تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شروح الأحاديث


الصفحات : [1] 2

*عبدالرحمن*
2018-06-23, 16:08
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


تقدمت مواضيع

الحديث وعلومه

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2148923

مصطلح الحديث

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2149073

الأحاديث الصحيحة

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2149229

الأحاديث الضعيفة

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2149363

..........

لا يقدَّم قولُ أحد ورأيه على سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

السؤال

: مامدى صحة هذا الحديث : " يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول لكم قال الرسول ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر ؟ وما معناه ؟ وكيف ينطبق على وقتنا الحالي ؟

الجواب :

الحمد لله

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يُنَاظِرُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ لَهُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ! أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/ 215) .

وهكذا ذكره بنحوه في غير موضع من "الفتاوى" ، فانظر : (20/ 251) ، (26/ 50) ، (26/ 281)

كما ذكره ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (2/182) ، و"إعلام الموقعين" (2/ 168).

وتابعهما على ذكره بهذا اللفظ غير واحد من أهل العلم المعاصرين .

ولم نجده بهذا اللفظ في كتب السنة ، ولكنه صحيح من حيث المعنى :

فروى الإمام أحمد (3121) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ "

ورواه الطبراني في "الأوسط" (21) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : " أَنَّهُ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، طَالَمَا أَضْلَلْتَ النَّاسَ ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا عُرَيَّةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ، فَإِذَا طَافَ، زَعَمْتَ أَنَّهُ قَدْ حَلَّ ، فَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَنْهَيَانِ عَنْ ذَلِكَ ؟

فَقَالَ: أَهُمَا، وَيْحَكَ، آثَرُ عِنْدَكَ أَمْ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ، وَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ وَفِي أُمَّتِهِ؟

فَقَالَ عُرْوَةُ: هُمَا كَانَا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَمِنْكَ ".

قال الهيثمي في "المجمع" (3/ 234):

" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ " انتهى .

ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 189) عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ : " أَنَّ عُرْوَةَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَضْلَلْتَ النَّاسَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا عُرَيَّةُ؟ قَالَ: تُفْتِي النَّاسَ أَنَّهُمْ إِذَا طَافُوا بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلُّوا , وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَجِيئَانِ مُلَبِّيَيْنِ بِالْحَجِّ فَلَا يَزَالَانِ مُحْرِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ ؟

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِهَذَا ضَلَلْتُمْ؟ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُونِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؟

فَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَا أَعْلَمَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكَ ".

وروى ابن حزم في "حجة الوداع" (ص: 353) وابن عبد البر في "الجامع" (2/1209) عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: " قَالَ عُرْوَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ تُرَخِّصُ فِي الْمُتْعَةِ ؟

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَلْ أُمَّكَ يَا عُرْوَةُ .

فَقَالَ عُرْوَةُ: أَمَّا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فَلَمْ يَفْعَلَا .

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكُمْ مُنْتَهِينَ حَتَّى يُعَذِّبَكُمُ اللَّهُ، أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُونَنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالَ عُرْوَةُ هُمَا أَعْلَمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتْبَعُ لَهَا مِنْكَ " .

فهذا خبر ثابت ، إلا أنا لم نجده باللفظ المذكور في السؤال ، وهو صحيح المعنى .

ومعنى هذا الأثر :

أنه لا يجوز أن تترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد ورأيه ، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على قول غيره ، وفعله مقدم على فعل غيره ، ولا تعارض سنته بقول أحد أو فعله ، كائنا من كان .

قال الخطيب البغدادي رحمه الله – معلقا على قول عروة: هُمَا وَاللَّهِ كَانَا أَعْلَمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتْبَعَ لَهَا مِنْكَ - :

" قُلْتُ: قَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى مَا وَصَفَهُمَا بِهِ عُرْوَةُ ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ أَحَدٌ فِي تَرْكِ مَا ثَبَتَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

انتهى من "الفقيه والمتفقه" (1/ 378).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:

" معنى هذا: أن العبد يجب عليه الانقياد التام لقول الله تعالى، وقول رسوله، وتقديمهما على قول كل أحد، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة " .

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (1/ 77) .

وقال ابن عثيمين رحمه الله :

" لا يجوز لأحد من الناس أن يعارض كلام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأي كلام، لا بكلام أبي بكر الذي هو أفضل الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عمر الذي هو ثاني هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عثمان الذي هو ثالث هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام علي الذي هو رابع هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام أحد غيرهم؛ لأن الله تعالى يقول: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) "

انتهى من"مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (5/ 249) .

وقال ابن عبد البر في "الجامع" (2/ 1210):

" قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: " مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ ، أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْبِرُنِي بِرَأْيِهِ، لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا " . وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مِثْلَ ذَلِكَ بِمَعْنَاهُ " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" قَالَ أَحْمَد: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ قَالَ:

سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ ، فَأَمَرَ بِهَا .

فَقِيلَ لَهُ: إنَّك تُخَالِفُ أَبَاك ؟!

فَقَالَ: عُمَرُ لَمْ يَقُلْ الَّذِي تَقُولُونَ ، إنَّمَا قَالَ عُمَرُ: إفْرَادُ الْحَجِّ مِنْ الْعُمْرَةِ ، فَإِنَّهَا أَتَمُّ لِلْعُمْرَةِ ، أَوْ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يُهْدَى.

وَأَرَادَ أَنْ يُزَارَ الْبَيْتُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ حَرَامًا ، وَعَاقَبْتُمْ النَّاسَ عَلَيْهَا ؛ وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ ، وَعَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !!

فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: أَفَكِتَابَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ عُمَرُ؟

وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُنَاظِرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا ، فَقَالَ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْك ؟!

فَقَالَ لَهُ ابْنِ عَبَّاسٍ : يَا عرية ؛ سَلْ أُمَّك .

يَعْنِي أَنَّهَا تُخْبِرُهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْإِحْلَالِ ؛ وَكَانَتْ أَسْمَاءُ مِمَّنْ أَحَلَّتْ.

وَهَذِهِ الْمُشَاجَرَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ؛ لِأَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ يُوجِبُ الْمُتْعَةَ ، بَلْ كَانَ يُوجِبُ الْفَسْخَ ، وَكَانَ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ : فَقَدْ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ.

وَيَحْتَجُّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ بِالتَّحَلُّلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .

وَإِيجَابُ الْمُتْعَةِ هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالظَّاهِرِيَّةِ: كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ أَيْضًا .

لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّمَتُّعُ وَالْإِفْرَادُ؛ وَالْقِرَانُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (26/ 50) .

على أن الواجب أن ننبه هنا إلى أمر مهم في ذلك ، وهو :

أن المخاطب باتباع محض الدليل ، وعدم تقديم كلام الصحابة ، فمن دونهم من أهل العلم عليه : إنما هو العالم ، وطالب العلم المتأهل المنتهي ، القادر على الاستنباط ، والاجتهاد في المسألة ، ومعرفة أطراف القول فيها ، وموارد أدلتها .

وأما العامي ومن أشبهه : فإنما فرضه سؤال أهل العلم ، واتباع ما يفتونه به ؛ كما أمر الله عباده بذلك ، فقال : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-23, 16:11
الأدلة الشّرعية على حجيّة السنّة النبوية

السؤال :

هل يجب علينا اتباع السنة أم القرآن فقط ؟

وهل المسلم ملزم باتّباع مذهب معيّن ؟

الجواب :

الحمد لله

السؤال الأول يبدو للمسلم الجادّ سؤالا عجيبا ومثيرا للدهشة فكيف يتحوّل الشيء البدهي المسلّم به والذي هو من أساسيات الدين ، كيف يتحوّل مجالا للتساؤل ؟

ولكن حيث أنّ التساؤل قد حصل فنقدّم مستعينين بالله هذا التأصيل العلمي الشرعي لمسألة حجية السنة ووجوب اتّباعها وأهميتها وحكم من رفضها وفي ذلك ردّ على المتشككين وعلى أتباع الطائفة الضّالة المتسمين بالقرآنيين - والقرآن منهم بريء- وهذا التأصيل نافع أيضا -إن شاء الله - لكل من يريد معرفة الحقّ في هذه القضية :

أدلة حجية السنّة :

أولا : دلالة القرآن الكريم على حجية السنة :

وذلك من وجوه :

الأول - قال الله تعالى : ( من يطع الرّسول فقد أطاع الله ) ، فجعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من طاعته .

ثم قرن طاعته بطاعة رسوله ، قال تعالى : ( يـا أيّها الّذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول ) .

الثاني - حذر الله عز وجل من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتوعد من عصاه بالخلود في النار ، قال تعالى : ( فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبُهم عـذاب ألـيم) .

الثالث - جعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان ، ومخالفته من علامات النفاق ، قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكمُّوك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مـمّا قضيت ويسلموا تسليماً ) .

الرابع :- أمر سبحانه وتعالى عباده بالاستجابة لله والرسول ، قال تعالى : ( يا أيّـُها الّذين أمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يُحييكم ..) .

الخامس : - ثم أمرهم سبحانه برد ما تنازعوا فيه إليه ، وذلك عند الاختلاف ، قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردّوُه إلى الله والرّسول ) .

ثانياً : دلالة السنة النبوية على حجية السنة :

وذلك من وجوه :

أحدها : ما رواه الترمذي عن أبي رافع وغيره رفعه ( أي : إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذي ط. شاكر رقم 2663

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر .. الحديث رواه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء

ثالثاً : دلالة الإجماع على حجية السنة :

قال الشافعي رحمه الله : ولا أعلم من الصحابة ولا من التابعين أحدا أُخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قبل خبره ، وانتهى إليه ، وأثبت ذلك سنة .. وصنع ذلك الذين بعد التابعين ، والذين لقيناهم ، كلهم يثبت الأخبار ويجعلها سنة ، يحمد من تبعها ، ويعاب من خالفها ، فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارق سبيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم بعدهم إلى اليوم ، وكان من أهل الجهالة .

رابعا: دلالة النظر الصحيح على حجية السنة :

كون النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله ، يقتضي تصديقه في كل ما يخبر به ، وطاعته في كل ما يأمر به ، ومن المُسلَّم به أنه قد أخبر وحكم بأمور زائدة على ما في القرآن الكريم ، فالتفريق بينها وبين القرآن ، في وجوب الالتزام بـها ، والاستجابة لها ، تفريق بما لا دليل عليه ، بل هو تفريق باطل ، فلزم أن يكون خبره صلى الله عليه وسلم واجب التصديق ، وكذا أمره واجب الـطـاعة .

حكم من أنكر حجية السنة أنه كافر لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة .

أما السؤال الثاني وهو هل المسلم ملزم باتّباع مذهب معيّن فالجواب : لا يلزم ذلك ، وكل عامي من المسلمين مذهبه مذهب مفتيه ، وعليه أن يسأل من يثق به من أهل العلم والفتوى وإذا كان الشّخص طالب علم يميّز بين الأدلة والأقوال فعليه أن يتبّع القول الراجح من أقوال أهل العلم بدليله الصحيح من الكتاب والسنّة .

هذا ويجوز للمسلم أن يتبع مذهبا معينا من المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة بشرط أنّه إذا عرف أنّ الحقّ في المسألة المعيّنة خلاف المذهب وجب عليه أن يخالف المذهب ويتّبع الحقّ ولو كان في مذهب آخر لأنّ المقصود هو اتّباع الحقّ الذي يُعرف بالكتاب والسنة ، والمذاهب الفقهية ما هي إلا طرق لمعرفة الأحكام الشرعية دالّة على أحكام الكتاب والسنّة وليست هي الكتاب والسنّة .

نسأل الله أن يرينا الحقّ حقّا ويرزقنا اتّباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وصلى الله على نبينا محمد .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-06-23, 16:16
تحقيق الإسلام لا يكون إلا باتباع الكتاب والسنة

السؤال :

أخبرتُ الناس أن اتباع الإسلام يكون باتباع التوراة والإنجيل والقرآن ، بدلا من القرآن والسنة فقط . فقالوا : إنني مخطئ ؛ لأنني لست عالما ، لذلك أردت أن توضح لي خطئي ، وعلي كل الأحوال سأصدق وسأتفق مع ما تعتقد . وهذا نص نقاشي معهم : السورة الخامسة من القرآن الكريم : (

سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ). وهذه هي الترجمة للمعني العربي

وهذا دليل علي أن النبي محمد قد احتكم للقرآن والتوراة ، ويقول الله تعالي أيضا في سورة القصص : (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ * قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

أصل دين الأنبياء والرسل واحد لا يختلف ، وهو توحيد الله وعبادته وحده ، ونبذ عبادة ما يعبد من دونه ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) النحل/ 36 ، وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء/ 25 .

فالتوراة والإنجيل والقرآن متفقون على هذا الأصل .\

أما أحكام الحلال والحرام وتفاصيل العبادات فلكل نبي شرعه ، قال تعالى : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) المائدة/48.

ثانيا :

لما كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وكانت شريعته أكمل الشرائع وأتمها ، وكانت سنته من كمال شرعه وجب التحاكم إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة ، لأنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ، ولا بد للناس من شريعة تحكمهم ، وشريعة النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الشرائع وآخرها ، فوجب اتباع شريعته ، وهي الكتاب والسنة .
وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) .

رواه أبو داود (4604) ، وصححه الألباني .

فكانت شريعة الكتاب والسنة هي التي يجب اتباعها إلى يوم القيامة ، ولا يجوز لأحد الخروج عنها ، كما لا يجوز الرجوع إلى شريعة التوراة أو الإنجيل ؛ لأن الله تعالى قد نسخ بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ما سبقه من الشرائع إلا ما أُقر منها ، بخلاف الاعتقاد ومسائل الإيمان فإنها ثابتة .

قال تعالى :

( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) المائدة/ 48 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" فالقرآن أَمِينٌ وَشَاهِدٌ وَحَاكِمٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ ، جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْكِتَابَ الْعَظِيمَ، الَّذِي أَنْزَلَهُ آخِرَ الْكُتُبِ وَخَاتَمَهَا، أَشْمَلَهَا وَأَعْظَمَهَا وَأَحْكَمَهَا ؛ حَيْثُ جَمَعَ فِيهِ مَحَاسِنَ مَا قَبْلَهُ، وَزَادَهُ مِنَ الْكَمَالَاتِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ ؛ فَلِهَذَا جَعَلَهُ شَاهِدًا وَأَمِينًا وَحَاكِمًا عَلَيْهَا كُلِّهَا، وَتَكَفَّلَ تَعَالَى بِحِفْظِهِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ .

وَقَوْلُهُ: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ) أَيْ : فَاحْكُمْ يَا مُحَمَّدُ بَيْنَ النَّاسِ : عَرَبهم وَعَجَمِهِمْ ، أُميهم وَكِتَابَيِّهِمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ ، وَبِمَا قَرَّرَهُ لَكَ مِنْ حُكْمِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَنْسَخْهُ فِي شَرْعِكَ "
.
انتهى باختصار من "تفسير ابن كثير" (3/ 128) .

وقال ابن عثيمين رحمه الله :

" جميع الأديان السماوية منسوخة بالدين الإسلامي ، وهي الآن ليست مما يدان به لله عز وجل لأن الذي شرعها ووضعها ديناً هو الذي نسخها بدين محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/ 2) بترقيم الشاملة .

ثالثا :

ولذلك فإن قولك : " اتباع الإسلام يكون باتباع التوراة والإنجيل والقرآن بدلا من القرآن والسنة فقط " قول مردود لعدة أسباب :

الأول : أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد حرفوا التوراة والإنجيل ، فكيف يكون اتباع الإسلام يعني اتباع الكتب المحرفة ؟!

الثاني : هذا القول لا يصلح عند الكلام عن الشرائع والأحكام لما تقدم من أن تفاصيل الأحكام مختلفة في شرائع الرسل ، والواجب على جميع الأمم اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحده ، والتي هي الكتاب والسنة .

وقد روى أحمد (14736) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ : ( أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ - يعني أمتحيرون ؟ - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً ، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي ) .
حسنه الألباني في "الإرواء" (6/34) .

الثالث : أن الله عز وجل أكمل الدين وأتم النعمة بالكتاب والسنة ، فلا خروج لأحد عن حكمهما .
قال الله عز وجل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة/3 .

وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم ) .

رواه الطبراني في الكبير (1647) ، وصححه الألباني في الصحيحة (1803) .
سادسا : أن تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله لا يتم إلا باتباع السنة .

قال ابن القيم رحمه الله :\

" فقد بيَّن الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به ، وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ، وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى : ( اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نعْمَتي) "

انتهى من " إعلام الموقعين " ( 1 / 250 ) .

ثالثا :

أما قول الله تعالى : ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) المائدة/ 42، 43 .

فمعنى هاتين الآيتين تبكيت هؤلاء اليهود الذين لا يرضون بحكم الله ولا بحكم رسوله ، وهم إنما جاءوه ليحكم بينهم ، عسى أن يوافق أهواءهم ، فخيره الله عز وجل بين أن يحكم بينهم، أو يعرض عن الحكم بينهم ، فإن حكم بينهم : وجب عليه أن يحكم بالقسط ولا يتبع أهواءهم .

ثم قال متعجبا لهم : ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) فإنهم - لو كانوا مؤمنين عاملين بما يقتضيه الإيمان ويوجبه - لم يعرضوا عن حكم الله الذي في التوراة التي بين أيديهم ، ويبحثوا عما لعله يوافق أهواءهم في غيره .

وحين حكمت بينهم بحكم الله الموافق لما عندهم أيضا ، لم يرضوا بذلك ، بل أعرضوا عنه ، فلم يرتضوه .

قال تعالى: (وَمَا أُولَئِكَ) الذين هذا صنيعهم (بِالْمُؤْمِنِينَ) أي: ليس هذا دأب المؤمنين ، وليسوا أهلا للإيمان ، لأنهم جعلوا آلهتهم أهواءهم ، وجعلوا أحكام الإيمان تابعة لأهوائهم .

انظر : " تفسير السعدي" (ص232) .

واليهود قوم بهت ، يحرفون الكلم من بعد مواضعه ، وقد تبين أنهم يحرفون الكتاب ، ولا يؤمنون بالتوراة التي أنزلها الله إنما يتبعون أهواءهم .

وقد روى البخاري (3635) ، ومسلم (1699)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ ؟ )، فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ : كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ : ارْفَعْ يَدَكَ ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ " .

وفي رواية مسلم : " فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ يَهُودَ ، فَقَالَ: ( مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟ ) ، قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا، وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا، قَالَ: ( فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) " .

فلما كان حكم التوراة في هذه المسألة ، موافقا لحكم القرآن : لم يمتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم بما في التوراة ، ولأن ذلك مما يدل على أنهم كانوا يحرفون كلام الله ويبدلون حكم الله .

رابعا :

الآيات التي أوردها السائل : إنما هي في معرض محاجة الكافرين الذين كفروا بالتوراة من قبل ، وكفروا بالقرآن بعد ذلك ، فقالوا أولا : ( لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى) قال الله : ( أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا ) أي: القرآن والتوراة ، تعاونا في سحرهما ، وإضلال الناس ( وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ) فثبت بهذا أن القوم يريدون إبطال الحق بما ليس ببرهان ، ويقولون الأقوال المتناقضة المختلفة ، وهذا شأن كل كافر، ولهذا صرح أنهم كفروا بالكتابين والرسولين .

انظر : "تفسير السعدي" (ص 618) .

فأراد الله تعالى أن يبين للناس أنهم يكفرون بكل رسول ، ويكفرون بكل كتاب .

فمثل هذا في معرض المحاجة ليبين لهم أنهم لا يؤمنون لا بمحمد ولا بموسى ولا بغيرهما من رسل الله ، ولا يقرون بشريعة التوراة ولا شريعة القرآن ، ولذلك قال : ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) القصص/ 50 .

والخلاصة :

أنه لا يجوز الخروج عن حكم الكتاب والسنة إلى يوم القيامة ، ومن ترك حكم السنة ولم يلتزمه زاعما أن اتباع الإسلام إنما يكون باتباع القرآن والتوراة والإنجيل فقد ضل سواء السبيل .

وهذا أمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام ، أنه لا يحل لأحد الخروج عن حكمه في كتابه وسنة نبيه ، ولا طلب الهدى فيما سواهما ، بعد بعثة نبيه صلى الله عليه وسلم .

ولا حرج إن كان عندك شيء من شبهة ، أو رأي ، أن تعرضه على أهل العلم الثقات الذي يمكنك التواصل معهم .

نسأل الله لنا ولك الثبات على الدين ، والاستقامة على منهج الكتاب والسنة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-23, 16:21
يزعم عدم وجوب اتباع الرسول في كل أمر

السؤال:

ما رأيكم بمن يقول : إنه لا يجب أن نتبع الرسول عليه الصلاة والسلام في كل شيء ؛ ﻷنه بشر ويجتهد فيخطأ ويصيب ؟

الجواب :

الحمد لله

طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة ، بل هي أصل من أصول الإيمان كما دل القرآن الكريم على ذلك ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )النساء/ 59

وقال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) المائدة/ 92

وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) النساء/ 64 .

وقد أخبر الله تعالى أنه لا يؤمن شخص حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نزل به من نوازل ، ولا يجد في نفسه حرجا من حكمه الشريف ويسلم تسليما، قال تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)النساء/ 65 .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (2 / 349):

"وَقَوْلُهُ : ( فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) : يُقْسِمُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ الْمُقَدَّسَةِ : أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى يُحَكم الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ الِانْقِيَادُ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ؛ وَلِهَذَا قَالَ : ( ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )

أَيْ: إِذَا حَكَّمُوكَ يُطِيعُونَكَ فِي بَوَاطِنِهِمْ ، فَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمْتَ بِهِ ، وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، فَيُسَلِّمُونَ لِذَلِكَ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا مِنْ غَيْرِ مُمَانِعَةٍ ، وَلَا مُدَافِعَةٍ ، وَلَا مُنَازِعَةٍ ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ" انتهى.

وقد بوب الإمام النووي رحمه الله في كتابه النافع المبارك "رياض الصالحين" : باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها .

وذكر فيه طائفة من آيات القرآن الكريم ، التي تدل على ذلك الأصل الإيماني العظيم ، دلالة بينة واضحة ، لا لبس فيها ، ولا شبهة :

" قَالَ الله تَعَالَى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) الحشر / 7 ، وَقالَ تَعَالَى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم /3-4

وَقالَ تَعَالَى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) آل عمران / 31

وَقالَ تَعَالَى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِر ) الأحزاب /21

وَقالَ تَعَالَى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء / 65

وَقالَ تَعَالَى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) النساء / 59 ،

قَالَ العلماء : معناه إِلَى الكتاب والسُنّة

وَقالَ تَعَالَى : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله )النساء/80

وَقالَ تَعَالَى : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ ) الشورى/ 52-53

وَقالَ تَعَالَى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور /63

وَقالَ تَعَالَى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ) الأحزاب /34

والآيات في الباب كثيرة " انتهى .

وذكر في الباب طائفة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في تقرير ذلك الأصل ، ومن ذلك:

عَنْ أَبي هريرةَ - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : ( كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ أبَى ) ، قيلَ : وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : ( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى ) رواه البخاري .

وإن العجب لا ينقضي ممن يزعم أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم غير واجب ، والله تعالى قد رتب الهدى والفلاح على طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم،

قال تعالى: ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف/ 158

ويقول سبحانه : ( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) النور/ 54.

ومما يجب على كل مسلم أن يعتقده أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي طريقته في الدين من أقوال وأفعال : معصومة .

وكان صلى الله عليه وسلم إذا ما اجتهد في أمر ، فلم يصادف وجه الصواب : نزل الوحي فورا بتصحيح الأمر ، وبيان مراد الله وحكمه في النازلة المعينة

وهذا ما ثبت في القرآن الكريم في مثل قوله تعالى : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )الأنفال/ 67 – 69،

وقوله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) التوبة/ 113، 114

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )التحريم/1، 2 .

والحاصل :

أن هذا المعترض : لم يفهم شيئا عن أصول اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومكانها من دين الله جل جلاله ، ولم يفهم ما يدل على ذلك ، ولم يعترض ـ حين اعترض على ذلك الأصل المقرر بشيء ينفعه أو له تعلق بمحل بحثه ونظره .

فليت هذا المرتاب إذا أشكل عليه أمر رده إلى أولي الأمر من العلماء والفقهاء ليجيبهوه على شبهته .

هدانا الله جميعا إلى ما فيه الهدى والرشاد .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-06-23, 16:25
وقت أكل تمر العجوة للصائم ؟

السؤال :

إذا كنت صائمة ، فمتى آكل سبعة تمرات عجوة قبل الفجر أو عند الإفطار ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (5768) ، ومسلم (2047) عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنِ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً ، لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ ، وَلَا سِحْرٌ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ) ، وفي لفظ مسلم (2047) (لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِيَ) .

وروى مسلم (2048) عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً - أَوْ إِنَّهَا تِرْيَاقٌ - أَوَّلَ الْبُكْرَةِ ) .

وظاهر الروايات، أن من تناول سبع تمرات عجوة على الريق صباحا ، قبل أن يأكل شيئا لم يضره سم ولا سحر .

قال ابن حجر :
" من اصْطَبَحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ (مَنْ تَصَبَّحَ) ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ جُمْعَةَ عَنْ مَرْوَانَ الْمَاضِيَةِ فِي الْأَطْعِمَة ، وَكَذَا لمُسلم عَن ابن عُمَرَ .

وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى التَّنَاوُلِ صَبَاحًا .

وَأَصْلُ الصَّبُوحِ وَالِاصْطِبَاحِ تَنَاوُلُ الشَّرَابِ صُبْحًا، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْأَكْلِ" انتهى من "فتح الباري".

فمن أكلها قبل طلوع الفجر لم يكن داخلا في الحديث؛ لأنه أكلها ليلا، ولا يسمى مصطبحا بها، وإنما هو متسحّر بها.

ثانيا :

يحتمل أن يلحق به من تناول التمر عَلَى الرِّيقِ عند الإفطار ، وإن تأخر عن وقت البكور، كَالصَّائِمِ يفطر بها عند الغروب .

قال ابن حجر في شرح قوله صلى الله عليه وسلم : (لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ، وَلَا سِحْرٌ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ) :

"مَفْهُومُهُ أَنَّ السِّرَّ الَّذِي فِي الْعَجْوَةِ ، مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ السِّحْرِ وَالسُّمِّ : يَرْتَفِعُ إِذَا دَخَلَ اللَّيْلُ فِي حَقِّ مَنْ تَنَاوَلَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ....
وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى حُكْمِ مَنْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، هَلْ يَكُونُ كَمَنْ تَنَاوَلَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ حَتَّى يَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَرَرُ السُّمِّ وَالسِّحْرِ إِلَى الصَّبَاحِ ؟

وَالَّذِي يَظْهَرُ خُصُوصِيَّةُ ذَلِكَ بِالتَّنَاوُلِ أَوَّلَ النَّهَارِ ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْغَالِبُ أَنَّ تَنَاوُلَهُ يَقَعُ عَلَى الرِّيقِ ؛ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَنْ تَنَاوَلَ اللَّيْلَ عَلَى الرِّيقِ ، كَالصَّائِمِ" .

انتهى من "فتح الباري" (10/239).

وقال القسطلاني:

"قال تلميذه شيخنا الحافظ السخاوي: وقع في حديث الباب ، من طريق رواية فليح عن عامر ، فإنه قال: (وأظنه قال : وإن أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح) رواه أحمد في مسنده، بل وقع عند الطبراني في الأوسط من حديث أبي طوالة عن أنس عن عائشة مرفوعًا: (من أكل سبع تمرات من عجوة المدينة في كل يوم) الحديث. قال: (ومن أكلهن ليلاً لم يضره)"

انتهى من "شرح القسطلاني" (8/409) .

وقال الشيخ سليمان الماجد:

"لفظ الحديث: (من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره ذلك اليوم سُمٌّ) وفي أخرى: (من تصبَّح بسبع تمرات عجوة لم يضرُّه ذلك اليوم سُمٌّ ، ولا سحر) .

وهذا يقتضي أن يكون أكلها في الصباح قبل أن يطعم شيئاً .

والصائم لا يمكنه فعل ذلك في الصباح، فالظاهر أن أكله لها عند الإفطار يقوم مقام أكلها في الصباح؛ لأن الظاهر أن تخصيص الصباح بالأكل إنما هو لأجل خلو المعدة، وما لذلك من أثر في تمام استفادة الجسم من التمرات، وهذا متحقق في فطر الصوم، وقوله: (من تصبح) خرج مخرج الغالب"

انتهى من موقع الشيخ على الانترنت .

والخلاصة :

أنه يُرجى للصائم إذا ابتدأ فطره بسبع تمرات من تمر المدينة ، أن يكون بمنزلة من تصبح بالتمرات في الصباح الباكر، وأما الذي يتسحر بها فالحديث لا يتناوله.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-23, 16:28
لا تعارض بين حديث (إن أبي وأباك في النار) وقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)

السؤال :

قال الله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) ، وروى مسلم ( 203 ) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ أَبِي ؟

قَالَ : ( فِي النَّارِ) فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : ( إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّار) ، فكيف نجمع بين الآية والحديث ؟!

الجواب :

الحمد لله

لا تعارض بين الآية والحديث، وبيان ذلك أن قوله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/15، ومثله قوله تعالى : ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ) الملك/ 8 ، 9 .

فيه دليل على أن الله لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، بإرسال رسول من الله تعالى إليه .

فمن أُرسل إليه الرسول، أو بلغته رسالة الرسول : فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) الأنعام/19 .

وأما أهل الفترة ، وهم الذين لم تبلغهم رسالة رسول ، فأصح الأقوال فيهم : أنهم يمتحنون يوم القيامة.

وأما الحديث: فقد روى مسلم (203) عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: ( فِي النَّارِ )، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ) " .

وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأَذِنَ لِي).

وهذان الحديثان يدلان على أن والديه صلى الله عليه وسلم في النار.

قال العلماء: لأنه بلغتهم شريعة إبراهيم عليه السلام، فلم يكونوا من أهل الفترة الذين يُمتحنون.

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (3/ 79):

" فيه : أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين.

وفيه : أن من مات في الفترة ، على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان : فهو من أهل النار.

وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ؛ فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء، صلوات الله تعالى وسلامه عليهم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أبي وأباك في النار) هو من حسن العشرة ، للتسلية بالاشتراك في المصيبة. ومعنى: (قَفَّى): ولى قَفَاه ، منصرفا" انتهى.

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " نعلم أن من كان من أهل الجاهلية، أي: قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من أهل الفترة، وسؤالي عن حكم أهل الفترة ، لأنني سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه جاءه رجل فقال: أين أبي؟ فقال في النار فذهب الرجل يبكي فناداه فقال له إن: أبي وأباك في النار» فهل هذا الحديث صحيح؟ أفيدونا أفادكم الله؟

فأجاب: الصحيح من أقوال العلماء أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة، ويؤمرون ، فإن أجابوا وأطاعوا : دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار .

وجاء في هذا عدة أحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعن الأسود بن سريع التميمي، وعن جماعة، كلها تدل على أنهم يمتحنون يوم القيامة، ويخرج لهم عنق من النار، ويؤمرون بالدخول فيه، فمن أجاب صار عليه بردا وسلاما، ومن أبى التف عليه وأخذه وصار إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.

فالمقصود : أنهم يمتحنون ، فمن أجاب وقبل ما طلب منه وامتثل دخل الجنة، ومن أبى دخل النار، وهذا هو أحسن ما قيل في أهل الفترة.

وأما حديث: «إن أبي وأباك في النار» : فهو حديث صحيح ، رواه مسلم في صحيحه: «أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال في النار فلما ولى دعاه وقال له إن أبي وأباك في النار». واحتج العلماء بهذا : على أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم كان ممن بلغته الدعوة ، وقامت عليه الحجة، فلهذا قال: في النار، ولو أنه كان من أهل الفترة لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام في حقه .

وهكذا لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه نهي عن ذلك، ولكنه أذن له أن يزورها، ولم يؤذن له في الاستغفار لها .

فهذا يدل على أنهما بلغتهما الدعوة، وأنهما ماتا على دين الجاهلية، وعلى دين الكفر، وهذا هو الأصل في الكفار أنهم في النار، إلا من كان لم تبلغه الدعوة ، أعني دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ؛ فهذا هو صاحب الفترة .

فمن كان في علم الله أنه لم تبلغه الدعوة ، والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين ، وهو الحكم العدل، فيمتحنه يوم القيامة.

أما من بلغته دعوة الرسل في حياته، كدعوة إبراهيم وموسى وعيسى، وعرف الحق، ثم بقي على الشرك بالله : فهذا ممن بلغتهم الدعوة، فيكون من أهل النار; لأنه عصى واستكبر عن اتباع الحق، والله جل وعلا أعلم"

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (ص119) .

ولا يجوز ادعاء التعارض بين القرآن والحديث، ولا الطعن في صحة الحديث لأجل توهم التعارض، ويجب الرجوع إلى أهل العلم لمعرفة الصحيح من غيره.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-06-23, 16:31
هل أسلم والدا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

السؤال

هل كان جد النبي صلى الله عليه وسلم ووالده ووالدته مؤمنين بالله وبجميع الرسل الذين كانوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

الكلام في جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرع عن الكلام في حكم أهل الفترة ، والفترة معناها كما قال ابن كثير : هي ما بين كل نبيين كانقطاع الرسالة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ( تفسير القرآن العظيم 2 / 35

وانظر : جمع الجوامع للسبكي 1 / 63 وروح المعاني للآلوسي 6 / 103 ) .

وقد قسّمهم أهل العلم إلى قسمين :

القسم الأول من بلغته الدعوة ، والقسم الثاني من لم تبلغه الدعوة وبقي على حين غفلة ، ويشمل القسم الأول نوعين :

1- من بلغته الدعوة ووحّد ولم يشرك كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل ( انظر : البداية والنهاية 2 / 230 وفتح الباري 7 / 147 )

2- من بلغته الدعوة ولكنه غيّر وأشرك كعمرو بن لحي الذي غيّر دين إبراهيم ، والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجرّ قصبه في النار )

رواه البخاري (3521) ومسلم (2856)

وقد جاء النص عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن والديه في النار ، روى مسلم (203) أن رجلاً قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : في النار ، فلما قضى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار )

وفي شأن أمه قال عليه الصلاة والسلام : ( استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي )

رواه مسلم (976) .

يقول النووي رحمه الله – شارحاً الحديث الأول - : " فيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار ، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم "

( شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .

هذا وقد حاول بعض أهل العلم الدفاع عن والدي النبي صلى الله عليه وسلم والحكم بنجاتهما ، وأن الله تعالى أحياهما بعد موتهما ، فأسلما وآمنا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ماتا على ذلك ، واستدل على هذا بأحاديث موضوعة وضعيفة جداً لا يصح الاستدلال بها .

( انظر : الحاوي للفتاوى 2 / 202 )

وقد ردّ العلماء ذلك .

قال العظيم آبادي : " كل ما ورد بإحياء والديه صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ونجاتهما أكثره موضوع مكذوب مفترى ، وبعضه ضعيف جداً لا يصح بحالٍ ، لاتفاق أئمة الحديث على وضعه وضعفه كالدارقطني والجوزقاني وابن شاهين والخطيب وابن عساكر وابن ناصر وابن الجوزي والسهيلي والقرطبي وجماعة "

(عون المعبود12/494 باختصار، وانظر: مجموع الفتاوى4/324) .

و يجب علينا أن ندرك أن النسب لا ينجي الإنسان من عذاب الله تعالى ، يقول النووي رحمه الله : " من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين " (شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .

ولم يكن حكم والدي النبي صلى الله عليه وسلم وجده بدعاً في ذلك ، فقد أصرّ والد إبراهيم عليه السلام على الكفر حتى مات على ذلك فتبرأ منه إبراهيم عليه السلام ، كما قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) التوبة / 114 ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرّر هذا الأمر بجلاء ، وذلك حين نزلت عليه الآية الكريمة ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) الشعراء / 214

قال : ( يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً )

رواه البخاري (2753) ومسلم (206)

وينبغي على كل مسلم أن لا يحكّم عاطفته في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته دونما حجةٍ وبينةٍ من علم فيبوء بالخسارة في الدنيا والآخرة

والله المستعان .

*عبدالرحمن*
2018-06-23, 16:35
ما صحة حديث إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ؟

السؤال

ما صحة الحديث القائل بإحياء أم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فآمنت به ثم ماتت ؟.

الجواب

الحمد لله

لم يصح حديث في أن الله تعالى أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وأنهما آمنا به ثم ماتا ، بل الأحاديث الصحيحة الثابتة تدل على أنهما ماتا على الكفر ، وأنهما من أهل النار .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : ( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي )

رواه مسلم (976) .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : فِي النَّارِ . فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ .

رواه مسلم (203) .

ومما يدل على عدم صحة هذه الأحاديث : أن هذا الأمر لو وقع لاشتهر وانتشر ، لأنه يكون آية عظيمة من آيات الله تعالى ، فتتوفر الدواعي على نقلها .

وقد حكم أئمة العلم المحققون على هذه الأحاديث الواردة بأنها موضوعة مكذوبة .

عن عائشة رضي الله عنها قالت : حجَّ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، فمرَّ بي على عقبة الحجون وهو باكٍ حزين مغتم ، فبكيتُ لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إنه نزل فقال : يا حميراء استمسكي ، فاستند إلى البعير فمكث عني طويلاً

ثم إنه عاد إليَّ وهو فرح مبتسم ، فقلت له : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، نزلت من عندي وأنت حزين مغتم فبكيت لبكائك ، ثم إنك عدت إليّ وأنت فرح مبتسم ، فعَمَ ذا يا رسول الله ؟ فقال : ذهبت لقبر أمي آمنة فسألت الله أن يحييها فأحياها ، فآمنت بي وردها الله عز وجل .

رواه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " والخطيب البغدادي في " السابق اللاحق " – كما قال السيوطي في " الحاوي " ( 2 / 440 ) - .

قال ابن الجوزي :

" هذا حديث موضوع بلا شك ، والذي وضعه قليل الفهم عديم العلم ، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافراً لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة ، لا ؛ بل لو آمن عند المعاينة لم ينتفع

ويكفي رد هذا الحديث قوله تعالى : ( فيمت وهو كافر ) وقوله في الصحيح : ( استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ) وقد كان أقوام يضعون أحاديث ويدسونها في كتب المغفلين فيرويها أولئك ، قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر : هذا حديث موضوع وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت بالأبواء بين مكة والمدينة ودفنت هناك وليست بالحجون " انتهى .

"الموضوعات" (1/283) .

الحجون : موضع بمكة .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" وأما الحديث الذي ذكره السهيلي وذكر أن في إسناده مجهولين إلى أبي الزناد عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه ، فأحياهما وآمنا به : إنه حديث منكر جدّاً ، وإن كان ممكناً بالنظر إلى قدرة الله تعالى ، لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه " انتهى .

"البداية " (2/261) .

وقال ملا علي القاري عن هذا الحديث :

" موضوع ، كما قال ابن دحية ، وقد وضعت في هذه المسألة رسالة مستقلة " انتهى .

"الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص 83) .

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك ؟

فأجاب :

" لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث ; بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلق ، وإن كان قد روى في ذلك أبو بكر - يعني الخطيب - في كتابه "السابق واللاحق" وذكره أبو القاسم السهيلي في "شرح السيرة" بإسناد فيه مجاهيل ، وذكره أبو عبد الله القرطبي في "التذكرة" وأمثال هذه المواضع

فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذباً ، كما نص عليه أهل العلم ، وليس ذلك في الكتب المعتمدة في الحديث ; لا في الصحيح ولا في السنن ولا في المسانيد ونحو ذلك من كتب الحديث المعروفة ، ولا ذكره أهل كتب المغازي والتفسير ، وإن كانوا قد يروون الضعيف مع الصحيح

لأن ظهور كذب ذلك لا يخفى على متدين ، فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله ، فإنه من أعظم الأمور خرقا للعادة من وجهين : من جهة إحياء الموتى ، ومن جهة الإيمان بعد الموت . فكان نقل مثل هذا أولى من نقل غيره ، فلما لم يروه أحد من الثقات عُلِم أنه كذب .

ثم هذا خلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع . قال الله تعالى : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ) وقال : ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار ) .

فبين الله تعالى : أنه لا توبة لمن مات كافراً . وقال تعالى : ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ) فأخبر أن سنته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس ; فكيف بعد الموت ؟ ونحو ذلك من النصوص . . . " انتهى باختصار .

"مجموع الفتاوى" (4/325) .

وبعض أهل التصوف لم يستطع تصحيح هذه الأحاديث وفق القواعد الحديثية فصححها بالكشف !

يقول البيجوري :

" ولعل هذا الحديث - حديث إحياء والدي النبي صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ثم موتهما- صح عند أهل الحقيقة بطريق الكشف " انتهى .

"جوهرة التوحيد" (ص 30) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رادّاً على مثل هذا :

" وعامة هؤلاء إذا خوطبوا ببيان فساد قولهم قالوا من جنس قول النصارى : هذا أمر فوق العقل ! ويقول بعضهم : يثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل " انتهى باختصار .

"الجواب الصحيح" (2/92) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-23, 16:42
: الأحاديث الواردة في شأن ابن صياد لا تتعارض مع الأحاديث الواردة في شأن الدجال وقتل المسيح له ووجود المهدي

السؤال

عرض لي تناقض لم أسمعه من أحد حيث أن هناك رواية أن رسول الله صل الله عليه و سلم شك أن اليهودي ابن صياد هو الدجال ، إن صدقنا هذه الرواية ستتعارض مع بقية الروايات، رسول الله يقول لا دجال إلا بالمهدي ولا مسيح إلا بالدجال ... نجده يشك مباشرة أن ابن صياد هو الدجال فأين المهدي ؟ ثم رواية إن خرج فيكم أنا حجيجه دونكم ..

. فأين العلامات و أشراط الساعة التي قال عنها في غير روايات . ثم في رواية أخرى عمر يقسم بالله أن ابن صياد هو الدجال . هل عمر لا يعرف عن المهدي ؟ هذا إن دل يدل على أنهم لم يكونوا ينتظرون لا مهديا ولا مسيحا . هذا ليس ما أؤمن به . أنا فقط أحاول أن أجد توافق بين كثرة الروايات وهي كما ترى متناقضة

الجواب :

الحمد لله

أولا :

جاءت الأحاديث الصحيحة المتواترة بخروج المسيح الدجال ، ونزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام .

وصحت أيضا بظهور المهدي .

وصحت الأحاديث كذلك أنهم يكونون جميعا في زمان واحد .

فروى البخاري في "صحيحه" (2476) ، ومسلم في "صحيحه" (155) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ المَالُ ، حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ) .

وجاء في "صحيح مسلم" أن المسيح عيسى عليه السلام سيقتل الدجال عند باب لُد ، ويريه الله تعالى دمه في حربته .

فقد روى مسلم في "صحيحه" (2897)

من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا ، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا ، وَاللهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ

وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ ، إِذْ صَاحَ فِيهِمِ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ ، فَيَخْرُجُونَ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَأَمَّهُمْ ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ ).

وأخرج مسلم في "صحيحه" (2937)

من حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ ، قَالَ: " ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا ، فَقَالَ: ( مَا شَأْنُكُمْ؟ ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً ، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَقَالَ: ( غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ

إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا ، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: ( أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ

وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ) ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: ( لَا ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: ( كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ

فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا ، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا ، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا ، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ

يَضْحَكُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ ، فَيَقْتُلُهُ ).

وقد ثبت أنه يؤم المسلمين ، في وجود المسيح عيسى عليه السلام ، رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم

فقد روى البخاري في "صحيحه" (3499) ، ومسلم في "صحيحه" (155) ، من حديث أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ).

وإنما كان ذلك ، تكرمة لهذه الأمة المحمدية .

فقد أخرج مسلم في "صحيحه" (165) من حديث جابر بن عبد الله ، قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا ، فَيَقُولُ: لَا ، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ).

وقد جاء تعيين هذا الأمير ، وأنه المهدي ، من حديث جابر أيضا ، في رواية أخرجها الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" ، أوردها ابن القيم في "المنار المنيف" (ص147) بإسناد الحارث بن أبي أسامة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا ، فيقول لا ، إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة ).

قال ابن القيم :"وهذا إسناد جيد " انتهى

وهذا الإسناد صححه أيضا ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" (2/475) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2236) .

فثبت من الأحاديث الصحيحة تعاصر المسيح عيسى عليه السلام مع المهدي ، وكذلك مع المسيح الدجال .

ثانيا :

بالنسبة للتعارض الذي ظنه السائل الكريم ، فإن الأحاديث الواردة في شأن ابن صياد لا تتعارض مع الأحاديث الواردة في شأن الدجال وقتل المسيح له ووجود المهدي ، وذلك من وجوه :

الوجه الأول :

الحديث الذي أورده السائل بلفظ :" لا دجال إلا بالمهدي ولا مسيح إلا بالدجال ". لا أصل له ، ولا يروى بهذا اللفظ بأي إسناد .

الوجه الثاني :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم قط في حديث أن ابن صياد هو الدجال ، وإنما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعض صفات الدجال ، ثم علم صلى الله عليه وسلم بابن صياد فوجد فيه بعض الصفات التي كانت عنده في الدجال ، وحينئذ توقف في أمره ولم يقطع بشيء

ثم لما جاءه تميم بن أوس الداري وقص عليه الحديث المشهور حديث الجساسة ، وذكر فيه الدجال ذكر صلى الله عليه وسلم أن ذلك وافق ما كان حدثهم به عن الدجال ، وأن ابن صياد ليس هو الدجال .

وحديث الجساسة أخرجه مسلم في "صحيحه" (2942)

من حديث فاطمة بنت قيس ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم يحكي عن الدجال أنه قال :( وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً - أَوْ وَاحِدًا - مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا ، يَصُدُّنِي عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا

قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ:" هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ " - يَعْنِي الْمَدِينَةَ – " أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟ " فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ ، قال:" فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ ، أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ).

قال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (7/385)

:" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى من ابْنِ صَيَّادٍ ما رَأَى من عَيْنِهِ ، وَلَمَّا سمع من هَمْهَمَتِهِ ما سمع ، وَلَمَّا وَقَفَ عليه من شَوَاهِدِهِ الْمَذْكُورَةِ عنه في هذا الحديث ، لم يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ هو الدَّجَّالَ الذي قد أَعْلَمَهُ اللَّهُ عز وجل خُرُوجَهُ في أُمَّتِهِ ، فقال فيه ما قال ، بِغَيْرِ تَحْقِيقٍ منه أَنَّهُ هو ، إذْ لم يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ ، وَلاَ أَنَّهُ ليس هو ، إذْ لم يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ ، وَوَقَفَ عن إطْلاَقِ وَاحِدٍ من ذَيْنِك الأَمْرَيْنِ فيه ...

ثُمَّ وَقَفَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم من بَعْدُ على ما حدثه بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ ..

وكان سُرُورُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا في هذا الحديث ، مِمَّا كان تَمِيمٌ حدثه إيَّاهُ : دَلِيلاً على أَنَّهُ قد تَحَقَّقَ عِنْدَهُ ، بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مِثْلُهُ عِنْدَهُ ، وَلَوْلاَ أَنَّ ذلك كان كَذَلِكَ ، لَمَا قام بِهِ في الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ خَطَبَ بِهِ عليهم ، وابن صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ معه بِالْمَدِينَةِ .

فَفِي ذلك ما قد دَلَّ : أَنَّ الدَّجَّالَ الذي كان منه فيه قبل ذلك ما كان ، وَمَنْ يُحَذِّرُ بِهِ أُمَّتَهُ منه وَمِنْ إخْبَارِهِ الناس أَنَّهُ لم يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ إِلاَّ وقد حَذَّرَ أُمَّتَهُ = خِلاَفُ ابْنِ صَيَّادٍ ". انتهى

وقال النووي في "شرح مسلم" (18/46) :" قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ ، وَأَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ ، فِي أَنَّهُ: هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أم غيره ؟

ولاشك فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ولا غيره ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّالِ ، وَكَانَ فِي ابن صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمِلَةٌ ، فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ، وَلِهَذَا قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنْ يَكُنْ هُوَ، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ " انتهى .

وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (11/283)

:" وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ ، مِثْلُ حَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ الَّذِي ظَهَرَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ قَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ الدَّجَّالُ ، وَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ ، حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ ؛ لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ " انتهى .

وقال ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (1/108)

:" وَالْمَقْصُودُ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ لَيْسَ بِالدَّجَّالِ الَّذِي يخرج في آخر الزمان قطعاً ، وذلك لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّةِ فَإِنَّهُ فَيْصَلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ " انتهى .

وقد جمع الحافظ ابن حجر بين الأحاديث الواردة في ابن صياد وحديث الجساسة ، بأن الدجال الحقيقي هو من رآه تميم رضي الله عنه موثقا في قيوده في تلك الجزيرة ، وأما ابن صياد فهو شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة ، ثم توجه إلى أصبهان ليستتر فيها مع قرينه حتى يأذن الله بخروج الدجال .

قال ابن حجر في "فتح الباري" (13/328) :

" وَأَقْرَبُ مَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ مَا تَضَمَنَّهُ حَدِيثُ تَمِيم وَكَون ابن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ ، أَنَّ الدَّجَّالَ بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي شَاهده تَمِيم موثقًا ، وَأَن ابن صَيَّادٍ شَيْطَانٌ تَبَدَّى فِي صُورَةِ الدَّجَّالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ، إِلَى أَنْ تَوَجَّهَ إِلَى أَصْبَهَانَ ، فَاسْتَتَرَ مَعَ قَرِينِهِ ، إِلَى أَنْ تَجِيءَ الْمُدَّةُ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى خُرُوجَهُ فِيهَا " انتهى.

وأيّا ما كان الأمر ، فإنه لا تعارض كما قدمنا ، سواء كان ابن صياد دجالا من الدجاجلة ، وليس الدجال الأكبر، أو كان يهوديا ثم أسلم ، أو هو الدجال حقيقة ، أو أنه شيطان تبدى في صورة الدجال .

وذلك لأن العلامات المذكورة في أحاديث الدجال في وصف الدجال : إنما تجتمع كلها عند خروجه وظهور فتنته .

أما قبل ذلك فيجوز وجوده دون استيفاء باقي الصفات ، لكون أن الله لم يأذن بعد بخروجه .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-06-27, 03:58
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


طلب الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم ، لا يناقض الإيثار المندوب إليه

السؤال

: قال رسول الله : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا علي ، وسلوا الله لي الوسيلة ، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لرجل واحد ، أرجو أن أكون أنا هو) ، فهل كان رسول الله لا يعلم أنها خاصة به ؟

وإذا كان يعلم فلماذا قال أرجو أن تكون لي ؟

وإذا كان لا يعلم فلماذا تمني الرسول أن تكون له دون باقي الأنبياء أو البشر ، فرسول الله كان يعلمنا دائما إيثار النفس ؟

فعندما قرأت الحديث شعرت أن تمني الدرجة له ليس بها إيثار

مع العلم اني أعلم أنها لا تنبغي إلا له ، ولكن يوسوس لي الشيطان أن رسول الله تمناها لنفسه ، وذلك ليس فيه إيثار كما كان يعلمنا .

الجواب :

الحمد لله

أولًا :

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ) رواه مسلم (384).

فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث معنى "الوسيلة" ، وأنها منزلة خاصة في الجنة، وخصوصيتها واسمها يشيران إلى أن صاحبها أقرب إلى الله تعالى من غيره.

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:

" ( الْوَسِيلَةَ ) هي في الأصل: ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به، وجمعها: وسائل. يقال: وسل إليه وسيلة، وتوسل. والمراد به في الحديث القرب من الله تعالى " انتهى، من "النهاية" (5 / 185).

وقال الطيبي رحمه الله تعالى:

" وإنما سميت تلك المنزلة من الجنة بها [= أي : بالوسيلة ] ؛ لأن الواصل إليها يكون قريباً من الله تعالي ، فائزاً بلقائه، مخصوصاً من بين سائر الدرجات بأنواع المكرمات "

انتهى من "شرح المشكاة" (3 / 911).

والسعي إلى القرب من الله تعالى ونيل رضوانه ومكرماته : لا يشرع فيه الإيثار ، بل أمر الله تعالى بالتنافس فيه أشد التنافس، وإنما الإيثار يكون بمتاع الدنيا، وليس بمقامات الجنة ، والقرب من الله تعالى

لأن الإيثار في مثل هذا يشعر أن صاحبه ليس له حرص على القرب من الله تعالى، وهذه منقصة لا تليق بذي همة عالية ؛ فكيف بالرسول صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )المطففين/22 - 26 .

وقال الله تعالى:( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) الحديد/21.

قال الزركشي رحمه الله تعالى:

" الإيثار : أن يؤثر غيره بالشيء ، مع حاجته إليه ...

والإيثار ضربان: ...

(الثاني) : في القربات ، كمن يؤثر بالصف الأول لغيره ، ويتأخر هو، أو يؤثر بقربه من الإمام في الصلاة ونحوه .
وظاهر كلام الشيخ أبي محمد السابق : أنه حرام، وكذا قال الإمام في باب التيمم: لو دخل الوقت، ومعه ما يتوضأ به ، فوهبه لغيره ليتوضأ به : لا يجوز؛ لأن الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس والمُهَج ، لا فيما يتعلق بالقُرَب والعبادات، وقال في باب زكاة الفطر: لا أعرف خلافا في أنه ليس له الإيثار.

وقال الشيخ عز الدين في "القواعد" : "لا إيثار في القربات"؛ فلا إيثار بماء المتيمم، ولا بالصف الأول، ولا بستر العورة في الصلاة؛ لأن الغرض بالعبادات التعظيم والإجلال، فمن آثر به فقد ترك إجلال الإله وتعظيمه ، فيصير بمثابة من أمره سيده بأمر ، فتركه ، وقال لغيره : قم به، فإن هذا يستقبح عند الناس بتباعده من إجلال الآمر وقربه ".

انتهى من "المنثور في القواعد" (1/210-212) .

وأما الإيثار بمتاع الدنيا، فإنه يشعر بأن صاحبه معرض عن الدنيا ، غير منافس فيها ، وهذا أمر محمود، لأن التنافس عليها يؤدي إلى الهلاك.

عن عَمْرو بْنِ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( فَوَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ) رواه البخاري (3158)،ومسلم (2961).

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" وقوله : ( رحمة الله علينا وعلى موسى ) ؛ قال الراوي : وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه. هذا إنما كان يفعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأدعية وأشباهها ، مما يعود عليه بالثواب والأجر الأخروي، حرصًا على تحصيل المنازل الرفيعة عند الله تعالى ، كما قال في الوسيلة : ( إنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ).

وحاصله : أن القرب من الله تعالى ، وثوابه : ليس مما يُؤثر الغير به ، بل تنبغي المنافسة فيه، والمسابقة إليه ، بخلاف أمور الدنيا، وحظوظها؛ فإنَّ الفضل في تركها، وإيثار الغير بما يحوز منها "

انتهى من " المفهم " (6/206) .

فالحاصل .. أن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يرجو أن يكون هو أقرب الناس إلى الله تعالى ، شيء محمود بلا شك ، ويدل على شدة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل ، ولا يشرع الإيثار في شيء من ذلك أصلا .

ثانيا :

أما .. هل كان يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه المنزلة العالية له أم لم يكن يعلم ذلك ؟

فلم نقف على شيء من روايات الحديث وألفاظه تبين ذلك .

وقد ذكر العلماء الاحتمالين .

فقد ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم ذلك ، ولهذا أخبر عن رجائه أن يكون هو صاحب تلك المنزلة .
قال القرطبي رحمه الله في "المفهم" (4/100) :

"وقوله : ( وأرجو أن أكون أنا هو ) : قال هذا صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبان قوله له بأنه صاحبها ، إذ قد أخبر أنه يقوم مقامًا لا يقومه أحد غيره ، ويحمد الله بمحامد لم يُلْهمها أحد غيره .

ولكن مع ذلك فلا بد من الدعاء فيها ؛ فإن الله يزيده بكثرة دعاء أمته رفعة ، كما زاده بصلاتهم ، ثم إنه يرجع ذلك عليهم بنيل الأجور ، ووجوب شفاعته صلى الله عليه وسلم" انتهى.

وذكر آخرون أنه كان يعلم ذلك ، ولكنه أخرج الكلام في صورة الرجاء ، تواضعًا منه صلى الله عليه وسلم .

قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (2/559) :

"(وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) : قَالَهُ تَوَاضُعًا ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَفْضَلَ الْأَنَامِ، فَلِمَنْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَقَامُ غَيْرَ ذَلِكَ الْهُمَامِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ" انتهى .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-06-27, 04:01
هل من شرب الخمر في الدنيا، حرمها في الجنة على وجه التأبيد؟

السؤال

: نحن نعلم إذا كنت تشرب الخمر في الدنيا، فإنك لن تشربه في الجنّة ، بالتالي سؤالي هو: هل أنت ممنوعٌ من شربه في الجنّة بشكلٍ دائم؟ أم يوماً ما سوف يغفر الله لك ، من ثمّ يمكنك شربه؟

الجواب :

الحمد لله

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: ( مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ ) رواه البخاري (5575) ، ومسلم (2003) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .

ولفظة (مَنْ) شرطية تفيد العموم، فكل من شرب الخمر ومات غير تائب ، فهو معرض لهذا الوعيد .

وهذا الشارب له حالان:

الحالة الأولى: أن يكون عالما بحرمتها، لكنه مع ذلك يشربها مستحلا لها منكرا لتحريمها، فيكفر بهذا الاستحلال، فإن مات مصرا عليه، مات كافرا فلا يدخل الجنة ، ويلزم من هذا ألا يتنعم بشرابها مطلقا.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وفصّل بعض المتأخرين بين من يشربها مستحلا : فهو الذي لا يشربها أصلا؛ لأنه لا يدخل الجنة أصلا، وعدم الدخول يستلزم حرمانها "

انتهى من "فتح الباري" (10 / 32 - 33).

وهذه الحالة لا إشكال فيها.

الحالة الثانية: أن يشربها المسلم وهو معتقد أنها حرام، فهذا هو محل الإشكال.

فذهب طائفة من أهل العلم، إلى أن هذا فيه وعيد بعدم دخول الجنة.

قال الخطابي رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( لم يشربها في الآخرة )، معناه لم يدخل الجنة؛ لأن شراب أهل الجنة خمر ؛ إلاّ أنه لا غول فيها ولا نزف" انتهى من "معالم السنن" (4 / 265).

وعمدة هذا القول أمران:

الأمر الأول: أن من دخل الجنة فإن له فيها ما تشتهيه الأنفس من النعيم، ومن ضمن ذلك خمر الجنة.

قال الله تعالى:( الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) الزخرف /69 - 71.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" في هذا الحديث دليل على تحريم الخمر، وعلى أن شربها من الكبائر؛ لأن هذا وعيد شديد يدل على حرمان دخول الجنة؛ لأن الله عز وجل أخبر أن الجنة: فيها أنهار من خمر لذة للشاربين، لا يصدعون عنها ولا ينزفون، والظاهر أن من دخل الجنة، لا بد له من شرب خمرها ... "

انتهى من "التمهيد" (15 / 5 - 6).

وقال البغوي رحمه الله تعالى:

" وفي قوله: ( حرمها في الآخرة )، وعيد بأنه لا يدخل الجنة، لأن شراب أهل الجنة خمر، إلا أنهم لا يصدعون عنها، ولا ينزفون، ومن دخل الجنة لا يحرم شرابها "

انتهى من "شرح السنة" (11 / 355).

الأمر الثاني: أن منعه من شربها إذا دخل الجنة فيه نوع عقوبة، ولا عقوبة في الجنة؛ لأن دخولها يستلزم الغفران، ونيل رضوان الرحمن.

قال أبو المطرف القنازعي رحمه الله تعالى:

" وقيل أيضا: إن معنى هذا الحديث معنى الوعيد، وأنه يحرمها في وقت دون وقت، ولو كان يحرمها أبدا في الجنة، لكانت عقوبة شرب الخمر في الدنيا، تتبعه في الجنة، وكل من دخل الجنة فقد غفر الله جل وعز ذنوبه " انتهى من " تفسير الموطأ" (2 / 729).

وعلى القول بأن هذا وعيد بعدم دخول الجنة؛ فإنه محمول على عدم الدخول في وقت محدد، وليس عدم دخول الجنة أبدا ؛ بمعنى : أن دخوله الجنة قد يتأخر عن غيره من المؤمنين ، عقوبة له على هذه المعصية الكبيرة .

قال النووي رحمه الله تعالى:

" واعلم أن مذهب أهل السنة، وما عليه أهل الحق من السلف والخلف؛ أن من مات موحدا دخل الجنة قطعا، على كل حال:

فإن كان سالما من المعاصي؛ كالصغير، والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ، والتائب توبة صحيحة من الشرك ، أو غيره من المعاصي ، إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يُبتل بمعصية أصلا ؛ فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ، ولا يدخلون النار أصلا، لكنهم يردونها ، على الخلاف المعروف في الورود ، والصحيح أن المراد به المرور على الصراط ، وهو منصوب على ظهر جهنم، أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه.

وأما من كانت له معصية كبيرة ، ومات من غير توبة، فهو في مشيئة الله تعالى؛ فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولا ، وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده سبحانه وتعالى ، ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ، ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ، ولو عمل من أعمال البر ما عمل.

هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي " .

انتهى من "شرح صحيح مسلم" (1 / 217).

وقال ابن العربي رحمه الله تعالى:

" قال علماؤنا، رحمة الله عليهم: قد ثبت بالدلائل القاطعة دخول العصاة الجنة بعد الاقتصاص منهم بالعذاب أو المغفرة، ومن دخل الجنة لم يمتنع عليه منها نعيم؛ فيكون معنى قوله: ( حَرِمَهَا فِي الآخِرَةِ ) : في الوقت الذي يجد فيه الظمأ ، ويطلب الراحة عند العذاب، أو عند انتظار المغفرة " انتهى من "القبس" (2 / 657).

وعلى هذا القول؛ فإن المسلم الذي يموت مدمنا على الخمر: معرَّض لحرمان مؤقت من خمر الجنة ، وليس على وجه التأبيد – والظاهر أن كلام ابن العربي يشير إلى أن ذلك يكون قبل دخوله الجنة .

والقول الثاني: أن الحديث على ظاهره؛ فمن شرب الخمر في الدنيا حرمها في الآخرة إذا دخل الجنة على وجه الدوام.

قال ابن العربي رحمه الله تعالى:

" فظاهر الحديث ، ومذهب نفر من الصحابة ومن أهل السنة : أنه لا يشرب الخمر فى الجنة. وكذلك لو لبس الحرير فى الدنيا ، لم يلبسه فى الجنة؛ وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ، ووعد به : فحرمه عند ميقاته " انتهى من "عارضة الأحوذي" (8 / 51).

ويدل لهذا القول بحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ مَاتَ

مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَتَحَلَّى الذَّهَبَ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ لِبَاسَهُ فِي الْجَنَّةِ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (11 / 540)، وحسّن إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10 / 32)، والألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2 / 468).

وأجابوا عن الأمور التي تمسك بها أهل القول الأول:

فأما قولهم: بأنّ عدم شربه الخمر في الجنة إذا دخلها معارض لقوله تعالى:

( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) الزخرف /69 - 71.

فيجاب عنه؛ بأن الله يزيل من قلبه اشتهاء خمر الجنة، فلا يرغب فيها، وهذا هو وجه حرمانها.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" ولقائل أن يقول: لا يخلو هذا أن يشتهي الخمر في الجنة أو لا يشتهيها، فإن لم يشتهها لم يؤثر عنده فقدها، وإن اشتهاها ولم يعطها تأسف ، والأسف في الجنة لا يكون ؟

فالجواب: أنه لا يشتهيها ويصرف عن قلبه حبها وذكرها، لكنه قد فاتته لذة عظيمة ، كما تفوته منزلة الشهداء ومنازل الأنبياء، وكل ناقص ، بالإضافة إلى الكاملين ، قد رضي بحاله. وإنما نذكر هذا لننبه اليوم للاستدراك " انتهى من "كشف المشكل" (2 / 551 - 552).

وأما قولهم: بأن الحرمان نوع من العذاب والألم، والجنة دار السلام لا عذاب فيها ولا هم ولاحزن.

فأجابوا عنه : أن هذا الحرمان ليس من باب العذاب ، وإنما هو من باب نقص النعيم، ومن المعلوم أن أهل الجنة درجات ، ومن حرم المراتب العالية ، لا يحزنه ذلك في الجنة، بل يكون راضيا بما أكرمه الله تعالى، فمن هذا الباب يكون حرمان خمر الجنة.

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:

" وقوله (حرمها في الآخرة )؛ ظاهره تأبيد التحريم ، وإن دخل الجنة فيشرب جميع أشربة الجنة من ماء وعسل ولبن، ولا يشرب الخمر .

ومع ذلك : فلا يتألم لعدم شُرْبها، ولا يتنغص من فقدها، ولا يحسد من يشربها، فإنَّ الجنة محل مطهَّر منزه عن ذلك كلّه.

وإنَّما يكون حال هذا ، مع فقد شُرب الخمر ، كحاله مع المنازل التي رفع بها غيره عليه ، مع علمه برفعتها، وبأن صاحبها أعلى منه درجة، وأفضل منه عند الله تعالى ؛ ومع ذلك فلا يحسده، ولا يتألم بفقد شيء من ذلك ، استغناء بالذي أُعطي، وغبطة به، ولأن الله تعالى قد طهرهم من كل نقص وصفة مذمومة. ألا ترى قوله تعالى : { ونزعنا ما فى صدورهم من غلٍّ إخواننًا على سرر متقابلين } ؟ وقال بهذا المعنى جماعة من العلماء " .

انتهى من "المفهم" (5 / 270).

وعلى هذا القول فإنه يحرم من الخمر على وجه التأبيد، وهذا أقرب إلى ظاهر الحديث ، وأجرى للوعيد الوارد فيه .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-06-27, 04:05
لو كان ابن صياد هو الدجال، كيف لم يقرأ النبي عليه الصلاة والسلام كلمة " كافر " بين عينيه ؟

السؤال :

أريد أن أعرف كيف شك الرسول عليه الصلاة والسلام في ابن الصياد على أنه المسيح الدجال ، علما بأن هذا الأخير سيكون مكتوب على جبينه كافرا ؟ وهل هذا دليل على أن كلمة كافر ستكتب عند خروج المسيح ، أم هي مكتوبة منذ خلقه ؟

الجواب :

الحمد لله

فإن فتنة المسيح الدجال من أعظم الفتن ، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله في صلاته من شر فتنته .

فروى البخاري في "صحيحه" (7129) ، ومسلم في "صحيحه" (587) ، من حديث عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ".

إلا أن الله تعالى برحمته وفضله سيجعل أمر الدجال واضحا جليا ظاهرا ، ومن ذلك أن الله تعالى سيجعل بين عينيه كلمة " كافر " ، يقرؤها كل مؤمن ، كاتب أو غير كاتب .

فقد روى البخاري في "صحيحه" (7131) ، ومسلم في "صحيحه" (2933) ، من حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ ).

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه ، الذي أخرجه مسلم في "صحيحه" (2934) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ ، أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ ، مَاءٌ أَبْيَضُ ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ ، نَارٌ تَأَجَّجُ ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ ، فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ) .

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (18/60) :" الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ هَذِهِ الْكِتَابَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَأَنَّهَا كِتَابَةٌ حَقِيقَةٌ ، جَعَلَهَا اللَّهُ آيَةً وَعَلَامَةً مِنْ جُمْلَةِ الْعَلَامَاتِ الْقَاطِعَةِ بِكُفْرِهِ وَكَذِبِهِ وَإِبْطَالِهِ ، وَيُظْهِرُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ مُسْلِمٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ وَيُخْفِيهَا عَمَّنْ أَرَادَ شقاوته وفتنته " انتهى .

أما بخصوص ما ورد في ابن صياد ، وكيف أنه لو كان هو الدجال كيف لم يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب بين عينيه ؟

فجواب ذلك ، من وجهين :

الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم قط في حديث أن ابن صياد هو الدجال ، وإنما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعض صفات الدجال ، ثم علم بابن صياد ، فوجد فيه بعض الصفات التي كانت عنده في الدجال ، ولما لم يكن قد أتاه وحي في كون ابن صياد هو الدجال ، أو لا ؛ توقف في أمره ، ولم يقطع فيه بشيء .

والذي يظهر أنه لم يكن قد أتاه صلى الله عليه وسلم وحي بشأن هذه العلامة، حينما كان يشك في أمر ابن صياد.

قال النووي في "شرح مسلم" (18/46) :" قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ وَأَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أم غيره ؟

ولاشك فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ . قَالَ الْعُلَمَاءُ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ولا غيره ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّالِ ، وَكَانَ فِي بن صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمِلَةٌ ، فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لايقطع بأنه الدجال ولا غيره ". انتهى

الوجه الثاني : أن هذه العلامة وغيرها من العلامات التي جاءت في الدجال : إنما تظهر وقت فتنته ، عندما يخرج على الناس آخر الزمان ، فيدعي الألوهية .

فإذا افترضنا أن ابن صياد هو الدجال فعلا ، وهذا على خلاف القول الراجح ؛ فيقال فيه :

إن هذه العلامة لم تكن قد ظهرت وقت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ، وإنما تظهر عند خروجه ، وظهور فتنته في الناس ، آخر الزمان.

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (8/465) :" وأما احتجاجه هو ( أي ابن صياد ) بحجه البيت ودخوله المدينة ، فليس له فيه دليل ، إنما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه لا يدخل مكة ولا المدينة وقت فتنته " انتهى .

وقال القرطبي في "التذكرة" (784) :" واحتجاجه بأنه مسلم ، وولد له ، ودخل المدينة ، وهو يريد مكة تلبس منه ، وأنه سيكفر إذا خرج ، و حينئذ لا يولد له ، ولا يدخل مكة ولمدينة " انتهى .

وعلى ذلك نقول :

إنه لو صح أن ابن صياد هو الدجال : فلا يلزم كتابة كلمة " كافر " بين عينيه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن وقت خروجه لم يكن قد حان بعد .

وإنما تظهر هذه العلامات ، وغيرها مما جاءت به الأحاديث الصحيحة ، وقت فتنته وعند خروجه على الناس ، وادعائه الألوهية .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-27, 04:14
حول المراد بالشؤم في حديث " الشؤم في ثلاثة : الدار والمرأة والفرس "

السؤال

: أريد أن أستفسر عن حديث : (إن كان الشؤم في شئ ففي المرأه والسكن والدابة) ، أولا أنا دخلت في كثير من المواقع الدينية ، ومنها موقعكم ، واطلعت على كل ما يتعلق بهذا الحديث ، ومن هذا الفتوى (27192 )

لشرح هذا الحديث ، ولكن لم أجد جوابا للسؤال الذي يدور في ذهني ، وهو : هل يقصد الرسول في الحديث الشؤم يعني الشر أي المصائب ، أي هل كلمة الشؤم في الحديث تعني الشر أي المصيبة ؟

فإن كان الجواب نعم ، فلماذا يوجد الشر أو المصائب في الزوجة ولا يوجد في الرجل ؟ فإننا نعرف كثيرا من الرجال السيئين ، ولمذا لم يذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما ذكر النساء فقط ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث الذي ذكره السائل الكريم حديث صحيح ، متفق عليه .

وقد جاء بعدة ألفاظ ، أشهرها ما يلي :

اللفظ الأول :( إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي الفَرَسِ ، وَالمَرْأَةِ ، وَالدَّارِ ).

وهذا اللفظ أخرجه البخاري في "صحيحه" (2858) ، ومسلم في "صحيحه" (2225) ، من حديث ابن عمر رضي الله عنه ، به .

اللفظ الثاني :( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ ، فَفِي المَرْأَةِ ، وَالفَرَسِ ، وَالمَسْكَنِ ).

وهذا اللفظ أخرجه البخاري في "صحيحه" (2859) ، ومسلم في "صحيحه" (2226) ، من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، به .

ثانيا :

أما معنى الشؤم :

فالشؤم ضد اليمن ، وهما علامتان لما يصيب الإنسان من خير فيسميه " يمن " ، وما يصيبه من شر ومكروه ، فيسميه " شؤم " . وكل هذا بقدر الله ومشيئته على الحقيقة .

قال الخطابي في "أعلام الحديث" (2/1379) :

" اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من الخير والشر، والنفع والضر، ولا يكون شيء من ذلك إلا بمشيئة الله وقضائه " انتهى .

وكان أهل الجاهلية يتشاءمون بأشياء أبطلها الإسلام ، ومعنى تشاؤمهم أنهم كانوا يعتقدون وصول المكروه من أشياء ، لا تعد سببا شرعيا ولا حسيا لوقوع المكروه .

قال ابن العربي المالكي في "المسالك" (7/545) :

" قال علماؤنا : الشؤم هو اعتقاد وصول المكروه إليك ، بسبب يتصل بك ، من ملك أو خلطة ، وتتشاءم به "انتهى .

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (1/136) :" الشؤم ، بِالْهَمْز : هُوَ مَا كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِهِ .

وَيُقَال لكل مَحْذُور : مشئوم ، ومشأمة " انتهى .

ثالثا :

وأما ما ورد في السؤال عن معنى الشؤم في الحديث ، ولماذا خص المرأة دون الرجل ، فبيان ذلك كما يلي :

أولا:

لم يقل عالم قط بأن شيئا ما امرأة أو غيرها له دخل بما يحدث من مصائب لأحد ، فإن الله تعالى هو من يقدر الأمور ، ولا دخل لأحد في أقداره ، ولذا فالتشاؤم والتطير بامرأة أو غيرها مما حرمه الإسلام قولا واحدا .

قال الزرقاني في "شرحه على الموطأ" (4/604) :

" قَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَسَابِقِهِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ } التغابن/14 ، إِشَارَةٌ إِلَى تَخْصِيصِ الشُّؤْمِ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهَا الْعَدَاوَةُ وَالْفِتْنَةُ ، لَا كَمَا يَفْهَمُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ التَّشَاؤُمِ بِكَعْبِهَا ، وَإِنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ شَيْءٌ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ جَاهِلٌ

وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّارِعُ عَلَى مَنْ نَسَبَ الْمَطَرَ إِلَى النَّوْءِ الْكُفْرَ ، فَكَيْفَ مَنْ نَسَبَ مَا يَقَعُ مِنَ الشَّرِّ إِلَى الْمَرْأَةِ مِمَّا لَيْسَ لَهَا فِيهِ مَدْخَلٌ؟ وَإِنَّمَا يَتَّفِقُ مُوَافِقُ قَضَاءٍ وَقَدَرٍ ، فَتَنْفِرُ النَّفْسُ مِنْ ذَلِكَ ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَتْرُكَهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَيْهَا " انْتَهَى.

ثانيا : جواب الشق الأول من السؤال ، وهو حول معنى الشؤم الوارد في الحديث.

فنقول :

لما جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة بنفي الطيرة وتحريمها ، ثم جاء هذا الحديث ، اختلف أهل العلم في المراد به ، مع اتفاقهم كما بينا أنه لا يجوز التشاؤم والتطير بشيء ألبتة . وجاءت أقوالهم على النحو التالي :

القول الأول :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ينفي الشؤم والطيرة في كل شيء ، وأنه لو كان الشؤم حقا وواقعا لكان في هذه الثلاث ، وهو غير واقع ، لا فيها ولا في غيرها .

وقال بهذا الإمام الطبري ، والطحاوي ، وغيرهما .

واستدلوا على ذلك بأن أكثر الروايات الواردة في هذا الحديث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جاءت بلفظ:

( إنْ كان الشُّؤْمُ في شَيْءٍ فَفِي ثَلاَثَةٍ : في الْفَرَسِ ، وَالْمَسْكَنِ ، وَالْمَرْأَةِ ).

ومن هؤلاء:

سهل بن سعد رضي الله عنه .

أخرجه البخاري في "صحيحه" (2859) ، ومسلم في "صحيحه" (2226) ، من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ ، فَفِي المَرْأَةِ ، وَالفَرَسِ ، وَالمَسْكَنِ ).

جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .

أخرجه مسلم في "صحيحه" (2226) من حديث جابر ، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الرَّبْعِ ، وَالْخَادِمِ، وَالْفَرَسِ ).

سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .

أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (1554) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (6586) ، من طريق يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنِ الحَضْرَمِيِّ بْنِ لاحِقٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الطِّيَرَةِ ، فَانْتَهَرَنِي ، وَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَكَرِهْتُ أَنْ أُحَدِّثَهُ مَنْ حَدَّثَنِي ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لَا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَ ، إِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ فَفِي الْفَرَسِ ، وَالْمَرْأَةِ ، وَالدَّارِ ).

وإسناده صحيح ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (789) .

أنس بن مالك رضي الله عنه .

أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (6123) ، عن أَنَس بْن مَالِكٍ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لَا طِيَرَةَ ، وَالطِّيَرَةُ عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ، وَإِنْ تَكُ فِي شَيْءٍ ، فَفِي الدَّارِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ ) .

وإسناده حسن ، وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2/417) .

وأما رواية ابن عمر رضي الله عنه ، والتي جاءت بالجزم بلفظ :( إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي الفَرَسِ ، وَالمَرْأَةِ ، وَالدَّارِ) ، فقد جاء عنه أيضا في "صحيح مسلم" (2225) ، بلفظ :( إِنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ ، فَفِي الْفَرَسِ ، وَالْمَرْأَةِ ، وَالدَّارِ) .

قال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2/249) :

" بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ما رُوِيَ عن رسول اللهِ عليه السلام في إثْبَاتِ الشُّؤْمِ وما رُوِيَ عنه في نَفْيِهِ ..

ثم روى بسنده عَنِ ابْنِ عُمَرَ عن رسول اللهِ عليه السلام قال:( إنَّمَا الشُّؤْمُ في ثَلاَثَةٍ : في الْمَرْأَةِ ، وَالْفَرَسِ ، وَالدَّارِ) .

ثم قال : وقد رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عن النبي عليه السلام في ذلك، ما مَعْنَاهُ خِلاَفُ هذا الْمَعْنَى ، كما حدثنا يَزِيدُ بن سِنَانٍ ، حدثنا سَعِيدُ بن أبي مَرْيَمَ ، أَنْبَأَ سُلَيْمَانُ بن بِلاَلٍ ، حدثني عُتْبَةُ بن مُسْلِمٍ ، عن حَمْزَةَ بن عبد اللهِ ، عن أبيه ، عن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:( إنْ كان الشُّؤْمُ في شَيْءٍ فَفِي ثَلاَثَةٍ : في الْفَرَسِ ، وَالْمَسْكَنِ ، وَالْمَرْأَةِ ) .

فَكَانَ ما في هذا ، على أَنَّ الشُّؤْمَ : إنْ كان ، كان في هذه الثَّلاَثَةِ الأَشْيَاءِ ؛ لاَ يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ فيها .

وقد وَافَقَ ما في هذا الحديث ما قد رُوِيَ عن جَابِرٍ وَسَهْلِ بن سَعْدٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الْمَعْنَى ". انتهى

وقال الطبري في "تهذيب الآثار" (3/34) :" وأما قوله صلى الله عليه وسلم:( إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس ) : فإنه لم يثبت بذلك صحة الطيرة ، بل إنما أخبر صلى الله عليه وسلم : أن ذلك ، إن كان في شيء ؛ ففي هذه الثلاث .

وذلك إلى النفي أقرب منه إلى الإيجاب ، لأن قول القائل إن كان في هذه الدار أحد فزيد ، غير إثبات منه أن فيها زيدا ، بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد ، أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدا " انتهى .

وأجابوا عن رواية عبد الله بن عمر ، والتي جاءت بلفظ :" الشؤم في ثلاثة " ، بأنه من اختصار وتصرف بعض الرواة ، جمعا بين الروايات .

قال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/408)

:" والحديث يعطي بمفهومه أن لا شؤم في شيء ، لأن معناه: لو كان الشؤم ثابتا في شيء ما ، لكان في هذه الثلاثة ، لكنه ليس ثابتا في شيء أصلا.

وعليه : فما في بعض الروايات بلفظ " الشؤم في ثلاثة ". أو " إنما الشؤم في ثلاثة " فهو اختصار ، وتصرف من بعض الرواة "انتهى .

ومما يؤكد هذا القول ما رواه ابن ماجه في "سننه" (1993) من حديث مِخْمَرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:( لَا شُؤْمَ ، وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْمَرْأَةِ ، وَالْفَرَسِ ، وَالدَّارِ ).

والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1930) .

قال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2/253)

:" وقد رُوِيَ عنه عليه السلام في نَفْيِ الشُّؤْمِ أَيْضًا ، وَأَنَّ ضِدَّهُ من الْيُمْنِ قد يَكُونُ في هذه الثَّلاَثَةِ الأَشْيَاءِ .. ثم ساق الحديث بسنده "انتهى .

القول الثاني :

أن المقصود بالحديث هو حكاية ما كان عليه أهل الجاهلية ، وليس إثبات الشؤم في هذه الأشياء الثلاث ، أو غيرها .

وممن قال بهذا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ورجحه ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" (ص170) .

فقد روى أحمد في "مسنده" (26034) من طريق أَبِي حَسَّانَ ، قَالَ : " دَخَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ عَلَى عَائِشَةَ ، فَأَخْبَرَاهَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ

قَالَ:( الطِّيَرَةُ فِي الدَّارِ ، وَالْمَرْأَةِ ، وَالْفَرَسِ ) ، فَغَضِبَتْ فَطَارَتْ شِقَّةٌ مِنْهَا فِي السَّمَاءِ ، وَشِقَّةٌ فِي الْأَرْضِ ، وَقَالَتْ: وَالَّذِي أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ مَا قَالَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ ، إِنَّمَا قَالَ:( كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَطَيَّرُونَ مِنْ ذَلِكَ).

والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (993) .

قال ابن قتيبة قي "تأويل مختلف الحديث" (ص170)

:" وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:( الشُّؤْمُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ ) ، فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْغَلَطُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَنَّهُ سَمِعَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِهِ " انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-06-27, 04:15
القول الثالث :

أن المقصود بالحديث أنه لا شؤم في أي شيء ، وأن من تشاءم بالمرأة أو بالدار أو بالفرس فشؤمه عليه ، عقوبة له على فعله .

قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/436)

:" ووجه ذلك أن يكون قوله عليه السلام: (لا طيرة) مخصوصًا بحديث الشؤم ، فكأنه قال: لا طيرة إلا في المرأة والدار والفرس ، لمن التزم الطيرة .

يدل على صحة هذا ما رواه زهير بن معاوية ، عن عتبة بن حميد ، عن عبيد الله بن أبى بكر أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"( لا طيرة ، والطيرة على من تطير ، وإن يكن في شيء ففي الدار والمرأة والفرس ) .

فبان بهذا الحديث أن الطيرة إنما تلزم من تطير بها ، وأنها في بعض الأشياء دون بعض ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يقولون: الطيرة في الدار والفرس والمرأة ، فنهاهم النبي عليه السلام عن الطيرة ، فلم ينتهوا ، فبقيت في هذه الثلاثة الأشياء التي كانوا يلزمون التطير فيها ". انتهى

القول الرابع :

أن هذا إخبار عما كان عليه الناس يومئذ ، وهو أن هذه الثلاث هي أكثر ما كان يتشاءم به الناس ، فإذا حدث أن تكررت المصائب لإنسان ، لطول ملازمته لشيء من هذه الثلاث أبيح له مفارقته؛ لا إثباتا للطيرة والشؤم، وإنما يفارقه حفاظا على قلبه من الاعتقاد الباطل والظن الفاسد .

قال القرطبي في "المفهم" (18/104) :

" هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها ، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك، فقد أباح الشرع له أن يتركه ، ويستبدل به غيره، مما تطيب به نفسه ، ويسكن له خاطره .

ولم يُلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه ، أو مع امرأة يكرهها ؛ بل قد فسح له في ترك ذلك كله ، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعَّال لما يريد ، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود ". انتهى

وقال الخطابي في "معالم السنن" (4/236)

:" وأما قوله :" إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار " : فإن معناه إبطال مذهبهم في التطير بالسوانح والبوارح ، من الطير والظباء ونحوها ، إلاّ أنه يقول : إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها ، أو امرأة يكره صحبتها ، أو فرس لا يعجبه ارتباطه ، فليفارقها ؛ بأن يتنقل عن الدار ، ويبيع الفرس .

وكان محل هذا الكلام محل استثناء الشيء من غير جنسه . وسبيله سبيل الخروج من كلام إلى غيره ". انتهى

القول الخامس

أن يكون معنى الشؤم هنا : الشقاء والتعاسة الحاصلة للمسلم من مسكن لضيقه ، أو لأذى جيرانه ، ومن امرأة لسوء خلقها ، وسلاطة لسانها ، أو سوء طباعها ، أو إسرافها ، ومن مركب لا يغزى عليه في سبيل الله ، أو غير ذلول لا يستعمل إلا بصعوبة ، ونحو ذلك .

وقد جاء في الحديث الذي رواه ابن حبان في "صحيحه" (4032) ، من حديث سعد بن أبي وقاص ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ ، وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ ، وَالْمَسْكَنُ الضِّيقُ ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ ) .

والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (282)

وكذلك الحديث الذي أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2684) ، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( ثَلَاثٌ مِنَ السَّعَادَةِ ، وَثَلَاثٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ ، فَمِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ تَرَاهَا تُعْجِبُكَ ، وَتَغِيبُ فَتَأْمَنُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِكَ ، وَالدَّابَّةُ تَكُونُ وَطِيَّةً فَتُلْحِقُكَ بِأَصْحَابِكَ

وَالدَّارُ تَكُونُ وَاسِعَةً كَثِيرَةَ الْمَرَافِقِ ، وَمِنَ الشَّقَاوَةِ: الْمَرْأَةُ تَرَاهَا فَتَسُوءُكَ ، وَتَحْمِلُ لِسَانَهَا عَلَيْكَ ، وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا لَمْ تَأْمَنْهَا عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِكَ ، وَالدَّابَّةُ تَكُونُ قَطُوفًا ، فَإِنْ ضَرَبْتَهَا أَتْعَبَتْكَ ، وَإِنْ تَرْكَبْهَا لَمْ تُلْحِقْكَ بِأَصْحَابِكَ ، وَالدَّارُ تَكُونُ ضَيِّقَةً قَلِيلَةَ الْمَرَافِقِ ).

والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1047) .

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (7/151)

:" وقد يكون الشؤم هنا على غير المفهوم منه من معنى التطير ، لكن بمعنى قلة الموافقة وسوء الطباع ، كما جاء فى الحديث الآخر:( سعادة ابن آدم فى ثلاثة ، وشقوة ابن آدم فى ثلاثة: فمن سعادته: المرأة الصالحة ، والمسكن الواسع ، والمركب الصالح . ومن شقاوته: المسكن السوء ، والمرأة السوء ، والمركب السوء ) . انتهى

وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (7/2899)

:" الشُّؤْمُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ الَّتِي سَبَبُهَا مَا فِي الْأَشْيَاءِ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ أَوِ الطَّبْعِ ، كَمَا قِيلَ: شُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا ، وَكَذَا شُبْهَةٌ فِي سُكْنَاهَا وَبُعْدِهَا عَنِ الْجَمَاعَةِ بِحَيْثُ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ ، وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ عَدَمُ وِلَادَتِهَا وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا وَغَلَاءُ مَهْرِهَا ، وَنَحْوُهَا مَنْ حَمَلَهَا الزَّوْجُ عَلَى مَا لَا يَلِيقُ بِأَرْبَابِ التَّقْوَى ، وَشُؤْمُ الْفُرْسِ أَنْ لَا يُغْزَى عَلَيْهَا أَوْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا افْتِخَارًا وَخُيَلَاءَ

وَقِيلَ: حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ. كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ كَانَ لِأَحَدِكُمْ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا ، أَوِ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا ، أَوْ فَرَسٌ لَا تُعْجِبُهُ ، فَلْيُفَارِقْهَا بِأَنْ يَنْتَقِلَ عَنِ الدَّارِ ، وَيُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ ، وَيَبِيعَ الْفَرَسَ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ مَا عَدَّهُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكَرَاهَةِ ... وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَغْيِيرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الطِّيَرَةِ الْمَنْهِيَّةِ ، بَلْ جَائِزَةٌ ، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ تَشَبُّهٌ بِالتَّطَيُّرِ ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ". انتهى

القول السادس :

أن الخير والشر بيد الله وحده ، إلا أن الله تعالى قد يجعل بفضله بعض الأعيان مباركة ، فيسعد من قاربها ، ويجعل بحكمته بعض الأعيان مشئومة فيشقى من جاورها ، فأرشده حينئذ بالمفارقة حتى لا يفسد اعتقاده فيظن أن لشيء ما دخل في أقدار الله تعالى .

قال النووي في "شرح مسلم" (14/220)

:" وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَإِنَّ الدَّارَ قَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوِ الْهَلَاكِ ، وَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ ، أَوِ الْفَرَسِ ، أَوِ الْخَادِمِ ، قَدْ يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ". انتهى

وقال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (2/257)

:" فإخباره بالشؤم أَنه يكون فِي هَذِه الثَّلَاثَة لَيْسَ فِيهِ إِثْبَات الطَّيرَة الَّتِي نفاها ، وَإِنَّمَا غَايَته إِن الله سُبْحَانَهُ قد يخلق مِنْهَا أعيانا مشئومة على من قاربها وسكنها ، وأعيانا مباركة لَا يلْحق من قاربها مِنْهَا شُؤْم وَلَا شَرّ ، وَهَذَا كَمَا يعْطى سُبْحَانَهُ الْوَالِدين ولدا مُبَارَكًا يريان الْخَيْر على وَجهه

وَيُعْطى غَيرهمَا ولدا مشئوما نذلا يريان الشَّرّ على وَجهه ، وَكَذَلِكَ مَا يعطاه العَبْد ولَايَة أَو غَيرهَا ، فَكَذَلِك الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفرس ، وَالله سُبْحَانَهُ خَالق الْخَيْر وَالشَّر والسعود والنحوس ، فيخلق بعض هَذِه الْأَعْيَان سعودا مباركة ، وَيقْضى سَعَادَة من قارنها ، وَحُصُول الْيمن لَهُ وَالْبركَة ، ويخلق بعض ذَلِك نحوسا يتنحس بهَا من قارنها ، وكل ذَلِك بِقَضَائِهِ وَقدره ، كَمَا خلق سَائِر الْأَسْبَاب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة

فَكَمَا خلق الْمسك وَغَيره من حَامِل الْأَرْوَاح الطّيبَة ولذذ بهَا من قارنها من النَّاس ، وَخلق ضدها وَجعلهَا سَببا لإيذاء من قارنها من النَّاس ، وَالْفرق بَين هذَيْن النَّوْعَيْنِ يدْرك بالحس ، فَكَذَلِك فِي الديار وَالنِّسَاء وَالْخَيْل ، فَهَذَا لون ، والطيرة الشركية لون آخر ". انتهى

وأما الجواب عن الشق الثاني ، وهو عن العلة في تخصيص المرأة دون الرجل بالذكر في الحديث ؟

فجواب ذلك : أن التخصيص هنا ليس المراد به حصر الوجود في هذه الثلاث ، وإنما هذا حصر عادة ، أي عادة ما يكون الضرر الذي ينغص حياة العبد من هذه الثلاث ، وذلك لطول الملازمة .

قال الخطابي في "أعلام الحديث" (2/1379) :

" وإنما هذه الأشياء محال وظروف جعلت مواقع لأقضيته ، ليس لها بأنفسها وطباعها فعل ولا تأثير في شيء ، إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الناس ، وكان الإنسان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها

وزوجة يعاشرها ، وفرس يرتبطه ، وكان لا يخلو من عارض مكروه في زمانه ودهره ، أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان ومحل ، وهما صادران عن مشيئة الله سبحانه " انتهى .

وقال ابن العربي في "المسالك" (7/539)

:" حصر الشؤم في الدار والمرأة والفرس وذلك حصر عادة لا خلقه ، فإن الشؤم قد يكون بين اثنين في الصحبة ، وقد يكون في السفر ، وقد يكون في الثوب يتخذه العبد ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:( إذا لبس أحدكم ثوبا جديدا فليقل اللهم إنا نسألك من خير ما صنع له ) " انتهى .

وقال القرطبي في "المفهم" (18/104) :

" فإنَّ قيل : فهذا يجري في كل متطير به ، فما وجه خصوصية هذه الثلاثة بالذكر ؟ فالجواب : ما نبَّهنا عليه من أن هذه ضروريَّة في الوجود ، ولا بدَّ للإنسان منها ، ومن ملازمتها غالبًا . فأكثر ما يقع التشاؤم بها ؛ فخصَّها بالذكر لذلك " انتهى .

وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (6/561) :

" وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-:( إن كان الشؤم في شيء فهو في ثلاثة ) ، تحقيق لحصول الشؤم فيها ، وليس نفيًا لحصوله من غيرها كقوله صلى اللَّه عليه وسلم:( إن كان في شيء تتداوون به شفاء ففي شرطة مِحْجم ، أو شربة عسل أو لذعة بنار ، ولا أُحبُّ الكيّ )، ذكره البخاري " انتهى .

وقال الشيخ زكريا الأنصاري في "منحة الباري بشرح صحيح البخاري" (9/7)

:" الحصر في الثلاثة نسبي بالنظر إلى الأعم الأغلب فيما يحتاج إليه لا حقيقي ، وإلا فالشؤم لا يختص بها " انتهى .

وقال الكوراني الشافعي في "الكوثر الجاري" (5/440) :

" فإن قلت: قد تكون هذه الأشياء في غير هذه المذكورات فما وجه الحصر؟ قلت: هذه الأشياء ألزم للإنسان من غيرها ، وضررها أكثر من ضرر غيرها فالحصر إضافي "انتهى.

وختاما : فإن الإجماع منعقد على حرمة التطير بأي شيء ، سواء كان امرأة أو غير ذلك ، ثم كما رأيت فالعلماء مختلفون في توجيه الحديث ، وغاية ما هنالك أنه قد يوافق قدر الله بوقوع المصائب بعض الأعيان ، فحينئذ يشرع للمسلم أن يفارقها ليسلم قلبه من الاعتقاد الفاسد ، ثم ذكر هذه الثلاثة ليس المراد به حصر الوقوع

وإنما هذا ذكر ما جرت به العادة الغالبة ، وعلى هذا فيدخل فيه كل شيء حصل من جراءه مكروه متكرر إما طبعا أو شرعا ، سواء كان رجلا أو امرأة أو بيتا أو صاحبا أو غير ذلك .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-27, 04:20
توبة السر، وتوبة العلانية.

السؤال :

ما صحة هذا الحديث وشرحه : عن معاذ قال : " قلت : يا رسول الله ، أوصني ، فقال : (عليك بتقوى الله ما استطعت ، واذكر الله عند كل حجر وشجر ، وما عملت من سوء فأحدث لله فيه توبة السر بالسر ، والعلانية بالعلانية ) رواه الطبراني ؟

وهل معناه أن من يعمل ذنب في السر يجب أن يتوب في السر؟ وهل تجزىء التوبة في المسجد لمن عمل ذنبا في السر ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى الطبراني في "المعجم الكبير" (331)، وأحمد في "الزهد" (141) عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي، فَقَالَ: ( عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ مَا اسْتَطَعْتَ، وَاذْكُرِ اللهَ عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ وشَجَرٍ، وَمَا عَمِلْتَ مِنْ سُوءٍ فَأَحْدَثْ لِلَّهِ فِيهِ تَوْبَةً: السِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ ).

قال الهيثمي في "المجمع" (10/ 74):

" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ " انتهى .

لكن الصواب فيه : أنه مرسل ، عطاء لم يسمع من معاذ .

ورواه ابن أبي شيبة (35466) ، وهناد في "الزهد" (1072) ، وغيرهما ، من طريق محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن معاذ ، به .

وإسناده حسن ، إلا أن فيه انقطاعا . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وَأَبُو سَلَمَةَ لَمْ يدْرك معَاذًا أَيْضا . لَكِن لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " انتهى، من "الأمالي المطلقة" (132) .

وحسنه الألباني في "الصحيحة" (3320) ، بمجموع طرقه .

وينظر : "الزهد" لهناد بن السري ، حاشية المحقق (520) .

ثانيا :

قوله : (واذكر الله عند كل حجر وشجر) قيل: المراد بالشجر: الحضر، وبالحجر: السفر، أي حاضر أو مسافر.

وقيل: الخصب والجدب.

والأظهر أن المراد به أعم من ذلك وأن المراد جميع الأماكن والأحوال .

(وإذا عملت سيئة فأحدث عندها توبة): تكفرها.

(السر بالسر) قيل: السر فعل القلب، (والعلانيةُ بالعلانية) فعل الجوارح .

ويحتمل أن السر أن يأتي بسيئة لا يطلع عليها أحد ، فتكون توبته منها سرًا، والعلانية ما اطلع عليه الناس ، فيعلن بتوبته ليحمل على السلامة، ويزول ما اعتقده فيه المطلع على قبيح فعله.

ينظر: "التنوير شرح الجامع الصغير" (7/ 277)، "فيض القدير" (4/ 332).

قَالَ الكلاباذي رحمه الله :

" قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ» : قَوْلُ أَدِيبٍ مُتَأَدِّبٍ بِأَدَبِ اللَّهِ تَعَالَى، مُوَافِقٍ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلًا وَفِعْلًا وَخُلُقًا ، لَا يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَتَأَلَّى عَلَيْهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

سَمِعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ، مُنْزِلًا عَلَيْهِ ، مُوحِيًا إِلَيْهِ : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «مَا اسْتَطَعْتَ» : أَيْ عَلَى مِقْدَارِ طَاقَتِكَ، وَمَبْلَغِ قُدْرَتِكَ، فَإِنَّكَ لَنْ تُطِيقَ قَدْرَهُ، وَلَا تَتَّقِيهِ حَقَّ تُقَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُعْبَدُ حَقَّ عِبَادَتِهِ، وَلَا يُطَاقُ إِقَامَةُ حَقِّهِ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ، لَكِنْ عَلَى قَدْرِ الْقُوَّةِ، وَمَبْلَغِ الطَّاقَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ «مَا اسْتَطَعْتَ» : أَيْ بِجَمِيعِ اسْتِطَاعَتِكَ، وَاسْتِفْرَاغِ طَاقَتِكَ ، وَبَذْلِ جُهُودِكَ حَتَّى لَا تُبْقِيَ مِمَّا تَسْتَطِيعُ، وَلَا تَسْتَبْقِيَ مِمَّا تُطِيقُ شَيْئًا إِلَّا بَذَلْتَهُ فِي تَقْوَاهُ ، طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ، وَوَفَاءً بِعَهْدِهِ، مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ ، مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ كَمَا قَالَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] .

وَقَوْلُهُ: «وَاذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ» : أَيْ حَيْثُمَا كُنْتَ مِنْ سَفَرٍ وَحَضَرٍ ؛ فَيَكُونُ الشَّجَرُ إِشَارَةً إِلَى الْحَضَرِ، وَالْحَجَرُ عِبَارَةً عَنِ السَّفَرِ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَالْخَصْبِ وَالْجَدْبِ، وَالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ؛ فَيَكُونُ الشَّجَرُ عِبَارَةً عَنِ الْخَصْبِ ، وَهُوَ حَالُ الرَّخَاءِ وَالسَّرَّاءِ، وَالْحَجَرُ عِبَارَةً عَنِ الْجَدْبِ، وَهُوَ حَالُ الشِّدَّةِ وَالضَّرَّاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا عَمِلْتَ شَرًّا فَأَحْدِثْ لِلَّهِ تَوْبَةً» : أَشَارَ إِلَى ضَعْفِ الْبَشَرِيَّةِ ، وَعَجْزِ الْإِنْسَانِيَّةِ ؛ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّكَ إِنْ تَوَقَّيْتَ بِجَمِيعِ اسْتِطَاعَتِكَ ، فَغَيْرُ سَلِيمٍ مِنْ شَرٍّ تَعْمَلُهُ، وَسُوءٍ تَأْتِيهِ، فَعَلَيْكَ بِالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ، وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ .

وَلَمْ يَقُلْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاكَ : أَنْ تَعْمَلَ سُوءً، أَوِ احْذَرْ أَنْ تَأْتِيَ شَرًّا ، عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَجْرَى قَدَرِ اللَّهِ ، فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزَ عَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ ...

أَخْبَرَ أَنَّ الشَّرَّ الَّذِي يَعْمَلُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، وَفِي حَالَيْنِ : سِرًّا وَجَهْرًا ؛ فَالسِّرُّ : أَفْعَالُ الْقُلُوبِ ، وَالْعَلَانِيَةُ : أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ .

كَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا عَمِلْتَ شَرًّا بِسِرِّكَ ، فَأَحْدِثْ تَوْبَةً بِسِرِّكَ .

وَإِذَا عَمِلْتَ شَرًّا بِجَوَارِحِكَ ، فَأَحْدِثْ تَوْبَةً بِجَوَارِحِكَ .

فَأَفْعَالُ السِّرِّ ، مِنَ الذُّنُوبِ ، فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ [ منها ] : طَمَعٌ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَمَخَافَةٌ مِنْهُ ، وَرَجَاءٌ إِلَيْهِ وَمُعَادَاةُ أَوْلِيَائِهِ، وَمُوَالَاةُ أَعْدَائِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] .

وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِ اللَّهِ : حَسَدٌ لِمُؤْمِنٍ، وَتُهْمَةٌ لِبَرِيءٍ، وَبَغْيٌ عَلَى مُسْلِمٍ، وَحِقْدٌ يُضْمِرُهُ، وَسُوءٌ يُرِيدُهُ بِهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ =

فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْدِثَ تَوْبَةً مِنْهَا بِسِرِّهِ ، بِاكْتِسَابِ مَا يُزِيلُهَا ، وَيُثَبِّتُ أَضْدَادَهَا؛ لِأَنَّ سَائِرَ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ ، مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَزْوٍ وَأَمْثَالِهَا : لَا يُجْدِي عَلَيْهِ كَثِيرُ نَفْعٍ مِنْهَا ، مَعَ فَسَادِ السِّرِّ وَنَجَاسَةِ الْقَلْبِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ لَا يَكَادُ يُطَهِّرُهَا بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ.

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَكَمُ لِأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ رَحِمَهُ اللَّهُ:

إِنَّ الْجَرَائِمَ أَقْفَلَتْ بَابَ الْهُدَى ...
فَالْعِلْمُ لَيْسَ بِفَاتِحٍ أَقْفَالِهَا

إِنَّ الْقُلُوبَ تَنَجَّسَتْ بِبَطَالَةٍ ...
فَالسَّعْيُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ أَفْعَالَهَا

وَذُنُوبُ الْعَلَانِيَةِ ، فِيمَا بَيْنَ اللَّهِ وَالْعَبْدِ : تَرْكُ مَا أَمَرَ بِهِ، وَارْتِكَابُ مَا نَهَى عَنْهُ ، مِنْ تَضْيِيعِ فَرْضٍ وَإِضَاعَةِ حَقٍّ، وَمُجَاوَزَةِ حَدٍّ، وَقُصُورٍ عَنْهُ.

وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى: الْمَظَالِمُ ، وَالْجِنَايَاتُ ، قَوْلًا وَفِعْلًا .

وَتَوْبَةُ الْعَبْدِ مِنْهَا : عَلَانِيَةٌ ؛ مِنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ ، وَالِاسْتِحْلَالِ مِنْ أَرْبَابِهَا ...

وَقَضَاءِ مَا فَاتَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ ، مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ .

وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ ، وَإِخْرَاجِ مَا حَصَّلَ مِنْ مَالٍ أَوْ مَتَاعٍ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدُّوا الْخَائِطَ وَالْمِخْيَطَ» .

[ رواه مالك ، مرسلا، وينظر: "التمهيد" (3/398)].

لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ نَدَمُهُ بِسِرِّهِ عَلَى مَا مَضَى ، مَعَ إِقَامَتِهِ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْوَقْتِ .

وَتَوْبَتُهُ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَظَالِمِ بِسِرِّهِ ، مَعَ تَمَسُّكِهِ بِمَا فِي يَدَيْهِ.

رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: ( إِذَا قَالَ الْمُلَبِّي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَعِنْدَهُ مَالٌ حَرَامٌ قِيلَ لَهُ: لَا لَبَّيْكَ، وَلَا سَعْدَيْكَ حَتَّى تَرُدَّ مَا فِي يَدَيْكَ ) . [ ضعفه الألباني في "الضعيفة" (1091) ] .

لِذَلِكَ قَالَ : السِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ " .

"معاني الأخبار" ، للكلاباذي (363، 366) .

*عبدالرحمن*
2018-06-27, 04:25
ثالثا :

يستفاد من أدب هذا الحديث:

الحث على تقوى الله على قدر الاستطاعة ، كما قال تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/ 16، وذكر الله في كل حين وحال ، على قدر الاستطاعة والتمكن ، والمبادرة بالتوبة وعدم التسويف فيها ، فما كان من ذنب أسر به العبد فإنه يتوب إلى الله فيما بينه وبينه ، ويكثر من الندم والاستغفار والعمل الصالح .

وأما ما جهر به فإنه يتوب منه علانية ، ويعلن التوبة أمام الناس ، حتى لا يسيؤوا به الظن بما أسلف ، ولئلا يقتدي به أحد في ذنبه الذي فعله فيكون عليه من وزره، وليظهر في الناس أثر التوبة ، ويكون ذلك دافعا لغيره إلى المبادرة بها وعدم التسويف فيها، وعدم الإصرار على الذنب.

قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/ 159، 160

قال القرطبي رحمه الله :

" وَلَا يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا قَوْلُ الْقَائِلِ: قَدْ تُبْتُ، حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ فِي الثَّانِي خِلَافُ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ مُظْهِرًا شَرَائِعَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي ظَهَرَ مِنْهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَجَانَبَ أَهْلَ الْفَسَادِ وَالْأَحْوَالَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ جَانَبَهُمْ وَخَالَطَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهَكَذَا يَظْهَرُ عَكْسَ مَا كَانَ عَلَيْهِ "

انتهى ، من "تفسير القرطبي" (2/ 187)

ويشرع لمن أذنب ثم تاب أن يتوضأ ويصلي صلاة التوبة .

ينظر السؤال رقم : (98030).

ومن أذنب في السر فتاب فيما بينه وبين ربه ، سواء في بيته أو في المسجد أو في أي مكان ، وأصلح بعد التوبة واستقام : تاب الله عليه .

وروى مسلم (654) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً ".

والله تعالى أعلم.

على المسلم أن يبادر بالتوبة إلى الله مما فعله من الذنوب: السر بالسر ، والعلانية بالعلانية .

*عبدالرحمن*
2018-06-27, 04:26
صلاة التوبة

السؤال

كيف تصلى صلاة التوبة ؟

وكم ركعة هي ؟

وهل يمكن أن أصليها بعد صلاة العصر ؟

الجواب

الحمد لله

فإنّ من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن فتح لها باب التوبة ، فلا تنقطع حتى تبلغ الروح الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها .

ومن رحمته تعالى بهذه الأمة كذلك أن شرع لهم عبادة من أفضل العبادات ، يتوسل بها العبد المذنب إلى ربه ، رجاء قبول توبته ، وهي "صلاة التوبة" وهذه بعض المسائل المتعلقة بهذه الصلاة .

1- مشروعية صلاة التوبة

أجمع أهل العلم على مشروعية صلاة التوبة ، روى أبو داود (1521) عن أبي بَكْرٍ الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ") . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى أحمد (26998)

عن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا (شك أحد الرواة) يُحْسِنُ فِيهِمَا الذِّكْرَ وَالْخُشُوعَ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، غَفَرَ لَهُ ) قال محققو المسند : إسناده حسن . وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3398) .

2- سبب صلاة التوبة

سبب صلاة التوبة هو وقوع المسلمِ في معصية سواء كانت كبيرة أو صغيرة ، فيجب عليه أن يتوب منها فوراً ، ويندب له أن يصلي هاتين الركعتين، فيعمل عند توبته عملاً صالحاً من أجل القربات وأفضلها ، وهو هذه الصلاة ، فيتوسل بها إلى الله تعالى رجاء أن تقبل توبته ، وأن يغفر ذنبه .

3- وقـت صلاة التوبة

يستحب أداء هذه الصلاة عند عزم المسلم على التوبة من الذنب الذي اقترفه ، سواء كانت هذه التوبة بعد فعله للمعصية مباشرة ، أو متأخرة عنه ، فالواجب على المذنب المبادرة إلى التوبة ، لكن إن سوّف وأخّرها قبلت ، لأن التوبة تقبل ما لم يحدث أحد الموانع الآتية :

1- إذا بلغت الروح الحلقوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي (3537) .

2- إذا طلعت الشمس من مغربها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) رواه مسلم (2703) .

وهذه الصلاة تشرع في جميع الأوقات بما في ذلك أوقات النهي ( مثل : بعد صلاة العصر ) لأنها من الصلوات التي لها سبب ، فتشرع عند وجود سببها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"ذوات الأسباب كلها تفوت إذا أخرت عن وقت النهي، مثل سجود التلاوة، وتحية المسجد، وصلاة الكسوف، ومثل الصلاة عقب الطهارة، كما في حديث بلال، وكذلك صلاة الاستخارة، إذا كان الذي يستخير له يفوت إذا أخرت الصلاة، وكذلك صلاة التوبة، فإذا أذنب فالتوبة واجبة على الفور، وهو مندوب إلى أن يصلي ركعتين، ثم يتوب، كما في حديث أبي بكر الصديق"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/215) .

4- صفة صلاة التوبة

صلاة التوبة ركعتان، كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه .

ويشرع للتائب أن يصليها منفرداً ، لأنها من النوافل التي لا تشرع لها صلاة الجماعة ، ويندب له بعدها أن يستغفر الله تعالى ، لحديث أبي بكر رضي الله عنه .

ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستحب تخصيص هاتين الركعتين بقراءة معينة ، فيقرأ المصلي فيهما ما شاء .

ويستحب للتائب مع هذه الصلاة أن يجتهد في عمل الصالحات ، لقول الله تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طـه/82 .

ومن أفضل الأعمال الصالحة التي يفعلها التائب : الصدقة ، فإن الصدقة من أعظم الأسباب التي تكفر الذنب ، قال الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ) .

وثبت عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال لما تاب الله عليه: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله: ( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك )، قال: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر . متفق عليه .

والخلاصة :

1- ثبوت هذه الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

2- أنها تشرع عند توبة المسلم من أي ذنب، سواء كان من الكبائر أم من الصغائر، وسواء كانت هذه التوبة بعد اقتراف المعصية مباشرة، أم بعد مضي زمن.

3- أن هذه الصلاة تؤدى في جميع الأوقات، بما في ذلك أوقات النهي.

4- أنه يستحب للتائب مع هذه الصلاة فعل بعض القربات، كالصدقة وغيرها .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

*عبدالرحمن*
2018-06-27, 04:33
الجواب على استشكال في سياق حديث الشفاعة العظمى

السؤال

: أريد أن أسأل عن حديث الشفاعة العظمى، وسؤالي هو: إن مطلع الحديث كان في يوم المحشر، والناس يذهبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستشفعوه في بدئ الحساب ، فيقول له الله : اخرج من النار من كانت صفته كذا

ومعلوم أن إخراج الموحدين من النار يكون بعد الحساب وليس في يوم المحشر، من ناحية أخرى ، الناس طلبوا منه الشفاعة ببدء الحساب ، بينما هو لم يدع بذلك بل قال : أمتي، وليس في النص ذكر أن الله أمر ببدء الحساب، ثالثا: ظاهر الحديث أن كل الناس طلبوا ذلك منه، بينما هو لما دعى قال: يا رب أمتي، ولم يدع للباقي ، آمل التوضيح .

الجواب :

الحمد لله

الحديث المقصود هو ما رواه مَعْبَدُ بْنُ هِلاَلٍ العَنَزِيُّ، قَالَ: " اجْتَمَعْنَا ، نَاسٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ ، فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ البُنَانِيِّ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ ، فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّي الضُّحَى

فَاسْتَأْذَنَّا، فَأَذِنَ لَنَا وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا لِثَابِتٍ: لاَ تَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ هَؤُلاَءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ جَاءُوكَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ،

فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ

فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ ، وَكَلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِي الآنَ

فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ... )

رواه البخاري (7510) ، ومسلم (193).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلَا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ .

.. فَيَأْتُونِّي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ! أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ، وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأَنْطَلِقُ، فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ

شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! أَدْخِلْ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَاب الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ... )

رواه مسلم (194).

وهذا الحديث قد استشكله أهل العلم.

قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى:

" والعجب كل العجب، من إيراد الأئمة لهذا الحديث من أكثر طرقه، لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى، في مأتى الرب سبحانه وتعالى لفصل القضاء، كما ورد هذا في حديث الصور، فإنه المقصود في هذا المقام، ومقتضى سياق أول الحديث، فإن الناس إنما يستشفعون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء

في أن يفصل بين الناس ، ويستريحوا من مقامهم، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه، فإذا وصلوا إلى الجزاء ، إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة ، وإخراجهم من النار "

انتهى من "شرح الطحاوية" (ص 231).

وجاء في "عمدة القاري" للعيني (25 / 166):

" وأول هذا الحديث ليس متصلا بآخره، وإنما أتى فيه بأول الأمر وآخره ، وفيما بينهما ليذهب كل أمة من كان يعبد، وحديث: يؤتى بجهنم، وحديث ذكر الموازين والصراط وتناثر الصحف ، والخصام بين يدي الرب جل جلاله، وأكثر أمور يوم القيامة هي فيما بين أول هذا الحديث وآخره " انتهى.

وقد تتابع أهل العلم على معالجة هذا الإشكال؛ والذي يتلخص من ذلك:

أن الرواة قد يختصرون الحديث لمناسبة ما، وهذا تصرف مشهور عند السلف رضوان الله عليهم أجمعين.

ففي هذا الحديث اختصار ، واقتصار على ذكر الشفاعة المتعلقة بهذه الأمة، إما:

لأن الشفاعة في تعجيل الحساب مفهوم حصولها من سياق الحديث، فانتقل إلى ذكر نوع الشفاعة التي تحتاج إلى بيان.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" وقوله : ( فأقول يا ربِّ أمتي أمتي، فيقال. يا محمدُ، أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه )، هذا يدل على أنه شُفِّع فيما طلبه من تعجيل حساب أهل الموقفِ، فإنه لما أُمِر بإدخال من لا حساب عليه من أمته، فقد شُرِع في حساب من عليه حِساب من أمته وغيرهم "

انتهى من"المفهم" (1 / 437).

وإمّا أن يكون قد اقتصروا على الشفاعة لعصاة هذه الأمة ، لأنها كانت محل الخلاف بين أهل السنة والمبتدعة.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار، وكأن مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث : هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة، الذين ينكرون خروج أحد من النار بعد دخولها، فيذكرون هذا القدر من الحديث ، الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث "

انتهى من "البداية والنهاية" (19 / 420).

ومما يدل على وقوع هذا الاختصار أنه قد جاءت أحاديث أخر تبيّن ذلك وتوضحه:

ومن ذلك ما جاء في حديث حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ )

وَقَالَ: ( إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .

وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ: ( فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ البَابِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا، يَحْمَدُهُ أَهْلُ الجَمْعِ كُلُّهُمْ )

رواه البخاري (1474 ، 1475).

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

" وجاء في حديث أنس ، وحديث أبى هريرة : ابتداء النبي صلى الله عليه وسلّم بعد سجوده وحمده والإذن له في الشفاعة بقوله: ( أمتي، أمتي ) .

وجاء في حديث حذيفة بعد هذا ، وذكر الحديث نفسه فقال: ( فيأتون محمداً فيقوم، ويؤذن له، وتُرسل الأمانةُ والرحم، فيقومان جَنْبَتي الصراط ، يميناً وشمالاً، فيمُر أولهم كالبرق ) . وساق الحديث .

وبهذا يتصل الحديث؛ لأن هذه هي الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها، وهى الإراحةُ من الموقف ، والفصل بين العباد .

ثم بعد ذلك حلت الشفاعة في أمته ، وفى المذنبين، وحلت شفاعةُ الأنبياء وغيرهم ، والملائكة ، كما جاء في الأحاديث الأخر، وجاء فى الأحاديث المتقدمة فى الرؤية، وحشرِ الناس، واتّباع كل أمة ما كانت تعبُد، ثم تمييز المؤمنين من المنافقين ، ثم حلول الشفاعة

ووضع الصراط . فيحتمل : أن الأمر باتباع الأُمم ما كانت تعبُد هو أول الفصل ، والإراحَة من هول الموقف أول المقام المحمود . وأن الشفاعة التي ذكر حلولها هي الشفاعة في المذنبين على الصراط ، وهو ظاهر الأحاديث، واْنها لمحمد نبينا وغيره كما نص فى الأحاديث ، ثم ذكر بعدها الشفاعة فيمن دخل النار .

وبهذا تجتمع متون الأحاديث، وتترتب معانيها، ولا تتنافر ولا تختلف، إن شاء الله تعالى "

انتهى من "اكمال المعلم" (1 / 578).

والله أعلم.


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-06-30, 14:58
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

يخلق الله خلقا يتنعم بما يفضل من الجنة

السؤال :

وجدت هذا الحديث أنّ الله يخلق خلقاً آخر، فما هو هذا الخلق الجديد ؟

فقد ذكر أنس أن رسول الله قال : ( يبقى من الجنة ما شاء الله أن يبقى ، ثم ينشئ الله تعالى لها خلقا مما يشاء) ؟

الجواب :

الحمد لله

هذا الحديث متفق على صحته.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ ) .

رواه البخاري (7384) ومسلم (2848) واللفظ له.

ولم يبين الله عز وجل لنا في كتابه ، ولا ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم لنا في سنته : حقيقة هذا الخلق ، وما هو ؟

ولا يترتب على معرفة ذلك : فضيلة في علم أو عمل ، ولا في الجهل به ضياع فريضة ... ولا نافلة ...

وأدب الله لنا ، في ذلك ونحوه : ألا نتكلف ما لا علم لنا به ، ولا وضع لنا السبيل إليه .

قال الله تعالى : (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) ص/86

وروى البخاري (7293) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: «نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ» .

وعَنْ أَبي ثَعلَبَةَ الخُشَنيِّ - رضي الله عنه -، عَن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: ( إنَّ الله فَرَضَ فرائِضَ، فَلا تُضَيِّعُوها، وحَدَّ حُدُوداً فلا تَعْتَدوها، وحَرَّمَ أَشْياءَ، فلا تَنتهكوها، وسَكَتَ عنْ أشياءَ رَحْمةً لكُم غَيْرَ نِسيانٍ، فلا تَبحَثوا عَنْها ) .

قال النووي : حديثٌ حسنٌ، رواه الدَّارقطنيُّ وغيرُهُ.

قال الإمام أبو بكر بن السَّمعاني رحمه الله :

" هذا الحديثُ أصلٌ كبيرٌ من أصولِ الدِّين .

قال: وحُكي عن بعضهم أنّه قال: ليس في أحاديث رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ واحدٌ أجمع بانفراده لأصولِ العلم وفروعه من حديث أبي ثعلبة .

قال: وحُكي عن أبي واثلة المزني أنَّه قال: جَمَعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الدِّين في أربعِ كلماتٍ، ثم ذكر حديثَ أبي ثعلبة.

قال ابنُ السَّمعاني: فمن عمِلَ بهذا الحديث، فقد حاز الثَّواب، وأمِنَ العقابَ؛ لأنَّ من أدَّى الفرائضَ، واجتنب المحارم، ووقف عندَ الحدودِ، وترك البحث عمَّا غاب عنه، فقد استوفى أقسامَ الفضل، وأوفى حقوق الدِّين؛ لأنَّ الشرائع لا تخرُج عَنْ هذه الأنواع المذكورة في هذا الحديث.

انتهى." من "جامع العلوم والحكم" (2/819) .


والخلاصة :

أن حقيقة هذا الخلق هي من أمور الغيب التي لم يبينها الله لنا ، ولذلك لم نجد من أهل العلم من تكلف البحث فيه ، وحسبنا هذا أدبا أن نقف عند هذا الحد ، ولتكن همتنا في تعلم ما شرعه الله لنا ، والجد في الأخذ به .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-30, 15:05
عدة استفسارات حول الأمر النبوي بتخمير الآنية خشية الوباء

السؤال

: لدي عدة أسئلة حول حديث: (غطوا اﻹناء وأوكئوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، ﻻ يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إﻻ نزل فيه من ذلك الوباء)

1-هل إذا نسيت تغطيته وكان فيه طعاما أو شرابا أسكبه، وإذا خفت منه بسبب الحديث فهل يحل لي سكبه؟

2-هل الحديث على اﻷماكن المكشوفة أو تشمل البيوت يعني هل يعتبر سقف البيت غطاء، أو إغلاق الدوﻻب، أو إغلاق الفرن هل هو كاف؟

3-هل اﻹناء الفارغ يشمله الحكم ويجب غسله إن ترك مشكوفا ، أم ما فيه طعام أو شراب فقط؟

4-أثناء تناول الطعام تكون اﻵنية مكشوفة فما الضابط في هذا مأجورين؟

وفقكم الله وبارك فيكم

الجواب

الحمد لله

أولا:

قد صحّ الأمر بتغطية الآنية في الليل، حماية لها من وباء قد يحل بها.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ )

رواه مسلم (2014) .

قال أبو العباس القرطبي ، رحمه الله ، في "المفهم شرح صحيح مسلم" :

" قوله : ( غطُّوا الإناء ، وأوكُوا السقاء ) ؛ جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية ، كقوله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم }. وليس الأمر الذي قُصِد به الإيجاب ، وغايته أن يكون من باب الندب ، بل قد جعله كثير من الأصوليين قسمًا منفردًا بنفسه عن الوجوب والندب ." انتهى.

وقال النووي رحمه الله :

" وذكر العلماءُ للأمرِ بالتَّغطيةِ فوائد، منها الفائدتان اللتان وردتا في هذه الأحاديث، وهما: صيانته مِن الشَّيطان؛ فإن الشَّيطان لا يكشف غطاءً، ولا يحلُّ سقاء، وصيانتُه من الوباء الذي ينزل في ليلةٍ من السَّنة. والفائدة الثالثة: صيانته من النجاسة والمقذرات.

والرابعة: صيانته من الحشرات والهوام، فربما وقع شيءٌ منها فيه، فشربَه وهو غافل، أو في الليل؛ فيتضرر به. والله أعلم."

انتهى، من "شرح مسلم" (13/265) .

ثانيا:

إذا نسي المسلم الإناء بدون غطاء، فإنه يستعمل ما فيه من طعام أو شراب ولا يرميه، وهذا ما يشير إليه حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: ( كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا نَسْقِيكَ نَبِيذًا؟
فَقَالَ: بَلَى.

قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ يَسْعَى، فَجَاءَ بِقَدَحٍ فِيهِ نَبِيذٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَّا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُودًا!

قَالَ: فَشَرِبَ ) رواه مسلم (2011).

وقال أبو العبّاس القرطبي رحمه الله تعالى:

" وشربه صلى الله عليه وسلم من الإناء الذي لم يُخَمَّر دليل على أن ما بات غير مخمَّر، ولا مُغطَّى أنه لا يحرم شربه، ولا يكره "

انتهى، من "المفهم" (5 / 284).

ولأن السنة لم تأمر إلا بتغطية الأواني.

قال أبو داود رحمه الله تعالى :

" قلت لأحمد: الماء المكشوف يتوضأ منه؟

قال: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطى -يعني: الإناء- لم يقل: لا يتوضأ به "

انتهى، من " مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني" (ص 9).

فالذي ينبغي للمسلم أن يتوكل على الله تعالى ، ويتناول ما في الإناء، ولا يرميه لأجل الشك . وينبغي أيضا أن يواظب على أدعية الصباح والمساء فهي حصن له من كل ما يضر في الدين والدنيا؛ ومن ذلك:

عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ )

رواه الترمذي (3388) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ"، ورواه أبو داود (5088).

ثالثا:

الأمر ( غَطُّوا الْإِنَاءَ )، الإناء هنا قد جاء مفسرا في روايات أخرى بأن المقصود منه ما فيه من الطعام والشراب.
عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَطْفِئُوا المَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ - وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرُضُهُ عَلَيْهِ )

رواه البخاري (5624).

لكن ورد في لفظ لمسلم: ( لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ ) ؛ وهذا قد يشمل – بظاهره - : الإناء الفارغ ، أيضا .

قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:

" يظهر أن المرادَ من تخمير الإناء : أن فيه شيئاً .

ويشهد له : روايةُ همَّام وعطاء، عن جابر في حديث ذكره: ( خمِّروا الطعامَ والشرابَ )، قال همَّام: وأحسَبُه: ( ولو بعود )، أخرجه البخاري.

ويليق بالظاهرية أن لا يخصوه بذلك، إذ ليس في لفظ هذا الحديث تخصيصٌ بإناءٍ فيه شيء. وليس هذا، ولا بدَّ، من مُشَنَّعات الظاهرية، فإنه سيأتي التعليلُ بنزول وَباءٍ في ليلة في السنة، وأنه لا يمر بإناءٍ ليس عليه غطاءٌ، أو سقاءٍ ليس عليه وكاءٌ، إلا نزل فيه من ذلك الوَباء .

فإذا كان هذا هو العلة فلا يختص ذلك بإناء فيه شيء، فقد يكون نزولُ الوباء في الإناء الفارغ مُضِرًّا عند استعمال شيء يكون بعد ذلك فيه ..."

انتهى، من "شرح الإلمام" (2 / 581).

وقد رود حديث جابر عند مسلم أيضا (2012)

بلفظ : (جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّهُ، قَالَ: «وَأَكْفِئُوا الْإِنَاءَ، أَوْ خَمِّرُوا الْإِنَاءَ» .

قال الباجي رحمه الله : " وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكْفِئُوا الْإِنَاءَ مَعْنَاهُ اقْلِبُوهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خَمِّرُوا الْإِنَاءَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنْ الرَّاوِي .

وَالْأَظْهَرُ : أَنَّهُ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَكْفِئُوهُ إنْ كَانَ فَارِغًا، أَوْ خَمِّرُوهُ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الشَّيْطَانَ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِمَّا فِي الْمَمْلُوءِ أَوْ يَتْبَعَ شَيْئًا مِمَّا فِي الْفَارِغِ مِنْ بَقِيَّةٍ، أَوْ رَائِحَةٍ."

انتهى، من "المنتقى شرح الموطأ" (7/241) .

وعلى كل حال : فالأحوط في الإناء الفارغ أن يغطى ، ولا مشقة في ذلك .

ولو ترك مكشوفا ، من غير غطاء ، فغسله أحسن ، إن أمكن .

وإذا لم يفعل شيئا من ذلك ، فقد سبق أنه لا يحرم الانتفاع بما يوضع فيه بعد ذلك من طعام أو شراب ، بل ولا يكره أيضا .

رابعا:

كون إناء الطعام والشراب في بيت مغلق؛ فإن ذلك لا يكفي كما أشارت إلى ذلك السنة، فإن من شأن الآنية ، وما فيها من الطعام والشراب : أن يكون في بيت له سقف وباب ، ولا يكون في الشارع ، أو المكان العراء .

وقد جاء الأمر بتغطية الآنية مع غلق الباب في نص واحد ، مما يدل على أن غلق الباب وحده لا يكفي.

عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا، وَيَذْكُرَ اسْمَ اللهِ، فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ )

رواه مسلم (2012).

وأما حفظ الطعام والشراب في الدواليب المخصصة لهما أو في الثلاجات، فهذا في عرف الناس يحفظ الطعام من أن يلحقه أذى، ونرجو أن يكون ذلك كافيا في إصابة الأدب النبوي في ذلك .

ولو احتاط المرء ، فوضع على الإناء غطاءه الخاص ، ولو كان في الثلاجة أو الدولاب ، فهو أحسن وأسلم ، على كل حال .

خامسا:

لا تخمّر الآنية أثناء الأكل والشرب؛ لأن ذلك غير ممكن عادة ، ولم تأت به السنة أصلا ، ولا يعمل الناس بمثل ذلك ؛ فهو إلى التنطع والتكلف أقرب منه إلى إصابة السنة .

قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:

" كل واحد من الاحترازين؛ أعني: الديني والدنيوي : المحمودُ منه : مقدار معلوم، متى جاوزه الإنسانُ : خرج في حيّز الذم .

فالاحتراز في الطهارات : يُحْمد منه الورع .

والإفراط في ذلك يخرج إلى حد الوسوسة والغلوّ في الدين .

وكذلك الاحتراز عن المؤذيات الدنيوية : يُخرِج إفراطُه إلى ضعف التّوكّل ، وشدة الإغراق في التعلُّق بالأسباب، وهو مذموم، و( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ).

والفرق بين الموضعين دقيق عسِرُ العلم، وله طريق ونظر طويل يتعلق بباب التوكل "

انتهى، من "شرح الإلمام" (2 / 585 - 586).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-06-30, 15:10
يسأل عن قول (سبحان الله عدد خلقه ورضا نفسه) وعن معنى "نفسه" ؟

السؤال :

فيما يتعلّق بالتسبيح بهذه الكلمات ( سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته).

1) أريد فهم الكلمة( نفسه) التي استخدمت فيه، معناها الحقيقيّ.

2) وأيضاً إذا كان في أيّ ادعيةٍ أخرى نفس الكلمة استخدم الله الذي هو (الحي القيّوم) وأيضاً إذا كان الله استخدم هذه الكلمة لنفسه. ارتباكي هو ( نفس) والتي عادةً ما تشير إلى النفس. ولا سيما الجنّ والإنس وهذا هو السبب في أنّ الله قال في القرآن( كل نفسٍ ذائقة الموت).

3) بالتالي هل هو صحيحٌ أن نقول هذا التسبيح؟

الجواب :

الحمد لله

لفظة " النفْس " ثابتة لله تعالى في كتابه الكريم وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، ولذا فلا يسع المسلم إلا إثباتها .

ومعنى النفس في الآيات والأحاديث = ذاته تعالى المقدَّسة ، وليست صفة من صفات الله تعالى كالسمع والبصر .

قال تعالى ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ) آل عمران/ 28 .

وقال تعالى - إخباراً عن عيسى عليه السلام أنه قال : ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) المائدة/ 116 .

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يرويه عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ) .

وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عند أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: (مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟) قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ)

رواه مسلم (2726) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

" ونفسه هي ذاته المقدَّسة "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (14/196) .

والمراد بالنفس: ذاته سبحانه المقدسة ، الموصوفة بالصفات الثابتة له ؛ وليس المراد بالنفس ذاتاً مجردة عن الصفات ، ولا أنها صفة مستقلة قائمة بالذات .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :" فهذه المواضع المراد فيها بلفظ (النفس) عند جمهور العلماء : الله نفسه التي هي ذاته المتصفة بصفاته ، ليس المراد بها ذاتاً منفكة عن الصفات ، ولا المراد بها صفة للذات .

وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات ، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات؛ وكلا القولين خطأ"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (9/292) .

وما دام أن الحديث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على المسلم قبوله ، مسلّما ؛ وينبغي عليه : الحرص على الإتيان بهذا الذكر العظيم ، لينال فضيلته وبركته .

ولا يشكل على ذلك قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ، فهي تعني أن كل نفس ستموت إلا الحي القيوم ذو الحياة الكاملة المطلقة سبحانه وتعالى الذي قال عن نفسه : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) فهو الباقي وغيره فانٍ ؛ قال الله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) الرحمن /26-27

وروى مسلم في صحيحه (2717) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ» .

وهذا واضح غاية الوضوح والحمد لله ، فاصرفي قلبك وخاطرك وفكرك عن تلك الوساوس ، وتعوذي بالله من الشيطان الرجيم ، وأقبلي على ذكر ربك ، وتلاوة كتابه العزيز .

والله أعلم .

لفظة " النفْس " ثابتة لله تعالى في كتابه الكريم وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، ولذا فلا يسع المسلم إلا إثباتها .

ومعنى النفس في الآيات والأحاديث = ذاته تعالى المقدَّسة ، وليست صفة من صفات الله تعالى كالسمع والبصر
.
​وما دام أن الحديث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على المسلم قبوله ، مسلّما ؛ وينبغي عليه : الحرص على الإتيان بهذا الذكر العظيم ، لينال فضيلته وبركته .

*عبدالرحمن*
2018-06-30, 15:15
هل نثبت لله تعالى صفة " النَّفْس " ؟ وما معناها ؟

السؤال:

يقول الله تعالى ( ويحذركم الله نفسه ) ويقول ( واصطنعتك لنفسي ) .

السؤال : هل لله تعالى - عما يصفون - " نفس " ؟

أنا أعلم أن الله ( ليس كمثله شيء ) وأعتقد أنه وإن كان له نفس فهي ليست كالنفس البشرية قطعاً ، ولكن كيف يستقيم أن يكون لله تعالى نفس وهو القائل ( كل نفس ذائقة الموت ) ؟

مع عميق اعتقادي بأن الله حي لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم . أرجو الإيضاح ، جزاكم الله كل خير .

الجواب :

الحمد لله

الواجب على المسلم في باب الأسماء والصفات أن يثبتَ ما أثبته الله تعالى لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمسلم يعتقد اعتقاداً جازماً أنه تعالى ( ليس كمثله شيء ) فما يثبته المسلم لربه تعالى من الصفات لا يماثل صفات المخلوقات .

ولفظة " النفْس " ثابتة لله تعالى في كتابه الكريم وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، ولذا فلا يسع المسلم إلا إثباتها :

1. قال تعالى ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ) آل عمران/ 28 .

2. وقال تعالى - إخباراً عن عيسى عليه السلام أنه قال ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) المائدة/ 116 .

3. وقال تعالى ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) الأنعام/ 54 .

4. وعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يرويه عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ) .

رواه مسلم ( 2577 ) .

5. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِي ) .

رواه البخاري ( 7405 ) ومسلم ( 2675 ) .

و" النَّفس " في الآيات والأحاديث السابقة ليست ذاتاً منفكة عن الصفات ، وليست صفة من صفات الله تعالى كالسمع والبصر ، بل معناها في تلك الآيات والأحاديث : ذاته تعالى المقدَّسة ، وهي لفظة أولى بالاستعمال من لفظة " الذات " ، خلافاً لمن عدَّ " النفس " من صفات الله تعالى المتصفة بها ذاته ، من السلف ، الإمام ابن خزيمة وغيره .

مع مراعاة أن من اعتبرها صفة مستقلة ، قد نصَّ على أنها ليست كنفس المخلوقين وأنه تعالى ليس كمثله شيء ، كما هي قاعدة أهل السنة في باب الأسماء والصفات .

لكنَّ الأظهر في ذلك أن" النفس " هي ذات الله تعالى المقدَّسة ، كما قررناه .

1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " ونفسه هي ذاته المقدَّسة " .

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 14 / 196 ، 197 ) .

2. وقال – رحمه الله -

: " ويراد بنفس الشيء : ذاته وعينه ، كما يقال " رأيتُ زيداً نفسَه وعينَه " ، وقد قال تعالى ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) وَقَالَ ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) وَقَالَ تَعَالَى ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) وفي الحديث الصحيح أنه قَالَ لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : ( لَقَدْ قُلْت بَعْدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَّ بِمَا قلتيه لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ )

وفي الحديث الصحيح الإلهي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ) فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء " اللَّهُ نَفْسُهُ " التي هي ذاته المتصفة بصفاته

ليس المراد بها ذاتاً منفكة عن الصفات ، ولا المراد بها صفة للذات ، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات ، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات ، وكلا القولين خطأ " .

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 9 / 292 ، 293 ) .

3. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –

في فوائد حديث أبي ذر القدسي ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ) - : " 7. إطلاق النفس على الذات لقوله ( عَلَى نَفْسِيْ ) والمراد بنفسه : ذاته عزّ وجل ، كما قال تعالى ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) آل عمران/ 28 ، وليس النفس صفة كسائر الصفات كالسمع والعلم والقدرة ، فالنفس يعني : الذات ، فقوله ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) يعني

: ذاته ، وقوله هنا ( عَلَى نَفْسِي ) يعني : على ذاتي ، وكلمة " النفس " أصوب من كلمة " ذات " لكن شاع بين الناس إطلاق " الذات " دون إطلاق " النفس " ، ولكن الأصل العربي : " النفس " "

انتهى من " شرح الأربعين النووية " ( ص 228 ) – الشاملة - .

ونرجو بذلك أن يكون زال الإشكال الذي علق بذهنك – أخي السائل – ونسأل الله تعالى أن يبصرنا وإياك بالحق وأن يرزقنا اتباعه .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-06-30, 15:24
حكم السفر إلى البادية لأجل الإقامة الدائمة فيها

السؤال

: أود معرفة حكم الهجرة من المدينة إلى البادية بغرض الإستقرار الدائم بدون عذر شرعي ؛ لأني سمعت أن الهجرة بدون عذر للبادية من الحضر في ديار الإسلام من الكبائر.

الجواب :

الحمد لله

أولا:

السفر إلى البادية للإقامة فيها بشكل دائم، هو تصرف مذموم شرعا.

فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ سَكَنَ البَادِيَةَ جَفَا)

رواه الترمذي (2256) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ "

ورواه أبو داود (2859 )

والنسائي (4309)

وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (2256).

قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى:

" ( مَنْ سَكَنَ البَادِيَةَ جَفَا )؛ أي جهل، قال تعالى: ( الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ).

وقال القاضي: جفا الرجل إذا غلظ قلبه وقسا، ولم يرق لبر وصلة رحم، وهو الغالب على سكان البوادي لبعدهم عن أهل العلم وقلة اختلاطهم بالناس "

انتهى، من "مرقاة المفاتيح" (7 / 279).

وهذا الحديث يدل على كراهة الإقامة بالبادية وملازمتها.

قال أبو بكر الأثرم رحمه الله تعالى:

" وأما الكراهة فإنها لمن لزم البادية ، وترك الأمصار والجماعات "

انتهى، من "ناسخ الحديث ومنسوخه" (ص 266).

وعلة هذا أمران:

الأمر الأول: ما أشار إليه الحديث؛ وهو أن البداوة تولد في صاحبها الجفاء، وتبعده عن أسباب كمال الدين، من العلم النافع والصحبة الصالحة المذكرة بالخير، ونحو هذا من السبل المعينة على تحصيل الإيمان وتقويته والتي تتوفر في حواضر المسلمين وتخلو منها البادية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وإنما وجه النهي عن مشابهة الأعراب والأعاجم ، مع ما ذكرناه من الفضل فيهم، وعدم العبرة بالنسب والمكان = مبني على أصل؛ وذلك: أن الله سبحانه وتعالى جعل سكنى القرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والدين، ورقة القلوب، ما لا يقتضيه سكنى البادية ... "

انتهى، من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1 / 415).

الأمر الثاني: هو أن التبدي يؤدي إلى تخلف المسلم عن كثير من الجماعات والجمع، فيكون فاعل هذا عرضة لتسلط الشيطان عليه.

عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قُلْتُ: فِي قَرْيَةٍ دُوَيْنَ حِمْصَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ ) قَالَ السَّائِبُ – أحد رواة هذا الحديث-: يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ : الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ.

رواه أبو داود (547)، والنسائي (847)

وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (547).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : ( أَلاَ هَلْ عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَّخِذَ الصُّبَّةَ مِنَ الْغَنَمِ عَلَى رَأْسِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ ، فَيَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَلأُ ، فَيَرْتَفِعَ ، ثُمَّ تَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَجِيءُ وَلاَ يَشْهَدُهَا ، وَتَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَشْهَدُهَا ، وَتَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَشْهَدُهَا ، حَتَّى يُطْبَعَ عَلَى قَلْبِه ) .

رواه ابن ماجة (1127) ، وحسنه الألباني .

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وقد نص أحمد على كراهة المقام بقرية لا يقام فيها الجمعة ، وإن أقيمت فيها الجماعة.

وقد يُحمل ذلك على من كان بمصر جامع يجمع فيه، ثم تركه وأقام بمكان لا جمعة فيه. وفي كلامه إيماء إليه أيضا.

وقد يُحمل كلامه على كراهة التنزيه دون التحريم.

فأما المقام بقرية لا جمعة فيها ولا جماعة : فمكروه "

انتهى، من "فتح الباري" (1 / 115).

فالحاصل؛ أن هجر المدن والسكن بالبداية هو أمر منهي عنه، وقد يصل إلى التحريم، إن كان يغلب على الظن أنه سيؤدي إلى ضرر في دين الشخص ، أو تفويت واجب شرعي عليه ، أو ضياع شيء من مصالح دنياه التي أمره الشرع بالحفاظ عليها.

ثانيا:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: ( اجْتَنِبُوا الْكَبَائِرَ السَّبْعَ.

فَسَكَتَ النَّاسُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَسْأَلُونِي عَنْهُنَّ؟ الشِّرْكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَأَكَلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكَلُ الرِّبَا، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (5636)، وقوّاه الألباني بمجموع طرقه وشواهده في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (5 / 293).

والمقصود بـ " التَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ "، هو أن يهاجر المسلم هجرة شرعية إلى حاضرة من حواضر المسلمين يقام فيها شرع الله تعالى، ثم ينقض هجرته هذه ويرجع إلى البداوة.

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

" أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته ورجوعه إلى وطنه ، وأن ارتداد المهاجر -أعرابيا- من الكبائر "

انتهى، من "إكمال المعلم" (6 / 273).

والأقرب أن الذي ورد الوعيد فيه واعتباره من الكبائر : هو رجوع أحد ممن هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته ، وأن ذلك كان محرما عليهم ، إلا من أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:

" ( التعرب بعد الهجرة ): هو أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا.

وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه ، من غير عذر : يعدونه كالمرتد "

انتهى، من "النهاية في غريب الحديث" (3 / 202).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" – التعرب- أي السكنى مع الأعراب ، وهو أن ينتقل المهاجر من البلد التي هاجر منها ، فيسكن البدو ، فيرجع بعد هجرته أعرابيا .

وكان إذ ذاك محرما إلا إن أذن له الشارع في ذلك "

انتهى، من "فتح الباري" (13 / 41).

فالحاصل؛ أن هذا الحديث في حق المهاجر إلى الله تعالى، فإنه يحرم عليه أن يترك البلد الذي هاجر إليه ويسكن البادية .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-06-30, 15:37
كيف نجمع بين حديث :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة " ، مع كونه يتعبد لربه ؟

السؤال :

يشكك بعض الملاحدة والنصارى والشيعة في هذا الحديث وللأسف بعض المسلمين ، يدعون ويفترون على أشرف الخلق . مضمون الشبهة يطعن بعض منكري السنة في صحة الأحاديث الواردة في منح الأنبیاء قوة خاصة في الجماع

من ذلك حديث أنس بن مالك قال: " كان النبي صلى الله علیه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من اللیل والنهار، وهن إحدى عشرة " قال: قلت لأنس: أوكان يطیقه ؟

قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثین "، ويزعمون أن هذا الحديث يعارض القرآن الكريم الذي يبین أنه صلى الله علیه وسلم كان يقضي لیله في القیام والعبادة ، ويقضي نهاره في الجهاد ونشر الدعوة

ومن ذلك قوله تعالى: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اللیل ونصفه وثلثه) .

أرجو تفسير الحديث بشكل دقيق ، وهل من تشكيك فيه ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة ، حيث لا غلو ، ولا انفصال للحياة عن الشريعة ، بل جعل من العبادة السعي على المعاش ، وكفاية الرجل زوجته ، ونهى عن التبتل والرهبانية .

وذلك كما في الحديث الذي رواه مسلم في "صحيحه" (1006)

من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ:" أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ ) .

وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" (5073)

ومسلم في "صحيحه" (1402)

من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ : ( رَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا ) .

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أتقى الناس لرب العالمين ، وأشدهم له خشية ، وجاء ذلك في عدة أحاديث ، منها :

ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (1108)

من حديث عمر بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ ) .

وتواترت الأحاديث على شدة اجتهاده في العبادة والطاعة ، حتى تورمت قدماه من القيام صلى الله عليه وسلم .

وهذا أمر معروف مشهور ، ومن الروايات في ذلك :

الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" (1130)

من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، قال: ( إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) .

