .
هذه المباحث منقولة باختصار من كتاب " الحدود والتعزيرات عند ابن القيم " ، للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (459-462) .
ثالثا :
أما في دواعي تنفيذ التعزير ، فننقل فيه هنا ما جاء في "
الموسوعة الفقهية " (12/257-258) :
" المعاصي التي شرع فيها التعزير :
المعصية : فعل ما حرم ، وترك ما فرض ، يستوي في ذلك كون العقاب دنيويا أو أخرويا .
أجمع الفقهاء على : أن ترك الواجب أو فعل المحرم معصية فيها التعزير ، إذا لم يكن هناك حد مقدر ، ومثال ترك الواجب عندهم : منع الزكاة ، وترك قضاء الدين عند القدرة على ذلك، وعدم أداء الأمانة
وعدم رد المغصوب ، وكتم البائع ما يجب عليه بيانه ، كأن يدلس في المبيع عيبا خفيا ونحوه ، والشاهد والمفتي والحاكم يعزرون على ترك الواجب .
ومثال فعل المحرم : سرقة ما لا قطع فيه ، لعدم توافر شروط النصاب أو الحرز مثلا ، وتقبيل الأجنبية ، والخلوة بها ، والغش في الأسواق ، والعمل بالربا ، وشهادة الزور .
وقد يكون الفعل مباحا في ذاته لكنه يؤدي لمفسدة ، وحكمه عند كثير من الفقهاء - وعلى الخصوص المالكية - أنه يصير حراما ، بناء على قاعدة سد الذرائع
وعلى ذلك فارتكاب مثل هذا الفعل فيه التعزير ، ما دام ليست له عقوبة مقدرة .
وقد اختلف في تعزير تارك المندوب ، وفاعل المكروه ، ففريق من الفقهاء على عدم جوازه ؛ لعدم التكليف ، ولا تعزير بغير تكليف . وفريق أجازه ، استنادا على فعل عمر رضي الله عنه
فقد عزر رجلا أضجع شاة لذبحها ، وأخذ يحد شفرته وهي على هذا الوضع ، وهذا الفعل ليس إلا مكروها ، ويأخذ هذا الحكم من يترك المندوب .
وقال القليوبي :
قد يشرع التعزير ولا معصية ، كتأديب طفل ، وكافر ، وكمن يكتسب بآلة لهو لا معصية فيها " انتهى باختصار.
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-28, 13:34
قذف الزوج لزوجته لا يلغي النكاح بينهما
السؤال
تفاقمت المشاكل بيني وبين زوجي في الفترة الأخيرة حيث يتهمني بالخيانة وهذا ما لم أفعله ، كما أنه يسبني بأقبح الألفاظ ، وهو مما ينكسر له قلبي. ولقد أخبرني أئمة المساجد في منطقتي
وأهلي بأنه باتهامه لي بالزنا بلا بينة أو شهود لم أعد زوجته ولم يعد زواجنا صحيحا شرعا. فهل هذا الرأي صحيح؟..
الجواب
الحمد لله
أولاً :
الرأي الذي قيل لك غير صحيح
فقذف الزوج لزوجته بالزنا لا يترتب عليه فساد النكاح
لكن إذا طالبت الزوجة بحقها الشرعي في ذلك
(وهو إقامة حد القذف على الزوج) فيُلزم الزوج أحد أمرين : إما أن يأتي بأربعة شهود يشهدون على الزنا
وإما أن يلاعن زوجته
فإن لم يفعل واحدا من الأمرين استحق أن يجلد حد القذف ، وحُكم بفسقه ، وردت شهادته
وحد القذف أن يجلد ثمانين جلدة ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ *
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) النور/4-9 .
وينظر في بيان صفة اللعان جواب السؤال القادم
ثانياً :
الواجب على الزوج أن يتقي الله في نفسه ، وأن يكف لسانه عن الكلام المحرم ، من السب وغيره ، وأن يعلم أنه محاسب مسؤول عن ذلك كله .
وينبغي أن تجدي الوسيلة المناسبة لنصحه وتذكيره ، ولو بالاستعانة بأحد أصدقائه أو أقاربه ، لعل الله أن يهديه ويرده إلى صوابه .
والزوج إن قامت لديه الشكوك في حال زوجته ، ولم يجد بينة على زناها ، ولم يكن هناك ولد يحتاج أن ينفيه باللعان ، فإما أن يمسكها بالمعروف ، ويحسن إليها ، وإما أن يطلقها بالمعروف
فإن الله تعالى شرع الطلاق مخرجا للزوجين حين تسوء العلاقة بينهما ، ولا يجوز له أن يمسكها ويؤذيها ويقترف الحرام بالسب والقذف والإهانة .
ولك أيتها الأخت الكريمة أن تطلبي الطلاق لما يلحقك من الضرر ، فإن اخترت البقاء معه ، ورضيت بالصبر ، رجاء أن ينصلح حاله ، فهذا لك ، وأنت مأجورة إن شاء الله .
ونوصيك بالإقبال على الله تعالى ، وسؤاله أن يهدي زوجك ، وأن يصلح حالكما ، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .
والله أعلم .
.
*عبدالرحمن*
2018-10-28, 13:37
إذا اتهمت زوجها بالزنا هل لها أن تلاعنه ؟
السؤال
أود معرفة ما هو الإجراء الذي تتبعه المرأة التى تتهم زوجها بالزنا . هل عليها أن تقسم يمين اللعان على نفسها كما فى سورة النور ؟
أم أن هذا يسري فقط على الزوج الذى يتهم زوجته؟
الجواب
الحمد لله
اللعان إنما يشرع لأمرين :
الأول : إذا قذف الزوج زوجته بالزنا ، ولم يأت بأربعة شهود ، فله إسقاط حد القذف عنه باللعان .
والثاني : أن يريد نفي الولد عنه .
والأصل في ذلك قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ...الآيات) النور/6
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره
" هذه الآية الكريمة فيها فَرَجٌ للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته ، وتعسّر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عز وجل وهو أن يحضرها إلى الإمام فيدّعي عليها بما رماها به
فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين أي فيما رماها به من الزنا ، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين
فإذا قال ذلك ، بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء ، وحرمت عليه أبداً ، ويعطيها مهرها ويتوجب عليها حد الزنا ، ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين
أي فيما رماها به والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ولهذا قال : ( ويدرأ عنها العذاب ) يعني الحد ( أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) " انتهى .
وأما الزوجة فإذا قذفت زوجها بالزنا ، ولم تأت بأربعة شهود ، فإنها تحد حدّ القذف ؛ لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور/4 .
وهذه الآية تشمل قذف النساء والرجال سواء .
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره :
" ذكر الله تعالى في الآية النساء من حيث هنّ أهم ، ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس . وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى ، وإجماع الأمة على ذلك " انتهى .
وقال الماوردي في "الأحكام السلطانية" ص 287 :
" وإذا قذفت المرأة زوجها حُدَّت , ولم تلاعن " انتهى .
وإذا علمت المرأة بزنا زوجها ، ولم يكن لديها البينة ، وهي أربعة شهود ، فإن عليها أن تنصحه وتذكره وتخوفه بالله تعالى ، فإن استمر في غيه
فلتطلب الطلاق منه ، أو تخالعه ، لأنه لا خير لها في البقاء معه ، ولما قد يترتب على مجامعته لها من مضرة عليها .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-28, 13:41
قصة باطلة منسوبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
السؤال
أخبرني شخص أن عمر أو أبو بكر رضي الله عنهما قد جاء إلى علي رضي الله عنه وقت توليه القضاء ، وقال : إنه رأى فلانا قد ارتكب الزنا ، فما كان من علي إلا أن قال : إن لم يكن لديك أربعة شهود فالتزم الصمت ولا تنطق بشيء .
فهل هناك ما يثبت صحة هذه الرواية؟
وهل هذا حديث صحيح؟
الجواب
الحمد لله :
أولاً :
من الأحكام المتفق عليها بين علماء المسلمين أن الزنا لا يثبت إلا بشهادة أربعة رجال ؛ لقوله تعالى : (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) النساء/15
وقَوْله: (لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النور/13 .
قال ابن المنذر : "وأجمعوا على أن الشهادة على الزنا أربعة لا يُقبل أقل منهم" انتهى .
"الإجماع " ص 42 .
فإن نقص عدد الشهود عن أربعة ، وجب عليهم السكوت ، ولم يجز لهم اتهامه بالزنا ، فإن تكلموا بذلك رُدت شهادتهم ، وأُقيم عليهم حد القذف
لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) النور/4 .
ولما رواه النسائي (3469) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ بْنَ السَّحْمَاءِ بِامْرَأَتِهِ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ .
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ ، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ) . وصححه الألباني.
قال ابن قدامة : "وإذا لم تَكمل شهود الزنا ، فعليهم الحدُّ في قول أكثر أهل العلم" انتهى .
"المغني " (10 /175) .
وذلك حتى لا تُتَّخذ صورةُ الشهادة ذريعةً إلى الوقيعة في أعراض الناس .
ثانياً :
أما القصة التي أشرت إليها ، فقد ذكرها أبو حامد الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" (2/200) ، فقال :
"روى أن عمر رضي الله عنه كان يَعُسُّ [يطوف ليلاً] بالمدينة ذات ليلة ، فرأى رجلاً وامرأةً على فاحشة .
فلما أصبح قال للناس : أرأيتم لو أن إماماً رأى رجلاً وامرأةً على فاحشة ، فأقام عليهما الحد ، ما كنتم فاعلين .
قالوا : إنما أنت إمام .
فقال علي رضي الله عنه : ليس ذلك لك ، إذاً يقام عليك الحد ، إن الله لم يأمن على هذا الأمر أقل من أربعة شهود .
ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم .
ثم سألهم ، فقال القوم مقالتهم الأولى ، فقال علي رضي الله عنه مثل مقالته الأولى" انتهى .
ثم قال أبو حامد الغزالي : "وهذا يشير إلى أن عمر رضي الله عنه كان متردداً في أن الوالي هل له أن يقضي بعلمه في حدود الله
فلذلك راجعهم ... خيفة من أن لا يكون له ذلك فيكون قاذفاً بإخباره ، ومالَ رأى علي إلى أنه ليس له ذلك" انتهى .
وهذه القصة التي ذكرها الغزالي لم نقف عليها ـ بعد البحث ـ مروية بسندها ، حتى نستطيع الحكم بصحتها ، ومن المعروف أنَّ الغزالي ممن يتساهل في إيراد الأحاديث والروايات الضعيفة والموضوعة ، خاصة في كتابه : "
إحياء علوم الدين".
وقد سبق الكلام عن هذا الكتاب وما فيه من أغاليط في جواب السؤال القادم
وقد ورد عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ما يخالف هذا الأثر الذي ذكره الغزالي ، وذكره السائل بمعناه .
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ : لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ : زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ ، وَأَنْتَ أَمِيرٌ ، فَقَالَ : شَهَادَتُكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ : صَدَقْتَ .
رواه البخاري معلقاً ، ووصله عبد الرزاق في المصنف (8 / 340) ، وأشار ابن القيم إلى ثبوته في " الطرق الحكمية" صـ 168 .
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" : "وقد جاء عن أبي بكر الصديق نحو هذا" انتهى .
فهذا يدل على أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يريان أن الحاكم لا يحكم بما علمه ولم يشهد عليه شهود ، وإنما يحكم بشهادة الشهود .
ولا نستبعد أن يكون أعداء الصحابة الذين يسمون بـ "الشيعة" أو "الرافضة" هم الذين يرجون لمثل هذه الروايات ، حتى يثبتوا بها أن علياً أعلم من عمر رضي الله عنهما .
وعِلْمُ عليٍّ رضي الله عنه وفضله وحسن قضائه معلوم ظاهر ، وأظهر منه : أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا أفضل منه وأعلم ، وهذا لا ينكره إلا من طمس الله بصيرته ، وأعماه عن نور الوحي .
قال ابن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية" :
"وَتَرْتِيبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فِي الْفَضْلِ ، كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ . وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنَ الْمَزِيَّةِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاء
الرَّاشِدِينَ ، وَلَمْ يَأْمُرْنَا بالاقْتِدَاءِ فِي الْأَفْعَالِ إِلَّا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، فَقَالَ : (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي : أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) ، وَفَرْقٌ بَيْنَ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِمُ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ ، فَحَالُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَوْقَ حَالِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ...
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمُ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ . وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ .
وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ : مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : (كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ : أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ - أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ عُمَرُ ، ثُمَّ عُثْمَانُ)" انتهى .
وعلق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله هنا بأن هذا الحديث الأخير رواه البخاري بلفظين آخرين ، ولم يروه مسلم . وأن هذا اللفظ الذي ذكره ابن أبي العز رحمه الله هو لفظ أبي داود في سننه.
فرضي الله عن الصحابة أجمعين ، وجعلنا ممن اتبعوهم بإحسان ، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-30, 12:20
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
استكمال ما سبق ذكره في السؤال السابق
بالسؤالين القادمين .. لمزيد من التوضيح
كتاب إحياء علوم الدين
السؤال
هل تنصحوننا بقراءة كتاب إحياء علوم الدين للشيخ أبي حامد الغزالي ؟.
الجواب
الحمد لله
فقد سئل شيخ الإسلام عن هذا الكتاب فأجاب بقوله :
" أما كتاب ( قوت القلوب ) ، وكتاب(الإحياء) تبـعٌ له فيما يذكره من أعمال القلوب مثل الصبر والشكر والحب والتوكل والتوحيد ونحو ذلك ، وأبو طالب أعلم بالحديث والأثر وكلام أهل علوم القلوب من الصوفية وغيرهم
من أبى حامد الغزلي ، وكلامه أَسَدُّ ، وأجود تحقيقاً وأبعد عن البدعة ، مع أنَّ في قوت القلوب أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء كثيرة مردودة
وأما ما في الإحياء من الكلام في المهلكات مثل الكلام على الكبر والعجب والرياء والحسد ونحو ذلك فغالبه منقول من كلام الحارث المحاسبي في الرعاية
ومنه ما هو مقبول ، ومنه ما هو مردود ، ومنه ما هو متنازع فيه ، والإحياء فيه فوائد كثيرة لكن فيه مواد مذمومة ، فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد
فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين ، وقد أنكر أئمة الدين على أبى حامد هذا في كتبه ، وقالوا مَرَّضَهُ " الشفاء " يعنى شفاء ابن سينا في الفلسفة .
وفيه أحاديث وآثار ضعيفة ، بل موضوعة كثيرة .
وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وتُّرهاتهم .
وفيه مع ذلك من كلام المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة ، ومن غير ذلك من العبادات والأدب ما هو موافق للكتاب والسنة
ما هو أكثر مما يرد منه ، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه ."
انتهى مجموع الفتاوى ج10 ص551
ولهذا فالنصيحة بعدم قراءته ، وخصوصاً أن هناك ما يغني عنه في بابه مثل
( "كتاب حادي الأرواح ، وكتاب الفوائد ، وكتاب زاد المعاد ، لابن القيم"
"وكتاب العبودية ، وكتاب الإيمان ، لشيخ الإسلام ابن تيمية"
"وكتاب لطائف المعارف ، ورسالة الخشوع في الصلاة ، لابن رجب" )
بالإضافة إلى أن هناك تلخيص لكتاب إحياء علوم الدين ، يمكن الاستفادة منه مثل مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة
. وأما طالب العلم المتمكن فلا بأس أن يقرأ فيه إذا كان يميز بين الصحيح والضعيف ، والحق والضلال
. ومن أراد الزيادة عن الغزالي وكتابه فليُراجع السؤال القادم
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-30, 12:27
من هو الغزالي
السؤال
هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على ( من هو الإمام الغزالي ) ؟.
الجواب
الحمد لله
الغزالي : هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي المعروف بالغزالي ، ولد بطوس سنة ( 450هـ ) وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس .
والحديث عن الغزالي يطول نظراً لأنه مرَّ بعدة مراحل ، فقد خاض في الفلسفة ثم رجع عنها وردَّ عليها ، وخاض بعد ذلك فيما يسمى بعلم الكلام وأتقن أصوله ومقدماته ثم رجع عنه بعد أن ظهر له فساده ومناقضاته ومجادلات أهله
وقد كان متكلماً في الفترة التي ردَّ فيها على الفلاسفة ولُقب حينها بلقب " حجة الإسلام " بعد أن أفحمهم وفند آراءهم ، ثم إنه تراجع عن علم الكلام وأعرض عنه وسلك مسلك الباطنية وأخذ بعلومهم ثم رجع عنه وأظهر
بطلان عقائد الباطنية وتلاعبهم بالنصوص والأحكام ، ثم سلك مسلك التصوف . فهذه أربعة أطوار مرَّ بها الغزالي وما أحسن ما قاله الشيخ أبو عمر ابن الصلاح - رحمه الله - عنه حيث قال
: " أبو حامد كثر القول فيه ومنه ، فأما هذه الكتب – يعني كتبه المخالفة للحق – فلا يُلتفت إليها ، وأما الرجل فيُسكت عنه ، ويُفَوَّضُ أمره إلى الله "
أنظر كتاب ( أبو حامد الغزالي والتصوف ) لعبد الرحمن دمشقية .
و لا يُنكر المُنْصِف ما بلغه أبو حامد الغزالي من الذكاء المتوقد والعبقرية النادرة حتى قال عنه الذهبي: " الغزالي الشيخ الإمام البحر حجة الإسلام أعجوبة الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي
الشافعي الغزالي صاحب التصانيف والذكاء المفرط تَفَقَّه ببلده أولاً ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة فلازم إمام الحرمين فبرع في الفقه في مدة قريبة ومهر في الكلام والجدل حتى صار عين المناظرين ... "
سير أعلام النبلاء ج9 ص 323 .
