المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يكفي ما ذكرت!؟


الهادي عبادلية
2018-09-21, 18:40
السلام عليكم ورحمة الله،
تذكّرت لمّا كانت لي أذن صمّاء..ولازالت !، فزرت طبيبا عامّا وقتها في قريتنا ، وشرحت له الأمر كلّه، فقال لي ربّما تستردّ سمعك إثر عمليّة جراحيّة في إحدى ولاياتنا ، لكن نسبة نجاحها خمسون بالمئة!، فتفاجئت لأوّل وهلة ..ولمّا رأى ذلك على محياي ، قلت له خمسين بالمئة ؟..لا لا ، قال لي هل أنت خائف من الموت؟!، تلعثم لساني لحظتها ، لأنّ الموت ما فتأت أفكّر فيه كلّ يوم منذ صغري، لكن الحقيقة على ما أتذكّر أنّي فكّرت وقتها في نسبة الخمسين بالمئة الأخرى، أين محلّها من كلّ هذا؟!، فهي إمّا أن تكون تجربة لطبيب آخر دفعا من عنده !، وإمّا لحسن نيّته لإثبات مهارته وثقته الزّائدة آنذاك؟!، وبينما خواطري تصول بي وتجول حول كلام الطبيب ، تذكّرت تلك اللّحظة عندما أساء أحد الجامعيين المتخرّجين قبله والبطّالين التّصرّف تجاه ذلك الطبيب!، حينما إعترضه ومدّ إليه يده ليصافحه حيث وقتها كان يغنّي لإحدى حملاتهم الإنتخابيّة! فما كان من ذلك المتخرّج قديما إلاّ أن رفع قدمه اليمنى ليصافحه بها!!؟،
تذكّرت هذا وأنا أسمع لخطبة أحد أئمّة قريتنا العتيقة وكيف يحكي ويقصّ ويحاجي حول هجرة نبيّنا عليه الصلاة والسلام بعد يومين من الطّوفان كادت أن تخسف بقريتنا وولايتنا الأرض بل والسّماء ، فأهلكت الحرث وتكاد تهلك من بعده النّسل ، فلم يتطرّق إليها البتّة ، بينما "إحلوّت" له ذكرى الهجرة، وسبب الهجرة ،حتّى لا ننسى الهجرة بقدر ما نسينا أسباب الهجرة الأخرى التي هي غير التي هاجرها صلوات ربي وسلامه عليه ،
فقد تذكّرت كيف للمعلّم أوالأستاذ أن يحضّر درسه ومذكّرته في ظرف قياسي بما فيه فكره وهيئته ،لإستقبال اليوم الذي يليه فيتقن تقديمه صورة وصوتا وكتابة ،
تذكّرت كيف للتّلميذ أوالطّالب أن يحضّر بضعة دروس مختلفة أصنافها ليومه أو بعده على النّحو الذي يرضي أساتذته ثم يرضيه ، ولم يبق لنا سوى موظّف الإدارة لنجده غير ملزم بالتّحضير لعمله ،بقدر ما هو مجبر على التدقيق في كيفيّة تقديم أفضل ما عنده من إخلاص فيه وفي ساعاته ، حتّى لا تنجرّ عن ذلك كوارث إنسانيّة أوطبيعيّة مثل التي حدثت في اليومين الماضيين!؟،
بعض أئمّتنا عجزوا عن تحضير خطبة مدّتها عشرون دقيقة كلّ أسبوع ، لتقديمها وجبة سائغة شافية وكافية، لأولئك المنهمكين في أعمالهم طوال أيّام الأسبوع!!؟،رغم أنّ معظم الأئمّة مرّت على ما مرّ به التلاميذ والطّلاّب والمعلّمون والأساتذة ، وقبعوا في إمامتهم لأكثر من عشريّة أو عشريّتين!
تذكّرت كلّ ذلك وأنا متكأ على إحدى السّواري أستمع لخطبة تكاد تخرجني ممّا كنت فيه إلى ما لا أريد أن أكون فيه!!؟،
تذكّرت بعض من دواعش أحيائنا كيف كانوا لا يفارقون الصّفوف الأولى ولا أوقات الفريضة في المسجد ، وكيف إنقلبوا على أعقابهم حتّى عادوا يسمعون الأذان ولا يحرّكون ساكنين بحجّة كفر من سواهم!!؟،
تذكّرت هذا العبد الأسود النّازح من الجنوب ! حيث فضّل أن يستمع لإحدى الخطب .. لكن ليس في المسجد ولكن بجوار المسجد، حيث خرج وأرخى بدنه ونفض عنه لباسه ،وإتّكأ على جنبه وراح يريح ويستريح من عناء عمله الشّاق، من السّؤال أو السّرقة والإجرام ! ويلعن في نفس الوقت تلك الأيّام التي رحل فيها من صحراء قاحلة قاتلة ، إلى أرض خصبة مدنيّة خادعة ،!!،
من المفروض بهؤلاء الأئمّة أن يلدوا همّة دون أن يحدثوا أزمة!، فيعتدل بهم الشّارع ، والقاصي والدّاني ، ويعتدل بهم المعلّم والأستاذ ، والتّلميذ والطّالب ، ويعتدل بهم الموظّف العام منهم والخاص!
تذكّرت والدي المريض وهو طريح الفراش ، يئنّ ولا يدري ممّا يئنّ ، ولا الطبيب يدري ممّا منه يئنّ ، سوى إحتمالات الخمسين بالمئة التي توشك أن تنقص إحتمالاتها ! ، أمّا ما بقي من تلك المئة فهي على الله كما يقول أي طبيب!؟،
تذكّرت نفسي المسكينة وهي تتوجّع تحت وطأة الخوف من النّار ومن عذاب القبر، ولا أكاد أحول بينهما لأدفع بها ولو بين الجنّة والنّار!؟
وتذكّرت ثمّ تذكّرت ..ويكفي ما ذكرت ، لأنّني تهت عن خطبة ولا أكاد أتذكّر هل حضر قلبي للرّكعتين أم لا!؟
تذكّرت أنّنا هكذا كلّ يوم ،وكلّ أسبوع ،وكلّ شهر ،وكلّ سنة منذ أكثر من خمس عشريّات نتجرّع المرّ ثم الأمرّ منه ، وفي نهاية المطاف نجد أنفسنا نضحك أو نبتسم!!!؟ سلام.
مشارك في الفعالية.