وإن الناظر إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم يرى الوسطية في الأمور كلها ، يقوم بحق ربه من العبودية والتنسك ، ويقوم بحق أمته من الدعوة والتعليم ، ويقوم بحق أهله من حسن العشرة بالمعروف ، ويجاهد في سبيل الله بنفسه صلى الله عليه وسلم .

وكان ينكر أشد الإنكار على أصحابه الذين ربما شددوا على أنفسهم في العبادة ، وربما هجروا نساءهم .

فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" (25893)

وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (4/387)

من حديث عروة ، قال :( دَخَلَتْ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَحْسِبُ اسْمَهَا خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بَاذَّةُ الْهَيْئَةِ فَسَأَلتهَا مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: زَوْجِي يَقُومُ اللَّيْلَ ، وَيَصُومُ النَّهَارَ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ لَهُ ، فَلَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ إِنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا ، أَفَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ ، فَوَاللهِ إِنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَحْفَظُكُمْ لِحُدُودِهِ ) .

*عبدالرحمن*
2018-06-30, 15:38
ثانيا :

وأما ما ورد في السؤال : فإنه لا يتعارض مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تحقيق مقام العبودية الخاصة، ولا يتعارض مع كونه صلى الله عليه وسلم خير من عبد الله وصلى وصام وقام ، وذلك بيانه كما يلي :

أولا : الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم ، حديث صحيح

أخرجه البخاري في "صحيحه" (268) .

ثانيا : في الحديث دلالة على أن وقوع ذلك الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم كان في ساعة واحدة من الليل أو من النهار ، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي قوة ثلاثين من الرجال في هذا الباب ، فأين الخلل إذا ؟!

وقد ذهب القاضي أبو بكر بن العربي أن هذه الساعة كانت له صلى الله عليه وسلم بعد العصر ، بعيدا عن القسم بين نسائه .

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (1/230)

:" وكان الله سبحانه قد خصه في النكاح بأشياء يأتي بيانها إن شاء الله ، لم يعطها لغيره ، منها تسع زوجات في ملك ، ثم أعطاه ساعة لا يكون لأزواجه فيها حق ، مقتطعة له من زمانه ، يدخل فيها علي جميع أزواجه فيطؤهن أو بعضهن ، ثم يدخل عند التي الدور لها ، ففي كتاب مسلم عن ابن عباس أن تلك الساعة كانت بعد العصر ، فلو اشتغل عنها لكانت بعد المغرب أو غيره ، فلذلك قال في الحديث :" في الساعة الواحدة من ليل أو نهار ". انتهى

والساعة هي الجزء من الزمان ، وليست الساعة الزمنية المعروفة اليوم .

قال ابن حجر في "فتح الباري" (1/377)

:" قَوْلُهُ " فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ " الْمُرَادُ بِهَا قَدْرٌ مِنَ الزَّمَانِ ، لَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْهَيْئَةِ ". انتهى

ثم إن ذلك لم يكن خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم فحسب ، بل هذا سليمان عليه السلام ، وهو مشهور بجهاده العظيم في سبيل الله ، كان له النساء الكثير ، ولم يشغلنه عن جهاده في سبيل الله تعالى ، بل في كتب أهل الكتاب التي بين أيديهم الآن : أنه كان لسليمان عليه السلام : ألف امرأة ، وليس مائة فقط ، وفي الحديث الصحيح السابق أنه طاف على مائة امرأة ، منهن ، في ليلة واحدة .

فإذا كان هذا حال نبي الله سليمان عليه السلام ، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكمل وأحسن بلا ريب .

وقد ثبت في البخاري (5242)

ومسلم (1654)

من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:( قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ المَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّه ُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ ، فَأَطَافَ بِهِنَّ ، وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ ) .

قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/462)

في شرحه لحديث " لأطوفن الليلة على مائة امرأة " :" وَفِيهِ مَا خُصَّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِمَاعِ الدَّالِّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْبِنْيَةِ وَقُوَّةِ الْفُحُولِيَّةِ وَكَمَالِ الرُّجُولِيَّةِ ، مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ وَالْعُلُومِ ، وَقَدْ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ أَبْلَغُ الْمُعْجِزَةِ ، لِأَنَّهُ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَعُلُومِهِ وَمُعَالَجَةِ الْخَلْقِ ، كَانَ مُتَقَلِّلًا مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ الْمُقْتَضِيَةِ لِضَعْفِ الْبَدَنِ عَلَى كَثْرَةِ الْجِمَاعِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَة بِغسْل وَاحِد وَهن إحدى عَشْرَةَ امْرَأَةً ". انتهى .

ثالثا :

أن الحديث الذي ذكره السائل ، وهو حديث أنس ، قد ذهب كثير من أهل العلم أنه لا يدل على العادة المستمرة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لعدة أمور :

الأمر الأول : أنه قد ورد في السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن يقسم لزوجاته فيبيت عند كل واحدة منهن ليلة ، إلا أنه يدور عليهن جميعا كل يوم ليسأل عليهن ، ويؤنسهن ، إلا أنه لا يجامع أي واحدة منهن إلا في ليلتها .

وقد دل على ذلك الحديث الذي أخرجه أحمد في "مسنده" ( 24765)

و أبو داود في "سننه" (2135) من حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت :( كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم لا يُفضِّلُ بعضنا على بعضٍ في القَسمِ ، من مُكثه عِندنا ، وكان قلَّ يومٌ إلا وهو يَطُوفُ علينا جميعاً ، فيدنو مِنْ كُلِّ امرأة ، مِن غير مَسِيسٍ ، حتى يَبْلُغَ إلى التي هو يَوْمُها فيبيتُ عندها ) .

والحديث صحيح ، صححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1852) .

وموضع الشاهد في الحديث قولها :" فيدنو من كل امرأة من غير مسيس "، أي من غير جماع.

الأمر الثاني : أن حديث أنس الذي أورده السائل ، وإن كان عبر عنه في هذه الرواية بلفظ " كان " ، والتي تدل على الاستمرار ، إلا أن كثيرا من أهل العلم حملوا ذلك على أنه كان في أوقات مخصوصة ، بل حمله بعضهم على أنه حدث مرة واحدة ، جمعا بين الأدلة .

قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/300)

:" وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا مَعْنَاهُ فِي حِينِ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ ، فِي وَقْتٍ لَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ ، فَجَمَعهنَ حِينَئِذٍ ، ثُمَّ دَارَ بِالْقِسْمِ عَلَيْهِنَّ بَعْدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّهُنَّ كُنَّ حَرَائِرَ ، وَسُنَّتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهِنَّ الْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَهُنَّ ، وَأَلَّا يَمَسَّ الْوَاحِدَةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى ، وَهَذَا قول جماعة الفقهاء ". انتهى

وقال المناوي في "فيض القدير" (5/228)

في أثناء شرحه لحديث أنس: " ثم قضية "كان" [يعني : مقتضى هذا اللفظ] ، المشعرة باللزوم والاستمرار : أن ذلك كان يقع غالبا ، إن لم يكن دائما .

لكن في الخبر المتفق عليه : ما يشعر بأن ذلك إنما كان يقع منه عند إرادته الإحرام ، ولفظه عن عائشة :" كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيطوف على نسائه ، فيصبح محرما ينضح طيبا ". انتهى .

وكذا نقله الكشميري في "العرف الشذي" (1/159)

عن القاضي أبي بكر بن العربي المالكي ، فقال :" قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: إن هذه واقعة حجة الوداع قبل الإحرام ، وكان غرضه قضاء حاجتهن ، وإن عبرها الراوي بطريق الاستمرار ولفظ العادة ". انتهى

وأكد الصنعاني ذلك في "التنوير شرح الجامع الصغير" (8/592)

فقال :" واعلم أن ظاهر " كان يطوف " : أنه كان يداوم على ذلك ، وفي الحديث المتفق عليه ما يؤخذ منه بأن ذلك إنما كان يقع منه عند إرادة الإحرام ، ولفظه عن عائشة " كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا " . انتهى

ومما يؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتمع عنده هذا العدد من زوجاته إلا في آخر حياته صلى الله عليه وسلم .

والحاصل :

أنه لا يزال الرجل يمدح بقوته ، وعفته ، وصيانته ، فكيف إذا انضم مع ذلك تعبده وتنسكه ، وقيامه كذلك بحق أزواجه أحسن القيام وأتمه ، وهذا الذي كان لنبينا صلى الله عليه وسلم أوفر الحظ والنصيب ، ولذا كان أكمل الخلق ، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-06-30, 15:43
حديث " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار " هل يجبر بذلك النقص في الفرائض ؟

السؤال

: ما هو شرح حديث : ( القائم علي الأرملة والمسكين كالقائم الليل الصائم النهار ) ؟

وهل تعوض من نقصي بالصوم والصلاة يوم القيامة؟ وكيف أستفيد من هذا الأجر ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم حديث صحيح متفق عليه .

أخرجه البخاري في "صحيحه" (5353) ، ومسلم في "صحيحه" (2982) ، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ ).

ومعنى الحديث أن من سعى على الأرملة ، وهي من فقدت زوجها، أو من لا زوج لها ، فعمل لها ، وكذلك من سعى على حاجة المسكين ، وهو من لا يجد كفايته ، فإن أجره كأجر المجاهد في سبيل الله ، وكأجر الصائم القائم .

قال النووي في "شرح مسلم" (18/112) :" الْمُرَادُ بِالسَّاعِي : الْكَاسِبُ لهما ، العامل لمؤنتهما ، والأرملة من لا زوج لَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا ، وَقِيلَ هي التي فارقت زوجها . قال بن قُتَيْبَةَ : سُمِّيَتْ أَرْمَلَةً لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنَ الْإِرْمَالِ ، وَهُوَ الْفَقْرُ وَذَهَابُ الزَّادِ بِفَقْدِ الزَّوْجِ ، يُقَالُ أَرْمَلَ الرَّجُلُ إِذَا فَنِيَ زَادُهُ ". انتهى

وقال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/267) :" والمراد أن الله تعالى يجمع له ثواب الصائم والقائم والمجاهد في دفعة ؛ وذلك أنه قام للأرملة مقام زوجها الذي سلبها إياه القدر ، وأرضاها عن ربها ، وقام على ذلك المسكين الذي عجز عن قيامه بنفسه ؛ فأنفق هذا فضل قوته ، وتصدق بجَلَدِه ؛ فكان نفعه إذا [ يكافئ ] الصوم والقيام والجهاد ". انتهى

ثانيا :

أما ما ذكره السائل في كون هذا العمل يعوض النقص من الصلاة والصيام يوم القيامة فجوابه كما يلي :

أولا : في أحكام الدنيا هناك فرق بين الجزاء ، والإجزاء ، فإذا جاء نص في الشرع على أن طاعة ما ، تعادل فعل طاعة أخرى سواء مثلها أو مضاعفة فهذا يتعلق بالجزاء أي الثواب ، وليس الإجزاء أي إسقاط الفرض ، وهذا بالإجماع .

قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (9/165) عند شرحه لحديث :( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ) قال:" قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَهَذَا فِيمَا يَرْجِعُ إلى الثواب ، فَثَوَابُ صَلَاةٍ فِيهِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ أَلْفٍ فِيمَا سِوَاهُ ، وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْإِجْزَاءِ عَنِ الْفَوَائِتِ ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْهُمَا ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ". انتهى

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (3/68) ثُمَّ إِنَّ التَّضْعِيفَ الْمَذْكُورَ يَرْجِعُ إِلَى الثَّوَابِ ، وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى الْإِجْزَاءِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ صَلَاةً لَمْ تُجْزِهِ إِلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ ". انتهى

وبناء على ذلك فإن السعي على الأرملة والمسكين يعادل الصيام والقيام في الجزاء والثواب ، وليس في الإجزاء .

ومعنى ذلك : أنه مهما سعى على الأرملة أو المسكين : لم يغنه ذلك عن صيام الفريضة ؛ سواء كان صيام رمضان ، أو صيام كفارة ، أو نحو ذلك ؛ لأن هذا لا ( يجزئ ) منه : إلا أن تصومه .

وأما إذا كان مرادا به : أنه من فتح عليه في باب السعي على الأرملة والمسكين ، ولم يفتح عليه في كثير صيام ، أو صلاة ، من النوافل ؛ فنعم ، يرجى له ذلك ، وأن يدرك بهذا الباب من الخير ، الذي فتح له فيه ، ما فاته من ثواب نوافل الصلاة والصيام والجهاد ، ونحو ذلك من الفضائل .

قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/218) :" من عجز عن الجهاد في سبيل الله وعن قيام الليل وصيام النهار ، فليعمل بهذا الحديث ، وليسع على الأرامل والمساكين ليحشر يوم القيامة في جملة المجاهدين في سبيل الله دون أن يخطو في ذلك خطوة ، أو ينفق درهمًا ، أو يلقى عدوًا يرتاع بلقائه

أو ليحشر في زمرة الصائمين والقائمين وينال درجتهم وهو طاعم نهاره نائم ليله أيام حياته ، فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التي لا تبور ، ويسعى على أرملة أو مسكين لوجه الله تعالى فيربح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نصب ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ". انتهى

مع أنه ينبغي للعبد : أن يحرص على أن يجاهد نفسه ، وأن يضرب في كل غنيمة بسهم ، وألا يحرم نفسه أبواب الخير والنوافل ، ما أمكنه ذلك .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-30, 15:48
معنى حديث: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة فى السلاسل)

السؤال:

جاء في القرآن الكريم أنه (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ، ولكنني قرأت في السنة ما يدل على خلاف ذلك

فالحديث الأول : هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام)

والحديث الثاني : هو عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأحدهم : (ألا تريحني من ذي الخلصة ) ،فقام الرجل فوضع السيف على رقبة رجل آخر حتى أسلم"؟

أرجو شرح المسألة ؟

وهل الآية منسوخة ؟

الجواب :

الحمد لله

قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) آية محكمة غير منسوخة ، فلا يكره أحد على الدخول في الإسلام، وإن كان الجهاد يقتضي إكراه أناسٍ على الخضوع لنظام الإسلام وشريعته، لكن تكون لهم الحرية في البقاء على دينهم، مع دفع الجزية.

ثانيا:

الحديث الأول، هو ما رواه البخاري في صحيحه (3010) باب الأسارى فى السلاسل، عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ).

وقد اختلف في معناه: قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (6/145) : " المراد بكون السلاسل في أعناقهم : مقيد بحالة الدنيا ؛ فلا مانع من حمله على حقيقته . والتقدير : يدخلون الجنة ، وكانوا قبل أن يسلموا في السلاسل .

وسيأتي في تفسير آل عمران من وجه آخر عن أبي هريرة في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس ) قال : ( خير الناس للناس ، يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.

قال ابن الجوزي: معناه : أنهم أُسروا وقيدوا ، فلما عرفوا صحة الإسلام ، دخلوا طوعا ، فدخلوا الجنة ، فكان الإكراه على الأسر والتقييد هو السبب الأول ، وكأنه أَطلق على الإكراه : التسلسل ، لما كان هو السبب في دخول الجنة ، أقام المسبب مقام السبب. ..

وقال غيره: يحتمل أن يكون المراد المسلمين المأسورين عند أهل الكفر ، يموتون على ذلك ، أو يقتلون ، فيحشرون كذلك، وعبر عن الحشر بدخول الجنة لثبوت دخولهم عقبه، والله أعلم". انتهى.

فعلى الاحتمالين ليس في الحديث معارضة للآية؛ إذْ لم يُكره أحد على الدخول في الإسلام.

وأما الحديث الثاني، وهو حديث جرير بن عبد الله البجلي، فقد رواه البخاري أيضاً (4357) عن جرير قال : " قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ ) فَقُلْتُ: بَلَى، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي

وَقَالَ: ( اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا ) قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ، قَالَ: وَكَانَ ذُو الخَلَصَةِ بَيْتًا بِاليَمَنِ لِخَثْعَمَ، وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهُ الكَعْبَةُ، قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا، قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ اليَمَنَ، كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلاَمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَا هُنَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ

قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدَنَّ: أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ؟ قَالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلًا مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ

فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ" .

وهذه واقعة عين ، لا يعارض بها النص المحكم؛ إذ يحتمل أن يكون هذا الرجل قد ارتد ، أو نقض عهده، فلم يكن يقبل منه إلا الإسلام ، أو القتل .

أو كان الرجل وثنيا غير كتابي ، ويقويه استقسامه بالأزلام ، ولعل جريراً رضي الله عنه كان يرى عدم أخذ الجزية من الوثنيين .

وقضايا الأعيان محتملة مظنونة ، لا يعارض بها المحكمات .

والثابت أن أهل اليمن لم يكرهوا على الدخول في الإسلام، بل منهم من أسلم طوعا، ومنهم من دفع الجزية، كما في حديث معاذ بن جبل قال: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ) رواه أحمد (22066) ، والنسائي (24529) ، وأبو داود (1576) ، والترمذي (623) وصححه الألباني .
والمعافر ثياب في اليمن معروفة.

قال ابن القيم :

"بعث معاذا رضى الله عنه إلى اليمن، فعقد لمن لم يسلم من يهودها الذمة، وضرب عليهم الجزية"

انتهى من "زاد المعاد" (3/51).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-06-30, 15:55
لاستكمال اجابه السؤال السابق اجابه السؤال الاتي

شبهة من نصراني يزعم أن هناك آيات في القرآن فيها تناقض مع آية ( لا إكره في الدين )

السؤال:

طرح عليّ أحد المسيحيين هذا السؤال فأريد إجابة له حتى أرسله إليه : يقول القرآن في سورة " البقرة " ( لا إكراه في الدين ) ، ثم نجد في غير ما موضع آخر أنه يحث إتباعه المسلمين على قتل المشركين ( اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ، وغيرها من الآيات المتعددة التي تحث على قتل المخالفين في الدين ؛ أليس هذا تناقضا ؟!!

الجواب :

الحمد لله

ليس هناك ـ بحمد الله ـ تعارض بين نفي الإكراه في الدين ، والأمر بقتال المشركين ؛ فليس الأمر بقتال المشركين لأجل إكراههم على الدخول في الدين ، وإلا لكان أكره اليهود والنصارى وغيرهم على الدخول في دين الإسلام ، حينما تغلب عليهم ، وخضعوا لسلطانه ، ومن المعلوم لكل من عرف شيئا عن تاريخ الإسلام أن هذا لم يحدث ؛ فقد ظل اليهود

والنصارى يعيشون تحت سلطان الدولة الإسلامية ، ويتمتعون بحريتهم الدينية فيها .

وإنما المراد بالقتال أمران :

الأول : قتال من يريد مهاجمة المسلمين في بلدانهم ، وبسط نفوذ الكفر وأهله على بلاد المسلمين ، وهذا جهاد الدفع عن ديار الإسلام . وهذا موجود في كل دولة عرفها التاريخ ، أيا كان ملتها ، وإلا لما كانت دولة أصلا ، ولا سلطان .

والثاني : قتال من صد الناس عن دين الله ، ومنع المسلمين من الدعوة إلى دين ربهم ، ونشر نوره ليراه من طلب الهداية من البشر ، أو منع غير المسلمين من التعرف على هذا الدين ، أو الدخول فيه إذا رغبوه . وهذا جهاد الطلب ، وكلاهما جهاد مشروع .

قال ابن العربي المالكي – رحمه الله -

: " قوله تعالى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) عامٌّ في كل مشرك ، لكنَّ السنَّة خصَّت منه من تقدم ذكره قبل هذا من امرأة ، وصبي ، وراهب ، وحُشوة [ وهم رذال الناس ، وتبعهم ، ومن لا شأن له فيهم ] ، حسبما تقدم بيانه ، وبقي تحت اللفظ : مَن كان محارباً أو مستعدّاً للحرابة والإذاية ، وتبيَّن أن المراد بالآية : اقتلوا المشركين الذين يحاربونكم " .

انتهى من " أحكام القرآن " ( 4 / 177 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله

- : " وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وُيُؤتُوا الزَّكَاة ) مراده : قتال المحاربين الذين أذن الله في قتالهم ، لم يُرد قتال المعاهَدين الذين أمر الله بوفاء عهدهم " .

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 19 / 20 ) .

وقال – رحمه الله – أيضاً

- : " القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله ، كما قال الله تعالى ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) البقرة/ 190 " .

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 28 / 354 ) .

ويدل لذلك أيضا ما ثبت عن بُرَيْدَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ ..

. وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ ... فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ ... ) .

رواه مسلم ( 1731 ) .

قال ابن القيم – رحمه الله - في فوائد حديث بريدة -

: " ومنها : أن الجزية تُؤخذ من كل كافر ، هذا ظاهر هذا الحديث ، ولم يستثن منه كافراً من كافر ، ولا يقال هذا مخصوص بأهل الكتاب خاصة ؛ فإن اللفظ يأبى اختصاصهم بأهل الكتاب ، وأيضاً : فسرايا رسول الله وجيوشه أكثر ما كانت تقاتل عبدة الأوثان من العرب ، ولا يقال إن القرآن يدل على اختصاصها بأهل الكتاب ؛ فإن الله سبحانه أمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المشركين حتى يعطوا الجزية

فيؤخذ من أهل الكتاب بالقرآن ، ومن عموم الكفار بالسنَّة ، وقد أخذها رسول الله من المجوس وهم عبَّاد النار لا فرق بينهم وبين عبدة الأوثان " .

انتهى من " أحكام أهل الذمة " ( 1 / 89 ) .

ومن الواضح أن من ثبت إقراره على دينه ، وأخذ الجزية منه ، فإنه ليس مأمورا بقتاله ، أو إكراهه على أن أن يدخل في الدين .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

charrakadel
2018-07-01, 10:36
ماشاء الله

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 03:37
ماشاء الله

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 03:45
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

تعوذ الزوج من شر زوجته في ليلة الزفاف، هل فيه إساءة للمرأة؟

السؤال

: يسن للرجل إذا دخل على زوجته أن يأخذ بناصيتها ، وأن يقول ما ورد في الحديث: ( إذا أفاد أحدكم امرأة أو خادما أو دابة فليأخذ بناصيتها ، وليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه

وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه ) رواه ابن ماجه ، وحسنه الألباني

سؤالي: هل فقط الزوج يفعل ويقول ما ورد في الحديث دون الزوجة ، مع العلم أن الزوجة أيضا بحاجة لتسأل الله خير زوجها

وأن تعوذ بالله من شره أيضا ، فمن الممكن أن تكون الزوجة صالحة والرجل سيء

فهل من المعقول أن يعوذ بالله هو فقط من شرها ، هذا ليس عدلا ؟

ولماذا قبل الزواج الزوجان يستخيران الله أما في ليلة الزواج هو فقط من يدعو بهذا الدعاء ؟

وأيضا لماذا ذكرت المرأة في الحديث مع الخادم والدابة ؟

أليس هذا تقليل من قيمة المرأة ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

يجب على المسلم أن يكون معظما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مؤدبا معه ومع سنته ، فلا يجوز لمسلم أن يأتي إلى حديث صحيح من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ويسيء الأدب معه ، فيعترض على ما فيه من حكم ، أو يقول : إن هذا ليس عدلا .. ونحو ذلك من الكلمات التي لا يجوز لمسلم أن يقابل بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

بل الواجب على كل مسلم – وهو أشد وجوبا على من وصف نفسه بأنه طالب علم شرعي – أن يكون معظما لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، موقرا لها ، مؤدبا معها .

قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله

: "ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين".

سير أعلام النبلاء (6/401) .

فانظري ، يا أمة الله ، إلى هذا التعظيم لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الإمام الجليل ، وقارني بينه وبين ما قلتيه في حق سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

والواجب عليك أن تستغفري الله ، وتتوبي إليه من هذا الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه ، وأن تعزمي على عدم العودة لمثل ذلك مرة أخرى .

وإذا أشكل على المسلم شيء من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وأراد أن يسأل عنه ليزول عنه وجه الإشكال فإنه لا حرج عليه من ذلك .

ولكن يجب عليه أن يعتقد أن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حق وصدق ، ولا يتطرق إليه الخطأ أو الزلل أو الظلم بأي حال من الأحوال ، ثم بعد ذلك يسأل المسلم ليتضح له ما لم يكن يعلمه .

أما أن ينصب الإنسان نفسه حاكما على كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، يعترض عليه ، ويصوب ويخطئ ويعدل : فهذا الخطر العظيم ، والزلل الشنيع ؛ بل الضلال المبين . قال الله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) 65/النساء .

قال الشوكاني في "فتح القدير" (1/559) :

"أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِنَفْسِهِ، مُؤَكِّدًا لِهَذَا الْقَسَمِ بِحَرْفِ النَّفْيِ ، بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، فَنَفَى عَنْهُمُ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ رَأْسُ مَالِ صَالِحِي عِبَادِ اللَّهِ، حَتَّى تَحْصُلَ لَهُمْ غَايَةٌ، هِيَ:

تَحْكِيمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ حَتَّى قَالَ: (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) فَضَمَّ إِلَى التَّحْكِيمِ أَمْرًا آخَرَ، هُوَ عَدَمُ وُجُودِ حَرَجٍ، أَيّ حَرَجٍ، فِي صُدُورِهِمْ

فَلَا يَكُونُ مُجَرَّدُ التَّحْكِيمِ وَالْإِذْعَانِ كَافِيًا ، حَتَّى يَكُونَ مِنْ صَمِيمِ الْقَلْبِ ، عَنْ رِضًا، وَاطْمِئْنَانٍ، وَانْثِلَاجِ قَلْبٍ، وَطِيبِ نَفْسٍ، ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِهَذَا كُلِّهِ، بَلْ ضَمَّ إِلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَيُسَلِّمُوا) أَيْ: يُذْعِنُوا وَيَنْقَادُوا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ، بَلْ ضَمَّ إِلَيْهِ الْمَصْدَرَ الْمُؤَكِّدَ فَقَالَ: (تَسْلِيماً) !! فَلَا يَثْبُتُ الْإِيمَانُ لِعَبْدٍ حَتَّى يَقَعَ مِنْهُ هَذَا التَّحْكِيمُ، وَلَا يَجِدَ الْحَرَجَ فِي صَدْرِهِ بِمَا قُضِيَ عَلَيْهِ، وَيُسَلِّمُ لِحُكْمِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ، تَسْلِيمًا لَا يُخَالِطُهُ رَدٌّ وَلَا تَشُوبُهُ مُخَالَفَةٌ" انتهى .

وقال الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (5/268) :

"اعلم أن قوله تعالى : ( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) قسم من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط : أولها : قوله تعالى : ( حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) ، وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم الرسول لا يكون مؤمنا .

الشرط الثاني : قوله : ( ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ ) .

واعلم أن الراضي بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام قد يكون راضيا به في الظاهر دون القلب فبين في هذه الآية أنه لا بد من حصول الرضا به في القلب .

واعلم أن ميل القلب ونفرته شيء خارج عن وسع البشر ، فليس المراد من الآية ذلك ، بل المراد منه أن يحصل الجزم واليقين في القلب بأن الذي يحكم به الرسول هو الحق والصدق .

الشرط الثالث : قوله تعالى : (وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً) واعلم أن من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقا وصدقا ، قد يتمرد عن قبوله على سبيل العناد ، أو يتوقف في ذلك القبول ، فبين تعالى أنه كما لا بد في الايمان من حصول ذلك اليقين في القلب ؛ فلا بد أيضا من التسليم معه في الظاهر ، فقوله : ( ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ) المراد به الانقياد في الباطن ، وقوله : (وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً) المراد منه الانقياد في الظاهر . والله أعلم" انتهى باختصار .

نقلنا هذه الأقوال حتى يعلم كل مسلم ما الواجب عليه تجاه سنة النبي صلى الله عليه وسلم من التعظيم والتوقير والأدب معها ، وحتى تعلمي أنك تفوهت بقول عظيم فتبادري بالتوبة من ذلك .

ثانيا :

ليس في الحديث الذي ذكرتيه ظلم ولا تنقص من المرأة ، وحاشا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعل شيئا من ذلك ، والأمر أيسر من ذلك الوسواس كله ، يا أمة الله .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِذَا أَفَادَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، أَوْ خَادِمًا، أَوْ دَابَّةً، فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ ) رواه ابن ماجه (1918).

ورواه أبو داود (2160) بلفظ ( إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ )، وحسّنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2160).

والحديث جاء مخاطبا الرجل لأن الرجل بالنسبة لزوجته هو صاحب القوامة والتوجيه ، وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الزوجة بأنها "أسيرة" عند زوجها ، فالزوج كالمالك لزوجته ، وقد ورد في حديث الواهبة أن الرسول صلى الله عليه وسلم زوجها لأحد أصحابه بقوله : (ملكتكها بما معك من القرآن) رواه مسلم (3553) .

فلما كان الزوج هو صاحب السلطة والقوامة ، وهو كالمالك لزوجته – خوطب هو بهذا الخطاب، وأن يضع يده على ناصيتها .

وأما المرأة ، فهل تدعو بهذا الدعاء هي أيضا ، إذا دخل بها زوجها ليلة الزفاف ؟

قد يقال بذلك ، لأن الأصل عدم الخصوصية ، لا سيما إذا كان ذلك في أمر يشتركان فيه .

وقد سبق تقرير نحو من ذلك في دعاء : ( اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ) .

وجاري نشره في المشاركة القامة

وينظر أيضا : "الفتاوى الفقهية" لابن حجر الهيتمي (4/107)

"حاشية العبادي على الغرر البهية" (1/104) .

والذي يظهر أيضا : أن المرأة ، إن دعت بذلك ، فإنها لا تضع يدها على ناصية زوجها ، لأن هذا الفعل فيه نوع من السلطة والقيادة وهي لا تليق بالمرأة على زوجها .

ولا يمنع هذا أنه قد تكون بعض الزوجات خيرا من زوجها ، كما أن الرجل يدعو بهذا الدعاء إذا اشترى عبدا ، وقد يكون العبد خير من سيده وأكثر منه تقوى لله تعالى ، ولكن خوطب الرجل بهاذا الخطاب لأنه هو المالك لعبده ، وليس العكس .

ولو دعى العبد بهذا الدعاء أيضا لم يكن عليه من حرج ، فإن المسلم يسأل الله تعالى الخير ويستعيذ به من الشر على سبيل العموم ، وفي سورة الفلق التي أمرنا بقراءتها في مواضع عديدة: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) الفلق/1-2 .

فهذه استعاذة عامة شاملة لشر جميع المخلوقات ، بما فيها شر نفس الإنسان الداعي نفسه .

وقد يقال : إنه يكفي في ذلك دعاء الرجل ، كما هو ظاهر الحديث ، وليس ذلك تقليلا من شأن المرأة ، أو دفعا للشر عن نفوس الرجال ، فهذا أمر لا وجود له في النص ، ولا وجه لهذا الاحتمال ، إلا من باب الوساوس وخطرات الشيطان .

وإنما الرجل بذلك يطلب الخير والبركة ، له ولامرأته ، وهو الذي يأخذ بناصيتها ، لأنه في سلطانه ، وتحت قوامته .

قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله

: " وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَوَّلَ مَا يَلْقَى زَوْجَتَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهَا وَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنَّا فِي صَاحِبِهِ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنَا "

انتهى، من "أسنى المطالب" (3/118) .

بل ظاهر ذلك الدعاء : أنه مفتقر إلى الله في طلب الخير لهما ، ودفع الشر عن أن يقع بينهما ، وأنه لا سلطان له بنفسه في جلب نفع ، ولا دفع ضر .

ثالثا :

وأما قرن المرأة مع الخادم والدابة فليس في هذا تقليل من شأن المرأة ، بل جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين هذه الثلاثة لا لأنها متساوية من كل وجه .

بل لأن بينها وجه شبه وهو المراد هنا ، وبُني عليه استحباب أن يقول الرجل هذا الدعاء ، وهو أن هؤلاء الثلاثة يدخلن تحت سلطة الرجل وقيادته ؛ وإلا فالرجل والمرأة والخادم كلهم عبيد لله .

وخيرهم عند الله منزلة هو أتقاهم لله : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/13 .

فقد تكون المرأة خيرا من الرجل ، وقد يكون الخادم خيرا من الاثنين ، ولكن هذا لا يجعل القيادة للخادم على سيده ، ولا للمرأة على زوجها .

وقد يرتكس أحد هؤلاء في حمْأة الضلالة والغي فتكون الدابة خيرا منه .

أخيرا ..

يجب التنبه لأمر خطير ، وهو أن الكثير من المسلمين – نظرًا لكثرة ما سمعوه من شبهات حول الإسلام من أعدائه ، وأن الإسلام قد ظلم المرأة وأهانها- لما سمعوا ذلك بكثرة ولم يكن عندهم من اليقين بصحة الإسلام ولا الفهم الحقيقي لنصوصه ما يقيهم خطر تلك الشبهات ، صار عند الكثير منهم حساسية زائدة خاطئة

فكلما سمع حديثا فيه ذكر للمرأة ، أو بعض الأحكام الخاصة بقوامة الرجل على زوجته ونحو ذلك أثار الشيطان في نفسه تلك الشبهات ، وراح يعترض أو يشكك في تلك النصوص ، التي هي أعدل ما يكون ، وأتم ما يكون من حيث العدل والحكمة والمصلحة ، ولكنه أُتي من ضعف يقينه وسو

فهمه ، ولذلك حذر علماؤنا كثيرا من الاستماع لتلك الشبهات لمن ليس أهلا للرد عليها ، لأنها ستؤثر فيه ولابد ، إن عاجلا أو آجلا ، إن لم يتداركه الله برحمته وفضله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 03:49
هل يشرع للمرأة أن تقول عند الجماع: اللهم جنبنا الشيطان

السؤال

عندما يهم الرجل بجماع زوجته , فإنه يقول ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم جنبنا الشيطان......)

سؤالي . هل للمرأة قول ذلك أيضا؟

الجواب:

الحمد لله

" هذا الدعاء مشروع في حق الرجل إذا أراد أن يأتي أهله ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان

وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن قضي بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا ) متفق عليه ، ورواه أصحاب السنن وغيرهم ، لكن لو دَعتْ به فلا بأس ؛ لأن الأصل عدم الخصوصية .

وبالله التوفيق "

فتاوى اللجنة الدائمة (19/356)

عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد العزيز آل الشيخ.. صالح الفوزان.. عبد الله بن غديان..بكر أبو زيد

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 03:53
حول التعارض بين كون خالد بن الوليد سيف من سيوف الله وكون النبي عليه الصلاة والسلام قال يوما فيه " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد "

السؤال

: أجد صعوبة في فهم حديثين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الأول عندما سمى خالد بن الوليد رضي الله عنه سيف الله المسلول ، والثاني عندما قال فيما معناه اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد

فهل تسمية خالد بن الوليد رضي الله عنه بسيف الله يعني أنه لا يخطئ ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

فإن خالد بن الوليد رضي الله عنه قد صح فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيف من سيوف الله في غير ما حديث .

ومن أشهر هذه الأحاديث وأصحها ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (3757)

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، نَعَى زَيْدًا ، وَجَعْفَرًا ، وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ ، فَقَالَ « أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ ، فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ».

وكذلك قد صح الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن شيء فعله خالد بن الوليد : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ . مَرَّتَيْنِ ).

والحديث له قصة ، وقد أخرجه البخاري في "صحيحه" (4339)

من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :" قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا

فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي ، وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ:« اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ » .

ولا تعارض مطلقا بين الحديثين ، وبيان ذلك كما يلي :

أولا : إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم في خالد أنه سيف من سيف الله : ليس كما فهم السائل الكريم أنه لا يخطئ ، فهذا المعنى لم يقل به أحد من أهل العلم قط .

وإنما معنى أنه سيف من سيوف الله أنه ذو سيف من سيوف الله ، أو عبارة عن شدة بأسه على أعداء الله ونكايته فيهم .

قال النووي في شرح مسلم (9/188) :

" سَيْفُ اللَّهِ هُوَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ ، سَمَّاهُ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ يَنْكَأُ فِي أَعْدَاءِ اللَّهِ ". انتهى

وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (9/4028)

في شرحه على هذا الحديث :" خَالِدٌ سَيْفٌ " ، أَيْ: كَسَيْفٍ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَسَلَّطَهُ عَلَى الْكَافِرِينَ ، أَوْ ذُو سَيْفٍ . " مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " ، أَيْ حَيْثُ يُقَاتِلُ مُقَاتَلَةً شَدِيدَةً فِي سَبِيلِهِ مَعَ أَعْدَاءِ دِينِهِ ". انتهى

ثانيا : أن خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يتعمد الخطأ ، ولم يتعمد قتل هؤلاء بعد أن أسلموا ، وإنما اجتهد فأخطأ ، فهو معذور ، حيث إنهم لم يحسنوا قول " أسلمنا " ، وقالوا " صبأنا " ، فلم يفهم منها خالد أنهم أسلموا ، ولذا عذره النبي صلى الله عليه وسلم .

قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (5/352) :

" قال المهلب: ولم يفهم خالد من قوله: " صبأنا " أنهم يريدون به أسلمنا ، ولكن حمل اللفظة على ظاهرها ، وتأولها أنها في معنى الكفر؛ فلذلك قتلهم ، ثم تبين أنهم أرادوا بها أسلمنا ، فجهلوا ، فقالوا: صبأنا.

وإنما قالوا ذلك ؛ لأن قريشًا كانت تقول لمن أسلم مع النبي: صبأ فلان ، حتى صارت هذه اللفظة معروفة عند الكفار ، وعادة جارية ، فقالها هؤلاء القوم ، فتأولها خالد على وجهها ، فعذره النبي بتأويله ، ولم يُقِدْ منه ". انتهى

ومتى كان الأمر عن تأويل يعذر فيه ، أو اجتهاد أخطأ فيه بعد وسعه : لم يكن عليه ، ولا على أمثاله إثم أصلا .

قال ابن بطال أيضا في "شرح صحيح البخاري" (8/262)

:" لم يختلف العلماء أن القاضي إذا قضى بجور ، أو بخلاف أهل العلم فهو مردود .

فإن كان على وجه الاجتهاد والتأويل ، كما صنع خالد : فإن الإثم ساقط عنه ، والضمان لازم في ذلك عند عامة أهل العلم ، إلا أنهم اختلفوا في ضمان ذلك على ما يأتي بيانه.

ووجه موافقة الحديث للترجمة هو قوله:" اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد

" : يدل تبرؤه صلى الله عليه وسلم من قتل خالد للذين قالوا: صبأنا ؛ أن قتله لهم : حكمٌ منه بغير الحق ؛ لأن الله يعلم الألسنة كلها ، ويقبل الإيمان من جميع أهل الملل بألسنتهم ، لكن عذره النبي صلى الله عليه وسلم بالتأويل ؛ إذ كل متأول فلا عقوبة عليه ولا إثم ". انتهى

فإن قيل لماذا تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فعل خالد ؟

فالجواب : أنه كان يجب على خالد التأني والتثبت ، وعدم التعجل قبل فعله .

قال الخطابي في أعلام الحديث (3/1764)

:" إنما نقِم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد موضع العَجَلة ، وترك التثبت في أمرهم، إلى أن يتبين المراد من قولهم: صبأنا ، لأن الصبأ معناه الخروج من دين ، يُقال: صبأ الرجل فهو صابئٌ ، إذا خرج من دين كان فيه إلى دين آخر ، ولذلك كان المشركون يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم الصابئ ، وذلك لمخالفته دين قومه .

وقولهم: صبأنا ، كلام يحتمل أن يكون معناه خرجنا من ديننا إلى دين آخر غير الإسلام ، من يهودية أو غيرهما من الأديان والنِّحَل .

فلما لم يكن هذا القول صريحا في الانتقال إلى دين الإسلام نفَّذ خالد الأمر الأول في قتالهم ، إذ لم يوجد شريطة حقن الدم بصريح الاسم.

وقد يحتمل أن يكون خالدٌ إنما لم يكفَّ عن قتالهم بهذا القول ، من قِبَل أنه ظن أنهم عدلوا عن اسم الإسلام إليه ، أنفة من الاستسلام والانقياد ، فلم ير ذلك القول منهم إقرارا بالدين .

وقد روي أن ثمامة بن أثال لما أسلم ودخل مكة معتمرا قال له كفار قريش: صبأت. فقال: لا ، ولكن أسلمت

". انتهى

وقال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (8/270)

:" فَكَانَ من رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ما كان من إنْكَارِهِ على خَالِدِ بن الْوَلِيدِ ما كان منه أَنَّهُ قد كان عليه الاِسْتِثْبَاتُ في أُمُورِهِمْ ، وَالْوُقُوفُ على إرَادَتِهِمْ بِقَوْلِهِمْ صَبَأْنَا : هل ذلك إلَى الإِسْلاَمِ ، أو إلَى غَيْرِهِ ؟

فلما لم يَفْعَلْ ذلك ، بَرِئَ إلَى اللهِ عز وجل مِمَّا كان منه ، ولم يَأْخُذْ لهم بِمَا لم يَعْلَمْ يَقِينًا وُجُوبَهُ لهم في قَتْلِ خَالِدٍ إيَّاهُمْ ". انتهى

ومما يصدق كون أن هذا الفعل من خالد رضي الله عنه لم يكن معصية تعمد فعلها ، بل محض خطأ أداه إليه اجتهاده أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعزله بعد ذلك عن قيادة الجيش .

بل ولم يعزله أبو بكر الصديق بعدما تولى الخلافة حتى قال قولته الشهيرة :" لا أشِيمُ سيفا سله الله على المشركين". أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (9412) بإسناد صحيح .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة النبوية" (4/487)

:" وَمَعَ هَذَا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْزِلْ خَالِدًا عَنِ الْإِمَارَةِ ، بَلْ مَا زَالَ يُؤَمِّرُهُ وَيُقَدِّمُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَ إِذَا جَرَى مِنْهُ خَطَأٌ أَوْ ذَنْبٌ ، أُمِرَ بِالرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ ، وَأُقِرَّ عَلَى وِلَايَتِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ خَالِدٌ مُعَانِدًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، بَلْ كَانَ مُطِيعًا لَهُ ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْفِقْهِ وَالدِّينِ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ ، فَخَفِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ". انتهى

فتبين من ذلك أنه لا تعارض بين وصف النبي صلى الله عليه وسلم لخالد رضي الله عنه بأنه سيف من سيوف الله ، وكونه أخطأ في فعله هذا مجتهدا متأولا رضي الله عنه

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 03:56
يسأل عن لقب حمزة وخالد بن الوليد رضي الله عنهما ؟

السؤال

: لقب أسد الله لسيدنا حمزة رضي الله عنه هل هو صحيح له ؟

وقول أبي بكر عن خالد بن الوليد بأنه أسد السنة، هل هذا صحيح أيضا ؟

الجواب :

الحمد لله

لم يرد في السنة أن أبا بكر رضي الله عنه لقب خالد ابن الوليد بأنه أسد السنة ، وبعيد أن يلقب أحد بمثل هذا اللقب في ذلك العهد ؛ لأن البدعة لم تكن فشت بعدُ بين المسلمين .

وكيف يعقد اسم يدل على الانتصار للسنة من البدعة ، ولم تكن البدعة موجودة ، ولم تظهر بعدُ ، متمايزة ، منحازة بجانب مقابل للسنة ، وإنما هي آحاد التصرفات ، والأقوال ، والأفعال.

والثابت في الصحيحين وغيرهما أن أبا بكر رضي الله عنه لقب أبا قتادة رضي الله عنه يوم حنين بـ "أسد الله" ، ولم يلقب خالدا . رواه البخاري (3142) ، ومسلم (1751) .

وثبت أن حمزة رضي الله عنه لُقّب بـذلك قبله

وقد بوب ابن أبي شيبة في مصنفه (6/382) :

"فَضْلُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسَدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ"

ثم ساق طائفة من الأحاديث في فضل حمزة رضي الله عنه ، ومنها :

ما رواه بسنده عن عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّ حَمْزَةُ كان يُقَاتِلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَيْفَيْنِ وَيَقُولُ: أَنَا أَسَدُ اللَّه .

وأما خالد بن الوليد فقد لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ "سيف الله" يوم مؤتة .

أخرج البخاري في صحيحه (3757 )

عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَعَى زَيْدًا، وَجَعْفَرًا، وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ، حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) .

فالصواب أن لقب خالد بن الوليد : سيف الله المسلول ، وليس أسد السنة ، ولم يلقبه بذلك أبو بكر ، بل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 04:03
هل يتعارض نزول عيسى عليه السلام مع نصوص ختم النبوة ؟

السؤال

: قال البخاري: - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ فُرَاتٍ القَزَّازِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ ، قَالَ:" قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ ) قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟

قَالَ: ( فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ ) . أليس هذا مخالف لما صح أن عيسى عليه السلام سيخرج ويقتل الدجال ؟

وإذا قيل: إنه سيحكم بحكم محمد صلى الله عليه وسلم ، قلت له: فلم يضع الجزية ، ويخير الناس بخيارين، الإسلام أو القتل ؟ فهذا تغيير في شرعه صلى الله عليه وسلم ، أو أن ما في البخاري كذب وتناقض ، بل لو سلمنا أن مافيه صحيح لجاء ملحد وطرح مسائل في الدين ما تجعلني أشكك فيه ، أريد الجواب الواضح .

الجواب :

الحمد لله

أولا:

عن أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ.

قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟

قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ ) .

رواه البخاري (3455) ومسلم (1842).

هذا الحديث متفق على صحته سندا ومعنى؛ ولا يجوز لمسلم أن يتشكك فيه؛ وهو موافق لنص القرآن الكريم؛ حيث قال الله تعالى:

( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) الأحزاب /40.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده ، فلا رسول بعده بطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي، ولا ينعكس. وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة "

انتهى، من "تفسير ابن كثير" (6 / 428).

قال القاضي عياض رحمه الله

: " أخبر، صلى الله عليه وسلم، أنه خاتم النبيين، لا نبي بعده، وأخبر عن الله تعالى أنه خاتم النبيين، وأنه أرسل كافة للناس، وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره، وأن مفهومه المراد منه دون تأويل و تخصيص"

انتهى، من "الشفاء" (2/271) .

وقال الشهاب الآلوسي ، رحمه الله ، في تفسيره "روح المعاني

": "وكونه ، صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين مما نطق به الكتاب، وصدعت به السنة، وأجمعت عليه الأمة، فيكفر مدعي خلافه، ويقتل إن أصر"

انتهى، من "روح المعاني" (22/32) .

ثانيا:

نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان وقتله للدجال، ثابت بالنصوص الصحيحة؛ ومن ذلك:

عَنِ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ )

رواه البخاري (2222) ومسلم (155).

وقد تواترت الأحاديث بهذا.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد ذكره لها:

" فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة، وابن مسعود، وعثمان بن أبي العاص، وأبي أمامة، والنواس بن سمعان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومجمع بن جارية وأبي سريحة حذيفة بن أسيد، رضي الله عنهم.

وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه ...

فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام كما تقدم في الصحيحين، وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وتقرير ، وتشريع ، وتسويغ له على ذلك ، في ذلك الزمان، حيث تنزاح عللهم، وترتفع شبههم من أنفسهم؛ ولهذا كلهم يدخلون في دين الإسلام متابعة لعيسى، عليه السلام، وعلى يديه، ولهذا قال تعالى: ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ).

وهذه الآية كقوله تعالى: ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) وقرئ: "عَلَم" بالتحريك، أي إشارة ودليل على اقتراب الساعة " انتهى،

من "تفسير ابن كثير" (2 / 464 - 465).

وهذا المعتقد اجتمع عليه أهل السنة والجماعة وأئمة العلم.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" وأهل السنة مصدقون بنزول عيسى في الآثار الثابتة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ... "

انتهى، من "الاستذكار" (26 / 236).

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

" ونزول عيسى المسيح وقتله الدجال : حق صحيح عند أهل السنة؛ لصحيح الآثار الواردة في ذلك؛ ولأنه لم يرد ما يبطله ويضعفه "

انتهى. من "اكمال المعلم" (8 / 492).

فلا يجوز لمسلم أن يردّ هذا الاعتقاد لمجرد أوهام وأهواء.

قال الله تعالى:

( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) /115.

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 04:04
ثالثا:

شبهة تعارض نزول عيسى مع حديث ختم النبوة، هي شبهة قديمة، وملحدو هذا الزمان أعادوا إحياءها.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

" ونزول عيسى المسيح وقتله الدجال حق صحيح عند أهل السنة؛ لصحيح الآثار الواردة في ذلك؛ ولأنه لم يرد ما يبطله ويضعفه، خلافاً لبعض المعتزلة والجهمية، ومن رأى رأيهم من إنكار ذلك، وزعمهم أن قول الله تعالى عن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خَاتَمَ النَّبِيِّينَ )، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لا نبي بعدى )، وإجماع المسلمين على ذلك ، وعلى أن شريعة الإسلام باقية غير منسوخة إلى يوم القيامة - يرد هذه الأحاديث "

انتهى، من "اكمال المعلم" (8 / 492 - 493).

وقد أجاب أهل العلم عن هذا الإشكال ولم يروا تعارضا بين الأحاديث، أو دافعا إلى تضعيف بعضها، وبينوا هذه الشبهة، بأجوبة علمية واضحة، خلاصتها:

1- أن عيسى عليه السلام أرسل ونبّئ سابقا، ونزوله في آخر الزمن ليس إرسالا بشريعة ونبوة، بل ينزل بصفته كما في الحديث " حَكَمًا مُقْسِطًا "؛ أي يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" وقوله صلى الله عليه وسلم (حَكَمًا) أي ينزل حاكما بهذه الشريعة ، لا ينزل نبيا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة؛ بل هو حاكم من حكام هذه الأمة.

والمقسط العادل، يقال: أقسط يقسط إقساطا، فهو مقسط : إذا عدل "

انتهى. من "شرح صحيح مسلم" (2 / 190).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" قوله: ( حَكَمًا ) أي: حاكما. والمعنى: أنه ينزل حاكما بهذه الشريعة؛ فإن هذه الشريعة باقية لا تنسخ، بل يكون عيسى حاكما من حكام هذه الأمة "

انتهى. من "فتح الباري" (6 / 491).

2- ما ورد في الحديث : ( وَيَضَعَ الجِزْيَةَ ) ، معنى هذه الجملة؛ أنه يخيّر أهل الكتاب بين الإسلام أو القتل، ولا يقبل منهم البقاء على الكفر مقابل دفع الجزية.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" (ويضع الجزية) فالصواب في معناه: أنه لا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام، ومن بذل منهم الجزية ، لم يكفَّ عنه بها ؛ بل لا يقبل إلا الإسلام أو القتل، هكذا قاله الإمام أبو سليمان الخطابي وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى "

انتهى. من "شرح صحيح مسلم" (2 / 190).

والجزية مشروعة في دين الإسلام، كما في قوله تعالى:

( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) التوبة /29.

وفعل عيسى عليه السلام ليس نسخا منه لمشروعية الجزية؛ للآتي:

- أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد بيّن بهذا الحديث : أن الجزية مشروعيتها مقيدة بزمن؛ وهو إلى وقت نزول عيسى عليه السلام، وبعد ذلك لا تقبل، فيكون عيسى عليه السلام حاكما بهذا الحديث متبعا لنبينا صلى الله عليه وسلم في هذا التقييد.

قال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى:

" قوله: (وَيَضَعَ الجِزْيَةَ) ، أي: يتركها فلا يقبلها، بل يأمرهم بالإسلام.

فإن قلت: هذا يخالف حكم الشرع، فإن الكتابي إذا بذل الجزية ، وجب قبولها ، فلا يجوز بعد ذلك إكراهه على الإسلام ولا قتله؟

قلت: هذا الحكم الذي كان بيننا ، ينتهي بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام.

فإن قلت: هذا يدل على أن عيسى، عليه الصلاة والسلام، ينسخ الحكم الذي كان في شرعنا، والحال أنه تابع لشرع نبينا صلى الله عليه وسلم.

قلت: ليس هو بناسخ، بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو الذي بيّن بالنسخ. وأن عيسى، عليه الصلاة والسلام، يفعل ذلك بأمر نبينا صلى الله عليه وسلم "

انتهى. "عمدة القاري" (13 / 28).

- من قواعد شريعتنا أن "الحكم يدور مع علته زوالا وعدما".

فيحتمل أن الجزية فرضت على أهل الكتاب لشبهة ما بأيديهم من التوراة والإنجيل؛ فإذا نزل عيسى عليه السلام وعاينوه زالت هذه العلة، ولم يبق لهم شبه يتعلقون بها، فلم يبق إلا الإسلام أو القتل.

قال العراقي رحمه الله تعالى:

" ويظهر لي أن قبول الجزية من اليهود والنصارى لشبهة ما بأيديهم من التوراة والإنجيل ، وتعلقهم ـ بزعمهم ـ بشرع قديم ؛ فإذا نزل عيسى ، زالت تلك الشبهة ، لحصول معاينته ؛ فصاروا كعبدة الأوثان في انقطاع شبهتهم ، وانكشاف أمرهم ؛ فعوملوا معاملتهم في أنه لا يقبل منهم إلا الإسلام، والحكم يزول بزوال علته "

انتهى، من "طرح التثريب" (7 / 266 - 267).

فعلى هذا المعنى يكون عيسى عليه السلام حاكما بقواعد شريعتنا في وضعه الجزية.

رابعا:

في مجادلة أهل الباطل، لا يصلح أن نضعِّف حديثا صحيحا ثابتا ، حتى نزيل شبهة هؤلاء المبطلين ونسلم منها، فالشخص الذي يضعِّف حديثا صحيحا هروبا من شبهات أهل الإلحاد؛ هو في الحقيقة مقر بشبهتهم لهذا وافقهم في إبطال نص من الوحي، وهذا تصرف أهل الزيغ والضلال.

قال الله تعالى:

( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران /7.

وأما من رسخ العلم والإيمان في قلبه، فهو لا يجد لهذه الشبهات قوة ولا قيمة، ولهذا نجد أهل العلم الراسخين يقررون بأنه لا يوجد نص من الوحي يعارض العقل السليم، ولا يوجد في الوحي نصوص متعارضة، وإذا ألقي عليهم أي تعارض أزالوه بأدلة واضحة سليمة، وكان بعضهم يقول: " لا أعرف أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادان، فمن كان عنده فليأت به حتى أؤلف بينهما ".

فعلى المسلم أن يرسِّخ العلم والإيمان في قلبه، وإذا كان لا علم عنده فليلزم من له علم فيتعلم منه ويستفسره فيما أشكل عليه؛ كما قال الله تعالى:

( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل /43.

والحاصل :

أن الواجب عليك ، يا عبد الله ، وأنت في هذه السن الصغيرة : أن تحكم أمر نفسك أولا ، وتدعك من الشبهات ، والحوارات ، والمجادلات ، ولا تغرر بنفسك ، ولا توردها الموارد ، وكم ذهب أناس أمثالك ، صغار ، لا بصر عندهم بالأمر ، ولم يحكموا أمر الصيد ، ولم يهيئوا شباكهم ، يظنون أنهم يصطادون في ماء المحاورات ، والشبهات ، والمنتديات العكر : فكانوا هم أول صيد ، وصاروا لقمة سائغة للمشككين ، والمحرفين ، والمبدلين .

قال الله تعالى:

( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ، وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ) الأنعام (112 – 113).

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة "

انتهى. "سير أعلام النبلاء" (7 / 261).

فانصح لنفسك يا عبد الله ، وألزمها سبيل الهدى ، ومسالك أهل العلم ، ومجالسهم ، ومواقعهم ، ومنتدياتهم ، وكتبهم ، ودعك من الشبهات ، وأهلها ، والمشككين ، وحبالهم .

وعلم نفسك الأدب ، والرفق في الأمر كله ، وانظر إلى ما سطرت يمينك ، وما فيه عليك من المؤاخذة والتبعة ؛ وانج بنفسك ، يا عبد الله ، ولا يضرنك : قيل وقال ، ومن زلَّ ومال !!

عن مُعَاوِيَةَ، قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )

رواه البخاري (71) ومسلم (1037).

وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه:

( اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا، وَلَا تَغْدُ إِمَّعَةً بَيْنَ ذَلِكَ ) رواه ابن عبد البر في "

جامع بيان العلم وفضله" (1 / 143).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 04:08
الرجل الذي تقرب للصنم بذباب، وكان مكرها، لماذا لم يعذر ، ودخل النار؟

السؤال :

عن طارق ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( دخل الجنة رجل في ذباب ، ودخل النار رجل في ذباب ....) الحديث . وقال سبحانة وتعالى : (

إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) ألم يكن الرجل مرغما على أن يتقرب بالذبابة ؟

الجواب :

الحمد لله

هذا الأثر إنما يصح من قول سلمان رضي الله عنه؛ كما رواه الإمام أحمد في "الزهد" (84) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: ( دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ فِي ذُبَابٍ، وَدَخَلَ النَّارَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ.

قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟

قَالَ: مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ صَنَمٌ لَا يَجُوزُهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَرِّبَ لَهُ شَيْئًا، فَقَالُوا لِأَحَدِهِمَا: قَرِّبْ! قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، فَقَالُوا لَهُ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا! فَقَرَّبَ ذُبَابًا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ.

قَالَ: فَدَخَلَ النَّارَ. وَقَالُوا لِلْآخَرِ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا! قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُقَرِّبَ لِأَحَدٍ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، قَالَ: فَدَخَلَ الْجَنَّةَ ) .

وصححه الألباني موقوفا على سلمان رضي الله عنه

كما في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (12 / 722)؛

حيث قال: " وبالجملة؛ فالحديث صحيح موقوفا على سلمان الفارسي رضي الله عنه " انتهى.

ثانيا:

الأثر يدل على أن من أُكرِه على فعل الكفر يكفر، ولا يعذر بسبب الإكراه؛ وهو حكم يعارض النصوص التي تدل على أن المكره معذور ولا يكفر إذا لم يتعمد ذلك بقلبه؛ ومن ذلك قول الله تعالى:

( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل /106.

والجواب عن هذا الإشكال على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول:

أن الظاهر أن سلمان رضي الله عنه إنما نقله عن أكل الكتاب فقد كان على اطلاع على كتبهم وأخبارهم ، حيث تعلم على أيديهم قبل أن يسلم.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" إلا أنه يظهر لي أنه من الإسرائيليات التي كان تلقاها عن أسياده حينما كان نصرانيا "

انتهى، من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (12 / 722).

ففي هذه الحالة؛ هذا الأثر لا يعارض الآية؛ لأن من شرط التعارض أن يكون النص صحيحا ثابت الحجة، وأخبار أهل الكتاب، رغم إذن الشرع بالتحديث بها؛ إلا أنها ليست بحجة؛ لأننا نهينا عن تصديقها أو تكذيبها.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ( كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا: ( آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) الآيَةَ. ) رواه البخاري (4485).

وعن ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ ) رواه أبوداود (3644)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6 / 712).

الوجه الثاني:

أن عدم العذر بالإكراه ، على فرض صحة هذا الأثر ، وثبوت ذلك في أمة ممن قبلنا : إنما يكون من "شرع من قبلنا"؛ وهو -بالإجماع- ليس بشرع لهذه الأمة؛ إذا جاء في شرعنا ما يخالفه.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" وحاصل تحرير المقام في مسألة "شرع من قبلنا"، أن لها واسطة وطرفين: ...

وطرف يكون فيه غير شرع لنا إجماعا، وهو أمران:

أحدهما: ما لم يثبت بشرعنا أصلا أنه كان شرعا لمن قبلنا، كالمتلقى من الإسرائيليات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن تصديقهم، وتكذيبهم فيها، وما نهانا صلى الله عليه وسلم عن تصديقه لا يكون مشروعا لنا إجماعا.

والثاني: ما ثبت في شرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا، وبين لنا في شرعنا أنه غير مشروع لنا، كالآصار، والأغلال التي كانت على من قبلنا؛ لأن الله وضعها عنا، كما قال تعالى: ( ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )، وقد ثبت في صحيح مسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ: ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا )، أن الله قال: نعم قد فعلت )... "

انتهى، من "أضواء البيان" (2 / 81 - 82).

فالحاصل؛ أن عدم العذر بالإكراه في هذا الأثر، ليس من شرعنا.

وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى، أيضا ، في تفسيره لقوله تعالى:

( إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ) الكهف /20 :

" أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن العذر بالإكراه من خصائص هذه الأمة؛ لأن قوله عن أصحاب الكهف: ( إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ )، ظاهر في إكراههم على ذلك ، وعدم طواعيتهم، ومع هذا قال عنهم: ( وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا )، فدل ذلك على أن ذلك الإكراه ليس بعذر.

ويشهد لهذا المعنى حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قربه مع الإكراه بالخوف من القتل؛ لأن صاحبه الذي امتنع أن يقرب ولو ذبابا قتلوه ...

أما هذه الأمة فقد صرح الله تعالى بعذرهم بالإكراه في قوله: ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان )، والعلم عند الله تعالى. "

انتهى، من "أضواء البيان" (4 / 96 - 97).

الوجه الثالث:

يحتمل أن هذا الرجل لم يكفر بسبب فعله للشرك مكرها؛ وإنما بسبب أنه لم ينكر هذا الشرك بقلبه وتعمد فعله استخفافا واستهانة به، كما تشير إلى ذلك رواية ابن أبي شيبة في "المصنف" (17 / 537 - 538): عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: ( دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ فِي ذُبَابٍ، وَدَخَلَ رَجُلٌ النَّارَ فِي ذُبَابٍ: مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى قَوْمٍ قَدْ عَكَفُوا عَلَى صَنَمٍ لَهُمْ، وَقَالُوا: لَا يَمُرُّ عَلَيْنَا الْيَوْمَ أَحَدٌ إِلَّا قَدَّمَ شَيْئًا، فَقَالُوا لِأَحَدِهِمَا: قَدِّمْ شَيْئًا! فَأَبَى، فَقُتِلَ، وَقَالُوا لِلْآخَرِ: قَدِّمْ شَيْئًا! قَالَ: لَيْسَ عِنْدي شَيْء، فَقَالُوا: قَدِّمْ وَلَوْ ذُبَابًا، فَقَالَ: وَأَيْشٍ ذُبَابٌ! فَقَدَّمَ ذُبَابًا فَدَخَلَ النَّارَ.

فَقَالَ سَلْمَانُ: فَهَذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فِي ذُبَابٍ، وَدَخَلَ هَذَا النَّارَ فِي ذُبَابٍ ) .

وصحح إسناده الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (12 / 722).

فقوله: ( فَقَالَ: وَأَيْشٍ ذُبَابٌ! )

: تدل على أنه لم يستعظم هذا الشرك، ولم ينكره بقلبه، بل فعله وهو راض به، ومثل هذا لا شك أنه يكفر.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 04:14
كيفية الجمع بين حديث بول النبي صلى الله عليه وسلم في إناء وتركه بالليل ، وحديث نهيه عن نقع البول في الإناء

السؤال :

أشكل علي حديثان ، وأريد الإجابة عن كيفية الجمع بينهما ، وهما قول النبي صلى الله عليه وسلم :( لا ينقع بول في طست في البيت فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول منتقع ولا تبولن في مغتسلك )

"السلسلة الصحيحة" حديث رقم:(2516) . وحديث : "

كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل)

"صحيح الجامع "(4832) .

الجواب :

الحمد لله

أما الحديث الأول :

فقد أخرجه أبو داود في "سننه" (24)

والنسائي في "سننه" (32)

وابن حبان في "صحيحه" (1426)

والحاكم في "المستدرك" (594)

من حديث حُكَيمَةَ بنتِ أُمَيمَةَ بنتُ رُقَيقة عن أُمِّها أنَّها قالت:" كان للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدَحٌ من عَيْدانٍ تحتَ سَريرِهِ يبولُ فيه باللَّيل ".

والحديث حسنه النووي في "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" (ص155)

وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (19) .

وأما الحديث الثاني :

فقد أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2077)

من حديث عبد الله بن يزيد ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا يُنْقَعُ بَوْلٌ فِي طَسْتِ فِي الْبَيْتِ ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ يُنْقَعُ ، وَلَا تَبُولَنَّ فِي مُغْتَسَلِكَ ) .

والحديث حسنه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (999)

وجود إسناده الحافظ ولي الدين العراقي كما في "حاشية السيوطي على النسائي" (1/14)

وصحح سنده الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2516) .

ولا تعارض بين الحديثين من حيث المعنى :

حيث أن الحديث الأول يدل على جواز البول في الإناء وتركه فترة الليل ، وهذا لا خلاف في جوازه ، وإنما الخلاف في كراهته لغير الحاجة .

قال النووي في "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" (ص155)

:" باب: في الرجل يبول بالليل في الإناء ، ثم يضَعُه عنده . يعني: باب جوازه ، وإنما الرجل بمعنى الشخص ، لا للاحتراز من المرأة ، فهي كهو في جوازه ، وسواء في جواز ذلك الليل والنهار ، لكن الأولى اجتنابه بالنهار من غير حاجة ". انتهى

وقال البهوتي في "منتهى الإرادات" (1/35)

:" (وَ) يُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي ( إنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ ) نَصًّا ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يُكْرَهْ ، لِقَوْلِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ عَنْ أُمِّهَا « كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْت سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ » . انتهى.


وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/115)

:" وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إعْدَادِ الْآنِيَةِ لِلْبَوْلِ فِيهَا بِاللَّيْلِ وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ". انتهى.

وأما الحديث الثاني : فينهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن نقع البول ، ومعناه أن يترك البول في إناء زمنا طويلا ، وعلى هذا فيحمل حديث النهي على النقع وطول المكث ، وبهذا جمع أهل العلم بين الحديثين .

قال ابن حجر الهيتمي في "تحفة المنهاج" (1/172)

:" وَيُسَنُّ اتِّخَاذُ إنَاءٍ لِلْبَوْلِ فِيهِ لَيْلًا ، نَعَمْ « نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُنْقَعَ الْبَوْلُ فِي إنَائِهِ » ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَيْ الَّذِينَ لِلرَّحَمةِ وَالزِّيَارَةِ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا هُوَ فِيهِ ". اهـ

وقال الشرواني في "حاشيته على تحفة المنهاج" (1/172)

:" وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِاني بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « لَا يُنْقَعُ بَوْلٌ فِي طَسْتٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ مُنْقَعٌ » لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالِانْتِقَاعِ طُولُ الْمُكْثِ ، وَمَا جُعِلَ فِي الْإِنَاءِ كَمَا ذُكِرَ لَا يَطُولُ مُكْثُهُ غَالِبًا ، أَوْ أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِالنَّهَارِ وَرُخِّصَ فِيهِ بِاللَّيْلِ ، لِمَا مَرَّ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ : الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ نَهَارًا لِغَيْرِ حَاجَة " انتهى.

وقال المباركفوري في "مرعاة المفاتيح" (2/67)

:" قيل: يعارضه ما رواه الطبراني في الأوسط بسند جيد من حديث عبد الله بن يزيد مرفوعاً :" لا ينقع بول في طست في البيت ، فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه بول منتقع ". والجواب لعل المراد بالنقاعة طول مكثه ، وما يجعل في الإناء لا يطول مكثه غالباً. وقال المغلطائي: يحتمل أن يكون أراد كثرة النجاسة في البيت بخلاف القدح فإنه لا يحصل به نجاسة لمكان آخر". انتهى.ـ

فتبين مما سبق أنه لا تعارض بين الحديثين ، وأن النهي محمول على ترك البول في الإناء زمنا طويلا ، وهو المراد بالنقع ، وأما مجرد البول في الإناء ثم رميه بعد ذلك بزمن يسير فلا إشكال فيه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 04:24
شبهة حول تكاثر الشر بمرور الأعصار

السؤال

: في صحيح البخاري (7068) عن الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ : " أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ ، فَقَالَ : اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ "، فالمعني للحديث حتي يزول الفهم الخاطيء أنه يتعارض مع الحديث الآخر ، عن حذيفة قال : " يا رسول الله كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير

فهل بعد هذا الخير من شر ؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نعم ) ، قال حذيفة : فهل بعد هذا الشر من خير ؟

قال: ( نعم وفيه دخن ) " ، فهنا في حديث حذيفة رضي الله عنه فيه جاء الخير بعد الشر ، وأيضا مثال لدولة العبيديين ، أو الدولة المسماة الفاطمية زورا فقد عاش الناس وقتها في شر وتبديل للدين إلى أن جاء صلاح الدين فأعاد بفضل الله تعالي مصر سنية فصار الزمان الذي جاء بعد الشيعة العبيديين خير من زمانهم فكيف يتم التوفيق بين الحديثين وتعاقب الزمان

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري في صحيحه (7068).عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: ( اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ. سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .

وهذا الحديث يثبت أن كل زمان بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيه من الشر أكثر من الزمن الذي سبقه .

وفي مقابل هذا : صحّ أنه بعض الأزمان كان يظهر فيها من الشر أقل من الزمن الذي سبقها، كعهد خلافة عمر بن عبد العزيز مقارنة بالفترة التي سبقته والتي شهدت إمارة الحجاج وما كان فيها من الظلم. وكذلك ما أخبر به الوحي عن فترة المهدي في آخر الزمان، فهي خير من الفترة التي تسبقها.

وقد أجاب أهل العلم عن هذا الإشكال بما حاصله:

أن هذا نص عام، ولا يمنع هذا من وجود أزمان مخصوصة من هذا العموم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وقد حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب، فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج فقال لا بد للناس من تنفيس "

انتهى، من "فتح الباري" (13 / 21).

وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" إن قال قائل: ما وجه هذا ونحن نعلم أنه جاء بعد الحجاج عمر ابن عبد العزيز، فبسط العدل وصلح الزمان؟

فالجواب: أن الكلام خرج على الغالب، فكل عام تموت سنة وتحيا بدعة، ويقل العلم، ويكثر الجهال، ويضعف اليقين، وما يأتي من الزمان الممدوح نادر قليل "

انتهى، من "كشف المشكل" (3 / 295).

وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" فهذا الحديث ينبغي أن يفهم على ضوء الأحاديث المتقدمة وغيرها؛ مثل أحاديث

المهدي، ونزول عيسى عليه السلام؛ فإنها تدل على أن هذا الحديث ليس على عمومه؛

بل هو من العام المخصوص، فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه، فيقعوا في

اليأس الذي لا يصح أن يتصف به المؤمن؛ ( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ).

أسأل الله أن يجعلنا مؤمنين به حقا "

انتهى، من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1 / 36).

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" أما حديث: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه » : فهو محمول على الأغلب ؛ فلا يمنع أن يكون في بعض الزمان أحسن مما قبله، كما جرى في زمان عمر بن عبد العزيز ؛ فإن زمانه أحسن من زمان سليمان والوليد، وكما حصل في زمان شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من ظهور السنة والرد على المبتدعة، وكما جرى في الجزيرة بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. "

انتهى، من "مجموع فتاوى ابن باز" (25/104) .

وقيل : إن نسبة الشر ينظر إليها من خلال مجموع العصر، وليس بالنظر إلى بلدة أو جماعة معينة ونحو هذا.

فمجموع عصر الحجاج ابن يوسف ، وإن كان فيه شر وظلم ، فهو خير من مجموع عصر عمر بن عبد العزيز وإن عرف بالعدل، لأن عصر الحجاج من ضمن عصر الصحابة، حيث عاش فيه عدد منهم كعبد الله بن عمر بالخطاب وأنس بن مالك رضوان الله عليهم أجمعين، أما عصر عمر بن عبد العزيز فقد خلا من الصحابة.

والعصر الذي وجدت فيه الدولة الفاطمية فإن مجموع ذلك العصر خير من الذي بعده، فذلك العصر كان فيه من أهل العلم والصالحين الذين يتعلم منهم الناس ، ويقتدون بهم : من لم يوجد مثلهم فيما جاء بعد ذلك من الأعصار، فذهب بذهابهم خير كثير.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وأجاب بعضهم أن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر ؛ فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة في الأحياء ، وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده ، لقوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني وهو في الصحيحين "

انتهى، من "فتح الباري" (13 / 21).

وقال أحمد بن إسماعيل الكوراني رحمه الله تعالى:

" وعندي أن المراد من الزمان ليس نفس الزمان وذلك ظاهر، ولا الأمراء وأرباب الولايات، ولا كل فرد من أفراد الناس، بل الغالب كما أشار إليه بقوله: ( خير القرون قرني ) فإنه أراد الغالب ... في كل قرن كان يزداد من ظهور الزنى وشرب الخمر وأنواع البدع .

والإنسان إذا تأمل من أول عمره إلى آخره يرى تفاوتًا ظاهر في الناس، فإن الغالب فيما رآهم في أول عمره : خير من الذين رآهم آخره "

انتهى، من "الكوثر الجاري" (11 / 14).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-05, 04:30
التوفيق بين الآية ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) وبين صلاة داود عليه السلام

السؤال

: ورد في السنة عن قيام الليل لداود عليه السلام ، وأنه كان وسط نومتين ، فهل يتنافى ذلك مع قوله تعالى : ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) ؟

الجواب :

الحمد لله

قد صح أن نبي الله داود عليه السلام كان ينام نصف الليل الأول، ثم يصلي ثلث الليل، ثم ينام سدس الليل، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المقدار من الصلاة في الليل ، ونص على أنه أحب الصلاة إلى الله تعالى.

روى البخاري (1131) ومسلم (1159) عن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ( أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا ).

وهذا قد يشكل على البعض عند مقارنته بقول الله تعالى: ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) الذاريات (17).

والهجوع هو النوم

كما في لسان العرب (6/4621) .

والجواب عن هذا الإشكال؛ أن يقال:

إن المفسرين اختلفوا في تفسير هذه الآية على أقوال، أشهرها قولان اقتصر عليهما ابن كثير رحمه الله تعالى؛ حيث قال:

" ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ )، اختلف المفسرون في ذلك على قولين:

أحدهما: أن "مَا" نافية، تقديره: كانوا قليلا من الليل لا يهجعونه. قال ابن عباس: لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ؛ ولو شيئا.

وقال قتادة، عن مطرف بن عبد الله: قل ليلة تأتي عليهم لا يصلون فيها لله، عز وجل، إما من أولها وإما من أوسطها.

وقال مجاهد: قل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون. وكذا قال قتادة...

والقول الثاني: أن "مَا" مصدرية، تقديره: كانوا قليلا من الليل هجوعهم ونومهم. واختاره ابن جرير "

انتهى. "تفسير ابن كثير" (7 / 416 - 417).

فالقول الأول: وهو أنه قل أن يتركوا قيام الليل، فلا تمضي عليهم ليلة إلا وقد صلوا فيها ما يسر الله لهم. فعلى هذا القول لا إشكال بين الآية والحديث.

وأما القول الثاني: وهو أن نومهم بالليل قليل ، بجنب قيامهم واستغفارهم ، وهذا رجحه الطبري رحمه الله تعالى؛ فقال:

" وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله: ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ). قول من قال: كانوا قليلا من الليل هجوعهم، لأن الله تبارك وتعالى وصفهم بذلك مدحا لهم، وثناء عليهم به، فوصفُهم بكثرة العمل، وسهر الليل، ومكابدته فيما يقربهم منه، ويرضيه عنهم : أولى وأشبه من وصفهم بقلة العمل، وكثرة النوم .

مع أن الذي اخترنا في ذلك هو أغلب المعاني على ظاهر التنزيل "

انتهى. "تفسير الطبري" (21 / 509).

وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على أنه أصح الأقوال،

ال رحمه الله تعالى:

" وهذا على أصح الأقوال: معناه كانوا يهجعون قليلا ؛ فـ (قَلِيلًا) منصوب بـ (يَهْجَعُونَ) ، و (مَا) مؤكدة ... "

انتهى. "مجموع الفتاوى" (23 / 85).

والجمع بين الحديث وبين الآية على هذا القول؛ هو أن يقال: إن الليل من غروب الشمس شرعا وحسا، ويستمر حتى بعد طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس؛ لأن هذا الوقت ملحق بالليل بالنسبة للنوم ؛ فمن صلى صلاة داود عليه السلام فوقت نومه أقل من وقت استيقاظه وعبادته من الليل

لأن ثلث الليل الذي يصليه يضاف إليه الوقت من غروب الشمس إلى وقت نومه بعد العشاء؛ ففي هذا الوقت صلاتا المغرب والعشاء وما يعقبهما من نوافل وذكر لله تعالى، وهذا وقت كثير، ويضاف إليه أيضا الوقت من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وما يتخلل هذا الوقت من صلاة وذكر وتسبيح.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" وقيل (مَا) زائدة، وخبر "كان": (يَهْجَعُونَ)، و(قَلِيلًا) منصوب:

إما على المصدرية، أي: هجوعاً قليلاً.

وإما على الظرف، أي زمناً قليلا.

واستشكل هذا بأن نوم نصف الليل وقيام ثلثه، ثم نوم سدسه؛ أحب القيام إلى الله عزّ وجلّ، فيكون وقت الهجوع أكثر من وقت القيام، فكيف يثني عليهم بما الأفضل خلافه؟

وأجيب عن ذلك: بأن من قام هذا القيام فزمن هجوعه أقل من زمن يقظته قطعاً، فإنه مستيقظ من المغرب إلى العشاء، ومن الفجر إلى طلوع الشمس، فيبقى ما بين العشاء إلى طلوع الفجر، فيقومون نصف ذلك الوقت؛ فيكون زمن الهجوع أقل من زمن الاستيقاظ "

انتهى، من "التبيان" (1 / 443 – 444).

وقد روى البيهقي في "الصغرى" (821) عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أنه قال في هذه الآية (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) ، قال : " كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون ما بينهما " .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

suzuki19
2018-07-08, 11:24
مشكوور اخي بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 15:54
مشكوور اخي بارك الله فيك

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
اسعدك الله بكل ما تحب و ترضي

في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
وجزالك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 16:23
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

وصفت الأحاديث لون عيسى عليه السلام بالحمرة والأدمة، فما الراجح؟

لسؤال

: بخصوص الحديث الذي رواه أبو هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى حين رآهم في ليلة الإسراء ، فقال : ( أما إبراهيم ، فلم أر رجلا أشبه قط بصاحبكم ، ولا صاحبكم أشبه به منه ، وأما موسى فرجل آدم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة ، وأما عيسى بن مريم

فرجل أحمر ، بين القصير والطويل ، سبط الشعر ، كثير خيلان الوجه ، كأنه خرج من ديماس ، تخال رأسه يقطر ماء ، وليس به ماء ، أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي... فَأُتِيتُ بِثَلَاثَةِ أَقْدَاحٍ قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ عَسَلٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ، فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ

فَقِيلَ لِي : أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ ) . والحديث عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أراني الليلة عند الكعبة ، فرأيت رجلاً آدم ، كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال ، له لمّة كأحسن ما أنت راء من اللمم ، قد رجلها فهي تقطر ماء ، متكئا على رجلين ، أو على عواتق رجلين يطوف بالكعبة ، فسألت من هذا ؟

قيل : هذا المسيح ابن مريم ) البخاري (الحديث رقم 3185) أيّ هذين الحديثين صحيحٌ ؛ لأنه يوجد بينهما تناقضٌ بخصوص لون بشرة عيسى عليه السلام ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

ثبت في وصف عيسى عليه السلام أنه (آدم) :

فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبِطُ الشَّعْرِ، بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً - أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً - .

قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ مَرْيَمَ .

ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ، جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ .

قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الدَّجَّالُ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ ) .

رواه البخاري (3441) ومسلم (171) .

ورواه البخاري (3440) بلفظ :

( وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ فِي المَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.

ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا وَرَاءَهُ جَعْدًا قَطِطًا أَعْوَرَ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: المَسِيحُ الدَّجَّالُ ) .

والأُدْمة: هي السمرة.

قال ابن سيده في " المحكم" (9 / 389):

" والأدمة في الإبل: لون مشرب سوادا أو بياضا، وقيل: هو البياض الواضح، وهي في الظباء: لون مشرب بياضا، وفي الإنسان: السمرة " انتهى.

وقال ابن الأثير رحمه الله تعالى:

" والأدمة في الإبل: البياض مع سواد المقلتين ... وهي في الناس السمرة الشديدة "

انتهى. "النهاية في غريب الحديث" (1 / 32).

وورد في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف عيسى عليه السلام بأنه أحمر اللون:

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَأَيْتُ مُوسَى: وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ .

وَرَأَيْتُ عِيسَى، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ - يَعْنِي حَمَّامًا - ... "

رواه البخاري (3394) ومسلم (168).

وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( رَأَيْتُ عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ، فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ، وَأَمَّا مُوسَى، فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ ) رواه البخاري (3438).

فالوصفان ثابتان في حديثين متفق على صحتهما.

والواجب عندما يظهر لنا وجود إشكال بين حديثين صحيحين؛ هو أن نحاول أن نجمع بينهما بوجه صحيح، ما أمكن ذلك.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" والمقرر في علم الأصول وعلم الحديث أنه إذا أمكن الجمع بين الحديثين : وجب الجمع بينهما إجماعا، ولا يرد غير الأقوى منهما بالأقوى؛ لأنهما صادقان، وليسا بمتعارضين، وإنما أجمع أهل العلم على وجوب الجمع بين الدليلين إن أمكن؛ لأن إعمال الدليلين معا أولى من إلغاء أحدهما كما لا يخفى "

انتهى. "أضواء البيان" (5 / 161).

ثانيا :

وجه الجمع بين هذين الحديثين؛ هو أنْ يقال – والله أعلم - أنّ عيسى عليه السلام وُصِف بالأدمة وبالحمرة؛ لأن لون بشرته بينهما ويميل إليهما.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" فيجوز أن يُتأول الأحمر على الآدم ، ولا يكون المراد حقيقة الأدمة والحمرة ، بل ما قاربها . والله أعلم " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (2 / 233).

وهذا الجمع يتقوى بأمور:

الأمر الأول:

عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلًا آدَمَ طُوَالًا جَعْدًا، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلًا مَرْبُوعًا، مَرْبُوعَ الخَلْقِ ، إِلَى الحُمْرَةِ وَالبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأْسِ) رواه البخاري (3239) و مسلم (165).

فالحديث نص على أن عيسى عليه السلام ( إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ ): أي يميل إلى الحمرة والبياض.

قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى:

" وقوله: (إلى الحمرة والبياض)، حال أي: مائلا لونه إليهما، فلم يكن شديد الحمرة والبياض " انتهى. "مرقاة المفاتيح" (9 / 700).

وهذا يشير إلى أن لونه الغالب ليس الحمرة والبياض، فيكون هو الأدمة والسمرة التي جاءت في الأحاديث الأخرى، فهو أسمر لكن يميل إلى البياض والحمرة ولا يميل إلى شدة السمرة والسواد.

الأمر الثاني:

أن لون عيسى عليه السلام ذكر في كل حديث في مقابلة لون آخر.

ففي حديث المنام ذكر أن عيسى لونه آدم، في مقابلة الدجال الذي لونه أحمر.

( فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبِطُ الشَّعْرِ، بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً - أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً - قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ ... ).

وأما في حديث الإسراء، فوصف بالحمرة في مقابلة الأدمة التي في موسى عليه السلام.

( فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ، وَأَمَّا مُوسَى، فَآدَمُ جَسِيمٌ ).

وهذا يشير إلى أن لون عيسى عليه السلام بين الأدمة والحمرة ، ويميل إليهما، وغلّب في كل حديث اللون الذي يميّز عيسى عليه السلام عمّن ذكر معه.

الأمر الثالث:

ورد في حديث أبي هريرة السابق : ( وَرَأَيْتُ عِيسَى، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ - يَعْنِي حَمَّامًا - ).

فيحتمل أن تكون الصفة التي من أجلها وصف بالحمرة ، أنه شبّه بالخارج من الحمّام .

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

" وقوله: فى صفة عيسى من رواية ابن عمر: " آدَم " ومن رواية غيره: " أحمر " وقد تقدَّم. وقد يحتجُّ لكونه أحمر بقوله: " كأنما خَرج من ديماس " يعنى لحُمرته ... "

انتهى. "اكمال المعلم" (1 / 520).

والشخص الأسمر ، الذي ليس بالشديد السمرة : تظهر فيه حمرة السخونة ، فور خروجه من الحمام.

الأمر الرابع:

أُدْمة عيسى عليه السلام وصفت بأنها أحسن ما تكون، كما في حديث ابن عمر الذي سبق ذكره: ( فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ).

وهذا يدل على أن الأدمة هنا حسنة ، لعدم شدتها ؛ وعلى ذلك : فسمرته ليست بالشديدة بل تميل إلى البياض والحمرة.

والخلاصة:

أن وصف الأدمة والحمرة كلاهما ثابت لعيسى عليه السلام، وهذا يشير إلى أنّ لونه مائل إليهما وليس هو خالص الأدمة ، ولا خالص الحمرة.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 16:28
كان صلى الله عليه وسلم لا يحب أن تزيد غنمه على المائة

السؤال

: قال ابن القيم في زاد المعاد : وكان له مائة شاة ، وكان لا يحب أن تزيد على مائة ، فإذا زادت بهمة ذبح مكانها أخرى (1/153) ، لمَ كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك؟

الجواب :

الحمد لله

عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، قَالَ: ( كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،

قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا، قَالَ: وَأُتِينَا بِقِنَاعٍ - وَلَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ (راوي الحديث): الْقِنَاعَ، وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ - ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا؟ أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ؟

قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ، إِذْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ إِلَى الْمُرَاحِ، وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقَالَ: مَا وَلَّدْتَ يَا فُلَانُ؟

قَالَ: بَهْمَةً، قَالَ: فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً، ثُمَّ قَالَ: لَا تَحْسِبَنَّ، وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ، أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي امْرَأَةً، وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا - يَعْنِي الْبَذَاءَ - قَالَ: فَطَلِّقْهَا إِذًا،

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ، قَالَ: فَمُرْهَا يَقُولُ: عِظْهَا، فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ، وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي، عَنِ الْوُضُوءِ،

قَالَ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا )

رواه أبو داود (142)

والحاكم في "المستدرك" (4 / 110) وقال: "

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ" ووافقه الذهبي

وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (142).

وهذا الحديث بيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يملك مجموعة من الغنم، وكان لا يتركها تتكاثر حتى تفوق المائة.

فأمّا عدم تركها تتكاثر؛ فالذي يظهر أنّ سبب ذلك راجع إلى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان معرضا عن الدنيا، ولم يكن يتملك منها إلا ما له حاجة إليه، وما سوى ذلك ينفقه في سبل الخير.

عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لاَ يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثٌ، وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ ) رواه البخاري (2389) ومسلم (991).

وعن أَبي ذَرٍّ، قَالَ: ( كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ عِشَاءً، اسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا لِي ذَهَبًا، تَأْتِي عَلَيَّ لَيْلَةٌ أَوْ ثَلاَثٌ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلَّا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - وَأَرَانَا بِيَدِهِ - ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الأَكْثَرُونَ هُمُ الأَقَلُّونَ، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا ) رواه البخاري (6268).

وأما اقتصاره صلى الله عليه وسلم على العدد مائة؛ فحكمة ذلك علمها عند الله تعالى؛ ويمكن أن يقال: إن هذا العدد غير مقصود لذاته، وإنما هذا العدد كان فيه الكفاية ، ولم يكن محتاجا إلى أكثر من ذلك.

جاء في "المنهل العذب المورود" (2 / 87):

" قوله ( لنا غنم الخ) جملة مستأنفة كالتعليل للذبح؛ أي لا نريد زيادتها على المائة؛ لأن هذا القدر كاف لما تدعو إليه الحاجة ، والزيادة عليه ربما جرت إلى الاشتغال بالدنيا ، وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإن كان معصوما لكنه مشرّع " انتهى.

وقال العظيم آبادي في "عون المعبود" :

"لأن هذا القدر [يعني المائة] كافٍ لإنجاح حاجتي " انتهى .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 16:32
ما معنى حديث "الكفر فى العجمة"؟

السؤال :

قرأت نص كتاب لسيدنا عثمان رضي الله عنه يقول : ‏أما بعد، فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالإقتداء والإتباع ، فلا تلفتنكم الدنيا عن أمركم ، فإن أمر هذه صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم‏:‏ تكامل النعم

وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن ، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ ( الكفر في العجمة فإذا استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا‏)‏ فما معنى : (الكفر فى العجمة )؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

هذا الحديث ليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما نعلم ، ولم نقف له على إسناد ، ولا ذكر في شيء من الكتب المعتمدة المسندة . فلا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وغاية ما وقفنا على ذكره ، عند الطبري في تاريخه ، بصيغة "قالوا" ، ولم يذكر له إسنادا .

قال الطبري رحمه الله تعالى:

" قالوا: وكان كتابه -أي عثمان - إلى العامة: أما بعد، فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالاقتداء والاتباع، فلا تلفتنكم الدنيا عن أمركم، فإن أمر هذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم: تكامل النعم، وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الكفر في العجمة )، فإذا استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا "

انتهى. "تاريخ الطبري" (4 / 245).

ثانيا:

هذا المعنى المذكور: له وجه صحيح، في الجملة ، وقد قرره أهل العلم في كتبهم، وتشهد له الوقائع على مرّ التاريخ .

فالعجمة: هي عدم وضوح الشيء.

قال الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى:

" العُجْمَةُ: خلاف الإبانة، والإِعْجَامُ: الإبهام " انتهى. " المفردات" (ص 549).

والمعنى: أن غير العربي الذي لم يتقن العربية كأهلها العالمين بها، ربما مرّ عليه من نصوص الوحي ما لا يستطيع فهمه ولا تبين معناه ، فيتأوله ويفسره من قبل نفسه ، تفسيرا باطلا، من غير علم منه بوجهه الصحيح ، وبيانه ، وهذا سبب من أعظم أسباب الابتداع في الدين ، وتغيير معالمه .

وليس المراد بالعجمة هنا : عجمة النسب ، وأن يكون الرجل من غير أنساب العرب ؛ فكم من أهل العلم والديانة من كان أعجمي الأصل ، إمام في العلم بلغة العرب ، فقيها في دين الله تعالى؛ وإنما المراد بذلك : عجمة اللسان ، وعدم فقهه ، والجهر بتفسير كلام الله تعالى ، وكلام نبيه ، وخفاء وجوه البيان ، وأساليب كلام العرب ، ووجوه لغاتها .

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

" وإنما بدأت بما وصفتُ، من أن القُرَآن نزل بلسان العرب دون غيره: لأنه لا يعلم مِن إيضاح جُمَل عِلْم الكتاب أحد، جهِل سَعَة لسان العرب، وكثرةَ وجوهه، وجِماعَ معانيه، وتفرقَها. ومن علِمه انتفَتْ عنه الشُّبَه التي دخلَتْ على من جهِل لسانَها ...

فإنما خاطب الله بكتابه العربَ بلسانها، على ما تَعْرِف مِن معانيها، وكان مما تعرف من معانيها: اتساعُ لسانها، وأنَّ فِطْرَتَه أنْ يخاطِبَ بالشيء منه عامًّا ظاهِرًا يُراد به العام الظاهر، ويُسْتغنى بأوَّل هذا منه عن آخِرِه. وعاماً ظاهراً يراد به العام ويَدْخُلُه الخاصُّ، فيُسْتَدلُّ على هذا ببَعْض ما خوطِبَ به فيه؛ وعاماً ظاهراً يُراد به الخاص. وظاهراً يُعْرَف في سِياقه أنَّه يُراد به غيرُ ظاهره. فكلُّ هذا موجود عِلْمُه في أول الكلام، أوْ وَسَطِهِ، أو آخِرَه.

وتَبْتَدِئ الشيءَ من كلامها يُبِينُ أوَّلُ لفظها فيه عن آخره. وتبتدئ الشيء يبين آخر لفظِها منه عن أوَّلِهِ.

وتكلَّمُ بالشيء تُعَرِّفُه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ، كما تعرِّف الإشارةُ، ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها، لانفراد أهل علمها به، دون أهل جَهَالتها.

وتسمِّي الشيءَ الواحد بالأسماء الكثيرة، وتُسمي بالاسم الواحد المعانيَ الكثيرة.

وكانت هذه الوجوه التي وصفْتُ اجتماعَها في معرفة أهل العلم منها به - وإن اختلفت أسباب معرفتها -: مَعْرِفةً واضحة عندها، ومستَنكَراً عند غيرها، ممن جَهِل هذا من لسانها، وبلسانها نزل الكتابُ، وجاءت السنة، فتكلَّف القولَ في علمِها تكلُّفَ ما يَجْهَلُ بعضَه.

ومن تكَلَّفَ ما جهِل، وما لم تُثْبِتْه معرفته: كانت موافقته للصواب - إنْ وافقه من حيث لا يعرفه - غيرَ مَحْمُودة، والله أعلم؛ وكان بِخَطَئِه غيرَ مَعذورٍ، إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بيْن الخطأ والصواب فيه " انتهى. "الرسالة" (ص 47 - 53).

فمن جهل لغة العرب، خفيت عليه معاني نصوص الوحي؛ فإذا لم يرجع إلى أهل العلم ، واكتفى بعقله : وقع في الضلال؛ وهذا كان أحد أهم أسباب ظهور المبتدعة من خوارج ومعتزلة وغيرهم.

قال السيوطي رحمه الله تعالى:

" وقد وجدت السلف قبل الشافعي أشاروا إلى ما أشار إليه من أن سبب الابتداع الجهل بلسان العرب ...

وأخرج البخاري في تاريخه الكبير عن الحسن البصري، قال: إنما أهلكتهم – أي أصحاب البدع- العجمة " انتهى. "صون المنطق" (ص 55 - 56).

وقال الشاطبي رحمه الله تعالى:

" ومنها – أهل البدع - تخرصهم على الكلام في القرآن والسنة العربيين، مع العُرُوِّ عن علم العربية الذي به يفهم عن الله ورسوله، فيفتاتون على الشريعة بما فهموا، ويدينون به، ويخالفون الراسخين في العلم، وإنما دخلوا في ذلك من جهة تحسين الظن بأنفسهم، واعتقادهم أنهم من أهل الاجتهاد والاستنباط، وليسوا كذلك ...

وكثيرا ما يوقع الجهل بكلام العرب في مخاز لا يرضى بها عاقل، أعاذنا الله من الجهل والعمل به بفضله.

فمثل هذه الاستدلالات لا يعبأ بها، وتسقط مكالمة أصحابها، ولا يعد خلاف أمثالهم خلافا.

فكل ما استدلوا عليه من الأحكام الفروعية أو الأصولية فهو عين البدعة، إذ هو خروج عن طريقة كلام العرب إلى اتباع الهوى "

انتهى. "الاعتصام" (2 / 47 - 50).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 16:45
إذا كان عذاب الاستئصال قد رفع بعد نزول التوراة، فلماذا أرسل الله تعالى ملك الجبال ليعذب كفار مكة؟

السؤال

اشتهر عند المفسرين وأهل العلم أن الله عز وجل رفع عذاب الاستئصال بعد نزول التوراة ، واستبدله بالجهاد في سبيل الله ، فكيف نوفق بين هذا واستئذان ملك الجبال للنبي صل الله عليه وسلم ؟

وأيضا عندما طلبوا منه آية معينة ورد أنه قال لهم : سيصيبكم ما أصاب المكذبين من قبلكم ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

نص عدد من أهل العلم على أن بعد نزول التوراة لم يعذب الله تعالى الكفار بعذاب الاستئصال، بل شرع للمؤمنين جهاد هؤلاء الكفرة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وكان قبل نزول التوراة يهلك الله المكذبين للرسل بعذاب الاستئصال، عذابا عاجلا يهلك الله به جميع المكذبين، كما أهلك قوم نوح، وكما أهلك عادا، وثمود، وأهل مدين، وقوم لوط، وكما أهلك قوم فرعون، وأظهر آيات كثيرة لما أرسل موسى ليبقى ذكرها وخبرها في الأرض، إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك أمة بعذاب الاستئصال "

انتهى. "الجواب الصحيح" (6 / 441 - 442).

وقد أوضح الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى مأخذ هذا القول من القرآن؛ أثناء تفسيره لقوله تعالى :

( ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ ، فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ، فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ، وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) المؤمنون (45 – 49).

فقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:

" مر عليَّ منذ زمان طويل كلام لبعض العلماء لا يحضرني الآن اسمه، وهو أنه بعد بعث موسى ونزول التوراة، رفع الله العذاب عن الأمم، أي: عذاب الاستئصال، وشرع للمكذبين المعاندين الجهاد، ولم أدر من أين أخذه، فلما تدبرت هذه الآيات، مع الآيات التي في سورة القصص، تبين لي وجهه، أما هذه الآيات، فلأن الله ذكر الأمم المهلكة المتتابعة على الهلاك، ثم أخبر أنه أرسل موسى بعدهم، وأنزل عليه التوراة فيها الهداية للناس !!

ولا يرد على هذا، إهلاك فرعون، فإنه قبل نزول التوراة، وأما الآيات التي في سورة القصص، فهي صريحة جدا، فإنه لما ذكر هلاك فرعون قال: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) فهذا صريح أنه آتاه الكتاب بعد هلاك الأمم الباغية، وأخبر أنه أنزله بصائر للناس وهدى ورحمة .

ولعل من هذا، ما ذكر الله في سورة " يونس " من قولة: ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ ) أي: من بعد نوح ( رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ، ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ ) الآيات والله أعلم "

انتهى. "تفسير السعدي" (ص 552).

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 16:46
واستدل ابن كثير رحمه الله تعالى لهذا القول؛ بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمًا، وَلَا قَرْنًا، وَلَا أُمَّةً، وَلَا أَهْلَ قَرْيَةٍ مُنْذُ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، بِعَذَابٍ مِنَ السَّمَاءِ ؛ غَيْرَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الَّتِي مُسِخَتْ قِرَدَةً، أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهَدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ). ) .

رواه الحاكم في "المستدرك" (2 / 408) و

قال: " صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ "

ووافقه الذهبي

وصححه الألباني في"السلسلة الصحيحة" (5 / 327).

ثانيا:

عن عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟

قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي

فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) .

رواه البخاري (3231) ومسلم (1795).

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ( سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا ، وَأَنْ تُنَحَّى عَنْهُمُ الْجِبَالُ ، فَيَزْرَعُوا فِيهَا .

فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ شِئْتَ آتَيْنَاهُمْ مَا سَأَلُوا ، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ قَبْلَهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَسْتَأْنِيَ بِهِمْ لَعَلَّنَا نَسْتَحْيِي مِنْهُمْ ؟!

فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ: ( وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) الآية. ) .

رواه الحاكم في "المستدرك" (2 / 362)

وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ "

ووافقه الذهبي، وقال الألباني: "

ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ فهو على شرطهما " من "السلسة الصحيحة" (7 / 1160).

غير أنه اختلف في رفعه ووقفه ، وذكر الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/5) : أن "الأشبه وقفه" . وهو الأكثر في روايته .

ينظر : "السلسلة الصحيحة" الموضع السابق .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وقال تعالى: ( وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ).

بين سبحانه أنما منعه أن يرسل بالآيات إلا تكذيب الأولين بها، الذي استحقوا بها الهلاك، فإذا كذب بها هؤلاء استحقوا ما استحقه أولئك من عذاب الاستئصال، وهذا المعنى مذكور في عامة كتب التفسير والحديث، وغيرها من كتب المسلمين، وهو معروف بالأسانيد الثابتة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان " انتهى. "الجواب الصحيح" (6 / 431 - 432).

وهذان الحديثان لا يظهر فيهما معارضة لما ذكره أهل العلم من رفع عذاب الاستئصال بعد نزول التوراة، ويبين عدم وجود التعارض أمران:

الأمر الأول: أن التعارض يُتَصوَّر لو أن نصوص الوحي نصت على أن الله أخبر بعدم وقوع عذاب الاستئصال بأهل الكفر مطلقا بعد نزول التوراة، على غرار خبر الله بعدم تعذيب هذه الأمة المسلمة بعذاب الأمم السابقة.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، عَنْ أَبِيهِ ـ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ رَاقَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ كُلَّهَا حَتَّى كَانَ مَعَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ جَاءَهُ خَبَّابٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَابُي أَنْتَ وَأُمِّي، لَقَدْ صَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ صَلَاةً مَا رَأَيْتُكَ صَلَّيْتَ نَحْوَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ، إِنَّهَا صَلَاةُ رَغَبٍ وَرَهَبٍ ؛ سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا ثَلَاثَ خِصَالٍ،

فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُظْهِرَ عَلَيْنَا عَدُوًّا مِنْ غَيْرِنَا، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يَلْبِسَنَا شِيَعًا، فَمَنَعَنِيهَا ) رواه النسائي (1638) ، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي".

لكن نصوص الوحي التي أشارت إلى رفع عذاب الاستئصال عن الكفار– وهي حديث أبي سعيد والآيات التي نبه إليها الشيخ السعدي- هي تخبر عن واقع الأمر الحاصل ، ولم تنص على أن الله أخبر ، أو وعد ، أو أوجب على نفسه ذلك . فتأمل ذلك الفرق المهم بين البابين .

ومما يؤيد هذا أن حديث أبي سعيد نص على وقوع عذاب عام بأهل قرية بعد نزول التوراة حيث مسخوا قردة.

فالحاصل؛ أن الله تعالى لو أطبق الجبال على كفار مكة لما كان فيه معارضة لخبر سابق ، ولا خلف لوعد منه سبحانه وتعالى .

الأمر الثاني:

أهل العلم استنبطوا من نصوص الوحي أن عذاب الاستئصال رفع لأن الله جعل بدل الاستئصال للكفار جهاد المؤمنين لهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" المعروف عند أهل العلم أنه بعد نزول التوراة لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم، كما أهلك قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وفرعون، وغيرهم، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار؛ كما أمر بني إسرائيل على لسان موسى بقتال الجبابرة "

انتهى من "الجواب الصحيح" (2 / 251).

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى ) يعني: أنه بعد إنزال التوراة لم يعذب أمة بعامة، بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين "

انتهى. "تفسير ابن كثير" (6 / 239).

وهذا المعنى الذي لأجله رفع عذاب الاستئصال لم يكن موجودا في الفترة المكية من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يشرع الجهاد إلا في المدينة ؛ أما في مكة فكانوا مأمورين بكف الأيدي عن القتال.

قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره لقوله تعالى:

( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) البقرة (190).

قال رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( وقاتلوا ) هذه الآية أول آية نزلت في الأمر بالقتال .

ولا خلاف في أن القتال كان محظورا قبل الهجرة بقوله: ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )، وقوله: ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ )، وقوله : ( وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا )، وقوله: ( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ )، وما كان مثله مما نزل بمكة.

فلما هاجر إلى المدينة أمر بالقتال فنزل: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) "

انتهى. "تفسير القرطبي" (3 / 237).

فكان الكفار في الفترة المكية أشبه بالأقوام الذين عذبوا بعذاب الاستئصال ، حيث لم يكن المؤمنون حينئذ مأمورين بقتالهم، فناسب أن يواسي الله تعالى نبيه وينصره ، بأن يعرض عليه أن يعذب من كفر برسالته وسعى في إيذائه ، كما نصر الرسل السابقين كنوح وهود وصالح صلى الله عليهم وسلم.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 16:53
هل الأحاديث الواردة في فضل اليمن يدخل فيها أهل إقليم حضرموت في اليمن ؟

السؤال

: يقول الرسول صلى عليه وسلم : (أتاكم أهل اليمن ......)

هل أهل حضرموت يشملهم هذا الحديث ، والأحاديث الأخرى في فضائل أهل اليمن، حيث يقال : إن حضرموت كانت كيانا منفصلا عن اليمن تماما ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

حضرموت إقليم من أقاليم اليمن من الناحية الجغرافية ، وهذا أمر متقرر لدى العرب من قديم .

قال ياقوت الحموي رحمه الله :

" قال الأصمعي: اليمن وما اشتمل عليه حدودها بين عمان إلى نجران ، ثم يلتوي على بحر العرب إلى عدن إلى الشحر حتى يجتاز عمان ، فينقطع من بينونة ، وبينونة بين عمان والبحرين ، وليست بينونة من اليمن .

وقيل: حد اليمن من وراء تثليث وما سامتها إلى صنعاء وما قاربها إلى حضرموت والشحر وعمان إلى عدن أبين وما يلي ذلك من التهائم والنجود واليمن تجمع ذلك كله " انتهى من

"معجم البلدان" (5/447) .

ونقل ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3/1403) عن ابن إسحاق قوله :

" وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قسم اليمن على خمسة رجال: خالدُ بنُ سعيد على صنعاء، والمهاجرُ بن أبي أمية على كندةَ، وزيادُ بن لبيد على حضرموت، ومعاذُ بن جبل على الجند، وأبو موسى الأشعري على زَبيد، وزمعةَ، وعدن، والساحل " انتهى .

وقال الزبير بن بكار رحمه الله :

" حضرموت آخر اليمن "

انتهى من "الفتح" (6/171) .

وقال الشيخ عبد القادر العيدروس :

" حضرموت بلد باليمن "

انتهى من "النور السافر" (1/62).

وقد وقفنا على عدد من كتب البلدان ومعالمها والسيرة والتاريخ وشروح الأحاديث وغيرها تنص على أن حضرموت إقليم يمني ، أقصى اليمن ، وذلك كثير جدا .

ينظر "مطالع الأنوار على صحاح الآثار" (2/387)

"الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" للكرماني (14/175)

و"مصابيح الجامع" لابن الدماميني (1/285)

"فتح الباري" لابن حجر (1/106)

"عمدة القاري" للعيني ، و"شرح القسطلاني" (6/60) .

ثانيا :

أما الأحاديث الواردة في فضائل اليمن ، فهي أحاديث كثيرة .

ولكن هل تدخل جميع أقاليم اليمن في الأحاديث الواردة في فضل أهل اليمن ، أم هي مخصوصة بمن وردت فيهم كالأشعريين ؟

الجواب : هناك نوعان من الأحاديث :

أما الأحاديث العامة ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا) ، فهي لـ"جهة اليمن" كلها، وهذا أمر واضح .

وأما الأحاديث الواردة في سبب خاص كحديث "أتاكم أهل اليمن .

.." ، فمن أهل العلم من قال هي مختصة بأقوام من أهل اليمن قيلت فيهم ، ومنهم من خصها بأهل ذلك العصر ، ومن أهل العلم من قال بعموم اللفظ .

وسبق ذكر شيء من ذلك في جواب السؤال رقم (175077) ورقم (212956) فليراجع .

وأيا ما كان توجيه الحديث فإن توارد الأحاديث في فضائل أهل اليمن، يدل على مزية وفضل خاص لأهل اليمن من إقليم حضرموت وبقية الأقاليم ، يشرف به جميع المؤمنين المنتسبين إلى هذا القطر، ويغبطهم عليه أهل البلاد الأخرى، وحسبهم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالبركة .

وقد قال ابن حجر بعدما ذكر بعض الأقوال التي تُضيّق مفهوم (أهل اليمن) الوارد في الحديث :

" وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (الْإِيمَانُ يَمَانٍ) مَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَمَا ذكره ابن الصَّلَاحِ .

وَحَاصِلُهُ : أَنَّ قَوْلَهُ (يَمَانٍ) : يَشْمَلُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْيَمَنِ بِالسُّكْنَى وَبِالْقَبِيلَةِ ، لَكِنْ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ مَنْ يُنْسَبُ بِالسُّكْنَى أَظْهَرُ ، بَلْ هُوَ الْمُشَاهَدُ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ أَحْوَالِ سُكَّانِ جِهَةِ الْيَمَنِ ، وَجِهَةِ الشِّمَالِ؛ فَغَالِبُ مَنْ يُوجَدُ مِنْ جِهَةِ الْيَمَنِ رِقَاقُ الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ"

انتهى من "فتح الباري" (8/99).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 17:00
شرح حديث : ( الإيمان يمان والحكمة يمانية )

السؤال:

أخبرني أحد الأشخاص أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل اليمن : ( الإيمان يمان والحكمة يمانية ) إنما كان المقصود به أهل البيت وليس أهل اليمن ، وذلك لأنه ورد في أحدى الروايات لهذا الحديث عبارة ( وأنا من اليمن )

أو ( وأنا يمان ) ، فنسب النبي نفسه إلى المعنيين في الحديث ، وأيضا لأن أهل البيت كانوا يسكنون الجهة اليمنى من المسجد النبوي ، وقرأت أيضا لبعض من ينسب هذا الحديث لأهل مكة والمدينة ، وأيضا قال لي هذا الشخص : بأنه على مر التاريخ لم يبرز من أهل اليمن في تلك الفترة من يتصفون بالحكمة

وإنما اتصفوا بالجهاد والفتوحات ، ولم يأت في التاريخ ما يدل على حكمتهم ؟

فهلا شرحتم هذا الحديث تفصيلا ؟

وأيضا : هل هناك ما يدل من التاريخ الإسلامي أو السيرة على أن اليمن يشمل المناطق الجنوبية من الجزيرة العربية ، أي من حضرموت شرقا حتى عدن وباب المندب غربا ، وليس فقط صنعاء وما يحيط بها ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (4388) ومسلم (52) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ ) وفي رواية لمسلم (52) ِ: ( جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ )

وقال البخاري رحمه الله : " سُمِّيَتْ الْيَمَنَ لِأَنَّهَا عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ وَالشَّأْمَ لِأَنَّهَا عَنْ يَسَارِ الْكَعْبَةِ "

والمقصود بأهل اليمن في هذا الحديث أهل الإيمان والصلاح والتقوى من أهل اليمن ؛ ومن قال إنما عنى بذلك أهل مكة والمدينة ، أو عنى بذلك أهل البيت ، فقوله مخالف لظاهر الحديث ، كما يدل عليه قوله ( أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ ) ، ( جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ ) والواجب الأخذ بالظاهر ، ولا يجوز العدول عنه إلا ببينة ظاهرة .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِهِ : فَقِيلَ مَعْنَاهُ نِسْبَة الْإِيمَان إِلَى مَكَّة لِأَنَّ مَبْدَأَهُ مِنْهَا , وَمَكَّة يَمَانِيَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَة ، وَقِيلَ : الْمُرَاد نِسْبَة الْإِيمَان إِلَى مَكَّة وَالْمَدِينَة وَهُمَا يَمَانِيَّتَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّامِ

بِنَاء عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَة صَدَرَتْ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حِينَئِذٍ بِتَبُوك , وَيُؤَيِّده قَوْله فِي حَدِيث جَابِر عِنْد مُسْلِم " وَالْإِيمَان فِي أَهْل الْحِجَاز " , وَقِيلَ الْمُرَاد بِذَلِكَ الْأَنْصَار لِأَنَّ أَصْلهمْ مِنْ الْيَمَن ، وَنُسِبَ الْإِيمَان إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا الْأَصْل فِي نَصْر الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَى جَمِيع ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَة فِي " غَرِيب الْحَدِيث " لَهُ .

وَتَعَقَّبَهُ اِبْن الصَّلَاح بِأَنَّهُ لَا مَانِع مِنْ إِجْرَاء الْكَلَام عَلَى ظَاهِره , وَأَنَّ الْمُرَاد تَفْضِيل أَهْل الْيَمَن عَلَى غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْمَشْرِق , وَالسَّبَب فِي ذَلِكَ إِذْعَانهمْ إِلَى الْإِيمَان مِنْ غَيْر كَبِير مَشَقَّة عَلَى الْمُسْلِمِينَ , بِخِلَافِ أَهْل الْمَشْرِق وَغَيْرهمْ , وَمَنْ اِتَّصَفَ بِشَيْءٍ وَقَوِيَ قِيَامه بِهِ نُسِبَ إِلَيْهِ ، إِشْعَارًا بِكَمَالِ حَاله فِيهِ ,

وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ نَفْي الْإِيمَان عَنْ غَيْرهمْ , وَفِي أَلْفَاظه أَيْضًا مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَقْوَامًا بِأَعْيَانِهِمْ فَأَشَارَ إِلَى مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ لَا إِلَى بَلَد مُعَيَّن , لِقَوْلِهِ فِي بَعْض طُرُقه فِي الصَّحِيح " أَتَاكُمْ أَهْل الْيَمَن , هُمْ أَلْيَن قُلُوبًا وَأَرَقّ أَفْئِدَة الْإِيمَان يَمَان وَالْحِكْمَة يَمَانِيَة , وَرَأْس الْكُفْر قِبَل الْمَشْرِق " وَلَا مَانِع مِنْ إِجْرَاء الْكَلَام عَلَى ظَاهِره وَحَمْل أَهْل الْيَمَن عَلَى حَقِيقَته .

ثُمَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ الْمَوْجُود مِنْهُمْ حِينَئِذٍ لَا كُلّ أَهْل الْيَمَن فِي كُلّ زَمَان , فَإِنَّ اللَّفْظ لَا يَقْتَضِيه .

قَالَ : وَالْمُرَاد بِالْفِقْهِ الْفَهْم فِي الدِّين , وَالْمُرَاد بِالْحِكْمَةِ الْعِلْم الْمُشْتَمِل عَلَى الْمَعْرِفَة بِاَللَّهِ " .

انتهى من " فتح الباري " (6/532) .

وقال النووي رحمه الله :

" الْحِكْمَة عِبَارَة عَنْ الْعِلْم الْمُتَّصِف بِالْأَحْكَامِ , الْمُشْتَمِل عَلَى الْمَعْرِفَة بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , الْمَصْحُوب بِنَفَاذِ الْبَصِيرَة وَتَهْذِيب النَّفْس , وَتَحْقِيق الْحَقّ , وَالْعَمَل بِهِ , وَالصَّدّ عَنْ اِتِّبَاع الْهَوَى وَالْبَاطِل . وَالْحَكِيمُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن دُرَيْدٍ : كُلُّ كَلِمَة وَعَظَتْك , وَزَجَرَتْك , أَوْ دَعَتْك إِلَى مَكْرُمَة , أَوْ نَهَتْك عَنْ قَبِيح , فَهِيَ حِكْمَة وَحُكْم "

انتهى من " شرح صحيح مسلم " (2/33) .

رابعا :

ما يذكر من نسبة هذا الكلام :( أنا من اليمن ) أو ( وأنا يمان ) للنبي صلى الله عليه وسلم لا أصل له فيما نعلم ، ولم نطلع عليه في كتب أهل الحديث

وإنما الثابت ما رواه البخاري (2486) ومسلم (2500)

عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ ) .

قال الحافظ :

" أَيْ هُمْ مُتَّصِلُونَ بِي , وَتُسَمَّى " مِنْ " هَذِهِ الِاتِّصَالِيَّةِ كَقَوْلِهِ : " لَسْت مِنْ دَد " , وَقِيلَ : الْمُرَادُ فَعَلُوا فِعْلِي فِي هَذِهِ الْمُوَاسَاةِ . وَقَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ الْمُبَالَغَة فِي اِتِّحَادِ طَرِيقِهِمَا وَاتِّفَاقهمَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى " انتهى .

خامسا :

اليمن يشمل جنوب الجزيرة العربية .

قال ياقوت الحموي رحمه الله :

" قال الأصمعي: اليمن وما اشتمل عليه حدودها بين عمان إلى نجران ، ثم يلتوي على بحر العرب إلى عدن إلى الشحر حتى يجتاز عمان ، فينقطع من بينونة ، وبينونة بين عمان والبحرين ، وليست بينونة من اليمن .

وقيل: حد اليمن من وراء تثليث وما سامتها إلى صنعاء وما قاربها إلى حضرموت والشحر وعمان إلى عدن أبين وما يلي ذلك من التهائم والنجود واليمن تجمع ذلك كله " انتهى من

"معجم البلدان" (5 /447) .

وقال الزبير بن بكار رحمه الله :

" حضرموت آخر اليمن " انتهى من "الفتح" (6/171) .

فهذا يدل على أن حدود اليمين تشمل جنوب الجزيرة العربية كله .

وقد روى البخاري (4311) ومسلم (2901)

عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَنْ تَكُونَ أَوْ لَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهَا عَشْرُ آيَاتٍ : طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَالدَّجَّالُ وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَالدُّخَانُ وَثَلَاثَةُ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ الْيَمَنِ مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ ) .

فهذا يدل على أن ( عدن ) من اليمن .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 17:33
توجيه الأحاديث الواردة في تفضيل أهل اليمن !!

السؤال :

هل أهل اليمن أفضل من الصحابة ، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا الصحابة رضي الله عنهم : ( أتاكم أهل اليمن ، أرق قلوبا منكم ) ، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم

وقد أشار بيده نحو اليمن : ( الإيمان يمان .. ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين ، عند أصول أذناب الإبل ، حيث يطلع قرنا الشيطان ، في ربيعة ومضر ) ، مع أن أكثر الصحابة من مضر؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (4388) ، ومسلم (52) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ ) .

وفي رواية لمسلم (52) ِ: ( جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ ) .

وروى أحمد (13212) عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَهُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا مِنْكُمْ ) وصححه الألباني في "الصحيحة" (527) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَوْجُودُ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ ، لَا كُلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ ، فِي كُلِّ زَمَانٍ ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ " انتهى .

ثانيا :

هؤلاء المذكورون في هذا الحديث من الصحابة أيضا ، فلا يصح أن يقال : أهل اليمن أرق قلوبا من الصحابة ؛ لأنهم منهم .
وإنما الصحيح أن يقال : إن هؤلاء الصحابة من أهل اليمن هم أرق قلوبا من غيرهم من الصحابة ، ولا يعني ذلك أنهم أفضل الصحابة مطلقا ؛ لأن تفضيل الجملة على الجملة ، لا يدل على تفضيل كل فرد من الجملة ، على كل فرد من الجملة الأخرى.

ثم إن التفضيل من وجه ، لا يقتضي التفضيل المطلق ، أو التفضيل من كل الوجوه ؛ فقد يكون فلان أرق قلبا من فلان ، فيفضل عليه في ذلك ، إلا أن المفضول في هذه الصفة يكون عنده من العلم

أو الجهاد ، أو النفقة ، ما يفضل به الأرق قلبا ، والألين عريكة ، إما في هذه الجوانب فقط ، فيكون كل منهما أفضل من الآخر ، بوجه من وجوه التفضيل ، وإما مطلقا ، لزيادة الفضيلة الناشئة عن مجموع هذه الصفات ، على فضيلة الآخر بجانب واحد ، وهذا واضح مفهوم ، إن شاء الله .

وقد روى البخاري (3447) ، ومسلم (2860) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى، يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ )

قال الحافظ رحمه الله :

" وَلَا يَلْزَمُ مِنْ خُصُوصِيَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ ، تَفْضِيلُهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَمْتَازُ بِشَيْءٍ يُخَصُّ بِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَضِيلَةُ الْمُطْلَقَةُ " انتهى .

وروى أبو دود (4341) عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيه مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله ) قيل : يا رسول الله أجر خمسين منهم ؟ قال : ( أجر خمسين منكم ) . وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال ابن عثيمين رحمه الله :

" لا يلزم من هذا الفضل أن يكون أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، فيجب التفريق بين الفضل المطلق ، والفضل المقيد.
فالشهيد وإن تميز بالشهادة في سبيل الله عز وجل ، لكن يكون على يد طالب العلم والعلماء من مصلحة الأمة ، ونشر الدعوة ما لا يكون في ديوان الشهيد " .

انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (25/ 307) .

ثالثا :

روى البخاري (3302) ، ومسلم (51) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ اليَمَنِ فَقَالَ : ( الإِيمَانُ يَمَانٍ هَا هُنَا، أَلاَ إِنَّ القَسْوَةَ وَغِلَظَ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ، وَمُضَرَ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْلُهُ : ( الْفَدَّادِينَ ) قال أَبُو عُبَيْد : جَمْع فَدَّان ، وَالْمُرَاد بِهِ الْبَقَر الَّتِي يُحْرَث عَلَيْهَا ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْفَدَّان آلَة الْحَرْث وَالسِّكَّة ، فَعَلَى الْأَوَّل فَالْفَدَّادُونَ جَمْع فَدَّان ، وَهُوَ مَنْ يَعْلُو صَوْته فِي إِبِله وَخَيْله وَحَرْثه وَنَحْو ذَلِكَ ، وَالْفَدِيد هُوَ الصَّوْت الشَّدِيد . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَنَّ الْفَدَّادِينَ هُمْ أَصْحَاب الْإِبِل الْكَثِيرَة

مِنْ الْمِائَتَيْنِ إِلَى الْأَلْف ، وَيُؤَيِّد الْأَوَّل لَفْظ الْحَدِيث الَّذِي بَعْده " وَغِلَظ الْقُلُوب فِي الْفَدَّادِينَ عِنْد أُصُول أَذْنَاب الْإِبِل ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس : الْفَدَّادُونَ هُمْ الرُّعَاة وَالْجَمَّالُونَ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا ذَمَّ هَؤُلَاءِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمُعَالَجَةِ مَا هُمْ فِيهِ عَنْ أُمُور دِينهمْ ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى قَسَاوَة الْقَلْب
.
وقوله : (فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ) أَيِ فِي الْفَدَّادِينَ مِنْهُمْ " انتهى كلامه باختصار .

وينظر : "عمدة القاري" (15/ 192)

و"شرح الزرقاني على الموطأ" (4/ 594) .

ومعنى ذلك : أن المخصوصين بالذم هنا في الحديث : هم الفدادون من ربيعة ومضر ، وليس كل البطنين العظيمين من بطون العرب ، ربيعة ومضر ، هم كذلك.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" مُعْظَمَ الْعَرَبِ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إِلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ - يعني ربيعة ومضر - وَهُمْ كَانُوا أَجَلَّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ ، وَقُرَيْشٌ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُ فُرُوعِ مُضَرَ "

انتهى من "فتح الباري" (6/ 531) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 17:43
"السمندر" وما شابه الوزغ من السحالي هل يشمله الحديث في قتل الوزغ ؟

السؤال :

هناك حديث يأمر بقتل الوزغ... فما هو الوزغ؟ هل هو حيوان السمندر؟ وهل كان الوزغ يستطيع نفخ النار أم أن ذلك خرافة؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

جاء في الموسوعة الحرة " ويكيبيديا " أن السمندر ويسمى أيضا السلمندر : شبيهة بالوزغ ، معظمها يعيش في المياه طوال حياته ، وبعضها ينتقل للمياه بشكل متقطع ، والبعض الآخر يكون بريًّا تماما عند البلوغ .


ذوات الذيل أو السلمندر أو السمندل والجمع منها السمادل (الاسم العلمي: Urodela). هو الاسم الشائع لأكثر من 550 فصيلة حية من البرمائيات المذنبة [3]. عادة ما يكسبه جسمه الرفيع وأنفه القصير وذيله الطويل مظهراً أشبه بالسحالي. له أربعة أرجل، أطراف أمامية وخلفية متساوية في الطول، وذيل طويل.

وعادة ما يكون لحيوان السمندر أربعة أصابع في الأرجل الأمامية وخمسة في الأرجل الخلفية ويجبره جلده الرطب على العيش في المياه أو على مقربة منها أو في الأراضي الرطبة. تعيش بعض فصائل السمندر في المياه طوال حياتها وبعضها ينتقل للمياه بشكل متقطع والبعض الاخر يكون بري تماما عند البلوغ.

يتميز السمندر عن الفقاريات بإمكانية اعادة إنتاج الاوصال أو بعض أجزاء الجسد الأخرى عند فقدانها. ويعرف العديد من أعضاء عائلة السمندر بسمندل أو سمندر الماء الحفريات الأقدم المعروفة من السمندر وجدت في الطبقات الرسوبية في الصين وكازخستان ويرجع تاريخها إلى العصر الجوراسي الأوسط والذي ساد منذ أكثر من 164 مليون عام مضت.

https://e.top4top.net/p_9190cluf1.jpg (https://up.top4top.net/)

الصفات الجسمانية

للسمندر البالغ جسم اسطواني ذو أربعة أطراف وذيل طويل وبعض الأنواع أطرافها الخلفية ضامرة أو شبه ضامرة مما يعطيها مظهر أقرب للأنقليس. لمعظم أنواع السمندر أربعة اصابع لا مخلبية في الأطراف الخلفية وخمسة في الأطراف الأمامية. الجلد غير حرشوفي واللسان ذو ملمس رطب ناعم ماعدا السمندر المائي

قد يكون جلده ذو نتوءات وجاف الملمس. ويكون الجلد باهت أو زاه اللون تغطيه الخطوط أو البقع. ويصبح ذكر السمندر المائي زاه اللون بشكل ملفت في موسم التزاوج. وينقص الأنواع الكهفية التي تعيش في المناطق

لمظلمة هذه الصبغات التي تكسب اللون ويكون جلدها قرمزي شبه شفاف. يتنوع حجم السمندر من الأنواع الدقيقة التي يبلغ طولها 2.7 سينتيمتر إلى الأنواع الصينية الضخمة التي يصل طولها إلى 1.8 متر ووزنها إلى 65 كيلوجرام ولكن أغلب الأنواع يتراوح طولها ما بين 10 و 20 سم.

https://b.top4top.net/p_919vfg9c1.jpg (https://up.top4top.net/)

علاقة النوع بالبيئة

يعيش السمندر في الأنهار والجداول في فتحات ضيقة ولا يصعد الا للتنفس.ويتنفس جزئيا عن طريق جلده مما يمكنه من البقاء طويلا في الماء.

معظم السمندرات تنمو وتبقى لتعيش في الماء وهي السمندرات المائية وتكون برمائية، وهذه السلمندرات تكون سامة.بعضها يكون غير سام ولون جلده يدل على ما إذا كان ساما ام غير سام.

وظائف الأعضاء

تختلف أنواع السمندر في طريقة التنفس فالأنواع اللارئوية تتنفس عن طريق الخياشيم والتي تكون في أغلب الحالات خياشيم خارجية تُرى كالخصل على أحد جانبي الرأس على الرغم من أن البرمائيات لها خياشيم داخلية وشقوق

خيشومية. بعض أنواع السمندر البري لها رئات تستخدمها في التنفس على الرغم من كونها بسيطة ولها مظهر كيسي بخلاف الأعضاء الأكثر تعقيدا الموجودة في الثدييات. ويوجد لكثير من الأنواع مثل "الاولم"

عند بلوغها رئات بالإضافة للخياشيم. و قد لا تحتوي أجسام بعض الأنواع البرية على رئات أو خياشيم لذلك تقوم بعملية تبادل غازي خلال الجلد حيث تتمدد المسام بحيث تعمل على امتصاص الأكسجين. وتستطيع الأنواع ذات الرئات أيضا بالتنفس بتلك الطريقة. يفرز جلد السمندر مادة مخاطية تساعده علي البقاء رطبا في حالات التواجد في مناطق جافة كما تساعده علي الحفاظ على توازن الأملاح حين تواجده في المياه بالإضافة الي امداده بالشحوم

خلال السباحة. كما يفرز السمندر سموما من الغدد الموجودة في الجلد كما أن لبعض الأنواع غدد اضافيه لافراز

فيرومونات. و يغير السمندر الطبقة الخارجية من جلده دوريا خلال مراحل نموه ثم يقوم بأكل هذه الطبقة. السمندر الذي يعيش تحت الأرض بشكل دائم يكون ذو أعين ضامرة وقد تكون مغطاة بطبقة من الجلد. وتحتوي يرقات السمندر وبعض الأنواع المائية على نظام استشعار شبيه بالموجود في الأسماك والذي يساعدها على اكتشاف التغيرات في طغط الماء. لا يوجد للسمندر أذن خارجية ولكنه فقط ذو أذن وسطى لاوظيفية.

https://d.top4top.net/p_91938t941.jpg (https://up.top4top.net/)

التغذية

يصطاد السمندر المائي فريسته بمد لسانه اللزج بسرعة ليلتصق بالفريسة ويجذبها للفم وبالتزامن مع حركة الفم قد يندفع السمندر للأمام ممسكا بالفريسة بفكيه محاوطا لها بالأسنان الصغيرة على حواف الفكين.

في السمندر اللارئوي تنقبض العضلات المحيطة بالعظم اللامي لإنتاج ضغط لإطلاق العظمة اللامية خارج الفم مع اللسان. تتكون حافة اللسان من مادة مخاطية تكون نهاية لزجة تلتصق بها الفريسة. وتقوم العضلات

في منطقة الحوض لاعادة اللسان والعظمة اللامية لمكانها الطبيعي. و مع ذلك فان الكثير من أنواع السمندر المائية ليس لها عضلات في اللسان فلا تستخدمه في اصطياد الفريسة في حين تمتلك معظم الأنواع الأخرى لسان متحرك ولكن بلا وجود للعظم اللامي. ولمعظم أنواع السمندر أسنان صغيرة في كلا الفكين.

التكاثر

يتراوح عدد بيوضه التي تضعها الانثى ما بين 500 إلى 600 بيضه ويقوم الذكر بتخصيبها وحمايتها ل6 اسابيع.تفقس البيوض ويخرج الصغار ولها خياشم تضمر بمرور الوقت ويحل محلها الرئتان.يبلغ طولها سنتمترين ونصف وتصبح مثل والديها حتى بلوغها 3 سنوات. تبقى في معظم الوقت تحت الماء ولاتخرج حتى تكبر.

https://f.top4top.net/p_919s9jn01.jpeg (https://up.top4top.net/)

أسلوب الدفاع عن النفس

تستخدم بعض أنواع السلمندر آلية تسمي ب انشطار ذاتي للهرب من مهاجميها حيث يسقط الذيل ويستمر في التحرك لبعض الوقت بينما يهرب السلمندر أو يظل ساكنا لكي لا تتم ملاحظته من جانب الفريسة. يعيد السلمندر بشكل روتيني إنتاج الأنسجة فعند فقدان جزء من أحد الأطراف فانه بغضون اسابيع قليلة يكون قد تم إصلاح الجزء المفقود. كما يمكن للسمندر إنتاج مادة بيضاء سامة سائلة للدفاع عن نفسه.

تناقص الأعداد

أدى مرض فطري إلى تناقص في أعداد البرمائيات الحية مما أثر أيضا بشكل كبير على حيوان السمندر. وعلى الرغم من أن الباحثين لم يكتشفوا بعد ارتباطا مباشرا بين الفطريات وتناقص اعداد السمندر إلا أنهم يعتقدون انه قد لعب دور ما في ذلك. كما يعتبر الباحثون ازالة الغابات وتغير المناخ عوامل

مساعدة على هذا التناقص العددي. ويقوم هذا الاعتقاد على أساس دراسة بدأت في جواتيمالا في السبعينيات من القرن الماضي وما زالت مستمرة حتى الآن ووجد أن أكثر الأنواع تأثرا هي أنواع لارئوية والتي وجدت بوفرة في السبعينيات.

https://f.top4top.net/p_919jvgw61.jpg (https://up.top4top.net/)

أساطير


نسجت العديد من الأساطير حول السمندر على مر القرون وارتبط الكثير منها بالنيران. ينبع هذا اللارتباط على الأرجح من ميل العديد من أنواع السمندر للسكن بداخل الاخشاب المتعفنة وعند اشتعال الحرائق يحاول السمندر الهرب مضفيا اعتقاد أن السمندر تكون من اللهب وهذا الاعتقاد هو ما أكسب السمندر هذا الاسم. فكرة ارتباط السمندر بالنار تتضح في كتابات أرسطو, بلينيوس الأكبر, التلمود, راي برادبري, باراسيلسوس, دافيد وبر, ليوناردو دا فينشي وجان جاك روسو.

تطبيق اعادة انتاج الأطراف المفقوده على الإنسان

قدرة السمندر على اعادة إنتاج أطرافه كانت ولازلت محط اهتمام بالغ من العلماء, تتردد في اللأوساط العلمية نظرية تفترض ان هذه الخاصية يمكن تخليقها صناعيا في الإنسان باستخدام الخلايا الجذعية.

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 17:47
وما أوردوه له من صور يبين أنه لا يدخل في حد الوزغ المأمور بقتله . فليس كل ما قارب الوزغ في الشبه ، كالسحالي ونحوها ، يعد منه ، ولا له حكمه ؛ فالوزغة مضرة خبيثة الطبع ، بخلاف كثير من السحالي التي تشبهها .

جاء في "الموسوعة العربية العالمية" : " السّمَنْدَرُ حيوان ضعيف غير ضار يشبه السحالي، وهو نوع من الزواحف " . انتهى .

فإذا لم يكن "السمندر" من الوزغ ، في أصل خلقته ، ولا هو يشببه في ضرره ، وخبث طبعه : فإنه لا يأخذ حكمه .

قال الدميري في "العِظَاءة" ، وهي سحلية تشبه الوزغ :

" هي دويبة ملساء تعدو وتتردّد كثيراً ، تشبه سام أبرص إلا أنها أحسن منه ، ولا تؤذي ، وتسمى شحمة الأرض ، وشحمة الرمل ، وهي أنواع كثيرة ، منها الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر وكلها منقطة بالسواد ، وهذه الألوان بحسب مساكنها ، فإن منها ما يسكن الرمال ، ومنها ما يسكن قريباً من الماء والعشب ، ومنها ما يألف الناس "

انتهى من " حياة الحيوان " (2/167) .

وقال التوربشتي الحنفي :

" الوزغ: الدويبة التي يقال لها: سام أبرص، والجمع وزغان ، وقيل: سمي وزغا لخفته وسرعة حركته .."

انتهى من " الميسر في شرح مصابيح السنة " (3/944).

ولذلك فإن بنات الرمل وتسمى اللحكاء والعظاءة ونحوهما – مع شبههما بالوزغ – إلا أنها ليست مثلها ، ولذلك لا يسن قتلها ، وقد كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد أمر بقتلها ، ولذلك قرر جمع من أهل العلم استحباب تركها لأنها غير مضرة .

قال الدميري الشافعي :

" وقال الأصحاب: ما لا يظهر فيه ضر ولا نفع، كالخنافس والدود والجعلان والسرطان والبغاث والرخمة والعظاءة والسلحفاة والذباب وأشباهها، يكره قتلها للمحرم وغيره .

هكذا قطع به الجمهور [ يعني : جمهور الشافعية ]...

وقد ثبت في صحيح مسلم عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ( إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ) وليس من الإحسان قتلها عبثا "

انتهى من " حياة الحيوان " (1/430) .

ثانيا :

لعل السائل لم يعلم بإخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن الوزغ بأنه كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام .

فقد ثبت في صحيح البخاري (3359 ) عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَقَالَ كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام" .

قال أبو عمر بن عبد البر :

" أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْفَأْرَةِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ، وَقَتْلِ الْعَقْرَبِ والوزغ "

انتهى من " الاستذكار " (4/156) .

وقال أبو بكر ابن العربي رحمه الله :

" مسائل :

(الأولى) : الحيوان على ضربين : مؤذ ، وغير مؤذ .

فالمؤذي : يقتل . ومالا يؤذي : لا يقتل .

والوزغ مؤذ في الأصل لنفخه على نبي الله ؛ فدل على أن الإذاية جبلة له .

وله إذاية في الأطعمة ، بتقذيرها وإفسادها ، وقتل آكلها اذا وقعت فيه ؛ فوجب قتلها ، وقتل ما كان مثلها .

(الثانية) مالم يكن مؤذيا من الحيوان ولم يؤذن في قتله على ما يأتي تفضيله "

انتهى، من "عارضة الأحوذي" (6/276) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين: " رَغَّبَ الرسول صلى الله عليه وسلم في قتل الوزغ و (بأن أن الذي يقتله من أول مرة يكون له مائة حسنة) ما حكم قتل الوزغ وما حكم قتل الضفادع؟

فأجاب رحمه الله تعالى: " أما قتل الوزغ ، فإنه سنة ، وفيه أجر عظيم قد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه كان ينفخ النار على إبراهيم حين ألقي فيها) .

ثم إن فيه مضرة ، وأذى ، وأصواتا قبيحة مكروهة .

وأما الضفادع فلا تقتل إلا إذا آذت فإن آذت فلا بأس بقتلها ، لأن كل مؤذٍ يقتل كما قال الفقهاء رحمهم الله يسن قتل كل مؤذٍ. " . انتهى ، من "فتاوى نور على الدرب" .

والخلاصة :

أن هذه الدويبة – ليست من الوزغ - وإذا ثبت ضررها فإنها تقتل ؛ لا لأنها من الوزغ ، لكن لقطع إيذائها ، وإذا لم يثبت ضررها ، فيكره قتلها كبقية الحيوانات التي لا ضرر منها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 17:55
حكم اقتناء السحالي والزواحف وتربيتها

السؤال:

ما هو حكم تربية أحد فصائل البرص (السحلية) الاستوائية ، كحيوان في حوض يمثل بيئته الاستوائية في البيت؟ علما بأنه ليس كالوزغ الصحراوي الذي ورد في الأحاديث التي حثت على قتله، وعائلة البرص كبيرة ، وتحتوي 7 أنواع من البرص تحتوي على مئات من الفصال. أمثلة للاستوائي منها

https://b.top4top.net/p_919893kh1.jpg (https://up.top4top.net/)

https://d.top4top.net/p_919a9tqs1.jpg (https://up.top4top.net/)

الجواب:

الحمد لله :

الأصل في اقتناء الحيوانات وتربيتها الجواز ، إلا ما خصه الدليل منها لنجاسته كالخنزير مثلاً، وكالكلب غير المأذون فيه، وكالحيوان المفترس العادي، أما ما لم ترد الشريعة بالنهي عن اقتنائه فلا بأس بالاحتفاظ به ، وقد ورد في السنة ما يدل على احتفاظ بعض الصحابة بحيوانات مباحة للرعاية والزينة أو اللعب المباح :

كما جاء عن أنس ابن مالك -رضي الله عنه - أنه كان له أخ صغير له نغر يلعب به - وهو طير صغير- فمات طائره فرآه النبي صلى الله عليه وسلم مهموما حزينا فداعبه بما مقتضاه إقراره له على اقتنائه لطائره الصغير هذا فقال له صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا عمير ما فعل النغير !!).

وأما إذا لم يكن في تربيتها حاجة معتبرة شرعاً، فالأفضل للمسلم أن لا يضيع وقته وماله في غير ما فائدة .
قال الرملي في نهاية المحتاج : " ويمتنع اقتناء الخنزير مطلقاً، ويحل اقتناء فهد وفيل وغيرهما مما فيه نفع ولو متوقعاً " انتهى. وفيه تقييد الجواز بما فيه نفع .

والذي يظهر لنا أن السحالي ونحوها مما لا نفع فيه ، ولا هو مما يقتنى للزينة ونحوها ؛ فينبغي ألا يُشتغل باقتنائها ، خاصة إذا كان فيها إضاعة للمال ، أو نوع انشغال بها ؛ إلا لمن كانت له حاجة فيها حاجة تعليمية ، أو نحوها .

وقد سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن حكم اقتناء الحيوانات لإشباع الهواية أو لأغراض الزِّينة؛ ومِنها: الزواحف، مثل: الثعابين والسحالي.

فكان مِن ضمن الجواب: " من شروط صحة البيع كون العين المعقود عليها مباحة النفع من غير حاجة، والثعابين لا نفع فيها، بل فيها مضرة، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها، وهكذا السحالي، وهي: السحابل، لا نفع فيها فلا يجوز بيعها ولا شراؤها"

انتهى من "فتاوى اللجنة" (13/ 38) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-08, 17:59
فتح محل لبيع الزواحف والسباع

السؤال :

أود أن أتقدم لسماحتكم بسؤال عن حكم الشرع في الاتجار أو اقتناء الحيوانات التي تستخدم لإشباع الهواية أو لأغراض الزينة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :

1.طيور الزينة مثل : الببغاوات والطيور الملونة .

2.الزواحف مثل : الثعابين والسحالي .

3. المفترسات مثل : الذئاب والأسود والثعالب .. الخ .

حيث إنها تستخدم إما لأشكالها الجميلة أو لفرائها ، مع العلم بأنها غالية الثمن ، وتحفظ تحت الأسر ، والتجارة فيها لها مردود عالي جداً ؟ .

الجواب :

الحمد لله

أولاً

: بيع طيور الزينة مثل الببغاوات والطيور الملونة والبلابل لأجل صوتها جائز لأن النظر إليها وسماع أصواتها غرض مباح ، ولم يأت نص من الشارع على تحريم بيعها أو اقتنائها

بل جاء ما يفيد جواز حبسها إذا قام بإطعامها وسقيها وعمل ما يلزمها ، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أنس قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ، وكان لي أخ يقال له أبو عُمير قال : أحسبه فطيماً وكان إذا جاء قال : ( يا أبا عُمير ما فعل النُغير ؟ ) نغر كان يلعب به ) ..الحديث ، والنغر نوع من الطيور

قال الحافظ ابن حجر في شرحه ( فتح الباري )

في أثناء تعداده لما يستنبط من الفوائد من هذا الحديث قال : وفيه .. جواز لعب الصغير بالطير ، وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به ، وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات

وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه ، وقص جناح الطير إذ لا يخلو طير أبي عمير من واحد منهما ، وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم ، وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل في خشاش الأرض )

أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 100،152وأحمد 2/261 .

وإذا جاز هذا في الهرة جاز في العصافير ونحوها .

وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة حبسها للتربية ، وبعضهم منع ذلك ، قالوا : لأن سماع أصواتها والتمتع برؤيتها ليس للمرء به حاجة ، بل هو من البطر والأشر ورقيق العيش ، وهو أيضاً سفه لأنه يطرب بصوت حيوان صوته حنين إلى الطيران ، وتأسف على التخلي في الفضاء

كما في كتاب ( الفروع وتصحيحه ) للمرداوي 4/9 ، والإنصاف ( 4/275 )

ثانياً :

من شروط صحة البيع كون العين المعقود عليها مباحة النفع من غير حاجة ، والثعابين لا نفع فيها ، بل فيها مضرة فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ، وهكذا السحالي ، وهي السحابل ، لا نفع فيها ، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها .

ثالثاً :

لا يجوز بيع المفترسات من الذئاب والأسود والثعالب وغيرها من كل ذي ناب من السباع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولما في ذلك من إضاعة المال ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته .

من فتاوى اللجنة الدائمة 13/38.

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-07-14, 16:19
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


معنى "تعالى جدك" في دعاء الاستفتاح.

السؤال :

وصلني اليوم رسالة تقول بالنص : " أن أغلب المصلين يخطئون في دعاء الاستفتاح فيقولون "وتعالى جَدُك" بفتح الجيم وهذا خطأ كبير ، لأن الله سبحانه وتعالى لا والد له ولا ولد ولا جد ! .

والصحيح قول "جِدُك" بكسر الجيم ومعناها العظمى لله . " ما صحة هذا الكلام ؟

وما الصحيح في القول جَدك أم جِدك ؟

الجواب :

الحمد لله

روى مسلم في صحيحه (399) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» .

وقد روي ذلك مرفوعا ، وموقوفا على عمر ، وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

وينظر : "السنن" للدارقطني (2/58)

وما بعدها . سلسلة الأحاديث الصحيحة (2996)

وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (ص93)

للألباني رحمه الله.

وقد ضبط العلماء من أهل الحديث والفقه واللغة وغيرهم (الجَدّ) هنا بفتح الجيم ، ولم يذكروا غيره.

و(الجَدُّ) هو العظمة .

فمعنى الحديث : تعالت عظمتك .

قال النووي رحمه الله في "تهذيب الأسماء واللغات" (3/331) :

"وقوله في دعاء الاستفتاح: (وتعالى جدك) مفتوح الجيم ، أي ارتفعت عظمتك .

وقيل : المراد بالجد: الغنى ، وكلاهما حسن، ولم يذكر الخطابي إلا العظمة، ومنه قوله تعالى إخبارًا عن الجن: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) (الجن/3) أي عظمته" انتهى .

وقال البعلي في "المطلع على أبواب المقنع" (ص 46) :

"(وتعالى جدك) جدُّك، بفتح الجيم" انتهى .

وقال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/478) :

"( وَتَعَالَى جَدُّكَ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ، أَيْ : عَلَا جَلَالُكَ ، وَارْتَفَعَتْ عَظَمَتُك" انتهى .

وفي حاشية ابن قاسم على "الروض المربع" (2/22) :

"و(جد) بفتح الجيم ، العظمة والحظ والسعادة والغناء، وتعالى: تعاظم، جاء على بناء السعة والمبالغة، فدل على كمال العلو ونهايته، أي : علا جلالك، وارتفعت عظمتك، وجلت فوق كل عظمة، وعلا شأنك على كل شأن، وقهر سلطانك كل سلطان" انتهى .

وفي "توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام" للبسام (2/169) :

"جدّك: بفتح الجيم وتشديد الدال، أي عظمتك وجلالك وسلطانك" انتهى .

وقد تكررت هذه الكلمة (جَد) بفتح الجيم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية .

قال الله تعالى على لسان الجن : (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ) الجن/3 .