وتجد أبا حامد الغزالي مع أن له من العلم بالفقه والتصوف والكلام والأصول وغير ذلك مع الزهد والعبادة وحسن القصد وتبحره في العلوم الإسلامية ...
يميل إلى الفلسفة لكنه أظهرها في قالب التصوف والعبارات الإسلامية ولهذا فقد رد عليه علماء المسلمين حتى أخص أصحابه أبو بكر بن العربي
فإنه قال شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر وقد حكى عنه من القول بمذاهب الباطنية ما يوجد تصديق ذلك في كتبه .
أنظر مجموع الفتاوى ج4 ص66
ومع تقدم الغزالي في العلوم إلا أنه كان مُزْجَى البضاعة في الحديث وعلومه ، لا يميز بين صحيح الحديث وسقيمه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – :
" فإن فرض أن أحداً نقل مذهب السلف كما يذكره (الخارج عن مذهب السلف ) ؛ فإما أن يكون قليل المعرفة بآثار السلف كأبي المعالي وأبي حامد الغزالي وابن الخطيب
وأمثالهم ممن لم يكن لهم من المعرفة بالحديث ما يُعَدَّونَ به من عوام أهل الصناعة فضلا عن خواصها ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلماً وأحاديثهما إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة
ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث ، وبين الحديث المفترى المكذوب ، وكتبهم أصدق شاهد بذلك ، ففيها عجائب
. وتجد عامة هؤلاء الخارجين عن منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة يعترف بذلك ، إما عند الموت ، وإما قبل الموت ، والحكايات في هذا كثيرة معروفة ...
هذا أبو حامد الغزالي مع فرط ذكائه وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ينتهي في هذه المسائل إلى الوقف والحيرة ويحيل في آخر أمره على طريقة أهل الكشف ... "
مجموع الفتاوى ج4 ص71
وقال أيضاً : " ولهذا كان أبو حامد مع ما يوجد في كلامه من الرد على الفلاسفة ، وتكفيره لهم ، وتعظيم النبوة ، وغير ذلك ، ومع ما يوجد فيه من أشياء صحيحةٍ حسنةٍ بل عظيمة القدر نافعة
يوجد في بعض كلامه مادة فلسفية وأمور أضيفت إليه توافق أصول الفلاسفة الفاسدة المخالفة للنبوة ، بل المخالفة لصريح العقل ، حتى تكلم فيه جماعات من علماء خراسان والعراق والمغرب
كرفيقه أبي إسحاق المرغيناني وأبي الوفاء بن عقيل والقشيري والطرطوشي وابن رشد والمازري وجماعات من الأولين ، حتى ذكر ذلك الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فيما جمعه من طبقات أصحاب الشافعي
وقرره الشيخ أبو زكريا النووي ، قال في هذا الكتاب : فصلٌ في بيان أشياء مهمة أُنكرت على الإمام الغزالي في مصنفاته ولم يرتضيها أهلُ مذهبه وغيرُهم من الشذوذ في تصرفاته منها :
قوله في مقدمة المنطق في أول المستصفي : هذه مقدمة العلوم كلها ، ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلاً .
قال الشيخ أبو عمرو : وسمعت الشيخ العماد بن يونس يحكي عن يوسف الدمشقي مدرس النظامية ببغداد وكان من النظار المعروفين أنه كان ينكر هذا الكلام ويقول
: فأبو بكر وعمر وفلان وفلان يعني أن أولئك السادة عظمت حظوظهم من الثلج واليقين ولم يحيطوا بهذه المقدمة وأسبابها "
العقيدة الأصفهانية . ج 1 ص169
ونقل الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء عن محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر قال : فأما ما ذكرت من أبي حامد فقد رأيته وكلمته فرأيته جليلا من أهل العلم
واجتمع فيه العقل والفهم ، ومارس العلوم طول عمره ، وكان على ذلك معظم زمانه ، ثم بدا له عن طريق العلماء ، ودخل في غُمار العُبَّاد ، ثم تصوَّف ، وهجر العلومَ وأهلها ، ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان
ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج ، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين ، ولقد كاد أن ينسلخَ من الدين ، فلما عمل الإحياء عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية
وكان غير أنيس بها ، ولا خبير بمعرفتها ، فسقط على أمِّ رأسه ، وشحن كتابه بالموضوعات .
قلت ( القائل هو الذهبي ) أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة ، وفيه خيرٌ كثير ، لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية نسأل الله علماً نافعاً ، تدري ما العلم النافع ؟
هو ما نزل به القرآن وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً ولم يأت نهي عنه . قال عليه السلام : " من رغب عن سنتي فليس مني "
. فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله ، وبإدمان النظر في الصحيحين ، وسنن النسائي ، ورياض النواوي وأذكاره ، تفلح وتنجح .
وإياك وآراء عباد الفلاسفة ووظائف أهل الرياضات وجوع الرهبان وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات ، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة . فواغوثاه بالله اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم ...
ثم إن المازري أثنى على أبي حامد في الفقه ، وقال هو بالفقه أعرف منه بأصوله ، وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين فإنه صنف فيه وليس بالمُتَبَحِر فيها
ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها ، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول فأكسبته الفلسفة جرأة على المعاني ، وتسهلاً للهجوم على الحقائق ؛ لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها ، لا يردعها شرع .
وعرَّفني صاحب له أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا وهي إحدى وخمسون رسالة ، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل وفي الحكمة ، فمزج بين العلمين ، وقد كان رجلٌ يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تصانيف
أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره ، وقد رأيت جملا من دواوينه ، ووجدت أبا حامد يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة .
وأما مذاهب الصوفية فلا أدري على من عَوَّل فيها ، لكني رأيت فيما علق بعض أصحابه أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها ، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي
وعندي أنه عليه عول في مذهب التصوف ، وأُخبرت أن أبا حيان ألف ديوانا عظيماً في هذا الفن وفي الإحياء من الواهيات كثير.
.. ثم قال: ويستحسن أشياء مبناها على مالا حقيقة له ، كقص الأظفار أن يبدأ بالسبابة لأن لها الفضل على باقي الأصابع ؛ لأنها المسبحة
ثم قص ما يليها من الوسطى ؛ لأنها ناحية اليمين ، ويختم بإبهام اليمنى وروى في ذلك أثراً .
قلت ( القائل هو الذهبي ) : هو أثر موضوع ..
. قال أبو الفرج ابن الجوزي صنف أبو حامد الإحياء وملأه بالأحاديث الباطلة ولم يعلم بطلانها ، وتكلم على الكشف وخرج عن قانون الفقه
وقال عن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم أنوار هي حُجُبُ الله عز وجل ، ولم يُرِد هذه المعروفات ، وهذا من جنس كلام الباطنية . "
السير ج19 ص340
*عبدالرحمن*
2018-10-30, 12:28
ثم إن الغزالي – رحمه الله –
رجع في آخر حياته إلى عقيدة أهل السنة والجماعة ، وأكب على الكتاب والسنة ، وذم الكلام وأهله ، وأوصى الأمة بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" ... وإن كان بعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث وصنف إلجام العوام عن علم الكلام "
مجموع الفتاوى ج4 ص72 .
" وإن نظرة إلى كتابه المسمى إلجام العوام عن علم الكلام ، ليثبت لنا حقيقة هذا التغيُّر من وجوهٍ عديدة :
الوجه الأول :
أنه انتصر في هذا الكتاب لعقيدة السلف ، منبهاً على أن الحق هو مذهب السلف ، وأن من خالفهم في ذلك فهو مبتدع .
الوجه الثاني :
أنه نهى عن التأويل أشد النهي ، داعياً إلى إثبات صفات الله ، وعدم تأويلها بما يودي بها إلى التعطيل .
الوجه الثالث
: أنه شدد النكير على المتكلمين ، ووصف كل أصولهم ومقاييسهم بـ" البدعة المذمومة " ، وبأنها كانت سبب تضرر أكثر الخلق به ، ومنبت الشر بين المسلمين قائلاً :
والدليل على تضرر الخلق به : المشاهدة والعيان والتجربة ، وما ثار من الشر منذ نبغ المتكلمون ، وفشت صناعة الكلام مع نهي العصر الأول من الصحابة رضي الله عنهم عن مثل ذلك .
ويدل عليه أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بأجمعهم ما سلكوا في المحاجة مسلك المتكلمين في تقسيماتهم وتدقيقاتهم – لا لعجز منهم عن ذلك –
فلو علموا أن ذلك نافع لأطنبوا فيه ، ولخاضوا في تحرير الأدلة خوضاً يزيد على خوضهم في مسائل الفرائض .
وقال أيضاً : إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
فما زادوا على أدلة القرآن شيئاً ، وما ركبوا ظهر اللجاج في وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات . كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش
ومن لا يقنعه أدلة القرآن ، لا يقنعه إلا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان " أنظر كتاب ( أبو حامد الغزالي والتصوف )
هذه مجموعة من النقولات عن بعض العلماء الموثوق بعلمهم عن الغزالي رحمه الله ولعل فيها الكفاية لمن أراد الهداية . والله الهادي إلى سواء السبيل .
المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-10-30, 12:34
عقوبة ترويج المخدرات
السؤال
ما الحكم الشرعي والقانوني في بيع وترويج المخدرات وحبوب الكابتجون؟
الجواب
الحمد لله
حرم الله تعالى الخمر وأمر باجتنابها ، وبَيَّن أنها رجس من عمل الشيطان
فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ
فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90، 91 .
وبَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الخمر ملعون بائعها وشاربها وحاملها
كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ ، وَشَارِبَهَا ، وَسَاقِيَهَا
وَبَائِعَهَا ، وَمُبْتَاعَهَا ، وَعَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
ورواه الترمذي (1295) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا
وَشَارِبَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا ، وَالْمُشْتَرِي لَهَا ، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) .
والخمر : كل ما غطَّى العقل مما يحدث شيئاً من اللذة والنشوة . فيدخل في ذلك كل مسكر جامد وسائل .
ولا شك أن كثيرا من أنواع المخدرات أعظم ضررا وفتكا وخطرا من الخمر ، ولهذا لزم التشديد في شأن مروجيها ومهربيها ؛ لما ينبني على عملهم من الشر والفساد .
وقد صدر قرار من هيئة كبار العلماء بشأن ترويج المخدرات ، وهذا نصه :
" الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والعشرين المنعقدة بمدينة الرياض بتاريخ 9 6 1407هـ وحتى 20 6 1407هـ وقد اطلع على برقية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله -
ذات الرقم س 8033 وتاريخ 11 6 1407هـ والتي جاء فيها (نظراً لما للمخدرات من آثار سيئة ، وحيث لاحظنا كثرة انتشارها في الآونة الأخيرة
ولأن المصلحة العامة تقتضي إيجاد عقوبة رادعة لمن يقوم بنشرها وإشاعتها ، سواء عن طريق التهريب أو الترويج ، نرغب إليكم عرض الموضوع على مجلس هيئة كبار العلماء بصفة عاجلة وموافاتنا بما يتقرر) .
وقد درس المجلس الموضوع وناقشة من جميع جوانبه في أكثر من جلسة ، وبعد المناقشة والتداول في الرأي واستعراض نتائج انتشار هذا الوباء الخبيث القتال تهريباً واتجاراً وترويجاً واستعمالاً
المتمثلة في الآثار السيئة على نفوس متعاطيها ، وحملها إياهم على ارتكاب جرائم الفتك ، وحوادث السيارات ، والجري وراء أوهام تؤدي إلى ذلك
وما تسببه من إيجاد طبقة من المجرمين شأنهم العدوان وطبيعتهم الشراسة وانتهاك الحرمات ، وتجاوز الأنظمة وإشاعة الفوضى لما تؤدي إليه بمتعاطيها من حالة من المرح والتهيج ، واعتقاد أنه قادر على كل شيء
فضلاً عن اتجاهه إلى اختراع أفكار وهمية تحمله على ارتكاب الجريمة ، كما أن لها آثاراً ضارة بالصحة العامة ، وقد تؤدي إلى الخلل في العقل والجنون ، نسأل الله العافية والسلامة
لهذا كله ، فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي :
أولاً : بالنسبة للمهرب للمخدرات فإن عقوبته القتل ، لما يسببه تهريب المخدرات وإدخالها البلاد من فساد عظيم لا يقتصر على المهرب نفسه ، وأضرار جسيمة وأخطار بليغة على الأمة بمجموعها .
ويلحق بالمهرب الشخص الذي يستورد أو يتلقى المخدرات من الخارج فيموّن بها المروجين .
ثانياً : أما بالنسبة لمروج المخدرات فإن ما أصدره المجلس بشأنه في قراره رقم (85) وتاريخ 11/ 11 /1401هـ كافٍ في الموضوع ونصه كما يلي
: ( الثاني : من يروجها سواء كان ذلك بطريق التصنيع أو الاستيراد بيعا وشراء أو إهداء ونحو ذلك من ضروب إشاعتها ونشرها
فإن كان ذلك للمرة الأولى فيعزر تعزيراً بليغاً بالحبس أو الجلد أو الغرامة المالية أو بهما جميعا حسبما يقتضيه النظر القضائي ، وإن تكرر منه ذلك فيعزز بما يقطع شره عن المجتمع ولو كان ذلك بالقتل
لأنه بفعله هذا يعتبر من المفسدين في الأرض ، وممن تأصل الإجرام في نفوسهم ، وقد قرر المحققون من أهل العلم أن القتل ضَرْبٌ [أي : نوع] من التَعزير
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "
ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قُتِل ، مثل قتل المفرق لجماعة المسلمين الداعي للبدع في الدين " . إلى أن قال " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل رجل تعمد الكذب عليه
وسأله ابن الديلمي عن من لم ينته عن شرب الخمر فقال : من لم ينته عنها فاقتلوه " . وفي موضع آخر قال رحمه الله في تعليل القتل تعزيراً ما نصه : "
وهذا لأن المفسد كالصائل ، وإذا لم يندفع الصائل إلا بالقتل قتل " انتهى .
ثالثاً : يرى المجلس أنه لابد قبل إيقاع أي من تلك العقوبات المشار إليها في فقرتي (أولاً) و (ثانياً) من هذا القرار استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى
براءةً للذمة ، واحتياطاً للأنفس .
رابعاً : لابد من إعلان هذه العقوبات عن طريق وسائل الإعلان قبل تنفيذها إعذاراً وإنذاراً . هذا وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
هيئة كبار العلماء "
انتهى نقلاً : "فتاوى إسلامية" (3/379) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-30, 12:37
قتل الساحر قد يكون ردة وقد يكون حداً
السؤال
هل قتل الساحر ردة أو حداً ؟ .
الجواب
الحمد لله
"قتل الساحر قد يكون حداً، وقد يكون ردة بناءً على التفصيل في كفر الساحر ، فمتى حكمنا بكفره فقتله ردة، وإذا لم نحكم بكفره فقتله حد.
وانظر جواب السؤال القادم
والسحرة يجب قتلهم سواءً قلنا بكفرهم أم لا، لعظم ضررهم ، وفظاعة أمرهم، فهم يفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك العكس ، فهم قد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء
ويتوصلون بذلك إلى أغراضهم، كما لو سحر امرأة ليزني بها، فيجب على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة ما دام أنه حد؛ لأن الحد إذا بلغ الإمام، لا يستتاب صاحبه، بل يقام بكل حال.
أما الكفر فإنه يستتاب صاحبه، وبهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود، وذكروا من الحدود حد الردة؛ لأن قتل المرتد ليس من الحدود
لأنه إذا تاب انتفى عنه القتل، ثم إن الحدود كفارة لصاحبها ، وليس بكافر، والقتل بالردة ليس بكفارة وصاحبه كافر لا يصلى عليه، ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين.
فالقول بقتل السَحَرَةِ موافق للقواعد الشرعية؛ لأنهم يسعون في الأرض فساداً، وفسادهم من أعظم الفساد، وإذا قُتِلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر" انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين" (2/179) .
*عبدالرحمن*
2018-10-30, 12:42
هل تُقبل توبة الساحر؟
السؤال
هل تقبل توبة الساحر عند الله - لأنني سمعت عن ساحرة استفتت الصحابة عن التوبة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يفتها أحد - ؟ وماذا قالوا لها ؟
وهل ينفعها إيمانها عند الله ؟
ولماذا يفتي العلماء بقبول توبة الساحر في هذه الحال ؟.
الجواب
الحمد لله
تعلم السحر والعمل به كفر
قال تعالى : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) البقرة/102
والساحر قد يأتي بما يوجب ردَّته فيكفر فيقتل ردةً ، وقد يسحر من غير أن يأتي بمكفِّر ، وهذا قد وقع فيه خلاف بين العلماء ، والصحيح من أقوالهم
: أنه يقتل أيضاً إذا ثبت أنه ساحر ، وهو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم وأمروا به ، وإذا قُتل لم يغسَّل ولم يكفَّن ولم يُدفن في مقابر المسلمين .
ولا ينبغي التوقف في قتل الساحر سواء قلنا بكفره أم لم نقل ، لأن هذا هو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي قتله منع من الإفساد وردع لغيره من إخوانه السحرة .