قال السعدي رحمه الله (ص890) :

أي : تعالت عظمته ، وتقدست أسماؤه" انتهى .

وقال القرطبي رحمه الله (19/8) :

"(جد ربنا) أي : عظمته وجلاله" انتهى .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) رواه البخاري (844) ، ومسلم (593).

قال العلماء أي : لا ينفع ذا الحظ والغنى والجاه، منك : حظُّه، وغناه، وجاهه .

قال ابن رجب في قوله صلى الله عليه وسلم : (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) :

"والجد -بفتح الجيم- المراد به في هذا الحديث: الغنى، والمعنى: لا ينفع ذا الغنى منك غناه.." انتهى من "فتح الباري لابن رجب" (7/417) .

وقال النووي في شرح صحيح مسلم :

"وَقَوْله : ( ذَا الْجَدّ ) الْمَشْهُور فِيهِ فَتْح الْجِيم، هَكَذَا ضَبَطَهُ الْعُلَمَاء الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ .

قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيّ : هُوَ بِالْفَتْحِ ، قَالَ : وَقَالَهُ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكَسْرِ ، قَالَ : وَهَذَا خِلَاف مَا عَرَفَهُ أَهْل النَّقْل ، قَالَ : وَلَا يَعْلَم مَنْ قَالَه غَيْره .

وَضَعَّفَ الطَّبَرِيّ وَمَنْ بَعْده الْكَسْر ، قَالُوا : وَمَعْنَاهُ - عَلَى ضَعْفه - : الِاجْتِهَاد ، أَيْ لَا يَنْفَع ذَا الِاجْتِهَاد مِنْك اِجْتِهَادُه ، إِنَّمَا يَنْفَعهُ وَيُنْجِيه: رَحْمَتُك .

وَقِيلَ: الْمُرَاد: ذَا الْجَدّ وَالسَّعْي التَّامّ فِي الْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا .

وَقِيلَ : مَعْنَاهُ الْإِسْرَاع فِي الْهَرَب ، أَيْ لَا يَنْفَع ذَا الْإِسْرَاع فِي الْهَرَب مِنْك هَرَبَهُ ، فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتك وَسُلْطَانك .

وَالصَّحِيح الْمَشْهُور: الْجَدّ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الْحَظّ وَالْغِنَى وَالْعَظَمَة وَالسُّلْطَان ، أَيْ لَا يَنْفَع ذَا الْحَظّ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَالْوَلَد وَالْعَظَمَة وَالسُّلْطَان، مِنْك : حَظّه ؛ أَيْ لَا يُنْجِيه حَظّه مِنْك ، وَإِنَّمَا يَنْفَعهُ وَيُنْجِيه الْعَمَل الصَّالِح ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (الْمَال وَالْبَنُونَ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات خَيْر عِنْد رَبّك)" انتهى .

وبهذا يتبين أن ضبط الحديث (وتعالى جَدُّك) بفتح الجيم ، قولا واحدا ، وهو العظمة .

ولا يصح أن يقال بكسر الجيم (جِدُّك) فإن في هذا تحريفا لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه صلى الله عليه وسلم قاله بالفتح ، ولم يذكر أحد من العلماء – بعد البحث – وجها آخر في ضبط الحديث .

ولأنه بالكسر يتغير معنى الحديث ، فالجِدُّ بالكسر هو الاجتهاد في العمل ، وضد الهزل ، وهذا المعنى غير مراد من الحديث .

والواجب على من أراد أن ينبه الناس على خطأ يقعون فيه: أن يتأكد من صحة الكلام قبل نشره ، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بالأحكام الشرعية والأحاديث النبوية ، حتى لا يقع في الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث لا يشعر ، وحتى لا ينهى عن الصواب ويأمر بالخطأ ، فيكون من (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) الكهف/104.

والله أعلم .

ملخص الجواب :

ضبط الحديث (وتعالى جَدُّك) بفتح الجيم ، قولا واحدا ، وهو العظمة .

ولا يصح أن يقال بكسر الجيم (جِدُّك) فإن في هذا تحريفا لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه صلى الله عليه وسلم قاله بالفتح ، ولم يذكر أحد من العلماء – بعد البحث – وجها آخر في ضبط الحديث .

*عبدالرحمن*
2018-07-14, 16:23
الفهم الأدق لحديث عدم المغفرة للمتشاحنين

السؤال :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس ، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم. على ضوء هذا الحديث

أود أن أسأل عن حال المشاحن لأخيه ، هل يكون محجوبا من المغفرة حتى لو كان له ورد يومي ، كأن يستغفر كل يوم 1000 مرة ، وحتى لو صام يوم عرفة ، ويوم عاشوراء؟

الجواب :

الحمد لله

المقرر لدى جماهير العلماء أن التوبة الصادقة من بعض الذنوب دون بعض تقبل عند الله تعالى، ولا يشترط للتوبة من ذنب معين كشهادة الزور مثلا أن يتوب هذا الشاهد من كل إثم ومعصية أخرى وقع فيها، فرحمة الله واسعة، يتقبل التوبة عن عباده، ويجازي بالحسنة الحسنة وإن كانت مثقال ذرة، ولا يضيع أجر من أحسن عملا لأجل سيئة واحدة.

قال الإمام النووي رحمه الله:

"تصح التوبة من ذنب ، وإن كان مصرا على ذنب آخر، وإذا تاب توبة صحيحة بشروطها ، ثم عاود ذلك الذنب ، كتب عليه ذلك الذنب الثاني، ولم تبطل توبته . هذا مذهب أهل السنة .."

انتهى من "شرح النووي على مسلم" (17/ 59) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" وسر المسألة، أن التوبة هل تتبعض، كالمعصية، فيكون تائبا من وجه دون وجه، كالإيمان والإسلام؟

والراجح : تبعضها، فإنها كما تتفاضل في كيفيتها كذلك تفاضل في كميتها، ولو أتى العبد بفرض وترك فرضا آخر لاستحق العقوبة على ما تركه دون ما فعله، فهكذا إذا تاب من ذنب وأصر على آخر، لأن التوبة فرض من الذنبين، فقد أدى أحد الفرضين وترك الآخر، فلا يكون ما ترك موجبا لبطلان ما فعل، كمن ترك الحج وأتى بالصلاة والصيام والزكاة..." .

ثم قال بعد كلام له ، ونقاش لبعض الخلاف حول المسألة :

" والذي عندي في هذه المسألة أن التوبة لا تصح من ذنب، مع الإصرار على آخر من نوعه .

وأما التوبة من ذنب، مع مباشرة آخر لا تعلق له به، ولا هو من نوعه : فتصح، كما إذا تاب من الربا، ولم يتب من شرب الخمر مثلا، فإن توبته من الربا صحيحة .

وأما إذا تاب من ربا الفضل، ولم يتب من ربا النسيئة وأصر عليه، أو بالعكس، أو تاب من تناول الحشيشة وأصر على شرب الخمر، أو بالعكس : فهذا لا تصح توبته .

وهو كمن يتوب عن الزنا بامرأة، وهو مصر على الزنا بغيرها، غير تائب منها، أو تاب من شرب عصير العنب المسكر، وهو مصر على شرب غيره من الأشربة المسكرة : فهذا في الحقيقة لم يتب من الذنب، وإنما عدل عن نوع منه إلى نوع آخر، بخلاف من عدل عن معصية إلى معصية أخرى غيرها في الجنس .. "

انتهى ، من "مدارج السالكين" (1/284-285) .

وينظر : "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/56-58)

"مختصر الفتاوى المصرية" (137)

"مجموع الفتاوى" (10/23) .

ولهذا ؛ فعمل الصالحات ، والتوبة من السيئات : يتقبلها الله عز وجل

ولو كان صاحبها متلبسا بهجر أخيه، فذلك العمل الصالح شيء، ومعصية الهجران شيء آخر، لا علاقة بينهما تلازمية، بحيث لا يقبل العمل الصالح مطلقا حتى تزول الشحناء بين الأخوين ، ولا دليل ـ البتة ـ على أن هذه الشحناء ، تحبط عمل العبد الصالح

وليس هذا هو المقصود في الحديث الشريف: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) رواه مسلم (رقم/2565)

إذ لو فهمناه على هذا الوجه لسلكنا طريقا خاطئا يؤدي إلى غلق باب التوبة، وتيئيس العباد من الرحمة، واقتحام حرمة اللعن والطرد من الرحمة تحت ذريعة معصية الشحناء، كما اقتحمت هذه الحرمة من قبل باسم "التكفير" و"التضليل".

وإنما الذي يظهر في معنى الحديث الشريف : أن الذنوب التي لا تغفر بسبب استمرار "الشحناء" هي "نفس الشحناء" التي بين المتهاجرين فقط ، فإن الله لا يتفضل على المتشاحنين بمغفرة هذا الذنب ، إلا أن يتوبا عنه ، ويرجعا إلى ما كانا عليه .

ففي هذه المشاحنة ، والهجران ذنبان: ذنب يتعلق بحق الله سبحانه، وآخر يتعلق بحق العبد، فإذا اصطلحا وتسامحا غفر الله لهما ما يتعلق بحقه أيضا سبحانه، أما إذا لم يصطلحا ولم يتسامحا، لم يغفر لهما، لا من جهة حق العبد ولا من جهة حق الله عز وجل.

أما الذنوب الأخرى التي بين العبد وربه، فلا شأن لها بالشحناء، ولم يقصدها هذا الحديث الشريف.

يقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله – "الاستذكار" (26/159) - :

" وَفِيهِ تَعْظِيمُ ذَنْبِ الْمُهَاجَرَةِ وَالْعَدَاوَةِ وَالشَّحْنَاءِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَأْمَنُهُمُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، الْمُصَدِّقُونَ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ، الْمُجْتَنِبُونَ لِكَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ.

وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمُ مَنْ وَصَفْنَا حَالَهُ، وَمَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ

فَهَؤُلَاءِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهْجُرَهُمْ، وَلَا أَنْ يُبْغِضَهُمْ، بَلْ مَحَبَّتُهُمْ دِينٌ، وَمُوَالَاتُهُمْ زِيَادَةٌ فِي الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينِ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذُّنُوبَ بَيْنَ الْعِبَادِ ، إِذَا تَسَاقَطُوهَا ، وَغَفَرَهَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أَوْ خَرَجَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَمَّا لَزِمَهُ مِنْهَا : سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: ( حَتَّى يَصْطَلِحَا ) ؛ فَإِذَا اصْطَلَحَا : غُفِرَ لَهُمَا ". انتهى .

وينظر أيضا : "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (21/ 263)

وقال القاضي ابن العربي رحمه الله:

"قال علماؤنا: في هذا الحديث دليلٌ على أنّ الذُّنوبَ بين العباد إذا تَسَاقَطُوهَا وغَفَرَهَا بعضُهُم لبعضٍ، أو خرجَ بعضُهُم لبعضٍ عمّا لَزِمَهُ منها، سَقَطَتِ المطالبةُ من الله بها، بدليل قوله في هذا الحديث: (حَتَّى يَصطَلِحَا) فَإِذَا اصطلَحَا غُفِرَ لَهُمَا"

انتهى من "المسالك في شرح موطأ مالك" (7/279)

والخلاصة : أن المتشاحن أو المتخاصم مع أخيه بغير وجه حق : لا يغفر له ذنب التخاصم حتى يصطلح معه؛ لأنه من حقوق العباد التي لا تغفر إلا بالتسامح بينهم.

وأما ذنوبه الأخرى : فالتوبة الصادقة تغفرها ، أو برحمة أرحم الراحمين ؛ ولو كان متخاصما مع أخيه، ولكن يخشى أن يحرم من المغفرة التامة ، أو ألا يوفق إلى التوبة النصوح .

فليخش المشاحن على نفسه ، وليبادر بإصلاح ذات البين .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-14, 16:29
من كان بينه وبين أخيه شحناء هل تقبل توبته

السؤال :

إذا كان الشخص متشاحنا مع أحد لا يكلمه هل تقبل توبته إذا تاب من أي ذنب وهل إذا قال لهم السلام عليكم يكون قد تصالح معهم .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

هجر المسلم لا يجوز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) رواه البخاري ( 5727 ) ومسلم ( 2560 ) .

ويستثنى من تحريم الهجر كما ذكر أهل العلم من كان في هجره مصلحة كصاحب المعصية إذا عُلم أن هجره فيه مصلحة له أو لغيره ، كأن يترك المعصية ، ولا يغتر به غيره .

والهجر يرتفع حكمه بالسلام ، فإذا سلم شخص على شخصٍ ، فقد زال الهجر؛ للحديث السابق " وخيرهما الذي يبدأ بالسلام

ثانياً :

من تاب من ذنبه تاب الله عليه ؛ كما قال سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25، وقال تعالى : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) التوبة/104.

والتوبة صالحة في كل وقت إلا عند الغرغرة ، وعند طلوع الشمس من مغربها ؛ لما روى الترمذي (3537) وابن ماجه (4253) عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ .

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" :

" وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى قَبُول التَّوْبَة مَا لَمْ يُغَرْغِر , كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث . وَلِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَة أَرْكَان : أَنْ يُقْلِع عَنْ الْمَعْصِيَة وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا وَيَعْزِم أَنْ لَا يَعُود إِلَيْهَا فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُل تَوْبَته وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَر صَحَّتْ تَوْبَته ، هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ . وَخَالَفَتْ الْمُعْتَزِلَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ " انتهى .

وروى مسلم (2703) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ).

وأما ما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) ، فالذي يظهر أن هذا في بيان مغفرة الله لعباده تفضلا منه ، من غير توبة منهم .

ولا يعني عدم قبول توبة المشاحن من ذنوبه الأخرى ، فمن كان بينه وبين أخيه شحناء ، وتاب إلى الله تعالى من ذنب آخر كالكذب مثلا ، فإن الله تعالى يتوب عليه ، كما دلت النصوص .

وسبق في كلام النووي رحمه الله أن من تاب من ذنب وهو متلبس بآخر صحت توبته عند أهل السنة .

والله أعلم .:

*عبدالرحمن*
2018-07-14, 16:36
إذا صالحت أختها ولم تقبل فهل يتقبل الله عملها؟

السؤال :

أختي لا تكلمني بعد شجار كانت هي الغلطانة علي مع ذلك أنا كلمتها وسلمت عليها فردت علي : أنا لا أريد أن أكلمك . هل أنا أعمالي لا تقبل ؟

الجواب

الحمد لله

إذا لم تكن الشحناء بسببك ، وسعيت للصلة والوصل ، وكان الصدّ من جهتها ، فلا شيء عليك ، وينبغي أن تستمري في الصلة والإحسان ما أمكنك ، وسلي الله تعالى أن يؤلف بينكما وأن يقيكما نزغات الشيطان .

وقد روى مسلم (2565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) وهذا حديث عظيم يبين خطر القطيعة والشحناء ، وأنها من موانع المغفرة .

قال ابن رسلان : " ويظهر أنه لو صالح أحدُهما الآخر فلم يقبل غفر للمصالِح "

انتهى نقلا عن شرح الزرقاني على الموطأ (4/335).

وروى البخاري (6237) ومسلم (2561) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ).

قال ابن عبد البر

: " واختلفوا في المتهاجرَيْن يسلم أحدهما على صاحبه أيخرجه ذلك من الهجرة أم لا ؟

فروى ابن وهب عن مالك أنه قال : إذا سلم عليه فقد قطع الهجرة ، وكأنه والله أعلم أخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم : (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ).

وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل : إذا سلم عليه هل يجزيه ذلك من كلامه إياه ؟ فقال : ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره فإن كان قد علم منه مكالمته والإقبال عليه فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار .
وقد روى هذا المعنى عن مالك ، قيل لمالك : الرجل يهجر أخاه ثم يبدو له فيسلم عليه من غير أن يكلمه ؟ فقال : إن لم يكن مؤذيا له لم يخرج من الشحناء حتى يكلمه ويسقط ما كان من هجرانه إياه "

انتهى من "التمهيد" (6/127).

وقال النووي في شرح مسلم :

" ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) : أي هو أفضلهما ، وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله . وقال أحمد وابن القاسم المالكي : إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته " انتهى .

والحاصل أن سلامك وكلامك مع أختك ، يرفع عنك إثم الهجر والقطيعة . ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-14, 16:49
حديث (لا يزال أهل الغرب ظاهرين)

السؤال:

ما صحة هذا الحديث ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة)؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

الحديث المقصود في السؤال ثبت عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) .

رواه الإمام مسلم في "صحيحه" رقم (1925) .

، والبزار في "البحر الزخار" (4/57)

وأبو يعلى في "المسند" (2/118)

ونعيم بن حماد في "الفتن" (2/601)

وابن الأعرابي في "المعجم" (1/174)

والشاشي في "المسند" (1/204) .

جميعهم من طريق داود بن أبي هند ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وهذا إسناد صحيح ، لم نقف على مطعن فيه من قبل أحد من المتقدمين أو المتأخرين .

ولكن الرواة اختلفوا في لفظ الحديث على داود بن أبي هند:

فروي بلفظ (أهل الغرب) – كما سبق تخريجه من الكتب - عن:

1. (نعيم بن حماد، ويحيى بن يحيى) كلاهما عن هشيم، عن داود بن أبي هند

2. (نعيم بن حماد، محمد بن المثنى، محمد بن إسماعيل) ثلاثتهم عن عبد الوهاب، عن داود بن أبي هند.

3. (عمرو بن حكام) عن شعبة، عن داود
.
4. عمر بن حبيب ، عن داود .

وروي بلفظ (أهل المغرب)

أخرجه أبو عوانة في "المستخرج" (15/474)

وأبو العرب التميمي في "طبقات علماء إفريقية" (ص10)

وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/75)

رووه بهذا اللفظ عن:

1. (خضر بن محمد، سعيد بن منصور، سعيد بن سليمان، محمد بن الصباح) أربعتهم ، عن هشيم ، عن داود.

2. نعيم بن حماد ، عن عبد الوهاب ، عن داود .

3. عمرو بن حكام، عن شعبة، عن داود .

4. عمر بن حبيب، عن داود.

يقول أبو العباس القرطبي رحمه الله:

"وقد روى الدارقطني في "فوائده" حديث سعد بن أبي وقاص ، وقال فيه: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة) ، ورواه عبد بن حميد الهروي، وقال فيه: (لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة، أو يأتي أمر الله) ورواه بقي بن مخلد في "مسنده"

كذلك: (لا يزال أهل المغرب)"

انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (3/763)

ولم نقف على هذه الروايات فيما وقفنا عليه من الكتب التي سماها.

وهكذا نجد الأمر مشتبها بين اللفظين، يصعب الترجيح فيه بينهما، لما نراه من تشارك وتشابه كبيرين في الرواية عن الرواة أنفسهم، واختلاف التلاميذ في الطبقات المتأخرة يصعب معه الترجيح بين الألفاظ والأوجه.

إلا أن العلماء يميلون إلى الوجه الأول (أهل الغرب)، والسبب فيما يبدو اشتهار هذا اللفظ في كتب أصول السنن الأقدم والأكثر، كصحيح مسلم، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى، وغيرها

بل إن نعيم بن حماد في كتابه "الفتن" يرويه بلفظ (الغرب)، في حين أن من يروي الحديث من طريقه يحكيه عنه بلفظ (المغرب)! الأمر الذي يدل على خطئه.

يقول ابن حجر رحمه الله:

"وقع في بعض طرق الحديث (المغرب) بفتح الميم وسكون المعجمة، وهذا يرد تأويل الغرب بالعرب.

لكن يحتمل أن يكون بعض رواته نقله بالمعنى الذي فهمه، أن المراد الإقليم، لا صفة بعض أهله"

انتهى من "فتح الباري" (13/295) .

ويقول العلامة المعلمي رحمه الله:

"أما ما يحكى أن بعضهم قال "المغرب" فخطأ محض" .

انتهى من "آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني" (12/ 181) .

ثانيا:

وقد اختلف العلماء في بيان (أهل الغرب) هؤلاء، وتحديد هويتهم والتعريف بهم، وذلك على أقوال:

القول الأول:

هم العرب، والعرب يوصفون بأنهم "أهل الغرب"، أي المشهورون باستعمال الدلاء الكبيرة في حاجاتهم المعيشية للمياه، والغرب هو الدلو الكبير. وقد نُقل هذا القول عن الإمام علي بن المديني.

قال يعقوب بن شيبة ، عن علي بن المديني: "الغرب هنا الدلو المذكورة، وأراد العرب؛ لأنهم أصحابها، والمستقون بها، وليست لأحد إلا لهم ولأتباعهم" .

انتهى من "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" (2/ 130) .

*عبدالرحمن*
2018-07-14, 16:49
القول الثاني:

هم المجاهدون، ومعنى (أهل الغرب) على هذا أي: أهل الحِدَّة، فالغرب هي الحدة هنا، أو كما نقل القاضي عياض: "أهل الغرب: أهل الشدة والجلد. وغرب كل شيء : حَده" .

انتهى من "إكمال المعلم" (6/348) والمجاهدون أهل جلد ومثابرة.

يقول ابن العربي المالكي رحمه الله:

"وقال قوم: هم المخصوصون بالجهاد، المثابرون عليه، [الذين] لا يضعون أسلحتهم، فهم أبداً في غرب، وهي الحدة. خرّج ذلك مسلم، وهذا يكون بجوْب القفار، وخَوْض البحار

تحقيقاً للموعد الحق المذكور حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نَاسٌ مِنْ أُمَّتي عُرضوا علىَّ يرْكبُون ثَبَجَ هذَا الْبَحْرِ الأخْضَرِ غُزاةً في سَبِيلِ الله)، وهذا يدل على طلب تحقيق الموعد من وراء البحار، وقد علم صلى الله عليه وسلم بلوغ الدين هنالك"

انتهى من "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (ص586).

ويقول العلامة المعلمي رحمه الله:

"قد قيل وقيل، وأقرب الأقوال أن المراد بالغرب الحدة والشوكة في الجهاد، ففي حديث جابر بن سمرة: (لا يزال هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة الخ). وفي حديث جابر بن عبد الله: (...طائفة من أمتي يقاتلون) ونحوه في حديث معاوية، وحديث عقبة بن عامر" .

انتهى من "آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني" (12/ 181).

القول الثالث:

هم أهل الشام؛ لأن أهل المدينة كانوا يطلقون على الشام غربا؛ بحكم أن معظم بلاد الشام لا تسامت شمال المدينة في خط مستقيم مباشر، بل لا بد من الميل تجاه الغرب لبلوغ معظم أراضي بلاد الشام، كما أن العراق تميل إلى الشرق عن شمال المدينة المباشر.

واستدلوا عليه بأدلة ثلاثة:

1. حمل كلمة (أهل الغرب) على ظاهرها الغالب الاستعمال الذي يتحدث عن الاتجاه، وأنها غرب الأرض، أولى من حمله على معان أخرى كالحدة ونحوها.

2. الرواية الصريحة التي جاءت بلفظ (أهل المغرب) تدل على أن المقصود هو الاتجاه أيضا.

3. الأحاديث النبوية الأخرى التي تتحدث عن الطائفة الظاهرة إلى قيام الساعة، وهي أحاديث صحيحة مروية في الصحيحين

وقد جاء تفسيرها عن بعض الصحابة والتابعين بأن المقصود بهم أهل الحق في بلاد الشام أو في أكناف بيت المقدس، ففي هذا دليل على تفسير حديث (أهل الغرب) هذا، فالحديث يفسر بعضه بعضا.

قال الإمام أحمد بن حنبل – في تفسير (أهل الغرب)-:

"هم أهل الشام"

انتهى من "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود- ت رضا" (ص: 228) .

ويقول ابن قدامة رحمه الله :

" ففسر أحمد الغرب في هذا الحديث بالشام ، وإنما فسره بذلك ؛ لأن الشام يسمى مغربا، لأنه مغرب للعراق ، كما يسمى العراق مشرقا، ولهذا قيل: ولأهل المشرق ذات عرق.

وقد جاء في حديث مصرحا به: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله . وهم بالشام) وفي الحديث، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، قال: وهم بالشام. رواه البخاري في "صحيحه". وفي خبر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة بدمشق ظاهرين) أخرجه البخاري في "التاريخ" . وقد رويت في الشام أخبار كثيرة"

انتهى من "المغني" (9/205) .

تنبيه : حديث أبي هريرة في ذكر "دمشق" : لا يثبت .

وأما قوله في الحديث : " وهم بالشام " ، فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هو من كلام معاذ بن جبل ، رضي الله عنه .

هذا وقد زاد بعض العلماء من أصحاب هذا القول فقالوا: المقصود أهل الشام، وما وراء بلاد الشام من الغرب كله من أهل الحق والخير. واقتصر آخرون على ذكر بلاد الشام.

يقول القاضي عياض رحمه الله:

"قيل: إنه على ظاهره، وإنما أراد غرب الأرض، قال معاذ في الحديث: "وهم بالشام"، وقد جاء مفسرًا في حديث رواه الطبري: (ببيت المقدس أو أكناف بيت المقدس). وقيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك"

انتهى من "إكمال المعلم" (6/348) .

ويقول الطيبي رحمه الله:

"قيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك، وفيه معجزة ظاهرة؛ فإن هذا الوصف لم يزل بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلي الآن، ولا يزال حتى يأتي أمر الله تعالي" .

انتهى من "شرح المشكاة" (8/ 2632).

ويقول ابن رجب رحمه الله:

"وقد فسر الإمام أحمد أهل الغرب في هذا الحديث بأهل الشام؛ فإن التشريق والتغريب أمر نسبي، والنبي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا قال هذا بالمدينة، وقد سمى النبي صلّى الله عليه وسلم أهل نجد والعراق : أهل المشرق، فلذلك كانوا يسمون أهل الشام أهل المغرب؛ لأن الشام تتغرّب عن المدينة، كما أن نجدًا تتشرّق عنها.

وكانوا يسمون البصرة هِندًا، لأنها من جهة الهند، ومنها يُسلك إِلَى الهند، ولهذا قال خالد لما عزله عمر عن الشام: إن عمر أمرني أن [آتي] الهند. قال الراوي: وكانت الهند عندنا البصرة.

وفسرت طائفة أخرى الغرب المذكور في هذا الحديث بالدلو العظيم، وقالوا: المراد بهم العرب؛ لأنهم يستقون [بالغرب]، وهذا قول علي بن المديني وغيره.

وقد وردت الأحاديث أن [العرب تهلك] في آخر الزمان، فلا يبقى منهم بقية إلا بالشام، فيرجع الأمر إِلَى تفسير الحديث بأهل الشام ... وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- التصريح بأن هذه الطائفة المنصورة بالشام"

انتهى باختصار من "مجموع رسائل ابن رجب" (3/ 204) .

ويقول أبو العباس القرطبي رحمه الله:

"وقد روى الدارقطني في "فوائده" حديث سعد بن أبي وقاص، وقال فيه: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة)، ورواه عبد بن حميد الهروي، وقال فيه: (لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة، أو يأتي أمر الله) ورواه بقي بن مخلد في "مسنده" كذلك: (لا يزال أهل المغرب) كذلك.

قلت: وهذه الروايات تدل على بطلان التأويلات المتقدمة، وعلى أن المراد به أهل المغرب في الأرض، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة - مدينة النبي صلى الله عليه وسلم - إنما هو الشام، وآخره: حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى وما بينهما، كل ذلك يقال عليه: مغرب.

فهل أراد المغرب كله، أو أوله؟ كل ذلك محتمل، لا جرم قال معاذ في الحديث الآخر: (هم أهل الشام). ورواه الطبري وقال: (هم ببيت المقدس).

وقال أبو بكر الطرطوشي - في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب، بعد أن أورد حديثا في هذا المعنى

قال: هل أرادكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أراد بذلك جملة أهل المغرب؛ لما هم عليه من التمسك بالسنة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدين، والاقتفاء لآثار من مضى من السلف الصالح" .

انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (3/763-764) .

ويقول ابن تيمية رحمه الله:

"النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا الكلام بمدينته النبوية، فغربه ما يغرب عنها، وشرقه ما يشرق عنها؛ فإن التشريق والتغريب من الأمور النسبية؛ إذ كل بلد له شرق وغرب؛

ولهذا إذا قدم الرجل إلى الإسكندرية من الغرب يقولون: سافر إلى الشرق. وكان أهل المدينة يسمون أهل الشام: أهل الغرب، ويسمون أهل نجد والعراق: أهل الشرق، كما في حديث ابن عمر قال: (قدم رجلان من أهل المشرق فخطبا) وفي رواية (من أهل نجد)، ولهذا قال أحمد بن حنبل: أهل الغرب: هم أهل الشام .

يعني : هم أول الغرب ، كما أن نجدا والعراق : أول الشرق، وكل ما يشرق عنها فهو من الشرق، وكل ما يغرب عن الشام ، من مصر وغيرها فهو داخل في الغرب.

وفي الصحيحين: أن معاذ بن جبل قال: في الطائفة المنصورة: (وهم بالشام). فإنها أصل المغرب، وهم فتحوا سائر المغرب، كمصر، والقيروان، والأندلس وغير ذلك.

وإذا كان غرب المدينة النبوية ما يغرب عنها ، فالبيرة ونحوها على مسامتة المدينة النبوية، كما أن حران والرقة

وسميساط ونحوها على مسامتة مكة، فما يغرب عن البيرة فهو من الغرب الذين وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم. وقد جاء في حديث آخر في صفة الطائفة المنصورة أنهم بأكناف البيت المقدس ، وهذه الطائفة هي التي بأكناف البيت المقدس اليوم.

ومن يتدبر أحوال العالم في هذا الوقت يعلم أن هذه الطائفة هي أقوم الطوائف بدين الإسلام: علما وعملا وجهادا عن شرق الأرض وغربها؛ فإنهم هم الذين يقاتلون أهل الشوكة العظيمة من المشركين وأهل الكتاب

ومغازيهم مع لنصارى ومع المشركين من الترك ومع الزنادقة المنافقين من الداخلين في الرافضة ، وغيرهم كالإسماعيلية ونحوهم من القرامطة : معروفة معلومة قديما وحديثا.

والعز الذي للمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها هو بعزهم، ولهذا لما هزموا سنة تسع وتسعين وستمائة دخل على أهل الإسلام من الذل والمصيبة بمشارق الأرض ومغاربها ما لا يعلمه إلا الله. والحكايات في ذلك كثيرة ليس هذا موضعها"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (28/531).

ويقول أيضا رحمه الله:

"كل بلد له غرب وشرق، والاعتبار في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بغرب مدينته، ومن الفرات هو غرب المدينة، فالبيرة ونحوها على سمت المدينة، كما أن حران والرقة وسميساط ونحوها على سمت مكة.

ولهذا يقال: إن قبلة هؤلاء أعدل القبل، بمعنى أنك تجعل القطب الشمالي خلف ظهرك، فتكون مستقبل الكعبة، فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة إلى آخر الأرض، وأهل الشام أول هؤلاء"

انتهى من "منهاج السنة" (7/58).

ويقول السيوطي رحمه الله:

"ومما يؤيد أن المراد بالغرب من الأرض رواية عبد بن حميد، وبقي بن مخلد: (ولا يزال أهل الغرب) ورواية الدارقطني: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة)

قلت: لا يبعد أن يراد بالمغرب مصر؛ فإنها معدودة في الخط الغربي بالاتفاق، وقد روى الطبراني والحاكم وصححه عن عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تكون فتنة أسلم الناس فيها الجند الغربي) قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم مصر. وأخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين دخلوا مصر، وزاد فيه: (وأنتم الجند الغربي). فهذه منقبة لمصر في صدر الملة

واستمرت قليلة الفتن، معافاة طول الملة، لم يعترها ما اعترى غيرها من الأقطار، وما زالت معدن العلم والدين، ثم صارت في آخر الأمر دار الخلافة، ومحط الرحال، ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر" .

انتهى من "شرح السيوطي على مسلم" (4/ 514) .

القول الرابع:

هم العلماء.

يقول الإمام القرطبي رحمه الله :

" سمعت شيخنا الأستاذ المقرئ النحوي المحدث أبا جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي القرطبي المعروف بابن أبي حجة رحمه الله، يقول في تأويل قوله عليه السلام: (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) إنهم العلماء.

قال: وذلك أن الغرب لفظ مشترك، يطلق على الدلو الكبيرة، وعلى مغرب الشمس، ويطلق على فيضة من الدمع. فمعنى (لا يزال أهل الغرب) أي: لا يزال أهل فيض الدمع من خشية الله عن علم به وبأحكامه ظاهرين، الحديث. قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [فاطر: 28].

قلت [أي القرطبي]: وهذا التأويل يعضده قوله عليه السلام في صحيح مسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة)، وظاهر هذا المساق أن أوله مرتبط بآخره. والله أعلم" .

انتهى من "تفسير القرطبي" (8/ 297) .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-14, 16:55
كيف تجرأ شيطان على الاقتراب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخاف من عمر رضي الله عنه ؟

السؤال :

أريد توضيح النقطة التالية كيف تجرأ شيطان على الاقتراب من رسول الله وهو يخاف من عمر رضي الله عنه ؟

الجواب :

الحمد لله

الحديث المذكور في فضل عمر رضي الله عنه صحيح متفق عليه ، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه :" (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ) . رواه البخاري (3294) ، ومسلم (2396) .

وليس من شك أن حال النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأعلى وأجل من حال عمر رضي الله عنه ، وقد أمكن الله تعالى نبيه الأمين من شيطانه ، وأقدره عليه ، فأسلم ، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم من شره وأذاه .

قال ابن القيم رحمه الله في "طريق الهجرتين" (ص228) :

" ولهذا كان حالُ النبي صلى الله عليه وسلم في قهره قرينه ، حتى انقاد وأَسلم له ، فلم يكن يأْمره إلا بخير : أكملَ من حال عمر ؛ حيث كان الشيطان إذا رآه يفر منه ، وكان إذا سلك فجا سلك ، غير فجه.

وبهذا خرج الجواب عن السؤال المشهور ، وهو: كيف لا يقف الشيطان لعمر ، بل يفر منه، ومع هذا قد تفلَّت على النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعرض له وهو في الصلاة ، وأَراد أن يقطع عليه الصلاة؟ ومعلوم أن حال الرسول أكمل وأقوى ؟

والجواب : ما ذكرناه ؛ أَن شيطان عمر كان يفر منه ، فلا يقدر أحدهما على قهر صاحبه، وأَما الشيطان الذى تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم : فقد أخذه وأسره ، وجعله في قبضته كالأَسير.

وأَين من يهرب منه عدوه ، فلا يظفر به ، إلى من يظفر بعدوه ، فيجعله في أَسره وتحت يده وقبضته ؟!". انتهى .

وهناك توجيه آخر ذكره الكلاباذي في "بحر الفوائد" (ص213) قال :

" ويجوز أن يكون الشيطان كان يخاف عمر ، ولا يخاف النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لو خاف النبي صلى الله عليه وسلم لم يخل خوفه منه وهيبته إياه من أحد وجهين : إما خوف إجلال وتعظيم ، وهو فضيله

والشيطان أبعد شيء من الفضائل ، أو يكون خوف عقوبة يحلها به ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعاجل بالعقوبة استخفافا به ، وقلة مبالاة ، إذ لم يكن صلى الله عليه وسلم يخاف فتنته

ولا يهاب وسوسته ، وقد أيس الشيطان من ذلك ، فلا يوسوس إليه ، ولا يقرب منه ، وأمن عقوبته ، فلم يهبه اغترارا به ، وأمنًا من مكر الله ، وهما من صفاته ، أعني الاغترار بالله ، وأمن مكره .

وأما عمر رضي الله عنه فإنه كان يخاف الشيطانَ أن يفتنه ، ويوسوس إليه ، فكان يناصبه ، ويستعد له ، ويُنصر عليه ، فكان الشيطان يخافه لاستعداده له ، ومناصبته إياه ، فكان يترك فجه ، وسبيله حذرا منه .

وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يبالي به ، ولا يتفكر فيه ، استخفافا به ، واستصغارا له ، كأنه ليس بشيء...

ألا ترى إلى ما روي في الحديث : ( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص ) ، هذا فيمن لم يقصد ، فكيف بمن يقصد له ، ذاكرا لله ، مستعيذا به منه .

غير أن الأنبياء عليهم السلام ، والأكابر ممن دونهم لا يبالونه ، ولا يتفكرون فيه ، فهو يأمنهم اغترارا بالله ، فيدنو منهم يروم منهم ما يروم من غيرهم فلا يضرهم ، يضر نفسه ، كمثل الفراش يأمن النار فيدنو منها فيحرق نفسه ". انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-14, 17:03
صفات عمر رضي الله عنه التي جعلت الشيطان يخافه ويفرّ منه .

السؤال:

ما الصفات التي جعلت من عمر بن الخطاب رضي الله عنه شخصاً فريداً يفر الشيطان منه ؟

وهل يمكن لأي مسلم في الوقت الحاضر أن يتحلى بتلك الصفات ؟

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (3294) ، ومسلم (2396)

عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ: " اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الحِجَابَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ

قَالَ : ( عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي ، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ ) ، قَالَ عُمَرُ : فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ ، ثُمَّ قَالَ : أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ ، أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ) .

وروى الترمذي (3691) وصححه

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: ( يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ فَانْظُرِي ) ، فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ المَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ

فَقَالَ لِي : ( أَمَا شَبِعْتِ ، أَمَا شَبِعْتِ ) ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ: لَا ؛ لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ ، إِذْ طَلَعَ عُمَرُ، قَالَتْ : فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا: قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ )

وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

وروى الترمذي (3690) وصححه

عن بُرَيْدَةَ قال : " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلَا ) ، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ

ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا ، ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ )

وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

ولا شك أنه كان لعمر رضي الله عنه من خلال الخير وخصال الإيمان ما لم يبلغ أحد من هذه الأمة شأوه ، سوى صديق هذه الأمة الذي سبقه ، وفُضّل عليه ، وأما من سواه ، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن بعدهم ، فما بلغوا في الولاية ، ولا خصال الإيمان منزلته ، ولا باراه أحد فيها .

ومع ما كان عليه عمر رضي الله عنه من عظيم الإخلاص ، والصدق ، وما أعطيه من منازل الخير والتقوى ، فالذي يظهر أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، من فرار الشيطان من عمر رضي الله عنه : كان كرامة له ، وخصوصية ، خصه الله بها ، لا يلزم أن يكون قد أعطيها لأجل عمل معين قام به

بل ربما كان ذلك لتكامل خصال الخير فيه ، أو لأمر معين ، لا نعلمه ، ولم يأتنا خبر من الصادق أن من فعل كذا ، فر الشيطان منه ، ولا نعلم أن تلك الكرامة قد حصلت لغيره من الأمة أصلا .

ولعل من أعظم تلك الخصال غيظا للشيطان ، وإعانة لعمر رضي الله عنه عليه ، حتى فر منه : صدق لهجته في الحق ، فلا يداهن ، ولا يداري ، وقوته في الأخذ به ، فلا يضعف عنه ، ولا يلين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -
:
" الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَسْتَطِيلُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِهَوَاهُ ، وَعُمَرُ قَمَعَ هَوَاهُ " .

انتهى من " منهاج السنة النبوية " (6/ 55) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-14, 17:11
من الأفضل والأعلم أبو بكر وعمر أم علي ؟

السؤال:

إذا أردنا أن نكون حياديين بالنسبة لسيدنا على بن أبي طالب فهو أعلى منزلة من الصحابة ، فالحديث يمتدحه ليس فقط كمجاهد ولكن كشخص مثالي وبعلمه وفقهه

حتى إن أبا بكر وعمر دائماً يسألانه عما يشكل عليهما ولا يعرفان إجابته ، فكيف تكون مرتبتهما أعلى من مرتبته ؟.

الجواب :

الحمد لله

لا شك أن الصحابي الجليل على بن أبي طالب رضي الله عنه كان من أعقل الناس وأحزمهم ، وقد اشتهر بالشجاعة والإقدام، وهو أول من أسلم من الصبيان ، ثم لازم النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ، وعند خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بصحبة أبي بكر رضي الله عنه خلَفه فنام على فراشه

ومن مناقبه رضي الله عنه ما ثبت عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر : ( لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه ، فقاموا يرجون لذلك أيهم يعطى ، فغدوا وكلهم يرجو أن يعطى ، فقال : أين علي ؟ فقيل يشتكي عينيه ، فأمر فدعي له ، فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء )

رواه البخاري 2942 ، ومسلم 2406 .

وكما أن لعلي رضي الله عنه فضائل ومناقب ، فلغيره من الصحابة رضوان الله عليهم فضائل أخرى ومناقب ، فمن مناقب أبي بكر رضي الله عنه ما ثبت عن أبي سعيد الخدري قال

: ( خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ ، إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد ، وكان أبو بكر أعلمنا

قال : يا أبا بكر ، لا تبك ، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر ) رواه البخاري 466 ، ومسلم 2382 .

ومن مناقبه صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، كما قال تعالى { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم } التوبة / 40 .

ومنها ما ثبت عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل ، قال : ( فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك ؟ قال عائشة ، فقلت من الرجال فقال : أبوها ، قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر بن الخطاب ، فعد رجالا ) رواه البخاري 3662 ، ومسلم 2384

ومن مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه في آخر حياته للصلاة بالناس في مرض موته صلى الله عليه وسلم ، وشدد على من اعترض عليه وقال : ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) رواه البخاري 683 ، ومسلم 418

ومن مناقبه ما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال : ( اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) رواه البخاري 3675 ، وغير ذلك .

أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فله مناقب وفضائل ثابتة أيضا ، فمن ذلك ما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره ، قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال الدين )

رواه البخاري 23 ، ومسلم 2390
.

*عبدالرحمن*
2018-07-15, 04:43
ومن ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب ، قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم ) رواه البخاري 82 ، ومسلم 2391

ومنه ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : ( قد كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم )

رواه مسلم 2398

إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على فضائل الصحابة رضوان الله عليهم ومناقبهم ، إلا أن تفضيل بعضهم على بعض وارد عقلا وثابت شرعا ، وليس ذلك بالتشهي أو الهوى ، وإنما مرد ذلك إلى الشرع ، كما قال تعالى { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون } القصص / 68 .

ولنرجع إلى الأدلة الشرعية التي تبين مراتب الصحابة رضوان الله عليهم ومنازلهم ، فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم "

رواه البخاري 3655

وفي رواية قال : " كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم "

البخاري 3697

فهذه شهادة الصحابة كلهم ينقلها عبد الله بن عمر على تفضيل أبي بكر رضي الله عنه على سائر الصحابة ، ثم تفضيل عمر رضي الله عنه بعده ، ثم عثمان .

ولندع المجال لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - نفسه ليدلي بشهادته ، فعن محمد بن الحنفية - وهو ابن علي بن أبي طالب - قال : ( قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر ، قلت ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان ، قلت ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين )

رواه البخاري 3671

وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال :

" لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري " ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد تواتر عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر روى ذلك عنه من أكثر من ثمانين وجها ورواه البخاري وغيره ولهذا كانت الشيعة المتقدمون كلهم متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر كما ذكر ذلك غير واحد "

منهاج السنة 1 / 308

وعن أبي جحيفة : " أن عليا رضي الله عنه صعد المنبر ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، والثاني عمر رضي الله عنه

وقال يجعل الله تعالى الخير حيث أحب " رواه الإمام أحمد في مسنده 839

وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : " إسناده قوي "

فهذه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة رضي الله عنهم كلها شاهدة على عقيدة أهل السنة والجماعة والتي لا خلاف بينهم عليها ، أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عن الصحابة أجمعين .

أما كون أبي بكر وعمر يسألان عليا دائما ولا يعرفان ، فلم يثبت هذا في أثر مطلقا ، بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يصلي أبو بكر رضي الله عنه بالناس في مرض موته

ولا يستخلف النبي صلى الله عليه وسلم إلا عالما بأحكام الصلاة ، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى أبا بكر رضي الله عنه على الحج قبل حجة الوداع ، ولا يولي النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على هذا المقام إلا وهو أعلمهم به ، بل ثبت أن عليا تعلم بعض الأحاديث من أبي بكر رضي الله عنهما عن بعض المسائل

فعن أسماء بن الحكم الفزاري قال : " سمعت عليا يقول : إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به ،

وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته ، وإنه حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له

ثم قرأ هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } إلى آخر الآية ) رواه الترمذي 406 ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

وروى الترمذي (3682)

عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ ) .

صححه الألباني في صحيح الترمذي (2908) .

وقد سبق قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر : ( قد كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم )

فالحاصل أن اعتقاد أهل السنة والجماعة ، والذي أجمعوا عليه ، أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهم أجمعين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" لم يقل أحد من علماء المسلمين المعتبرين : إن عليا أعلم وأفقه من أبي بكر وعمر بل ولا من أبي بكر وحده ، ومدعي الإجماع على ذلك من أجهل الناس وأكذبهم ، بل ذكر غير واحد من العلماء إجماع العلماء على أن أبا بكر الصديق أعلم من علي

منهم الإمام منصور بن عبد الجبار السمعاني المروذي ، أحد أئمة السنة من أصحاب الشافعي ذكر في كتابه : " تقويم الأدلة على الإمام " إجماع علماء السنة على أن أبا بكر أعلم من علي

وما علمت أحدا من الأئمة المشهورين ينازع في ذلك ، وكيف وأبو بكر الصديق كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يفتي ويأمر وينهي ويقضي ويخطب كما كان يفعل ذلك إذا خرج هو وأبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ولما هاجرا جميعا ويوم حنين وغير ذلك من المشاهد والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت يقره على ذلك ويرضى بما يقول ولم تكن هذه المرتبة لغيره .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته لأهل العلم والفقه والرأي من أصحابه : يقدم في الشورى أبا بكر وعمر فهما اللذان يتقدمان في الكلام والعلم بحضرة الرسول عليه السلام على سائر أصحابه ، مثل قصة مشاورته في أسرى بدر ، فأول من تكلم في ذلك أبو بكر وعمر ، وكذلك غير ذلك

………. وفي صحيح مسلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا معه في سفر فقال : ( إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا ) ، وقد ثبت عن ابن عباس : أنه كان يفتي من كتاب الله ، فإن لم يجد فبما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن لم يجد أفتى بقول أبي بكر وعمر ، ولم يكن يفعل ذلك بعثمان وعلي

وابن عباس حبر الأمة وأعلم الصحابة وأفقههم في زمانه ، وهو يفتي بقول أبي بكر وعمر مقدما لقولهما على قول غيرهما من الصحابة . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " .

مجموع الفتاوى 4 / 398

انظر

الفصل في الملل والنحل 4 / 212

بل ضللت ص 252

الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ص 120



و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 15:48
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

من الذنوب ما تجتمع فيه العقوبة الدنيوية والأخروية

السؤال:

كيف الجمع بين حديث ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .

و( إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم

القيامة ) خرجه الترمذي وحسنه . و" فَمَن وَفَى مِنكُم فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا فَعُوقِبَ فِي الدنيَا، فَهُوَ كَفارَةٌ لَهُ،) وبين حديث في سنن أبي داود مرفوعا: ( مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ ) اهـ.

فكيف الجمع بين قوله في الأول الأخذ بالعقوبة في الدنيا يعفي من عقوبة الآخرة، ثم هنا في الحديث الآخر قال: إنه يدخر له العقوبة في الآخرة، مع أخذه بعقوبة الدنيا ؟

فهل يعاقب المسلم بذنب في الدنيا والآخرة: أم هل من أخذ بذنبه بإيقاع العقوبة عليه في الدنيا عفي من عقوبة الآخرة في هذا الذنب ؟

الجواب :

الحمد لله

لا تعارض بين الحديثين، بل الحديث الأول عام، والحديث الثاني خاص، ولا تعارض بين عام وخاص.

وبيان ذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) -رواه الترمذي (2396)

وصححه الألباني في صحيح الترمذي- يفيد أن تعجيل العقوبة للعبد في الدنيا خير له، لأن العقوبة والبلاء يكفر الذنب، حتى لا يوافي ربه بذنبه .

ويستثنى من هذا بعض الذنوب التي ثبتت فيها العقوبة في الدنيا والآخرة، فإن عقوبتها في الدنيا لا تكفّرها، بل تبقى عقوبة الآخرة، إلا أن يتوب أو يتجاوز الله عنه برحمته.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" فإذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، إما بماله أو بأهله، أو بنفسه، أو بأحد ممن يتصل به .

المهم أن تعجل له العقوبة، لأن العقوبات تكفر السيئات ، فإذا تعجلت العقوبة وكفر الله بها عن العبد، فإنه يوافي الله وليس عليه ذنب ، قد طهرته المصائب والبلايا

حتى إنه ليشدد على الإنسان موته لبقاء سيئة أو سيئتين عليه، حتى يخرج من الدنيا نقيا من الذنوب، وهذه نعمة لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة .

لكن إذا أراد الله بعبده الشر ، أمهل له واستدرجه وأدر عليه النعم ، ودفع عنه النقم، حتى يبطر ويفرح فرحاً مذموما بما أنعم الله به عليه .

وحينئذ يلاقي ربه وهو مغمور بسيئاته فيعاقب بها في الآخرة نسأل الله العافية.

فإذا رأيت شخصاً يبارز الله بالعصيان ، وقد وقاه الله البلاء وأدر عليه النعم، فاعلم أن الله إنما أراد به شراً لأن الله أخر عنه العقوبة حتى يوافي بها يوم القيامة "

انتهى من "شرح رياض الصالحين" (1/258).

ومن الذنوب التي تجتمع فيها العقوبتان، ولا تكون عقوبة الدنيا مكفرة لها: البغي، وقطيعة الرحم، والخيانة، والكذب.

روى أبو داود (4902) ، والترمذي (2511) ، وابن ماجه (4211)

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ) والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

ورواه الطبراني بلفظ: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب، وإن أعجل الطاعة ثوابا، لصلة الرحم ، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا )

وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (10642).

قال المناوي رحمه الله:

"وفيه: أن البلاء بسبب القطيعة في الدنيا، لا يدفع بلاء الآخرة"

انتهى من "التيسير شرح الجامع الصغير" (2/698).

وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله

: " يعني: أنه تحصل له عقوبة في الدنيا والآخرة، فيجمع له بين العقوبة الدنيوية والأخروية، حيث يجعل له الله العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة، فيجمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، والضرر الذي يحصل في الدنيا، والضرر الذي يحصل في الآخرة .

وهذا يدل على عظم وخطورة شأن البغي وقطيعة الرحم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن صاحبهما جدير بأن يحصل له هذا وهذا، وأن يجمع له بين هذا وهذا، وهذا يدل على خطورة أمر البغي وقطيعة الرحم"

انتهى من "شرح سنن أبي داود" (28/ 167) ترقيم الشاملة.

فالحاصل

: أن كون العقوبة الدنيوية خيرا للعبد لأنها تكفر ذنبه، ليست عامة في كل الذنوب، بل من الذنوب ما تجتمع فيه العقوبتان، ولا تكون الأولى مسقطة للثانية إلا أن يشاء الله .

على أننا ننبه هنا إلى أن العبد ليس له أن يتمنى من الله أن يعاقبه بذنبه في الدنيا

ولا أن يدعو الله بذلك ، بل يطمع في عفو الله وفضله ، وأن يرزقه العفو والعافية والمعافاة ، في الدنيا والآخرة؛ وفضل الله واسع ، ولا قبل لأحد بعذاب الله ، فلا يستفتحن العبد على نفسه ، ولا يتعجل البلاء ، ولا يتمناه ؛ فإنه لا يدري ما يكون حاله فيه .

روى مسلم في صحيحه (2688)

عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟»

قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سُبْحَانَ اللهِ لَا تُطِيقُهُ - أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ - أَفَلَا قُلْتَ: اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " قَالَ: فَدَعَا اللهَ لَهُ، فَشَفَاهُ.

قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله :

" فَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْهُ .. "

فذكر الحديث الأول :

" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا , وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".

قَالَ هَذَا الْقَائِلُ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ , فَلِمَ لَحِقَ اللَّوْمُ مَنْ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا لِيَسْلَمَ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ؟ " .

قال الإمام الطحاوي رحمه الله :

" فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ مِنَ الْحَدِيثِ الثَّانِي كَمَا ذَكَرَ , وَالَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ , غَيْرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَ لِأُمَّتِهِ إِشْفَاقًا عَلَيْهِمْ , وَرَحْمَةً لَهُمْ , وَرَأْفَةً بِهِمْ , أَنْ يَدْعُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمُعَافَاةِ فِي الدُّنْيَا مِمَّا مِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلِ فِيهِ ,

وَأَنْ يُؤْتِيَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَا يُؤَمِّنُهُمْ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ , وَهَذِهِ الْحَالُ فَهِيَ أَعْلَى الْأَحْوَالِ كُلِّهَا , فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ أَنْ لَا تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ , وَلَا اخْتِلَافَ , وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ "

انتهى ، من "تأويل مشكل الآثار" (5/291-292) .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 15:53
يسأل عن ترك بعض الصلوات هل هو من الكبائر ؟

وعمن لم يجتنب الكبائر هل تكفر صغائره ما بين الجمعتين والرمضانين ؟

السؤال :

هل تكفر الصلاةُ الأعمال السيئة ، وترك بعض الصلوات حسب حديث الصلاة ، والجمعة ، ورمضان مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر ؟ وإذا لم تجتنب

فهل تسجل الذنوب صغيرها وكبيرها ، أم كبيرها فقط ؛ لأن ترك بعض الصلوات ليس من كبائر الذنوب ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

اجتناب الكبائر يكفر الصغائر ؛ كما قال تعالى ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) النساء / 31 .

وقال سبحانه ( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) الشورى / 37 .

وإذا اجتنب المسلم الكبائر وحافظ على الصلوات الخمس والجمعة وصيام رمضان ، فإن هذا أشد وأقوى في محو الصغائر ، وتكفيرها .

فإن لم يجتنب الكبائر ، فليس في الحديث ما يدل على أن هذه الأعمال الصالحة بمفردها تكفر الصغائر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صيام يوم عرفة يكفر سنتين، وصيام يوم عاشوراء يكفر سنة ) .

لكن إطلاق القول بأنه يكفر : لا يوجب أن يكفر الكبائر بلا توبة ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال في الجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان : ( كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) .

ومعلوم أن الصلاة هي أفضل من الصيام، وصيام رمضان أعظم من صيام يوم عرفة، ولا يكفر السيئات إلا باجتناب الكبائر، كما قيده النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف يظن أن صوم يوم أو يومين تطوعا ، يكفر الزنا والسرقة وشرب الخمر والميسر والسحر ونحوه ؛ فهذا لا يكون " .

انتهى، من "مختصر الفتاوى المصرية" (290) ، وينظر : ص (575) .

وقال ابن رجب رحمه الله ، بعد حكاية الخلاف في ذلك :

" والصَّحيح قول الجمهور: إنَّ الكبائر لا تُكفَّرُ بدون التوبة؛ لأنَّ التوبة فرضٌ على العباد، وقد قال -عز وجل-: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .

وقد فسرت الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود التوبة بالندم ، ومنهم من فسَّرها بالعزم على أنْ لا يعود . وقد روي ذلك مرفوعاً من وجه فيه ضعفٌ ؛ لكن لا يعلم مخالفٌ من الصحابة في هذا، وكذلك التابعون ومَنْ بعدهم، كعمر بن عبد العزيز، والحسن وغيرهما.

وأما النصوص الكثيرة المتضمنة مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات للمتقين، كقوله تعالى: (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ)

وقوله تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) ، وقوله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)

فإنَّه لم يُبين في هذه الآيات خصال التقوى، ولا العمل الصالح، ومن جملة ذلك: التوبة النصوح، فمَنْ لم يتب، فهو ظالم، غيرُ متّقٍ.

وقد بين في سورة آل عمران خصالَ التقوى التي يغفر لأهلها ويدخلهم الجنَّة، فذكر منها الاستغفار، وعدم الإصرار، فلم يضمن تكفيرَ السيئات ومغفرة الذنوب إلاَّ لمن كان على هذه الصفة، والله أعلم."

انتهى ، من "جامع العلوم والحكم" (2/507-508) .

وينظر: "فتح الباري" لابن رجب أيضا (4/221) وما بعدها .

وقال ابن القيم رحمه الله:

"يَقُول بَعْضُهُمْ : يَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ الْعَامِ كُلَّهَا ، وَيَبْقَى صَوْمُ عَرَفَةَ زِيَادَةً فِي الْأَجْرِ ، وَلَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ ، أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَهِيَ إِنَّمَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ .

فَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ ، لَا يَقْوَيَان عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ ، إِلَّا مَعَ انْضِمَامِ تَرْكِ الْكَبَائِرِ إِلَيْهَا ، فَيَقْوَى مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ .

فَكَيْفَ يُكَفِّرُ صَوْمُ يَوْمِ تَطَوُّعٍ كُلَّ كَبِيرَةٍ عَمِلَهَا الْعَبْدُ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا ، غَيْرُ تَائِبٍ مِنْهَا ؟ هَذَا مُحَالٌ.

عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ مُكَفِّرًا لِجَمِيعِ ذُنُوبِ الْعَامِ عَلَى عُمُومِهِ ، وَيَكُونُ مِنْ نُصُوصِ الْوَعْدِ الَّتِي لَهَا شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ ، وَيَكُونُ إِصْرَارُهُ عَلَى الْكَبَائِرِ مَانِعًا مِنَ التَّكْفِيرِ ، فَإِذَا لَمْ يُصِرَّ عَلَى الْكَبَائِرِ تَسَاعد الصَّوْم وَعَدَم الْإِصْرَارِ ، وَتَعَاونَا عَلَى عُمُومِ التَّكْفِيرِ

كَمَا كَانَ رَمَضَانُ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مَعَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ مُتَسَاعِدَيْنِ مُتَعَاوِنَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ.

مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ قَالَ : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) سُورَةُ النِّسَاءِ/ 31 ؛ فَعُلِمَ أَنَّ جَعْلَ الشَّيْءِ سَبَبًا لِلتَّكْفِيرِ، لَا يَمْنَعُ أَنْ يَتَسَاعَدَ هُوَ وَسَبَبٌ آخَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ، وَيَكُونُ التَّكْفِيرُ مَعَ اجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ، أَقْوَى وَأَتَمَّ مِنْهُ مَعَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا ، وَكُلَّمَا قَوِيَتْ أَسْبَابُ التَّكْفِيرِ كَانَ أَقْوَى وَأَتَمَّ وَأَشْمَلَ"

انتهى من "الجواب الكافي" (ص13) .

ثانيا :

ترك صلاة من الصلوات المفروضة ليس من الصغائر كما يظن السائل ؛ بل هو من أكبر الكبائر .

قال ابن تيمية مبينا حدّ الكبائر

" كُلُّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِلَعْنَةِ أَوْ غَضَبٍ أَوْ نَارٍ فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ذَنْبٍ تُوُعِّدَ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَا يَشُمُّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَقِيلَ فِيهِ : مَنْ فَعَلَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَأَنَّ صَاحِبَهُ آثِمٌ . فَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ"

انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/130) .

وقال الذهبي :

" مَّا فِيهِ حد فِي الدُّنْيَا كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة أَو جَاءَ فِيهِ وَعِيد فِي الْآخِرَة من عَذَاب أَو غضب أَو تهديد أَو لعن فَاعله على لِسَان نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ كَبِيرَة "

انتهى من "الكبائر" (ص:8) .

ونظمها ابن عبد القوي رحمه الله بقوله :

فما فيه حد في الدنا أو توعّدٌ * بأخرى فسمْ كبرى على نص أحمد

وزاد حفيد المجد أو جا وعيده * بنفي لإيمان ولعن لمبعد

وبهذا يتبين أن ترك صلاة واحدة ، نعم ، واحدة : يدخل في تعريف الكبيرة دخولا أوليا ، بل هو من أكبر الكبائر ، وأعظم العظائم ؛ فقد جاء فيها وعيد الآخرة ، ونفي الإيمان .

فمن الوعيد قوله تعالى ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) سورة مريم / 59 .

ونُفي الإيمان عن تاركها فسماه النبي صلى الله عليه وسلم كافرا في حديث جابر (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)

رواه الترمذي (2621) والنسائي (431)

وابن ماجه (1079)

وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2113) .

بل لا مقارنة بين ترك الصلاة وبين غيرها من كبائر الذنوب، فالنصوص الواردة في التغليظ على تارك الصلاة لا يوازنها شيء .

بل إن أكثر أهل العلم الذين قالوا بكفر تارك الصلاة ، إنما يحكمون بكفره ، إذا ترك صلاة واحدة .

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (16/302) :

"لا خلاف بين الفقهاء في أن من ترك الصلاة جحودا واستخفافا كافر مرتد، يحبس للاستتابة وإلا يقتل.

وقد ذكروا: أن ترك الصلاة يحصل بترك صلاة واحدة يخرج وقتها دون أدائها مع الإصرار على ذلك" انتهى .

وينظر : "المغنى" لابن قدامة (2/157)

"فتح الباري" لابن رجب (4/308) .

فكيف يظن الظان ، أو يتوهم متوهم أن ترك صلاة واحدة ليس من الكبائر؟ وهل هذا إلا من كيد الشيطان ، ونزغه ووسواسه ؟

بل إن ترك صلاة واحدة ، كبيرة ، وأي كبيرة !!

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 16:00
أسباب تكفير الذنوب

السؤال :

أنا مسلمة متزوجة . وقد وُلدت لعائلة مسلمة . لكني ، لم أكن أعلم عن أحكام الإسلام الشيء الكثير . وقد وقعت في الكثير من المعاصي الكبيرة ، مما جعلني أشعر وكأني أسوء إنسان في هذا العالم . والآن ، فأنا أحاول تحصيل العلم ، العلم المتعلق بهذا الدين العظيم ، وأن أطبق أحكامه . لكني ، لا أشعر بالسلام والراحة في قلبي . أنا دوما أتساءل : كيف لي أن أعرف ما إذا كان الله ، رب العالمين ، قد غفر لي أم لا ؟

ما هي الأمور الصالحة التي يمكنني فعلها كي تمسح ذنوبي العظيمة التي وقعت فيها سابقا ؟ كيف لي أن أتقرب من ربي ؟

يا الله ، أرني ما يدل على أنك رحمتني .

أنا لا أستطيع أن أنام بشكل جيد ، ولا أستطيع أن أرتاح ، ولا أستمتع بأي شيء . أنا أشعر دوما وكأني سأموت في أي وقت وسيسألني الله . كيف أجيبه سبحانه ، فأنا ليس عندي ما أقوله . أنا أبكي من داخلي دائما . يا الله ، أخبرني كيف أتخلص من جميع ذنوبي .

أنا أكتب لك لأني قرأت كتابك "أريد أن أتوب ، ولكن .." مرارا . وأشعر بعد قراءتها بشيء من الراحة عندما أقرأ قول الله تعالى : "لا تقنطوا من رحمة الله .." الآية 53 من سورة الزمر . وهذا هو الأمل الوحيد في حياتي .

هل تظن أن الله سيغفر لي وأنا تلك المرأة العاصية التي وقعت في كل معاصي ؟

لقد صليت صلاة التوبة وأنا أحاول أن أغير طريقة حياتي في جميع الجوانب ليرضى ربي علي . أتعهد بأن أتبع أحكام الإسلام فيما بقي من عمري .

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

الحمد لله الذي وفقك للتوبة ، وهداك بعد الضلال ، وأنار لك الطريق ، وحبب إليك الإيمان وزينه في قلبك ، فله الحمد أولاً وآخراً .

ثم هنيئاً لكِ أيتها السائلة على التوفيق للتوبة ، وهذه نعمة تحتاج إلى شكر ، فالله يتوب على من تاب .

ثانياً :

قولك : " كيف أعرف أن الله قد غفر لي أم لا ؟ "

اعلمي بأن من تاب توبة ً صادقة تاب الله عليه والله غفور رحيم ، وعد من تاب أن يغفرله ذنوبه فقال : ( قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 ، والله إذا وعد فإنه لا يخلف الميعاد .

وقال تعالى : ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان/71 . ففي هذه الآية بين الله لنا أنه يبدل سيئات التائب إلى حسنات ، وهذا من فضائل التوبة .

ثالثاً : قولك : " كيف أتخلص من ذنوبي ؟ "

هذه مسألة مهمة ، وهي الأسباب التي تكفر الذنوب : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب :

أحدها : التوبة ، وهذا متفق عليه بين المسلمين . قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )

وقال تعالى : { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم } ، وقال تعالى : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ) ، وأمثال ذلك .

السبب الثاني : الاستغفار كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا أذنب عبدٌ ذنباً فقال أي رب أذنبت ذنباً فاغفر لي ، فقال : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي .. الحديث " .

رواه البخاري (6953) ومسلم (4953) .

وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون ثم يستغفرون فيُغفَرُ لهم " ( التوبة/4936 ).

السبب الثالث :الحسنات الماحية ، كما قال تعالى : ( أقم الصلاة طرفي النهار وزُلَفَاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم (344)

وقال : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غُفِرَله ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري (37) ومسلم (1268)

وقال : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَله ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري (1768)

وقال : " من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه البخاري (1690)

وقال : " فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " رواه البخاري (494) ومسلم (5150)

وقال : " من أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكل عضوٍ منها عضواً منه من النار ، حتى فرجه بفرجه " رواه مسلم (2777) . وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح ،

وقال : " الصدقةُ تُطْفِئُ الخطيئة كما يُطْفِئُ الماءُ النارَ، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطبَ . "

والسبب الرابع الدافع للعقاب : دعاءُ المؤمنين للمؤمن ، مثل صلاتهم على جنازته ، فعن عائشة ، وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم

أنه قال : " ما من ميت يصلى عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شُفِعُوا فيه " رواه مسلم (1576)

وعن ابن عباس قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجلٍ مسلمٍ يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً ، إلا شفعهم الله فيه " رواه مسلم (1577) . وهذا دعاء له بعد الموت .

السبب الخامس : " ما يعمل للميت من أعمال البر ، كالصدقةِ ونحوها ، فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة ، واتفاق الأئمة

وكذلك العتق والحج ، بل قد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه ." رواه البخاري (5210) ومسلم (4670)

السبب السادس : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة ، كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة ، مثل قوله في الحديث الصحيح : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " صححه الألباني في صحيح أبي داوود (3965)

وقوله صلى الله عليه وسلم : " خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة ، فاخترت الشفاعة ..." انظر صحيح الجامع (3335) .

السبب السابع : المصائب التي يُكَفِرُ الله بها الخطايا في الدنيا ، كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم

أنه قال : " ما يُصيب المؤمن من وصبٍ ولا نصب ولا همٍ ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه " رواه البخاري (5210) ومسلم (4670) .

السبب الثامن : ما يحصل في القبر من الفتنة ، والضغطة ، والروعة ( أي التخويف ) ، فإن هذا مما يُكَفَرُ به الخطايا .

السبب التاسع : أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها .

السبب العاشر : رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد ."

المرجع مجموع فتاوى ابن تيمية ج7 ص " 487- 501 " .

رابعاً : قولك " هل تظن أن الله سيغفر لي ؟!! ... "

نعم ، لو تبتي توبة صادقة ، فإن الله وعد من تاب بالتوبة ، والأدلة على ذلك قد تقدمت . فإياك أيتها الأخت أن تقنطي من رحمة الله ، وتذكري قصة الرجل الذي قتل مئة شخص ، ثم تاب فتاب الله عليه ، وإليك القصة كما رواها الإمام مسلم في صحيحه في كتاب التوبة (2766) :

" عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ

فَقَالَ : لا ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ .

فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَتْ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ " .

فيستفاد من هذا الحديث فوائد منها :

1- أن الله يغفرالذنوب كلها عن التائب مهما بلغت ، ويدل له قوله تعالى : ( قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .

2- أن على التائب أن يبتعد عن رفقة السوء الذين كانوا معه على المعصية ، وعليه أن يصاحب رفقةً صالحة ، تعينه على الخير ، وتدله عليه .

3- على المسلم أن يعيش في حياته بين الخوف والرجاء ، فهو يخاف ذنوبه ويخشى منها ، ولا يأمن مكر الله ولا يجزم لنفسه بدخول الجنة

فإن الصحابة رضوان الله عليهم رغم صلاحهم وتقواهم لم يكن هذا حالهم ، بل كانوا يخافون ربهم ويعبدونه رغباً ورهباً ، وخوفاً وطمعاً ، فالمسلم إذاً يعمل الطاعات ويتوب ويطمع في رحمة الله ويعلم أن الله يغفر لمن تاب ويتوب عليه فيرجو أن يغفر الله له

ويعلم أن الله يتقبل من عبده العمل الصالح ويحب ذلك منه فيجتهد في عمل الصالحات راجياً القبول ، فإذا عاش بهذه الحال : خائفاً من ذنوبه

راجياً رحمة ربه أصبح مجتهداً في الطاعة بعيداً عن المعصية يسأل الله أن يُثيبه على الصالحات حتى يلقاه وهو راضٍ عنه ، ويستعيذ بالله من أن يقلب قلبه أو يغير حاله ، كما كان يدعو عليه الصلاة والسلام : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " .

نسأل الله لنا ولك الثبات على دينه ، والمزيد من فضله ، إنه سميع مجيب .

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 16:04
التوبة

السؤال :

عملت ذنوباً كثيرة لا يعلمها إلا الله فماذا علي أن افعل حتى يتوب الله عليّ ؟.

الجواب :

الحمد لله

يضعف إيمان المسلم ويغلبه الهوى ..

ويزين له الشيطان المعصية .

. فيظلم نفسه ..

ويقع فيما حرم الله

.. والله لطيف بالعباد .

. ورحمته وسعت كل شيء ..

فمن تاب بعد ظلمه فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم .. ( فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ) المائدة/39.

والله عفو كريم .. أمر جميع المؤمنين بالتوبة النصوح ليفوزوا برحمة الله وجنته فقال : ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) التحريم/8.

وباب التوبة مفتوح للعباد , حتى تطلع الشمس من مغربها , قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ) رواه مسلم برقم 2759.

والتوبة النصوح ليست كلمة تقال باللسان .. بل يشترط في قبول التوبة أن يقلع صاحبها عن الذنب فوراً .. ويندم على ما فات .. ويعزم على أن لا يعود إلى ما تاب منه .. وأن يرد المظالم أو الحقوق إن كانت لأهلها .

. وأن تكون التوبة قبل معاينة الموت ..قال تعالى : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً - وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً ) النساء / 17 -18 .

والله تواب رحيم يدعو أصحاب الذنوب إلى التوبة , ليغفر لهم ( كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بِجَهَالَةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ) الأنعام / 54.

والله رؤوف بالعباد يحب التائبين .. ويقبل توبتهم كما قال سبحانه ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) الشورى/25 .

وقال سبحانه : ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) البقرة / 222.

والكافر إذا أسلم .. يبدل الله سيئاته حسنات .. ويغفر له ما سلف من ذنوب كما قال سبحانه ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) الأنفال/38.

والله غفور رحيم يحب التوبة من عباده , ويأمرهم بها ليغفر لهم ..

وشياطين الإنس والجن يريدون أن يميلوا بالناس من الحق إلى الباطل كما قال سبحانه : ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ) النساء / 27.

ورحمة الله وسعت كل شيء .. فإذا عظمت ذنوب العبد .. وأسرف على نفسه في المعاصي , والآثام , ثم تاب ..

فإن الله يتوب عليه .. ويغفر ذنوبه مهما بلغت كما قال سبحانه : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ) الزمر/53.

وقال عليه الصلاة والسلام ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا , حين يبقى ثلث الليل الآخر , فيقول من يدعوني فأستجيب له , من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ) رواه البخاري (1077) ومسلم(758) .

والنفس ضعيفة .. فإذا أذنب الإنسان فعليه بالتوبة والاستغفار كل حين فإن الله غفور رحيم وهو القائل : ( ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً ) النساء /110.

والمسلم عُرضة للأخطاء والمعاصي .. فينبغي له الإكثار من التوبة والاستغفار .. قال عليه الصلاة والسلام ( والله إني لأستغفر الله , وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) رواه البخاري برقم 6307.

والله يحب من عبده التوبة , ويقبلها , بل يفرح بها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ( لَلَّه أفرح بتوبة عبده من أحدكم , سقط على بعيره , وقد أضله في أرض فلاة ) متفق عليه أخرجه البخاري برقم 6309.

من كتاب أصول الدين الإسلامي تأليف الشيخ : محمد بن ابراهيم التويجري.

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 16:09
الفرق بين الكبائر والصغائر

السؤال :

هل من الممكن أن تبينوا لي الفرق بين الكبائر والصغائر؟

الجواب :

الحمد لله

قال ابن القيم رحمه الله :

" الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار " انتهى .

"مدارج السالكين" (1/315)

فمتى عرفنا الكبائر عرفنا الصغائر .

وقد تعددت أقوال العلماء في تعريف الكبيرة بعد التسليم بعدم إرادة الحصر في السبع :

قال الحافظ :

" قِيلَ : الكبيرة مَا يَلْحَقُ الْوَعِيدُ بِصَاحِبِهِ بِنَصِّ كِتَاب أَوْ سُنَّة .

وَقَالَ اِبْن عَبْد السَّلَام : لَمْ أَقِف عَلَى ضَابِط الْكَبِيرَة يَعْنِي يَسْلَم مِنْ الِاعْتِرَاض , قَالَ : وَالْأَوْلَى ضَبْطُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا إِشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا , قَالَ وَضَبَطَهَا بَعْضهمْ بِكُلِّ ذَنْب قُرِنَ بِهِ وَعِيد أَوْ لَعْن .

وَقَالَ اِبْن الصَّلَاح : لَهَا أَمَارَات مِنْهَا إِيجَاب الْحَدّ , وَمِنْهَا الْإِيعَاد عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ بِالنَّارِ وَنَحْوهَا فِي الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة , وَمِنْهَا وَصْف صَاحِبهَا بِالْفِسْقِ , وَمِنْهَا اللَّعْن .

وَقَدْ أَخْرَجَ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَ " كُلّ ذَنْب نَسَبَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى النَّار فَهُوَ كَبِيرَة "

وَمِنْ أَحْسَنِ التَّعَارِيفِ قَوْلُ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم " كُلّ ذَنْب أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِنَصِّ كِتَاب أَوْ سُنَّة أَوْ إِجْمَاع أَنَّهُ كَبِيرَة أَوْ عَظِيم أَوْ أُخْبِرَ فِيهِ بِشِدَّةِ الْعِقَاب أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحَدّ أَوْ شُدِّدَ النَّكِير عَلَيْهِ فَهُوَ كَبِيرَة " .

وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي تَتَبُّع مَا وَرَدَ فِيهِ الْوَعِيد أَوْ اللَّعْن أَوْ الْفِسْق مِنْ الْقُرْآن أَوْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَالْحَسَنَة وَيُضَمّ إِلَى مَا وَرَدَ فِيهِ التَّنْصِيص فِي الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث الصِّحَاح وَالْحِسَان عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَة .

وَقَالَ الْحَلِيمِيّ فِي " الْمِنْهَاج " مَا مِنْ ذَنْب إِلَّا وَفِيهِ صَغِيرَة وَكَبِيرَة , وَقَدْ تَنْقَلِب الصَّغِيرَةُ كَبِيرَةً بِقَرِينَةٍ تُضَمّ إِلَيْهَا , وَتَنْقَلِب الْكَبِيرَةُ فَاحِشَةً كَذَلِكَ , كَقَتْلِ النَّفْس بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ كَبِيرَة

, فَإِنْ قَتَلَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا أَوْ ذَا رَحِمٍ أَوْ بِالْحَرَمِ أَوْ بِالشَّهْرِ الْحَرَام فَهُوَ فَاحِشَة . وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ , فَإِنْ كَانَ بِحَلِيلَةِ الْجَار أَوْ بِذَاتِ رَحِم أَوْ فِي شَهْر رَمَضَان أَوْ فِي الْحَرَم فَهُوَ فَاحِشَة .

وَسَرِقَة مَا دُون النِّصَاب صَغِيرَة , فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوق مِنْهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَفْضَى بِهِ عَدَمُهُ إِلَى الضَّعْف فَهُوَ كَبِيرَة "

انتهى كلام الحافظ ملخصا .

وينظر : "تفسير ابن كثير" (2/285-286)

وَسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ . هَلْ لَهَا حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ ؟

فأجاب :

" أَمْثَلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ : أَنَّ الصَّغِيرَةَ مَا دُونُ الْحَدَّيْنِ : حَدُّ الدُّنْيَا وَحَدُّ الْآخِرَةِ .

وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : مَا لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ : كُلُّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِلَعْنَةِ أَوْ غَضَبٍ أَوْ نَارٍ فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ . وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ : وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا وَلَا وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ أَيْ " وَعِيدٌ خَاصٌّ " كَالْوَعِيدِ بِالنَّارِ وَالْغَضَبِ وَاللَّعْنَةِ .

وَكَذَلِكَ كُلُّ ذَنْبٍ تُوُعِّدَ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَا يَشُمُّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَقِيلَ فِيهِ : مَنْ فَعَلَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَأَنَّ صَاحِبَهُ آثِمٌ . فَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ " انتهى باختصار.

"مجموع الفتاوى" (11/650- 652)

وينظر : "مجموع الفتاوى" (11/658-659)

"مدارج السالكين" لابن القيم (1/315-327) في بحث له نفيس .

وقد جاء ما يفيد بظاهره حصر الكبائر في سبع :

فروى البخاري (2767) ومسلم (89) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : ( الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ ) .

وروى الطبراني في "المعجم الأوسط" (5709) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الكبائر سبع : الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وقذف المحصنة والفرار من الزحف وأكل الربا وأكل مال اليتيم والرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة ) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (4606)

إلا أن الحصر في سبع غير مراد .

قال الحافظ في الفتح :

" أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قِيلَ لَهُ الْكَبَائِر سَبْع فَقَالَ : هُنَّ أَكْثَرُ مِنْ سَبْع وَسَبْع , وَفِي رِوَايَة عَنْهُ هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ , وَفِي رِوَايَة إِلَى السَّبْعمِائَةِ , وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْمُبَالَغَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ اِقْتَصَرَ عَلَى سَبْع " انتهى .

وها هنا ثلاثة أمور ينبغي الالتفات إليها والتفطن لها :

أولها : أن الإصرار على الصغيرة قد يجعلها كبيرة .

قالَ الْقَرَافِيُّ : الصَّغِيرَةُ لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ وَلَا تُوجِبُ فُسُوقًا , إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَتَكُونُ كَبِيرَةً . .

. فَإِنَّهُ لَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ , وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ كَمَا قَالَ السَّلَفُ . . .

وَيَعْنُونَ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةَ بِشُرُوطِهَا , لَا طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَزْمِ " انتهى .

"الموسوعة الفقهية" (34/156)

وقال ابن القيم رحمه الله :

" الإصرار على الصغيرة قد يساوي إثمه إثم الكبيرة أو يربى عليها " انتهى .

"إغاثة اللهفان" (2/151)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" إذا أصر الإنسان على الصغيرة وصار هذا ديدنه صارت كبيرة بالإصرار لا بالفعل

مكالمة المرأة على وجه التلذذ حرام وليس بكبيرة ، ولكن إذا أصر الإنسان عليه وصار ليس له هم إلا أن يشغل الهاتف على هؤلاء النساء ويتحدث إليهن صار كبيرة ، فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة من حيث الإصرار ؛ لأن إصراره على الصغيرة يدل على تهاونه بالله عز وجل ، وأنه غير مبال بما حرم الله " انتهى بمعناه .

"لقاء الباب المفتوح" (172/5)

ثانيها :

أن الاستهانة بالصغائر مهلكة ؛ فقد روى أحمد (3808) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ) .

وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا : ( كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا ) . صححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2470)

واجتناب الكبائر مكفرة للصغائر .

أنه لا يخلو أحد من ذنب يأتيه في عيشه ، إما بينه وبين ربه ، وإما بينه وبين الخلق ، فليجتهد أن يطهر صحيفته دائما ، وليعلم أنه إذا اتقى المهلكات ، والكبائر والموبقات ، غفر الله له ما بين ذلك من اللمم .

قال الله تعالى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) النساء/31 ، وقال سبحانه : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) النجم/32

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُرَاد بِاللَّمَمِ مَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) وَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ . وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) فَيُؤْخَذ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّمَم مِنْ الصَّغَائِر وَأَنَّهُ يُكَفَّر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر "

انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 16:14
معنى اللمم

السؤال :

قال الله تعالى : ( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) ما معنى اللمم في هذه الآية الكريمة ؟.

الجواب :

الحمد لله

هذه الآية الكريمة في سورة النجم ، وهي تذكر صفات المحسنين الذين هم أهل الجنة ، قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم/31، 32 .

وقد اختلف المفسرون والأئمة في معنى اللمم على أقوال ، منها :

1- روي عن جماعة من السلف : أنه الإلمام بالذنب مرة ، ثم لا يعود إليه ، وإن كان كبيراً ، قال البغوي : هذا قول أبي هريرة ، ومجاهد ، والحسن ، ورواية عن ابن عباس .

2- وقال سعيد بن المسيب : هو ما ألم بالقلب . أي ما خطر عليه .

3- وقال الحسين بن الفضل : "اللمم" : النظر من غير تعمد ، فهو مغفور ، فإن أعاد اللمم : فليس بلمم ، وهو ذنب .

4- وذهبت طائفة إلى أن "اللمم" : ما فعلوه في الجاهلية قبل إسلامهم ، فالله لا يؤاخذهم به ، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين : أنتم بالأمس كنتم تعملون معنا ، فأنزل الله هذه الآية ، وهذا قول زيد بن ثابت ، وزيد بن أسلم .

5- وذهب جمهور العلماء إلى أن "اللمم" هو صغائر الذنوب .

روى البخاري (6243) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) .

قَالَ الرَّاغِب : اللَّمَم مُقَارَفَة الْمَعْصِيَة ، وَيُعَبَّر بِهِ عَنْ الصَّغِيرَة .

وقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُرَاد بِاللَّمَمِ مَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ ) وَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ . وَقَالَ فِي الآيَة الأُخْرَى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) فَيُؤْخَذ مِنْ الآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّمَم مِنْ الصَّغَائِر وَأَنَّهُ يُكَفَّر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر اهـ .

وذكر النووي رحمه الله كلام الخطابي ثم قال :

" هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي تَفْسِير اللَّمَم , وَقِيلَ : أَنْ يُلِمّ بِالشَّيْءِ وَلا يَفْعَلهُ , وَقِيلَ : الْمَيْل إِلَى الذَّنْب . وَلا يُصِرّ عَلَيْهِ , وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ . وَأَصْل اللَّمَم وَالإِلْمَام الْمَيْل إِلَى الشَّيْء وَطَلَبَهُ مِنْ غَيْر مُدَاوَمَة . وَاَللَّه أَعْلَم " اهـ .

قال الحافظ :

وَمُحَصَّل كَلَام اِبْن عَبَّاس تَخْصِيصه بِبَعْضِهَا ( يعني : تخصيص اللمم ببعض الذنوب الصغار) , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَة اللَّمَم أَوْ فِي حُكْم اللَّمَم اهـ .

وروى الترمذي (3284) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ ) . قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا) . صححه الألباني في صحيح الترمذي .

قال في تحفة الأحوذي :

اخْتَلَفَت أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ . . وَهو الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ اهـ .

وقال القرطبي رحمه الله :

‏"إلا اللمم" وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه اهـ .

وقال ابن جرير :

" وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال "إلا" بمعنى الاستثناء المنقطع، ووجه معنى الكلام (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) بما دون كبائر الإثم ، ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، فإن ذلك معفو لهم عنه

وذلك عندي نظير قوله جل ثناؤه : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما )
النساء/31 .

فوعد جل ثناؤه باجتناب الكبائر ، العفو عما دونها من السيئات ، وهو اللمم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لعينان تزنيان ، واليدان تزنيان

والرجلان تزنيان ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه) وذلك أنه لا حد فيما دون ولوج الفرج في الفرج ، وذلك هو العفو من الله في الدنيا عن عقوبة العبد عليه ، والله جل ثناؤه أكرم من أن يعود فيما قد عفا عنه " اهـ

وقد ورد في السنة الصحيحة إطلاق اللمم على من يعمل الذنوب المرة ونحوها ، ولم يداوم على ذلك .

وهو موافق لمعنى اللمم في اللغة .

ففي حديث الإفك :

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ كُنْت أَلْمَمْت بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّه ) رواه البخاري (2661) ومسلم (2770) .

قال النووي : مَعْنَاهُ : إِنْ كُنْت فَعَلْت ذَنْبًا وَلَيْسَ ذَلِكَ لَك بِعَادَةٍ , وَهَذَا أَصْل اللَّمَم اهـ .

وقد جمع السعدي رحمه الله في تفسيره بين المعنيين ، فقال (ص 976) :

" (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ) أي : يفعلون ما أمرهم الله به من الواجبات التي يكون تركها من كبائر الذنوب ، ويتركون المحرمات الكبار من الزنا وشرب الخمر وأكل الربا والقتل ونحو ذلك من الذنوب العظيمة (إِلا اللَّمَمَ) وهو الذنوب الصغار التي لا يصر صاحبها عليها

أو التي يُلِم العبد بها المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة ، فهذه ليس مجرد الإقدام عليها مخرجاً للعبد من أن يكون من المحسنين ، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء

ولهذا قال : ( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد

ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الأرض ، ولما ترك على ظهرها من دابة ، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) " اهـ .

وليس معنى الآية الإذن لهم في ارتكاب (اللمم) وهي الصغائر ، بل المعنى : أنهم يجتنبون الكبائر ، ثم ما وقع منهم من الصغائر - على سبيل الزلة والخطأ - فإنه يقع مغفوراً لهم باجتنابهم الكبائر .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 16:20
كيف نجمع بين النهي عن قول (اللهم اغفر لي إن شئت) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للمريض (لا بأس طهور إن شاء الله) ؟

السؤال :

كيف يمكن أن نوفق بين الحديث الذي قال فيه النبي صلى "لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، وليعزم في الدعاء فإن الله لا مُكرِه له". رواه البخاري حديث رقم 6339؛ ورواه مسلم حديث 2679.

والحديث الذي يقول فيه النبي إلى شخصٍ مريض" لا بأس طهور إن شاء الله".

الجواب :

الحمد لله

أولا :

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليق الدعاء "بالمشيئة" ، وأرشد الداعي إلى أن يجزم في دعائه ، ويعظم رغبته إلى رب العالمين .

قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، : ( لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ، إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، لاَ مُكْرِهَ لَهُ ) رواه البخاري (7477) ، ومسلم (2679) .

قال أبو الوليد الباجي رحمه الله :

" مَعْنَاهُ : لَا يَشْتَرِطُ مَشِيئَتَهُ ، بِاللَّفْظِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ مُتَيَقَّنٌ : أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ، وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا ؛ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ ، لِأَنَّهَا إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ دُونَ أَنْ يَشَاءَ ، بِالْإِكْرَاهِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَنَزَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ .

وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ، بِقَوْلِهِ : ( فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ ) .

وَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ ) : أَيْ يُعْرِي دُعَاءَهُ وَسُؤَالَهُ مِنْ لَفْظِ الْمَشِيئَةِ ، وَيَسْأَلُ سُؤَالَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ .

وَأَيْضًا : فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ ( إنْ شِئْت ) : نَوْعًا مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ مَغْفِرَتِهِ ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ إنْ شِئْت أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا فَافْعَلْ ؛ لَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا إلَّا مَعَ الْغِنَى عَنْهُ . وَأَمَّا الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَعْزِمُ مَسْأَلَتَهُ ، وَيَسْأَلُ سُؤَالَ فَقِيرٍ مُضْطَرٍّ إلَى مَا سَأَلَهُ. " ا

نتهى، من "المنتقى شرح الموطأ" (1/356) .

قال القرطبي رحمه الله:

"فِي قَوْلِهِ :" إِنْ شِئْتَ" نَوْعٌ مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ مَغْفِرَتِهِ وَعَطَائِهِ وَرَحْمَتِهِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا فَافْعَلْ، لَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا إِلَّا مَعَ الْغِنَى عَنْهُ ، وَأَمَّا الْمُضْطَرُّ إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَعْزِمُ فِي مَسْأَلَتِهِ ، وَيَسْأَلُ سُؤَالَ فَقِيرٍ مُضْطَرٍّ إِلَى ما سأله"

انتهى من" تفسير القرطبي " (2/ 312) .

وقال الشيخ عبد الله الغنيمان ، حفظه الله :

" الدعاء عبادة للمدعو ، بالرغبة والرهبة، والذل والاستكانة والافتقار .

ولهذا صار صرفه لغير الله شركاً أكبر، لا يغفره الله إلا بالتوبة منه .

والله جل وعلا هو رب الخلق وإلههم، خلقهم وتعبدهم، وجعل مصيرهم إليه، وهو يملك كل شيء، حتى أفعالهم الاختيارية لا يمكن أن تقع إلا بمشيئته.

ويملك هداية قلوبهم وإزاغتها، وهو الذي يحبب الإيمان إلى من يشاء، ويكرهه إلى من يشاء، ويكره الكفر والفسوق والعصيان إلى من يشاء، ويحببه إلى من يشاء .

وبهذا يعلم شدة حاجة الإنسان إلى دعاء الله - تعالى - بصدق وإلحاح، وعزم قوي، ورغبة شديدة؛ لأنه فقير فقراً ذاتياً لا ينفك عنه لحظة واحدة إلى ربه، ولا خلاص له من العذاب السرمدي إلا إذا منّ الله عليه وتفضل بهدايته .

لذلك وجب أن لا يعلق الدعاء على مشيئته - تعالى -، فهذه علة النهي .

والعلة الثانية ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ( فإنه لا مستكره له ) ؛ فإن تعليق الدعاء بالمشيئة يشعر بأن الله - تعالى - يعطي ما لا يريد، كما يحصل لابن آدم، وهذا لا يجوز اعتقاده في الله.

والمقصود : أنه يحرم تعليق الدعاء بالمشيئة لعلتين:

إحداهما: إشعار ذلك باستغناء الداعي عما يدعو، وهو خلاف الواقع، وخلاف العبودية الواجبة على العبد.

والثانية: إشعار ذلك بأن الله قد يعطي ما يكره عطاءه .

فيجب على العبد أن يدعو ربه بعزم لا تردد فيه، وبرغبة وإلحاح وإظهار الافتقار والفاقة."

انتهى من "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" (2/256) .

ثانيا :

أما عن قول النبي صلى الله عليه وسلم للمريض حين زاره (لا بأس طهور إن شاء الله) فلا يعارض الأصل المتقدم ؛ فليس فيه إظهار استغناء ، ولا خشية استكثار ، فالمحذور غير وارد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله خبرا ؛ على سبيل الرجاء ، أو التبرك ؛ وإلا ، فليس المرض طهورا في حق كل أحد .

قال ابن بطال رحمه الله :

" وأما قوله للأعرابى: « لا بأس عليك طهور إن شاء الله » فإنما أراد تأنيسه من مرضه بأن الله يكفر ذنوبه، ويقيله، ويؤخر وفاته فوقع الاستثناء على ما رجا له من الإقالة والفرج؛ لأن المرض معلوم أنه كفارة للذنوب

وإن كان الاستثناء قد يكون بمعنى رد المشيئة إلى الله تعالى، وفى جواب الأعرابى ما يدل على ما قلناه، وهو قوله: حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور. أى ليس كما رجوت من الإقالة.

وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « فنعم إذًا » دليل على أن قوله: « لا بأس عليك » ، أنه على طريق الرجاء لا على طريق الخبر عن الغيب، وكذلك قوله: « إن الله قبض أرواحنا حين شاء، وردها حين شاء » ".

انتهى، من "شرح صحيح البخاري" (10/484)

وينظر : "التوضيح" لابن الملقن (3/397) .

وقال الملا علي القاري رحمه الله :

"(طَهُورٌ) " أَيْ: لَا مَشَقَّةَ وَلَا تَعَبَ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ بِالْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّهُ مُطَهِّرُكَ مِنَ الذُّنُوبِ. (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) : لِلتَّبَرُّكِ أَوْ لِلتَّفْوِيضِ أَوْ لِلتَّعْلِيقِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ طَهُورًا مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِهِ صَبُورًا شَكُورًا."

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (2/1123) .

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" ما حكم الاستثناء في الدعاء للغير؟ مثاله: غفر الله لك إن شاء الله، أو وفقك الله إن شاء الله ، وهل من ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم للمريض: (طهور إن شاء الله) ؟ " .

فأجاب :

"أما قول الداعي: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، فهذا محرم، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأما قوله: إن شاء الله فهو أقل رتبة لكن لا ينبغي.

وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا بأس طهور إن شاء الله) فهذا من باب الرجاء؛ وذلك لأن المريض قد يكون مرضه طهورا له وقد لا يكون، فلو كان هذا المريض لم يصبر، وقلبه مملو

من التسخط على الله عز وجل لم يكن طهورا، فيكون إن شاء الله من باب الرجاء، يعني: أسأل الله أن يكون طهورا لك إذا صبرت واحتسبت الأجر"

انتهى من اللقاء (234) من "لقاءات الباب المفتوح" .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 16:25
اشكال حول رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام للدجال وهو يطوف بالبيت

السؤال :

كيف نرد على من يقول أن النبي صلى الله وعليه وسلم قد رأى في منامه الدجال وهو يطوف بالكعبة

علما بأن رؤيا النبي حق كفلق الصبح

وأن الدجال لا يمكن أن يدخل مكة كما أخبر صلى الله عليه وسلم بارك الله فيكم

الجواب :

الحمد لله

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبِطُ الشَّعْرِ، بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً - أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً - قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ مَرْيَمَ .

ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ، جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الدَّجَّالُ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ ) رواه البخاري (3441) ومسلم (171) .

ورواه البخاري (3440) بلفظ :

( وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ فِي المَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.

ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا وَرَاءَهُ جَعْدًا قَطِطًا أَعْوَرَ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: المَسِيحُ الدَّجَّالُ ) .

فظاهر هذه الرؤيا ، أن الدجال يدخل مكة ويطوف بالكعبة ؛ بينما صح أن الدجال يمنع من دخول مكة والمدينة .

عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ، وَالمَدِينَةَ ... ) رواه البخاري (1881) ومسلم (2943) .

وهذا الإشكال قد أشار أهل العلم إلى جوابين عليه :

الجواب الأول :

أن المنع من دخول الدجال إلى مكة سيكون بعد ظهور فتنته ، أما قبلها أو في الزمن الماضي فلا يوجد من نصوص الشرع ما يدل على منعه من دخولها .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

" وفيه – أي حديث ابن عمر السابق - دلالة على أن قوله صلى الله عليه وسلم ( إن الدجال لا يدخل المدينة ولا مكة ) أي في زمن خروجه، ولم يرد بذلك نفي دخوله في الزمن الماضي والله أعلم " انتهى. "فتح الباري" (6 / 488 -489) .

ومما يؤكد هذا أن الأحاديث نصت بوضوح أن منع دخول الدجال إلى مكة والمدينة إنما يكون زمن فتنته .

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لاَ يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ ) رواه البخاري (1879) .

ورعبه إنما يكون في زمن خروجه ، وظهور فتنته .

الجواب الثاني :

أن هذه رؤيا منام ، وكون رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وحيا ، وحقا : لا يلزم منه أن تكون دوما على ظاهرها ، فقد تأتي أحيانا على سبيل ضرب الأمثال وليس على ظاهرها .

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى :

" وأما طواف عيسى بالبيت : فإن كانت رؤيا عين فعيسى - عليه السلام - حىُّ لم يمت .

وإن كانت رؤيا منام ، كما بيَّنه ابن عُمرَ في حديثه : فهو محتمل، لما تقدَّم ، وللتأويل للرؤيا .

وعلى هذا يحمل ما ذُكر من طواف الدجال بالبيت ، وأن ذلك رؤيا ؛ إذ ورد في الصحيح أنه لا يدخل مكة ولا المدينة " انتهى . "اكمال المعلم" (1 / 522 - 523) .

ومعنى هذا أن الرؤيا قابلة للتأويل والتعبير .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

" لا يلزم من كون المنام على ظاهره : أن لا يكون بعضه يفتقر إلى تعبير، فإن رؤيا الأنبياء حق ؛ يعني : ليست من الأضغاث سواء كانت على حقيقتها ، أو مثالا، والله أعلم " انتهى من "فتح الباري" (12 / 416) .

ومن أمثلة ذلك :

عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي كَفِّي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ، فَأُوحيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا، صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ اليَمَامَةِ ) رواه البخاري (4375) ومسلم (2274) .

وعن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، أنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ.

قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: الدِّينَ ) رواه البخاري (23) ومسلم (2390) .

وعلى هذا يحتمل أن تكون رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم للدجال وهو يطوف بالبيت : هي من الرؤى القابلة للتعبير، وليس على ظاهرها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 16:31
بيان المراد من أحاديث ذم وضع المال في البنيان

السؤال :

الرجاء شرح حديث ( شر ما ذهب فيه مال المرء المسلم البنيان ) حيث أقوم بشراء شقق وأجعلها للإيجار حتى يعود لي منها عائد شهري وشراء أراضي خشية وضعها في البنوك الربوية حتى لا أقع في الربا وجزاكم الله خيرا

الجواب :

الحمد لله

أولا :

قد وردت أحاديث في ذم البنيان، منها ما هو صحيح ، أو حسن، ومنها ما ليس بصحيح .

فما كان منها حجة فهو محمول على ذم من فعل ذلك : للتباهي ، أو كان فيه إسراف وتبذير.

والحديث الذي ذكرت رواه أبو داود في المراسيل عن عطية بن قيسٍ قال: كان حُجَر أزْواجِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بِجَريدِ النَّخْلِ، فَخرَج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في مَغْزىً له، وكانت أمُّ سلَمَة موسِرَةً، فجَعلَتْ مكانَ الجريدِ لَبِناً، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما هذا؟ ".

قالت: أَرَدْتُ أن أكُفَّ عنِّي أبصارَ الناسِ.

فقال: "يا أمَّ سلَمة! إنَّ شَّر ما ذَهَب فيه مالُ المرْءِ المسلمِ؛ البنيانُ".

والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1180).

وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ذكر جملة من هذه الأحاديث مع تخريجها والحكم عليها، فمن المناسب إيرادها هنا لأنها خلاصة وافية:

" س: أشكلت علي أحاديث قرأتها في كتب السنن، حيث إنه :

روى أبو داود مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا بد منه مما يستره من الحر والبرد والسباع ونحو ذلك» .

وفي رواية أيضا للطبراني بإسناد جيد مرفوعا «إذا أراد الله بعبده شرا خضر له في اللبن والطين حتى يبني» .

وفي رواية له أيضا «إذا أراد الله بعبده هوانا أنفق ماله في البنيان» ، وفي رواية أيضا «من بنى فوق كفايته كلف أن يحمله يوم القيامة» .

وروى الدارقطني والحاكم مرفوعا «وما أنفق العبد من نفقة فإن خلفها على الله والله ضامن إلا ما كان في البنيان أو معصية» .

وفي الترمذي أيضا «يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا التراب، وقال في البنيان» .

وروى الترمذي مرفوعا «النفقة كلها في سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه» .

وروى أبو داود وغيره «أن العباس بنى قبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدمها، فقال يا رسول الله، إذن أتصدق بثمنها، فقال: لا، اهدمها» .

وروى أبو داود أيضا وابن ماجه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبة على باب رجل من الأنصار فقال: "ما هذه"؟ قالوا: قبة بناها فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل ما كان هكذا فهو وبال على صاحبه"، فبلغ الأنصاري ذلك فوضعها، فمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ظهرها فسأل عنها فأخبر أنه وضعها لما بلغه عنه، فقال: "يرحمه الله يرحمه الله» .

وفي رواية لابن أبي الدنيا عن عامر بن عمار مرفوعا: «إذا رفع الرجل بناءه فوق سبعة أذرع نودي يا أفسق الفاسقين إلى أين» ، انتهى.

الجواب: هذه الأحاديث التي ذكرتم نبين درجتها أولا ثم نتبع ذلك الجواب عما صح في هذا الباب. أما بيان درجة كل حديث منها فكما يلي:

1- حديث: «أما إن كل بناء وبال على صاحبه » : الحديث رواه أبو داود عن أنس، قال المناوي في [فيض القدير] نقلا عن ابن حجر أنه قال: رجاله موثقون إلا الراوي عن أنس، وهو أبو طلحة الأسدي: غير معروف، والشواهد عند الطبراني.

2- حديث: «إذا أراد الله بعبد شرا خضّر له في اللبن والطين ، حتى يبني» رواه الطبراني بإسناد جيد حسبما ذكرت في السؤال، ورمز له السيوطي في [الجامع الصغير] بالضعف.

قال المناوي -نقلا عن الهيثمي -: ورجاله رجال الصحيح غير شيخ البخاري ولم أجد من ضعفه، وقال المنذري: رواه في الثلاثة -يعني الطبراني - بإسناد جيد، وقال المناوي أيضا: عزاه جمع لأبي داود من حديث عائشة، قال العراقي: وإسناده جيد.

3- حديث: "إذا أراد الله بعبد هوانا" الحديث، قال السيوطي في [الجامع الصغير] : رواه البغوي والبيهقي في [شعب الإيمان] ، عن محمد بن بشير الأنصاري وما له غيره، وابن عدي في [الكامل] عن أنس، ورمز له السيوطي بالضعف

قال المناوي في رواية محمد بن بشير: قال الهيثمي: رواه عنه ابنه يحيى إن صح، وفيه سلمة بن شريح، قال الذهبي: مجهول، وقال المناوي: في راوية ابن عدي عن أنس في ترجمة زكريا المصري الوقاد قال: يضع الحديث، كذبه صالح جزره وغيره، ولما عزاه الهيثمي إلى الطبراني قال: فيه من لم أعرفهم.

4- حديث: «من بنى فوق كفايته» رمز له السيوطي في [الجامع الصغير] بالضعف، وقال المناوي: قال في [الميزان] : هذا حديث منكر، وقال الحافظ العراقي: إسناده فيه لين وانقطاع.

5- حديث: «وما أنفقه العبد من نفقة» ، الحديث ، رواه الدارقطني والحاكم وفي سنده عبد الحميد بن حسن الهلالي، وقد ضعفه جماعة.

6- حديث: «يؤجر الرجل في نفقته » ، الحديث ، عزاه السيوطي في [الجامع الصغير] للترمذي عن خباب، ورمز له السيوطي بالصحة، وسكت عنه المناوي .

وروى معناه البخاري ومسلم عن خباب موقوفا بلفظ: «إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب » وله حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال من جهة الرأي.

7- «النفقة كلها في سبيل الله » الحديث ، رواه الترمذي عن أنس، ورمز له السيوطي براموز الحسن، وقال الترمذي بعد روايته في أبواب صفة القيامة باب النهي عن تمني الموت، قال: غريب.

وقال المناوي: قال الصدر المناوي: وفيه محمد بن حميد الرازي وزافر بن سليمان وشبيب بن بشر ومحمد، قال البخاري: فيه نظر، وكذبه أبو زرعة، وزافر فيه ضعف، وشبيب لين.

8- حديث: "أن العباس بنى قبة" الحديث رواه أبو داود مرسلا عن أبي العالية، والمراسيل من جملة الأحاديث الضعيفة.

9- حديث أنه صلى الله عليه وسلم (مر بقبة) الحديث هذا هو سبب الحديث الأول، وقد مضى الكلام عليه.

10- (إذا رفع الرجل بناءه فوق سبعة أذرع. . . إلخ) وهذا أثر، ولم نقف على من صححه .

وقال الحافظ ابن حجر في [الفتح] ، (11 / 92) ما نصه:

" وقد ورد في ذم تطويل البناء صريحا ما أخرج ابن أبي الدنيا من رواية عمارة بن عامر: "إذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا فاسق إلى أين" ، وفي سنده ضعف ، مع كونه موقوفا" . اهـ.

هذه الأحاديث وما جاء في معناها : منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن ، ومنها ما ليس بصحيح .

فما كان منها حجة فهو محمول على ذم من فعل ذلك للتباهي والإسراف والتبذير، فإن هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والأمكنة والأزمنة .

وقد ثبت في [صحيح مسلم] من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن علامات الساعة: «وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان ».

قال ابن رجب في شرح هذا الحديث: والمراد أن أسافل الناس ، يصيرون رؤساءهم ، وتكثر أموالهم حتى يتباهون بطول البنيان وزخرفته وإتقانه .

وذكر النووي هذا المعنى في [شرح صحيح مسلم] حينما تكلم على هذا الحديث.

أما إذا طال البنيان لغرض شرعي، كتوفير المرافق والمساكن للمحتاجين ، أو لاتخاذها سبيلا للكسب ، أو لكثرة من يعول ونحو ذلك :

فلا شيء في ذلك ، فيما يظهر لنا، فإن الأمور بمقاصدها، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى » . والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عبد الله بن منيع ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/ 485).

وصحح الشيخ الألباني رحمه الله الحديث الأول والسادس، ووجه ذلك بقوله:

" واعلم أن المراد من هذا الحديث والذي قبله - والله أعلم - إنما هو صرف المسلم عن الاهتمام بالبناء وتشييده فوق حاجته .

وإن مما لا شكَّ فيه : أن الحاجة تختلف باختلاف عائلة الباني ، قلَّة وكثرة ، ومَن يكون مضيافاً ، ومن ليس كذلك ، فهو مِن هذه الحيثية يلتقي تماماً مع الحديث الصحيح " فراش للرجل ، وفراش لامرأته ، وفراش للضيف ، والرابع للشيطان " .

رواه مسلم ( 6 / 146 ) وغيره ، وهو مخرَّج في " صحيح أبي داود " .

ولذلك قال الحافظ بعد أن ساق حديث الترجمة وغيره :

" وهذا كله محمول على ما لا تمسّ الحاجة إليه مما لا بدَّ منه للتوطن ، وما يقي الحرَّ والبرد " .

ثم حكى عن بعضهم ما يوهم أنَّ في البناء كله الإثم ! فعقَّب عليه الحافظ بقوله :

" وليس كذلك ، بل فيه التفصيل ، وليس كل ما زاد منه على الحاجة يستلزم الإثم .. فإن في بعض البناء ما يحصل به الأجر ، مثل الذي يحصل به النفع لغير الباني ؛ فإنه يحصل للباني به الثواب ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم "

. انتهى من " السلسلة الصحيحة " (6/ 802) حديث رقم 2831

ومن ذلك يتبين :

أنه لا حرج في بناء الشقق ، وتأجيرها، أو في شراء الأراضي لحفظ المال ، أو لاستثماره ؛ بل هو مقصد حسن معتبر ؛ فإن الله تعالى نهى عن إضاعة المال .

وأن المحذور : هو بناء التباهي والإسراف والخيلاء.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 16:34
ما معنى ( فَإِنَّهُ يُمْسي يَوْمئِذٍ وَقَد زَحزحَ نفْسَهُ عنِ النَّارِ ) في حديث خلق ابن آدم على ثلاثمائة مفصل ؟

السؤال :

ما معنى ( فَإِنَّهُ يُمْسي يَوْمئِذٍ وَقَد زَحزحَ نفْسَهُ عنِ النَّارِ ) في حديث خلق ابن آدم على ثلاثمائة مفصل ؟

الجواب :

الحمد لله

الجملة الواردة في سؤال ، من كلام النبي صلى الله عليه وسلم : " فإنه يمسي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ" ، وردت في حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1007)

من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ ، وَحَمِدَ اللهَ ، وَهَلَّلَ اللهَ ، وَسَبَّحَ اللهَ ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ ،

وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى ، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ ) .

ومعنى هذا الحديث : أن في بدن الإنسان ثلاثمائة وستين مفصلا ، وهي السُّلَامَى التي جاء ذكرها في الحديث ، والمراد بها جميع عظام البدن ومفاصله .

قال الإمام النووي رحمه الله ، في "شرح مسلم" (5/233) :

" وَأَصْلُهُ عِظَامُ الْأَصَابِعِ ، وَسَائِرِ الْكَفِّ ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي جَمِيعِ عِظَامِ الْبَدَنِ وَمَفَاصِلِهِ ". انتهى .

وهذه المفاصل والعظام من عظيم نعمة الله على الإنسان ؛ فكان على المسلم شكر الله كل يوم على هذه النعم .

قال ابن بطال رحمه الله في "شرحه على صحيح البخاري" (8/98) :

" قال المهلب : على كل واحد منها صدقة لله ، من فعل الطاعة والخير كل يوم ، إذ كل موضع شعرة فما فوقها من جسد الإنسان : عليه فيه نعمة لله ، يلزمه شكره ، والاعتراف بها حين خلقه صحيحًا يتصرف في منافعه وإرادته ، ولم يجعل في ذلك الموضع داء يمنعه ألمه من استعماله والانتفاع به ". انتهى.

وهذا الشكر على هذه المفاصل على درجتين : منها الواجب ، ومنها المستحب .

قال ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم" (2/717) قال

:" وظاهرُ الحديث يدلُّ على أنَّ هذا الشُّكر بهذه الصَّدقة واجبٌ على المسلم كلَّ يوم ، ولكن الشُّكر على درجتين:

إحداهما: واجب ، وهو أنْ يأتي بالواجبات ، ويجتنب المحارم ، فهذا لابدَّ منه ، ويكفي في شكر هذه النِّعم ...

الدرجة الثانية من الشكر: الشكر المستحبُّ ، وهو أنْ يعملَ العبدُ بعد أداءِ الفرائض ، واجتنابِ المحارم بنوافل الطَّاعات ، وهذه درجةُ السَّابقين المقرَّبين". انتهى .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم :" فإنه يمسي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ " ؛ فمعناه أن نعمة هذه المفاصل لما استوجبت الشكر من العبد أصبح العباد على فريقين : شاكر ، وغير شاكر ، فمن شكر فقد أدى ما عليه ، ونجا من عذاب الله ، ومن غفل ولم يشكر فقد عرض نفسه لعذاب الله تعالى .

قال الطيبي رحمه الله في "شرح المشكاة" (5/1546) :" قوله: (وقد زحزح نفسه) : أي باعدها عن النار، يقال: زحزحه ، أي : نحاه عن مكانه وباعده منه .

أقول: قيَّدَ الفعل بالظرف [يعني قوله : يومئذ]، دلالة علي إيجاب الشكر في كل يوم ، وبالحال [يعني قوله: وقد زحزح ..] ؛ إشعارًا بأن غير الشاكر كائن في النار، ومنغمس فيها ، وبالصدقة يتخلص منها ، ويمضي وما عليه تبعة من ذلك". انتهى .

ومعنى ذلك :

أن العبد بفعله هذه الأعمال يكون قد أدى شكر نعمة الله عليه بهذه المفاصل ، وأعتقها من النار، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (3/308):" تَبَيَّنَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ أَنَّهَا شُرِعَتْ بِسَبَبِ عِتْقِ الْمَفَاصِلِ ، حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يُمْسِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ". انتهى

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 16:39
‫هل الأحاديث التي ورد فيها ( خيركم ) و ( خير الناس ) وذكر فيها أعمال مختلفة ، متعارضة؟‬

السؤال:

قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله )

وقال رسول الله : ( خير الناس أنفعهم للناس )

وقال : ( خيركم من تعلم القران وعلمه )

وهناك أحاديث أخرى عن خير الناس ، وأنا الآن في حيرة من أمري ، من هو خير الناس ؟

وأنا أرى من خلال فهمي القصير أن الأحاديث متعارضة ظاهريا في بيان ذلك .

الجواب :

الحمد لله

اعلم – أيها الأخ الكريم – أنه لا تعارض على الحقيقة بين نصوص الشرع ، فإنها جميعا من مشكاة واحدة .

وأما ما ذكرته من الاختلاف الظاهري بين هذه الأحاديث التي ورد فيها خير الناس أو خيركم وهكذا ، فالحقيقة أنه لا تعارض بينها ، في حقيقة الأمر ، البتة ، وبيان ذلك كما يلي :-

أولا :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تختلف أجوبته على السؤال الواحد بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَاحْتِيَاجِ الْمُخَاطَبِينَ ، فربما يكون الزمان يستدعي الحث على عمل ما ، وربما يكون حال السائل خاصة ، هو الذي يستدعي ذلك .

قال الطيبي في "شرح المشكاة" (3/867):" ووجه التوفيق : أنه صلى الله عليه وسلم أجاب لكل بما يوافق غرضه ، وما يرغب فيه ، أو أجاب علي حسب ما عرف من حاله ، بما هو يليق به وأصلح له ؛ توفيقاً له على ما خفي عليه .

وقد يقول القائل : خير الأشياء كذا ، ولا يريد تفضيله في نفسه علي جميع الأشياء ، ولكن يريد أنه خيرها في حال دون حال، ولواحد دون آخر، وذلك مثل قولك في موضع يحمد فيه السكوت: لا شيء أفضل من السكوت، وقولك حيث يحمد الكلام: لا شيء أفضل من الكلام.

ولقد تعاضدت النصوص على فضل الصلاة على الصدقة ، ثم إن تجددت حال تقتضي مواساة مضطر، أو إصلاح ذات ، بين فتكون الصدقة حينئذ أفضل ... " . انتهى

ثانيا :

أن جملة خيركم أو خير الناس ، لا يلزم منها الخيرية المطلقة في كل موطن ، وإنما قد تكون هذه الخيرية مقيدة بوجه ما أو بحال دون حال ، فيكون تقدير الكلام : من خير الناس ، ومن خيركم

فيكون المعنى أن من اتصف بتلك الصفات فهو من خير الناس ، كما يقول أحدنا عن رجل كريم مثلا : أكرم الناس فلان ، فهذا لا ينفي الكرم عن غيره ، وقد سبق تقرير هذا الوجه في كلام الطيبي السابق نقله .

وقد نقل النووي أيضا عن الإمام القفال الكبير ، من أئمة الشافعية . :

" أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهَا بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافُ جَوَابٍ جَرَى عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ خَيْرُ الْأَشْيَاءِ كَذَا ، وَلَا يُرَادُ بِهِ خَيْرُ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ ؛ بَلْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ .

وَاسْتَشْهَدَ في ذلك بأخبار ، منها : عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( حَجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِينَ غَزْوَةً ، وَغَزْوَةٌ لِمَنْ حج أفضل من أربعين حجة ) .

الوجه الثَّانِي : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ كَذَا ، أَوْ مِنْ خَيْرِهَا ، أَوْ مِنْ خَيْرِكُمْ مَنْ فَعَلَ كَذَا ، فَحُذِفَتْ مِنْ وَهِيَ مُرَادَةٌ ، كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ أَعْقَلُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ ، وَيُرَادُ : أَنَّهُ مِنْ أَعْقَلِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ .

وَمَنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُكُمْ : خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ خِيرَ النَّاسِ مُطْلَقًا .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : أَزْهَدُ النَّاسِ فِي الْعَالِمِ جِيرَانُهُ ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ مَنْ هُوَ أَزْهَدُ مِنْهُمْ فِيهِ .

هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ رَحِمَهُ اللَّهُ" انتهى .

وأيده على ذلك الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/79) فقال :

" وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ لَفْظَةَ مِنْ مُرَادَةٌ ، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ أَعْقَلُ النَّاسِ ، وَالْمُرَادُ مِنْ أَعْقَلِهِمْ ، وَمِنْهُ حَدِيثُ : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ) ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ خَيْرَ النَّاسِ". انتهى

ثالثا :

أن يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم على سبب ما ، أو حدث معين ، يستدعي من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرغب الناس في خصلة من خصال الخير .

فمن ذلك قوله :"خيركم خيركم لأهله " جاء سبب ذلك عند ابن حبان في صحيحه (4186) بإسناد جيد عن ابن عباس : " أن الرجال استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب النساء

فأذن لهم ، فضربوهن ، فبات فسمع صوتا عاليا ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : أذنت للرجال في ضرب النساء فضربوهن فنهاهم وقال : ( خيركم خيركم لأهله وأنا من خيركم لأهلي ) " .

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :"خيركم أحسنكم قضاء " ؛ فقد جاء فيه عند البخاري (2305)

: " أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ ، فَأَغْلَظَ ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا ) ، ثُمَّ قَالَ ( أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّه ) ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ نَجِدُ إِلاَّ أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ ، فَقَالَ ( أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً).

وختاما : نسأل الله تعالى لنا وللسائل الكريم ولجميع المسلمين أن يجعلنا ممن له الحظ الأوفر من هذا الخير ، اللهم آمين .
والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-19, 16:46
الجمع بين الأحاديث التي اختلف ظاهرها في بيان أفضل الأعمال .

السؤال

الجمع بين الأحاديث التي اختلف ظاهرها في بيان أفضل الأعمال . كيف الجمع بين الحديثين التاليين ؟

وما الذي لا يعدله شيء الجهاد أم الصوم ، مع الاتفاق على فضلهما جميعا ؟

فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ) " . رواه أحمد (22149) ، والنسائي (4/165)

وغيرهما ، وصححه الألباني . وعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ

قَالَ : ( لاَ أَجِدُهُ - قَالَ - هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ ) قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ " رواه البخاري .

الجواب :

الحمد لله

جاءت أحاديث متنوعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم تذكر أفضل الأعمال وأحبها إلى الله

فمن ذلك : ما رواه البخاري (527) ، ومسلم (85)

عن ابن مسعود قَالَ: " سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا) ،

قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ) قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) " .

وروى النسائي (2222) - واللفظ له

، وأحمد (22149)

وابن خزيمة (1893)

وابن حبان (3425) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ :

" أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ) " .

وورى أحمد (17027)

عن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : (عَمَلَانِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا: حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ أَوْ عُمْرَةٌ ) وصححه محققو المسند .

وروى البخاري (11) ، ومسلم (42)

عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:

" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ) " .

وروى البخاري (2785)

عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قَالَ: (لاَ أَجِدُهُ) ، قَالَ: (هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ؟) ، قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ "

وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث وغيرها ، التي اختلفت فيها أجوبة النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال : بأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال أو باختلاف الأشخاص ، فمن الأشخاص من يكون الصيام أفضل له ، ومنهم من يكون الجهاد أفضل له ، وذلك يكو بحسب الحال ، وبحسب استعداد الشخص المعين ، وقدرته .. إلخ .

وقد يكون الجهاد في وقت أفضل الأعمال ، وقد يكون في وقت آخر غيره أفضل منه ، وهكذا.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث ابن مسعود المتقدم :

" مُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَجْوِبَةُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ:

أَنَّ الْجَوَابَ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ السَّائِلِينَ، بِأَنْ أَعْلَمَ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، أَوْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ رَغْبَةٌ ، أَوْ بِمَا هُوَ لَائِقٌ بِهِمْ .

أَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ ، بِأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِه ِ، فَقَدْ كَانَ الْجِهَادُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ، لِأَنَّهُ الْوَسِيلَةُ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا وَالتَّمَكُّنِ من أَدَائِهَا، وَقَدْ تَضَافَرَتِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي وَقْتِ مُوَاسَاةِ الْمُضْطَرِّ تَكُونُ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ .

أَوْ أَنَّ أَفْضَلَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا، بَلِ الْمُرَادُ بِهَا الْفَضْلُ الْمُطْلَقُ ، أَوِ الْمُرَادُ: مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، فحذفت "من" وَهِي مُرَادة "

انتهى من "فتح الباري" (2/ 9).

وقال ابن القيم رحمه الله :

" قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره :

فالغني الذى له مال كثير ، ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه : فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة .

والشجاع الشديد الذى يهاب العدوُ سطوتَه : وقوفُه في الصف ساعة ، وجهادُه أعداءَ الله : أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع .

والعالِمُ الذى قد عرف السنة ، والحلال والحرام ، وطرق الخير والشر : مخالطتُه للناس وتعليمُهم ونصحُهم في دينهم: أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح.

وولىُّ الأمر الذى قد نصبه الله للحكم بين عباده : جلوسُه ساعةً للنظر في المظالم ، وإنصاف المظلوم من الظالم ، وإقامة الحدود ، ونصر المحق ، وقمع المبطل : أفضل من عبادة سنين من غيره.

ومن غلبت عليه شهوة النساء : فصومُه ـ له ـ أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته .

وتأمل تولية النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله، وترك تولية أبى ذر، بل قال له: (إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأَمَّرن على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم) .

وأمر غيره بالصيام وقال: (عليك بالصوم فإنه لا عِدل له) ، وأمر آخر بأن لا يغضب، وأمر ثالثا بأن لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله .

ومتى أراد الله بالعبد كمالا ، وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له، قابل له، قد هُيئ له، فإذا استفرغ وسعه ، علا غيره وفاق الناس فيه .

وهذا كالمريض الذى يشكو وجع البطن مثلا، إذا استعمل دواء ذلك الداء : انتفع به، واذا استعمل دواء وجع الرأس : لم يصادف داءه .

فالشح المطاع ـ مثلا ـ من المهلكات ، ولا يزيله صيام مائة عام، ولا قيام ليلها !!

وكذلك داء اتباع الهوى ، والإعجاب بالنفس : لا يلائمه كثرة قراءة القرآن ، واستفراغ الوسع في العلم والذكر والزهد، وإنما يزيله إخراجه من القلب بضده .

ولو قيل: أيما أفضل: الخبز أو الماء؟

لكان الجواب: أن هذا في موضعه أفضل، وهذا في موضعه أفضل ".

انتهى من "عدة الصابرين" (ص 114-115) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:16
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

‫‫التوفيق بين حديث " بئس أخو العشيرة " وحديث في " ذم ذي الوجهين

السؤال:

هل يوجد تعارض بين الحديثين الآتيين :

1-عن عائشة قالت: " استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت عائشة: وأنا معه في البيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس ابن العشيرة ، ثم أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم

قالت عائشة: فلم أنشب أن سمعت ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فلما خرج الرجل، قلت: يا رسول الله! قلت فيه ما قلت ، ثم لم تنشب أن ضحكت معه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره ).

2-حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تجد من شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه).

حيث يروج المشككون أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم متناقض، ويقولون: إنه قال لعائشة عن الرجل المذكور فى الحديث الأول أنه بئس ابن العشيرة ، وقام بذمه أمام عائشة، لكن عندما دخل عليه نفس الرجل ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم فى وجهه ، ويقولون: إن محمدا كان بوجهين

فذم الرجل أمام عائشة، ولكن ضحك فى وجهه عندما دخل عليه ، وهذا يناقض الحديث الثاني. أرجو أن تردوا على هذه الشبهة.

الجواب :

الحمد لله

إذا كان أحد الطاعنين من أصحاب الشبهات لا يفرق بين "المداراة" من جهة ، وبين "المداهنة أو النفاق" من جهة أخرى، فهذه مشكلته المعرفية ، وليست إشكالية في السنة النبوية، ولا في الأخلاق الرسالية الشريفة التي تعلمناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذو الوجهين - الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ)

رواه البخاري (7179) ، ومسلم (2526) -

هو الذي يغش كلا الطرفين، فيوهمهم ويكذب عليهم بلسان حاله ومقاله ، أنه يحب منفعتهم ، ويتلهف لعونهم ومحبتهم ، ويسعى لأجلهم ، ولكنه في حقيقة الأمر يطلب ضرهم ، ويبحث عن كل ما يسوؤهم، ويضمر لهم كل سوء، ويمكر بهم الدوائر، وذلك لحساب نفسه، أو لحساب قوم آخرين.

وهذا الخلق السيئ لا يمكن لأحد من الطاعنين إثبات نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذكر أي دليل عليه، بل الأدلة كلها جاءت بتحريم هذا السلوك، وذم كل خلق يقوم على هذا الوجه من النفاق.

أما المُداري فهو الذي لا ينطق بباطل، ولا يكذب، ولا يغش من يحادثه ويداريه، ولا يشاركه في سوء خلقه وعمله، ولا يظهر له موافقته على باطله، وإنما يسكت عنه في أحيان، ويجامله بالبشاشة والمعاملة الحسنة فقط، دون أدنى تنازل أو غش أو سعي في أذية، لعله يؤثر فيه بعد ذلك

ويستمع لنصحه، أو لعله يتقي شره ويجتنب أذيته، ولكن دون وقوع في أي مشاركة في الإثم والعدوان.

والمداراة هي ما صدرت عنه عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة الوارد في السؤال:

" أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: ( بِئْسَ أَخُو العَشِيرَة ِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ ) ، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ

قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ) .

رواه البخاري (6032) ، ومسلم (2591) .

فهو صلى الله عليه وسلم لم ينطق بباطل مع هذا الرجل الذي دخل عليه ، فلم يمدحه، ولم يثن عليه ، ولم يشاركه في سوء أخلاقه، ولم يؤيده على شيء من مسالكه، وإنما داراه بالبشاشة وطلاقة الوجه –

المعهودة عنه عليه الصلاة والسلام على الدوام–، لعله يؤثر في قلبه بعد ذلك إذا سمع نصحه وتذكيره ، فيخلصه من نفاقه وسوء أفعاله.

وهذا الفرق عظيم في الفلسفة الأخلاقية لدى جميع الناس، ولدى جميع المختصين بعلوم الأخلاق ومنظومتها، وقرره علماء الإسلام من قديم الزمان.

فمن لم يدرك هذا الفرق ، فهو كمن يساوي بين البخل والاقتصاد، وبين الجبن والحكمة، وبين الخوف والحذر. وما ذلك إلا بسبب ضعف المعرفة التي يتمكن الإنسان من خلالها أن يميز بين الأمور المشتبهة .

يقول القاضي عياض رحمه الله – في شرح حديث (بئس ابن العشيرة)-:

"هذا من المداراة، وهو بذل الدنيا لصلاح الدنيا والدين. وهى مباحة مستحسنة فى بعض الأحوال، خلاف المداهنة

المذمومة المحرمة، وهو بذل الدين لصلاح الدنيا، والنبى عليه الصلاة والسلام هنا بذل له من دنياه حسن عشيرته، ولا سيما كلمته وطلاقة وجهه، ولم يمدحه بقول، ولا رُوي ذلك فى حديث، فيكون خلاف قوله فيه لعائشة.

فلا يعترض على هذا بالمداهنة، ولا بحديث ذى الوجهين، والنبى عليه الصلاة والسلام منزه عن هذا كله، وحديثه أصل فى المداراة وغيبة أهل الفسوق والكفار وأهل البدع والمجاهرة" .

انتهى من " إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 62) .

ويقول أيضا رحمه الله:

"وقوله: (مَن شر الناس ذو الوجهين): تقدم الكلام فيه، وهو بيِّنٌ، وهذا فيما ليس طريقه الإصلاح والخير، بل فى الباطل والكذب ، وتزيينه لكل طائفة عملها، وتقبيحه عند الأخرى، وذم كل واحدة عند الأخرى

بخلاف المداراة والإصلاح المرغب فيه ، وإنما يأتى لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل لها الجميل عنها" .

انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 76) .

ويقول ابن الملقن رحمه الله – في شرح حديث (إن من شر الناس ذا الوجهين)-:

" لا ينبغي لمؤمن أن يثني على سلطان أو غيره في وجهه ، وهو عنده مستحق للذم ، ولا يقول بحضرته خلاف ما يقوله إذا خرج من عنده ؛ لأن ذلك نفاق

كما قال ابن عمر رضي الله عنهما، وقال فيه عليه السلام: (شر الناس ذو الوجهين)؛ لأنه يظهر لأهل الباطل الرضا عنهم، ويظهر لأهل الحق مثل ذلك ؛ ليرضي كل فريق منهم ، ويريد أنه منهم، وهذِه المداهنة المحرمة على المؤمنين.

فإن قلت: إن حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة يعارضان قوله عليه السلام للذي يستأذن عليه: (بئس ابن العشيرة) ثم يلقاه بوجه طلق وترحيب.

قلت: لا تعارض؛ لأنه عليه السلام لم يقل خلاف ما قاله عنه ، بل أبقاه على التجريح عند السامع ، ثم تفضل عليه بحسن اللقاء والترحيب ، لما كان يلزمه عليه السلام من الاستئلاف، وكان يلزمه التعريف لخاصته بأهل التخليط ، والتهمة بالنفاق .

وقد قيل: إن تلقيه له بالبشر إنما كان لاتقاء شره، وليكف بذلك أذاه عن المسلمين، فإنما قصد بالوجهين جميعًا إلى نفع المسلمين ؛ بأن عرفهم بسوء حاله ، وبأن كفاهم ببشره له أذاه وشره .

وذو الوجهين بخلاف هذا؛ لأنه لا يقول الشيء بالحضرة، وقد قال ضده في غير الحضرة، وهذا تناقض. فالذي فعله عليه السلام محكم مبين ، لا تناقض فيه؛ لأنه لم يقل لابن العشيرة عند لقائه : إنه فاضل ولا صالح؛ بخلاف ما قال فيه في غير وجهه" .

انتهى من "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (32/ 534) .

ويقول المناوي رحمه الله:

"(ذو الوجهين في الدنيا) قال النووي: وهو الذي يأتي كل طائفة بما تحب ، فيظهر لها أنه منها، ومخالف لضدها، وصنيعه خداع ليطلع على أحوال الطائفتين ...

فإن ذلك أصل من أصول النفاق، يكون مع قوم ، وفي حال ، على صفة، ومع آخرين بخلافهما، والمؤمن ليس إلا على حالة واحدة في الحق ، لا يخاف في الله لومة لائم، إلا إن كان ثمة ما يوجب مداراة ، لنحو اتقاء شر، أو تأليف، أو إصلاح بين الناس ...

وبما تقرر عرف أنه لا تدافع بين هذا وبين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيمن استأذن عليه : (بئس أخو العشيرة) فلما دخل ألان له القول. وقول علي: إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم"

انتهى من "فيض القدير" (3/ 568) .

وأخيرا ، النصيحة لجميع شباب المسلمين أن يشتغلوا بما ينفعهم من العلم النافع والعمل الصالح، بعيدا عن الانشغال بالشبهات ومنتدياتها ومواقعها، فطريق الشبهات طريق لا نهاية له سوى الحيرة والقلق والاضطراب

ولا يشرع التصدي لها ، إلا للعالم أو طالب العلم المتمكن من فهم العلوم وتحقيق مسائلها ومناهج البحث فيها، وما حال من ينطلق في بحر الشبهات ، إلا كحال من ينطلق في ماء البحر حقيقة ، وهو لا يحسن العوم والسباحة.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:30
بين النفاق والمداراة

السؤال:

1. أود معرفة الخط الفاصل بين النفاق والمجاملة ؛ ذلك أني ألمس في الكثير من الأحيان ازدواجية في سلوك الناس وتصرفاتهم تبعا للمصلحة والأهواء ، ويقال : إن الأمر مجرد مجاملة فهل هذا صحيح ؟

2. وهل يمكن أن يشوب الصداقة الحقة بعض النفاق ؛ ذلك أن لي صديقة لم تحمل لي من الود ما كنت اعتقده ، كانت لها مكانة في قلبي لا ينازعها عليها أحد

واكتشفت أخيرا أن مكانتي لديها لا تساوي شيئا مطلقا ، وسلوكها معي لسنوات تحكمه الأقنعة الزائفة ، كنت أعتقد ، وكان الكل يجزم قطعا

أن الصداقة بيننا قوية ، وإلى الآن لست أدري كيف لي أن أتبرأ من هذه الصداقة بعد أن علمت بحقيقتها .

3. فهل سلوك هذه الصديقة يعد نفاقا ؟

4. وما جزاء نفاق الأصدقاء ؟

الجواب :

الحمد لله

كثيراً ما يخلط بعض الناس بين مفاهيم النفاق والمداراة والمداهنة ، وسبب ذلك غياب معاني الأخوة والصحبة الصادقة في الذهن والواقع ، فلم تعد قلوبهم تفرق بين الحق والباطل ، وبين الإحسان والإساءة .

أولاً :

إذا أُطلق لفظ النفاق فإنه يستوحي معانيَ الشر كلها ، ولم يكن النفاق يوما محمودا ولو من وجه ما ، ويعرِّفُه علماء السلوك بأنه إظهار الخير للتوصل إلى الشر المضمر .

فالمنافق لا يبتغي الخير أبدا ، وإنما يسعى للإضرار بالناس وخيانتهم وجلب الشر لهم ، ويتوصل إلى ذلك بإظهار الخير والصلاح ، ويلبَسُ لَبوس الحب والمودة .

يقول سبحانه وتعالى في التحذير من صحبة المنافقين :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ . هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) آل عمران/118-119 .

وهكذا كل من يصاحب الناس فيظهرُ لهم الخير والمودة ، وفي حقيقة أمره إنما يسعى في أذاهم ، ويتمنى النيل منهم ، ويطلبُ الشرَّ لهم .

ثانياً :

أما المُدَارِي ( وهو المُجَامِلُ أيضا ) فلا يُضمِرُ الشر لأحد ، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن

ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء ، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس ، ولكن دون أن يوافقه على باطله ، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل .

قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -
:
وقيل لابن عقيل في فنونه : أسمع وصية الله عز وجل ( ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا , فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق ؟ .

فقال ابن عقيل : " النفاق هو : إظهار الجميل , وإبطان القبيح , وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر, والذي تضمنتْه الآية : إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن "
.
فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر ، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر : فليس بمنافق ، لكنه يستصلح

ألا تسمع إلى قوله سبحانه وتعالى ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ، فهذا اكتساب استمالة , ودفع عداوة , وإطفاء لنيران الحقائد , واستنماء الود ، وإصلاح العقائد , فهذا طب المودات ، واكتساب الرجال . " الآداب الشرعية " ( 1 / 50 ، 51 ) .

ولذلك كانت المداراة من الأخلاق الحسنة الفاضلة ، وذكر العلماء فيها من الآثار والأقوال الشيء الكثير .

قال ابن بطال رحمه الله : المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ، ولين الكلمة ، وترك الإغلاظ لهم في القول ، وذلك من أقوى أسباب الألفة . "

فتح الباري " ( 10 / 528 )

وقد أنشأ البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان : ( باب المداراة مع الناس ) وقال فيه :

" ويُذكَرُ عن أبي الدرداء : إِنَّا لنُكَشِّرُ في وجوهِ أقوامٍ وإنَّ قُلوبَنا لَتَلعَنُهُم " .

ومعنى " لنكشر " : من الكشر ، وهو ظهور الأسنان ، وأكثر ما يكون عند الضحك ، وهو المراد هنا .

وأسند في هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها :

( أَنَّهُ استَأذَنَ عَلَى النّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ : ائذَنُوا لَهُ فَبِئسَ ابنُ العَشِيرَةِ أَو بِئسَ أَخُو العَشِيرَةِ . فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الكَلَامَ . فَقُلتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قُلتَ مَا قُلتَ ثُمَّ أَلَنتَ لَهُ فِي القَولِ ؟ فَقَالَ : أَيْ عَائِشَةُ ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنزِلَةً عِندَ اللَّهِ مَن تَرَكَهُ أَو وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحشِهِ)

قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :

وقول أبي الدرداء هذا ليس فيه موافقة على محرَّم ، ولا في كلام , وإنما فيه طلاقة الوجه خاصة للمصلحة وهو معنى ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها : يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ .

قَالَ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ : " فيه مداراة من يتقى فحشه ، ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في وجهه ، ولا في قفاه ، إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام " .

وقد ذكر ابن عبد البر كلام أبي الدرداء في فضل حسن الخلق .

" الآداب الشرعية " ( 1 / 50 ) .

وقد كتب أهل العلم فصولا في " المداراة " حتى أفرد ابن أبي الدنيا جزءً بعنوان " مداراة الناس " ، وكان مما أسنده فيه في ( ص / 48 و 50 ) :

عن حميد بن هلال قال : أدركتُ الناس يَعُدُّون المداراة صدقة تُخرج فيما بينهم .

وعن الحسن قال : التودد إلى الناس نصف العقل " . انتهى .

وقال حنبل إنه سمع أبا عبد الله – أي : أحمد بن حنبل - يقول :

والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق ، وأمر بمعروف بلا غلظة ، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه .

" الآداب الشرعية " ( 1 / 191 ) .

وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله - :

في بعض الظروف تقتضي المجاملة بأن لا نقول الحقيقة ، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب ؟

فأجاب :

هذا فيه تفصيل : فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل : لم تجز هذه المجاملة ، أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل ، إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ، ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ، ولا إسقاط حق لأحد : فلا أعلم حرجاً في ذلك .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 280 ) .

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:30
ثالثاً :

ومن المهم أيضا التفريق بين المداراة المحمودة ، وبين المداهنة المذمومة ، فقد يخلط الناس بينهما في حمأة اختلاط المفاهيم والأخلاق في هذه الأزمان .

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - :

وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها ، والمداهنةَ محرَّمة ، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه

وفسرها العلماء بأنها : معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه ، والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله

وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك .

" فتح الباري " ( 10 / 528 ) .

رابعاً :

كثير من الأصحاب والأصدقاء – ويكثر ذلك في معشر النساء - يخطؤون في فهم الوجه الصحيح لصحبتهم ، فينحون نحو المغالاة الظاهرة التي تدفعهم إلى التعلق الشديد

في حين يكون الطرف المقابل لا يرى كل تلك المعاني المبالغة ، بل يقصد صحبة طيبة متزنة اقتضاها الحال والمقام ، وحينئذ يصدم من كان يُعَلِّقُ على تلك الصحبة آمالا لا تكاد تحملها الجبال

فنحن بحاجة إلى ترشيد المودة التي قد تأسر قلوبنا تجاه أناس نحبهم ، كي لا نُفاجأ يوما ، فنظن قصورا من المعاني هدمت ، وهي لم تكن مبنيةً يوما .

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا يكن حُبُّكَ كَلَفًا ولا بغضك تَلَفًا " .

وفي المقابل نحن بحاجة إلى تعميق معاني الأخوة ، الأخوة التي تقتضي الوفاء والصدق والإخلاص ، وترفع التكلف والمجاملة والمداراة . وقديما قالوا : " إِذَا صَحَّتِ المَوَدَّةُ سَقَطَ التَّكَلُّفُ "

جاء في " لسان العرب " ( 11 / 123 ) :

" وجامَل الرجلَ مُجامَلةً : لم يُصْفِهِ الإِخاءَ ، وماسَحَه بالجَمِيل " انتهى .

ولا شك أن مثل هذه المجاملة مذمومة ، إذ ليس لها محل في سياق الأخوة والصحبة الصالحة ، وإن وقعت المجاملة أحيانا بين الأصحاب فإنما تكون بحسب المقام فقط ، درءا لفتنة أو حفظا لمودة ، أما أن تكون المجاملة شعار تلك الصداقة ، فذلك تشويه لجميع معاني الأخوة الصادقة.

قال علي رضي الله عنه : شر الأصدقاء من تكلف لك ، ومن أحوجك إلى مداراة ، وألجأك إلى اعتذار .

وقيل لبعضهم : من نصحب ؟ قال : من يرفع عنك ثقل التكلف ، وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ .

وكان جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما يقول : أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه

. " إحياء علوم الدين " ( 2 / 181 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:34
من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه

السؤال:

من ترك شيئا لله عوضه الله بخير منه ، فهل التعويض يكون من جنسه أم لا ؟

وهل يكون في الدنيا أم في الآخرة ؟

وهل يمكن أن لا يعوضه الله بخير مما ترك ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ) رواه أحمد ( 21996) .

وقال الألباني :

" وسنده صحيح على شرط مسلم "

انتهى من " السلسلة الضعيفة (1/62) .

وهذا التبديل والتعويض قد يكون بشيء من جنس الشيء المتروك ، وقد يكون من غير جنسه .

قال ابن القيم رحمه الله :

" وقولهم من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه : حق ، والعوض أنواع مختلفة ؛ وأجلّ ما يعوض به : الأنس بالله ومحبته ، وطمأنينة القلب به ، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى "

انتهى من " الفوائد " (ص107) .

ومن أمثلة العوض في الدنيا ، ما ذكره ابن القيم في كتابه القيم "

روضة المحبين " (ص445) :

" لما عقر سليمان بن داود عليهم السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر ، حتى غابت الشمس : سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد .

ولما ترك المهاجرون ديارهم لله ، وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم : أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا ، وملكهم شرق الأرض وغربها " .

ولو اتقى اللهَ السارقُ ، وترك سرقة المال المعصوم لله : لآتاه الله مثله ، أو خيرا منه ، حلالا .

قال الله تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ؛ فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه إذا اتقاه ، بترك أخذ مالا يحل له ، رزقه الله من حيث لا يحتسب " انتهى.

وهذا التعويض لا يلزم أن يكون بشيء محسوس من مال أو نحوه ، بل قد يكون ذلك بأن يرزق الله تعالى عبده درجة عالية من الإيمان واليقين والرضى بما يقدره الله تعالى ، كما قيل لبعض الزهاد وقد رئي في هيئة رثة : من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأنت تركت الدنيا فماذا عوضك الله !

فقال : الرضى بما أنا فيه "صفوة الصفوة" (2/397) .

ثانيا :

وقد يكون هذا التعويض في الآخرة ، وهو ظاهر ، فإن من ترك شيئا لله عز وجل أثابه الله ، وثواب الآخرة مهما قل ، فهو أعظم من الدنيا كلها مهما عظمت .

قال ابن دقيق العيد رحمه الله :

" فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا : لا يساوي ذرة مما في الجنة" .

انتهى نقلا من "فتح الباري" (6/14 ) .

وقال السندي رحمه الله في "حاشية ابن ماجه" (1/356) :

" ذَرَّةٌ مِنَ الآخرة خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" انتهى .

وقد جاءت بعض الأحاديث فيها النص على الجزاء الأخروي لمن ترك شيئا لله عز وجل .

روى الترمذي (2669) عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ : دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَىِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا) حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (718).

وَمَعْنَى قَوْلِهِ : (حُلَلِ الإِيمَانِ) : يَعْنِى مَا يُعْطَى أَهْلُ الإِيمَانِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ.

وروى أحمد (15637) ، وأبو داود (4779)

والترمذي (2153) ، وابن ماجه (4176)

عن معاذ بن أنس أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَظَمَ غَيْظًا ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ : دَعَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ) . حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه" .

وأهل التقوى والبصيرة لا يأبهون بالعوِض الذي ينالونه في الدنيا ، بل كل همّهم ومنتهى آمالهم أن ينالوا العوض في الآخرة ، بل إنهم إذا أدركوا من ذلك شيئا في الدنيا ، فإنهم يداخلهم الخوف والوجل ، يخشون أن يكونوا ممن عجلت لهم طيباتهم في الدنيا .

روى البخاري (1274) : " أن عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتي يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ :

قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ ، أَوْ رَجُلٌ آخَرُ ، خَيْرٌ مِنِّي ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي "

وفي رواية للبخاري (4045) : " وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ " .

فما دام العبد قد ترك شيئا مما نهاه الله عنه لا يتركه إلا لوجه الله عز وجل فالعوض له محقق ، وهذا وعد من الله ، ولن يخلف الله وعده .

ولتعلم يا عبد الله :

أن هذا الباب كله هو من الرزق ، والرزق والعطاء ، سواء ابتداء ، أو جزاء ، معلق بمشيئة الله جل جلاله : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) .الإسراء/18-20 .

فإذا كان الرزق ، ابتداء ، أو جزاء ، إنما هو بيد الله جل جلاله ، وبمشيئته العامة لخلقه، فليس من العقل ولا الحكمة في شيء أن يطلب ما في يد الله ، بمخالفة أمر الله !!

عن أبي أمامة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( نفث روح القدس في روعي : أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ؛ فأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله ؛ فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته )

. رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8/166) ، وغيرُه ، وصححه الألباني .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:36
تفسير قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)

السؤال :

قال الله تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) وهذا يعني أنه سبحانه ألزم نفسه بنفسه إطعام كل ما يدب على هذه الأرض من إنسان أو حيوان أو حشرات إلخ

فبماذا نفسر المجاعة التي تجتاح بعض بلدان قارة أفريقيا وغيرها؟

الجواب:

الحمد لله

"الآية على ظاهرها ، وما يُقَدِّر الله سبحانه من الكوارث والمجاعات لا تضر إلا من تم أجله ، وانقطع رزقه ، أما من كان قد بقي له حياة أو رزق فإن الله يسوق له رزقه من طرق كثيرة

قد يعلمها وقد لا يعلمها ، لقوله سبحانه : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) .

وقد يعاقب الإنسان بالفقر وحرمان الرزق لأسباب فعلها من كسل وتعطيل للأسباب التي يقدر عليها ، أو لفعله المعاصي التي نهاه الله عنها ، كما قال الله سبحانه

: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ). وقال عز وجل : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بإسناد جيد .

وقد يبتلى العبد بالفقر والمرض وغيرهما من المصائب لاختبار شكره وصبره لقول الله سبحانه : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

وقوله عز وجل : (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) والمراد بالحسنات في هذه الآية : النعم ، وبالسيئات : المصائب . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له

وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .

والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . وبالله التوفيق" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (24/241) .

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:40
هل يجوز لي أن أدعو على نفسي بالوفاة قبل بلوغ الأجل ؟

السؤال:

أدعو ربي أن يتوفني قبل أجلي ، وأنا في شهر رمضان ، وفي سجودي ، فهل يجوز لي أن أدعو بذلك أم لا يجوز ؟

وجزاكم الله خيرا ، وبارك فيكم ، وكثر من أمثالكم .

الجواب :

الحمد لله

من دعا على نفسه بالموت قبل حلول الأجل فقد اعتدى في دعائه من جهتين :

من جهة عدم الإيمان بمضمون قوله تعالى : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) النحل/61،

عن أبي أمامة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( نفث روح القدس في روعي : أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها

فأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله ؛ فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) . رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8/166) ، وصححه الألباني .

فكل شيء عند الله بأجل معلوم محدود ، وإذا دعا أحد على نفسه بالموت قبل الأجل دل على وجود الخلل في إيمانه بالقضاء والقدر وفهمه له .

ومن جهة الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد نهى أن يدعو المسلم بالموت على نفسه في أحاديث كثيرة ، اتفق على صحتها أهل العلم جميعا .

هذا وإن كان أهل العلم يذكرون لتمني الموت حالات كثيرة ، ولكل حالة حكمها ، إلا أن الغالب في تمني الناس الموت إنما هو في الجانب المحظور الممنوع ، ونحن ننقل هنا كلام أهل العلم في أقسام وحالات تمني الموت .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" خرج الإمام أحمد من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا تَمَنَّوْا الْمَوْتَ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ ) – "

مسند أحمد " (22/426) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة -.

فتمني الموت يقع على وجوه :

1- منها : تمنيه لضر دنيوي ينزل بالعبد : فينهى حينئذ عن تمني الموت ، وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ) - رواه البخاري (6351)، ومسلم (2680) - .

ووجه كراهيته في هذا الحال أن المتمني للموت لضر نزل به إنما يتمناه تعجيلا للاستراحة من ضره ، وهو لا يدري إلى ما يصير بعد الموت ، فلعله يصير إلى ضر أعظم من ضره ، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما يستريح من غفر له ) – صحيح بطرقه

انظر " السلسلة الصحيحة " ( 1710 ) -

، فلهذا لا ينبغي له أن يدعو بالموت ، إلا أن يشترط أن يكون خيرا له عند الله عز وجل ، فكذلك كل ما يعلم العبد فيه الخيرة له ، كالغنى والفقر وغيرهما

كما يشرع له استخارة الله تعالى فيما يريد أن يعمله مما لا يعلم وجه الخيرة فيه ، وإنما يسأل الله عز وجل على وجه الجزم والقطع مما يعلم أنه خير محض ، كالمغفرة والرحمة والعفو والعافية والتقى والهدى ونحو ذلك .

2- ومنها : تمنيه خوفَ الفتنة في الدين : فيجوز حينئذ ، وقد تمناه ودعا به خشية فتنة الدين خلق من الصحابة وأئمة الإسلام ، وفي حديث المنام : ( وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ).

3- ومنها : تمني الموت عند حضور أسباب الشهادة اغتناما لحضورها : فيجوز ذلك أيضا ، وسؤال الصحابة الشهادة وتعرضهم لها عند حضور الجهاد كثير مشهور ، وكذلك سؤال معاذ لنفسه وأهل بيته الطاعون لما وقع بالشام .

4- ومنها : تمني الموت لمن وثق بعمله شوقا إلى لقاء الله عز وجل

: فهذا يجوز أيضا ، وقد فعله كثير من السلف : قال أبو الدرداء : أحب الموت اشتياقا إلى ربي . وقال أبو عنبسة الخولاني : كان مَنْ قَبْلكم لقاء الله أحب إليه من الشهد . و قال بعضهم : طال شوقي إليك فعجِّل قدومي عليك . وقد دل على جواز ذلك قول الله عز وجل : ( قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ )

البقرة/94، وقوله : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ) الجمعة/6، فدل ذلك على أن أولياء الله لا يكرهون الموت ، بل يتمنونه

ثم أخبر أنهم : ( لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) الجمعة/7 فدل على أنه يكره الموت من له ذنوب يخاف القدوم عليها

كما قال بعض السلف : ما يكره الموت إلا مُريب . وفي حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أسألك لذة النظر إلى وجهك ، وشوقا إلى لقائك ، في غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة )

فالشوق إلى لقاء الله تعالى إنما يكون بمحبة الموت ، وذلك لا يقع غالبا إلا عند خوف ضراء مضرة في الدنيا ، أو فتنة مضلة في الدين ، فأما إذا خلا عن ذلك كان شوقا إلى لقاء الله عز وجل

وهو المسؤول في هذا الحديث ، فالمطيع لله مستأنس بربه ، فهو يحب لقاء الله ، والله يحب لقاءه ، والعاصي مستوحش ، بينه وبين مولاه وحشة الذنوب ، فهو يكره لقاء ربه ، ولا بد له منه . قال ذو النون: كل مطيع مستأنس ، وكل عاص مستوحش.

قال أبو بكر الصديق لعمر رضي الله عنهما في وصيته له عند الموت : إن حفظت وصيتي لم يكن غائب أحب إليك من الموت ولا بد لك منه ، وإن ضيَّعتها لم يكن غائب أكره إليك من الموت ولن تعجزه . قال أبو حازم : كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه ، ثم لا يضرك متى مت .

5- ومنها : تمني الموت على غير الوجوه المتقدمة : فقد اختلف العلماء في كراهيته واستحبابه ، وقد رخص فيه جماعة من السلف ، وكرهه آخرون .

وقد علل النهي عن تمني الموت في حديث جابر بعلتين :

إحداهما : أن هول المطلع شديد ، وهول المطلع : هو ما يكشف للميت عند حضور الموت من الأهوال التي لا عهد له بشيء منها في الدنيا ، من رؤية الملائكة

ورؤية أعماله من خير أو شر ، وما يبشر به عند ذلك من الجنة والنار ، هذا مع ما يلقاه من شدة الموت وكربه وغصصه . قال الحسن : لو أعلم ابن آدم أن له في الموت راحة وفرحا لشق عليه أن يأتيه الموت

لما يعلم من فظاعته وشدته وهوله ، فكيف وهو لا يعلم ما له في الموت : نعيم دائم ، أو عذب مقيم . فالمتمني للموت كأنه يستعجل حلول البلاء ، وإنما أمرنا بسؤال العافية .

وسمع ابن عمر رجلا يتمنى الموت فقال: لا تتمنى الموت فإنك ميت ولكن سل الله العافية .

قال إبراهيم بن أدهم : إن للموت كأسا ، لا يقوى عليها إلا خائف وجل مطيع لله ، كان يتوقعها .

حتى قال عمر عند موته : لو أن لي ما في الأرض لافتديت به من هول المُطَّلع .

والعلة الثانية : أن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا ، فمن سعادته أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة إليه ، والتوبة من ذنوبه السالفة ، والاجتهاد في العمل الصالح ، فإذا تمنى الموت فقد تمنى انقطاع عمله الصالح ، فلا ينبغي له ذلك .

وفي المعنى أحاديث كثيرة ، وكلها تدل على النهي عن تمني الموت بكل حال ، وأن طول عمر المؤمن خير له ، فإنه يزداد فيه خيرا .

" انتهى باختصار.

" لطائف المعارف " (295-305) ، وينظر : "شرح حديث عمار بن ياسر" ، للحافظ ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:43
حديث : ( أمحها يا علي ) ، والتعليق عليه .

السؤال:

ما مدى صحة هذا الحديث (امحها ياعلي) في صلح الحديبية ؟ والذي كان بين كفار قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حتى يحج المسلمون البيت الحرام

اختار المشركون سفيراً لهم ، وهو : سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، وبعد الاتفاق على قواعد الصلح ، قال صلى الله عليه وسلم : ( هات اكتب بيننا وبينك كتاباً ) فدعا الكاتب

وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال : تكتب بعد باسمك اللهم : هذا ماقاضى عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو ، فاعترض سهيل بن عمرو وقال : والله لو نعلم أنك رسول الله ماصددناك عن البيت

ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي : إمحها يا علي ، واكتب محمد بن عبد الله

فقال علي رضي الله عنه : والله لا أمحها أبداً يارسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : هاتها يا علي ، فمحاها بيده عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه يعلم تماماً أن علي لن يمحو كلمة رسول الله .

الجواب :

الحمد لله

الحديث صحيح ثابت في الصحيحين ، رواه البخاري (3184) ، ومسلم (4731) .

ولعل ما راب السائلة منه امتناع علي بن أبي طالب رضي الله عنه من امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
وليس في ذلك ما يريب ؛ لأن من الأوامر والنواهي ما يكون للإلزام

فيكون عدم امتثاله عصيانا مذموما ، ومنها ما لا يكون للإلزام ، ويفهم المخاطب ذلك فلا يمتثله إكراما وتوقيرا للآمر والناهي ، فلا يكون ذلك عصيانا ولا مذموما .

ومن ذلك ما كان من أبي بكر رضي الله عنه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس ، فتخلص حتى وقف في الصف ، فلما علم به أبو بكر تراجع

فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبت إماما ، فأبى وأصرّ على التأخر ، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما سأله بعد الصلاة : ( ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ )

فقال : " ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

ومن ذلك ما يكون من الأبناء البررة من الامتناع عن الجلوس في صدر المجلس إذ يأمرهم به أبوهم ، ويرونه هو الأحق بذلك ، ويعد فعلهم هذا برا يحمدون عليه ، ولا يدخل في شيء من العصيان ولا يقرب منه .

ولذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في بعض الروايات الأخرى في البخاري (2699) وغيره

: " والله لا أمحوك أبدا " ، فقد كان امتناعه لاستعظامه محو صفة الرسالة ، عن رسول الله الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، في كتابته .

ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه للحديث في "فتح الباري" :

"وكأن عليا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما ، فلذلك امتنع من امتثاله" انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:48
الأمر بلزوم البيوت عند حصول الفتن والتباسها وتكاثرها .

السؤال:

سمعت حديث عن آخر الزمان إذا ظهرت الفتن عليكم في بيوتكم وأعمالكم أفيدوني إذا كان الحديث صحيحا.

الجواب :

الحمد لله

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بلزوم البيوت عند كثرة الفتن واشتدادها .

فروى أبو داود (4259) ، والترمذي (2204)

وحسنه ، وابن ماجة (3961)

عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ

السَّاعِي، فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ، وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَإِنْ دُخِلَ - يَعْنِي - عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ، فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ) .

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

وفي لفظ لأبي داود (4263): (

إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي) ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: (كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ) " .

ولفظ الترمذي :

(كَسِّرُوا فِيهَا قَسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتَارَكُمْ، وَالزَمُوا فِيهَا أَجْوَافَ بُيُوتِكُمْ، وَكُونُوا كَابْنِ آدَمَ) .

قال القاري رحمه الله :

" (إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ) أَيْ: قُدَّامَهَا مِنْ أَشْرَاطِهَا ( فِتَنًا ) أَيْ: فِتَنًا عِظَامًا وَمِحَنًا جِسَامًا ( كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ) أَيْ: كُلُّ فِتْنَةٍ كَقِطْعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فِي شِدَّتِهَا وَظُلْمَتِهَا وَعَدَمِ تَبَيُّنِ أَمْرِهَا.

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: يُرِيدُ بِذَلِكَ الْتِبَاسَهَا وَفَظَاعَتَهَا، وَشُيُوعَهَا وَاسْتِمْرَارَهَا.

(يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا) أَيْ: فِي تِلْكَ الْفِتَنِ (مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِصْبَاحِ وَالْإِمْسَاءِ : تَقَلُّبُ النَّاسِ فِيهَا وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ، لَا بِخُصُوصِ الزَّمَانَيْنِ، فَكَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ تَرَدُّدِ أَحْوَالِهِمْ، وَتَذَبْذُبِ أَقْوَالِهِمْ، وَتَنَوُّعِ أَفْعَالِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَنَقْضٍ، وَأَمَانَةٍ وَخِيَانَةٍ، وَمَعْرُوفٍ وَمُنْكَرٍ، وَسُّنَّةٍ وَبِدْعَةٍ، وَإِيمَانٍ وَكُفْرٍ.

( الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ) أَيْ: كُلَّمَا بَعُدَ الشَّخْصُ عَنْهَا وَعَنْ أَهْلِهَا ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ قُرْبِهَا وَاخْتِلَاطِ أَهْلِهَا ؛ لِمَا سَيَئُولُ أَمْرُهَا إِلَى مُحَارَبَةِ أَهْلِهَا .

فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْأَمْرَ كَذَلِكَ ( فَكَسِّرُوا فِيهِ قِسِيَّكُمْ ) : جَمْعِ الْقَوْسِ، (وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتَارَكُمْ) وَفِيهِ زِيَادَةٌ مِنَ الْمُبَالَغَةِ ; إِذْ لَا مَنْفَعَةَ لِوُجُودِ الْأَوْتَارِ مَعَ كَسْرِ الْقِسِيِّ .

أَوِ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا الْغَيْرُ، وَلَا يَسْتَعْمِلُهَا فِي الشَّرِّ دُونَ الْخَيْرِ، ( وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ ) أَيْ: حَتَّى تَنْكَسِرَ أَوْ حَتَّى تَذْهَبَ حِدَّتُهَا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الْأَرْمَاحُ وَسَائِرُ السِّلَاحِ، ( فَإِنْ دُخِلَ ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ، وَنَائِبِ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ: ( عَلَى أَحَدٍ ) ، ( فَلْيَكُنْ ) أَيْ: ذَلِكَ الْأَحَدُ ( كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ ) أَيْ: فَلْيَسْتَسْلِمْ حَتَّى يَكُونَ قَتِيلًا ، وَلَا يَكُونُ قَاتِلًا.

وقوله: ( كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ ) : أَحْلَاسُ الْبُيُوتِ مَا يُبْسَطُ تَحْتَ حُرِّ الثِّيَابِ، فَلَا تَزَالُ مُلْقَاةً تَحْتَهَا، وَقِيلَ: الْحِلْسُ هُوَ الْكِسَاءُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ تَحْتَ الْقَتَبِ وَالْبَرْذَعَةِ، شَبَّهَهَا بِهِ لِلُزُومِهَا وَدَوَامِهَا، وَالْمَعْنَى: الْزَمُوا بُيُوتَكُمْ وَالْتَزِمُوا سُكُوتَكُمْ ; كَيْلَا تَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي بِهَا دِينُكُمْ يَفُوتُكُمْ.

(وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتَارَكُمْ، وَالْزَمُوا فِيهَا أَجْوَافَ بُيُوتِكُمْ) أَيْ: كُونُوا مُلَازِمِيهَا؛; لِئَلَّا تَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ وَالْمُحَارِبِينَ فِيهَا "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (8/ 3395) .

وروى أبو داود (4343) ، وأحمد (6987)

عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ، فَقَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ،

قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: (الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ).

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

فيشرع عند حصول الفتن وهيجانها، وانتشار المنكرات العلنية ، واضطراب أمور الناس وأحوالهم ، بصورة لا تنضبط ، ولا ينفع معها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : أن يلزم المسلم بيته ، ويتقي الفتن .

وقد دلت السنة على مشروعية العزلة عن الناس وترك الاختلاط بهم، في حال خوف المسلم على دينه من الفتن، بحيث إنه لو خالط الناس لا يأمن على دينه من أن يرتد عنه، أو يزيغ عن الحق، أو يقع في الشرك ، أو يترك مباني الإسلام وأركانه، ونحو ذلك.

أما العزلة في غير وقت الفتن ، وخوف المسلم على دينه ، فاختلف العلماء في حكمها، وذهب الجمهور إلى أن الاختلاط بالناس أفضل من العزلة واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها

ما رواه الترمذي (5207) ، وابن ماجه (4032)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ)

وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2035) .

فمتى كان في اختلاط المسلم بالناس مصلحة راجحة ، من نشر علم ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر، أو دعوة إلى الله، أو غير ذلك من المصالح: فاختلاطه بالناس أولى من عزلته.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" هذا يسأل يقول: إن بعض الناس إذا اعتزل الناس قوي إيمانه ورغبته في الخير، وإذا خالطهم غفل ولها، فأيهما أفضل؟

نقول: إن كان هذا الرجل معه علمٌ ينفع به الناس ويرشدهم فاختلاطه بالناس أولى، (فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) أما إذا كان رجلاً عادياً

لكن انعزاله عن الناس أخشع له وأقوم لعبادته فليفعل، لكن لا ينعزل عن أهله؛ لأنه مسئول عن أهله (الرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته) " .

انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (234/ 14) بترقيم الشاملة

نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

والله تعالى أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:51
شرح حديث : ( إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً ) .

السؤال :

قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحله )، ما المقصود بهذا الحديث؟

الجواب:

الحمد لله

روى البخاري (6498) ، ومسلم (2547)

عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً )

هذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم : ( تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ ، لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" فَعَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَبِغَيْرِ (تَكَادُ) فَالْمَعْنَى: لَا تَجِدُ فِي مِائَةِ إِبِلٍ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ، لِأَنَّ الَّذِي يَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَطِيئًا سَهْلَ الِانْقِيَادِ، وَكَذَا لَا تَجِدُ فِي مِائَةٍ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصْلُحُ لِلصُّحْبَةِ، بِأَنْ يُعَاوِنَ رَفِيقَهُ وَيُلِينَ جَانِبَهُ .

وَالرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ (لَا تَكَادُ) أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمَعْنَى وَمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ، وَيُحْمَلُ النَّفْيُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَعَلَى أَنَّ النَّادِرَ لَا حُكْمَ لَهُ .

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمِائَةِ مِنَ الْإِبِلِ إِبِلٌ، يَقُولُونَ لِفُلَانٍ إِبِلٌ، أَيْ مِائَةُ بَعِيرٍ، وَلِفُلَانٍ إِبِلَانِ، أَيْ مِائَتَانِ.

قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا فَالرِّوَايَةُ الَّتِي بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ يَكُونُ قَوْلُهُ مِائَةٌ تَفْسِيرًا لِقولِهِ إِبِلٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَإِبِلٍ أَيْ كَمِائَةِ بَعِيرٍ، وَلَمَّا كَانَ مُجَرَّدُ لَفْظِ إِبِلٍ لَيْسَ مَشْهُور الِاسْتِعْمَال فِي الْمِائَة ، ذكر الْمِائَة توضحيا ورفعا لِلْإِلْبَاسِ . وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: فَاللَّامُ لِلْجِنْسِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّاسَ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ سَوَاءٌ ، لا فضل فِيهَا لِشَرِيفٍ عَلَى مَشْرُوفٍ، وَلَا لِرَفِيعٍ عَلَى وَضِيعٍ، كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا رَاحِلَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تُرْحَلُ لِتُرْكَبَ، وَالرَّاحِلَةُ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، أَيْ كُلُّهَا حَمُولَةٌ تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، وَلَا تَصْلُحُ لِلرَّحْلِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا .

وَالثَّانِي: أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَهْلُ نَقْصٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْفَضْلِ فَعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِل الحمولة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى : (وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُون) .

قُلْتُ: وَأَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي تَسْوِيَةِ الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ ، أَخْذًا بالتأويل الأول، وَنقل عَن ابن قُتَيْبَةَ أَنَّ الرَّاحِلَةَ هِيَ النَّجِيبَةُ الْمُخْتَارَةُ مِنَ الْإِبِلِ لِلرُّكُوبِ، فَإِذَا كَانَتْ فِي إِبِلٍ عُرِفَتْ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّاسَ فِي النَّسَبِ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ الَّتِي لَا رَاحِلَةَ فِيهَا فَهِيَ مُسْتَوِيَةٌ.

وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الرَّاحِلَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الذَّكَرُ النَّجِيبُ وَالْأُنْثَى النَّجِيبَةُ، وَالْهَاءُ فِي الرَّاحِلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ، قَالَ: وَقَول ابن قُتَيْبَةَ غَلَطٌ ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا ، الْكَامِلَ فِيهِ ، الرَّاغِبَ فِي الْآخِرَةِ : قَلِيلٌ ؛ كَقِلَّةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِلِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا أَجْوَدُ . وَأَجْوَدُ مِنْهُمَا قَوْلُ آخَرِينَ: إِنَّ الْمَرْضِيَّ الْأَحْوَالِ مِنَ النَّاسِ الْكَامِلَ الْأَوْصَافِ قَلِيلٌ.
قُلْتُ: هُوَ الثَّانِي، إِلَّا أَنَّهُ خَصَّصَهُ بِالزَّاهِدِ، وَالْأَوْلَى تَعْمِيمُهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ .

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الَّذِي يُنَاسِبُ التَّمْثِيلَ: أَنَّ الرَّجُلَ الْجَوَادَ الَّذِي يَحْمِلُ أَثْقَالَ النَّاسِ ، وَالْحَمَالَاتِ عَنْهُمْ ، وَيَكْشِفُ كُرَبَهُمْ : عَزِيزُ الْوُجُودِ ، كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة .

وَقَالَ ابن بَطَّالٍ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ ، وَالْمَرْضِيَّ مِنْهُمْ قَلِيلٌ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَوْمَأَ الْبُخَارِيُّ بِإِدْخَالِهِ فِي بَابِ رَفْعِ الْأَمَانَةِ، لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَالِاخْتِيَارُ عَدَمُ مُعَاشَرَتِهِ ".

انتهى من " فتح الباري "(11/ 335) .

فتحصل من هذا : أن الحديث يحتمل أن يكون المراد منه التسوية بين الناس .

ويحتمل أن يكون المراد : أن مرضي الدين والخلق من الناس قليل أو نادر ، كما أنك قد تجد مائة من الإبل وليس فيها واحدة تصلح للركوب .

وهذا المعنى الثاني هو الذي اختاره أكثر العلماء .

قال ابن الأثير رحمه الله:

" (النَّاسُ كإبِلٍ مائةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا راحلَةً) يَعْنِي: أَنَّ المَرْضِيَّ الْمُنتَجَب مِنَ النَّاسِ ، فِي عِزَّةِ وُجُودِهِ : كالنّجِيبِ مِنَ الإبِلِ الْقَوِيِّ عَلَى الْأَحْمَالِ وَالْأَسْفَارِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْإِبِلِ " .

انتهى من " النهاية " (1/ 15) .

وانظر : " مرقاة المفاتيح " (8/ 3360)

"عمدة القاري" (23/ 85)

"التيسير" (1/ 359)

"حاشية السندي على ابن ماجه" (2/ 479) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:55
كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يضفّر شعره إذا طال ؟

السؤال :

أعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان له ضفائر ، ولكن أريد أن أعرف كيف كان يقوم بتضفير شعره ، فعلى سبيل المثال هل كان يعقص شعره من الخلف ويقوم بتضفيرها ؟

الجواب:

الحمد لله

روى البخاري (3551) ، ومسلم (2337)

عن الْبَرَاء قال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ " .
وفي رواية لمسلم : " مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ " .

وروى البخاري (5903) ، ومسلم (2338)

عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ " .

وروى أبو داود (4187)

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ، وَدُونَ الْجُمَّةِ " .

وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

قال المناوي رحمه الله :

" قال أبو شامة: وقد دلت صحاح الأخبار على أن شعره إلى أنصاف أذنيه ، وفي رواية يبلغ شحمة أذنيه ، وفي أخرى بين أذنيه وعاتقه

وفي أخرى يضرب منكبيه، ولم يبلغنا في طوله أكثر من ذلك ، وهذا الاختلاف باعتبار اختلاف أحواله، فروى في هذه الأحوال المتعددة، بعدما كان حلقه في حج أو عمرة "
.
انتهى من " فيض القدير "(5/ 74).

وروى أبو داود (4191)

عن أُمّ هَانِئٍ رضي الله عنها قالت : " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ "
.
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

والغدائر: الضفائر .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وما دل عليه الحديث من كون شعره صلى الله عليه وسلم كان إلى قرب منكبيه كان غالب أحواله ، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ، ويتخذ منه عقائص وضفائر ، وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهد شعره فيها، وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه "

انتهى باختصار من "فتح الباري" (10/360) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" وَكَانَ شَعَرُهُ صلى الله عليه وسلم فَوْقَ الْجُمَّةِ ، وَدُونَ الْوَفْرَةِ، وَكَانَتْ جُمَّتُهُ تَضْرِبُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ ، وَإِذَا طَالَ جَعَلَهُ غَدَائِرَ أَرْبَعًا، قَالَتْ أم هانئ: ( قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَدْمَةً وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ )

وَالْغَدَائِرُ الضَّفَائِرُ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ "

انتهى من " زاد المعاد " (1/ 170) .

وقال القاري رحمه الله:

" الضَّفْرُ: فَتْلُ الشَّعَرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنَ الضَّفِيرَةِ، وَهِيَ النَّسْجُ، وَمِنْهُ ضَفْرُ الشَّعَرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ "

انتهى من " مرقاة المفاتيح " (3/ 1184) .

وقال في " لسان العرب " (4/ 490):

" كلُّ خُصْلة مِنْ خُصَل الشَعْرِ تُضْفَر عَلَى حِدَة: ضَفِيرةٌ، وجمعُها ضَفائِرُ " انتهى .

فالحاصل :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طال شعره لسفر أو غيره: ضفره أربع ضفائر ، وذلك على عادة العرب، وذلك بردّه إلى الخلف ، ثم يجعله خصالا، ثم ينسج بعضها على بعض فَتْلا، حتى تصير أربع ضفائر .

على أن الواجب أن ننتبه إلى أن تطويل الشعر ليس ـ في نفسه ـ من السنة التي يؤجر عليها المسلم ؛ إذ هو من أمور العادات ، وقد أطال النبي صلى الله عليه وسلم شَعره وحَلَقَه ، ولم يجعل في تطويله أجراً ، ولا في حلقه إثماً ، إلا أنه أمر بإكرامه ، ولم يخرج بذلك عن عادات العرب وأحوالهم .

فإذا قدر أن العرف تغير في زمان ، أو مكان ، فصار تطويل الشعر خاصا بالنساء ، فلا يجوز للرجال إطالته في ذلك المكان ، وإذا صار ذلك علامة على الفساق ، أو السفهاء ، لم يكن لذوي المروءات والهيئات أن يعملوا عملهم ، أو يتحلوا بشعارهم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 17:58
هل يجوز للرجل تطويل شعره وتضفيره ؟

وهل يؤجر عليه ؟

السؤال :

طلب زوجي أن أضفر شعر رأسه ، وسألته عن حكم ذلك في الإسلام ، فأورد أقوالا لبعض العلماء حول تضفير شعر الرجال ، فهل ذلك صحيح ؟

أنا أسأل عن ذلك ليس لأني لا أصدقه ، لكني أريد أن أعرف هل هناك رأي آخر ؟

لأن الأمر غريب بالنسبة لي .

الجواب:

الحمد لله

تطويل الشعر ليس من السنة التي يؤجر عليها المسلم ؛ إذ هو من أمور العادات ، وقد أطال النبي صلى الله عليه وسلم شَعره وحَلَقَه ، ولم يجعل في تطويله أجراً ، ولا في حلقه إثماً ، إلا أنه أمر بإكرامه .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن كان له شعر فليكرمه ) . رواه أبو داود (4163) وحسَّنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/368) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أرجِّل رأسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض . رواه البخاري (291) .

والترجيل هو تسريح الشعر .

وكان شعره صلى الله عليه وسلم يصل إلى شحمة أذنيه ، وإلى ما بين أذنيه وعاتقه ، وكان يضرب منكبيه ، وكان – إذا طال شعره - يجعله أربع ضفائر .

فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب شعرُه منكبيه . رواه البخاري (5563) ومسلم (2338) .

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أذنيه وعاتقه . رواه البخاري (5565) ومسلم (2338) .

وفي رواية عند مسلم : ( كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه ) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة . رواه الترمذي (1755) وأبو داود (4187) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

الوفرة : شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن .

الجُمَّة : شعر الرأس إذا سقط على المنكبين .

وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر . رواه الترمذي (1781) وأبو داود (4191) وابن ماجه (3631) . والحديث : حسَّنه ابن حجر في "فتح الباري" ، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (23) .

والغدائر هي الضفائر .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وما دل عليه الحديث من كون شعره صلى الله عليه وسلم كان إلى قرب منكبيه كان غالب أحواله ، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص وضفائر كما أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أم هانئ قالت‏ :‏ ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر ) وفي لفظ : (

أربع ضفائر ) وفي رواية ابن ماجه : ( أربع غدائر يعني ضفائر )‏ وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهده شعره فيها وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه " انتهى باختصار . "فتح الباري" (10/360) .

وهذا الأمر كان في عرف ذلك الزمان مقبولاً ومتعارفاً عليه ، فإذا اختلف العرف وكان المسلم في مكان لم يعتد أهله عليه ، أو نظروا إلى فاعله على أنه متشبه بأهل الفسق ؛ ، فلا ينبغي فعله .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" إطالة شعر الرأس لا بأس به ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يقرب أحيانا إلى منكبيه ، فهو على الأصل ، لا بأس به ، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف ،

فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم

فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر حيث إنه لدى الناس وعاداتهم وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة ! فالمسألة إذاً بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم ؛ فلا بأس به

أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضعة ؛ فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها ، ولا يرِد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أشرف الناس وأعظمهم جاها - كان يتخذ الشعر لأننا نرى في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبد ، وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة .

"فتاوى نور على الدرب" .

فما قاله زوجكِ من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان له أربع ضفائر : صحيح ، ولكن لا يعني ذلك أنه سنة يثاب الإنسان عليها ، بل يراعي في ذلك عادات الناس ، وما تعارفوا عليه ، وقد اختلف العرف الآن في أكثر البلاد عما كان عليه الأمر قديماً .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا لهم الجمم والوفرات – جمع جمة ووفرة وسبق بيان معانيها - ، وأضْربَ عنها أهل الصلاح والستر والعلم ، حتى صار ذلك علامة من علاماتهم ، وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء ! وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

( من تشبه بقوم فهو منهم - أو حشر معهم – ) فقيل : مَن تشبه بهم في أفعالهم ، وقيل : من تشبه بهم في هيئاتهم ، وحسبك بهذا ، فهو مجمل في الاقتداء بهدي الصالحين على أي حال كانوا

والشعر والحلق لا يغنيان يوم القيامة شيئاً ، وإنما المجازاة على النيات والأعمال ، فرب محلوق خيرٌ من ذي شعْرٍ ، وربَّ ذي شعرٍ رجلاً صالحاً .

"التمهيد" (6/80) .

والخلاصة : أنه ينبغي اتباع العرف والعادة في ذلك ، حتى لا يعرض المسلم نفسه للسخرية واغتياب الناس له .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 18:02
حكم ربط الرجل شعر رأسه الطويل

السؤال :

قرأت أن أحد الصحابة كان يربط شعره إلى مؤخرة رأسه ، فجاء صحابي آخر وهو في الصلاة فحل الرباط ، فهل يجوز للرجال أن يربطوا شعورهم إلى الوراء ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاًُ :

الحديث المقصود في السؤال هو ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ

فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : مَا لَكَ وَرَأْسِي ؟! فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ) رواه مسلم (رقم/492) .

قال المناوي رحمه الله :

"(معقوص) أي : مجموع شعره عليه (مثل الذي يصلي وهو مكتوف) أي : مشدود اليدين إلى كتفيه في الكراهة ؛ لأن شعره إذا لم يكن منتشرا لا يسقط على الأرض

فلا يصير في معنى الشاهد بجميع أجزائه ، كما أن يدي المكتوف لا يقعان على الأرض في السجود . قال أبو شامة : وهذا محمول على العقص بعد الضفر كما تفعل النساء" انتهى .

"فيض القدير" (3/6) .

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (26/109-110):

"اتفق الفقهاء على كراهة عقص الشعر في الصلاة ، والعقص هو شد ضفيرة الشعر حول الرأس كما تفعله النساء ، أو يجمع الشعر فيعقد في مؤخرة الرأس ، وهو مكروه كراهة تنزيه ، فلو صلى كذلك فصلاته صحيحة ...

والحكمة في النهي عنه أن الشعر يسجد مع المصلي ، ولهذا مثَّله في الحديث بالذي يصلي وهو مكتوف .

والجمهور على أن النهي شامل لكل مَن صلى كذلك , سواء تعمده للصلاة أم كان كذلك قبل الصلاة وفعلها لمعنى آخر وصلى على حاله بغير ضرورة ، ويدل له إطلاق الأحاديث الصحيحة وهو ظاهر المنقول عن الصحابة .

وقال مالك : النهي مختص بمن فعل ذلك للصلاة" انتهى .

ثانياً :

أما عن حكم تطويل الشعر وعقصه – أي : ربطه إلى الخلف – فقد سبق الكلام عليه بالتفصيل في جواب السؤال القادم

وذكرنا فيه كلام ابن عبد البر رحمه الله أن إطالة الشعر في عصره صارت من علامات السفهاء، وأعرض عنها أهل العلم والصلاح . وهذا هو ما تعارف عليه الناس في عامة البلاد الإسلامية .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"ليس من السنة – إطالة الشعر - ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه حيث إن الناس في ذلك الوقت يتخذونه ، ولهذا لما رأى صبياً قد حَلَقَ بعض رأسه قال : (احلقه كله أو اتركه كله) ، ولو كان الشعر مما ينبغي اتخاذه لقال : أبقه .

وعلى هذا فنقول : اتخاذ الشعر ليس من السنة ، لكن إن كان الناس يعتادون ذلك فافعل

وإلاَّ فافعل ما يعتاده الناس ؛ لأن السنة قد تكون سنة بعينها ، وقد تكون سنة بجنسها : فمثلاً : الألبسة إذا لم تكن محرمة ، والهيئات إذا لم تكن محرمة ، السنة فيها اتباع ما عليه الناس

لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها اتباعاً لعادة الناس ، فنقول الآن : جرت عادة الناس ألا يُتَخَّذ الشعر ؛ ولذلك علماؤنا الكبار أول من نذكر من العلماء الكبار شيخنا عبد الرحمن بن السعدي وكذلك شيخنا عبد العزيز بن باز وكذلك المشايخ الآخرون كالشيخ محمد بن إبراهيم وإخوانه وغيرهم من كبار العلماء لا يتخذون الشعر

لأنهم لا يرون أن هذا سنة ، ونحن نعلم أنهم لو رأوا أن هذا سنة لكانوا من أشد الناس تحرِّياً لاتباع السنة . فالصواب : أنه تَبَعٌ لعادة الناس ، إن كنت في مكان يعتاد الناس فيه اتخاذ الشعر فاتخذه وإلا فلا " انتهى.

" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/126، سؤال رقم/16).

وعلى هذا ، فيرجع في إطالة الرجل شعره إلى ما تعارف عليه الناس ، ففي المجتمعات التي لا يطيل فيها الرجال شعورهم لا ينبغي إطالته ، وعقده من الخلف أشد قبحاً ، إذ فيه تشبه بالنساء والفساق .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 18:05
تسريح الشعر

السؤال :

كيف كان شكل شعر النبي صلى الله عليه وسلم وما هي تسريحات الشعر المحرمة ؟.

الجواب :

الحمد لله

جاء وصف شَعر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة ، وفيها من الأوصاف :

1- لم يكن ملتوياً مقبوضاً ( ليس بجَعد ) ولا مسترسلاً ( ولا سَبْط ) .

عن أنس بن مالك - يصف النبي صلى الله عليه وسلم - قال : كان رَبعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمْهَق ولا آدم ليس بجَعْدٍ قَطَط ولا سَبْط رَجِل أنزل عليه وهو ابن أربعين ( يعني القرآن ) ..

. رواه البخاري ( 3354 ) ومسلم ( 2338 ) .

أمهق : شديد البياض .

آدم : السمرة الشديدة .

2- وكان شعره يبلغ شحمة أذنه .

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً بعيد ما بين المنكبين ، له شعر يبلغ شحمة أذنه رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه . رواه البخاري ( 3358 ) ومسلم ( 2337 ) .

3- وكان يصل أحياناً إلى منكبه أو عاتقه .

عن قتادة قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجِلا ليس بالسبط ولا الجعد بين أذنيه وعاتقه .

رواه البخاري ( 5565 ) ومسلم ( 2337 ) .

وفي رواية : " كان يضرب شعرُه منكبيه "

رواه البخاري ( 5563 ) ومسلم ( 2338 ) .

وأحيانا يصل إلى أقل من ذلك ، وكل ذلك محمول على تعدد الأحوال ، وكل واحد من الصحابة حدَّث بما رأى .

4- وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يخضب شعره .

عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : دخلتُ على أم سلمة فأخرجت إلينا شَعْراً من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوباً .

رواه البخاري ( 5558 ) .

زاد أحمد ( 25328 ) : ( مخضوباً بالحناء والكتم )

الكتم : نبات يضبغ به الشعر إذا خُلط بالحناء جعل لون الشعر بين الأسود والأحمر

. انظر : عون المعبود شرح حديث ( 4205 )

5- وكان يَفرق شعره .

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَسدل شعره وكان المشركون يَفرقون رؤوسَهم ، فكان أهل الكتاب يَسدلون رءوسهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسَه .

رواه البخاري ( 3365 ) ومسلم ( 2336 ) .

السدل : الإرسال على الجبين .

الفرْق : فصل الشعر بعضه عن بعض ، يميناً وشمالاً من الوسط .

وقد بحث العلماء في فقه هذا الحديث ، وخلاصة القول ما قاله الإمام النووي :

والحاصل أن الصحيح المختار جواز السدل والفرق ، وأن الفرق أفضل .

" شرح مسلم " ( 15 / 90 ) .

6- وحج صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وهو ملبد شعره

والتلبيد أن : يُلصق الشعر بعضه ببعض بصمغ أو نحوه حتى يجتمع الشعر ويكون أبعد عن الوسخ ولا يحتاج على غسل فيكون أرفق بالمحرم لاسيما فيما سبق من الزمن مع كثرة تعرض المحرم للوسخ وقلة المياه .

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبِّداً

. رواه البخاري ( 5570 ) ومسلم ( 1184 ) .

والإهلال : رفع الصوت بالتلبية .

7- وكان صلى الله عليه وسلم ربما جعل شعره ضفائر لاسيما في السفر ليكون أبعد عن الغبار .

عن أم هانئ قالت : قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وله أربع غدائر - تعني : عقائص - . رواه الترمذي ( 1781 ) وأبو داود ( 4191 ) وابن ماجه ( 3631 ) وعند ابن ماجه : تعني : ضفائر . والحديث : حسنه الحافظ ابن حجر في "

فتح الباري " ( 10 / 360 ) .

وأما التسريحات المحرمة : فيجمعها أمور ، منها :

1- القزع ، وهو حلق بعض الشعر وترك بعضه

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القَزَع . رواه البخاري ( 5466 ) ومسلم ( 3959 ) .

وقد فسَّر أحد رواة الحديث القزع بأنه حلق بعض رأس الصبي وترك بعضه .

قال ابن القيم رحمه الله :

وأما كحلق بعضه وترك بعضه فهو مراتب :

أشدها : أن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما تفعل شمامسة النصارى .

ويليه : أن يحلق جوانبه ويدع وسطه كما يفعل كثير من السفلة وأسقاط الناس .

ويليه : أن يحلق مقدم رأسه ويترك مؤخره .

وهذه الصور الثلاث داخلة في القزع الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضها أقبح من بعض . " أحكام أهل الذمة " ( 3 / 1294 )

2- التشبه بالكفار أو الفساق

وهي تسريحات كثيرة ، يدخل بعضها في " القزع " – كتسريحة " المارينز " فتمنع لسببين القزع ، والتشبه بالكفار - ، وبعضها لا قزع فيه غير أنه يختص بالكفار كنصب بعض الشعر وسبل الآخر أو ما شابه ذلك .

ويجمعها كل تسريحة تختص بالكفار أو الفساق فإنه لا يجوز للمسلم التشبه بهم فيها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم )

رواه أبو داود ( 4031 ) .

والحديث : حسَّنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 10 / 271 ) وجوَّد إسناده شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 82 ) .

قال شيخ الإسلام :

وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } . " اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 83 ) .

التشبه بسفلة الناس

وهي تسريحات يخترعها بعض السفلة ، وقد تدخل فيما سبق ذكره .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-24, 18:10
حكم حلق الرأس

السؤال :

هل من السنة حلق الرأس ؟.

الجواب :

الحمد لله

الذي يؤخذ من كلام العلماء رحمهم الله أن حلق الرأس ستة أنواع :

النوع الأول :

طاعة وقربة إلى الله تعالى يُثاب عليه الإنسان ، وهذا في أربعة مواضع فقط لا خامس لها وهي :

1- الحج

2- العمرة ، قال تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ) الفتح/27

3- حلق رأس الصبي في اليوم السابع لولادته

ودليل ذلك ما رواه الترمذي (1439)

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة ، وقال : ( يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة )

حسنه الألباني في صحيح الترمذي (1226)

وانظر : تحفة المودود لابن القيم (ص : 217)

4- الكافر إذا أسلم

لما رواه أبو داود (356)

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً كافراً أسلم بقوله : ( ألق عنك شعر الكفر واختتن )

حسنه الألباني في صحيح أبي داود

وانظر : المغني 1/276

وشرح العمدة لشيخ الإسلام (1/350)

واتفق العلماء رحمهم الله أنه لا يستحب حلق الرأس في غير هذه المواضع الأربعة ، انظر الاستقامة لشيخ الإسلام 1/256

النوع الثاني :

شرك ، ويكون حلق الرأس شركاً بالله عز وجل .

وهو إذا حلق رأسه تذللاً لغير الله تعالى

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد 4/159

: كما يحلفها المريدون لشيوخهم ، فيقول أحدهم : أنا حلقت رأسي لفلان ، وأنت حلقته لفلان ، وهذا بمنزلة أن يقول : سجدت لفلان ، فإن حلق الرأس خضوع وعبودية وذل ولهذا كان من تمام الحج .

.. فإنه وضع النواصي بين يدي ربها خضوعاً لعظمته وتذللاً لعزته وهو من أبلغ أنواع العبودية ولهذا كانت العرب إذا أرادت إذلال الأسير منهم وعتقه حلقوا رأسه وأطلقوه ... الخ كلامه رحمه الله .

النوع الثالث :

بدعة مكروهة ، وله صور كثيرة :

منها : حلق الرأس علي سبيل التعبد والتدين – في غير المواضع الأربعة السابقة – كما لو جُعِل حلق الرأس شعاراً للصالحين ، أو من تمام الزهد ، وهذا كما كانت الخوارج تفعل ، ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الخوارج أنه قال : ( سيماهم التحليق )

البخاري (7007) ومسلم (1763)

قال القرطبي :

( قوله : سيماهم التحليق ) أي جعل ذلك علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا ، وشعاراً ليُعرفوا به ، وهذا منهم جهل ... وابتداع منهم في دين الله شيئاً كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وأتباعهم على خلافه )

وانظر شرح العمدة 1/231 ومجموع الفتاوى 21/118

ومنها : ما يفعله بعض الناس من أمر التائب أن يحلق رأسه ، وهذا بدعة ، لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا أحد من أئمة المسلمين .

مجموع الفتاوى 21/118

والنوع الرابع :

محرم وله عدة صور ، منها :

1- حلق الشعر عند المصيبة بموت قريب ونحوه ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة والحالقة والشاقة ) رواه مسلم (149) ،

والحالقة هي التي تحلق شعرها عند المصيبة ، والصالقة التي ترفع صوتها بالويل والثبور ونحوه ، والشاقة التي تشق ثيابها . وذكر ابن حجر رحمه الله في ( الزواجر عن اقتراف الكبائر ) الكبيرة السابعة عشرة بعد المائة : حلق الشعر عن المصيبة ، قال : لأن ذلك يشعر إشعاراً ظاهراً بالسخط ، وعدم الرضا بالقضاء . اهـ

2- حلق الرأس على سبيل التشبه بالكفار أو الفساق الذين اشتهروا بحلق رؤوسهم ، وربما جعل عليه زيتاً معيناً ليظهر مثلهم ، أو خففه جداً من الجانبين وجعله طويلاً في الوسط

فهذا كله تشبه محرم ، وميوعة وانحلال ، نسأل الله السلامة والعافية ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3401)

قال القاري رحمه الله : أي من شبه نفسه بالكفار أو بالفساق أو الفجار ( فهو منهم ) أي : في الإثم اهـ

النوع الخامس :

مباح وهو أن يحلق رأسه لحاجة ، مثل أن يحلقه للتداوي من مرض ، أو لدفع أذى القمل ونحو ذلك ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : فهذا جائز بالكتاب والسنة والإجماع .

اهـ مجموع الفتاوى 12/117

النوع السادس :

أن يحلق رأسه من غير حاجة ولا سبب من الأسباب المتقدمة .

فهذا مما اختلف العلماء في حكمه ، فذهب بعضهم إلى كراهته وهو مالك رحمه الله ، واستدلوا بأنه من علامة أهل البدع وهم الخوارج كما سبق في الحديث ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم )

واستدل من أباحه بما رواه أبو داود (4192)

أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى آل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، بعد موت جعفر بثلاث ، ودعى بالحلاق فأمره أن يحلق رؤوس بنيه . صححه الألباني في صحيح أبي داود (3532)

بما رواه أبو داود (4195)

أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي طفلاً قد حُلِق بعض رأسه ، وتُرِك بعضه فقال : ( احلقوه كله أو اتركه كله ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (3535) ، قال النووي رحمه الله :

وهذا صريح في إباحة حلق الرأس لا يحتمل تأويلاً . اهـ شرح مسلم ، ولكن الاستدلال بهذين الحديثين على إباحة حلق الرأس بدون حاجة فيه نظر :

أولاً : لأن حلق الرأس هنا لحاجة ، فيكون مباحاً ، والحاجة أن الصبيان أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالقمل لكثرة رطوبتهم والأوساخ التي تتعلق بهم .

زاد المعاد 4/159

ثانياً : أن هذا في حق الصبي الصغير ، والصبي يرخص له ما لا يُرخص للكبير . حاشية السندي على النسائي

وانظر مجموع الفتاوى (21/119) وشرح العمدة (1/230)

وهذا الخلاف في هذا القسم الخامس إنما هو : هل يكره حلق الرأس أم يباح ؟

أم الأفضل فالأفضل هو عدم حلقه ، قال القاري رحمه الله : الأفضل أن لا يحلق إلا في أحد النسكين ( يعني : الحج والعمرة ) كما كان عليه صلى الله والسلام مع أصحابه رضي الله عنهم .

اهـ من عون المعبود (11/248)

والله تعالى اعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-07-30, 19:05
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

حكم قتل الحيات والأفاعي .

السؤال:

نحن نعيش في منطقة منعزلة جدًا، ويتردد عليها كثيرٌ من الأفاعي الخطيرة والسامة ، ونحن عائلة تتكون من 14 فردًا ؛ 8 بالغين ، و6 أطفال، وأخشى على سلامتهم

وكثيرًا ما اتصلنا بوحدات إنقاذ الحياة البرية في كل مرة تحيط بنا الأفاعي ، ولكنهم لا يأتون إلا إذا كانت الأفاعي في المنزل ، ويرفضون المجيء إذا كانت الأفاعي بالخارج أو في المناطق المفتوحة . وأسئلتي كالتالي :

هل يمكنني قتل هذه الافاعي بدافع سلامة أفراد العائلة فحسب ؟

وأعلم أن الجن تظهر على هيئة أفاعي ، فما حكم قتلهم؟ هل صحيحٌ أن قتل الجن المتمثلين في هيئة أفاعي يجلب سوء الحظ ؟

أرجو ملاحظة أننا أنفقنا المال من أجل تنظيف وتمهيد الأراضي المجاورة الشاغرة ، ورششناها بمواد كيميائية لإبعاد الأفاعي والقوارض ، ولكن ذلك لم يجدي نفعًا .

الجواب :

الحمد لله

أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل الحيات ، وهذا عام في جميع الحيات ، وفي أي مكان . إلا أن الحية إذا كانت داخل البيت فإنها لا تقتل حتى تنذر ثلاثا ، وذلك لاحتمال أن تكون من الجن ، فإن ظهرت بعد ذلك قتلت .

فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : (اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ) .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَلَبِثْتُ لَا أَتْرُكُ حَيَّةً أَرَاهَا إِلَّا قَتَلْتُهَا "

رواه البخاري (3299) ، ومسلم (3233) .

وروى أبو داود (5249)

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلَّهُنَّ ، فَمَنْ خَافَ ثَأْرَهُنَّ فَلَيْسَ مِنِّي ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وروى مسلم (2233)

عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : " كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَوْمًا عِنْدَ هَدْمٍ لَهُ، فَرَأَى وَبِيصَ جَانٍّ ، فَقَالَ: اتَّبِعُوا هَذَا الْجَانَّ فَاقْتُلُوهُ ، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ ، إِلَّا الْأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ، وَيَتَتَبَّعَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ ".

وروى مسلم (2236)

عن أبي السَّائِبِ، قَالَ: " دَخَلْنَا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ إِذْ سَمِعْنَا تَحْتَ سَرِيرِهِ حَرَكَةً ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا حَيَّةٌ ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ ، وفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ ذَهَبَ، وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ) .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" قَالَ قَوْمٌ: لَا يَلْزَمُ أَنْ تُؤْذَنَ الْحَيَّاتُ وَلَا تُنَاشَدْنَ وَلَا يُحَرَّجَ عَلَيْهِنَّ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ خَاصَّةً.

وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَدِينَةُ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، لِأَنَّ مِنَ الْحَيَّاتِ جِنًّا ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُنَّ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَنْ يُسْلِمَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُنّ،َ قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تُنْذَرَ عَوَامِرُ الْبُيُوتِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَلَا تُنْذَرَنَّ فِي الصَّحَارِي.

قَالَ ابن عبد البر:

الْأَوْلَى أَنْ تُنْذَرَ عَوَامِرُ الْبُيُوتِ كُلِّهَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ . وَالْإِنْذَارُ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يَرَى الْحَيَّةَ فِي بَيْتِهِ: أُحَرِّجُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْحَيَّةُ أن تظهر لَنَا أَوْ تُؤْذِينَا "

انتهى من " التمهيد " (16/ 263) .

وقال ابن عبد البر رحمه الله :

" أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ حَيَّاتِ الصَّحَارِي ، صِغَارًا كُنَّ أَوْ كِبَارًا، أَيَّ نَوْعٍ كَانَ الْحَيَّاتُ "

انتهى من " التمهيد " (16/ 28) .

فلا حرج عليكم في قتل الحيات التي تكون خارج البيت ، أما ما يوجد داخل البيت فلا تقتل حتى تنذر ثلاثا .

وأما القول بأن قتل الجن الذين يظهرون في صورة الحيات والأفاعي يجلب سوء الحظ: فقول باطل لا أصل له .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-30, 19:08
حكم تربية الثعابين؟

السؤال:

هل يجوز لمسلم أن يقوم بتربية الثعبان؟

الجواب :

الحمد لله :

الثعابين من الحيوانات الضارة والمؤذية ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها حيثما وجدت .

فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ : الْحَيَّةُ ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ ، وَالْفَأْرَةُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ، وَالْحُدَيَّا)

رواه مسلم (1198) .

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : (اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ) .

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَلَبِثْتُ لَا أَتْرُكُ حَيَّةً أَرَاهَا إِلَّا قَتَلْتُهَا

. رواه البخاري (3299) ومسلم (3233) .

بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلم بقتلها وهو في الصلاة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ : (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ : الْحَيَّةُ ، وَالْعَقْرَبُ)

رواه الترمذي (390) وصححه الألباني .

وإذا كان الشرع قد أمر بقتلها ، فكيف يجوز للمسلم أن يقوم باقتنائها بعد ذلك؟

قال الزركشي : "وَيَحْرُمُ حَبْسُ شَيْءٍ مِنْ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِنَاءِ"

انتهى ، نقله عنه في "تحفة المحتاج" (9/337)

وينظر : "المنثور في القواعد" (3 /80) .

وقال السيوطي :

"مَا حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ حُرِّمَ اتِّخَاذُهُ ، وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ اتِّخَاذُ آلَاتِ الْمَلَاهِي ، وَأَوَانِي النَّقْدَيْنِ ، وَالْكَلْبُ لِمَنْ لَا يَصِيدُ ، وَالْخِنْزِيرُ ، وَالْفَوَاسِق"

انتهى من "الأشباه والنظائر" صـ 280 .

وقال ابن قدامة : "وما وجب قتله حرم اقتناؤه"

انتهى من "المغني" (11/ 2) .

وقد نص العلماء على حرمة بيع وشراء الثعابين .

قال النووي:

" ما لا ينتفع به [من الحيوانات] لا يصح بيعه ، كالخنافس ، والعقارب ، والحيات ، والفأر ، والنمل ، ونحوها"

انتهى من "روضة الطالبين" (3 /351) .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (17 /280) :

"اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لاَ نَفْعَ فِيهَا ، إِذْ يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْفِئْرَانِ ، وَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ ، وَالْخَنَافِسِ ، وَالنَّمْل وَنَحْوِهَا ، إِذْ لاَ نَفْعَ فِيهَا يُقَابَل بِالْمَال" انتهى .

ولا فرق في تحريم الاقتناء بين أن يكون الثعبان سامَّاً أو غير سام ، لعموم النصوص الشرعية الآمرة بقتلها .

ثم إن تربية الثعابين من العبث الذي يتنزه عنه المسلم ، لخلوها من الفائدة ، بل إن تربية هذا النوع من الحيوانات لا تخلو من بعض المخاطر كما لا يخفى .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-07-30, 19:13
لماذا لم يدفن عثمان زوجته أم كلثوم رضي الله عنهما ، وتولى دفنها طلحة رضي الله عنه ؟

السؤال:

في مسند الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمة الله تعالى عليه ـ ذكرت هذه الحادثة كالآتي: "عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، ثم قال: (هل منكم من رجل لم يقارف الليلة )

فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله، قال: (فانزل ). قال: فنزل في قبرها . وفي رواية: ( لا يدخل القبر رجل قارف أهله ) فلم يدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه القبر".

هل صحيح بأن عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه جامع جاريته في ليلة دفن بنت رسول الله صلى الله عليهما وسلم ؟

ولماذا أبعد رسول الله عثمان بن عفان عن قبر بنته ليلة دفنها؟

وأن لموت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص علاقة بموت بنت رسول الله ؟

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (1285) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، قَالَ: فَقَالَ: (هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟) ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: (فَانْزِلْ) قَالَ: فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا ".

ورواه أحمد (13398) ولفظه : ( لَا يَدْخُلِ الْقَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ أَهْلَهُ ) فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْقَبْرَ ".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (3/ 158) :

" (لَمْ يُقَارِفْ) عَنْ فُلَيْحٍ قال: أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ .

وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لم يُجَامع تِلْكَ اللَّيْلَة، وَبِه جزم ابن حَزْمٍ ...

وَيُقَوِّيهِ : أَنَّ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْمَذْكُورَةِ بِلَفْظِ: ( لَا يَدْخُلِ الْقَبْرَ أَحَدٌ قَارَفَ أَهْلَهُ الْبَارِحَةَ ) فَتَنَحَّى عُثْمَانُ " انتهى .

وينظر : "كشف المشكل" لابن الجوزي (3/295) .

وقال في " النهاية " (4/ 45):

" .. وقارف امْرأته : إذا جامَعَها " انتهى .

والعلة في ذلك : أن نزول الإنسان القبر لدفن الميت لا يناسبه أن يكون حديث عهد بالجماع ، فإنه لا يأمن أن يتذكر شيئا من ذلك ، وهو في القبر ، والحال حال خشوع وتذكر للموت وما بعده ، فلا يناسبه التفكر في شيء من متاع الدنيا . فكيف بشيء من أقوى ملاذها وشهواتها ؟!

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" يُقَال: قارف الرجل امْرَأَته: إِذا جَامعهَا. والقريب الْعَهْد بالشَّيْء يتذكره، فَلهَذَا طلب من لم يقرب عَهده بذلك "

انتهى ، من "كشف المشكل" (3/296) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وَفِي هَذَا الْحَدِيث : ... إِيثَار الْبَعِيد الْعَهْد عَنْ الْمَلَاذ فِي مُوَارَاة الْمَيِّت - وَلَوْ كَانَ اِمْرَأَة - عَلَى الْأَب وَالزَّوْج ...
وَعَلَّلَ ذَلِكَ بَعْضهمْ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْمَن مِنْ أَنْ يُذَكِّرهُ الشَّيْطَان بِمَا كَانَ مِنْهُ تِلْكَ اللَّيْلَة " .

انتهى من " فتح الباري " (3/ 159) .

وقيل :

" خَشِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ نَزَلَ أَنْ يَتَذَكَّرَ شَيْئًا، فَيَذْهَلَ مِنَ الْإِتْيَانِ بِكَمَالِ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ "

انتهى .انظر : "مرقاة المفاتيح" (3/ 1227) .

ثالثا :

فإن قيل : عدم دخول عثمان القبر يدل على أنه جامع تلك الليلة ، فكيف يفعل ذلك وزوجته في الموت ؟

قيل : ليس في الخبر دليل على أن هذا قد وقع من عثمان رضي الله عنه ، بعد ما ماتت زوجته ، بل ولا حين علمه باحتضارها .

قال الحافظ ابن حجر:

" يُجَابُ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَرَضُ الْمَرْأَةِ طَالَ، وَاحْتَاجَ عُثْمَانُ إِلَى الْوِقَاعِ، وَلَمْ يَظُنَّ عُثْمَانُ أَنَّهَا تَمُوتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ وَاقَعَ بَعْدَ مَوْتِهَا، بَلْ وَلَا حِينَ احْتِضَارِهَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى "

انتهى من " فتح الباري " (3/ 159) .

رابعا :

لا علاقة لموت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بموت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغاية ما يذكر في هذا الشأن ما ذكره الواقدي في "المغازي" (1/ 332) فقال:

" كَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قد انهزم يومئذ - يعني يوم أحد - فمضى على وَجْهِهِ فَنَامَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ، فَلَمّا أَصْبَحَ دخل المدينة

فأتى منزل عثمان بن عفّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَضَرَبَ بَابَهُ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ هُوَ هَاهُنَا، هُوَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَأَرْسِلِي إلَيْهِ، فَإِنّ لَهُ عِنْدِي ثَمَنَ بَعِيرٍ اشْتَرَيْته عَامَ أَوّلٍ فَجِئْته بِثَمَنِهِ، وَإِلّا ذَهَبْت.

قَالَ: فَأَرْسَلْت إلَى عُثْمَانَ فَجَاءَ، فَلَمّا رَآهُ قَالَ: وَيْحَك، أَهْلَكْتنِي وَأَهْلَكْت نَفْسَك، مَا جَاءَ بِك؟

قَالَ: يَا ابْنَ عَمّ، لَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ أَقْرَبَ إلَيّ مِنْك وَلَا أَحَقّ. فَأَدْخَلَهُ عُثْمَانُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، ثُمّ خَرَجَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ أَمَانًا، وَقَدْ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أَنْ يَأْتِيَهُ عُثْمَانُ: (

إنّ مُعَاوِيَةَ قَدْ أَصْبَحَ بِالْمَدِينَةِ فَاطْلُبُوهُ ) فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اُطْلُبُوهُ فِي بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ عفّانَ فَدَخَلُوا بَيْتَ عُثْمَانَ فَسَأَلُوا أُمّ كُلْثُومٍ، فَأَشَارَتْ إلَيْهِ فَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتِ حِمَارَةٍ لَهُمْ [الحمارة هي حجر عر

كما في تاج العروس (11/78) ]

فَانْطَلَقُوا بِهِ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُثْمَانُ جَالِسٌ عِنْدً رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا رَآهُ عُثْمَانُ قَدْ أُتِيَ بِهِ قَالَ: وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ، مَا جِئْتُك إلّا أَنْ أَسْأَلَك أَنْ تُؤَمّنَهُ، فَهَبْهُ لِي يَا رَسُولَ اللهِ! فَوَهَبَهُ لَهُ ، وَأَمّنَهُ ، وَأَجّلَهُ ثَلَاثًا، فَإِنْ وُجِدَ بَعْدَهُنّ قُتِلَ.

قَالَ: فَخَرَجَ عُثْمَانُ ، فَاشْتَرَى لَهُ بَعِيرًا وَجَهّزَهُ، ثُمّ قَالَ: ارْتَحِلْ! فَارْتَحَلَ.

وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَخَرَجَ عُثْمَانُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَأَقَامَ مُعَاوِيَةُ حَتّى كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ، فَجَلَسَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، وَخَرَجَ ، حَتّى إذَا كَانَ بِصُدُورِ الْعَقِيقِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنّ مُعَاوِيَةَ قَدْ أَصْبَحَ قَرِيبًا فَاطْلُبُوهُ)

فَخَرَجَ النّاسُ فِي طلبه فإذا هو قد أخطأ الطريق، فَخَرَجُوا فِي أَثَرِهِ حَتّى يُدْرِكُوهُ فِي يَوْمِ الرّابِعِ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ أَسْرَعَا فِي طَلَبِهِ، فَأَدْرَكَاهُ بِالْجَمّاءِ فَضَرَبَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَقَالَ عَمّارٌ: إنّ لِي فِيهِ حَقّا! فَرَمَاهُ عَمّارٌ بِسَهْمٍ ، فَقَتَلَاهُ، ثُمّ انْصَرَفَا إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ.

وَيُقَالُ: أُدْرِكَ بِثَنِيّةِ الشّرِيدِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ حَيْثُ أَخْطَأَ الطّرِيقَ، فَأَدْرَكَاهُ فَلَمْ يَزَالَا يَرْمِيَانِهِ بِالنّبْلِ ، وَاِتّخَذَاهُ غَرَضًا ، حَتّى مَاتَ " انتهى .

فهذا الذي ذكره الواقدي في مغازيه ، ولا علاقة له بموت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والواقدي لا يعتد به ، كذبه الشافعي وأحمد والنسائي وغيرهم ، وقال إسحاق بن راهويه : هو عندي ممن يضع الحديث .

"تهذيب التهذيب" (9 /326) .

خامسا :

لا غضاضة على عثمان في شيء مما تقدم ، ومن ترك ذكر مآثره وفضائله ، وتشبث في غمزه بمثل هذا فهو جاهل ضال ، في قلبه دغَل ، فلينظر إلى حاله ، وليبك على نفسه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-30, 19:21
شبهات حول تحريم الاختلاط ، والجواب عنها .

السؤال:

هناك من العلماء من أجاز الاختلاط ، وذكر عدة أدلة تظهر أنها قوية ، ومنها : جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: " جاء رجل إلى رسول الله فقال إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت :

والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك ، حتى قلن كلهن مثل ذلك ؛ لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء

فقال : ( من يضيف هذا الليلة رحمه الله ) فقال : رجل من الأنصار أنا يا رسول الله ، فانطلق به إلى رحله ، فقال لامرأته : هل عندك شيء ، قالت : لا ، إلا قوت صبياني ، قال : فعلليهم بشيء

فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج ، وأريه أنا نأكل ، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه ، قال : فقعدوا فلما أصبح ، غدا على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة)

فأنزل الله تعالى فيهما في كتابه العزيز قوله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ".

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: " أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس ، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم ، فكره ذلك ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:

لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد برأها من ذلك)، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: ( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان). قلت:

أخرجه مسلم ، والنسائي ، وابن حبان، وفيه جواز الاختلاط ، كما يفيده الحديث ، والمغيبة هي ذات الزوج التي غاب عنها زوجها.

وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت،

فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ، وهو يضحك، قالت فقلت: وما يضحكك يا رسول الله ؟

قال: ( ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر... الحديث ). قلت: أخرجه البخاري ، ومسلم، وفيه جواز دخول الرجل على المرأة في غير تهمة ، وفيه جواز فلي المرأة رأس الرجل ، ونحوه القص والحلق .

وقصة أم حرام هذه وقعت بعد نزول الحجاب ، وبعد حجة الوداع كما حكاه ابن حجر في الفتح في شرح كتاب

الاستئذان ، وقد أشكل توجيهها على البعض فقال ابن عبدالبر: أظن أن أم حرام قد أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم أو أختها أم سليم ، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة.

قلت: لم يذكر ابن عبد البر لذلك دليلا إلا قوله أظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، وليس له في ذلك مستند يعتمد عليه ، فإن أمهات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع معلومات . فما الرد عليها ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

الدعوة إلى الاختلاط من أفسد الدعوات ، وتؤدي إلى شيوع الفاحشة بين المؤمنين

وقد قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النور/ 19 .

وهذا ردّ موجز عن هذه الشبهات المذكورة :

أما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا)

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي ، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ

فَبَاتَا طَاوِيَيْن ِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا) فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) الحشر/ 9 .
رواه البخاري (3798) ، ومسلم ( 2054 ) .

فهذا كان قبل نزول الحجاب ، وبيان ذلك : أن هذه القصة كانت سببا في نزول قوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) كما في الحديث ، وهي آية من سورة الحشر

وسورة الحشر نزلت في إثر جلاء بني النضير ، فروى البخاري (4882) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الحَشْرِ، قَالَ: " نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ " .

وقال يزيد بن رومان: " نزلت في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله عزّ وجل به من نقمته، وما سلط عليهم به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وما عمل به فيهم " .

انتهى من " تفسير الطبري " (23/ 263) .

وكان إجلاء بني النضير سنة أربع .

انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 43)، "أسد الغابة" (3/556) .

وسورة الأحزاب – والتي فيها أمر النساء بالحجاب – نزلت بعد غزوة الأحزاب ، وقد كانت سنة خمس .

انظر : "البداية والنهاية" (5/560) .

فهذه القصة كانت قبل نزول الأمر بالحجاب .

وأما حديث : (لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ):

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ - فَرَآهُمْ ، فَكَرِهَ ذَلِكَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَقَالَ : لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ) . ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : (لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ) رواه مسلم (2173) .

وقد سبق في جواب بيان : أن هذا الحديث إنما أفاد دخول بعض أهل الخير والصلاح من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على أسماء بنت عميس رضي الله عنها - وهي من السابقين الأولين - مدة يسيرة ؛ للاطمئنان على أبناء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، والسؤال عنهم ، وتفقد أحوالهم .

وليس في الحديث ما يدل على جلوس أسماء بنت عميس رضي الله عنها مع هؤلاء الرجال ، فهم قدموا لغاية الجلوس مع أبناء جعفر ، وليس للجلوس مع أسماء

ثم لو فرضنا جلوس أسماء معهم فلا شك أنها كانت بالحجاب الكامل .

فأين هذا مما يحصل اليوم من اختلاط الرجال بالنساء المتبرجات ، والتحدث إليهن ، ومضاحكتهن ، ومسامرتهن ، ومصافحتهن ، إلى غير ذلك مما يحصل بين الناس بسبب الاختلاط ، دون وازع من خلق أو دين ؟!

وأما حديث دخول النبي صلى الله عليه وسلم على أم حرام رضي الله عنها : فقد بينا في الفتوى ن أم حرام كانت من محارم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نقل النووي رحمه الله اتفاق العلماء على ذلك .

ومن خالف اتفاق العلماء ، لينشر باطلا أو بدعة ، أو يحل ما حرم الله ؛ فهو مستحق للوعيد المذكور في قوله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) النساء/115 .

وقد حذر العلماء من هؤلاء الذين يحاولون تبرير الباطل بأدلة من القرآن والسنة ، وأن هؤلاء لم يحسنوا فهم الأدلة الشرعية ، ولا الاستدلال بها .

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في رسالته : "خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله" :

"... والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه " وذكر بعض هذه الأدلة ثم قال :
"وقد يتعلق بعض دعاة الاختلاط ببعض ظواهر النصوص الشرعية التي لا يدرك مغزاها إلا من نور الله قلبه وتفقه في الدين ، وضم الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض ، وكانت في تصوره واحدة لا يتجزأ بعضها عن بعض "

انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (1/432) .

وقال الشيخ محمد بن لطفي الصباغ في خاتمة رسالته "تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط المستهتر" (ص37) :

"هذا وإني أرى ألا تخلو هذه الكلمة المتواضعة من التنبيه إلى رأي خاطئ يقع فيه كثير من الناس ، بعضهم مخطئ عن اجتهاد ، وأكثرهم مغرض دساس

وذلك عندما يعمدون إلى الاستشهاد بحوادث أوردتها كتب السنة ، فيريدون أن يعمموها ويسحبوها على ما يقع اليوم من اختلاط مستهتر هدام ، فقد كتب بعضهم مقالات في صحف ومجلات ، وردّ عليهم آخرون في مقالات ورسائل ، ولست أريد أن أدخل في تفصيلات الرد عليهم ، ويكفيني هنا أن أنبه إلى القولة الباطلة

وأن أكشف عن القصد السيء عند أكثر القائلين بها ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

فلنتنبه يا عباد الله ، ولندرأ عن أنفسنا الوباء والخطر قبل حلوله ، ولنحذر مكر الشيطان .. فإنه شر مستطير على أنفسنا وأهلينا وأمتنا " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-07-30, 19:25
مفاسد الاختلاط ، وهل إثمه على الرجل أم المرأة ؟

السؤال:

بعض الإخوة إذا ناقشته في حكم الاختلاط المحرم في عمله قال : إنه هو في وضعية طبيعية ، وأن الرجل هو الذي يعمل ، وأنه غير آثم في بقائه في هذا العمل. وحيث إن فرص العمل قليلة في بلدنا فنرجو تقديم لنا النصيحة بالاستفاضة.

الجواب :

الحمد لله :

الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل ، له آثاره السيئة ، ومفاسده الواضحة على كلٍّ من الرجل والمرأة

ومن ذلك :

1- حصول النظر المحرم ، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر

فقال سبحانه: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور/30، 31 .

وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة ، فأمرني أن أصرف بصري) .

2- قد يحصل فيه اللمس المحرم ، ومنه المصافحة باليد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045).

3- أن الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه ، وهذا محرم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وفي رواية : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها ، فإن ثالثهما الشيطان ) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في غاية المرام (180 ) .

4- ومن مفاسده : تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها ، أو العكس ، وذلك من جراء الخلطة ، وطول المعاشرة .

5- ما يترتب على ذلك من دمار الأسر وخراب البيوت ، فكم من رجل أهمل بيته ، وضيع أسرته ، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل ، وكم من امرأة ضيعت زوجها وأهملت بيتها، لنفس السبب ، بل : كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي أقامها الزوج أو الزوجة ، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها ؟!

ولهذا - وغيره - جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط المفضي إلى هذه المفاسد

والوضع الطبيعي للمرأة أن تكون قارة في بيتها

لقول الله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) الأحزاب/33 .

قال ابن كثير رحمه الله :

"أي : الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة" انتهى .

والذين يسعون في الكسب ويقومون بالمهن إنما هم الرجال ، ولكن كون ذلك هو الوضع الطبيعي ، وكون المرأة هي التي خالفت فزاحمت الرجال ، وخرجت متبرجة

وارتكبت ما نهى الله عنه ، كل ذلك لا يبرر للرجل المسلم أن يرتكب ما حرم الله عز وجل عليه، بل هو مسؤول عن عمله وكسبه، وقد قال الله تعالى : ( وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الأنعام/164 .

والمسلم مأمور بأن يقف عند حدود الله تعالى ، ولا يتجاوزها لتجاوز الناس لها ، بل هو مطالب بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بقدر الطاقة ، لا أن يتخذ فعل الناس للمنكر مبرراً له ليقع هو فيه

ولذا فالنصيحة لكل مسلم أن يحرص على سلامة قلبه من التأثر بالفتن ، لا سيما فتنة المرأة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) متفق عليه.

وأن يبتعد عن تلك المواطن التي يتخذها الشيطان مبدءاً لاستدراج الإنسان من ذنب إلى ما هو أعظم منه، وعلينا أن نوقن بأن من توكل على الله كفاه ، ومن اتقاه جعل له مخرجاً، قال الله سبحانه وتعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطَّلاق:2-3.

فلْيَسْعَ المسلم في البحث عن عمل بعيد عن الاختلاط بالنساء ، فإن لم يجد فليتق الله تعالى بقدر طاقته ، وذلك بغض بصره ، والحذر من التحدث إلى النساء من غير حاجة

أو تجاوز ذلك إلى الضحك والمزاح ، أو الوقوع في الخلوة ، فمعظم النار من مستصغر الشرر
.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-07-30, 19:34
أدلة تحريم الاختلاط

السؤال:

أريد أنا وزوجي أن نحضر دروساً في اللغة العربية والفصول مختلطة مع علمنا بأن الاختلاط لا يجوز . فما هو الاختلاط ؟ وما الحكم مع الدليل ؟

تفاصيل إضافية: الفصل به 10 طلاب معظمهم نساء فهل أحضره أنا وزوجي ومنهم غير مسلمين.

الجواب :

الحمد لله

اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد ، وامتزاج بعضهم في بعض ، ودخول بعضهم في بعض ، ومزاحمة بعضهم لبعض ، وكشف النّساء على الرّجال ، كلّ ذلك من الأمور المحرّمة في الشريعة

لأنّ ذلك من أسباب الفتنة وثوران الشهوات ومن الدّواعي للوقوع في الفواحش والآثام .

والأدلة على تحريم الاختلاط في الكتاب والسنّة كثيرة ومنها :

قوله سبحانه :{ وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} الأحزاب 53.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية : أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب .

وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرّجال بالنساء حتى في أحبّ بقاع الأرض إلى الله وهي المساجد وذلك بفصل صفوف النّساء عن الرّجال ، والمكث بعد السلام حتى ينصرف النساء ، وتخصيص باب خاص في المسجد للنساء . والأدلّة على ذلك ما يلي :

عن أم سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ" رواه البخاري رقم (793).

ورواه أبو داود رقم 876 في كتاب الصلاة وعنون عليه باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة .

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ قَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ" رواه أبو داود رقم (484) في كتاب الصلاة باب التشديد في ذلك .

وعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا " . رواه مسلم رقم 664

وهذا من أعظم الأدلة على منع الشريعة للاختلاط وأنه كلّما كان الرّجل أبعد عن صفوف النساء كان أفضل وكلما كانت المرأة أبعد عن صفوف الرّجال كان أفضل لها .

وإذا كانت هذه الإجراءات قد اتّخذت في المسجد وهو مكان العبادة الطّاهر الذي يكون فيه النّساء والرّجال أبعد ما يكون عن ثوران الشهوات فاتّخاذها في غيره ولا شكّ من باب أولى .

وقد روى أَبو أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ

فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ( تَسِرْن وسط الطريق ) عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ . رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه باب : مشي النساء مع الرجال في الطّريق .
ونحن نعلم أنّ الاختلاط ومزاحمة النساء للرّجال ممّا عمّت به البلوى في هذا الزّمان في أكثر الأماكن كالأسواق والمستشفيات والجامعات وغيرها ولكننا :

أولا : لا نختاره ولا نرضى به وبالذّات في المحاضرات الدّينية والمجالس الإدارية في المراكز الإسلامية .

ثانيا : نتخذ الوسائل لتلافي الاختلاط مع تحقيق ما أمكن من المصالح

مثل عزل مكان الرجال عن النساء ، وتخصيص أبواب للفريقين ، واستعمال وسائل الاتّصالات الحديثة لإيصال الصوت ، وتسريع الوصول إلى الكفاية في تعليم النساء للنساء وهكذا .

ثانيا : نتقي الله ما استطعنا باستعمال غضّ البصر ومجاهدة النّفس .

ونورد فيما يلي جزءا من دراسة قام بها بعض الباحثين الاجتماعيين المسلمين عن الاختلاط

قال :

عندما وجهنا السؤال التالي : ما حكم الاختلاط في الشرع حسب علمكم؟

كانت النتيجة كالتالي :

76% من الذين شملهم التحقيق أجابوا بأنه " لا يجوز " .

12% أقرّوا أنه " يجوز " ولكن بضوابط الأخلاق والدين و …

12% أجابوا " بلا أعلم " .

ماذا تختارون ؟!

لو خيّرتم بين العمل في مجال مختلط وآخر غير مختلط ، فماذا تختارون؟

كانت النتيجة على هذا السؤال بالنسب المئوية التالية :

67% اختاروا المجال غير المختلط .

9% فضلوا المجال المختلط .

15% لا يمانعون بأي مجال يتناسب مع تخصصاتهم سواء أكان مختلط أو غير مختلط .

محرج جداً :

هل مرّ عليكم موقف محرج بسبب الاختلاط؟

من المواقف المحرجة التي ذكرها المشاركون في التحقيق المواقف التالية :

كنت في أحد أيام العمل ، دخلت إلى القسم وكانت إحدى زميلاتي المتحجبات قد خلعت حجابها بين زميلاتها فتفاجأت بدخولي وقد انحرجتُ على إثر ذلك كثيراً .

كان من المفروض أن أقوم بتجربة في المختبر في الجامعة وقد تغيبتُ يومها وكان عليّ أن أذهب للمختبر في اليوم التالي ، لأجد نفسي الذكر الوحيد بين مجموعة من الطالبات إضافة إلى مدرّسة ومشرفة المختبر

. لقد انحرجت كثيراً وتقيّدت حركتي وأنا أحس بتلك العيون الأنثوية المستنكِرة والمحرجة تلاحقني وتتبعني .

كنت أحاول إخراج فوطة نسائية من أحد الأدراج؟ وتفاجأت بزميل يقف خلفي لأخذ حاجيات من درجه الخاص ، لاحظ زميلي ارتباكي ، فانصرف بسرعة من الغرفة متجنباً إحراجي .

حدث لي أن اصطدمت بي إحدى فتيات الجامعة عند المنعطف لأحد الممرات المزدحمة ، كانت هذه الزميلة تسير بسرعة ذاهبة لإحدى المحاضرات ، وعلى أثر هذا الاصطدام اختل توازنها وتلقفتها بذراعيّ وكأني أحضنها

ولكم أن تتخيلوا ما مقدار الإحراج لي ولهذه الفتاة أمام شلّة من الشباب المستهتر.

سقطت زميلة لي على سلّم المدرج في الجامعة ، وتكشفت ملابسها بطريقة محرجة جداً ، وضعها المقلوب لم يسعفها بمساعدة نفسها ، فما كان من أحد الشباب القريبين منها إلا أن سترها وساعدها على النهوض .

أعمل في شركة ، دخلتُ على مسئولي لأعطيه بعض الأوراق ، وأثناء خروجي من الغرفة ، ناداني المسؤول مرّة أخرى ، التفت إليه فوجدته منكسا رأسه انتظرت أن يطلب مني ملفاً ما أو المزيد من الأوراق

استغربت من تردّده ، التفت إلى يسار مكتبه متظاهراً بالانشغال ، وهو يحدثني في نفس الوقت ، تخيّلت أن يقول أي شيء عدا أن ينبهني هذا المسؤول بأن ملابسي متسخة بدم الحيض

هل تنشق الأرض وتبلع إنساناً فعلاً في لحظة دعاء صادقة ، لقد دعوت أن تنشق الأرض وتبلعني .

*عبدالرحمن*
2018-07-30, 19:35
ضحايا الاختلاط … قصص واقعية

الأمل المفقود؟

أم محمد امرأة ناضجة تجاوزت الأربعين تحكي حكايتها :

عشت مع زوجي حياة مستورة وإن لم يكن هناك ذاك التقارب والانسجام ، لم يكن زوجي تلك الشخصية القوية التي ترضي غروري كامرأة ، إلا أن طيبته جعلتني أتغاضى عن كوني اتحمل الشق الأكبر من مسؤولية القرارات التي تخص عائلتي .

كان زوجي كثيراً ما يردد اسم صاحبه وشريكه في العمل على مسمعي وكثيراً ما اجتمع به في مكتبه الخاص بالعمل الذي هو بالأصل جزء من شقتنا وذلك لسنوات عدة .

إلى أن شاءت الظروف وزارنا هذا الشخص هو وعائلته . وبدأت الزيارات العائلية تتكرر وبحكم صداقته الشديدة لزوجي لم نلاحظ كم ازداد عدد الزيارات ولا عدد ساعات الزيارة الواحدة. حتى أنه كثيراً ما كان يأتي منفرداً ليجلس معنا أنا وزوجي الساعات الطوال .

ثقة زوجي به كانت بلا حدود ، ومع الأيام عرفت هذا الشخص عن كثب ، فكم هو رائع ومحترم وأخذت أشعر بميل شديد نحو هذا الشخص وفي نفس الوقت شعرت أنه يبادلني الشعور ذاته .

وأخذت الأمور تسير بعدها بطريقة عجيبة ، حيث أني اكتشفت أن ذلك الشخص هو الذي أريد وهو الذي حلمت به يوماً ما … لماذا يأتي الآن وبعد كل هذه السنين ..؟ .

كان في كل مرّة يرتفع هذا الشخص في عيني درجة ، ينزل زوجي من العين الأخرى درجات . وكأني كنت محتاجة أن أرى جمال شخصيته لأكتشف قبح شخصية زوجي .

لم يتعد الأمر بيني وبين ذلك الشخص المحترم عن هذه الهواجس التي شغلتني ليل ، نهار. فلا أنا ولا هو صرّحنا بما …… في قلوبنا .. وليومي هذا ..

ومع ذلك فإن حياتي انتهت زوجي لم يعد يمثل لي سوى ذلك الإنسان الضعيف - المهزوز السلبي ، كرهته ، ولا أدري كيف طفح كل ذلك البغض له ، وتساءلت كيف تحملته كل هذه السنين ثقلاً على ظهري

وحدي فقط أجابه معتركات الحياة ، ساءت الأمور لدرجة أني طلبت الطلاق ، نعم طلقني بناء على رغبتي ، أصبح بعدها حطام رجل .

الأمرّ من هذا كله أنه بعد خراب بيتي وتحطم أولادي وزوجي بطلاقي ، ساءت أوضاع ذلك الرجل العائلية لأنه بفطرة الأنثى التقطت زوجته ما يدور في خفايا القلوب ، وحولت حياته إلى جحيم .

فلقد استبدت بها الغيرة لدرجة أنها في إحدى الليالي تركت بيتها في الثانية صباحاً بعد منتصف الليل لتتهجم على بيتي ، تصرخ وتبكي وتكيل لي الاتهامات .. لقد كان بيته أيضاً في طريقه للانهيار ..

أعترف أن الجلسات الجميلة التي كنّا نعيشها معاً أتاحت لنا الفرصة لنعرف بعضنا في وقتٍ غير مناسب من هذا العمر .

عائلته تهدمت وكذلك عائلتي ، خسرت كل شيء وأنا أعلم الآن أن ظروفي وظروفه لا تسمح باتخاذ أي خطوة إيجابية للارتباط ببعضنا ، أنا الآن تعيسة أكثر من أيِ وقتٍ مضى وأبحث عن سعادة وهمية وأملٍ مفقود .

*عبدالرحمن*
2018-07-30, 19:35
واحدة بواحدة

أم أحمد تحدثنا فتقول :

كان لزوجي مجموعة من الأصدقاء المتزوجين ، تعودنا بحكم علاقتنا القوية بهم أن نجتمع معهم أسبوعياً في أحد بيوتنا ، للسهر والمرح .

كنت بيني وبين نفسي غير مرتاحة من ذلك الجو ، حيث يصاحب العشاء ، والحلويات ، والمكسرات ، والعصائر موجات صاخبة من الضحك ، بسبب النكات والطرائف التي تجاوزت حدود الأدب في كثير من الأحيان .

باسم الصداقة رفعت الكلفة لتسمع بين آونة وأخرى قهقهات مكتومة ، سرية بين فلانة وزوج فلانة ، كان المزاح الثقيل الذي يتطرق - ودون أي خجل - لمواضيع حساسة كالجنس وأشياء خاصة بالنساء - كان شيئاً عادياً بل مستساغاً وجذاباً .

بالرغم انخراطي معهم في مثل هذه الأمور إلا إن ضميري كان يؤنبني . إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أفصح عن قبح وحقارة تلك الأجواء .

رن الهاتف ، وإذا بي أسمع صوت أحد أصدقاء الشلّة

رحبت به واعتذرت لأن زوجي غير موجود ، إلا أنه أجاب بأنه يعلم ذلك وأنه لم يتصل إلا من أجلي أنا (!) ثارت ثائرتي بعد أن عرض عليّ أن يقيم علاقة معي ، أغلظت عليه بالقول وقبحته

فما كان منه إلا أن ضحك قائلاً : بدل هذه الشهامة معي ، كوني شهمة مع زوجك وراقبي ماذا يفعل .. حطمني هذا الكلام ، لكني تماسكت وقلت في نفسي أن هذا الشخص يريد تدمير بيتي . لكنه نجح في زرع الشكوك تجاه زوجي .

وخلال مدّة قصيرة كانت الطامة الكبرى ، اكتشفت أن زوجي يخونني مع امرأة أخرى . كانت قضية حياة أو موت بالنسبة لي … كاشفت زوجي وواجهته قائلة : ليس وحدك الذي تستطيع إقامة علاقات

فأنا عُرض عليّ مشروع مماثل ، وقصصت عليه قصة صاحبه ، فذهل لدرجة الصّدمة . إن كنت تريدني أن أتقبل علاقتك مع تلك المرأة ، فهذه بتلك . صفعته زلزلت كياني وقتها ، هو يعلم أني لم أكن أعني ذلك فعلاً ، لكنه شعر بالمصيبة التي حلّت بحياتنا وبالجو الفاسد الذي نعيش

عانيت كثيراً حتى ترك زوجي تلك الساقطة التي كان متعلقاً بها كما اعترف لي . نعم لقد تركها وعاد إلى بيته وأولاده ولكن من يُرجع لي زوجي في نفسي كما كان؟؟ من يعيد هيبته واحترامه وتقديره في أعماقي ؟؟

وبقى هذا الجرح الكبير في قلبي الذي ينزّ ندماً وحرقة من تلك الأجواء النتنة ، بقى شاهداً على ما يسمونه السهرات البريئة وهي في مضمونها غير بريئة ، بقي يطلب الرحمة من رب العزة .

*عبدالرحمن*
2018-07-30, 19:36
الذكاء فتنة أيضاً

يقول عبدالفتاح :

أعمل كرئيس قسم في إحدى الشركات الكبيرة ، منذ فترة طويلة أعجبت بإحدى الزميلات . ليس لجمالها ، إنما لجديتها في العمل وذكائها وتفوقها ، إضافة إلى أنها إنسانة محترمة جداً ، محتشمة

لا تلتفت إلا للعمل . تحوّل الإعجاب إلى تعلق ، وأنا الرجل المتزوج الذي يخاف الله ولا يقطع فرضاً . صارحتها بعاطفتي فلم ألقَ غير الصّـد ، فهي متزوجة ولديها أبناء أيضاً

وهي لا ترى أي مبرر لإقامة أي علاقة معها وتحت أي مسمى، صداقة ، زمالة ، إعجاب … الخ . يجيئني هاجس خبيث أحياناً ، ففي قرارة نفسي أتمنى أن يطلقها زوجها ، لأحظى بها .

صرت أضغط عليها في العمل وأشوه مستواها أمام مدرائي وكان ذلك ربما نوعاً من الانتقام منها ، كانت تقابل ذلك برحابة صدر دون أي تذمر أو تعليق أو استنكار ، كانت تعمل وتعمل ، عملها فقط يتحدث عن مستواها وهي تعلم ذلك جيداً. كان يزداد تعلقي بها في الوقت الذي يتنامى صدها لي بنفس الدرجة .

أنا الذي لا افتتن بالنساء بسهولة ، لأني أخاف الله فلا أتجاوز حدودي معهن خارج ما يتطلبه العمل ، لكن هذه فتنتني … ما الحل .. لست أدري .. .


ابن الوّز عوّام؟

(ن.ع.ع) فتاة في التاسعة عشرة تروي لنا :

كنت وقتها طفلة صغيرة ، أراقب بعيني البريئتين تلك السهرات التي كانت تجمع أصدقاء العائلة في البيت . الذي أذكره أني ما كنت أرى سوى رجلاً واحداً ذلك هو أبي. أراقبه بكل حركاته

تنقلاته ، نظراته التي كانت تلتهم النساء الموجودات التهاماً ، سيقانهن ، صدورهن ، يتغزّل بعيون هذه ، وشعر تلك ، وخصر هاتيك . أمي المسكينة كانت مجبرة على إقامة هذه الدعوات فهي سيدة بسيطة للغاية .

وكانت من بين الحاضرات سيدة تتعمد لفت انتباه أبي ، بقربها منه حيناً ، وحركاتها المائعة حيناً آخر ، كنت أراقب ذلك باهتمام وأمي مشغولة في المطبخ من أجل ضيوفها .

انقطعت هذه التجمعات فجأة ، حاولت بسني الصغيرة فهم ما حدث وتحليل ما جرى لكني لم أفلح .

الذي أتذكره أن أمي في ذلك الوقت انهارت تماماً ولم تعد تطيق سماع ذكر أبي في البيت . كنت أسمع كلاماً غامضاً يهمس به الكبار من حولي مثل : ( خيانة، غرفة نوم ، رأتهم بعينها ، السافلة ، في وضعية مخزية ، … ) إلى آخر هذه الكلمات المفتاحية التي وحدهم الكبار يفهمونها .

وكبرت وفهمت وحقدت على كل الرجال ، كلهم خائنون ، أمي إنسانة محطمة ، تتهم كل من تأتينا إنها خاطفة رجال وإنها ستوقع بأبي ، أبي هو

هو ، مازال يمارس هوايته المفضلة وهي مطاردة النساء ولكن خارج المنزل . عمري الآن تسعة عشر عاماً ، إلا أني أعرف الكثير من الشبان ، أشعر بلذة عارمة وأنا أنتقم منهم فهو صورة طبق الأصل من أبي،

أغرر بهم وأغريهم دون أن يمسوا شعرة مني ، يلاحقوني في المجمعات والأسواق بسبب حركاتي وإيماءاتي المقصودة ، هاتفي لا يصمت أبداً في بعض الأحيان أشعر بالفخر لما أفعله انتقاماً لجنس حواء وأمي

وفي أحايين كثيرة أشعر بالتعاسة والخيبة لدرجة الاختناق . تظلل حياتي غيمةٌ سوداء كبيرة اسمها أبي .

قبل أن يقع الفأس في الرأس

(ص.ن.ع) تحكي تجربتها :

لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن تضطرني ظروف عملي إلى الاحتكاك بالجنس الآخر (الرجال) ولكن هذا ما حدث فعلاً .. وقد كنت في بداية الأمر أحتجب عن الرجال باستخدام النقاب ولكن أشارت إليّ بعض الأخوات بأن هذا اللباس يجذب الانتباه إلى وجودي أكثر

فمن الأفضل أن أترك النقاب وخصوصاً أن عينيَّ مميزتان قليلاً . وبالفعل قمت بنزع الغطاء عن وجهي ظناً من أن ذلك أفضل .. ولكن مع إدمان الاختلاط مع الزملاء وجدت أنني شاذة

من بين الجميع من حيث جمودي والتزامي بعدم المشاركة في الحديث وتبادل (الظرافة) ، وقد كان الجميع يحذر هذه المرأة (المتوحشة - في نظرهم طبعاً) ، وهذا ما بينه أحد الأشخاص الذي أكد على أنه لا يرغب في التعامل مع شخصية متعالية ومغرورة

علماً بأنني عكس هذا الكلام في الحقيقة ، فقررت أن لا أظلم نفسي ولا أضعها في إطار مكروه مع الزملاء فأصبحت أشاركهم (السوالف وتبادل الظُرف) ، واكتشف الجميع بأنني أمتلك قدرة كلامية عالية وقادرة على الإقناع والتأثير ، كما أنني أتكلم بطريقة حازمة ولكن جذّابة في نفس الوقت لبعض الزملا

- ولم يلبث الوقت يسيراً حتى وجدت بعض التأثر على وجه الشخص المسؤول المباشر وبعض الارتباك والاصفرار والتمتع بطريقة حديثي وحركاتي وقد كان يتعمد إثارة الموضوعات لأدخل في مناقشتها لأرى في عينيه نظرات بغيضة صفراء ولا أنكر أنني قد دخل نفسي بعض التفكير بهذا الرجل ، وإن كان يعلو تفكيري الدهشة والاستغراب من سهولة وقوع الرجل في حبائل المرأة الملتزمة

فما باله إذا كانت المرأة متبرجة وتدعوه للفجور ؟

حقاً لم أكن أفكر فيه بطريقة غير مشروعة ولكنه أولاً وأخيراً قد شغل مساحة من تفكيري ولوقت غير قصير ، ولكن ما لبث اعتزازي بنفسي ورفضي أن أكون شيئاً لمتعة هذا الرجل الغريب من أي نوع كانت حتى وإن كانت لمجرد

الاستمتاع المعنوي ، فقد قمت بقطع الطريق على أي عملٍ يضطرني للجلوس معه في خلوة ، وفي نهاية المطاف خرجت بحصيلة من الفوائد وهي :

1- إن الانجذاب بين الجنسين وارد في أي وضع من الأوضاع ومهما حاول الرجل والمرأة إنكار ذلك - والانجذاب قد يبدأ مشروعاً وينتهي بشيء غير مشروع .

2- حتى وإن حصّن الإنسان نفسه ، فإنه لا يأمن حبائل الشيطان .

3- إذا ضمن الإنسان نفسه وتعامل مع الجنس الآخر بالحدود المرسومة والمعقول فإنه لا يضمن مشاعر وأحاسيس الطرف الآخر .

4- وأخيراً ، إن الاختلاط لا خير فيه أبداً وهو لا يأتي بالثمرات التي يزعمونها بل أنه يعطل التفكير السليم .

*عبدالرحمن*
2018-07-30, 19:38
ومـــاذا بعــــد ؟

ونتساءل ماذا بعد طرح كل هذه الأمور المتعلقة بقضية الاختلاط؟

آن لنا أن نعترف أنه مهما جمّلنا الاختلاط واستهنا به فإن مساوئه تلاحقنا ، وأضراره تفتك بعائلاتنا ، وأن الفطرة السليمة لتأنف التسليم بأن الاختلاط هو جو صحي في العلاقات الاجتماعية ، تلك الفطرة التي دفعت معظم من شملهم هذا التحقيق (76%) أن يفضلوا العمل في مجال غير مختلط .

ونفس النسبة أيضاً (76%) قالوا أن الاختلاط لا يجوز شرعاً . أما الملفت للنظر هو ليس هذه النسب المشرفة التي تدل على نظافة مجتمعنا الإسلامي

في نفوس أصحابه بل الذي استوقفنا هو تلك النسبة القليلة التي أقرت بجواز الاختلاط وهم (12%) . هذه المجموعة من الأشخاص قالوا ودون استثناء أن الاختلاط يجوز ولكن بضوابط الدين

، والعرف ، والعادات ، والأخلاق والضمير ، والحشمة ، والستر .. إلى آخر هذه السلسلة من القيم الجميلة والتي برأيهم تحفظ للاختلاط حدوده .

ونسألهم ، هل الاختلاط الذي نراه اليوم في جامعاتنا وأسواقنا ومواقع العمل ، وتجمعاتنا الأسرية ، والاجتماعية ، تنطبق عليه هذه المزايا السالفة الذكر؟ أم أن هذه الأماكن تعج التجاوزات في الملبس والحديث والتصرفات

فنرى التبرج والسفور والفتن والعلاقات المشبوهة ، لا أخلاق ولا ضمير ، لا ستر وكأن لسان الحال يقول : إن الاختلاط بصورته الحالية لا يرضى عنه حتى من يؤيدون الاختلاط في أجواء نظيفة .

آن لنا أن نعترف بأن الاختلاط هو ذاك الشيء الدافئ ، اللزج الرطب ، الذي يمثل أرضا خصبة للفطريات الاجتماعية السامة أن تنمو في زواياه وجدرانه وسقفه

تنمو وتتكاثر وتتشابك دون أن يشعر أحد أن الاختلاط هو السبب ، ليكون الاختلاط بحق هو رأس الفتنة الصامت ، وفي ظله تزل القلوب والشهوات وتُفجَّر الخيانات وتُحطّم البيوت والأفئدة .

نسأل الله السّلامة والعافية وصلاح الحال وصلى الله على نبينا محمد .

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-08-08, 19:52
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


شخص منجذب لنفس جنسه ، فما هو أجر صبره عن الفاحشة ؟

السؤال:

أجدني منجذباً نحو نفس الجنس، وهذه حالة بدأت منذ سن المراهقة. وبعيداً عن الدراسات التي تجادل في هذا الموضوع وأنه من صلب الطبيعة الإنسانية فإنني شخصياً أعتقد أن هذا أمر مفروغ منه طالما أن الله عز وجل قد أدان فعل قوم لوط وما علينا كعباد إلا أن نسمع ونطيع.

وأحمد الله أن نشأت في عائلة متدينة ولا أنسى جميل جدتي التي علمتني جمال الإسلام وكانت تأخذني معها في زيارة لبعض العائلات؛ خصوصاً عائلات الموتى وتقرأ ياسين هناك.

وقد وصلت إلى قناعة نهائية أن الشذوذ الجنسي قد يكون اختباراً من الله عز وجل وأنها معركة يجب علي خوضها حتى نهاية المطاف،

واسأل الله تعالى أن يعينني على تجاوزها ظافراً منتصراً، وأن أظل بعيداً عن هذا الجرم إلى أن يقبضني الله إليه. ولست متضجراً ولا متذمرا، بل أحمده تعالى على كل شيء، وعلى هذا الامتحان بالذات لأنه ما ابتلاني به إلا ليؤجرني.

أسئلتي هي:

- ورد في الحديث أن أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين. وهنا أتساءل إن كان ينطبق نفس الجزاء لرجل دعاه رجل آخر فقال إني أخاف الله رب العالمين؟ ومن الطبيعي أن أسأل مثل هذا السؤال كوني لا أكترث للنساء وإنما أنجذب نحو الرجال.

- إذا مُت مبتعداً عن أعمال الشذوذ فهل أكون شهيداً؟

الجواب :

الحمد لله

نسأل الله تعالى أن يثبتك على طاعته واجتناب محارمه .

أولا :

سؤالك : إذا مُت مبتعداً عن أعمال الشذوذ فهل أكون شهيداً ؟

لعلك تقصد الحديث الذي ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ فَكَتَمَ فَمَاتَ فَهُوَ شهيد " .
فهذا الحديث قد حكم عليه أهل العلم بالحديث بعدم الصحة ، بل صرحوا بأنه موضوع مكذوب .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

" وأمّا حديث "من عشِقَ فعفَّ " فهذا يرويه سُوَيد بن سعيد ، فقد أنكره حفّاظ الإِسلام عليه .

قال ابن عدي في كامله : هذا الحديث أحد ما أُنكِر على سويد .

وكذا ذكره البيهقي ، وابن طاهر في الذخيرة ، والتذكرة .

وأبو الفرج بن الجوزي ، وعدّه في الموضوعات .

وأنكره أبو عبد الله الحاكم - على تساهله - وقال: أنا أتعجّب منه ...

ولا يشبه هذا كلام النبوة ...

وكلام حفاظ الإِسلام في إنكار هذا الحديث هو الميزان ، وإليهم يرجع في هذا الشأن . وما صحّحه ، بل ولا حسّنه أحد يُعوَّل في علم الحديث عليه ، ويُرجَع في التصحيح إليه "

انتهى . " الداء والدواء " (ص 568 – 572) .

فالحاصل ؛ أن هذا الحديث لا يصح .

وتحديد الشهداء هو من المسائل التي لا بد فيها من نص من الوحي ، ولا نعلم نصا يجعل مَنْ كفَّ نفسه عن الشهوات من الشهداء .

لكن لا شك أن من كف نفسه عن الشهوات وصبر عنها فهو موعود بأجر عظيم لا يعلم مقداره إلا الله تعالى .
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر (10) .

ثانيا :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ : ... وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا ، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ) رواه البخاري (6806) ومسلم (1031) .
المرأة وصفت في هذه الحديث بوصفين "ذات منصب " و " جمال " .

ولهذا توقف أهل العلم في الإلحاق بهذا الحكم من دعته امرأة ليست بذات منصب أو جمال .

سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :

" إذا دعت امرأة ذات جمال فقط دعت رجلا للحرام فأبى ، هل يظله الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله ؟

الجواب : إذا دعته امرأة ذات جمال إلى الفاحشة فأبى خوفا من الله فقد فعل خيرا ، وله الأجر من الله فضلا وإحسانا ، ولو لم تكن ذات منصب .

أما تقديره وبيان نوعه وكيفيته فإلى الله ؛ لأنه من المغيبات التي استأثر الله بعلمها ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) . ذكر منهم : ( ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله ) .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز "

انتهى . " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 238) .

والحاصل :

أن من ابتلي بذلك الداء في قلبه ، فخاف ربه واتقاه ، ونهى نفسه عن هواها ، وعف عما حرم الله ؛ إن لم يدخل في الوعد الخاص المذكور في حديث "السبعة" ، ولم يكن من أهله ، فهو من أهل وعد الله لمن خافه واتقاه بجنة المأوى ؛ لا ، بل بجنتين عظيمتين ، وصفهما الله في كتابه، كما في قوله تعالى :

( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) الرحمن (46 – 60) .

وفي قوله تعالى :

( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) النازعات (40 – 41) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-08, 19:58
صفة مشية النبي صلى الله عليه وسلم .

السؤال:

هل بالإمكان جمع أحاديث طريقة مشي النًّبي صلَّى الله عليه وسلَّم وشرحها ؟

وبيان متى كان يُسرِعُ أو يمشي بِبُطءٍ؟ وشرح كيفية مشيه صلَّى الله عليه وسلَّم عمليًّا ؟ فقد قرأت عنها ، ولكن لا أعلم كيفية ذلك عمليًّا.

الجواب :

الحمد لله

كان النبي صلى الله عليه وسلم معتدلا في مشيته ، فلم يكن متماوتا ، ولا مهرولا مضطربا ، ولكن يمشي مشيا قويا ، يسرع فيه إسراعا لا يذهب بوقاره .

روى الترمذي (3637) عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " كاَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا ؛ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ"

وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

قال القاري رحمه الله :

" الْمَعْنَى: يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا سَرِيعًا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الصَّبَبُ الْحُدُورُ، وَهُوَ مَا يَنْحَدِرُ مِنَ الْأَرْضِ، يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا ".

انتهى من " مرقاة المفاتيح " (9/ 3704) .

وروى البغوي في " شرح السنة " (12/ 320)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى، مَشَى مَشْيًا مُجْتَمِعًا، يُعْرَفُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْيِ عَاجِزٍ وَلا كَسْلانَ " .

وحسنه الألباني في " الصحيحة " (2140) .

قال المناوي رحمه الله :

" ومع سرعة مشيه : كان على غاية من الهَوْن والتأني وعدم العجلة ، فكان يمشي على هينته ، ويقطع ما يُقطع بالجهد ؛ بغير جهد "

انتهى من " فيض القدير " (5/ 248) .

وروى الترمذي (3648) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا ؛ وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ "

وإسناده ضعيف ، ضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي " .

وروى الترمذي أيضا (3638) عن علي رضي الله عنه قال : "كان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ ، كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ " .

وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي " .

وقال البغوي رحمه الله :

" قَوله: (تقلع) أَي: كَانَ قوي المشية، يرفع رجلَيْهِ مِن الأَرْض رفعا بَائِنا بِقُوَّة ، لَا كمن يمشي اختيالا، وَيُقَارب خطاه تنعما "

انتهى من " شرح السنة " (12/ 320) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، وَكَانَ أَسْرَعَ النَّاسِ مِشْيَةً، وَأَحْسَنَهَا وَأَسْكَنَهَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ

وَإِنَّا لَنُجْهِدَ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ ) وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ) وَقَالَ مَرَّةً: ( إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ ) .

قُلْتُ: وَالتَّقَلُّعُ : الِارْتِفَاعُ مِنَ الْأَرْضِ بِجُمْلَتِهِ ، كَحَالِ الْمُنْحَطِّ مِنَ الصَّبَبِ، وَهِيَ مِشْيَةُ أُولِي الْعَزْمِ وَالْهِمَّةِ وَالشَّجَاعَةِ ، وَهِيَ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ وَأَرْوَحُهَا لِلْأَعْضَاءِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ مِشْيَةِ الْهَوَجِ وَالْمَهَانَةِ وَالتَّمَاوُتِ

فَإِنَّ الْمَاشِيَ إِمَّا أَنْ يَتَمَاوَتَ فِي مَشْيِهِ وَيَمْشِيَ قِطْعَةً وَاحِدَةً كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ مَحْمُولَةٌ، وَهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ قَبِيحَةٌ، وَإِمَّا أَنْ يَمْشِيَ بِانْزِعَاجٍ وَاضْطِرَابٍ مَشْيَ الْجَمَلِ الْأَهْوَجِ، وَهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى خِفَّةِ عَقْلِ صَاحِبِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ حَالَ مَشْيِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا،

وَإِمَّا أَنْ يَمْشِيَ هَوْنًا، وَهِيَ مِشْيَةُ عِبَادِ الرَّحْمَنِ كَمَا وَصَفَهُمْ بِهَا فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) الفرقان/ 63 . قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ وَلَا تَمَاوُتٍ

وَهِيَ مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ مَعَ هَذِهِ الْمِشْيَةِ : كَانَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَكَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، حَتَّى كَانَ الْمَاشِي مَعَهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ .

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ:

أَنَّ مِشْيَتَهُ لَمْ تَكُنْ مِشْيَةً بِتَمَاوُتٍ وَلَا بِمَهَانَةٍ ، بَلْ مِشْيَةٌ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ.

وَالْمِشْيَاتُ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْهَا، وَالرَّابِعُ: السَّعْيُ، وَالْخَامِسُ: الرَّمَلُ، وَهُوَ أَسْرَعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَيُسَمَّى: الْخَبَبَ، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( خَبَّ فِي طَوَافِهِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ) .

السَّادِسُ: النَّسَلَانُ، وَهُوَ الْعَدْوُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَا يُزْعِجُ الْمَاشِيَ وَلَا يُكْرِثُهُ. وَفِي بَعْضِ الْمَسَانِيدِ أَنَّ الْمُشَاةَ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَشْيِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: ( اسْتَعِينُوا بِالنَّسَلَانِ ) [ رواه الحاكم (1619)، وصححه الألباني في الصحيحة (465) ] .

وَالسَّابِعُ: الْخَوْزَلَى، وَهِيَ مِشْيَةُ التَّمَايُلِ، وَهِيَ مِشْيَةٌ يُقَالُ: إِنَّ فِيهَا تَكَسُّرًا وَتَخَنُّثًا.

وَالثَّامِنُ: الْقَهْقَرَى، وَهِيَ الْمِشْيَةُ إِلَى وَرَاءٍ.

وَالتَّاسِعُ: الْجَمَزَى، وَهِيَ مِشْيَةٌ يَثِبُ فِيهَا الْمَاشِي وَثْبًا.

وَالْعَاشِرُ: مِشْيَةُ التَّبَخْتُرِ، وَهِيَ مِشْيَةُ أُولِي الْعُجْبِ وَالتَّكَبُّرِ، وَهِيَ الَّتِي خَسَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِصَاحِبِهَا لَمَّا نَظَرَ فِي عِطْفَيْهِ ، وَأَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَأَعْدَلُ هَذِهِ الْمِشْيَاتِ : مِشْيَةُ الْهَوْنِ وَالتَّكَفُّؤِ.

وَأَمَّا مَشْيُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ: فَكَانُوا يَمْشُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَهُوَ خَلْفَهُمْ ، وَيَقُولُ: (دَعُوا ظَهْرِي لِلْمَلَائِكَةِ) رواه ابن ماجة (246)، وصححه الألباني .

وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : وَكَانَ يَسُوقُ أَصْحَابَهُ . وَكَانَ يَمْشِي حَافِيًا وَمُنْتَعِلًا، وَكَانَ يُمَاشِي أَصْحَابَهُ فُرَادَى وَجَمَاعَةً.
وَمَشَى فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ مَرَّةً ، فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ ، وَسَالَ مِنْهَا الدَّمُ فَقَالَ:

هَلْ أَنْتَ إِلَّا أُصْبُعٌ دَمِيَتِ ** وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ

متفق عليه .

وَكَانَ فِي السَّفَرِ سَاقَةَ أَصْحَابِه ، يُزْجِي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُهُ ، وَيَدْعُو لَهُمْ . ذَكَرَهُ أبو داود (2639) (وصححه الألباني في صحيح أبي داود) "

انتهى من "زاد المعاد" (1/ 161-163) .

"ساقة أصحابه" أي : آخرهم .

و"يزجي" أي : يسوق .

فهذه جملة ما ورد في وصف مشيه صلى الله عليه وسلم .

وكلها تدل على أن مشيته : كانت مِشية اعتدال ونشاط ، لا تذهب بالسكينة والوقار .

والله تعالى أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-08-08, 20:02
الصفات الخَلْقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورؤيته في المنام

السؤال :

كنت أقرأ مؤخراً وصفاً للصفات البدنية للنبي صلي الله عليه وسلم ، وكونت صورة في ذهني ثم رأيت في منامي رجلاً يشبه الصورة التي كونتها في ذهني . ولا أتذكر بوضوح ما قال

غير أنني أخشى أنه ربما قال أن بعض الأخوة المسلمين الذين أحبهم سوف يرون مناماً وأنا فيه . وقد ارتكبت إثماً في بيتهم من قبل

وقبل ذلك المنام، وكنت أخشى دائماً أنهم ربما يكتشفون الأمر عن طريق رؤية في منامهم . كيف لي أن أتأكد أنني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المنام ؟ فهذا الأمر يقلقني كثيراً

. وقد رأيت أيضاً مناماً قريباً ، وأظن أنه كان النبي صلي الله عليه وسلم مرة أخرى خلال تلاوته القرآن على جبريل عليه السلام في رمضان . وكان هناك أيضاً زيد رضي الله عنه

وكذلك حمزة رضي الله عنه . وأنا أعلم أن حمزة رضي الله عنه لم يكن هناك حقيقة لأنه استشهد في أحد . فهل كان هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي رأيته في هذا المنام ؟ وكيف يمكن أن نتأكد من ذلك ؟ والسلام عليكم ورحمة الله .

الجواب:

الحمد لله

سنذكر لك فيما يلي أيها الأخ المسلم طائفة من الأحاديث المشتملة على صفة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان ما رأيته في منامك مطابقا لها

فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّا لأنّه عليه الصلاة والسلام قد قال : مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي . " رواه البخاري 5729 .

روى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ ( معتدل الطّول ) لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ (

أي شديد البياض ) وَلا آدَمَ ( أي الأسمر ) لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ ( الشعر الذي فيه التواء وانقباض ) وَلا سَبْطٍ رَجِلٍ ( الشعر المسترسل ) أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ

البخاري 3283

وعن البراء بن عازب قال :

" كان رسول الله صلى الله علية وسلم .. بعيد ما بين المنكبين ، عظيم الجُمّة ( وهي ما سقط من شعر الرأس ووصل إلى المنكبين ) إلى شحمة أذنيه ، عليه حلة حمراء ( الحلة : إزار ورداء )

ما رأيت شيئا قط أحسن منه " رواه مسلم : كتاب الفضائل / باب : صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلم رقم 2338

وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ( أي غليظ الأصابع والراحة ) ضَخْمَ الرَّأْسِ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ ( وهي رؤوس العظام ) طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ (

الشعر الدقيق الذي يبدأ من الصدر وينتهي بالسرة ) إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا ( مال إلى الأمام ) كَأَنَّمَا انْحَطَّ مِنْ صَبَبٍ ( ما انحدر من الأرض ) لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مثله . رواه الترمذي 3570 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

وعن جابر بن سمرة قال : " كان رسول الله صلى الله علية وسلم ضليع الفم ، أشكل العين ، منهوس العقب " . قال شعبة : قلت لمالك : ما "ضليع الفم " ؟

قال : عظيم الفم . قلت : ما " أشكل العين " ؟

قال : طويل شق العين . قلت ما " منهوس العقب " قال : قليل لحم العقب . صحيح مسلم : كتاب الفضائل 2339

أمّا بالنسبة للمعصية التي فعلتها في بيت إخوانك فتب إلى الله منها ، وإن كنت أخذت شيئا من حقوقهم فردّه إليهم والله غفور رحيم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-08-08, 20:04
: متى ينزع المصافح يده من يد صاحبه إذا أراد أن يقيم السنة ؟

السؤال:

كنت قد قرأت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينزع يده من يد الرجل حتى يقوم الرجل بنزعها، وقد أحببت أنا وصديق لي تطبيق هذه السنة ، ولم يرض أي منا نزع يده حتى يقوم الآخر بنزعها ، فما العمل هنا ؟

الجواب :

الحمد لله

روى الترمذي (2490) ، وابن ماجة (3716) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ الَّذِي يَنْزِعُ "

وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (4780) .

قال القاري رحمه الله :

" قَالَ الطِّيبِيُّ : فِيهِ تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ فِي إِكْرَامِ صَاحِبِهِ وَتَعْظِيمِهِ ، فَلَا يَبْدَأُ بِالْمُفَارَقَةِ عَنْهُ ".

انتهى من " مرقاة المفاتيح " (9/ 3718) .

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (37/ 365):

" يُسْتَحَبُّ أَنَّ تَدُومَ مُلاَزَمَةُ الْكَفَّيْنِ فِيهَا - يعني المصافحة - قَدْرَ مَا يَفْرُغُ مِنَ الْكَلاَمِ وَالسَّلاَمِ ، وَالسُّؤَال عَنِ الْغَرَضِ ، وَيُكْرَهُ نَزْعُ الْمُصَافِحِ يَدَهُ مِنْ يَدِ الَّذِي يُصَافِحُهُ سَرِيعًا " انتهى .

فهذا من سنن المصافحة ، وقد أجاب العلماء عما ذكره السائل .

وحاصل كلامهم :

أن من غلب على ظنه أن صاحبه ينزع يده استحب له أن يمسك هو .

وإن غلب على ظنه أن صاحبه سيبقى ممسكا ، فالذي يبتدئ بالنزع هو المبتدئ بالمصافحة .

فالإتيان بهذه السنة ينبغي أن يكون خاليا من التكلف والمشقة الظاهرة .

فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعلمون من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يبتدئ بنزع يده ، فكانوا يبدأون هم بنزع أيديهم ، رفقا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحرصًا منهم على ألا يشقوا عليه .

قال ابن مفلح رحمه الله:

" وَيُكْرَهُ نَزْعُ يَدِهِ مِنْ يَدِ مَنْ صَافَحَهُ ، قَبْلَ نَزْعِهِ هُوَ، إلَّا مَعَ حَيَاءٍ ، أَوْ مَضَرَّةِ التَّأْخِيرِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَالرِّعَايَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: وَلَا يَنْزِعُ يَدَهُ حَتَّى يَنْزِعَ الْآخَرُ يَدَهُ ، إذَا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِئُ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الضَّابِطُ: أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْآخَرَ يَنْزِعُ أَمْسَكَ، وَإِلَّا فَلَوْ اُسْتُحِبَّ الْإِمْسَاكُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، أَفْضَى إلَى دَوَامِ الْمُعَاقَدَةِ، لَكِنَّ تَقْيِيدَ عَبْدِ الْقَادِرِ حَسَنٌ ؛ أَنَّ النَّازِعَ هُوَ الْمُبْتَدِئُ انْتَهَى كَلَامُهُ " .

انتهى من "الآداب الشرعية" (2/ 261)

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-08, 20:10
أيهما خير للمسلم : العزلة والوحدة ، أم مخالطة الناس ودعوتهم والصبر على أذاهم ؟

السؤال:

أريد أن أوازن بين حديث الرسول صلى الله عليه و سلم (الْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسَ السُّوءَ ) ، وبين حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ( المؤمنُ الذي يُخَالِطُ الناسَ ويَصْبِرُ على أَذَاهُمْ ، خيرٌ مِنَ الذي لا يُخَالِطُ الناسَ ، ولا يَصْبِرُ على أَذَاهُمْ ) خاصة مع انتشار الفتنة العظيمة فى زمننا هذا

وللإشارة فهل الحديث الأول صحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا :

روى الحاكم (5466) عن أبي ذر قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( الْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسَ السُّوءَ، وَالْجَلِيسُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ )

وقال الذهبي في تلخيصه : " لم يصح " .

وقال الحافظ في " الفتح " (11/ 331):

" الْمَحْفُوظَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ " انتهى .

وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1853) وقال : " المحفوظ في هذا الحديث الوقف على أبي ذر " انتهى .

فالصحيح في هذا الحديث أنه من قول أبي ذر ضي الله عنه ، أما مرفوعا عن الرسول صلى الله عليه وسلم : فلا يصح .

ورواه ابن أبي شيبة (7/ 142) عَنْ أَبِي كَبْشَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، به موقوفا على أبي موسى ، من قوله .
ولا يصح هذا الوجه ، فأبو كبشة هذا مجهول

انظر : "الميزان" (4/564) .

وليس في هذا الأثر تفضيل الوحدة على الاختلاط بالناس في جميع الأحوال ، بل فيه : أن

الوحدة والانفراد خير من مجالسة أهل السوء ، وأن مجالسة أهل الصلاح خير من الوحدة .

وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ [يعطيك] وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) رواه البخاري (5534) ، ومسلم (2628) .

قال النووي رحمه الله :

" فِيهِ فَضِيلَةُ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ، وَالنَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ أَوْ يَكْثُرُ فُجْرُهُ وَبَطَالَتُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ "

انتهى من " شرح النووي على مسلم " (16/ 178) .

أما ما رواه الترمذي (2507) ، وابن ماجة (4032) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

فهذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومخالطتهم لأجل ذلك ، وإسداء النصح لهم، لا لمجرد المجالسة والمؤانسة .

فمن خالط الناس ، ودعاهم إلى الله ، ووعظهم ، ونصحهم ، وذكرهم ، وصبر على أذاهم في سبيل ذلك ؛ فهو خير ممن لا يخالطهم ولا يدعوهم ، ولا يصبر على أذى يلقاه منهم في سبيل ذلك .

قال الصنعاني في "سبل السلام" :

"فِيهِ أَفْضَلِيَّةُ مَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ مُخَالَطَةً يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَيُحْسِنُ مُعَامَلَتَهُمْ ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي يَعْتَزِلُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْمُخَالَطَةِ .

وَالْأَحْوَالُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ" انتهى .

فظهر أنه ليس بين الحديثين تعارض ، على فرض صحة الحديث الأول .

فإذا قدر أن الإنسان بين خيارين : إما الانفراد ، وإما مجالسة أهل السوء ؛ فلا شك أن الانفراد أفضل ، وهو ما يدل عليه الحديث الأول .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" وَرُبَّ صَرْمٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ " .

انتهى من "التمهيد" (6/127) .

وأما إذا دار الأمر بين مخالطة الناس ونفعهم والاستفادة منهم مع احتمال أذاهم ، وبين عدم مخالطتهم ، ولا نفعهم ، ولا الاستفادة منهم ، ولا الصبر على أذاهم ؛ فمخالطتهم على هذا الوجه أفضل ، ولا شك .

ثانيا :
أما نفس المفاضلة بين العزلة والخلطة ، من حيث الأصل ، فلا يطلق فيه قول عام لكل أحد ؛ بل ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ، والأزمان ، والبلاد .

فإذا كان الشخص عالما يخالط الناس ، ويعلمهم وينصحهم ويصبر على أذاهم ، فالمخالطة في حقه أفضل ممن ليس كذلك .

وإذا كان الشخص لا علم عنده ، ولا يصبر على أذى الناس له ، فالعزلة أفضل له .

وقد يكون في بعض البلاد أو الأزمان : الخلطة أفضل ، إذا كان الغالب على الناس الخير وحسن الخلق .

وقد يكون في بلاد أخرى ينتشر الفساد بين الناس ، وسوء الخلق ، فتكون العزلة أفضل لمن لا يقدر على إنكار المنكر وتغييره ... وهكذا .

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

أيما أفضل للسالك العزلة أم الخلطة ؟ وإذا قدر أحدهما ، فهل يكون ذلك على الإطلاق أم وقتا دون وقت؟

فأجاب :

"هَذِهِ " الْمَسْأَلَةُ " وَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا؟ إمَّا نِزَاعًا كُلِّيًّا ، وَإِمَّا حَالِيًّا ؛ فَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ: أَنَّ " الْخُلْطَةَ " تَارَةً تَكُونُ وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً ، وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْمُخَالَطَةِ تَارَةً وَبِالِانْفِرَادِ تَارَةً.

وَجِمَاعُ ذَلِكَ: أَنَّ " الْمُخَالَطَةَ " إنْ كَانَ فِيهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، فَهِيَ مَأْمُورٌ بِهَا .

وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، فَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا .

فَالِاخْتِلَاطُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي جِنْسِ الْعِبَادَاتِ: كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : هُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ.

وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَاطُ بِهِمْ فِي الْحَجِّ وَفِي غَزْوِ الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ ، وَإِنْ كَانَ أَئِمَّةُ ذَلِكَ فُجَّارًا ، وَإِنْ كَانَ فِي تِلْكَ الْجَمَاعَاتِ فُجَّارٌ .

وَكَذَلِكَ الِاجْتِمَاعُ الَّذِي يَزْدَادُ الْعَبْدُ بِهِ إيمَانًا: إمَّا لِانْتِفَاعِهِ بِهِ ، وَإِمَّا لِنَفْعِهِ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَلَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ أَوْقَاتٍ يَنْفَرِدُ بِهَا بِنَفْسِهِ ، فِي دُعَائِهِ وَذِكْرِهِ وَصَلَاتِهِ وَتَفَكُّرِهِ وَمُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ وَإِصْلَاحِ قَلْبِهِ ، وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَشْرَكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَهَذِهِ ، يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى انْفِرَادِهِ بِنَفْسِهِ؛ إمَّا فِي بَيْتِهِ، كَمَا قَالَ طاوس: نِعْمَ صَوْمَعَةُ الرَّجُلِ بَيْتُهُ ، يَكُفُّ فِيهَا بَصَرَهُ وَلِسَانَهُ، وَإِمَّا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ.

فَاخْتِيَارُ الْمُخَالَطَةِ مُطْلَقًا خَطَأٌ ، وَاخْتِيَارُ الِانْفِرَادِ مُطْلَقًا خَطَأٌ.

وَأَمَّا مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ هَذَا وَهَذَا ، وَمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ : فَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَدَّمَ"

انتهى من " مجموع الفتاوى " (10/425) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" العزلة خير إذا كان في الخلطة شر، أما إذا لم يكن في الخلطة شر؛ فالاختلاط بالناس أفضل "

انتهى من " شرح رياض الصالحين " (3/ 72) .

وقال أيضا :

" من كان يخشى على دينه بالاختلاط بالناس : فالأفضل له العزلة .

ومن لا يخشى : فالأفضل أن يخالط الناس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على آذاهم).

فمثلا: إذا فسد الزمان ورأيت أن اختلاطك مع الناس لا يزيدك إلا شرا وبعدا من الله ، فعليك بالوحدة ، اعتزل .. ؛ فالمسألة تختلف، العزلة في زمن الفتن والشر والخوف من المعاصي خير من الخلطة

أما إذا لم يكن الأمر كذلك ، فاختلط مع الناس ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر، واصبر على آذاهم وعاشرهم "

انتهى من " شرح رياض الصالحين " (5/ 354) .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

sat_mohamed
2018-08-10, 18:22
جزاك الله كل الخير وجعله في ميزان حسناتك

*عبدالرحمن*
2018-08-11, 18:51
جزاك الله كل الخير وجعله في ميزان حسناتك

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-08-11, 18:57
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل ثبت أن فاطمة رضي الله عنها سُحرت ؛ فرغب عليّ رضي الله عنه في الزواج بغيرها ؟!

السؤال:

هل فعلا ورد في السيرة النبوية أن سيدة نساء الجنة فاطمة الزهراء وقع لها سحر فكرهها سيدنا علي ، وأراد أن يتزوج عليها ؟

إذا كان نعم ، فالمرجو منكم أن تخبرونا كيف فك هذا السحر ؟ وهل هناك علاقة بخلخالها ؟

تم النشر بتاريخ: 2016-06-16

الجواب :

الحمد لله

القول بأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرت ، فكرهها عليّ رضي الله عنه ، ورغب في الزواج بغيرها : قول باطل لا أصل له

ولا نعلم أحدا من أهل العلم ممن ترجم للصحابة رضي الله عنهم ، أو صنف في السيرة ، ذكر مثل هذا الكلام .

نعم ، ثبت أن عليا رضي الله عنه همّ بالزواج من ابنة أبي جهل ، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم ، فترك ذلك ، وقد ذكر العلماء جملة من الأسباب التي من أجلها منع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من هذا الزواج،

وانظري بيان ذلك في جواب السؤال القادم

كما ثبت أنه كان قد غاضبها وهجر البيت ، فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهما .

روى البخاري (441) ، ومسلم (2409) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه ، قَالَ : " جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ ، فَقَالَ : ( أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ ؟

) قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ ، فَغَاضَبَنِي ، فَخَرَجَ ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي [القيلولة هي النوم نصف النهار] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ : (انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟) فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه ِ

هُوَ فِي المَسْجِدِ رَاقِدٌ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ: ( قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ) " .

أما تسلط الشياطين عليها بالسحر ، فتغير عليها زوجها ، ورغب عنها ، وسعى في الزواج بغيرها : فظاهر البطلان والكذب .

وقد كانا رضي الله عنهما يحيان حياة طيبة سعيدة ، لا يكدر عليهما فيها إلا ما قد يقع عادة بين الزوجين من الاختلاف والنزاع والغضب ، ثم سرعان ما يفيئا

وقد قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97
.
قال ابن كثير رحمه الله :

" هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم ، وقلبه مؤمن بالله ورسوله

وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة.

والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت"

انتهى من "تفسير ابن كثير" (4 /601) .

فكانت حياتهما رضي الله عنهما حياة طيبة، تشمل وجوه الراحة من كل وجه .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-11, 19:03
لماذا منع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من الزواج على فاطمة رضي الله عنهما ؟

السؤال

: لماذا منع النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه من أن يتزوج بنت أبي جهل مع أنها كانت مسلمة، وقد كان أبوها مات أيضاً في ذلك الوقت؟.

. لماذا حرّم عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع أنه أمر مباح أصلاً؟

الجواب :

الحمد لله :

يجب على المسلم أن يسلِّم بكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل ، وأن يعلم أن الحكمة كل الحكمة فيما قاله أو فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، علم ذلك من علمه ، وجهل ذلك من جهله .

وتعدد الزوجات من الأمور الثابتة في هذه الشريعة بالنصوص الواضحة الصريحة ، والتي لا مطعن فيها بوجه من الوجوه ، مهما أرجف المرجفون ، وقال الأفاكون .

إلا أن هذا الزواج قد يعرض له من الملابسات والمفاسد التي تفوق المصالح المقصودة منه ، فيمنع منه حينئذ ، كعدم قدرة الرجل على العدل ، وخشيته من الظلم

أو نحو ذلك من الأمور التي تجعل المفاسد المترتبة عليه أعظم من المصالح المقصودة منه .

ومن هذا المبدأ منع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من الزواج على ابنته فاطمة رضي الله عنها ، مع أن أصل التعدد مباح له ولغيره .

فعن الْمِسْوَر بْنَ مَخْرَمَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحًا ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ .

فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ : ( أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي ، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي

وإِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا ، وَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا ) .

قَالَ : فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ . رواه البخاري (3110) ، ومسلم (2449) .

وقد ذكر العلماء جملة من الأسباب التي من أجلها منع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من هذا الزواج ، وهذه الأسباب ترجع في مجملها إلى أربعة أمور .

الأول : أن في هذا الزواج إيذاءً لفاطمة ، وإيذاؤها إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب ، وقد بَيَّن ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله : (وإِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي ، يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا) .

وفي لفظ : (فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي ، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا ، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا) . رواه البخاري (5230) ، ومسلم (2449) .

قال ابن التين :

" أصح ما تُحمل عليه هذه القصة : أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم على علي أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل ؛ لأنه علل بأن ذلك يؤذيه ، وأذيته حرام بالاتفاق.

فهي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة ، وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذي النبي صلى الله عليه وسلم لتأذي فاطمة به ، فلا "

. نقله عنه في " فتح الباري " (9/328) .

وقال النووي:

" فإن ذَلِكَ يؤَدِّي إِلَى أَذَى فَاطِمَة ، فَيَتَأَذَّى حِينَئِذٍ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَهْلَك مَنْ آذَاهُ ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ لِكَمَالِ شَفَقَته عَلَى عَلِيّ ، وَعَلَى فَاطِمَة ".

انتهى من " شرح صحيح مسلم " (16/3) .

قال ابن القيم

: " وفى ذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِهره الآخر ، وثناءَه عليه بأنه حدَّثه فصدقه ، ووعده فوفى له ، تعريضٌ بعلي رضي الله عنه ، وتهييجٌ له على الاقتداء به

وهذا يُشعر بأنه جرى منه وعد له بأنه لا يَريبها ولا يُؤذيها ، فهيَّجه على الوفاء له ، كما وفى له صهرُه الآخر" .

انتهى من " زاد المعاد " (5/118).

وما سبق لا ينطبق على امرأة أخرى غير فاطمة رضي الله عنها .

الثاني : خشية الفتنة على فاطمة في دينها .

كما جاء في رواية البخاري (3110): ( وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا ).

وعند مسلم (2449) : ( إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي ، وَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا ) .

فإن الغيرة من الأمور التي جبلت عليها المرأة ، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن تدفعها الغيرة لفعل ما لا يليق بحالها ومنزلتها ، وهي سيدة نساء العالمين.

خاصة وأنها فقدت أمها ، ثم أخواتها واحدة بعد واحدة ، فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر ممن تُفضي إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة .

قال الحافظ ابن حجر :

" وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة ، ولم يكن حينئذ تأخر من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غيرها ، وكانت أصيبت بعد أمها بأخواتها ، فكان إدخال الغيرة عليها مما يزيد حزنها ".

انتهى من " فتح الباري" (7/86) .

الثالث : استنكار أن تجتمع بنتُ رسول الله وبنتُ عدوِّ الله في عصمة رجل واحد.

كما قال صلى الله عليه وسلم : ( وَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ، وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا ).

قال النووي :

" وَقِيلَ : لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ النَّهْي عَنْ جَمْعِهِمَا ، بَلْ مَعْنَاهُ : أَعْلَمُ مِنْ فَضْل اللَّه أَنَّهُمَا لَا تَجْتَمِعَانِ ، كَمَا قَالَ أَنَس بْن النَّضْر : (وَاَللَّه لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرَّبِيع) .

وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَاد تَحْرِيم جَمْعهمَا ... وَيَكُون مِنْ جُمْلَة مُحَرَّمَات النِّكَاح : الْجَمْع بَيْن بِنْت نَبِيّ اللَّه وَبِنْت عَدُوّ اللَّه ".

انتهى "شرح صحيح مسلم " (8/199).

قال ابن القيم

: " وَفِي مَنْعِ عَلِيّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَبَيْنَ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ حِكْمَةٌ بَدِيعَةٌ

وَهِيَ : أَنّ الْمَرْأَةَ مَعَ زَوْجِهَا فِي دَرَجَتِهِ تَبَعٌ لَهُ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِهَا ذَاتَ دَرَجَة عَالِيَةٍ وَزَوْجُهَا كَذَلِكَ كَانَتْ فِي دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ بِنَفْسِهَا وَبِزَوْجِهَا .

وَهَذَا شَأْنُ فَاطِمَةَ وَعَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا .

وَلَمْ يَكُنْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِيَجْعَلَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ مَعَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ، لَا بِنَفْسِهَا ، وَلَا تَبَعًا ، وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ مَا بَيْنَهُمَا ، فَلَمْ يَكُنْ نِكَاحُهَا عَلَى سَيّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مُسْتَحْسَنًا ، لَا شَرْعًا ، وَلَا قَدَرًا .

وقد أَشَارَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ : ( وَاَللّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ وَبِنْتُ عَدُوّ اللّهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَبَدًا ) ، فَهَذَا إمّا أَنْ يَتَنَاوَلَ دَرَجَةَ الْآخَرِ بِلَفْظِهِ أَوْ إشَارَتِهِ ".

انتهى من "زاد المعاد " (5/119).

الرابع : تعظيماً لحق فاطمة وبياناً لمكانتها ومنزلتها .

قال ابن حبان :

" هذا الفعل لو فعله علي كان ذلك جائزاً ، وإنما كرهه صلى الله عليه وسلم تعظيماً لفاطمة ، لا تحريما لهذا الفعل".

انتهى من "صحيح ابن حبان" (15/407).

قال الحافظ ابن حجر:

"السياق يشعر بأن ذلك مباحٌ لعلي ، لكنه منعه النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لخاطر فاطمة ، وقَبِلَ هو ذلك امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم .

والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يُعدَّ في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته ، ويحتمل أن يكون ذلك خاصاً بفاطمة رضي الله عنها"

انتهى من "فتح الباري" (9/329) .

والحاصل :

أن هذه الأسباب مجتمعة أو متفرقة هي التي من أجلها منع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من هذا الزواج .

وليس في القصة أدنى مستمسك لمن يحاول التشبث بها ، للحد من تعدد الزوجات ، وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللبس والوهم بقوله في نفس القصة : ( وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا ، وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا )

. رواه البخاري (3110) ، ومسلم (2449).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-08-11, 19:06
هل يمكن أن يحصل غير الكتابي إذا أسلم على أضعاف ما يحصل عليه الكتابي من الأجرين؟

السؤال:

هناك ممن اعتنق الإسلام وكان مسيحياً ، أمّا أنا فكنت ملحد ة، فهل سيحصل أولئك على الأجر ضعفين لكونهم كانوا من أهل الكتاب ؟

أسأل الله أن يبارك لهم

وكل ما في الأمر أني أشعر بشيء من الحزن على نفسي لكمّ المعاناة التي واجهتها حتى تعرفت على الله تبارك وتعالى.

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (3011) ، ومسلم (154) عن أبي موسى عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

( ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ ، فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا، ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتَابِ

الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَالعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ ) .

فمن آمن بنبيه ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله الأجر مرتين ، مرة لإيمانه بنبيه عليه السلام ، ومرة بإيمانه بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وهذا موافق لقوله تعالى :

( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) القصص/ 52 - 54

وهذا في حق من آمن به من أهل الكتاب خاصة ، فلا يشمل جميع أهل الكفر

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الْحَدِيثُ مُقَيَّدٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ ، فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُمْ ، وَأَيْضًا: فَالنُّكْتَةُ فِي قَوْلِهِ (آمَنَ بِنَبِيِّهِ) الْإِشْعَارُ بِعِلِّيَّةِ الْأَجْرِ أَيْ أَنَّ سَبَبَ الْأَجْرَيْنِ الْإِيمَانُ بِالنَّبِيَّيْنِ ، وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا كَذَلِكَ

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ) فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ مِنْهُمْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِ "

انتهى باختصار من "الفتح" (1/ 191) .

ويؤيده ما رواه الإمام أحمد (22234) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: " إِنِّي لَتَحْتَ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ ، فَقَالَ قَوْلًا حَسَنًا جَمِيلًا وَكَانَ فِيمَا قَالَ: ( مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ

وَلَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ أَجْرُهُ وَلَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا ) وحسنه الألباني في "الصحيحة" (304) .

ففرّق بين من أسلم من أهل الكتاب - فجعل له أجره مرتين - وبين من أسلم من المشركين - فلم يجعل له ذلك .

ولكن كون من أسلم من أهل الكتاب له الأجر مرتين لا يعني أنه أفضل من غيره بإطلاق ، فقد يسلم غيره من أهل الشرك والكفر ممن ليس من أهل الكتاب ، فيحسن إسلامه

ويعطى من الأجر أضعاف ما يعطى من أسلم من أهل الكتاب ، لحسن إسلامه ، وقوة إيمانه ، وأثره الطيب النافع ، فكم ممن أسلم من الكفار مَن فتح الله به ونفع به ، فأسلم على يديه بشر كثير

ودخل بسببه في دين الإسلام أمم غفيرة ، كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما أفضل وأعظم أجرا من سلمان الفارسي أو عبد الله بن سلام ونحوهما ممن كان من أهل الكتاب ، رضي الله عنهم جميعا.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" ليس كل من له أجره مرتين يكون أفضل من غيره " .

انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (2/ 232) .

فلك - أيتها الأخت المسلمة - في مستقبل أيامك السلوى ، فإنك إذا أحسنت في إسلامك ، واجتهدت في العمل الصالح ، وراقبت الله في القول والفعل ، والسر والعلن

وانشغلت بدينك وتعلم أحكامه وشرائعه وحفظ كتابه وتعليم ذلك لغيرك : أصبت من الأجر ما لا يعلمه إلا الله ، وربما كان لك منه أضعاف ما يكون لمن أصاب أجرين .

وإذا كان قد سبق لك المعاناة مع الكفر وأهله حتى منّ الله عليك بالإسلام ، فتعرفي على نعمة الله ، واشكريه سبحانه على فضله الواسع ، وانشغلي بعبادته وطاعته

ولا تظني أن ما فاتك من الأجر لا يمكن تحصيل أفضل منه وأعظم وأكرم ، بل إن تحصيل ذلك ممكن بفضل الله

فلا تنشغلي بما فاتك من الأجر ، وانشغلي بما ينبغي ألا يفوتك منه ، وذلك بالعمل الصالح والبر والتقوى .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-11, 19:10
هل يلزم استئصال الأظفار بالكلية عند تقليمها ؛ لتحقيق السنة ؟

السؤال:

عند تقليم الأظافر، هل يلزم قطعها بالكلية أم لا بأس من تقصيرها وإبقاء شيء منها ؟ لأن القص الكامل في بعض الأحيان يسبب شيئاً من الألم ، وما المقدار الذي ينبغي أن يؤخذ منها حتى يتوافق ذلك مع الفطرة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

تقليم الأظفار سنة من سنن الفطرة

لما رواه البخاري (5889) ، ومسلم (257) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الفِطْرَةُ خَمْسٌ ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَنَتْفُ الإِبْطِ ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ).

وينظر للفائدة إجابة السؤال القادم

ثانيا :

لا يشترط في تقليم الأظفار استئصالها بالكلية ، والمطلوب: إزالة ما يزيد على ما يلامس رؤوس الأصابع منها، وهو الذي يجتمع تحته الوسخ .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الْمُرَادُ إِزَالَةُ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُلَابِسُ رَأْسَ الْإِصْبَعِ مِنَ الظُّفُرِ؛ لِأَنَّ الْوَسَخَ يَجْتَمِعُ فِيهِ فَيُسْتَقْذَرُ، وَقَدْ يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الطَّهَارَةِ ...

وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِقْصَاءُ فِي إِزَالَتِهَا إِلَى حَدٍّ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ ضَرَرٌ عَلَى الْأُصْبُعِ .. " .

انتهى من " فتح الباري" (10/ 345) .

وقال المناوي رحمه الله :

" (وتقليم الأظفار) تفعيل من القَلْم : القطع، والمراد : إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الأصبع من الظفر؛ لأن الوسخ يجتمع فيه .

قال ابن العربي : وقص الأظفار سنة إجماعا، ولا نعلم قائلا بوجوبه لذاته ، لكن إن منع الوسخُ وصول الماء للبشرة : وجبت إزالته للطهارة "

انتهى من "فيض القدير" (3/ 455) .

ثالثا :

الذي ينبغي أن تتعاهد الأظفار بالقلم كلما طالت ، فإن قلمها من سنن الفطرة ، وهو أيضا من تمام النظافة ، وكمالها .

قال العراقي رحمه الله في "طرح التثريب" (2/ 83):

" قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ : وَالْمُسْتَحَبُّ تَفَقُّدُ ذَلِكَ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ ، وَإِلَّا فَلَا تَحْدِيدَ فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَثُرَ ذَلِكَ أُزِيلَ ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمُخْتَارُ: أَنَّهُ يُضْبَطُ بِالْحَاجَةِ وَطُولِهِ "

انتهى . وينظر : "الآداب الشرعية" لابن مفلح (3/328-330) .

لكن إذا ترك تعاهدها ، أو ترك قصها مدة ، فينبغي ألا تطول هذه المدة جدا ، وأقصى ذلك أن تكون أربعين يوما .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً " رواه مسلم (258) .

قال النووي رحمه الله :

" فَمَعْنَاهُ لَا يُتْرَكُ تَرْكًا يَتَجَاوَزُ بِهِ أَرْبَعِينَ لَا أَنَّهُمْ وَقَّتَ لَهُمُ التَّرْكَ أَرْبَعِينَ" .

انتهى من "شرح مسلم" (3/149) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-11, 19:12
بماذا يبدأ عند تقليم الأظفار؟

السؤال:

بأي جزء من الجسد ينبغي الابتداء عند قص الأظافر؟

الجواب :

الحمد لله

تقليم الأظافر سنة من سنن الفطرة ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، ويستحب التيامن فيه

لما ثبت في صحيح البخاري (163) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ )

قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/339) :

" تقليم الأظفار مجمع على أنه سنة , وسواء فيه الرجل والمرأة واليدان والرجلان , ويستحب أن يبدأ باليد اليمنى ثم اليسرى ثم الرجل اليمنى ثم اليسرى " انتهى .

وقال رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" (3/149) :

" ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى ، ثم الوسطى ، ثم البنصر ، ثم الخنصر ، ثم الإبهام ، ثم يعود إلى اليسري فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها

إلى آخرها ثم يعود إلى الرجلين اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى . والله أعلم " انتهى .

وذكر الحنابلة ترتيباً آخر بين الأصابع عند تقليم الأظفار

غير أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا شيء .

قال العراقي رحمه الله في "طرح التثريب" (2/77)

: " لم يثبت في كيفية تقليم الأظفار حديث يعمل به " انتهى .

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (10/345) :

"لم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث .... ثم قال : وقد أنكر ابن دقيق العيد الهيئة التي ذكرها الغزالي ومن تبعه وقال : كل ذلك لا أصل له ،

وإحداث استحباب لا دليل عليه ، وهو قبيح عندي بالعالم ، ولو تخيل متخيل أن البداءة بمسبحة اليمنى من أجل شرفها فبقية الهيئة لا يتخيل فيه ذلك . نعم

البداءة بيمنى اليدين ويمنى الرجلين له أصل وهو (كان يعجبه التيامن) " انتهى باختصار .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-08-14, 18:48
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

هل طاعة الخالة واجبة كطاعة الأب والأم؟

السؤال:

هل طاعة الخالة ، أمر يؤجر الرجل عليه، ؟

وهل ذلك يعني أنه لو أمرتني خالتي بفعل شيء حلال ولم أطعها في ذلك مع تأدبي معها في ذلك، فلا إثم علي؟

الجواب :

الحمد لله

دلت الأحاديث على فضل الخالة ، وأن لها من المكانة والمنزلة ما يشبه منزلة الأم

ولهذا قُدمت على غيرها في الحضانة ؛ فقد روى البخاري (2699) عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ ) .

قال ابن حجر رحمه الله :

" ( الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ ) أَيْ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْخَاصِّ – يعني : الحضانة - ؛ لِأَنَّهَا تَقْرُبُ مِنْهَا فِي الْحُنُوِّ ، وَالشَّفَقَةِ وَالِاهْتِدَاءِ إِلَى مَا يُصْلِحُ الْوَلَدَ ؛ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَالَةَ تَرِثُ لِأَنَّ الْأُمَّ تَرِثُ ..."

انتهى من " فتح الباري " (7/506) .

كما جاء الحث على بر الخالة عند فقدان الأم ، وجعل برها من أسباب تكفير الذنوب

فقد روى الترمذي (314) عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله : إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا ، فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ ؟ قَالَ : ( هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ )

قَالَ : لَا ، قَالَ : ( هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟ ) ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : ( فَبِرَّهَا ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترغيب والترهيب " .