فإذا تاب الساحر بينه وبين الله توبة صادقة : فإن الله تعالى يقبل منه
وهذا فيما بينه وبين ربه قبل أن يصل أمره للقضاء ، فإذا وصل أمره للقضاء الشرعي فينبغي على القاضي قتله من غير استتابة ؛ تخليصاً للمجتمع من شره
ولا يجوز لآحاد الناس أن يقيم الحد بنفسه ، بل الأمر مرجعه لولي الأمر .
وهذه طائفة من فتاوى العلماء في ذلك :
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" إذا تاب الساحر توبة صادقة فيما بينه وبين الله : نفعه ذلك عند الله ، فالله يقبل التوبة من المشركين وغيرهم
كما قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ) الشورى/25
وقال جل وعلا : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 .
لكن في الدنيا لا تقبل ، الصحيح : أنه يقتل ، فإذا ثبت عند حاكم المحكمة أنه ساحر يقتل ، ولو قال : إنه تائب ، فالتوبة فيما بينه وبين الله صحيحة ,
إن كان صادقا تنفعه عند الله ، أما في الحكم الشرعي فيقتل ، كما أمر عمر بقتل السحرة ؛ لأن شرهم عظيم ، قد يقولون : تبنا ، وهم يكذبون
يضرون الناس ، فلا يسلم من شرهم بتوبتهم التي أظهروها ولكن يقتلون ، وتوبتهم إن كانوا صادقين تنفعهم عند الله " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / 111 ) .
2. وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً – (8/69) :
" والصحيح عند أهل العلم : أن الساحر يقتل بغير استتابة ؛ لعظم شره وفساده ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستتاب ، وأنهم كالكفرة الآخرين يستتابون
ولكن الصحيح من أقوال أهل العلم : أنه لا يستتاب ؛ لأن شره عظيم ، ولأنه يخفي شره ، ويخفي كفره ، فقد يدعي أنه تائب وهو يكذب ، فيضر الناس ضرراً عظيماً
فلهذا ذهب المحققون من أهل العلم إلى أن من عرف وثبت سحره يقتل ولو زعم أنه تائب ونادم ، فلا يصدق في قوله .
ولهذا ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد أن يقتلوا كل من وجدوا من السحرة ، حتى يتقي شرهم ، قال أبو عثمان النهدي : ( فقتلنا ثلاث سواحر )
هكذا جاء في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة – [رواه أبو داود بإسناد صحيح وأصله في "البخاري"] - ، وهكذا صح عن حفصة أنها قتلت جارية لها
لما علمت أنها تسحر قتلتها ، وهكذا جندب بن عبد الله رضي الله عنه الصحابي الجليل لما رأى ساحراً يلعب برأسه - يقطع رأسه ويعيده
يخيِّل على الناس بذلك - أتاه من جهة لا يعلمها فقتله ، وقال : ( أعد رأسك إن كنت صادقاً ) .
والمقصود : أن السحرة شرهم عظيم ، ولهذا يجب أن يقتلوا ، فولي الأمر إذا عرف أنهم سحرة ، وثبت لديه ذلك بالبينة الشرعية : وجب عليه قتلهم ؛ صيانة للمجتمع من شرهم وفسادهم " انتهى .
3. وقال الشيخ – أيضاً – (8/111) :
" إذا قُتل لا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، يدفن في مقابر الكفرة ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، ولا يصلى عليه ، ولا يغسل ولا يكفن ، ونسأل الله العافية " انتهى .
4. وقال – أيضاً - :
" وحكم الساحر الذي يعلم منه أنه يخيل على الناس ، أو يترتب على عمله مضرة على الناس ، من سحر العيون ، والتزوير عليها ، أو تحبيب الرجل إلى امرأته والمرأة إلى زوجها ، أو ضد ذلك مما يضر الناس
متى ثبت ذلك بالبينة لدى المحاكم الشرعية وجب قتل هذا الساحر ، ولا يقبل منه توبة ولو تاب . . .
وقد سبق ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه أمر عماله - أعني : أمراءه - بقتل السحرة ، لمنع فسادهم في الأرض ، وإيذائهم للمسلمين وإدخالهم الضرر على الناس ، فمتى عرفوا وجب على ولاة أمر المسلمين قتلهم
ولو قالوا : تبنا ؛ لأنهم لا يؤمَنون ، لكن إن كانوا صادقين في التوبة نفعهم ذلك عند الله عز وجل ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25 . . .
أما من جاء إلى ولاة الأمور من غير أن يقبض عليه يخبر عن توبته ، وأنه كان فعل كذا فيما مضى من الزمان وتاب إلى الله سبحانه وظهر منه الخير فهذا تقبل توبته
لأنه جاء مختاراً طالباً للخير معلناً توبته من غير أن يقبض عليه أحد أو يدعي عليه أحد ، والمقصود : أنه إذا جاء على صورة ليس فيها حيلة ولا مكر فإن مثل هذا تقبل توبته
لأنه جاء تائباً نادماً ، كغيره من الكفرة ممن يكون له سلف سيئ ثم يمن الله عليه بالتوبة من غير إكراه ولا دعوى عليه من أحد " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / 81 ، 82 ) .
*عبدالرحمن*
2018-10-30, 12:43
5. وقال علماء اللجنة الدائمة :
" إذا أتى الساحر في سحره بمكفِّر : قتل لردته حدّاً ، وإن ثبت أنه قتل بسحره نفسا معصومة : قتل قصاصاً ، وإن لم يأت في سحره بمكفر ولم يقتل نفساً : ففي قتله بسحره خلاف
والصحيح : أنه يقتل حدّاً لردته ، وهذا هو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله ؛ لكفره بسحره مطلقا لدلالة آية : ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )
على كفر الساحر مطلقاً ؛ ولما ثبت في " صحيح البخاري " عن بجالة بن عبدة أنه قال : ( كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ، فقتلنا ثلاث سواحر )
ولما صح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها ( أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها ، فقتلت ) رواه مالك في " الموطأ " ؛ ولما ثبت عن جندب أنه قال : ( حد الساحر ضربة بالسيف ) رواه الترمذي وقال : الصحيح أنه موقوف .
وعلى هذا فحكم الساحر المسئول عنه في الاستفتاء أنه يقتل على الصحيح من أقوال العلماء ، والذي يتولى إثبات السحر وتلك العقوبة هو الحاكم المتولي شئون المسلمين ؛ درءا للمفسدة وسدا لباب الفوضى " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 1 / 551 – 553 ) .
6. وقال الشيخ ابن عثيمين :
" وهذا القتل هل هو حدٌّ أم قتله لكفره ؟
يحتمل هذا وهذا ، بناء على التفصيل السابق في كفر الساحر ، ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول : من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة
ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر من باب دفع الصائل يجب تنفيذه حيث رآه الإمام .
والحاصل : أنه يجب أن تقتل السحرة ، سواء قلنا بكفرهم أم لم نقل ؛ لأنهم يمرضون ، ويقتلون ، ويفرقون بين المرء وزوجه ، وكذلك بالعكس ؛ فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء
ويتوصلون إلى أغراضهم ؛ فإن بعضهم قد يسحر أحدا ليعطفه إليه وينال مأربه منه ، كما لو سحر امرأة ليبغي بها ، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فساداً
فكان واجباً على وليِّ الأمر قتلهم بدون استتابة ما دام أنه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم ؛ فإن الحدَّ لا يستتاب صاحبه ، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 9 / 508 ، 509 ) وهو شرح لكتاب " التوحيد " .
7. وقال الشيخ ابن عثيمين – أيضاً - :
" والقول بقتلهم ( يعني : السحرة ) موافق للقواعد الشرعية ؛ لأنهم يسعون في الأرض فساداً ، وفسادهم من أعظم الفساد ، فقتلهم واجب على الإمام ، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم
لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وفي أرض غيرهم ، وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم ، وارتدع الناس عن تعاطي السحر " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 9 / 509 ) وهو شرح لكتاب " التوحيد " .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-30, 12:47
حكم تدخين أنواع الحشيشة
السؤال
هل يحرم على تدخين الماريجوانا من حين لآخر وخاصة عندما أكون متوترا؟
الجواب
الحمد لله
الحشيشة محرمة بجميع أنواعها الماريجوانا وغيرها .
قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية" (4/233) وهو يتحدث عن الحشيشة :
" والأصل في تحريمها ما رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بسند صحيح عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر)
قال العلماء المفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف ، وهذا الحديث فيه دليل على تحريم الحشيش بخصوصه ، فإنها تسكر وتخدر وتفتر ، ولذلك يكثر النوم لمتعاطيها
وحكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريمها ، قال : ومن استحلها فقد كفر . قال : وإنما لم تتكلم فيها الأئمة الأربعة رضي الله تبارك وتعالى عنهم لأنها لم تكن في زمنهم
وإنما ظهرت في آخر المائة السادسة وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/425) :
" أكل هذه الحشيشة الصلبة حرام , وهي من أخبث الخبائث المحرمة , وسواء أكل منها قليلا أو كثيرا " انتهى .
وتعاطي المسكرات حرام مهما كانت طريقة التعاطي.
قال العلامة ابن قاسم الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج بشرح المنهاج" (9/167) وهو يبين من هو شارب المسكر قال : "
والمراد بالشارب المتعاطي ، شرباً كان أو غيره ، وسواء فيه المتفق على تحريمه والمختلف فيه ، وسواء جامده ومائعه ، مطبوخه ونيئه " انتهى .
والشريعة إنما حرمت تناول المخدرات والمسكرات لما فيها من أضرار بالغة على العقل والنفس والأسرة والمجتمع
وقد بَيَّنا بعضا من تلك الأضرار في جواب السؤال القادم
أما التوتر والقلق فكن على يقين أن دواءه ليس في تدخين الحشيشة أو غيرها من المحرمات، فلم يجعل الله شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها ، ففي صحيح مسلم (3670)
: أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ رضي الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ ، فَنَهَاهُ ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا ، فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ ، فَقَالَ : ( إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ ) .
وإذا أردت طرد القلق عن نفسك فإننا نوصيك بجملة أمور منها :
1ـ كثرة الاستغفار بحضور قلب .
2- التوضؤ والصلاة فإنها من أعظم أسباب العون على الصبر على المكاره وطرد الغم .
3ـ كثرة ذكر الله تعالى ، فإنه سبيل أكيد لحصول الطمأنينة والسكينة .
4ـ كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي سنن الترمذي (2381): قَالَ أُبَيٌّ رضي الله عنه : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ
فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟
فَقَالَ : ( مَا شِئْتَ ) قَالَ : قُلْتُ الرُّبُعَ ؟
قَالَ : ( مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) قُلْتُ : النِّصْفَ ؟ قَالَ : ( مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) قَالَ : قُلْتُ : فَالثُّلُثَيْنِ ؟
قَالَ : ( مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا . قَالَ : ( إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ) . وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي .
هذا بالإضافة إلى اجتناب أسباب التوتر والقلق بقدر المستطاع ، فإن كان مصدر ذلك القلق التوتر هموم مستقبلة كأسباب الرزق ونحوها ، فعليك بحسن الظن بالله تعالى وصدق الاعتماد عليه
فقد قال جل شأنه : ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/3 .
وفقنا الله و إياك لكل خير
*عبدالرحمن*
2018-10-30, 12:51
حكم تناول المخدرات وهل تأخذ أحكام الخمر ؟
السؤال
زادت مؤخرا ظاهرة تناول المخدرات وخاصة الحشيش ، ظنا من الناس أنها ليست خمرا تخامر العقل .
سؤالي : هل هي فعلا من الخمر ؟
وهل إذا شرب المرء الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوما ؟
وبالتالي ما صحة صوم من يشرب الحشيش في رمضان ؟.
الجواب
الحمد لله
لا شك في تحريم تناول المخدرات ، من الحشيش والأفيون والكوكايين والمورفين وغير ذلك ، لوجوه عديدة ، منها :
1- أنها تغيّب العقل وتخامره
أي تغطيه ، وما كان كذلك فهو حرام ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة ) رواه مسلم (2003) .
وروى البخاري (4087) ومسلم (1733) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّ شَرَابًا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ مِنْ الشَّعِيرِ ، وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ مِنْ الْعَسَلِ ، فَقَالَ : ( كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ) .
وروى البخاري (4343) ومسلم (3032) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت عمر رضي الله عنه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أما بعد
أيها الناس ، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة : من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير ، والخمر ما خامر العقل ) .
ولا شك أن المخدرات تخامر العقل وتغيبه .
قال الحافظ ابن حجر :
" واستُدل بمطلق قوله : (كل مسكر حرام) على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا ، فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها ، وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة ، وجزم آخرون بأنها مخدرة
وهو مكابرة ؛ لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة ، والمداومة عليها والانهماك فيها .
وعلى تقدير تسليم أنها ليست بمسكرة فقد ثبت في أبي داود (النهي عن كل مسكر ومفتّر) والله أعلم "
انتهى من "فتح الباري" (10/45) .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ
: الْمُفْتِر كُلّ شَرَاب يُورِث الْفُتُور وَالرَّخْوَة فِي الأَعْضَاء وَالْخَدَرَ فِي الأَطْرَاف وَهُوَ مُقَدِّمَة السُّكْر , وَنَهَى عَنْ شُرْبه لِئَلا يَكُون ذَرِيعَة إِلَى السُّكْر .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب ، فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين . وأما تعاطي البنج الذي لم يسكر ، ولم يغيب العقل ففيه التعزير.
وأما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها (أي الحشيشة) مسكرة ، وإنما يتناولها الفجار ، لما فيها من النشوة والطرب ، فهي تجامع الشراب المسكر في ذلك ، والخمر توجب الحركة والخصومة
وهذه توجب الفتور واللذة ، وفيها مع ذلك من فساد المزاج والعقل ، وفتح باب الشهوة ، وما توجبه من الدياثة : مما يجعلها من شر الشراب المسكر ، وإنما حدثت في الناس بحدوث التتار .
وعلى تناول القليل منها والكثير حد الشرب : ثمانون سوطا ، أو أربعون . إذا كان مسلما يعتقد تحريم المسكر "
انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/423) .
وقال في "السياسة الشرعية" (ص92) :
" والحشيشة المصنوعة من ورق القِنَّب حرام أيضا يُجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج
حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة وغير ذلك من الفساد . والخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة ، وكلاهما يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة .
وقد توقف بعض الفقهاء المتأخرين في حدها ورأى أن آكلها يعزر بما دون الحد ، حيث ظنها تغير العقل من غير طربٍ بمنزلة البنج . ولم نجد للعلماء المتقدمين فيها كلاما
وليس كذلك بل آكلوها ينشَون عنها ويشتهونها كشراب الخمر وأكثر ، وتصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة إذا أكثروا منها ، مع ما فيها من المفاسد الأخرى من الدياثة والتخنث وفساد المزاج والعقل وغير ذلك
. ولكن لما كانت جامدة مطعومة ليست شرابا تنازع الفقهاء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره ، فقيل : هي نجسة كالخمر المشروبة
وهذا هو الاعتبار الصحيح ، وقيل : لا ؛ لجمودها . وقيل : يفرق بين جامدها ومائعها .
وبكل حال فهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكر لفظا أو معنى . قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن : البتع وهو من العسل ينبذ حتى يشتد
والمِزر وهو من الذرة والشعير حتى يشتد قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم بخواتيمه فقال : ( كل مسكر حرام ) متفق عليه في الصحيحين " انتهى .
وقال أيضا
: " فكيف المصر على أكل الحشيشة ، لا سيما إن كان مستحلا للمسكر منها ، كما عليه طائفة من الناس ، فإن مثل هذا ينبغي أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، إذ السكر منها حرام بالإجماع ، واستحلال ذلك كفر بلا نزاع "
انتهى "الفتاوى الكبرى" (2/309) .
2- أن فيها من الأضرار العظيمة ما قد يكون أعظم من الضرر الحاصل بشرب الخمر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
" ففيها ضرر بالشخص ذاته ، وبأسرته وأولاده ، وبمجتمعه وأمته .
أما الضرر الشخصي : فهو التأثير الفادح في الجسد والعقل معا ؛ لما في المسكر والمخدر من تخريب وتدمير الصحة والأعصاب والعقل والفكر ومختلف أعضاء جهاز الهضم وغير ذلك من المضار والمفاسد التي تفتك بالبدن كله
بل وبالاعتبار الآدمي والكرامة الإنسانية ، حيث تهتز شخصية الإنسان ، ويصبح موضع الهزء والسخرية ، وفريسة الأمراض المتعددة .
وأما الضرر العائلي : فهو ما يلحق بالزوجة والأولاد من إساءات ، فينقلب البيت جحيما لا يطاق من جراء التوترات العصبية والهيجان والسب والشتم وترداد عبارات الطلاق والحرام
والتكسير والإرباك ، وإهمال الزوجة والتقصير في الإنفاق على المنزل ، وقد تؤدي المسكرات والمخدرات إلى إنجاب أولاد معاقين متخلفين عقليا . . .
وأما الضرر العام : فهو واضح في إتلاف أموال طائلة من غير مردود نفعي ، وفي تعطيل المصالح والأعمال ، والتقصير في أداء الواجبات ، والإخلال بالأمانات العامة
سواء بمصالح الدولة أو المؤسسات أو المعامل أو الأفراد . هذا فضلا عما يؤدي إليه السكر أو التخدير من ارتكاب الجرائم على الأشخاص والأموال والأعراض
بل إن ضرر المخدرات أشد من ضرر المسكرات ؛ لأن المخدرات تفسد القيم الخلقية "
انتهى من "الفقه الإسلامي وأدلته" للدكتور وهبة الزحيلي (7/5511) .
والحاصل أن هذه المخدرات لا يستريب في حرمتها عاقل ، لدلالة النصوص على تحريمها ، ولما فيها من أضرار بالغة .
وأما العقوبة اللازمة لمتعاطي المخدرات : فهي أن يحد حد الخمر ، كما سبق في كلام شيخ الإسلام عن الحشيشة ، فالمخدرات داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكر لفظا أو معنى .
والواجب على العلماء والدعاة أن يبينوا للناس تحريم هذه المخدرات ، والمضار العظيمة المترتبة عليها .
وأما سؤالك عن شارب الخمر وما جاء في عدم قبول صلاته أربعين يوما ، وعن حكم صيامه ، فقد سبق بيانه في جواب السؤال القادم
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-30, 12:55
عقوبة شارب الخمر ، وهل تصح منه الصلاة والصيام ؟
السؤال
ما هي عقوبة شارب الخمر ؟
هل يمكن للشارب الخمر أن يصلي ويصوم رمضان ؟.
الجواب
الحمد لله
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90
وفي صحيح البخاري ( 2295 ) ومسلم ( 86 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ . "
أي لا يكون مؤمناً كامل الإيمان بل يكون قد نقص إيمانه نقصا عظيما بهذا الفعل الشنيع .
وفي البخاري أيضا ( 5147 ) ومسلم (3736) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَة "ِ
وفي سنن أبي داود ( 3189 ) عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قال
: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ " وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود ( 2/700 ) .
وفي سنن النسائي ( 5570 ) أَنَّ ابْنَ الدَّيْلَمِيِّ قال لعبد الله بن عمرو هَلْ سَمِعْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ شَأْنَ الْخَمْرِ بِشَيْءٍ فَقَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
" لا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 709 ) . والمعنى : أنه لا يثيبه عليها لا أنه لا تجب عليه الصلاة
بل يتوجب عليه أن يأتي بجميع الصلوات ، ولو ترك الصلاة في هذا الوقت لكان مرتكبا لكبيرة من أعظم الكبائر ، حتى أوصلها بعض العلماء إلى الكفر ، والعياذ بالله .
والأحاديث والآثار الدالة على شدة تحريم الخمر كثيرة جدا ، وهي أم الخبائث ، فمن وقع فيها جَرَّأته على ما سواها من الخبائث والجرائر . نسأل الله العافية .
وأما عقوبة شاربها في الدنيا فهي الْجَلْدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . لِما رواه مُسْلِمٍ ( 3281 ) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْجَلَدَاتِ : فَذَهَبَ جماهير العلماء إلَى أَنَّهَا ثَمَانُونَ جَلْدَةً فِي الْحُرِّ , وَفِي غَيْرِهِ أَرْبَعُونَ .
واستدلوا بما جاء في حديث أنس السابق وفيه
: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ ."
ووافق الصحابة عمر رضي الله عنه على ذلك ولم يخالفوه . وقد قرر مجلس هيئة كبار العلماء أن عقوبة شارب الخمر هي الحد ، وأن الحد ثمانون جلدة .
وبعض العلماء كابن قدامة رحمه الله
وشيخ الإسلام في الاختيارات يرون أن الزيادة على الأربعين تابعة لنظر الإمام المسلم فإن رأى الحاجة داعية إلى الزيادة على أربعين كما حصل في عهد عمر رضي الله عنه فله أن يجعلها ثمانين . والله أعلم
( ينظر توضيح الأحكام 5 / 330 ) .
وأما الصلاة والصيام من شارب الخمر ، فلا شك أنه يجب عليه أن يؤدي الصلاة في أوقاتها ، وأن يصوم رمضان ، ولو أخل بشيء من صلاته أو صيامه لكان
رتكباً لكبيرة عظيمة هي أشد من ارتكابه لجريمة شرب الخمر ، فلو أنه شرب الخمر في نهار رمضان لكان قد عصى الله بمعصيتين كبيرتين : الأولى الإفطار في نهار رمضان
الثانية شرب الخمر . وليعلم أن وقوع المسلم في معصية وعجزه عن التوبة منها لضعف إيمانه لا ينبغي أن يُسوِّغ له استمراء المعاصي وإد
مانها ، أو ترك الطاعات والتفريط فيها بل يجب عليه أن يقوم بما يستطيعه من الطاعات ويجتهد في ترك ما يقترفه من الكبائر والموبقات ، نسأل الله أن يجنبنا الذنوب صغيرها وكبيرها إنه سميع قريب .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-11-01, 13:41
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل يجوز للحاكم أن يعطل بعض الحدود في بعض الأوقات ؟
السؤال
هل يجوز للحاكم المسلم تعطيل بعض الحدود في أوقات كما فعل عمر رضي الله عنه عندما أسقط حد السرقة عام الرمادة ؟
الجواب
الحمد لله
" الواجب على المسلمين أن يقيموا فرائض الله في حدوده ، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو يخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر رجم الزاني المحصن
قال : ( وإني أخاف إن طال بالناس زمان أن يقولوا : لا نجد الرجم في كتاب الله ؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل ) فبين أن هذا فريضة ، ولا شك أنه فريضة ، لأن الله أمر به فقال
: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) المائدة/38
وقال : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) النور/2
وقال : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا ) المائدة/33
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .
ولا يجوز أن تعطل هذه الحدود بأي حال من الأحوال ، وما روي عن عمر رضي الله عنه أنه أسقط الحد عام المجاعة فإن هذا يحتاج إلى شيئين :
الشيء الأول : صحة النقل ، فإننا نطالب من ادعى ذلك بصحة النقل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
الأمر الثاني : أن عمر رضي الله عنه إنما رفع الحد من أجل الشبهة القائمة
فإن الناس في مجاعة ، والإنسان قد يأخذ الشيء للضرورة إليه لا لتشبعٍ به ، ومعلوم أن المضطر إلى الطعام يجب على المسلمين إطعامه ؛ فخشي عمر رضي الله عنه أن يكون هذا السارق مضطراً إلى الطعام ومُنع منه
فتحين الفرصة فسرق ، هذا هو اللائق بعمر رضي الله عنه إن صح الأثر المنسوب إليه في أنه أسقط أو رفع الحد : حد السارق عام المجاعة .
أما حكامنا اليوم فلا يوثق بدينهم ، يعني أكثرهم لا يوثق بدينه ، ولا يوثق بنصحه للأمة ، ولو فتح الباب لقال هؤلاء الحكام
وأعني بذلك بعضهم – لقالوا : إقامة الحد في هذا العصر لا يناسب ؛ لأن أعداءنا من الكفار يتهموننا بأننا همج ، وأننا وحوش ، وأننا نخالف ما يجب من مراعاة حقوق الإنسان
ثم يرفع الحدود كلياً كما هو الواقع الآن في أكثر بلاد المسلمين مع الأسف ؛ حيث عطلت الحدود من أجل مراعاة أعداء الله .
ولهذا لما عطلت الحدود كثرت الجرائم وصار الناس – حتى الحكام الذين تابعوا الكفار في هذا الأمر – في حيرة ماذا يفعلون في هذه الجرائم " انتهى .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 483، 484) .
وبيان هذا : أن من شروط وجوب إقامة الحد على السارق : ألا يكون له شبهة في المال المسروق ، فعمر رضي الله عنه لم يقم الحد لأنه لم تتوفر فيه شروط وجوبه
والذي يسرق في زمن المجاعة له شبهة في هذا المال ، فلم يسقط عمر رضي الله عنه الحد أو عطله بعد وجوبه .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-11-01, 13:46
الشهود الأربعة في حد الزنى فقط
السؤال
أتساءل : ما هي الأمور المطلوبة من الأربعة الشهود في المحاكمة المقامة في محكمة إسلامية ؟
وما المقصود من هذه المتطلبات ؟
الجواب
الحمد لله
الشهادة في الفقه الإسلامي إحدى بينات الإثبات ، ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم في مواضع عدة ، وأثبت الحكم بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولها في كتب الفقه حظ وافر من الشرح والتفصيل والبيان .
والذي نحب التنبيه عليه في هذا الباب – مما يتعلق بالسؤال – أمور ثلاثة :
الأمر الأول :
أن نصاب الشهود المطلوب يختلف بحسب الأمر المشهود به ، وليس ثمة عدد محدد لجميع أنواع الشهادة ، فمن الأمور ما تقبل فيها شهادة عدل واحد ، ومنها ما يشترط لها شاهدان
ومنها ما يشترط لها أربعة شهود . ولا شك أن هذا من كمال التشريع الإسلامي وحكمته البالغة ، حيث روعيت فيه أقدار المواضيع من حيث الأهمية والخطورة والتأثير ، ووضعت لها ما يناسبها في أبواب الشهادة ونصاب الشهود .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/226-229) :
" يختلف عدد الشهود في الشهادات بحسب الموضوع المشهود به :
أ - من الشهادات ما لا يقبل فيه أقل من أربعة رجال ، لا امرأة بينهم ، وذلك في الزنا ، لقوله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء . . ) الآية.
وعن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله ! إن وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال : نعم . رواه مسلم.
ب - ومنها ما يقبل فيه شاهدان لا امرأة فيهما ، وهو ما سوى الزنى من الحدود والقصاص ، كالقطع في السرقة ، وحد الحرابة ، والجلد في الخمر ، وهذا باتفاق الفقهاء .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن ما يطلع عليه الرجال غالبا ، مما ليس بمال ولا يقصد منه مال: كالنكاح ، والطلاق ، والرجعة ، والإيلاء ، والظهار ، والنسب ، والإسلام
والردة ، والجرح ، والتعديل ، والموت والإعسار ، والوكالة ، والوصاية ، والشهادة على الشهادة
ونحو ذلك ، فإنه يثبت عندهم بشهادة شاهدين لا امرأة فيهما . ودليلهم في ذلك أن الله تعالى نص على شهادة الرجلين في الطلاق والرجعة والوصية .فأما الطلاق والرجعة
فقوله تعالى : (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم ) . وأما الوصية فقوله : ( إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم ) . وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النكاح
: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) أخرجه البيهقي. وروى مالك عن الزهري أنه قال : " مضت السنة بأنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق " وقيس عليها ما شاركها في الشرط المذكور .
ج - وقال الحنفية : ما يقبل فيه شاهدان ، أو شاهد وامرأتان هو ما سوى الحدود والقصاص سواء أكان الحق مالا أم غير مال ، كالنكاح والطلاق والعتاق والوكالة والوصاية .
ودليله قوله تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء )
وقصر الجمهور قبول شهادة الرجلين أو الرجل والمرأتين على ما هو مال أو بمعنى المال ، كالبيع ، والإقالة ، والحوالة ، والضمان ، والحقوق المالية ، كالخيار ، والأجل ، وغير ذلك .
د - ومنها ما تقبل فيه شهادة النساء منفردات ، وهو الولادة والاستهلال والرضاع ، وما لا يجوز أن يطلع عليه الرجال الأجانب من العيوب المستورة .
ولكنهم اختلفوا في العدد الذي تثبت به هذه الأمور من النساء على خمسة أقوال .
و - ومنها ما تقبل فيه شهادة شاهد واحد ، فتقبل شهادة الشاهد الواحد العدل بمفرده في إثبات رؤية هلال رمضان استدلالا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -
قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه . رواه أبوداود. " انتهى باختصار.
*عبدالرحمن*
2018-11-01, 13:47
الأمر الثاني :
أن شهادة الأربعة على وقوع الزنى يشترط فيه – زيادة على الإسلام والحرية والعدالة – الوصف بالمعاينة وصفا دقيقا ، ولا يكفي وصف المشهد العام لاجتماع الرجل والمرأة الأجنبية ولو كانا عاريين
وهذا من خصائص هذه الشهادة أيضا .
يقول ابن رشد رحمه الله :
" وأما ثبوت الزنا بالشهود : فإن العلماء اتفقوا على أنه يثبت الزنا بالشهود ، وأن العدد المشترط في الشهود أربعة بخلاف سائر الحقوق
لقوله تعالى : ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) وأن من صفتهم أن يكونوا عدولا ، وأن من شرط هذه الشهادة أن تكون بمعاينة فرجه في فرجها ، وأنها تكون بالتصريح لا بالكناية " انتهى.
"بداية المجتهد" (2/439).
يقول الإمام الماوردي رحمه الله :
" أما صفة الشهادة في الزنا فلا يجزئ أن يقول الشهود : رأيناه يزني . حتى يصفوا ما شاهدوه من الزنا ، وهو أن يقولوا : رأينا ذكره يدخل في فرجها كدخول المرود في المكحلة : لثلاثة أمور :
أحدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم تثبت ماعزا في إقراره فقال : أدخلت ذلك منك في ذلك منها ، كدخول المرود في المكحلة والرشا في البئر ؟ فقال : نعم . فأمر برجمه .
فلما استثبته في الإقرار كان أولى أن يستثبت في الشهادة .
والثاني : أن الشهود على المغيرة بن شعبة بالزنا لما شهدوا به عند عمر رضي الله عنه ، وهم أبو بكرة ، ونافع ، ونفيع ، وزياد ، فصرح بذلك أبو بكرة ، ونافع ، ونفيع
فأما زياد فقال له عمر : قل ما عندك ، وأرجو أن لا يهتك الله صحابيا على لسانك . فقال زياد : رأيت نفسا تعلو ، أو استا تنبو ، ورأيت رجليها على عنقه كأنهما أذنا حمار ، ولا أدري يا أمير المؤمنين ما وراء ذلك
فقال عمر : الله أكبر . فأسقط الشهادة ولم يرها تامة .
ولمعرفة براءة المغيرة بن شعبة من هذه التهمة انظر جواب السؤال القادم
والثالث : أن الزنا لفظ مشترك . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : العينان تزنيان وزناهما النظر ، واليدان تزنيان وزناهما اللمس ، ويصدق ذلك ويكذبه الفرج .
فلذلك لزم في الشهادة نفي هذا الاحتمال بذكر ما شاهده من ولوج الفرج في الفرج " انتهى.
"الحاوي" (13/227).
الأمر الثالث :
أن تخصيص الشهادة على الزنا بهذا التشديد فيه مزيد احتياط وصيانة للأعراض ، كي لا يتساهل الناس في الطعن ولا في القذف .
وباشتراط البينة بهذا التدقيق لا يكاد حد الزنى يقام على أحد إن لم يعترف ، ومن أقيم عليه بسبب مشاهدة أربعة رجال له هذه المشاهدة الدقيقة فذلك دليل على جرأة ووقاحة يستحق عليها العقوبة الرادعة .
يقول الإمام الماوردي رحمه الله :
" الشهادات تتغلظ بتغليظ المشهود فيه ، فلما كان الزنا واللواط من أغلظ الفواحش المحظورة وآخرها ، كانت الشهادة فيه أغلظ : ليكون أستر للمحارم ، وأنفى للمعرة " انتهى.
"الحاوي" (13/226) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والشهادة على الزنا لا يكاد يقام بها حد وما أعرف حدا أقيم بها وإنما تقام الحدود إما باعتراف وإما بحبل .." .
"منهاج السنة النبوية" (6/95) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-11-01, 14:08
هل ثبت وقوع المغيرة بن شعبة في الزنا ؟
وما حكم من يفعل مقدماته في الشرع؟
السؤال
قرأت في موقعكم تحت عنوان : ( الشهود الأربعة في حد الزنى فقط ) : " أن الشهود على المغيرة بن شعبة بالزنا لما شهدوا به عند عمر رضي الله عنه ، وهم أبو بكرة ، ونافع ، ونفيع ، وزياد
فصرح بذلك أبو بكرة ، ونافع ، ونفيع ، فأما زياد فقال له عمر : قل ما عندك ، وأرجو أن لا يهتك الله صحابيّاً على لسانك ، فقال زياد : " رأيت نفساً تعلو ، أو استاً تنبو ، ورأيت رجليها على عنقه كأنهما أذنا حمار
ولا أدري يا أمير المؤمنين ما وراء ذلك ، فقال عمر : الله أكبر ، فأسقط الشهادة ولم يرها تامة " . وإني أحب الله ، ورسوله ، وصحابته ، ولكني صدمت بهذا الكلام
فهل يعقل أن صحابيّاً راويا للأحاديث كالمغيرة بن شعبة يقوم بهذا الأمر ، وإن لم يثبت أنه زنا ، ولكن ثبت أنه قام بمقدمات الزنا على الأقل
كما وصف الشاهد الرابع زياد ، أفلا يقدح ذلك بعدالته ؟
وضحوا لنا الأمر جزيتم خيراً ، فإن الكلام في صحابة رسولنا الكريم قد كثر هذه الأيام كي لا تشوه صورتهم في أعيننا . وثانياً : هل ثبوت مقدمات الزنا عليه عقاب في الإسلام ؟
وإن كان نعم فما فعل عمر رضي الله عنه بالمغيرة؟
الجواب
الحمد لله
أولاً:
الصحابي الجليل " المغيرة بن شعبة " هو أحد أصحاب " بيعة الرضوان " الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، والذين أثنى الله عليهم بالخير ، وأخبر أنه رضي عنهم
قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً . وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا . وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) الفتح/18 ، 19 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
" يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، وقد تقدم ذكر عدتهم ، وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة ، وأن الشجرة كانت سمرة بأرض " الحديبية " .
وقوله : ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) أي : من الصدق ، والوفاء ، والسمع ، والطاعة .