وبر الخالة يقصد به صلتها والإحسان إليها وإكرامها ، وليس وجوب طاعتها ، فالبر الذي هو الإحسان والصلة ، وهو أعم من الطاعة .

والأمر بالطاعة ، وتأكيد ذلك ، والتشديد فيه : لم يرد إلا في حق الوالدين فقط ، وأما غيرهما من الأقارب ، فلا تجب طاعتهم

جاء في " الآداب الشرعية " لابن مفلح رحمه الله (1/437) :

" قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضٌ , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بِرَّ الْجَدِّ فَرْضٌ , كَذَا قَالَ , وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاجِبٌ . وَنَقْلُ الْإِجْمَاعِ فِي الْجَدِّ فِيهِ نَظَرٌ , وَلِهَذَا عِنْدَنَا يُجَاهِدُ الْوَلَدُ ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ الْجَدَّ ؛ وَإِنْ سَخِطَ " انتهى .

وبناء على هذا ؛ فلا إثم عليك إن لم تطع خالتك ، مع تأدبك معها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-14, 18:50
والداه يرفضان أن يرفع إزاره فهل يطيعهما ؟

السؤال

والداي لا يسمحان لي برفع إزاري ، فهل أطيعهما أم لا ؟.

الجواب

الحمد لله

أمرنا الله تعالى ببر الوالدين في مواضع كثيرة في كتابه الكريم

ومنها : قوله تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } العنكبوت / 8 .

وأعلى الحقوق وأعظمها هو حق الله تبارك وتعالى ثم من بعده حق المخلوقين ، وآكدهم وأولاهم بذلك حق الوالدين ، ولهذا يقرن الله تعالى بين حقه وحق الوالدين في آيات كثيرة من القرآن الكريم

منها قوله تعالى { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إيَّاه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً } الإسراء / 23 .

فطاعة الوالدين واجبة إلا إذا أمروا بمعصية فلا طاعة لهما

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل ) رواه البخاري ( 4340 ) ومسلم ( 1840 ) وأحمد ( 1098 ) واللفظ له ، وإسبال الإزار من كبائر الذنوب ، فلا طاعة لهما إذا أمرا به ، لكن يمكنك رفع إزارك إلى الحد الأدنى بحيث لا يلامس الكعبين

فلا تكون عصيت ربك بهذا الفعل ، ولا تكون مخالفاً لرغبة والديك ، إذ ليس شرطاً في تقصير الإزار أن يكون إلى نصف الساق بل يحصل امتثال الشرع أن لا يلامس الإزار الكعبين .

فإن أصرا على إطالة ثوبك إلى ما دون الكعبين فتلطف معهما في العبارة وحاول أن تسايسهم وتداريهم ، ولكن لا تعصي الله من أجلهما في إسبال الثوب .

سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ :

ما حكم الإسبال ؟ وهل يجوز أن أطيع والدي إذا أرادوا مني إسبال ثيابي ؟.

فأجاب :

الإسبال محرم ، بل هو من كبائر الذنوب ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة "

وذكر الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وذكر منهم المسبل ، فالمسبل عاص لله ومتعد لحدوده ، فواجب عليه أن يتوب إلى الله ، فإنه عوقب بأن الله لا ينظر إليه يوم القيامة

وعوقب بتوعده بالنار ، مما يدل على أن الإسبال من كبائر الذنوب مع أن الإسبال لا خير فيه ، ففيه إفساد للملبس وربما سبب تعثر للمسبل في مشيه كما قال عمر رضي الله عنه للشاب الذي رآه مسبلا -

وقد عاد عمر في مرض موته - : " يا غلام ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأطوع لربك " .

وأما طاعة الوالدين : فإن الوالدين لا يطاعان في معصية الله ، فلو أمراك بالإسبال فاعصهما لأن الإسبال من كبائر الذنوب ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

" فتاوى مجلة الدعوة " العدد : ( 1741 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-14, 18:55
هل عقوق الوالدين موجب لرد العمل وعدم قبوله ؟

السؤال:

سمعت قولا من أكثر من شيخ أن عمل العاق لا يقبل , و لكن لدي استفسار عن هذا القول , هل معنى أن عمل العاق لا يقبل , أنه غير مجزئ أم أنه لا ثواب له ؟

فمثلا لو أن عاقا توضأ وصلى وصام وأخرج زكاة ماله وحج ,

هل أعماله تكون صحيحه ومجزئة على هذا القول أم لا ؟

الجواب :

الحمد لله

عقوق الوالدين من كبائر الذنوب والآثام ، والعاق معرض بعقوقه لسخط الله وغضبه .

وقد روى الطبراني في " الأوسط " (8497) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2420) .

وروى النسائي (2562) عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ

وَالدَّيُّوثُ ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ) وصححه الألباني في " صحيح سنن النسائي " .

وروى أحمد (24299) عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، شَهِدْتُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، وَصَلَّيْتُ الْخَمْسَ

وَأَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي ، وَصُمْتُ شَهْرَ رَمَضَانَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا - وَنَصَبَ إِصْبَعَيْهِ - مَا لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ )

وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2515) .

وفي هذا زجر وترهيب شديد من عقوق الوالدين .

وقد ورد في حديث رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (323) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا : عَاقٌّ

وَمَنَّانٌ ، وَمُكَذِّبٌ بِالْقَدَرِ ) ، وهو حديث مختلف فيه ، فحسنه الشيخ الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1785) ، وضعفه غيره كالهيتمي في " مجمع الزوائد " (7/206) .

فإن ثبت هذا الحديث ، فقد قيل في معنى : ( لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا ) عدة أقوال ، منها : أنه لا يقبل منهم فريضة ولا نافلة .

وروى الطبراني في " المعجم الكبير " (1420) ما يدل على أن عقوق الوالدين يحبط الأعمال ، ولفظه : ( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْفَعُ مَعَهُنَّ عَمَلٌ : الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ

وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ ) : إلا أنه حديث ضعيف جدا ، كما قال الألباني في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (1384) .

فإن صح ذلك ، فإنه يدل على أن معصية عقوق الوالدين يعاقب صاحبها بأنه لا يقبل له عمل .

وليس معنى ذلك ـ إن قلنا به ـ أن عمله باطل لا يجزئه ، فالعمل صحيح مجزئ ، لا يطالب به بعد ما عمله ، ولكن لا ثواب له فيه .

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

الذي يكون عاقاً لوالديه هل تقبل منه صلاته وصومه وصدقته ؟

فأجاب :

" عقوق الوالدين من كبائر الذنوب ، ومن المحرمات العظيمة ، فالواجب الحذر منه ، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ؟

قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين . وكان متكئاً فجلس ، وقال : ألا وقول الزور. ألا وشهادة الزور) متفق على صحته .
فالواجب على الولد أن يشكر والديه ، وأن يحسن إليهما وأن يبرهما ، وأن يطيعهما في المعروف ، ويحرم عليه عقوقهما ، لا بالكلام ولا بالفعل .

لكن ليس عقوقهما مبطلًا للصلاة ولا للصوم ولا للأعمال الصالحات ، ولكن صاحبه على خطر من هذه الكبيرة العظيمة ، وإنما تبطل الأعمال بالشرك ، أما بالعقوق أو قطيعة الرحم أو المعاصي الأخرى

فإنها لا تبطل الأعمال ، وإنما يبطلها الشرك الأكبر ، وكذلك رفع الصوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشى منه بطلان العمل "

انتهى ملخصا من موقع الشيخ .

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمحاسن الأعمال والأخلاق وأن يصرف عنا سيئها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-14, 18:58
الاحتلام أمر طبيعي لا يؤاخذ عليه الإنسان

السؤال

أحاول منع نفسي من التمتع المحرم ما استطعت إلى ذلك سبيلا. لكن في بعض الأحيان, أستيقظ محتلما واجد البلل في ملابسي . ما حكم ذلك ؟

أهو محرم ؟

وما عساي أفعل للتخلص منه ؟ فالأمر مخجل جدا .

الجواب

الحمد لله

ركب الله الشهوة في الإنسان وأمر عباده بأن يصرفوا هذه الطاقة في الطريق الصحيح وهو النكاح لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً

لتتحقق المصالح الدنيوية ، من بناء الأسرة وتقوية المجتمع وإعمار الدنيا وفق سنة الله تعالى ، ثم إن من الطرق التي غرزها الله في عباده لإخراج هذه الطاقة المخزونة ( الشهوة ) الاحتلام

فهو سبب لتصريف القوة الجنسية لدى الجنسين ، وليس للإنسان دور في إخراجها بل تخرج بمقتضى الطبيعة البشرية والإنسان لا يؤاخذ على ذلك والدليل على ذلك :

1. عن علي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يشب وعن المعتوه حتى يعقل " .

رواه الترمذي ( 1343 ) وابن ماجه ( 3032 ) والنسائي ( 3378 ) .

وروي كذلك من حديث عائشة في السنن الأربعة إلا الترمذي .

والحديث : حسَّنه الترمذي ، والنووي في " شرح مسلم " ( 8 / 14 ) .

والنائم لا يعقل مما يفعل شيئاً فهو ممن رفع القلم عنه ، والحلم يقع من النائم فالحلم مما يعفى عنه .

2- بل إن الله تعالى جعل الحلم علامة من علامات البلوغ ولذا قال الله تعالى : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا ….} النور / 59 .

فلو كان الحلم حراماً لم يجعله الله علامةً على البلوغ .

3- عن زينب ابنة أم سلمة : عن أم سلمة قالت : " جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم إذا رأت الماء ، فغطَّت أم سلمة وجهها وقالت : يا رسول الله أو تحتلم المرأة ؟ قال نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها ؟ " .

رواه البخاري ( 130 ) ومسلم ( 313 ) .

4- وعن عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال يغتسل وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللا قال لا غسل عليه قالت أم سلمة يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل قال نعم إنما النساء شقائق الرجال " .

رواه الترمذي ( 113 ) وأبو داود ( 236 ) .

قال العجلوني :

قال ابن القطان : هو من طريق عائشة ضعيف ومن طريق أنس صحيح .

" كشف الخفاء " ( 1 / 248 ) .

الخلاصة :

الاحتلام أمر طبيعي ، ولا يمكن التخلص منه ، وليس الأمر مخجلاً بالحد الذي صورته .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-14, 19:03
ما معنى وصف الكلب الأسود بأنه شيطان ؟

السؤال :

ورد في الحديث أن الكلب الأسود شيطان. فهل مساعدة كلب أسود بإطعامه أو سقيه يُعتبر مساعدة للشيطان؟

الجواب

الحمد لله :

جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال :أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ: (عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) رواه مسلم (1572) .

قال النووي رحمه الله :

"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْأَسْوَدِ الْبَهِيم ذِي النُّقْطَتَيْنِ) مَعْنَى الْبَهِيم الْخَالِص السَّوَاد ، وَأَمَّا النُّقْطَتَانِ فُهِّمَا نُقْطَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بَيْضَاوَانِ فَوْق عَيْنَيْهِ وَهَذَا مُشَاهَد مَعْرُوف" انتهى .

وهذا الحديث يدل على أن الكلب الأسود شيطان ، وأنه يُقتل .

وليس معنى وصفه بأنه شيطان أنه من الجن ، ولكن المعنى : أن هذا الكلب يشابه الشيطان في بعض صفاته ، كما يقول الناس في وصف من عُرف بالشر والفساد : إنه شيطان .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى قَتْلِ الْأَسْوَدِ مِنْهَا بِأَنَّهُ شَيْطَانٌ عَلَى مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمَّى مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّرُّ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ شَيْطَانًا بِقَوْلِهِ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَلَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ قَتْلُهُ

وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانة وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَسْخًا مِنِ الْجِنِّ وَلَا أَنَّ الْحَمَامَةَ مُسِخَتْ مِنِ الْجِنِّ وَلَا أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ قَتْلُهُ "

انتهى ، من "التمهيد" (14/234) .

وقال أبو بكر ابن العربي المالكي

: " .. شيطان : أي: بعيدٌ من الخير والمنافع، قريب من الضّرر والأذى، وهذا شأن الشَّيطان أنّ يتعدّى الخير."

انتهى من "المسالك شرح الموطأ" (7/528) .

وجاء في " مرقاة المفاتيح " (7/2261) " قَالَ الْقَاضِي أَبُو لَيْلَى : فَإِنْ قِيلَ : مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ : ( إِنَّهُ شَيْطَانٌ ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنْ كَلْبٍ

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْإِبِلِ : (إِنَّهَا جِنٌّ) وَهُوَ مَوْلُودَةٌ مِنَ النُّوقِ ؟ فَالْجَوَابُ : أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ لَهُمَا بِالشَّيْطَانِ وَالْجِنِّ ، لِأَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ شَرُّ الْكِلَابِ وَأَقَلُّهَا نَفْعاً ، وَالْإِبِلُ شِبْهُ الْجِنِّ فِي صُعُوبَتِهَا وَصَيالتِهَا " انتهى
.
وقرر نحوا من ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "شرح العمدة" ، قال : (1/331) :

" أشار صلى الله عليه وسلم في الإبل إلى أنها من الشياطين ؛ يريد والله أعلم : أنها من جنس الشياطين ونوعهم ؛ فإن كل عات متمرد شيطان ، من أي الدواب كان ، كالكلب الأسود شيطان، والإبل شياطين الأنعام

كما للإنس شياطين ، وللجن شياطين ، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أركبوه برذونا ، فجعل يهملج به ، فقال : ( إنما أركبوني شيطانا ) .." انتهى.

وذكر نحوا منه : ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/107) .

وينظر أيضا للفائدة : "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة (208) .

وذهب بعض أهل العلم إلى حمل الحديث على ظاهره ، وأن الجن تتصور بصورة الكلب الأسود كثيرا .

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله :

" حمله بعض العلماء على ظاهره ، وقال : إن الشياطين تتصور بصور الكلاب السود ، ولأجل ذلك قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اقتلوا منها كل أسود بهيم )

انتهى، من "المفهم" (5/38ـ الشاملة) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وقد تنازع العلماء في شيطان الجن اذا مر بين يدى المصلي هل يقطع على قولين هما قولان في مذهب أحمد كما ذكرهما ابن حامد وغيره

أحدهما يقطع لهذا الحديث ولقوله لما أخبر ان مرور الكلب الأسود يقطع للصلاة الكلب الأسود شيطان فعلل بأنه شيطان وهو كما قال رسول الله فان الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كثيرا وكذلك بصورة القط الأسود

لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره وفيه قوة الحرارة ..."

انتهى، من "مجموع الفتاوى" (19/52) ، وينظر: "مجموع الفتاوى" (21/14) ، (35/113) ،

وعليه فمن أطعم هذا الكلب الأسود أو سقاه فليس بمحسن للشيطان الرجيم الذي هو من الجن .

ومع هذا فينبغي قتل هذه الكلاب إن تيسر ذلك إنفاذاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-08-17, 18:28
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل من السنة أن يستغفر الإمام للصف المقدم ثلاثا ، وللثاني مرة ؟

السؤال:

ما شرح الحديث الآتي : " كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، وَلِلثَّانِي مَرَّةً " ؟

وهل يقوله الإمام فقط ؟

وهل يقال سرا أو جهرا ؟

ومتى يقوله ؟

الجواب :

الحمد لله

روى ابن ماجة (996) ، وأحمد (17141) ، وابن خزيمة في صحيحه (1558) عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ثَلَاثًا وَلِلثَّانِي مَرَّةً "

وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجة " ، وكذا صححه محققو المسند .

قال المناوي رحمه الله :

" أي يطلب من الله الغفر ، أي الستر ، لذنوب أهل الصف الأول في الصلاة ، وهو الذي يلي الإمام ، ويكرره (ثلاثا) من المرات ، اعتناء بشأنهم (وللثاني مرة)

أي : ويستغفر للصف الثاني مرة واحدة ، إشارة إلى أنهم دون الأول في الفضل ، وسكت عما دون ذلك من الصفوف ، فكأنه كان لا يخصهم بالاستغفار، تأديبا لهم على تقصيرهم وتهاونهم في حيازة فضل ذينك الصفين"

انتهى من "فيض القدير" (5/ 219) .

ورواه النسائي (817) ولفظه :

" كَانَ يُصَلِّي عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثَلَاثًا، وَعَلَى الثَّانِي وَاحِدَةً " .

قال السندي رحمه الله :

" أَي يَدْعُو لَهُم بِالرَّحْمَةِ ، ويستغفر لَهُم ثَلَاث مَرَّات ، كَمَا فعل بالمُحَلِّقين والمُقَصِّرين .

وَالظَّاهِر أَنه دَعَا لَهُم ، أَعم من أَن يكون بِلَفْظ الصَّلَاة أَو غَيره ، وَيحْتَمل خُصُوص لفظ الصَّلَاة أَيْضا "

انتهى من " حاشية السندي على النسائي " (2/ 93) .

يشير رحمه الله بقوله " كَمَا فعل بالمحلقين والمقصرين " إلى ما رواه مسلم (1303) عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ جَدَّتِهِ: " أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً " .

ورواه البخاري (1728) ، ومسلم (1302) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ ؟

قَالَ: ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ ؟، قَالَ: ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله ِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: ( وَلِلْمُقَصِّرِينَ ) ".

وهذا يدل على أن مثل ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ، يعني أنه : ليس من السنة أن يدعو الإمام للصف الأول ثلاث مرات ، وللصف الثاني مرة

ولا أن يدعو الإمام في الحج للمحلقين ثلاثا ، وللمقصرين مرة ، وإنما هو شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم لبيان فضل الصف الأول على الثاني

وفضل الثاني على ما يليه من الصفوف ، ولبيان فضل التحليق على التقصير ، ولحث المسلمين على فعل الأفضل .

ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين والمقصرين ليس خاصا بالصحابة ، وإنما هو دعاء شامل لجميع الأمة ، كما ذكر ذلك ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (7/469) الشاملة

فلا يبعد أن يقال ذلك أيضا في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للصفين الأول والثاني .

وهذا كما روى أبو داود (664) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ) ولفظ النسائي (811) : (على الصفوف المتقدمة) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال السندي :

"( عَلَى الصُّفُوف الْمُتَقَدِّمَة ) أَيْ عَلَى الصَّفّ الْمُتَقَدِّم فِي كُلّ مَسْجِد ، أَوْ فِي كُلّ جَمَاعَة ، فَالْجَمْع بِاعْتِبَارِ تَعَدُّد الْمَسَاجِد ، أَوْ تَعَدُّد الْجَمَاعَات ، أَوْ الْمُرَاد الصُّفُوف الْمُتَقَدِّمَة عَلَى الصَّفّ الْأَخِير

فَالصَّلَاة مِنْ اللَّه تَعَالَى تَشْمَل كُلّ صَفّ عَلَى حَسْب تَقَدُّمه ، إِلَّا الْأَخِير فَلَا حَظّ لَهُ مِنْهَا، لِفَوَاتِ التَّقَدُّم ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم" انتهى .

فهذا الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم موافق لصلاة الله تعالى وملائكته على الصفوف المتقدمة ، فيكون الله تعالى وملائكته ورسوله صلى الله عليه وسلم يصلون على الصف الأول والثاني .

والحاصل :

أنه لا يظهر من السنة ، أو فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والأئمة من بعده : أن يدعو الإمام لأصحاب الصف الأول ثلاثا ، ولأصحاب الصف الثاني مرة ، لا سرا ولا جهرا .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-17, 18:32
الشك الوارد في حديث : ( .. رَأَى فِي جِدَارِ القِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً، فَحَكَّهُ ).

السؤال:

في الوارد في الحديث عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ ، أَوْ مُخَاطًا ، أَوْ نُخَامَةً ، فَحَكَّهُ " ممن وقع الشك ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (407) ، ومسلم (549) من طريق مَالِك، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي جِدَارِ القِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً ، فَحَكَّهُ ".

وقد رواه أحمد (25937) :

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَكَّ مِنَ الْقِبْلَةِ مُخَاطًا، أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً " .

ورواه ابن راهويه في مسنده (607) من طريق أبي معاوية عن هشام به .

فتابع ابن نمير وأبو معاوية مالكا ، فدل ذلك على أن الشك من هشام أو أبيه أو عائشة رضي الله عنها .
وبتتبع طرق الحديث لم يتبين ممن الشك على التعين .

ثانيا :

قال الحافظ في " الفتح " (1/ 509):

" قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ)

كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ بِالشَّكِّ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ (أَوْ نُخَاعًا) بَدَلَ (مُخَاطًا) وَهُوَ أَشْبَهُ .

و" النُخَامَةٌ قِيلَ هِيَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الصَّدْرِ، وَقِيلَ النُّخَاعَةُ بِالْعَيْنِ مِنَ الصَّدْرِ وَبِالْمِيمِ مِنَ الرَّأْسِ "

انتهى من " فتح الباري " (1/ 508) .

وقد ورد الحديث من وجوه أخرى ، بذكر البصاق والنخامة ، ولا ذكر في شيء منها للمخاط:

فروى البخاري (406) ، ومسلم (547) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى

اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ القِبْلَةِ، فَحَكَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلاَ يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى) .

وروى أحمد (6306) من طريق مُحَمَّد بن إسحاق حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ حَصَاةٌ، يَحُكُّ بِهَا نُخَامَةً رَآهَا فِي الْقِبْلَةِ، وَيَقُولُ: ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ تُجَاهَهُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا صَلَّى، فَإِنَّمَا قَامَ يُنَاجِي رَبَّهُ تَعَالَى ) " .

وحسنه محققو المسند .

وروى البخاري (414) ، ومسلم (548) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ ، ثُمَّ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ ، أَوْ أَمَامَهُ، وَلَكِنْ يَبْزُقُ، عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى " .
وروى أحمد (11185) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ الْعَرَاجِينُ أَنْ يُمْسِكَهَا بِيَدِهِ ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ذَاتَ يَوْمٍ وَفِي يَدِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا ، فَرَأَى نُخَامَاتٍ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ

فَحَتَّهُنَّ بِهِ حَتَّى أَنْقَاهُنّ َ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ مُغْضَبًا، فَقَالَ: ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ رَجُلٌ فَيَبْصُقَ فِي وَجْهِهِ ، إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمَلَكُ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَا يَبْصُقْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ

وَلْيَبْصُقْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى أَوْ عَنْ يَسَارِه ِ، فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ بَادِرَةٌ فَلْيَقُلْ هَكَذَا ) وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ " .

قال محققو المسند : إسناده قوي .

وروى مسلم (550) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :

" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: ( مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَه ُ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ ) " .

والله تعالى أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-08-17, 18:35
فضل تنظيف المسجد

السؤال

ما هو أجر تنظيف وترتيب المسجد ؟ والاهتمام بالإمام ؟.

الجواب

الحمد لله

الاعتناء بالمسجد وترتيب ما فيه من فرش ونحوها أمر محمود مرغب فيه ، وفاعله مثاب عند الله على هذا العمل الصالح .

وقد أمر الله تعالى بتعظيم المساجد في قوله : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ) النور/36-37 .

قال السيوطي : في هذه الآية الأمر بتعظيم المساجد وتنزيهها عن اللغو والقاذورات اهـ . من تفسير القاسمي (12/214) .

ومما يدل على فضل من اعتنى بذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا مات قال أفلا كنتم آذنتموني به ؟

دلوني على قبره أو قال قبرها فأتى قبرها فصلى عليها" رواه البخاري 458 ، ومسلم 956 .

ومعنى يقم : أي ينظف

وما رواه أبو داود (455) والترمذي ( 594) وابن ماجة (759) من حديث عائشة قالت : " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور وأن تنظف وتطيب ". وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 487

ومعنى الدُّور : أي الأحياء والقبائل .

وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم البزاق في المسجد خطيئة وأخبر أن كفارتها دفنها ، ففي الصحيحين من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البزاق في المسجد خطيئة ، وكفارتها دفنها " رواه البخاري 415 ، ومسلم 552 .

وروى النسائي (728) وابن ماجة (762) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمر وجهه ، فجاءته امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن هذا " والحديث صححه الألباني في صحيحي النسائي وابن ماجة .

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أزال ذلك بنفسه كما في الصحيحين من حديث عائشة قالت "رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكها " رواه البخاري 407 ومسلم 549 .

وروي في فضل ذلك أحاديث ضعيفة نذكرها لبيان ضعفها ، وفيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كفاية ، فروى أبو داود ( 461 ) والترمذي ( 2916 ) حديث "

عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد " والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي .

وروى ابن ماجة (757) حديث " من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة " والحديث ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة .

وأما الاهتمام بالإمام فقد قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه : " فَلا يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ الْعَالِي الْقَدْرِ عَنْ دَرَجَتِهِ ، وَلا يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ فِي الْعِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ ، وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ

وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ" اهـ .

فإذا كان الإمام من أهل الفضل والعلم والصلاح فمحبته والاهتمام به يدخل في عموم محبة الصالحين وإكرامهم ، وهذا عمل صالح .

لكن يجب التنبه إلى أنه لا يجوز أن يصل الأمر إلى التبرك بشخص الإمام أو ذاته أو التمسح به كما يفعل البعض ، فإن هذا لم يكن من هدي المسلمين الأوائل مع أئمتهم وعلمائهم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-17, 18:40
لا يؤاخذ الإنسان بما نطق به من السوء، إذا كان خطأ، أو نسيانا، أو كرها .

السؤال:

قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان) ، لكنه أيضا قال : في حديث لمعاذ عندما قال: " وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟

قال : ( ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ؟)

وقال في حديث ثالث :( إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم ) فهل المقصود في الحديثين الثاني والثالث هو الحرام الذي ينطق به الإنسان عن قصد أم الكلام سواء كان مقصودا أوغير مقصود ؟

لأنه إن لم يكن كذلك فإنهما يعارضان الحديث الأول .

الجواب:

الحمد لله

روى ابن ماجة (2043) عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) .صححه الأولباني في "صحيح ابن ماجة" .

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (5/161) :

" وَهُوَ حَدِيث جَلِيل ، قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نِصْف الْإِسْلَام ، لِأَنَّ الْفِعْل إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ أَوْ لَا ، الثَّانِي مَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ فَهَذَا الْقِسْم مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقٍ " انتهى .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

" معناه : أن الله تعالى أكرم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته بأن لا يؤاخذ أحدا منهم ارتكب محظورا أو ترك واجبا خطأ أو نسيانا ، لا يكون بذلك في حكمه تعالى آثما "

انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (4 /401) .

وروى الترمذي (2616) وصححه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟

فَقَالَ : ( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ؛ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ ) " وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"

وروى البخاري (6478) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ

وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ) .

وروى الترمذي (2314) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ).

وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

وروى الترمذي (2319) عن بِلَال بْن الحَارِثِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ

وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ) .

وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

قال الباجي رحمه الله :

" (مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ) يُرِيدُ: لَا يَعْبَأُ بِهَا ، وَيَسْتَخِفُّهَا، فَلَا يُعَاجِلُ النَّدَمَ عَلَيْهَا وَالتَّوْبَةَ مِنْهَا "

انتهى من " المنتقى " (7/ 310) .

والحاصل :

أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث ، وعدم المؤاخذة بالخطأ والنسيان ؛ فإن هذا القائل : ليس مخطئا ، ولا ناسيا ؛ بل هو متعمد لكلام السوء

قاصد له ، مستخف بأمره ، وما عليه فيه عند الله ؛ ولم يكن في حسبانه أن يؤاخذ بها تلك المؤاخذة ، ولا يعذب عليها ذلك العذاب كله
.
قال النووي رحمه الله :

" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّن مَا فِيهَا يُهْوَى بِهَا فِي النَّار ) : مَعْنَاهُ لَا يَتَدَبَّرهَا ، وَيُفَكِّر فِي قُبْحهَا , وَلَا يَخَاف مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا

, وَهَذَا كَالْكَلِمَةِ عِنْد السُّلْطَان وَغَيْره مِنْ الْوُلَاة , وَكَالْكَلِمَةِ تُقْذَف ، أَوْ مَعْنَاهُ كَالْكَلِمَةِ الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِضْرَار مُسْلِم وَنَحْو ذَلِكَ "

انتهى من "شرح صحيح مسلم" .

وقال الزرقاني رحمه الله :

" ( ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ) من المؤاخذة بها "

انتهى من "شرح الموطأ" (4/516) .

وينظر أيضا : "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/35) .

والقصد من ذلك : أن يعتني العبد بلسانه ، ويعلم خطره عليه ، وما للكلمة من شأن عند الله عز وجل ، فلا يلقيها جزافا ، كيفما اتفق .

قال النووي رحمه الله ، في شرح هذا الحديث :

" وَهَذَا كُلّه حَثّ عَلَى حِفْظ اللِّسَان كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت) وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ النُّطْق بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلَام أَنْ يَتَدَبَّرهُ فِي نَفْسه قَبْل نُطْقه ، فَإِنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَته تَكَلَّمَ ، وَإِلَّا أَمْسَكَ " انتهى .

وقال ابن بطال رحمه الله ، بعد ذكر هذا الحديث في ( باب حفظ اللسان ):

" ما أحق من علم أن عليه حفظةً موكلين به ، يُحصون عليه سقط كلامه ، وعثرات لسانه : أن يخزنه ، ويقل كلامه فيما لا يعنيه ، وما أحراه بالسعي في ألا يرتفع عنه ما يطول عليه ندمه

من قول الزور ، والخوض في الباطل ، وأن يجاهد نفسه في ذلك ، ويستعين بالله ، ويستعيذ من شر لسانه " .

انتهى، من "شرح صحيح البخاري" (10/185) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-17, 18:47
إذا نوى نية جامعة ، هل يثاب عليها ، وإن لم يكن قد فعل ما نواه بعدُ ؟

السؤال:

لدي سؤال عن النية الجامعة ، وأقصد بذلك هل يجوز للإنسان أن ينوي نية جامعة عن شيء لبقية حياته ؟

كأن ينوي أن كل طعام يطعمه إن كان من حلال فهو ليقويه على عبادة الله فيأخذ بذلك الأجر.

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (1) ، ومسلم (1907) عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى )

فأفاد هذا الحديث الجامع أنه لا بد من عمل ونية ، فالنية المجردة عن العمل لا تكفي ، والعمل المجرد عن النية لا يكفي ، حتى ينوي ويعمل .

ثانيا :

الأمور المباحة إذا وقعت من غير نية : لم يؤجر عليها صاحبها ، وإنما تلتحق بالعبادات ، ويؤجر عليها صاحبها إذا نوى بها القربة إلى الله تعالى .

وهذا هو ما يعنيه الفقهاء بقولهم : إن النية شرعت لتمييز العبادات عن العادات ، يعني : فيما يدخله أمور العبادات والمباحات ، ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض

فيميز المكلف بنيته : هل صلاته هذه نافلة أو فريضة ، وصدقته هذه: زكاة ماله، أو هي من باب النوافل ، وهلم جرا .

قال الشيخ تاج الدين السبكي رحمه الله :

" النية : لتمييز العبادات عن العادات ، ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض.

فالأول: كالجلوس في المسجد، يتردد بين الجلوس للاعتكاف ، والجلوس للاستراحة، وكالوضوء والغسل يتردد بين التبرد والتنظيف والقربة فلولا النية لما تميزت العبادة عن غيرها ولا حصلت "

انتهى من "الأشباه والنظائر" لابن السبكي (1/57) .

ويقول ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله :

" النيةُ في كلام العُلماء تقعُ بمعنيين:

أحدهما: بمعنى تمييز العباداتِ بعضها عن بعضٍ، كتمييزِ صلاة الظُّهر مِنْ صلاةِ العصر مثلاً، وتمييزِ صيام رمضان من صيام غيرِه .

أو تمييز العباداتِ مِنَ العادات ، كتمييز الغُسلِ من الجَنَابةِ مِنْ غسل التَّبرُّد والتَّنظُّف، ونحو ذلك .

وهذه النيةُ هي التي تُوجَدُ كثيراً في كلامِ الفُقهاء في كتبهم.

والمعنى الثاني: بمعنى تمييزِ المقصودِ بالعمل، وهل هو لله وحده لا شريكَ له، أم غيره، أم الله وغيرُه ، وهذه النيّة هي التي يتكلَّمُ فيها العارفُونَ في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه،

وهي التي تُوجَدُ كثيراً في كلام السَّلَفِ المتقدّمين".

انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/63) .

ثم قال :

" وأمَّا النِّيَّةُ بالمعنى الذي يذكره الفُقهاءُ ، وهو أنَّ تمييزَ العباداتِ من العاداتِ ، وتمييز العباداتِ بعضها مِنْ بعضٍ ، فإنَّ الإمساكَ عنِ الأكلِ والشُّربِ يقعُ تارةً حميةً

وتارةً لعدمِ القُدرةِ على الأكل ، وتارةً تركاً للشَّهواتِ للهِ عز وجل ، فيحتاجُ في الصِّيامِ إلى نيَّةٍ ليتميَّزَ بذلك عَنْ تركِ الطَّعامِ على غير هذا الوجه.

وكذلك العباداتُ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ ، منها فرضٌ ، ومنها نفلٌ .

والفرضُ يتنوَّعُ أنواعاً ، فإنَّ الصَّلواتِ المفروضاتِ خمسُ صلواتِ كلَّ يومٍ وليلةٍ ، والصَّومُ الواجبُ تارةً يكونُ صيامَ رمضان، وتارةً صيامَ كفارةٍ ، أو عن نذرٍ، ولا يتميَّزُ هذا كلُّه إلاَّ بالنِّيَّةِ، وكذلك الصدقةُ، تكونُ نفلاً

وتكونُ فرضاً، والفرضُ منه زكاةٌ، ومنه كفَّارةٌ ، ولا يتميَّزُ ذلكَ إلاَّ بالنِّيَّةِ ، فيدخلُ ذلك في عمومِ قوله صلى الله عليه وسلم: ( وإنَّما لكل امرىءٍ ما نَوى ) "

انتهى من "جامع العلوم" (1/86) .

ثالثا :

إذا كانت الأعمال العادية ، والمباحات ، إنما تتحول إلى طاعة وقربة بالنية ؛ فإن من شرط النية في العبادات ، وما جرى مجراها : أن تقترن بأول العمل ، لأن النية قبل أوان الشروع في العمل

هي عزم على عمل في المستقبل ، وقد ينفسخ العزم ، وقد تتخلف النية ، وقد يتخلف العمل ، فلا يثبت لشيء من ذلك حكم العبادة ، حتى يوقعها بقصد القربة إلى الله تعالى عند عملها .

فإذا خلا العمل عن هذه النية عند الشروع فيه : لم يصبح قربة ، وإنما هو من جملة المباحات والعادات ونحوها .

قال العز ابن عبد السلام رحمه الله :

" فصل: في وقت النية المشروطة في العبادة :

إذا كان الغرض بالنيات التمييز ، كما ذكرنا : وجب أن تقترن النية بأول العبادة ، ليقع أولها مُميَّزا ، ثم يبتنى عليه ما بعده .

إلا أن يشق مقارنتها إياها كما في نية الصوم، وقد اختلف في نية تقديم الزكاة، لما في التوكيل في إخراجها من مصلحة الإخلاص ، ودفع إخجال الفقير من باذلها .

فإن تأخرت النية عن أول العبادة : لم يجز ذلك ، إلا في صوم التطوع ؛ لأن ما مضى يقع مرددا بين العبادة والعادة، أو بين رتب العبادة .

وإن تقدمت النية : فإن استمرت [ يعني : إن بقي على ذكر لنيته ] إلى أن شرع في العبادة : أجزأه ما اقترن منها بالعبادة .

وإن انقطعت النية قبل الشروع في العبادة : لم تصح العبادة ؛ لترددها .

فإن قرُب انقطاعها : أجزأت عند بعض العلماء ، وفيه بعد ؛ لأنها إذا انقطعت : وقع ابتداء العبادة مُرَدَّدا ؛ فإن اكتفى بالنية السابقة ، فلا فرق بين بعيدها وقريبها ، لتحقق تردد ابتداء العبادة مع القرب والبعد "

انتهى من "قواعد الأحكام" ـ الطبعة المحققة ـ (1/318).

وينظر : "الأشباه والنظائر" للسيوطي (24) .

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) الحديث، فهل يجوز للمسلم أن ينوي نيةً واحدة لجميع الأعمال التي يقوم بها في المستقبل؛ لأنه يصعب عليه إحضار النية عند كل عمل، أم أن لكل عمل نية مستقلة؟

فأجاب :

" كل عمل له نية، ولا يكفي النية العامة، الصلاة لها نية، والصوم له نية، وعيادة المريض لها نية، وهكذا كل شيء له نية، فلا بد من النية في أعمالك العبادية "

انتهى من " موقع الشيخ ابن باز" .

والحاصل :

أنه لا تكفي نية واحدة عن جميع أعماله العادية ونحوها ، بل لابد له في كل عمل من نية ، حتى تصح له على وجه القربة .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

ابن الجزائر11
2018-08-18, 14:51
بارك الله فيك أخي

عبدالرحمان المهاجر
2018-08-19, 17:46
جزاك الله خيرا

*عبدالرحمن*
2018-08-25, 10:15
بارك الله فيك أخي

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-08-25, 10:16
جزاك الله خيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-08-25, 10:20
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

لماذا خُص النساء بكثرة اللعن ، مع أنه الآن يجود من الرجال بكثرة؟

السؤال:

في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن النساء أنهن : ( يكثرن اللعن ) ، والآن أصبح الشباب والرجال يلعنون بكثرة ، فما معنى هذا نرجوا التوضيح ؟

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (1462) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال : ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ، تَصَدَّقْنَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ) ، فَقُلْنَ : وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ ) .

وتخصيص النساء بأنهن يكثرن اللعن ، لا يلزم منه أنه لا يصدر من بعض الرجال بكثرة ، لكن المراد : أنه في جنس النساء أكثر منه في جنس الرجال ، حتى صار اللعن وكأنه عادة للنساء ، كما سيأتي في كلام القاري رحمه الله .

ثم إن لفظ ( اللعن ) الوارد في الحديث ، غير مقتصر على اللفظ المعروف ، بل هو أعم من ذلك ، فيشمل : السب والشتم والدعاء والكلام القبيح .

جاء في " لسان العرب " (13/387) :

" واللَّعْنُ : الإِبْعادُ والطَّرْد مِنَ الْخَيْرِ ، وَقِيلَ : الطَّرْد والإِبعادُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنَ الخَلْق : السَّبُّ والدُّعاء " انتهى .

وينظر أيضاً " النهاية في غريب الحديث والأثر " لابن الأثير رحمه الله (4/255) .

جاء في : " مرقاة المفاتيح " لملا القاري (1/93) :

" ( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ) أَصْلُهُ إِبْعَادُ اللَّهِ تَعَالَى الْعَبْدَ مِنْ رَحْمَتِهِ بِسَخَطِهِ ، وَمِنَ الْإِنْسَانِ الدُّعَاءُ بِالسخط وَالْإِبْعَادِ ، عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ....
.
وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّتْمِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ ، يَعْنِي : عَادَتُكُنَّ إِكْثَارُ اللَّعْنِ وَالشَّتْمِ وَالْإِيذَاءِ بِاللِّسَانِ " انتهى .

واللعن بهذا الاعتبار العام ، لا شك أنه في النساء أكثر منه في الرجال .

على أن بعض العلماء لم يحمل الحديث على العموم في كل زمان ومكان ، وإنما حمله على نساء العرب حينما قال لهن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث .

قال القرطبي رحمه الله :

"(تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وتَكْفُرْنَ العشيرَ) ، أي : يدور اللعنُ على ألسنتهنَّ كثيرًا لمن لا يجوزُ لعنه ؛ وكأنَّ هذا كان عادةً جاريةً في نساء العرب ، كما قد غَلَبَتْ بعد ذلك على النساءِ والرجال

حتَّى إنَّهم إذا استحسنوا شيئًا ربَّما لعنوه ، فيقولون : "ما أشعرَهُ! لَعَنَهُ الله!!" انتهى من "المفهم" .

وهذا الحديث من أحاديث الوعيد على فعل معين ، فكل من فعل هذا الفعل فهو مستحق لهذا الوعيد .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-25, 10:24
إذا طلعت الشمس من مغربها هل يراها الناس كلهم أجمعون في وقت واحد ؟

السؤال:

هل طلوع الشمس من مغربها يراها جميع الناس ، وجميع الدول ، بدون استثناء ، وفي نفس الوقت ، مع أن شروقها يختلف من دولة لأخرى ؟

الجواب:

الحمد لله

من علامات الساعة الكبرى: طلوع الشمس من مغربها ، بدلا من طلوعها كعادتها من المشرق ، فإذا رآها الناس: آمنوا كلهم أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت في إيمانها خيرا .

قال الله عز وجل :( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ) الأنعام/158.

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" وقد تكاثرت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد ببعض آيات الله : طلوع الشمس من مغربها ، وأن الناس إذا رأوها آمنوا ، فلم ينفعهم إيمانهم ، ويُغلق حينئذ بابُ التوبة " انتهى

من " تفسير السعدي " (ص281) .

وروى البخاري (4635) ، ومسلم (157) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا

فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ ، آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا ، فَذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ).

وفي رواية للبخاري (3646) : ( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ ) .
فدل قوله : (فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ : آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا )

وفي الرواية الأخرى : ( فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ : آمَنُوا أَجْمَعُونَ ) على أن كل من على الأرض من الناس يرونها وهي تطلع من مغربها ، فيؤمنون جميعا.

قال الحافظ رحمه الله :

" قَوْلُهُ (فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ) : وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّفْسِيرِ (فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا) أَيْ : عَلَى الْأَرْضِ مِنَ النَّاسِ " .

انتهى من " فتح الباري " (11/ 353)

وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، أن من شروط التوبة :

" أن تكون في الزمن الذي تقبل فيه ، وذلك بأن تقع قبل الغرغرة ، قبل حضور الأجل، وهذا زمن خاص باعتبار كل أحد بنفسه .

وكذلك أيضاً تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، وهذا زمن عام ، فإن الشمس إذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم ، وتابوا ورجعوا لكن (لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) "

انتهى من " الشرح الممتع " (5/ 204) .

وإذا كان الناس يرونها ، في جميع البلدان ، بلا استثناء ؛ فمن المحتمل أن الناس يرون في كل بلد ، بحسب مطلعهم ، ووقت شروقهم ، كما كانوا يرونها كل يوم

وإن كانت قد خالفت بهم هذه المرة ، فخرجت من المغرب ، بدلا من أن تخرج من المشرق ؛ فيكون اختلال النظام إنما هو في جهة طلوعها وشروقها ، وليس في توقيتها المعتاد كل يوم .

وهذا هو الظاهر المتبادر .

ولا مانع ـ أن تظهر لأهل الأرض جميعا ، في وقت واحد ، وقد طلعت من مغربها ، بكيفية لا يعلمها إلا الله ، ويكون ذلك من جملة الآيات ، ومظاهر اختلال نظام الكون كله ؛ والله على كل شيء قدير .

روى أحمد (6881) عن عبد الله بن عمرو قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ ضُحًى

فَأَيَّتُهُمَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى أَثَرِهَا ) ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ - وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ -: " وَأَظُنُّ أُولَاهَا خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا

وَذَلِكَ أَنَّهَا كُلَّمَا غَرَبَتْ أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ فَسَجَدَتْ، وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَأُذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ، حَتَّى أراد الله أَنْ تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَعَلَتْ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ: أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ فَسَجَدَتْ، وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ

ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَذْهَبَ، وَعَرَفَتْ أَنَّهُ إِنْ أُذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ، لَمْ تُدْرِكِ الْمَشْرِقَ، قَالَتْ: رَبِّ، مَا أَبْعَدَ الْمَشْرِقَ

مَنْ لِي بِالنَّاسِ؟ حَتَّى إِذَا صَارَ الْأُفُقُ كَأَنَّهُ طَوْقٌ، اسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَيُقَالُ لَهَا: مِنْ مَكَانِكِ فَاطْلُعِي، فَطَلَعَتْ عَلَى النَّاسِ مِنْ مَغْرِبِهَا "

ثُمَّ تَلَا عَبْدُ اللهِ هَذِهِ الْآيَةَ: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) " .

وصححه محققو المسند على شرط الشيخين.

والمؤمن يؤمن بما جاء في الكتاب والسنة ، ويترك كيفية حدوث ذلك إلى علم الله وقدرته، ويعلم أن الله على كل شيء قدير ، فينظر فيما جاء من الأخبار

فيؤمن بها ، ويعمل بمقتضاها، ولا يشغل نفسه بما وراء ذلك من الكيفيات التي لا طائل تحتها .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-08-25, 10:30
شرح حديث عمران بن حصين : واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر أهله .

السؤال :

ما معنى هذا الحديث ، ولا سيما قوله فيه : ( واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر أهله .. ) ؟ عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" إني لَأُحدِّثُكَ بالحديثِ اليومَ، لِينفعَك اللهُ عزَّ وجلَّ به بعدَ اليومِ، اعلمْ أنَّ خيرَ عبادِ اللهِ تبارك وتعالى يومَ القيامةِ الحمَّادونَ، واعلمْ أنه لن تزالَ طائفةٌ من أهلِ الإسلامِ يُقاتِلون على الحقِّ، ظاهرين على من ناوَاهم، حتى يقاتِلوا الدَّجَّالَ

واعلمْ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قد أعمر أهلَه في العشرِ، فلم تنزلْ آيةٌ تنسخُ ذلك ، ولم ينهَ عنه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حتى مضى لوجهِه، ارتأَى كلُّ امرئٍ، بعدُ، ما شاء أن يَرتئِيَ" "السلسلة الصحيحة " (1584) .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى مسلم (1226) عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: " إِنِّي لَأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ

فَلَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ، ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ، بَعْدُ مَا شَاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ " .

ورواه أحمد (19895) عَنْ مُطَرِّفٍ ولفظه : قَالَ لِي عِمْرَانُ: " إِنِّي لَأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ لِيَنْفَعَكَ اللهُ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ ، اعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلُوا الدَّجَّالَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ، فَلَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ

وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ ؛ ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ بَعْدَمَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْتَئِيَ " وصححه محققو المسند على شرط الشيخين .

ثانيا :

تقدم في جواب ا أن قوله : " خَيْرَ عِبَادِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ " الصحيح أنه موقوف من قول عمران رضي الله عنه ، وكذا صح من قول مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله

ولا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

و(الحمادون) : أي الذين يكثرون حمد الله على السراء والضراء.

"فيض القدير" (2/ 428) .

ثالثا :

قوله : (وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، حَتَّى يُقَاتِلُوا الدَّجَّالَ) .
صح مرفوعا ، رواه أبو داود (2484) عن عمران مرفوعا

ولفظه : ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ) .

وروى البخاري (7311) ، ومسلم (156) عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ) .

وروى مسلم (1920) عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ) .

قال النووي رحمه الله :

" يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مُفَرَّقَةٌ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْمُؤْمِنِينَ ، مِنْهُمْ شُجْعَانٌ مُقَاتِلُونَ، وَمِنْهُمْ فُقَهَاءُ، وَمِنْهُمْ مُحَدِّثُونَ، وَمِنْهُمْ زُهَّادٌ

وَآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفَ وَنَاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمِنْهُمْ أَهْلُ أَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنَ الْخَيْرِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ، بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ " .

انتهى من "شرح النووي على مسلم" (13/ 67) .

وقال القاري رحمه الله :

" (ظَاهِرِينَ) : أَيْ: غَالِبِينَ مَنْصُورِينَ ، أَوْ مَعْرُوفِينَ مَشْهُورِينَ (حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ) : أَيِ: الْمَهْدِيُّ وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَتْبَاعُهُمَا (الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ) :

وَيَقْتُلُهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ ، بِبَابٍ لدّ ، مِنْ بَيَتِ الْمَقْدِسِ حِينَ حَاصَرَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِمُ الْمَهْدِيُّ "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (6/ 2474) .

رابعا :

قوله : (وَاعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ... الخ) .

معنى (أعمر أهله) أي : جعلهم يعتمرون . والمراد بـ (العشر) : عشر ذي الحجة.

وأراد عمران بن الحصين رضي الله عنه ذلك ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحض الناس على الفصل بين الحج والعمرة ، فيحجون في سفرة

ويعتمرون في سفرة أخرى ، حتى يكون البيت معمورا طوال العام ، وفهم طائفة من الصحابة رضي الله عنهم - ومنهم عمران بن حصين - أنه ينهى عن التمتع

فبيّن عمران في حديثه هذا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر أهله في عشر ذي الحجة ، وحجوا لعامهم ، فصاروا متمتعين

ثم قال : (فَلَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ ؛ ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ بَعْدُ مَا شَاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ) .

والمراد تعريضه بعمر : أنَّ مَنْعَه التمتع رأيٌ رآه هو ، لا يصح أن تعارض به السُّنَة الثابتة. و"ارتأى": افتعال من الرأي.
قال البيهقي رحمه الله في "سننه" (5/ 22):

" قَصْدُهُ : بَيَانُ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَرُ، أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، سَوَاءٌ جَمَعَ بَيْنَهَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ "

انتهى من "شرح عمدة الفقه" (2/ 524) .

وقال أيضا :

" و " مُتْعَةُ الْحَجِّ " : قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا، وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ: لَمْ يُحَرِّمْهَا؛ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالْأَفْضَلِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَحَدُهُمْ مِنْ دويرة أَهْلِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ

فَإِنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (33/ 95) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" اخْتِيَارُهُ لِلنَّاسِ الْإِفْرَادَ بِالْحَجِّ، لِيَعْتَمِرُوا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. فَلَا يَزَالُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ مَقْصُودًا، فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، وَأَنَّهُ أَوْجَبَ الْإِفْرَادَ " .

انتهى من "الطرق الحكمية" (ص 19) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" كان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ينهي عن المتعة ؛ لأنه يحب أن يعتمر الناس في وقت، وأن يحجوا في وقت ، حتى يكون البيت دائماً معموراً بالزوار، ما بين معتمرين وحجاج

فعل هذا اجتهاداً منه رضي الله عنه ، وهو من الاجتهاد المغفور، وإلا فلا شك أن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام أولي "

انتهى من "شرح رياض الصالحين" (1/ 153) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-25, 10:35
كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه إذا أرد السفر؟

السؤال:

كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه في السفر؟

هل كانت بكتابة الأسماء ثم سحبها من آنية أم ماذا ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (2593) ، ومسلم (2770) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِه ِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ " .

وهذا من تمام عدله صلى الله عليه وسلم بين زوجاته رضي الله عنهن ، وحسن عشرته .

ثانيا :

أما صفة القرعة التي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم نقف في بيان ذلك على شيء صريح من حديث مسند ؛ لكن ذكر العلماء أنه يكتب أسماء المقترعين في ورقة أو نحوها

ويجعلها في حجره ، أو في إناء ، ثم يأمر أحدا أن يأخذ ورقة منها ، فمن خرج اسمه كان هو المستحق.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْله: (أَقرع بَين نِسَائِهِ) ، (وَكَانَت قرعَة) ، (اقتسم الْمُهَاجِرُونَ قرعَة) هِيَ رمي السِّهَام على الخطوط ، وَصفته أَن يكْتب الْأَسْمَاء فِي أَشْيَاء، ويخرجها أَجْنَبِي ؛ فَمن خرج اسْمه اسْتحق "

انتهى من "فتح الباري" (1/ 172)

وانظر : " الحاوي " للماوردي (16/254) .

ولم يأت الشرع بتحديد طريقة معينة للقرعة ، فبأي طريقة تمت فهو جائز .

قال الزركشي رحمه الله :

" كيفما أقرع : جاز "

انتهى من "شرح الزركشي على الخرقي" (7/ 455) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" أيُّ طريق أقرع به : فإنَّه جائز؛ لأنَّه ليس لها كيفيَّة شرعيَّة ، فيرجع إلى ما اصطلحا عليه "

انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 55) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-25, 10:41
هل حديث (لم يكمل من النساء إلا أربع) صحيح ، وما المقصود بالكمال، وهل انقطع الكمال في هذه الأمة ؟

السؤال:

حديث : ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع ..) ؛ ما المقصود بالكمال هنا ؟

وهل هناك رجال كاملون في هذا الزمن ، أم فقط انتهى الكمال بعد العصر النبوي والصحابة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

هذا الحديث رواه البخاري (3411) ، ومسلم (2431) وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد والمصنفات من طريق شُعْبَةَ بن الحجاج، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ).

ورواه عن شعبة بن الحجاج -باللفظ السابق أو نحوه - جمعٌ من الثقات.

ينظر: "المسند المصنف المعلل" (29/635)

"المسند الجامع" (11/451).

قد ورد الحديث بلفظ : (كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلّا أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد

وفاطمة بنت محمد )

انتهى من "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" للثعلبي (27/71).

وهذه رواية شاذة ضعيفة لمخالفتها لرواية الثقات من أصحاب شعبة بن الحجاج .

وفي سندها : الحسين بن محمد بن فنجويه شيخ الثعلبي ، قال عنه الذهبي : " كَانَ ثقة، صدوقًا ، كثير الرواية للمناكير".

انتهى من "تاريخ الإسلام" (9/234) .

فالصواب أن الحديث ليس فيه كلمة (أربع) ، وأن المستثنى من النساء هما فقط ( آسية امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ).

ثانياً :

المراد من الكمال في هذا الحديث : بلوغ الغاية الممكنة ، في التقوى والفضائل والأخلاق والخصال الحميدة.

قال النووي :

" والمُرَادُ هُنَا : التَّنَاهِي فِي جَمِيعِ الْفَضَائِلِ وَخِصَالِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى".

انتهى من " شرح صحيح مسلم" (15/198).

وقال الصنعاني

: ( كمل من الرجال كثير) في الدين ، إذ هو الكمال الحقيقي ، ويقال: كمال المرء في سنة العلم والحق والعدل والصواب والصدق والأدب ، والكمال في هذه الخلال موجود في كثير من الرجال بفضل العقول وتفاوتها "

. انتهى من "التنوير شرح الجامع الصغير" (8/239).

وقال القرطبي :

" ولا شك أن أكمل نوع الإنسان : الأنبياء ، ثم تليهم الأولياء ، ويعني بهم : الصديقين ، والشهداء ، والصالحين".

انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (20/72).

ولا شك أن هذه المرتبة من الكمال وصل لها الكثير من الرجال ، بخلاف النساء .

فالرجال كان منهم الرسل والأنبياء ، وأعداد لا تحصى من الشهداء والصديقين والأولياء ، وكثير من هؤلاء بلغ الغاية في الكمال في هذه المراتب .

بخلاف النساء ؛ فهن وإن كان فيهن صديقات وصالحات ؛ إلا أنه لم يبلغ منهن مرتبة الكمال فيها إلا أقل القليل .

قال الشيخ ابن باز مبينا معنى (الكمال) :

" يعني في الصفات الإنسانية التي مدحها الله وأثنى على أهلها من: العلم ، والجود ، والاستقامة على دين الله ، والشجاعة في الحق ، وغير ذلك من الصفات العظيمة ، التي مدحها الله سبحانه

وأثنى على أهلها ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أكمل الناس في ذلك هم الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وأكملهم وأفضلهم هو خاتمهم وإمامهم: محمد صلى الله عليه وسلم "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/398).

ثالثاً :

لا شك أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي أفضل الأمم على الإطلاق ، فلا تخلو من وجود من بلغ درجة الكمال من الرجال والنساء ، ولا يبعد وجود هؤلاء في كل زمان ومكان ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

وليس ثمة ما يمنع من وجود الكُمّل من الرجال والنساء بعد عصر النبوة والصحابة، من أمثال التابعين وأتباعهم، وعلماء الأمة إلى يوم الناس هذا.

ولذلك ذكر معظم شراح الحديث أن المراد من هذا الحديث : الأمم السابقة .

قال القرطبي:

" ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لأحد من نساء زمانه ، إلا لعائشة خاصة ، فإنَّه فضلها على سائر النساء"

انتهى من "المفهم" (20/73).

وقال شيخ الإسلام

: "يَعْنِي مِنْ نِسَاءِ الْأُمَمِ قَبْلَنَا"

انتهى من "الجواب الصحيح" (2/350).

وقال الحافظ ابن حجر:

" فَالْمُرَادُ : مَنْ تقدمَ زمانَه ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ زَمَانِهِ"

انتهى من "فتح الباري" (6/447)

وينظر" شرح النووي على مسلم" (15/199).

وقال القاضي عياض :

" وليس يشعر الحديث بأنه لم يكمل ، ولا يكمل ، ممن يكون في هذه الأمة غيرهما "

انتهى من "إكمال المعلم" (7/440).

وقال ابن كثير :

" وَلَفْظُهُ يَقْتَضِي حَصْرَ الْكَمَالِ فِي النِّسَاءِ فِي مَرْيَمَ وَآسِيَةَ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ فِي زَمَانِهِمَا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَفَلَتْ نَبِيًّا فِي حَالِ صِغَرِهِ، فَآسِيَةُ كَفَلَتْ مُوسَى الْكَلِيمَ، وَمَرْيَمُ كَفَلَتْ وَلَدَهَا عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَه.

فَلَا يَنْفِي كَمَالَ غَيْرِهِمَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، كَخَدِيجَةَ وَفَاطِمَةَ "

انتهى من "البداية والنهاية" (2/431).

وقال السيوطي:

" (كمل من الرِّجَال كثير) أَي من الْأُمَم السَّابِقَة ، (وَلم يكمل من النِّسَاء إلا امْرَأَتَانِ) وَلَا يلْزم مِنْهُ انه لم يكمل من أمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد من النِّسَاء ، بل لهَذِهِ الْأمة مزية على غَيرهَا "

انتهى من "شرح سنن ابن ماجه" (1/236).

وقال الصنعاني :

" "وليس في الاقتصار عليهما حصر للكمال فيهما ".

انتهى من "التنوير شرح الجامع الصغير" (8/239).

وللفائدة ينظر جواب السؤالين القادمين

والحاصل :

أن هذا الحديث لا يقتضي حصر الكمال بالسابقين فقط ، بل قد يكون في هذا الأمة سواء في العصور الغابرة أو فيمن بعدهم من يصل لدرجة الكمال ، من الرجال والنساء .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

sniper hearts
2018-08-26, 12:58
تسلم ايدك عالطرح اخي العزيز

*عبدالرحمن*
2018-08-29, 13:06
تسلم ايدك عالطرح اخي العزيز


الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-08-29, 13:10
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


المقصود بالكمال في حديث لم يكمل من النساء إلا أربعة

السؤال :

هل لكم أن تزودوني بمعلومات إضافية عن الحديث التالي ، جزاك الله خيرا

"حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) صحيح البخاري ، المجلد 5 (كتاب 62)

الجواب :

الحمد لله

أولاً :- اختلف العلماء في معنى كمال النساء ، فقال بعضهم : يعني : كمال النبوة .

قال ابن حجر في " الفتح " :

.. فكأنه قال : لم ينبأ من النساء إلا فلانة وفلانة . " الفتح " ( 6 / 447 ) .

وهذا القول خطأ !

والرد عليه :

أنه وقع في بعض الروايات " وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد " . أخرجه الطبراني .

وقد علمنا يقيناً أن خديجة وفاطمة ليستا نبيتين ، وهما ممن كمل من النساء ، فيكون المراد بـ " كمل من النساء " كمال الولاية وليس كمال النبوة .

قال النووي :

قال القاضي : هذا الحديث يستدل به من يقول بنبوة النساء ونبوة آسية ومريم !!

والجمهور : على أنهما ليستا نبيتين , بل هما صدِّيقتان ووليَّتان من أولياء الله تعالى .

ولفظة ( الكمال ) تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه .

والمراد هنا : التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى .

.. والله أعلم . " شرح مسلم " ( 15 / 198 ، 199 ) .

قال شيخ الإسلام :

وقد ذكر القاضي أبو بكر ، والقاضي أبو يعلى ، وأبو المعالي ، وغيرهم : الإجماع على أنه ليس في النساء نبيَّة .

والقرآن والسنة دلا على ذلك ، كما في قوله تعالى { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى } ، وقوله { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدِّيقة } .

ذكر أن غاية ما انتهت إليه أمه : الصدِّيقيَّة . " مجموع الفتاوى " ( 4 / 396 ) .

ثانياً : حديث " فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران " . رواه احمد ( 11347 ) ، وحسَّن الحافظ ابن حجر إسناده في " الفتح " ( 7 / 111 ) .

فقد ثبت بهذا أن فاطمة خير من آسية ولو كانت آسية نبية : لما كانت فاطمة خيراً منها ؛ لاٌن فاطمة ليست نبيَّة .

ثالثاً : قال الكرماني :

لا يلزم من لفظة الكمال ثبوت نبوتها لأنه يطلق لكمال الشيء أو تناهيه في بابه فالمراد بلوغها النهاية في جميع الفضائل التي للنساء . " الفتح " ( 6 / 447 ) . وهذا هو الراجح في كمال النساء المقصود في الحديث .

رابعاً : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام :

قال ابن القيم :

الثريد مركَّب من لحم وخبز واللحم سيد الآدام ، والخبز سيد الأقوات ، فإذا اجتمعا لم يكن بعدها غاية . زاد المعاد ( 4 /271 ) .

وقال النووي :

قال العلماء : معناه أن الثريد من كلّ الطعام أفضل من المرق , فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد , وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه , والمراد بالفضيلة نفعه , والشبع منه , وسهولة مساغه , والالتذاذ به

, وتيسر تناوله , وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة , وغير ذلك , فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة ، وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة

. وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية ; لاحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه الأمة . "

شرح مسلم " ( 15 / 199 ) .

قال ابن القيم - في مبحث التفضيل بين عائشة وفاطمة - :

فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم ، فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز وجل : فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص ؛ لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح

وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة .

وإن أريد بالتفضيل التفضيل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدّت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها .

وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب : فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير أخواتها .

وإن أريد السيادة : ففاطمة سيدة نساء الأمة .

وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل .

وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يُفصِّل جهات الفضل ولم يوازن بينهما فيبخس الحق ، وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضِّله تكلم بالجهل والظلم . "

بدائع الفوائد " ( 3 / 682 ، 683 ) .

وأما خصائص عائشة فكثيرة ( ينظر السؤال رقم 7878 )

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-08-29, 13:12
ما معنى حديث لم يكمل من النساء إلا أربعة

السؤال:

في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا أربع ) هل هذا الحديث يدل على الماضي والمستقبل ، أقصد

: هل يتضمن الحديث معنى أنه لن تكمل امرأة بعد تلك النسوة الأربع في الزمن القادم أبدا ؟ جزاكم الله خيراً .

الجواب :

الحمد لله

هذا الحديث حديث أبي موسى رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا : آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ )

رواه البخاري (3411) ومسلم (2431)

إنما سيق لبيان أفضيلة هؤلاء النساء على جميع نساء العالمين ، من السابقين واللاحقين ، وليس أفضليتهن على مَن سبقهن من النساء أو مَن كُنَّ في زمانهن فقط ، وذلك أنهن حُزْنَ من المزايا والخصال ما لم يجتمع لامرأة ، لا سابقة ولا لاحقة .

فمريم بنت عمران هي الصديقة التي نفخ فيها الروح الأمين لتنجب واحدا من أولي العزم من الرسل ، وصفها الله عز وجل بقوله : ( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) التحريم/12.

وقال سبحانه وتعالى : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) آل عمران/42.

وآسية امرأة فرعون قتلها فرعون شهيدة بعد أن سامها سوء العذاب ، وذلك لإيمانها برب موسى وهارون ، وضرب الله عز وجل بها المثل

فقال سبحانه : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) التحريم/11.

وأما خديجة وعائشة فخيار أمهات المؤمنين ، وزوجتا خير الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا ، وزوجتاه في الجنة أيضا .

وأما فاطمة رضوان الله عليها ، فهي بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي سيدة نساء أهل الجنة .

فأي فضل يمكن أن تحوزه امرأة بعد ذلك ، حتى تسامي الخيِّرات المذكورات في فضلهن ، وعالي مقامهن ؟!

ويدل على أن مقصود الحديث هو تفضيل المذكورات في الحديث على سائر نساء الأرض حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ )

رواه البخاري (3432) ومسلم (2430)

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ : مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ )

رواه الترمذي (رقم/3878) وقال: حسن صحيح .

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ :

( خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ ، قَالَ : تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ : خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ،

وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَجْمَعِينَ )

رواه أحمد في " المسند " (4/409) وصححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (6/178)

والروايات في هذا الباب كثيرة .

يقول الإمام النووي رحمه الله :

" قوله صلى الله عليه وسلم : ( خير نسائها مريم بنت عمران , وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) ، وأشار وكيع إلى السماء والأرض . أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها ,

وأن المراد به جميع نساء الأرض , أي كل من بين السماء والأرض من النساء " انتهى .

" شرح مسلم " (15/198)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-29, 13:24
شرح حديث : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ )

السؤال:

ابن آدم مدرك الزنا لا محالة ، وهذا يعني بأني لن أرتكب ذنباً إذا نظرت إلى فتاة بشهوة أو قبلتها ، فهذا كان مقدراً لي ، فأرجو الرد على هذا .

الجواب:

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (6243) ، ومسلم (2657) عن أَبي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ

فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) .

ورواه أحمد (10920) ولفظه :

( كُلُّ ابْنِ آدَمَ لَهُ حَظُّهُ مِنَ الزِّنَا ، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا الْيَدَيْنِ الْبَطْشُ، وَزِنَا الرِّجْلَيْنِ الْمَشْيُ، وَزِنَا الْفَمِ الْقُبَلُ ، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ الْفَرْجُ )

وصححه محققو المسند على شرط مسلم .

ثانيا :

قدر الله المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، فجميع الحوادث والأفعال والكائنات لا تقع إلا بمشيئة الله تعالى ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .

وجعل الله تعالى للعبد مشيئة واختيارا ، وهداه إلى طريق الخير وحضه عليه ، وعرفه طريق الشر ونهاه عن سلوكه
.
انظر جواب السؤال القادم

وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه واقع : لا يجوز الاحتجاج به على رفع اللوم عمن يفعله ، وهذا باتفاق المسلمين ، فقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة

أن من علامات الساعة أن يكثر الزنا والكذب وشرب الخمر ، وأن الرجل سيأتي المرأة في الطريق ، والناس ينظرون إليه ، وأن الآخر سيأتي أمه ، فكل هذا مكتوب في اللوح المحفوظ واقع لا محالة

ومعلوم أن كل هذا من كبائر المحرمات ، التي يستحق من فعلها العذاب الشديد ، بل هذا هو شأن أفعال العباد جميعها ، طاعاتهم ، ومعاصيهم ، إيمانهم ، وكفرهم ، كل ذلك في كتاب عند رب العالمين

قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ) القمر/51-53 .

ومن هذا ، ما ذكره السائل من أن ابن آدم كتب عليه أن يصيب شيئا من الزنا ، إما الزنا المجازي وإما الزنا الحقيقي ، فلا يجوز الاحتجاج بهذا الخبر على رفع اللوم عمن فعل ذلك .

فليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين ، وجميع العقلاء ؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال ، وسائر أنواع الفساد في الأرض ، ويحتج بالقدر .

فنتوجه إلى السائل بهذا السؤال : لو أن أحدا ظلمك ، فأخذ مالك وضربك واعتدى عليك ، ثم احتج بالقدر ، وأن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ –

وهو مكتوب فعلا ما دام قد وقع – هل كنت تقبل هذا الاحتجاج منه ؟ أم كنت تلومه على اعتدائه وتعاقبه بما يستحقه ؟

إن الجواب معلوم قطعا ، مما يدل على أن الاحتجاج بالقدر على المعاصي غير صحيح ولا مقبول ببداهة العقول ، وإلا تحولت الدنيا إلى فوضى .

وإنما يسوغ الاحتجاج بالقدر عند المصائب التي تحل بالإنسان كالفقر ، والمرض ، وفقد القريب ، وتلف الزرع ، وخسارة المال ، ونحو ذلك ؛ فهذا من تمام الرضا بالله رباً ، فالاحتجاج بالقدر إنما يكون على المصائب ، لا المعائب .

انظر جواب السؤال بعد القادم

وعلى هذا : فقول القائل : إنه لا يرتكب إثما إذا نظر إلى المرأة بشهوة ... إلخ ، لأن الله قدر عليه ذلك : قول غير صحيح ، مخالف للعقل

فضلاً عن مخالفته للشرع ، ويكفي لبيان مخالفته للشرع أن الله تعالى أخبرنا أن هذه هي حجة المشركين .

قال الله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) الأنعام/ 148] ، وقال تعالى: (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ، كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) النحل/ 35

وقال تعالى: (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ، ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)الزخرف/ 20 ، وقال: (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يس/ 47 .

قال القاسمي رحمه الله :

"فهذه أربعة مواضع في القرآن بيّن سبحانه فيها أن الاحتجاج بالقدر من فعل المشركين المكذبين للرسل"

انتهى من " محاسن التأويل "(4/525).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة النبوية" (3/58) :

"فالاحتجاج بالقدر حال الجاهلية الذين لا علم عندهم بما يفعلون ويتركون" انتهى .

فكيف يليق بمسلم أن يحتج بحجة المشركين التي أبطلها الله تعالى ؟!

ثالثا :

وأما إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكره في هذا الحديث ، فلذلك عدة حكم :

منها : أن يعلم العبد أنه واقع في الذنب لا محالة ، فيجب عليه أن يبادر بالتوبة، وألا يصر على ما فعل؛ فكل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" التَّوْبَةُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَحْصُلُ بِهِمَا التَّطْهِيرُ وَالتَّزْكِيَةُ وَلِهَذَا قَالَ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ. (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا) الْآيَاتِ : (وَتُوبُوا إلَى اللَّهِ) الْآيَةَ. فَأَمَرَهُمْ جَمِيعًا بِالتَّوْبَةِ

فِي سِيَاقِ مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ. كَمَا فِي الصَّحِيحِ: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا) الْحَدِيثَ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 635) .

وقال أيضا :

" فِي قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ: (وَتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فَوَائِدُ جَلِيلَةٌ: مِنْهَا أَنَّ أَمْرَهُ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوْبَةِ فِي هَذَا السِّيَاقِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مُؤْمِنٌ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الذُّنُوبِ الَّتِي

هِيَ: تَرْكُ غَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ الْفَرْجِ وَتَرْكُ إبْدَاءِ الزِّينَةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ ، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ، وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وَلَا أُبَالِي فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/ 403).

فيكون في الحديث حث على التوبة من هذه الذنوب التي لا يسلم منها أحد .

ومنها : بيان أن حب الشهوات مركوز في الإنسان ، وهو يقع بحبه للشهوات فيما حرم الله عليه ، ليعلم الإنسان أنه على خطر ، وأن استرساله مع هذه الشهوات سوف يؤدي به إلى الهلاك .

قال المناوي رحمه الله :

" (على ابن آدم حظه من الزنا) أي خَلق له الحواس التي بها يجد لذة الزنا، وأعطاه القوى التي بها يقدر عليه، وركز في جبلته حب الشهوات "

انتهى من "فيض القدير" (2/ 246) .

ومنها : أن معرفة الإنسان بهذا التقدير ، وأنه واقع في الذنب لا محالة ، تجعله يبتعد عن هذا الذنب وأسبابه الداعية إليه ، فإنه يخشى إن تمادى وتساهل في الزنا المجازي

الذي هو النظر ونحوه ، أن يجره ذلك إلى الوقوع في الزنا الحقيقي فيهلك .

وغير ذلك من الحكم الجليلة ، نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يزيدنا علماً .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-08-29, 13:27
معنى الإيمان بالقدر

السؤال

ما معنى الإيمان بالقدر ؟.

الجواب

الحمد لله

القَدَر: تقدير الله تعالى لكل ما يقع في الكون ، حسبما سبق به علمه ، واقتضته حكمته.

والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور :

الأول : الإيمان بأن الله تعالى علم بكل شيء جملةً وتفصيلاً ، أزلاً وأبداً ، سواء كان مما يتعلق بأفعاله سبحانه أو بأفعال عباده .

الثاني : الإيمان بأن الله تعالى كتب ذلك في اللوح المحفوظ .

وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحج /70 .

وفي صحيح مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ . قَالَ : رَبِّ ، وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) رواه أبو داود (4700) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

الثالث : الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى .

سواء كانت مما يتعلق بفعله سبحانه وتعالى ، أم مما يتعلق بفعل المخلوقين .

قـال الله تعالى فيما يتعلق بفعله : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ) القصص /68 . وقـال : ( وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) ابراهيم /27 . وقال : ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ) آل عمران /6 .

وقال تعالى فيما يتعلق بفعل المخلوقين : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ) النساء /90 . وقال : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ) الأنعام /112 .

فجميع الحوادث والأفعال والكائنات لا تقع إلا بمشيئة الله تعالى ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .

الرابع : الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها ، وصفاتها ، وحركاتها .

قـال الله تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) الزمر /62 . وقال : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) الفرقان /2

. وقال عن نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) الصافات /96.

فإذا آمن الإنسان بهذه الأمور فقد آمن بالقدر إيماناً صحيحاً .

والإيمان بالقدر على ما وصفنا لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية وقدرة عليها ، بحيث يستطيع الاختيار هل يفعل أو يترك ما يكون ممكناً له من فعل الطاعات أو تركها

وفعل المعاصي أو تركها والشرع والواقع دالان على إثبات هذه المشيئة للعبد .

أمـا الشرع : فقد قـال الله تعالى في المشيئة : ( ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً ) النبأ /39 .

وقال : ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) البقرة /223 .

وقال في القدرة : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن /16 . وقال : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) البقرة /286 .

فهذه الآيات تثبت للإنسان مشيئة وقدرة بهما يفعل ما يشاء أو يتركه .

وأما الواقع : فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعل وبهما يترك ، ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي ، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش ، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى وقدرته

لقول الله تعالى : ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير /28-29.

ولأن الكون كله ملك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته .

والله تعالى أعلم .

انظر : رسالة شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين .

*عبدالرحمن*
2018-08-29, 13:34
حكم الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الواجبات

السؤال

هل يصح للمذنب أن يحتج على وقوعه في المعصية بأن هذا ما قدره الله عليه ؟.

الجواب

الحمد لله

قد يتعلل بعض المذنبين المقصرين على تقصيرهم وخطئهم بأن الله هو الذي قدر هذا عليهم؛ وعليه فلا ينبغي أن يلاموا على ذلك .

وهذا لا يصح منهم بحال ؛ فلا شك أن الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات ، أو فَعَلَ من المعاصي . باتفاق المسلمين والعقلاء .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ

: " وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين ، وسائر أهل الملل ، وسائر العقلاء ؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال

وسائر أنواع الفساد في الأرض ، ويحتج بالقدر. ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه ، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه ، بل يتناقض ، وتناقض القول يدل على فساده ، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول "

مجموع الفتاوى ( 8/179)

وقد دل على فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات ؛ الشرع والعقل ، فمن الأدلة الشرعية :

1ـ قول الله- تعالى - : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا ءَابَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ

إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ ) الأنعام/39 ، فهؤلاء المشركون احتجوا بالقدر على شركهم ، ولو كان احتجاجهم مقبولاً صحيحاً ما أذاقهم الله بأسه . فمن احتج بالقدر على الذنوب والمعائب فيلزمه أن يصحح مذهب الكفار

وينسب إلى الله الظلم تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً .

2ـ قال تعالى : ( رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء/165

فلو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لما انقطعت الحجة بإرسال الرسل ، بل كان إرسال الرسل لا فائدة له في الواقع .

3ـ أن الله أمر العبد ونهاه ، ولم يكلفه إلا ما يستطيع

قال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16

وقال سبحانه : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) البقرة/286

ولو كان العبد مجبراً على الفعل لكان مكلفاً بما لا يستطيع الخلاص منه ، وهذا باطل ، ولذلك إذا وقعت منه المعصية بجهل ، أو إكراه

فلا إثم عليه لأنه معذور . ولو صح هذا الاحتجاج لم يكن هناك فرق بين المكره والجاهل ، وبين العامد المتعمد ، ومعلوم في الواقع ، وبدائه العقول أن هناك فرقا جليا بينهما .

4ـ أن القدر سر مكتوم ، لا يعلمه أحد من الخلق إلا بعد وقوعه ، وإرادة العبد لما يفعله سابقة لفعله ، فتكون إرادته للفعل غير مبنية على علم بقدر الله

فادعاؤه أن الله قدر عليه كذا وكذا ادعاء باطل ؛ لأنه ادعاءٌ لعلم الغيب ، والغيب لا يعلمه إلا الله ، فحجته إذاً داحضة ؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه .

5ـ أنه يترتب على الاحتجاج بالقدر على الذنوب تعطيل الشرائع والحساب والمعاد والثواب والعقاب .

6- لو كان القدر حجة لأهل المعاصي لاحتج به أهل النار ، إذا عاينوها ، وظنوا أنهم مواقعوها ، كذلك إذا دخلوها ، وبدأ توبيخهم وتقريعهم ، لكن الواقع أنهم لم يحتجوا به

بل إنهم يقولون كما قال الله عز وجل عنهم : ( رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل ) إبراهيم/44 . ويقولون : ( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) المؤمنون/106

وقالوا : ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك/10 . و ( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) المدثر/44 ، إلى غير ذلك مما يقولون .

ولو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لاحتجوا به ؛ فهم في بأمس الحاجة إلى ما ينقذهم من نار جهنم .

7- لو كان الاحتجاج بالقدر صحيحا لكان حجة لإبليس الذي قال : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) الأعراف/16 ، ولتساوى فرعون عدو الله ، مع موسى كليم الله عليه السلام .

8- ومما يرد هذا القول ، ويبين فساده : أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه في أمور دنياه حتى يدركه ، ولا تجد شخصا يترك ما يصلح أمور دنياه ويعمل بما يضره فيها بحجة القدر

فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر ؟!

وإليك مثالاً يوضح ذلك : لو أن إنساناً أراد السفر إلى بلد ، وهذا البلد له طريقان ، أحدهما آمن مطمئن ، والآخر كله فوضى واضطراب ، وقتل ، وسلب ، فأيهما سيسلك ؟

لاشك أنه سيسلك الطريق الأول ، فلماذا لا يسلك في أمر الآخرة طريق الجنة دون طريق النار ؟

9 ـ ومما يمكن أن يُرد به على هذا المحتج ـ بناء على مذهبه ـ أن يقال له : لا تتزوج ، فإن كان الله قد قضى لك بولد فسيأتيك ، وإلا فلن يأتيك . ولا تأكل ولا تشرب

فإن قدر الله لك شبعاً ورياً فسيكون ، وإلا فلن يكون . وإذا هاجمك سبع ضار فلا تفر منه ، فإن قدر الله لك النجاة فستنجو ، وإن لم يقدرها لك فلن ينفعك الفرار . وإذا مرضت فلا تتداو

فإن قدر الله لك شفاءً شفيت ، وإلا فلن ينفعك الدواء .

فهل سيوافقنا على هذا القول أم لا ؟ فإن وافقنا علمنا فساد عقله ، وإن خالفنا علمنا فساد قوله ، وبطلان حجته .

10- المحتج بالقدر على المعاصي شبه نفسه بالمجانين ، والصبيان ، فهم غير مكلفين ، ولا مؤاخذين ، ولو عومل معاملتهم في أمور الدنيا لما رضي .

11- لو قبلنا هذا الاحتجاج الباطل لما كان هناك حاجة للاستغفار ، والتوبة ، والدعاء ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

12- لو كان القدر حجة على المعائب والذنوب لتعطلت مصالح الناس ، ولعمت الفوضى ، ولما كان هناك داع للحدود ، والتعزيرات ، والجزاءات ، لأن المسيىء سيحتج بالقدر

ولما احتجنا لوضع عقوبات للظلمة ، وقطاع الطريق ، ولا إلى فتح المحاكم ، ونصب القضاء ، بحجة أن كل ما وقع إنما وقع بقدر الله ، وهذا لا يقول به عاقل .

13- أن هذا المحتج بالقدر الذي يقول : لا نؤاخذ ، لأن الله كتب ذلك علينا ، فكيف نؤاخذ بما كتب علينا ؟

فيقال له : إننا لا نؤاخذ على الكتابة السابقة ، إنما نؤاخذ بما فعلناه ، وكسبناه ، فلسنا مأمورين بما قدره الله لنا ، أو كتبه علينا ، وإنما نحن مأمورين بالقيام بما يأمرنا به

فهناك فرق بين ما أريد بنا ، وما أريد منا ، فما أراده بنا طواه عنا ، وما أراده منا أمرنا بالقيام به .

وكون الله علم وقوع ذلك الفعل من القدم ثم كتبه لا حجة فيه لأن مقتضى علمه الشامل المحيط أن يعلم ما خلقه صانعون ، وليس في ذلك أي نوع من أنواع الجبر

ومثال ذلك من الواقع ـ ولله المثل الأعلى ـ : لو أن مدرسا علم من حال بعض تلاميذه أنه لا ينجح هذا العام لشدة تفريطه وكسله ، ثم إن هذا الطالب لم ينجح كما علم بذلك الأستاذ فهل يقول عاقل بأن المدرس أجبره على هذا الفشل

أو يصح للطالب أن يقال أنا لم أنجح لأن هذا المدرس قد علم أني لن أنجح ؟‍!

وبالجملة فإن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي ، أو ترك الطاعات احتجاج باطل في الشرع ، والعقل ، والواقع .

ومما تجدر الإشارة إليه أن احتجاج كثير من هؤلاء ليس ناتجاً عن قناعة وإيمان ، وإنما هو ناتج عن نوع هوى ومعاندة ، ولهذا قال بعض العلماء فيمن هذا شأنه : " أنت عند الطاعة قدري ،

وعند المعصية جبري ، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به "

( مجموع الفتاوى 8/107 )

يعني أنه إذا فعل الطاعة نسب ذلك نفسه ، وأنكر أن يكون الله قدر ذلك له ، وإذا فعل المعصية احتج بالقدر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن المحتجين بالقدر :

" هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى "

( مجموع الفتاوى 8 / 262 )

وعليه فلا يسوغ للعبد أن يحتج على معايبه ومعاصيه بالقدر .

وإنما يسوغ الاحتجاج بالقدر :عند المصائب التي تحل بالإنسان كالفقر ، والمرض ، وفقد القريب ، وتلف الزرع ، وخسارة المال ، وقتل الخطأ ، ونحو ذلك ؛ فهذا من تمام الرضا بالله رباً

فالاحتجاج إنما يكون على المصائب ، لا المعائب ، " فالسعيد يستغفر من المعائب ، ويصبر على المصائب

كما قال تعالى : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) والشقي يجزع عند المصائب ، ويحتج بالقدر على المعائب "

ويوضح ذلك المثال الآتي : لو أن رجلاً أسرع بسيارته وفرَّط في أسباب القيادة السليمة فتسبب في وقوع حادث ، فوبِّخ على ذلك ، وحوسب عليه فاحتج بالقدر ، لم يكن الاحتجاج منه مقبولاً

بينما لو أن شخصا صُدِمت سيارته وهي في مكانها لم يتحرك بها ، فلامه شخص فاحتج بالقدر لكان احتجاجه مقبولا ، إلا أن يكون قد أخطأ في طريقة إيقافها .

فالمقصود أن ما كان من فعل العبد واختياره فإنه لا يصح له أن يحتج بالقدر ، وما كان خارجا عن اختياره وإرادته فيصح له أن يحتج عليه بالقدر .

ولهذا حَجَّ آدم موسى عليهما السلام كما في قوله صلى الله عليه وسلم في محاجتهما : " احتج آدم وموسى فقال له موسى : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟

فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، ثم تلومني على أمر قد قدّر علي قبل أن أخلق ؟ فحج آدمُ موسى" ( أي : غلبه في الحجة ) رواه مسلم ( 2652 ).

فآدم عليه السلام لم يحتج بالقدر على الذنب كما يظن ذلك من لم يتأمل في الحديث ، وموسى عليه السلام لم يلم آدم على الذنب ؛ لأنه يعلم أن آدم استغفر ربه وتاب ، فاجتباه ربه

وتاب عليه ، وهداه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .

ولو أن موسى لام آدم على الذنب لأجابه : إنني أذنبت فتبت ، فتاب الله علي ، ولقال له : أنت يا موسى أيضاً قتلت نفساً ، وألقيت الألواح إلى غير ذلك ، إنما احتج موسى بالمصيبة فحجه آدم بالقدر .

انظر الاحتجاج بالقدر لشيخ الإسلام ابن تيمية ( 18 – 22 )

" فما قُدِّر من المصائب يجب الاستسلام له ؛ فإنه من تمام الرضا بالله رباً ، أما الذنوب فليس لأحد أن يذنب ، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب ، فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب "

شرح الطحاوية ( 147 ) .

تنبيه :

ذكر بعض العلماء أن ممن يسوغ له الاحتجاج بالقدر التائبُ من الذنب ، فلو لامه أحد على ذنب تاب منه لساغ له أن يحتج بالقدر .

فلو قيل لأحد التائبين : لم فعلت كذا وكذا ؟ ثم قال : هذا بقضاء الله وقدره ، وأنا تبت واستغفرت ، لقُبل منه ذلك الاحتجاج ، لأن الذنب في حقه صار مصيبة

وهو لم يحتج على تفريطه بالقدر بل يحتج على المصيبة التي ألمت به وهي معصية الله ولا شك أن المعصية من المصائب ، كما أن الاحتجاج هنا بعد أن وقع الفعل وانتهى ، واعترف فاعله بعهدته وأقر بذنبه

فلا يسوغ لأحد أن يلوم التائب من الذنب ، فالعبرة بكمال النهاية ، لا بنقص البداية . والله أعلم .

يراجع ( أعلام السنة المنشورة 147 ) ( القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للشيخ الدكتور / عبد الرحمن المحمود ) و ( الإيمان بالقضاء والقدر للشيخ / محمد الحمد ) وتلخيص الشيخ سليمان الخراشي لعقيدة أهل السنة في القدر من هذين الكتابين في كتابه : ( تركي الحمد في ميزان أهل السنة ) .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-09-01, 08:41
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


الكلام على حديث : ( مَنْ صَمَتَ نَجَا ) .

السؤال:

ما هو الفهم الصحيح لحديث "من صمت نجا" ؟

الجواب :

الحمد لله

روى الترمذي (2501)

وأحمد (6481)

والطبراني في "الكبير" (113)

وابن المبارك في "الزهد" (385)

والبيهقي في "الشعب" (4629)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صَمَتَ نَجَا ) .

وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (ص996) : " إسناده جيد "

وقال الحافظ في "الفتح" (11/309) : "رواته ثقات"

وقال السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص: 653) " شواهده كثيرة "

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/343) : " رواته ثقات " وحسنه محققو المسند ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" ، وكذا صححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند .

ومعنى الحديث :

أن الصمت سبب للنجاة ، فمن صمت نجا من آفات اللسان ، وآفات اللسان غير محصورة ، فكان سبيل النجاة والفلاح للعبد الناصح لنفسه أن يتأمل كلامه قبل أن يقوله ، فإن كان فيه خير

تكلم به ؛ وإلا ففي الصمت منجاة من الإثم ، ومن مغبات جرائر اللسان ؛ وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ) رواه البخاري (6019) ، ومسلم (48).

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" الْكَلَام بِالْخَيْرِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ أَفْضَلُ مِنَ الصَّمْتِ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِالْحَقِّ كُلُّهُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ ، وَإِنَّمَا الصَّمْتُ الْمَحْمُودُ الصَّمْتُ عَنِ الْبَاطِلِ .

" انتهى من التمهيد (22/ 20) .

وقال الغزالي رحمه الله :

"فإن قلت: فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه ؟

فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان ، من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والرياء والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخوض في الباطل والخصومة والفضول والتحريف والزيادة والنقصان وإيذاء الخلق وهتك العورات .

فهذه آفات كثيرة ، وهي سباقة إلى اللسان ، لا تثقل عليه ، ولها حلاوة في القلب ، وعليها بواعث من الطبع ، ومن الشيطان ، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان

فيطلقه بما يحب ، ويكفه عما لا يحب فإن ذلك من غوامض العلم - كما سيأتي تفصيله - .

ففي الخوض خطر، وفي الصمت سلامة ، فلذلك عظمت فضيلته .

هذا ، مع ما فيه من جمع الهم ، ودوام الوقار ، والفراغ للفكر والذكر والعبادة ، والسلامة من تبعات القول في الدنيا، ومن حسابه في الآخرة، فقد قال الله تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عتيد)

ويدلك على فضل لزوم الصمت أمر، وهو: أن الكلام أربعة أقسام: قسم هو ضرر محض، وقسم هو نفع محض، وقسم فيه ضرر ومنفعة، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة.

أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر.

وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر : فهو فضول، والاشتغال به تضييع زمان، وهو عين الخسران، فلا يبقى إلا القسم الرابع، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام، وبقي ربع ، وهذا الربع فيه خطر ؛

إذ يمتزج بما فيه إثم ، من دقائق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس وفضول الكلام، امتزاجا يخفى دركه فيكون الإنسان به مخاطراً.

ومن عرف دقائق آفات اللسان علم قطعاً أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم هو فصل الخطاب ، حيث قال (من صمت نجا) ؛ فلقد أوتى والله جواهر الحكم قطعا

وجوامع الكلم ، ولا يعرف ما تحت آحاد كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء" .

انتهى من "إحياء علوم الدين" (3/ 111-112) .

والخلاصة :

أن المقصود بالحديث الأمر بالصمت ، إلا عن الخير فهو مأمور به ، كذكر الله تعالى وتعلم العلم وتعليمه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... ونحو ذلك .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-09-01, 08:46
كيف تقع مخالفة اليهود في الأيام التي يعظمونها ؟

السؤال:

كيف تقع مخالفة اليهود في الأيام التي يعظمونها ؟ هل تقع بالصيام ، لأن الصيام يقتضي عدم العيد ؟ أم تقع بالفطر وعدم تقصّد الصيام ؟ فقد جاء في المعنى الأول حديث أم سلمة : "

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ، وَيَقُولُ: ( إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ الْمُشْرِكِين َ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ )

. وقد جاء في المعنى الثاني : تعليل العلماء لنهي النبي صلى الله عليه سلم عن صيام السبت ؟

الجواب :

الحمد لله

المعلوم من دين الإسلام ، والذي تواترت به نصوص الكتاب والسنة : عدم جواز متابعة أمم الكفر فيما تميزوا به ، واختصوا به من الأعمال والاعتقادات والأقوال والهيئات .

ومن المعلوم أن عدم المتابعة يتحقق بمجرد ترك اتباعهم ، وعدم فعل ما تميزوا به .

ومن ذلك أعيادهم ؛ فمخالفتهم ، وترك اتباعهم فيها ، يحصل بمجرد ترك تعظيم تلك الأعياد ، وعدم الاحتفال بها ؛ فإذا حقق المسلم هذا ، وأهمل الاحتفال بهذه الأيام

أو تخصيصها بشيء دون سواها من الأيام : فإنه يكون ـ حينئذ ـ قد حقق مخالفتهم .

كما في حديث أَنَسٍ ، قَالَ : " قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَقَالَ : ( مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ ) ، قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ )" رواه أبوداود (1134) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2021).

فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بترك التعييد فيهما ، ولم يأمرهم بعمل زائد ، كالصيام ونحوه ، لتحقيق المخالفة .

قال الشاطبي رحمه الله تعالى :

" والضرب الثاني: أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص ، أو يترك أمرا ما من الأمور ، وموجبه المُقْتَضِي له قائم ، وسببه في زمان الوحي ، وفيما بعده : موجود ثابت ، إلا أنه لم يحدَّد فيه أمر زائد على ما كان في ذلك الوقت .

فالسكوت في هذا الضرب : كالنص على أن القصد الشرعي فيه أن لا يزاد فيه على ما كان من الحكم العام في أمثاله ، ولا ينقص منه ؛ لأنه لما كان المعنى الموجِب لشرعيّة الحكم العملي الخاص موجودا

ثم لم يُشرع ، ولا نبه على استنباطه ؛ كان صريحا في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعة زائدة ، ومخالفة لقصد الشارع ؛ إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حد هنالك ، لا الزيادة عليه ، ولا النقصان منه "

انتهى من " الاعتصام " (2 / 282) .

وحاصل ذلك : أن تعمّد الصيام لتأكيد مخالفتهم ، هو عمل غير مشروع ، وقد نص على كراهته عدد من أهل العلم ؛ ولأن في الاهتمام بها ، وانتظار قدومها في كل سنة لصيامها : نوعًا من التعظيم لها .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

" فإن قيل : فما تقولون في صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من أعياد المشركين ؟

قيل : قد كرهه كثير من العلماء ، وأكثر أصحاب أحمد على الكراهة .

قال أحمد في رواية ابنه عبد الله : حدثنا وكيع عن سفيان عن رجل عن أنس والحسن : أنهما كرها صوم يوم النيروز والمهرجان ، قال عبد الله : قال أبي : الرجل أبان بن أبي عياش .

فلما أجاب أحمد بهذا الجواب لمن سأله عن صيام هذين اليومين ، دل ذلك على أنه اختاره .

وهذه إحدى الطريقتين لأصحابه في مثل ذلك .

وقيل : لا يكون هذا اختيارا له ، ولا ينسب إليه القول الذي حكاه ، وأكثر الأصحاب على الكراهة ، وعللوا ذلك بأنهما يومان يعظمهما الكفار ، فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما

موافقة لهم في تعظيمهما ، فكره كيوم السبت . قال صاحب المغني : وعلى قياس هذا : كل عيد للكفار ، أو يوم يفردونه بالتعظيم "

انتهى من " حاشية ابن القيم مع عون المعبود " (7 / 52) .

ثانيا :

أمّا حديث كُرَيْبٍ مولى ابن عباس ، أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّام ِ، وَيَقُول ُ: ( إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ الْمُشْرِكِينَ

فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ ) " رواه أحمد في " المسند " (44 / 330 – 331) والحاكم في " المستدرك " 1/436 وقال : إسناده صحيح ، ولم يتعقبه الذهبي .

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في " زاد المعاد " (2 / 74 – 75) : وفي صحة هذا الحديث نظر.

وضعفه الألباني في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (3 / 219) .

فيلاحظ عليه الآتي :

1- الحديث مختلف في صحته ، كما هو معارض بحديث آخر اختلف في تصحيحه أهل العلم ؛ وهو حديث : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِي مَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ )

رواه أبو داود (2421 ) ، والترمذي (744) ، وابن ماجه (1726) .

ومع هذا الاختلاف الحاصل لا يبلغ أن يكون قاعدة مستمرة في كل عيد من أعياد الكفر .

2- على فرض القول بصحة الحديث ، فإنه لا يمكن تعدية معناه إلى جميع الأعياد الكفرية ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مجاورا لليهود في المدينة وللنصارى والمشركين في جزيرة العرب

ولا شك أنه كان لهم عدة من الأعياد والأيام التي يعظمونها في السنة ، ولا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على صيام يوم أعيادهم لإظهار المخالفة لهم غير السبت والأحد .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" وكل ما لم يشرع من العبادات ، مع قيام المقتضي لفعله من غير مانع : فإنه من باب المنهي عنه "

انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (2 / 721) .

3- رأى بعض أهل العلم جمعا بين النصوص ؛ أن أعياد أهل الكفر التي بحساب العرب يستحب مخالفتهم فيها بصيامها ، عملا بحديث أم سلمة ، أما أعيادهم التي بغير حساب العرب فلا يستحب صيامها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" وقد يقال: يكره صوم يوم النيروز والمهرجان ، ونحوهما من الأيام التي لا تعرف بحساب العرب . بخلاف ما جاء في الحديث من يوم السبت والأحد ؛ لأنه إذا قصد صوم مثل هذه الأيام العجمية

أو الجاهلية ، كانت ذريعة إلى إقامة شعار هذه الأيام ، وإحياء أمرها ، وإظهار حالها ، بخلاف السبت والأحد ، فإنهما من حساب المسلمين ، فليس في صومهما مفسدة

فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي ، مع كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي ، توفيقا بين الآثار . والله أعلم " .

انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (2 / 580) .

وعلى هذا القول أيضا تبقى كراهة صوم أعياد الكفار ، ما عدا السبت والأحد ، لأن أعيادهم المشهورة والمعروفة اليوم : ليست بالحساب الإسلامي .

فالحاصل أنه : سواء قلنا بصحة حديث أم سلمة ، أو بعدم صحته : فإنه لا يستحب تخصيص أعياد الكفار بالصوم ، بل يكره ذلك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" ولا يجوز تخصيص صوم أعياد المشركين "

انتهى من " الفتاوى الكبرى " (5 / 378) .

ويستثنى يوم السبت والأحد عند من يرى صحة حديث أم سلمة ، على ما سبق .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-01, 08:51
هل ثبت أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن كله أثناء ركوبه دابته ؟

السؤال:

قال لي أحد الإخوة : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن كاملا أثناء ركوبه حصانه ، أي في ثانية ، واستدل من ذلك أن البخاري رحمه الله ، أورد في صحيحه أن داوود عليه السلام كان يقرأ الزبور أثناء ركوبه حصانه

فهل هذا صحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري في صحيحه (3417) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ( خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ القُرْآنُ ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ

فَيَقْرَأُ القُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ ، وَلاَ يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ) .

وفي رواية له (4713) : ( خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ القِرَاءَةُ ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ لِتُسْرَج َ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ - يَعْنِي - القُرْآنَ ) .
قال ابن بطال رحمه الله

: " المراد بالقرآن في هذا الحديث : الزبور " .

انتهى من "شرح صحيح البخاري" (10/ 273) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" كَانَ يَقْرَأُ الزَّبُورَ بِمِقْدَارِ مَا تُسْرَجُ الدَّوَابُّ ، وَهَذَا أَمْرٌ سَرِيعٌ مَعَ التَّدَبُّرِ ، وَالتَّرَنُّمِ ، وَالتَّغَنِّي بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّخَشُّعِ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ " .

انتهى من "البداية والنهاية" (2/ 307) .

وهذا من المعجزات التي حباه الله بها -عليه السلام- ، فلا ينكر أن يقرأ الزبور كله في هذه المدة الوجيزة ، في تدبر وخشوع وحسن تلاوة

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَرَكَةَ قَدْ تَقَعُ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ ، حَتَّى يَقَعَ فِيهِ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ، قَالَ النَّوَوِيُّ : أَكْثَرُ مَا بَلَغَنَا مِنْ ذَلِكَ مَنْ كَانَ يَقْرَأُ أَرْبَعَ خَتَمَاتٍ بِاللَّيْلِ ، وَأَرْبَعًا بِالنَّهَارِ "

انتهى من "فتح الباري" (6/ 455) .

وقال العيني رحمه الله :

" فِيه: الدّلَالَة على أَن الله تَعَالَى يطوي الزَّمَان لمن يَشَاء من عباده ، كَمَا يطوي الْمَكَان"

انتهى من "عمدة القاري" (16/ 7) .

ثانيا :

لا يلزم من ثبوت فضيلة خاصة لنبي الله داود ، أو غيره من الأنبياء عليهم السلام ، أن يثبت مثلها ، أو نظيرها لنبينا صلى الله عليه وسلم ، وإن كان هو أفضل الرسل قاطبة

وسيد ولد آدم أجمعين ، وذلك فضل الله يختص به من يشاء من عباده .

ونبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وأكرمهم على الله ، ومع ذلك فقد حصل لبعض الأنبياء من المعجزات والكرامات ما لم يحصل مثله لنبينا صلى الله عليه وسلم

كإحياء الموتى الذي كان لعيسى عليه السلام ، وكتسخير الجن والإنس والطير ، لسليمان عليه السلام .

ثالثا :

دعوى أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن كله أثناء ركوبه دابته : دعوى غير صحيحة ، بل باطلة ، ولا يوجد ما يدل عليها من خبر صحيح ، ولا ضعيف

ولا علمنا أحدا من أهل العلم قال بمثل هذا الكلام .

وأما تقدير ذلك المقام بـ"ثانية" فهذا من أظهر الباطل ؛ فلا عقل ، ولا نقل !!

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-01, 08:55
قد لا تحصل الكرامة للفاضل ؛ لكمال صديقيته ، وعلوّ منزلته ، لا لنقص ولايته.

السؤال:

ما صحة هذه القصة : " كان رجاء بن حيوه يأخذ 60 دينار ويرجع وليس معه شي منها ، لأنه أنفقها كلها ، وحينما يجئ إلى فراشه يضع يده تحت الوسادة يجد الستين تحتها "

. فكيف لرجل ليس بنبي يجعل الله له معجزة والخلفاء الراشدين الذين هم خير البشر بعد النبياء لم يجعل الله لهم معجزات ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

ذكر الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة حيوة بن شريح رحمه الله من "سير أعلام النبلاء" (6/405) ، وكذا في "تاريخ الإسلام" (9/ 387) عن عبد الله بن وهب قال :

" كَانَ حَيْوَةُ يَأْخُذُ عَطَاءً فِي السَّنَةِ سِتِّينَ دِينَارًا، فَلَمْ يَطلعْ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهَا، ثُمَّ يَجِيءَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَجِدُهَا تَحْتَ فِرَاشِهِ ، وَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَمٍّ لَهُ فَأَخَذَ عَطَاءَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ

وَجَاءَ إِلَى تَحْتِ فِرَاشِهِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، قَالَ: فَشَكَا إِلَى حَيْوَةَ فَقَالَ: أَنَا أَعْطَيْتُ رَبِّي بِيَقِينٍ ، وَأَنْتَ أَعْطَيْتَهُ تَجْرِبَةً " .

وانظر : "وفيات الأعيان" (3/37) .

ولم نطلع على سندها إلى ابن وهب ، وابن وهب ثقة حافظ عالم .

ثانيا :

هذا - إن صح - ونحوه ، من باب الكرامات لا المعجزات ، فإن المعجزة تخص النبي ، بخلاف الكرامة ، فتكون للنبي والولي الصالح .

راجع الفتوى رقم : القادمه لمعرفة أوجه الفرق بين المعجزة والكرامة .

ثالثا :

لا يلزم من حصول كرامة للأدنى حصول مثلها للأعلى والأفضل ، وقد يخص الله بعض أوليائه بكرامة ، لفضله وسبقه إلى باب من أبواب الطاعات ؛ تثبيتا منه سبحانه وتفضلا عليه

وإظهارا لنعمته التي تستوجب الشكر ، من دون أن يلزم حصول مثلها لغيره ، وإن كان أفضل منه .

وأبو بكر رضي الله عنه أفضل من عمر رضي الله عنه ، وقد حصل لعمر من الكرامات ما لم يحصل مثله لأبي بكر ، مع تقدمه عليه في الفضل .

ثم إن الكرامة قد تحصل للأدنى ، ويستغني عنها الأعلى لعلو منزلته وكمال تصديقه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِحَسَبِ حَاجَةِ الرَّجُلِ ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهَا الضَّعِيفُ الْإِيمَانِ ، أَوْ الْمُحْتَاجُ : أَتَاهُ مِنْهَا مَا يُقَوِّي إيمَانَهُ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ ، وَيَكُونُ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ وِلَايَةً لِلَّهِ مِنْهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ

فَلَا يَأْتِيه مِثْلُ ذَلِكَ لِعُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْهَا لَا لِنَقْصِ وِلَايَتِهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الصَّحَابَةِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 283) .

وغاية الكرامة لزوم الاستقامة ، ولذلك فإن الله تعالى مدح أولياءه باستقامتهم على صراطه المستقيم ، بطاعتهم ، وعبادتهم ، وجهادهم ، وعلق على ذلك فلاحهم في الدنيا والآخرة

لا على ما يحصل لهم من الكرامات وخوارق العادات ، وإن كثيرا من هذه الخوارق ما يشتبه على الناس ، حيث يكون منها ما هو من الكرامات الربانية ، ومنها ما يكون من الأحوال الشيطانية .

قال شيخ الإسلام :

" غَايَةُ الْكَرَامَةِ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ ، فَلَمْ يُكْرِمْ اللَّهُ عَبْدًا بِمِثْلِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيَزِيدُهُ مِمَّا يُقَرِّبُهُ إلَيْهِ وَيَرْفَعُ بِهِ دَرَجَتَهُ " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 298)

وينظر للأهمية : كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

رابعا :

قول السائل : إن الخلفاء الراشدين لم تحصل لهم كرامات : قول غير صحيح ، فقد حصلت لهم كرامات معلومة مشهورة ، ذكرها العلماء في تراجمهم .

انظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي .

وانظر السؤال بعد القادم لمعرفة بعض الكرامات التي وقعت للصحابة رضي الله عنهم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-01, 09:00
الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر

السؤال :

ما هي المعجزة ، وما الفرق بينها وبين الكرامة من جهة ، والسحر من جهة أخرى ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

المعجزة هي الآية الخارقة للعادة التي يؤيد الله بها أنبياءه ورسله ، ويتحدون بها الناس .

أما الكرامة فهي شيء خارق للعادة يجريه الله تعالى على يد أحد أوليائه .

وهناك فروق كثيرة بين المعجزة والكرامة ، منها :

1- أن المعجزة مبنية على الإظهار والاشتهار ، وأن صاحبها (وهو النبي) مأمور بإظهارها ، بينما الكرامة مبناها على الكتم والستر ، وصاحبها (وهو الولي) مأمور بكتمانها .

2- المعجزة تكون مقرونة بالتحدي وبدعوى النبوة ، أما الكرامة فغير مقرونة بالتحدي ، ولا بدعوى فضيلة ولا منزلة عند الله .

3- ثمرة المعجزة تعود بالنفع والفائدة على الغير ، والكرامة في الغالـب خاصة بصاحبها .

4- المعجزة تكون بجميع خوارق العادات ، والكرامة تختص ببعضها
.
5- المعجزات خاصة بالأنبياء ، والكرامات تكون للأولياء .

6- الأنبياء يحتجون بمعجزاتهم على المشركين لأن قلوبهم قاسية ، والأولياء يحتجون بالكرامة على نفوسهم حتى تطمئن وتوقن ولا تضطرب .

نقلا عن رسالة ماجستير بعنوان : " الولاية والكرامة في العقيدة الإسلامية " للباحث محمد خير العمري .

وهناك فروق أيضاً بين المعجزة والسحر ، منها :

1- المعجزة خارقة للعادة : أي أنها تأتي مخالفة لقوانين الكون ، فهي من الله تعالى ، وأما السحر فإنه يحدث بحسب قوانين يمكن تعلمها فهو من الساحر .

2- المعجزة لا ينتج عنها إلا الخير ، أما السحر فلا يصدر منه الخير .

3- المعجزة لا يمكن إبطالها ، أما السحر فإنه يمكن إبطاله ، ومعلوم أن السحر لا يتم إلا بالاستعانة بالشياطين والتقرب لها "

انتهى من الدكتور أحمد العوايشة في " محاضرات في الثقافة الإسلامية " (ص/174) .

4- المعجزة تجري على يد النبي ، وهو خير الناس علماً وعملاً وخلقاً ، والسحر يجري على يد الساحر، وهو شر الناس علماً وعملاً وخلقاً ، والنفوس تنفر منه ومن صاحبه.

5- المعجزة ليس لها سبب ، ولهذا لا يستطيع غير النبي أن يأتي بمثلها ، أما السحر فله أسباب معروفة ، وهي الطلاسم التي تقال وتكتب ويستعان فيه بالجن

فكل من تعلم ذلك وفعله حصل له ما يريد من السحر ، أما المعجزة فلا تستفاد بالتعلم والتجربة .

انظر : "الفروق للقرافي" (8/116) ترقيم الشاملة .

وهذه بعض أقوال أهل العلم في الفروق بين المعجزة والكرامة والسحر.

قال العلامة السعدي رحمه الله :

" الفرق بين المعجزة والكرامة والأحوال الشيطانية الخارقة للعادة على يد السحرة والمشعوذين:

أن المعجزة هي ما يُجرِي الله على أيدي الرسل والأنبياء من خوارق العادات التي يتحدون بها العباد ، ويخبرون بها عن الله لتصديق ما بعثهم به ، ويؤيدهم بها سبحانه ؛ كانشقاق القمر

ونزول القرآن ، فإن القرآن هو أعظم معجزة الرسول على الإطلاق ، وكحنين الجذع ، ونبوع الماء من بين أصابعه ، وغير ذلك من المعجزات الكثيرة .

وأما الكرامة فهي ما يجري الله على أيدي أوليائه المؤمنين من خوارق العادات ، كالعلم ، والقدرة ، وغير ذلك ، كالظلة التي وقعت على أسيد بن الحضير حين قراءته القرآن

وكإضاءة النور لعباد بن بشر وأسيد بن حضير حين انصرفا من عند النبي صلى الله عليه وسلم فلما افترقا أضاء لكل واحد منهما طرف سوطه .

وشرط كونها كرامة أن يكون من جرت على يده هذه الكرامة مستقيمًا على الإيمان ومتابعة الشريعة ، فإن كان خلاف ذلك فالجاري على يده من الخوارق يكون من الأحوال الشيطانية .

ثم ليعلم أن عدم حصول الكرامة لبعض المسلمين لا يدل على نقص إيمانهم ؛ لأن الكرامة إنما تقع لأسباب :

منها : تقوية إيمان العبد وتثبيته ؛ ولهذا لم ير كثير من الصحابة شيئا من الكرامات لقوة إيمانهم وكمال يقينهم .
ومنها : إقامة الحجة على العدو كما حصل لخالد لما أكل السم

وكان قد حاصر حصنا ، فامتنعوا عليه حتى يأكله ، فأكله ، وفتح الحصن ، ومثل ذلك ما جرى لأبي إدريس الخولاني لما ألقاه الأسود العنسي في النار ، فأنجاه الله من ذلك ؛ لحاجته إلى تلك الكرامة

. وكقصة أم أيمن لما خرجت مهاجرة واشتد بها العطش سمعت حساً من فوقها ، فرفعت رأسها ، فإذا هي بدلو من ماء ، فشربت منها ثم رفعت .

وقد تكون الكرامة ابتلاء فيسعد بها قوم ويشقى بها آخرون ، وقد يسعد بها صاحبها إن شكر ، وقد يهلك إن أعجب ولم يستقم "

انتهى من " التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة " (ص/107) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

كيف نفرق بين المعجزة والكرامة والكهانة ؟

فأجاب :

"المعجزة تكون للأنبياء ، والكرامة للأولياء ؛ أولياء الرحمن ، والكهانة لأولياء الشيطان ، والآن المعجزة لا يمكن أن تقع ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء

ولا يمكن أن تقع . والكرامة موجودة من قبل الرسول ومن بعد الرسول إلى يوم القيامة ، تكون على يد ولي صالح ، إذا عرفنا أن هذا الرجل الذي جاءت هذه الكرامة على يده هو رجل مستقيم قائم بحق الله

وحق العباد عرفنا أنها كرامة .

وينظر في الرجل فإذا جاءت هذه الكرامة من كاهن – يعني : من رجل غير مستقيم - عرفنا أنها من الشياطين ، والشياطين تعين بني آدم لأغراضها أحياناً "

انتهى من " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/84، سؤال رقم/8) .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-09-06, 10:39
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


معنى وتخريج حديث : ( إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَسُوقًا، مَا فِيهَا شِرَاءٌ وَلَا بَيْعٌ إِلَّا الصُّوَرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا ) .

السؤال:

هناك حديث رواه الترمذي وهو عن علي بن أبي طالب قال صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة سوقا ما فيها بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها ) أخرجه الترمذي

هل ذلك معناه لو رغب الانسان في الجنة في تغيير جنسه وأراد أن يتحول من رجل الى امرأه وينكحه الرجال كما تنكح النساء فإن رغبته تتحقق ، فلا محرمات في الجنة ولا ممنوعات (ولكم فيها ما تشتهون )

ونفس الشيء بالنسبة للمرأة التي تدخل الجنة فلها أن تتحول إلى رجل وتعاشر النساء كما يعاشرهن الرجل ، قرأت مثل هذا الكلام قبل سنوات ، في كتاب " خواطر مسلم " ، لكشك ، فمن شاء أن يغير شكله أو شكلها فله ذلك ،

ولكن هل إلى درجة تغيير الجنس ثم التمتع بذلك التغير ، فتتحول المرأة الى رجل وتستمتع بالحور العين والولدان ؟ هل هذا صحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

روى الترمذي (2550) ، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1343) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (33971) ، وأبو يعلى في "مسنده" (268)

وتمام في "الفوائد" (379) ، والبيهقي في "البعث والنشور" (376) من طريق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَلِيٍّ

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَسُوقًا، مَا فِيهَا شِرَاءٌ وَلَا بَيْعٌ إِلَّا الصُّوَرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا) .

وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف ، صاحب مناكير

قال أحمد: ليس بشيء ، منكر الحديث ، هو الذي يحدث عن النعمان بن سعد أحاديث مناكير

وقال الساجي: أحاديثه مناكير، وضعفه ابن سعد ، ويعقوب بن سفيان ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن حبان ، والعقيلي ، وغيرهم .

انظر : "تهذيب التهذيب" (6/ 137) .

وله طريق أخرى عند الطبراني في " الأوسط " (5664) من حديث جابر بن عبد الله مرفوعا ، نحوه .

وإسناده واه ، تفرد به جابر الجعفي ، وهو متروك كذاب ، قال الإمام أبو حنيفة : " ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء، ولا أكذب من جابر الجعفي

ما أتيته بشيء إلا جاءني فيه بحديث ، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث لم يظهرها " .

وكذبه أيضا ابن معين ، والجوزجاني وغيرهما .

وقال ابن حبان: كان سبئيا ، من أصحاب عبد الله بن سبأ، كان يقول: إن عليا يرجع إلى الدنيا .

انظر : "ميزان الاعتدال" (1/ 380-383) .

وقد ضعف هذا الحديث غير وحد من أهل العلم ، منهم : ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/450) ، والمنذري في "الترغيب والترهيب" (4/302)

والدمياطي في "المتجر الرابح" (353) ، وأحمد شاكر في "تحقيق المسند" ، والألباني في "الضعيفة" (1982) .

وقد صح ذكر سوق الجنة ، ولكن بدون ذكر الصور ، فروى مسلم (2833) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ

فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُم ْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ

وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا) .

وإذا افترضنا ـ جدلا ـ صحة الحديث ، فلا علاقة له بتغيير الجنس ، على ما ذهب إليه وهم الواهم ، وغلط الغالط ؛ بل هذا مناف للفطرة

مناقض لما صح من استمتاع الرجال بأواجهن والمرأة بزوجها من أهل الإيمان واختصاصها به ، ونحو ذلك ، مما يقطع معه ببطلان ذلك الكلام .

ومتى كان المسلم الطاهر النظيف ، والرجل من أهل الجنة : يشتهي أن يكون امرأة توطأ ؟!

سبحانك ، هذا بهتان عظيم ، ولعب من الشياطين بأذهان المستغفلين .

وتأمل ما سبق في الحديث الصحيح في سوق الجنة : أنهم يرجعون إلى أهليهم ، فيقولون : لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا ، يتبين المعنى من مثل هذا الحديث ؛ لو كان صحيحا .

قال الطيبي رحمه الله :

" قيل: يحتمل الحديث معنيين: أحدهما: أن يكون معناه عرض الصور المستحسنة عليه فإذا اشتهى وتمنى صورة من تلك الصور المعروضة عليه ، صوره الله تعالى بشكل تلك الصورة بقدرته

وثانيهما: أن المراد من الصورة الزينة التي يتزين الشخص بها في تلك السوق، ويتلبس بها ويختار لنفسه من الحُلي والحلل والتاج، يقال: لفلان صورة حسنة أي شارة حسنة وهيئة مليحة.

وعلى كلا المعنيين التغيير في الصفة لا في الذات.

أقول: ويمكن أن يجمع بينهما ليوافق حديث أنس: (فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنًا وجمالا ...) الحديث " .

انتهى من "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبي (11/3568) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-06, 10:42
هل يشرع رفع اليدين عند سؤال الله الوسيلة والفضيلة لنبينا صلى الله عليه وسلم بعد الأذان ؟

السؤال:

هل يُشرع رفع اليدين عند قول " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " ؟

الجواب :

الحمد لله

روى مسلم (384) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ

فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) .

وروى البخاري (614) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ

وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ ) .

فيسن لكل من سمع الأذان أن يردد خلف المؤذن ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يسأل الله له الوسيلة والفضيلة .

وأما رفع اليدين عند هذا الدعاء فيشهد لمشروعيته الأدلة العامة في استحباب رفع اليدين عند الدعاء .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" رفع الأيدي حال الدعاء من آداب الدعاء ، وأسباب إجابته للأحاديث الواردة في ذلك ، هذا هو الأصل .
وقد تأملت في ذلك فظهر لي أن ذلك على أربعة أقسام :

الأول: ما ثبت فيه رفع اليدين بخصوصه ، كرفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه في خطبة الجمعة حين قال: (اللهم أغثنا) ، وحين قال: (اللهم حوالينا ولا علينا) .

الثاني: ما ثبت فيه عدم الرفع كالدعاء حال خطبة الجمعة بغير الاستسقاء، والاستصحاء.

الثالث: ما كان ظاهر السنة فيه عدم الرفع ، كالدعاء بين السجدتين، وفي آخر التشهد ، فإن الظاهر فيهما عدم رفع اليدين ، وكذلك دعاء الاستفتاح كما في حديث أبي هريرة ، وكذلك الاستغفار بعد السلام.

وهذه الأقسام الثلاثة حكمها ظاهر؛ لأن الأدلة فيها خاصة.

الرابع: ما سوى ذلك : فالأصل فيه استحباب رفع اليدين ؛ لأن رفعهما من آداب الدعاء وأسباب أجابته ؛ لما فيه من إظهار اللجوء إلى الله عز وجل والافتقار إليه.

فالدعاء بين الأذان والإقامة لا ينكر، ورفع اليدين فيه من القسم الرابع ، ولكن الكثير من الناس إذا دعا بعد الأذان بما يشرع الدعاء به ، كالصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسؤال الوسيلة له

: لا تكاد تراه يرفع يديه ، بل ربما أنكر على من رفع يديه في هذا الدعاء ، مع أن هذا من القسم الرابع " .

انتهى ملخصا من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (13/ 263-266) .

وقال أيضا :

" الدعاء بين الأذان والإقامة : يرفع فيه الإنسان يديه ، ويدعو الله تعالى بما أحب من خير الدنيا والآخرة ".

انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (24/ 2) بترقيم الشاملة .

وسئل الشيخ ابن عثيمين –أيضا-:

ما حكم رفع اليدين في الدعاء عقيب الأذان ؟

فأجاب : " يجوز ، لأن الأصل في الدعاء رفع اليدين . إلا ما علمنا أن السنة في تركه كالأدعية التي في أثناء الصلاة . والدعاء في خطبة الجمعة في غير الاستسقاء والاستصحاء ".

فقيل له : ألا يقال إن رفع اليدين في دعاء الأذان ونحوه مما توافرت أسباب نقله ، ولم ينقل ، فالسنة عدم رفع اليدين فيه ؟

فأجاب : " كلا ، لأن رفع اليدين هو الأصل في الدعاء " .

انتهى من "ثمرات التدوين" (ص 27) .

وقد يقال : إنه لا يداوم على رفع اليدين مع هذا الدعاء ، لكونه لم ينقل فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

بين الأذان والإقامة: ما حكم رفع اليدين للدعاء؟

فأجاب :

" إذا دعا الإنسان ورفع يديه لا بأس ، رفع اليدين من أسباب الإجابة ، لكن ما يكون على سبيل المداومة تارة وتارة ؛ لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه بين الأذان والإقامة

لكن جنس الرفع ، مع جنس الدعاء مطلوب ، وهو من أسباب الإجابة ، وإذا رفعها الإنسان بعض الأحيان بين الأذان والإقامة والأوقات الأخرى يدعو ربه ، كله لا بأس به " .

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (26/ 142) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-06, 10:46
حكم منع الأم ولدها الرضاع ، والاكتفاء بالحليب الصناعي .

السؤال :

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( بينا أنا نائم ، إذ أتاني رجلان ، فأخذا بضبعي ، فأتيا بي جبلا وعرا ........ الحديث إلى أن قال : ثم انطلق بي

فإذا أا بنساء تنهش ثديهن الحيات ، فقلت : ما بال هؤلاء ؟ فقال : هؤلاء اللواتي يمنعن أولادهن ألبانهن ، ثم انطلق بي ....... ) الحديث .

هل هذا يعني أن الأم إذا منعت طفلها الحليب واستبدلته بالحليب الصناعي تكون ممن ذكرن بالحديث السابق ؟

وما حكم الحليب الصناعي للرضيع بشكل عام ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

الرضاعة حقٌّ ثابت للرضيع بحكم الشرع ، فيجب على الأم إرضاع ولدها الرضاعة الطبيعية إذا كانت في عصمة الزوج ، إلا إذا تراضت هي والوالد بأن يرضعه غيرها فلا حرج .

ويجوز للأم إرضاع ولدها من الحليب الصناعي، والاكتفاء به في الرضاعة بشرطين:

الأول : موافقة الزوج .

الثاني : عدم تضرر الرضيع بذلك .

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

" الواجب على المرأة أن تحافظ على إرضاع أولادها وأسباب صحتهم ، وليس لها الاكتفاء بالحليب المستورد أو غيره إلا برضى زوجها بعد التشاور في ذلك ، وعدم وجود ضرر على الأولاد "

انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/ 7) .

ثانيا :

روى ابن خزيمة (1986) ، وابن حبان (7491) ، والحاكم (2837) عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ

فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا، فَقَالَا: اصْعَدْ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أُطِيقُهُ، فَقَالَا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ، فَصَعِدْتُ ... ) فساق الحديث إلى أن قال : ( ثُمَّ انْطَلَقَ بِي، فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ تَنْهَشُ ثُدِيَّهُنَّ الْحَيَّاتُ، قُلْتُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ يَمْنَعْنَ أَوْلَادَهُنَّ أَلْبَانَهُنَّ ... )

وصححه الحاكم على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ، وكذا صححه الألباني في "الصحيحة" (3951) .

ففي هذا الحديث : زجر الأمهات عن منع أطفالهن من الرضاعة الطبيعية ؛ ولكن يحمل الحديث على الحالة التي يتضرر فيها الطفل بذلك .

أما إذا لم يتضرر الوليد بذلك ، إما بوجود مرضع له ، أو اكتفائه بالحليب الصناعي دون أن يتضرر به : فلا حرج في ذلك ، وكان عمل العرب قديما قبل الإسلام إرضاع الأطفال عند المرضعات

ولا تقوم به الأم في الغالب ، واستمر العمل على هذا في صدر الإسلام ولم ينه عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك يدل على جوازه .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-06, 10:48
: حكم الرضاعة الطبيعية وحكمتها

السؤال

هل من الواجب إعطاء حليب الأم للرضيع الذي لا يستطيع أن يأكل الطعام ؟.

الجواب

الحمد لله

نعم إذا احتاج الطفل إلى الرضاعة وجب إرضاعه .

جاء في الموسوعة الفقهية (22/239) :

" لا خلاف بين الفقهاء في أنه يجب إرضاع الطفل ما دام في حاجة إليه ، وفي سن الرضاع " .

والرضاعة حقٌّ ثابت للرضيع بحكم الشرع يلزم إيصاله إليه من قِبَلِ من وجب عليه هذا الحق ، وقد صرح الفقهاء بأن الرضاعة " حقٌّ للولد " .

وعللوا ذلك بقولهم : " لأن الرضاع في حقِّ الصغير كالنفقة في حق الكبير " .

وما قالوه حقٌ دلَّ عليه القرآن الكريم ، فقد قال تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } ، فأوجب الله تعالى على الأب الإنفاق على مرضعة ولده

لأن الغذاء يصل إليه بواسطتها في الرضاع ، فالإنفاق على المرضعة في الحقيقة نفقةٌ له ، جاء في شرح منتهى الإرادات : " وعلى من تلزمه نفقة صغيرٍ ذكراً كان أو أنثى نفقة مرضعته

لأن الطفل إنما يتغذى بما يتولد في المرضعة من اللبن وذلك إنما يحصل بالغذاء ، فوجبت النفقة للمرضعة لأنها في الحقيقة له " المفصل في أحكام المرأة 9/464

وأجمع العلماء على أثر الرضاع في تحريم التناكح والمحرمية ، وجواز النظر والخلوة ، لا وجوب النفقة والتوارث وولاية النكاح .

وحكمة هذه المحرمية والصلة ظاهرة ، فإنه حين تغذى الرضيع بلبن هذه المرأة نبت لحمه عليه ، فكان كالنسب له منها .

ولذا كره العلماء استرضاع الكافرة والفاسقة وسيئة الخلق ، أو من بها مرض معدٍ لأنه يسري إلى الولد .

واستحبوا أن يختار المرضعةَ الحسنة الخَلْق والخُلُق ، فإن الرضاع يُغير الطِبَاع .

والأحسن أن لا يرضعه إلا أمه ، لأنه أنفع وأمرأ ، وقد يكون ذلك واجباً عليها إذا لم يقبل الطفل ثدي غيرها .

وقد حث الأطباء على لبن الأم لا سيما في الأشهر الأولى .

وقد ظهرت لنا حكمة الله الكونية حين جعل غذاء الطفل من لبن أمه بالتجارب وبتقارير الأطباء ونصائحهم .

الفوائد الطبية للرضاعة الطبيعية

وللرضاعة الطبيعية فوائد عظيمة ، وقد أمر الله به في كتابه بقوله : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتم الرضاعة } .

فيقرر الله تعالى حق الطفل في الرضاعة .

وبعد مضي أربعة عشر قرناً من نزول الآية الكريمة نادت المنظمات الدولية والهيئات العالمية ، مثل هيئة الصحة العالمية التي تصدر البيان تلو البيان تنادي الأمهات أن يرضعن أولادهن

بينما أمر الإسلام به منذ أربعة عشر قرناً من الزمان .

ومن فوائد الرضاعة للوليد :

1- لبن الأم معقم جاهز ليس به مكروبات .

2- لبن الأم لا يماثله أي لبن محضَّر من البقر أو الغنم أو الإبل ، فقد صُمِّم ورُكب ليفي بحاجات الطفل يوماً بعد يوم ، منذ ولادته حتى سن الفطام .

3- يحتوي لبن الأم على كميات كافية من البروتين والسكر بنسب تناسب الطفل تماماً ، بينما البروتينات الموجودة في لبن الأبقار والأغنام والجواميس عسيرة الهضم على معدة الطفل لأنها أُعدت لتناسب أولاد تلك الحيوانات .

4- نمو الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أسرع وأكمل من نمو أولئك الأطفال الذين يُعطون القارورة .

5- الارتباط النفسي والعاطفي بين الأم وطفلها .

6- يحتوي لبن الأم على العناصر المختلفة الضرورية لتغذية الطفل وفق الكمية والكيفية التي يحتاجها جسمه ، والتي تناسب قدرته على الهضم والامتصاص . وعناصر التغذية غير ثابتة ، وتتغير يوماً بعد يوم وفق حاجات الطفل .

7- يُحفظ لبن الأم تحت درجة من الحرارة معقوله يستجيب تلقائياً لحاجيات الطفل ، ويمكن الحصول عليه في أي وقت .

8- الإرضاع من الثدي هو أحد العوامل الطبيعية لمنع حمل الأم ، وهي سليمة من المضاعفات التي تصحب استعمال حبوب منع الحمل أو اللولب أو الحقن .

انتهى من كتاب توضيح الأحكام 5/107 .

*عبدالرحمن*
2018-09-06, 10:53
تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَلاَ تَنَافَسُوا ) ، وأحكام المنافسة .

السؤال:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَنَافَسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ‏)‏ ‏.‏

قرأت في عدة فتاوى أن التنافس في الأمور الدنيوية حلال ؟

فكيف ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " ولا تنافسوا " ، مع ذكر الأدلة إن أمكن ؟

الجواب :

الحمد لله

روى مسلم (2563) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا

وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا) .

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بأن يكونوا إخوة متحابين ، ونهاهم عما يفسد عليهم هذه المحبة : من سوء الظن ، والتجسس ، والتنافس على الدنيا ، والتحاسد ، والتباغض والتدابر .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" قوله : ( ولا تَنَافَسُوا ) الْمُرَادُ بِهِ التَّنَافُسُ فِي الدُّنْيَا، وَمَعْنَاهُ طَلَبُ الظُّهُورِ فِيهَا عَلَى أَصْحَابِهَا ، وَالتَّكَبُّرُ عَلَيْهِمْ ، وَمُنَافَسَتُهُمْ فِي رِيَاسَتِهِمْ ، وَالْبَغْيُ عَلَيْهِمْ ، وَحَسَدُهُمْ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْهَا .

وَأَمَّا التَّنَافُسُ وَالْحَسَدُ عَلَى الْخَيْرِ ، وَطُرُقِ الْبِرِّ : فَلَيْسَ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ " .

انتهى من التمهيد (18/ 22) .

فإذا أدت المنافسة إلى محرم ، أو شغلت عن واجب : فهي حرام منهي عنها.

روى البخاري (3158) ، ومسلم (2961) عن عَمْرَو بْن عَوْفٍ الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( وَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ

وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" التَّنَافُسُ مِنَ الْمُنَافَسَةِ ، وَهِيَ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ وَمَحَبَّةُ الِانْفِرَادِ بِهِ وَالْمُغَالَبَةُ عَلَيْهِ ، وَأَصْلُهَا مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ فِي نَوْعِهِ .

قَوْلُهُ (فَتُهْلِككُمْ) أَيْ لِأَنَّ الْمَالَ مَرْغُوبٌ فِيهِ ، فَتَرْتَاحُ النَّفْسُ لِطَلَبِهِ فَتُمْنَعُ مِنْهُ ، فَتَقَعُ الْعَدَاوَةُ الْمُقْتَضِيَة للمقاتلة ، المفضية إِلَى الْهَلَاك

قَالَ ابن بَطَّالٍ: فِيهِ أَنَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا يَنْبَغِي لِمَنْ فُتِحَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهَا ، وَشَرِّ فِتْنَتِهَا، فَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَى زُخْرُفِهَا وَلَا يُنَافِسُ غَيْرَهُ فِيهَا "

انتهى من " فتح الباري " (11/ 245) .

والخلاصة :

أن التنافس على الدنيا : إذا أدى إلى التكبر والبغي والحسد ، أو شغل عن أمور الآخرة : فهو تنافس مذموم .

إما إذا كان التنافس فيها على أمر مباح، لا يؤدي إلى مذموم بالشرع

: فهو تنافس مباح لا حرج فيه ، وقد يكون في بعض الأحوال مستحبا .

وقد أجمل الحافظ ابن حجر رحمه الله أحكام المنافسة في قوله في "الفتح" (1/ 167) :

" التنافس : إِنْ كَانَ فِي الطَّاعَةِ فَهُوَ مَحْمُود ، وَمِنْه (فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ)، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ ، وَمِنْهُ (وَلَا تَنَافَسُوا)، وَإِنْ كَانَ فِي الْجَائِزَاتِ : فَهُوَ مُبَاحٌ " انتهى .

ففي هذا : أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التنافس ليس المراد به كل أنواع المنافسة .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-09-10, 04:51
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


شرح حديث ابن عمر : " مَنْ قَالَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ، وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا عَدَدَ الشَّفْعِ ، وَالْوِتْرِ ... " الحديث .

السؤال:

ما صحة الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنه قَالَ : " مَنْ قَالَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ : "اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا , عَدَدَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ , وَكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ , الطَّيِّبَاتِ الْمُبَارَكَاتِ ثَلاثًا

وَلا إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ ، كُنَّ لَهُ فِي قَبْرِهِ نُورًا ، وَعَلَى الْجِسْرِ نُورًا ، وَعَلَى الصِّرَاطِ نُورًا حَتَّى يُدْخِلْنَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ " ، وما معناه ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

روى ابن أبي شيبة رحمه الله في "مصنفه" (29256) بسند صحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " مَنْ قَالَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ، وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا عَدَدَ الشَّفْعِ ، وَالْوِتْرِ، وَكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الطَّيِّبَاتِ الْمُبَارَكَاتِ

ثَلَاثًا، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ ، كُنَّ لَهُ فِي قَبْرِهِ نُورًا ، وَعَلَى الْجِسْرِ نُورًا، وَعَلَى الصِّرَاطِ نُورًا ، حَتَّى يُدْخِلْنَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ) .

انظر السؤال القادم

والمقصود بدبر كل صلاة : يعني صلاة الفرض ، لأنها المقصودة عند الإطلاق ، وقد جاء النص عليها في غير حديث وارد في الأذكار التي تقال دبر الصلوات .

روى البخاري (844) عن المُغِيرَة بْن شُعْبَةَ رضي الله عنه :

" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ : (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ) .

وروى مسلم (596) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ، ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً ، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً) .

قال الحافظ رحمه الله في شرحه للحديث الأول :

" ظَاهِرُ قَوْلِهِ (كُلِّ صَلَاةٍ) يَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ، لَكِنْ حَمَلَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْفَرْضِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ التَّقْيِيدُ بِالْمَكْتُوبَةِ ، وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ عَلَيْهَا " .

انتهى من"فتح الباري" (2/ 328) .

وروى أحمد (6498) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خَلَّتَانِ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِمَا، أَدْخَلَتَاهُ الْجَنَّةَ، وَهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ ) قَالُوا: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟

قَالَ: ( أَنْ تَحْمَدَ اللهَ وَتُكَبِّرَهُ وَتُسَبِّحَهُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ عَشْرًا، عَشْرًا، وَإِذَا أَوَيْتَ إِلَى مَضْجَعِكَ تُسَبِّحُ اللهَ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَةَ مَرَّةٍ ، فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَتَانِ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفَانِ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ ).

وحسنه محققو المسند .

فقوله في هذا الحديث : (في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ .. وَإِذَا أَوَيْتَ إِلَى مَضْجَعِكَ) كقوله في حديث ابن عمر : " مَنْ قَالَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ " .

فالمقصود في كليهما : الصلاة المكتوبة .

وقوله : " وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ " فهذا من أذكار النوم ، وقد اختلف أهل العلم في أذكار النوم ، هل تقال في نوم الليل فقط ، أم تقال في نوم النهار أيضا ؟

وقد سبق بيان ذلك في الفتوى بعد القادمه

والمقصود بقوله : ( وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ ) يعني : يقول : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَدَدَ الشَّفْعِ ، وَالْوِتْرِ، وَكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الطَّيِّبَاتِ الْمُبَارَكَاتِ ) ثَلَاثًا، كما قال في التكبير .

والمقصود بالشفع والوتر : الخلق كلهم ، فمنهم شفع ومنهم وتر .

قال القاسمي رحمه الله :

" وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ يعني الخلق والخالق. فالشفع بمعنى جميع الخلق، للازدواج فيه

كما في قوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات: 49] ، قال مجاهد: كل خلق الله شفع. السماء والأرض. والبر والبحر.

والجن والإنس والشمس والقمر والكفر والإيمان. والسعادة والشقاوة. والهدى والضلالة. والليل والنهار.

وَالْوَتْرِ هو الله تعالى لأنه من أسمائه. وهو بمعنى الواحد الأحد. فأقسم الله بذاته وخلقه.

وقيل: المعنى بالشفع والوتر، جميع الموجودات من الذوات والمعاني. لأنها لا تخلو من شفع ووتر."

انتهى من "محاسن التأويل" (9/465) .

وينظر : "التبيان في أقسام القرآن" لابن القيم (21) .

والمراد بكلمات الله التامات المباركات : كلماته سبحانه الشرعية ، أو الكونية .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" كلمات الله التامات هي: التي اشتملت على العدل والصدق، كما قال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) الأنعام/115 .
والكلمات هنا تحتمل أنها الكلمات الكونية والقدرية ، والكلمات الشرعية ، فإن الإنسان يستعيذ بكلمات الله الشرعية ، بالقرآن مثلاً، كالتعوذ بسورة الفلق ، وسورة الناس

ويتعوذ بالآيات الكونية وهي : أن الله عز وجل يحميه بكلماته الكونية من الشيطان الرجيم " .

انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (8/ 14) بترقيم الشاملة .

وأما قوله : " وعلى الجسر نورا " : فالمشهور أن الجسر هو الصراط ، كما في حديث الرؤية عند مسلم (183) : ( ... ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ ) .

قال النووي رحمه الله :

"الْجِسْرُ : هُوَ الصِّرَاطُ " انتهى من "شرح النووي على مسلم" (3/ 29) .

وقال البخاري رحمه الله في "صحيحه" (8/ 117):

" بَابُ : الصِّرَاطُ جَسْرُ جَهَنَّمَ " انتهى .

ولكن قوله في حديث ابن عمر بعد ذكر الجسر : " وعلى الصراط نورا " يمنع من تفسير الجسر بالصراط ، وإلا كان تكرارا .
فالذي يظهر - والله أعلم - أن المقصود بالجسر هنا : القنطرة التي تكون بين الجنة والنار ، حيث يتقاص المؤمنون مظالم كانت بينهم في الدنيا ، كما روى البخاري (2440) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ ) .

أما النور على الصراط : فهو النور الذي يعطاه المؤمن ويحرمه المنافق

قال تعالى : ( يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التحريم/ 8

وقال تعالى : ( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) الحديد/ 13 .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-10, 04:54
هل أذكار النوم خاصة بنوم الليل ، أم عامة ، تشمل نوم الليل والنهار ؟

السؤال:

تتغير حياة الناس في رمضان فتراهم ينامون أثناء النهار ويستيقظون في الليل لصلاة التراويح والقرآن والذكر ، فهل يجب علينا الإتيان بأذكار النوم مع أننا في الحقيقة ننام في النهار ؟

فمثلاً نجد أن الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة مخصوصتان بالليل وليس بالنهار ، فما رأيكم ؟ وماذا بالنسبة لبقية الأذكار ؟

الجواب :

الحمد لله

اختلف أهل العلم في أذكار النوم ، هل تقال في نوم الليل فقط ، أم تقال في نوم النهار أيضا ؟

فاختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه لو قالها في نوم النهار فلا حرج عليه ، فقال : " الذي يظهر لي أن أذكار النوم الواردة إنما هي في نوم الليل

لكن لا حرج على الإنسان أن يقولها في نوم النهار ؛ لأنها أذكار ، وليس هناك نص صريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يقولها إلا في نوم الليل "

انتهى من " لقاء الباب المفتوح " .

والقول الثاني : أنها خاصة بنوم الليل فقط . وهو اختيار الشيخ صالح الفوزان حفظه الله .

والقول الثالث : التفصيل : فما ورد التخصيص فيه بالليل فهو خاص بالليل ، وما لم يرد فيه تخصيص بالليل ، فهو شامل لنوم الليل والنهار .

فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل أذكار النوم المخصصة في نوم الليل فقط ؟ وهل إذا قام الإنسان من الليل لقضاء حاجة أو شرب ماء ، هل يكرر ما يقوله من الأذكار ؟

فأجاب : " الظاهر يكفيه إذا قاله عند أول ما ينام يكفي ، وإن كرر فلا بأس ، لكن السنة حصلت بالأذكار التي قالها والدعاء الذي قاله عند النوم أول ما نام

وما كان مختصا بالليل وبينه الرسول أنه إذا أراد المبيت فهذا يختص بنوم الليل ، وما لم يرد فيه التخصيص فهذا عام في كل وقت من الأذكار

أما ما جاء فيه التخصيص أنه إذا أراد أن ينام ليلا فهذا يكون سنته في الليل إذا أراد أن ينام ليلا "

انتهى من " فتاوى نور على الدرب " .

فقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ ) رواه البخاري ومسلم ، خاص بالليل ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( فِي لَيْلَةٍ ) .

وأما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا

وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ) ، فهذا ونحوه يقال في نوم الليل ونوم النهار ؛ لأنه لم يصرح فيه بالليل ، ولأن معناه يوافق نوم الليل ونوم النهار .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-10, 04:58
من الأذكار التي تقال بعد الصلاة ، وعند النوم .

السؤال :

ما صحة هذا الحديث : عن ابن عمر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قال في دبر الصلوات ، وإذا أخذ مضجعه : الله أكبر كبيراً ، عدد الشفع والوتر، وكلمات الله الطيبات المباركات - ثلاثاً -

، ولا إله إلا الله - مثل ذلك - كن له في القبر نوراً ، وعلى الحشر نوراً ، وعلى الصراط نوراً، حتى يدخل الجنة " أخرجه بن أبي شيبة 10/229. والهندي في " الكنز " ، وقال عنه حسن الإسناد ؟

الجواب :

الحمد لله

قال ابن أبي شيبة رحمه الله في "مصنفه" (29256) :

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ طَيْسَلَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " مَنْ قَالَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا عَدَدَ الشَّفْعِ

وَالْوِتْرِ، وَكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الطَّيِّبَاتِ الْمُبَارَكَاتِ ، ثَلَاثًا، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ، كُنَّ لَهُ فِي قَبْرِهِ نُورًا، وَعَلَى الْجِسْرِ نُورًا، وَعَلَى الصِّرَاطِ نُورًا حَتَّى يُدْخِلْنَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ) .

وهذا إسناد صحيح :

- طيسلة هو ابن علي ، ويقال : ابن مياس ، وثقه ابن معين وابن حبان ، وروى عنه جمع من الثقات ، وقال الحافظ رحمه الله في التقريب (ص284) : " مقبول " . فرده الشيخ الألباني رحمه الله بقوله :

" قوله في ( طيسلة ) : " مقبول " غير مقبول منه ، بل هو ثقة كما قال ابن معين فيما رواه ابن أبي حاتم عنه ( 2 / 1 / 501 ) وهو مما ذكره ابن شاهين في " ثقاته " عن يحيى ، يعني ابن معين ، وحكاه المزي في "

تهذيبه " ( 13 / 467 ) عنه ، وروى عنه جمع من الثقات " .

انتهى من "السلسلة الصحيحة" (6 /397)

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" طيسلة ، وثقه ابن معينٍ ، وهو: ابن علي اليمامي، ويقال: ابن مياسٍ " .

انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (7/ 398) .

- ومحمد بن عبد الرحمن ، هو محمد بن عبد الرحمن بن عبيد القرشي التيمى مولى آل طلحة ، ثقة من رجال مسلم ، وثقه ابن معين والترمذي وأبو علي الطوسي ويعقوب بن سفيان

وقال أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود : صالح الحديث . وقال النسائي: ليس به بأس . وذكره ابن حبان في الثقات .

"تهذيب التهذيب" (9 /267)

وقال ابن رجب في هذا الإسناد :

" ذكر الإسماعيلي : أن محمد بن عبد الرحمن ، هو: مولى آل طلحة، وهو ثقةٌ مشهورٌ، وخرّج له مسلمٌ "

انتهى من "فتح الباري" (7/ 397) .

- ومسعر ، وهو ابن كدام ، ويزيد بن هارون : ثقتان مشهوران من رجال الكتب الستة .

فإسناد هذا الأثر صحيح ، وقال المتقي الهندي رحمه الله في "

كنز العمال " (2/ 641) :

" سنده حسن " .

وهو كما قال ، أو أعلى .

وهذا الأثر هو من قول ابن عمر لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن قد يقال : إن له

حكم الرفع ، فمثل هذا لا يقال بالاجتهاد ، ولا هو مما يمكن أن يتلقاه الصحابي عن أهل الكتاب ، وخاصة إذا جاء عن مثل ابن عمر رضي الله عنهما ، وهو المعروف بتحريه والتزامه السنة وعنايته بها على التمام .

وينظر للفائدة جواب السؤال سابق

بعنوان

أذكار النوم الصحيحة

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-10, 05:05
توجيه النصوص الشرعية التي فيها عدم قبول توبة التائب

السؤال :

يقول الله تعالى في القرآن : إنه يغفر الذنوب جميعا ، ولكننا نجد في الحديث الذي رواه الترمذي أن من شرب الخمر فإن الله لا يقبل له صلاة أربعين يوما فإن تاب تاب الله عليه ، وهكذا ثلاث مرات

فإن شربها في الرابعة فإن الله لا يقبل صلاته ، ولا يقبل توبته ، ويعاقبه بالشرب من نهر الخبال يوم القيامة .الحديث ، فكيف نوفق إذاً بين هذا الحديث وبين الآيات القرآنية الكثيرة التي تنص على أن الله غفار للذنوب ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

ثبت بالأدلة القطعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة أن الله تعالى يقبل توبة من تاب إليه ، من أي ذنب كان

كقول الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 >

وكقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) الشورى/25.

وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر) رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وحسنه الألباني .