( فَأَنزلَ السَّكِينَةَ ) : وهي الطمأنينة ، ( عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) : وهو ما أجرى الله على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم ، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر
وفتح مكة ، ثم فتح سائر البلاد ، والأقاليم عليهم ، وما حصل لهم من العز ، والنصر ، والرفعة في الدنيا ، والآخرة ، ولهذا قال : ( وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) " انتهى .
" تفسير ابن كثير " (7/339 ، 340 ) .
وقد أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وشهد لهم بالخيرية ، وأخبر أنهم من أهل الجنة :
أ. عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ :
( أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ ) رواه البخاري ( 2923 ) ومسلم ( 1856 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " هذا صريح في فضل " أصحاب الشجرة " ، فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعةٌ بمكة ، وبالمدينة ، وبغيرهما " انتهى .
" فتح الباري " ( 7 / 443 ) .
ب. عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو حَاطِبًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( كَذَبْتَ ، لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ ) رواه مسلم ( 2495 ) .
ج. عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال : أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ : ( لَا يَدْخُلُ النَّارَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا .
قَالَتْ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَانْتَهَرَهَا ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) رواه مسلم ( 2496 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
" قال العلماء : معناه : لا يدخلها أحدٌ منهم قطعاً ، كما صرح به في الحديث الذي قبله - حديث حاطب - وإنما قال : ( إن شاء الله ) للتبرك لا للشك ، وأما قول حفصة بلى ، وانتهار النبي صلى الله عليه و سلم لها .
.. فيه دليل للمناظرة ، والاعتراض والجواب ، على وجه الاسترشاد ، وهو مقصود حفصة ؛ لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه و سلم .
والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط ، وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون " انتهى .
" شرح مسلم " ( 16 / 58 ) .
وقد أسلم " المغيرة بن شعبة " رضي الله عنه عام الخندق ، وأول مشاهده : الحديبية ، ثم شهد اليمامة ، وفتوح الشام ، والقادسية ، ونهاوند ، وهمدان ، وغيرها .
قال عنه الحافظ الذهبي – رحمه الله - : " من كبار الصحابة ، أولي الشجاعة والمكيدة ، شهد بيعة الرضوان ، كان رجلا طِوالاً ، مهيبا ، ذهبت عينه يوم اليرموك ، وقيل : يوم القادسية " انتهى .
"سير أعلام النبلاء" (3/21) .
*عبدالرحمن*
2018-11-01, 14:14
وما جاء في روايات عدة من شهادةٍ عليه رضي الله عنه بالزنا : لم يثبت نصاب الشهادة فيها ، ولا يمكن لأحدٍ أن يتهمه رضي الله عنه بتلك الفاحشة البغيضة من غير اعتراف ، أو شهادة أربعة رجال
وكلا الأمرين معدوم ، وقد جلد عمر رضي الله عنه الثلاثة الذين اتهموه بالزنا ؛ لعدم اكتمال نصاب الشهادة ، بعد تردد الرابع ، وعدم شهادته ، ولم يصنع شيئاً مع المغيرة لعدم ثبوت أصل الواقعة شرعاً .
وأما بخصوص المروي في وصف فعله رضي الله مع تلك المرأة : فالجواب عنه من وجوه :
1. سقوط ذلك كله شرعاً ، وعدم ثبوت شيء منه ؛ لتخلف نصاب الشهادة .
2. أن كثيراً من تلك الروايات لم تصح أصلاً من حيث إسنادها .
3. أن ذلك الأمر الذي حصل – إن جزمنا بحصوله واقعاً ، وهو ما سبب إشكالاً عند كثيرين – لم يكن مع امرأة أجنبية ، بل كان مع زوجةٍ من نسائه تشبه تلك التي ادُّعي عليها فعل الفاحشة مع ذلك الصحابي الجليل.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -
: " يظهر لنا في هذه القصة أن المرأة التي رأوا المغيرة رضي الله عنه مخالطاً لها عندما فتحت الريح الباب عنهما : هي زوجته ، ولا يعرفونها
وهي تشبه امرأة أخرى أجنبية كانوا يعرفونها تدخل على المغيرة وغيره من الأمراء ، فظنوا أنها هي ، فهم لم يقصدوا باطلاً ، ولكن ظنهم أخطأ ، وهو لم يقترف - إن شاء الله - فاحشة
لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم فيهم الوازع الديني الزاجر عما لا ينبغي في أغلب الأحوال ، والعلم عند الله تعالى " انتهى .
"مذكرة في أصول الفقه" (ص 152) .
4. وأمر آخر يخص الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة ، وهو أنه كثير الزواج ، فأي حاجة ليفعل الحرام ، وهو يجد من الحلال الكثير ؟! .
قال الذهبي – رحمه الله - :
" عن المغيرة بن شعبة قال : لقد تزوجت سبعين امرأة ، أو أكثر .
أبو إسحاق الطالقاني : حدثنا ابن المبارك قال : كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة
قال : فصفهن بين يديه ، وقال : أنتن حسَنات الأخلاق ، طويلات الأعناق ، ولكني رجل مطلاق ، فأنتن الطلاق .
ابن وهب : حدثنا مالك قال : كان المغيرة نكَّاحا للنساء ، ويقول : صاحب الواحدة إن مرضت مرض ، وإن حاضت حاض ، وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان ، وكان ينكح أربعا جميعاً ، ويطلقهن جميعاً " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " ( 3 / 31 ) .
5. ومعروف غيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على حرمات الله ، وقوته في دينه ، ومعروف ـ أيضا ـ تشدده مع ولاته ، وقد ولَّى المغيرةَ بعد تلك الحادثة إمرة " الكوفة "
! ولو أنه ثبت عنده شبهة تلك المعصية فلعله لا يوليه ولاية قط ، وهذا يعني اقتناع عمر بعدم حصول تلك الواقعة أصلاً ، أو اقتناعه بأنها كانت زوجته ، ولعل الثاني هذا هو الأقرب .
وبما قلناه يسقط السؤال من أصله ، وليس ثمة حاجة للبحث في حكم فعله رضي الله عنه ؛ لأن ذلك السؤال مبني على كون تلك المرأة أجنبية .
ثانياً:
أما من حيث الحكم الشرعي ابتداءً : فإن مقدمات الزنى من الفواحش ، وقد سمَّاها الشرع " زنى " ، لكن الزنى الذي تترتب عليه الأحكام ، ويوجب الحدود : هو زنى الفرج ، لا زنى الأعضاء الأخرى .
وقد روى البخاري ( 6243 ) ومسلم ( 2657 )
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ ، وَيُكَذِّبُهُ ) .
وقد نهى الله تعالى عن مقدمات الزنى ، فقال : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) الإسراء/32
وقال : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) الأنعام/151 .
وللحاكم إن ثبت عنده فعل أحد من المسلمين مثل تلك المقدمات أن يعزره بما يراه مناسباً لحاله ، وفعله ، فليس في تلك الأفعال حدود ، بل فيها التعزير .
وينظر النقل في ذلك عن الأئمة ، مع شيء من التفصيل في أصل المسألة :
جواب السؤال القادم
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-11-01, 14:17
حكم مقدمات الزنى من التقبيل واللمس والخلوة
السؤال
ما حكم من كان يتمتع في النساء بحيث لا يزني من قبلات وغيره ؟.
الجواب
الحمد لله
ليس الزنا هو فقط زنا الفرْج ، بل هناك زنا اليد وهو اللمس المحرَّم ، وزنا العين وهو النظر المحرَّم ، وإن كان زنا الفرْج هو الذي يترتب عليه الحد .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان المنطق
والنفس تمنَّى وتشتهي ، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه " . رواه البخاري ( 5889 ) ومسلم ( 2657 ) .
ولا يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة والملامسة والنظر فهي كلها محرّمات ، وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا .
قال الله تعالى : ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً الإسراء / 32 .
والنظرة المحرمة سهم من سهام الشيطان ، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة ، وإن لم يقصدها في البداية ولهذا قال تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون .
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن النور / 30 – 31 .
فتأمل كيف ربط الله تعالى بين غض البصر وبين حفظ الفرج في الآيات ، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار ، وحفظ الفروج ، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين
ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة ، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك ، ولهذا قال سبحانه : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون
فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة ، وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة ، نسأل الله العافية من ذلك .
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس ، وأنه لا يخفى عليه خافية ، وفي ذلك تحذير للمؤمن من ركوب ما حرم الله عليه ، والإعراض عما شرع الله له
وتذكير له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها. كما قال تعالى : يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور غافر / 19 .
" انتهى من التبرج وخطره " .
فعلى المسلم أن يتقي الله ربَّه في السر والعلن ، وأن يبتعد عما حرَّمه الله عليه من الخلوة والنظر والمصافحة والتقبيل وغيرها من المحرَّمات والتي هي مقدمات لفاحشة الزنا .
ولا يغتر العاصي بأنه لن يقع في الفاحشة وأنه سيكتفي بهذه المحرمات عن الزنا ، فإن الشيطان لن يتركه . وليس في هذه المعاصي كالقبلة ونحوها حد لأن الحد لا يجب إلا بالجماع ( الزنى )
ولكن يعزره الحاكم ويعاقبه بما يردعه وأمثاله عن هذه المعاصي .
قال ابن القيم :
( وأما التعزير ففي كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ; فإن المعاصي ثلاثة أنواع : نوع فيه الحد ولا كفارة فيه , ونوع فيه الكفارة ولا حد فيه , ونوع لا حد فيه ولا كفارة ;
فالأول - كالسرقة والشرب والزنا والقذف -
, والثاني : كالوطء في نهار رمضان ، والوطء في الإحرام , والثالث : كوطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره وقبلة الأجنبية ، والخلوة بها ، ودخول الحمام بغير مئزر
وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير , ونحو ذلك ) "
إعلام الموقعين " ( 2 / 77 ) .
وعلى من أبتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، فإن من تاب تاب الله عليه ، والتائب من الذنب من لا ذنب له .
ومن أعظم ما يكفر هذه المعاصي المحافظة على الصلوات الخمس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة
ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم (1/209)
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-11-01, 14:21
من أتى بهيمة عزر وقتلت البهيمة
السؤال
هل يجوز أكل لحم شاة اعتدى عليها شخص جنسيا ؟
وهل يجوز شرب حليبها؟
الجواب
الحمد لله
البهيمة التي يعتدى عليها بالوطء ، تقتل ، ولا يؤكل لحمها ، فإن كانت للواطيء فهي هدر ، وإن كانت لغيره لزمه ضمانها .
وأما الفاعل فإنه يعزّر ، وقيل : يقتل ؛ لحديث ورد في ذلك لكنه ضعيف .
روى الترمذي (1455) وأبو داود (4464) وابن ماجه (2564) عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: ( مَنْ وَجَدْتُمُوهُ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ ) فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ ؟
قَالَ : مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا ، وَلَكِنْ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ لَحْمِهَا أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا وَقَدْ عُمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَلُ . والحديث ضعفه أبو داود والطحاوي
وقال الترمذي عقبه : " وقد روى سفيان الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال : ( من أتى بهيمة فلا حد عليه ) حدثنا بذلك محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان الثوري
وهذا أصح من الحديث الأول ، والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق ".
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24/33) :
" ذهب جماهير الفقهاء إلى أنه لا حد على من أتى بهيمة لكنه يعزر , لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : من أتى بهيمة فلا حد عليه . ومثل هذا لا يقوله إلا عن توقيف
, ولأن الطبع السليم يأباه فلم يحتج إلى زجر بحد . وعند الشافعية قول : إنه يحد حد الزنى وهو رواية عن أحمد , وعند الشافعية قول آخر : بأنه يقتل مطلقا محصنا كان أو غير محصن ..
. ومذهب جمهور الفقهاء ( الحنفية والمالكية والشافعية ) أنه لا تقتل البهيمة , وإذا قتلت فإنها يجوز أكلها من غير كراهة إن كانت مما يؤكل عند المالكية والشافعية ,
ومنع أبو يوسف ومحمد أكلها . وقالا : تذبح وتحرق . وأجازه أبو حنيفة , وقد صرح الحنفية بكراهة الانتفاع بها حية وميتة .
وذهب الحنابلة إلى أن البهيمة تقتل سواء كانت مملوكة له أو لغيره . وسواء كانت مأكولة أو غير مأكولة . وهذا قول عند الشافعية , لما روى ابن عباس مرفوعا قال
: (من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة) . وعند الشافعية قول آخر : إنها تذبح إن كانت مأكولة , وصرحوا بحرمة أكلها إن كانت من جنس ما يؤكل " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
: " فلو أولج الإنسان في بهيمة عزّر ، وقتلت البهيمة على أنها حرام جيفة ، فإن كانت البهيمة له فاتت عليه
وإن كانت لغيره وجب عليه أن يضمنها لصاحبها . وقيل إن من أتى بهيمة قتل لحديث ورد في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة )
وهذا عام أخذ به بعض أهل العلم ، وقالوا : إن فرج البهيمة لا يحل بحال ، فيكون كاللواط ، ولكن الحديث ضعيف ، ولهذا عدل أهل العلم لمّا ضعف الحديث عندهم إلى أخف الأمرين
وهو قتل البهيمة ، وأما الآدمي فلا يقتل ؛ لأن حرمته أعظم ، ولكن يعزر لأن ذلك معصية ، والقاعدة العامة أن التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة "
انتهى من "الشرح الممتع" (14/245).
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/60) :
" واختلف في علة قتلها , فقيل : إنما قتلت لئلا يعير فاعلها , ويذكر برؤيتها . وقد روى ابن بطة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه
واقتلوا البهيمة . قالوا : يا رسول الله ما بال البهيمة ؟ قال : لا يقال هذه وهذه) . وقيل : لئلا تلد خلقا مشوها . وقيل : لئلا تؤكل . وإليها أشار ابن عباس في تعليله " انتهى .
وبهذا يعلم أن الشاة الموطوءة لا ينتفع بلبنها ولا تترك ، بل تقتل ويتخلص منها .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-11-01, 14:24
لم ينفرد عمر بن الخطاب بمعرفة آية الرجم
السؤال
في صحيح البخاري في باب الأحكام أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (لولا أن يقول الناس عن آية الرجم لكتبتها بيدي) لماذا لا يعلم هذه الآية سوى عمر ؟
وكيف نحاجج من يسأل ذلك ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (6830) ومسلم (1691) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فخطب الجمعة ، وكان مما قال رضي الله عنه فقال : (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا ، وَعَقَلْنَاهَا ، وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ :
وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ
أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ، أَوْ الِاعْتِرَافُ) . زاد أبو داود (4418)
: (وَايْمُ اللَّهِ ، لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ : زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَكَتَبْتُهَا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه في عدة مواضع : (6829) و(6830) في كتاب الحدود . و(7626) في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، وليس فيها اللفظ الوارد في السؤال (لولا أن يقول الناس.......إلخ) .
وقد ذكرها البخاري في كتاب الأحكام معلقة ، بلا إسناد : قال عمر : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي .
ومثل هذا لا يقال فيه : رواه البخاري في صحيحه ، إلا أن يقال مع ذلك : إنه رواه معلقاً ، فيقال : رواه البخاري معلقاً .
وقد رواها أبو داود موصولةً وصححه الألباني كما سبق .
ثانياً :
يجاب على من يسألون: لماذا لم يعلم هذه الآية سوى عمر ؟
بأن يقال : لم ينفرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمعرفة هذه الآية ، فقد ورد عن جماعة من الصحابة إثباتها .
روى ابن ماجه (1944) عن عائشة رضي الله عنها قالت : (لقد نزلت آية الرجم ، وكانت في صحيفة تحت سريري) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وروى الإمام أحمد (1214) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إثباتها ، غير أن إسناده ضعيف .
وذكر الحافظ في "فتح الباري"
أنه ورد إثبات هذه الآية عن أبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما .
وقد أثبت عمر رضي الله عنه هذه الآية على المنبر في خطبة الجمعة ، وكان حاضراً في تلك الخطبة علماء الصحابة وفقهاؤهم وكبراؤهم ، وأقروه على إثبات هذه الآية
ولم ينكر عليه أحد منهم ، فكيف يقال بعد ذلك : إنها لم يعلمها غير عمر ؟!
ثالثاً :
آية الرجم مما يذكره العلماء في "أصول الفقه" من مبحث "النسخ" أنها مما نسخ لفظه وبقي حكمه ، فلم تَعُدْ أية من القرآن الكريم ، ولكن حكمها باقٍ لم ينسخ
ولعل هذا هو السبب الذي جعل عمر رضي الله عنه لا يكتبها في المصحف ، لأنها لما نسخت تلاوتها لم تَعُدْ من القرآن فلا يجوز أن تكتب فيه .
وانظر : "المنتقي شرح الموطأ" حديث رقم (1560) .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-11-01, 14:28
لا يجوز التنازل عن حد القذف مقابل تعويض مادي
السؤال
هل يلزمني إحضار شهود إذا قذفني شخص ما وأردت أن أشتكي عليه ؟
. وهل لي أن أتنازل عن حد القذف مقابل تعويض مالي ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
جاء الشرع بحماية الضرورات الخمس وهي : الدين ، والعقل ، والعِرْض ، والنسب ، والمال.
والقذف : هو تعرضٌ للعرض برميه بزنى أو لواط ، وقد كُلِّفَ القاذف أن يأتي بما يثبت قوله بأربعة شهداء ، فإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف ، وهو ثمانون جلدة ، ولا تُقبل له شهادة
وهو من الفاسقين إلا أن يتوب أو يقام عليه الحد فإنه يرتفع عنه لقب " الفسق " وتقبل شهادته ، ولا فرق بين أن يكون القاذف أو المقذوف رجلا أو امرأة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء" انتهى .
" فتح الباري " ( 12 / 188 ) .
وأما إذا قذفه بغير الزنا ، كما لو اتهمه بأنه سارق أو آكل للحرام ... فلا يُحد حد القذف ، وإنما يعزره الحاكم بما يردعه عن هذا العدوان .
وقذف الأعراض محرَّم في الكتاب والسنة والإجماع ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد أوجب الله على القاذف عقوبات مغلظة في الدنيا والآخرة :
1. قال الله تعالى: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ) النور/4 .
قال ابن كثير رحمه الله :
فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام : أحدها : أن يُجلد ثمانين جلدة ، الثاني : أنه ترد شهادته أبداً ، الثالث : أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله ، ولا عند الناس .
" تفسير القرآن العظيم " ( 3 / 292 ) .
2. وقال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النور/23 .
3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله ، وما هنَّ ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) رواه البخاري ( 2615 ) ومسلم ( 89 ) .
ولا يثبت حد القذف على القاذف ، إلا بإقراره بالقذف ، أو شهادة رجلين عدلين بأنه قاذف ، وأما مجرد الدعوى فلا يثبت بها القذف أو غيره
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (البينة على المدعي) رواه الترمذي (1341) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1938) .
وانظر : "المغني" (14/126) .
ثانياً :
أما التنازل عن حد القذف مقابل مبلغ مالي : فهو غير جائز ؛ لأن العِرْض لا تجوز المعاوضة عليه بالمال .
قال الحطاب المالكي رحمه الله :
"ومن صالح من قذفٍ على مال : لم يجز ، ورُدَّ ، بلغ الإمام أو لا ... لأنه من باب الأخذ على العرض مالاً"
انتهى بتصرف ." مواهب الجليل " ( 6 / 305 ) .
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله :
"وإن صالحه عن حد القذف : لم يصح الصلح ؛ لأنه إن كان لله تعالى : لم يكن له أن يأخذ عوضه لكونه ليس بحق له ، فأشبه حد الزنا والسرقة
وإن كان حقّاً له : لم يجز الاعتياض عنه ؛ لكونه حقّاً ليس بمالي ، ولهذا لا يسقط إلى بدل ، بخلاف القصاص ؛ ولأنه شرع لتنزيه العرض فلا يجوز أن يعتاض عن عرضه بمال" انتهى .
" المغني " ( 5 / 33 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء
:
ما حكم تقويم عقوبة ثابتة بنصوص القرآن والسنَّة بقيمة ( مبلغ ) معينة ، كأن يُقوَّم قطع يد السارق ، فبدلاً من أن تُقطع يده يطالِب هو بقيمة ( مبلغ )
وكأن يقوَّم الرجم أو الجلد ، فلا يُرجم أو يُجلد الزاني ، بل يطالِب هو بدفع قيمة معينة ( مبلغ معين ) ؟ .
فأجابوا
:
"لا يجوز تقويم عقوبات الحدود بمبالغ نقدية ؛ لأن الحدود توقيفية ، ولا يجوز تغييرها عما حدَّه الشارع" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 17 ) .
كما لا يجوز بعد إقامة الحد على القاذف أن يطالب المقذوف بتعويض مالي ؛ إذ عامة العلماء على عدم جواز أخذ تعويض مالي مقابل ضرر معنوي – ويسمى كذلك " الضرر الأدبي "
.
وقد جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " رقم 109 ( 3 / 12 ) بشأن موضوع " الشرط الجزائي " ما نصه :
"الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي ... ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي" انتهى .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 13 / 40 ) تحت عنوان " التعويض عن الأضرار المعنوية:
"لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بـهذا ، وإنما هو تعبير حادث ، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية" انتهى .
فتبين بهذا أنه لا يجوز استبدال حد القذف بمال ، ولا يجوز المطالبة بتعويض بعد إقامة الحد على القاذف ، ولك أن تعفو عمن قذفك ولا تطالب بإقامة الحد عليه .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-11-01, 14:31
حكم القتل من أجل الشرف
السؤال
أود معرفة حكم القتل من أجل الشرف وكيف يمكن الأخذ بهذه العقوبة طبقا لأحكام الشريعة؟
الجواب
الحمد لله :
قتل المسلم بغير حق أمر عظيم وجرم كبير، قال الله عز وجل:( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) النساء/93.
وروى البخاري (6355) عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) .
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم الأسباب التي بها يباح هذا الدم فقال : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني
والمفارق لدينه التارك للجماعة ) رواه البخاري (6370) ومسلم (3175) ، فتبين من هذا أن زنى الثيب هو أحد الأسباب المبيحة للقتل ، لكن لا يقتل الزاني إلا بشرطين :
الأول : أن يكون محصنا (وهو المراد بالثيب في الحديث المتقدم) ، وقد بين العلماء معنى الإحصان هنا : قال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (4/128 ):
"المحصن ذكرا كان أو أنثى كل مكلف حر وطئ أو وطئت في قُبُلٍ في نكاح صحيح " انتهى باختصار .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الزاد (6/120) الطبعة المصرية : "فالإحصان شروطه خمسة :
1ـ الجماع 2ـ في نكاح صحيح 3ـ البلوغ 4ـ العقل 5ـ الحرية" انتهى .
الشرط الثاني : ثبوت الحد عليه بأربعة شهود رجال يشاهدون الفرج في الفرج، أو أن يقر على نفسه بالزنا مختارا غير مكره .
وإذا ثبت الحد عليه ؛ فإنه لا يجوز لآحاد الناس أن يقيموا هذا الحد بأنفسهم ، بل يجب الرجوع فيه إلى الحاكم أو من ينوب عنه، سواء كان في إجراءات الإثبات أو التنفيذ
لأن إقامة آحاد الرعية الحدود يؤدي إلى فساد واضطراب كبيرين .
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في "الفروع" (6/53) : "تحرم إقامة حد إلا لإمام أو نائبه" .
وهذا محل اتفاق بين فقهاء الإسلام ، كما ورد هذا في "الموسوعة الفقهية" (5/280 ) : "يتفق الفقهاء على أن الذي يقيم الحد هو الإمام أو نائبه ، سواء كان الحد حقا لله تعالى كحد الزنى ، أو لآدمي كحد القذف" انتهى .
والستر على من وقع في هذه الفاحشة ليتوب ويصلح عمله قبل الموت خير من فضحه فضلا عن قتله ، وقد أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن ماعز رضى الله عنه بعد أن اعترف بالزنى وتركه حتى عاد مرارا فأقام عليه الحد .
وعلى هذا ؛ فما يسمى القتل من أجل الشرف اعتداء وظلم ، فإنه يقتل فيه من لا تستحق القتل ، وهي البكر إذا زنت ، فإن عقوبتها الشرعية الجلد والنفي سنة ، وليست عقوبتها القتل
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ) رواه مسلم ، فمن قتلها فقد قتل نفسا مؤمنة حرم الله تعالى قتلها
وقد ورد في ذلك الوعيد الشديد إذ قال سبحانه في سورة الفرقان
: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) الفرقان/68، 69 .
وعلى فرض أنها تستحق القتل (إذا كانت ثيبا وزنت) فلا يقوم بذلك إلا الحاكم – كما سبق -.
ثم إنه في حالات كثيرة يتم القتل لمجرد الشبهة والظن ، من غير تحقق وقوع الفاحشة .
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:19
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حكم من تكررت منه الردة
السؤال
تنص سورة النساء على أن الله لن يقبل إسلام من يكفر أكثر من 3 مرات ، ولن يهديه ، فهل يشمل ذلك ترك الصلاة على سبيل المثال 3 مرات ؟
الجواب
الحمد للَّه
القاعدة العظيمة التي يقررها الله سبحانه وتعالى في وحيه ، ويذكر أنها قاعدة الحساب ومبدأ الثواب والعقاب
أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها ، وأن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وأن باب التوبة مفتوح لكل عبد ، ولو وقع في الذنب والكفر مرّاتٍ ومرّاتٍ ، فإنَّ كرمه سبحانه وتعالى ورحمته بعباده اقتضت أن تقبل توبة التائب ويغفر له ذنبه .
يقول الله عز وجل : ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ ) الأنفال/38
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ) رواه مسلم (121)
كما جاءت الآيات تدل على قبول توبة المرتد إذا عاد إلى الإسلام وصدقت توبته :
يقول سبحانه وتعالى : ( كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *
أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ )
وبعد ذلك كله قال سبحانه : ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران/86-89
أما من ارتد ثم ازداد كفرا وطغيانا ، ولم يتب ، ولم يرجع إلى الإسلام ، فهذا هو الذي جاءت الآية في سورة النساء – التي قصدها السائل الكريم – وجاءت آية آل عمران أيضا بعدم قبول توبته .
يقول سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ *
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) آل عمران/90-91
وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ) النساء/137
يقول ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (1/753) :
" يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه ، ثم عاد فيه ، ثم رجع واستمر على ضلاله ، وازداد حتى مات ، فإنه لا توبة بعد موته ، ولا يغفر الله له ، ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى
ولهذا قال : ( لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ) قال ابن أبي حاتم .. عن ابن عباس في قوله تعالى : ( ثم ازدادوا كفرا ) قال : تمادوا على كفرهم حتى ماتوا . وكذا قال مجاهد " انتهى .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (16/28-29) :
" وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالا :
قيل لنفاقهم ، وقيل : لأنهم تابوا مما دون الشرك ولم يتوبوا منه ، وقيل لن تقبل توبتهم بعد الموت ، وقال الأكثرون كالحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدى : لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت
فيكون هذا كقوله ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) النساء/18
و كذلك قوله ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ) النساء/137
قال مجاهد وغيره من المفسرين : ( ازدادوا كفرا ) ثبتوا عليه حتى ماتوا .
قلت ( هو ابن تيمية ) : وذلك لأن التائب راجع عن الكفر ، ومن لم يتب فإنه مستمر ، يزداد كفرا بعد كفر ، فقوله : ( ثم ازدادوا ) بمنزلة قول القائل : ثم أصروا على الكفر
واستمروا على الكفر ، وداموا على الكفر ، فهم كفروا بعد إسلامهم ، ثم زاد كفرهم وما نقص ، فهؤلاء لا تقبل توبتهم ، وهي التوبة عند حضور الموت
لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب ، ورجع عن كفره ، فلم يزدد ، بل نقص ، بخلاف المصر إلى حين المعاينة " انتهى .
ولم يختلف أهل العلم في أن المرتد إذا صدقت توبته ورجع إلى الإسلام ، فإن الله سبحانه وتعالى يقبله عنده ويغفر له ما قد مضى وسلف ، وإن تكررت ردته .
هذا بالنسبة لما عند الله تعالى في الآخرة .
وأما بالنسبة لأحكام الظاهر في الدنيا فقد قال بعض أهل العلم بأن من تكررت ردته فإننا نقتله ولا نقبل توبته ، فالخلاف بين أهل العلم هو في قبول التوبة من حيث أحكام الظاهر
وليس بالنسبة لما عند الله سبحانه وتعالى .
يقول ابن قدامة في "المغني" (12/271ط هجر ) :
" وفي الجملة ، فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا وترك قتلهم وثبوت أحكام الإسلام في حقهم .
وأما قبول الله تعالى لها في الباطن ، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنا وظاهرا ، فلا خلاف فيه " انتهى
.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (16/30) :
" والفقهاء إذا تنازعوا فى قبول توبة من تكررت ردته أو قبول توبة الزنديق ، فذاك إنما هو فى الحكم الظاهر ؛ لأنه لا يوثق بتوبته
أما إذا قدر أنه أخلص التوبة لله فى الباطن ، فإنه يدخل فى قوله : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 " انتهى .
على أن الصحيح من قولي أهل العلم أن توبة من تكررت ردته مقبولة في أحكام الظاهر أيضا
وتجري عليه أحكام الإسلام ، وهو قول جماهير أهل العلم : الحنفية والشافعية والمشهور عند المالكية ، وآخر قولي أحمد بن حنبل .
انظر حاشية تبيين الحقائق (3/284)
فتح القدير (6/68)
الإنصاف (10/332-335)
تحفة المحتاج (9/96)
كشاف القناع (6/177-178)
"الموسوعة الفقهية" (14/127-128)
وعزا في المبسوط (10/99-100) لعلي وابن عمر عدم قبول توبة من تكررت ردته .
وعليه فإن توبة تارك الصلاة مقبولة إذا صدق ، ولو تكرر منه الترك مرات كثيرة ، ولكن على العبد أن يحذر ، فقد تأتيه المنية قبل أن يوفق للتوبة ، وقد يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا قبل الآخرة .
نسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياكم برحمته الواسعة .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:23
هل يرشي الشرطي لئلا يعطيه مخالفة على تكلمه بالجوال في السيارة ؟
السؤال
في بلادنا إذا تكلمت بالهاتف النقال أثناء قيادة السيارة يخالفك شرطي المرور بمخالفة قدرها 500 دينار
فهل تعطي رشوة لإعفائك منها إذا كان معك مال أو لم يكن لديك مال مع العلم إذا لم يكن لديك مال فستسجن فماذا أفعل ؟.
الجواب
الحمد لله
جاءت الشرائع الربانية بحفظ الضرورات الخمس : الدين والعقل والنفس والمال والعرض
ومما لا شك فيه أن الالتزام بقواعد السير وأنظمة المرور مما يساهم في الحفاظ على النفس والمال
وعليه : فإن الشريعة الإسلامية تُلزم المسلمين بالالتزام بهذه القواعد والأنظمة ، وخاصة أنه ليس فيها ما يخالف الشرع ، إنما هي للحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم .
وليست مخالفة هذه القواعد والأنظمة مما يعود ضرره على السائق وحده ، بل إنه يتعدى ذلك إلى غيره من الناس ، فالحوادث التي تحصل في الطرق نتيجة مخالفة تلك القواعد والأنظمة يكون فيها –
غالباً – أطراف متعددة ، وهذا يزيد من مسئولية المخالف ويشغل ذمته بأحكام متعددة كالدية والصيام وتعويض الضرر وغيرها .
وتعزير المخالف بدفع الغرامة المالية جائز شرعاً ، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة ، وابن فرحون من المالكية ، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، بل قد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه "
الطرق الحكمية " أدلة كثيرة على جواز التعزير بالمال ، ونقل كلام شيخ الإسلام فيه ، ورد على من قال بنسخه .
وفي " حاشيته على تهذيب سنن أبي داود " ( 4 / 319 ) قال :
" وفي ثبوت شرعية العقوبات المالية عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت نسخها بحجة وعَمِل بها الخلفاء بعده " انتهى
وينبغي أن تكون الغرامة معقولةً بحيث تحصل المصلحة المقصودة منها ، وهي ردع الناس عن هذه المخالفة ، ولا بأس بأن تكون مرتفعة بحسب طبيعة المخالفة وقوة أثرها على النفس والآخرين .
ومما لا شك فيه أن استعمال السائق للجوال أثناء قيادة السيارة مما يسبب حوادث قد تؤدي إلى إزهاق أرواح ، فضلاً عن إتلاف أموال .
وقد تنادى العقلاء في كل أرجاء الأرض إلى ضرورة التشديد في العقوبة لمنع استعمال الجوال أثناء القيادة ، وقد قامت أبحاث ميدانية في " بريطانيا
" تبيَّن بها أن التأثير السلبي لاستعمال الجوال يفوق ما تحدثه الخمور من تأثير على قدرة السائق في التحكم بالسيارة !
وهذه الأبحاث بيَّنت أن قائد السيارة الذي يستعمل الهاتف الجوال أثناء القيادة أقل تحكماً بالقيادة بنسبة ثلاثين بالمائة بالمقارنة بمن يقودها وهو في حالة السكر !!
أما بالمقارنة مع الشخص العادي فإن تحكم من يستعمل الهاتف الجوال أثناء القيادة أقل بنسبة خمسين بالمائة !
بل إن بعض الخبراء يقولون : إن استعمال السائقين للجوال أثناء قيادة سياراتهم حتى ولو كان عن طريق سماعات الأذن فإنه يضاعف احتمالات وقوع حوادث بنسبة 400 بالمائة !
وانظر تفصيل ذلك في " جريدة الوطن " القطرية ، الأربعاء 20 / 7 / 2005 .
والخلاصة : أن استعمال الهاتف الجوال أثناء قيادة السيارة سبب رئيس لحصول الحوادث ، فترتيب عقوبة على هذه المخالفة سواء كانت بتغريم مال
أو السجن له ما يبرره ، وعليه : لا يجوز لك دفع رشوة للشرطي حتى لا يوقع عليك هذه العقوبة ، لأنك أنت المقصّر والمتعدي ، إلا إذا كان الشرطيّ ظالماً ، بحيث ادَّعى عليك شيئاً لم تفعله
فلا حرج في هذه الحالة إذا لم تستطع التخلص من ظلمه إلا بدفع رشوة له أو لغيره
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:25
حكم العقوبات المالية في الإسلام ؟
السؤال
ما حكم العقوبات المالية في الإسلام ؟.
الجواب
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن التعزير بأخذ المال لا يجوز . وأجاب بعضهم عن القضايا التي وردت بالعقوبة بأخذ المال بأنها منسوخة
إذ كان مشروعاُ في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك ، وعللوا عدم جواز التعزير بأخذ المال بأن هذا النوع من العقوبة يكون ذريعة إلى أخذ ظلمة الحكّام والولاة أموال الناس بغير حق .