فإذا جاء في نص من نصوص الشريعة أن الله لا يقبل توبة من تاب فإن الواجب أن يحمل هذا النص على معنى من المعاني الصحيحة التي لا تتعارض مع الأصل المتقدم ، لأن نصوص الشريعة لا يمكن أن تتعارض .

ومن هذه النصوص : الحديث الوارد في السؤال وقد رواه الترمذي (1862) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا

فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ

لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ ، لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الخَبَالِ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن الترمذي " .

والمشكل في الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم في المرة الرابعة : (فإن تاب لم يتب الله عليه) .

وقد ورد مثل هذا أيضا في القرآن الكريم

في قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ ) آل عمران/90 .

وقد اتفق العلماء على أن الكافر إذا تاب من كفره وأسلم : فإن الله تعالى يقبل توبته .

فتنوعت أقوال العلماء في معنى الآية الكريمة ، غير أنهم متفقون على أنها لابد أن تفسر بمعنى لا يتعارض مع قبول الله التوبة ممن تاب إليه .

ونقتصر هنا في بيان معنى الآية على الأقوال التي يصح أن تقال أيضا في الحديث الوارد في السؤال .

فذهب بعض المفسرين إلى أن معنى ( لن تقبل توبتهم ) : أنهم لن يتوبوا إلا بعد أن يحضرهم الموت ، وتلك توبة لا تنفع ولا تقبل .

وذهب آخرون إلى أن المعنى : أنهم لن يتوبوا أصلا ، بل سيستمرون على الكفر حتى يموتوا عليه ، فجعل هؤلاء عدم قبول التوبة ، كناية عن عدم توبتهم .

فتكون هذه الآية الكريمة – على هذين المعنيين - كقول الله تعالى : (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) النساء/18 .

وقال آخرون : إن معنى (لن تقبل توبتهم) أنهم لن يوفقهم الله للتوبة ، وهذا في حقيقته هو القول السابق ، وحاصله : أنهم لن يتوبوا ، بل سيموتون على الكفر

وعدم توفيق الله لهم للتوبة إنما هو بسبب ذنوبهم وإعراضهم ، كما سيأتي الآيات الدالة على ذلك .

ومن المفسرين من اقتصر على القول الأول في تفسير الآية ، كابن كثير والبغوي رحمهما الله.

قال ابن كثير في تفسيره (2/71) :

" لا يقبل الله لهم توبة عند مماتهم، كما قال تعالى : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) ... " انتهى .

وقال البغوي رحمه الله في تفسيره (2/65) :

" فإن قيل : قد وعد الله قبول توبة من تاب ، فما معنى قوله : ( لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُم الضَّالُّونَ) ؟

قيل: لن تُقبل توبتُهم إذا رجعوا في حال المعاينة " انتهى .

ومن المفسرين من اقتصر على القول الثاني ، كالسعدي رحمه الله – وإن كان في كلامه ما يشير إلى القول الأول أيضا - فإنه قال في تفسيره (ص137) :

"يخبر تعالى أن من كفر بعد إيمانه ، ثم ازداد كفرا إلى كفره بتماديه في الغي والضلال، واستمراره على ترك الرشد والهدى، أنه لا تقبل توبتهم، أي: لا يوفقون لتوبة تقبل ، بل يمدهم الله في طغيانهم يعمهون

قال تعالى : (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) ، (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) فالسيئات ينتج بعضها بعضا، وخصوصا لمن أقدم على الكفر العظيم ، وترك الصراط المستقيم

وقد قامت عليه الحجة ، ووضح الله له الآيات والبراهين ، فهذا هو الذي سعى في قطع أسباب رحمة ربه عنه ، وهو الذي سد على نفسه باب التوبة ، ولهذا حصر الضلال في هذا الصنف

فقال (وأولئك هم الضالون) وأي: ضلال أعظم من ضلال من ترك الطريق عن بصيرة " انتهى .

ومن المفسرين من ذكر القولين في تفسير الآية ، وقد يضيف إليهما أقوالا أخرى ، ويؤخذ من كلام أكثرهم أنهم يختارون هذين القولين أو أحدهما .

قال الشنقيطي رحمه الله فيه "أضواء البيان" (1/234) :

"قال بعض العلماء : يعني إذا أخروا التوبة إلى حضور الموت ، فتابوا حينئذ ، وهذا التفسير يشهد له

قوله تعالى : (وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) [ النساء : 18 ] .

وقد تقرر في الأصول حمل المطلق على المقيد ، ولا سيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا .

وقال بعض العلماء : معنى : (لن تقبل توبتهم) لن يوفقوا للتوبة حتى تقبل منهم ، ويشهد له

قوله تعالى : (إِنَّ الذين آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازدادوا كُفْراً لَّمْ يَكُنْ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) [ النساء : 137 ]

فعدم غفرانه لهم لعدم هدايتهم السبيل الذي يغفر لصاحبه . ونظيرها قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ) [ النساء : 168-169 ]" انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-09-10, 05:06
وقال القاسمي في تفسيره "محاسن التأويل" (2/348) :

وقد أشكل على كثير قوله تعالى (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) مع أن التوبة عند الجمهور مقبولة ، كما في الآية قبلها، وقوله سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [الشورى: 25] ، وغير ذلك.

فأجابوا: بأن المراد عند حضور الموت. قال الواحديّ في (الوجيز) : لن تقبل توبتهم لأنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت، وتلك التوبة لا تقبل- انتهى- . وقيل : عدم قبول توبتهم كناية عن عدم توبتهم ، أي : لا يتوبون" انتهى .

وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله المعنى الأول في تفسير الآية فقال -كما في "مجموع الفتاوى" (4/117) :

"فإن قيل : فقد قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ) [ آل عمران : 90 ]

وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) [ النساء : 137 ] ؟

قيل : إن القرآن قد بيَّن توبة الكافر، وإن كان قد ارتد ثم عاد إلى الإسلام في غير موضع،

كقوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [ آل عمران : 86 - 89 ]

وقوله : (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ) أى : إنه لا يهديهم مع كونهم مرتدين ظالمين؛ ولهذا قال : (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، فمن ارتد عن دين الإسلام لم يكن إلا ضالًا، لا يحصل له الهدى إلى أى دين ارتد .

والمقصود أن هؤلاء لا يهديهم الله ولا يغفر لهم إلا أن يتوبوا ..

.. وهو ـ سبحانه ـ في آل عمران ذكر المرتدين، ثم ذكر التائبين منهم

ثم ذكر من لا تقبل توبته، ومن مات كافرًا

فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [ آل عمران : 90، 91 ] .

وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالًا؛ ..

.. وقال الأكثرون، كالحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي : لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت، فيكون هذا

كقوله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) [ النساء : 18 ] .

وكذلك قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) [ النساء : 137 ] ، قال مجاهد وغيره من المفسرين : ازدادوا كفرًا : ثبتوا عليه حتى ماتوا .

قلت : وذلك لأن التائب راجع عن الكفر، ومن لم يتب فإنه مستمر يزداد كفرًا بعد كفر، فقوله : (ثُمَّ ازْدَادُواْ) بمنزلة قول القائل : ثم أصروا على الكفر

واستمروا على الكفر، وداموا على الكفر، فهم كفروا بعد إسلامهم ، ثم زاد كفرهم ، ما نقص، فهؤلاء لاتقبل توبتهم، وهى التوبة عند حضور الموت" انتهى باختصار .

ثانيا :

هذان القولان اللذان قد قيلا في معنى الآية الكريمة ، يمكن أن يقالا أيضا في الحديث الوارد في السؤال .

فيكون معنى عدم قبول توبة شارب الخمر في المرة الرابعة : أنه سيؤخر التوبة ، فلا يتوب إلا حين الموت ، فلا تقبل توبته .

أو أنه لن يوفق للتوبة ، وسيموت مصرا على شرب الخمر .

أما من تاب ، قبل حضور الموت : فإن توبته مقبولة .

وقد صرح بعض العلماء أن هذا الحديث كالآية التي ذكرنا تفسيرها .

قال السندي في شرحه لسنن النسائي :

"وَهَذَا مُشْكِل... وَالْمُرَاد بِعَدَمِ قَبُول التَّوْبَة : أَنَّهُ لَا يُوَفَّق لِلتَّوْبَةِ غَالِبًا، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم" انتهى .

وقال علي القاري في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (6/2386) :

" ( فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ ) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ الشَّدِيدِ ، وَإِلَّا فَقَدَ وَرَدَ : ( مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ

... قَالَ الطِّيبِيُّ : وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : أَنَّ قَوْلَهُ : ( إِنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ ) مَحْمُولٌ عَلَى إِصْرَارِهِ وَمَوْتِهِ عَلَى مَا كَانَ ، فَإِنَّ عَدَمَ قَبُولِ التَّوْبَةِ لَازِمٌ لِلْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي ، كَأَنَّهُ قِيلَ :

مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ مَاتَ عَاصِيًا وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ ( وَسَقَاهُ ) أَيِ اللَّهُ ( مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ ) . اهـ ....

وَلَعَلَّ نَقْضَ التَّوْبَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِغَضَبِ اللَّهِ عَلَى صَاحِبِهَا ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ) النساء : 137

وَكَأنَ الْغَالِبَ أَنَّ صَاحِبَ الْعَوْدِ إِلَى الذَّنْبِ ثَلَاثًا : لَمْ تَصِحِّ لَهُ التَّوْبَةُ ، كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ بِعَدَمِ الْهِدَايَةِ وَالْمَغْفِرَةِ

قَالَ الطِّيبِيُّ : وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ) آل عمران : 90 " انتهى .

وهذا التوجيه لمعنى الحديث ، بما يتوافق مع أصول الشريعة المستمرة المقطوع بها ، هو بتقدير أن تكون هذه اللفظة : ( فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ ) محفوظة في الحديث .

وإلا ، فالحديث رواه أحمد (4917) ، من حديث عبد الله بن عمر ، بنحوه ، ولم يذكر فيه ذلك ، وإنما فيه : ( .. فإن عاد، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ تَعَالَى أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ نَهَرِ الْخَبَالِ )، قِيلَ: وَمَا نَهَرُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: ( صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ ) .

وينظر : التعليق على "مسند الإمام أحمد "، ط الرسالة (8/514) .

بل قد روي هذا الحديث ، من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص ، أيضا .

وفي رواية الإمام أحمد له في " المسند " (6644) : أن عبد الله بن الديلمي قال لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه : بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ: أَنَّه : ( مَنْ شَرِبَ شَرْبَةَ خَمْرٍ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ تَوْبَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ... ) .

فقال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنِّي لَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ !!

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ شَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ شَرْبَةً لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ

- قَالَ: فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ - فَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدْغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

فأنكر عبد الله بن عمرو أن يكون روى عدم قبول توبة شارب الخمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رواه بنحو رواية ابن عمر التي لم يذكر فيها عدم قبول التوبة .

وينظر : التعليق على " المسند " (11/220) وما بعدها ، وأيضا (11/387) .

والنفس أميل إلى عدم ثبوت هذه اللفظة في الحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فليس إسناده بذاك الذي يقوم بمثل هذا المتن المُشكل .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-09-12, 01:06
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل يمكن أن يصل التائب من المعصية إلى أعلى مراتب الشهداء ؟.

السؤال :

ذكرتم في جواب سؤال مراتب الشهداء ، وأنّ أفضل الشهداء هو : "الشَّهِيدُ الْمُفْتَخِرُ فِي خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ , لا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ "

ويليه "رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مُحِيَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ , إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الْخَطَايَا , وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ"

فهل المرتبة الثانية تعني أنّ هذا الشهيد لن يكون في خيمة الله ؟

وكوني إنسانا فقد ارتكبت المعاصي ، فهل هذا يعني أنني لن أتمكن من تحقيق أعلى مرتبة من مراتب الشهادة ونيل ثوابها؟ وما هي شروط كل مرتبة منهما ؟

وكيف يمكن لشخص أن يصل أعلى مرتبة من مراتب الشهادة إن كان قد ارتكب بعض المعاصي في حياته ؟

الجواب :

الحمد لله

عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْقَتْلى ثَلاثَةٌ : رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ

, فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُمْتَحَنُ فِي خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ , لا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ، مُحِيَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ

, إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الْخَطَايَا, وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ , فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ , وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ , وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ

وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي النَّارِ , السَّيْفُ لا يَمْحُو النِّفَاقَ ) .

رواه أحمد ( 17204 ) وجوَّد إسنادَه المنذري في " الترغيب والترهيب " ( 2 / 208 ) وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1370 ) .

وقد ضعفه آخرون ، فضعفه البوصيري في "إتحاف المهرة" ، وضعفه محققو مسند الإمام أحمد (29/204) .

وقوله : (الشهيد الممتحن) هذا هو الصواب ، وقد وقع في بعض الكتب : (الشهيد المفتخر) وأثبته محققو المسند (الممتحن) من نسخة مصححة . وقالوا : "وهو الموافق لما في مصادر التخريج" انتهى .

وأما معناه ؛ فقال الطيبي رحمه الله ، في "شرح مشكاة المصابيح" (7/312) :

" والممتحن : المجرب ؛ من قولهم: امتُحن فلان لأمر كذا ، جُرِّب له ، ودرب للنهوض به ، فهو مضطلع ، غيرُ وانٍ عنه، والمعنى أنه صابر علي الجهاد ، قوي علي احتمال مشاقه " انتهى .

وقال العيني رحمه الله في "نخب الأفكار" (16/497)

: " "فذلك الشهيد الممتحن" أي المصفى المهذب، من محنت الفضة إذا صفيتها وخلصتها بالنار" انتهى .

وقال الأزهري رحمه الله في "تهذيب اللغة" (2/142) : " هو المصفَّى المهذَّب المُخلص " انتهى .

وهذا الحديث ذكر منزلتين من منازل الشهداء، وذكر أصحابهما .

أما الأول : فرجل جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى قتل ، فهذا أفضل الشهداء ، لأنه لم يُبق شيئا إلا وبذله في سبيل الله ، ولذلك كان من أعلى درجات الشهداء ، قال الله تعالى :

(لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/ 88، 89 .

وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟) ، قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ ، قَالَ: (وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فيه دليل على فضيلة هذه الحال النادرة، أن يخرج الإنسان مجاهدا في سبيل الله بنفسه وماله ، وماله يعني: سلاحه ومركوبه، ثم يقتل ويؤخذ سلاحه ومركوبه يأخذه العدو، فهذا فقد نفسه وماله في سبيل الله، فهو من أفضل

المجاهدين، فهذا أفضل من العمل الصالح في أيام العشر، وإذا وقع هذا العمل في أيام العشر تضاعف فضله " انتهى

من " شرح رياض الصالحين " (5/ 303)

وأما الثاني : فـ (رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ، مُحِيَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ)

فقوله: (رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا) الاقتراف: الاكتساب، واقترف أَي اكتَسب، واقْتَرَفَ ذنباً أَي أَتاه وفَعَلَه، ويقال: قَرَفَ الذنبَ واقْتَرَفه: إذا عمله، وقارَفَ الذنبَ وغيرَه: داناهُ ولاصَقَهُ.

انظر: "لسان العرب" (9 /279) .

والفرق بين هذا المجاهد والمجاهد الأول : أن الأول لم يذكر عنه مقارفته الذنب ، فمفهومه أنه كان على الاستقامة في دينه ، لا انشغال لنفسه بالأهواء والمعاصي، وليس معنى ذلك أنه لا ذنب له مطلقا ، فذاك لا يوجد في الناس

ولكن اجتنب الكبائر ، فكفر الله عنه الصغائر ، أو سبقت له التوبة النصوح من الله ، قبل أن يخرج في جهاده ، والتائب من الذنب

كمن لا ذنب له ، ثم منّ الله عليه بالجهاد ، فخرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع منهما بشيء ، فذلك الشهيد الممتحن ، وهو أفضل الشهداء .

أما الثاني : فهو وإن جاهد بنفسه وماله حتى قتل ، إلا أنه كان قد قارف الذنوب والخطايا ، ثم خرج مجاهدا في سبيل ربه ، قد خلط عمل صالحا ، وآخر سيئا ، ولم يتبع سيئته بتوبة نصوح تمحوها .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ دَرَجَةِ الشَّهَادَةِ لِمَنِ اجْتَرَحَ السَّيِّئَاتِ ، مُسَاوَاةُ الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ فِي الْمَنْزِلَةِ ؛ لِأَنَّ دَرَجَاتِ الشُّهَدَاءِ مُتَفَاوِتَةٌ ؛ كَنَظِيرِهِ مِنَ الْعُصَاةِ ، إِذَا قُتِلَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا

مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ ...

وَأَمَّا الْحَدِيثُ .. الصَّحِيحُ : ( إِنَّ الشَّهِيدَ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ ، إِلَّا الدَّيْنَ ) ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ : أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُكَفِّرُ التَّبِعَاتِ ، وَحُصُولُ التَّبِعَاتِ لَا يَمْنَعُ حُصُولَ دَرَجَةِ الشَّهَادَةِ ؛

وَلَيْسَ لِلشَّهَادَةِ مَعْنًى إِلَّا أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ ثَوَابًا مَخْصُوصًا ، وَيُكْرِمُهُ كَرَامَةً زَائِدَةً . وَقَدْ بَيَّنَ الْحَدِيثَ أَنَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنْهُ مَا عَدَا التَّبِعَاتِ ؛ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ لِلشَّهِيدِ أَعْمَالًا صَالِحَةً

وَقَدْ كَفَّرَتِ الشَّهَادَةُ أَعْمَالَهُ السَّيِّئَةَ غَيْرَ التَّبِعَاتِ ؛ فَإِنَّ أَعْمَالَهُ الصَّالِحَةَ تَنْفَعُهُ فِي مُوَازَنَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ التَّبِعَاتِ ، وَتَبْقَى لَهُ دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ خَالِصَةً .

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ : فَهُوَ فِي الْمَشِيئَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .

انتهى، من "فتح الباري" (10/193) .

ومن هنا يتبين الجواب عن سؤالك : إذا كانت لي معاصي ، فكيف أبلغ المرتبة الأولى ، من مراتب الشهداء ؟

وجوابها ، كما يتبين مما سبق : بالتوبة النصوح التي أمر الله بها عباده ، كما قال : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 .

وقال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التحريم/8

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الذَّنْبُ الَّذِي يَضُرُّ صَاحِبَهُ هُوَ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَوْبَةٌ ، فَأَمَّا مَا حَصَلَ مِنْهُ تَوْبَةٌ فَقَدْ يَكُونُ صَاحِبُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ

وَلَوْ كَانَتْ التَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ ؛ فَإِنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ هُمْ خِيَارُ الْخَلِيقَةِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا صَارُوا كَذَلِكَ بِتَوْبَتِهِمْ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالذُّنُوبِ ، وَلَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ التَّوْبَةِ نَقْصًا وَلَا عَيْبًا "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (15 /54) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-12, 01:10
اشكال حول حديث زواج فاطمة بنت قيس بأسامة بن زيد

السؤال:

في الفتوى سابقة تفضلتم بالإجابة على السائل ، وفي الإجابة قلتم :

"ولذلك ، لما أراد معاوية رضي الله عنه خطبة فاطمة بنت قيس ، وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن خطبتها ؛ أشار عليها ألا تتزوج منه

لأنه فقير !! رواه البخاري ومسلم" برجاء توضيح الحديث وشرحه ، وهل يتعارض مع حديث : ( ... دينه وخلقه فزوجوه )، لأنه لم يذكر الفقر والغني كضابط ؟

الجواب :

الحمد لله

أما الحديث الأول : فعن فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ ، قالت : " إِنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى ، وَلَا نَفَقَةً

قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي ) ، فَآذَنْتُهُ ، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ ، وَأَبُو جَهْم ٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْد ٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: ( أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ ، لَا مَالَ لَهُ ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ) ، فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ ! أُسَامَةُ ! ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( طَاعَةُ اللهِ

وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَك ، قَالَتْ : فَتَزَوَّجْتُهُ ، فَاغْتَبَطْتُ ) رواه مسلم (1480) .

وأما الحديث الثاني :

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) رواه الترمذي (1084) .

، ورواه الترمذي أيضا (1085) ، من حديث أَبِي حَاتِمٍ المُزَنِيِّ رضي الله عنه .

وليس بين هذين الحديثين تعارض ، بحمد الله .

وبيان ذلك :

أن حديث أبي هريرة ضعفه جمع من الأئمة كالإمام البخاري وابن القطان والذهبي .

وبناء على هذا ؛ فلا تعارض بين حديث صحيح وآخر ضعيف ، لأن الحديث الضعيف قد ترجح أن الرسول صلى الله لم يقله ، فلا يستفاد منه حكم ، ولا يعارض به حديث آخر ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن حديث أبي هريرة وإن كان سنده ضعيفا ، إلا أنه يتقوى بحديث أبي حاتم المزنى ، ويرتقى إلى درجة "الحسن" ، ومن هؤلاء : الترمذي ، والألباني .

انظر : " إرواء الغليل " (6/266) رقم (1868) .

وعلى هذا القول أيضاً : فلا تعارض بين الحديثين ، لإمكان التوفيق بينها .

فحديث أبي هريرة يأمر بتزويج صاحب الدين والخلق ، وأن يكون الدين والخلق مقدما على المال والنسب ... وغير ذلك من الصفات التي يقصدها الناس ويزوجون صاحبها .

وحديث فاطمة بنت قيس ليس فيه ما ينافي هذا المعنى ، لأنه ليس فيه رفض معاوية من أجل فقره ، ثم تذهب فاطمة وتتزوج رجلا غنيا ليس ذا دين وخلق ، مثلا !!

بل حديث فاطمة فيه المفاضلة والاختيار بين ثلاثة رجال ، كلهم ذوو دين وخلق ، فقدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة لأنه ليس عنده ما يعاب به ، بخلاف معاوية وأبي جهم رضي الله عنهم .

فالمفاضلة كانت بين رجل ذي دين وخلق ولكنه فقير ، وآخر ذي دين وخلق أيضا ، وهو غير فقير ، فلا شك أن الثاني هو المقدم ، وهو ما أشار به الرسول صلى الله عليه وسلم .

وجواب آخر :

أن المرأة لو تقدم لها رجل ذو دين وخلق ، ولكنه كان فقيرا ، فلا يجب على المرأة قبوله ، بل لها أن ترده من أجل فقره

رجاء أن يتقدم لها رجل ذو دين وخلق وليس فقيرا ، وذلك لأن المرأة تتضرر بفقر زوجها ، ولم يلزمها الشرع بتحمل هذا الضرر أو المشقة .

قال علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/2176) :

"قوله صلى الله عليه وسلم : (لَا مَالَ لَهُ) : يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْفَقْرِ وَالْفَاقَة ِ، حَتَّى قَالَ فِي حَقِّهِ: (إِنَّهُ صُعْلُوكٌ) ...

وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ ، عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ .

وَفِيهِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ عَيْبٍ فِي الزَّوْجِ ، لِتَحْتَرِزَ الزَّوْجَةُ مِنْه ُ، لِئَلَّا تَقَعَ الزَّوْجَةُ فِي الْمَشَقَّةِ" انتهى .

وفي "المنتقى شرح الموطأ" (4/106) :

"وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ ) رَاعَى فِي ذَلِكَ حَاجَةَ النِّسَاءِ إلَى الْمَالِ يَكُونُ عِنْدَ الزَّوْجِ ، لِمَا لَهُنَّ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَالْكِسْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (28/230) :

"فَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ هَذَا فَقِيرٌ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ حَقِّك" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمن في "لقاءات الباب المفتوح" (14/231) الشاملة .

"وهذا دليل على أن للمرأة أن ترد الخاطب إذا كان فقيراً، ولكن الأفضل إذا كان ذا خلق ودين أن تتزوج به " انتهى .

ويشبه هذا ما رواه النسائي (3221) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : " خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَاطِمَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهَا صَغِيرَةٌ )

فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ ) رواه النسائي (3221) ، وصححه الألباني إسناده كما في " صحيح سنن النسائي " .

قال الشيخ محمد بن آدم الإثيوبيى :

" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم : ( إِنَّهَا صَغِيرَةٌ ) : أي وكلّ منكما لا يوافقها في السنّ ، والمقصود من النكاح دوام الألفة

وبقاء العشرة ، فإذا كان أحد الزوجين في غير سنّ الآخر ، لم يحصل الغرض كاملاً ، فربّما أدّى إلى الفُرقة المنافية لمقصود النكاح " .

انتهى من " ذخيرة العقبى " (27 / 57) .

فالثلاثة (أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم) كلهم ذو دين وخلق في أعلى الدرجات ، وكانت المفاضلة ترجح عليا لسب آخر ، غير الدين والخلق ، وهو السن ، لأنه أقرب منها سنا.

وخلاصة هذا الجواب : أن صاحب الدين والخلق ينبغي قبوله زوجا ، ما لم يكن هناك عيب فيه ، أو مانع يمنع من ذلك ، أو يترجح غيره عليه من وجه معتبر شرعا .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-12, 01:13
نكاح المؤمنين أزواجهم في الجنة .

السؤال:

ما تفسير الحديث التالي : " روى الطبري عن أبي أمامة قال : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم يتناكح أهل الجنة؟

قال: ( نعم بذكر لا يمل وشهوة لا تنقطع ، دحماً دحماً) ، وفي رواية : لكن لا مني ولا منية ) ، وفي رواية : هل ينكح أهل الجنة؟

قال: (نعم ، ويأكلون ويشربون ) " ؟

الجواب :

الحمد لله

روى ابن حبان في "صحيحه" (7402) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : " أَنَطَأُ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: ( نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، دَحْمًا دَحْمًا، فَإِذَا قَامَ عَنْهَا رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بكرا ) " .

وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط : " إسناده حسن " .

وصححه الألباني في "الصحيحة" (3351) .

وقوله : " دحما دحما " قال في لسان العرب (12/ 196):

" الدَّحْمُ : الدَّفْعُ الشَّدِيدُ ، والدَّحْمُ : النِّكَاحُ. ودَحَمَ المرأَة يَدْحَمُها دَحْماً: نَكَحَهَا "

وقال الأزهري في "التهذيب" (4/ 251):

" أَي يَدْحَمون دَحْماً، وَهُوَ شِدَّةُ الجِمَاع " .

وهذا يدل على شدة الشهوة ، مع كمال اللذة ، وهذا من تمام النعيم .

وأما سائر ألفاظ الحديث التي ذُكرت في السؤال فهي ضعيفة لم تثبت .

روى الطبراني في "الكبير" (7479) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (367) ، والبيهقي في "البعث والنشور" (367) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :

" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، سُئِلَ أَيُجَامِعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: (دَحَامًا دَحَامًا، وَلَكِنْ لَا مَنِيَّ، وَلَا مَنِيَّةَ) " .

وقال البيقي عقبه : " تَفَرَّدَ بِهِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ " .

وضعفه بهذا اللفظ البوصيري في " إتحاف الخيرة" (8/ 237) .

وقوله : " لا مني ولا منية " يعني لا مني ينزل منهم ، ولا يحصل لهم موت فيقطعهم عن نعيم الجنة ، قال ابن القيم رحمه الله : " أي لا إنزال ولا موت " .

انتهى من "حادي الأرواح" (ص 239) .

والمقصود : حصول كمال اللذة ، مع اندفاع الأذى والقذر عنهم .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في قوله تعالى : (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ) البقرة/ 25 :

" فيها إثبات الأزواج في الآخرة ، وأنه من كمال النعيم ؛ وعلى هذا يكون جماع ، ولكن بدون الأذى الذي يحصل بجماع نساء الدنيا؛ ولهذا ليس في الجنة مَنِيّ ، ولا مَنِيَّة

والمنيّ الذي خلق في الدنيا إنما خُلق لبقاء النسل ؛ لأن هذا المنيّ مشتمل على المادة التي يتكون منها الجنين ، فيخرج بإذن الله تعالى ولداً

لكن في الآخرة لا يحتاجون إلى ذلك ؛ لأنه لا حاجة لبقاء النسل؛ إذ إن الموجودين سوف يبقون أبد الآبدين لا يفنى منهم أحد "

انتهى من "تفسير القرآن" (3 /60) بترقيم الشاملة.

وروى الطبراني في "الكبير" (7541) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (262) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: " سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، هَلْ يَنْكِحُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ) .

وفي إسناده سعيد بن يوسف ، ضعفه أحمد ، وابن معين ، والنسائي ، وغيرهم .

انظر: "التهذيب" (4/103) .

وورى الطبراني في "الكبير" أيضا (7674) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (368) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : " سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ، يَتَنَاكَحُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ ، فَقَالَ: (نَعَمْ، بِذَكَرٍ لَا يَمَلُّ ، وَشَهْوَةٍ لَا تَنْقَطِعُ دَحْمًا دَحْمًا) .

وفي إسناده سليمان بن سلمة الخبائري ، وهو متروك ، وقال ابن الجنيد: كان يكذب. "ميزان الاعتدال" (2/ 209) .

وروى البزار (9416) نحوه عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وفيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، وهو ضعيف .

قال البوصيري في " إتحاف الخيرة" (8/ 236):

" مداره على الأفريقي وهو ضعيف " .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-12, 01:18
شرح حديث : ( عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمَا اللَّهُ مِنَ النَّارِ: عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ، وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَام ) .

السؤال:

ذكرتم في الفتوى أنه قد يكون المراد بالحديث محمود الغزنوي والوليد بن عبدالملك ، وهنا أتساءل :

هل يمكن أن يراد به أيضا أورنكزيب عالم كير؟

لأنه المسلم الوحيد الذي غز الهند كلها بما في ذلك بنجلادش وباكستان

بينما الباقون غزوا مدنا بعينها وليس البلاد بكاملها ؟

وكذلك شير شاه سوري غزا أجزاءً من الهند وباكستان وبنجلادش

الجواب:

الحمد لله

روى النسائي (3175) ، وأحمد (22396) عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (

عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمَا اللَّهُ مِنَ النَّارِ: عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ، وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَام )وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .

فأفاد هذا الحديث الصحيح أن هناك جماعتين من المسلمين ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بنجاتهما من النار : جماعة تغزو الهند ، وجماعة تكون مع عيسى عليه السلام .

ولم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهما إلا بالوصف المذكور ، فلا يُعرف عنهما إلا ذلك .

أما جماعة المسيح عليه السلام : فلا ينبغي الاختلاف عليها ، وأنها تكون زمان نزول المسيح عليه السلام .

وأما الجماعة التي تغزو الهند : فلم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها إلا أنها تغزو الهند ، فلا نتعدى في تعريفها ذلك .

وقد غزا المسلمون الهند ، مرة في عهد الوليد بن عبد الملك بقيادة القاسم بن محمد الثقفي ، ومرة في زمان العباسيين ، بقيادة محمود بن سُبُكتِكين .

أما السلطان " أورنك زيب " رحمه الله : فقد كان سلطان الهند ، وليس من فاتحيها الذين ابتدءوا فتحها، وغزاها من خارجها ، فقد ولد في الهند

وأبوه السلطان " شاه جيهان " من سلاطين دولة المغول في الهند ، إلا أنه رحمه الله كان قائدا مجاهدا ، حرص على نشر الإسلام ، وتصحيح العقيدة ، ونبذ البدع ، ومحاربة أهلها

فغزا كثيرا من أقاليم بلاد الهند ، حتى دانت له ، فنشر الدين ، وأخذ الجزية من كفار الهند ، وفتح الفتوحات العظيمة ، وأعزّ الله به الإسلام وأهله بتلك البلاد .

وأما شير شاه السوري: فهو أيضا سلطان من سلاطين الهند وملوكها .

وهو السلطان العادل شير شاه بن حسن خان بن إبراهيم السوري، وكان اسمه فريد خان. و"سور" قبيلة من الأفغان، وهم ينتسبون إلى الملوك الغورية .

قال عبد الحي الحسني في "نزهة الخواطر" (4/ 353):

" انتقل جده إبراهيم من جبال روه ، إلى أرض الهند ، وتوسل ولده حسن خان بالأمير جمال خان الأفغاني وأحسن الخدمة ، فأقطعه جمال خان سهسرام وخواص بور، وكان فريد خان أكبر أولاد أبيه

وكان من خيار السلاطين ، عادلاً باذلاً ، كريماً رحيماً، شجاعاً مقداماً محظوظاً جداً، كان لا يقصد باباً مغلقاً إلا انفتح ، ولا يقدم على أمر مهم إلا اتضح ، وكان وزع أوقاته من يوم وليلة

شطراً منها للعبادة ، وشطراً للعدل والقضاء، وبعضاً منها لإصلاح العسكر، فكان ينتبه من النوم في ثلث الليل الآخر ويغتسل ويتهجد ويشتغل بالأوراد إلى أربع ساعات نجومية ، ثم ينظر في حسابات الإدارات المختلفة

ويرشد الأمراء فيما يهمهم من الأمور في ذلك اليوم ، ويهديهم إلى برنامج العمل اليومي لئلا يشوشوا أوقاته بعد ذلك بالأسئلة ، ثم يقوم ويتوضأ لصلاة الفجر ويصليها بالجماعة

ثم يحضر لديه الأمراء فيسلمون عليه ، ثم يقوم ويصلي صلاة الإشراق ، ثم يسأل الناس عن حوائجهم ويعطيهم ما يحتاجون إليه من خيل وأقطاع وأموال وغير ذلك ، لئلا يسألوه في غير ذلك من الأوقات

ثم يتوجه إلى المظلومين والمستغيثين ويجتهد في إغاثتهم " انتهى باختصار .

وبالجملة : فقد كان محمود السيرة ، يقوم بالعدل بين الناس ، صاحب عبادة وصلاح ، إلا أنه كان يميل إلى التصوف ، ويحافظ على أورادهم ، كالمسبعات العشر وغيرها ، كما يعرف ذلك من ترجمته .

وهو أيضا ليس ممن غزا الهند ابتداء، لأنه مولود بها ، ولكنه غزا بعض أقاليمها.

والخلاصة :

أن حديث ثوبان رضي الله عنه في فضل هذه العصابة التي تغزو الهند لم ينص على جماعة بعينها ، ولا عيّن زمانها ، فلا نستطيع القطع بهذا الفضل لأحد من الناس ، جماعات أو أفرادا

ولكننا نحسن الثناء على كل من جاهد في سبيل الله ، وأعان على رفع كلمة الله ، واجتهد في إقامة الدين والعدل بين الناس ، ونسأل الله له الفوز بالجنة ، والنجاة من النار .

والأقرب إلى ظاهر الحديث ـ والله أعلم ـ أنه فيمن غزا الهند ابتداء ، فمن غزاها ابتداء كان أولى بهذا الفضل ممن عاش فيها ، ثم غزا بعض أقاليمها .

والله يؤتي فضله من يشاء ، والله واسع عليم ، سبحانه ، وجل وعلا .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-12, 01:24
هل المشي حافيا أحيانا من السنة ؟

السؤال:

هل المشي حافيا سنة ؟

الجواب :

الحمد لله

روى أبو داود في " السنن " (4160) ، وأحمد في " المسند " (23969) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ : " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمِصْرَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ .

فَقَالَ : أَمَا إِنِّي لَمْ آتِكَ زَائِرًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ أَنَا وَأَنْتَ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ .

قَالَ: وَمَا هُوَ؟

قَالَ: كَذَا وَكَذَا.

قَالَ: فَمَا لِي أَرَاكَ شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرُ الْأَرْضِ ؟

قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإِرْفَاهِ .

قَالَ: فَمَا لِي لَا أَرَى عَلَيْكَ حِذَاء؟

قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا " ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 247): " (الْإِرْفَاهِ) : هُوَ كثْرةُ التَّدهُّن والتَّنَعُّم.

وَقِيلَ : التَّوسُّع فِي المَشْرَب والمَطْعَم، وَهُوَ مِنَ الرِّفْهِ: وِرْد الْإِبِلِ، وَذَاكَ أَنْ تَرِد الماءَ مَتَى شاءَت .

أرادَ : تَرْك التَّنَعُّم والدَّعة ولينِ الْعَيْشِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِيّ العَجم وأرْباب الدُّنيا " انتهى .

وقوله : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا "

أي : نمشى حفاة ، حينا بعد حين .

فذهب غير واحد من أهل العلم إلى أنه يستحب الاحتفاء أحيانا .

والحكمة من هذا: تعويد النفس على الخشونة ، وإبعادها عن الدعة ، وتطبيعها على الزهد ، واحتقار الدنيا .

قال القاري رحمه الله :

" ( نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا ) أَيْ نَمْشِيَ حُفَاةً ؛ تَوَاضُعًا ، وَكَسْرًا لِلنَّفْسِ ، وَتَمَكُّنًا مِنْهُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ ، وَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: (أَحْيَانًا) : أَيْ حِينًا بَعْدَ حِينٍ " .

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (7/2827).

وقال ابن عبد القوي رحمه الله في "منظومته" :

وَسِرْ حَافِيًا أَوْ حَاذِيًا وَامْشِ وَارْكَبَنْ ** تَمَعْدَدْ وَاِخْشَوْشِنْ وَلَا تَتَعَوَّدِ

قال السفاريني رحمه الله :

" (وَسِرْ) حَالَةَ كَوْنِك (حَافِيًا) بِلَا نَعْلٍ أَحْيَانًا، اقْتِدَاءً بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ) سِرْ فِي حَالِ كَوْنِك (حَاذِيًا) أَيْ مُنْتَعِلًا "

انتهى من "غذاء الألباب" (2/340).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" لبس النعال من السنة ، والاحتفاء من السنة أيضا، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الإرفاه ، وأمر بالاحتفاء أحيانا

فالسنة أن الإنسان يلبس النعال لا بأس، لكن ينبغي أحيانا أن يمشي حافيا بين الناس ، ليظهر هذه السنة التي كان بعض الناس ينتقدها، إذا رأى شخصا يمشي حافيا قال: ما هذا؟

هذا من الجهال! وهذا غلط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثرة الإرفاه ، ويأمر بالاحتفاء أحيانا " .

انتهى من "شرح رياض الصالحين" (6/ 387) .

فيستحب للإنسان أن يمشي حافيا أحيانا ، إلا إذا كان بأرض إذا مشى فيها حافيا تعرض للضرر والأذى ، فإنه حينئذ لا يمشي إلا منتعلا .

قال المناوي رحمه الله :

" إن أمن تنجس قدميه ، ككونه في أرض رملية مثلا ولم يؤذه : فهو محبوب أحيانا - يعني المشي حافيا - بقصد هضم النفس وتأديبها

ولهذا ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي حافيا ومنتعلا، وكان الصحب يمشون حفاة ومنتعلين " .

انتهى من "فيض القدير" (1/ 317) .

وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :

"إذا كانت الأرض فيها أمور تقتضي الانتعال ، فإن الإنسان ينتعل ، فإذا كانت الأرض مثلاً فيها زجاج أو فيها حديد أو كان فيها حجارة أو شوك

أو رمضاء في شدة حرارة الشمس : فإن الإنسان يجعل هذه الوقاية التي أنعم الله تعالى بها عليه، وهي استعمال النعال .

ولكن كونه يترك النعال في بعض الأحيان : هذا هو الذي جاء في هذا الحديث عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم

وأنه كان يأمرهم بالاحتفاء أحياناً، وذلك حتى لا يحصل هناك تنعم زائد ومغالاة فيه، وإنما يحصل شيء من الخشونة والبذاذة ، ولكن لا يكون ذلك دائماً وأبداً، وإنما يكون في بعض الأحيان "
.
انتهى من "شرح سنن أبي داود" (23 /273) بترقيم الشاملة .

والحاصل :

أن المشي حافيا أحياناً من السنة ، ولكن يقيد ذلك بما إذا لم يكن في هذا الفعل في هذا البلد شهرة في حق الشخص الذي يفعله .

وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين أن الرجل إذا كان قدوة في بلده ومشهورا بالعلم فإنه يمشي حافيا أحياناً أمام الناس ، لأنهم يعلمون بذلك أن هذا من السنة .

أما إذا لم يكن الرجل كذلك ، وستناله الألسنة ، فإنه يمكن أن يكتفي بفعلها في بيته ، أو حيث لا يراه الجهال .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-09-14, 13:41
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


رد بعض الشبهات حول حرمة إمساك الزوجة الزانية

السؤال:

ذكرتم في فتواكم ما معناه أن على المرأة أن لا تنجس فراش زوجها بماء غيره، وأن هذا جريمة ، وعليه يطلقها ، وأنَّ إمساكها دياثة ينافي الفطرة. وأنا أقول : ماذا تقول في حديث بن عباس عليه السلام في حديث

: ( إن امرأتي لا ترد يد لامس ) ، وماذا تقول في قوله صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش ) ، فوالله إن قول الولد للفراش يعني أشياء أنت تفهمها وكل إنسان عاقل يفهمها

فما حاجة النبي صلي الله عليه وسلم لقول ذلك ؟ لما صلي الله عليه وسلم لم يكتفي بقول الزنا حرام وخلاص وانتهينا ، لكن ليبين الرسول أشياء في مسائل النسب

ويعلم النبي صلي الله عليه وسلم أن ابن الجارية ليس ولد سيدها ، فماذا تقول وقد عُرِفَ الزنا في الاسلام ، وعرف النسب في الاسلام ، وعرف الدياثة في الاسلام

أليس في هذا تناقض في الفتوى السابقة ، وعدم وضوح ، وقول أشياء تنافي القواعد الفقهية الشرعية سواء في النسب أو في مفهوم الدياثة ؟

الجواب :

الحمد لله

الأمر على ما جاء في الفتوى المحال عليها في سؤالك : من أنه لا يحل للرجل أن يمسك زوجته غير العفيفة ، التي يعلم من حالها أنها تقع في الفاحشة ؛ وإلا كان ديوثا .

وهذا الحكم مستقر في الشرع الشريف وفي الفطر السوية غير المنتكسة .

أما معارضتك أيها السائل لهذا الحكم

بما رواه أبو داود (2049) ، والنسائي (3229) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال

: إن عندي امرأة هي من أحب الناس إلي ، وهي لا تمنع يد لامس ، قال : ( طلقها ) ، قال لا أصبر عنها ، قال : ( استمتع بها ) ".

فإنها معارضة في غير موضعها ؛ لأن هذا الحديث ضعيف ؛ بل منكر على الصحيح من أقوال أهل العلم
.
وعلى فرض صحته فليس فيه ما يدل على أن هذه المرأة كانت تأتي الفاحشة التي هي الزنا, وقد سبق بيان هذا مفصلا في الفتوى رقم : (198540).

وأما معارضتك له بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ) رواه البخاري (2053) ، ومسلم (1457) : ففي غير موضعها أيضا

لأن هذا الحديث موضوعه إثبات نسب الولد ، ومعناه أن الولد ينسب للفراش ، أي للزوج ، إذا كانت المرأة فراشا أي متزوجة ,

فأين هذا من إمساك الزوجة الزانية ؟ إن الناظر في هذا الحديث ليدرك بأدنى تأمل أنه لا علاقة له بإمساك المرأة الزانية ، ولا بفراقها ؛ بل موضوعه إثبات النسب للزوج إذا ولد الولد على فراشه.

وأما دعواك أن هذا الحكم مخالف للقواعد الفقهية : فليتك ذكرت قاعدة واحدة من القواعد الفقهية التي خالفها هذا الحكم ,

بل هذا الحكم على وفق كتاب الله تعالى الذي نهى المؤمنين نهيا صريحا وحرم عليهم نكاح العاهرات

, قال تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 3 .

وقد استدل بهذه الآية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على أنه لا يجوز إمساك الزوجة الزانية حيث قال في " الفتاوى الكبرى " (3 / 150) : "مَسْأَلَةٌ : فِي حَدِيثٍ عَنْ «النَّبِيِّ -

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ كَفَّ لَامِسٍ» :

فَهَلْ هُوَ مَا تَرُدُّ نَفْسَهَا عَنْ أَحَدٍ؟ أَوْ مَا تَرُدُّ يَدَهَا فِي الْعَطَاءِ عَنْ أَحَدٍ ؟ وَهَلْ هُوَ الصَّحِيحُ أَمْ لَا ؟ .

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرُدُّ طَالِبَ مَالٍ ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَسِيَاقَهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ اعْتَقَدَ ثُبُوتَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا مَعَ كَوْنِهَا لَا تَمْنَعُ الرِّجَالَ ، وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ

فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 3]" انتهى .

وبهذا كله يتبين أن اعتراضك على ما نشر في الموقع ، من شأن الدياثة وما يتعلق بذلك : غير وجيه ، قد تعجلت في إيراده ، قبل تحرير مقاصد الكلام ، ومعرفة معاني النصوص .

يسر الله لك أمرك ، وفقهنا وإياك في دينه .

والله أعلم.

والحاصل:

أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( إن امرأتي لا تمنع يد لامس ) حديث ضعيف لا تقوم به الحجة، وأن حديث (الولد للفراش) خارج عن محل النزاع كما تقرر

وعليه فهذا الحكم جاء على وفق كتاب الله تعالى الذي نهى المؤمنين نهيا صريحا وحرم عليهم نكاح العاهرات

بقوله جل وعز : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 3 .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-09-14, 13:46
: الكلام على حديث : ( إن امرأتي لا تمنع يد لامس ) سندا ومتنا .

السؤال:

ﻋﻦ ابن ﻋﺒﺎﺱ ﺃﻥ ﺭﺟﻼ‌ ﻗﺎﻝ : ( ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﺍﻣﺮﺃتي ﻻ‌ ﺗمنع ﻳﺪ ﻻ‌ﻣﺲ ؟

ﻗﺎﻝ : غربها . ﻗﺎﻝ : ( أخاف أن تتبعها نفسي ؟ قال : فاستمتع بها ) ؟

إن كان صحيحا ، فكيف نرد على الذين يقولون : إن محمدا يأمر أتباعه بأن يستمتعوا بالمرأة رغم أنها لا تمنع يد رجل آخر ؟

هذا الحديث صححه الألباني في سنن أبي داوود .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى أبو داود (2049) والنسائي (3229) عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندي امرأة هي من أحب الناس إلي وهي لا تمنع يد لامس .

قال : ( طلقها ) . قال لا أصبر عنها . قال : ( استمتع بها ).

وقد اختلف العلماء في هذا الحديث ، فمنهم من صححه ، ومنهم من ضعفه ، ومنهم من أنكره :

فممن صححه : ابن حزم كما في "المحلى" (12/ 243) ، والنووي كما في "التلخيص" (3/452) وابن حجر كما في "التلخيص" (3/452) ، والألباني في "صحيح أبي داود" .

وممن ضعفه : النسائي حيث قال عقب روايته : " هذا الحديث ليس بثابت " ، ونقل ابن القيم عنه في "روضة المحبين" أنه قال :" هذا الحديث منكر "

وكذلك الإمام أحمد ، فنقل ابن الجوزي عنه في "الموضوعات" (2/ 272) أنه قال : " هَذَا الحَدِيث لَا يثبت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ لَهُ أصل " ، وكذا ضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية

كما في "مجموع الفتاوى" (32/ 116)

وقال ابن كثير رحمه الله :

" وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : مَا بَيْنَ مُضَعِّفٍ لَهُ ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ النسائي، ومنكر ، كما قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 10)

ولعل هذا هو أظهر القولين في الحديث : أنه ضعيف ، لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبهذا حكم عليه وأعله الأئمة الكبار : أحمد ، والنسائي ، وأعله البيهقي أيضا بالإرسال .

ثانيا :

اختلف العلماء في معناه على تقدير القول بصحته

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: (لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ) :

فَقِيلَ: مَعْنَاهُ : الْفُجُورُ، وَأَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ يَطْلُبُ مِنْهَا الْفَاحِشَةَ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْخَلَّالُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَالنَّوَوِيُّ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ التَّبْذِيرُ، وَأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ أَحَدًا طَلَبَ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَصْمَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، وَنَقَلَهُ عَنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ.

وَقَالَ بَعْضُ حُذَّاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: أَمْسِكْهَا: مَعْنَاهُ أَمْسِكْهَا عَنْ الزِّنَا أَوْ عَنْ التَّبْذِيرِ، إمَّا بِمُرَاقَبَتِهَا، أَوْ بِالِاحْتِفَاظِ عَلَى الْمَالِ

أَوْ بِكَثْرَةِ جِمَاعِهَا، وقِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ، أَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ يَمُدُّ يَدَهُ لِيَتَلَذَّذَ بِلَمْسِهَا، وَلَوْ كَانَ كَنَّى بِهِ عَنْ الْجِمَاعِ لَعُدَّ قَاذِفًا

أَوْ أَنَّ زَوْجَهَا فَهِمَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ أَرَادَ مِنْهَا الْفَاحِشَةَ، لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهَا " انتهى ملخصا .

"التلخيص الحبير" (3/ 452-453) ، وينظر: "إعلام الموقعين" لابن القيم (4/-265- 266) .

وقال في "عون المعبود" (6/ 32):

" خَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ طَلَاقَهَا أَنْ تَتُوقَ نَفْسُهُ إِلَيْهَا فَيَقَعَ فِي الْحَرَامِ " انتهى .

أما أن يكون المعنى أنها تزني فلا ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: " لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَأْمُرَهُ بِإِمْسَاكِهَا وَهِيَ تَفْجُرُ " انتهى .

"نيل الأوطار" (6/ 172)

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

" مِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤَوِّلُ " اللَّامِسَ " بِطَالِبِ الْمَالِ؛ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. لَكِنَّ لَفْظَ " اللَّامِسِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ مَنْ مَسَّهَا بِيَدِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا ؛ فَإِنَّ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَكُونُ فِيهَا تَبَرُّجٌ

وَإِذَا نَظَرَ إلَيْهَا رَجُلٌ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا : لَمْ تَنْفِرْ عَنْهُ ، وَلَا تُمَكِّنُهُ مِنْ وَطْئِهَا. وَمِثْلُ هَذِهِ نِكَاحُهَا مَكْرُوهٌ؛ وَلِهَذَا أَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُحِبُّهَا؛ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ تَزْنِ

وَلَكِنَّهَا مُذْنِبَةٌ بِبَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ: فَجَعَلَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ فَقَطْ ، وَلَفْظُ " اللَّمْسِ وَالْمُلَامَسَةِ " إذَا عُنِيَ بِهِمَا الْجِمَاعُ

لَا يُخَصُّ بِالْيَدِ ؛ بَلْ إذَا قُرِنَ بِالْيَدِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) " انتهى .

"مجموع الفتاوى" (32/ 116) ، وينظر : "روضة المحبين" لابن القيم (ص 129) .

وقال الصنعاني رحمه الله :

" القول بأَنَّ مَعْنَاهُ الْفُجُورُ فِي غَايَةٍ مِنْ الْبُعْدِ بَلْ لَا يَصِحُّ لقَوْله تَعَالَى (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/ 3 ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ دَيُّوثًا .

.. فَالْأَقْرَبُ الْمُرَادُ أَنَّهَا سَهْلَةُ الْأَخْلَاقِ ، لَيْسَ فِيهَا نُفُورٌ وَحِشْمَةٌ عَنْ الْأَجَانِبِ ، لَا أَنَّهَا تَأْتِي الْفَاحِشَةَ ، وَكَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ

مَعَ الْبُعْدِ مِنْ الْفَاحِشَةِ، وَلَوْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا عَنْ الْوِقَاعِ مِنْ الْأَجَانِبِ : لَكَانَ قَاذِفًا لَهَا "

انتهى باختصار من "سبل السلام" (2/ 284)

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-14, 13:50
حديث الجلوس ، في ذكر الله ، من بعد صلاة العصر الى المغرب

السؤال :

قال صلى الله عليه وسلم : ( لأن أقعد أذكر الله تعالى وأكبره وأحمده وأسبحه وأهلله حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق رقبتين من ولد إسماعيل

ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أنْ أعتق أربع رقبات من ولد إسماعيل ) . رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (466) . فهل يشترط أيضا عدم التحرك فى المكان بعد صلاة العصر إلى المغرب

والالتزام بمكاني وألا أتكلم مع أحد ، مثل الحديث الآخر الذي فيه : من جلس بعد صلاة الفجر فى مصلاه حتى تشرق الشمس ، فصلى ركعتين : كان له أجر حجة وعمرة ، تامة ، تامة ، تامة .

أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم لا يشترط الثبات في المكان ، وعدم الكلام في حديث الذكر من العصر الى المغرب؟ أفيدونا بارك الله فيكم .

الجواب :

الحمد لله

أخرج أبو داود في سننه (3667) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ :

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ : أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً». حسنه الألباني.

وأخرج أحمد في مسنده (22185): عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَأَنْ أَذْكُرَ اللهَ تَعَالَى مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ أُكَبِّرُ وَأُهَلِّلُ وَأُسَبِّحُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعًا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ

وَلَأَنْ أَذْكُرَ اللهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ : أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ كَذَا وَكَذَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ " .

وفي رواية أخرى في المسند أيضا برقم (22194):

" لَأَنْ أَقْعُدَ أَذْكُرُ اللهَ وَأُكَبِّرُهُ وَأَحْمَدُهُ وَأُسَبِّحُهُ وَأُهَلِّلُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ : أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَمِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ : أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ".

فبان بذلك : أن الروايات مرة جاءت بلفظ (لأن أذكر الله) ومرة بلفظ (لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى) ، وهذه الرواية ـ وهي رواية القعود مع الذاكرين

"لإفادة أن بركة مجالس الذكر تحصل لمن شارك فيها ، وجالس أهلها ، حتى لو كانوا هم يذكرون الله ، أو يتلون القرآن ، وهو يسمع منهم ، ويغشى مجالسهم ؛ فهم القوم لا يشقى جليسهم .

ينظر : "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (3 / 327).

والمقصود بالذكر ما " يعم الدعاء، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويلحق به ما في معناه، كدرس العلوم الشرعية" .

انتهى من مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3 / 327).

ولا يظهر أنه يشترط لتحصيل هذا الأجر البقاء في نفس البقعة التي كان فيها أثناء الصلاة ، في المسجد ، أو البيت ، من غير حركة , بل يحصل له ذلك

إن شاء الله ، ما دام في نفس المسجد ، أو المكان الذي صلى فيه ، وإن انتقل إلى بقعة أخرى ، أو تحرك هنا وهناك .
ولا يظهر

أيضا ـ أنه يشترط ترك التحدث مع الناس جملة , بل الحديث العارض ، ونحوه مما يحتاج إليه : لا بأس به ، إن شاء الله .

ولكن ينبغي على من أراد تحصيل هذا الأجر العظيم : أن يصبر نفسه على ذكر الله تعالى ، وتسبيحه ودعائه وتلاوة كتابه العزيز,

وألا ينشغل بالحديث مع الناس في الأمور الدنيوية التي يستدرج الشيطان الناس إليها ليصرفهم عن ذكر الله تعالى وعبادته .

والله أعلم.

والخلاصة:

أن هذا الفضل شامل لمن جلس وحده يذكر الله أو مع قوم يذكرون الله.

ولا يظهر أنه يشترط للحصول على هذا الأجر عدم التحرك من البقعة التي صلى فيها بل يكفي أن يكون في المسجد.

وكذا لا يشترط ترك التحدث مع الناس جملة، بل الحديث العارض ، ونحوه مما يحتاج إليه : لا بأس به ، إن شاء الله . لكن ينبغي لمن أراد تمام الأجر ألا ينشغل بالحديث مع الناس في الأمور الدنيوية بل ينشغل بالذكر والعبادة .

*عبدالرحمن*
2018-09-14, 13:53
هل يلزم البقاء في مكان صلاة الفجر كي يدرك الفضيلة ؟

السؤال :

من صلى الفجر ثم بدل المكان الذى صلى فيه ، وقعد يذكر الله ، هل يجوز أم أن عليه أن يبقى في مكانه ؟

الجواب :

الحمد لله

روى الترمذي (586) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (3403) .

والذي يظهر أن هذا الثواب لا يشترط لحصوله بقاء المصلي في المكان الذي صلى فيه ، فما دام في المسجد يذكر الله تعالى فإنه يرجى له حصول هذا الثواب

ويدل على ذلك : إطلاق الحديث : ( مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ) ، فلم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم بقاءه في المكان الذي صلى فيه

فلو انتقل إلى مكان آخر داخل المسجد ، وجلس يذكر الله تعالى ، شمله الحديث ، وقد نص على ذلك بعض أهل العلم .

قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري" (4/56) :

" ورد في فضل من جلس في مصلاه بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس أحاديث متعددة .
وهل المراد بـ ( مُصلاه ) نفس الموضع الَّذِي صلى فِيهِ ، أو المسجد الَّذِي صلى فِيهِ كله مصلى لَهُ ؟

هَذَا فِيهِ تردد .

وفي صحيح مُسْلِم عَن جابر بن سمرة ، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا صلى الفجر جلس فِي مصلاه حَتَّى تطلع الشمس حسناء .

وفي رِوَايَة لَهُ : كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مُصلاه الَّذِي يصلي فِيهِ الصبح أو الغداة حَتَّى تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قام .

ومعلوم أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يكن جلوسه فِي الموضع الَّذِي صلى فِيهِ ؛ لأنه كَانَ ينفتل إلى أصحابه عقب الصلاة ويقبل عليهم بوجهه .

وخرجه الطبراني ، وعنده : كَانَ إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حَتَّى تطلع الشمس .

ولفظة : ( الذكر ) غريبة .

وفي تمام حَدِيْث جابر بْن سمرة الَّذِي خرجه مُسْلِم : وكانوا يتحدثون فيأخذون فِي أمر الجَاهِلِيَّة، فيضحكون ويتبسم .
فهذا الحديث يدل على أن المراد بـ (مصلاه الذي يجلس فيه) : المسجد كله .

وإلى هذا ذهب طائفة من العلماء ، منهم : ابن بطة من أصحابنا وغيره " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-14, 14:06
الحكمة من سؤال الله تعالى : لمن الملك اليوم؟

لسؤال:

يطلع الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول : ( يا دنيا ؟ أين أنهارك ؟ أين أشجارك ؟ وأين عمارك ؟

أين الملوك وأبناء الملوك ؟ وأين الجبابرة وأبناء الجبابرة ؟

أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري ؟ لمن الملك اليوم ؟ فلا يجيبه أحد‎ ، فيرد الله عز وجل فيقول : الملك لله الواحد القهار .

وسؤالي هو :

لماذا الرب يسأل الدنيا وهو أعلم ؟ ولماذا يسأل إذا لم تكن هناك إجابة من أحد ؟

مع أن كل شيء ينطقه لله يجب أن ينطق لماذا لم تنطق الدنيا بأنه لم يتبق أحد؟

هذا السؤال يراودني بشدة ومنذ فترة طويلة أرجو الإجابة بإقناع .


الجواب :

الحمد لله

أولا :

لم نقف على الحديث باللفظ المذكور في شيء من كتب السنة المسندة ، وإنما ذكره ـ بهذا اللفظ ـ ابن الجوزي في كتابه " بستان الواعظين" (22) ، من غير إسناد ، في سياق بعض مواعظه .

ومثل هذا الكتاب : لا تؤخذ منه رواية ، ولا يبنى على ألفاظه حكم .

وقد ورد المعنى المذكور ، (أي : هلاك الخلائق ، وموتهم جميعا ، حتى الملائكة عليهم السلام) ، مطولا جدا في حديث مشهور عند أهل العلم ، يعرف بحديث الصور .

وهذا الحديث قد رواه : إسحاق بن راهويه في "مسنده" رقم (10) ، (1/84) ، وأبو الشيخ في "العظمة" رقم (386، 387 ، 388) ، وغيرهما .

وهو حديث مضطرب ، ضعيف من عامة طرقه . وقد سبق ذكر الحديث ، وتخريجه ، وبيان من نص على ضعفه من أئمة الحديث

ثانيا :

هذا السياق الذي استشكله السائل : (سؤال الله عز وجل للخلائق ، بعد فنائهم) ، قد ثبت في الكتاب والسنة ، ما يشهد له في الجملة ، بغض النظر عن خصوص السياق الوارد في السؤال .

قال الله تعالى في كتابه الكريم : (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ *

الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) غافر/15-17 .

وروى البخاري في صحيحه (4812) ، ومسلم (2787) أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ ؟) .

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" قوله تعالى: ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) : اتفقوا على أن هذا يقوله الله عزّ وجلّ بعد فَناء الخلائق.

واختلفوا في وقت قوله عزّ وجلّ له على قولين :

أحدهما: أنه يقوله عند فَناء الخلائق إِذا لم يبق مجيب. فيَرُدّ هو على نفسه فيقول: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، قاله الأكثرون.
والثاني: أنه يقوله يوم القيامة.

وفيمن يُجيبه حينئذ قولان: أحدهما: أنه يُجيب نفسه ، وقد سكت الخلائق لقوله تعالى . قاله عطاء.

والثاني: أن الخلائق كلَّهم يُجيبونه فيقولون: «للهِ الواحدِ القهارِ» ، قاله ابن جريج ".

انتهى من "زاد المسير" (7/212) .

وينظر : "تفسير البغوي" (7/143-144) ، "السراج المنير" للخطيب الشربيني (3/475) .
"محاسن التأويل" للقاسمي (8/305) .

ثالثا :

ليس في مثل هذا السؤال إشكال ، سواء كان من رب العالمين ، وهو علام الغيوب ، أو كان من غيره ، كما قد قيل ، وبيان ذلك من وجوه :

الأول :

أنه قد قيل إن هذا السؤال وجوابه ، إنما يكون بعد بعث الخلائق وحشرهم إلى رب العالمين ، وأن الخلق كلهم يجيبونه ، كما سبق نقله عن ابن جريج ، وحينئذ ، فلا إشكال .

وقد روي هذا القول عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : "يَجْمَعُ اللَّهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ بِأَرْضٍ بَيْضَاءَ، كَأَنَّهَا سَبِيكَةُ فِضَّةٍ لَمْ يُعْصَ اللَّهُ فِيهَا قَطُّ

فَأَوَّلُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَنْ يُنَادِيَ مُنَادٍ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟ فيجيبوا كُلُّهُمْ: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ " .

نقله أبو حيان في "البحر المحيط" 9/245) ، وبنحوه عن ابن عطية في "المحرر الوجيز" (4/551) ، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/280) إلى عبد بن حميد في "تفسيره" .

وحينئذ ، فالسؤال والجواب على ظاهره ، وقد أجاب الخلائق ربهم عن سؤاله .

الثاني :

أنه إذا قُدِّر أن الجواب ليس من الخلائق ، وإنما السائل ، والمجيب : هو رب العالمين ، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما

قال : " إِذَا هلك من في السموات وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ، فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، فَيَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ." .

انظر : "البحر المحيط" ، الموضع السابق .

فليس في ذلك إشكال أيضا ؛ فإن مقاصد السؤال البلاغية : أوسع بكثير من مجرد الاستفهام عن أمر لم يكن معلوما للسائل ؛ كما في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

: ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) .

فليس القصد من السؤال هنا : الاستعلام عن حال العباد ، كما هو مقرر معلوم ، وكما في الحديث نفسه (وهو أعلم بهم) ، وإنما الحكمة من ذلك : بيان شرف هؤلاء العباد ، والتنويه بعظيم شأنهم ، والإشادة بفضلهم عند الملائكة .

ومن مقاصد السؤال ، ما قد يكون عكس ذلك ، والسائل يعلم ـ يقينا ـ أن المسؤول لا يجيبه.

كما في صحيح مسلم (2873) من حديث عمر رضي الله عنه : " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ، بِالْأَمْسِ، يَقُولُ: ( هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا

إِنْ شَاءَ اللهُ )، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَئُوا الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: فَجُعِلُوا فِي بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ: (

يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا ؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي اللهُ حَقًّا )، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا ؟

قَالَ: ( مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شَيْئًا ) .

وفي صحيح البخاري (3976) قَالَ قَتَادَةُ : " أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ، قَوْلَهُ ، تَوْبِيخًا ، وَتَصْغِيرًا ، وَنَقِيمَةً ، وَحَسْرَةً ، وَنَدَمًا " .

فقد بين قتادة رحمه الله مقاصد مثل هذا السؤال ، وإسماع هذا الكلام للكفار ، وليس في شيء منها أنه طلب خبرهم حقيقة ، ولا أنه أراد منهم أن يخبروه بشيء كان يجهله ، صلى الله عليه وسلم .

وهذا أمر شائع في لسان العرب ، دائر في أشعارهم ، أن يسأل الشاعر الأطلال ، ومنازل الأحباب ، أو يحدث ناقته وجمله

أو يأتي القبور فيناديها ويسألها ، أو نحو ذلك ، مما هو شائع معروف ، لا ينكره من له أدنى معرفة بلسان العرب وأشعارها .

وحينئذ ، يقال هنا :

ليس في شيء من ظاهر الكلام ، ولا فحواه أن الله جل جلاله أراد أن ينطق الخلائق بجواب سؤاله ، ولا أنه طلب منهم أن ينطقوا بشيء من ذلك أصلا

وإنما هذا مقام إظهار كبريائه وعظمته ، وأن من كان ينازعه الملك في الدنيا ، بقوله ودعاواه وأكاذيبه ، لا يملك ـ في ذلك اليوم العسير ـ شيئا من أمره

ولو بمجرد القول والدعوى باللسان ، ولا يقوى أن يتقدم بين يدي رب العالمين بقول ، ولا فعل .

قال الشيخ العلامة الطاهر ابن عاشور ، رحمه الله :

" وَالِاسْتِفْهَامُ : إِمَّا تَقْرِيرِيٌّ ، لِيَشْهَدَ الطُّغَاةُ مِنْ أَهْلِ الْمَحْشَرِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُخْطِئِينَ فِيمَا يَزْعُمُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ مُلْكٍ لِأَصْنَامِهِمْ

حِينَ يُضِيفُونَ إِلَيْهَا التَّصَرُّفَ فِي مَمَالِكَ مِنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ ، مِثْلَ قَوْلِ الْيُونَانِ بِإِلَهِ الْبَحْرِ وَإِلَهِ الْحَرْبِ وَإِلَهِ الْحِكْمَةِ ، وَقَوْلِ أَقْبَاطِ مِصْرَ بِإِلَهِ الشَّمْسِ وَإِلَهِ الْمَوْتِ وَإِلَهِ الْحِكْمَةِ

وَقَوْلِ الْعَرَبِ بِاخْتِصَاصِ بَعْضِ الْأَصْنَامِ بِبَعْضِ الْقَبَائِلِ مِثْلِ اللَّاتِ لِثَقِيفٍ ، وَذِي الْخَلَصَةِ لِدَوْسٍ ، وَمَنَاةَ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ .

وَكَذَلِكَ مَا يَزْعُمُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ عَلَى النَّاسِ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ كَقَوْلِ فِرْعَوْنَ: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [الْقَصَص: 38] وَقَوْلِهِ: ( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف: 51]

وَتَلْقِيبِ أَكَاسِرَةِ الْفُرْسِ أَنْفُسَهُمْ بِلَقَبِ: مَلِكِ الْمُلُوكِ (شَاهِنْشَاهْ) ، وَتَلْقِيبِ مُلُوكِ الْهِنْدِ أَنْفُسَهُمْ بِلَقَبِ مَلِكِ الدُّنْيَا (شَاهٍ جَهَانِ) .
وَيُفَسِّرُ هَذَا الْمَعْنَى مَا فِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ يَوْمِ الْحَشْرِ : ( ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ ؟) ؛ اسْتِفْهَامًا مُرَادًا مِنْهُ : تَخْوِيفُهُمْ مِنَ الظُّهُورِ يَوْمَئِذٍ ، أَيْ : أَيْنَ هم الْيَوْم ؟ لماذَا لَمْ يَظْهَرُوا بِعَظَمَتِهِمْ وَخُيَلَائِهِمْ ؟

وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ كِنَايَةً عَنِ التَّشْوِيقِ إِلَى مَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنَ الْجَوَابِ ، لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ الَّذِي يَسْمَعُ اسْتِفْهَامًا يَتَرَقَّبُ جَوَابَهُ ، فَيَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْسِهِ الْجَوَابُ عِنْدَ سَمَاعِهِ فَضْلَ تَمَكُّنٍ ..
.
وَجُمْلَةُ : ( لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَقِيَّةِ الْقَوْلِ الْمُقَدَّرِ ، الصَّادِرِ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى ، بِأَنْ يَصْدُرَ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ اسْتِفْهَامٌ ، وَيَصْدُرَ مِنْهُ جَوَابُهُ .

لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّقْرِيرِ ، أَوِ التَّشْوِيقِ : كَانَ مِنَ الشَّأْنِ أَنْ يَتَوَلَّى النَّاطِقُ بِهِ الْجَوَابَ عَنْهُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ) [النَّبَأِ: 1، 2] .

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَقُولَ قَوْلٍ آخَرَ مَحْذُوفٍ ، أَيْ فَيَقُولُ الْمَسْئُولُونَ: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ إِقْرَارًا مِنْهُمْ بِذَلِكَ ، وَالتَّقْدِيرُ: فَيَقُولُ الْبَارِزُونَ : لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، فَتَكُونُ مُعْتَرِضَةً.

وَذِكْرُ الصِّفَتَيْنِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الصِّفَاتِ الْعُلَى لِأَنَّ لِمَعْنَيَيْهِمَا مَزِيدَ مُنَاسَبَةٍ بِقَوْلِهِ: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) ، حَيْثُ شُوهِدَتْ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ لله ، وقهره جَمِيع الطغاة والجبارين " .

انتهى من "التحرير والتنوير" (24/110-111) .

والحاصل :

أنه لا إشكال في السؤال ، أيا ما كان تقدير السائل والمجيب ، والمراد بذلك : التنبيه على عظمة الله جل جلاله ، وظهور تفرده بالملك والسلطان للخلائق ، ومثل هذه المقاصد : تعرفها العرب في لسانها ، وطرائق بيانها .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

الدرة المصونة 5
2018-09-19, 08:03
جزاااك الله خيرا على مجهوداتك أخي

*عبدالرحمن*
2018-09-20, 17:48
جزاااك الله خيرا على مجهوداتك أخي

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عني كل خير

... احترامي و تقديري ....

*عبدالرحمن*
2018-09-20, 17:54
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


شرح حديث : ( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) .

السؤال:

ما شرح هذا الحديث " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته" ؟

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (2652) ، ومسلم (2533) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) .

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: "وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَالعَهْدِ" .

قال النووي رحمه الله :

"الصَّحِيحُ أَنَّ قَرْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّحَابَةُ ، وَالثَّانِي : التَّابِعُونَ ، وَالثَّالِثُ : تَابِعُوهُمْ"

انتهى من " شرح النووي على مسلم " (16/85) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" قوله: (خير الناس) دليل على أن قرنه خير الناس، فصحابته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من الحواريين الذين هم أنصار عيسى ، وأفضل من النقباء السبعين الذين اختارهم موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وهذه الأفضلية أفضلية من حيث العموم والجنس ، لا من حيث الأفراد ، فلا يعني أنه لا يوجد في تابعي التابعين من هو أفضل من التابعين ، أو لا يوجد في التابعين من هو أعلم من بعض الصحابة ، أما فضل الصحبة

فلا يناله أحد غير الصحابة ولا أحد يسبقهم فيه ، وأما العلم والعبادة ، فقد يكون فيمن بعد الصحابة من هو أكثر من بعضهم علما وعبادة " .

انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (10/ 1057-1058) .

قوله: (ثم يجيء قوم) . أي: بعد القرون الثلاثة.

قوله : (تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ)

قال القاري رحمه الله :

" قِيلَ: ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَةِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَالْيَمِينِ ، فَتَارَةً يَحْلِفُونَ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ ، وَتَارَةً يَعْكِسُونَ. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَثَلًا فِي سُرْعَةِ الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ، وَحِرْصِ الرَّجُلِ عَلَيْهِمَا

وَالْإِسْرَاعِ فِيهِمَا، حَتَّى لَا يَدْرِيَ أَنَّهُ بِأَيِّهِمَا يَبْتَدِئُ، وَكَأَنَّهُ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ مِنْ قِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالدِّينِ "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (6/ 2444) .

وقال ابن الجوزي رحمه الله :

" يعني أنهم لا يتورعون في أقوالهم، ويستهينون بالشهادة واليمين " .

انتهى من "كشف المشكل" (1/ 291) .

وقال المناوي رحمه الله :

" قال البيضاوي كالكرماني: هم قوم حراص على الشهادة مشغوفون بترويجها، يحلفون على ما يشهدون به، تارة يحلفون قبل أن يشهدوا، وتارة يعكسون "

انتهى من "فيض القدير" (3/ 478)

وقال الشيخ ابن عثيمين :

" قوله: (تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته) . يحتمل ذلك وجهين:

الأول: أنه لقلة الثقة بهم لا يشهدون إلا بيمين، فتارة تسبق الشهادة وتارة تسبق اليمين.

الثاني: أنه كناية عن كون هؤلاء لا يبالون بالشهادة ولا باليمين، حتى تكون الشهادة واليمين في حقهم كأنهم متسابقتان.

والمعنيان لا يتنافيان، فيحمل عليهما الحديث جميعا.

وقوله: (ثم يجيء قوم) يدل على أنه ليس كل أصحاب القرن على هذا الوصف؛ لأنه لم يقل: ثم يكون الناس، الفرق واضح "

انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (10/ 1057) .

فمعنى الحديث : أنه يجيء بعد القرون الفاضلة أقوام لا يؤتمنون على شهاداتهم وأيمانهم ، ويكثر فيهم الكذب .

قوله: "وقال إبراهيم" هو إبراهيم النخعي، من فقهاء التابعين .

قوله: " كانوا يضربوننا على الشهادة " .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" أي: يضربوننا عليها إن شهدنا زورا، أو إذا شهدنا ولم نقم بأدائها، ويحتمل أن المراد بذلك ضربهم على المبادرة بالشهادة والعهد، وبه فسر ابن عبد البر.

قوله: " والعهد " . أي: إذا تعاهدوا يضربونهم على الوفاء بالعهد.

قوله: " ونحن صغار " الجملة حالية، وإنما يضربونهم وهم صغار للتأديب.

ويستفاد من كلام إبراهيم أن الصبي تقبل منه الشهادة ؛ لأن قوله: (ونحن صغار) ،أي: لم يبلغوا، وهذا محل خلاف بين أهل العلم.

فقال بعضهم: يشترط لأداء الشهادة أن يكون بالغا، فإذا تحمل وهو صغير؛ لم تقبل منه حتى يبلغ.

وقال بعضهم: شهادة الصغار بعضهم على بعض مقبولة تحملا وأداء ؛ لأن البالغ يندر أن يوجد بين الصغار .

وقال بعضهم: تقبل شهادة الصغار بعضهم على بعض إن شهدوا في الحال ؛ لأنه بعد التفرق يحتمل النسيان أو التلقين ، ولا يسع العمل إلا بهذا، وإلا لضاعت حقوق كثيرة بين الصبيان.

ويستفاد من هذا الأثر: جواز ضرب الصبي على الأخلاق إذا لم يتأدب إلا بالضرب " .

انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (10/ 1058-1059).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-20, 18:01
العبد المؤمن بين الخوف والرجاء، إلى أن يلقى الله تعالى .

السؤال:

يقول الله في حديث قدسي : (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء) . وهناك مقولة قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لو أحد قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله " .

هل لم يحسن سيدنا عمر الظن بالله فهو من المبشرين بالجنة ، وهو ثاني أكبر صحابة النبي بعد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه ؟

هل إذا اطمأن قلب العبد يخاف من مكر الله ؟ أرجو تفسير واضح لعلاقة المقولة بالحديث .

الجواب:

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (7405) ، ومسلم (2675) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ) .

والحديث باللفظ الوارد في السؤال : رواه الإمام أحمد (16016) وغيره ، من حديث سُلَيْمَانَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي السَّائِبِ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَيَّانُ أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: " دَخَلْتُ مَعَ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَلَى أَبِي الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ

فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو الْأَسْوَدِ يَمِينَ وَاثِلَةَ فَمَسَحَ بِهَا عَلَى عَيْنَيْهِ ، وَوَجْهِهِ لِبَيْعَتِهِ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ : وَاحِدَةٌ، أَسْأَلُكَ عَنْهَا؟ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّكَ ؟ قَالَ : فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ : وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ ، أَيْ حَسَنٌ قَالَ وَاثِلَةُ: أَبْشِرْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ ) .

قال محققو المسند ـ ط الرسالة ـ : "إسناده صحيح" . وصححه الألباني في "صحيح الجامع".

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَى حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ . قَالُوا: وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ يَكُونُ خَائِفًا رَاجِيًا وَيَكُونَانِ سَوَاءً . وَقِيلَ

: يَكُونُ الْخَوْفُ أَرْجَحَ فَإِذَا دَنَتْ أَمَارَاتُ الْمَوْتِ غَلَّبَ الرَّجَاءَ أَوْ مَحّضَهُ ؛ لأَنَّ مَقْصُودَ الْخَوْفِ الِانْكِفَافُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ

وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَوْ مُعْظَمُهُ فِي هَذَا الْحَالِ ، فَاسْتُحِبَّ إِحْسَانُ الظَّنِّ الْمُتَضَمِّنُ لِلِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِذْعَانِ لَهُ "

انتهى من "شرح النووي على مسلم" (17/ 210) .

وروى الإمام أحمد (9076) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ ) وصححه محققو المسند .

قال المناوي رحمه الله :

" أي: إن ظن بي خيرا أفعل به خيرا، وإن ظن بي شرا أفعل به شرا " .

انتهى من "فيض القدير" (2/ 312) .

فعلى المسلم أن يحسن الظن بربه ، بإحسان العمل ، والإقبال على الله ، فإن أساء أحسن الظن بالله بالتوبة وعدم التسويف ، والرجاء أن يغفر الله له ويتجاوز عنه .

ثانيا :

قال تعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) الأعراف/99 .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" المقصود من هذا: تحذير العباد من الأمن من مكره بالإقامة على معاصيه والتهاون بحقه ، والمراد من مكر الله بهم : كونه يملي لهم ويزيدهم من النعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وخلاف أمره

فهم جديرون بأن يؤخذوا على غفلتهم ويعاقبوا على غرتهم ؛ بسبب إقامتهم على معاصيه، وأمنهم من عقابه وغضبه "

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (24/ 232) .

وقال أيضا :

" الواجب على المسلم ألا يقنط ولا يأمن ، ويكون بين الرجاء والخوف ، لأن الله ذم الآمنين ، وذم القانطين ، فقال سبحانه: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)

وقال سبحانه: (لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) . فالواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس ، ولا يقنط ويدع العمل ، بل يكون بين الرجاء والخوف يخاف الله ، ويحذر المعاصي

ويسارع في التوبة ، ويسأل الله العفو ، ولا يأمن من مكر الله، ويقيم على المعاصي ويتساهل " .

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" لابن باز (4/ 38) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُؤْمِنُ يَعْمَلُ بِالطَّاعَاتِ وَهُوَ مُشْفِق وَجِل خَائِفٌ، وَالْفَاجِرُ يَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي وَهُوَ آمِنٌ " .

انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/ 451) .

ثالثا :

ما يذكره بعض الناس عن أبي بكر رضي الله عنه - ويحكيه بعضهم عن عمر رضي الله عنه – أنه قال : " لو كانت إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها لما أمنت مكر الله " لم نجد له أصلا في كتب أهل الحديث ، ولا نعلم أحدا من أهل العلم ذكره .

وقد سئل عنه الشيخ الألباني رحمه الله فقال :

" ما أعرفه " انتهى .

وفي هذا الكلام - بعد عدم ثبوت صحته- نظر ؛ فالمؤمن لا يأمن مكر الله ما دام لم يدخل الجنة ، فإذا وطئت قدمه الجنة أمن مكر الله ، ولا يعرف أن أحدا وطئ بإحدى قدميه الجنة ، فأخرجه الله منها ، وأدخله النار .

وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله :

متى يجد العبد طعم الراحة ؟

فقَالَ: " عند أول قدم يضعها فِي الجنة "

انتهى من "طبقات الحنابلة" (1/ 293) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-20, 18:05
ما المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام : ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه ) ؟

السؤال:

في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي أمامة البَاهِلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه

اقرؤوا الزَّهراوَينِ البقرة وسورة آل عمران .. ) الحديث ، فما معنى ( اقرؤوا ) ، هل هو الحفظ أو مجرد التلاوة ؟

الجواب :

الحمد لله

الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام : ( اقرؤوا القرآن ) يدل على مطلق القراءة ، سواء كانت تلك القراءة من المصحف ، أو كانت عن ظهر قلب ( حفظاً ) .

"(شَفِيعًا لأَصْحَابه) أَي لقارئيه"

انتهى من "التيسير شرح الجامع الصغير" للمناوي (1/193) .

والمقصود من ذلك مداومة القراءة وملازمة ذلك ، ويدل لهذا قوله : ( لأصحابه ) ، فالصاحب هو الملازم .

جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية " (3/125)

" ولا شك أن من قرأ القرآن وعمل بمقتضاه وطبق أحكامه وأتقنها وداوم على قراءته وتعاهده ، فإنه يفوز برضا الله وجنته ، ويحصل على الدرجات العلا من الجنة مع السفرة الكرام البررة

وأنه يكون شفيعا ومحاجا لأصحابه العاملين به ، سواء كان حافظا للقرآن عن ظهر قلب ، أو قرأه من المصحف دون حفظ له

ويدل لذلك ما أخرجه الإمام مسلم وأحمد عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه )" انتهى .

وقراءة القرآن وحدها لا تكفي لحصول الشفاعة به ، بل لا بد مع القراءة أن يعمل به ؛ ويدل لهذا ما جاء في الحديث الآخر الذي رواه مسلم (805) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، وَآلُ عِمْرَانَ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا ).

جاء في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (4/1461) :

" ( الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ ) دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَرَأَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ ، وَلَا يَكُونُ شَفِيعًا لَهُمْ ، بَلْ يَكُونُ الْقُرْآنُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ " انتهى .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ) خرجه مسلم في صحيحه ، وأصحابه : هم العاملون به

كما في الحديث الآخر : وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به ... إلخ الحديث ) "

انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (8/156) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-20, 18:10
حكم الاستنثار وحده من غير وضوء لمن قام من نوم الليل ؟

السؤال:

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات ، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه ) كتاب الطهارة -ظ¢ظ¢ظ©-

ورد في هذا الحديث لفظ الاستنثار مجرداً عن صفة الوضوء . فهل يحمل ذكر الاستنثار وحده على القيام بالوضوء ( كاملا ) ؛ لأن الاستنثار غالبا يأتي في الأدلة تابعا لنسق عبادة الوضو

لا ينفصل عنها ؟ أو أنه يسن الاستنثار وحده للقائم من نومه إن قام لغير صلاة مثلا ؟

وإن كان يصح الاستنثار وحده ، هل يشرع للحائض فعل ذلك باعتبار أنها سنه وأنها تطرد الشيطان ؟

الجواب :

الحمد لله

حمل جماعة من أهل العلم رحمهم الله حديث مسلم الوارد في السؤال على إرادة الوضوء ، أي يستنثر إذا توضأ ؛ واستدلوا على ذلك برواية البخاري التي فيها ذكر الوضوء .

فقد روى البخاري (3295) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثًا ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ).

قال الصنعاني رحمه الله :
" الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ مُطْلَقًا ، إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ « إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ » الْحَدِيثَ ، فَيُقَيَّدُ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ بِهِ هُنَا ، بِإِرَادَةِ الْوُضُوءِ "

انتهى من " سبل السلام " (1/64) .

وذهب آخرون إلى أن الاستنثار يشرع لكل مستيقظ من نوم الليل ، سواء توضأ أو لم يتوضأ ؛ وذلك أخذا بعموم رواية مسلم ، وقالوا - أيضاً - : العلة التي من أجلها شرع الاستنثار

في قوله عليه الصلاة والسلام : ( فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ ) يستوي فيها من أراد الوضوء ، ومن لم يرد ، فكل واحد منهما يستحب له أن يزيل عنه أثر الشيطان في ذلك الموضع .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"وعلى كل حال فإن الله تعالى قد يسلط الشيطان على بني آدم ، فإذا نام بات الشيطان على خيشومه بإذن الله عز وجل ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستنثار

وهو أن تستنشق الماء ، ثم تستنثره ، ثلاث مرات ؛ تطهيرا للخيشوم من أثر الشيطان .

وهذا التسليط من الله عز وجل له حكمة ، لكننا لا نعلم ما هي ، إلا أننا نعلم أنه لم يسلط إلا لحكمة .

وهو غير استنثار الوضوء ، لأن استنثار الوضوء يكون من أعمال الوضوء ، لكن هذا استنثار خاص ، حتى لو فرض أن الإنسان في البر وليس عنده ماء ، ويريد أن يتيمم بدل الوضوء ، نقول : استنثر ثلاثا ، لهذه الحكمة"

انتهى من "الشرح المختصر لبلوغ المرام" (2/50) الشاملة .

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" مشروعية الاستنثار عند القيام من نوم الليل بالماء ثلاث مرات ، من العلماء من يرى أنه واجب ، ومنهم من يرى أنه مستحب ، والصحيح أنه واجب ؛ لأن ظاهر الأمر الوجوب .

لكن هل يستنثر وهو لم يرد الوضوء ؟

ظاهر الحديث أنه يستنثر كل مستيقظ من النوم ، ولو لم يرد الوضوء ، ولكن في رواية البخاري تقييد ذلك فيما إذا أراد الوضوء : (إذا استيقظ أحدكم فأراد أن يتوضأ فليستنثر ثلاثا)

فيحمل المطلق على المقيد في أنه إذا استيقظ من نومه وأراد الوضوء ، فإنه يستنثر .

ومن العلماء من يرى العموم ، بأنه يستنثر ولو لم يرد الوضوء ؛ لأن العلة عامة في قوله : ( فإن الشيطان يبيت على خيشومه ) ، وهذا أحوط وأنفع للإنسان "

انتهى من " تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام " (1/118) .

وقال الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله :

" جاء الحديث مطلقاً لمن أراد أن يتوضأ ، أو لم يرد الوضوء هنا ، والعلة تقتضي التعميم ، تعميم الحالات ، لكن جاء التقييد بالوضوء

ومن أهل العلم من يرى أن كل من استيقظ يلزمه أن يستنثر ثلاثاً؛ لأن العلة معقولة وليست مقرونة بوضوء

(فإن الشيطان يبيت على خيشومه) افترضنا أن شخصاً استيقظ من نومه، وخرج إلى الدوام، العلة أن الشيطان يبيت على خيشومه، هل نقول: إذا كنت لا تريد الوضوء

ولا تريد الصلاة لا مانع من أن يستمر الشيطان في خيشومك؟

أو لا بد من إزالته ولو لم يرد الوضوء والصلاة؟ نعم، هذه حجة من يقول: إنه لا بد من الاستنثار ولو لم يرد الصلاة ولو لم يتوضأ؛ لأن هذا أمر مستقل، وما ورد فيه القيد بالوضوء لبعض الأفراد بحكم موافق

وحينئذٍ لا يقتضي التخصيص، نعم التنصيص على الاستنثار والاستنشاق مع الوضوء يدل على شدة الاهتمام به والعناية، وأنه من أجزاء الوضوء .... "

شرح بلوغ المرام للخضير .

فعلى هذا ؛ ينبغي لكل من استيقظ من النوم أن يستنثر إزالةً لأثر الشيطان من أنفه ، وإذا كان سيتوضأ ، فالأمر بالاستنثار حينئذ آكد .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-09-23, 10:31
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

بعض الأحكام المتعلقة بغسل اليدين لمن قام من نوم الليل

السؤال:

قرأت حديثاً يقول بضرورة غسل اليدين بعد الاستيقاظ من النوم لأن المرء لا يعلم أين باتت يده

فهل هذا الحديث صحيح ؟

وكم مرة يجب غسلهما ؟

وهل يُعمل بذلك بعد نوم الليل فقط أم بعد أي نوم كقيلولة بعد الظهر وما شابه ذلك ؟

وهل غسلهما واجب أم مستحب ؟

وماذا لو مسّ شيئاً قبل غسلهما هل يتنجس ذلك الشيء ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

نعم ، الحديث صحيح ؛ فقد روى البخاري (162) ، ومسلم (278) – واللفظ له - :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) .

ثانياً :

غسل اليدين للقائم من نوم الليل ، جاء في بعض روايات الحديث ، أنها تغسل ثلاثاً

وفي البعض الآخر التخيير بين غسلها ثلاثاً أو اثنتين ؛ ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الاقتصار على المرتين في غسل اليدين لمن قام من نوم الليل ؛ أخذاً برواية التخيير .

فحديث مسلم السابق ، فيه التنصيص على الثلاث : ( حتى يغسلها ثلاثاً )

وجاء عند النسائي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : ( إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا

فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن النسائي " .

جاء في " شرح أبي داود للعيني " (1/280) :

" وذكر فيه الغسل مرتين أو ثلاثاً نحو ما ذكره في الرواية الأولى ، ويستفاد من هذه الرواية : أنه إذا اكتفى بالغسل مرتين ، يجوز ؛ لأنه مستحب ثلاثاً " انتهى .

ثالثاً :

اختلف أهل العلم رحمهم الله : هل غسل اليدين لمن استيقظ من النوم خاص بنوم الليل ، أو هو عام في نوم الليل والنهار ؟ على قولين :

والذي عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله : أن الحكم عام في نوم الليل والنهار .

قال العراقي رحمه الله في " طرح التثريب" (2/42-43) .

" احتج الجمهور بعموم قوله : (من نومه) على أنه لا فرق في ذلك بين الليل والنهار ، وخالف في ذلك أحمد وداود ، فخصصا هذا الحكم بنوم الليل

لقوله في آخر الحديث : ( أين باتت يده ) ، ولرواية أبي داود وابن ماجه : ( إذا قام أو استيقظ أحدكم بالليل ) ....
.
قال أحمد فيما رواه الأثرم عنه

: فالمبيت إنما يكون بالليل . قال ابن عبد البر : أما المبيت فيشبه أن يكون ما قال أحمد صحيحا فيه ؛ لأن الخليل قال في كتاب العين : البيتوتة دخولك في الليل .... .

وقد خالف أحمد في ذلك صاحبه إسحاق بن راهويه فقال : لا ينبغي لأحد استيقظ ليلًا أو نهارا إلا أن يغسل يده قبل أن يدخلها الوضوء

قال : والقياس في نوم الليل أنه مثل نوم النهار .

وما قاله إسحاق هو الذي عليه عامة العلماء ، وأجابوا عن الحديث بأن ذلك خرج مخرج الغالب ، ويدل لذلك رواية أبي داود : (أو كانت تطوف يده ) ، ورواية الدارقطني: (أو طافت يده )

ولا يلزم من صيغة (أو) في الروايتين أن يكون ذلك شكا ، بل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال : الأمرين معا يريد أين باتت يده في المبيت ؟ أو أين كانت تطوف يده في نومه مساء كان أو نهارا . انتهى .

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى

: ويؤيد ما ذهب إليه أحمد وداود ما في رواية الترمذي ، وابن ماجه ، وأخرجه أبو داود ، وساق مسلم إسنادها " إذا استيقظ أحدكم من الليل " وما في رواية لأبي عوانة ساق مسلم إسنادها أيضا "

إذا قام أحدكم للوضوء حين يصبح " ، لكن التعليل بقوله " فإنه لا يدري أين باتت يده " يقتضي إلحاقَ نوم النهار بنوم الليل ، إنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة .

وقال النووي رحمه الله :

وحكي عن أحمد في رواية أنه إن قام من الليل كره له كراهة تحريم ، وإن قام من النهار كره له كراهة تنزيه . قال : ومذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم

بل المعتبر الشك في نجاسة اليد ، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها ، سواء كان قام من نوم الليل ، أو النهار ، أو شك " انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-09-23, 10:31
رابعاً :

غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من نوم الليل ، مختلف في حكمه ، والذي عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله : أن غسل اليدين في تلك الحال مستحب وليس واجباً

فلو خالف الشخص ولم يغسل يديه ، فلا إثم عليه ، كما أنه إذا مس شيئاً قبل أن يغسل يديه ، فإنه لا يحكم بنجاسة ذلك الشيء الممسوس .

قال ابن قدامة رحمه الله :

" فَأَمَّا عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ ، فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي وُجُوبِهِ ؛ فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُهُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْهُ ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ

لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الْإِنَاءَ ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ

: ( فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي وَضُوءٍ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ) . وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ، وَنَهْيُهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ .

وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ . وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) [المائدة: 6] . الْآيَةَ .

قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي تَفْسِيرِهَا : إذَا قُمْتُمْ مِنْ نَوْمٍ . وَلِأَنَّ الْقِيَامَ مِنْ النَّوْمِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فِي أَوَّلِهِ

وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْإِجْزَاءِ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَائِمٌ مِنْ نَوْمٍ ، فَأَشْبَهَ الْقَائِمَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، لَتَعْلِيلِهِ بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ،

وَهُوَ قَوْلُهُ : ( فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) وَطَرَيَانُ الشَّكِّ عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا ، كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النَّدْبَ " .

انتهى من " المغني " (1/73) .

وقال النووي رحمه الله :

" النَّهْيُ عَنْ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى : أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ ، فَلَوْ خَالَفَ وَغَمَسَ لَمْ يَفْسُدِ الْمَاءُ ، وَلَمْ يَأْثَمِ الْغَامِسُ "

انتهى من " شرح مسلم للنووي " (2/180) .

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية " (4/19) :

" قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) رواه مسلم .

هل من قام من نوم ليلا ووضع يديه في إناء به ماء ، هل سلب طهورية الماء ولا يجوز الوضوء به أم باق على الطهورية ويجوز الوضوء به ، فأيهما أصح وأولى ؟

الجواب : النهي الوارد في هذا الحديث أمر تعبدي لا يقتضي تنجيس الماء ، والصحيح جواز الوضوء به " انتهى .

وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

"وفي قوله: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يدُه)، دليل على أنَّ الماء لا يتغيَّر الحكم فيه ؛ لأن هذا التَّعليلَ يدلُّ على أن المسألةَ من باب الاحتياط ، وليست من باب اليقين الذي يُرفَعُ به اليقينُ.

وعندنا الآن يقينٌ ؛ وهو أن هذا الماء طَهُورٌ، وهذا اليقينُ لا يمكنُ رفعُه إلا بيقين، فلا يُرفَعُ بالشَّكِّ"

انتهى .الشرح الممتع (1/50) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-23, 10:39
لماذا استعمل الصحابة الحرق بالنار كعقوبة على بعض الجرائم ؟

السؤال :

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: لا يعذب بالنار إلا الله ؟! وبالتالي أليس الحرق محرم في الشرع ؟

لقد ذكرتم في الفتوى أن علياً وأبا بكر وخالد بن الولد حرقوا مرتكبي جريمة اللواط ، أفلا يأثمون لفعل ذلك ؟

وحتى على فرض أنه يُقتل قصاصاً، أليس القصاص بالحرق حرام ؟

الجواب :

الحمد لله

العقوبة بالتحريق بالنار قد ثبت النهي عنها .

عَنْ عِكْرِمَةَ : " أَنَّ عَلِيًّا رضى الله عنه حَرَّقَ قَوْمًا ، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ

وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ‏" رواه البخاري ( 3017 ) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : " بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ فَقَالَ: ( إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ )

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَدْنَا الخُرُوجَ : ( إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا ، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا ) " رواه البخاري ( 3016 ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

" وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم "

انتهى من " فتح الباري " ( 6 / 150 ) .

وهذا النهي العام عن العقوبة بالتحريق بالنار استثنى منه جمهور أهل العلم التحريق بالنار على سبيل القصاص ، والمعاقبة بالمثل ؛ فمن حرَّق غيره ، يجوز ـ على هذا القول ـ أن يعاقب بالحرق قصاصا .

واستدلوا بقوله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )البقرة /194.

وقوله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ )النحل /126 .

والقاعدة الأصولية تقول : إن إعْمال النصين الصحيحين ، غير المنسوخين : أولى من إهمال أحدهما .

فلهذا يرى جمهور الفقهاء جواز التحريق بالنار على وجه القصاص
.
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى :

" وقالت طائفة : من حرق يحرق ، وبه قال مالك وأهل المدينة والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق "

انتهى من " التوضيح لشرح الجامع الصحيح " ( 18 / 61 ) .

ثانيا :

أما ما ذكر في الفتوى من أن علياً وأبا بكر وخالد بن الولد حرقوا مرتكبي جريمة اللواط

فيقال في الجواب عنه :

الصحابة رضوان الله عليهم ، خاصة كبارهم كالخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم قد أثنى الله عليهم في القرآن وثبتت فضائلهم بالسنة ، وكل ذلك بسبب شدة امتثالهم وطاعتهم لأوامر الشرع

وثباتهم عليها واجتهادهم في الدعوة إليها حتى لقوا الله تعالى وهم كذلك .

ومن كانت هذه حالهم ، فإننا إذا وجدنا لهم قضاء أو فتوى ظاهرها يعارض نصا شرعيا ، ففي هذه الحالة يجب اتباع الآتي :

الخطوة الأولى : علينا أن نتأكد من صحة ما نسب إليهم . فلا يجوز أن ننسب لشخص شيئا لم نتأكد من صحة ثبوته .
وحوادث القتل بالنار المنسوبة للصحابة رضوان الله عليهم ليست كلها صحيحة

وما جاء في الفتوى التي أشرت إليها ، فهذه الفتوى كانت بصدد بيان أقوال أهل العلم في عقوبة فاعل فاحشة اللواط ، فسيقت جميع الأقوال المذكورة في كيفية العقوبة على هذه الفاحشة .

وقد ذكر التحريق اتباعا لمن قال بثبوته عن الصحابة ، كابن القيم رحمه الله تعالى حيث قطع بثبوت هذه الحادثة كما سيق قوله في الفتوى .

لكن يوجد من خالف ابن القيم وضعف هذه القصة ؛ ومنهم البيهقي رحمه الله تعالى حيث قال في "السنن الكبرى" ( 17 / 219 ) : " هذا مرسل " انتهى .

ومن المعروف : أن المرسل أحد أنواع الحديث الضعيف.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

" أما الإحراق : فروى ابن أبي الدنيا من طريق البيهقي ، ومن طريق ابن المنكدر : أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر أنه وجد رجلا في بعض نواحي العرب ، ينكح كما تنكح المرأة

فجمع أبو بكر الصحابة ، فسألهم ، فكان أشدهم في ذلك قولا علي ، فقال : نرى أن نحرقه بالنار ، فاجتمع رأي الصحابة على ذلك .

قلت : وهو ضعيف جدا ، ولو صح لكان قاطعا للحجة ".

انتهى من " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " ( 2 / 103 ) .

*عبدالرحمن*
2018-09-23, 10:40
وعلق الشيخ بكر أبو زيد على هذه الرواية بقوله :

" وحكم الأئمة بأنه حديث مرسل كما صرح به البيهقي والشوكاني " .

انتهى من " الحدود والتعزيرات عند ابن القيم " ( ص 175 ) .

فالحاصل أن هذه الحادثة غير مقطوع بصحتها وثبوتها .

الخطوة الثانية : ففي حالة صحة نسبة فتوى أو قضاء ما ، كقصة علي رضي الله عنه .

عَنْ عِكْرِمَةَ : " أَنَّ عَلِيًّا رضى الله عنه حَرَّقَ قَوْمًا ، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ

: (لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ )، وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ‏) " رواه البخاري ( 3017 ) .

ففي مثل هذه الحادثة لا بد من وجود سبب جعل عليّا رضي الله عنه يقضي بالتحريق ، وهذه الأسباب المحتملة :
السبب الأول : لعله لم يصله حديث النهي ، فالصحابة رضوان الله عليهم هم كباقي البشر

يفوت الواحد منهم من العلم ، بحسب حاله ، كما فات أبا بكر وعمر ، مسائل من العلم ، علمها غيرهم ، وهما أفضل من علي رضي الله عنهم جميعا .

وكما فاتت غيرهم أيضا من مسائل العلم ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ما هو معلوم .

قال الحازمي رحمه الله تعالى :

" عن عكرمة ( أن عليا حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام

فبلغ ابن عباس فقال : لم أكن لأحرقهم بالنار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله ، وكنت أقتلهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه .

قال : فبلغ ذلك عليا ، فقال : ويح ابن عباس ).

هذا حديث ثابت صحيح .

قالوا : واستعجاب علي من كلام ابن عباس : يدل على أنه لم يكن قد بلغه النسخ ، وحيث بلغه قال به ، ولولا ذلك لأنكر على ابن عباس قوله " .

انتهى من " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار " ( ص 194 ) .

السبب الثاني : لعله نسي حديث النهي ولم يتذكره ، والناسي معذور غير آثم .

ولهذا نظائر في سير الصحابة أن بعضهم قد ينسى حديثا فيذكِّره الآخر .

قال محمد بن علي بن آدم الإثيوبي :

" ويحتمل أن يكون قالها – أي قول علي ( ويح ابن عباس ) - رضًا بما قال ، وأنه حفظ ما نسيه "

انتهى من " ذخيرة العقبى في شرح المجتبى " ( 31 / 385 ) .

السبب الثالث : لعله كان يتأول أن النهي لمجرد الكراهة وليس للتحريم ، كما اختار ذلك بعض أهل العلم .

قال الزرقاني رحمه الله تعالى :

" فقال – علي رضي الله عنه -

: ( ويح أم ابن عباس ) . وهو محتمل أنه لم يرض اعتراضه عليه ، ورأى أن النهي للتنزيه ؛ لأن عليا كان يرى جواز التحريق ، وكذا خالد بن الوليد وغيرهما تشديدا على الكفار ، ومبالغة في النكاية والنكال " .

انتهى من " شرح الموطأ " ( 3 / 193 - 194 ) .

وعلى مثل هذه الأسباب يحمل حرق أبي بكر رضي الله عنه لأصحاب فاحشة اللواط ، إن ثبتت صحتها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة - المقبولين عند الأمة قبولا عاما- يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته ، دقيق ولا جليل .

فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولكن إذا وجد لواحد منهم قول ، قد جاء حديث صحيح بخلافه ، فلا بد له من عذر في تركه . وجميع الأعذار ثلاثة أصناف :
أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله .

والثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول .

والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ .

وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة ... "

انتهى من " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " ( ص 8 – 9 ) .

فالحاصل : المقطوع به أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يتعمدوا مخالفة النهي عن العقوبة بالتحريق ، وما روي عن بعضهم إما أنه غير صحيح ، أو أنه صحيح لكنهم معذورون فيه وفعلوه عن اجتهاد وهم من أهله .

والمجتهد إذا بذل كل وسعه للقضاء والفتوى بالحق وأخطأ فإنه مأجور وليس بآثم .

عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (‏ إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ) رواه البخاري ( 7352 ) ، ومسلم ( 1716 ) .
وينظر للفائدة :

"شرح الكوكب المنير" (4/491-492) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-23, 10:48
شرح حديث : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) .

السؤال :

لي سوال عن هذا الحديث ، ﻋﻦ ﺗﻤﻴﻢ ﺑﻦ ﺃﻭﺱ ﺍﻟﺪﺍﺭﻱ ، ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : (ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ﺛﻼﺛﺎ ) ، ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻤﻦ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ؟ ، ﻗﺎﻝ : ( ﻟﻠﻪ ﻭﻟﻜﺘﺎﺑﻪ ﻭﻟﺮﺳﻮﻟﻪ ﻭﻷﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻋﺎﻣﺘﻬﻢ ) (

ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ.) ١-ما معنى هذه الكلمة 'النصيحة' ؟

٢-وما معن هذا الحديث ؟

ما هي النصيحة لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، والأئمة المسلمين وعامتهم ؟

الجواب :

الحمد لله

روى الإمام مسلم رحمه الله في "صحيحه" (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) قُلْنَا لِمَنْ ؟ ، قال : ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) " .

- وأصل النصح في اللغة : الخلوص ، ونَصَحَ الشيءُ : خَلَصَ. والناصحُ : الْخَالِصُ مِنَ الْعَسَلِ وَغَيْرِهِ. وَكُلُّ شيءٍ خَلَصَ ، فَقَدْ نَصَحَ .

انظر : "لسان العرب" (2/ 615) .

قال ابن الأثير رحمه الله في "النهاية" (5/ 63):

" النَّصِيحَةُ: كَلِمَةٌ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةٍ ، هِيَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَلَيْسَ يُمكنُ أَنْ يُعَبَّر هَذَا الْمَعْنَى بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَجْمَع مَعْنَاهُ غَيْرَهَا" انتهى .

وقال أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ :

" النَّصِيحَةُ : كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ مَعْنَاهَا حِيَازَةُ الْحَظِّ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ ، وَقِيلَ: النَّصِيحَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصَحَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ إِذَا خَاطَهُ، فَشَبَّهُوا فِعْلَ النَّاصِحِ فِيمَا يَتَحَرَّاهُ مِنْ صَلَاحِ الْمَنْصُوحِ لَهُ ، بِمَا يَسُدُّهُ مِنْ خَلَلِ الثَّوْبِ .

وَقِيلَ: إِنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصَحْتَ الْعَسَلَ ، إِذَا صَفَّيْتَهُ مِنَ الشَّمْعِ، شَبَّهُوا تَخْلِيصَ الْقَوْلِ مِنَ الْغِشِّ ، بِتَخْلِيصِ الْعَسَلِ مِنَ الْخَلْطِ .
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: عماد الدين وقوامه النصحية ، كَقَوْلِهِ : (الْحَجُّ عَرَفَةُ) أَيْ : عِمَادُهُ وَمُعْظَمُهُ عَرَفَةُ "

انتهى من "شرح النووي على مسلم" (2/ 37) .

- أما النصيحة لله تعالى، فقال الخطابي :

" معنى النصيحة لله سبحانه: صحةُ الاعتقادِ في وحدانيته ، وإخلاصُ النية في عبادته " .

انتهى من"جامع العلوم والحكم" (1/ 229)

وقال النووي رحمه الله :

" أَمَّا النَّصِيحَةُ لِلَّهِ تَعَالَى : فَمَعْنَاهَا مُنْصَرِفٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْهُ ، وَتَرْكِ الْإِلْحَادِ فِي صِفَاتِهِ، وَوَصْفِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ كُلِّهَا، وَتَنْزِيهِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ

وَالْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، وَالْحُبِّ فيه ، والبغض فيه، وموالاة من أطاعه ومعاداة مَنْ عَصَاهُ، وَجِهَادِ مَنْ كَفَرَ بِهِ، وَالِاعْتِرَافِ بِنِعْمَتِهِ وَشُكْرِهِ عَلَيْهَا، وَالْإِخْلَاصِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ،

وَالدُّعَاءِ إِلَى جَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهَا، وَالتَّلَطُّفِ فِي جَمعِ النَّاسِ أَوْ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ عَلَيْهَا "

انتهى من "شرح النووي على مسلم" (2/ 38) .

وقال ابن الجوزي رحمه الله :

" النصيحة لله عز وجل : المناضلة عن دينه والمدافعة عن الإشراك به ، وإن كان غنيا عن ذلك ، لكن نفعه عائد على العبد "

انتهى من " كشف المشكل" (4/ 219) .

- وأما النصيحة لكتابه :

فتكون بالإيمان به ، وبتلاوته ، وتدبر آياته ، والاتعاظ بمواعظه ، والوقوف عند حدوده ، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه .

قال النووي رحمه الله :

" وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى : فالإيمان بأنه كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنْزِيلُهُ لَا يُشْبِههُ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْخَلْقِ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ

ثُمَّ تَعْظِيمُهُ وَتِلَاوَتُهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ، وَتَحْسِينُهَا وَالْخُشُوعُ عِنْدَهَا، وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ ، وَالذَّبُّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِ الْمُحَرِّفِينَ وَتَعَرُّضِ الطَّاعِنِينَ ، وَالتَّصْدِيقُ بِمَا فِيهِ ، وَالْوُقُوفُ مَعَ أَحْكَامِهِ

وَتَفَهُّمُ عُلُومِهِ وَأَمْثَالِهِ ، وَالِاعْتِبَارُ بِمَوَاعِظِهِ ، وَالتَّفَكُّرُ فِي عَجَائِبِهِ ، وَالْعَمَلُ بِمُحْكَمِهِ ، وَالتَّسْلِيمُ لِمُتَشَابِهِهِ ، وَالْبَحْثُ عَنْ عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ، وَنَشْرُ عُلُومِهِ ، وَالدُّعَاءُ إِلَيْهِ، والى ما ذكرناه مِنْ نَصِيحَتِهِ " .

انتهى من "شرح النووي على مسلم" (2/ 38) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" النصيحة لكتابه تتضمن أموراً منها :

الأول: الذبّ عنه ، بأن يذب الإنسان عنه تحريف المبطلين ، ويبيّن بطلان تحريف من حرّف.

الثاني : تصديق خبره تصديقاً جازماً لا مرية فيه ، فلو كذب خبراً من أخبار الكتاب لم يكن ناصحاً، ومن شك فيه وتردد لم يكن ناصحاً.

الثالث: امتثال أوامره، فما ورد في كتاب الله من أمر فامتثله ، فإن لم تمتثل لم تكن ناصحاً له.

الرابع : اجتناب ما نهى عنه، فإن لم تفعل لم تكن ناصحاً.

الخامس: أن تؤمن بأن ما تضمنه من الأحكام هو خير الأحكام، وأنه لا حكم أحسن من أحكام القرآن الكريم .
السادس: أن تؤمن بأن هذا القرآن كلام الله عزّ وجل حروفه ومعناه

تكلم به حقيقة، وتلقاه جبريل من الله عزّ وجل ونزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين "

انتهى من "شرح الأربعين النووية" (ص 116) .

*عبدالرحمن*
2018-09-23, 10:48
- وأما النصيحة لرسوله : فقال ابن رجب رحمه الله :

" والنصيحة لرسوله : قريب من ذلك ؛ الإيمان به وبما جاء به، وتوقيرُه وتبجيلهُ ، والتمسك بطاعته ، وإحياءُ سنته ، واستثارة علومها، ونشرُها

ومعاداةُ من عاداه وعاداها، وموالاةُ من والاه ووالاها، والتخلقُ بأخلاقه ، والتأدبُ بآدابه ، ومحبة آله وصحابته ، ونحو ذلك " .

انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/ 233) .

وقال الشيخ ابن عثيمين :

" النصيحة لرسوله تكون بأمور منها:

الأول : تجريد المتابعة له ، وأن لا تتبع غيره ، لقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/ 21 .

الثاني: الإيمان بأنه رسول الله حقاً، لم يَكذِب ، ولم يُكذَب ، فهو رسول صادق مصدوق.

الثالث : أن تؤمن بكل ما أخبر به من الأخبار الماضية والحاضرة والمستقبلة .

الرابع : أن تمتثل أمره .

الخامس : أن تجتنب نهيه .

السادس : أن تذبّ عن شريعته .

السابع : أن تعتقد أن ما جاء عن رسول الله ، فهو كما جاء عن الله تعالى ، في لزوم العمل به ، لأن ما ثبت في السنة ، فهو كالذي جاء في القرآن .

الثامن : نصرة النبي صلى الله عليه وسلم : إن كان حياً : فمعه وإلى جانبه ، وإن كان ميتاً : فنصرة سنته صلى الله عليه وسلم "

انتهى من "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 117) .

- أما نصيحة أئمة المسلمين : فقال النووي :

" مُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى الْحَقِّ ، وَطَاعَتُهُمْ فِيهِ وأمرهم به ، وتنبيهم وَتَذْكِيرُهُمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ ، وَإِعْلَامُهُمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَتَرْكُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ

وَتَأَلُّفُ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِمْ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنَ النَّصِيحَةِ لَهُمُ : الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ ، وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ ، وَأَدَاءُ

الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ ، وَتَرْكُ الْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ عَلَيْهِمْ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ حَيْفٌ أَوْ سُوءُ عِشْرَةٍ ، وَأَنْ لَا يُغَرُّوا بِالثَّنَاءِ الْكَاذِبِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالصَّلَاحِ "

انتهى من"شرح النووي على مسلم" (2/ 38) .

وقال ابن رجب رحمه الله :

" النصيحة لأئمة المسلمين: معاونتُهم على الحق ، وطاعتُهم فيه ، وتذكيرهم به ، وتنبيههم في رفق ولطف ، ومجانبة الوثوب عليهم ، والدعاء لهم بالتوفيق، وحث الأغيار على ذلك " .

انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/ 233) .

- وأما النصيحة للمسلمين :

قال ابن رجب :

" وأما النصيحة للمسلمين: فأن يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه ، ويشفق عليهم ، ويرحم صغيرهم ، ويوقر كبيرهم ، ويحزن لحزنهم ، ويفرح لفرحهم

وإن ضره ذلك في دنياه ، كرخص أسعارهم ، وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته ، وكذلك جميع ما يضرهم عامة ، ويحب ما يصلحهم ، وألفتهم ودوام النعم عليهم

ونصرهم على عدوهم ، ودفع كل أذى ومكروه عنهم ، وقال أبو عمرو بن الصلاح : النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير ، إرادة وفعلا " .

انتهى من "جامع العلوم والحكم" (ص 80) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-23, 10:52
ما اسم المهدي الذي يكون آخر الزمان ؟

السؤال :

هل يمكن أن يكون اسم المهدي اسماً آخر غير محمد أو أحمد ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أسماء متعددة كالمبشر والشاهد وعبد الله ..الخ ، فهل يمكن أن يكون له اسماً من أسماء النبي الأخرى تلك ؟

وهل يمكن أن يكون اسم أبيه على غير اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم، فيما نعلم ، من ولد إسماعيل بن إبراهيم ، وأبوه ليس فقط عبد الله بن عبد المطلب

أي هل يمكن القول بأن اسم المهدي قد يكون مثلاً عبد الله بن إسماعيل أو ما شابه ذلك ؟

وهل هناك حديث صحيح ينص على أن اسم المهدي لا بد أن يكون "محمد بن عبد الله" ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى أبو داود (4282) - واللفظ له - ، والترمذي (2230) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي - أَوْ : مِنْ أَهْلِ بَيْتِي

- يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا ، وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الْأَحَادِيثَ الَّتِي يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ ، رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمْ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ "

انتهى من"منهاج السنة النبوية" (8/ 254) .

وروى أبو داود (4290) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : " قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ ، فَقَالَ: ( إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ) .

فدل الحديث والأثر على أن المهدي الذي يبعث آخر الزمان يوافق اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، واسم أبيه اسم أبيه .

وهذا يعني أن اسمه : " محمد بن عبد الله " . وهذا هو ما نص عليه أهل العلم :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن اسمه "محمد بن عبد الله" .

انتهى من "جامع المسائل" (3/ 99) .

وقال أيضا :

" الْمَهْدِيُّ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ "
.
انتهى من "منهاج السنة النبوية" (4/ 95) .

وقال أيضا :

" وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمَهْدِيِّ: (يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي) : صَارَ يَطْمَعُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَهْدِيَّ

حَتَّى سَمَّى الْمَنْصُورُ ابْنَهُ مُحَمَّدًا وَلَقَّبَهُ بِالْمَهْدِيِّ مُوَاطَأَةً لِاسْمِهِ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ بِاسْمِ أَبِيهِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَوْعُودَ بِهِ "

انتهى من "منهاج السنة النبوية" (4/ 98) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ الْفَاطِمِيُّ الْحَسَنِيُّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، أَيْ: يَتُوبُ عَلَيْهِ ، وَيُوَفِّقُهُ، يُلْهِمُهُ رُشْدَهُ ، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ " .

انتهى من "البداية والنهاية" (19/ 62) .

وقال القاري رحمه الله :

" ( يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِيَ، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي ) : فَيَكُونُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ ; حَيْثُ يَقُولُونَ: الْمَهْدِيُّ الْمَوْعُودُ هُوَ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ " .

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (8/ 3439) .

وقال في "عون المعبود" (11/ 250):

" (يواطىء اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي) فَيَكُونُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ " انتهى .

وينظر : "الشفا" للقاضي عياض رحمه الله (2/ 470-471) .

وعلى هذا ؛ فالمهدي الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم اسمه (محمد بن عبد الله) .

لأن "محمد" أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي يذكر في الشهادتين ، والأذان ، والتشهد ، وغير ذلك من شعائر العبادات ، وهو الذي ذكر في عامة موارد النداء في القرآن .

ولأن المتبادر إلى الذهن من قوله صلى الله عليه وسلم : (اسم أبي) أنه أبوه مباشرة ، وليس أحد أجداده ؛ فلا ينصرف إلى غيره إلا بقرينة واضحة .

قال الإمام البخاري :

" بَاب مَا جَاءَ فِي أَسْمَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : ( مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار ) وَقَوْله : ( مِنْ بَعْدِي اِسْمه أَحْمَد )" انتهى .

قال الحافظ ابن حجر :

"كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ أَشْهَر أَسْمَائِهِ , وَأَشْهُرهمَا مُحَمَّد , وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ , وَأَمَّا أَحْمَد فَذُكِرَ فِيهِ حِكَايَة عَنْ قَوْل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام "

انتهى من " فتح الباري" (6/555) .

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يعين لنا اسم المهدي حتى نعرفه بذلك ، ولا يلتبس علينا ، فإذا كان المراد أحد أجداده ، لم يحصل بذلك تعيين الاسم ، ولفات المقصود من الحديث .

أما : الماحي ، والحاشر ، والعاقب ، فهذه وإن كانت من أسمائه صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه لا يعبر بها عنه عند الإطلاق ، بل لابد أن تقرن هذه الأسماء بما يبين معناها

ويبين الصفة التي تضمنتها ، وبها تنطبق على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : (أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ ) ثم قال :

( وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي ، وَأَنَا الْعَاقِبُ وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ ) رواه البخاري (3532) ، ومسلم (2354) .

وينظر : "زاد المعاد" لابن القيم (1/84) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-23, 10:57
شرح حديث : ( مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ..) الحديث

السؤال:

أخرج الترمذي في سننه عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق

حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها ، فما المقصود بترك اللباس؟ وهل يقصد بها الغالي والنفيس وما الضابط في ذلك ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى الترمذي (2481) وحسنه ، وأحمد (15631) ، والحاكم (7372) عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الجُهَنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

( مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا )

وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي .

وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي"، وكذا حسنه محققو مسند الإمام أحمد .

ومعنى الحديث : أن من ترك لبس الثياب الحسنة النفيسة غالية الثمن ، وهو يقدر على ذلك ؛ تواضعا لله ، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق

وخيره من حلل الإيمان يلبس من أيها شاء ، جزاء له على تواضعه لله ، وزهده في الدنيا ، وبعده عن الخيلاء والتكبر والإسراف .

قال الترمذي رحمه الله عقب روايته :

" وَمَعْنَى قَوْلِهِ : (حُلَلِ الإِيمَانِ): يَعْنِي : مَا يُعْطَى أَهْلُ الإِيمَانِ مِنْ حُلَلِ الجَنَّةِ " انتهى .

وقال المناوي رحمه الله :

" (من ترك اللبَاس) أَي : لبس الثِّيَاب الْحَسَنَة المرتفعة الْقيمَة (تواضعا لله) أَي : لَا ليقال : إنه متواضع أَوْ زاهد وَنَحْوه ، والناقد بَصِير (وَهُوَ يقدر عَلَيْهِ : دَعَاهُ الله يَوْم الْقِيَامَة على رؤوس الْخَلَائق)

أَي : يشهره بَين النَّاس ويناديه (حَتَّى يخيره من أَي حلل الايمان شَاءَ يلبسهَا) " .

انتهى من "التيسير" (2/ 409) .

وقال ابن علان رحمه الله :

" (من ترك اللباس) أي أعرض عنه (تواضعاً) وتركاً لزهرة الحياة الدنيا (وهو يقدر عليه) أما التارك للعجز فلا . نعم : إن عزم أنه لو كان قادراً عليه لأعرض عنه تواضعاً

أثيب على نيته (دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق) زيادة في تشريفه (حتى يخيره من أي حلل الإيمان يشاء) ، و"حتى" غاية لمقدر: أي وينشر تشريفه ثمة (أي : هناك) بأنواع الشرف

إلى أن يخيره بين حلل أهل الإيمان المتفاوتة المقام، فيختار الأعلى ، وقوله : (يلبسها) جملة مستأنفة لبيان القصد من التخيير فيها "

انتهى من "دليل الفالحين" (5/ 284) .

فالمقصود بترك اللباس : ترك ارتداء الثياب الغالية الثمن النفيسة ، التي لا يقدر على شرائها إلا الأغنياء .

وضابط هذا : العرف ، فكل ما كان من الثياب في عرف الناس وفي أسواقهم فاخرا مرتفع القيمة ، لا يقدر على شرائه إلا الأغنياء : فهو من ذلك .

وقد يختلف هذا من مجتمع إلى مجتمع ، ومن بلد إلى بلد ، فقد يكون الثوب نفيسا في بلد لا يقدر عليه أوساط الناس ، ويكون الثوب نفسه في بلد آخر في متناول الجميع .

ثانيا :

هذا لا يعني أن لبس الثياب الحسنة مذموم ، وأن الرجل كلما كان ثوبه رثا ، كان أكمل إيمانا ، وأعظم أجرا ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس من أنواع الثياب

ويتجمل للوفود . روى مسلم (91) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ) قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً

قَالَ: ( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ) رواه الترمذي (2819) وحسنه ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

قال القاري رحمه الله :

" قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي إِذَا آتَى اللَّهُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا فَلْيُظْهِرْهَا مِنْ نَفْسِهِ، بِأَنْ يَلْبَسَ لِبَاسًا يَلِيقُ بِحَالِهِ، لِإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلِيَقْصِدَهُ الْمُحْتَاجُونَ لِطَلَبِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ،

وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ : يُظْهِرُوا عِلْمَهُمْ لِيَسْتَفِيدَ النَّاسُ مِنْهُمُ اهـ.

فَإِنْ قُلْتَ: أَلَيْسَ قد حَثَّ عَلَى الْبَذَاذَةِ؟ قُلْتُ: إِنَّمَا حَثَّ عَلَيْهَا ، لِئَلَّا يَعْدِلَ عَنْهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلَا يَتَكَلَّفُ لِلثِّيَابِ الْمُتَكَلِّفَةِ ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي عَادَةِ النَّاسِ، حَتَّى فِي الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ

فَأَمَّا مَنِ اتَّخَذَ ذَلِكَ دَيْدَنًا وَعَادَةً ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْجَدِيدِ وَالنَّظَافَةِ، فَلَا ; لِأَنَّهُ خِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ " .

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (7/ 2783) .

وعلى هذا ؛ فالمسلم يلبس الثياب الحسنة أو المتواضعة ، ويكون له نية حسنة في الحالتين ، فيثاب على ذلك ، ولكن الثياب الحسنة لها أحوال وأوقات تكون أنسب وأرغب فيها

وللثياب المتواضعة أحوال وأوقات تكون أنسب وأرغب فيها ، والذي ينبغي لمسلم أن يراعي هذا ، فيفعل كل فعل في الوقت والحال المناسب له .

ولذلك قال العلماء :

إذا كان الرجل في بيئة متوسطة : فالأكمل في حقه لبس الثياب المتواضعة ، وترك لبس الثياب الرفيعة ، وإذا كان في بيئة ميسورة الحال : فالأكمل في حقه لبس الثياب الحسنة الرفيعة .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح الحديث الوارد في السؤال :

" إذا كان الإنسان بين أناس متوسطي الحال لا يستطيعون اللباس الرفيع ، فتواضع ، وصار يلبس مثلهم ، لئلا تنكسر قلوبهم ، ولئلا يفخر عليهم ، فإنه ينال هذا الأجر العظيم .

أما إذا كان بين أناس قد أنعم الله عليهم ، ويلبسون الثياب الرفيعة ، لكنها غير محرمة

فإن الأفضل أن يلبس مثلهم ؛ لأن الله تعالى جميل يحب الجمال، ولاشك أن الإنسان إذا كان بين أناس رفيعي الحال يلبسون الثياب الجميلة ، ولبس دونهم ، فإن هذا يعد لباس شهرة .

فالإنسان ينظر ما تقتضيه الحال :

فإذا كان ترك رفيع الثياب تواضعا لله ، ومواساة لمن كان حوله من الناس : فإن له هذا الأجر العظيم .

أما إذا كان بين أناس قد أغناهم الله ، ويلبسون الثياب الرفيعة : فإنه يلبس مثلهم " .

انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/ 317) .

والمقصود: أن الحديث يدل على الزهد والتواضع وعدم الإسراف ، ولكن لا يدل على ترك اللباس الحسن بالكلية ، واختيار الثياب الرثة دائما .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-23, 11:01
تَفسِيرُ قَولِ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: " إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ " .

السؤال:

وردت أحاديث كثيرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح النساء ولم يضع يده قط في أيديهن، لكنني رأيت رواية ذات مرة تقول : إن امرأة أخذت النبي صلى الله عليه وسلم من يده ...الخ. فكيف نفهم هذه الرواية ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه ، ولمسه لها : حرام لا يجوز .

ولا فرق في ذلك بين الشابة والمرأة العجوز .

أما الصغيرة التي لا تُشتهى ، ممن دون سبع سنين : فلا حرج في النظر إليها ومصافحتها .

ثانيا :

كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء ، وما مست يده يد امرأة أجنبية قط .

ولما أرادت النساء أن يبايعن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمصافحة ، اكتفى بمبايعتهن بالكلام وقال لهن : (إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ

إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) رواه النسائي (4181) - وهذا لفظه - وابن ماجة (2874) ، وأحمد (27006) ، وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .

وقالت عائشة رضي الله عنها : " قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ) وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ ، غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ "

رواه البخاري (4891) ، ومسلم (1866) .

وفي رواية للبخاري (7214) : " وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ ، إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا " .

قال ولي الدين العراقي رحمه الله :

" فيه : أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه ، لا في مبايعة ، ولا في غيرها ، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه : فغيره أولى بذلك .

والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه ؛ فإنه لم يُعدَّ جوازه من خصائصه " .

انتهى من "طرح التثريب" ( 7 / 44 ، 45 ) .

أما ما رواه البخاري (6072) عن أنس رضي الله عنه أنه قَالَ: " إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ " .

فقد حمل العلماء هذا الحديث على أن المراد به حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وانقياده لتلك الأمة ، وموافقته لها حتى يقضي حاجتها .

ولم يحملوا الأخذ باليد في هذا الحديث على ظاهره في الإمساك باليد ، وهذا أسلوب عربي معروف ، كما في الدعاء : "اللهم خذ بأيدينا إليك" أي : وفقنا للانقياد لك ، لأن من أخذ بيدك فقد انقدت له .

*عبدالرحمن*
2018-09-23, 11:02
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (10/490) :

" الْمَقْصُودُ مِنَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ : لَازِمُهُ ، وَهُوَ الرِّفْقُ ، وَالِانْقِيَادُ " انتهى .

وقال العيني رحمه الله في "عمدة القاري" (22/ 141):

" الْمرَاد من الْأَخْذ بِيَدِهِ : لَازمه ، وَهُوَ الرِّفْق والانقياد ، يَعْنِي : كَانَ خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذِه الْمرتبَة، هُوَ أَنه لَو كَانَ لأمة حَاجَة إِلَى بعض مَوَاضِع الْمَدِينَة

وتلتمس مِنْهُ مساعدتها فِي تِلْكَ الْحَاجة ، واحتاجت بِأَن يمشي مَعهَا لقضائها : لما تخلف عَن ذَلِك حَتَّى يقْضِي حَاجَتهَا " انتهى .

وانظر : "إرشاد الساري" (9/51) ، "مرقاة المفاتيح" (9/ 3713) .

وقد بَيَّن ثابت البناني في روايته عن أنس معنى هذا الحديث ، فروى ابن حبان في "صحيحه" (4527) من طريق ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : " أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا أُمَّ فُلَانٍ ، خُذِي أَيَّ الطُّرُقِ شِئْتِ ، فَقُومِي فِيهِ حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ ) !!

فَخَلَا مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِيهَا ، حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا ".

وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان .

فليس في هذا الحديث التصريح بمس اليد ، ولا هو مخالف لما جزمت به عائشة رضي الله عنها ، من أن يد النبي صلى الله عليه وسلم ، لم تمس يد امرأة قط .

وأما ما ورد في بعض ألفاظ الحديث عند ابن ماجة (417) ، وأحمد (12780) من طريق عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "

إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، فِي حَاجَتِهَا " .

فالحديث بهذا التمام ضعيف لا يصح ، لتفرد علي بن زيد به ، وهو ضعيف الحديث، ضعفه حماد بن زيد وسفيان بن عيينة وأحمد ويحيى والبخاري وابن خزيمة وغيرهم ، ووصفوه بالاختلاط وسوء الحفظ .

انظر : "ميزان الاعتدال" (3 / 127)

"تهذيب التهذيب" (7 /283) .

قال البوصيري في "الزوائد" (4/ 230):

" هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف لضعف عَليّ بن زيد بن جدعَان " ، وكذا ضعفه محققو مسند الإمام أحمد .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 17:32
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


حكم السفر من البلد الذي ينتشر فيه وباء الإيبولا

السؤال:

كنت في زيارة لإحدى الدول التي تفشى بها وباء فيروس الإيبولا حيث سافرت هناك لقضاء الإجازة وزيارة عائلتي ، وأنا أعلم أنّه ورد في الحديث أنّه لا يجوز للرجل الذهاب أو مغادرة بلد انتشر به الطاعون

ولكنني لم أمانع السفر هناك لإنني أعلم أنّه ستتم عملية فحص المسافرين قبل السفر للتأكد من خلو المسافر من هذا المرض ، ومع انتهاء إجازتي يضغط علي مديري للعودة إلى العمل

في الوقت الذي لا يزال فيه هذا المرض منتشراً ، ولم يتم القضاء عليه في هذه البلد ، فهل يجوز لي مغادرة البلاد ، أم ينبغي علي الانتظار بدون عمل إلى أن يعلن القضاء على هذا المرض في البلاد ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

"الإيبولا" : مرض فيروسي يؤدي إلى الإصابة بحمى نزفية ، وينتج عن الإصابة بأحد خمسة أنواع من فيروس الإيبولا. كما يؤدي إلى وفاة ما بين 25 و90% من المصابين

بحسب نوع الفيروس ، وللإصابة بهذا المرض أعراض منها: الحمى – الصداع – القيء – الإسهال – التعب الشديد في الجسم – الطفح الجلدي – النزيف من العين والأنف والفم والشرج – تضخم المنطقة التناسلية .

وقد أخذ اسم مرض (الإيبولا) من مكان التفشي الذي حدث في (يامبوكو) بجمهورية الكونغو ، إذ ظهر في قرية تقع على مسافة قريبة من نهر إيبولا ، فأطلق اسم النهر عليه.

وهذا المرض ينتقل للإنسان من الحيوانات تارة ، ومن البشر تارة أخرى ، فأما انتقاله عن طريق الحيوانات فيحدث بملامسة الحيوان المصاب بالإيبولا

ويشمل هذا أعضاءه وإفرازاته وسوائل جسمه. وقد سجلت حالات إصابة بالعدوى عبر التعامل مع عدة حيوانات مصابة ، مثل خفافيش الفاكهة وقردة الشمبانزي والغوريلا والنسناس والظباء .

وأما انتقاله من البشر فيحصل بملامسة دم المريض أو إفرازاته أو منيِّه ، أو حتى جثته بعد وفاته

ثانيا :

جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنهى المسلم عن الدخول إلى أرض وقع بها الطاعون ، ونهيه أيضا عن الخروج من أرض وقع بها الطاعون .

روى البخاري (5739) ، ومسلم (2219) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني

: الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه) .

وروى البخاري (3473) ، ومسلم (2218) عن أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ

فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) .

والطاعون : قيل : هو مرض خاص معروف عن العلماء والأطباء ، وقيل : بل هو كل مرض عام (وباء) ، يؤدي إلى وفاة الكثيرين من الناس .

وهذه الأحاديث تدل على أن النهي خاص بمن خرج من بلد الطاعون (أو الوباء) فرارا منه ، أما من خرج لقصد آخر ، كتجارة أو دراسة أو عمل ... : فلا يشمله النهي .

وقد نص على هذا التفريق غير واحد من أهل العلم، بل حكى بعضهم اتفاق العلماء على ذلك.

قال النووي في "شرح صحيح مسلم" :

"الطَّاعُون قُرُوح تَخْرُج فِي الْجَسَد ...

وَأَمَّا ( الْوَبَاء ) فَقَالَ الْخَلِيل وَغَيْره : هُوَ مَرَض الطَّاعُون ، وَقَالَ آخرون : هُوَ كُلّ مَرَض عَامّ ، وَالصَّحِيح الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ: أَنَّهُ مَرَض الْكَثِيرِينَ مِنْ النَّاس فِي جِهَة مِنْ الْأَرْض

دُون سَائِر الْجِهَات ، وَيَكُون مُخَالِفًا لِلْمُعْتَادِ مِنْ أَمْرَاض فِي الْكَثْرَة وَغَيْرهَا ، وَيَكُون مَرَضهمْ نَوْعًا وَاحِدًا ، بِخِلَافِ سَائِر الْأَوْقَات ، فَإِنَّ أَمْرَاضهمْ فِيهَا مُخْتَلِفَة ...

وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث : مَنْع الْقُدُوم عَلَى بَلَد الطَّاعُون ، وَمَنْع الْخُرُوج مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ .

أَمَّا الْخُرُوج لِعَارِضٍ : فَلَا بَأْس بِهِ ...

وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَاز الْخُرُوج بِشُغْلٍ وَغَرَض غَيْر الْفِرَار ، وَدَلِيله صَرِيح الْأَحَادِيث " انتهى .

وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (21/183( :

"وفي ذلك إباحة الخروج ذلك الوقت ، من موضع الطاعون ، للسفر المعتاد ، إذا لم يكن القصد الفرار من الطاعون" انتهى .

وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/367) :

"وَإِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدٍ وَلَسْت فِيهِ : فَلَا تَقْدَمْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كُنْت فِيهِ : فَلَا تَخْرُجْ مِنْهُ ، لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ ، وَمُرَادُهُمْ فِي دُخُولِهِ ، وَالْخُرُوجِ مِنْهُ : لِغَيْرِ سَبَبٍ ، بَلْ فِرَارًا ؛ وَإِلَّا : لَمْ يَحْرُمْ " انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (6/569) :

"والطاعون وباء فتاك والعياذ بالله ، قال بعض أهل العلم : إنه نوع خاص من الوباء ، وأنه عبارة عن جروح وتقرحات في البدن تصيب الإنسان .....

. وقيل : إن الطاعون اسم لكل وباء عام ينتشر بسرعة كالكوليرا وغيرها ، وهذا أقرب ، فإن هذا إن لم يكن داخلا في اللفظ ، فهو داخل في المعنى ، كل وباء عام ينتشر بسرعة

: فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على البلد الذي حل فيها هذا الوباء ، وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه
.
أما خروج الإنسان منها ، لا فرارا منه ، ولكن لأنه أتى إلى هذا البلد لحاجة ثم انقضت حاجته ، وأراد أن يرجع إلى بلده : فلا بأس" انتهى .

وقال أيضا في "الشرح الممتع" (1/110-111) :

"وبالنسبة للطاعون هل يجوز للإنسان أن يخرج من البلد إذا وقع فيه؟

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تخرجوا منه ـ أي من البلد الذي وقع فيه ـ فراراً منه) ، فقيد النبي صلّى الله عليه وسلّم منع الخروج بما إذا كان فراراً

أما إذا كان الإنسان أتى إلى هذا البلد لغرض أو لتجارة وانتهت، وأراد أن يرجع إلى بلده ، فلا نقول: هذا حرام عليك، بل نقول: لك أن تذهب" انتهى.

وقد زاد الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (10/1990) هذه المسألة تفصيلا ؛ فذكر أن الخروج من بلد الطاعون له ثلاث حالات :

الأولى : أن يخرج فراراً منه لا لقصد آخر ، فهذا يتناوله النهي بلا شك .

الثانية : أن يخرج لقصد آخر غير الفرار ، كالعمل ونحوه ، فلا يدخل في النهي ، وهذا القسم هو الذي نقل النووي رحمه الله الاتفاق على جوازه .

الحالة الثالة : أن يخرج لعمل أو غيره ويضيف إلى ذلك قصد السلامة من الوباء ، فهذا قد اختلف العلماء فيه ، وذكر الحافظ ابن حجر أن مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه جواز الخروج في هذه الحالة .

وهو ما اختاره الإمام البخاري فإنه قد ترجم في صحيحه : "من خرج من الأرض التي لا تلائمه" ، وساق حديث العرنيين ، يستدل به على جواز ذلك

وفي هذا الحديث : أن جماعة أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وأظهروا الإسلام ، ولكنهم أصابهم مرض من جو المدينة ، حيث لم يوافق أجسامهم

فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتداووا من ذلك بألبان وأبوال الإبل ، فخرجوا من المدينة لأن تلك الإبل كانت في مراعيها .

وقد ذكر البخاري ذلك قبل ذكره للحديث الذي فيه النهي عن الخروج من أرض الطاعون فرارا منه ، فقال الحافظ ابن حجر تعليقا على ذلك :

"قوله : " بَاب مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْض لَا تُلَايِمُهُ " ..

. وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيث الَّذِي أَوْرَدَهُ بَعْده فِي النَّهْي عَنْ الْخُرُوج مِنْ الْأَرْض الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُون : لَيْسَ عَلَى عُمُومه ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوص بِمَنْ خَرَجَ فِرَارًا مِنْهُ ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيره إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى" انتهى .

وخلاصة الجواب :

أن سفرك من هذه البلد للعودة إلى عملك : جائز باتفاق العلماء ، لأنه ليس الغرض منه الهروب من الوباء ، وإنما هو سفر مرتب قبل ذلك من أجل العمل .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 17:36
: " عِرق النَّسا " وكيفية علاجه .

السؤال:

هل ورد في السنة تناول دهن الغنم لعلاج مرض عرق النسا؟

الجواب :

الحمد لله

روى ابن ماجة (3463) عن أَنَس بْن مَالِكٍ ، قال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( شِفَاءُ عِرْقِ النَّسَا، أَلْيَةُ شَاةٍ أَعْرَابِيَّةٍ : تُذَابُ ، ثُمَّ تُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ، ثُمَّ يُشْرَبُ عَلَى الرِّيقِ ، فِي كُلِّ يَوْمٍ جُزْءٌ ) .

ورواه أحمد (13295) ولفظه :

: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصِفُ مِنْ عِرْقِ النَّسَا : أَلْيَةَ كَبْشٍ عَرَبِيٍّ أَسْوَدَ ، لَيْسَ بِالْعَظِيمِ وَلَا بِالصَّغِيرِ ، يُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ، فَيُذَابُ ، فَيُشْرَبُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءٌ " .

ورواه الحاكم (3153) ولفظه : ( فِي عِرْقِ النَّسَا : يَأْخُذُ أَلْيَةَ كَبْشٍ عَرَبِيٍّ لَيْسَتْ بِأَعْظَمِهَا، وَلَا أَصْغَرِهَا، فَيَتَقَطّعُهَا صِغَارًا، ثُمَّ يُذِيبُهَا، فَيُجِيدُ إِذَابَتَهَا، وَيَجْعَلُهَا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَيَشْرَبُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا

عَلَى رِيقِ النَّفْسِ ) قَالَ أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ - راويه عن أنس - : " فَلَقَدْ أَمَرْتُ بِذَلِكَ نَاسًا ، ذَكَرَ عَدَدًا كَثِيرًا ، كُلُّهُمْ يَبْرَأُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى " .

وقال الحاكم : " هذا حديث صحيح " .

وقال الذهبي في "التلخيص" :

" على شرط البخاري ومسلم " .

وقال الهيثمي في "المجمع" (5/ 88):

" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ " .

وقال البوصيري في "الزوائد" (4/ 60):

" إِسْنَاد صَحِيح رِجَاله ثِقَات " .

وقال محققو المسند :

" إسناده صحيح على شرط الشيخين " .

وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

التعريف به :

عرق النسا : قال ابن الأثير رحمه الله :

" عِرْق يَخْرج مِنَ الوَرِك فيَسْتَبْطِن الفَخذ "

انتهى من "النهاية" (5/ 51)

وقال ابن القيم رحمه الله :

" عِرْقُ النَّسَاءِ: وَجَعٌ يَبْتَدِئُ مِنْ مَفْصِلِ الْوَرِكِ وَيَنْزِلُ مِنْ خَلْفٍ عَلَى الْفَخِذِ، وَرُبَّمَا عَلَى الْكَعْبِ، وَكُلَّمَا طَالَتْ مُدَّتُهُ زَادَ نُزُولُهُ، وَتَهْزُلُ مَعَهُ الرِّجْلُ وَالْفَخِذُ

"انتهى من "زاد المعاد" (4/ 66) .

كيفية العلاج :

كما هو واضح في الحديث : تؤخذ إلية شاة أعرابية متوسطة الحجم - أو إلية كبش - ، فيقطعها قطعا صغيرة ، ويذيبها ، ويجعلها ثلاثة أجزاء

ويشرب كل يوم جزءا على الريق ، فيشفى بإذن الله ، وهذا نافع لأهل الحجاز ونحوهم خاصة .

قال ابن القيم :

" كَلَام رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَامٌّ : بِحَسْبِ الْأَزْمَانِ ، وَالْأَمَاكِنِ ، وَالْأَشْخَاصِ ، وَالْأَحْوَالِ .

وَالثَّانِي: خَاصٌّ: بِحَسْبِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ بَعْضِهَا، وَهَذَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْعَرَبِ ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ ، وَلَا سِيَّمَا أَعْرَابُ الْبَوَادِي ، فَإِنَّ هَذَا الْعِلَاجَ مِنْ أَنْفَعِ الْعِلَاجِ لَهُمْ

فَإِنَّ هَذَا الْمَرَضَ يَحْدُثُ مِنْ يُبْسٍ ، وَقَدْ يَحْدُثُ مِنْ مَادَّةٍ غَلِيظَةٍ لَزِجَةٍ ، فَعِلَاجُهَا بِالْإِسْهَالِ ، وَالْأَلْيَةُ فِيهَا الْخَاصِّيَّتَانِ: الْإِنْضَاجُ ، وَالتَّلْيِينُ ، فَفِيهَا الْإِنْضَاجُ وَالْإِخْرَاجُ ، وَهَذَا الْمَرَضُ يَحْتَاجُ عِلَاجُهُ إِلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ

وَفِي تَعْيِينِ الشَّاةِ الْأَعْرَابِيَّةِ لِقِلَّةِ فُضُولِهَا وَصِغَرِ مِقْدَارِهَا وَلُطْفِ جَوْهَرِهَا، وَخَاصِّيَّةِ مَرْعَاهَا؛ لِأَنَّهَا تَرْعَى أَعْشَابَ الْبَرِّ الْحَارَّةَ كَالشِّيحِ ، وَالْقَيْصُومِ ، وَنَحْوِهِمَا

وَهَذِهِ النَّبَاتَاتُ إِذَا تَغَذَّى بِهَا الْحَيَوَانُ صَارَ فِي لَحْمِهِ مِنْ طَبْعِهَا بَعْدَ أَنْ يُلَطِّفَهَا تَغَذِّيهِ بِهَا، وَيُكْسِبُهَا مِزَاجًا أَلْطَفَ مِنْهَا، وَلَا سِيَّمَا الْأَلْيَةُ

وَظُهُورُ فِعْلِ هَذِهِ النَّبَاتَاتِ فِي اللَّبَنِ أَقْوَى مِنْهُ فِي اللَّحْمِ، وَلَكِنَّ الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي فِي الْأَلْيَةِ مِنَ الْإِنْضَاجِ وَالتَّلْيِينِ لَا تُوجَدُ فِي اللَّبَنِ " .

انتهى من "زاد المعاد" (4/ 66) .

وحاصل ذلك :

أنه ليس كل من يعاني من عرق النسا ينفعه هذا العلاج ، فهناك من الحالات ما لا ينفع فيها مثل هذا العلاج ، إما لاختلاف حدة الحالة

أو مزاج الشخص ، أو غير ذلك ، فلا بد في الحالة المعينة ، الخارجة عن أهل هذا الخطاب ، أن تعرض على الخبير بمثل هذا المرض ، ودوائه .