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمة وتلميذه ابن القيم إلى جواز التعزير بأخذ المال إذا رأى الولاة أن هذا يحقق المصلحة ، ويردع الظلمة ، ويكف الشر
لأن التعزير باب واسع ، فأوله التوبيخ بالكلام ، وأعلاه التعزير بالقتل إذا لم ينكف الشر إلا بالقتل ، وأخذ المال نوع من أنواع التعزير الذي يحصل به ردع المعتدين .
وقد رد الشيخان دعوى النسخ ونفياها نفياً باتاً ، ودللا على ذلك بما ورد من القضايا العديدة المؤيدة لوجود العقوبات المالية .
قال الشيخ : مدّعو النسخ ليس معهم حجة شرعية لا من كتاب ولا من سنة ، وهو جائز على أصل أحمد ، لأنه لم يختلف أصحابه أن العقوبات في المال غير منسوخة كلها .
ومن أدلة التعزير بأخذ المال ما يأتي :
أباح النبي صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن يجده .
أمر بكسر دِنان الخمر وشق ظروفه .
أمر عبد الله بن عمر بحرق الثوبين المعصفرين .
أضعف الغرامة على من سرق من غير حرز .
هدم مسجد الضرار .
حَرَم القاتل من الميراث والوصية .
قال شيخ الإسلام : إن العقوبات المالية ثلاثة أقسام :
أولاً :
الإتلاف : هو إتلاف محل المنكرات تبعاً لها ، مثل الأصنام بتكسيرها وإحراقها وتحطيم آلات اللهو ، وتمزيق أوعية الخمور ، وتحريق الحوانيت التي يباع فيها الخمر
وإتلاف كتب الزندقة والإلحاد والأفلام الخليعة والصور المجسمة ونحو ذلك .
ثانياً :
التغيير : مثل تكسير العملة المزيفة والستائر التي فيها التصاوير ، وجعله وسادة ونحو ذلك .
ثالثاً :
التمليك : مثل سرقة التمر المعلّق ، والتصدق بالزعفران المغشوش ، فمصادرة مثل هذه الأشياء والصدقة بها أو بأثمانها .
توضيح الأحكام من بلوغ المرام ص 31
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:30
حكم جريمة الاغتصاب ؟
السؤال
ما حكم جريمة الاغتصاب شرعاً ؟.
الجواب
الحمد لله
أولاً :
الاغتصاب هو أخذ الشيء ظلماً وقهراً ، وأصبح الآن مصطلحاً خاصا بالاعتداء على أعراض النساء قهراً .
وهي جريمة قبيحة محرمة في كافة الشرائع ، وعند جميع العقلاء وأصحاب الفطَر السوية
وجميع النظم والقوانين الأرضية تقبح هذه الفعلة وتوقع عليها أشد العقوبات ، باستثناء بعض الدول التي ترفع العقوبة عن المغتصب إذا تزوج من ضحيته
! وهو يدل على انتكاس الفطرة واختلال العقل فضلاً عن قلة الدين أو انعدامه عند هؤلاء الذي ضادوا الله تعالى في التشريع ، ولا ندري أي مودة ورحمة ستكون بين الجلاد وضحيته
وخاصة أن ألم الاغتصاب لا تزيله الأيام ولا يمحوه الزمن - كما يقال - ولذا حاولتْ كثيرات من المغتَصبات الانتحار وحصل من عدد كثير منهن ما أردن ، وقد ثبت فشل هذه الزيجات ، ولم يصاحبها إلا الذل والهوان للمرأة .
وحري بهذا الشرع المطهَّر أن يكون له موقف واضح بيِّن من تحريم هذه الفعلة الشنيعة ، وإيقاع العقوبة الرادعة على مرتكبها .
وقد أغلق الإسلام الأبواب التي يدخل من خلالها المجرم لفعل جريمته ، وقد أظهرت دراسات غربية أن أكثر هؤلاء المغتصبين يكونون من أصحاب الجرائم ، ويفعلون فعلتهم تحت تأثير الخمور والمخدرات
وأنهم يستغلون مشي ضحيتهم وحدها في أماكن منعزلة ، أو بقاءها في بيتها وحدها ، وكذلك بينت هذه الدراسات أن ما يشاهده المجرمون في وسائل الإعلام
وما تخرج به المرأة من ألبسة شبه عارية ، كل ذلك يؤدي إلى وقوع هذه الجريمة النكراء .
وقد جاءت تشريعات الإسلام لتحفظ عرض المرأة وحياءها ، وتنهاها عن اللبس غير المحتشم ، وتنهاها عن السفر من غير محرم ، وتنهاها عن مصافحة الرجال الأجانب عنها ،
وحث الشرع على المبادرة بزواج الشباب وتزويج الفتيات كل ذلك – وغيره كثير – يغلق الباب على المجرمين من افتراس ضحاياهم
ولذلك لا نعجب إذا سمعنا أو قرأنا أن أكثر هذه الجرائم إنما تحدث في المجتمعات المنحلة ، والتي يريد أهلها من المسلمات أن يكنَّ مثلهن في التحضُّر والرقي ! ففي أمريكا – مثلاً
ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بعنوان " أوقفوا العنف ضد المرأة " لعام 2004 أنه في كل 90 ثانية تُغتصب امرأة هناك ! فأي حياة يعيشها هؤلاء ؟! وأي رقي وحضارة يسعون لإدخال المسلمات فيها ؟!
ثانياً :
وأما عقوبة الاغتصاب في الشرع : فعلى المغتصب حد الزنا ، وهو الرجم إن كان محصناً ، وجلد مائة وتغريب عام إن كان غير محصن .
ويوجب عليه بعض العلماء أن يدفع مهر المرأة .
قال الإمام مالك رحمه الله :
" الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة بكراً كانت أو ثيبا : أنها إن كانت حرة : فعليه صداق مثلها , وإن كانت أمَة : فعليه ما نقص من ثمنها
والعقوبة في ذلك على المغتصب ، ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله " انتهى .
" الموطأ " ( 2 / 734 ) .
قال الشيخ سليمان الباجي رحمه الله :
" المستكرَهة ؛ إن كانت حرة : فلها صداق مثلها على من استكرهها ، وعليه الحد ، وبهذا قال الشافعي ، وهو مذهب الليث ، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وقال أبو حنيفة والثوري : عليه الحد دون الصداق .
والدليل على ما نقوله : أن الحد والصداق حقان : أحدهما لله ، والثاني للمخلوق ، فجاز أن يجتمعا كالقطع في السرقة وردها " انتهى .
" المنتقى شرح الموطأ " ( 5 / 268 ، 269 ) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" وقد أجمع العلماء على أن على المستكرِه المغتصِب الحدَّ إن شهدت البينة عليه بما يوجب الحد ، أو أقر بذلك ، فإن لم يكن : فعليه العقوبة (يعني : إذا لم يثبت عليه حد الزنا لعدم اعترافه
وعدم وجود أربعة شهود ، فإن الحاكم يعاقبه ويعزره العقوبة التي تردعه وأمثاله) ولا عقوبة عليها إذا صح أنه استكرهها وغلبها على نفسها ، وذلك يعلم بصراخها ، واستغاثتها ، وصياحها " انتهى .
" الاستذكار " ( 7 / 146 )
ثالثاً :
وكون المغتصب عليه حد الزنا ، هذا ما لم يكن اغتصابه بتهديد السلاح ، فإن كان بتهديد السلاح فإنه يكون محارباً ،
وينطبق عليه الحد المذكور في قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا
مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة/33 .
فيختار الحاكم من هذه العقوبات الأربعة المذكورة في الآية الكريمة ما يراه مناسباً ، ومحققاً للمصلحة وهي شيوع الأمن والأمان في المجتمع ، ورد المعتدين المفسدين .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:33
الحكم فيمن يسطو ويسرق ويغتصب بالسلاح
السؤال
ما الحكم في العصابات أو الأفراد الذي يسرقون الناس ، ويخطفون النساء ويعتدون على الأعراض ، كل ذلك تحت تهديد السلاح ؟.
الجواب
الحمد لله
هذه الجرائم التي يفعلها بعض من لا دين لهم ، جعل الشرع عقوبتها عقوبة شديدة ، وهي تعرف عند العلماء بـ " حد الحرابة " أو " قطاع الطريق "
وهو المذكور في قول الله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ
ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة/33 .
ولمجلس هيئة كبار العلماء ببلاد الحرمين الشريفين برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قرار في شأن هذه الجرائم ، جاء فيه :
" لقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة ، وهي : الدين والنفس والعرض والعقل والمال
وقدر تلك الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم أو أعراضهم أو أموالهم وما تسببه من التهديد للأمن العام في البلاد .
والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص
وأن تنفيذ مقتضى آية الحرابة وما حَكَمَ به صلى الله عليه وسلم في المحاربين كفيلٌ بإشاعة الأمن والاطمئنان ، وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين .
إذ قال الله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا
أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة/33 .
وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي الصُّفَّةِ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ (أي أصابهم مرض) فَقَالُوا
: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَبْغِنَا رِسْلا ( أي اطلب لنا لبناً ) فَقَالَ : مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلا أَنْ تَلْحَقُوا بِإِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَتَوْهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ ( الإبل )
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّرِيخُ ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ
( أي ارتفع ) حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ ، وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ، وَمَا حَسَمَهُمْ ، ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا . قَالَ أَبُو قِلابَةَ : سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
وبناء على ما تقدم فإن المجلس يقرر الأمور التالية :
أ ـ إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فساداً المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة
سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض ، أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق ، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحارى والقفار كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى .
قال ابن العربي يحكي عن وقت قضائه :
رُفِعَ إلي قومٌ خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه ، فاحتملوها ، ثم جد فيهم الطلب فأُخذوا وجيء بهم ، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا
: ليسوا محاربين ! لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج ! فقلت لهم : إنا لله وإنا إليه راجعون ! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال ؟
! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته ، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج . انتهى .
ب ـ يرى المجلس في قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ )
أن ( أو ) للتخيير كما هو الظاهر من الآية الكريمة . وقول الأكثرين من المحققين من أهل العلم رحمهم الله .
ج ـ يرى المجلس بالأكثرية أن يتولى نواب الإمام ـ القضاة ـ إثبات نوع الجريمة والحكم فيها ، فإذا ثبت لديهم أنها من المحاربة لله ورسوله والسعي في الأرض فساداً فإنهم مخيرون في الحكم
فيها بالقتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف أو النفي من الأرض ، بناءً على اجتهادهم ، مراعين واقع المجرم وظروف الجريمة وأثرها في المجتمع وما يحقق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين
إلا إذا كان المحارب قد قتل فإنه يتعين قتله حتماً كما حكاه ابن العربي المالكي إجماعاً ، وقال صاحب الإنصاف من الحنابلة : " لا نزاع فيه "
انتهى من بحث لهيئة كبار العلماء بعنوان :
"الحكم في السطو والاختطاف والمسكرات" (ص 192-194) .
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:35
هل للسارق أن يعيد تركيب يده المقطوعة بعملية جراحية ؟
السؤال
في حالة تنفيذ عقوبة قطع اليد ، هل يستحق المجرم استرداد اليد المقطوعة لتركيبها مرة أخرى بعملية جراحية .
الجواب
الحمد لله
لا يحق للسارق استرداد يده المقطوعة
لما في ذلك من الذهاب بمعالم العقوبة على الجريمة
ويتبع ذلك إضعاف معنى الزجر والردع والعظة والاعتبار
وهو مناف لكمال الجزاء والنكال في وقوله تعالى : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) المائدة/38
فتاوى اللجنة الدائمة (22/220)
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:38
هل هذا الحديث مخالف لمبدأ المساواة والعدل في الإسلام ؟
السؤال
ما صحة الحديث الذي رواه أبو داود وغيره ونصه
: ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ) لأنني قرأت أن بعض الناس شكك فيه لأنه يعارض القرآن الكريم وآياته الداعية إلى إقامة المساواة والعدل .
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ) وله طرق كثيرة لا تخلو من مقال ، ولكنه بمجموعها يكون حديثاً حسناً .
ومعنى الحديث : استحباب ترك مؤاخذه ذي الهيئة إذا وقع في زلة أو هفوة لم تعهد عنه إلا ما كان حداً من حدود الله تعالى وبلغ الحاكم فيجب إقامته .
والمراد بـ (ذوي الهيئات) أهل المروءة والخصال الحميدة من عامة الناس ، الذين دامت طاعتهم واشتهرت عدالتهم ، ولكن زلت في بعض الأحايين أقدامهم ، فوقعوا في ذنب وخطأ
ورد هذا المعنى العلامة ابن القيم رحمه الله قائلاً : إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعبر عن أهل التقوى والطاعة والعبادة بأنهم ذوو الهيئات ، ولا عهد بهذه العبارة في كلام الله ورسوله للمطيعين المتقين
والظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس من الجاه والشرف والسؤدد ، فإن الله تعالى خصّهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم ، فمن كان منهم مستوراً مشهوراً بالخير حتى كبا به جواده
وأديل عليه شيطانه فلا نسارع إلى تأنبيه وعقوبته ، بل تقال عثرته ما لم يكن حداً من حدود الله فإنه يتعيّن استيفاؤه من الشريف كما يتعيّن أخذه من الوضيع ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: ( إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرق لقطعت يدها ) متفق على صحته
وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة ، وسياستها للعالم وانتظامها لمصالح العباد في المعاش والمعاد . انتهى كلامه .
وبما تقدم ذكره يتبيّن أن معنى الحديث ليس معارضاً لمبدأ المساواة والعدل في الإسلام وإنما فيه رفع المؤاخذة بالخطأ والذنب الذي ليس فيه حد إذا صدر عمن لم يكن من عادته ذلك ، لم يترتب على ترك تعزيره مفسدة .
فتاوى اللجنة الدائمة (22/18-20)
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:41
لا يجوز استبدال رجم الزاني بقتله بطريقة أخرى
السؤال
هل يجوز تبديل رجم الزاني المحصن بالحجارة بقتله بالسيف أو بإطلاق النار ؟.
الجواب
الحمد لله
الواجب رجم الزاني المحصن المكلف حتى يموت اقتداءً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ثبت عنه ذلك بقوله وفعله وأمره ، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ماعزاً والجهنية والغامدية واليهوديين وثبت ذلك بأحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم على ذلك
ولم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد بخلافه ، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عابس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( إن الله بعث محمداً بالحق
وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فرجم رسول الله ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل
: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف...) إلخ.
وعلى ذلك لا يجوز استبدال الرجم بالقتل بالسيف أو إطلاق النار عليه لأن الرجم أشد نكالاً وتغليظاً وردعاً عن فاحشة الزنا الذي هو أعظم ذنب بعد الشرك ، وقتل النفس التي حرّم الله
ولأن حد الزنا بالرجم للمحصن من الأمور التوقيفية التي لا مجال للاجتهاد والرأي فيها ، ولو كان القتل بالسيف
أو إطلاق النار جائزاً في حق الزاني المحصن لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولبيّنه لأمته ولفعله صحابته من بعده رضي الله عنهم .
: فتاوى اللجنة الدائمة (22/48-49)
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:45
ضم أخته وهما عاريان
السؤال
عندما كان عمري 13 سنة وكنت بالغاً قمت بضم أختي وهي عارية وقد تلامس الفرجان ولكن لم يحصل إدخال، الآن وقد أصبح عمري 23 سنة أشعر بالتعاسة بسبب ما حصل وأريد أن أعرف هل يجب أن يطبق على الحد ؟
وإذا تبت فهل يجب أن أعترف بما فعلت ليقام علي الحد ؟
أم أن التوبة تكفي ؟.
الجواب
الحمد لله
الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من هذا العمل القبيح المنكر
وأن تندم عليه ، وتعزم على عدم العود لشيء من ذلك ، ومن تاب تاب الله عليه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ويتوب الله على من تاب" رواه البخاري 6426 ومسلم 1048 .
والتوبة واجبة من الذنب العظيم الذي أرتكبته ، نسأل الله أن يعفو عنا وعنك ، وأن يوفقك للتوبة الصادقة النصوح.
وحق لك أن تشعر بالتعاسة والخزي ، فإن الرجل يحمي أهله ، ويُقاتل دفاعا عن عرضه
( ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد )
فكيف يكون هو الجاني المعتدي الآثم
ولعل هذا الحدث يزيدك يقينا بأهمية تربية الأبناء وتنشئتهم على الأخلاق والقيم
والتفريق بينهم في المضاجع
وإبعادهم عن أسباب الرذيلة
ووسائل المنكر التي تهيج فيهم الغريزة
وتقودهم إلى الهاوية .
وننصحك بعد هذا كله أن تستر على نفسك وألا تخبر أحداً بما جرى ، وليس عليك حدٌ ، بل عليك التوبة النصوح ، وأكثر من الأعمال الصالحة فـ ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) .
والله اعلم .
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:48
أطعمت والدتها ما يضرها فماتت
السؤال
أمرتني والدتي بعدم طبخ نوع معين من الأعشاب ، وأردفت قائلة : إذا طبخت هذه الأعشاب ممكن تسبب لي الوفاة لعدم قدرتي على رائحتها ، علماً أن هذه الأعشاب مشروعة ومباحة
وبالفعل بعد أن تعشيت أنا ووالدتي من تلك الأعشاب توفيت والدتي بعدها بعدة ساعات ، فهل أنا آئمة في ذلك ؟
وهل لي يد في وفاتها ؟
وهل علي ذنب في ذلك ؟.