قال ابن مفلح رحمه الله :

"وَهَذَا الْخَبَرُ خِطَابٌ لِأَهْلِ الْحِجَازِ وَمَا قَارَبَهُمْ ... ثم ذكر نحو كلام ابن القيم السابق ، ثم قال : وَالْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ اسْتِعْمَالُ الْأَدْوِيَةِ الْمُفْرَدَةِ

وَغَالِبُ أَطِبَّاءِ الْهِنْدِ وَالرُّومِ وَالْيُونَانِ يَعْتَنُونَ بِالْمُرَكَّبَةِ ، وَالتَّحْقِيقُ : اخْتِلَافُ الدَّوَاءِ بِاخْتِلَافِ الْغِذَاءِ ، فَالْعَرَبُ وَالْبَوَادِي غِذَاؤُهُمْ بَسِيطٌ فَمَرَضُهُمْ بَسِيطٌ ، فَدَوَاؤُهُمْ بَسِيطٌ ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " .

انتهى، من "الآداب الشرعية" لابن مفلح (2/396) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 17:40
الخوارج فرقة ضالة ، تظهر فترة بعد فترة ، ويستمر ظهورها حتى خروج الدجال

السؤال:

تحت ضوء الحديث الذي يقول فيه الرسول -صلى الله تعالى عليه و سلم- "ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج قرن قطع" [تتمته] قال ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

"كلما خرج قرن قطع ، أكثر من عشرين مرة ، حتى يخرج في عراضهم الدجال"، هل من الممكن أن توضحوا لنا من هم "الخوارج" المقصودون في هذا الحديث إلى يومنا هذا؟

الجواب:

الحمد لله

روى ابن ماجة (174) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ

تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ) أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً ( حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ )

وصححه البوصيري في "الزوائد" (1/ 26) ، وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

ورواه أحمد (5562) من وجه آخر عن ابن عمر قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يُسِيئُونَ الْأَعْمَالَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ

يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ عَمَلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، فَطُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ، وَطُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ

كُلَّمَا طَلَعَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قَطَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ )، فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ مَرَّةً ، أَوْ أَكْثَرَ ، وَأَنَا أَسْمَعُ .

قال السندي رحمه الله :

" قَوْلُهُ (يَنْشَأُ نَشْءٌ) فِي الْقَامُوسِ: النَّاشِئُ : الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ جَاوَزَ حَدَّ الصِّغَرِ .

قَوْلُهُ (كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ) أَيْ ظَهَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ، (قُطِعَ) : اسْتَحَقَّ أَنْ يُقْطَعَ ، وَكَثِيرًا مَا يُقْطَعُ أَيْضًا ، كَالْحَرُورِيَّةِ : قَطَعَهُمْ عَلِيٌّ .

(فِي عِرَاضِهِمْ) فِي خِدَاعِهِمْ ، أَيْ أَنَّ آخِرَهُمْ يُقَابِلُهُمْ وَيُنَاظِرُهُمْ . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (أَعْرَاضِهِمْ) وَهُوَ جَمْعُ عَرْضٍ ، بِمَعْنَى الْجَيْشِ الْعَظِيمِ، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنَ الْعرْضِ بِمَعْنَى نَاحِيَةِ الْجَبَلِ، أَوْ بِمَعْنَى السَّحَابِ الَّذِي يَسُدُّ الْأُفُقَ

وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَظْهَرُ مَعْنًى " انتهى .

وروى أحمد (6952) والحاكم (8558) عن عَبْد اللهِ بْن عَمْرٍو قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: ( يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ

حَتَّى يَخْرُجَ فِي بَقِيَّتِهِمُ الدَّجَّالُ ) وصححه الشيخ أحمد شاكر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ إلَى زَمَنِ الدَّجَّالِ. وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ لَيْسُوا مُخْتَصِّينَ بِذَلِكَ الْعَسْكَرِ [يعني : الذين قاتلوا عليا رضي الله عنه] " انتهى .

"مجموع الفتاوى" (28/ 495-496)

فأفاد الحديث : أن الخوارج فرقة من فرق الأمة ، وأنها سيستمر وجودها إلى آخر الزمان ، غير أنها تظهر فترة بعد فترة

وكلما ظهرت طائفة منهم قُطعت ، وانتهى أمرها ، ثم تظهر طائفة أخرى ...

. وهكذا ، حتى يخرج الدجال في آخرهم .

وقد وردت في الخوارج نصوص كثيرة ، وآثار عن السلف ، تتحدث عن صفاتهم ، وجملة ذلك : أنهم أحداث الأسنان (صغار السن) ، سفهاء الأحلام

يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم [أي : لا يفهمونه ولا يصل إلى قلوبهم] ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه.

يقتلون أهل الإيمان ، ويدعون أهل الأوثان، ويطعنون على أمرائهم، ويشهدون عليهم بالضلال , يدعون إلى كتاب الله، وليسوا منه في شيء، ولا يرون لأهل العلم والفضل مكانة

ويظنون أنهم أعلم منهم بالله ورسوله وكتابه ، ويتشددون في العبادة ، ويجتهدون فيها أشد الاجتهاد ، ولكن مع جهل وقلة فقه ، يكفرون كل من ارتكب كبيرة من المسلمين .

فهذه صفاتهم كما جاءت في الأحاديث ، وذكرها العلماء .

ولا يجوز لأحد أن يتهم أحدا بأنه من الخوارج لمجرد أنه خالفه في الرأي ، أو لمجرد أنه رأى منه بعض التشدد ، فليس كل متشدد من الخوارج

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 17:44
التوفيق بين طلب الستر في قصة ماعز وبين عدم التهاون في إقامة الحدود في قصة المخزومية

السؤال:

في السيرة النبوية بدا لي أن فيها تعارض بين قصتين : الحادثة الاولى : قصة المرأة المخزومية التي سرقت والرسول أراد أن يقيم عليها الحد ، فحرك أهلها أسامة بن زيد ليشفع لها عند رسول الله

فغضب الرسول من أسامة وقال : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ... وهذا من حرصه صلى الله عليه وسلم على إقامة الحدود ، وعدم التهاون فيها . الحادثة الثانية :

قصة الصحابي ماعز الذي طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطهره وأصر عليه ، حتى أقام النبي عليه حد الرجم . ملاحظة مهمة وهي : ان علمائنا ومشايخنا يصورون لنا في الحادثة الثانية :

أن الرسول كان يريد من "ماعز" أن يرجع وأن يتوب بينه وبين ربه ، ولا يقام عليه الحد الشرعي ، "ونفس الامر أيضا مع المرأة الغامدية التي زنت ، وجاءت للنبي وهي حُبلى" .

والسؤال المهم هنا : كيف نوفق بين الحادثتين الأولى : عدم التهاون في تنفيذ الحكم الشرعي في مخالفة السرقة ، وبين ما أوضحه لنا العلماء والمشايخ من أن النبي لم يرد أن يُقام حد الزنا على ماعز أو المرأة الغامدية ؟

الجواب :

الحمد لله

لا يوجد تعارض بين الحادثتين ، فكل حادثة منهما لها أحكامها التي لا تنطبق على الحادثة الأخرى .

أولا :

حادثة ماعز رضي الله عنه ثبت فيها الحد بإقراره ، ولم يثبت بالشهود .

روى البخاري ( 6825 ) ومسلم ( 1691 ) عن أَبَي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : ( أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ ، فَنَادَاهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي زَنَيْتُ - يُرِيدُ نَفْسَهُ

- فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي زَنَيْتُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ

فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ ، دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَبِكَ جُنُونٌ ؟ قَالَ : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : أَحْصَنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: اذْهَبُوا فَارْجُمُوهُ ) رواه البخاري ( 6825 ) ومسلم ( 1691 ) .

وفي لفظ للبخاري ( 6824 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : ( لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ ، أَوْ غَمَزْتَ ، أَوْ نَظَرْتَ ؟ قَالَ : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ...) .

والحد الذي ثبت بالإقرار : فإنه لا يجب على الحاكم أن يبادر إليه ؛ بل يستحب له أن يُعَرِّض للمقر ليرجع عن إقراره ، فإن أصر المقر على إقراره ، أقام الإمام عليه الحد .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى عن قصة ماعز :

" فتضمنت هذه الأقضية رجم الثيب ...

وأن الإمام يستحب له أن يعرض للمقر بأن لا يقر "

انتهى من " زاد المعاد " ( 5 / 30 ) .

قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :

"وقد ذكر بعض العلماء أنه يستحب للإمام أو الحاكم الذي يثبت عنده الحد بالإقرار التعريض له بالرجوع ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعرض عن ماعز حين أقر عنده

ثم جاء من الناحية الأخرى فأعرض عنه ، حتى تم إقراره أربعاً . ثم قال : (لعلك لمست) .

وفي "المغني" لابن قدامة (12/466)

: قال الإمام أحمد: لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره ، وهذا قول عامة الفقهاء"

انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (12/466) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"إذَا جَاءَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَاعْتَرَفَ وَجَاءَ تَائِبًا فَهَذَا لَا يَجِبُ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ الإمام أَحْمَد ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهَا الْقَاضِي بِعِدَّةِ أَحَادِيثَ

وَحَدِيثُ الَّذِي قَالَ: (أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ ...إلخ الحديث) يَدْخُلُ فِي هَذَا ، لِأَنَّهُ جَاءَ تَائِبًا .

وَإِنْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا شَهِدَ بِهِ مَاعِزٌ والغامدية ، وَاخْتَارَ إقَامَةَ الْحَدِّ : أُقِيمَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا. كَمَا فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ: (فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ؟) ، والغامدية : رَدَّهَا مَرَّةً

بَعْدَ مَرَّةٍ. فَالْإِمَامُ وَالنَّاسُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مِثْلِ هَذَا؛ وَلَكِنْ هُوَ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهِ ، كَاَلَّذِي يُذْنِبُ سِرًّا ، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ حَدًّا: لَكِنْ إذَا اخْتَارَ هُوَ أَنْ يَعْتَرِفَ وَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أُقِيمَ"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (16/31-32) .

ثانيا :

أما حادثة المخزومية فقد رواها البخاري ( 3475 ) ومسلم ( 1688 ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ

فَقَالُوا : وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) .

فالحد في هذه الحادثة لم يثبت باعترافها ، بل ورد في بعض روايات الحديث أنها أنكرت أن تكون سرقت ، وأن المال المسروق وُجد في بيتها ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها.

انظر : "فتح الباري" (12/92) .

فهناك فرق بين من ثبت الحد عليه باعترافه ، ومن يثبت الحد عليه بالبينة .

فالثاني هو الذي يجب إقامة الحد عليه .

ثالثا :

من الأصول المهمة ، وما يجب معرفته والعناية به هنا : أن الحدود يشرع تعافيها ، والعفو عنها ، فيما بين الناس ، ويشرع لمن شهد بعض ذلك أن يستر على من ألم به

ولا يفضحه ، ولا يجب عليه أن يشهد به عند ولي الأمر ؛ لكن من شهد الشهود بذلك عند ولي الأمر ، وقامت البينة به عنده : حرم الشفاعة فيه ، ووجب على ولي الأمر أن يقيم حد الشرع على صاحبه .

روى أبو داود (4376) وغيره ، عن عبدِ الله بنِ عمرو بنِ العاص، أن رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - قال: "تعافَوُا الحُدُودَ فيما بينكم، فما بلغني مِن حدٍّ، فقد وَجَبَ" . وصححه الألباني .

قال ابن قدامة رحمه الله :

"وَلَا بَأْسَ بِالشَّفَاعَةِ فِي السَّارِقِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ وَجَب) .

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ ، لَمْ تَجُزْ الشَّفَاعَةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إسْقَاطُ حَقٍّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَفَعَ أُسَامَةُ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ

وَقَالَ : ( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ) ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي حُكْمِهِ"

انتهى .المغني (12/467) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 17:47
شرح حديث : (مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ البِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ ...)

السؤال:

أسأل عن الحديث التالي: عن أنس قال من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ثم قسم قال أبو قلابة ولو شئت لقلت

إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن أيوب وخالد قال خالد ولو شئت قلت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله "إذا تزوج البكر على الثيب"

هذا لا إشكال فيه أما قوله "وإذا تزوج الثيب على البكر" فكيف يكون الزواج على بكر. فكيف تكون الأولى أي المتزوج عليها بكرا، هل باعتبار بكارتها قبل زواجه منها. وللزواج بالثيب على الثيب حكم آخر ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (5214) ومسلم (1461) عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: (مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ البِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ،

وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى البِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ قَسَمَ) قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: "وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" واللفظ للبخاري .

والفرق بين البكر والثيب معروف .

قال العراقي رحمه الله في "طرح التثريب" (7/ 10):

" الْبِكْرُ هِيَ الْجَارِيَةُ الْبَاقِيَةُ عَلَى حَالَتِهَا الْأُولَى، وَالثَّيِّبُ الْمَرْأَةُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ " انتهى .

قال أبو عبد الله البابرتي الحنفي رحمه الله في "العناية شرح الهداية" (3/ 270)

" الْبِكْرُ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مُصِيبُهَا أَوَّلَ مُصِيبٍ " انتهى .

ثانيا :

قوله في الحديث : (إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ البِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا) وقوله أيضا : (وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى البِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا) ، لا مفهوم له .

بمعنى : أن الزوجة الجديدة إذا كانت بكرا : فلها الحق في سبعة أيام ، سواء كانت الزوجة التي عنده قبلها ثيبا ، أم تزوجها بكرا .

فإذا كانت الزوجة الجديدة ثيبا فلها الحق في ثلاثة أيام ، سواء كانت الزوجة القديمة ثيبا أم بكرا.

فهذا الحق هو حق للزوجة الجديدة ، ولا يؤثر فيه كون الزوجة التي عنده بكرا أم ثيبا ، وإنما الذي يؤثر فيه حال الزوجة الجديدة .

وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه : "باب : إذا تزوج الثيب على البكر" .

قال السندي رحمه الله :

" قوله : (إذا تزوج الرجل البكر على الثيب) أي : القديمة . ولعل إطلاق الثيب بناء على أن القديمة عادة تكون ثيباً
.
وقوله : إذا تزوج الثيب على البكر ، أي : على من تزوجها بكراً ، وعلى من هي باقية على بكارتها ، فإذا كان حكم الثيب على البكر هو هذا ، كان على الثيب بالأولى ،

والله تعالى أعلم اهـ " حاشيته على البخاري (3/177) . وينظر : "الفجر الساطع على الصحيح الجامع" (7/107) .

وقد صرح بذلك غير واحد من أهل العلم :

قال البجيرمي في حاشيته على المنهج (12/416) الشاملة :

"قَوْلُهُ : (إذا تزوج البكر عَلَى الثَّيِّبِ) وَالثَّيِّبُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا الْبِكْرُ ... قَوْلُهُ : (وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا الثَّيِّبُ" انتهى .

ومثله في "حاشية الجمل" (4/284) أيضا . وينظر أيضا : "أسهل المدارك شرح إرشاد السالك" (1/97) .

ويؤيد هذا : أن بعض ألفاظ الحديث جاءت مطلقة ، فذكرت حال الزوجة الجديدة فقط ، ولم تذكر شيئا عن الزوجة الأخرى ، مما يدل على أن حالها غير مؤثر في الحكم .

ففي لفظ البخاري (4812) قَالَ أنس رضي الله عنه : (السُّنَّةُ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا) .

وروى مسلم (2653) عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لِلْبِكْرِ سَبْعٌ ، وَلِلثَّيِّبِ ثَلاَثٌ).
وروى ابن ماجة وابن حبان (4208) والبيهقي (4631)

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : قال : (سَبْعٌ لِلْبِكْرِ ، وَثَلَاثٌ لِلثَّيِّبِ) وصححه الألباني في صحيح الجامع (9311) ، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق صحيح ابن حبان : إسناده صحيح على شرط مسلم .

قال إسحاق بن منصور الكوسج ، في مسائله للإمامين : أحمد ، وإسحاق بن راهويه :

" قُلْتُ : إذا تزوج البكرَ على الثيبِ ، أو الثيبَ على البكرِ ؟

قَالَ : يُقيم عند البكرِ سبعًا ثم يدور ، وعند الثيبِ ثلاثًا ثم يدورُ .

قَالَ إسحاق : كمَا قَالَ ." مسائل أحمد وإسحاق (1/356) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 17:52
شرح حديث : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ )

السؤال:

أسألتي ألا وهي : عن حديث دعوة الطعام لنبي صلى الله عليه وسلم مع الجارية والأعرابي بما يتعلق بالتسمية .

س1 : ما صحة الحديث ومن رواه ؟

س2 : ماذا يعني جارية وما مصدرها ؟

س3 : كيف الرسول يمسك يد الجارية ؟

س4 : ما المقصود " وأن الشيطان يستحل الطعام ؟

س5 : ما المقصود في " وأنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها " ؟

س6 : وما هو قصد النبي صلى الله عليه وسلم " أن يدي في يدها مع يد الشيطان " ؟

س7 : وما هو الأعرابي وهل له اشتقاق ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعَ يَدَهُ ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا

فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا ، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا ، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ

فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا ) " ، وهذا حديث صحيح ، رواه الإمام مسلم في صحيحه (1017) ، وكذا رواه أبو داود في سننه (3766) ، والإمام أحمد في مسنده (23249) .

ثانيا :

تطلق " الجارية " في اللغة ، ويراد بها عدة معان : منها : الفتية من النساء ، والصغيرة التي لم تبلغ – وهو الأشهر بأصل الوضع العربي كالغلام في الرجال- ، وتطلق على الرضيعة أيضا

كما روى أبو داود (376) عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ ) ، صححه الألباني في " صحيح أبي داود " ، كما تطلق على الأمة .

كما تطلق الجارية على الشَّمْس ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لجَرْيِها مِنَ القُطر إِلَى القُطْر ، قال الله تعالى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) يس/38 .

وتطلق على السَّفِينَة ، قال تعالى : ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ ) الحاقة/11 ، سميت بذلك لأنها تجري في الماء .

وانظر : " لسان العرب " (14/141) ، " المعجم الوسيط " (1/119) .

قال أبو العباس الفيومي رحمه الله :

" الْجَارِيَةُ : السَّفِينَةُ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَرْيِهَا فِي الْبَحْرِ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَمَةِ : جَارِيَةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ ، لِجَرْيِهَا مُسْتَسْخَرَةً فِي أَشْغَالِ مَوَالِيهَا

وَالْأَصْلُ فِيهَا الشَّابَّةُ لِخِفَّتِهَا ، ثُمَّ تَوَسَّعُوا حَتَّى سَمَّوْا كُلَّ أَمَةٍ جَارِيَةً وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تَقْدِرُ عَلَى السَّعْيِ ، تَسْمِيَةً بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ "

انتهى من " المصباح المنير " (1/98) .

فاشتقاق الجارية من الجري والخفة .

ثالثا :

المقصود بالجارية في هذا الحديث : البنت الصغيرة .

قال نشوان الحميري رحمه الله

: " [الجارية] : الفتاة الصغيرة "

انتهى من " شمس العلوم " (2/1048) .

وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله :

" الجارية في النساء كالغلام في الرجال ، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما "

انتهى من " المفهم "

وينظر : " شرح مسلم للنووي " (15/7) .

وقال القاري رحمه الله في شرح هذا الحديث :

" (فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ) : أَيْ بِنْتٌ صَغِيرَةٌ "

انتهى من " مرقاة المفاتيح " (7/ 2729)

وكذا قال في " عون المعبود " (10/ 172) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" يعني طفلة صغيرة "

انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/192) .

فهذه الجارية التي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدها كانت طفلة صغيرة .

رابعا :

قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) .

قال النووي رحمه الله :

" مَعْنَى ( يَسْتَحِلُّ ) : يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِهِ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ إِذَا شَرَعَ فِيهِ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْرَعْ فيه أحد فلا يتمكن "

انتهى من " شرح النووي على مسلم " (13/189) .

خامسا :

قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا ، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ) .

يعني : جاء بهما ليأكلا بدون تسمية ، فيستطيع أن يأكل معهما ، لأنه بذلك يكون طعاما لم يذكر اسم الله عليه ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الأعرابي وهذه الجارية : جاء بهما الشيطان لأجل أن يستحل الطعام بهما ، إذا أكلا بدون تسمية ، وهما قد يكونان معذورين لجهلهما : هذه لصغرها

وهذا أعرابي ، لكن الشيطان أتى بهما من أجل أنهما إذا أكلا بدون تسمية ، شارك في الطعام "

انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/193) .

سادسا :

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا ) .

قال النووي رحمه الله :

" هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ (يَدِهَا) وَفِي بَعْضِهَا (يَدِيهِمَا) ، وَالتَّثْنِيَةُ تَعُودُ إِلَى الْجَارِيَةِ وَالْأَعْرَابِيِّ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّ يَدِي فِي يَدِ الشَّيْطَانِ مَعَ يَدِ الْجَارِيَةِ وَالْأَعْرَابِيِّ . وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ يَدِهَا بِالْإِفْرَادِ :

فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْجَارِيَةِ وهو لا ينفي يد الأعرابي "

انتهى من " شرح النووي على مسلم " (13/189) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أن يد الشيطان مع أيديهما في يد النبي صلى الله عليه وسلم "

انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/193) .

والمعنى : أن يد الشيطان كانت مع يد الجارية والأعرابي فلما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم يديهما أمسك يد الشيطان أيضا .

سابعا :

الأعراب : هم سكان البادية ، يغلب عليهم الجهل والجفاء ، وقد هذبهم الإسلام .

فالأعرابي : من سكن البادية ، واشتقاقه من " عرب " .

قال الجوهري رحمه الله :

" العرب : جيل من الناس ، والنسبة إليهم عَرَبيّ بيِّن العروبة ، وهم أهل الأمصار . والأعراب منهم سُكّانُ البادية خاصَّة . وجاء في الشعر الفصيح : الأعاريب . والنسبة إلى الأعراب أعرابيٌّ

لأنه لا واحد له . وليس الأعراب جمعاً لعرب ، وإنما العرب اسم جنسٍ "

انتهى من " الصحاح " (1/178) .

وانظر إجابة السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 17:55
تفسير قوله تعالى: (وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)

السؤال

(وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سألني أحدهم عن معنى الآية السابقة

لكني لم أجبه لأني لا أعرف ، فهل بوسعكم رجاء إخباري بمعنى الآية السابقة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

هذه الآية التي في سورة التوبة تتحدث عن الأعراب وليس عن العرب ، وفرق بين اللفظين ، فالعرب هم الجنس المعروف الذي ينقسم إلى حضر وبدو ، والحضر هم ساكنو المدن والقرى

أما البدو فهم " الأعراب " سكان البادية ، وهؤلاء هم الذين تخبر عنهم الآيات الكريمات في سورة التوبة .

قال النووي رحمه الله :

"أهل البادية هم الأعراب ، ويغلب فيهم الجهل والجفاء ، ولهذا جاء في الحديث : (من بدا جفا) ، والبادية والبدو بمعنًى [واحد] : وهو ما عدا الحاضرة والعمران . والنسبة إليها بدوي " انتهى .

"شرح مسلم" (1/169) .

وقال الدكتور جواد علي :

" المجتمع العربي : بدو وحضر . .

ويعرف الحضر ، وهم العرب المستقرون بـ " أهل المدر " ، عرفوا بذلك لأن أبنية الحضر إنما هي بالمدر . والمدر : قطع الطين اليابس .

وورد أن أهل البادية إنما قيل لهم " أهل الوبر " ، لأن لهم أخبية الوبر . تمييزاً لهم عن أهل الحضر الذين لهم مبان من المدر .

وتطلق لفظة " عرب " على أهل المدر خاصة ، أي على الحضر و " الحاضر " و " الحاضرة " من العرب ، أما أهل البادية فعرفوا بـ " أعراب ". " انتهى باختصار .

" المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام " (4/271).

ثانياً :

أما الآيات الواردة في ذلك في سورة التوبة ، فهي قول الله تعالى : ( الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ

أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التوبة/97-99 .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

"أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين ، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد ، وأجدر : أي : أحرى ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله..

.عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غَفَل ، ومن أتى السلطان افتتن) رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن غريب ....

وقوله : (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي : عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم ، (حَكِيمٌ) فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان والكفر والنفاق ، لا يسأل عما يفعل لعلمه وحكمته .

وأخبر تعالى أن منهم (مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ) أي : في سبيل الله (مَغْرَمًا) أي : غرامة وخسارة ، (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) أي : ينتظر بكم الحوادث والآفات

(عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ) أي : هي منعكسة عليهم والسوء دائر عليهم ، (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي : سميع لدعاء عباده ، عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان .

وقوله : (وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ) ، هذا هو القسم الممدوح من الأعراب ، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله

ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم ، (أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ) أي : ألا إن ذلك حاصل لهم (سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) " انتهى.

"تفسير القرآن العظيم" (4/201-202) .

وقال العلامة السعدي رحمه الله :

" يقول تعالى : (الأعْرَاب) وهم سكان البادية والبراري (أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) من الحاضرة الذين فيهم كفر ونفاق ، وذلك لأسباب كثيرة :

منها : أنهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والأعمال والأحكام ، فهم أحرى (وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ) من أصول الإيمان وأحكام الأوامر والنواهي ، بخلاف الحاضرة

فإنهم أقرب لأن يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، فيحدث لهم - بسبب هذا العلم - تصورات حسنة ، وإرادات للخير الذي يعلمون ، ما لا يكون في البادية . وفيهم من لطافة الطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية

ويجالسون أهل الإيمان ، ويخالطونهم أكثر من أهل البادية ، فلذلك كانوا أحرى للخير من أهل البادية ، وإن كان في البادية والحاضرة ، كفار ومنافقون ، ففي البادية أشد وأغلظ مما في الحاضرة .

ومن ذلك أن الأعراب أحرص على الأموال ، وأشح فيها . فمنهم (مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ) من الزكاة والنفقة في سبيل اللّه وغير ذلك (مَغْرَمًا) أي : يراها خسارة ونقصا

لا يحتسب فيها ، ولا يريد بها وجه اللّه ، ولا يكاد يؤديها إلا كرها .

(ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) أي : من عداوتهم للمؤمنين وبغضهم لهم ، أنهم يودون وينتظرون فيهم دوائر الدهر ، وفجائع الزمان ، وهذا سينعكس عليهم فعليهم دائرة السوء .

وأما المؤمنون فلهم الدائرة الحسنة على أعدائهم ، ولهم العقبى الحسنة ، (وَاللَّهُ سميع عليم) يعلم نيات العباد وما صدرت عنه الأعمال من إخلاص وغيره .

وليس الأعراب كلهم مذمومين ، بل منهم (مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فيسلم بذلك من الكفر والنفاق ، ويعمل بمقتضى الإيمان . (وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ) أي : يحتسب نفقته

ويقصد بها وجه اللّه تعالى والقرب منه . ( و ) يجعلها وسيلة لـ ( صَلَوَاتِ الرَّسُولِ ) أي : دعائه لهم ، وتبريكه عليهم ، قال تعالى مبينا لنفع صلوات الرسول : (أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ) تقربهم إلى اللّه ، وتنمي أموالهم

وتحل فيها البركة . (سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ) في جملة عباده الصالحين إنه غفور رحيم ، فيغفر السيئات العظيمة لمن تاب إليه ، ويعم عباده برحمته التي وسعت كل شيء

ويخص عباده المؤمنين برحمة يوفقهم فيها إلى الخيرات ، ويحميهم فيها من المخالفات ، ويجزل لهم فيها أنواع المثوبات .

وفي هذه الآية دليل على أن الأعراب كأهل الحاضرة ، منهم الممدوح ومنهم المذموم ، فلم يذمهم اللّه على مجرد تعربهم وباديتهم ، إنما ذمهم على ترك أوامر اللّه ، وأنهم في مظنة ذلك .

ومنها : أن الكفر والنفاق يزيد وينقص ويغلظ ويخف بحسب الأحوال .

ومنها : فضيلة العلم ، وأن فاقده أقرب إلى الشر ممن يعرفه ، لأن اللّه ذم الأعراب ، وأخبر أنهم أشد كفرا ونفاقا ، وذكر السبب الموجب لذلك ، وأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله .

ومنها : أن العلم النافع الذي هو أنفع العلوم ، معرفة حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، من أصول الدين وفروعه ، كمعرفة حدود الإيمان ، والإسلام ، والإحسان ، والتقوى

والفلاح ، والطاعة ، والبر ، والصلة ، والإحسان ، والكفر ، والنفاق ، والفسوق ، والعصيان ، والزنا ، والخمر ، والربا ، ونحو ذلك

فإن في معرفتها يُتَمَكَّن من فعلها - إن كانت مأمورا بها ، أو تركها إن كانت محظورة ، ومن الأمر بها ، أو النهي عنها .

ومنها : أنه ينبغي للمؤمن أن يؤدي ما عليه من الحقوق ، منشرح الصدر ، مطمئن النفس ، ويحرص أن تكون مغنما ، ولا تكون مغرما " انتهى .

" تيسير الكريم الرحمن " (394) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 18:00
الدليل على اشتراط أخذ المال من حرزه لقطع يد السارق

السؤال :

ما الدليل على اشتراط الحرز في السرقة ؟

الجواب :

الحمد لله

ذهب جماهير العلماء ( ومنهم الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى ) إلى أن من شروط قطع يد السارق : أن يسرق المال من حرزه .

والحرز هو ما يحفظ فيه المال عادةً ، وهو يختلف باختلاف المال والأحوال .

انظر : " المغني " (12/426) ، و " الشرح الممتع " (14/341-346) .

وقد دل على هذا عدة أحاديث أُخذ منها هذا الحكم ، وإن كانت لم ترد بالنص الصريح على اشتراط الحرز .
فمن هذه الأحاديث :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛

أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ ؟ فَقَالَ : ( مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ

وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (1710) ، وَالنَّسَائِيُّ (4958) ، وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود " .

(الْجَرِينُ) هو الموضع الذي يجمع فيه التمر للتجفيف .

ففرَّق الرسول صلى الله عليه وسلم بين من أخذ من التمر وهو على الشجر ومن أخذ منه بعد نقله إلى الجرين ، فالأول لا قطع عليه ، وإنما يعزر ، والثاني عليه القطع

والفرق بينهما : أن الأول أخذ التمر من غير حرز ، والثاني أخذه من الحرز ، وقد جاءت أحاديث أخرى بهذا المعنى .

جاء في " عون المعبود شرح سنن أبي داود " :

" (غَيْر مُتَّخِذ خُبْنَة ) أَيْ : لَا يَأْخُذ مِنْهُ فِي ثَوْبه .

( فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ ) لَمْ يُفَسِّر الْعُقُوبَة فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ، لَكِنْ جَاءَ فِي رِوَايَات أُخْرَى تَفْسِيرهَا ، فَفِي رِوَايَة أَحْمَد (6645) : ( وَمَنْ اِحْتَمَلَ فَعَلَيْهِ ثَمَنه مَرَّتَيْنِ وَضَرْب نَكَال ) .

قَالَ الطِّيبِيّ : فَإِنْ قُلْت : كَيْف طَابَقَ هَذَا جَوَابًا عَنْ سُؤَاله عَنْ التَّمْر الْمُعَلَّق فَإِنَّهُ سُئِلَ : هَلْ يُقْطَع فِي سَرِقَة التَّمْر الْمُعَلَّق ؟ وَكَانَ ظَاهِر الْجَوَاب أَنْ يُقَال : لَا ، فَلِمَ أَطْنَبَ ذَلِكَ الْإِطْنَاب ؟ قُلْت : لِيُجِيبَ عَنْهُ مُعَلِّلًا

كَأَنَّهُ قِيلَ : لَا يُقْطَع ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْرَق مِنْ الْحِرْز ، وَهُوَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِين " انتهى .

وقال الصنعاني رحمه الله في " سبل السلام " (2/437)

: " أُخِذَ مِنْهُ اِشْتِرَاط الْحِرْز فِي وُجُوب الْقَطْع ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَعْد أَنْ يَأْوِيه الْجَرِين ) " اِنْتَهَى .

وقال القرطبي رحمه الله في " المفهم " (16/1) :

" تنبيه : آيةُ السَّرقة وردت عامة مطلقة ، لكنها مخصَّصة مقيَّدة عند كافة العلماء ؛ إذ قد خرج من عموم السَّارق من سرق أقل من نصاب ، وغير ذلك . وتقيَّدت باشتراط الحِرز

فلا قطع على من سرق شيئًا من غير حرز بالإجماع ، إلا ما شذَّ فيه الحسن ، وأهل الظاهر ، فلم يشترطوا الحِرز" انتهى .

وقال ابن عبد البر رحمه الله في " التمهيد " (23/312) :

" هذا الحديث أصل عند جمهور أهل العلم في مراعاة الحرز واعتباره في القطع ...

قال أبو عبيد : الثمر المعلق هو الذي في رؤوس النخل لم يُجَذْ ولم يحرز في الجرين " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (28/331-332) :

" وَلَا يَكُونُ السَّارِقُ سَارِقًا حَتَّى يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ حِرْزٍ . فَأَمَّا الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ صَاحِبِهِ وَالثَّمَرُ الَّذِي يَكُونُ فِي الشَّجَرِ فِي الصَّحْرَاءِ بِلَا حَائِطٍ ، وَالْمَاشِيَةُ الَّتِي لَا رَاعِيَ عِنْدَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ

فَلَا قَطْعَ فِيهِ ، لَكِنْ يُعَزَّرُ الْآخِذُ وَيُضَاعَفُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ ، كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ " انتهى .

وقال ابن رشد رحمه الله في " بداية المجتهد " (2/368) :

" وأما الشرط الثاني في وجوب هذا الحد فهو الحرز ، وذلك أن جميع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى

وأصحابهم متفقون على اشتراط الحرز في وجوب القطع ، وإن كان قد اختلفوا فيما هو حرز مما ليس بحرز .

والأشبه أن يقال في حد الحرز : إنه ما شأنه أن تحفظ به الأموال كي يعسر أخذها مثل الأغلاق والحظائر وما أشبه ذلك " انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 18:00
وقال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (12/426) :

" الشَّرْطُ الرَّابِعُ : أَنْ يَسْرِقَ مِنْ حِرْزٍ ، وَيُخْرِجَهُ مِنْهُ .

وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .

وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .

وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافَهُمْ ، إلَّا قَوْلًا حُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَالْحَسَنِ ، وَالنَّخَعِيِّ ، فِيمَنْ جَمَعَ الْمَتَاعَ ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ ، عَلَيْهِ الْقَطْعُ .

وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ .

وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَفْصِيلَ فِيهَا .

وَهَذِهِ أَقْوَالٌ شَاذَّةٌ ، غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَمَّنْ نُقِلَتْ عَنْهُ .

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَلَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ ثَابِتٌ ، وَلَا مَقَالٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ ، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ .... ثم ذكر الحديث المتقدم . ثم قال :

وَهَذَا الْخَبَرُ يَخُصُّ الْآيَةَ ، كَمَا خَصَّصْنَاهَا فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 18:05
الجواب عن حديث المخزومية التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ، مع أنها لم تسرق من حرز

السؤال:

ما الدليل على اشتراط الحرز في السرقة ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد المخزومية التي تستعير المتاع وتجحده ، مع أنها لم تسرق من حرز ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

سبق في الفتوى السابقة بيان الدليل على أنه لا قطع على السارق حتى يسرق المال من حرزه ، وذكرنا شيئا من أقوال العلماء في ذلك .

ثانياً :

روى مسلم (1316) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا " .

وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها – أيضاً - : أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ ، فَقَالُوا : وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالُوا :

وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟! ) ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ

ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) رواه البخاري (3475) ، ومسلم (1688) .

وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله : في توجيه الرواية الأولى التي فيها أنها كانت تستعير المتاع وتجحد استعارته :
فذهب بعض العلماء – وهو مذهب الحنابلة

- : أن جاحد العارية ، تقطع يده ، حكمه في ذلك حكم السارق ، واستدلوا بظاهر الحديث .

وأما جمهور أهل العلم رحمهم الله ، فقد ذهبوا إلى أن جاحد العارية لا تقطع يده ، وأن حديث المخزومية محمول على أنها قد سرقت

ودللوا على ذلك بالرواية الأخرى التي فيها أنها سرقت ، وقالوا في لفظ : " أنها كانت تستعير المتاع وتجحده " أنه وصف اشتهرت به تلك المرأة ، وليس هو سببا في قطع يدها .

قال ابن قدامة رحمه الله :

" وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ , عَنْ أَحْمَدَ , فِي جَاحِدِ الْعَارِيَّةِ , فَعَنْهُ : عَلَيْهِ الْقَطْعُ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : " أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ

, فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا ... الحديث " , قَالَ أَحْمَدُ : لَا أَعْرِفُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

وَعَنْهُ : لَا قَطْعَ عَلَيْهِ , وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ ... , وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ . وَهُوَ الصَّحِيحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - ; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( لَا قَطْعَ عَلَى الْخَائِنِ ) ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُ السَّارِقِ ,

وَالْجَاحِدُ غَيْرُ سَارِقٍ , وَإِنَّمَا هُوَ خَائِنٌ , فَأَشْبَهَ جَاحِدَ الْوَدِيعَةِ , وَالْمَرْأَةُ الَّتِي كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ إنَّمَا قُطِعَتْ لِسَرِقَتِهَا , لَا بِجَحْدِهَا , أَلَا تَرَى قَوْلَهُ : ( إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ

, وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ ) ، وَقَوْلَهُ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَة بِنْت مُحَمَّدٍ , لَقَطَعْت يَدَهَا ) ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ رِوَايَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ عَائِشَةَ , أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ ,

وَذَكَرَتْ الْقِصَّةَ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَفِي حَدِيثٍ أَنَّهَا سَرَقَتْ قَطِيفَةً , فَرَوَى الْأَثْرَمُ , بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ : " لَمَّا سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

أَعْظَمْنَا ذَلِكَ , وَكَانَتْ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ , فَجِئْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا : نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً . قَالَ : تُطَهَّرَ خَيْرٌ لَهَا . فَلَمَّا سَمِعْنَا لِينَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ , أَتَيْنَا أُسَامَةَ ,

فَقُلْنَا : كَلِّمْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ سِيَاقِ عَائِشَةَ . وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ , وَأَنَّهَا سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ بِسَرِقَتِهَا , وَإِنَّمَا عَرَّفَتْهَا عَائِشَةُ بِجَحْدِهَا لِلْعَارِيَّةِ

; لِكَوْنِهَا مَشْهُورَةً بِذَلِكَ , وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا , كَمَا لَوْ عَرَّفَتْهَا بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا , وَفِيمَا ذَكَرْنَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ , وَمُوَافَقَةٌ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ , فَيَكُونُ أَوْلَى "

انتهى من " المغني " (9/94-95) .

وجاء في " طرح التثريب " (8/31) :

" اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ قَدْرَ نِصَابِ السَّرِقَةِ ، وَجَحَدَهُ ، ثُمَّ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ : قُطِعَ بِهِ ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ...

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى جَاحِدِ الْعَارِيَّةِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ .

وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ :

(أَحَدُهَا) : أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ ، فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِجَمَاهِيرِ الرُّوَاةِ ، وَالشَّاذَّةُ لَا يُعْمَلُ بِهَا ، حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ .

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ : مَنْ رَوَى أَنَّهَا سَرَقَتْ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهَا كَانَتْ تَجْحَدُ الْمَتَاعَ ، وَانْفَرَدَ مَعْمَرٌ بِذِكْرِ الْجَحْدِ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِحِفْظِهِ .....

وَقَالَ وَالِدِي [ يعني : الحافظ العراقي ] - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ : فَقَالَ اللَّيْثُ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ : أَنَّهَا « سَرَقَتْ »

. وَقَالَ مَعْمَرٌ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ : أَنَّهَا « اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ » ........ انْتَهَى .

وَعَكَسَ ابْنُ حَزْمٍ ذَلِكَ ، فَقَالَ : لَمْ يُضْطَربْ عَلَى مَعْمَرٍ وَلَا عَلَى شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ في ذَلِكَ، وَهُمَا فِي غَايَةِ الثِّقَةِ

وَالْجَلَالَةِ ، وَإِنْ خَالَفَهُمَا اللَّيْثُ وَيُونُسُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ؛ فَإِنَّ اللَّيْثَ وَيُونُسَ قَدْ اُضْطُرِبَ عَلَيْهِمَا أَيْضًا ، وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا فَوْقَ مَعْمَرٍ وَشُعَيْبٍ فِي الْحِفْظِ ، وَقَدْ وَافَقَهُمَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ . انْتَهَى .

(الْجَوَابُ الثَّانِي) : أَنَّ قَطْعَها إنَّمَا كَانَ بِالسَّرِقَةِ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْعَارِيَّةُ تَعْرِيفًا لَهَا ، وَوَصْفًا ؛ لَا لِأَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ . وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ؛ فَإِنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ .

وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ ، وَحَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَالنَّوَوِيِّ عَنْ الْعُلَمَاءِ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ السَّرِقَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ

لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا عِنْدَ الرَّاوِي ذِكْرُ مَنْعِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ ، لَا الْإِخْبَارِ عَنْ السَّرِقَةِ انْتَهَى " انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-09-25, 18:06
وقد اختار ابن القيم رحمه الله العمل بظاهر الرواية التي تفيد أنها قطعت من أجل جحدها العارية ، فقال رحمه الله :
" وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ جَاحِد الْعَارِيَة لَا يُسَمَّى سَارِقًا

لَكَانَ قَطْعه بِهَذَا الْحَدِيث جَارِيًا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاس ، فَإِنَّ ضَرَره مِثْل ضَرَر السَّارِق ، أَوْ أَكْثَر ؛ إِذْ يُمْكِن الِاحْتِرَاز مِنْ السَّارِق بِالْإِحْرَازِ وَالْحِفْظ ، وَأَمَّا الْعَارِيَة فَالْحَاجَة الشَّدِيدَة الَّتِي تَبْلُغ الضَّرُورَة مَاسَّة إِلَيْهَا

وَحَاجَة النَّاس فِيمَا بَيْنهمْ إِلَيْهَا مِنْ أَشَدّ الْحَاجَات ، وَلِهَذَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى وُجُوبهَا ، وَهُوَ مَذْهَب كَثِير مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ، وَأَحَد الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَب أَحْمَد

فَتَرْتِيب الْقَطْع عَلَى جَاحِدهَا طَرِيق إِلَى حفظ أموال الناس ، وتركٌ لباب هَذَا الْمَعْرُوف مَفْتُوحًا ، وَأَمَّا إِذَا عُلِمَ أَنَّ الْجَاحِد لَا يُقْطَع ، فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى سَدّ بَاب الْعَارِيَة فِي الْغَالِب .

وَسِرّ الْمَسْأَلَة : أَنَّ السَّارِق إِنَّمَا قُطِعَ ، دُون الْمُنْتَهِب وَالْمُخْتَلِس ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن التَّحَرُّز مِنْهُ ؛ بِخِلَافِ الْمُنْتَهِب وَالْمُخْتَلِس ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَل ذَلِكَ عِنْد عَدَم اِحْتِرَاز الْمَالِك

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَارِيَة فِيمَا بَيْن النَّاس أَمْر تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَة ، فَلَا يُمْكِن سَدّه وَالِاحْتِرَاز مِنْهُ ، فَكَانَ قَطْع الْيَد فِي جِنَايَته كَقَطْعِهَا فِي جِنَايَة السَّرِقَة ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق "

انتهى من " تهذيب السنن " (12/24) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فالمذهب أن الخائن في العارية يقطع ، واستدلوا بحديث المخزومية أنها كانت تستعير المتاع فتجحده ، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقطع يدها .

وليست الخيانة في العارية ، كالخيانة في الوديعة ؛ لأن قابض العارية قبضها لمصلحته ، وأما الوديعة فلمصلحة المالك ، فمن قاسها عليها فقد أخطأ ؛ لأن الفرق بينهما ظاهر

ولأننا إذا قطعنا جاحد العارية امتنع الناس من جحدها ، وإذا لم نقطعهم تجرأ الناس على جحدها ، وفي هذا سد لباب المعروف ؛ لأن المُعير محسن ، فإذا كان المعير يُجْحَد ، ولا يؤخذ له حقه

إلا بالضمان فقط ، فإن الناس قد يمتنعون من العارية ، وهي واجبة في بعض الصور ، وهذا يؤدي إلى عدم القيام بهذا الواجب.

ثم نقول أيضاً : هي قسم برأسها ، افرض أنها لا تدخل في السرقة لغة ، فما دام فيها نص ، فما موقفنا أمام الله عزّ وجل إذا كان يوم القيامة ، والرسول صلّى الله عليه وسلّم قطع بها

وقال : ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) "

انتهى من " الشرح الممتع " (14/329) .

والحاصل :

أنه لا تعارض بين اشتراط الحرز في قطع يد السارق ، وبين حديث المرأة المخزومية ؛ لأنها إن كانت قطعت لسرقتها ، فلابد أنها سرقت المال من حرزه ، لأن السارق لا يقطع إلا بذلك .

وإن كانت قد قطعت لجحدها العارية فذلك حكم مستقل دلت عليه السنة .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

طالب اجنة الفردوس
2018-09-25, 21:04
https://www.file-upload.com/xfoxnvbhnt51 عمل يعدل قيام وصيام الاف السنين حديث صحيح

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 14:45
https://www.file-upload.com/xfoxnvbhnt51 عمل يعدل قيام وصيام الاف السنين حديث صحيح

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 14:50
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ )

السؤال:

كنت في المسجد بعد صلاة العشاء حين قام أحدهم وألقى درساً ذكر فيه أن شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى إليه الأغنياء ويمنع منه الفقراء ، وساق الحديث على ذلك . فذهبت وبحثت عن هذا الحديث فوجدت كلاماً كثيراً للعلماء يؤيدونه .

ولاحظت أن هذا الحديث مذيل بزيادة تقول : ولكن إذا دعيتم فأجيبوا . فهل هذا الحديث صحيح ؟

لأنني بحثت عنه فلم أجد له مصدراً ، في حين أني وجدت أحاديث أخرى منفردة تحث على إجابة الدعوة وضرورة قبول اللبن والطيب ممن أعطاك . ثم أين يكمن الإشكال في طعام الوليمة إذا لم يدعى إليها الفقراء

خصوصاً إذا كانت مخصصة للأهل والأقارب ؟

وهل من الضروري في كل وليمة أن يدعى إليها الفقراء حتى تتخلص من الشر الذي وُصفت به ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

هذا الحديث الذي سألت عنه حديث صحيح ؛ رواه البخاري (5177) ، ومسلم (1432) - والفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال : ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ

يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا ، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ ) ، إلا أن البخاري أوقفه على أبي هريرة رضي الله عنه ، ولفظه : ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ ) .

والمقصود بالوليمة في هذا الحديث هي وليمة العرس خاصة ، وليست كل طعام دعي إليه أحد من الناس ،

كما قرره الصنعاني في " سبل السلام " (2/ 229) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" أَيْ أَنَّهَا تَكُون شَرّ الطَّعَام إِذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَة , وَلِهَذَا قَالَ اِبْن مَسْعُود : ( إِذَا خُصَّ الْغَنِيّ وَتُرِك الْفَقِير أُمِرْنَا أَنْ لَا نُجِيب )

انتهى من " فتح الباري " (9/245) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فسر هذه الوليمة التي طعامها شر الطعام وهي التي يدعى إليها من يأباها ويمنعها من يأتيها ، يعني يدعى إليها الأغنياء ، والغني لا يحرص على الحضور إذا دعي ؛ لأنه مستغن بماله ، ويمنع منها الفقراء

والفقير هو الذي إذا دعي أجاب ، فهذه الوليمة ليست وليمة مقرِّبةً إلى الله ؛ لأنه لا يدعى إليها من هم أحق بها ، وهم الفقراء ؛ بل يدعى إليها الأغنياء "

انتهى من " شرح رياض الصالحين " (3/ 102) .

ووليمة العرس تكون شكرا لنعمة النكاح ، وإشهارا للنكاح وإعلانا له ، وإظهارا للسرور ، وإذا كانت كذلك ، فلا ينبغي أن يخص بها الأغنياء دون الفقراء ، فإن ذلك يدل على تكبر صاحبها

بل الذي ينبغي أن يدعو الإنسان إليها أقاربه وجيرانه وأصحابه ومن يعرفهم من المسلمين ، وبالقطع سيكون في هؤلاء الغني والفقير ، وأما تخصيص الأغنياء بالدعوة ، فذلك الذي ذمه الحديث .

وقد يقاس على وليمة العرس في هذا : الولائم العامة التي يكون سببها من أسباب السرور كالعقيقة أو رجوع مسافر ، أو إتمام حفظ القرآن الكريم .... أو نحو ذلك .

وأما الولائم الخاصة كالتي يصنعها المسلم ، ليدعو إليها صديقا له ، أو قريبا ، أو خاصا من الناس : فلا حرج عليه أن تكون خاصة بمن صنعها من أجله .

وقد كان الصحابة يدعون النبي صلى الله عليه وسلم للطعام ويجيب دعوتهم .

غير أنه ينبغي في هذه الحالة أن لا يكون قد صنعها لفلان من أجل غناه ، بل من أجل قرابته له ، أو صلته به ، ونحو ذلك من المقاصد الحسنة التي يثاب عليها المسلم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 14:53
لماذا كان الذي يموت حرقا ، والذي يموت تحت الهدم من الشهداء ؟

السؤال :

أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن موتى الحرق والهدم شهداء، فما السبب في ذلك؟

الجواب:

الحمد لله

روى البخاري (653) ، ومسلم (1914) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ )

وروى أحمد (23804) ، وأبو داود (3111) ، والنسائي (1846) عن جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ ؟) قَالُوا : الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى

. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ

وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ) أي : بسبب الحمل والولادة .

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَوْتَاتُ شَهَادَةً ، بِتَفَضُّلِ اللَّهِ تَعَالَى ، بِسَبَبِ شِدَّتِهَا وَكَثْرَةِ أَلَمِهَا.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ غَيْرِ الْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: أَنَّهُمْ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ .

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 14:57
الجمع بين كون الله تعالى مستوياً على العرش وأنه قِبَل وجه المصلي

السؤال:

أعلم أن الله تبارك وتعالى على العرش فوق خلقه ، لكنني قرأت في مكان ما على الانترنت أن الله قِبل وجه المصلي . فما شرح ذلك ؟

وهل هذا هو السبب في حرمة المرور بين يدي المصلي ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (406) ، ومسلم (547) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ

فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : ( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى ) " .

فهو سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه حقيقة ، وهو قِبل وجه المصلي حقيقة ، على وجه يليق بجلاله .

قال ابن القيم رحمه الله :

" .. فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، فَأَيْنَمَا وَلَّى الْمُصَلِّي فَهِيَ قِبْلَةُ اللَّهِ ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ وَجْهَ رَبِّهِ ; لِأَنَّهُ وَاسِعٌ ، وَالْعَبْدُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ تَعَالَى ، وَاللَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ بِوَجْهِهِ

كَمَا تَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .... فَإِنَّهُ قَدْ دَلَّ الْعَقْلُ وَالْفِطْرَةُ وَجَمِيعُ كُتُبِ اللَّهِ السَّمَاوِيَّةِ : عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالٍ عَلَى خَلْقِهِ فَوْقَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ

وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ ، وَعَرْشُهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ كُلِّهَا ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ مُحِيطٌ بِالْعَوَالِمِ كُلِّهَا ، فَأَيْنَمَا وَلَّى الْعَبْدُ فَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَقْبِلُهُ ، بَلْ هَذَا شَأْنُ مَخْلُوقِهِ الْمُحِيطِ بِمَا دُونَهُ ، فَإِنَّ كُلَّ خَطٍّ يَخْرُجُ مِنَ الْمَرْكَزِ إِلَى الْمُحِيطِ

فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَجْهَ الْمُحِيطِ وَيُوَاجِهُهُ ، وَالْمَرْكَزُ يَسْتَقْبِلُ وَجْهَ الْمُحِيطِ ، وَإِذَا كَانَ عَالِي الْمَخْلُوقَاتِ الْمُحِيطُ ، يَسْتَقْبِلُ سَافِلَهَا الْمُحَاطُ بِهِ بِوَجْهِهِ ، مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَالْجَوَانِبِ

فَكَيْفَ بِشَأْنِ مَنْ هُوَ بكل شَيْءٍ مُحِيطٍ ، وَهُوَ مُحِيطٌ وَلَا يُحَاطُ بِهِ ، كَيْفَ يُمْتَنَعُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْعَبْدُ وَجْهَهُ تَعَالَى حَيْثُ كَانَ ، وَأَيْنَ كَانَ ؟! "

انتهى من " مختصر الصواعق المرسلة " (1/417) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" يمكن الجمع بين ما ثبت من علو الله بذاته ، وكونه قِبَل المصلي من وجوه :

الأول: أن النصوص جمعت بينهما ، والنصوص لا تأتي بالمحال .

الثاني: أنه لا منافاة بين معنى العلو والمقابلة ، فقد يكون الشيء عالياً وهو مقابل ، لأن المقابلة لا تستلزم المحاذاة ، ألا ترى أن الرجل ينظر إلى الشمس حال بزوغها فيقول : إنها قبل وجهي , مع أنها في السماء

ولا يعد ذلك تناقضاً في اللفظ ولا في المعنى ، فإذا جاز هذا في حق المخلوق ، ففي حق الخالق أولى .

الثالث : أنه لو فُرض أن بين معنى العلو والمقابلة تناقضاً وتعارضاً في حق المخلوق ؛ فإن ذلك لا يلزم في حق الخالق ، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته

فلا يقتضي كونه قِبل وجه المصلي ، أن يكون في المكان أو الحائط الذي يصلي إليه ، لوجوب علوه بذاته ، ولأنه لا يحيط به شيء من المخلوقات ، بل هو بكل شيء محيط " .

انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (4/ 51) .

وقال الشيخ ابن عثيمين :

" أما كونه لا يبصق قِبَلَ وجهِهِ ، فلأن الله سبحانه وتعالى قِبَلَ وجهِهِ ، ما من إنسان يستقبل بيتَ الله ليُصلِّي ، إلا استقبله الله بوجهه ، في أيِّ مكان ؛ لأن الله تعالى بكلِّ شيء محيط

كما قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة/115 ، وليس من الأدب أن تبصُق بين يديك ، والله تعالى قِبَلَ وجهك "

انتهى من " الشرح الممتع " (3/ 269) .

ثانياً :

روى البخاري (509) ، ومسلم (505) عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ

فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلْيَدْفَعْهُ ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ) .

وروى أبو داود (695) عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعِ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ ) وصححه الألباني

فتبين بذلك أن المنع من المرور بين يدي المصلي لا علاقة له بما ذكر من كون الرحمن قِبل وجه المصلي ، وإنما مقصوده : منع مرور الشيطان بين يدي المصلي

وأن يجمع المصلي قلبه على صلاته فلا ينصرف إلى شيء سوى صلاته .

قال في " عون المعبود " (2/275) :

" أي : لا يفوت عليه حضورها بالوسوسة والتمكن منها ، واستفيد منه أن السترة تمنع استيلاء الشيطان على المصلي ، وتمكنه من قلبه بالوسوسة ، إما كُلًّا

أو بعضاً ، بحسب صدق المصلي وإقباله في صلاته على الله تعالى ، وأنَّ عَدَمها يمكن الشيطان من إزلاله عما هو بصدده من الخشوع والخضوع " انتهى .

وقال النووي رحمه الله :

" قال الْعُلَمَاءُ : وَالْحِكْمَةُ فِي السُّتْرَةِ كَفُّ الْبَصَرِ عَمَّا وَرَاءَهُ ، وَمَنْعُ مَنْ يُجْتَازُ بِقُرْبِهِ " .

انتهى من " شرح مسلم " (4/216) .

وقال الكمال ابن الهمام رحمه الله :

" الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ "

انتهى من " فتح القدير" (1/ 408) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 15:10
المعركة بين اليهود والمسلمين في آخر الزمان المعتدي فيها هم اليهود

السؤال:

ورد في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر . فيقول الحجر والشجر : يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله

إلا الغرقد ) . بينما - حسب ما أعلم - كان المسلمون على طوال التاريخ يحسنون إلى اليهود ، ويتقبلون وجودهم ، فالإسلام دين محبة وسلام . فلماذا يذكر الحديث هنا أنه ينبغي علينا قتلهم ، ولماذا لم يفعل المسلمون ذلك سابقًا ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

الإسلام دين الرحمة والسلام كما وصفت السائلة

، ولهذا ؛ أقر الإسلام اليهود والنصارى على البقاء في بلاد الإسلام ولم يهجِّرهم ولم يقتلهم كما فعلوا ويفعلون هم حينما تمكنوا من بلاد المسلمين

وذلك وفق معاهدة تكون بينهم وبين الدولة الإسلامية على كل طرف منهما حقوق وواجبات ، فما داموا يلتزمون بتلك الشروط فهم يتمتعون بتلك الإقامة الآمنة .

ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية حامية لأهل الذمة في بلاد المسلمين ، ومدافعة عن حقوقهم إذا التزموا بشروط الإقامة ، حتى قال عليه الصلاة والسلام : ( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ

وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) رواه البخاري (3166) .

وقال عليه الصلاة والسلام : ( مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا ، أَوْ انْتَقَصَهُ ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ [أي خصمه]

يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه أبو داود (3052) وحسنه ابن حجر في " موافقة الخبر " (2/184) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

فإن أخلوا بالشروط - كما لو غدروا أو خانوا أو تجهزوا لقتالنا أو ساعدوا أعداءنا ... ونحو ذلك - فإنهم يكونون ناقضين للعهد ، وحينئذ فلا عهد بيننا وبينهم ، ولا يستحقون تلك الإقامة الآمنة التي لم يحافظوا عليها .

ثانياً :

نعم ؛ كان المسلمون يتقبلون وجود اليهود ويحسنون إليهم ما داموا ملتزمين بشروط إقامتهم ، ولكن اليهود هم اليهود ! سرعان ما كانوا يعودون إلى غدرهم وخيانتهم

ويكفي أن تعلمي أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة كان بها ثلاثة طوائف لليهود ، وهم (بنو قينقاع ، وبنو النضير ، وبنو قريظة ) وقد عاهدهم جميعاً وسالمهم جميعاً ، ولكنهم غدروا وخانوا جميعا !!

فقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقتل منهم من قتل ، وطرد منهم من طرد خارج المدينة ، ومنعهم من الإقامة فيها .
ثالثاً :

روى البخاري (3593) ، ومسلم (2921) من حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ : ( تُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ يَقُولُ الحَجَرُ : يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي، فَاقْتُلْهُ ) .

وفي صحيح مسلم (2922) من حديث أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ

فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ).

وقد جاء في بعض الروايات ما يدل على أن قتال اليهود المذكور في هذا الحديث سيكون في آخر الزمان حين يخرج الدجال وينزل المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، فيقتله .

روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرِّ قَنَاةَ [واد في المدينة]

فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ ، فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ يُسَلِّطُ اللهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ

فَيَقْتُلُونَهُ وَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ ، حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوِ الْحَجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ لِلْمُسْلِمِ : هَذَا يَهُودِيٌّ تَحْتِي فَاقْتُلْهُ )

رواه الإمام أحمد في " المسند " (9/255) ، ولكن في إسناده ضعف بسبب عنعنة محمد بن إسحاق ، وله شواهد أخرى تنظر في تحقيق المسند من طبعة مؤسسة الرسالة .

وقد أورد هذه الشواهد الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (6/610) ، وحسَّن منها حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه ، ثم قال : " فالمراد بقتال اليهود : وقوع ذلك إذا خرج الدجال ونزل عيسى " انتهى.

وقال ابن الملقن : " المراد بقوله (تقاتلون اليهود) إذا نزل عيسى ، فإن المسلمين معه ، واليهود مع الدجال"

انتهى من "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (17/663).

وهو ما جزم به جمع من شراح الحديث ، بل أخرج الإمام الترمذي (2236) حديث عبد الله بن عمر السابق في باب " علامة الدجال ".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" اليهود إنما ينتظرون المسيح الدجال ، فإنه الذي يتبعه اليهود ، ويخرج معه سبعون ألف مطيلس من يهود أصبهان ، ويقتلهم المسلمون معه ، حتى يقول الشجر والحجر : يا مسلم ! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله "

انتهى من " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " (2/ 30) .

ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله :

" فإن عيسى عليه الصلاة والسلام يغزوه ، ومعه المسلمون ، فيقتله بباب اللد ، باب هناك في فلسطين ، قرب القدس ، يقتله بحربته كما جاء في الحديث الصحيح ، والمسلمون معه يقتلون اليهود قتلة عظيمة

جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلمين يقاتلون اليهود ، فيقتلونهم ، ويسلطون عليهم ، ينادي الشجر والحجر : يا مسلم ، يا عبد الله ، هذا يهودي تعال فاقتله ، فيقتل عيسى الدجال وينتهي أمره " .

انتهى من " فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر " (4/ 290) .

وإذا خرج الدجال تبعه عشرات الآلاف من اليهود واجتمعوا معه يريدون قتال المسلمين ، فينزل المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ويجتمع معه المسلمون لقتال الدجال وأتباعه

فيدعو عيسى ابن مريم اليهود للإسلام ، ولا يقبل منهم في ذلك الوقت إلا الإسلام ، فيسلم منهم من يسلم ، ويبقى منهم من يبقى على يهوديته ، فتكون المعركة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم .

وبهذا يتبين أن المعركة من جانب المسلمين معركة عادلة مشروعة يحبها الله تعالى بلا شك ، ومما يدل على ذلك :

- أنها ضد الدجال ومؤيديه الذين اجتمعوا لقتال المسلمين : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) الصف/32.

- ولأنها معركة يخوضها المسلمون تحت قيادة عيسى بن مريم عليه السلام أحد الرسل الكرام .

- أن الله تعالى يكرم المسلمين في هذه المعركة بهذه الكرامة وهي نطق الحجر والشجر ومناداته على المسلم حتى يقتل اليهودي الذي يختبئ وراءه .

فكل ذلك يدل على أنها معركة عادلة يحبها الله ، كما هو الشأن في المعارك الإسلامية كلها التي يكون المقصد منها إعلاء كلمة الله في الأرض ، : (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه مسلم (1915).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 15:13
كيف كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ؟

السؤال:

لقد صح فيما أعلم أن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مكتوب عليه (الله 'سطر' رسول 'سطر' محمد) وبهذا الشكل تقرأ "الله رسول محمد" وهذه اللفظة فيها شرك صريح ، ولا أزال متعجبا من ذلك الأمر وأبحث عن جواب له .

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (3106) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : " كان نقش خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ : مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللَّهِ سَطْرٌ " .

وظاهر الحديث أن الكتابة كانت من أعلى إلى أسفل : مكتوب في السطر الأعلى : (محمد) ، وفي الأوسط : (رسول) ، وفي السطر الثالث : (الله) ، وليس العكس ، كما يظن بعض الناس .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الشُّيُوخِ: إِنَّ كِتَابَتَهُ كَانَتْ مِنْ أَسْفَلَ إِلَى فَوْقَ، يَعْنِي أَنَّ الْجَلَالَةَ فِي أَعْلَى الْأَسْطُرِ الثَّلَاثَةِ، وَمُحَمَّدٌ فِي أَسْفَلِهَا: فَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ، بَلْ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ يُخَالِفُ ظَاهِرُهَا ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا:

( مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَالسَّطْرُ الثَّانِي: رَسُولٌ، والسطر الثَّالِث: الله ) "

انتهى من "فتح الباري" (10/ 329) .

وغاية ما هنالك أن تكون الكتابة منقوشة في الخاتم ، بصورة مقلوبة ، حتى إذا ختم به ، ظهرت الكتابة منطبعة على الاستقامة ، كما هو الشأن في عامة الأختام .

" ولَمْ تَكُنْ كِتَابَتُهُ عَلَى السِّيَاقِ الْعَادِيِّ؛ فَإِنَّ ضَرُورَةَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى أَنْ يَخْتِمَ بِهِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْأَحْرُفُ الْمَنْقُوشَةُ مَقْلُوبَةً؛ لِيَخْرُجَ الْخَتْمُ مُسْتَوِيًا "

انتهى من "فتح الباري" (10/ 329) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" كانت كِتَابَتُهُ مَقْلُوبَةٌ لِيَطْبَعَ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ ، كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهَذَا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ كِتَابَتَهُ كَانَتْ مُسْتَقِيمَةً. وَتُطْبَعُ كَذَلِكَ ، وَفِي صِحَّةِ هَذَا نَظَرٌ، وَلَسْتُ أَعْرِفُ لِذَلِكَ إِسْنَادًا لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا "

انتهى من "البداية والنهاية" (8/ 365) .

وهذا كله : لا إشكال فيه ، ولا محظور بوجه من الوجوه .

وإذا افترضنا جدلا أن الرواية قد صحت بذلك ، وأن كتابته كانت : الله ـ محمد ـ رسول ؛ فليس المراد بذلك ما ذكره السائل في سؤاله ، بل هو أقرب إلى التكلف

أو اتباع الوساوس ، وإنما المقصود بذلك ، لو فرض صحته : محمد رسول الله ، وإنما كتب على هذه الصفة تأدبا ، ليكتب اسم الله قبل كل شيء.

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 15:16
الزواج بامرأة من محارمه من كبائر الذنوب وليس من أسباب الردة

السؤال:

ما حكم من تزوج امرأة لا تحل له ، وهو يعلم ذلك ، حيث حكم البعض بكفره ، مستدلين بحديث البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال : " مر بي عمي الحارث بن عمرو

ومعه لواء قد عقده له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فسألته . قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب عنق رجل تزوج امرأة أبيه ؟

الجواب :

الحمد لله

اتفق العلماء – فيما اطلعنا عليه – من المذاهب الأربعة وغيرهم على أن الزواج بمَحرم أو بمن لا تحل للزوج ليس ردة في نفس الأمر ، وليس كفرا مبيحا دمه وماله

وإنما هي إحدى كبائر الذنوب وفواحش المعاصي . ويكون كفرا وردة إذا أنكر التحريم واعتقد حل هذا النكاح .

وقد اختلف العلماء في عقوبة من فعل هذا ، ولم يذكر أحد منهم أنه يقتل ردة .

فعند الحنفية : لا حد عليه ، وإنما عليه التعزير ، وحملوا الحديث الذي ذكره السائل على المستحل .

قال ابن الهمام الحنفي رحمه الله :

" هذا يدل على أنه استحل ذلك فارتد به "

انتهى من " فتح القدير " (5/261) .

وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة ، أن من تزوج محرَّمة عليه : يُحد حد الزنا ، إن كان محصنا فالرجم ، وإن كان غير محصن فالجلد مائة جلدة ، وحملوا حديث البراء بن عازب على المستحل أيضا .

جاء في " التاج والإكليل " من كتب المالكية (8/390):

" إن تزوج زوجة أبيه أو زوجة ولده حُدَّ [يعني : حد الزنا] إن كان عالما بتحريم ذلك " انتهى.

وقال الماوردي الشافعي رحمه الله :

" فجعله النبي صلى الله عليه وسلم باستحلال ما نص الله تعالى على تحريمه مرتدا ، وجعل ماله بتخميسه إياه فيئا "

انتهى من " الحاوي الكبير " (8/ 146) .

ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله :

" وخبر البراء ( يقتل ويؤخذ ماله ) قال أبو بكر : محمول عند أحمد على المستحل ، وأن غير المستحل كزان "

انتهى من " كشاف القناع " (6/54-55)

وينظر : "الفروع" لابن مفلح (10/56) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" حديث أبي بردة بن نيار ( لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى من تزوج امرأة أبيه ، فأمره أن يضرب عنقه ويخمس ماله ) فإن تخميس المال دل على أنه كان كافرا لا فاسقا ، وكفره بأنه لم يحرم ما حرم الله ورسوله "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/ 90).

ومراد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بـ" أنه لم يحرم ما حرم الله ورسوله .." : استحلال ذلك ، كما يدل عليه ما قبله ، وما بعده من الكلام .

وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا ثُمَّ مَلَّكَهَا لِوَلَدِهِ . فَهَلْ يَجُوزُ لِوَلَدِهِ وَطْؤُهَا؟

فَأَجَابَ:

" الْحَمْدُ اللَّه ، لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ وَطْءِ أَبِيهِ وَالْحَالُ هَذِهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَمَنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَفِي السُّنَنِ {عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: رَأَيْت خَالِي أَبَا بُرْدَةَ وَمَعَهُ رَايَتُهُ فَقُلْت: إلَى أَيْنَ؟

فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَأُخَمِّسَ مَالَهُ} وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَطْئِهَا بِالنِّكَاحِ وَبَيْنَ وَطْئِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/77) .

وقال الشوكاني رحمه الله :

" لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وسلم بقتله ، عالم بالتحريم ، وفعله مستحلا ، وذلك من موجبات الكفر ، والمرتد يقتل "

انتهى من " نيل الأوطار " (7/137) .

وذهب ابن حزم ، وهو رواية عن أحمد : إلى أن من وقع على ذات محرم فعقابه أشد من الزاني ، فيجب قتله بكل حال ، سواء كان محصنا أو غير محصن .

غير أنهم قالوا يقتل حدا ، لا ردة .

واختار هذا القول الخطابي وشيخ الإسلام ابن تيمية

قال ابن حزم رحمه الله :

" فمن وطئ امرأة أبيه بعقد سماه نكاحا ، أو بغير عقد ، فقتلُهُ واجب ولا بد ، وتخميس ماله فرض ، ويكون الباقي لورثته - إن كان لم يرتد -، أو للمسلمين إن كان ارتد " .

انتهى من " المحلى " (12/204) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" فَوَاَللَّهِ مَا رَضِيَ لَهُ بِحَدِّ الزَّانِي حَتَّى حَكَمَ عَلَيْهِ بِضَرْبِ الْعُنُقِ وَأَخْذِ الْمَالِ ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَحْضُ ؛ فَإِنَّ جَرِيمَتَهُ أَعْظَمُ مِنْ جَرِيمَةِ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ

فَإِنَّ هَذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَاحِدًا، وَالْعَاقِدُ عَلَيْهَا ضَمَّ إلَى جَرِيمَةِ الْوَطْءِ جَرِيمَةَ الْعَقْدِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ ، فَانْتَهَكَ حُرْمَةَ شَرْعِهِ بِالْعَقْدِ، وَحُرْمَةَ أُمِّهِ بِالْوَطْءِ"

انتهى من"إعلام الموقعين" (2/249) ، وينظر : "زاد المعاد" (5/13-14) .

وينظر أيضا : "المغني" (9/56) ، " مجموع فتاوى " شيخ الإسلام ابن تيمية (34/177) . " معالم السنن " (3/329) .

والخلاصة :

أن هذا الفعل ، وإن كان محرما تحريما عظيمة ، وجريمة مغلظة ، إلا أنه ليس كفرا في نفسه ، كما يدل عليه كلام أهل العلم في الحديث المذكور ، إلا إذا كان مستحلا لذلك ، غير خاضع لحكم الله ورسوله فيه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 15:19
التوفيق بين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أثر سم اليهودية وبين قوله لها : "ما كان الله ليسلطك على ذلك"

السؤال:

بخصوص حديث الشاة المسمومة : في قول النبي للمرأة ( ما كان الله ليسلطك على ) ، أي في أن النبي خصص هذه المرأة بعدم التسليط عليه

فكيف هذا وقد ثبت أن النبي مات متأثرا بهذا السم ؛ أليس موته متأثرا بالسم يعنى تسليطها عليه ، وتمكنها منه ، حتى ولو بعد فترة من الزمن؟

الجواب :

الحمد لله

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : " أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ : أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ

قَالَ : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ )" رواه البخاري ( 2474 ) ، ومسلم ( 2190 ) .

وعن عَائِشَةُ رضى الله عنها : " كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ : (يَا عَائِشَةُ ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِى أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِى مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ ) " رواه البخاري ( 4165 ) .

"وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي" .

يراجع : " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " (15 / 91).

والجمع بين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالسم وبين قوله لليهودية التي وضعت له السم (ما كان الله ليسلطك على ذلك) هو أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت في الحال ؛

أي لم يكن الله ليسلطك على قتلي بهذا السم في هذا الوقت الذي أردتيه ؛ لأن السم في العادة يقتل صاحبه فورا ، بدليل أن من أكل معه وهو بشر بن البراء رضي الله عنه مات من السم

, أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد عاش بعد هذه الواقعة ثلاث سنوات ، قاد خلالها الجيوش وخاض المعارك وباشر حياته الشريفة , ثم لما حضر أجله الذي كتبه الله تعالى : هاج عليه أثر السم ، ليكرمه الله تعالى بالشهادة .

وفي " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " (15 / 92):

" وفيه: معجزة ظاهرة له عليه السلام، حيث لم يؤثر فيه السم ، والذي أكل معه مات " انتهى.

وقال ابن القيم في " زاد المعاد " (4/111):

" وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى كَانَ وَجَعُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ: (مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأُكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مِنَ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي) ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا " انتهى .

وجاء في "شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية "(12 / 94):

" ومن المعجزة أنه لم يؤثّر فيه في وقته ؛ لأنهم قالوا: إن كان نبيًّا لم يضره , وإن كان ملكًا استرحنا منه ، فلمَّا لم يؤثر فيه تيقنوا نبوته حتى قيل: إن اليهودية أسلمت , ثم نقض عليه بعد ثلاث سنين لإكرامه بالشهادة" انتهى.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 15:24
آداب النصيحة .

السؤال:

ما هي الخطوط العريضة في كيفية إسداء النصيحة ؟

وهل تكون على إنفراد أم أمام الملأ ؟

ومن المؤهل لذلك ؟

الجواب:

الحمد لله

النصيحة معلم بارز من معالم الأخوة الإسلامية ، وهي من كمال الإيمان ، وتمام الإحسان ، إذ لا يكمل إيمان المسلم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وحتى يكره لأخيه ما يكره لنفسه ، وهذا هو دافع النصح .

روى البخاري (57) ، ومسلم (56) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : " بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " .

وروى مسلم (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) ، قُلْنَا لِمَنْ ؟ ، قال : ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) " .

قال ابن الأثير رحمه الله :

" نَصيحةُ عامّةِ المسلمين : إرشادُهم إلى مصالِحِهم "

انتهى من "النهاية " (5 /142) .

وللنصيحة آداب عامة ينبغي أن يتحلى بها الناصح الشفيق ، منها :

- أن يكون دافعه في النصيحة محبة الخير لأخيه المسلم ، وكراهة أن يصيبه الشر

قال ابن رجب رحمه الله :

" وأما النصيحة للمسلمين : فأن يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه ، ويشفق عليهم ويرحم صغيرهم ، ويوقر كبيرهم ، ويحزن لحزنهم ، ويفرح لفرحهم ، وإن ضره ذلك في دنياه ، كرخص أسعارهم

وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته ، وكذلك جميع ما يضرهم عامة ، ويحب ما يصلحهم ، وألفتهم ، ودوام النعم عليهم ، ونصرهم على عدوهم ، ودفع كل أذى ومكروه عنهم

. وقال أبو عمرو بن الصلاح

: النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادةً وفعلاً "

انتهى من "جامع العلوم والحكم" (ص 80) .

- أن يكون مخلصا فيها ، يبتغي بها وجه الله ، فلا يريد بها إظهار العلو والارتفاع على أخيه .

- أن تكون تلك النصيحة خالية من الغش والخيانة ، قال الشيخ ابن باز رحمه الله :" النصح هو الإخلاص في الشيء وعدم الغش والخيانة فيه . فالمسلم لعظم ولايته لأخيه ومحبته لأخيه: ينصح له ويوجهه إلى كل ما ينفعه

ويراه خالصا لا شائبة فيه ولا غش فيه . ومن ذلك قول العرب : ذَهَبٌ ناصح ، يعني سليما من الغش . ويقال عسل ناصح ، أي : سليم من الغش والشمع "

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (5/ 90) .

- ألا يريد بالنصيحة التعيير والتبكيت ، وللحافظ ابن رجب رحمه الله رسالة خاصة في : " الفرق بين النصيحة والتعيير " .
- أن تكون النصيحة بروح الأخوة والمودة

لا تعنيف فيها ولا تشديد ، وقد قال الله تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل/ 125.

- أن تكون بعلم وبيان وحجة

قال السعدي رحمه الله :

" من الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبداءة بالأهم فالأهم ، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم ، وبما يكون قبوله أتم ، وبالرفق واللين ، فإن انقاد بالحكمة ، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة

وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب . فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق . أو كان داعية إلى الباطل ، فيجادل بالتي هي أحسن

وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا . ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها ، فإنه أقرب إلى حصول المقصود ، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها

ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها "

انتهى من " تفسير السعدي" (ص 452) .

- أن تكون في السر ، فلا يجهر بها أمام الناس إلا للمصلحة الراجحة .

قال ابن رجب رحمه الله :

" كان السَّلفُ إذا أرادوا نصيحةَ أحدٍ ، وعظوه سراً ، حتّى قال بعضهم : مَنْ وعظ أخاه فيما بينه وبينَه فهي نصيحة ، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبخه . وقال الفضيل: المؤمن يَسْتُرُ ويَنْصَحُ ، والفاجرُ يهتك ويُعيِّرُ"

انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/ 236) .

وقال ابن حزم رحمه الله

: " إِذا نصحت فانصح سرا لَا جَهرا ، وبتعريض لَا تَصْرِيح ، إِلَّا أَن لَا يفهم المنصوح تعريضك ، فَلَا بُد من التَّصْرِيح .... فَإِن تعديت هَذِه الْوُجُوه فَأَنت ظَالِم لَا نَاصح "

انتهى من "الأخلاق والسير" (ص 45) .

على أنه إذا افترض أن في الجهر بالنصح مصلحة راجحة : فلا حرج على الناصح أن يجهر بنصحه ، كأن يرد على من أخطأ في مسائل الاعتقاد أمام الناس ، لئلا يغتروا بقوله ويتبعوه على خطئه

وكمن ينكر على من أباح الربا ، أو ينشر البدعة والفجور بين الناس ، فمثل هذا نصحه علانية مشروع ، بل قد يكون واجبا ، للمصلحة الراجحة ، ودرء المفسدة الغالبة .

قال ابن رجب رحمه الله :

" إن كان مقصوده مجرد تبيين الحق ، ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته : فلا ريب أنه مثاب على قصده ، ودخل بفعله هذا بهذه النية في النصح لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم"

انتهى من "الفرق بين النصيحة والتعيير" (ص 7) .

- أن يختار الناصح أحسن العبارات ، ويتلطف بالمنصوح ، ويلين له القول .

- أن يصبر الناصح على ما قد يلحقه من أذى بسبب نصحه .

- كتمان السر ، وستر المسلم ، وعدم التعرض لعرضه ، فالناصح رفيق شفيق محب للخير راغب في الستر .

- أن يتحرى ويتثبت قبل النصيحة ، ولا يأخذ بالظن ، حتى لا يتهم أخاه بما ليس فيه .

- أن يختار الوقت المناسب للنصيحة . قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إِنَّ لِهَذِهِ الْقُلُوبِ شَهْوَةً وَإِقْبَالًا ، وَإِنَّ لَهَا فَتْرَةً وَإِدْبَارًا ، فَخُذُوهَا عِنْدَ شَهْوَتِهَا وَإِقْبَالِهَا ، وَذَرُوهَا عِنْدَ فَتْرَتِهَا وَإِدْبَارِهَا " .

رواه ابن المبارك في "الزهد" (1331) .

- أن يكون الناصح عاملاً بما يأمر الناس به ، وتاركاً لما ينهى الناس عنه ، قال الله تعالى- موبخاً بني إسرائيل على تناقض أقوالهم مع أفعالهم-: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) البقرة/44

وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يأمر الناس بالمعروف ولا يأتيه ، وينهاهم المنكر ويأتيه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 15:29
البدانة ليست مذمومة في الشريعة بإطلاق

السؤال:

أخبرني اليوم أحد أصدقائي بأنه لا ينبغي للمسلم أن يكون بديناً لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك. فهل هناك في شريعتنا ما يضع قيداً لمثل هذا الأمر؟

الجواب:

الحمد لله

البدانة تكون مذمومة في الشرع إذا كان سببها كثرة الأكل أو الخلود إلى الراحة والكسل وعدم العمل .

أما البدانة التي تكون بسبب تقدم السن ، أو تكون بطبيعة الجسم ، كما لو كان الشخص بدينا وراثةً مثلا ؛ فهذه البدانة ليست مذمومة ، ولا يلام عليها الإنسان .

وقد روى البخاري (2457) ومسلم (4603) عن عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ .

قَالَ عِمْرَانُ : فَلَا أَدْرِي أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً . ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ) .

قال النووي رحمه الله :

" قال جمهور العلماء في مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ : الْمُرَادُ بِالسِّمَنِ هُنَا كَثْرَةُ اللحم، ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم، قَالُوا: وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ مَنْ يَسْتَكْسِبُهُ

وَأَمَّا مَنْ هُوَ فِيهِ خِلْقَةً فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا، وَالْمُتَكَسِّبُ لَهُ هُوَ الْمُتَوَسِّعُ فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ زَائِدًا عَلَى الْمُعْتَادِ " انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" (وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ) : أَيْ يُحِبُّونَ التَّوَسُّعَ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ، وَهِيَ أَسْبَابُ السِّمَنِ " انتهى .

وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

"قوله : (ويظهر فيهم السمن) . "السمن" : كثرة الشحم واللحم ، وهذا الحديث مشكل ، لأن ظهور السمن ليس باختيار الإنسان ، فكيف يكون صفة ذم ؟!

قال أهل العلم : المراد أن هؤلاء يعتنون بأسباب السمن من المطاعم والمشارب والترف ، فيكون همهم إصلاح أبدانهم وتسمينها .

أما السمن الذي لا اختيار للإنسان فيه ، فلا يذم عليه ، كما لا يذم الإنسان على كونه طويلاً أو قصيراً أو أسود أو أبيض ، لكن يذم على شيء يكون هو السبب فيه"

انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (2/350) .

ويدل لهذا المعنى أن الحديث ورد في سنن الترمذي (2147) بلفظ : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُونَ وَيُحِبُّونَ السِّمَنَ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وروى ابن ماجة (962) عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي قَدْ بَدنْتُ، فَإِذَا رَكَعْتُ

فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعْتُ فَارْفَعُوا، وَإِذَا سَجَدْتُ فَاسْجُدُوا، وَلَا أُلْفِيَنَّ رَجُلًا يَسْبِقُنِي إِلَى الرُّكُوعِ، وَلَا إِلَى السُّجُودِ) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

قال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" (1/ 176):

" قوله : (إني قد بدنت) يروى على وجهين : أحدهما : بدّنت بتشديد الدال، ومعناه كبر السن . والآخر: بدُنت مضمومة الدال غير مشدودة، ومعناه: زيادة الجسم واحتمال اللحم " انتهى .

وكلا المعنيين قد حصل للرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد روى أبو داود (942) عن أُمّ قَيْسٍ بِنْت مِحْصَنٍ، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ، اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ)

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" . ومثل هذا أيضا ثبت في صحيح مسلم (1233) عن عائشة رضي الله عنه أنها كانت تصف صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت

: (فلمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخَذَه اللَّحْمُ ... إلخ الحديث) .

فهذه البدانة التي حصلت للرسول صلى الله عليه وسلم كانت شيئا يسيرا ولم تكن بدانة مفرطة ، وكانت بحكم تقدم سنه صلى الله عليه وسلم .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-09-27, 15:35
شرح حديث : (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا) .

السؤال:

روى البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي : " أنه مر رجل من فقراء المسلمين على النبي يوما فقال النبي لأصحابه: ( ما تقولون في هذا ؟ )

فقالوا : رجل من فقراء المسلمين ، هذا والله حرى إن خطب ألا يزوج ، وإن شفع ألا يشفع ، ثم مر رجل آخر من الأشراف ، فقال : ( ما تقولون في هذا ؟ )

قالوا: رجل من أشراف القوم هذا والله حرى إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، فأشار النبي على الرجل الفقير الأول فقال : ( والله هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا ) .

فما شرح هذا الحديث كما فهمه سلف هذه الأمة ؟ وما الحد المسموح به في استخدام عبارة القسم "والله.."، وفي أي الظروف ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (6447) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : " مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ : ( مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ )

فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ ) ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ

وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا ) .

وروى أحمد (21493) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا أَبَا ذَرٍّ، ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ أَرْفَعَ رَجُلٍ تَرَاهُ فِي الْمَسْجِدِ ) قَالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ عَلَيْهِ حُلَّةٌ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا ، قَالَ: فَقَالَ:

( يَا أَبَا ذَرٍّ، ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ أَوْضَعَ رَجُلٍ تَرَاهُ فِي الْمَسْجِدِ ) قَالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا رَجُلٌ ضَعِيفٌ عَلَيْهِ أَخْلَاقٌ ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا.

قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَهَذَا أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُرَابِ الْأَرْضِ مِثْلِ هَذَا ) .

وقال محققو المسند : إسناده صحيح على شرط الشيخين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ شَخْصَيْنِ : (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ هَذَا ) فَصَارَ وَاحِدٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ خَيْرًا مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ بَنِي جِنْسِهِ

وَهَذَا تَبَايُنٌ عَظِيمٌ لَا يَحْصُلُ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ مَنْ قَالَ : " مَا سَبَقَكُمْ أَبُوبَكْرٍ بِفَضْلِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ وَلَكِنْ بِشَيْءِ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ ".

وَهُوَ الْيَقِينُ وَالْإِيمَانُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وُزِنْت بِالْأُمَّةِ فَرَجَحْت ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ بِالْأُمَّةِ فَرَجَحَ ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ بِالْأُمَّةِ فَرَجَحَ ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ) " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (2/ 384-385).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَفِي الْحَدِيثِ : أَنَّ السِّيَادَةَ بِمُجَرَّدِ الدُّنْيَا لَا أَثَرَ لَهَا ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِالْآخِرَةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ ، وَأَنَّ الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَظُّ مِنَ الدُّنْيَا يُعَاضُ عَنْهُ بِحَسَنَةِ الْآخِرَةِ

فَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِلْفَقْرِ كَمَا تَرْجَمَ بِهِ ، لَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لتفضيل الْفَقِير على الْغَنِيّ كَمَا قَالَ ابن بَطَّالٍ ، لَكِنْ تَبَيَّنَ مِنْ سِيَاقِ طُرُقِ الْقِصَّةِ أَنَّ جِهَةَ تَفْضِيلِهِ إِنَّمَا هِيَ لِفَضْلِهِ بِالتَّقْوَى .. " انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فهذان رجلان أحدهما من أشراف القوم ، وممن له كلمة فيهم ، وممن يجاب إذا خطب ، ويسمع إذا قال ، والثاني بالعكس، رجل من ضعفاء الناس ليس له قيمة

إن خطب فلا يجاب ، وإن شفع فلا يشفع ، وإن قال فلا يسمع .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) أي : خير عند الله عز وجل من ملء الأرض من مثل هذا الرجل الذي له شرف وجاه في قومه

لأن الله سبحانه وتعالى ليس ينظر إلى الشرف ، والجاه ، والنسب ، والمال ، والصورة ، واللباس ، والمركوب ، والمسكون ، وإنما ينظر إلى القلب والعمل

فإذا صلح القلب فيما بينه وبين الله عز وجل ، وأناب إلى الله ، وصار ذاكراً لله تعالى خائفاً منه ، مخبتاً إليه ، عاملاً بما يرضي الله عز وجل ، فهذا هو الكريم عند الله، وهذا هو الوجيه عنده

وهذا هو الذي لو أقسم على الله لأبره .

فيؤخذ من هذا فائدة عظيمة ، وهي أن الرجل قد يكون ذا منزلة عالية في الدنيا، ولكنه ليس له قدر عند الله ، وقد يكون في الدنيا ذا مرتبة منحطة ، وليس له قيمة عند الناس ، وهو عند الله خير من كثير ممن سواه " .

انتهى من " شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 52-53) .

وحاصل ذلك كله :

أن مكانة العبد عند الله تعالى إنما هي باعتبار ما في قلبه من محبة لله ، وإخلاص وإخبات ، وخوف ورجاء وتقوى ، وباعتبار العمل الذي يبرهن به صاحبه على ما في قلبه من خصال الإيمان .

فمن كان أعظم محبة لله ، وخوفا ورجاء وتقوى : كان أحب إلى الله ، وبمقدار تفاوت ما بين الناس من ذلك ، تتفاوت منازلهم عند الله

حتى يصير الرجل الفقير الذي لا يؤبه له ، بكمال إيمانه : خيرا من ملء الأرض من الغني الوجيه ضعيف الإيمان .

ولا يدل الحديث على أن المسلم الفقير أفضل وأحب إلى الله من المسلم الغني بإطلاق ، فإن الصواب في هذه المسألة : أن أفضلهما أتقاهما ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ أَيُّمَا أَفْضَلُ : الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَوْ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ؟ وَالصَّحِيحُ : أَنَّ أَفْضَلَهُمَا أَتْقَاهُمَا ؛ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقْوَى اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 21) .

ثانيا :

ينبغي للمسلم تعظيم أمر اليمين ، فلا يقسم إلا بالله ، ولا يقسم إلا وهو صادق ، ولا يتجارى في أمر اليمين فيقسم على كل شيء ، كلما أراد تحقيق قول أو تصديقه فيه

أقسم عليه بالله ، فهذا لا ينبغي لجلال اليمين ، وقد صرح أهل العلم بكراهة الإكثار من الأيمان .

فيشترط للمسموح به من الأيمان عدة شروط :

- ألا يحلف الحالف إلا بالله .

- أن يكون الحالف صادقا فيما يحلف عليه ، أو يغلب على ظنه أنه صادق .

- ألا يحلف بمجرد الظن ، حتى يتيقن أو يغلب على ظنه أنه صادق في يمينه .

- ألا يحلف إلا عند الحاجة إلى اليمين ، كالحلف في الشهادة ، ونحو ذلك ، وفي الأمور العلمية : إنما يحلف على شيء له خطر وأهمية ، يريد أن ينبه الناس على مكانه

ويدلهم عليه ، أو يرى أن الناس يتشككون فيه ، أو لا يقر في نفوسهم بمجرد الخبر ، ونحو ذلك من المقاصد الشرعية والعلمية المعتبرة .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

ikramm011
2018-09-28, 20:11
لاحول ولا قوة الابالله

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:04
لاحول ولا قوة الابالله

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:07
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

شرح حديث : ( .. َمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ)

السؤال:

قرأت حديثاً يقول : ( إن من هجر أخاه فوق ثلاث ومات على ذلك دخل النار ) ، فهل هذا الحديث صحيح ، وما شرحه ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (5727) ، ومسلم (2560) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ ) .

وروى أبو داود (4914) ، وأحمد (9092) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ ) .

قال الحافظ العراقي رحمه الله في " تخريج الإحياء" (ص 688):

" أخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد صَحِيح " .

وقال النووي رحمه الله في "رياض الصالحين" (ص 433):

" رواه أَبُو داود بإسناد عَلَى شرط البخاري ومسلم " .

وكذا صححه الألباني رحمه الله في "صحيح أبي داود" .

ثانيا :

أفاد الحديث : التغليظ والتشديد في أمر الهجر والخصام ، فمن هجر أخاه فوق ثلاث ليال ، ولم يتب إلى الله : فقد استوجب العقوبة بدخول النار ، إلا أنه في مشيئة الله : إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له .

إلا من استحل ذلك ، مع علمه بحرمته ، ولم يحرم حرام الله في ذلك ، ولم يلتزمه : فإن هذا ردة عن دين الله عز وجل .

وينظر للفائدة : إجابة السؤالين القادمين

قال ابن علان رحمه الله :

" (فمن هجر فوق ثلاث فمات) مصراً على الهجر والقطيعة (دخل النار) إن شاء الله تعذيبه مع عصاة الموحدين ، أو دخل النار خالداً مؤبداً ، إن استحل ذلك ، مع علمه بحرمته والإِجماع عليها "

انتهى من "دليل الفالحين" (8/ 435) .

وقال القاري رحمه الله :

" ( فَمَاتَ) أَيْ : عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ ( دَخَلَ النَّارَ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ : أَيِ اسْتَوْجَبَ دُخُولَ النَّارِ، فَالْوَاقِعُ فِي الْإِثْمِ ، كَالْوَاقِعِ فِي الْعُقُوبَةِ : إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ " انتهى .

وينظر: "عون المعبود" (13/ 176):

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:11
حكم المؤمن المرتكب لبعض المعاصي

السؤال

ما هو حال المؤمن الذي ارتكب الكثير من المعاصي في حياته ؟

هل يغفر الله له أم أنه يُعذب ؟

وما هو مقدار عذابه ؟.

الجواب

الحمد لله

فالمؤمنون الذين يموتون على الإيمـان إذا كانوا قد ارتكبوا في حياتهم معصيةً دون الكفر والشرك المخرج من الملة ، لهم حالتان:

الأولى : أن يكونوا قد تابوا من المعصية في حياتهم ، فإن تابوا منها توبة نصوحاً قبلها الله منهم . فيعودون كمن لا ذنب له، ولا يعاقبون على معصيتهم في الآخرة ، بل ربما أكرمهم ربهم فبدل سيئاتهم حسنات .

الثانية : الذين يموتون و لم يتوبوا من المعاصي أو كانت توبتهم ناقصة لم تستوف الشروط، أو لم تقبل توبتهم فيها، فإن الذي أثبتته الآيات القرآنية والسنن النبوية واتفق عليه السلف الصالح أن هؤلاء

ـ العصاة من أهل التوحيد ـ على ثلاثة أقسام :

القسم الأول : قوم تكون لهم حسنات كثيرة تزيد وترجح على هذه السيئات، فهؤلاء يتجاوز الله عنهم ، ويسامحهم في سيئاتهم

ويدخلهم الجنة ، ولا تمسهم النار أبداً إحساناً من الله وفضلاً وإنعاماً. كما جـاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

:"إن الله سبحانه وتعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: سترتها عليك في الدنيا

وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" رواه البخاري (2441) ومسلم (2768) .

وقال تعالى: { فمن ثقلت موازينه فأولئك المفلحون} الأعراف/8 .

وقال سبحانه : {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه فأمه هاوية } القارعة/:6-7 .

القسم الثاني : قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار ، وهؤلاء هم أصحاب الأعراف الذين ذكر الله تعالى أنهم يوقفون بين الجنة والنار

ما شاء الله أن يوقفوا ثم يؤذن لهم في دخول الجنة كما قال تعالى بعد أن أخبر بدخول أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ

فقال سبحانه : ( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ . وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين َ)

إلى قوله : ( أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) الأعراف/46-49

القسم الثالث : قوم لقوا الله تعالى مصرين على الكبائر والإثم والفواحش فزادت سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء هم الذين يستحقون دخول النار بقدر ذنوبهم فمنهم من تأخذه إلى كعبيه ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه

ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه حتى أن منهم من لا يحرم على النار منه إلا أثر السجود ، وهؤلاء هم الذين يأذن الله في خروجهم من النار بالشفاعة فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ،و سائر الأنبياء

والملائكة والمؤمنون ومن شاء الله أن يكرمه. فمن كان من هؤلاء العصاة أعظم إيمانا و أخف ذنبا كان أخف عذاباَ وأقل مكثا فيها وأسرع خروجا منها

وكل من كان أعظم ذنباً وأضعف إيماناً كان أعظم عذاباً و أكثر مكثاً نسأل الله السلامة والعافية من كل سوء .

فهذه حال عصاة المؤمنين في الآخرة .

وأما في الدنيا فهم ما داموا لم يرتكبوا عملاً يخرجهم من الملة فهم مؤمنون ناقصوا الإيمان كما أجمع على ذلك السلف الصالح مستدلين بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ؛ فمن تلك الآيات :

قوله تعالى في آية القصاص :( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف ) البقرة/178 فجعل الله القاتل أخاً لأولياء المقتول وهذه الأخوَّة هي أخوة الإيمان فدل ذلك على أن القاتل لم يكفر مع أن قتل المؤمن كبيرة من أكبر الكبائر .

وقوله جل شأنه : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات/9 :10 فسمى الله الطائفتين المقتتلتين مؤمنين مع أن الاقتتال من كبائر الذنوب ، بل وجعل المصلحين بينهم أخوة لهم

فدل هذا على أن مرتكب المعصية والكبيرة التي لا تصل إلى حد الشرك والكفر ؛ يثبت له اسم الإيمان وأحكامه . لكنه يكون ناقص الإيمان . وبهذا تجتمع النصوص الشرعية وتأتلف . والله أعلم .

يراجع ( أعلام السنة المنشورة 212 )

و ( شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين 2 / 238 ).

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:14
لا يجوز هجر المسلم لاختلاف وجهات النظر

السؤال

أعلم أنه يجوز للمسلم أن يغضب على أخيه مدة لا تتجاوز 3 أيام ، وأن خيرهما الذي يبدأ بالسلام ، لكن إذا كنت لا أرى هذا الأخ إلا مرة واحدة في الأسبوع أو ما يقارب ذلك

فهل يجوز لي أن أعرض عنه بعد مواجهته 3 مرات ، أم أن علي أن أتقيد بالحد المذكور ( 3 أيام فقط ) ؟

إن أنا فعلت ، فإن الأخ سوف لن يعي أني مستاء منه

أعلم أن هذا الأسلوب ليس من الأساليب الحسنة التي يحرص المسلم على التخلق بها ، لكن قد يحصل أن يقوم أحد الإخوة بفعل شيء ما ، فأقرر إشعاره أني لا أوافقه فعله .

الجواب

الحمد لله

"هجر المسلم لا يجوز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام "

رواه البخاري ( 5727 ) ومسلم ( 2560 ) ، ولا سيما إذا كان المؤمن قريباً لك أخاً أو ابن أخ أو عمّاً أو ابن عم فإن الهجر في حقِّه يكون أشد إثماً .

اللهم إلا إذا كان على معصية ، وكان في هجره مصلحة ، بحيث يقلع عن هذه المعصية فلا بأس به ، لأن هذا من باب إزالة المنكر

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم ( 49 )

والأصل أن هجر المؤمن لأخيه المؤمن محرّم حتى يوجد ما يقتضي الإباحة" .انتهى.

انظر " فتاوى منار الإسلام " لابن عثيمين ج/ 3 ص/732 .

وقال ولي الدين العراقي :

"هذا التحريم محله في هجرانٍ ينشأ عن غضب لأمر جائز لا تعلق له بالدين ، فأما الهجران لمصلحة دينية من معصية أو بدعة : فلا مانع منه

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجران كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم ، قال ابن عبد البر : وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة

يرجو أن يكون هجرانه تأديباً له وزجراً عنها ، وقال أبو العباس القرطبي : فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك ولا يختلف في هذا ، وقال ابن عبد البر –

أيضاً - : أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه

فإن كان كذلك رخص له في مجانبته ، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية" .

"انتهى من طرح التثريب " ( 8 / 99 ) .

والذي ينبغي عليك إذا ارتكب أخوك محرّماً مناصحته وبيان حرمة هذا الأمر وأنه لا يجوز ، وتذكّيره بالله ، فإذا رأيت منه تمادياً على هذه المعصية ورأيت أن المصلحة في هجره فهذا حكمه الجواز كما سبق

وأما إن كان مجرّد فعل لا توافقه عليه ، أو اختلاف وجهات النظر فبيّن له عدم موافقتك لفعله أو خطأه في وجهة نظره ، أما أن تجعل من هجره إشعاراً بعدم موافقته فهذا قد يؤدي به إلى عدم القبول منك أصلاً

فضلاً عن أنه لا يعتبر ذلك مسوغاً شرعيّاً لهجره أكثر من ثلاثة أيام ، وسبق في فتوى الشيخ ابن عثيمين أن الأصل في الهجر الحرمة حتى يوجد ما يقتضي الإباحة .

والواجب على المسلم أن يكون واسع الصدر ، ناصحاً لإخوانه ، وأن يتحمّل منهم ويغض الطرف عن هفواتهم ، لا أن يستعجل في اتخاذ حل قد يكون سبباً للقطيعة والهجر المحرّم

وفّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ، وصلى الله على نبينا محمد .

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:17
حكم التخاصم وفضل الإصلاح بين المتخاصمين

السؤال

لدينا في الفصل زميلتان متخاصمتان في رمضان ، ومنذ فترة طويلة وهم على ذلك الحال ، والعلاقة بيني وبينهم ليست قوية ، أريد أن أصلح بينهما لأحصل على أجر الإصلاح بين الناس

وأريد رسالة أكتبها إليهما ، ولكني أخشى المواجهة ، أرجو أن تنال رسالتي اهتمامكم .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

إن ما تحرصين عليه أيتها الأخت لهو من مكارم الأخلاق .

قال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) الأنفال/1 .

وقال تعالى : ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء/114 .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإصلاح بين الناس أفضل من تطوع الصيام والصلاة والصدقة .

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ :

صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ) قَالَ الترمذي : وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ : ( هِيَ الْحَالِقَةُ . لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ) .

رواه أبو داود ( 4273 ) والترمذي ( 2433 ) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

وقد أجاز الشرع المطهر الكذب من أجل هذا الأمر العظيم ، فيجوز لكِ أن تنقلي لكلا الطرفين المتخاصمين مدح الطرف الآخر وثناءه عليه ، رغبةً في الإصلاح ، وليس هذا من الكذب المحرم .

عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ( لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا ) . رواه البخاري ( 2495 ) .

ثانياً :

الهجر بين المسلمين من المحرمات ، ويمكنك تذكير الطرفين بالنصوص الدالة على هذا ، ومنها :

من القرآن الكريم :

أ. قال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال/46 .

ب. وقال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) آل عمران/103 .

ومن السنة النبوية :

أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تَبَاغَضُوا ، وَلا تَحَاسَدُوا ، وَلا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا

وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ) رواه البخاري (6065) ومسلم (2559) .

ب. عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ

يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ ) . رواه البخاري (5727) ومسلم (2560) .

ج. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ

فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) . رواه مسلم ( 2565 ) .

قال النووي :

" ( أَنْظِرُوا هَذَيْنِ ) أي : أَخِّرُوهُمَا حَتَّى يَرْجِعَا إِلَى الصُّلْح وَالْمَوَدَّة " . انتهى .

د. عن أبي خراش السلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ ) . رواه أبو داود ( 4915 ) .

وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" ( 2762 ) .

فهذه النصوص تدل على تحريم هجر المسلم لأخيه ، بترك السلام عليه والإعراض عنه أكثر من ثلاثة أيام ، ما لم يكن الهجر بسبب شرعي ويترتب عليه مصلحة فإنه يجوز أكثر من ثلاثة أيام .

فعليك أن تذكري المتخاصمتين بهذه الآيات والأحاديث ، وتحاولي التقريب بين وجهات النظر ، والحث على نبذ الفرقة والخلاف

ويمكنك مخاطبة كل واحدة منهما مباشرة كما يمكنك كتابة هذه النصوص في ورقة ودفعها لهما لقراءتها .

ونسال الله أن يوفقك لما فيه الخير .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:21
معنى السيادة في قوله صلى الله عليه وسلم : (أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مَا خَلَا النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ)

السؤال :

روى ابن ماجه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين )

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ فاطمة سيدة أهل الجنة ، فهل المقصود بالسيادة هنا أنه سيكون لهم الحكم والملك في الجنة ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

روى الترمذي (3666) ، وابن ماجة (95) عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مَا خَلَا النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ) .

وروى البخاري (3623) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة رضي الله عنها : ( أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، أَوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ ؟ ) .

وروى الترمذي (3781) وحسنه ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلِ الأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ

وَأَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ)وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وأفضل الصحابة، بل أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم االسلام: أبو بكر الصديق ، ثم من بعده: عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب

" انتهى من "الباعث الحثيث" (ص 183)

وينظر : "فتح المغيث" للسخاوي (4/ 113)

"الصواعق المحرقة" للهيتمي (2/ 706) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وهما - يعني الحسن والحسين - رضي الله عَنْهُمَا وَإِنْ كَانَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهَذَا الصِّنْفُ أَكْمَلُ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ "

انتهى من "منهاج السنة النبوية" (4/ 169) .

وقال القاري رحمه الله :

" الْكُهُولُ: جَمْعُ الْكَهْلِ، وَهُوَ - عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ - مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِلَى إِحْدَى وَخَمْسِينَ، فَاعْتَبَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حَالَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ كَهْلٌ

وَقِيلَ: سَيِّدَا مَنْ مَاتَ كَهْلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كَهْلٌ ، بَلْ مَنْ يَدْخُلُهَا ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ ، وَإِذْ كَانَا سَيِّدَيِ الْكُهُولِ ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَا سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِهَا "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (9/ 3913) .

ويؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (602) عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقَالَ: ( يَا عَلِيُّ، هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَبَابِهَا بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ) .

وحسنه محققو المسند ، وكذا حسنه الألباني في "الصحيحة" (2/468) .

ثانيا :

المقصود بالسيادة في هذه الأحاديث : الأفضلية ، فهؤلاء السادة هم أفضل أهل الجنة ، ومقدموهم ، قال المناوي رحمه الله :

" السيد : أفضل القوم ؛ كما ورد : ( قوموا إلى سيدكم ) أي أفضلكم " .

انتهى من "فيض القدير" (4/ 120) .

وجاء في " لسان العرب " (3/ 228) .

" والسَّيِّدُ يُطْلَقُ عَلَى الرَّبِّ وَالْمَالِكِ وَالشَّرِيفِ وَالْفَاضِلِ وَالْكَرِيمِ وَالْحَلِيمِ ومُحْتَمِل أَذى قَوْمِهِ وَالزَّوْجِ وَالرَّئِيسِ والمقدَّم " انتهى .

وليس المقصود بالسيادة أنه سيكون لهم الحكم والملك في الجنة ، فيحكمون على غيرهم ويسوسونهم ، كما يحكم الأمير والقاضي في أهل الدنيا

فالحكم والملك كله لله يوم القيامة ، ولكل واحد من أهل الجنة ملكه الخاص به ، يتنعم به ، وبما فيه من قصور وجنات وزوجات .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:24
الحكمة من قصر عمر هذه الأمة عن أعمار من سبقها من الأمم .

السؤال:

ما سبب أن أعمار قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم قصيرة ، وأعمار الأمم السابقة طويلة ؟

الجواب :

الحمد لله

أعمار هذه الأمة قصيرة بالنسبة لمن سبقهم من الأمم ؛ روى الترمذي (3550) وحسنه ، وابن ماجة (4236) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ ) .
وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .

وهذا من حكمة الله تعالى وقدرته وعلمه ، فيطيل أعمار من يشاء من عباده ، ويقصر من أعمار من يشاء منهم ، ولا يُسأل عما يفعل وهم يسألون .

وقد تكلم بعض أهل العلم في الحكمة من ذلك ، فقيل : هذا من رحمة الله بهذه الأمة ، قصر أعمارهم ، لئلا يبطروا ويستكبروا .

قال الطيبي رحمه الله

: " هذا من رحمة الله بهذه الأمة ورفقه بهم ، أخرهم في الأصلاب ، حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاد الدنيا، ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلا

فإن القرون السالفة كانت أعمارهم وأبدانهم وأرزاقهم أضعاف ذلك ، كان أحدهم يعمر ألف سنة ، وطوله ثمانون ذراعا ، وأكثر، وأقل ، وحبة القمح ككلوة البقرة ، والرمانة يحملها عشرة

فكانوا يتناولون الدنيا بمثل تلك الأجساد ، وفي تلك الأعمار، فبطروا واستكبروا وأعرضوا عن الله ( فصب عليهم ربك سوط عذاب) ، فلم يزل الخلق ينقصون خلقا ورزقا وأجلا

إلى أن صارت هذه الأمة آخر الأمم ، يأخذون أرزاقا قليلة ، بأبدان ضعيفة ، في مدة قصيرة ، كيلا يبطروا، فذلك رحمة بهم "

انتهى من "فيض القدير" (2/ 11) .

وقيل : ليخف حسابهم يوم القيامة ، فلا يتأخروا عن دخول الجنة :

قال المناوي رحمه الله :

" فَأكْرم الله هَذَا الأمّة - يعني بذلك - بقلة عقابهم ، وحسابهم المعوّق لَهُم عَن دُخُول الْجنَّة "

انتهى من "التيسير" للمناوي (1/ 176) .

وقيل : ليجتهدوا في العمل :

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" إنما طَالت أَعَمَّار الأَوَائِل لطول البَادِيَة ، فَلَمَّا شَارف الركب بلد الإِقَامَة ، قِيْلَ: حُثُّوا المَطِيّ "

انتهى من "سير أعلام النبلاء" (21/372) .

وقال ابن بطال رحمه الله :

" وكذلك إعلامه صلى الله عليه وسلم لهم : أن رأس مائة سنة ، لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد ، إعلام منه لهم أن أعمار أمته ليست بطول أعمار من تقدم من الأمم السالفة ، ليجتهدوا في العمل

وقد بيَّن ذلك في حديث آخر، فقال: ( أعمار أمتي من الستين إلى السبعين وأقلهم من يجاوز ذلك ) " .

انتهى من "شرح صحيح البخارى" (2/ 224) .

وقيل : عوضهم عن قصر أعمارهم بمضاعفة الثواب لهم :

قال الطوسي رحمه الله :

" ومن رحمة الله بهذه الأمة أن جعلهم في آخر الزمان، وجعل أعمارهم قصيرة ، وضاعف لهم الثواب " .

انتهى من " نزهة المجالس " (2/ 183) .

فعوضهم الله بليال وأزمنة وأمكنة ومناسبات تتضاعف فيها الأجور ، كليلة القدر وعشر ذي الحجة ، وصيام عرفة ، وغير ذلك .

فأقام الله الحجة على الأولين والآخرين بطول أعمار الأولين ، وأعلمهم أنه من يهده الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له ، ولو عمر في الأرض آلاف السنين .

وجعل في الأولين عبرة للآخرين ، ثم قصر أعمار الآخرين ، رحمة بهم ، وبارك لهم ، وضاعف لهم أجورهم .

وهذه كلها : إنما هي اجتهادات ممن قالها من أهل العلم ، ليس في شيء منها ما دل واضح الدليل على صوابه ، وأنه حكمة الله في خلقه ؛ فالله أعلم بالصواب من ذلك كله

أو غيره ، وإنما ينبغي للعبد تلمس ما ينفعه من ذلك ، فيعلم أن عمره قصير ، كما أن أعمار الأمة فيمن سبقها : قصيرة ، فليجتهد غايته في تعمير وقته بما ينفعه عند الله وفي الدار الآخرة .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:32
تسأل عن حديث (لا طلاق في إغلاق) .

السؤال:

أريد تفسيرا واضحا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا طلاق في إغلاق ) .

الجواب :

الحمد لله

أخرج ابن ماجه (2046) ، وأحمد في مسنده (26360) ، وأبو يعلى في مسنده (4444)

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ) وحسنه الألباني في " صحيح وضعيف سنن ابن ماجة "(2046) .

وقد اختلف العلماء في تفسير معنى الإغلاق : فبعضهم فسره بالإكراه

قال الخطابي " معنى الإغلاق: الإكراه ، وكان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم لا يرون طلاق المكرَه طلاقاً

وهو قول شريح وعطاء وطاوس وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز والقاسم وسالم ، وإليه ذهب مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه"

انتهى من " معالم السنن "(3 / 242) .

وفي " التيسير بشرح الجامع الصغير " (2 / 501) :

"( لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ ) أي : إكراه ؛ لأن المكره يغلق عليه الباب ، ويُضيق عليه غالبا ، فلا يقع طلاقه عند الأئمة الثلاثة . وأوقعه الحنفية" انتهى.

وفسره بعض العلماء بأنه :

" نهي عن إيقاع الطلقات الثلاث دفعة واحدة ، فيغلق عليه الطلاق حتى لا يبقى منه شيء ، كغلق الرهن ، حكاه أبو عبيد الهروي "

انتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد " (5 / 195) .

وبعض العلماء فسره بالجنون ، وبعضهم فسره بالغضب الشديد

جاء في "نيل الأوطار " (6 / 279):

"قوله: (في إغلاق) .. فسره علماء الغريب بالإكراه ، روي ذلك في التلخيص عن ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم ، وقيل : الجنون ، واستبعده المطرزي

وقيل: الغضب ، وقع ذلك في سنن أبي داود ، وفي رواية ابن الأعرابي ، وكذا فسره أحمد ، ورده ابن السيد فقال : لو كان كذلك ، لم يقع على أحد طلاق لأن أحدا لا يطلق حتى يغضب " انتهى .

وفي " إعلام الموقعين عن رب العالمين " (3 / 47) :" وقال الإمام أحمد في رواية حنبل: هو الغضب، وكذلك فسره أبو داود ، وهو قول القاضي إسماعيل بن إسحاق أحد أئمة المالكية ومقدم فقهاء أهل العراق منهم

وهي عنده من لغو اليمين أيضا ، فأدخل يمين الغضبان في لغو اليمين ، وفي يمين الإغلاق ، وحكاه ابن بزيزة الأندلسي عنه ، قال : وهذا قول علي وابن عباس وغيرهما من الصحابة

: أن الأيمان المنعقدة كلها في حال الغضب لا تلزم ، وفي سنن الدارقطني بإسناد فيه لين من حديث ابن عباس يرفعه: «لا يمين في غضب ، ولا عتاق فيما لا يملك» وهو وإن لم يثبت رفعه

فهو قول ابن عباس، وقد فسر الشافعي: «لا طلاق في إغلاق» بالغضب ، وفسره به مسروق ؛ فهذا مسروق والشافعي وأحمد وأبو داود والقاضي إسماعيل، كلهم فسروا الإغلاق بالغضب

وهو من أحسن التفسير ؛ لأن الغضبان قد أغلق عليه باب القصد بشدة غضبه ، وهو كالمكره ، بل الغضبان أولى بالإغلاق من المكرَه ؛ لأن المكرَه قد قصد رفع الشر الكثير بالشر القليل الذي هو دونه

فهو قاصد حقيقة ، ومن هنا أوقع عليه الطلاق من أوقعه ، وأما الغضبان فإن انغلاق باب القصد والعلم عنه ، كانغلاقه عن السكران والمجنون، فإن الغضب غول العقل

يغتاله كما يغتاله الخمر ، بل أشد ، وهو شعبة من الجنون ، ولا يشك فقيه النفس في أن هذا لا يقع طلاقه" انتهى .

والراجح في تفسير الحديث : أن الإغلاق يشمل الإكراه والجنون والعَتَه والغضب الشديد ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " قال شيخنا [يعني : شيخ الإسلام ابن تيمية] : وحقيقة الإغلاق أن يُغلَق على الرجل قلبه

فلا يقصد الكلام ، أو لا يعلم به ، كأنه انغلق عليه قصده وإرادته ، قلت: قال أبو العباس المبرد: الغلق : ضيق الصدر ، وقلة الصبر بحيث لا يجد مخلصا، قال شيخنا: ويدخل في ذلك طلاق المكره والمجنون

ومن زال عقله بسكر أو غضب ، وكل من لا قصد له ، ولا معرفة له بما قال .

والغضب على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما يزيل العقل ، فلا يشعر صاحبه بما قال ، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.

والثاني : ما يكون في مباديه ، بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده ، فهذا يقع طلاقه . الثالث: أن يستحكم ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية

ولكن يحول بينه وبين نيته ، بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال ، فهذا محل نظر، وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه" انتهى من "

زاد المعاد في هدي خير العباد " (5 / 195).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:39
ما الحكمة من سؤال الله الملائكة عن أحوال عباده وهو أعلم بهم منهم ؟

السؤال:

ما هي الفائدة التي نستنبطها من بعض النصوص التي يسأل الله فيها عباده ، كسؤاله جبريل ماذا يرجون ؟

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (6408) ، ومسلم (2689) - واللفظ له – عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا ، يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ، قَالَ : فَيَسْأَلُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ

مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ ، يُسَبِّحُونَكَ ، وَيُكَبِّرُونَكَ ، وَيُهَلِّلُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ ، وَيَسْأَلُونَكَ ، قَالَ : وَمَاذَا يَسْأَلُونِي ؟ ، قَالُوا : يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ

قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا : لَا ، أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي ؟ ، قَالُوا : وَيَسْتَجِيرُونَكَ ، قَالَ : وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي ؟ قَالُوا : مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ ، قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟

قَالُوا : وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ، قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا ، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا ،. قَالَ : فَيَقُولُونَ : رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ ، فَيَقُولُ : وَلَهُ غَفَرْتُ ، هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ) .

وفي رواية البخاري : ( فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ؟ ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً ، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا )

وروى مسلم (1348) عن عَائِشَة أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ )

وفي رواية : ( هَؤُلَاءِ عِبَادِي جَاءُوا شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَيَخَافُونَ عَذَابِي، وَلَمْ يَرَوْنِي، فَكَيْفَ لَوْ رَأُونِي ؟ ) .

رواه عبد الرزاق (8830) ، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1360) .

ومن حكم سؤال الله تعالى ملائكته عن أحوال عباده ، وما ورد بمعنى ذلك في الأحاديث ، والله أعلم :

- أنه سبحانه يريد أن يبين تفضله عليهم برحمته ومغفرته ، وقضائه حاجاتهم ، جزاء عملهم الصالح ، وحسن رغبتهم في فضل ربهم ؛ حتى يتعرف الخلق على الله تعالى بأسمائه وصفاته ، وما يتفضل به على عباده الصالحين .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح حديث فضل الوقوف بعرفة المتقدم :

" يقول سبحانه وتعالى: "ما أراد هؤلاء؟ " يعني : أي شيء أرادوا من مجيئهم إلى هذا المكان ؟ يريد بذلك أن يتفضل عليهم بالرحمة والمغفرة ، وإعطائهم سؤلهم " .

انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (23/ 26) .

- أن يبين فضل هؤلاء الطائعين الصالحين ؛ حيث رجوه وخافوه بالغيب ، ولم يروه.

- أن يبين تعالى لملائكته سبب مباهاته بهم وكرامته لهم ؛ حيث يقررهم بأن عباده جاءوه شعثا غبرا راجين راغبين ، ويتبين ذلك أيضا بقوله

: ( ... فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ ) إلى آخر الحديث ؛ فيقر لهم الملائكة بالطاعة والاستقامة بالغيب ، بخلاف حال إبليس الذي استكبر وأبى .

وأسلوب التقرير بالسؤال والجواب يقع أيضا مع الكافر ، فيقع مع المؤمن إظهارا لشرفه ، وإظهارا لنعمة الله عليه وفضله ، ويقع مع الكافر تقريعا وإذلالا له

وإقامة للحجة عليه ؛ كما في حديث أبي هريرة في محاسبة الكافر يوم القيامة : ( ... فَيَلْقَى الْعَبْدَ، فَيَقُولُ : أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ ، وَأُسَوِّدْكَ ، وَأُزَوِّجْكَ ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟

فَيَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ) رواه مسلم (2968) .

- فيه إشارة إلى جواب الملائكة عن قولهم : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك )

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" فِيهِ أَنَّ السُّؤَال قَدْ يَصْدُر مِنْ السَّائِل ، وَهُوَ أَعْلَم بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ مِنْ الْمَسْئُول ؛ لِإِظْهَارِ الْعِنَايَة بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ ، وَالتَّنْوِيَة بِقَدْرِهِ ، وَالْإِعْلَان بِشَرَفِ مَنْزِلَته ، وَقِيلَ إِنَّ فِي خُصُوص سُؤَال اللَّه الْمَلَائِكَة عَنْ أَهْل الذِّكْر : الْإِشَارَة إِلَى قَوْلهمْ (

أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك ) ؛ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ : اُنْظُرُوا إِلَى مَا حَصَلَ مِنْهُمْ مِنْ التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس

مَعَ مَا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّهَوَات ، وَوَسَاوِس الشَّيْطَان , وَكَيْف عَالَجُوا ذَلِكَ ، وَضَاهَوْكُمْ فِي التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس
.
وَقِيلَ إِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الذِّكْر الْحَاصِل مِنْ بَنِي آدَم أَعْلَى وَأَشْرَف مِنْ الذِّكْر الْحَاصِل مِنْ الْمَلَائِكَة لِحُصُولِ ذِكْر الْآدَمِيِّينَ مَعَ كَثْرَة الشَّوَاغِل وَوُجُود الصَّوَارِف وَصُدُوره فِي عَالَم الْغَيْب , بِخِلَافِ الْمَلَائِكَة فِي ذَلِكَ كُلّه ".

انتهى "فتح الباري" (11/213) .

وينظر : "عمدة القاري" ، للعيني (23/ 28) ، " دليل الفالحين" (7/ 247) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:45
تسمية البعوض بــ " الناموس " مع إطلاق ذلك على ملك الوحي ؟

السؤال:

هل يجوز تسمية الحشرة المعروفة باسم (الناموس) بذلك الاسم ؟

فهل يجوز ذلك ، مع أنه قد ورد في صحيح البخاري : ( هذا الناموس الذي نزل الله على موسى ) ، وقد قرأت أن المقصود بالناموس في الحديث الذي في صحيح البخاري

هو جبريل. فهل يعد تسمية الحشرة المعروفة باسم الناموس بذلك الاسم محرما ؟

الجواب :

الحمد لله

مما تتسم به لغتنا العربية : اتساع ألفاظها لكثير من المعاني ، فتجد للكلمة الواحدة أكثر من معنى ، فيكون معنى الكلمة بحسب ورودها في الجملة التي سيقت فيها

فيتنوع المعنى والكلمة واحدة ، وهذا ما يسمى بالاشتراك اللفظي ، فالمشترك اللفظي هو: اللفظ الواحد الدال على معنين مختلفين فأكثر، دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة .

انظر " تاج العروس" (1/25).

فمن ذلك : لفظ " العين" ، يطلق على : عين المال ، والعين التي يبصر بها، وعين الماء، وعين الشيء إذا أردت حقيقته .

ومن ذلك الباب : كلمة : " الناموس " فلها عدة معان ، فتأتي بمعنى المكر ، وبمعنى وعاء العلم ، وبمعنى صاحب السر ، وبمعنى النمام ، وبمعنى بيت الراهب ، وغير ذلك من المعاني .

قال الزبيدي رحمه الله في " تاج العروس" (16/ 580-581):

" النَّامُوسُ: صَاحب السِّرِّ، أَي سِرِّ المَلك ، وأَهْلُ الكِتابِ يُسَمُّون جِبْرِيلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : النّامُوسَ الأَكْبَرَ، هُوَ المُرَادُ فِي حَدِيثِ المَبْعَثِ ، فِي قولِ وَرَقَةَ ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى خَصَّه بالوَحْيِ والغَيْبِ الَّذي لَا يَطَّلِع عليهِمَا غيرُه

والنّامُوسُ: الحَاذِقُ الفَطِنُ ، والنّامُوسُ: مَنْ يَلْطُفُ مَدْخَلُه، فِي الأُمُورِ بِلُطْفِ إحْتِيَالٍ ، والنَّامُوسُ: الشَّرَكُ ، لأَنّه يُوَارَى تَحْتَ الأَرْضِ ، والنّامُوسُ: النَّمَّامُ، كالنِّمَّاسِ

وَقد نَمَسَ ، إِذا نَمَّ . والنَّامُوسُ: عِرِّيسَةُ الأَسَدِ ، شُبِّه بمَكْمَنِ الصّائِدِ ، والنِّمْسُ: دُوَيْبَّةٌ عَرِيضَةٌ كَأَنَّهَا قِطْعَةُ قَدِيدٍ ، تكون بِمِصْرَ ونَوَاحِيها، وَهِي من أَخْبَث السِّبَاعِ .

والنّامُوسُ : المَكْرُ والخِداعُ ، يُقَال: فُلانٌ صاحبُ نامُوسٍ ونَوَامِيسَ وَمِنْه نَوامِيسُ الحُكَمَاءِ ، والنّامُوسُ: بَيْتُ الرّاهِبِ. والنَّامُوسُ: وَعَاءُ العِلْمِ. والنّامُوسُ: السِّرُّ " انتهى .

وينظر : " لسان العرب" (6/ 243) .

وقد ثبت إطلاق " الناموس" على ملك الوحي – جبريل – عليه السلام ، في قول ورقة بن نوفل رضي الله عنه ، في قصة بدء الوحي : " هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" رواه البخاري (3) ، ومسلم (160) .

فالمقصود به هنا : جبريل عليه السلام

قال النووي رحمه الله :

" اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُسَمَّى النَّامُوسَ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا، قَالَ الْهَرَوِيُّ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْغَيْبِ وَالْوَحْيِ " انتهى .

وكذلك : حشرة البعوض ، تسمى أيضا بـ"الناموس" ، وهي تسمية قديمة ، ليست محدثة ولا دارجة .

قال النويري رحمه الله في " نهاية الأرب " (10/ 301) :

" البعوض صنفان: صنف يشبه القراد ، لكن أرجله خفيّة ورطوبته ظاهرة ، يسمّى بالعراق والشأم : الجرجس والفسافس، وبمصر: البقّ ، ويشمّ رائحة الإنسان ويتعلّق به ، وله لسع شديد

ولدمه إذا قتل رائحة كريهة ، وهذا الصنف ليس من الطير. والصنف الثانى: طائر ويسمّيه أهل العراق: البقّ والبعوض، ويسمّيه أهل مصر: الناموس "

انتهى ، وينظر : "حياة الحيوان الكبرى" (1/ 468) .

وجاء في "المعجم الوسيط" (1/ 63):

" (البعوض) جنس حشرات مضرَّة من ذَوَات الجناحين ، وَهُوَ (الناموس) " انتهى .

والحاصل : أنه لا حرج في إطلاق اسم الناموس على حشرة البعوض ، وأنه هذا من قبيل المشترك اللفظي .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-01, 03:52
صحة حديث (وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات)

السؤال:

ما صحة هذا الحديث : قال صلى الله عليه وسلم : " شر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم " سنن البيهقي ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

أخرج البيهقي في " السنن الكبرى " (13478) بسنده عن أبي أذينة الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية

إذا اتقين الله ، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات ، وهن المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن ، إلا مثل الغراب الأعصم ) .

وهذا الحديث : اختلف أهل العلم في شأنه ، فذهب غير واحد من أهل العلم إلى عدم صحته ، منهم ابن القطان الفاسي في كتاب " النظر في أحكام النظر" (177) ، ومال السيوطي إلى إرساله ، وسبقه إلى ذلك البيهقي .

وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير " برقم : (3330) , وفي " السلسلة الصحيحة " برقم: (1849).

ثانيا :

جاء في " التيسير بشرح الجامع الصغير " (1 / 532) :

" (خير نِسَائِكُم الْوَلُود) أَي الْكَثِيرَة الْولادَة (الْوَدُود) أَي المتحببة إِلَى زَوجهَا (المواسية المواتية) أَي الْمُوَافقَة للزَّوْج (إذا اتقين الله)

أَي خفنه فأطعنه (وَشر نِسَائِكُم المتبرجات) أَي المظهرات زينتهن للأجانب (المتخيِّلات) أَي المعجبات المتكبرات (وَهنَّ المنافقات) أَي يشبهنهن (لَا يدْخل الْجنَّة مِنْهُنَّ إِلَّا مثل الْغُرَاب الأعصم) الأبيض الجناحين

أو الرجلين أَرَادَ قلَّة من يدْخل الْجنَّة مِنْهُنَّ لَأن هَذَا النَّعْت فِي الْغرْبَان عَزِيز" انتهى.

والله أعلم.

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-03, 18:31
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( من غشنا فليس منا ) ؟

السؤال:

قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من غشنا فليس منا ) ، فهل يعني ذلك أنّ الشخص الذي يغش أو يكذب كثيراً ، يعتبر كافراً ، حتى لو كان مؤمناً بالله واليوم الآخر ؟

الجواب :

الحمد لله

حديث : ( من غشنا فليس منا ) أخرجه مسلم في صحيحه (146) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ

فَلَيْسَ مِنَّا ، وَمَنْ غَشَّنَا ، فَلَيْسَ مِنَّا ) ، وفي رواية أخرى لمسلم (147) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه – أيضاً - ، وفيه : ( مَنْ غَشَّ ، فَلَيْسَ مِنِّي ) .

والمقصود من الحديث ذم الغاش ، وأنه ليس على سنن وطريقة وصفات المسلمين ، والتي منها : النصح والصدق مع الآخرين ، وعدم غشهم ، ولا يدل الحديث على كفر الغاش .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" النَّقْصُ عَنْ الْوَاجِبِ نَوْعَانِ :

نَوْعٌ يُبْطِلُ الْعِبَادَةَ ، كَنَقْصِ أَرْكَانِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ .

وَنَقْصٌ لَا يُبْطِلُهَا ، كَنَقْصِ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَرْكَانِ ؛ وَنَقْصِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ إذَا تَرَكَهَا سَهْوًا ...

وَبِهَذَا تَزُولُ الشُّبْهَةُ فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ ، وَخِلَافُ الْمُرْجِئَةِ وَالْخَوَارِجِ ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ وَإِنْ كَانَ اسْمًا لِدِينِ اللَّهِ الَّذِي أَكْمَلَهُ بِقَوْلِهِ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، وَهُوَ اسْمٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ وَلِلْبِرِّ وَلِلْعَمَلِ الصَّالِحِ .. فَهَذَا هُوَ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ التَّامُّ .

وَكَمَالُهُ نَوْعَانِ : كَمَالُ الْمُقَرَّبِينَ ، وَهُوَ الْكَمَالُ بِالْمُسْتَحَبِّ .

وَكَمَالُ الْمُقْتَصِدِينَ ، وَهُوَ الْكَمَالُ بِالْوَاجِبِ فَقَطْ .

وَإِذَا قُلْنَا فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) و ( لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ )

وَقَوْلِهِ : ( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) الْآيَةَ ..

إذَا قَالَ الْقَائِلُ فِي مِثْلِ هَذَا : لَيْسَ بِمُؤْمِنِ كَامِلِ الْإِيمَانِ ؛ أَوْ نَفَى عَنْهُ كَمَالَ الْإِيمَانِ ، لَا أَصْلَهُ ؛ فَالْمُرَادُ بِهِ كَمَالُ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ ، لَيْسَ بِكَمَالِ الْإِيمَانِ الْمُسْتَحَبِّ ، كَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ ، أَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ غَيْرَ الْوَطْءِ ..

. وَكَذَا الْمُؤْمِنُ الْمُطْلَقُ : هُوَ الْمُؤَدِّي لِلْإِيمَانِ الْوَاجِبِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ إيمَانِهِ نَاقِصًا عَنْ الْوَاجِبِ : أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا حَابِطًا .. ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ كَمَا تَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ

وَلَا أَنْ يُقَالَ : وَلَوْ أَدَّى الْوَاجِبَ لَمْ يَكُنْ إيمَانُهُ كَامِلًا ، فَإِنَّ الْكَمَالَ الْمَنْفِيَّ هُنَا الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ .

فَهَذَا فُرْقَانٌ يُزِيلُ الشُّبْهَةَ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَيُقَرِّرُ النُّصُوصَ كَمَا جَاءَتْ .

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ) وَنَحْوُ ذَلِكَ ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ : لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا ، كَمَا تَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ ، وَلَا أَنْ يُقَالَ : صَارَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَكُونُ كَافِرًا ، كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارِجُ .

بَلْ الصَّوَابُ : أَنَّ هَذَا الِاسْمَ الْمُضْمَرَ يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ بِلَا عِقَابٍ ، وَلَهُمْ الْمُوَالَاةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْمَحَبَّةُ الْمُطْلَقَةُ

وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ دَرَجَاتٌ فِي ذَلِكَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ ؛ فَإِذَا غَشَّهُمْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ حَقِيقَةً ؛ لِنَقْصِ إيمَانِهِ الْوَاجِبِ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ الْمُطْلَقَ بِلَا عِقَابٍ ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا

بَلْ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مُشَارَكَتَهُمْ فِي بَعْضِ الثَّوَابِ ، وَمَعَهُ مِنْ الْكَبِيرَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ ..."

انتهى مختصرا من " مجموع الفتاوى " (19/292-294) .

وقال محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله :

" ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ ) : قَالَ الْخَطَّابِيّ : مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتنَا وَمَذْهَبنَا , يُرِيد أَنَّ مَنْ غَشَّ أَخَاهُ وَتَرَكَ مُنَاصَحَته ، فَإِنَّهُ قَدْ تَرَكَ اِتِّبَاعِي وَالتَّمَسُّك بِسُنَّتِي .

وَقْد ذَهَبَ بَعْضهمْ : إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَه عَنْ الْإِسْلَام , وَلَيْسَ هَذَا التَّأْوِيل بِصَحِيحٍ , وَإِنَّمَا وَجْهُه مَا ذَكَرْت لَك , وَهَذَا كَمَا يَقُول الرَّجُل لِصَاحِبِهِ أَنَا مِنْك وَإِلَيْك , يُرِيد بِذَلِكَ الْمُتَابَعَة وَالْمُوَافَقَة ,

وَيَشْهَد لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : ( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّك غَفُور رَحِيم ) اِنْتَهَى . وَالْحَدِيث دَلِيل عَلَى تَحْرِيم الْغِشّ ، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ "

انتهى من " عون المعبود شرح سنن أبي داود " (9/231) .

وينظر : " فتح الباري " (3/163) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-03, 18:37
بعض جوانب العشرة الزوجية الحميدة التي يدل عليها حديث أم زرع

السؤال:

قرأت حديثاً في صحيح البخاري ، في الكتاب السابع والستين ، حديث رقم 123 . وهو حديث طويل عن 11 امرأة تتحدث كل واحدة منهن عن زوجها ، وعندي بعض الأسئلة حول هذا الحديث :

- ما الصفات التي كان يقصدها النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال " أنا لك كأبي زرع لأم زرع " ؟

- لماذا طلّق أبو زرع أمَ زرع ؟

- ما الخصال الجيدة للزوج التي يشير إليها الحديث ؟ -

هل يُفهم من الحديث أن أبا زرع كان زوجاً جيداً ؟

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (5189) ، ومسلم (2448) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً ، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا

قَالَتِ الأُولَى : زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ : لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ ... الحديث ، وفيه : قَالَتِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ : زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ ، وَمَا أَبُو زَرْعٍ ، أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ

وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي ، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ ، وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ

أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ، عُكُومُهَا رَدَاحٌ ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ، مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ ، بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ ، طَوْعُ أَبِيهَا

وَطَوْعُ أُمِّهَا ، وَمِلْءُ كِسَائِهَا ، وَغَيْظُ جَارَتِهَا ، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ، لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا ، وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا ، وَلاَ تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا ، قَالَتْ : خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ

فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالفَهْدَيْنِ ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا ، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا ، رَكِبَ شَرِيًّا ، وَأَخَذَ خَطِّيًّا ، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا ، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا

وَقَالَ : كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ ، قَالَتْ : فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ ، مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ . قَالَتْ عَائِشَةُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ ) .

شرح الحديث :

( أُنَاس مِنْ حُلِيّ أُذُنَيّ ) أي أتاني بالحلي في أذني فهو يتدلى منها .

( وَمَلَأَ مِنْ شَحْم عَضُدِي ) مَعْنَاهُ أَسْمَنَنِي .

( وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي ) مَعْنَاهُ وَعَظَّمَنِي فَعَظُمْت عِنْد نَفْسِي . يُقَالُ : فُلَانٌ يَتَبَجَّحُ بِكَذَا أَيْ يَتَعَظَّمُ وَيَفْتَخِرُ .
( وَجَدَنِي فِي أَهْل غُنَيْمَة بِشِقٍّ

, فَجَعَلَنِي فِي أَهْل صَهِيل وَأَطِيط وَدَائِس وَمُنَقٍّ ) أَرَادَتْ أَنَّ أَهْلهَا كَانُوا أَصْحَاب غَنَم لَا أَصْحَاب خَيْل وَإِبِل , وَالْعَرَب لَا يعظمون أَصْحَاب الْغَنَم , وَإِنَّمَا يعظمون أَهْل الْخَيْل وَالْإِبِل .

وَأَمَّا قَوْلهَا : ( بِشِقِّ ) يحتمل أنه اسم مكان ، ويحتمل أن مرادها أَيْ بِشَظَفٍ مِنْ الْعَيْش وَجَهْدٍ . وَقَوْلهَا : ( وَدَائِس ) هُوَ الَّذِي يَدُوسُ الزَّرْع فِي بَيْدَرِهِ . يُقَالُ : دَاس الطَّعَام دَرَسَهُ .

قَوْلهَا : ( وَمُنَقٍّ ) الْمُرَاد بِهِ الَّذِي يُنَقِّي الطَّعَام أَيْ يُخْرِجُهُ مِنْ قُشُوره ، وَالْمَقْصُود أَنَّهُ صَاحِب زَرْع , وَيَدُوسُهُ وَيُنَقِّيهِ .

قَوْلهَا ( فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّح ) مَعْنَاهُ لَا يُقَبِّح قَوْلِي فَيَرُدُّ , بَلْ يَقْبَلُ مِنِّي .

وَمَعْنَى ( أَتَصَبَّحُ ) أَنَام الصُّبْحَة , وَهِيَ بَعْد الصَّبَاح , أَيْ أَنَّهَا مَكْفِيَّة بِمَنْ يَخْدُمُهَا فَتَنَام .

وَقَوْلهَا : ( فَأَتَقَنَّح ) مَعْنَاهُ أُرْوَى حَتَّى أَدَعَ الشَّرَاب مِنْ الشِّدَّة الرِّي .

قَوْلهَا : ( عُكُومُهَا رَدَاح ) الْعُكُوم هي الْأَوْعِيَة الَّتِي فِيهَا الطَّعَام وَالْأَمْتِعَة , وَرَدَاح أَيْ عِظَام كَبِيرَة .

قَوْلهَا : ( وَبَيْتهَا فَسَاح ) أَيْ وَاسِع .

قَوْلهَا : ( مَضْجَعه كَمَسَلِّ شَطْبَة ) مُرَادهَا أَنَّهُ خَفِيف اللَّحْم ، وَهُوَ مِمَّا يُمْدَحُ بِهِ الرَّجُل .

قَوْلهَا : ( وَتُشْبِعُهُ ذِرَاع الْجَفْرَة ) الْجَفْرَة وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَاد الْمَعْزِ , وَهِيَ مَا بَلَغَتْ أَرْبَعَة أَشْهُر وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا . وَالْمُرَاد أَنَّهُ قَلِيل الْأَكْل , وَالْعَرَب تَمْدَحُ بِهِ .

قَوْلهَا : ( طَوْع أَبِيهَا وَطَوْع أُمّهَا ) أَيْ مُطِيعَة لَهُمَا مُنْقَادَة لِأَمْرِهِمَا .

قَوْلهَا : ( وَمِلْء كِسَائِهَا ) أَيْ مُمْتَلِئَة الْجِسْم سَمِينَة .

قَوْلهَا : ( وَغَيْظ جَارَتهَا ) قَالُوا : الْمُرَاد بِجَارَتِهَا ضَرَّتهَا , يَغِيظهَا مَا تَرَى مِنْ حَسَنهَا وَجَمَالهَا وَعِفَّتهَا وَأَدَبهَا .

قَوْلهَا : ( لَا تَبُثُّ حَدِيثنَا تَبْثِيثًا ) أَيْ لَا تُشِيعُهُ وَتُظْهِرُهُ , بَلْ تَكْتُمُ سِرَّنَا وَحَدِيثنَا كُلّه .

قَوْلهَا : ( وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتنَا تَنْقِيثًا ) الْمِيرَة الطَّعَام الْمَجْلُوب , وَمَعْنَاهُ لَا تُفْسِدُهُ , وَلَا تُفَرِّقُهُ , وَلَا تَذْهَب بِهِ وَمَعْنَاهُ وَصْفُهَا بِالْأَمَانَةِ .

قَوْلهَا : ( وَلَا تَمْلَأُ بَيْتنَا تَعْشِيشًا ) أَيْ لَا تَتْرُكُ الْكُنَاسَة وَالْقُمَامَة فِيهِ مُفَرَّقَة كَعُشِّ الطَّائِر , بَلْ هِيَ مُصْلِحَة لِلْبَيْتِ , مُعْتَنِيَة بِتَنْظِيفِهِ .

قَوْلهَا : ( وَالْأَوْطَاب تُمْخَض ) هُوَ جَمْع وَطْب وَهِيَ سَقِيَّة اللَّبَن الَّتِي يُمْخَض فِيهَا .

قَوْلهَا : ( يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْت خَصْرهَا بِرُمَّانَتَيْنِ ) الْمُرَاد بِالرُّمَّانَتَيْنِ هُنَا ثَدْيَاهَا .

قَوْلهَا : ( فَنَكَحْت بَعْده رَجُلًا سِرِّيًّا رَكِبَ شَرِيًّا ) (سِرِّيًّا) مَعْنَاهُ سَيِّدًا شَرِيفًا , وَقِيلَ : سَخِيًّا , (شَرِيًّا) هُوَ الْفَرَس الْفَائِق الْخِيَار .
قَوْلهَا : ( وَأَخَذَ خَطِّيًّا ) هو الرمح .

قَوْلهَا : ( وَأَرَاحَ عَلَيَّ نِعَمًا ثَرِيًّا ) أَيْ أَتَى بِهَا إِلَى مَوْضِع مَبِيتهَا . وَالنَّعَم الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم .

وَالثَّرِيّ الْكَثِير مِنْ الْمَال وَغَيْره .

قَوْلهَا : ( وَأَعْطَانِي مِنْ كُلّ رَائِحَة زَوْجًا ) فَقَوْلهَا ( مِنْ كُلّ رَائِحَة ) أَيْ مِمَّا يَرُوح مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم وَالْعَبِيد .

وَقَوْلهَا ( زَوْجًا ) أَيْ اِثْنَيْنِ , وَيَحْتَمِل أَنَّهَا أَرَادَتْ صِنْفًا , وَالزَّوْج يَقَع عَلَى الصِّنْف .

قَوْله : ( مِيرِي أَهْلك ) أَيْ أَعْطِيهِمْ وَافْضُلِي عَلَيْهِمْ وَصِلِيهِمْ .

*عبدالرحمن*
2018-10-03, 18:37
قال الحافظ رحمه الله :

" زَادَ فِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدَيٍّ : ( فِي الْأُلْفَةِ وَالْوَفَاءِ لَا فِي الْفُرْقَةِ وَالْجَلَاءِ ) . وَزَادَ الزُّبَيْرُ - يعني ابن بكار - فِي آخِرِهِ : ( إِلَّا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَإِنِّي لَا أُطَلِّقُكِ ) .

وَزَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَالطَّبَرَانِيِّ : قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي زَرْعٍ .

وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لَهَا وَطُمَأْنِينَةً لِقَلْبِهَا وَدَفْعًا لِإِيهَامِ عُمُومِ التَّشْبِيهِ بِجُمْلَةِ أَحْوَالِ أَبِي زَرْعٍ ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَذُمُّهُ النِّسَاءُ سِوَى ذَلِكَ ، وَأَجَابَتْ هِيَ عَنْ ذَلِكَ جَوَابَ مِثْلِهَا فِي فَضْلِهَا وَعِلْمِهَا "

انتهى من " فتح الباري " (9/275) .

وقال أيضا :

" التَّشْبِيهَ لَا يَسْتَلْزِمُ مُسَاوَاةَ الْمُشَبَّهِ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ ) وَالْمُرَادُ مَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ فِي الْأُلْفَةِ إِلَى آخِرِهِ

لَا فِي جَمِيعِ مَا وُصِفَ بِهِ أَبُو زرع من الثروة الزَّائِدَةِ وَالِابْنِ وَالْخَادِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَمَا لَمْ يذكر من أُمُور الدّين كلهَا "

انتهى من " فتح الباري " (9/277) .

وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ رحمه الله :

" قَوْله : (كنت لَك) مَعْنَاهُ أَنا لَك ، وَهَذَا نَحْو قَوْله عز وَجل : ( كُنْتُم خير أمة ) أَي أَنْتُم خير أمة "

انتهى من " عمدة القاري " (20/178) .

فمقصوده صلى الله عليه وسلم بقوله : ( كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ ) يعني في حسن العشرة ، وكرم الصحبة ، ودوام المحبة والألفة ، وأكد ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِلَّا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَإِنِّي لَا أُطَلِّقُكِ ) .

ثانيا :

سبب طلاق أبي زرع أم زرع ، أن هذه المرأة التي لقيها فأعجبته وتزوجها على أم زرع ، ألحت عليه في طلاق أم زرع - وكان يهواها ويحبها أكثر من محبته أم زرع - فطلقها .

قال الحافظ :

" قَوْلُهُ : ( فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا ) فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ : ( فَأَعْجَبَتْهُ فَطَلَّقَنِي ) ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ : ( فَخَطَبَهَا أَبُو زَرْعٍ ، فَتَزَوَّجَهَا

فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ أُمَّ زَرْعٍ ) ، فَأَفَادَ السَّبَبَ فِي رَغْبَةِ أَبِي زَرْعٍ فِيهَا ثُمَّ فِي تَطْلِيقِهِ أُمَّ زَرْعٍ "

انتهى من " فتح الباري " (9/274) .

ثالثا :

تضمن هذا الحديث بعض الخصال الحسنة التي ينبغي أن يكون عليها الزوج تجاه زوجته ، فمن ذلك :

- حسن العشرة بالتأنيس والمحادثة .

- المباسطة بالمداعبة والمزاح في غير تعد .

- إتحافها بالهدايا والألطاف .

- إكرامها بحسن الإنفاق عليها وعدم البخل حتى إنها ذكرت أن زوجها الثاني كان كريما معها ومع ذلك قالت : ( لَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ ، مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ ) .

- عدم استهجانها أو الاستخفاف بعقلها إذا تكلمت أو فعلت شيئا .

- إمساكها بمعروف وعدم تطليقها حيث كانت عفيفة دينة ، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ ، إِلَّا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَإِنِّي لَا أُطَلِّقُكِ ) .

- رعاية أولادها وحسن تربيتهم وتأديبهم ، فإن ذلك من تمام حسن عشرتها .

- حسن اختيار الزوج للجارية التي تخدم في البيت ، فتصلح ولا تفسد ، وتروج للخير وتسكت عن الشر ، وذلك أيضا من تمام حسن عشرته لزوجته .

وقد جاء أن أبا زرع ندم بعد ذلك على طلاقها .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَقَعَ فِي بعض طرق الحديث إِشَارَة إِلَى أَنَّ أَبَا زَرْعٍ نَدِمَ عَلَى طَلَاقِهَا ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا "

انتهى من " فتح الباري " (9/277) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-03, 18:39
ما المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام : ( لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ) ؟

السؤال:

ما المقصود بسجود المرأة لزوجها المذكور في الحديث هل هو على الحقيقة أم المجاز ، ففي باكستان يعتقد الكثير بسجود المرأة للرجل ؟

الجواب:

الحمد لله

السجود لا يكون إلا لله وحده ، فلا يجوز السجود لغير الله . وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من السجود له ، فالمنع من السجود لغيره أولى .

أما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ) رواه ابن ماجة (1853) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجة " .

فالمقصود بالسجود هنا : حقيقة السجود ، ومعنى الحديث : أن السجود لغير الله لو كان جائزا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة أن تسجد لزوجها ؛ وذلك لعظم حقه عليها .

والحديث رواه الإمام أحمد (12614) بلفظ : ( لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا ) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (7725) .

وهذا الأسلوب في اللغة العربية يدل على أن سجود البشر لبشر ممنوع ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة أن تسجد لزوجها ، ولذلك تسمى ( لو ) في هذا السياق : حرف امتناع لامتناع .

أي : امتنع جوابها الذي هو ( لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) لامتناع شرطها الذي هو ( جواز السجود لبشر ) ، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم امتنع أن يأمر المرأة بالسجود لزوجها .

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

عن امرأة يأمرها زوجها بالسجود له في حالة دخوله المنزل وخروجه عملاً بالحديث الذي يزعم أنه روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أوجب السجود على المرأة لزوجها

فهل هو محق في ذلك أم لا وهل هذا الحديث صحيح أم لا ؟

فأجاب :

" أما أمره إياك بالسجود له فلا سمع له ولا طاعة في ذلك ، وهو أمر بالكفر والشرك ، وأما قوله إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أن تسجد المرأة لزوجها فقد كذب في هذا

بل قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) من حقه عليها ، وهو كاذب فيما قاله ، وفيما نسبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام " انتهى .

" فتاوى نور على الدرب " لابن عثيمين .

يعني : أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة أن تسجد لزوجها ، وذلك لأن السجود لمخلوق ممنوع شرعا .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-03, 18:44
هل الإحسان إلى أهل المعاصي بالمال والطعام ينافي قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ) ؟

السؤال:

ورد في الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ) فكيف يكون فقه هذا الحديث باعتبار حالتي التالية

: في بعض الأحيان يكون هناك بعض المسلمين الذي يتعاملون بالمحرمات مثل شرب الخمر أو الزنا وما إلى ذلك من معاصي ، فهل يجوز أن أعطيهم المال أو الطعام أو المأوى في حال كانوا بحاجة إلى ذلك

وفي نفس الوقت أقوم بدعوتهم ومحاولة إصلاحهم ؟ وإن كان الجواب أنه يجوز فإلى متى يمكنني الاستمرار في مساعدتهم ؟

الجواب :

الحمد لله

قوله عليه الصلاة والسلام : ( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ) المقصود منه : المصاحبة والمخالطة والمؤاكلة المجردة التي لا يقصد من ورائها مصلحة شرعية

أو لم تقتضها حاجة ؛ لما في مصاحبة أهل المعاصي والفسق ، من أثر على دين العبد وخلقه ، وكما يقال : الصاحب ساحب ، إما إلى خير أو إلى شر ، وفي الحديث الذي رواه البخاري (5534)

ومسلم (2628) قال عليه الصلاة والسلام : ( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ : إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ

وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ : إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) .

لكن إذا قصد المسلم بمخالطة أهل المعاصي ودعوتهم إلى طعامه ، أن يتألف قلوبهم ويستميلهم إليه ؛ لأجل دعوتهم ونصحهم ، فلا حرج في ذلك .

وكذلك الحال في الإحسان إلى أهل المعاصي بالمال والطعام والمسكن ؛ بقصد دفع حاجتهم ، فهذا لا حرج فيه أيضاً ، ويؤجر عليه الشخص ، بل إن المسلم يجوز له أن يحسن إلى غير المسلم

كما سبق بيان ذلك في جواب السؤالين القادمين فإحسانه إلى أخيه المسلم ، ولو كان من أهل المعاصي من باب أولى .

قال الخطابي رحمه الله – معلقاً على الحديث -

: " هذا إنما جاء في طعام الدعوة دون طعام الحاجة ؛ وذلك أن الله سبحانه قال : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) [الإنسان : 8] ، ومعلوم أن أسراهم كانوا كفاراً غير مؤمنين ولا أتقياء .

وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي ، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته ؛ فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب "

انتهى من " معالم السنن " (4/115) .

وقال المناوي رحمه الله :

" ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ) لأن المطاعمة توجب الألفة ، وتؤدي إلى الخلطة ، بل هي أوثق عرى المداخلة ، ومخالطة غير التقي تخل بالدين ، وتوقع في الشبه والمحظورات

فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار ؛ إذ لا تخلو عن فساد : إما بمتابعة في فعل ، أو مسامحة في إغضاء عن منكر ، فإن سلم من ذلك ، ولا يكاد ، فلا تخطئه فتنة الغير به

وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان ؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أطعم المشركين ، وأعطى المؤلفة المئين بل يطعمه ولا يخالطه "

انتهى من " فيض القدير " (6/404) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" ليس الأكل مع الكافر حراما ، إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، أو المصلحة الشرعية , لكن لا تتخذهم أصحابا ، فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ، ولا تؤانسهم , وتضحك معهم

, ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة ، كالأكل مع الضيف ، أو ليدعوهم إلى الله ، ويرشدهم إلى الحق ، أو لأسباب أخرى شرعية ، فلا بأس .

وإباحة طعام أهل الكتاب لنا ، لا تقتضي اتخاذهم أصحابا وجلساء ، ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية "

انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (9/329) .

وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :

" وقوله : ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ) أي : صاحبٌ تقى ، والمقصود من ذلك : أن الإنسان لا يدعو إلا أناساً طيبين ، ولا يدعو أناساً ليسوا أتقياء

إلا إذا كان يريد من وراء ذلك استمالتهم وتوجيههم ، ودعوتهم وإصلاحهم ونصحهم ، فإذا كان ذلك لهذه المصلحة ، فلا بأس في ذلك

وإلا فإن الأصل أن الإنسان تكون مجالسته ومخالطته ومؤاكلته مع أناس طيبين ، وأما إذا كان يخالط أناساً فيهم سوء ، ولا يكترث بذلك فإن ذلك يؤثر عليه

ولكن إذا كان من أجل أن يدعوهم ، وينبههم ، ويستميلهم ، ويذكرهم ، ويسعى لإصلاحهم ، فهذا مقصد طيب .

وقوله : ( لا يأكل طعامك إلا تقي ) : المقصود بذلك أن يدعوه ، وأما أن يحسن الإنسان إلى غيره ، ممن هو بحاجة إلى الإحسان

فإنه يحسن إلى التقي وغير التقي ، لاسيما إذا كان هذا الإحسان يؤثر في غير التقي " انتهى من " شرح سنن أبي داود " لـلشيخ عبد المحسن العباد .

والإحسان إلى الآخرين ومساعدتهم ، ليس له زمن ولا وقت محدد ، فهو مستمر وباقٍ ببقاء حاجة الفقير والمحتاج إلى من يساعده .

وإما إلى متى تحسن إلى مثل هؤلاء ؛ فيختلف الأمر ، فإن كان الإحسان لأجل الحاجة ، فبقدر ما تندفع حاجته .
وأما الإحسان بغرض استصلاحه

وتألف قلبه ، ودعوته ، فبقدر ما يغلب على الظن حصول المصلحة الشرعية من ذلك ، أو الإياس منه ، وعدم استجابته ، أو رغبته في إصلاح نفسه ، وتزكيتها .

على أن ينبغي أن ينتبه هنا : إلى أنه لا يعطى ولا يملك من المال ، ما يستعين به على معصيته ، إما بإنفاق أموال الصدقات في معاصيه ، إن كان يُعطَى مالا

أو حتى بأن يوفر ماله هو لإنفاقه في المعاصي ، اعتمادا على أن حاجته ، من طعام وكساء ونحو ذلك ، تأتيه من المساعدات والصدقات ، كما قد يصنع كثير منهم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-03, 18:48
إعطاء الصدقة لغير المسلم

السؤال :

1- هل يجوز إعطاء الصدقة لغير المسلمين خصوصا في هذا البلد (أمريكا).

2- شخص ما ( أظنه مسلم ) يتسول ويطلب مبلغا معين من المال فكيف نتصرف في مثل هذه الحالة ؟

أرجو أن تشرح أيضا إذا كان المتسول غير مسلم.

3- هل ينطبق الحكم في السؤالين الماضيين إذا كان المتسول يتعاطى المخدرات أو مدمن خمر ؟

لأنه يمكن أن يستعمل المال في شراؤها.

الجواب :

الحمد لله

1- يجوز إعطاء الصدقة - غير المفروضة - للفقراء من غير المسلمين وخصوصا إذا كانوا من الأقارب ، بشرط أن لا يكونوا من المحاربين لنا

وأن لا يكون وقع منهم اعتداء يمنع الإحسان إليهم

لقوله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) الممتحنة / 8- 9 .

ولحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : " قَدِمَتْ عَلَيّ أمي وهي مشركة - في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومُدَّتِهم - مع أبيها

فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبةٌ - تطلب العون - أفأصلها ؟ قال : نعم صِلِيْها " رواه البخاري برقم 2946 .

وعن عائشة رضي الله عنها : " أن امرأة يهودية سألتها فأعطتها ، فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر ، فأنكرت عائشة ذلك ، فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم قالت له ، فقال : لا

قالت عائشة : ثم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك " إنه أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم " مسند أحمد برقم 24815 . فدل هذان الحديثان على جواز إعطاء الكافر من الصدقة .

ولا يجوز إعطاء فقراء الكفار من الزكاة ، لأن الزكاة لا تعطى إلا للمسلمين في مصرف الفقراء والمساكين المذكورين في آية الزكاة .

قال الإمام الشافعي :

" ولا بأس أن يتصدق على المشرك من النافلة ، وليس له في الفريضة من الصدقة حق , وقد حمد الله تعالى قوماً فقال ( ويطعمون الطعام ) الآية " كتاب الأم /ج 2 .

و صرف الصدقة إلى فقراء المسلمين أفضل وأولى ; لأن الصرف إليهم إعانة لهم على طاعة الله عز وجل ، وتكون عوناً لهم على أمور دينهم ودنياهم ،

وفيه يتحقق الترابط المسلمين ، وخصوصاً أن فقراء المسلمين اليوم أكثر من الأغنياء والله المستعان .

2- إذا كان الذي يطلب المال مسلماً ، وكان محتاجاً ، وتأكدت حاجته فيعطى ما تيسر من الصدقة . وكذلك إن كان غير مسلم . ولكن الأفضل للمحتاجين المسلمين ترك التسول في الطرق

- وإن كان ولا بد - فعليهم الذهاب إلى الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تتبنى إيصال الصدقات إلى الفقراء المحتاجين ، وكذلك يستعين من يريد التصدق بتنلك الجمعيات الخيرية المأمونة ، لإيصال صدقته إلى من يستحقها .

3- أما إذا كان الشخص الذي يطلب المال - سواءً كان مسلماً أو كافراً - يطلبه لفعل معصية وشراء شيء محرم أو الاستعانة بالمال على فعل أمر محرم فلا يجوز إعطاؤه من تلك الصدقة

لأن في ذلك إعانة له على فعل الحرام . وقد قال الله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )

. والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-10-03, 18:50
لا حرج من الإحسان إلى غير المسلمين إذا لم يكونوا يقاتلوننا

السؤال :

أنا امرأة تعمل وأريد أن أعرف ما إذا كان يجوز لي أن أعطي الماء أو الطعام لغير المسلمين؟

يوجد غلام يهودي في عملي ، وعندما أخرج أو أذهب لأحضر الماء، فإنه يطلب مني أن أحضر له الماء أيضا، فهل يجوز لي ذلك ؟

الجواب :

الحمد لله

لا حرج من الإحسان إلى غير المسلمين بشرط ألا يكونوا معروفين بعداء المسلمين ، أو مساعدة أعدائنا علينا

قال الله تعالى : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ

قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) الممتحنة/8 ، 9 .

قال ابن كثير رحمه الله :

"أي : لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ، كالنساء والضعفة منهم ، (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) أي : تحسنوا إليهم (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي : تعدلوا (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)" انتهى .

"تفسير ابن كثير" (4/446) .

وقال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة البقرة (2/294) :

"وأما الكافر فلا بأس من بره ، والإحسان إليه بشرط أن يكون ممن لا يقاتلوننا في ديننا ، ولم يخرجونا من ديارنا ؛ لقوله تعالى : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ

فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)" انتهى .

ويثاب المسلم على إحسانه إلى هؤلاء ، وله على ذلك أجر ، فقد ذكر الله تعالى من صفات الأبرار الذين هم أهل الجنة : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) والأسير لا يكون إلا كافراً .

قَالَ قَتَادَةَ رحمه الله ، قَوْلُهُ : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) . قَالَ : لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالأُسَرَاءِ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِمْ ، وَإِنَّ أَسْرَاهُمْ يَوْمَئِذٍ لِأَهْلُ الشِّرْكِ .

انظر : تفسير الطبري (10/8364) .

وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/237) :

"فلو تصدق على فاسق أو على كافر من يهودي أو نصراني أو مجوسي جاز , وكان فيه أجر في الجملة . قال صاحب البيان : قال الصيمري : وكذلك الحربي , ودليل المسألة :

قول الله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ومعلوم أن الأسير حربي" انتهى .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-10-03, 18:56
أجر الصوم يضاعف أكثر من سبعمائة ضعف

السؤال:

هل معنى الحديث أن الحسنات في الصيام تتضاعف أكثر من سبعمائة ضعف ؛ لقوله تعالى : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) ؟

الجواب :

الحمد لله

ثبت في الحديث ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ

قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلَّا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ) رواه مسلم (1151) .

وقد قرر العلماء في شرحهم لهذا الحديث أن مقتضى ذلك : مضاعفة أجر الصيام أكثر من سبعمائة ضعف ، ونحن ننقل هنا شيئا من تقريراتهم الكثيرة :

قال أبو الوليد الباجي رحمه الله (ت474هـ) :

" فضل تضعيف الصيام ، فأضاف الجزاء عليه إلى نفسه تعالى ، وذلك أنه يقتضي أنه يزيد على السبعمائة ضعف "

انتهى من " المنتقى شرح الموطأ " (2/74) .

وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله (ت505هـ) :

" وقد قال الله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ، والصوم نصف الصبر ، فقد جاوز ثوابُه قانون التقدير والحساب "

انتهى من " إحياء علوم الدين " (1/231) .

وقال ابن العربي رحمه الله (ت543هـ) :

" فأعلمنا ربنا تبارك وتعالى أن ثواب الأعمال الصالحة مقدر من حسنة إلى سبعمائة ضعف ، وخبأ قدر الصبر منها تحت علمه ، فقال : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [الزمر/10]

ولما كان الصوم نوعا من الصبر ، حين كان كفا عن الشهوات ، قال تعالى : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي ، وأنا أجزي به ) قال أهل العلم : كل أجر يوزن وزنا ، ويكال كيلا

إلا الصوم ، فإنه يحثي حثيا ، ويغرف غرفا ؛ ولذلك قال مالك : هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها ؛ فلا شك أن كل من سلم فيما أصابه

وترك ما نهى عنه ، فلا مقدار لأجره ، وأشار بالصوم إلى أنه من ذلك الباب ، وإن لم يكن جميعه "

انتهى من " أحكام القرآن " (4/77) .

وقال القاضي عياض رحمه الله (ت544هـ) :

" ثم يتفضل الله على من يشاء بما يشاء بالزيادة عليها إلى سبعمائة ضعف ، وإلى ما لا يأخذه حساب ، كما قال تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )

وقال : ( إلا الصوم فإنه لي ، وأنا أجزي به ) بعدما ذكر نهاية التضعيف إلى سبعمائة "

انتهى من " إكمال المعلم بفوائد مسلم " (8/ 184) .

وقال ابن رجب رحمه الله (ت795هـ) :

" فعلى الرواية الأولى [ يعني المذكورة أول الجواب ] : يكون استثناء الصوم من الأعمال المضاعفة ، فتكون الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلا الصيام

فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد ، بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر عدد ، فإن الصيام من الصبر ، وقد قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [الزمر: 10]

ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سمى شهر رمضان شهر الصبر .

وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال : ( الصوم نصف الصبر ) خرجه الترمذي .

والصبر ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله ، وصبر عن محارم الله ، وصبر على أقدار الله المؤلمة . وتجتمع الثلاثة في الصوم "

انتهى من " لطائف المعارف " لابن رجب (ص/150) .

وقال ابن الملقن رحمه الله (ت804هـ) :

" وقيل : في قوله تعالى : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) [السجدة: 17] أن عملهم الصيام ، فيفرغ لهم الجزاء إفراغًا من غير تقدير ، فخص الصيام بالتضعيف عَلَى سبعمائة ضعف في هذا الحديث "

انتهى من " التوضيح لشرح الجامع الصحيح " (13/28) .

وقال الشيخ السعدي رحمه الله (ت1376هـ) :

" استثنى في هذا الحديث الصيام ، وأضافه إليه ، وأنه الذي يجزى به بمحض فضله وكرمه ، من غير مقابلة للعمل بالتضعيف المذكور الذي تشترك فيه الأعمال . وهذا شيء لا يمكن التعبير عنه

بل يجازيهم بما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

وفي الحديث : كالتنبيه على حكمة هذا التخصيص ، وأن الصائم لما ترك محبوبات النفس التي طبعت على محبتها ، وتقديمها على غيرها ، وأنها من الأمور الضرورية

فقدم الصائم عليها محبة ربه ، فتركها لله في حالة لا يطلع عليها إلا الله ، وصارت محبته لله مقدمة وقاهرة لكل محبة نفسية ، وطلب رضاه وثوابه مقدماً على تحصيل الأغراض النفسية

فلهذا اختصه الله لنفسه ، وجعل ثواب الصائم عنده ، فما ظنك بأجر وجزاء تكفل به الرحمن الرحيم الكريم المنان ، الذي عمت مواهبه جميع الموجودات

وخصّ أولياءه منها بالحظ الأوفر ، والنصيب الأكمل ، وقدر لهم من الأسباب والألطاف التي ينالون بها ما عنده على أمور لا تخطر له بالبال . ولا تدور في الخيال . فما ظنك أن يفعل الله بهؤلاء الصائمين المخلصين .

وهنا يقف القلم ، ويسيح قلب الصائم فرحاً وطرباً بعمل اختصه الله لنفسه ، وجعل جزاءه من فضله المحض ، وإحسانه الصرف . وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "

انتهى باختصار من " بهجة قلوب الأبرار " (ص/94-95) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (ت1421هـ) :

" العبادات ثوابها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، إلا الصوم ، فإن الله هو الذي يجزي به ، ومعنى ذلك أن ثوابه عظيم جداً .

قال أهل العلم :

لأنه يجتمع في الصوم أنواع الصبر الثلاثة ، وهي : الصبر على طاعة الله ، وعن معصية الله ، وعلى أقداره ، فهو صبر على طاعة الله لأن الإنسان يصبر على هذه الطاعة ويفعلها

وعن معصيته لأنه يتجنب ما يحرم على الصائم ، وعلى أقدار الله لأن الصائم يصيبه ألم بالعطش والجوع والكسل وضعف النفس ، فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر

لأنه جامع بين الأنواع الثلاثة ، وقد قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [الزمر: 10] "

انتهى من " الشرح الممتع " (6/458) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-03, 19:03
لا يلزم إذا فعل العبد سيئة أن يعاقب عليها في الدنيا أو الآخرة .

السؤال :

لا أستطيع التوفيق بين الحديث الذي رواه مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ -رضي الله عنه- قال : " لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ". مما يعني أنه سيكون هنالك نوع من العقاب

إذا لمس أحد امرأة سواء كان ذلك بشهوة أو بدون شهوة . وبين الحديث الذي رواه عبدالله ابن مسعود - رضي الله عنه- : "أنّ رجلاً قال: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا"

أي أن الرجل قد فعل كل شيء معها إلا أن يجامعها ؛ وفي الحديث جاء ذكر الآية رقم 22 من سورة هود

والحديث يدل على انتفاء العقاب !! فكيف نجمع بين الحديثين ؟

لقد كنت أظن أنّه حتى لو عفا الله عن شخص ما ، فإنه سيعاقب ، أو أن الله سيبتلي كل من يعصيه متعمداً ، لذا أرجو توضيح المسألة .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى الطبراني في " المعجم الكبير" (486)

والروياني في "مسنده" (1283) عن مَعْقِل بْن يَسَارٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ ) .

وجوّد الشيخ الألباني رحمه الله إسناده في "الصحيحة" (226) ، وضعفه غيره .

وروى مسلم (2763) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ :

" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ ، وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا ، فَأَنَا هَذَا ، فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ ، لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ ؟

قَالَ : فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ ، فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا دَعَاهُ ، وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ :

( أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود/ 114 ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً ؟ قَالَ: ( بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ) " .

ورواه البخاري (526) ، ومسلم (2763) ولفظه :

" أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود/ 114

فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِي هَذَا ؟ قَالَ: ( لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ ) ".

ولفظ مسلم :

" فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ( لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي ) " .

ثانيا :

وجه الجمع بين الحديثين : أن الحديث الأول فيه الترهيب من مس المرأة الأجنبية ، وأن الرجل لو طعن في رأسه بمخيط من حديد : فهو خير له وأهون عليه من أن يمس امرأة لا يحل له مسها

قال المناوي رحمه الله :

" ( خير لَهُ من أَن يمس امْرَأَة لَا تحل لَهُ ) : أَي لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا ، وإذا كَانَ هَذَا فِي مُجَرّد الْمس ؛ فَمَا بالك بِمَا فَوْقه من نَحْو قبْلَة ومباشرة ؟ "

انتهى من "التيسير" (2/ 288) .

وقال الألباني رحمه الله :

" في الحديث : وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له " .

انتهى من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 448) .

فورد الحديث مورد الزجر ، مع الإشارة إلى ما يستحقه مَن مس الأجنبية من النكال .

لكن ليس فيه أنه يعاقب بذلك في الدنيا ، ولا في الآخرة ؛ بل عقاب من فعل ذلك مسكوت عن قدره ، وصفته ؛ وإن كان المفهوم من الحديث أن عقاب من فعل ذلك : أشد عليه من أن يضرب بمخيط في رأسه .

وأما الحديث الآخر : فورد لبيان واسع رحمة الله ، وعظيم فضله على التائبين ، وبيان فضل التوبة ، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وأن الحسنات يذهبن السيئات

ولذلك جاء في الحديث الصحيح : ( وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا ) رواه الترمذي (1987) ، وصححه ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع" (97) .

فالأول في بيان عظيم الجرم ، والثاني في بيان فضل الله على عباده ، وأن العبد إذا استوجب العقاب بالذنب الموجب للعقاب والنكال ، ثم تاب ، وأتبع السيئة التي عملها بحسنة ماحية : تاب الله عليه ، ومحا عنه سيئته .

والعبد المسلم إذا أذنب فهو في مشيئة الله :

- فإن شاء عفا عنه لأول وهلة ، فالله يرحم من يشاء ويعذب من يشاء .

- وإن شاء آخذه بذنبه وعاقبه عليه .

- وإن شاء محاه عنه بالتوبة ، أو بحسنات ماحية ، أو برحمة أرحم الراحمين ، أو بغير ذلك من أسباب رحمة الله لعبيده ، وعفوه عنهم ، وكرمه وتفضله عليهم .

- وإن شاء كفره عنه بالبلاء من مرض أو فقر أو غير ذلك .

فلا يلزم إذا فعل العبد سيئة أن يعاقب عليها ، أو يبتلى ، فقد يفعلها ويتوب ، فيتوب الله عليه ولا يؤاخذه بها ، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجة (4250) وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجة " .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 14:32
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

شرح حديث (يابن آدم لَا تَعْجِزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ)

السؤال:

الأربعة الذي قال فيهن الله عز وجل في الحديث القدسي : ( يَا ابْنَ آدَم اكْفِنِي أرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أكْفِكَ آخِرَهُ )، هل هن صلاة الضحى أم ماذا ؟

ومتى موعدهن وكيفيتهن ؟

الجواب :

الحمد لله

روى أحمد (22469) ، وأبو داود (1289) عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ الْغَطَفَانِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ ، لَا تَعْجِزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ ).

وأخرجه الترمذي (475) من حديث أبي الدرداء ، وأبي ذر رضي الله عنهما بلفظ: ( ابْنَ آدَمَ ، ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ ) وحسنه الذهبي في "السير" (8/323)

وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4339).

وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذه الصلاة ، فذهب بعضهم إلى أن المراد بها صلاة الضحى ، منهم: أبوداود ، والترمذي ، والعراقي ، وابن رجب الحنبلي ، وغيرهم .

وذهب البعض الآخر إلى أن المراد بها صلاة الصبح وسنتها، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى .

قال ابن القيم : " سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذه الأربع عندي هي الفجر وسنتها "

انتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد " (1/ 348).

وقال الشوكاني :

" قيل: يحتمل أن يراد بها فرض الصبح وركعتا الفجر ؛ لأنها هي التي في أول النهار حقيقة ، ويكون معناه: كقوله صلى الله عليه وسلم : (من صلى الصبح فهو في ذمة الله).

[أي: في عهده وأمانه] قال العراقي : وهذا ينبني على أن النهار هل هو من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس ؟

والمشهور الذي يدل عليه كلام جمهور أهل اللغة وعلماء الشريعة أنه من طلوع الفجر .

وقال ( يعني : العراقي) : وعلى تقدير أن يكون النهار من طلوع الفجر فلا مانع من أن يراد بهذه الأربع الركعات بعد طلوع الشمس

لأن ذلك الوقت ما خرج عن كونه أول النهار ، وهذا هو الظاهر من الحديث وعمل الناس ، فيكون المراد بهذه الأربع ركعات صلاة الضحى ".

انتهى من " نيل الأوطار" (3/79).

والحاصل : أنه يحتمل أن يكون المراد بهذه الصلاة صلاة الصبح وسنتها ، ويحتمل أن تكون صلاة الضحى ، فينبغي للمسلم أن يحافظ على أربع ركعات في الضحى مع محافظته على صلاة الفجر وسنتها ليحصل له هذا الفضل .

ومعنى قوله : ( أَكْفِكَ آخِرَهُ ) أي : أنه يكون في حفظ الله تعالى ، فيحفظه من شر ما يقع في آخر هذا اليوم مما يضره في دينه أو دنياه .

قال العراقي :

" يحتمل كفايته من الآفات أو من الذنوب " .

انتهى من " قوت المغتذي على جامع الترمذي" (1/ 202).

وقال العظيم آبادي :

" يحتمل أن يراد كفايته من الآفات والحوادث الضارة ، وأن يراد حفظه من الذنوب والعفو عما وقع منه في ذلك ، أو أعم من ذلك ، قاله السيوطي ".

انتهى من " عون المعبود " (4/ 118).

وقال المناوي في " فيض القدير" (4/615) :

"(أكفك آخره) أي : شر ما يُحدثه تعالى في آخر ذلك اليوم من المحن والبلايا ، فأمره تعالى بفعل شيء أو تركه إنما هو لمصلحة تعود على العبد ، وأما هو فلا تنفعه الطاعة ، ولا تضره المعصية " انتهى .

أما بالنسبة لموعد الصلاة وكيفيتها:

فإذا كان المقصود بذلك صلاة الصبح وسنتها فوقتها معروف ، من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس

وانظر جواب السؤال القادم

وأما صلاة الضحى فوقتها من بعد شروق الشمس وارتفاعها [ بعد شروق الشمس بحوالي ربع ساعة ] إلى قبيل وقت صلاة الظهر.

وانظر جواب السؤال بعد القادم

وتكون هذه الصلاة ركعتين ركعتين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ) ، رواه الترمذي ( 597 ) ، وأبو داود ( 1295 )

والنسائي ( 1666 ) ، وابن ماجه ( 1322 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " تمام المنَّة " ( ص 240 ) .

وانظر جواب السؤال الثالث

والله تعالى أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 14:34
تأخير صلاة الفجر قرب شروق الشمس

السؤال

ما حكم تأخير إقامة صلاة الفجر حتى قرب الشروق وليس في وقتها ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الصلوات الخمس لها وقت محدد : أوله وآخره ، يجب أداء الصلاة فيه ، قال الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ) النساء/103 .

" أي مفروضاً في وقته .

فدل ذلك على فرضيتها وأن لها وقتاً لا تصح إلا به ، وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم ، عالمهم وجاهلهم ، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : (صلوا كما رأيتموني أصلي ) "

انتهى من تفسير السعدي (ص 204) .

وتأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر من الكبائر ، وقد توعد الله تعالى عليه بقوله : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) الماعون/4، 5 .

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : الذين يؤخرونها عن أوقاتها . انظر تفسير القرطبي (20/211) .

ثانياً :

وقد سبق في جواب السؤال (9940) بيان أوقات الصلوات الخمس .

ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ ) . رواه مسلم (612) .

فإذا صلاها في هذا الوقت فقد صلاها في وقتها ، وعلى هذا ، فما جاء في السؤال من أن الصلاة قرب الشروق لا تكون في وقتها ليس صحيحاً ، بل وقت صلاة الصبح ممتد إلى شروق الشمس .

ثانياً :

قد يكون السائل أراد الإشارة إلى بعض الناس الذين يؤخرون صلاة الفجر حتى يتيقنوا أو يغلب على ظنهم دخول وقتها ، وذلك نظراً لما قيل من خطأ التقاويم الموجودة الآن في تحديد وقت صلاة الفجر .

غير أن هذا الخطأ لا يصل إلى هذا الحد ، بل قدره بعض العلماء بـ (20) إلى (30) دقيقة .

ثالثاً :

كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصلي الفجر قبل ظهور ضوء النهار ، وقد دل على ذلك عدة أحاديث .

1- روى البخاري (560) ومسلم (646) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ .

2- وروى البخاري (872) ومسلم (645) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ أَوْ لا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا .

" الغَلَس : ظلمة آخر الليل ، كما في القاموس ، وهو أول الفجر " انتهى من "سبل السلام" .

وقال النووي :

" قَوْله : ( مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَس ) هُوَ بَقَايَا ظَلام اللَّيْل . قَالَ الدَّاوُدِيّ : مَعْنَاهُ مَا يُعْرَفْنَ أَنِسَاء هُنَّ أَمْ رِجَال " انتهى من شرح مسلم للنووي .

3- وروى ابن ماجه (671) عن مُغِيث بْن سُمَيٍّ قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ، فَقُلْتُ :

مَا هَذِهِ الصَّلاةُ ! قَالَ : هَذِهِ صَلاتُنَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، فَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أَسْفَرَ بِهَا عُثْمَانُ .

صححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

فهذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح في أول وقتها .

وقال ابن قدامة في "المغني" (1/540) :

" وَأَمَّا صَلاةُ الصُّبْحِ فَالتَّغْلِيسُ بِهَا أَفْضَلُ , وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ " انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 14:36
وقت صلاة الضحى

السؤال

ما هو الوقت المناسب لصلاة "الإشراق" وصلاة " الضحى"؟.

الجواب

الحمد لله

صلاة الإشراق هي صلاة الضحى في أول وقتها ، وليست صلاتين مختلفتين ، وسميت كذلك لكونها تفعل عقب شروق الشمس وارتفاعها .

قال الشيخ ابن باز :

صلاة الإشراق هي صلاة الضحى في أول وقتها .

مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 11 / 401

وقت صلاة الضحى من طلوع الشمس وارتفاعها إلى قبيل وقت صلاة الظهر .

وقدّره الشيخ ابن عثيمين بأنه بعد شروق الشمس بربع ساعة إلى قبيل صلاة الظهر بعشر دقائق .

الشرح الممتع 4 / 122

فكل هذا الوقت وقت لصلاة الضحى .

( والأفضل صلاتها بعد اشتداد حر الشمس لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ) رواه مسلم ( 748 )

والفصال هي أولاد الإبل ، ومعنى ترمض تشتد عليها الرمضاء وهي حرارة الشمس .

ابن باز مجموع فتاوى 11/ 395

وقدّر العلماء هذا بمضي ربع النهار أي نصف الوقت بين طلوع الشمس وصلاة الظهر .

انظر المجموع للنووي 4 / 36

والموسوعة الفقهية 27 / 224 .

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 14:38
كيف تصلى صلاة النهار الرباعية ؟

السؤال

عن صلاة النافلة التي قبل الظهر وقبل العصر ، هل تصلى بأربع ركعات وتسليمة واحدة أم كل ركعتين بتسليمة ؟.

الجواب

الحمد لله

ذهب جمهور العلماء إلى أن الأفضل في نافلة الليل والنهار أن تصلى ركعتين ركعتين ، بل ذهب بعض العلماء كالإمام أحمد إلى وجوب ذلك ، وأنها لا تصح إذا صلاها أكثر من ركعتين بتسليم واحد ، إلا الوتر لورود السنة الصحيحة بذلك .

وقد استدلوا على هذا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " . رواه الترمذي ( 597 ) وأبو داود ( 1295 ) والنسائي ( 1666 ) وابن ماجه ( 1322 )

. والحديث صححه الشيخ الألباني في " تمام المنَّة " ( ص 240 ) .

ومعنى ( مثنى مثنى ) أي : ركعتين ركعتين . كذا فسره ابن عمر رضي الله عنهما

ففي صحيح مسلم عن عقبة بن حريث قال : قلت لابن عمر‏:‏ ما معني مثنى مثنى ‏؟‏ قال ‏:‏ تسلم من كل ركعتين‏ .‏

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :

قوله: " مثنى مثنى " يعني : اثنتين اثنتين فلا يُصلِّي أربعاً جميعاً ، وإنما يُصلِّي اثنتين اثنتين ، لما ثبت في " صحيح البخاري ومسلم " مِن حديث ابن عُمرَ أنَّ رَجُلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما ترى في صلاةِ اللَّيلِ ؟

قال : " مَثْنى مَثْنى ، فإذا خَشِيَ أحدُكم الصّبحَ صَلَّى واحدةً فأوترت له ما قد صَلَّى " .

وأما " النَّهار " : فقد رواه أهل السُّنَن ، واختلف العلماءُ في تصحيحه :

والصَّحيح : أنَّه ثابتٌ كما صَحَّح ذلك البخاريُّ ، وعلى هذا : فتكون صلاةُ الليلِ وصلاةُ النَّهارِ كلتاهما مَثْنى مَثْنى يُسَلِّمُ مِن كُلِّ اثنتين ، ويُبْنَى على هذه القاعدة كُلُّ حديثٍ وَرَدَ بلفظ الأربع مِن غير أن يُصرِّحَ فيه بنفي التَّسليم

أي : أنَّه إذا جاءك حديثٌ فيه أربع ؛ ولم يُصرِّحْ بنفي التَّسليم : فإنه يجب أنْ يُحملَ على أنَّه يُسَلِّمُ مِن كُلِّ رَكعتين ، لأنَّ هذه هي القاعدة ، والقاعدةُ تُحْمَلُ الجزئيات عليها

فقول عائشة لما سُئلت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان : " ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة ، يُصَلِّي أربعاً ، فلا تسأل عن حُسنِهِنَّ وطُولِهِنَّ " ، ظاهره

: أنَّ الأربع بسلام واحد ، ولكن يُحمل هذا الظَّاهر على القاعدة العامَّة ، وهي أنَّ صلاة الليل مَثْنى مَثْنى ، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويُقال : إنها ذكرتْ أربعاً وحدها

ثم أربعاً وحدها ؛ لأنَّه صَلَّى أربعاً ثم استراح ، بدليل " ثم " التي للترتيب والمهلة .

" الشرح الممتع " ( 4 / 76 ، 77 ) .

وحديث ابن عمر بوَّب عليه ابن خزيمة - في صحيحه ( 2 / 214 ) - بقوله " باب التسليم في كل ركعتين من صلاة التطوع صلاة الليل والنهار جميعا "

وأعقبه بباب " باب ذكر الأخبار المنصوصة والدالة على خلاف قول من زعم أن تطوع النهار أربعاً لا مثنى " - وساق أدلة كثيرة على أن تطوع النهار ركعتين ركعتين - .

ويحمل حديث " رحم الله من صلى قبل العصر أربعاً " على ما سبق من كونها ركعتين ركعتين .

قال ابن حبان :

وقوله صلى الله عليه وسلم " أربعا " : أراد به : بتسليمتين ؛ لأن في خبر يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر قال :

قال النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " . " صحيح ابن حبان " ( 6 / 206 ) ، وقال مثل هذا - في ( 6 / 231 ) - في الأربع التي بعد صلاة الجمعة .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" المشروع للمسلم أن يصلي النافلة مثنى مثنى ليلاً ونهاراً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى ) متفق على صحته

وفي رواية صحيحة : ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ) خرجها الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح

مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/390)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 14:42
معنى حديث : ( سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ : صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ )

السؤال :

ما معني قول النبي صلى الله غليه وسلم في وصية نوح عليه السلام : ( فإنها صلاة كل شيء ، وبها يرزق الخلق ) ؟

وهل يجوز أن يقال عما فعله مع الأعرابي في أول الحديث ، هل يقال هذه فراسة أم ماذا ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى الإمام أحمد (6583) ، والحاكم (154) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ

عَلَيْهِ جُبَّةُ سِيجَانٍ مَزْرُورَةٌ بِالدِّيبَاجِ ، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا قَدْ وَضَعَ كُلَّ فَارِسٍ ابْنِ فَارِسٍ !!

قَالَ: يُرِيدُ أَنْ يَضَعَ كُلَّ فَارِسٍ ابْنِ فَارِسٍ، وَيَرْفَعَ كُلَّ رَاعٍ ابْنِ رَاعٍ .

قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَجَامِعِ جُبَّتِهِ ، وَقَالَ : ( أَلَا أَرَى عَلَيْكَ لِبَاسَ مَنْ لَا يَعْقِلُ ) ؟!

ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ : إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ : آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ ، آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ

وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ ، كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً ، قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .

وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ .

وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ ) .

صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وكذا صححه الألباني في " الصحيحة " (134) وصححه أيضا محققو المسند .

ثانيا :

قوله صلى الله عليه وسلم : (وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ) في معنى قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) الإسراء/ 44

يعني : يسبح بحمده سبحانه كل شيء

قال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ : وَمَا مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ: أَيْ لَا تَفْقَهُونَ تسبيحهم أيها الناس، لأنها بخلاف لغاتكم ، وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات "

انتهى من " تفسير ابن كثير" (5/ 73) .

وقال السعدي رحمه الله :

" ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ) من حيوان ناطق وغير ناطق ومن أشجار ونبات وجامد وحي وميت إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ بلسان الحال ولسان المقال

. ( وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) أي: تسبيح باقي المخلوقات التي على غير لغتكم بل يحيط بها علام الغيوب "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 459) .

ولذلك فإن العلماء يروون هذا الحديث عند تفسير هذه الآية .

وقوله : ( وَبِها يُرْزَقُ الخَلْقُ ) : أي : إنّ التّسبيح من مفاتيح الرزق على العباد ، وذلك باعتبارين :

الاعتبار الأول : أن التسبيح تنزيه الله أن يكون معه نظير يخلق معه الخلق أو يرزقهم

قال تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) الروم/ 40

فالتسبيح شهادة من العبد أنه لا رازق إلا الله ، كما أنه لا خالق إلا هو ، ولا محيي ولا مميت إلا هو سبحانه ، وهذه الشهادة أول مفاتح الرزق .

الاعتبار الثاني : الحمد في قوله : ( سبحان الله وبحمده ) ومعلوم أن الحمد والشكر يفتح أبواب الرزق ويزيد النعمة ، كما قال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) إبراهيم/ 7 ،

قال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ : لَئِنْ شَكَرْتُمْ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ لِأَزِيدَنَّكُمْ مِنْهَا " .

انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 479).

ثالثا :

قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابي : ( أَلَا أَرَى عَلَيْكَ لِبَاسَ مَنْ لَا يَعْقِلُ ) لأنه يرتدي جبة من سيجان ، وهو جمع ساج ، وهو الطيلسان الأخضر ، مزرورة بالديباج

وهو من الحرير الطبيعي ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ) متفق عليه .

والطيلسان من لباس العجم ، وليس من لباس العرب ، قال في " تاج العروس " (16/ 204):

" يُقَال فِي الشَّتْمِ : يَا ابْن الطَّيْلَسَانِ، أَي إِنَّك أَعْجَمِيُّ ، لأَنَّ العَجَمَ هم الَّذين يَتَطَيْلَسُون ، نَقَله الزَّمَخْشَرِيُّ والصّاغَانِيُّ " انتهى .

وتشبه العربي بالعجمي من السفه وقلة العقل ، ولذلك قال له : ( أَلَا أَرَى عَلَيْكَ لِبَاسَ مَنْ لَا يَعْقِلُ ) .

وهذا من فطنته صلى الله عليه وسلم وفراسته ومعرفته بأحوال الناس ، بما تدل عليه أقوالهم ، وأحوالهم .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 14:46
شرح قوله صلى الله عليه وسلم في صفة المنافق : ( وإذا وعد أخلف ) .

السؤال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : _( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) ما هو تعريف الوعد شرع ا؟

وهل هو مرتبط بالقسم /الحلف ؟

مثال: إذا قال شخص لآخر بأنه سيفعل له ( أو معه) أمراً ولم يفعل، فهل هذا إخلاف بالوعد وآية من النفاق ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه البخاري (33) ، ومسلم (59) .

الوعد : هو التعهد بفعل الخير في المستقبل ، كأن يقول الرجل لصاحبه : " أعدك بهدية " أو " أعدك بالذهاب معك إلى الدرس " ونحو ذلك .

قال موسى عليه السلام لقومه : ( يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ) طه/ 86 .

قال مجاهد :

" موعدي : عهدي ".

انتهى من " تفسير الطبري " (18/351) .

قال في " عون المعبود " (12/ 289):

" ( وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ) أَيْ إِذَا وَعَدَ بِالْخَيْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ : لَمْ يَفِ بِذَلِكَ " انتهى .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الْمُرَادُ بِالْوَعْدِ فِي الْحَدِيثِ : الْوَعْدُ بِالْخَيْرِ ، وَأَمَّا الشَّرُّ فَيُسْتَحَبُّ إِخْلَافُهُ ، وَقَدْ يَجِبُ ، مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَرْكِ إِنْفَاذِهِ مَفْسَدَةٌ "

انتهى من " فتح الباري " (1/ 90) .

وإخلاف الوعد : عدم الوفاء به عن عمد ، من غير عذر معتبر .

فإذا لم يف به لعذر ، مثل قيام مانع يمنعه من الوفاء ، أو عجزه عنه ، أو نحو ذلك : فليس بمخلف وعده .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" خُلْفَ الْوَعْدِ لَا يَقْدَحُ ، إِلَّا إِذَا كَانَ الْعَزْمُ عَلَيْهِ مُقَارِنًا لِلْوَعْدِ ، أَمَّا لَوْ كَانَ عَازِمًا ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ ، أَوْ بَدَا لَهُ رَأْيٌ : فَهَذَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ النِّفَاقِ ، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ "

انتهى من " فتح الباري " (1/ 90)

وينظر : " كشف المشكل " لابن الجوزي (3/ 409) .

وقال ابن رجب رحمه الله :

" ( إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ) وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَعِدَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ لَا يَفِيَ بِوَعْدِهِ ، وَهَذَا أَشَّرُ الْخُلْفِ ، وَلَوْ قَالَ: أَفْعَلُ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ، كَانَ كَذِبًا وَخُلْفًا ، قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ .

الثَّانِي : أَنْ يَعِدَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ ، فَيُخْلِفُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَهُ فِي الْخُلْفِ "

انتهى من " جامع العلوم والحكم " (2/ 482-483) .

ثانيا :

لا يرتبط الوعد بالقسم ، فقد يعد الرجل وعدا ، ولا يقسم عليه ، فإذا وعد وعدا وأقسم عليه صار وعدا مؤكدا واجب الوفاء .

قال ابن القيم رحمه الله :

" وإخلاف الوعد مما فطر الله العباد على ذمه واستقباحه ، وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو عند الله قبيح "

انتهى من " إغاثة اللهفان " (2/ 47) .

واختلف العلماء في " الوفاء بالوعد " : هل هو واجب مطلقا ، ويحرم خلفه ، أو مستحب ، ويكره خلفه .

قال النووي رحمه الله :

" أجمعَ العلماءُ على أن مَن وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهيّ عنه فينبغي أن يفي بوعده ، وهل ذلك واجبٌ ، أو مستحبّ ؟ فيه خلاف بينهم

ذهب الشافعيُّ وأبو حنيفة والجمهورُ إلى أنه مستحبّ ، فلو تركه فاته الفضل ، وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة، ولكن لا يأثم .

وذهبَ جماعةٌ إلى أنه واجب ، قال الإِمامُ أبو بكر بن العربي المالكي : أجلُّ مَن ذهبَ إلى هذا المذهب عمرُ بن عبد العزيز

قال : وذهبتِ المالكية مذهباً ثالثاً : أنه إن ارتبط الوعدُ بسبب كقوله : تزوّج ولك كذا، أو احلف أنك لا تشتمني ولك كذا، أو نحو ذلك ، وجب الوفاء ، وإن كان وعداً مُطلقاً، لم يجب.

واستدلّ مَن لم يوجبه بأنه في معنى الهبة ، والهبة لا تلزم إلا بالقبض عند الجمهور، وعند المالكية : تلزم قبل القبض "

انتهى ، من " الأذكار" (ص 317) .

وينظر : "جامع العلوم والحكم" (2/ 485-486)

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 14:51
المقصود بالسحور في الأحاديث الواردة في فضله : سحور الصائمين خاصة

السؤال:

هل السحور في حديث الرسول صلي الله عليه وسلم "إِ نَّ اللهَ تَعَالَى وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِين "، أو في أي حديث غيره هل بركته للصائم فقط

أم أن وقت السحر في كل الأيام مستحب فيها السحور ولو علي جرعة ماء ؟

الجواب :

الحمد لله

السَّحُور هو الطعام الذي يأكله الإنسان أو يشربه في آخر الليل ، وسمي سحوراً لأنه يؤكل في وقت السحر ، وهو آخر الليل .

" لسان العرب " (4/ 351) .

وقد وردت عدة أحاديث في فضل السحور ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) رواه البخاري (1923) ، ومسلم (1095)

وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، أَكْلَةُ السَّحَرِ) رواه مسلم (1096)

وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ) رواه أحمد (11086) وصححه محققو المسند . وحسنه الألباني في "الصحيحة " (1654) .

والمقصود بالسحور في هذه الأحاديث : أكلة السحر التي يأكلها الصائم خاصة ، لأن ذلك الطعام يقوي الصائم على عبادة الصيام ، ويسهلها عليه

ولأنه يفرق به بين صيامنا – نحن المسلمين- وصيام أهل الكتاب ، ويؤخذ ذلك من كلام العلماء على العلة من جعل السحور بركة.

قال النووي رحمه الله :

" أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَأَمَّا الْبَرَكَةُ الَّتِي فِيهِ فَظَاهِرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّي عَلَى الصِّيَامِ وَيُنَشِّطُ لَهُ وَتَحْصُلُ بِسَبَبِهِ الرَّغْبَةُ فِي الِازْدِيَادِ مِنَ الصِّيَامِ لِخِفَّةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ عَلَى الْمُتَسَحِّرِ

. فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْنَاهُ "

انتهى من " شرح النووي على مسلم " (7/ 206) .

وقال المناوي رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ) : " أي : الذين يتناولون السحور بقصد التقوي به على الصوم

لما فيه من كسر شهوة البطن والفرج الموجبة لتصفية القلب وغلبة الروحانية على الجسمانية الموجبة للقرب من جانب الرب تعالى ، فلذلك كان السحور متأكد الندب جدا " .

انتهى من " فيض القدير " (2/ 270) .

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (24/ 270):

" السُّحُورُ سُنَّةٌ لِلصَّائِمِ ، وَقَدْ نَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ الإْجْمَاعَ عَلَى كَوْنِهِ مَنْدُوبًا " انتهى .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

" المشروع للصائم أن يتسحر قبل طلوع الفجر؛ لما في ذلك من التقوي على الصيام " .

انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (9/ 26) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" (إن في السحور بركة) أين البركة ؟ كله بركة : عبادة ، واقتداء بالرسول ، ومخالفة لأصحاب الجحيم ، وعون على الصوم ، وإعطاء للنفوس حقها

حيث إنها ستقبل على وقت تمسك فيه ، فتنال حظها من الأكل والشرب لتتقوى به على طاعة الله عز وجل ، هذه مقدمة الصوم ".

انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (147/ 7) بترقيم الشاملة .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الْبَرَكَةَ فِي السُّحُورِ تَحْصُلُ بِجِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، وَهِيَ : اتِّبَاعُ السُّنَّةِ ، وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَالتَّقَوِّي بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ ، وَالزِّيَادَةُ فِي النَّشَاطِ ، وَمُدَافَعَةُ سُوءِ الْخُلُقِ الَّذِي يُثِيرُهُ الْجُوعُ

وَالتَّسَبُّبُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ إِذْ ذَاكَ ، أَوْ يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَلَى الْأَكْلِ ، وَالتَّسَبُّبُ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَقْتَ مَظِنَّةِ الْإِجَابَةِ ، وَتَدَارُكُ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَغْفَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ " .

انتهى من " فتح الباري " (4/ 140) .

وبعض هذه العلل التي ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله ليست خاصة بالصائم ، ولكنها تابعة لنية الصيام ، فنية الصيام هي الأصل ثم تتبعها هذه الفوائد من طعام السحور .

وقد أجمع العلماء على أن السحور مستحب للصائم ، ولا نعلم أحدا من العلماء قال باستحبابه لغير الصائم ، ولو كان السحور مستحبا للصائم وغيره لداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم

ولكنه لم يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم ، وهذا يدل على أن استحباب السحور إنما هو خاص بمن أراد أن يصوم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 14:57
المحافظة على ركعتين بعد العصر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم .

السؤال :

عن عائشة رضي الله عنها قالت : والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله ، وما لقي الله تعالى حتى ثقل عن الصلاة وكان يصلي كثيرًا من صلاته قاعدًا . تعني الركعتين بعد العصر

. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما ، ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته ، وكان يحب ما يخفف عنهم . إلى أي صلاة يشير هذا الحديث بالضبط ؟

هل يشير إلى ركعتي السنة بعد العصر ؟

وهل هو حديث صحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

ذهب جماهير أهل العلم إلى كراهة الصلاة بعد العصر حتى غروب الشمس ، وبعد الصبح حتى ترتفع الشمس ، وحكى بعض أهل العلم الاتفاق على ذلك .

فروى البخاري ومسلم (827) عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ ) .

قال النووي رحمه الله :

" فِي أَحَادِيث الْبَاب : نَهْيه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاة بَعْد الْعَصْر حَتَّى تَغْرُب الشَّمْس ، وَبَعْد الصُّبْح حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس ، وَبَعْد طُلُوعهَا حَتَّى تَرْتَفِع

وَعِنْد اِسْتِوَائِهَا حَتَّى تَزُول ، وَعِنْد اِصْفِرَارهَا حَتَّى تَغْرُب . وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى كَرَاهَة صَلَاة لَا سَبَب لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَات " انتهى .

واختلف أهل العلم في الصلوات ذوات الأسباب كتحية المسجد وسنة الوضوء ، فمنهم من جوز فعلها في أوقات النهي ، ومنهم من منع ذلك ، والراجح الأول

والله أعلم .

ثانيا :

ما ورد في الأحاديث من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر في بيته ، ويداوم على ذلك : صحيح ثابت أيضا ؛ فروى البخاري (591) ، ومسلم (835)

عن عَائِشَة رضي الله عنها قالت : ( مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ عِنْدِي قَطُّ ) .

وفي رواية لهما : ( صَلَاتَانِ مَا تَرَكَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي قَطُّ ، سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً : رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ) .

وفي رواية للبخاري (590) عنها رضي الله عنها قَالَتْ: ( وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ ، مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ ، وَمَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنِ الصَّلاَةِ ، وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلاَتِهِ قَاعِدًا

- تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ - وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا ، وَلاَ يُصَلِّيهِمَا فِي المَسْجِدِ ، مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِه ِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ ) .

وهذا كله محمول على أنه كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم ؛ فقد فاتته الركعتان بعد الظهر ، فصلاهما بعد العصر ، ثم أثبتهما ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى صلاة أثبتها .

روى البخاري (1233) ، ومسلم (834) عن أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا - يعني الركعتين بعد العصر -

ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ ، فَقُلْتُ : قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ : تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ

وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا ؟ فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ ، فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : ( يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ

وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْس ِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ ، فَهُمَا هَاتَانِ ) .

وروى مسلم (835) عن أبي سَلَمَةَ ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَقَالَتْ : ( كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ

ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا ، أَوْ نَسِيَهُمَا ، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا ) .

وعلى ذلك : فإنه يشرع لكل أحد قضاء راتبة الظهر ونحوها بعد العصر ، إذا فاتت لعذر .

وأما الاستدامة على صلاة الركعتين في هذا الوقت : فهي من خصائصه ، صلى الله عليه وسلم .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الرِّوَايَات مَنْ أَجَازَ التَّنَفُّل بَعْدَ الْعَصْر مُطْلَقًا ، مَا لَمْ يَقْصِد الصَّلَاة عِنْدَ غُرُوب الشَّمْس ، وَأَجَابَ عَنْهُ مَنْ أَطْلَقَ الْكَرَاهَة : بِأَنَّ فِعْلَهُ هَذَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز اِسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ مِنْ الرَّوَاتِب مِنْ غَيْر كَرَاهَة

وَأَمَّا مُوَاظَبَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ خَصَائِصه ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَة أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْر وَيَنْهَى عَنْهَا ,

وَيُوَاصِل وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَال " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَرِوَايَة أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَة فِي نَحْو هَذِهِ الْقِصَّة وَفِي آخِرِهِ " وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاة أَثْبَتَهَا " رَوَاهُ مُسْلِم

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : الَّذِي اِخْتَصَّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُدَاوَمَة عَلَى ذَلِكَ لَا أَصْلُ الْقَضَاء " انتهى .

"فتح الباري" (2/64) . وينظر : "عمدة القاري" (5/ 85) .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة عن هذه الأحاديث ، فأجابوا :

" لا تجوز صلاة النافلة بعد العصر ؛ لأنه وقت نهي ، وما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المذكورة هو قضاء لراتبة الظهر التي فاتته -

وداوم عليها صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان إذا عمل عملا داوم عليه ، وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم ، لكن تجوز الصلاة بعد العصر إذا كانت من ذوات الأسباب ؛ كتحية المسجد

وصلاة الكسوف ، وركعتي الطواف بعد العصر وبعد الصبح ، وصلاة الجنازة ؛ للأحاديث الواردة في ذلك " انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/ 173-174) .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" ليس هناك سنة بعد العصر ، فقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس ، إلا لمن عليه فوائت ، هذا يقضيها ولو بعد العصر لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها

لا كفارة لها إلا ذلك ) متفق عليه ، فلو تذكر بعد العصر أن عليه الظهر نسيها : صلاها، أو عليه الفجر نسيها : صلاها ، أو غير ذلك

وهكذا لو أن إنسانا دخل المسجد أو طاف بعد العصر في مكة ، صلى تحية المسجد ، وصلى ركعتي الطواف ، وهكذا لو كسفت الشمس بعد العصر ، هذه من ذوات الأسباب تصلى بعد العصر .

أما سنة راتبة بعد العصر فلا ، إلا خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد صلى بعد العصر ركعتين بسبب أنه شغل عنها بعد الظهر ، ثم أثبتها

وسئل عنها : هل نقضيهما ؟ قال : لا . وأخبرت عائشة أنه أثبتها ، كان يصليها بعد العصر .

هذا شيء خاص به عليه الصلاة والسلام " انتهى.

"فتاوى نور على الدرب" (10/ 318) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 15:02
شرح حديث : ( إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ) .

السؤال:

جاء في الحديث : ( إنَّ من عبادِ اللهِ مَن لو أقسَم على اللهِ لأبَرَّه ) ، فكيف نجمع بين هذا ، وبين الحديث الذي رواه أبو هريرة عن سليمان عليه السلام أنه أقسم أن يطوف على تسعين امرأة...

الحديث المعروف. أليس الأنبياء أفضل الناس ، وهم أولى بأن يبر الله أيمانهم ؟ كيف نوجه هذا بارك الله فيكم ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (2703) - واللفظ له - ، ومسلم (1675) عن أنس : أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ ، وَطَلَبُوا العَفْوَ ، فَأَبَوْا ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ

فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ : أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ، لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا ، فَقَالَ : ( يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ ) ، فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ) .

وروى مسلم (2622) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( رُبَّ أَشْعَثَ ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ ) .

قيل : المعنى : أنه لو حلف على شيء أن يقع ؛ ثقة بالله وحسن ظن به لأبره الله ، وقيل : معنى القسم في الحديث : الدعاء .

قال النووي رحمه الله :

" (لَوْ أقسم على الله لأبره) أي لو حلف على وقوع شَيْءٍ أَوْقَعَهُ اللَّهُ إِكْرَامًا لَهُ بِإِجَابَةِ سُؤَالِهِ وَصِيَانَتِهِ مِنَ الْحِنْثِ فِي يَمِينِهِ ، وَهَذَا لِعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقِيلَ مَعْنَى الْقَسَمِ هُنَا الدُّعَاءُ ، وَإِبْرَارُهُ إِجَابَتُهُ " انتهى .

وقال الحافظ رحمه الله :

" أَيْ لَوْ حَلَفَ يَمِينًا عَلَى شَيْءٍ أَنْ يَقَعَ طَمَعًا فِي كَرَمِ اللَّهِ بِإِبْرَارِهِ لَأَبَرَّهُ وَأَوْقَعَهُ لِأَجْلِهِ ، وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَن إِجَابَة دُعَائِهِ " انتهى .

وقال ابن عثيمين رحمه الله :

" الإقسام على الله أن يقول الإنسان : والله ، لا يكون كذا وكذا ، أو والله لا يفعل الله كذا وكذا ، والإقسام على الله نوعان:

أحدهما : أن يكون الحامل عليه قوة ثقة المقسم بالله -عز وجل- وقوة إيمانه به مع اعترافه بضعفه وعدم إلزامه الله بشيء ، فهذا جائز

ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: ( رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) .

النوع الثاني: من الإقسام على الله : ما كان الحامل عليه الغرور والإعجاب بالنفس ، وأنه يستحق على الله كذا وكذا ، فهذا - والعياذ بالله – محرم ، وقد يكون مُحبِطا للعمل "

انتهى ملخصا من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (3/ 78-79) .

ثانيا :

روى البخاري (6639) ، ومسلم (1654) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً ، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ :

قُلْ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ ) .

وفي رواية لمسلم : ( فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ - أَوِ الْمَلَكُ -: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ ) .

ولا شك أن الأنبياء أفضل الناس، وهم أولى بأن يبر الله أيمانهم من غيرهم ، ولكن نبيَ الله سليمان عليه السلام لما ترك نسيانا ذكر المشيئة

وكان نبيا ينظر إليه ويقتدى به ، لم يسامح بترك ذكر المشيئة والاستثناء في يمينه ، فترتب على ذلك عدم تحقيق ما تمنى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" المُرْسَلُونَ لَهُم مأمورات لَو تركوها كَانَ ذَلِك سيئات ، وَإِن كَانَ فعل مَا دونهَا حَسَنَات لغَيرهم مِمَّن لم يُؤمر بذلك "

انتهى من " جامع الرسائل " (1/ 254) .

وقال ابن الجوزي رحمه الله :

" تَعْلِيق الْأَمر بِالْمَشِيئَةِ تَسْلِيم للقدر. وَإِنَّمَا ترك سُلَيْمَان الإستثناء نِسْيَانا فَلم يسامح بِتَرْكِهِ وَهُوَ نَبِي كريم، حَتَّى أثر التّرْك فقد الْغَرَض ، ونفع قَول إِن شَاءَ الله قوما كَافِرين ، فَإِنَّهُ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة

: ( إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج يحفرون السد كل يَوْم وَيَقُولُونَ: غَدا نتمه ، فيجيئون وَقد عَاد كَمَا كَانَ ، فَإِذا أذن فِي خُرُوجهمْ قَالَ قَائِلهمْ : إِن شَاءَ الله ، فيجيئون وَهُوَ على حَاله فيفتحونه ) ، فَبَان لهَذَا مرتبَة الْمَشِيئَة .

فَإِن قَالَ قَائِل : من أَيْن لِسُلَيْمَان أَن يخلق من مَائه فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مائَة غُلَام ، لَا يجوز أَن يكون بِوَحْي لِأَنَّهُ مَا وَقع ، وَلَا يجوز أَن يكون الْأَمر فِي ذَلِك إِلَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا مَا يُريدهُ الله؟ فَالْجَوَاب :

إِنَّه من جنس التَّمَنِّي على الله ، وَالسُّؤَال لَهُ أَن يفعل، وَالْقسم عَلَيْهِ ، كَقَوْل أنس بن النَّضر: (وَالله لَا تكسر سنّ الرّبيع) غير أَنه لما خلا لَفظه من اسْتثِنَاء لم يسامح مثله بِتَرْكِهِ ، ذَلِك لِأَنَّهُ نَبِي يقْتَدى بِهِ " انتهى .

"كشف المشكل" (3/ 445-446) .

فالمقربون من أهل التقوى والصلاح ليسوا كغيرهم ، فإنهم قد لا يسامحون بترك ما لو تركه غيرهم لم يعاتبوا عليه ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

( إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي ، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) رواه مسلم (2702) .

مع أنه صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر

قَالَ القاضي عِيَاضٌ رحمه الله :

" الْمُرَادُ بِالْغَيْنِ فَتَرَاتٌ عَنِ الذِّكْرِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا فَتَرَ عَنْهُ لِأَمْرٍ مَا عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا فَاسْتَغْفَرَ عَنْهُ " انتهى
.
"فتح الباري" (11/ 101) .

ونبي الله سليمان عليه السلام دعا ربه فقال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) سورة ص/ 35 ، فملّكه الله مشارق الأرض ومغاربها

وسخر له الجن والإنس والريح ، وصار كل شيء تحت هيمنته وسلطانه بإذن الله ، فهو أعظم جاها عند الله من أفراد الصالحين الذين إذا أقسم أحدهم على الله أبره الله

ولكن الله تعالى أراد أن يؤدب نبيه حيث نسي أن يذكر مشيئة الله التي تسبق مشيئة العباد .

ومع ما أنعم الله به عليه كان حريا به صلى الله عليه وسلم أن يتذكر الاستثناء ولا ينساه ، وخاصة مع قول الملك له : ( قل إن شاء الله ) .

وهذا كما روى البخاري (122) ومسلم عن ابن عباس قال : حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟

فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ... ) ، فذكر حديثه مع الخضر .

مع أن موسى عليه السلام أفضل وأكرم على الله من الخضر ، ولكنه تأديب الله تعالى لأنبيائه وأصفياء خلقه .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 15:08
لماذا كان إلقاء المؤمن نفسه في نار الدجال مأموراً به ولا يعد انتحاراً ؟

السؤال :

ذكرتم أنه يمكن الكذب بخصوص الدين ، إذا كان المرء يخاف على نفسه ، لكن ماذا لو اختار المرء الموت ، كما فعل بعض الصالحين في الماضي كماشطة بنت فرعون التي ضحت بنفسها وأبنائها من أجل دينها ؟

وهل يُعتبر ذلك انتحاراً ؟

وسمعت بعض العلماء الثقات يقولون : إن الدجال سيحكم العالم ، وإن على المؤمن أن يفر منه إلى مدينة أخرى ، فإن كان ولا بد من المواجهة ، فليواجه وليعلم أن الدجال له نار وجنة

وأن ناره جنة ، وجنته نار، وأن على المؤمن أن يقفز في ناره كي يدخل الجنة الحقيقية .

وهنا يأتي التساؤل : أليس هذا انتحارا ، والانتحار محرم في الإسلام ؟

لقد أشرتم إلى هذا المفهوم في بعض الفتاوى ، وقلتم إن الانتحار محرم بجميع أشكاله في الإسلام ، فلماذا جاز هنا ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

يجوز للمسلم أن يظهر دينه ، ويصدع بالحق ولو أدى ذلك إلى قتله ، ولا يعدّ هذا انتحارا ؛ فالانتحار أن يباشر هو قتل نفسه

أو يتسبب في ذلك بسبب غير مشروع ؛ لكنه هنا ثبت على دينه ، وأظهر كلمة التوحيد ، وليس في هذا قتلا للنفس ، بل الكفار هم الذين باشروا قتله

والسبب الذي فعله ، وهو الثبات على دينه ، والصبر على أذى الكفار : سبب مشروع مطلوب ، إما وجوبا أو ندبا ، وليس هذا من قتل النفس في شيء .

بل هذا حاله كحال المجاهد في سبيل الله ، الذي يصبر على قتال الكفار ، إعلاء لدين الله ، كما أمره الله بذلك ، وإن كان فيه قتل نفسه ، وذهاب ماله

إلا أنه لم يباشر هو قتل نفسه ، بل هو قام بما أمره الله من العبودية المشروعة ، إما وجوبا ، وإما ندبا ، وإن ترتب على ذلك : قتل نفسه ، وذهاب ماله .

عن خَبَّاب قال : " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً ، وَهْوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ - وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً - فَقُلْتُ يا رسول الله ، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لنا ؟

فَقَعَدَ وَهْوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ فَقَالَ: ( لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ ، فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ

مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ . وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ ) . زَادَ بَيَانٌ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ . رواه البخاري (3852 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

"والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال لهم ذلك ، آمرا لهم بالصبر على أذى الكفار، وإن بلغوا بهم إلى حد القتل صبرا ، كما قتلوا المؤمنين صبرا ؛ ومدحا لمن يصبر على الإيمان حتى يقتل " .

انتهى من " قاعدة في الانغماس في العدو " ( ص 79 ) .

*عبدالرحمن*
2018-10-08, 15:08
ثانيا :

حديث الدجال المشار إليه ، هو حديث رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ : " قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو لِحُذَيْفَةَ : أَلاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ : ( إِنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إِذَا خَرَجَ مَاءً وَنَارًا

فَأَمَّا الَّتِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا النَّارُ فَمَاءٌ بَارِدٌ ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ فَنَارٌ تُحْرِقُ ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَى أَنَّهَا نَارٌ ، فَإِنَّهُ عَذْبٌ بَارِدٌ ) رواه البخاري ( 3450 ) .

ورواه مسلم (2934 ) عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ أَنَّهُ قَالَ ، فِي الدَّجَّالِ: ( إِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا . فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ ، وَمَاؤُهُ نَارٌ . فَلاَ تَهْلِكُوا ) .

فالمسلم أُمِر أن يختار نار الدجال ، لأنّ فيها نجاته ، وفي جنة الدجال الهلاك ، فلهذا كان اختيار المسلم لنار الدجال اختيارا للنجاة ، وليس هذا من الانتحار في شيء .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى
:
" وهذا كله يرجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي ، فإما أن يكون الدجال ساحرا ، فيخيل الشيء بصورة عكسه ، وإما أن يجعل الله باطن الجنة التي يسخرها الدجال نارا وباطن النار جنة ، وهذا الراجح‏‏ "

انتهى من " فتح الباري " ( 13 / 99 ) .

فتبين بذلك أن ما يتوهمه الناس نارا مهلكة مع الدجال ، فإنها ليست مهلكة للمؤمن ، بل فيها نجاته ، كما أمره الله ، وتبين أن اختيارها : هو اختيار النجاة ، وليس اختيارا للهلاك ، ولا قتلا للنفس ، كما توهم السائل .

وإذا قدر أن فيها قتلا للنفس ، فإنما هذا من باب تقديم هلاك النفس ، على ضياع الدين ، والكفر بالله ، وقد قال الله تعالى : ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) البقرة/191 ، وقال تعالى أيضا : ( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) البقرة/217 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالْحَسَنُ ، وَقَتَادَةُ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَالرَّبِيعُ ابن أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ : {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} يَقُولُ: الشِّرْكُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ " .

انتهى من " تفسير ابن كثير " (1/525).

وقال أيضا :

" { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } أَيْ: قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ، حَتَّى يَرُدُّوهُ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إِيمَانِهِ فَذَلِكَ أَكْبَرُ عند الله من القتل "

انتهى من " تفسير ابن كثير" (1/576) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَإِن كَانَ قتل النُّفُوس فِيهِ شَرّ فالفتنة الْحَاصِلَة بالْكفْر، وَظُهُور أَهله أعظم من ذَلِك فَيدْفَع أعظم الفسادين بِالْتِزَام أدناهما "

انتهى من " جامع الرسائل " (2/142) .

وقال شيخ الإسلام أيضا :

" ومن هذا الباب : الذي يُكرَهُ على الكفر فيصبر حتى يُقتَل ولا يتكلم بالكفر؛ فإن هذا بمنزلة الذي يُقاتِله العدو حتى يُقتَل ولا يستأسِر لهم ، والذي يتكلم بالكفر بلسانه [وهو] موقنٌ من قلبه بالإيمان ، بمنزلة المستأسِر للعدو.

فإن كان هو الآمر النَّاهي ابتداء ، كَان بمنزلة المجاهد ابتداء.

فإذا كان الأول أَعَزَّ الإيمان وأَذَلَّ الكفر ، كان هو الأفضل.

وقد يكون واجبًا : إذا أفضى تركه إلى زوال الإيمان من القلوب ، وغلبة الكفر عليها ، وهي الفتنة ، فإنَّ الفتنة أشدُّ من القتل ، فإذا كان بترك القتل يحصل من الكفر ما لا يحصل بالقتل

وبالقتل يحصل من الإيمان ما لا يحصل بتركه تَرَجَّح القتل : واجبًا تارةً ، ومُستحبًّا أُخرى.

وكثيرًا ما يكون ذلك تخويفًا به فيجب الصبر على ذلك"

انتهى من " جامع المسائل " (5/329) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-12, 14:01
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


شرح حديث : ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) .

السؤال:

ما المقصود بـ( يفقهه في الدين ) في الحديث المشهور ، هل المقصود الفهم في الدين بشكل عام ، سواء في العقيدة أو الفقه أو الحديث ؟

أم المقصود الفهم في الفقه بشكل خاص ؟

وهل يشترط أن يكون المسلم طالب علم ، وعنده من العلم الكثير ، حتى يشمله هذا الحديث ، أم يكفي أن يكون عنده من العلم والفهم في ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، ومن الأساسيات في كل علم شرعي ؟

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (71) ، ومسلم (1037) عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ).

والفقه في اللغة : هو الفهم ، ثم غلب إطلاقه على فهم الدين والشرع .

قال العيني رحمه الله :

" قَوْله : (يفقهه) أَي : يفهمهُ ، إِذْ الْفِقْه فِي اللُّغَة الْفَهم . قَالَ تَعَالَى : ( يفقهوا قولي ) طه/ 28 ، أَي : يفهموا قولي ، من فقه يفقه ، ثمَّ خُص بِهِ علم الشَّرِيعَة ، والعالم بِهِ يُسمى فَقِيها "

انتهى من "عمدة القاري" (2/42) ، وينظر: " فتح الباري" (1/ 161) .

فالفقه في الدين : معرفة أحكام الشريعة بأدلتها ، وفهم معاني الأمر والنهي ، والعمل بمقتضى ذلك ، فيرث به الفقيه الخشية من الله تعالى ومراقبته في السر والعلن .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الْفِقْهُ فِي الدِّينِ : فَهْمُ مَعَانِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، لِيَسْتَبْصِرَ الْإِنْسَانُ فِي دِينِه ِ، أَلَا تَرَى قَوْله تَعَالَى : ( لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) التوبة/ 122 .

فَقَرَنَ الْإِنْذَارَ بِالْفِقْهِ ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ مَا وَزَعَ عَنْ مُحَرَّمٍ ، أَوْ دَعَا إلَى وَاجِبٍ ، وَخَوَّفَ النُّفُوسَ مَوَاقِعَهُ ، الْمَحْظُورَةَ "
.
انتهى من"الفتاوى الكبرى" (6/ 171)

وينظر : "مجموع الفتاوى" (20/ 212) .

وقال النووي رحمه الله :

" فِيهِ فَضِيلَةُ الْعِلْمِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالْحَثِّ عَلَيْهِ ؛ وَسَبَبُهُ : أَنَّهُ قَائِدٌ إِلَى تَقْوَى اللَّهُ تَعَالَى ".

انتهى من " شرح النووي على مسلم " (7/ 128) .

فتحصل من ذلك : أن الفقه في الدين هو : فهم مراد الله من عباده ، سواء كان مراده تصديقا لخبر ، أو عملا بأمر ، أو انتهاء عن نهي ، وليس فهم العلم فحسب

بل الفهم الحامل لصاحبه على الامتثال ، ثم الناس يتفاوتون في ذلك ، علما وعملا وحالا ؛ فمن مقل ومستكثر ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" كُلُّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا لَا بُدَّ أَنْ يُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ ، فَمَنْ لَمْ يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين ِ، لَمْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا

وَالدِّينُ : مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ ؛ وَهُوَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ ، وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُصَدِّقَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ ، وَيُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَ ، تَصْدِيقًا عَامًّا ، وَطَاعَةً عَامَّةً ".

انتهى من " مجموع الفتاوى " (28/ 80).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" هذا الحديث العظيم يدلنا على فضل الفقه في الدين.

والفقه في الدين هو : الفقه في كتاب الله عز وجل ، والفقه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الفقه في الإسلام من جهة أصل الشريعة ، ومن جهة أحكام الله التي أمرنا بها

ومن جهة ما نهانا عنه سبحانه وتعالى ، ومن جهة البصيرة بما يجب على العبد من حق الله وحق عباده ، ومن جهة خشية الله وتعظيمه ومراقبته

فإن رأس العلم خشية الله سبحانه وتعالى ، وتعظيم حرماته ، ومراقبته عز وجل فيما يأتي العبد ويذر ، فمن فقد خشية الله ، ومراقبته فلا قيمة لعلمه ، إنما العلم النافع .

والفقه في الدين الذي هو علامة السعادة ، هو العلم الذي يؤثر في صاحبه خشية الله ، ويورثه تعظيم حرمات الله ومراقبته ، ويدفعه إلى أداء فرائض الله وإلى ترك محارم الله ، وإلى الدعوة إلى الله عز وجل

وبيان شرعه لعباده .

فمن رزق الفقه في الدين على هذا الوجه : فذلك هو الدليل والعلامة على أن الله أراد به خيرا ، ومن حرم ذلك ، وصار مع الجهلة والضالين عن السبيل

المعرضين عن الفقه في الدين ، وعن تعلم ما أوجب الله عليه ، وعن البصيرة فيما حرم الله عليه : فذلك من الدلائل على أن الله لم يرد به خيرا .

فمن شأن المؤمن طلب العلم والتفقه في الدين ، والتبصر ، والعناية بكتاب الله والإقبال عليه وتدبره ، والاستفادة منه والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتفقه فيها

والعمل بها ، وحفظ ما تيسر منها ، فمن أعرض عن هذين الأصلين ، وغفل عنهما : فذلك دليل وعلامة على أن الله سبحانه لم يرد به خيرا ، وذلك علامة الهلاك والدمار ، وعلامة فساد القلب وانحرافه عن الهدى " .

انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (9/ 129-130).

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-12, 14:04
لماذا كانت الملائكة تستحي من عثمان رضي الله عنه ؟

السؤال:

لماذا كانت الملائكة تستحي من عثمان رضي الله عنه ؟

وماذا عمل حتى بلغ تلك المرتبة ؟

الجواب :

الحمد لله

كان عثمان رضي الله عنه من أحسن الناس خُلقاً ، وأشدهم حياءً ، فروى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي : أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ : عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً : عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ...) . وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

ولعله لأجل عِظَم هذه الخصلة الحميدة ، التي لا تأتي إلا بخير، كانت الملائكة تستحيي منه ، ما لا تستحيي من غيره .
روى مسلم (2401) عن عَائِشَةَ، قَالَتْ :

" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي ، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ ، أَوْ سَاقَيْهِ ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ ، فَأَذِنَ لَهُ ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، فَتَحَدَّثَ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ

فَأَذِنَ لَهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَتَحَدَّثَ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ

فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ : دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ ؟!

فَقَالَ: ( أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ ) ؟! " .

وفي لفظ له (2402) : ( إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ ، وَإِنِّي خَشِيتُ ، إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، أَنْ لَا يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ ) .
فهذا استحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم منه رضي الله عنه .

وروى الطبراني في "المعجم الأوسط" (8601) عَنْ عَائِشَةَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ عُثْمَانَ حَيِيٌّ سَتِيرٌ، تَسْتَحْييِ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ ) .

وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2106) .

وقد روى أحمد (543) عن سَالِم أَبي جُمَيْعٍ قال : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ، وَذَكَرَ عُثْمَانَ وَشِدَّةَ حَيَائِهِ ، فَقَالَ : " إِنْ كَانَ لَيَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ ، فَمَا يَضَعُ عَنْهُ الثَّوْبَ لِيُفِيضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ، يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ " .

قال الهيثمي في "المجمع" (9/82) : " رجاله ثقات " .

قال المناوي رحمه الله

: " كان يستحي حتى من حلائله ، وفي خلوته ، ولشدة حيائه كانت تستحي منه ملائكة الرحمن "

انتهى من " فيض القدير" (1/ 459) .

راجع جواب السؤال القادم لمعرفة خلق الحياء وصوره وآثاره .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-12, 14:09
الحياء من الله تعالى ، صُوَره ، وأنواعه ، وآثاره

السؤال:

كيف - يا شيخ - أستحي من الله ؟

فالله يراني في الخلاء ، وعند قضاء الحاجة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : إنه يجب علينا أن نستحي من الله كما نستحي من الرجل الصالح منا ، فمَن أستحي منه مِن البشر لا أريده أن يراني على هذه الأوضاع التي ذكرتها سابقاً

فأخجل منه مِن أن يطلع على عورتي ويراني كذلك ، ولكن هذا يستحيل مع الله ، فكيف أستحي من الله ؟

وهل لهذا الحياء ثواب عند الله ؟

الجواب:

الحمد لله

سؤالك أخي الفاضل في محله ، وهو يدل على انتباه ، ونباهة ، فنسأل الله أن يزيدك هدى وتوفيقاً ، وأن تكون من حملة العلم والدعاة إلى الله .

وجواباً عليه نقول :

1. الحياء لغةً مصدر حيي ، وهو : تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذمّ ، وفي الشّرع : خلق يبعث على اجتناب القبيح من الأفعال والأقوال ، ويمنع من التّقصير في حقّ ذي الحق .

" الموسوعة الفقهية " ( 18 / 259 ) .

2. الحديث الذي ورد في سؤالك هو :

عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي ، قَالَ : أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ .

رواه الإمام أحمد في " الزهد " ( 46 ) ، والبيهقي في " شعب الأيمان " ( 6 / 145 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 7738 ) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " ( 741 ) .

قال المناوي – رحمه الله - :

( أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك ) قال ابن جرير : هذا أبلغ موعظة وأبْين دلالة بأوجز إيجاز ، وأوضح بيان ، إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح

وذوي الهيئات والفضل ؛ أن يراه وهو فاعله ، والله مطلع على جميع أفعال خلقه ، فالعبد إذا استحى من ربه

استحياءه من رجل صالح من قومه : تجنَّب جميع المعاصي الظاهرة ، والباطنة ، فيا لها مِن وصية ، ما أبلغها ، وموعظة ما أجمعها " انتهى .

" فيض القدير " ( 3 / 74 ) .

ولذلك قال بعض السلف : خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه على قدر قربه منك !!

قال الراغب الأصفهاني ـ رحمه الله ـ :

( حق الإنسان إذا همَّ بقبيح أن يتصور أجل من في نفسه حتى كأنه يراه ، فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه ، ولذلك لا يستحي من الحيوان ، ولا من الأطفال

ولا من الذين لا يميزون ، ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل ، ومن الجماعة أكثر ما يستحي من الواحد .

والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة : البشر ، وهم أكثر من يستحي منه ، ثم نفسه ، ثم الله تعالى ، ومن استحى من الناس ولم يستحي من نفسه : فنفْسه عنده أخس من غيره

ومن استحى منها ولم يستح من الله : فلعدم معرفته بالله ، فالإنسان يستحيي ممن يعظمه ، ويعلم أنه يراه أو يسمع نجواه ، فيبكته ؛ ومن لا يعرف الله فكيف يعظمه، وكيف يعلم أنه مطلع عليه ؟"

انتهى . "الذريعة إلى مكارم الشريعة" ص (289) .

3. وما ذكرتَه أخي الفاضل ليس له دخل بالحياء في أصل صورته ؛ لأنه لا قضاء للحاجة ، ولا جماع ، ولا اغتسال إلا بكشف عورة

وهذا أمرٌ معلوم ، لكن قد يفعل ذلك بعض من نزع الحياء من قلبه ، فتراه يتمشى في البيت وهو عريان ! أو يعبث بعورته أثناء قضائه لحاجته

أو تراه يغتسل ولا يبالي بمن يراه من الناس ، وهكذا تختلف صور أولئك الذين يقضون حاجتهم ، أو يغتسلون بحسب ما في قلوبهم من الحياء .

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟

قَالَ : احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ

قَالَ : إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِياً ، قَالَ : اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ .

رواه الترمذي ( 2794 ) وأبو داود ( 4017 ) وابن ماجه ( 1920 ) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .

وقوله في الحديث : ( فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ ) " أَيْ : فَاستتر [ يعني : مما أمر الله بالاستتار منه ] ، طَاعَة لَهُ وَطَلَبًا لِمَا يُحِبّهُ مِنْك وَيُرْضِيه ؛ وَلَيْسَ الْمُرَاد فَاسْتَتِرْ مِنْهُ ؛ إِذْ لَا يُمْكِن الِاسْتِتَار مِنْهُ جَلَّ ذِكْرُهُ وَثَنَاؤُهُ "

قاله السندي في حاشية ابن ماجة .

وقد سئل ابن عباس ، رضي الله عنهما ، عن قول الله عز وجل : ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) هود/5

فَقَالَ : ( أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ ) . رواه البخاري (4681) .

يعني : أنهم كانوا يكرهون أَنْ يَقْضُوا الْحَاجَة فِي الْخَلَاء وَهُمْ عُرَاة .

كان الصدِّيق يقول : استحيوا من الله ؛ فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياءً من ربي عز وجل !!

وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم لا يقيم صلبه حياء من الله عز وجل .

" فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 52 ) .

ولكن هذا قدر زائد ، ومكرُمة عالية ، لا يؤمر بها كل الناس ، والإخلال بمثل هذا المقام ، لا يخل بأدب ولا دين ، مادام المرء قد حفظ عورته ، كما أمره نبيه صلى الله عليه وسلم

وأعطى الحياء حقه ؛ فلم يقدم على قبيح في الشرع ، ولا مرذول في الأدب والأخلاق .

وللفائدة :

ففي المسألة حديث مشهور ، لكنه ضعيف ، ينهى عن التعري عند قضاء الحاجة ، وعند الجماع ، وهو : ( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ ؛ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ

وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ ) رواه الترمذي ( 2800 ) ، وفيه ليث بن أبي سليم ، وكان قد اختلط ، وضعفه الألباني في " إرواء الغليل " ( 64 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-10-12, 14:14
هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتابا بيده ؟

السؤال :

كان النبي صلى الله عليه وسلم أمياً لا يكتب ، ولذلك كان له خاتم يلبسه ويختم به مراسلاته ، ولكن كيف يمكن التوفيق بين ذلك وبين ما جاء في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنه قال :

" يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء ، فقال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال : ( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ) ، فتنازعوا

ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ) ، وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب

وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، ونسيت الثالثة " قال يعقوب بن محمد : سألت المغيرة بن عبد الرحمن ، عن جزيرة العرب ، فقال : " مكة والمدينة واليمامة واليمن " ، وقال يعقوب ، والعرج : أول تهامة" (4.228)

وكتابة الرسول صلى الله عليه وسلم لعقد زواجه على عائشة رضي الله عنها (صحيح البخاري 7.88) ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم ليس لأنه أمي لا يكتب ؛ ولكن ليختم كتبه ورسائله التي كان يرسل بها إلى ملوك الأرض ، وقد كانت عادتهم في ذلك الوقت أن لا يقبلوا كتابا إلا مختوما من صاحبه .

روى البخاري (2938) عن أنس رضي الله عنه قال : " لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ ، قِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " .

ثانيا :

كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسولا أميا ، لا يقرأ ولا يكتب ؛ كما وصفه ربه عز وجل بقوله : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف/ 158.

وقال تعالى : (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت/ 48 .

فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ كتابا أو يكتب شيئا قبل نزول الوحي .

وقد اختلف أهل العلم : هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم القراءة والكتابة بعد نزول الوحي أم لا ؟

فذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه كتب صلى الله عليه وسلم ، يوم الحديبية وغيره ؛ فقد روى البخاري (4251) في خبر الحديبية

: (... فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ... ) .
وكذلك الحديث الذي رواه البخاري (3053) ، ومسلم (1637) وهو الحديث الذي ذكره السائل في سؤاله .

وأكثر العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم ما قرأ ولا كتب شيئا حتى مات .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وَهَكَذَا كَانَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَخُطُّ سَطْرًا وَلَا حَرْفًا بِيَدِهِ ، بَلْ كَانَ لَهُ كُتَّابٌ يَكْتُبُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْوَحْيَ وَالرَّسَائِلَ إِلَى الْأَقَالِيمِ

وَمَنْ زَعَمَ مِنْ مُتَأَخَّرِي الْفُقَهَاءِ ، كَالْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَتَبَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ : "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" فَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: (ثُمَّ أَخَذَ فَكَتَبَ):

وَهَذِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: ( ثُمَّ أَمَرَ فَكَتَبَ) ، وَلِهَذَا اشْتَدَّ النَّكِيرُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ على من قال بقول الباجي، وتبرؤوا مِنْهُ ، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا وَخَطَبُوا بِهِ فِي مَحَافِلِهِمْ :

وَإِنَّمَا أَرَادَ الرَّجُلُ -أَعْنِي الْبَاجِيَّ، فِيمَا يَظْهَرُ عَنْهُ -أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُعْجِزَةِ ، لَا أَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ ، وَمَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى تَعَلَّمَ الْكِتَابَةَ ، فَضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ " .

انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 285-286) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَقَدْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ - يعني رواية يوم الحديبية - أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فَادَّعَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ بِيَدِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ يَكْتُبُ

فَشَنَّعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأَنْدَلُسِ فِي زَمَانِهِ وَأَنَّ الَّذِي قَالَه مُخَالف الْقُرْآنَ ... وَذكر ابن دِحْيَةَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ وَافَقُوا الْبَاجِيَّ فِي ذَلِكَ ، وَاحْتج بَعضهم لذَلِك بأحاديث

وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عنها بضعفها، وَعَنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَالْكَاتِبُ فِيهَا عَلِيٌّ ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بِأَنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي كَتَبَ ، فمعنى (كتب) أي : ( أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ ) ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .

انتهى باختصار من "فتح الباري" (7/ 503-504) .

فالراجح - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب ولم يقرأ حتى مات ، وما ورد من كونه كتب - كما في حديث الحديبية - ، فإنما معناه : أمر عليا رضي الله عنه أن يكتب .

وعلى ذلك فقوله في حديث ابن عباس : ( ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا) إنما يعني : آمر من يكتب لكم ، لا أنه صلى الله عليه وسلم كان سيكتب بنفسه

وخاصة أنه في مرض الموت ، وقد أصابه من التعب والضعف ما أصابه ، فالمناسب - ولو كان يحسن الكتابة - أن يأمر أحدا ممن بحضرته أن يكتب .

ثالثا :

قول السائل :

" وكتابة الرسول صلى الله عليه وسلم لعقد زواجه على عائشة رضي الله عنها " غير صحيح ؛ فلم تكن العقود تكتب وتوثق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

وكتابة عقد النكاح وتوثيقه إنما يقصد به ضمان الحقوق ، وليست كتابة العقد ركنا من أركان النكاح أو شرطا في صحته .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-12, 14:20
معنى قول أَنَس بْن مَالِكٍ : ( أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَحْيَ قَبْلَ وَفَاتِهِ، حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيُ ) ؟

السؤال:

قال أنس رضي الله عنه : إن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله قبل وفاته ، حتى توفي وأكثر ما كان يوحي يوم توفي الرسول صلى الله عليه وسلم . هل يمكن أن تشرحوا لي هذا الحديث

لأنه يضع العديد من التساؤلات ، أي : ما هو الوحي الذي أنزل على سيدنا محمد يوم وفاته ؟

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (4982) ومسلم (3016) عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَحْيَ قَبْلَ وَفَاتِهِ ، حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيُ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْله : ( إِنَّ اللَّه تَابَعَ عَلَى رَسُوله الْوَحْي قَبْل وَفَاته ) أَيْ أَكْثَرَ إِنْزَاله قُرْب وَفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالسِّرّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوُفُود بَعْد فَتْح مَكَّة كَثُرُوا وَكَثُرَ سُؤَالهمْ عَنْ الْأَحْكَام فَكَثُرَ النُّزُول بِسَبَبِ ذَلِكَ .

قَوْله : ( حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَر مَا كَانَ الْوَحْي ) أَيْ الزَّمَان الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ وَفَاته ، كَانَ نُزُول الْوَحْي فِيهِ أَكْثَر مِنْ غَيْره مِنْ الْأَزْمِنَة .

قَوْله : ( ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ) فِيهِ إِظْهَار مَا تَضَمَّنَتْهُ الْغَايَة فِي قَوْله " حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّه " وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ أَخِيرًا عَلَى خِلَاف مَا وَقَعَ أَوَّلًا , فَإِنَّ الْوَحْي فِي أَوَّل الْبَعْثَة فَتَرَ فَتْرَة ثُمَّ كَثُرَ

, وَفِي أَثْنَاء النُّزُول بِمَكَّة لَمْ يَنْزِل مِنْ السُّوَر الطِّوَال إِلَّا الْقَلِيل , أمَّا بَعْد الْهِجْرَة فنَزَلَتْ السُّوَر الطِّوَال الْمُشْتَمِلَة عَلَى غَالِب الْأَحْكَام , إِلَّا أَنَّهُ كَانَ الزَّمَن الْأَخِير مِنْ الْحَيَاة النَّبَوِيَّة ، أَكْثَر الْأَزْمِنَة نُزُولًا بِالسَّبَبِ الْمُتَقَدِّم "

انتهى من " فتح الباري " .

وقال ابن علان رحمه الله :

" ( إِنَّ اللَّه تَابَعَ عَلَى رَسُوله الْوَحْي قَبْل وَفَاته ) ؛ وذلك لتكمل الشريعة ، ولا يبقى مما يوحي إليه به شيء .
( حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَر مَا كَانَ الْوَحْي )

أي : وقت أكثريته ، ولما تكامل ما أريد إنزاله للعالم ، مما به انتظام معاشهم ومعادهم ، قال تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم ) فتوفي بعده بأشهر "

انتهى مختصرا من " دليل الفالحين" (2/346)

ولذلك قال أبو ذر رضي الله عنه : " تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما "

قال : فقال صلى الله عليه وسلم : ( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم ) رواه الطبراني في الكبير (1647) ، وصححه الألباني في الصحيحة (1803) .

وليس المراد بالوحي هنا : خصوص القرآن ، بل المراد به كل ما أوحى الله به إلى نبيه من أمر الدين ، ولو كان قد أخبرنا بذلك في سنته ، ولم ينزل بخصوصه قرآن .

راجع للفائدة إجابة السؤال القادم

وليس المراد ـ أيضا ـ بقول أنس رضي الله عنه : ( حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيُ ..) : الخبر عن يوم وفاته صلى الله عليه وسلم خاصة ، كما فهم السائل

بل المراد بذلك الزمان الذي توفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو آخر عمره الشريف ، وقد يكون ذلك سنة ، أو أكثر شيئا ما ، أو أقل ، فكل ذلك يصح أنه آخر عمره ، وزمان وفاته

ولهذا قال : ( ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ ) .

وقد كان عام تسع من الهجرة يسمى بعام الوفود ، فوفد كثير من قبائل العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كوفد ثقيف ووفد بني تميم ووفد نجران ، ودخل الناس في دين الله أفواجا

قال ابن كثير رحمه الله :

" وَفِي سنة تسع كَانَ قَدُومُ عَامَّةِ وُفُودِ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى سَنَةُ تِسْعٍ سَنَةَ الْوُفُودِ "

انتهى من "البداية والنهاية" (7/231)

وينظر : "حدائق الأنوار " للحضرمي (ص/365) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-12, 15:42
: أنواع الوحي وصوره ، وأثرها على النبي ، ورد على ادعاء إصابته بالصرع

السؤال

المناصرون للمسيحية يقولون : إن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كان يهدر مثل الجمل ، ويحنق عند فمه ، ويتمدد على الأرض عندما يأتيه الوحي ، فهل هذا صحيح ؟

وهم يقولون أيضا - كما قال أحمد بن حنبل – ( كان النبي يتوجع ويعض على شفتيه ويغلق عينيه ، وفي بعض الأوقات كان يهدر مثل الجمل ) - أحمد بن حنبل 1 ، 34 ، 464 ، الفصل 163 )

-. ولكن الأمر الخطير أنهم يقولون : إن محمداً كان به صرع ! . فهل يمكنكم أن تردوا على هذا الأمر بسرعة ؟ فأنا بحاجة إلى إجابتكم . جزاكم الله خيراً .

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

إن مزاعم الكذبة والمفترين على ديننا وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا تنتهي ، فمنذ أن بُعث النبي صلى الله عليه وسلم للناس بدأت الحرب على النبي صلى الله عليه وسلم فاتُّهم بأنه ساحر

وأنه مجنون ، وليس هذا ببدع في الاتهامات ، فقد نال إخوانه الرسل من قبل مثل هذا ، ولم يتآمر المبطلون على إطلاق هذه الاتهامات ، بل كان اتفاقهم فيها ناشئا عن طغيانهم

قال تعالى ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ) الذاريات/ 52 ، 53 .

ثانياً:

تعددت طرق الوحي التي كان يوحي بها الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنها :

1. تكليم الله تعالى مباشرة من وراء حجاب ، يقظة كما حصل ليلة المعراج ، ومناماً كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ -

أي : في المنام - فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى ؟ قُلْتُ : رَبِّ لَا أَدْرِي ... ) رواه الترمذي ( 3234 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

2. النفث في الرُّوع .

وهو ما يقذفه الله في قلب الموحَى إليه مما أراد الله تعالى ، وهو داخل في " الوحي "

المذكور في قوله تعالى ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الشورى/ 51 .

وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي أَنّه لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ وَلاَ يَحْمِلَنّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَن تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللهِ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ ) .

رواه الحاكم في " المستدرك " ( 2 / 4 ) من حديث أبي أمامة ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 2085 ) .

قال المناوي – رحمه الله - :

( في رُوعِي ) بضم الراء ، أي : ألقى الوحي في خلَدي وبالي ، أو في نفسي ، أو قلبي ، أو عقلي ، من غير أن أسمعه ولا أراه .

" فيض القدير " ( 2 / 571 ) .

3. الرؤيا الصادقة .

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ .

رواه البخاري .

وقال عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ – وهو من كبار التابعين - : " رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) " .
رواه البخاري ( 138 ) .

4. عن طريق جبريل عليه السلام ، وكان يأتيه على صور ، منها :

أ. أن يأتيه على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها .

عن مسروق أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى ( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) التكوير/ 23

وقوله ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ) النجم/ 13 ، 14 :

فَقَالَتْ : أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ( إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ) .

رواه مسلم ( 177 ) .

ب. أن يأتيه في مثل صلصلة الجرس .

عن عائشة رضي الله عنها : أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ ) .

رواه البخاري ( 2 ) ومسلم ( 2333 )

قال البغوي – رحمه الله - :

قوله ( يأتيني في مثل صلصلة الجرس ) فالصلصلة : صوت الحديد إذا حرك ، قال أبو سليمان الخطابي : يريد - والله أعلم - أنه صوت متدارِك يسمعه ولا يثبته عند أول ما يقرع سمعه حتى يتفهم

ويستثبت ، فيتلقفه حينئذٍ ويعيه ، ولذلك قال : وهو أشده عليَّ .

" شرح السنَّة " ( 13 / 322 ) .

*عبدالرحمن*
2018-10-12, 15:42
وقال أبو العباس القرطبي – رحمه الله - :

وقوله ( وهو أشده عليَّ ) إنما كان أشد عليه لسماعه صوت الملك الذي هو غير معتاد ، وربما كان شاهَدَ الملَك على صورته التي خُلق عليها

كما أخبر بذلك عن نفسه في غير هذا الموضع ، وكان يشتد عليه أيضاً ؛ لأنه كان يريد أن يحفظه ويفهمه مع كونه صوتا متتابعا مزعجاً ، ولذلك كان يتغير لونه

ويتفصد عرقه ، ويعتريه مثل حال المحموم ، ولولا أن الله تعالى قواه على ذلك ، ومكَّنه منه بقدرته : لما استطاع شيئا من ذلك ، ولهلك عند مشافهة الملك ؛ إذ ليس في قوى البشر المعتادة تحمل ذلك بوجه .

" المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم " ( 6 / 172 ) .

وقال المباركفوري – رحمه الله - :

( وهو أشده علي ) أي : هذا القسم من الوحي أشد أقسامه على فهم المقصود ؛ لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة ، أشكلُ من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود

وفائدة هذه الشدة : ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات .

" تحفة الأحوذي " ( 10 / 79 ) .

ج. أن يتمثل له رجلاً ، قد يُرى من الصحابة ، كما في حديث جبريل المشهور ، وقد تمثل للنبي صلى الله عليه وسلم بصورة الرجل الغريب ، فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان .

وقد لا يُرى منهم ، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها : أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ... وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ ) .

رواه البخاري ( 2 ) ومسلم ( 2333 ) .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعاني من التنزيل عليه بالوحي ، ويظهر ذلك بالعرق الذي كان يسيل من جبهته وجبينه في اليوم الشديد البرد

إلا أن بعض صور الوحي كانت عليه يسيرة كتشكل جبريل بصورة رجل ، إلا أن أشدَّها عليه صلى الله عليه وسلم كانت مجيئ الوحي على مثل صلصلة الجرس – كما سيأتي - .

وكانت تحصل مع النبي صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه أحوال ، يراها ويسمعها ويشعر بها من حوله من أصحابه رضي الله عنهم ، وفي بعضها معاناة شديدة ، ومن ذلك :

1. أنهم كانوا يسمعون عند وجهه دويّاً كدويّ النحل .

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل " .

رواه الترمذى ( 3173 ) .

ويمكن أن يكون صوت دوي النحل باعتبار ما يسمعه من حول النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما هو صلى الله عليه وسلم فيسمعه كصلصلة الجرس .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

فدوي النحل لا يعارض صلصلة الجرس ؛ لأن سماع الدوي بالنسبة إلى الحاضرين - كما في حديث عمر " يُسمع عنده كدوي النحل " - والصلصلة بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فشبهه عمر بدوي النحل بالنسبة إلى السامعين ، وشبهه هو صلى الله عليه وسلم بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه .
"

فتح الباري " ( 1 / 19 ) .

2. أن جبينه وجبهته تفيضان بالعَرَق حتى في اليوم الشديد البرد .

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا " .
رواه البخاري ( 2 ) ومسلم ( 2333 ) ولفظه : " ثُمَّ تَفِيضُ جَبْهَتُهُ عَرَقًا " .

( يفصم ) : ينقطع .

( يتفصد ) : يسيل .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

وفي قولها في اليوم الشديد البرد دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي لما فيه من مخالفة العادة وهو كثرة العرق في شدة البرد ، فإنه يشعر بوجود أمر طارئ زائد على الطباع البشرية .

" فتح الباري " ( 1 / 21 ) .

وعن عائشة – في حديث البراءة من الإفك – قالت :

حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِى الْيَوْمِ الشَّاتِ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الذي أُنْزِلَ عَلَيْهِ .

رواه مسلم ( 2770 ) .

( الجمان ) هو حب من فضة يعمل على شكل اللؤلؤ ، وقد يسمى به اللؤلؤ .

3. أنه يثقل وزنه صلى الله عليه وسلم جدّاً حتى إن البعير الذي يكون عليه يكاد يبرك ، وحتى خشي زيد بن ثابت على فخذه أن ترضَّ وقد كانت فخذه رضي الله عنه تحت فخذ النبي صلى الله عليه وسلم .

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : " إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا " .
رواه أحمد ( 41 / 362 ) وصححه المحققون .

زاد البيهقي في " دلائل النبوة " ( 7 / 53 ) قولها " مِن ثقل ما يوحي إلى رسول الله " .

الجِران : باطن عنق الناقة .

قال السندي – رحمه الله - :

قوله ( فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا ) - بكسر الجيم - : باطن العنق ، والبعير إذا استراح مدَّ عنقه على الأرض .

حاشية " مسند أحمد " ( 41 / 362 ) .

وعن زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قال

: " ... فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي " .

رواه البخاري ( 2677 ).

*عبدالرحمن*
2018-10-12, 15:43
4. وكان تصيبه الشدة .

وعن عائشة – في حديث البراءة من الإفك –

قالت : فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ .

رواه مسلم ( 2770 ) .

قال بدر الدين العيني – رحمه الله - :

( البُرَحاء ) بضم الباء الموحدة وفتح الراء وبالحاء المهملة الممدودة ، وهو شدة الكرب ، وشدة الحمَّى أيضاً .

" عمدة القاري " ( 1 / 43 ) .

5. وكان يتغير وجهه صلى الله عليه وسلم فيتربَّد ثم يحمرُّ .

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : " كَانَ نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوحي كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ " .

رواه مسلم ( 2334 ) .

قال النووي – رحمه الله - :

( وتربَّد وجهُه ) أي : علته غبرة ، والربد تغير البياض إلى السواد ، وإنما حصل له ذلك لعظم موقع الوحي ، قال الله تعالى ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلاً ) .

" شرح مسلم " ( 11 / 190 ) .

وفي ( 15 / 89 ) قال :

ومعنى تربد أي تغير وصار كلون الرماد .
انتهى

وقد وصف الصحابي الجليل يعلى بن أمية وجه النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي عليه بقوله " فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ

فَقَالَ ( أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْ الْعُمْرَةِ آنِفًا ) ، كما رواه رواه البخاري ( 1463 ) ومسلم ( 1180 ) .

وقد جمع بينهما النووي رحمه الله فقال :

وجوابه : أنها حمرة كدرة ، وهذا معنى " التربد " ، أو : أنه في أوله يتربد ثم يحمر ، أو بالعكس .

" شرح مسلم " ( 15 / 89 ) .

6. وكان صلى الله عليه وسلم ينكس رأسه ، ويغطيه بثوب .

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : " كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ نَكَسَ رَأْسَهُ وَنَكَسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ فَلَمَّا أُتْلِىَ عَنْهُ رَفَعَ رَأْسَهُ ) .

رواه مسلم ( 2335 ) .

أتلى : ارتفع عنه الوحى

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : " ... وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَرَفْنَا ذَلِكَ فِيهِ فَتَنَحَّى مُنْتَبِذًا خَلْفَنَا

قَالَ فَجَعَلَ يُغَطِّي رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ وَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى عَرَفْنَا أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَتَانَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) .

رواه أحمد ( 7 / 426 ، 427 ) وحسنه المحققون .

7. كان صلى الله عليه وسلم يحرِّك لسانه بسرعة وشدة ليحفظ عن جبريل حتى نهاه الله عن ذلك وطمأنه أنه سيجمع القرآن له في صدره .

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ

فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) قَالَ : جَمْعُهُ لَه فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ )

قَالَ : فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ .

رواه البخاري ( 5 ) ومسلم ( 448 ) .

ورواه مسلم ( 447 ) بلفظ : " يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْهُ " .

قال ابن الجوزي – رحمه الله - :

تفسير هذا أنه كان يحرك شفتيه بما قد سمعه من جبريل قبل إتمام جبريل الوحي مخافة أن يذهب عنه جبريل وما حفظ فقيل له ( لا تحرك به ) أي القرآن ( لسانك لتعجل به )

أي بأخذه ( إن علينا جمعه وقرآنه ) أي علينا جمعه وضمه في صدرك ( فإذا قرأناه ) أي إذا فرغ جبريل من قراءته ( فاتبع قرآنه ) قال ابن عباس فاستمع وأنصت .

" كشف المشكل من حديث الصحيحين " ( 1 / 528 ) .

8. وكان يُسمع له غطيط كغطيط البَكر ، وهو الفتي من الإبل .

عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال : " وددت أنى قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي فقال عمر : تعال

أيسرك أن تنظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله عليه الوحي ؟ قلت : نعم ، فرفع طرف الثوب ، فنظرت إليه له غطيط ، وأحسبه قال : كغطيط البَكر .

رواه البخارى ( 1789 ) ومسلم ( 1180 ) .

ثالثاً:

وكل ما أصاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم من كربٍ وشدَّة لا شك أنه بسبب ثقل الوحي الذي أخبره الله تعالى به قبل إنزاله عليه ، وقد هيَّأه تعالى لذلك التلقي .

قال أبو شامة المقدسي – رحمه الله - :

وهذا العرق الذي كان يغشاه صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث ، واحمرار الوجه ، والغطيط ، المذكوران في حديث يعلى بن أمية ، وثقله على الراحلة ، وعلى فخذ زيد بن ثابت كما ورد في حديثين آخرين

: إنما كانت لثقل الوحي عليه كما أخبره سبحانه في ابتداء أمره بقوله ( إنِّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) ، وذلك لضعف القوة البشرية عن تحمل مثل ذلك الوارد العظيم من ذلك الجناب الجليل

وللوجل من توقع تقصير فيما يخاطب به من قول أو فعل .

قال ابن إسحاق : " وللنبوة أثقال ومؤنة لا يحملهما ولا يستطيع لها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله عز وجل " .
" شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى " ( ص 73 ، 74 ) .

*عبدالرحمن*
2018-10-12, 15:44
رابعاً:

لم يثبت فيما وقفنا عليه من أحاديث أنه كان صلى الله عليه وسلم : يحنق عند فمه ، ولا أنه يتمدد على الأرض عندما يأتيه الوحي ، ولا أنه كان يعض على شفتيه ، ولا أنه يغلق عينيه .

ويمكن لمن شاء أن يقول ما يشاء ، لكن ليس يستطيع أن يثبت ما يقول إلا القليل ، وها نحن أوردنا جميع ما وقفنا عليه من حالٍ للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي عليه .

وبخصوص قول الصحابي إنه كان يُسمع للنبي صلى الله عليه وسلم غطيط كغطيط البَكر : فلنا معه وقفات :

1. أن الواصف لهذا الصوت هو محب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وليس بمبغض له ، ولو كان فيه إساءة له صلى الله عليه وسلم فما يحمله على إخبار الأرض به ؟!

ولو كان في ذلك أدنى منقصة أو مذمة لتكلمت بها العرب ، ولذموا صاحبهم بذلك ، وهيهات !!

2. أن التشبيه بالإبل في أصواتها وهيئاتها وبروكها وتحملها وحقدها وغير ذلك : أمرٌ معروف عند العرب قديماً وحديثاً ، وليس فيه ما يعيب ؛ لأن المقصود ضرب المثل ، وتقريب الصورة

وأكثر ما يرونه ويعرفونه هو الإبل ، فكان التشبيه بها لمناسبة حال المتكلم والسامع .

خامساً:

وأما اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يصيبه الصرع ، وأنه ليس ثمة وحي من الله إنما هي أعراض مرض الصرع : فكلام ساقط ، يغني نقله عن نقده

لكن لا مانع أن نبين للناس فساده لأجل أن يعلموا أن أولئك القوم إنما يسوِّقون الأكاذيب لنشر دينهم ، وليس عندهم في دينهم ما يدعو الناس للدخول فيه ، إنما هي الوثنية

والأكاذيب ، واستغلال حاجة الناس وفقرهم ، وقد ساءهم أن الدين الإسلامي برغم كل المؤامرات عليه من أهله ومن أعدائه لا يزال هو الدين الأسرع والأكثر انتشاراً في الأرض .

ومما يبين فساد ادعائهم أن النبي صلى الله عليه وسلم مصاب بداء الصرع وأن ما كان يعانيه من الشدة والأحوال التي ذكرناه سابقاً ليست بسبب الوحي من الله ، أمور كثيرة ، منها :

1. أن الصرع كان معروفاً عند العرب ، وكانوا يميزون المصروعين من غيرهم ، فلو رأوا آثار الصرع عليه صلى الله عليه وسلم لما وفَّروا تلك التهمة .

2. بل إن الذين كانوا يبتلون بداء الصرع – بل بعموم الأمراض حتى لو كان مرض العمى – كانوا يأتون للنبي صلى الله عليه وسلم ليدعوَ الله لهم أن يشفيهم من مرضهم ذاك

فكيف لا يدعو لنفسه ويدعو للآخرين وهو يعلم من نفسه منزلته عند ربِّه وأن دعاءه مظنة الاستجابة ؟.

ومما يدل على كلا المسألتين السابقتين :

عن عَطَاء بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ :

إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ ( إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ ) قَالَتْ : أَصْبِرُ ، قَالَتْ : فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا .

رواه البخاري ( 5328 ) ومسلم ( 2576 ) .

3. ومن علامات كذب أولئك القوم من المستشرقين وأتباعهم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنهم ربطوا كذبهم عليه بإصابته بمرض الصرع بوقت النبوة ! فأين كان هذا المرض قبل ذلك لو كانوا صادقين ؟! .

4. ثم إننا تعمدنا ذِكر أنواع الوحي وطرقه لنبين للناس كذبهم ودجلهم ؛ فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاني من شدة الوحي في بعض الصور فالأمر ليس كذلك في بعضها الآخر

فماذا هم قائلون عن تلك الصور الأخرى كالنفث في الروع والرؤيا ومجيء جبريل بصور رجل من البشر ؟! .

5. وقد تعمدنا ذِكر الأحوال التي يكون عليها النبي صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي عليه في صوره المشهورة لنبين للناس – أيضاً – نفي تلك التهمة الساذجة الممجوجة عنه

*عبدالرحمن*
2018-10-12, 15:45
فثمة علامات للمصاب بمرض الصرع وجدنا عكسها في حال النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك :

أ. أن المريض بالصرع يبرد جسمه أثناء الصرع ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم عكس ذلك فقد كان يصاب بالبُرَحاء ، وكان يعرق شديداً حتى في اليوم الشديد البرد ! .

ب. أن المصروع يتخبط ويتمايل ويُلقى على الأرض ويتمدد ولا يملك نفسه ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم على العكس من ذلك ، فهو ثابت القلب ، قوي البدن

وهو إما يكون قائماً على منبره ، أو جالساً على دابته ، أو بين أصحابه ، ويبقى هكذا حين نزول الوحي عليه لا يميل يميناً ولا شمالاً

ولا يُلقى على الأرض ولا يتمدد ، وليس يظهر عليه أي أثر من أولئك المصابين بالصرع ، والأدلة السابقة خير شاهد على هذا .

وها هو دليل آخر أخَّرناه لمناسبة وضعه هنا :

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا سَوْدَةُ أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ ؟!

قَالَتْ : فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ ، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا ؟!

قَالَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ ، فَقَالَ : ( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ ) .

رواه البخاري ( 4517 ) ومسلم ( 2170 ) .

( عَرْق ) هو العظم الذي أخذ عنه أكثر اللحم .

قال ابن كثير – رحمه الله - :

فدلَّ هذا على أنه لم يكن الوحي يغيِّب عنه إحساسه بالكلية ، بدليل أنه جالس ولم يسقط العَرْق أيضا من يده صلوات الله وسلامه دائماً عليه .

" السيرة النبوية " ( 1 / 423 ) .

ولعلَّ هذا الحديث وحده كافٍ لأن يكون سبباً في إصابة أولئك المفترين بالصرع ! .

ج. المصروع لا يذكر ما حصل معه أثناء صرعه ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم على العكس من ذلك ، فهو يأتي بما يسمعه على أتم وجه

ويسأل عن الذي كان الوحي السبب في نزوله ، كما سأل عن صاحب الجبَّة في العمرة ، كما في حديث يعلى بن أمية ، وغيره من المواضع .

د. المصروع يأتي بالهذيان والكلام الذي لا معنى له أثناء صرعه ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بالحكَم الجليلة والمواعظ الحسنة والأحكام العظيمة ، فأين هذا من ذاك ؟! .

هـ. والمصروع يحتاج بعد نوبة صرعه إلى فترة راحة ؛ لشدة ما عاناه من تعب وألم ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم على العكس من ذلك ، فبعد انتهاء مهمة الوحي يسرَّى عنه

ويكون على حاله الذي كان عليه من قبل في قوة بدنه وعظمة فكره .

و. والمصروع يسقط ما يكون قابضاً عليه في يده ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك ، وسيأتي بعد قليل الدليل على ذلك .

ز. والمصروع يحزن على حاله ويتأسف عليها ، بل وكثيرون انتحروا أو حاولوا الانتحار بسبب إصابتهم بذلك المرض ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم على العكس من هذا

فإنه لما انقطع عنه الوحي لفترة " حزن حزناً شديداً " ! فأين هذا من ذاك ؟! .

ح. والمصاب بالصرع يصفر وجهه ، وواقع النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتغير بالحمرة ، والمصاب بالصرع يصيح صيحات عالية ، وليس هذا واقع النبي صلى الله عليه وسلم

وكثيراً ما يُغمى على المصروع ، وليس هذا واقعه صلى الله عليه وسلم ، ويؤذي المصروع نفسه بجرحها أو تقريب بدنه من نار ، ولم يكن شيء من هذا في واقع النبي صلى الله عليه وسلم

والمصروع يعض لسانه ويمتزج لعابه بالدم ، وليس هذا واقع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ما يُذكر في آثار الصرع على المصابين به لا تجده عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا شيئاً يسيراً منه .

فتبين بذلك كذبهم وافتراؤهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والويل لهم مما يصفون .

ينظر : " الرسل والرسالات "، لفضيلة الشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر( ص 65 ، 66 ) .

6. كان المشركون في جاهليتهم يأتمنون النبي صلى الله عليه وسلم على أغراضهم ، وبقي الأمر على ذلك حتى بعد أن دعاهم إلى الإسلام

وقد أوصى بإرجاعها قبل أن يهاجر إلى المدينة ، أفيمكن أن يكون مصاباً بذلك المرض ثم يأتمنه أهله وأقرباؤه وجيرانه ؟! إنهم أعلم به من هؤلاء المستشرقين الكذبة

ولو كان ما افتروه عليه صحيحاً لكان للكفار شأن آخر معه فيما يختص بأغراضهم التي ائتمنوه عليها .

7. وكيف يقود هذا المصاب بالصرع – حاشاه – أمة كاملة ، ويقود الجيوش ، ويحارب الكفار ، ويراسل الملوك ، ويصلح بين الناس ؟!

8. ونختم بذكر شهادات مضادة لأولئك الكذبة من المستشرقين ، ليست شهادات من أئمة الإسلام وعلماء ، بل هي شهادات لكتاب ومؤرخين غربيين ، من بلدان مختلفة :

أ. قال الكاتب والمؤرخ الإنجليزي السير "توماس كارليل" :

" لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب ، وأن محمدا خَدَّاع مُزَوِّر ؛ وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة

فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرنا [ توفي كارليل (1881م) ] ، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا

خلقهم الله الذي خلقنا ؛ أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين من الفائتة الحصر والإحصار أكذوبة وخدعة ؟! أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبدا

ولو كان الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج ، ويصادفان منهم مثل ذلك التصديق والقبول : فما الناس إلا بُلْهٌ ومجانين ، وما الحياة إلا سخف وعبث وأضلولة ، كان الأولى بها ألا تخلق !!

فوا أسفاه ؛ ما أسوأ مثل هذا الزعم ، وما أضعف أهله ، وأحقهم بالرثاء والمرحمة !!

وبعد ؛ فعلى من أراد أن يبلغ منزلةً ما في علوم الكائنات أن يصدق شيئا ألبتة من أقوال أولئك السفهاء ؛ فإنها نتائج جيل كفر

وعصر جحود وإلحاد ؛ وهي دليل على خبث القلوب ، وفساد الضمائر ، وموت الأرواح في حياة الأبدان ، ولعل العالم لم ير قط رأيا أكفر من هذا ولا ألأم!!" . انتهى .

"الأبطال" (45-55) ترجمة محمد السباعي .

ب. ويقول الكاتب والمؤرخ الأمريكي " ول ديورانت " :

ولم يكن المحيطون بالنبي في هذه الأوقات يرون جبريل أو يسمعونه ، وقد يكون ارتجافه ناشئاً من نوبات صرع فقد كان يصحبه في بعض الأحيان صوت وصفه بأنه يشبه صلصلة الجرس

وتلك حال كثيراً ما تحدث مع هذه النوبات ، ولكننا لا نسمع أنه عض في خلالها لسانه ، أو حدث ارتخاء في عضلاته كما يحدث عادة في نوبات الصرع ,

وليس في تاريخ محمَّد ما يدل على انحطاط قوة العقل التي يؤدي إليها الصرع عادة ، بل نراه على العكس يزداد ذهنه صفاء ، ويزداد قدرة على التفكير

وثقة بالنفس ، وقوة بالجسم والروح والزعامة ، كلما تقدمت به السن ، حتى بلغ الستين من العمر .

وقصارى القول : أنا لا نجد دليلاً قاطعاً على أن ما كان يحدث للنبي كان من قبيل الصرع ، ومهما يكن ذلك الدليل : فإنه لا يقنع أي مسلم مستمسك بدينه .

" قصة الحضارة " ( 13/26 ) ط الهيئة المصرية العامة للكتاب .

ج. ويقول المستشرق الألماني " ماكس مايرهوف " :

لقد أراد بعضهم أن يَرى في محمَّد رجلاً مصاباً بمرض عصبي ، ولكن تاريخ حياته من أوله إلى آخره ليس فيه شيء يدل على هذا ، كما أن ما جاء به فيما بعدُ من أمور التشريع والإدارة يناقض هذا القول " .

بواسطة " آراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره " ( 1 / 403 ) للدكتور عمر بن إبراهيم رضوان ، وفيه نقض لتلك الشبهة .

هذا ما تيسر ذِكره لنقض تلك المفتريات على نبي الأمَّة صلى الله عليه وسلم ، وإننا لنزداد قناعة كل مرة نشهد كذب المفترين عليه أنهم أهل أهواء وضلالة

ونزداد حبّاً وتعظيماً لذلك النبي الكريم ، وكل كذب وافتراء عليه يكشف لنا جوانب خفية عنه تُعلم بالبحث والدراسة

وهذا من العجائب أن تزيدنا تلك الشبهات والافتراءات قناعة بصحة ديننا وعظمة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وتزيدنا قناعة بإفلاس أولئك الخصوم ، فلا دين عندهم ولا دنيا ! بل خرافات وضلالات مع جهل وكذب وافتراء .

ونسأل الله تعالى أن يهدي ضالَّ المسلمين ، وأن يعلي قدر نبيه في الدارين ، وأن يتوفنا على الإيمان .

والله أعلم


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-15, 17:08
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


ما معنى حديث : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ ) ؟

السؤال :

أرجو شرح الحديث : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) .

الجواب :

الحمد لله

هذا الحديث أخرجه الترمذي (2442) ، وأحمد (1630) ، وابن حبان (722) عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : " حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ

فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ )

وقد صححه الشيخ الألباني رحمه الله .

، ورواه النسائي (5615) من غير زيادة ( فإن الصدق طمأنينة .... ) .

قال المناوي رحمه الله :

" ( دع ما يريبك ) أي : اترك ما تشك في كونه حسنا أو قبيحا ، أو حلالا أو حراما ، ( إلى ما لا يريبك )

أي : واعدل إلى ما لا شك فيه ، يعني ما تيقنت حسنه وحِلَّه ، ( فإن الصدق طمأنينة )

أي : يطمئن إليه القلب ويسكن ، ( وإن الكذب ريبة ) أي : يقلق القلب ويضطرب

وقال الطِّيبي : جاء هذا القول ممهدا لما تقدمه من الكلام ، ومعناه : إذا وجدت نفسك ترتاب في الشيء ، فاتركه ، فإن نفس المؤمن تطمئن إلى الصدق ، وترتاب من الكذب

فارتيابك من الشيء منبيء عن كونه مظنة للباطل ، فاحذره ، وطمأنينتك للشيء مشعر بحقيقته ، فتمسك به "

انتهى من " فيض القدير " (3/529) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

: " وهذا الحديث من جوامع الكلم ، وما أجوده وأنفعه للعبد إذا سار عليه ، فالعبد يرد عليه شكوك في أشياء كثيرة ، فنقول : دع الشك إلى ما لاشكّ فيه

حتى تستريح وتسلم ، فكل شيء يلحقك به شكّ وقلق وريب : اتركه إلى أمر لا يلحقك به ريب ، وهذا ما لم يصل إلى حد الوسواس ، فإن وصل إلى حد الوسواس فلا تلتفت له .

وهذا يكون في العبادات ، ويكون في المعاملات ، ويكون في النكاح ، ويكون في كل أبواب العلم .

ومثال ذلك في العبادات : رجل انتقض وضوؤه ، ثم صلى ، وشكّ هل توضّأ بعد نقض الوضوء أم لم يتوضّأ ؟ فوقع في الشكّ ، فإن توضّأ فالصلاة صحيحة ، وإن لم يتوضّأ فالصلاة باطلة

وبقي في قلق ؛ فنقول : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فالريب هنا صحة الصلاة ، وعدم الريب أن تتوضّأ وتصلي .
وعكس المثال السابق : رجل توضّأ ثم صلى وشك هل انتقض وضوؤه أم لا ؟

فنقول : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، عندك شيء متيقّن وهو الوضوء ، ثم شككت هل طرأ على هذا الوضوء حدث أم لا ؟ فالذي يُترك هو الشك : هل حصل حدث أو لا ؟ وأرح نفسك ، واترك الشك .. "

انتهى من " شرح الأربعين النووية " (ص/155) .

وهذا الحديث أصل في باب الورع ، والحث على ترك المشتبهات ، كما أنه أصل في باب الأخذ باليقين وترك المشكوك فيه .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يَرْجِعُ إِلَى الْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَاتِّقَائِهَا ، فَإِنَّ الْحَلَالَ الْمَحْضَ لَا يَحْصُلُ لِمُؤْمِنٍ فِي قَلْبِهِ مِنْهُ رَيْبٌ – وَالرَّيْبُ : بِمَعْنَى الْقَلَقِ وَالِاضْطِرَابِ - بَلْ تَسْكُنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ

وَيَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ ، وَأَمَّا الْمُشْتَبِهَاتُ فَيَحْصُلُ بِهَا لِلْقُلُوبِ الْقَلَقُ وَالِاضْطِرَابُ الْمُوجِبُ لِلشَّكِّ "

.انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/280) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-15, 17:10
هل الفضل الوارد في أن حافظ القرآن يلبس والداه تاج الوقار ، يمكن أن يشمل جده أيضاً ؟

السؤال:

هل حافظ القرآن يتوج جديه مع والديه ؟

الجواب :

الحمد لله

روى أحمد (15645ـ الرسالة) ، وأبو داود (1241) – اللفظ له -

عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه أن رسول الله عليه وسلم قال : ( مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا ) .

والحديث ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله ، لكن حسنه محققو المسند ـ ط الرسالة ـ لغيره .

وروى أحمد (22950) عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال – عن صاحب القرآن - : ( وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ

وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا ، فَيَقُولَانِ : بِمَ كُسِينَا هَذِهِ ؟ فَيُقَالُ : بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا ، فَهُوَ فِي صُعُودٍ ، مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا ) .

قال محققو المسند ـ ط الرسالة ـ

: "إسناده حسن في المتابعات والشواهد من أجل بشير بن المهاجر الغَنَوي، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين، وحسنه الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 1/62، ولبعضه شواهد يصح بها" انتهى .

وظاهر الأحاديث السابقة ، أن الفضل خاص بأبوي الشخص المباشرين ( الأب والأم ) ؛ لأن ذلك هو المتبادر من إطلاق لفظ الوالدين

ولهذا عبر عنهما بصيغة المثنى ، ولو كان غيرهما داخلا في ذلك ، لأوشك أن يجيء التعبير بلفظ الجمع فيهما .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-15, 17:14
لماذا صعّد النبي صلى الله عليه وسلم النظر إلى الواهبة نفسها له ؟

السؤال :

رُوي عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال : " جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت يا رسول الله : أريد أن أهب نفسي لك لتتزوجني ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إليها من الأعلى إلى الأسفل

ثم خفض رأسه وصمت..الحديث . فما السبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليها من الأعلى إلى الأسفل ، ثم يخفض رأسه ؟

ولماذا لم يتزوجها ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (5030) ، ومسلم (1425) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي

فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: ( هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ )

فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا ؟ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا ، قَالَ: ( انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ )

فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ : مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ

وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ ؟ ) ، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: ( مَاذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ )

قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا - عَدَّهَا – قَالَ : ( أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ ؟ ) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ( اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ) .

وقد رواه أهل السنن الأربعة أيضا .

وإنما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه في مقام الخاطب الذي يشرع له النظر إلى المخطوبة ، فنظر إليها : فإن أعجبته تزوجها ، وإن لم تعجبه غض طرفه عنها ، وهذا ما حصل في هذه القصة .

قال النووي رحمه الله :

" أَمَّا صَعَّدَ: فَبِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ أَيْ رَفَعَ ، وَأَمَّا صَوَّبَ: فَبِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ خَفَضَ " انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْله : " فَصَعَّدَ النَّظَر إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ " دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُرِيد التَّزْوِيج لَوْ أَعْجَبَتْهُ " انتهى .

وقد استدل أهل العلم بهذا الحديث على جواز النظر إلى المخطوبة .

قال النووي رحمه الله :

" فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ النَّظَرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَتَأَمُّلِهِ إِيَّاهَا " .

انتهى من " شرح مسلم " (9/212) .

وقال بدر الدين العيني رحمه الله :

" فِيهِ: دَلِيل على جَوَاز النّظر للمتزوج وتكراره ، والتأمل فِي محاسنها ، فهم ذَلِك من

قَوْله: فَصَعدَ النّظر إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ "

انتهى من "عمدة القاري" (12/ 144) .

ثانيا :

أما لماذا لم يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلأنه لم يرغب فيها ، ولم يُرِدْها زوجة له ، وهل يلزم كل خاطب نظر إلى مخطوبته وتأملها : أن يتزوجها ؟!

إنما جُعل هذا النظر ليقرر بعده : هل يتزوجها أم لا ؟

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" ( فصعد النظر فيها وصوبه ) أي نظر إلى وجهها وحط النظر إلى ما دونه. وهذا يدل على جواز النظر إلى المرأة التي يراد نكاحها، وإنما فعل ذلك لجواز أن يريدها، فلما لم يُرِدها ، طأطأ رأسه "

انتهى من "كشف المشكل" (2/ 270) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-15, 17:17
تفسير قوله صلى الله عليه وسلم - إن صح عنه - : ( خلق الله النور يوم الأربعاء )

السؤال :

في كتاب رياض الصالحين حديث رقم 1854 بصحيح مسلم : ماذا كان يقصد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : ( إن الله خلق النور في يوم الأربعاء ) ؟

الجواب :

الحمد لله

روى مسلم ( 2789 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ

وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ

وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ) .

وعلى تقدير صحته : فيكون معنى النور : النور المخلوق الذي يضيء الله به لخلقه.

قال الإمام الطبري رحمه الله :

" (خلق الله النور يوم الأربعاء) يعني بالنور الشمس ، إن شاء الله " .

انتهى من "تاريخ الطبري" (1/ 24) .

وفي "المرقاة" (9/ 3666):

" قَالَ الْأَكْمَلُ: وَالنُّورُ هُوَ الظَّاهِرُ بِنَفْسِهِ ، الْمُظْهَرُ لِغَيْرِهِ " انتهى .

فيكون معنى قوله : ( خلق النور يوم الأربعاء ) أي : خلق الشمس والقمر والأجرام السماوية وما ينبعث منها من نور وضياء إلى الأرض وإلى أجواء السماء يوم الأربعاء .

وينظر : "الأنوار الكاشفة" ، للشيخ المعلمي رحمه الله (ص: 188-191)

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-15, 17:22
الجمع بين حديثين ظاهرهما التعارض في مسألة الصدقة عن الميت

السؤال :

كيف يمكن الجمع بين الحديثين التاليين ؟

حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أمي ماتت ، وإني أريد أن أتصدق عنها ، قال : ( أَمَرَتْكَ ؟ )

قال : لا ، قال : ( فَلَا تَفْعَلْ ) ".

وحديث عائشة رضي الله عنها : " أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي افتلتت نفسها ، وأظنها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : ( نَعَمْ ) "

. وهل يصح القول بجواز الصدقة عن الميت إن ترك مالاً ، أو كان كثير الصدقة قبل موته ، وما عداه فلا جمعا بين الحديثين ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

سبق في أكثر من جواب في الموقع : أن الصدقة عن الميت جائزة ، وأن الميت ينتفع بذلك

وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم رحمهم الله .

ومما يستدل به على جواز الصدقة عن الميت حديث عائشة رضي الله عنها : " أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها ، وأظنها لو تكلمت تصدقت

فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : ( نَعَمْ ) " رواه البخاري (1388) ، ومسلم (1004) .

قال النووي رحمه الله : " وفي هذا الحديث : أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها , وهو كذلك بإجماع العلماء , وكذا أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص الواردة في الجميع "

انتهى من " شرح مسلم للنووي " .

وقال ابن قدامه رحمه الله

: " وأي قربة فعلها , وجعل ثوابها للميت المسلم , نفعه ذلك , إن شاء الله , أما الدعاء , والاستغفار , والصدقة , وأداء الواجبات , فلا أعلم فيه خلافا , إذا كانت الواجبات ، مما يدخله النيابة "

انتهى من " المغني " (2/226) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الصدقة عن الموتى ونحوها تصل إليهم باتفاق المسلمين "

انتهى من "جامع المسائل" (4/270) .

ثانياً :

أما حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ، فقد رواه أحمد (16904) ، وفيه : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أمي ماتت ، وإني أريد أن أتصدق عنها ، قال : ( أَمَرَتْكَ ؟ ) ، قال : لا ، قال : ( فَلَا تَفْعَلْ ) .

وفي لفظ آخر من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه – أيضاً - : " أن غلاما أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله : إن أمي ماتت ، وتركت حُلياً

أفأتصدق به عنها ؟ قال : ( أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِذَلِكَ ؟ ) ، قال : لا ، قال : ( فَأَمْسِكْ عَلَيْكَ حُلِيَّ أُمِّكَ ) " رواه أحمد (16984) .

وجاء عند الطبراني في " المعجم الكبير " بلفظ : " إن أمي توفيت و تركت حليا ولم توص ، فهل ينفعها إن تصدقت عنها ؟ فقال : ( احبس عليك مالك ) " .

ورواية أحمد ضعفها بعض أهل العلم ؛ لوجود ابن لهيعة في سند الحديث .

قال محققو مسند الإمام أحمد :

" إسناده ضعيف ، فيه ابن لهيعة ، وهو سيئ الحفظ.

وسيأتي من طريق ابن لهيعة برقم (17437) ، ومن طريق رشدين بن سعد برقم (17438) ، ورشدين ضعيف سيئ الحفظ وكان يخلط في الحديث ، وله مناكير.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" 17/ (772) من طريقين عن ابن لهيعة ، بهذا الإسناد.

وأخرجه أيضاً 17/ (773) من طريق جرير بن حازم ، عن يحيى بن أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب، به.

ويحيى بن أيوب هذا : هو الغافقي المصري، وهو مختلف فيه ، وتكلم بعضُ أهل العلم في حفظه ، وقال ابن يونس صاحب "تاريخ المصريين": أحاديث جرير بن حازم

عن يحيى بن أيوب : ليس عند المصريين منها حديث ، وهي تشبه عندي أن تكون من حديث ابن لهيعة.

قلنا: وهذا الحديث منكر، فقد خالفه الحديث الصحيح الذي خرَّجه الشيخان: البخاري (1388) و (2760) ، ومسلم (1004) ، من حديث عائشة أم المؤمنين: " أن رجلاً قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أمِّي افتُلِتَت نفسها (أي: ماتت فجأة)

وأظنُّها لو تكلَّمت تصدَّقت ، أفأتصدَّق عنها؟ قال: "نعم، تصدَّق عنها". وفي رواية: فهل لها أجر إن تصدَّقتُ عنها؟ وسيأتي الحديث في "المسند" 6/51.

ويخالفه أيضاً حديث ابن عباس عند البخاري (2756) و (2762) : " أن سعد بن عبادة توفِّيت أمُه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله ، إن أمي توفِّيت وأنا غائبٌ عنها، أينفعُها شيءٌ إن تصدَّقتُ به عنها ؟

قال: ( نعم )، قال: فإني أُشهِدك أن حائطي المِخراف صدقةٌ عليها " .

وقد سلف في مسنده برقم (3080) . "

انتهى من تحقيق "المسند" (28/587)

وينظر أيضا: (4/150) ، (4/157) .

وذهب بعض أهل العلم إلى تحسين الحديث .

قال الهيثمي رحمه الله : " ورجال الطبراني رجال الصحيح ، وفي إسناد أحمد ابن لهيعة " .

انتهى من " مجمع الزوائد " (3/334) .

وقال – أيضاً - رحمه الله

: " رواه أحمد ، وفيه ابن لهيعة ، وحديثه حسن ، وبقية رجاله رجال الصحيح "

انتهى من " مجمع الزوائد " (4/411) .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

" أخرجه الطبراني ( 17 / 281 / 773 ) من طريقين عن وهب بن جرير : حدثني أبي قال : سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر

قال : أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمي توفيت ، وتركت حليا ولم توص ، فهل ينفعها إن تصدقت عنها ؟ فقال : فذكره .

قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، ويحيى بن أيوب هو الغافقي ، قال الحافظ : " صدوق ربما أخطأ " ، وقد تابعه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه

ولفظه : " .. أفأتصدق به عنها ؟ قال : أمك أمرتك بذلك ؟ قال : لا . قال : فأمسك عليك حلي أمك " أخرجه أحمد ( 4 / 157 ) .

ثم أخرجه من طريق رشدين : حدثني عمرو بن الحارث والحسن بن ثوبان عن يزيد بن أبي حبيب به مختصرا .

قلت : وهذا الحديث ، من صحيح حديث ابن لهيعة أيضا للمتابعات المذكورة " .

انتهى من " السلسلة الصحيحة " (6/278) .

وعلى هذا ، فإذا قيل بصحة الحديث ، فإنه محمول على حال معينة ، فيقال : لعل السائل كان فقيراً ، ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك ماله لحاجته لذلك المال

وقد يقال : لعل الحامل على أمره بأن يمسك ماله ، ما تبادر إلى ذهن السائل ، من أن الميت إذا ترك شيئا ، فإن وارثه يتصدق به عنه

كما قد يفهم من رواية : ( إن أمي ماتت ، وتركت حُلياً ، أفأتصدق به عنها ) ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين له أن ذلك ليس بلازم ، والله أعلم .

قال الشيخ الألباني رحمه الله – معلقاً على حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه -

: " واعلم أن ظاهر الحديث يدل أنه ليس للولد أن يتصدق عن أمه إذا لم توص . وقد جاءت أحاديث صريحة بخلافه ، منها حديث ابن عباس : أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله ! إن أمي توفيت -

وأنا غائب عنها - فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها ؟ قال : نعم . وهو مخرج في " أحكام الجنائز " ( ص 172 ) ، و" صحيح أبي داود " (2566) ، وفي معناه أحاديث أخرى مذكورة هناك .

أقول : فلعل الجمع بينه وبينها ، أن يحمل على أن الرجل السائل كان فقيرا محتاجا ، ولذلك أمره بأن يمسك ماله . ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يجبه على سؤاله : فهل ينفعها إن تصدقت عنها ؟

بقوله مثلا : " لا " ، و إنما قال له : " احبس عليك مالك " ، أي : لحاجته إليه .

هذا ما بدا لي ، والله أعلم "

انتهى من " السلسلة الصحيحة " (6/278) .

والقول بتضعيف الحديث ظاهر قوي ، بل هو أقوم بالصنعة الحديثية في مثل ذلك .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-15, 17:27
استشفاء الصحابة بجبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

السؤال:

أنا مسلم أؤمن بأن الله هو وحده من يعلم الغيب ، وهو وحده من بيده شفاء المرضى ، وهذه هي المفاهيم التي أدعوا الناس إليها، أي أني أدعوهم الى التوحيد المستند على الدليل من الكتاب والسنة بما آتني الله من علم .

غير أن أحد الأشخاص قام فأرسل لي حديثا ينفي به اختصاص الله بشفاء المرضى : عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏مولى ‏ ‏أسماء بنت أبي بكر ‏‏وكان خال ولد ‏ ‏عطاء ‏ ‏قال

: ‏ " ‏أرسلتني ‏ ‏أسماء ‏ ‏إلى ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏فقالت : بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة ‏ ‏العلم ‏ ‏في الثوب ‏ ‏، وميثرة ‏ ‏الأرجوان ‏ ‏وصوم رجب كله ، فقال لي ‏ ‏عبد الله ‏ : ‏أما ما ذكرت من رجب فكيف بمن يصوم الأبد ، وأما ما ذكرت من ‏

‏العلم ‏ ‏في الثوب ، ‏فإني سمعت ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏يقول : سمعت رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول :‏ ‏إنما يلبس الحرير من ‏ ‏لا خلاق له ‏ ‏فخفت أن يكون ‏ ‏العلم ‏ ‏منه

وأما ‏ ‏ميثرة ‏ ‏الأرجوان ‏ ‏فهذه ‏ ‏ميثرة ‏ ‏عبد الله ‏ ‏فإذا هي ‏ ‏أرجوان ‏ ‏، فرجعت إلى ‏ ‏أسماء ‏ ‏فخبرتها ، فقالت :

هذه ‏ ‏جبة ‏ ‏رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ فأخرجت إلي ‏ ‏جبة ‏ ‏طيالسة ‏ ‏كسروانية ‏ ‏لها ‏ ‏لبنة ‏ ‏ديباج ‏ ‏وفرجيها

مكفوفين ‏ ‏بالديباج ‏ ‏فقالت : هذه كانت عند ‏ ‏عائشة ‏ ‏حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكأن النبي صلى الله عليه وسلم ‏‏يلبسها فنحن نغسلها للمرضى ‏يستشفى بها ". رواه مسلم ، الكتاب 24، حديث رقم 5149.

فأرجو توضيح هذه المسألة ؟

الجواب :

الحمد لله

روى مسلم (2069) عن أسماء رضي الله عنها قالت :

" هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ ، وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ

فَقَالَتْ: هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا ، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا " .

وليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشفي المرضى ؛ فإن ذلك كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، ولكن فيه أن الله تعالى جعل

في آثاره صلى الله عليه وسلم كثوبه وطعامه وشرابه وشعر وماء وضوئه وبصاقه : الشفاء والبركة ، وهذا القدر حق ثابت ، لا ريب فيه ، وهذا مما خصه الله به دون غيره ، ولا غرابة في ذلك

فكما أن الله جعل الشفاء في الدواء يتناوله المريض فيشفى بإذن الله ، فكذلك جعل آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة : أسبابا للشفاء

بإذن الله ؛ فكأنها تفعل ما يفعل الدواء الحسي ، وتقوم مقامه ؛ فهي سبب حسي ، ظاهر ، جعله الله سببا لذلك ، كرامة لرسوله صلى الله عليه وسلم .

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى هو الشافي وحده ، وأن الشفاء إنما يكون بتقديره سبحانه ، وما الطبيب والعلاج والدواء إلا أسباب نصبها الله لحصول الشفاء بإذنه .

فروى البخاري (5675) ، ومسلم (2191) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ ، قَالَ : ( أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ

شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا) " .

وروى البخاري (5742) عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بن صهيب قَالَ : " دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ ، اشْتَكَيْتُ ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟

قَالَ: بَلَى ، قَالَ : (اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ ، مُذْهِبَ البَاسِ ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا) .

فقوله ( أنت الشافي ) ، وقوله ( لا شافي إلا أنت ) يدل على أن أحدا لا يشفي أحدا إنما الشفاء بيد الله وحده

قال القاري رحمه الله :

" قَالَ الطِّيبِيُّ : قَوْلُهُ : (لَا شِفَاءَ) خَرَجَ مَخْرَجَ الْحَصْرِ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ : (أَنْتَ الشَّافِي) ; لِأَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ إِذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ أَفَادَ الْحَصْرَ ; لِأَنَّ تَدْبِيرَ الطَّبِيبِ ، وَدَفْعِ الدَّوَاءِ : لَا يَنْجَعُ فِي الْمَرِيضِ إِذَا لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ الشِّفَاءَ "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (3/ 1124) .

وهذا كما جاء عند مسلم (3005) في قصة أصحاب الأخدود في قول : ( جَلِيس الْمَلِكِ ، وكَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَى الغلامَ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ :

" مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي ؟

فَقَالَ الغلام : إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا ؛ إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ : دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ ؟

فَآمَنَ بِاللهِ ، فَشَفَاهُ اللهُ ...) الحديث .

فتأمل كيف نفى الغلام الذي كان يشفي الله على يديه من جميع الأدواء ، كيف نفى نسبة الشفاء إلى نفسه ، ونسبه إلى ربه ، وكذلك فعل جليس الملك لما آمن وفقه .

فالله تعالى وحده هو الشافي ، وقد جعل الشفاء في آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، كما جعلها في العلاجات والأدوية الحسية .

ومثل هذا لا تصح به نسبة الشفاء إلى غير الله تعالى ، بل هذا من الشرك بالله في ربوبيته ؛ وكما لا يقال : إن الطبيب شفى المريض ، بما أجرى الله على يديه من أسباب

فكذا لا يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم شفى المريض بما تفضل الله به عليه من المعجزات والخصائص ، وخاصة بعد موته ؛ بل هذا ـ كما قدمنا ـ من الشرك بالله في ربوبيته .