الجواب
الحمد لله
إذا كان الواقع هو ما ذكرت في السؤال فقد أثمت لأن ذلك من العقوق والإساءة إليها
وعليك ذنب في ذلك ما دمت تعلمين أن أمك تتأذى به وأنها نصحتك ونهتك
فأنت مجرمة في هذا العمل عاصية قاطعة للحرم عاقة لوالدتك
وعليك الدية
لأن هذا العمل الذي فعلت يعتبر من القتل شبه العمد
وعليك أيضاً الكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة
فإن عجزت فصومي شهرين متتابعين ستين يوماً
مع التوبة إلى الله عز وجل
نسأل الله لنا ولك قبول التوبة والتوفيق لكل خير .
المصدر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 22
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:50
ما الفرق بين اليد في الدية وفي السرقة ؟
السؤال
وما الحكمة في كون القطع في ربع دينار ودية اليد خمسمائة دينار ؟.
الجواب
الحمد لله
قال ابن القيم :
وأما قطع اليد في ربع دينار وجعل ديتها خمسمائة دينار فمن أعظم المصالح والحكمة ؛ فإنه احتاط في الموضعين للأموال والأطراف ، فقطعها في ربع دينار حفظاً للأموال
وجعل ديتها خمسمائة دينار حفظاً لها وصيانةً ، وقد أورد بعض الزنادقة هذا السؤال وضمَّنه بيتين ، فقال :
يد بخمسمئين من عسجد وُديت
ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقـض ما لنا إلا السكوت له
ونستجير بـمولانا من العار
فأجابه بعض الفقهاء : بأنها كانت ثمينةً لما كانت أمينةً ، فلما خانت هانت ، وضمَّنه الناظم قوله :
يد بخمس مئين من عسجدٍ وُديت
لكنـها قـطعت في ربع دينار
حمـاية الدم أغلاها وأرخـصها
خيانة المال فانظر حكمة الباري
وروي أن الشافعي رحمه الله أجاب بقوله :
هناك مظلومة غالت بقيمتها
وها هنا ظلمت هانت على الباري
: " أعلام الموقعين " ( 2 / 49 ، 50 )
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:54
زوجها يسرق من المحل بحجة أنه يرفع الأسعار
السؤال
عرفت زوجي لمدة 3 سنوات وهو مسلم مخلص ومنذ شهرين ذهب ليشتري شيئاً من أحد المحلات فوجد هذا المحل يبيعه بأغلى من باقي المحلات فسرقه وكان عذره أنه لا يرضى أن يخدع.
ومنذ أسبوعين استأجر بدلة لحضور إحدى الحفلات ثم ذهب ليشتري قميصاً وربطة عنق ووجد قميصاً وربطة عنق في كيس فأخذهما واتهمه المحل بوضعهما سوياً ليحصل على تخفيض في السعر ولم يكن هذا صحيحاً
ومن أجل معاقبة المحل سرق بدلة بـ 900 دولار وترك لهم البدلة المؤجرة بـ 50 دولار. فقلت له أن هذا حرام.
هو ليس لصاً وهو مسلم ملتزم.
فماذا أقول له لأقنعه بأن هذا سرقة وحرام؟
الجواب
الحمد لله
1. إننا لنعجب من فعل زوجك هذا الذي ذكرتيه لنا ، ونعجب من وصفك له بأنه ليس لصّاً ، وأنه ملتزم ، وهو يقوم بفعلٍ لا يخفى على أحدٍ من عامة المسلمين فضلاً عن علمائهم أنه حرام.
وليس عندنا شيء تخبرينه به إلا حكم السرقة ، وأنها حرام ، وأن الله تعالى قال في كتابه العزيز : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله [ المائدة / 38 ] .
فحدّ السرقة في الشرع قطع اليد اليمنى ، والسارق لا تبرأ ساحته بعد القطع حتى يُرجع الحق إلى أهله .
وقال تعالى أيضا : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [ البقرة / 188 ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال : " يا أيها الناس أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم حرام ، قال : فأي بلد هذا ؟ قالوا : بلد حرام قال : فأي شهر هذا ؟
قالوا : شهر حرام ، قال : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا - فأعادها مراراً - ثم رفع رأسه فقال : اللهم هل بلغت ؟ اللهم هل بلغت ؟
قال ابن عباس رضي الله عنهما : فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته ، فليبلغ الشاهد الغائب . رواه البخاري ( 1652 ) .
وفي الصحيحين عن أبي بكرة نحوه .
وعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : فلا تعطه مالك ، قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال : قاتله
قال أرأيت إن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد ، قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال هو في النار . رواه مسلم ( 140 ) .
وعن أبي هريرة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " . رواه البخاري ( 6401 ) ومسلم ( 1687 ) .
وأما أنه يبيح ذلك لنفسه كونه يخدع : فإن هذا من تلبيس الشيطان ، فإن الحرام لا يقابل بحرامٍ مثله .
هذا تنزلاً على قوله ، وإلا فالأصل أنّ البائع يحقّ له أن يبيع بأي سعر شاء وقد قال النبي صلى اله عليه وسلم : " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا " كما في البخاري ( 1973 ) ومسلم ( 1532 )
فإذا لم يعجبه سعر البضاعة فله إلا أن يماكسه ، لا أن ينهبه ، فإن أعجبه السعر وإلا ذهب إلى محل آخر .
وأما معاقبته للمحل بسرقة ( 900 ) دولار : فهذا أيضاً حرام ، والله تعالى يقول : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، وليس للإنسان أن يأخذ ما يشتهيه إن كان مظلوماً ، بل إن زاد عن حقِّه المسلوب : صار ظالماً هو الآخر .
هذا إذا كان المحل قد ظلم زوجكِ ، والذي يظهر خلاف ذلك ، والأمر لا يعدو كونه ظنّاً في غير محله ، فهل يرضى زوجك لو فعل أحد معه ذلك ، فيسرق منه نصف هذا المبلغ لشكه فيه ؟
والجواب معلوم وهو النفي ، فكذلك لا يحل له أن يفعل هذا مع صاحب المحل .
ونوصيكِ بإخباره أن الدنيا إلى زوال ، وأن الإنسان يلقى الله يوم القيامة بعمله ، وأن السرقة خزي وفضيحة في الدنيا والآخرة .
أما الدنيا : فهي في نزع البركة من مال السارق بل من حياته كلها ، ثم الفضيحة بين الناس .
وأما في الآخرة : فهو أشد وأخزى ، وليتفكر في هذا الحديث :
عن أبي حميد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة ، فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء
أو بقرةً لها خوار ، أو شاة تيعر ، ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول : اللهم هل بلغت ؟ . رواه البخاري ( 6578 ) ومسلم ( 1832 )
. والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 15:59
الرعاية الصحية للمسجونين في الإسلام
السؤال
لدي بحث عن جودة العناية الصحية في السجن ، فهل للمسجونين نفس الرعاية الصحية التي يلقاها بقية الناس ؟
ما هو رأي الإسلام في المساواة في هذا الشأن ؟.
الجواب
الحمد لله
لقد اعتنى الإسلام بأمر السجون وأحوال المسجونين عناية عظيمة قلَّ أن يوجد لها نظير في أي مكان أو زمان
وذلك بما قرره الفقهاء في كتبهم من الأحكام المتعلقة بالسجناء وأحوالهم وكيفية التعامل معهم ، وهذا الاهتمام نابع من اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان وحفظه لآدميته .
ولتسهيل الأمر وتوضيح الأحكام في هذا الشأن فقد قسم أهل العلم الكلام في هذه المسألة إلى قسمين : أحكام متعلقة بصحة السجين الشخصية ، وأحكام متعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن .
أولاً : الأحكام المتعلقة بصحة السجين الشخصية :
1 - سجن المريض : بحث الفقهاء مسألة سجن المريض ابتداء ، هل يحق للوالي أن يسجن الشخص المريض ؟
والجواب أن هذه المسألة مسألة اجتهادية يرجع فيها البَتّ إلى القاضي
من خلال تقديره لموجب السجن وخطورة المرض وإمكان رعاية السجين في سجنه . فمتى توفرت الرعاية الصحية الكافية للمريض في سجنه ولم يكن ذا مرض خطير قد يفضي به إلى الهلاك لو سجن ،
جاز سجنه ، وإذا لم يتوفر ذلك يوكل به القاضي من يعالجه ويحفظه دون تركه كُليّة حتى يعود بالإمكان سجنه .
2 - إذا مرض السجين داخل السجن : إذا مرض المسجون في سجنه وأمكن علاجه داخله فإنه يجب علاجه دون إخراجه ، ولا يمنع الطبيب والخادم من الدخول عليه لمعالجته وخدمته ، ولو تسبب عدم علاجه
في هلاكه يترتب على ذلك مسؤولية جزائية وعقوبة على المتسبب في ذلك . وقد مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأسير في وثاقه ، فناداه : يا محمد يا محمد ، فأتاه
فقال : ما شأنك ؟ قال : إني جائع فأطمعني وظمآن فاسقني . فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حاجته . رواه مسلم 3/1263 . ولا شكّ أن العلاج من حاجة المريض .
أما إذا لم يمكن علاجه داخل السجن ، فيجب إخراجه إلى حيث يمكن معالجته تحت إشراف السجن وأن يوكل به من يراقبه ويحرسه .
هذا ولم يفرّق الفقهاء بين الأمراض العضوية أو النفسية ( النفسية الحقيقية وليست النفسية الكاذبة أو العاديّة التي يتّخّذها كثير من المحامين وسيلة لتبرئة المجرمين )
لذا ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجوز قفل باب السجن على المسجون - إذا أمن عدم هربه -
ولا جعله في بيت مظلم ولا إيذاؤه بحال أو أي شيء من شأنه إثارة الذعر في نفسه . كما لا ينبغي منع أقاربه من زيارته لما في ذلك من أثر صحي ونفسي عليه .
3 - يشرع للوالي أو من ينوبه تخصيص قسم طبي في السجن يهتم بشؤون المسجونين الصحية وأحوالهم ، وهذا يغني عن إخراجهم إلى المستشفيات العامة وتعريضهم للإهانة أو التحقير .
4 - ينبغي تمكين السجين من رؤية زوجته ، ومعاشرتها إذا توفر المكان المناسب لذلك في السجن ، حفاظا عليه وعلى أهله .
5 - نص الفقهاء على وجوب تمكين السجين من الوضوء والطهارة ، ولا شك أن هذا من العوامل الوقائية المهمة من المرض .
ثانياً : الأحكام المتعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن :
ينبغي أن يكون المكان المتخذ للسجن مكانا واسعا نظيفا ذا تهوية جيدة تصله أشعة الشمس تتوفر فيه كل المرافق الصحية التي تستلزمها طبيعة الحياة .
ولا يجوز جمع عدد كبير من المسجونين في مكان واحد بحيث لا يستطيعون الوضوء والصلاة .
ثالثاً : هذه بعض الأمور التي نص الفقهاء على تحريم استخدامها في تأديب المسجون أو التعامل معه :
1- التمثيل بالجسم : فلا تجوز معاقبة السجين بقطع شيء من جسمه أو كسر شيء من عظمه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالأسرى فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمثلوا ) رواه مسلم 3/1357 .
2- ضرب الوجه ونحوه ، لما فيه من الإهانة ، كما لا يجوز وضع الأغلال في أعناق المسجونين أو مدّهم على الأرض لجلدهم ولو حدا ، لما فيه من الإهانة والضرر الصحي والجسدي على المسجون .
3- التعذيب بالنار ونحوها أو خنقه أو غطّه في الماء ، إلا إذا كان هذا على وجه المماثلة والقصاص ، كأن يكون السجين قد اعتدى على غيره بأن حرقه بالنار ونحوه فيجوز استيفاء الحق منه على نفس الوجه .
4- التجويع والتعريض للبرد ، أو إطعامه ما يضرّه ويؤذيه ، أو منعه من اللباس ، فإن مات المحبوس بسبب هذه الحال ، فحابسه معرّض للقتل قصاصا أو دفع الدية .
5- التجريد من الملابس لما فيه من كشف العورة وتعريض السجين للمرض البدني والنفسي .
6- منعه من قضاء حاجته ومن الوضوء والصلاة : ولا يخفى ما في ذلك من ضرر صحي على السجين .
صور من اهتمام المسلمين بالسجناء :
- الحديث السابق الذكر الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالاهتمام بالأسير وتلبية حاجته من الطعام والشراب ، وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع بالأسرى ونحوهم على أصحابه ويوصيهم بهم خيرا .
- كان الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتفقد السجون ويشاهد من فيها من المسجونين ويفحص عن أحوالهم .
- كتب عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس إلى عماله يقول : انظروا من في السجون وتعهدوا المرضى .
- جعل الخليفة المعتضد العباسي من الميزانية 1500 دينار شهريا لنفقة المسجونين وحاجاتهم وعلاجهم ونحوه .
- لما سجن الخليفة العباسي المقتدر أحد وزرائه وهو ابن مقلة ، ساءت أحوال الوزير فأرسل له الطبيب المشهور ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة ليعالجه في سجنه وأوصاه به خيرا . وكان الطبيب يطعم السجين بيده ويرفق به وبحاله .
- وكتب الوزير علي بن عيسى الجراح في زمن الخليفة المقتدر إلى رئيس مستشفيات العراق حينذاك يقول له : ( فكرت مد الله في عمرك في أمر من بالحبوس - أي السجون -
وأنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض ، وهم معوّقون عن التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم ، فينبغي أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم
وتحمل لهم الأدوية والأشربة ، ويطوفون على سائر الحبوس ويعالجون فيها المرضى ويزيحون عللهم فيما يصفونه لهم ) واستمر هذا الحال خلافة المقتدر والقاهر والراضي والمتقي
. للمزيد يُراجع
: أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام ص367-379
والموسوعة الفقهية ج16 ص320-327 .
والله تعالى أعلم.
: الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 16:02
هل يعاقب العاصي في الآخرة إذا أقيم عليه الحدّ في الدنيا
السؤال
إذا أذنب الإنسان في هذه الدنيا وعوقب على ذنبه فهل سيعاقب عليه بعد موته ؟
مثلاً : إذا زنى الرجل أو سرق وعوقب بالقتل أو قطع اليد في الدنيا فهل سيعاقب على ذنبه يوم القيامة ؟
إذا كان شاذا ورُمي حتى الموت فهل سينجو من العذاب في النار ؟
الجواب
الحمد لله
أخرج البخاري رحمه الله - في صحيحه (3/143) رقم (3679) بسنده
" أن عبادة بن الصامت من الذين شهدوا بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت من أصحابه ليلة العقبة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه
: تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفى منكم فأجره
على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه قال فبايعته على ذلك ".
قال الحافظ في الفتح (1/6)
: " ويستفاد من الحديث أن إقامة الحدّ كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور وقيل لا بدّ من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين .
والحديث السابق رواه الترمذي أيضا في سننه وقال بعده : قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْحُدُودَ تَكُونُ كَفَّارَةً لأَهْلِهَا شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَمَرَا رَجُلا أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ . سنن الترمذي 1439 .
فلا يحتاج إذن من أصاب حدّا أن يذهب إلى القاضي ويعترف ويطلب إقامة الحدّ عليه وإنما يُندب له أن يستر نفسه ويتوب فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ ،
ويُكثر من عمل الصّالحات ، والحسنات يُذهبن السيئات والتائب من الذّنب كمن لا ذنب له
. نسأل الله العافية والمغفرة وصلى الله على نبينا محمد .
: الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-11-04, 16:06
حكم إسقاط الجنين المشوّه
السؤال
إذا وجد أن الجنين به تشوهات (وهو في منتصف الشهر الخامس) أي أن الطفل به تشوهات في الجزء الأعلى من الجمجمة. والأطباء ينصحون بشدة بعمل إجهاض
حيث أن أطول فترة يعيشها الطفل المولود بهذه التشوهات هي 21 يوما و معظم هذه الحالات من الحمل تنتهي بالإسقاط في آخر وأخطر مرحلة من الحمل ………
ماذا يفعل الزوجان المسلمان في هذه الحالة ؟
وخاصة بعد سؤال عالمين مسلمين كل واحد منهما أعطى جوابا مختلفا، بمعنى أن أحدهما نصح بالإجهاض والآخر نصح بالاستمرار في الحمل . والزوجان الآن بحاجة لاتخاذ قرار بأسرع ما يمكن. فما هو حكم الشرع في المسألة؟
الجواب
الحمد لله
إذا أتمّ الجنين أربعة أشهر نُفخت فيه الرّوح فيكون تعمّد إسقاطه حينئذ قتلا للنّفس وإزهاقا للرّوح وهذه كبيرة عظيمة من الكبائر ، وقول الأطبّاء إنّ الجنين به تشوّهات لا يبرّر قتله إطلاقا .
ثمّ لو سقط من تلقاء نفسه ميّتا أو وُلد حيّا ثمّ مات فإنّهما يُؤجران على مصيبة فقْده ، ولو عاش وبه عاهة فيُؤجران على صبرهم وإعالتهم له ، وكلّ أمر يحدث للمؤمن فهو له خير
أمّا إزهاق روحه فليس فيه إلا الشرّ والإثم . هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الخطأ الذي قد يحدث في تقديرات الأطبّاء وكذلك ما قد يجري على الجنين من التغيّرات في حالته .
والله تعالى أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
اخوة الاسلام
تم و لله الحمد
واسالكم الدعاء بظهر الغيب
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir