مشاهدة النسخة كاملة : الحديث وعلومه
*عبدالرحمن*
2018-06-19, 15:02
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اهلا و مرحبا بكم في سلسله جديده
جعلها الله طريق للنجاه و حصن حصين من الفتن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فمن شأن المؤمن طلب العلم والتفقه في الدين، والتبصر، والعناية بكتاب الله والإقبال عليه وتدبره، والاستفادة منه
والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتفقه فيها، والعمل بها وحفظ ما تيسر منها
فمن أعرض عن هذين الأصلين وغفل عنهما فذلك دليل وعلامة على أن الله سبحانه لم يرد به خيرا وذلك علامة الهلاك والدمار، وعلامة فساد القلب وانحرافه عن الهدى.
نسأل الله السلامة والعافية من كل ما يغضبه
فجدير بنا معشر المسلمين
أن نتفقه في دين الله وأن نتعلم ما يجب علينا وأن نحرص على العناية بكتاب الله تدبراً وتعقلاً وتلاوة، واستفادة، وعملا بذلك
وأن نعتنى بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام حفظا وعملا وتفقها فيها، وأن نعتنى أيضا بالسؤال عما أشكل علينا.
عِلم الحديث تتنوّع العلوم والمعارف الشرعية وتتّسع
وهذا يدلُّ على شموليّة الإسلام، ومن هذه العلوم علم الفقه، وعلم التفسير، وعلم الحديث، ويُعدّ علمُ الحديثِ أحدَ أبرزِ العلومِ الشرعيّةِ التي أسّسَ لها العلماءُ قديماً وحديثاً؛ فهو من العلومِ ذاتِ الأهميةِ البالغةِ في معرفةِ بعضِ تفاصيلِ الشريعةِ الإسلاميةِ
كتفاصيلِ بعض مسائلِ العقيدةِ الإسلاميةِ، وتفاصيل بعضِ العباداتِ، وهو أيضاً طريقٌ للوصولِ إلى بعضِ الأحكامِ الشرعيّةِ، وفي هذه المقالة سيكون بيانُ أهميّة هذا العلم. معنى الحديث
معنى الحديث الحديث في اللغة:
كلمةٌ مُفردةٌ، جمعها أحاديث، وتُجمَع كذلك على حِداث، وهي كلُّ ما يتحدَّث الناس به من الكلام، أو الأخبار، أو نحو ذلك، أمّا علم الحديث في اللغة فهو: أحد العلوم التي تُعرَف من خلاله أقوالُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأحواله، وأفعاله، ويُطلَق على أهل الحديث ورجاله: المُحدِّثون.
الحديث في الاصطلاح:
هو ما أُضيف إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، أو وصفٍ خَلْقي أو خُلُقي، والمُراد بتقرير النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يتكلَّمُ أحدُ الصحابةِ -رضي الله عنهم- أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقولٍ ما، أو أن يفعلَ أمراً ما، فلا يُنكِر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك القول أو الفعل
أو أن يكون قد وصل خبر ذلك القول أو الفعل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فسكت عنه، ممّا يُعطي ذلك الفعل أو القول صِبغةً شرعيّةً تشريعيةً، أمّا صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- الخَلْقِيَّة فهي ما يتعلَّق بشكل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهيئته
بينما تعني صفاته الخُلُقيَّة ما كان يتَّصفُ بهِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من أخلاقٍ، مثل: الجودِ، والكرمِ، والتواضعِ، والإحسانِ للفقراءِ واليتامى والمساكينِ، إلى غير ذلك من الأخلاقِ والشمائلِ التي كان يتَّصف بها النبي صلى الله عليه وسلم.
أهمية دراسة الحديث
قال العلّامة ابنُ الصّلاح: (وَإِنَّ عِلمَ الحَدِيثِ مِن أَفضَلِ العُلُومِ الفَاضِلَةِ، وَأَنفَعِ الفُنُونِ النَّافِعَةِ، يُحِبُّهُ ذُكُورُ الرِّجَالِ وَفُحُولَتُهُم، وَيُعنَى بِهِ مُحَقِّقُو العُلَمَاءِ وَكَمَلَتُهُم، وَلَا يَكرَهُهُ مِنَ النَّاسِ إِلَّا رُذَالَتُهُمْ وَسَفَلَتُهُم؛ وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلُومِ تَوَلُّجاً فِي فُنُونِهَا، لَا سِيَّمَا الفِقهُ الَّذِي هُوَ إِنسَانُ عُيُونِهَا)، ويقول الإمام الحافظ بنُ حجر العسقلاني: (وَإِنَّمَا صَارَ أَكثَرَ، لِاحتِيَاجِ كُلٍّ مِنَ العُلُومِ الثَّلَاثَةِ إِلَيهِ
أَمَّا الحَدِيثُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا التَّفسِيرُ، فَإِنَّ أَولَى مَا فُسِّرَ بِهِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى مَا ثَبَتَ عَن نَبِيِّهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَيَحتَاجُ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ إِلَى مَعرِفَةِ مَا ثَبَتَ مِمَّا لَم يَثبُت)،
كما نُقِل عن الإمام الحافظ العراقيّ رحمه الله، أنّه قال: (فَعِلمُ الحَدِيثِ خَطِيرٌ وَقعُهُ، كَثِيرٌ نَفعُهُ، عَلَيهِ مَدَارُ أَكثَرِ الأحكَامِ، وَبِهِ يُعرَفُ الحَلَالُ وَالحَرَامُ، وَلِأَهلِهِ اصطِلَاحٌ لَا بُدَّ لِلطَّالِبِ مِن فَهمِهِ، فَلِهَذَا نُدِبَ إِلَى تَقدِيمِ العِنَايَةِ بِكِتَابٍ فِي عِلمِهِ).
وبهذا فإنّ أهمية دراسة الحديث كأحد العلوم الشرعيّة تظهر من خلال ما يأتي:[4] تظهر أهميّة علم الحديث في كونه يحفظ الدين الإسلاميّ من التزييف، أو التحريف، أو التبديل، لذلك فقد هيّأ الله -سبحانه وتعالى- من يعتني بنصوص الحديث، وطرق روايته، والاستدلال به، لبيان الصحيح من الحديثِ النبويِ، من الضعيفِ أو الموضوعِ، وحتى لا يختلط كلامُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بكلامِ غيرهِ من الناسِ.
علمُ الحديثِ
يُوصل إلى معرفةِ الصحيحِ من العباداتِ، التي جاء بها نصٌّ عن النبيِ صلى الله عليه وسلم.
علم الحديث
يوصل إلى حُسن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لا يكون الاقتداء إلا بما صحَّ عنه -صلى الله عليه وسلم- من الأفعال، والأقوال، والصِّفات، والأخلاق، والمُعاملات.
علمُ الحديثِ
يوصلُ إلى الابتعاد عن التحدثِ بالكذبِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
علمُ الحديثِ
يوصلُ إلى حفظِ العقولِ والكتبِ العلميةِ من الخرافاتِ والإسرائيليّاتِ، التي تُفسِد العباداتِ والعقائد.
أقسام علم الحديث
قسَّم علماء الحديث علم الحديث إلى قسمين رئيسين
هما: علم الحديث من حيث الرّواية، وعلم الحديث من حيث الدّراية، وفيما يأتي بيان المقصود بهما:
علم الحديث رِوايةً: هو العلم الذي يشتمل على كلّ ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، أو صفة خَلقية أو خُلقيّة، من ناحية ضبط الكلمات، وتحرير الألفاظ، وكيفيّة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما يبحث علم رواية فيما يتعلَّق بسند الحديث؛ من حيث درجة قبوله، أو ردّه، ودراسة رواية الحديث، وضبطها، ودراسة سندها، ومعرفة حال كلِّ حديثٍ من حيث القبول والردّ، ومعرفة معاني ألفاظِ الحديثِ، وشروحهِ، وما يُمكن أن يُستنبَط منه من الأحكامِ والفوائدِ.
علم الحديث دِرايةً: يُسمّى بعلمِ مصطلحِ الحديثِ، أو علمِ أصولِ الحديثِ، أو علومِ الحديثِ، ويُقصَد به العلمُ بالقواعدِ التي يمكن من خلالها الوصول إلى معرفةِ أحوالِ سندِ الحديثِ، ومتنهِ، وبه يصلُ العالِمُ إلى درجةِ الحديثِ من حيث القبولِ أو الردِّ، ويمكن تعريفه كذلك بأنّه القواعدُ المُعَرِّفةُ بحالِ الراوي والمرويّ.
يظهر من التعريفاتِ السابقةِ
أنَّ علمَ الحديثِ دِراية يوصِل الباحث في العلمِ الشرعيِّ إلى معرفةِ الأحاديثِ المقبولةِ من الأحاديثِ المردودةِ بشكلٍ عامٍ، ويكون ذلك عن طريق وضعِ قواعد عامّةٍ؛ لمعرفةِ الحديثِ المقبولِ من الحديثِ المردودِ، أمّا علمُ الروايةِ فيَبحث في حديثٍ معيّنٍ؛ بتطبيقِ قواعدِ علم الدِّرايةِ عليه.
المراجع
? "معنى حديث"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2017. بتصرّف.
? طه محمد الساكت (16-3-2014)، "في معنى " الحديث " لغة واصطلاحا وما يتصل به "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2017. بتصرّف.
? محمد طه شعبان (5/8/2017)، "أهمية علم الحديث"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2017. بتصرّف.
? عبد الله بن محمود الفريح (2-11-2013)، "مصطلح الحديث ( تعريفه-فوائده-غاياته )"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2017. بتصرّف.
^ أ ب "علم الحديث رواية ودراية"، www.fatwa.islamweb.net، 14-10-2003، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2017. بتصرّف.
*عبدالرحمن*
2018-06-19, 15:08
حول الأحاديث الواردة في عرض أعمال المؤمنين على أقاربهم من أهل الأيمان الذين ماتوا قبلهم
السؤال :
قرأت هذا الحديث في بعض المواقع (إنَّ نفسَ المؤمنِ إذا قُبضت تلقَّاها من أهلِ الرحمةِ من عبادِه كما يَتَلَقَّوْنَ البشيرَ من الدنيا ، فيقولون : أنظِروا صاحبَكم يستريحُ ، فإنه قد كان في كَربٍ شديدٍ ، ثم يسألونَه ماذا فعل فلانٌ ؟
وما فعلت فلانةٌ هل تزوجَتْ ؟
فإذا سألوه عن الرجلِ قد مات قبلَه فيقول أيْهاتَ ، قد مات ذلك قبلي ! فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون ذُهِبَ به إلى أمِّه الهاويةِ ، فَبِئْسَتِ الأمُّ وبئْسَتِ المُرَبِّيَةُ ، وقال : وإنَّ أعمالَكم تُعرَضُ على أقاربِكم وعشائرِكم من أهلِ الآخِرةِ ، فإن كان خيرًا فرِحوا واستبشَروا ، وقالوا : اللهم هذا فضلُك ورحمتُك
وأتمِمْ نعمتَك عليه وأَمِتْهُ عليها، ويُعْرَضُ عليهم عملُ المسيءِ فيقولون : اللهم أَلْهِمْهُ عملًا صالحًا تَرْضَى به عنه وتُقَرِّبُه إليك). الراوي : أبو أيوب الأنصاري | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الضعيفة الصفحة أو الرقم: 864 | خلاصة حكم المحدث : ضعيف جداً [ ثم تراجع الشيخ وصححه ، انظر "الصحيحة" : 6 / 605 ]
. أريد رأيكم هل هذا الحديث حجة في هذا الباب ، يعني أن الموتى يعلمون أخبار أقاربهم ونحوه ، أم لأهل العلم قول في هذا الحديث ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الحديث الذي أورده السائل الكريم ، يُروى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا ، ولا يصح عنه مرفوعا ، وإنما يصح موقوفا ، وبيان ذلك كما يلي :
أولا : الطريق المرفوع
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/129) من طريق مَسْلَمَة بْن عُلَيٍّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ .
وأخرجه الحنائي في "فوائده" (246) من طريق عَبْد الْعَزِيزِ بْن وَحِيدِ بْنِ عبد العزيز بن حليم البهراني ، قال حدثني أبي ، قال حدثني عبد العزيز بن حليم ، قال سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي .
كلاهما عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَامَةَ ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ السَّمَاعِيَّ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إِنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ إِذَا قُبِضَتْ تَلَقَّاهَا مِنْ أَهْلِ الرَّحْمَةِ مِنْ عَبَادِ اللهِ كَمَا تَلْقَوْنَ الْبَشِيرَ فِي الدُّنْيَا ، فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا صَاحِبَكُمْ يَسْتَرِيحُ
فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي كَرْبٍ شَدِيدٍ ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ ، وَمَا فَعَلَتْ فُلَانَةُ؟ هَلْ تَزَوَّجَتْ؟ فَإِذَا سَأَلُوهُ عَنِ الرَّجُلِ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ ، فَيَقُولُ: أَيْهَاتَ قَدْ مَاتَ ذَاكَ قَبْلِي ، فَيَقُولُونَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
ذُهِبَتْ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ وَبِئْسَتِ الْمُرَبِّيَةُ ، قَالَ: " وَإِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا ، وَقَالُوا: اللهُمَّ هَذَا فَضْلُكَ وَرَحْمَتُكَ فَأَتْمِمْ نِعْمَتَكَ عَلَيْهِ ، وَأَمِتْهُ عَلَيْهَا وَيُعْرَضُ عَلَيْهِمْ عَمَلُ الْمُسِيءِ ، فَيَقُولُونَ: اللهُمَّ أَلْهِمْهُ عَمَلًا صَالِحًا تَرْضَى بِهِ عَنْهُ وتُقَرِّبُهُ إِلَيْكَ ).
وإسناده ضعيف .
فأما طريق الطبراني ففيه " مسلمة بن علي " ، متروك ، قال ابن معين :" ليس بشيء " ، وقال البخاري :" منكر الحديث " ، وقال النسائي :" متروك الحديث " . انتهى من "الكامل" لابن عدي (8/12).
وأما طريق الحنائي ففيه عدة مجاهيل ، هم : عبد العزيز بن وحيد بن عبد العزيز بن حليم ، وأبوه ، وجده .
قال الخطيب في "تلخيص المتشابه" (2/726) :" عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ حَلِيمٍ الْبَهْرَانِيُّ ، مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ بِنَسْخَةٍ ، يَرْوِيهَا ابْنُهُ وَحِيدٌ عَنْهُ ". انتهى
وأما أبو وجده ، فلم يترجم لهما أحد .
والحديث ضعفه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/327) ، و العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" المطبوع مع إحياء علوم الدين (7/228) ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (864) :" ضعيف جدا ". انتهى
وله طريق أخرى إلى أبي أيوب مرفوعا ، ولا تصح أيضا .
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (4/311) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/910) ، من طريق سلام التميمي ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي رهم ، عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا به .
وإسناده ضعيف جدا ، فيه " سلام بن سلم الطويل " ، متروك الحديث ، قال ابن حبان في "المجروحين" (1/339) :" يَرْوِي عَن الثِّقَات الموضوعات كَأَنَّهُ كَانَ الْمُتعمد لَهَا ". انتهى . والحديث ضعفه ابن الجوزي فقال :" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسلام هو الطويل ، وقد أجمعوا على تضعيفه ، وقال النسائي والدارقطني : متروك ". انتهى
ثانيا : الطريق الموقوف
أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (443) ، ومن طريقه ابن أبي الدنيا في "المنامات" (3) ، وابن عدي في "الكامل" (3/302) من طريق محمد بن عيسى بن سميع ، كلاهما عن ثَوْر بْن يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ السَّمَاعِيِّ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:( إِذَا قُبِضَتْ نَفْسُ الْعَبْدِ تَلَقَّاهُ أَهْلُ الرَّحْمَةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ كَمَا يَلْقَوْنَ الْبَشِيرَ فِي الدُّنْيَا ، فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ لِيَسْأَلُوهُ ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَنْظِرُوا أَخَاكُمْ حَتَّى يَسْتَرِيحَ
فَإِنَّهُ كَانَ فِي كَرْبٍ ، فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَا فَعَلَتْ فُلَانَةٌ؟ هَلْ تَزَوَّجَتْ؟ فَإِذَا سَأَلُوا عَنِ الرَّجُلِ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ ، قَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ هَلَكَ ، فَيَقُولُونَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ ، وَبِئْسَتِ الْمُرَبِيَّةُ ، قَالَ: فَيُعْرَضُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ ، فَإِذَا رَأَوْا حَسَنًا فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا ، وَقَالُوا: هَذِهِ نِعْمَتُكَ عَلَى عَبْدِكَ فَأَتِمَّهَا ، وَإِنْ رَأَوْا سُوءًا قَالُوا: اللَّهُمَّ رَاجِعْ بِعَبْدِكِ ) .
وإسناده صحيح .
وقد جود إسناده العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" المطبوع مع إحياء علوم الدين (7/228) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2758) .
ثانيا :
وأما قضية سؤال أرواح المؤمنين روح العبد المؤمن ، ممن مات حديثا ، عن أهلهم ، دون عرض الأعمال ، فقد ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الحديث التالي :
وهو ما أخرجه النسائي في "سننه" (1833) ، وابن حبان في "صحيحه" (3014) ، والبزار في "مسنده" (9540) ، والحاكم في "المستدرك" (1302) ، والبيهقي في "إثبات عذاب القبر" (36) ، من طريق قَتَادَةَ ، عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ ، فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ
حَتَّى إنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ ، فَيَقُولُونَ: مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ، فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ ، فَيَسْأَلُونَهُ: مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا ، فَإِذَا قَالَ: أَمَا أَتَاكُمْ؟ قَالُوا: ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ
وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ ، إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الْأَرْضِ ، فَيَقُولُونَ: مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ ).
وإسناده صحيح .
وقد جود إسناده العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" المطبوع مع إحياء علوم الدين (7/228) ، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية ، كما في "مجموع الفتاوى" (5/450) ، وصححه أيضا الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1309).
*عبدالرحمن*
2018-06-19, 15:09
ثالثا :
وأما قضية معرفة الموتى بأحوال أهلهم في الدنيا ، فقد جاء فيها عدة أحاديث مرفوعة ، وآثار موقوفة ، بيانها كما يلي :
الأحاديث المرفوعة :
الحديث الأول :
أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (1447) ، والطبري في "تهذيب الآثار" (2/502) ، والبزار في "مسنده" (9760) ، من طريق يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ الْمُؤْمِنَ حِينَ يَنْزِلُ بِهِ الْمَوْتُ وَيُعَايِنُ مَا يُعَايِنُ وَدَّ أَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ ، وَاللَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يُصْعَدُ بِرُوحِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، فَتَأْتِيهِ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَسْتَخْبِرُونَهُ عَنْ مَعَارِفِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَإِذَا قَالَ: تَرَكْتُ فُلَانًا فِي الدُّنْيَا ، أَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ ، فَإِذَا قَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا قَالُوا: مَا جِيءَ بِرُوحِ ذَلِكَ إِلَيْنَا ).
وإسناده حسن ، لأجل الوليد بن القاسم ، فقد وثقه أحمد ، وضعفه ابن معين ، وقال أحمد أيضا :" كتبنا عنه أحاديث حسانا عن يزيد بن كيسان فاكتبوا عنه ". كذا من "تهذيب التهذيب" (245) .وقد حسن سنده الشيخ الألباني في "الآيات البينات" (ص91) .
الحديث الثاني :
أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" (1903) ، من طريق الصلت بن دينار ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى عَشَائِرِكُمْ وَأَقْرِبَائِكُمْ فِي قُبُورِهِمْ ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا بِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا: اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِكَ ).
وإسناده ضعيف .
فيه انقطاع بين الحسن وجابر بن عبد الله ، فإنه لم يسمع منه ، كما قال علي بن المديني وأبو زرعة ، ذكره عنهما ابن أبي حاتم في "المراسيل" (112) ، (113) .
الحديث الثالث :
أخرجه ابن أبي الدنيا في "المنامات" (1) ، والدولابي في "الكنى والأسماء" (519) ، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول – النسخة المسندة" (920) ، وأبو الشيخ في "الأمثال" (413) ، والحاكم في "المستدرك" (7849) ، من طريق يحيى بن صالح الوحاظي ، قال ثنا أبو إسماعيل شيخ من السكون ، قال سمعت مالك بن أدي ، قال سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( أَلَا إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مِثْلُ الذُّبَابِ تَمُورُ فِي جَوِّهَا ، فَاللَّهَ اللَّهَ فِي إِخْوَانِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ ، فَإِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ ).
إسناده ضعيف .
وقد ضعفه العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" المطبوع مع إحياء علوم الدين (7/227) ، وكذلك الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (443).
الحديث الرابع :
أخرجه ابن أبي الدنيا في "المنامات" (2) ، وقوام السنة في "الترغيب والترهيب" (156) ، من طريق عَبْد اللَّهِ بْن شَبِيبٍ ، قال ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ الْحِزَامِيُّ ، قال ثَنَا فُلَيْحُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قال ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، وَالْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لَا تَفْضَحُوا مَوْتَاكُمْ بِسَيِّئَاتِ أَعْمَالِكُمْ ، فَإِنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ ).
وإسناده ضعيف .
وقد ضعف سنده العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" المطبوع مع إحياء علوم الدين (7/227) ، والسخاوي في "المقاصد الحسنة" (1296)
الحديث الخامس :
أخرجه أحمد في "المسند" (12683) ، و أبو يعلى في "مسنده" كما في "غاية المقصد في زوائد المسند" (1267) ، من طريق عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قال أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَمَّنْ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا بِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ ، قَالُوا: اللهُمَّ لَا تُمِتْهُمْ حَتَّى تَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَيْتَنَا ).
وإسناده ضعيف .
فيه من لم يسم ، ولذا ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (863) .
وغالب الظن أنه أبان بن أبي عياش ، فإنه قد رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول – النسخة المسندة" (924) من طريق قبيصة ، عن سفيان ، عن أبان بن أبي عياش ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أعمالكم تعرض على عشائركم وأقاربكم من الموتى ، فإن كان خيرا استبشروا به ، وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا ) .
وهذا الإسناد موضوع ، فإن أبان بن أبي عياش متروك باتفاق المحدثين ، واتهمه شعبة وغيره بالكذب .
الحديث السادس :
أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول – النسخة المسندة" (925) من طريق عبد العزيز بن عبد الله البصري ، عن كثير بن هشام ، قال حدثني عبد الغفور بن عبد العزيز ، عن أبيه ، عن جده قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم :( تعرض الْأَعْمَال يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس على الله ، وَتعرض على الْأَنْبِيَاء ، وعَلى الْآبَاء والأمهات يَوْم الْجُمُعَة ، فيفرحون بحسناتهم ، وتزداد وُجُوههم بَيَاضًا وإشراقا ، فَاتَّقُوا الله وَلَا تُؤْذُوا أمواتكم ).
والحديث موضوع ، فيه " عبد الغفور بن عبد العزيز " ، كذاب ، قال ابن حبان في "المجروحين" (2/148) :" كان ممن يضع الحديث على الثقات ". انتهى
والحديث قال فيه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1480) :" موضوع ". انتهى
ثانيا : الآثار الموقوفة :
الأثر الأول :
أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (2/510) من طريق محمد بن بشار ، قال حدثنا عبد الرحمن بن عثمان ، قال حدثنا عوف ، عن خلاس بن عمرو ، عن أبي هريرة قال :( إن أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم ، فإن رأوا خيرا فرحوا به ، وإن رأوا شرا كرهوه ، وإنهم يستخبرون الميت إذا أتاهم من مات بعدهم ، حتى إن الرجل يسأل عن امرأته أتزوجت أم لا ، وحتى الرجل يسأل عن الرجل فإذا قيل قد مات قال : هيهات ذهب ذاك ، فإن لم يحسوه عندهم قالوا : إنا لله وإنا راجعون ، ذهب به إلى أمه الهاوية ، فبئس المربية ).
وإسناده حسن في الشواهد ، لأجل عبد الرحمن بن عثمان بن أمية ، فقد ضعفه ابن معين ، والنسائي ، وقال أحمد :" لا بأس به " ، وقال أبو حاتم :" ليس بقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به " ، وقال البخاري :" لم يتبين لي طرحه " ، كذا من "تهذيب التهذيب" (459) .
الأثر الثاني :
أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (165) ، ومن طريقه ابن أبي الدنيا في "المنامات" (4) ، وأبو داود في "الزهد" (211) ، وقوام السنة في "الترغيب والترهيب" (157) ، من طريق صَفْوَان بْن عَمْرٍو ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرحمن بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، كَانَ يَقُولُ:( إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى مَوْتَاكُمْ ، فَيُسَرُّونَ وَيُسَاءُونَ ) ، قَالَ: يَقُولُ أَبُو الدَّرْدَاءِ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا يُخْزَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ".
وجاء في "الزهد" لابن المبارك : عبد الله بن جبير بن نفير.
وإسناده فيه انقطاع بين عبد الرحمن بن جبير بن نفير وأبي الدرداء ، فإنه ليست له رواية عنه ، وأبو الدرداء توفي سنة 32 هـ ، وعبد الرحمن توفي سنة 118هـ ، ولعله أخذه عن أبيه جبير بن نفير فإنه يروي عن أبي الدرداء .
ومما سبق يتبين أنه صح عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا ، وعن أبي أيوب موقوفا : أن أعمال المؤمنين تعرض على أرواح أقاربهم من أهل الإيمان .
رابعا :
وهذه المسألة قال بها جمع من أهل العلم ، ومن هؤلاء :
أبو القاسم الأصبهاني :
حيث عقد فصلا في كتابه "الحجة في بيان المحجة" (2/331) فقال :" فصل : فيمن ينكر أن الأموات يعلمون بأخبار الأحياء ويسمعون .. ثم ساق الأدلة على ثبوت ذلك ". انتهى
الإمام القرطبي :
حيث قال في "التذكرة" (ص61) :" باب ما جاء في تلاقي الأرواح في السماء ، والسؤال عن أهل الأرض ، وفي عرض الأعمال ... ثم ساق بعض الآثار الموقوفة .
ثم قال : هذه الأخبار ، وإن كانت موقوفة ؛ فمثلها لا يقال من جهة الرأي ". انتهى
شيخ الإسلام ابن تيمية :
حيث قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (24/303):" وَأَرْوَاحُ الْأَحْيَاءِ إذَا قُبِضَتْ تَجْتَمِعُ بِأَرْوَاحِ الْمَوْتَى ، وَيَسْأَلُ الْمَوْتَى الْقَادِمَ عَلَيْهِمْ عَنْ حَالِ الْأَحْيَاءِ فَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ تَزَوَّجَ ، فُلَانٌ عَلَى حَالٍ حَسَنَةٍ. وَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا ؛ ذُهِبَ بِهِ إلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ ". انتهى
ابن القيم :
حيث قال في "الروح" (ص17) :" الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وهى أَن ارواح الْمَوْتَى هَل تتلاقي وتتزاور وتتذاكر أم لَا ؟
قال : وَهِي أَيْضا مَسْأَلَة شريفة كَبِيرَة الْقدر ، وجوابها : أَن الْأَرْوَاح قِسْمَانِ : أَرْوَاح معذبة ، وأرواح منعمة . فالمعذبة فِي شغل بِمَا هى فِيهِ من الْعَذَاب عَن التزاور والتلاقي ، والأرواح المنعمة الْمُرْسلَة غير المحبوسة تتلاقي وتتزاور وتتذاكر مَا كَانَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا وَمَا يكون من أهل الدُّنْيَا ". انتهى
الحافظ ابن حجر العسقلاني :
حيث سئل كما في " أسئلة من خطّ الشَّيْخ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَالْجَوَاب عَلَيْهَا ، جمع شيخ الْإِسْلَام الْقُسْطَلَانِيّ" ، وهو مطبوع مع كتاب "الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع" لابن حجر (ص86) فقال :" وَأما قَوْله إِذا دفن الْمَيِّت ، قَرِيبا من قبر آخر ، أَو بَعيدا ؛ هَل يعرفهُ ويسأله عَن أَحْوَال الدُّنْيَا ؟ فَالْجَوَاب : نعم ، قد ورد فِي ذلك عدَّة أَحَادِيث .. ثم ساق بعض هذه الأحاديث والآثار ". انتهى
ابن حجر الهيتمي :
حيث سئل كما في الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي (2/29) :" وَسُئِلَ فَسَّحَ اللَّهُ في مُدَّتِهِ هل يَعْلَمُ الْأَمْوَاتُ بِأَحْوَالِ الْأَحْيَاءِ وَبِمَا هُمْ فيه فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ نعم ... ثم ساق الأحاديث والآثار الدالة على ذلك ". انتهى
الإمام السيوطي :
حيث قال في "الحاوي في الفتاوي" (2/161) :" وأما المسألة الثانية ، وهي علم الأموات بأحوال الأحياء ، وبما هم فيه : فنعم أيضاً .. ثم ساق الأدلة على ذلك ". انتهى.
وختاما :
يتلخص مما سبق : أن الأثر الذي ذكره السائل يصح عن أبي أيوب موقوفا ، ولا يصح مرفوعا . وقد صح نحوه عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا أيضا .
وقد قال جمع من أهل العلم بأن أعمال المؤمنين تعرض على أقاربهم الذين ماتوا ، إن كانوا من أهل الصلاح ، ويسألون عن أحوالهم .
والله أعلم .
الأثر الذي ذكره السائل يصح عن أبي أيوب موقوفا ، ولا يصح مرفوعا . وقد صح نحوه عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا أيضا .
وقد قال جمع من أهل العلم بأن أعمال المؤمنين تعرض على أقاربهم الذين ماتوا ، إن كانوا من أهل الصلاح ، ويسألون عن أحوالهم .
*عبدالرحمن*
2018-06-19, 15:14
الكلام على حديث :
( الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا ).
السؤال
: أريد معرفة لماذا يقال : ( إلبس جديدا وعش حميدا و....) لمن لبس ثوبا قديما مغسولا لا جديدا ، وماذا يقال لمن لبس ثوبا جديدا ، أرجو التفصيل في هذه المسألة ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
روى ابن ماجة (3558)، وأحمد (5620) ، وابن حبان (6987) والطبراني في "الكبير" (13127) ، والنسائي في "الكبرى" (10070) ، والبزار (6005) من طريق عَبْد الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَى عَلَى عُمَرَ قَمِيصًا أَبْيَضَ فَقَالَ: (ثَوْبُكَ هَذَا غَسِيلٌ أَمْ جَدِيدٌ؟) قَالَ: لَا، بَلْ غَسِيلٌ. قَالَ: ( الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا ).
ولفظ ابن حبان : ( أَجَدِيدٌ قَمِيصُكَ أَمْ غَسِيلٌ؟ ) فَقَالَ: بَلْ جَدِيدٌ.
وقال النسائي عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، أَنْكَرَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَعْمَرٍ غَيْرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ .
وَقَدْ رَوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْ مَعْقِلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا .
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ".
وقال البزار: " هَذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُ رَوَاهُ إلاَّ عَبد الرَّزَّاق، عَن مَعْمَر، عَن الزُّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ ".
وله شاهد يرويه ابن أبي شيبة في "المصنف" (25090) ، والدولابي في "الكني" (596) عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ مُزَيْنَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَى عَلَى عُمَرَ ثَوْبًا غَسِيلًا، فَقَالَ: (أَجَدِيدٌ ثَوْبُكَ هَذَا؟) قَالَ: غَسِيلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَتَوَفَّ شَهِيدًا، يُعْطِكَ اللَّهُ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ ).
ولعل هذا هو أصل حديث عبد الرزاق ، وأخطأ فيه .
قال أبو حاتم : " أنكَرَ الناسُ ذَلِكَ- يعني حديث عبد الرزاق- وَهُوَ حديثٌ بَاطِلٌ، فالتُمِسَ الحديثُ: هَلْ رَوَاهُ أحدٌ؟ فَوَجَدُوهُ قَدْ رَوَاهُ ابنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي الأَشْهَب النَّخَعي ، عَنْ رجلٍ مِنْ مُزَينة، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فذكَرَ مثلَهُ " .
وقال البخاري : " قال ابن عرعرة سَمِعت ابْن إدريس: ذهبت مَعَ ابْن أَبِي خَالِد إلى أَبِي الأشهب زياد بْن زاذان فحدث بحديث عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ألبس جديدا، وروى عَبْد الرزاق عن سفيان عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمِ - وعن مَعمَر عَنِ الزُّهْرِيّ عَنْ سالم عَنِ ابْن عُمَر عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى أَبُو نعيم عَنْ سفيان عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ أَبِي الأشهب، وهذا أصح بإرساله " انتهى من "التاريخ الكبير" (3/ 356) .
وقال الترمذي : " سَأَلْتُ مُحَمَّدًا – يعني البخاري- عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ – حديث عبد الرزاق- قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُونِيُّ: قَدِمْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَحَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَالِمٍ , عَنْ أَبِيهِ , ثُمَّ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ سَالِمٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ حَدَّثُونَا بِهَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ , عَنْ سُفْيَانَ أَيْضًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ لَا شَيْءَ .
وَأَمَّا حَدِيثُ سُفْيَانَ : فَالصَّحِيحُ مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عُمَرَ ثَوْبًا جَدِيدًا ؛ مُرْسَلٌ ".
انتهى من "العلل الكبير" (ص: 373) .
وقَالَ حَمْزَة بن مُحَمَّد الْكِنَانِي الحافظ : " لَا أعلم أحدا رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ غير معمر ، وَمَا أَحْسبهُ بِالصَّحِيحِ " انتهى من "مصباح الزجاجة" (4/ 82) .
وقال الشيخ مقبل الوادعي : " حديث منكر ، كما قاله النسائي "
انتهى من "أحاديث معلة ظاهرها الصحة" (ص: 239) .
وحسن هذا الحديث الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/ 138)، وكذا حسنه الشيخ الألباني في "الصحيحة" (352)، وصححه البوصيري في "الزوائد" (4/ 82)، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند".
والراجح فيه أن غير صحيح ، وقد خلط فيه عبد الرزاق ، وخطأه فيه الأئمة . وقد نص على نكارته ، أو عدم ثبوته : غير واحد من الأئمة النقاد ، على ما سبق ذكره .
فكان تارة يرويه عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَالِمٍ , عَنْ أَبِيهِ , وتارة يرويه عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ سَالِمٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
أما حديث الزهري فمنكر غير محفوظ .
وأما حديث الثوري : فالصواب عنه : عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ , عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ مرسلا .
فبان أن الصواب في الحديث : أنه مرسل .
وأما الموصول : فمنكر ، أنكره الأئمة على عبد الرزاق ، فلا يصلح أن يشهد المرسل لموصول عبد الرزاق ؛ لأنه خطأ .
ثانيا :
قوله : (ثَوْبُكَ هَذَا غَسِيلٌ أَمْ جَدِيدٌ؟) قَالَ: لَا، بَلْ غَسِيلٌ.
الغسيل : المغسول ، فعيل بمعنى مفعول، كقتيل بمعنى مقتول ، قال في "لسان العرب" (11/ 494):
" شَيْءٌ مَغْسول وغَسِيل " انتهى .
وجاء في "المعجم الوسيط" (2/ 653):
" (الغسيل) المغسول " انتهى .
فالغسيل : ثوب ملبوس ، أما الجديد فهو المستجد الذي لم يلبس قبل ذلك ويغسل .
وقد روى أبو داود (4020) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ إِمَّا قَمِيصًا، أَوْ عِمَامَةً ثُمَّ يَقُولُ: ( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ، وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ ) .
قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: " فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم إِذَا لَبِسَ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا جَدِيدًا ، قِيلَ لَهُ: تُبْلي وَيُخْلِفُ اللَّهُ تَعَالَى ".
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
فيقال لمن لبس ثوبا جديدا : " تُبْلي وَيُخْلِفُ اللَّهُ تَعَالَى ".
وروى البخاري (5845) عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ: قَالَتْ: " أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ: (مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الخَمِيصَةَ؟) فَأُسْكِتَ القَوْمُ، قَالَ: (ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ) فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: (أَبْلِي وَأَخْلِقِي) مَرَّتَيْنِ ".
وبوب له البخاري : " بَابُ مَا يُدْعَى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا ".
وفي رواية للبخاري (3071) : (أَبْلِي وَأَخْلِفِي ثُمَّ، أَبْلِي وَأَخْلِفِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي).
(أَبْلِي وَأَخْلِقِي) أَي: البسي إِلَى أَن يصير خَلَقًا بَالِيًا "
"فتح الباري" (1/ 90) .
وقال الشوكاني : " قَوْلُهُ: (أَبْلِي وَأَخْلِقِي) : هَذَا مِنْ بَابِ التَّفَاؤُلِ ، وَالدُّعَاءِ لِلَّابِسِ ، بِأَنْ يُعَمِّرَ ، وَيَلْبَسَ ذَلِكَ الثَّوْبَ حَتَّى يَبْلَى ، وَيَصِيرَ خَلَقًا .
وَفِيهِ : أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا "
انتهى من "نيل الأوطار" (2/ 118) .
والله تعالى أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-06-19, 15:17
الذكر المشروع عند لبس الثوب الجديد أو القديم
السؤال:
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو عند لبس الثياب ، فهل يدعو الشخص عند كل قطعة يلبسها أم يكفيه الدعاء مرة واحدة للملبوس كافة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الأحاديث الواردة في الذكر المستحب عند لبس الثوب على نوعين :
النوع الأول : أحاديث تخصص الذكر المستحب عند لبس الثوب الجديد :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ ، إِمَّا قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً ، ثُمَّ يَقُولُ :
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ )
رواه أبو داود (رقم/4023) وصححه ابن القيم في "زاد المعاد" (2/345)، والألباني في " صحيح أبي داود ".
النوع الثاني : أحاديث مطلقة ، لم تقيد استحباب الذكر عند لبس الثوب " الجديد " فقط ، بل عند لبس أي ثوب :
عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ )
رواه أبو داود (رقم/4023)، صححه ابن حجر في " الخصال المكفرة " (74)، والألباني في " صحيح أبي داود " دون لفظة : ( وما تأخر ). وقد بوب البيهقي على الحديث في " شعب الإيمان " (8 / 307) بقوله : " فصل فيما يقول إذا لبس ثوبا " انتهى. هكذا مطلقا من غير تقييد بالجديد .
هذا وفي بعض الكتب التي تنقل الحديث إضافة قيد ( ثوبا جديدا ) والغالب أنها زيادة ليست من أصل هذا الحديث ، فقد تم الرجوع إلى أكثر الكتب الأصلية التي أخرجته فلم يُذكر فيها هذا القيد.
ثانيا :
وبناء على هذا التنوع في الأحاديث فرق العلماء بين هذين الذكرين ، فجعلوا الذكر الأول :
( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ ) عند لبس الثوب الجديد .
وجعلوا الذكر الثاني : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ ) عند لبس أي ثوب ، سواء كان قديما أم جديدا .
هذا ظاهر صنيع الإمام النووي رحمه الله في " الأذكار " (ص/20-21).
وصرح بذلك في موطن آخر ، فقال رحمه الله :
" السنة ...أن يقول إذا لبس ثوبا ...الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة . وإذا لبس جديدا قال : اللهم أنت كسوتنيه ، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له " انتهى.
" المجموع " (4/647).
وبه أخذت بعض كتب الأذكار المعاصرة اليوم ، ككتاب " حصن المسلم ".
وإن كان ظاهر صنيع بعض أهل العلم أن استحباب هذه الأذكار إنما يكون عند لبس الثياب الجديدة فقط .
ينظر: " سنن الدارمي" (2/378) ، ونحوه في " الوابل الصيب " (226) ، حيث قال :
"فصل في الذكر الذي يقوله أو يقال له إذا لبس ثوبا جديدا " وأيضا " كشاف القناع" (1/288).
وأما السؤال عن تكرار هذا الذكر مع تعدد قطع الملابس التي يلبسها ، فالأمر واسع إن شاء الله ، وإن كان الأظهر ـ فيما يبدو لنا ـ أنه يقال مرة واحدة للملابس كلها .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-19, 15:20
حول صحة حديث
" يؤتى بشارب الخمر يوم القيامة مسودا وجهه ..."
السؤال :
روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( أنه يؤتي بشارب الخمر يوم القيامة مسوداً وجهه ، مزرقة عيناه ، متدلياً لسانه علي صدره ، يسيل بساقه مثل الدم ، يعرفه الناس يوم القيامة ، فلا تسلموا عليه ، ولا تعودوه إذا مرض ، ولا تصلوا عليه إذا مات ، فإنه عند الله سبحانه وتعالي كعابد الوثن) فما صحة هذا الحديث ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث لا يصح ، وقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من خمسة طرق :
الطريق الأول :
أخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/502) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/42) ، من طريق مُحَمد بْن يَزِيدَ السَّلَمِيّ ، قال حَدَّثَنا أبو مطيع ، قال حَدَّثَنا أَبُو الأشهب جَعْفَر بْن الحارث ، عَن ليث ، عَن سَعِيد بْن جبير ، عنِ ابْن عُمَر ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لا تجالسوا شربة الخمر ، ولاَ تعودوا مرضاهم ، ولاَ تشهدوا جنائزهم ، فإن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسودا وجهه ، مدلعا لسانه عَلَى صدره ، يسيل لعابه عَلَى بطنه ، يقذره كل من رآه ) .
وهذا الطريق فيه أكثر من علة ، إلا أن آفته أبو مطيع البلخي الحكم بن عبد الله ، فإنه متهم بالوضع ، اتهمه ابن حبان في "المجروحين" (2/103) ، والجوزقاني في "الأباطيل والمناكير" (1/147) ، والذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/42) .
وقد حكم عليه بالوضع ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/42) ، والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/174) .
الطريق الثاني :
أخرجه أبو علي الحداد في "معجمه" ، ونقله عنه بإسناده السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/174) ، من طريق أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن سهل بْن بَحر البقالي ، قال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن تَمِيم ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن يَزِيد ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْأَشْعَث ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْل بْن عِياض ، عَنْ لَيْث ، عَن مُجَاهِد ، عَن ابْن عُمَرَ مَرْفُوعًا به .
وإسناده موضوع أيضا .
فيه : إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل ، قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/88) :" سألت أبي عن إبراهيم بن الأشعث ، وذكرت له حديثا رواه عن معن عن ابن أخي الزهري عن الزهري ؟
فقال : هذا حديث باطل موضوع ، كنا نظن بإبراهيم بن الأشعث الخير فقد جاء بمثل هذا ". انتهى .
وقال الدارقطني :" يحدث عَن الثِّقَات بِمَا لَا أصل لَهُ " انتهى من "تعليقات الدارقطني على المجروحين" (ص95) .
الطريق الثالث :
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" ، ونقله عنه بإسناده السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/174) ، من طريق عَبْد الْملك بْن عَبْد الْغفار ، قال حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُور عَبْد اللَّه بْن عِيسَى بْن إِبْرَاهِيم ، قال حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الْفَضْل الكِنْديّ ، قال حَدَّثَنَا بدر بْن الْهَيْثَم القَاضِي ، قال حَدَّثَنَا أَبُو كريب ، عَنْ هِلَال بْن مِقْلَاص ، عَنْ لَيْث بْن أبي سُلَيْم ، عَن عُبَيْد الله بْن عُمَر ، عَن ابْن عُمَرَ مَرْفُوعا بِهِ .
وإسناده ضعيف ، فيه " ليث بن أبي سليم " ، وهو ضعيف مضطرب الحديث ، ضعفه النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (511) ، وقال أحمد بن حنبل :" مضطرب الحديث ولكن حدث الناس عنه " ، وقال ابن معين :" ليس حديثه بذاك، ضعيف " ، وقال أبو زرعة وأبو حاتم :" لا يشتغل به هو مضطرب الحديث " انتهى من "الجرح والتعديل" (7/178) .
الطريق الرايع :
أخرجه الشيرازي في "الألقاب" ، ونقله عنه بإسناده السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/174) ، من طريق مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الطَّبَرَانِيّ ، قال أَنْبَأَنَا أَبُو حَاتِم بْن عَبْد اللَّه بْن حَاتِم الجباري بِمصْر ، قال حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه الْأَزْدِيّ أَبُو الْقَاسِم ، يُعرف بِابْن المدور ، قال حَدَّثَنَا حبيب بْن زُرَيْق ، قال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيّ ، عَن نَافِع ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَن رَسُول الله قَالَ:( منْ مَاتَ وَهُوَ مدمن خمر لَقِي اللَّه وَهُوَ مسود الْوَجْه ، مظلم الْجوف ، لِسَانه سَاقِط عَلَى صَدره ، يقذره النّاس ) .
وإسناده موضوع ، وآفته " حبيب بن زريق" ، كذاب ، قال فيه أحمد بن حنبل :" ليس بثقة " ، وقال ابن معين :" كذاب " انتهى من "الضعفاء الكبير" للعقيلي (1/265) .
الطريق الخامس
أخرجه الواحدي في "الوسيط" (311) ، من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَافِعٍ ، قال حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ السامي ، قال حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لا تُجَالِسُوا شَرَبَةَ الْخَمْرِ ، وَلا تُشَيِّعُوا جَنَائِزَهُمْ ، وَلا تُزَوِّجُوهُمْ وَلا تَتَزَوَّجُوا إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُسْوَدًّا وَجْهُهُ مُزْرَقَّةً عَيْنَاهُ ، يُدْلِعُ لِسَانَهُ عَلَى صَدْرِهِ ، يَسِيلُ لُعَابُهُ عَلَى بَطْنِهِ، يَقْذُرُهُ مَنْ يَرَاهُ ).
وإسناده تالف واه ، فيه :" علي بن الحسن السامي " ، قال ابن حبان في "المجروحين" (2/114): " لَا يحل كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب " انتهى ، وقال ابن عدي في "الكامل" (6/361) في أحاديثه :" كلها بواطيل ليس لها أصل ، وَهو ضعيف جدا " انتهى .
وقد روي نحوه عن عمرو بن العاص أو عن عبيد الله بن عبد الله بن عمرو بن العاص من قوله:
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (17074) من طريق ابْنِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:( يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَارِبُ الْخَمْرِ مُسْوَدًا وَجْهُهُ ، مُزْرَقَةٌ عَيْنَاهُ ، مَائِلٌ شِقُّهُ ) ، أَوْ قَالَ:( شِدْقُهُ مُدْلِيًا ، لِسَانُهُ يَسِيلُ لُعَابُهُ عَلَى صَدْرِهِ ، يَقْذُرُهُ كُلُّ مَنْ يَرَاهُ ) .
هكذا جاء في المطبوع من مصنف عبد الرزاق ، جعله من قول "عبيد الله" . لكن عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (3/283) إلى عبد الرزاق ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، الصحابي ، رضي الله عنه .
وهو لا يصح على الوجهين ، وعلته ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف مضطرب الحديث كما قدمنا آنفا .
ثانيا :
وأما عن السلام على شارب الخمر وعيادته ، فقد جاء فيه أثر عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، إلا أنه ضعيف لا يصح عنه .
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (529) من طريق عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:( لَا تَعُودُوا شُرَّابَ الْخَمْرِ إِذَا مَرِضُوا ) .
وأخرجه أيضا في "الأدب المفرد" (1017) بنفس الإسناد :" بلفظ :( لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شُرَّابِ الْخَمْرِ ).
وإسناده ضعيف ، فيه عبيد الله بن زحر ، قال علي بن المديني " منكر الحديث " ، وقال ابن معين :" ليس بشيء " . انتهى من "الجرح والتعديل" (5/315) ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/62) :" مُنكر الحَدِيث جدا يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات " انتهى ، وضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الأدب المفرد" (78) ، (158) .
على أنه يشرع هجر شارب الخمر ، لحق الله ؛ متى كان في هجره مصلحة شرعية ، كأن ينزجر عن معصيته ، ويتوب عنها ، أو يكون في ذلك تحذير لغيره أن يغتر به ، أو يتعابعه على فعلته ، لا سيما من كان مجاهرا بذلك ، مستخفا به
ثالثا :
وأما الجملة الأخيرة من الحديث الذي أورده السائل الكريم وهي قوله :" إذا مات فإنه عند الله سبحانه وتعالي كعابد الوثن " : فهي أشهر جمل هذا الكلام المنقول ، وأثبتها في الرواية .
أخرجه أحمد في "المسند" (2453) ، وابن حبان في "صحيحه" (5347) ، من طريق ابن عباس به .
وأخرجه ابن ماجه في "سننه" (3375) ، من طريق أبي هريرة بنحوه .
وأخرجه البزار في "مسنده" (2380) ، من طريق عبد الله بن عمرو بنحوه .
وقد جاءت هذه الجملة من عدة طرق ، وإن كانت عامة هذه الطرق: لا تخلو من علة وضعف .
ينظر : "التفسير من سنن سعيد بن منصور" رقم (818) ، وحاشية المحقق .
لكن ذهب الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (677)
إلى أن : " الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح ". انتهى .
وينظر : "المطالب العالية" ، لابن حجر (8/621-623) ، وحاشية المحقق ..
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-19, 15:24
عقوبة شارب الخمر ، وهل تصح منه الصلاة والصيام ؟
السؤال
ما هي عقوبة شارب الخمر ؟
هل يمكن للشارب الخمر أن يصلي ويصوم رمضان ؟.
الجواب
الحمد لله
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90
وفي صحيح البخاري ( 2295 ) ومسلم ( 86 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ . " أي لا يكون مؤمناً كامل الإيمان بل يكون قد نقص إيمانه نقصا عظيما بهذا الفعل الشنيع .
وفي البخاري أيضا ( 5147 ) ومسلم (3736) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَة "ِ
وفي سنن أبي داود ( 3189 ) عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قال : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ " وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود ( 2/700 ) .
وفي سنن النسائي ( 5570 ) أَنَّ ابْنَ الدَّيْلَمِيِّ قال لعبد الله بن عمرو هَلْ سَمِعْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ شَأْنَ الْخَمْرِ بِشَيْءٍ فَقَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا "
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 709 ) .
والمعنى : أنه لا يثيبه عليها لا أنه لا تجب عليه الصلاة ، بل يتوجب عليه أن يأتي بجميع الصلوات ، ولو ترك الصلاة في هذا الوقت لكان مرتكبا لكبيرة من أعظم الكبائر ، حتى أوصلها بعض العلماء إلى الكفر ، والعياذ بالله .
والأحاديث والآثار الدالة على شدة تحريم الخمر كثيرة جدا ، وهي أم الخبائث ، فمن وقع فيها جَرَّأته على ما سواها من الخبائث والجرائر . نسأل الله العافية .
وأما عقوبة شاربها في الدنيا فهي الْجَلْدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . لِما رواه مُسْلِمٍ ( 3281 ) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : { جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ } .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْجَلَدَاتِ : فَذَهَبَ جماهير العلماء إلَى أَنَّهَا ثَمَانُونَ جَلْدَةً فِي الْحُرِّ , وَفِي غَيْرِهِ أَرْبَعُونَ .
واستدلوا بما جاء في حديث أنس السابق وفيه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ ."
ووافق الصحابة عمر رضي الله عنه على ذلك ولم يخالفوه . وقد قرر مجلس هيئة كبار العلماء أن عقوبة شارب الخمر هي الحد ، وأن الحد ثمانون جلدة .
وبعض العلماء كابن قدامة رحمه الله ، وشيخ الإسلام في الاختيارات يرون أن الزيادة على الأربعين تابعة لنظر الإمام المسلم فإن رأى الحاجة داعية إلى الزيادة على أربعين كما حصل في عهد عمر رضي الله عنه فله أن يجعلها ثمانين . والله أعلم ( ينظر توضيح الأحكام 5 / 330 ) .
وأما الصلاة والصيام من شارب الخمر ، فلا شك أنه يجب عليه أن يؤدي الصلاة في أوقاتها ، وأن يصوم رمضان ، ولو أخل بشيء من صلاته أو صيامه لكان مرتكباً لكبيرة عظيمة هي أشد من ارتكابه لجريمة شرب الخمر ، فلو أنه شرب الخمر في نهار رمضان لكان قد عصى الله بمعصيتين كبيرتين : الأولى الإفطار في نهار رمضان
الثانية شرب الخمر . وليعلم أن وقوع المسلم في معصية وعجزه عن التوبة منها لضعف إيمانه لا ينبغي أن يُسوِّغ له استمراء المعاصي وإدمانها ، أو ترك الطاعات والتفريط فيها بل يجب عليه أن يقوم بما يستطيعه من الطاعات ويجتهد في ترك ما يقترفه من الكبائر والموبقات ، نسأل الله أن يجنبنا الذنوب صغيرها وكبيرها إنه سميع قريب .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-19, 15:28
الموقف من العصاة المجاهرين بالمعصية .
السؤال:
الناس إذا رأت عاصيا ومرتكبا لذنب ومجاهرا به ، بعضهم يحتقره هو ومعصيته ، وبعضهم يكره المعصية وينكرها ، من غير احتقار لصاحبها ، كأن يقول : ربما يكون عند الله أفضل منا ، لكنه ارتكب هذه المعصية ، وهكذا ، فما الصحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
المسلم يكره المعصية ، ويكره من العاصي فِعْلَها ، وإذا رآه على معصية أنكرها ، ونصحه ، وذكّره بالله ، وخوفه العقوبة العاجلة والآجلة ، ودعا له ، واستعاذ بالله من الوقوع فيما وقع ، ولا يكون عونا للشيطان على أخيه المسلم .
روى البخاري (6777) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ ، قَالَ: ( اضْرِبُوهُ ) ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِ هِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ ، قَالَ: ( لاَ تَقُولُوا هَكَذَا، لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ ) .
ورواه أحمد (7985) ولفظه : (لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ، وَلَكِنْ قُولُوا: رَحِمَكَ اللهُ).
وإسناده صحيح على شرط الشيخين .
وعند أبي داود (4478) ، والبيهقي (17495) - واللفظ له - :
" أُتِيَ بِشَارِبٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَضْرِبُوهُ ، فَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ ، وَمِنْهُمْ بِيَدِهِ ، وَمِنْهُمْ بِثَوْبِهِ ، ثُمَّ قَالَ: ( ارْجِعُوا ) ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَبَكَّتُوهُ (واجهوه بقبيح فعله) ، فَقَالُوا: أَلَا تَسْتَحِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْنَعُ هَذَا ؟ ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ،, فَلَمَّا أَدْبَرَ وَقَعَ الْقَوْمُ يَدْعُونَ عَلَيْهِ وَيَسُبُّونَهُ ، يَقُولُ الْقَائِلُ: اللهُمَّ أَخْزِهِ ، اللهُمَّ الْعَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَقُولُوا هَكَذَا، ولَكِنْ قُولُوا: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ , اللهُمَّ ارْحَمْهُ ) .
وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" (لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ) وَجْهُ عَوْنِهِمُ الشَّيْطَانَ بِذَلِكَ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ بِتَزْيِينِهِ لَهُ الْمَعْصِيَةَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْخِزْيُ ، فَإِذَا دَعَوْا عَلَيْهِ بِالْخِزْيِ ، فَكَأَنَّهُمْ قَدْ حَصَّلُوا مَقْصُودَ الشَّيْطَانِ" .
انتهى من " فتح الباري " (12/ 67) .
وقال القاري رحمه الله :
" قَالَ الْقَاضِي: فَإِنَّهُ إِذَا أَخْزَاهُ الرَّحْمَنُ ، غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، أَوْ لِأَنَّهُ إِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَيِسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَانْهَمَكَ فِي الْمَعَاصِي ، أَوْ حَمَلَهُ اللِّجَاجُ وَالْغَضَبُ عَلَى الْإِصْرَارِ، فَيَصِيرُ الدُّعَاءُ وَصْلَةً وَمَعُونَةً فِي إِغْوَائِهِ وَتَسْوِيلِهِ "
انتهى من " مرقاة المفاتيح " (6/ 2374) .
وروى أبو داود في "الزهد" (232) عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، أَنَّهُ قَالَ: " مُرَّ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ بِرَجُلٍ يُقَادُ فِي حَدٍّ أَصَابَهُ قَالَ: فَنَالَ الْقَوْمُ مِنْهُ ، فَقَالَ: لَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ ، وَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي عَافَاكُم ، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ رَأَيْتُمُوهُ فِي قَلِيبٍ أَكُنْتُمْ مُسْتَخْرِجِيهِ ؟ ، قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ، وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الَّذِي عَافَاكُمْ ، فَقِيلَ: لَهُ أَتُبْغِضُهُ؟ فَقَالَ: " إِنِّي لَا أُبْغِضُهُ، وَلَكِنْ أُبْغِضُ عَمَلَهُ ، فَإِذَا تَرَكَهُ كَانَ أَخِي " .
والحاصل :
أن المسلم مع أخيه المسلم على النصيحة وحب الخير له ، وإن وقع في المعصية ، فلا يعين الشيطان عليه ، ولا يدعو عليه ، ولا يحتقره ، ولكن ينصحه ، وينكر عليه ، ويبغض فعله ، ويسأل الله العافية ، ويدعو لصاحبه بالستر والتوبة والمغفرة .
إلا إذا كان هذا العاصي مجاهرا بمعصيته ، معلنا لها ، فهذا مذموم منبوذ ، يبغض في الله بقدر معصيته ، وتتخذ كل السبل المتاحة لرده عن غيه ، وكفاية الناس شره ، ولو بهجره ؛ لأنه يستطيل بالمعصية ، ويفاخر بها ، ولا يسلم الناس منه .
عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ، ثم يصبح وقد ستره الله عليه ، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه ).
رواه البخاري ( 5721 ) ، ومسلم ( 2990 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إذَا أَظْهَرَ الرَّجُلُ الْمُنْكَرَاتِ : وَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ عَلَانِيَةً ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ غِيْبَةٌ ، وَوَجَبَ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَانِيَةً بِمَا يَرْدعُهُ عَنْ ذَلِكَ ، مِنْ هَجْرٍ وَغَيْرِهِ ؛ فَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ إذَا كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ ، مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ. وَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ أَنْ يَهْجُرُوهُ مَيِّتًا [أي : بترك تشييع جنازته] ، كَمَا هَجَرُوهُ حَيًّا ، إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ كَفٌّ لِأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُجْرِمِينَ "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (28/ 217) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" مَنْ قَصَدَ إِظْهَارَ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُجَاهَرَةَ بِهَا : أَغْضَبَ رَبَّهُ ، فَلَمْ يَسْتُرْهُ .
وَمَنْ قَصَدَ التَّسَتُّرَ بِهَا حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ وَمِنَ النَّاسِ : مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِسَتْرِهِ إِيَّاهُ " .
انتهى من "فتح الباري" (10/ 488) .
ففرق بين من غلبته نفسه فطاوع هواه وعصى الله ، لكنه لم يجاهر بمعصيته ، ولا أصر عليها : فهذا يستر عليه ، وينصح ، ويذكر بالله ، ويدعى له بالهداية ، ولا يحتقر ، ولا يهان ، ويدعى إلى التوبة ، فإن تاب ، فربما كان حاله بعد التوبة أصلح من حاله قبل الذنب .
بخلاف المشاق المجاهر المعاند المفاخر بالمعصية ، فإن هذا ينكر عليه وينصح ويدعى له بالهداية أيضا ، فإذا أصر ولم يزدجر ، عوقب وذُكر في الناس بالسوء ، وهجروه ، وعابوه ، وحذروا الناس منه .
ومثل هذا لا يقال في حقه : " لعله عند الله أحسن حالا منا " فإن حاله من أسوأ الأحوال ، وهو متعرض لمقت الله وغضبه وعاجل عقوبته .
نسأل الله أن يتوب علينا ، وعلى كل مسلم .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-19, 15:40
يسأل عن صحة إنشاد كعب بن زهير قصيدة " بانت سعاد " أمام النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال :
حديث قصيدة بانت سعاد قال بعض طلبة العلم : إنه حديث كذب عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الجواب :
الحمد لله
فإن قصيدة " بانت سعاد " ، والتي أنشدها كعب بن زهير أمام النبي صلى الله عليه وسلم قد رويت من عدة طرق ، كلها ضعيف استقلالا ، إلا أن بمجموع طرقها يدل على أن لها أصلا ، وشهرتها معروفة في كتب السير والتواريخ ، وقد استدل بها كثير من أهل العلم ، وبيان ذلك كما يلي :
أولا : تخريج طرق القصة :
رويت من خمسة طرق:
الطريق الأول :
أخرجه ابن ديزيل في "جزء من حديثه" (15) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2706) ، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (5833) ، وابن منده في "معرفة الصحابة" (ص292) ، والحاكم في "المستدرك" (6477) ، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/243)
من طريق إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، قال حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ ذِي الرُّقَيْبَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سَلْمَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ :( خَرَجَ كَعْبٌ وَبُجَيْرٌ أبناء زهير حتى أتيا أبرق العزاف قَالَ : فَقَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ : اثْبُتْ فِي غَنَمِنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ حَتَّى آتَيَ هَذَا الرَّجُلَ ، يَعْنِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَسْمَعَ مَا يَقُولُ قَالَ : فَثَبَتَ كَعْبٌ وَخَرَجَ بُجَيْرٌ فَجَاءَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَعْرَضَ مَنْ عَلَيْهِ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا ، فَقَالَ :
أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً ... عَلَى أَيٍّ شَيْءٍ وَيْحَ غَيْرِكَ دَلَّكَا
عَلَى خَلْقٍ لَمْ تَلْفَ أُمًّا وَلَا أَبًا ... عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ ... وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
فَلَمَّا بَلَغَتْ أَبْيَاتُهُ هَذِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، غَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْدَرَ دَمَهُ ، وَقَالَ : مَنْ لَقِيَ كَعْبًا فَلْيَقْتُلْهُ .
قَالَ : فَكَتَبَ بِذَلِكَ بُجَيْرٌ إِلَى أَخِيهِ يَذْكُرُ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : النَّجَاةَ ، وَمَا ذَاكَ أَنْ يَقْتُلَهُ ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَأْتِيهِ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ إِلا قَبِلَ مِنْهُ وَأَسْقَطَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَأَسْلِمْ وَأَقْبِلْ .
فَأَسْلَمَ كَعْبٌ وَقَالَ قَصِيدَةً ، الْقَصِيدَةَ الَّتِي مَدَحَ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَقْبَلَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابِهِ ، مَكَانَ الْمَائِدَةِ مِنَ الْقَوْمِ ، مُتَحَلِّقِينَ مَعَهُ حَلْقَةُ دُونَ حَلْقَةٍ ، وَحَلْقَةً دُونَ حَلْقَةٍ يُقْبِلُ إِلَى هَؤُلاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ ، وَإِلَى هَؤُلاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ ، وَإِلَى هَؤُلاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ .
قَالَ كَعْبٌ : فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَعَرَفْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالصِّفَةِ ، فَتَخَطَّيْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَأَسْلَمْتُ .
فَقُلْتُ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، الأَمَانَ يَا رَسُولَ اللَّهِ !!
قَالَ : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ .
قَالَ : أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَيْفَ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ..
. ...عَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَيْبَ غَيْرِكَ دَلَّكا
عَلَى خُلُقٍ لَمْ تَلْفَ أُمًّا وَلا أَبَا .
.. عَلَيْهِ وَلَمْ يُدْرَكْ عَلَيْهِ أَخٌ لَكَا
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ
... وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
قَالَ :
يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا قُلْتُ هَكَذَا .
قَالَ : كَيْفَ قُلْتَ ؟
قَالَ : قُلْتُ :
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةً ... وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
قَالَ : مَأْمُونٌ ، وَاللَّهِ .
وَأَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا :
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ
... مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِذْ ظَعَنُوا
... إِلَّا أَغَنٌّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ
... كَأَنَّهَا مُنْهَلٌّ بِالْكَأْسِ مَعْلُولُ
شَجَّ السُّقَاةُ عَلَيْهِ مَاءَ مَحْنَيةٍ
... مِنْ مَاءِ أَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ
تَنْفِي الرِّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ
... مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٍ يَعَالِيلُ
سَقْيًا لَهَا خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ
... مَوْعُودَهَا وَلَوْ أَنَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ
لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا
... فْجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلَافٌ وَتَبْدِيلُ
فَمَا تَدُومَ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا
... كَمَا تَلَوَّنَ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ
فَلَا تَمَسَّكُ بِالْوَصْلِ الَّذِي زَعَمَتْ
... إِلَّا كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الْغَرَابِيلُ
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا
... وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلَّا الْأَبَاطِيلُ
فَلَا يَغُرَّنَّكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ
... إِلَّا الْأَمَانِيَّ وَالْأَحْلَامَ تَضْلِيلُ
أَرْجُو أَوْ آمُلُ أَنْ تَدْنُوَ مَوَدَّتُهَا
... وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ
أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضٍ مَا يُبَلِّغُهَا
... إِلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ
وَلَنْ تَبْلُغَهَا إِلَّا عَذَافِرَةٌ
... فِيهَا عَلَى الْأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ
مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ
... عَرَضْتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ
يَمْشِي الْقُرَادُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَزْلِقُهُ
... مِنْهَا لِبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ
عَيْرَانَةٌ قَذَفَتْ بِالنَّحْضِ عَنْ عَرَضٍ
... وَمِرْفَقُهَا عَنْ ضُلُوعِ الزُّورِ مَفْتُولُ
كَأَنَّمَا قَابَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحِهَا
... مِنْ خُطُمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ
تَمْرٌ مِثْلُ عَسِيبِ النَّحْلِ إِذَا خَصَلَ
... فِي غَارِ زَلْمٍ تَخُونُهُ الْأَحَالِيلُ
قَنْوَاءُ فِي حَرَّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا
... عَتَقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ
تَخْذَى عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لَاحِقَةٌ
... ذَا وَبَلٍ مَسَّهُنَّ الْأَرْضُ تَحْلِيلُ
حَرْفٌ أَبُوهَا أَخُوهَا مِنْ مَهْجَنَةٍ
... وَعَمُّهَا خَالُهَا قَوْدَاءٌ شَمْلِيلُ
سَمَرَ الْعَجَايَاتِ يُتْرَكُنَّ الْحَصَازَيْمَا
.. مَا إِنَّ تَقَيَّهُنَّ حَدَّ الْأَكْمِ تَنْعِيلُ
يَوْمًا تَظَلُّ حِدَابُ الْأَرْضِ يَرْفَعُهَا
... مِنَ اللَّوَامِعِ تَخْلِيطٌ وَتَرْجِيلُ
كَانَ أَوْبُ يَدَيْهَا بَعْدَمَا نَجَدَتْ
... وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالْقُورِ الْعَسَاقِيلُ
يَوْمًا يَظَلُّ بِهِ الْحَرْبَاءُ مُصْطَخَدًا
... كَانَ ضَاحِيَةً بِالشَّمْسِ مَمْلُولُ
أَوْبٌ بَدَا نَأْكُلُ سَمْطَاءَ مَعْوَلَةً
... قَامَتْ تُجَاوِبُهَا سَمْطٌ مَثَاكِيلُ
نُوَاحَةَ رَخْوَةَ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا
... لَمَّا نَعَى بَكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ
تَسْعَى الْوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وَقِيلِهِمُ
... إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
خَلُّوا الطَّرِيقَ يَدَيْهَا لَا أَبَا لَكُمُ
... فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ
... يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ
أُنْبِئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي
... وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ
فَقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ مُعْتَذِرًا
... وَالْعُذْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَقْبُولُ
مَهْلًا رَسُولَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ
... الْقُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ
لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ
... أُجْرِمْ وَلَوْ كَثُرَتْ عَنِّي الْأَقَاوِيلُ
لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ لَهُ
... أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ
لَظَلَّ يُرْعَدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ
... عِنْدَ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ
حَتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي لَا أُنَازِعُهُ
... فِي كَفٍّ ذِي نَقِمَاتٍ قَوْلُهُ الْقِيلُ
فَكَانَ أَخْوَفَ عِنْدِي إِذَا كَلَّمَهُ
... إِذْ قِيلَ إِنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ
مِنْ خَادِرٍ شِيكِ الْأَنْيَابِ
... طَاعَ لَهُ بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ
يَغْدُو فَيَلْحُمُ ضِرْغَامَيْنِ عِنْدَهُمَا
... لَحْمٌ مِنَ الْقَوْمِ مَنْثُورٌ خَرَادِيلُ
مِنْهُ تَظَلُّ حَمِيرُ الْوَحْشِ ضَامِرَةً
... وَلَا تَمْشِي بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ
وَلَا تَزَالُ بِوَادِيهِ أَخَا ثِقَةٍ
... مُطَّرِحِ الْبَزِّ وَالدَّرْسَانِ مَأْكُولُ
إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ
... وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ
فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ .
.. بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
زَالُوا فَمَا زَالَ الْكَأْسُ وَلَا كُشُفٌ
... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مَيْلٌ مَعَازِيلُ
شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لُبُوسُهُمْ
... مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ
بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حِلَقٌ
... كَأَنَّهَا حِلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ
يَمْشُونَ مَشْيَ الْجَمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمُ
... ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ
لَا يَفْرَحُونَ إِذَا زَالَتْ رِمَاحُهُمُ
... قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعَا إِذَا نِيلُوا
مَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهُمُ
... وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ ) .
وإسناده ضعيف ، مسلسل بالمجاهيل ، وهم :
الأول : الحجاج بن ذي الرقيبة ، وهو الحجاج بن عبد الرحمن بن مضرب ، ذكره ابن منده في "معرفة الصحابة" (ص292) ، وقال فيه :" من ولد كعب بن زهير ". انتهى ، وذكره المزي في "تهذيب الكمال" (2/207) في شيوخ إبراهيم بن المنذر ، ولم يوثقه أحد ، فهو مجهول .
والثاني : ذو الرقيبة ، لم يترجم له أحد .
والثالث : عبد الرحمن بن كعب بن زهير ، لم يترجم له أحد أيضا .
الطريق الثاني :
أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (634) ، وابن ديزيل في "حديثه" (16) ، والحاكم في "المستدرك" (6478) ، من طريق إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِرِ ، قال حَدَّثَنِي مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْقَصُ ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ قَالَ:( أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرِ بن أَبِي سُلْمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبولُ ... مُتَيَّمٌ عِنْدَهَا لَمْ يفد مَغْلُولُ ) .
وإسناده ضعيف أيضا ، فيه أكثر من علة :
الأولى : الانقطاع ؛ علي بن زيد بن جدعان من التابعين ، روى عن أنس بن مالك ، وأكثر روايته عن التابعين ، فحديثه هنا مرسل .
الثانية : ضعفُ علي بن زيد بن جدعان ، فأكثر المحدثين على ضعفه ، وعلى أحسن الأقوال فيه : أنه لا يترك ، بل فيه لين ، كما قال الدارقطني في "سؤالت البرقاني" (361) ؛ فمثله : لا يحتج به إن انفرد .
الثالثة : محمد بن عبد الرحمن الأوقص ، فيه إشكالان :
الأول : أنه ضعيف ، ضعفه ابن عساكر كما في "ميزان الاعتدال" (3/625) ، وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (4/97) :" يخالف في حديثه ". انتهى .
والثاني : أن روايته عن علي بن زيد بن جدعان مرسلة ، كما قال البخاري في "التاريخ الكبير" (1/156) .
الطريق الثالث :
أخرجه ابن سلام الجمحي في "طبقات فحول الشعراء" (118) من طريق محمد بن سليمان ، وابن قانع في "معجم الصحابة" (2/381) من طريق الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، كلاهما عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ... وساقه بنحوه .
وهذا مرسل صحيح إلى سعيد بن المسيب ، وهو أجود طرق هذه القصة ، وإن كان طريق ابن قانع فيه من لم يسم ، إلا أن طريق محمد بن سلام الجمحي صحيح إلى سعيد بن المسيب .
الطريق الرابع :
أخرجه ابن ديزيل في "حديثه" (17) ، والحاكم في "المستدرك" (6479) ، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/244) ، من طريق إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِرِ ، قال حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:( أَنْشَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ بَانَتْ سُعَادُ فِي مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ ) .
وهذا أيضا مرسل أو معضل ، فإن موسى بن عقبة غالب رواياته عن التابعين وتابعي التابعين ، إلا أن مغازي موسى بن عقبة من أجود المغازي ، وقد روى ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8/154) عن معن بن عيسى قال:" كان مالك بن أنس إذا قيل له مغازي من نكتب؟ قال: عليكم بمغازي موسى بن عقبة ؛ فإنه ثقة ". انتهى
الطريق الخامس :
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/177) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1248) ، والحاكم في "المستدرك" (6480) ، من طريق محمد بن سلمة . وأخرجه ابن منده في "معرفة الصحابة" (ص292) ، والحاكم في "المستدرك" (6480) من طريق يونس بن بكير = كلاهما ( محمد بن سلمة ، ويونس بن بكير ) عن محمد بن إسحاق قَالَ:( لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنَ الطَّائِفِ ، وَكَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سَلْمَى إِلَى أَخِيهِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى .. ) ، وساقه بنحوه ، إلا أنه لم يذكر القصيدة كاملة .
وأورده ابن هشام في "السيرة" (2/504) من طريق ابن إسحاق ، وزاد فيه هذا البيت :
هَيْفَاءُ مُقْبِلَةً عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً ... لَا يُشْتَكَى قِصَرٌ مِنْهَا وَلَا طُولُ
وإسناده صحيح إلى محمد بن إسحاق ، إلا أنه معضل ، فإن ابن إسحاق لم يذكر له سندا .
ومما سبق يتبين أن جميع طرق هذه القصة ضعيفة ، وهذا لا خلاف فيه .
ولذا نقل الشوكاني عن الإمام العراقي في "نيل الأوطار" (2/166) أنه قال :" قال العراقي : وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء، وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع ". انتهى .
إلا أنها جاءت من عدة طرق مراسيل ، منها مرسل سعيد بن المسيب ، ومراسيل سعيد بن المسيب من أصح المراسيل .
روى الخطيب البغدادي في "الكفاية" (ص404) عن ابن معين أنه قال :" أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ". انتهى ، وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب" (ص241) :" اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل ". انتهى
وكذلك رواية موسى بن عقبة لها : تقوي القصة ، كما تقدم ، مع مرسل علي بن زيد بن جدعان ، وإن كان ضعيفا إلا أنه يستأنس به .
والمراسيل إذا تعددت طرقها ، دون تواطؤ : كانت صحيحة مقبولة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (13/347) :" و" الْمَرَاسِيلُ إذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهَا ، وَخَلَتْ عَنْ الْمُوَاطَأَةِ قَصْدًا ، أَوْ الِاتِّفَاقِ بِغَيْرِ قَصْدٍ : كَانَتْ صَحِيحَةً قَطْعًا ". انتهى
ثم هذه القصة مشهورة جدا عند المصنفين في السير والمغازي ، وأكثرهم إن لم يكن جميعهم أوردها ، ومثل هذه الأمور إذا تعددت طرقها، حتى لو كانت من المراسيل الصحيحة ، فإنها تقبل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول" (ص147) :" و مثل هذا مما يشتهر عند هؤلاء مثل الزهري و ابن عقبة و ابن إسحاق و الواقدي و الأموي و غيرهم .
وأكثر ما فيه أنه مرسل ، والمرسل إذا روي من جهات مختلفة ، ولا سيما ممن له عناية بهذا الأمر وتتبع له : كان كالمسند ، بل بعض ما يشتهر عند أهل المغازي ويستفيض : أقوى مما يروى بالإسناد الواحد ". انتهى
ومما يدل على صحة القصة أيضا : أن أكثر أهل العلم قبلها ، واعتمد عليها .
ومن هؤلاء :
ابن عبد البر ، حيث قال كما في "الاستذكار" (8/241) :" وَقَدْ أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصِيدَتَهُ اللَّامِيَّةَ ، أَوَّلُهَا : بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ". انتهى
وابن قدامة ، حيث قال كما في "المغني" (10/157) :" وَالشِّعْرُ كَالْكَلَامِ ؛ حَسَنُهُ كَحَسَنِهِ ، وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:" إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكَمًا " ، وَكَانَ يَضَعُ لَحَسَّانَ مِنْبَرًا يَقُومُ عَلَيْهِ ، فَيَهْجُو مَنْ هَجَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَالْمُسْلِمِينَ.
وَأَنْشَدَهُ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَصِيدَةَ: بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ". انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ، في "الرد على البكري" (2/556) :" وليس كل الشعر مذموما ، بل منه ما هو مباح ممدوح ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:" إن من الشعر لحكمة " ..
و كذلك سمع قصيدة كعب بن زهير المشهورة التي أولها بانت سعاد ، إلى غير ذلك من الأدلة الشرعية التي تدل على أن من الشعر ما يجوز إنشاؤه و استماعه ". انتهى
وكثير من أهل العلم والفقه استدلوا بها كذلك ، مثل : القاضي عياض في "إكمال المعلم" (8/549) ، والشيرازي في "المهذب" (2/328) ، والماوردي في "الحاوي الكبير" (17/204) ، والعمراني في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (7/529) ، والروياني في "بحر المذهب" (14/321) ، وابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (10/223) ، وابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (7/410) ، والمرداوي في "الإنصاف" (8/315) ، والبهوتي في "كشاف القناع" (6/422) .
وأما ما ذكر في هذه القصة من الغزل ، والخمر ونحو ذلك ، فقد أجاب عنه أهل العلم بعدة أجوبة ، منها :
الجواب الأول : أن المرأة لم تكن معينة ، بل ذكر اسما لامرأة دون تعيين .
والقصة أخرجها البيهقي في "سننه الكبرى" (10/243) محتجا بها ، وبوّب عليها فقال : بَابُ مَنْ شَبَّبَ فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا ، لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُشَبِّبَ بِامْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ ". انتهى
وقال ابن الهمام في "فتح القدير" (7/410) :" لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِيهِمَا لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً ، فَلَوْلَا أَنَّ إنْشَادَ مَا فِيهِ وَصْفُ امْرَأَةٍ كَذَلِكَ جَائِزٌ ، لَمْ تَقُلْهُ الصَّحَابَةُ .
وَمِمَّا يَقْطَعُ بِهِ فِي هَذَا قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". انتهى
وقال النووي في "روضة الطالبين" (11/229) :" إِنَّ التَّشْبِيبَ بِالنِّسَاءِ وَالْغِلْمَانِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ وَإِنْ كَثُرَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيبَ صَنْعَةٌ ، وَغَرَضُ الشَّاعِرِ تَحْسِينُ الْكَلَامِ ، لَا تَحْقِيقُ الْمَذْكُورِ .
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لَوْ سَمَّى امْرَأَةً لَا يَدْرِي مَنْ هِيَ ". انتهى
الجواب الثاني : أن هذه كانت عادة الشعراء قديما ، فيغتفر مثل ذلك ، خاصة أنها قيلت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهم أبر هذه الأمة قلوبا وأبعدها عن الدنس ، مع ما في هذه القصائد من المعاني الجميلة الرائقة في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، والدفاع عنه ، والحث على الجهاد في سبيل الله .
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/262) :" ومنه تقريرهم على قول الشعر ، وإن تغزَّل أحدهم فيه بمحبوبته ، وإن قال فيه ما لو أقر به في غيره ، لأخذ به ، كتغزل كعب بن زهير بسعاد ، وتغزّل حسان في شعره ، وقوله فيه:
كَأَنَّ خَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
ثم ذكر وصف الشراب، إلى أن قال:
ونشربها فتتركنا ملوكًا ... وأسدًا لا ينهنهنا اللقاء
فأقرّهم على قول ذلك وسماعه ، لعلمه ببرِّ قلوبهم ، ونزاهتهم وبعدهم عن كل دَنَسٍ وعيب ، وأن هذا إذا وقع مقدمة بين يدي ما يحبه اللَّه ورسوله من مدح الإسلام وأهله ، وذم الشرك وأهله والتحريض على الجهاد والكرم والشجاعة : فمفسدته مغمورة جدًا في جنب هذه المصلحة ، مع ما فيه من مصلحة هزّ النفوس واستمالة إصغائها وإقبالها على المقصود بعده .
وعلى هذا جرت عادة الشعراء بالتغزّل بين يدي الأغراض التي يريدونها بالقصيد ". انتهى
الجواب الثالث : أن ذكر الخمر جاء على سبيل التشبيه ، حيث شبه ريقها بالخمر.
قال ابن العربي في "أحكام القرآن" (3/469) :" أَمَّا الِاسْتِعَارَاتُ وَالتَّشْبِيهَاتُ : فَمَأْذُونٌ فِيهَا وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ الْحَدَّ ، وَتَجَاوَزَتْ الْمُعْتَادَ ، فَبِذَلِكَ يَضْرِبُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِالرُّؤْيَا الْمَثَلَ ، وَقَدْ أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ... مُتَيَّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إذْ رَحَلُوا ... إلَّا أَغَنُّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إذَا ابْتَسَمَتْ ... كَأَنَّهُ مُنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ
فَجَاءَ فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ مِنْ الِاسْتِعَارَاتِ وَالتَّشْبِيهَاتِ بِكُلِّ بَدِيعٍ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ وَلَا يُنْكِرُ ، حَتَّى فِي تَشْبِيهِ رِيقَهَا بِالرَّاح ". انتهى
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (2/166) :" قال العراقي : وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء ، وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع .
وعلى تقدير ثبوت هذه القصيدة عن كعب ، وإنشادها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد أو غيره : فليس فيها مدح الخمر ، وإنما فيها مدح ريقها وتشبيهه بالراح ". انتهى
ونختم بكلام العلامة السفاريني في "غذاء الألباب" (1/142) :
" فحصل من إنشاد قصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واعطائه عليه الصلاة والسلام البردة عدة سنن :
- إباحة إنشاد الشعر واستماعه في المساجد والاعطاء عليه .
- وسماع التشبيب ، فإنه في قصيدة كعب رضي الله عنه في عدة مواضع ، فإنه ذكر محبوبته وما أصاب قلبه عند ظعنها ، ثم وصف محاسنها وشبهها بالظبي ، ثم ذكر ثغرها وريقها وشبهه بخمر ممزوجة بالماء ، ثم إنه استطرد من هذا إلى وصف ذلك الماء ، ثم هذا إلى وصف الأبطح الذي أخذ منه ذلك الماء ، ثم إنه رجع إلى ذكر صفاتها ، فوصفها بالصد ، وإخلاف الوعد ، والتلون في الود ، وعدم التمسك بالعهد
وضرب لها عرقوباً مثلاً ، ثم لام نفسه على التعلق بمواعيدها ، ثم أشار إلى بُعد ما بينه وبينها ، وأنه لا يبلغه إليها إلا ناقة من صفتها كيت وكيت . وأطال في وصف تلك الناقة على عادة العرب في ذلك . ثم استطرد من ذلك إلى ذكر الواشين ، وأنهم يسعون بجانبي ناقته ويحذرونه القتل ، وأن أصدقاءه رفضوه ، وقطعوا حبل مودته ، وأنه أظهر لهم الجلد ، واستسلم للقدر ، وذكر لهم أن الموت مصير كل ابن أنثى .
ثم خرج إلى المقصود الأعظم ، وهو مدح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإلى الاعتذار إليه وطلب العفو منه والتبري مما قيل عنه ، وذكر شدة خوفه من سطوته ، وما حصل له من مهابته ، ثم إلى مدح أصحابه المهاجرين رضي الله عنه أجمعين .
هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده ، وأصحابه حوله ، وهو ملق بسمعه إليه ، ومقبل في كل ذلك عليه .
فهل يسوغ إنكار إنشاء الشعر واستماعه ، وإنشاد التشبيب واصطناعه ، بعد الوقوف على مثل هذه القصيدة ، وأمثال أمثالها مما هو مألوف ومعروف ؟
وهل يرد هذه الأخبار ، إلا معتد غدار ، أو جاهل بآثار، عن النبي المختار ، والسلف الأخيار؟ هذا مع الاجماع على جواز استماعه في مثل تلك المحافل ، وعدم الإنكار على شيء من تلك الأشعار في أولئك الجحافل " انتهى .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-06-24, 15:18
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل تسن الاستخارة في مسجد قباء ، وهل لها مزية فيه عن غيره؟
السؤال :
إذا ثبت حديث ركوب الرسول صلى الله عليه وسلم لمسجد قباء للإستخارة في ميراث العمة والخالة ، فهل يقال : إن الإستخارة في مسجد قباء لها مزية وفضل ؟ وهل هي سنة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الحديث الوارد في ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجد قباء ، وأداءه صلاة الاستخارة هناك في ميراث العمة والخالة : حديث ضعيف لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والحديث مداره على عبد العزيز بن محمد الدراوردي .
وقد اختلف عليه فيه ؛ فرواه مرة متصلا ، ومرة مرسلا ، والراجح فيه أنه مرسل ، والمرسل ضعيف .
فأما الطريق المتصل ، فأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/141) ، من طريق مُحَمَّد بْن الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدَنِيُّ ، قال حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ ، قال حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ .
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (7998) ، من طريق ضِرَار بْن صُرَدَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ .
كلاهما ( صفوان بن سليم ، وزيد بن أسلم ) عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا إِلَى قُبَاءَ يَسْتَخْيرُ فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا ) .
وإسناده ضعيف .
أما طريق الطبراني : ففيه : " محمد بن الحارث بن سفيان المخزومي " ، مجهول ، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (1/65) ، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (7/230) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ، وقال فيه ابن حجر في "تقريب التهذيب" (5798) :" مقبول " انتهى .
وأما طريق الحاكم : ففيه " ضرار بن صرد " : اتهمه ابن معين بالكذب كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/465) ، وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (ص196) :" متروك الحديث ". انتهى
وهذا الطريق ضعفه ابن الملقن في "البدر المنير" (7/201) ، وابن حجر في "التلخيص الحبير" (1392) .
وأما الطريق المرسل :
فأخرجه أبو داود في "المراسيل" (361) ، من طريق عبد الله بن مسلمة .
والدارقطني في "السنن" (4/98) ، من طريق أبي الجماهر .
كلاهما ( عبد الله بن مسلمة ، أبو الجماهر ) عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار :( أن النبي صلى الله عليه و سلم ركب إلى قباء ، يستخير في ميراث العمة والخالة ، فأنزل الله : أن لا ميراث لهما ).
وقول عبد الله بن مسلمة - وهو ثقة حجة - ، وأبي الجماهر محمد بن عثمان التنوخي - وهو ثقة - ، هو الصحيح ، ولذا فالراجح أنه مرسل.
ثانيا :
وأما عن حكم تخصيص مسجد قباء بصلاة الاستخارة فيه ، فلا يشرع مثل ذلك ، لما يلي :
أولا : ضعف الحديث كما تقدم .
ثانيا : لم نقف على أثر عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه كان يخص مسجد قباء بصلاة الاستخارة . وهذا أيضا مما يؤكد عدم ثبوت السنة بذلك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يذهب إلى مسجد قباء كل سبت ، راكبا أو ماشيا ، فيصلي فيه ركعتين ، ولم يقيد ذلك باسختارة ولا غيرها .
كما رواه البخاري في "صحيحه" (1193) ، ومسلم في "صحيحه" (1399) ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ:( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ ، مَاشِيًا وَرَاكِبًا ). زاد مسلم :( فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ) .
وكذلك صح عنه : أن الصلاة في مسجد قباء تعدل عمرة ، ومن ذلك :
وما رواه الإمام أحمد في "مسنده" (15981) ، من حديث سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ - يَعْنِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ - فَيُصَلِّيَ فِيهِ كَانَ كَعَدْلِ عُمْرَةٍ ).
والحديث صحيح ، صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3446) .
وما رواه الترمذي في "سننه" (324) ، من حديث أُسَيْد بْن ظُهَيْرٍ الأَنْصَارِيَّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( الصَّلاَةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ ).
والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1159) .
فعلى هذا : من قصد مسجد قباء لأجل الصلاة فيه ، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك : كان فعله مشروعا مستحبا .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-24, 15:23
حول الروايات التي رويت في قصة قتل أبي جهل وقطع رأسه .
السؤال :
أرغب في السؤال عن صحة ما يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه ، فعن ابن مسعود أنه لما أسلم كان داعياً لبعض أهل مكة ، وهو من قبيلة هذيل ، وهي قبيلة بجانب مكة ، فلما أسلم علم به أبو جهل فلقيه في بعض طرقات مكة ، وأمسك أذنه ، وكان يعركها، وقال له: أصبأت يا رويعي الغنم ؟
قال: فسكت؛ لأنه لا يستطيع أن يتكلم فلو تكلم فإنه سيذبحه ، قال: فأمسكني من أذني حتى ألصقني بالجدار ، ثم أخرج مسماراً من جيبه ، ودق إصبعي بالمسمار في الجدار، يقول: وبقيت معلقاً بالمسمار طوال يومي ، حتى مر أبو بكر رضي الله عنه ففك المسمار
والدم يسيل إلى الأرض، قال: فنسيتها. وجاءت الأيام ، ودارت الأعوام إلى أن جاءت غزوة بدر ، وقتل أبو جهل ، قتل بضربتين مختلفتين من معاذ ومعوذ ابني عفراء من الأنصار، ولكنه لم يمت ، ولا يزال يلفظ أنفاسه
فقام ابن مسعود يتفقد القتلى، فمر على أبي جهل وهو يكاد يموت ، قال ابن مسعود : فصعدت على صدره -وصدر أبي جهل كصدر البعير- وأخذت سيفي وحززت عنقه ، فقال لي: لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم! ، إذا قطعت رأسي فأطل عنقي فإن العنق مع الرأس ، حتى يبقى رأسي طويلاً وكبيراً ، عزة حتى في الموت ، الله أكبر! ما أشد عناد هذا الخبيث! يقول: فحززت عنقه -أي: قطعت رأسه- فلم أستطع حمله
، فرأسه كرأس الثور كبير لا يُحمل ، وابن مسعود صغير، فقد يكون رأسه أكبر من ابن مسعود ، قال ابن مسعود : فحاولت أن أحمل رأسه فلم أستطع ، فأخرجت سيفي ، وخرمت في مسمعه
ثم أتيت بحبل وربطته في مسمعه وسحبت رأسه ، حتى قدمت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فلما رآني الرسول تذكر ما حدث في مكة وقال: (إيه يا ابن مسعود الأذن بالأذن والرأس زيادة ) أذن في مكة بأذن هنا، ولكن معك مكسب ؛ وهو الرأس، رضي الله عنه وأرضاه " ؟
الجواب :
الحمد لله
فإن هذا الكلام المنقول في السؤال ليس بحديث بهذا السياق ، وإنما هو مركب من عدة أحاديث منها الصحيح ، ومنها الضعيف ، ومنها ما لا أصل له ، فجمعه بعض الدعاة على سبيل الحكاية ، وبيان حكم كل جزء منها تفصيلا كما يلي :
أما الجزء الأول : وهو تعذيب أبي جهل لعبد الله بن مسعود بالمسمار ، فهذا لا أصل له ، وإنما الذي ورد أنه كان يؤذي عبد الله بن مسعود بغير ذلك ، ومما ورد في ذلك :
ما أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" كما نقله ابن هشام في "السيرة" (1/634 - 636) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (5490) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/84) ، من طريق ابن إسحاق قال : حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في قصة قتل أبي جهل قال : قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ:( فَأَدْرَكْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ ، فَعَرَفْتُهُ ، فَوَضَعْتُ رِجْلَيَّ عَلَى عُنُقِهِ ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ ضَبِثَ بِي مَرَّةً بِمَكَّةَ ، فَآذَانِي وَلَكَزَنِي ، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللهُ يَا عَدُوَّ اللهِ؟ قَالَ: وَبِمَا أَخْزَانِي أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنِ الدَّبْرَةُ الْيَوْمَ؟ قَالَ: قُلْتُ: للَّهِ وَلِرَسُولِهِ ).
وإسناده حسن ، لأجل محمد بن إسحاق ، وقد صرح بالتحديث .
وموضع الشاهد على التعذيب في الأثر قوله :" وقد كان ضبث بي مرة بمكة ، فآذاني ولكزني ".
ومنها ما أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (5263) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/83) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/87) ، من طريق الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود ، قَالَ:( انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ صَرِيعٌ وَعَلَيْهِ بَيْضَتُهُ وَمَعَهُ سَيْفٌ جَيِّدٌ ، وَمَعِي سَيْفٌ رَدِيءٌ
فَجَعَلْتُ أَنْقُفُ رَأْسَهُ بِسَيْفِي ، وَأَذْكُرُ نَقْفًا كَانَ يَنْقُفُ رَأْسِي بِمَكَّةَ حَتَّى ضَعُفَتْ يَدُهُ ، فَأَخَذْتُ سَيْفَهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ: عَلَى مَنْ كَانَتِ الدَّبْرَةُ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا ، أَلَسْتَ رُوَيْعِينَا بِمَكَّةَ؟ فَقَتَلْتُهُ ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ ، فَقَالَ: آللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؟ فَاسْتَحْلَفَنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَامَ مَعِي إِلَيْهِمْ ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ ).
وإسناده ضعيف ، فيه علتان :
أحدهما : الانقطاع بين أبي عبيدة وابن مسعود ، حيث إنه لم يسمع منه ، كما في "المراسيل" لابن أبي حاتم (955) .
الثانية : تدليس الأعمش وأبي إسحاق السبيعي .
الجزء الثاني : في قتل معاذ ومعوذ ابني عفراء لأبي جهل
فهذا ثابت في الصحيحين .
أخرجه البخاري في "صحيحه" (3962) ، ومسلم في "صحيحه" (1800) ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟. فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ ، قَالَ: أَأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ ، قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ ، أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ ).
الجزء الثالث : في قول أبي جهل :" لقد ارتقيت مرتقىً صعبا يا رويعي الغنم "
أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" كما في "سيرة ابن هشام" (1/636):" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ:( قَالَ لِي: لَقَدْ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِي الْغَنَمِ قَالَ: ثمَّ احتززت رَأْسَهُ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا رَأْسُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْلٍ
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آللَّه الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ- قَالَ: وَكَانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قُلْتُ نَعَمْ ، وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ ، ثُمَّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ ) .
وإسناده ضعيف ، حيث إن الواسطة بين ابن إسحاق وعبد الله بن مسعود لم يسم ، فقال " وزعم رجال من بني مخزوم ".
الجزء الرابع : في قطع ابن مسعود رأس أبي جهل .
وهذا قد جاء فيه عدة أحاديث ، لا يخلو واحد منها من ضعف ، ومن ذلك :
ما أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1391) ، والدارمي في "سننه" (1503) من طريق سلمة بن رجاء ، قال حَدَّثَتْنِي شَعْثَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى:( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ رَكْعَتَيْنِ ).
وإسناده ضعيف ، فيه علتان :
الأولى : ضعف سلمة بن رجاء ، حيث قد ضعفه النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (242) ، وقال ابن معين :" ليس بشيء " ، وقال أبو حاتم :" ما بحديثه بأس " ، وقال أبو زرعة :" صدوق " . كذا في "الجرح والتعديل" (4/160) .
الثانية : جهالة حال " شعثاء " ، ذكرها الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" (3/1432) ، وقال :" امرأة تروي عن عَبد الله بن أبي أوفى ، روى عنها سلمة بن رجاء ".
انتهى ، ولم يوثقها أحد ، ولذا قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" (8616) :" لا تعرف ". انتهى
ومنها ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/84) ، من طريق سُفْيَان ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ:( أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ ، فَقُلْتُ: هَذَا رَأْسُ أَبِي جَهْلٍ ، قَالَ: اللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ؟ ، وَهَكَذَا كَانَتْ يَمِينُهُ ، فَقُلْتُ: وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ، إِنَّ هَذَا رَأْسُ أَبِي جَهْلٍ ، فَقَالَ: هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ).
وإسناده ضعيف ، لأجل الانقطاع بين أبي عبيدة وابن مسعود كما تقدم .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تقوية الرواية في ذلك ؛ قال ابن المنير رحمه الله عن هذا الحديث : " إِسْنَاده جيد.." .
انتهى، من "البدر المنير" (9/106) .
وقال الحافظ ابن حجر :
" إسناده حسن، واستغربه العقيلي . "
انتهى، من "التلخيص الحبير" (6/2914) .
قال الرافعي رحمه الله :
" وما روي من حَمْلِ رَأْسِ أبي جَهْلٍ فقد تَكَلَّمُوا في ثُبُوتِهِ .
وبتقدير الثُّبُوتِ، فإنَّهُ حُمِلَ في الوَقْعَةِ من مَوْضِع إلى موضع، ولم يُنْقَلْ من بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، وكأنَّهُمْ أرادوا أَن يَنْظُرَ الناسُ إليه، فَيَتَحَقَّقُوا موْتَهُ. "
انتهى، من "الشرح الكبير" (11/409) .
وأما الجزء الخامس والأخير ، وهو المتعلق بجر ابن مسعود رأس أبي جهل ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له :" أذن بأذن والرأس زيادة " : فهذا الجزء لا أصل له .
وإنما أورده الرازي في تفسيره " مفاتيح الغيب" (32/224)
وذكره النيسابوري في تفسيره "غرائب الفرآن" (6/533)
وعنه نقلها الصفوري في "نزهة المجالس" (2/69) ، وصدره بقوله :" يحكى أنه لما نزلت سورة الرحمن قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يقرأها على رؤساء قريش؟ فتثاقل القوم مخافة أذيتهم فقام ابن مسعود .. ثم ساق قصة قتل أبي جهل وفيها أنه قال :( ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمَّا لَمْ يُطِقْهُ شَقَّ أُذُنَهُ ، وَجَعَلَ الْخَيْطَ فِيهِ ، وَجَعَلَ يَجُرُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَجِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَضْحَكُ ، وَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أُذُنٌ بأذن لكن الرأس هاهنا مَعَ الْأُذُنِ ).
وهذا الجزء ليس له أصل ، ولم نقف له على إسناد ، فلا يصح ، والله أعلم .
ثم إن حمل الرؤوس ليس من هدي المسلمين ، ولذا أنكره أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما جاءه بعض أصحابه برأس كافر .
فقد أخرج سعيد بن منصور (2649) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (34303) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، ( أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَأْسِ يَنَّاقِ الْبِطْرِيقِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ ، فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا ، قَالَ:" فَاسْتِنَانٌ بِفَارِسَ وَالرُّومِ؟ لَا تُحْمَلْ إِلَيَّ رَأْسٌ ، فَإِنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ ).
وإسناده صحيح ، صحح إسناده ابن حجر في "التلخيص الحبير" (4/199) .
وقال ابن أبي زيد القيرواني في "النوادر والزيادات" (3/73) :" ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون لا يجوز حمل الرؤوس من بلد إلى بلد ولا حملها إلى الولاة ". انتهى
وقال ابن قدامة في "المغني" (9/326) :" يُكْرَهُ نَقْل رُءُوسِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ ، وَالْمُثْلَةُ بِقَتْلَاهُمْ وَتَعْذِيبُهُمْ ، لِمَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ ، قَالَ:"كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ ، وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ » ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « إنَّ أَعَفَّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ » رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد ". انتهى
وختاما : فإننا نهيب بإخواننا الدعاة وطلاب العلم وجميع المسلمين التحري في النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، لأن الأمر دين ، وليس كل ما يذكر في بطون كتب السير والتاريخ صحيح ، خاصة أن منه ما قد يثير شبهة عند بعض المسلمين مع كونه غير ثابت .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-24, 15:29
الجمع بين كون النبي عليه الصلاة والسلام أخو حمزة بن عبد المطلب في الرضاعة ، مع أن حمزة أسنّ منه .
السؤال :
لقد قرأت في مكانٍ ما أن حمزة عم النبي كان أكبر من النبي ب 4 سنوات ، عبد الله وعبد المطلب كانا قد تزوجا في نفس اليوم ، بعد بضعة أشهرٍ توفي عبد الله من المرض ، وفي خلال ذلك الوقت كان ينبغي أن يكون النبي قد تصوّر ، ثم وُلد بعد 9 أشهر. فكيف ولد حمزة قبل النبي ب4 سنوات ؟ معرفتي بهذا الشأن غريب حقاً ، ويوقعني في الشكوك .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
فإن من المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخو حمزة بن عبد المطلب من الرضاعة ، وقد ثبت ذلك في الصحيحين .
حيث أخرج البخاري في "صحيحه" (2645) ، ومسلم في "صحيحه" (1447) ، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ:( لاَ تَحِلُّ لِي ، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ ) .
وعند مسلم في "صحيحه" (1446) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قَالَ:( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا لَكَ تَنَوَّقُ فِي قُرَيْشٍ وَتَدَعُنَا؟ فَقَالَ:" وَعِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ ، بِنْتُ حَمْزَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي ، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ ) .
وقد ذكر علماء السير أن ثويبة مولاة أبي لهب أرضعت حمزة بن عبد المطلب والنبيَ صلى الله عليه وسلم وأبا سلمة بن عبد الأسد .
وقد روى البخاري في "صحيحه" (5101) ، ومسلم في "صحيحه" (1449)
من حديث أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ ، أَنَّهَا قَالَتْ:( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ ، فَقَالَ: أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكِ . فَقُلْتُ: نَعَمْ ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ ذَلِكِ لاَ يَحِلُّ لِي. قُلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ قَالَ: بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ ، قُلْتُ: نَعَمْ ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي ، إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ ) .
وهذا لا خلاف عليه ، في أن النبي صلى الله عليه وسلم أخو حمزة من الرضاعة ، وأن من قامت بإرضاعهما ثويبة مولاة أبي لهب .
ثانيا :
أما الحديث حول عمر حمزة رضي الله عنه ، وكيف يكون أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو أربع وقد رضعا سويا ، مع ما ذكر أن عبد المطلب تزوج في نفس اليوم الذي تزوج فيه ولده عبد الله ، فبيان ذلك في النقاط التالية :
أولا : في قضية زواج عبد المطلب وعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم في نفس اليوم .
لم يثبت في زواجهما في نفس اليوم حديث ، وإنما ورد فيه حديثان كلاهما غير صحيح .
الحديث الأول
: ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/137) وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (71) ، وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (271) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (1/106) من طريق عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُخَرِّمِيُّ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ ، مَوْلَى الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنِ الْمِسْوَرِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:( قَدِمْتُ الْيَمَنَ فِي رِحْلَةِ الشِّتَاءِ ، فَنَزَلْتُ عَلَى حَبْرٍ مِنَ الْيَهُودِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الزَّبُورِ ، - يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ -: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: مِنْ قُرَيْشٍ ، قَالَ: مِنْ أَيِّهِمْ؟ قُلْتُ: مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، قَالَ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى بَعْضِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ ، مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً ، قَالَ: فَفَتَحَ أَحَدَ مَنْخِرَيَّ ، ثُمَّ فَتَحَ الْآخَرَ ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فِيَ إِحْدَى يَدَيْكَ مُلْكًا ، وَفِي الْأُخْرَى نُبُوَّةٌ ، وَإِنَّا نَجِدُ ذَلِكَ فِي بَنِي زُهْرَةَ
فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي ، قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ شَاعَةٍ؟ قُلْتُ: وَمَا الشَّاعَةُ؟ قَالَ: الزَّوْجَةُ ، قُلْتُ: أَمَّا الْيَوْمُ فَلَا ، فَقَالَ: فَإِذَا رَجَعْتَ فَتَزَوَّجْ فِيهِمْ ، فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى مَكَّةَ ، فَتَزَوَّجَ هَالَةَ بِنْتَ وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، فَوَلَدَتْ لَهُ حَمْزَةَ، وَصَفِيَّةَ ، وَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ، فَوَلَدَتْ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَوَهْبٌ وَوُهَيْبٌ أَخَوَانِ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَجَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَبِيهِ ).
وإسناده ضعيف جدا ، فيه " عبد العزيز بن عمران " ، قال البخاري في "الضعفاء الصغير" (223) :" مُنكر الحَدِيث لَا يكْتب حَدِيثه " . انتهى ، وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (393) :" متروك الحديث ". انتهى ، وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (5/391) :" متروك الحديث ، ضعيف الحديث ، منكر الحديث جدا ". انتهى
هذا ، ولفظ الحديث ليس فيه أنهما تزوجا معا في نفس اليوم .
الحديث الثاني
: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (1/94) ، والحاكم في "المستدرك" (4877) ، من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الواقدي ، قال حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ ، عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنْ أَبِيهَا، ( أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ فِي حِجْرِ عَمِّهَا أَهْيَبَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ
وَإِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ جَاءَ بِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ، وَتَزَوَّجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ هَالَةَ بِنْتَ أَهْيَبَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، وَهِيَ أُمُّ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ، وَكَانَ قَرِيبَ السِّنِّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ) .
وإسناده تالف .
فيه " محمد بن عمر الواقدي " : قال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (8/21) ، والبخاري في "الضعفاء الصغير" (334) ، والنسائي في "الضعفاء والمتروكين" (531) :" متروك الحديث ". انتهى، واتهمه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه بالكذب كما في "الكامل" لابن عدي (7/481).
ولفظ الحديث :( فَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ، وَتَزَوَّجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ هَالَةَ بِنْتَ أَهْيَبَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَهِيَ أُمُّ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ). - إن صح – لا يدل على أن دخول كل منهما بزوجته كان في نفس اليوم ، لاحتمال أن يكون المراد بالزواج هنا الخطبة لا البناء ، وهذا ترجيح الحلبي في "السيرة الحلبية" .
قال الحلبي في "السيرة الحلبية" (1/125) :" وأرضعت ثويبة رضي الله تعالى عنها قبلهما عمه صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب ، وكان أسنّ منه صلى الله عليه وسلم بسنتين ، وقيل بأربع سنين.
أقول: هذا يخالف ما تقدم من أن عبد المطلب تزوج من بني زهرة هالة وأتى منها بحمزة ، وأن عبد الله تزوج من بني زهرة آمنة وذلك في مجلس واحد ، وأن آمنة حملت برسول صلى الله عليه وسلم عند دخول عبد الله بها ، وأنه دخل بها حين أملك عليها ، فكيف يكون حمزة أسنّ منه صلى الله عليه وسلم بسنتين ، إلا أن يقال ليس فيما تقدم تصريح بأن عبد المطلب وعبد الله دخلا على زوجتيهما في وقت واحد.
وعبارة السهيلي: هالة بنت وهيب عبد بن مناف بن زهرة عم آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها عبد المطلب ، وتزوج ابنه عبد الله آمنة في ساعة واحدة ، فولدت هالة لعبد المطلب حمزة ، وولدت آمنة لعبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أرضعتهما ثويبة ، هذا كلامه ، وليس فيه كقول « أسد الغابة »
المتقدم أن عبد المطلب تزوج هو وعبد الله في مجلس واحد ، تصريح بأنهما دخلا بزوجتيهما في وقت واحد ، لإمكان حمل التزوج على الخطبة المصرح بها فيما تقدم عن ابن المحدث: أن عبد المطلب خطب هالة في مجلس خطبة عبد الله لآمنة ، والله أعلم ". انتهى
هذا لو صح الإسناد ، كيف وهو لم يصح .
ثانيا : في الجمع بين كون النبي صلى الله عليه وسلم أخا حمزة من الرضاعة ، مع أن حمزة رضي الله عنه أسن من النبي صلى الله عليه وسلم .
وجوابه في نقطتين :
الأولى :
أن من أهل العلم من يرى أن حمزة أصلا لم يكن أكبر في السن من النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه لم يدل دليل على ذلك ، وإنما هو قول أهل السير ، ومن هؤلاء ابن عبد البر .
قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (1/369) في ترجمة حمزة رضي الله عنه :" كان أسن من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بأربع سنين ، وهذا لا يصح عندي ، لأن الحديث الثابت أن حمزة ، وعبد الله بن عبد الأسد ، أرضعتهما ثويبة مع رسول الله صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ ، إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين ". انتهى
الثانية :
أنه لا مانع من رضاع النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة من ثويبة ، وفي ذات الوقت أن يكون حمزة متقدما في العمر على النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو أربع ، وذلك لأنه لا يلزم أن يكون الرضاع في نفس الوقت ، بل يحتمل أن يكون حمزة رضي الله عنه رضع أولا في بادئ الأمر من ثويبة وعمره قريبا من السنتين
وكانت ثويبة حينئذ في أول رضاعها لابنها ، ثم ولد النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في آخر مدة رضاعها لابنها قبل تمام السنتين فرضع منها صلى الله عليه وسلم ، وبهذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة رضعا سويا منها ، وبينهما فرق في العمر سنتان أو حتى أربع .
قال المحب الطبري في "ذخائر العقبى" (ص172) :" وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين ( أي حمزة ) ، قال أبو عمر : وهذا يرده ما تقدم ذكره آنفا من تقييد رضاع ثويبة بلبن ابنها مسروح ؛ إذ لا رضاع إلا في حولين ، ولولا التقييد بذلك أمكن حمل الرضاع على زمنين مختلفين.
قلت: ويمكن أن تكون أرضعت حمزة في آخر سنيه في أول رضاع ابنها ، وأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم في أول سنيه في آخر رضاع ابنها ، فيكون أكبر بأربع سنين ، وقيل كان أسن بسنتين ". انتهى
وقال ابن العربي في "المسالك في شرح موطأ مالك" (5/1310) :" وقد روى أهل التاريخ أن حمزة كان أكبر من النبي عليه السلام بأربع سنين ، وروي أنه كان أكبر بسنتين ، فيحتمل أن يكون رضاع النبي صلي الله عليه وسلم مع حمزة في مدة واحدة ، ويحتمل أن يكون في مدتين ". انتهى
وقال الصالحي في "سبل الهدى والرشاد" (11/82) وحمزة كنيته أبو يعلى ، وقيل: أبو عمارة ، وهما ولدان له ، وأمّه هالة بنت وهيب ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة ، وهي بنت عم آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وكان أسنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين ذكره الحاكم ، قال في الإمتاع : في ذلك إشكالان :
أحدهما: ما ثبت في الحديث أنّ حمزة وعبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزوميّ أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
وفي صحيح مسلم عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال:( قلت: يا رسول الله ، مالك تَنَوَّقُ [ = أي: تتخير وتنتقي منه ] في قريش وتدعنا؟ قال: وعندكم شيء؟ قلت: نعم ، بنت حمزة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنها لا تحلّ لي ، إنها ابنة أخي من الرّضاعة ) .
وجه الإشكال ، أنّ حمزة إذا كان أسنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأربع سنين ، كيف يصحّ أن تكون ثويبة أرضعتهما معا .
والحديث صحيح فهو مقدّم على غيره ، إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين .
ويؤيّد ذلك قول البلاذريّ: وكانت ثويبة مولاة أبي لهب ، أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أيّاما قلائل ، قبل أن تأخذه حليمة ، من لبن ابن لها ، يقال: له: مسروح .
وأرضعت قبله حمزة بن عبد المطلّب، وأرضعت بعده أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزوميّ. وبهذا ينحلّ الإشكال ، والله تعالى أعلم ". انتهى
وختاما : تبين مما سبق ، أن الثابت الذي لا خلاف عليه هو ثبوت رضاع النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة من ثويبة ، وأن كون حمزة أسن من رسول الله عليه وسلم ليس محل اتفاق بين أهل العلم ، وقد مر بيان ما في ذلك من الإشكال .
على أننا نتعجب ، ونسأل السائل : ما مدخل هذه الحقائق التاريخية في "الشكوك" ؟
وأيا ما كان الأمر : فلا وجه لدخول "الشكوك" هنا ؛ بل هي مسائل علمية ، تبحث وتحقق في سياقها الخاص بها ، دون "تضخيم" لها ، أو تهويل من شأنها ؛ فإن ذلك ، أيا ما كان وجهه ، والصواب فيه : لا ينبني عليه شيء من اعتقاد ، أو عمل ؛ أي شيء ؟!
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-24, 15:32
حول صحة مقولة لو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمرًا لقلت ربما سكبت عليه
السؤال
انتشرت في وسائل التواصل هذه المقولة : قال أحد السلف : " لو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمرًا لقلت ربما سُكبت عليه ، ولو وجدته واقفًا على جبل وقال : أنا ربكم الأعلى لقلت يقرأ الآية " فما مدى صحتها ؟
الجواب :
الحمد لله
فإن القولين المذكورين : لم نقف لهما على أصل ، ولا نعلم أحدا من السلف قالهما ، ولا نعلم لهما قائلا معينا من أهل العلم ، لا من السلف ، ولا من الخلف .
وقد ورد في حسن الظن بالمسلمين ، وحمل أقوالهم وأفعالهم على أحسن وجه عدة آثار ، وهي تغني عن تكلف قول لا أصل له ، فضلا عما فيه من مبالغات ظاهرة .
فمن ذلك :
ما أخرجه أبو داود في "الزهد" (83) ، من طريق عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الْمُقْرِئِ ، قَالَ: نا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أنه قال :( ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ ، حَتَّى يَأْتِيَكَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُكَ ).
ورجاله ثقات ، غير أن فيه المسعودي وقد اختلط ، والراوي عنه هو عبد الله بن يزيد المقرئ ، وهو مدني ، ولا يعرف أسمع منه قبل الاختلاط أم بعده .
إلا أن له طريقا آخر صحيح ، أخرجه الخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" (1/304) من طريق هشام بن عمار ، قال حدثنا إبراهيم ابن موسى المكي وكان ثقة ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سعيد بن المسيب قال :( وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس ثمان عشرة كلمة ، حكم كلها .. وذكر منها " وضعْ أمرَ أَخيكَ على أَحسنِهِ حتى يجيئَكَ ما يغلبُكَ " .
وهذا الطريق إسناده صحيح ، رجاله ثقات .
هذا وينبغي أن يعلم أن الأصل في المسلمين حسن الظن ، وتحريم إساءة الظن بهم ، واتهامهم بلا بينة واضحة .
قال الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) الحجرات/12.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ ) .
أخرجه البخاري في "صحيحه" (5143) ، ومسلم في "صحيحه" (2563) .
فإن كانت هناك أسباب ظاهرة توجب التهمة ، لم تحرم إساءة الظن حينئذ ، كمن اشتهر بالفسق بين الناس ثم وجدت معه زجاجة خمر مثلا ، بخلاف من لم يعرف عنه ذلك فينبغي حسن الظن فيه حتى يظهر خلاف ذلك .
قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (16/331) :
" قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَالظَّنُّ هُنَا وَفِي الْآيَةِ هُوَ التُّهْمَةُ.
وَمَحَلُّ التَّحْذِيرِ وَالنَّهْيِ : إِنَّمَا هُوَ تُهْمَةٌ لَا سَبَبَ لَهَا يُوجِبُهَا ، كَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْفَاحِشَةِ أَوْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا ، وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَدَلِيلُ كَوْنِ الظَّنِّ هُنَا بمعنى التهمة قول تَعَالَى:" وَلا تَجَسَّسُوا" . وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لَهُ خَاطِرُ التُّهْمَةِ ابْتِدَاءً ، وَيُرِيدُ أَنْ يَتَجَسَّسَ خبر ذلك ، ويبحث عنه ، ويتبصر ، ويستمع ليحقق مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ التُّهْمَةِ ؛ فَنَهَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: وَالَّذِي يُمَيِّزُ الظُّنُونَ الَّتِي يَجِبُ اجْتِنَابُهَا عَمَّا سِوَاهَا : أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ تُعْرَفْ لَهُ أَمَارَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَسَبَبٌ ظَاهِرٌ : كان حراما واجب الاجتناب ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَظْنُونُ بِهِ مِمَّنْ شُوهِدَ مِنْهُ السَّتْرَ وَالصَّلَاحَ ، وَأُونِسَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ فِي الظَّاهِرِ ، فَظَنُّ الْفَسَادِ بِهِ وَالْخِيَانَةِ مُحَرَّمٌ ، بِخِلَافِ مَنِ اشْتَهَرَهُ النَّاسُ بِتَعَاطِي الرَّيْب ، وَالْمُجَاهَرَةِ بِالْخَبَائِثِ ". انتهى
ونقل ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/260)
عن بعض أهل العلم أنه قال :" نهى عليه السلام أن تحقق على أخيك ظن السوء ، إذا كان الخير غالبًا عليه ". انتهى
.
والحاصل :
أن القولين المذكورين : ليس لهما أصل يعرف ؛ إلا أن المسلم مأمور بحسن الظن بأخيه المسلم ، وحمله حاله على أحسن محامله .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-24, 15:37
تفسير البهتان المفترى بين الأيدي والأرجل
السؤال :
في بيعة العقبة الأولي قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ( ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ) ما معني هذه الجملة؟ جزاكم الله كل خير
الجواب :
الحمد لله
روى عُبَادَةُ بْن الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:
«بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ» .
فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ .
رواه البخاري (18) ومسلم (1709) ، واللفظ للبخاري .
وأما الإتيان ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، فقد ورد أيضًا في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [الممتحنة: 12] .
وعن عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ، قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ» وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ، مَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى، وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: «قَدْ بَايَعْتُكُنَّ» كَلَامًا .
رواه البخاري (4891) ومسلم (1866) .
فبالجمع بين الآية والحديثين يتبين أن هذا البهتان ليس مما يختص به النساء .
والصحيح أن "البهتان" : اسم عام ، يدخل فيه كل ما بهت صاحبه ، وحيره ، وأدهشه ، من قول أو فعل لم يكن في حسابه فهو بهتان .
وبعضه أشد من بعض، فيدخل فيه:
1- الزنا - عياذًا بالله - .
2- الغيبة، والنميمة .
3- قذف المحصنات .
4- قول الزور أو شهادة الزور .
وغيرها من أنواع البهتان .
قال الراغب الأصفهاني ، رحمه الله : " قال عزّ وجل: ( هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ ) [النور/ 16] . أي: كذب يبهت سامعه لفظاعته . قال تعالى: ( وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ) [الممتحنة/ 12] ، كناية عن الزنا .
وقيل: بل ذلك لكل فعل مستبشع ، يتعاطينه باليد والرّجل ، من تناول ما لا يجوز ، والمشي إلى ما يقبح، ويقال: جاء بالبَهِيتَةِ، أي: بالكذب " .
انتهى، من "المفردات" (148) .
وقال ابن عطية في تفسير الآية: "قال أكثر المفسرين معناه: أن تنسب إلى زوجها ولدا ليس هو له .
واللفظ أعم من هذا التخصيص" .
انتهى، من المحرر الوجيز: (5/ 299) .
وقال الطاهر: " وهذا من الكلام الجامع لمعان كثيرة ، باختلاف محامله"
انتهى، من التحرير والتنوير: (28/ 167).
وقال ابن رجب: " وقد اختلف المفسرون في البهتان المذكور في آية بيعة النساء:
فأكثرهم فسروه بإلحاق المرأة بزوجها ولدا من غيره ... .
واختلفوا في معنى قوله: "بين أيديهن وأرجلهن": فقيل لأن الولد إذا ولدته أمه سقط بين يديها ورجليها.
وقيل: بل أراد بما تفتريه بين يديها: أن تأخذ لقيطا فتلحقه بزوجها، وبما تفتريه بين رجليها: أن تلده من زنا ثم تلحقه بزوجها.
ومن المفسرين من فسر البهتان المفترى : بالسحر .
ومنهم من فسره بالمشي بالنميمة ، والسعي في الفساد .
ومنهم من فسره بالقذف والرمي بالباطل.
وقيل: البهتان المفترى يشمل ذلك كله ، وما كان في معناه . ورجحه ابن عطية وغيره. وهو الأظهر، فيدخل فيه كذب المرأة فيما اؤتمنت عليه من حمل وحيض وغير ذلك.
ومن هؤلاء من قال: أراد بما بين يديها: حفظ لسانها وفمها ووجهها عما لا يحل لها .
وبما بين رجليها: حفظ فرجها، فيحرم عليها الافتراء ببهتان في ذلك كله.
ولو قيل: إن من الافتراء ببهتان بين يديها خيانة الزوج في ماله الذي في بيتها : لم يبعد ذلك.
وقد دل مبايعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجال على أن لا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم: أن ذلك لا يختص بالنساء .
وجميع ما فسر به البهتان في حق النساء يدخل فيه الرجال - أيضًا -، فيدخل فيه استلحاق الرجل ولد غيره ، سواء كان لاحقًا غيره أو غير لاحق ، كولد الزنا .
ويدخل فيه الكذب والغيبة ....
\
ولكن ذكر مما فسر به البهتان المذكور في القرآن عدة خصال: السحر، والمشي ببريء على السلطان، وقذف المحصنات.
وهذا يشعر بدخول ذلك كله في اسم البهتان.
وكذلك الأحاديث التي ذكر فيها عدد الكبائر ، ذكر في بعضها القذف، وفي بعضها قول الزور أو شهادة الزور، وفي بعضها اليمين الغموس والسحر .
وهذا كله من البهتان المفترى" .
وانظر: فتح الباري، لابن رجب: (1/ 73 - 76)، بتصرف.
والخلاصة :
أن الصحيح أن البهتان اسم عام يدخل فيه كل ما بهت صاحبه وحيره وأدهشه من قول أو فعل لم يكن في حسابه فهو بهتان .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-06-24, 15:40
حول الروايات الواردة في جهاز فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
السؤال :
كنت أقرأ في مقال عن جهاز بنت النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، السيدة فاطمة رضي الله عنها ، وقرأت عَنْ عَائِشَةَ ، وَأُمِّ سَلَمَةَ قَالَتَا : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُجَهِّزَ فَاطِمَةَ حَتَّى نُدْخِلَهَا عَلَى عَلِيٍّ
فَعَمَدْنَا إِلَى الْبَيْتِ فَفَرَشْنَاهُ تُرَابًا.. " ثم قرأت تحقيق دار السلام للحديث فوجدته ضعيفا ، فآمل ذكر الأحاديث الصحيحة في وصف جهاز ابنة أو بنات النبي صلى الله عليه وسلم .
الجواب :
الحمد لله
لم نقف على حديث في وصف جهاز بنات النبي صلى الله عليه وسلم سوى ما ورد في جهاز فاطمة رضي الله عنها ، فإنه قد وردت عدة أحاديث في وصف جهازها ، منها الصحيح ومنها الضعيف ، وبيان هذه الأحاديث كما يلي :
الحديث الأول : وهو ما أورده السائل الكريم
أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1911) من طريق سويد بن سعيد ، قال حَدّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ الشَّعْبِي ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتَا:( أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُجَهِّزَ فَاطِمَةَ حَتَّى نُدْخِلَهَا عَلَى عَلِي ، فَعَمَدْنَا إِلَى الْبَيْتِ ، فَفَرَشْنَاهُ تُرَابًا لَيِّنًا مِنْ أَعْرَاضِ الْبَطْحَاءِ ، ثُمَّ حَشَوْنَا مِرْفَقَتَيْنِ لِيفًا ، فَنَفَشْنَاهُ بِأَيْدِينَا ، ثُمَّ أَطْعَمْنَا تَمْرًا وَزَبِيبًا ، وَسَقَيْنَا مَاءً عَذْبًا ، وَعَمَدْنَا إِلَى عُودٍ فَعَرَضْنَاهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ يُلْقَى عَلَيْهِ الثَّوْبُ وَيُعَلَّقَ عَلَيْهِ السِّقَاءُ ، فَمَا رَأَيْنَا عُرْسًا أَحْسَنَ مِنْ عُرْسِ فَاطِمَةَ ) .
والحديث إسناده ضعيف جدا ، فيه جابر الجعفي ، والمفضل بن عبد الله ، وسويد بن سعيد ، وجميعهم ضعيف جدا ، والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" (374)
الحديث الثاني :
أخرجه أحمد في "مسنده" (643) ، والنسائي في "سننه" (3384) ، وابن حبان في "صحيحه" (6947) ، والحاكم في "المستدرك" (2755) ، من طريق زائدة .
وأخرجه ابن ماجه في "سننه" (4152) ، من طريق محمد بن فضيل .
كلاهما ( زائدة ، محمد بن فضيل ) عن عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:( جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ ).
والحديث إسناده صحيح ، رجاله ثقات غير أن عطاء بن السائب اختلط ، لكن روى عنه زائدة بن قدامة قبل الاختلاط ، فالحديث صحيح .
قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (7/207) في ترجمة عطاء بن السائب :" وقال الطبراني ثقة اختلط في آخر عمره ، فما رواه عنه المتقدمون فهو صحيح ، مثل سفيان وشعبة وزهير وزائدة ". انتهى
وأما السائب بن مالك والد عطاء ، فقد وثقه ابن معين كما في "الجرح والتعديل" (4/242) ، وسمع من علي بن أبي طالب ، كما ذكر البخاري في "التاريخ الكبير" (4/154) .
ورواه أحمد في "المسند" (819) من طريق حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن علي ، بلفظ : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا زَوَّجَهُ فَاطِمَةَ بَعَثَ مَعَهُ بِخَمِيلَةٍ وَوِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ، وَرَحَيَيْنِ وَسِقَاءٍ وَجَرَّتَيْنِ ) .
وأما طريق حماد بن سلمة فإنه شاذ ، حيث إنه ممن روى عن عطاء قبل الاختلاط وبعده ، وكان لا يفصل ، كما في "الضعفاء الكبير" للعقيلي (3/398) .
الحديث الثالث :
أخرجه النسائي في "خصائص علي" (123) من طريق سُهَيْل بن خَلاد الْعَبْدي ، قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَوَاء ، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة ، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ ، عَن عِكْرِمَة ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:( لما زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة من عَليّ كَانَ فِيمَا أهْدى مَعهَا سريرا مَشْرُوطًا ، ووسادة من أَدَم ، حشوها لِيف وقربة . قَالَ وَجَاءُوا ببطحاء الرمل فبسطوه فِي الْبَيْت ..) .
وإسناده ضعيف ، فيه سهيل بن خلاد ، وهو مجهول ، وحديثه هذا منكر .
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3602) :" سهيل بن خلاد العبدي عن محمد بن سواء بخبر منكر ، تكلم فيه بالجهالة ". انتهى
الحديث الرابع :
أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2225) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/204) ، من طريق يَحْيَى بْن يَعْلَى الْأَسْلَمِيّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، في قصة طلب علي رضي الله عنه الزواج من فاطمة رضي الله عنها ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( فَقَالَ: يَا بِلَالُ ، ابْغِنَا بِهَا طِيبًا ، ومُرْهُمْ أَنْ يُجَهِّزُوهَا ، فَجَعَلَ لَهَا سَرِيرًا مُشَرَّطًا بِالشَّرَيطِ ، وَوِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ ، حَشْوُهَا لِيفٌ ، وَمَلَأَ الْبَيْتَ كَثِيبًا ، يَعْنِي رَمَلًا .. ). وإسناده ضعيف ، ومتنه منكر .
وعلته يحيى بن يعلى الأسلمي ، قال ابن معين :" ليس بشيء " ، وقال البخاري :" مضطرب الحديث " . كذا في "الكامل في الضعفاء" لابن عدي (9/87) .
وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (11/304) في ترجمته :" وأخرج ابن حبان له في صحيحه حديثا طويلا في تزويج فاطمة فيه نكارة ". انتهى
يتلخص مما سبق :
أنه لم يصح حديث في جهاز فاطمة رضي الله عنها ، إلا حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولفظه :( جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي خَمِيلٍ ، وَقِرْبَةٍ ، وَوِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ) .
ومعنى الحديث :
الخميلة : قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/81) :" والخَمِيلَةُ: القَطيفَة ، وَهِيَ كُلُّ ثَوْب لَهُ خَمْل مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ". انتهى
والقربة : هي ما يتخذ للسقاء ، قال ابن منظور في "لسان العرب" (1/668) :" والقِرْبةُ مِنَ الأَساقي ". انتهى
والوسادة : قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" (2/294) :" هُوَ مَا يتوسد عَلَيْهِ عِنْد النّوم ، وَيجْعَل عَلَيْهِ الرَّأْس ، أَو يُتَّكأ عَلَيْهِ ". انتهى
والأدم : قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار" (1/24) :" والأدم وَهُوَ الْجلد بِكَسْر الدَّال ". انتهى
والليف : قال ابن حجر في "فتح الباري" (1/185) :" لِيف هُوَ مَا يخرج من أصُول سعف النّخل يحشى بهَا الوسائد ". انتهى
ولعل من أعظم ما يستفاد من ذلك ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الزهد ، حتى إن جهاز فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي سيدة نساء الجنة ، قطيفة لها خمائل ، وإناء ، ووسادة حشوها من أصول سعف النخل ، فرضي الله عنها وأرضاها .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-24, 15:42
حول استيعاب كتاب الشيخ مقبل " الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين" للأحاديث الصحيحة غير ما في الصحيحين
السؤال :
كتاب الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ هل فيه جميع الأحاديث الصحيحة التي ليست في صحيحي البخاري ومسلم؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
كل عالم صنف كتابا في الحديث يشترط لكتابه شرطا أو شروطا يلتزمها في الأحاديث التي يرويها أو يجمعها في كتابه .
وأهل العلم في ذلك أصناف :
فمنهم من يضع شروطا شديدة كالإمام البخاري رحمه الله .
ومنهم من يتساهل كالإمام الحاكم رحمه الله في مستدركه ، وغيره من أهل العلم .
هذا ولم يدّع أحد من أهل الحديث أنه جمع كل الأحاديث الصحيحة ، بل يجمع ما تيسر له ، ويفوته الكثير مما هو على شرطه ، فضلا عما لم يكن على شرطه .
وهذا هو الإمام البخاري مع جلالته في علم الحديث ، وشدة شرطه في كتابه الصحيح ، وتلميذه الإمام مسلم وكتابه الصحيح أيضا ، إلا أن أهل العلم استدركوا عليهما أحاديث على شرطهما أو على شرط أحدهما ولم يخرجاه ، مثل الإمام الحاكم في كتابه "المستدرك على الصحيحين" ، ومثل الإمام الدارقطني في كتابه "الإلزامات " .
ثانيا :
وأما كتاب الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله ، والمعروف باسم "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" ، فهو كتاب عظيم النفع في بابه ، حيث أنه انتقى من كتب السنة (1658) حديثا ، ثم زاد عليها ثمانين حديثا أخرى في الطبعة الأخيرة ، من الأحاديث الصحيحة وفق الشروط التي وضعها لكتابه هذا .
وقد تشدد الشيخ في شرطه في كتابه ، فقال كما في "مقدمة كتاب الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (1/15) :" ولكن شرطي فيه شديد" . انتهى
وقد بين هذه الشدة في شرطه فقال في "المقدمة" (1/15) :" فإني إذا أردت أن أكتب الحديث انظر "تحفة الأشراف" هل اختلف في رفع الحديث ووقفه أو وصله وانقطاعه ؟ فإن ترجح لي الرفع كتبته .
وهكذا انظر في كتب العلل إذا كان الحديث معللا بعلة قادحة تركته ، وإذا شككت في الحديث تركته ". انتهى
فهاهنا نص على أنه إذا شك في كون الحديث معللا تركه ولم يذكره .
وقال أيضا (1/24):" ومنها أن يكون التابعي مكثرا ، والصحابي مكثرا أيضا ، ولم يصرح بالتحديث عن ذلك الصحابي ، ولم يخرج له الشيخان عنه ، فهذا مما أتوقف فيه ، وإن لم يكن التابعي ممن قيل فيه يرسل .
ولا يقال إن عنعنة غير المدلس مقبولة ، فإنه مقيد بما إذا قد سمع منه ؛ فعنعنة غير المدلس ، عمن سمع منه : محمولة على السماع ". انتهى
وهذا شرط شديد جدا ، حيث لا يشترط في صحة حديث الراوي على قول جماهير أهل العلم سوى المعاصرة مع إمكان اللقي والبراءة من التدليس .
قال الإمام مسلم في "مقدمة صحيحه" (1/29) :" وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الشَّائِعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ ثِقَةٍ رَوَى عَنْ مِثْلِهِ حَدِيثًا ، وَجَائِزٌ مُمْكِنٌ لَهُ لِقَاؤُهُ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعًا كَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا وَلَا تَشَافَهَا بِكَلَامٍ فَالرِّوَايَةُ ثَابِتَةٌ ، وَالْحُجَّةُ بِهَا لَازِمَةٌ ، إِلَّا أَنَّ يَكُونَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّاوِي لَمْ يَلْقَ مَنْ رَوَى عَنْهُ ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا ، فَأَمَّا وَالْأَمْرُ مُبْهَمٌ عَلَى الْإِمْكَانِ الَّذِي فَسَّرْنَا ، فَالرِّوَايَةُ عَلَى السَّمَاعِ أَبَدًا حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ الَّتِي بَيَّنَّا ". انتهى
ولما كان هذا شرطه في كتابه ، فقد خرج عن الكتاب : كثير من الأحاديث الصحيحة المقبولة على قول جماهير أهل العلم .
ولذا ، فإنه بعد صدور الطبعة الرابعة من كتابه كان قد استقرأ السنن الأربعة ومسند أحمد ، ومع ذلك فلم يصح منها على شرطه إلا هذا العدد .
وهناك الكثير من الأحاديث صححها المحققون من أهل العلم في السنن الأربعة ، ومسند الإمام أحمد ومع ذلك لم يذكرها الشيخ مقبل في كتابه
وعلى سبيل المثال : هذا حديث أخرجه النسائي في "سننه" (166) من حديث عَائِشَةَ قَالَتْ:( ِإنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ ) .
والحديث صححه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/229) ، والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (3/296) ، ولم يذكره الشيخ مقبل في كتابه .
وهذا كتاب "سنن أبي داود" بلغت أحاديثه (5274) ، قد صحح الشيخ الألباني منها (2393) حديثا ، أي أكثر من جميع أحاديث كتاب الشيخ مقبل "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" .
وعلى هذا نقول : أن الشيخ مقبل رحمه الله لم يستوعب الأحاديث الصحيحة في كتابة "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" ، بل فاته الكثير من الأحاديث الصحيحة ، وذلك لشدة شرطه في كتابه .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-24, 15:44
حديث: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ ).
السؤال :
ما صحة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم ) ، قالوا : كلنا يرحم ، قال : ( ليس برحمة أحدكم صاحبه ؛ يرحم الناس كافة ) ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى أبو يعلى الموصلي في "مسنده" (4258) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ سَعْدٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا يَرْحَمُ، قَالَ: ( لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ ، يُرْحَمُ النَّاسُ كَافَّةً ).
وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 187):
" رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ وُثِّقُوا، إِلَّا أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ ".
وله شاهد رواه المروزي في "زوائد الزهد" (1/ 352) عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا رَحِيمٌ ) ، قَالُوا: كُلُّنَا رُحَمَاءُ، قَالَ: ( لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ خُوَيِّصَتَهُ حَتَّى يَرْحَمَ النَّاسَ ).
وإسناده مرسل صحيح، فهو شاهد صالح لحديث أنس المتقدم .
وقد حسنه الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (167).
ثانيا :
في الحديث الحث على الرحمة العامة للناس كافة، فلا يخص المسلم بها من يعرفه ويرق له قلبه ، لرحم بينه وبينه ، أو صحبة ، أو زمالة ، أو غير ذلك .
وقد روى الدولابي في "الكنى" (971) عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( خَابَ عَبْدٌ وَخَسِرَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ رَحْمَةً لِلْبَشَرِ ).
وحسنه الألباني في "الصحيحة" (456) .
وروى الترمذي (1924) وصححه ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) وصححه الألباني .
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله :
" أَتَى بِصِيغَةِ الْعُمُومِ ; لِيَشْمَلَ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْخَلْقِ ، فَيَرْحَمَ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ وَالنَّاطِقَ وَالْبُهْمَ وَالْوُحُوشَ وَالطَّيْرَ "
انتهى من"مرقاة المفاتيح" (8/ 3113) .
والله تعالى أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-06-24, 15:51
هل كانت خواتيم سورة البقرة وحيا في ليلة المعراج أم نزلتا بالمدينة؟
السؤال :
آمل منكم التوضيح عن كيفية تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم خواتيم سورة البقرة ، هل كانت ليلة المعراج حين أعطي الصلوات
أم عندما كان جبريل عليه السلام عنده ونزل بها ملك من باب في السماء لم يفتح قبله قط ؟
حيث عندنا حديثان صحيحان في سنن النسائي صححهما الالباني رحمه الله ، وكل حديث يصف حالة من هاتين الحالتين ، فكيف نوفق بينهما ؟
فيما يلي نص الحديثين: أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة بن مصرف عن مرة عن عبد الله قال : " لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة
وإليها ينتهي ما عرج به من تحتها ، وإليها ينتهي ما أهبط به من فوقها ، حتى يقبض منها قال [ إذ يغشى السدرة ما يغشى ] قال فراش من ذهب ، فأعطى ثلاثا الصلوات الخمس ، وخواتيم سورة البقرة ، ويغفر لمن مات من أمته لا يشرك بالله شيئا المقحمات ) "سنن النسائي" (1/ 223 )
قال الشيخ الألباني : "صحيح" . أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبو الأحوص عن عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال : " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل عليه السلام إذ سمع نقيضا فوقه فرفع جبريل عليه السلام بصره إلى السماء فقال هذا باب قد فتح من السما
ما فتح قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرأ حرفا منهما إلا أعطيته) . "سنن النسائي" (2 /138) ، قال الشيخ الألباني : "صحيح" .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
من المعلوم أن جبريل عليه السلام نزل بجميع القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم .
ويدل على ذلك قوله تعالى :( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194). الشعراء/192-194 .
وخواتيم سورة البقرة نزلت في المدينة ، كما ورد في صحيح أخرجه مسلم في "صحيحه" (125)
من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/284
قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ ، الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ
فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا:( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) البقرة/285 ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) البقرة/286
قَالَ: نَعَمْ ، ( رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ) البقرة/286 ، قَالَ: نَعَمْ ، ( رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) البقرة/286 ، قَالَ: نَعَمْ ، ( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) البقرة/286 ، قَالَ: نَعَمْ )" .
ثانيا :
وأما الحديثان اللذان أوردهما السائل الكريم : فقد اختلف أهل العلم في مدلول كل منهما ، والجمع بينهما ، كما يلي :
أما الحديث الأول : " حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " .
وهو حديث صحيح ، أخرجه مسلم في "صحيحه" (173)
من حديث ابن مسعود قَالَ: " لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ... قال :" فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا ، الْمُقْحِمَاتُ ".
وقد اختلف أهل العلم في المراد بقوله :" وأعطي خواتيم سورة البقرة " .
هل المراد به أن الله أوحى إليه بهما بلا واسطة في أول الأمر ، ثم نزل بهما جبريل بعد ذلك؟ أم إن الله أعلمه أنه سيؤتيه هاتين الآيتين العظيمتين ، ثم نزلتا بعد ذلك في المدينة ؟
على قولين لأهل العلم :
القول الأول : أن الله تعالى أوحى إليه بهما في المعراج بلا واسطة ، وقد نقل ذلك عن بعض التابعين .
قال ابن الملك في "شرح المصابيح" (6/288) :
" قال: فأعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ثلاثاً ؛ أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ": .. وعن الحسن وابن سيرين ومجاهد - رضي الله عنه -: أن الله تعالى تولى إيحاءهما إليه ، بلا واسطة جبريلَ ليلة المعراج ، فهما مكيتان عندهم ". انتهى
بل إن بعض أهل العلم عدّ خواتيم سورة البقرة مثالا على ما أوحي من القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم في السماء.
فقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (4/359)
مواضع نزول القرآن فقال :" مِنْ الْفَوَائِدِ الْعَارِضَةِ هَاهُنَا أَنَّ الْقُرْآنَ فِي مَحَلِّ نُزُولِهِ وَوَقْفِهِ : عَشْرَةُ أَقْسَامٍ: سَمَاوِيٌّ ، وَأَرْضِيٌّ ، وَمَا تَحْتَ الْأَرْضِ ، وَحَضَرِيٌّ ، وَسَفَرِيٌّ ، وَمَكِّيٌّ ، وَمَدَنِيٌّ ، وَلَيْلِيٌّ ، وَنَهَارِيٌّ ، وَمَا نَزَلَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ". انتهى
وقد نقل السيوطي كلام ابن العربي في "الإتقان" (1/90)
ومثّل للسماوي فقال :" لَمْ أَقِفْ عَلَى مُسْتَنَدٍ لِمَا ذَكَرَهُ فِيهَا إِلَّا آخِرَ الْبَقَرَةِ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ:" لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى الْحَدِيثَ ". انتهى
وقال في "الإتقان في علوم القرآن" (1/161) :
" وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْوَحْيِ كَيْفِيَّاتٍ ... الْخَامِسَةُ: أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِمَّا فِي الْيَقَظَةِ ، كَمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ ، أَوْ فِي النَّوْمِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: "أَتَانِي رَبِّي فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى.." الْحَدِيثَ.
وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ شَيْءٌ فِيمَا أَعْلَمُ ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ مِنْهُ آخِرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ". انتهى
القول الثاني : أن الإعطاء في ليلة المعراج كان بمعنى الاستجابة ، أو بمعنى البشرى بالإعطاء.
قال المظهري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (6/200) :
" قوله:" وأُعطِيَ خواتيمَ سُورةِ البقرة ": قيل: معناه: استجيب له - صلى الله عليه وسلم - مضمون الآيتين: { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } البقرة/285 ، إلى آخر السورة ، ولمَنْ سَأل من أمته إذا رَعَى حَقَّ السؤال ". انتهى
وقال السندي في "حاشيته على سنن النسائي" (1/224):
" كَأَن المُرَاد أَنه قرر لَهُ اعطاءها وَأَنه ستنزل عَلَيْك وَنَحْوه ، وإلا فالآيات مدنيات ". انتهى
وأما الحديث الثاني : وهو حديث " عبد الله بن عباس رضي الله عنه "
وهو حديث صحيح أيضا ، أخرجه مسلم في "صحيحه" (806)
من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: " بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ ، فَسَلَّمَ ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ " انتهى .
فقد اختلف أهل العلم في معناه على قولين :
القول الأول : أن النزول بالآيات هنا كان نزولا حقيقيا ، وكان ذلك بالمدينة ، وجمعوا بين هذا الحديث والذي قبله بتكرار النزول للدلالة على عظيم فضل هذه الآيات .
قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (9/3772) في شرحه لحديث ابن مسعود السابق
:" فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا بِظَاهِرِهِ يُنَافِي مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" بَيْنَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ أَيْ صَوْتًا ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ ".
قُلْتُ: لَا مُنَافَاةَ ، فَإِنَّ الْإِعْطَاءَ كَانَ فِي السَّمَاءِ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ ، بِقَرِينَةِ إِعْطَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْمَقَامِ الْأَعْلَى ، وَنُزُولِ الْمَلَكِ الْمُعَظَّمِ لِتَعْظِيمِ مَا أَعْطَى ، وَبِشَارَةِ مَا خُصَّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ..." .
ثم ذكر خلاف العلماء في ذلك ، ثم قال :
" وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ وَقَعَ تَكْرَارُ الْوَحْيِ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُ ، وَاهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ بِلَا وَاسِطَةٍ ، ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ ، وَبِهَذَا يَتِمُّ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ نَزَلَ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) الشعراء/193-194 ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْإِعْطَاءِ اسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ مِمَّا اشْتَمَلَ الْإِتْيَانُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ لَا يُنَافِي نُزُولَهَا بَعْدَ الْإِسْرَاءِ إِلَيْهِ " انتهى .
الثاني : أن نزول الملك كان بالبشرى والفضل وليس بالآيات .
قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (1/211)
:" قوله " وأعطي خواتيم سورة البقرة " ، وقد روى مسلم أنه نزل عليه ملك من السماء لم ينزل قط وأنبأ النبي عليه الصلاة والسلام أنه أعطى الآيتين من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه ، والأصل في ذلك أنه أوحى بهما الليلة ليلة الاسراء أصلا ، ونزل إليه الملك بهذه الفائدة في أنهما من قرأ بهما في ليلة كفتاه فتجتمع الفائدتان ". انتهى
وهذا ما رجحه القرطبي أيضا في "الجامع لأحكام القرآن" (1/116) .
ومما سبق يتلخص ما يلي :
أن خواتيم سورة البقرة آيات مدنية ، وأن إعطاء الله تعالى هذه الآيات لنبيه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ، يحتمل أنه أوحى بهما إليه بلا واسطة ، ثم نزلتا مرة أخرى في المدينة ، أو أن الله بشره بنزول هذه الآيات عليه ، ثم نزلتا حقيقة في المدينة ، وأما حديث ابن عباس فيحتمل أنه نزول بالآيات ، أو نزول بالفضل والثواب .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 01:23
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حول صحة ما روي أن إسرافيل أول من سجد لآدم فأثابه الله بأن كتب القرآن على جبهته
السؤال :
سألني أحدهم سؤالا : أول من سجد لآدم إسرافيل ، فأثابه الله بأن كتب القرآن على جبهته ، فما معني كتب القرآن على جبهته ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الكلام الذي ذكره السائل لم يرو بإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من الصحابة الكرام ، وإنما يروى عن بعض السلف والتابعين ، ومعلوم أن مثل هذه الأمور الغيبية لا تقال بالرأي ، فلا يقبل فيها قول إلا بنص .
وأما من روي عنهم هذا القول فهم ( عمر بن عبد العزيز ، عبد العزيز بن هلال ، ضمرة بن ربيعة ) .
وبيان هذه الروايات كما يلي :
أما ما روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله .
فقد أخرجه ابن شاهين في "جزء من حديث أبي حفص عمر بن أحمد ابن شاهين عن شيوخه" (29) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (7/398) ، وابن الجوزي في "المنتظم" (1/203)
من طريق هَارُون بْن زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ ، قال نا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، عَنْ قَادِمِ بْنِ مَيْسُورٍ ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ:( لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَوَّلُ مَنْ سَجَدَ لَهُ إِسْرَافِيلُ ، فَأَثَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي جَبْهَتِهِ ) .
وإسناده لا يصح عن عمر بن عبد العزيز ، حيث فيه " قادم بن ميسور " ، مجهول ، لم يترجم له أحد سوى ابن ماكولا في "الإكمال" (7/193) ، ولم يذكر فيه شيئا .
وأما ما روي عن عبد العزيز بن هلال .
فقد أخرجه أبو بكر النجاد في "الرد على من يقول بخلق القرآن" (73) ، من طريق بَحْر بْن نَصْرِ بْنِ سَابِقٍ ، عَنْ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ هِلالٍ قَالَ:( بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَجَدَ مِنَ الْمَلائِكَةِ يَعْنِي لآدَمَ إِسْرَافِيلُ ، فَأَثَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي جَبْهَتِهِ ".
وإسناده صحيح إلى عبد العزيز بن هلال ، إلا أنه لا يعرف أصلا من هو.
وأما ما روي عن ضمرة بن ربيعة .
فقد أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (5/1562)
من طريق محمد بن أحمد بن راشد بن معدان ، عن أبي عمير عيسى بن محمد بن النحاس ، قال حدثنا ضَمْرَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ :( بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَجَدَ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِسْرَافِيلُ فَأَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي جَبْهَتِهِ ) .
وإسناده صحيح إلى ضمرة بن ربيعة ، إلا أنه لا يحتج به ، لأنه من الأمور الغيبية التي لا تقال بالرأي .
ونقل ابن كثير نحوه عن محمد بن الحسن النقاش فقال في "البداية والنهاية" (1/104)
:" وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ: أَنَّ إِسْرَافِيلَ أَوَّلُ مَنْ سَجَدَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَجُوزِيَ بِوِلَايَةِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ "التَّعْرِيفُ وَالْإِعْلَامُ بِمَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَعْلَامِ" . انتهى
وبمراجعة مخطوط كتاب "التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأعلام" (1/ب)
وجدنا السهيلي قال فيه :" أول من سجد من الملائكة إسرافيل ، ولذلك جوزي بولاية اللوح المحفوظ . قاله محمد بن الحسن النقاش ". انتهى
ومحمد بن الحسن النقاش هو " محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر بن سند أبو بكر المقرئ النقاش " ، له كتاب في التفسير اسمه "شفاء الصدور"
وقد ترجم له الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (2/602)
وقال :" سألت أبا بكر البرقاني ، عن النقاش ، فقال: كل حديثه منكر.
وَحَدَّثَنِي من سمع أبا بكر ذكر تفسير النقاش ، فقال: ليس فيه حديث صحيح ، قال الخطيب :" وفي أحاديثه مناكير بأسانيد مشهورة ". انتهى
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 01:24
ثانيا :
رويت عدة أحاديث بألفاظ متقاربة تدور حول أن اللوح المحفوظ في جبهة إسرافيل، ومعلوم أن القرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ، وهذه الأحاديث منها المرفوع المكذوب والضعيف جدا لا يثبت ، ومنها موقوف عن أنس ، ولا يصح ، ومنها بعض الإسرائيليات .
وبيان ذلك كما يلي :
أما الأحاديث المرفوعة فرويت من طريقين :
الأول : حديث روي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا ، ولكن في إسناده كذاب ، والصواب فيه أنه عن كعب الأحبار من قوله .
هذا الحديث أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (3/820)
من طريق ابْن رُسْتَةَ ، قال حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْخُزَاعِيُّ ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ كَعْبًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ لَهَا: هَلْ سَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي إِسْرَافِيلَ شَيْئًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ ، مِنْهَا جَنَاحَانِ ، أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ ، وَاللَّوْحُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكْتُبَ الْوَحْيَ يَنْقُرُ بَيْنَ جَبْهَتِهِ ) .
وهذا الإسناد فيه أبو أيوب سليمان بن داود الشاذكوني : كذاب ، ترجم له الذهبي في "ديوان الضعفاء" (1742) وقال :" قال ابن معين: كان يكذب ، وقال البخاري: فيه نظر ، وقال أبو حاتم: متروك ". انتهى .
وقد حكم الشيخ الألباني على الحديث في "السلسلة الضعيفة" (689) بأنه موضوع .
هذا وقد خالفه وهب بن بقية ، وهو ثقة ، فرواه عن خالد الواسطي ، عن خالد الحذاء ، عن أبي بشر الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن رباح الأنصاري ، عن كعب الأحبار قوله .
وكعب الأحبار كان من علماء أهل الكتاب ، الذين أسلموا ، وروايته عن كتبه السابقة ، وما عنده من أخبار أهل الكتاب : أمر معلوم مشهور ، لا يحتاج إلى ذكر ، أو دليل.
الثاني : حديث روي عن ابن عباس بإسناد ضعيف جدا .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/379)
وأبو الشيخ في "العظمة" (2/700)
والبيهقي في "شعب الإيمان" (155)
من طريق مُحَمَّد بْن عمران بْنِ أَبِي لَيْلَى ، قال حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُنَاجِيهِ
إِذِ انْشَقَّ أُفُقُ السَّمَاءِ ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ يَدْنُو مِنَ الْأَرْضِ وَيَتَمَايَلُ ، فَإِذَا مَلَكٌ قَدْ مَثُلَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَخْتَارَ بَيْنَ نَبِيٍّ عَبْدٍ ، وَمَلِكٍ نَبِيٍّ ؟
قَالَ: فَأَشَارَ جِبْرِيلُ إِلَيَّ بِيَدِهِ : أَنْ تَوَاضَعَ . فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لِي نَاصِحٌ ، فَقُلْتُ: عَبْدٌ نَبِيٌّ .
فَعَرَجَ ذَلِكَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا ، فَرَأَيْتُ مِنْ حَالِكَ مَا شَغَلَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ ، فَمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟
قَالَ: هَذَا إِسْرَافِيلُ خَلَقَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، صافًّا قَدَمَيْهِ ، لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِّ سَبْعُونَ نُورًا ، مَا مِنْهَا مِنْ نُورٍ يَكَادُ يَدْنُو مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ ، بَيْنَ يَدَيْهِ لَوْحٌ ، فَإِذَا أَذِنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَيْءٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ اللوح ، فَضَرَبَ جَبْهَتَهُ ، فَيَنْظُرُ
فَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِي أَمَرَنِي بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمِلِ مِيكَائِيلَ أَمَرَهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمِلِ مَلَكِ الْمَوْتِ أَمَرَهُ بِهِ . فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ ، وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: عَلَى الرِّيحِ وَالْجُنُودِ . قُلْتُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ مِيكَائِيلُ؟ قَالَ: عَلَى النَّبَاتِ وَالْقَطْرِ . قُلْتُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ مَلَكُ الْمَوْتِ؟ قَالَ: عَلَى قَبْضِ الْأَنْفُسِ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ نَزَلَ إِلَّا لَقِيَامِ السَّاعَةِ ، وَمَا الَّذِي رَأَيْتَ مِنِّي إِلَّا خَوْفًا مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ " .
وهذه الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما فيها أكثر من علة ، منها :
أولا : الانقطاع ؛ فالحكم بن عتيبة ، لم يسمع من مقسم سوى خمسة أحاديث ، ليس هذا منها .
قال الترمذي في "سننه" (1/661) :
" قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعِ الحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إِلاَّ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ ". انتهى
وهذه الأحاديث الخمسة هي
:" حديث الوتر ، وحديث القنوت ، وحديث عزمة الطلاق ، وجزاء ما قتل من النعم ، والرجل يأتي امرأته وهي حائض ".
ذكرها العلائي في "جامع التحصيل" (ص167) .
ثانيا : في إسناده " محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى " ، ضعيف مشهور بالضعف
قال شعبة :" ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابْن أَبي ليلى "
وقال أحمد بن حنبل :" كان سيء الحفظ، مضطرب الحديث "
وقال ابن معين :" ليس بذاك " ، وقال النسائي :" ليس بالقوي "
انتهى من "تهذيب الكمال" (25/625) .
ثالثا : فيه كذلك " عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى " ، مجهول الحال
ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (6/426)
وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1694)
ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا .
وضعفه الأوزاعي فقال :" ليس بذاك " .
نقله عنه العيني في "مغاني الأخيار" (2006) .
وأما الموقوف عن أنس رضي الله عنه ، فأخرجه الطبري في "تفسيره" (24/287)
من طريق قُرَّةَ بْن سُلَيْمَانَ ، قَالَ: ثنا حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، فِي قَوْلِهِ:( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) البروج/22 .
قَالَ:" إِنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) البروج/22 ، فِي جَبْهَةِ إِسْرَافِيلَ " .
وإسناده ضعيف لأجل قرة بن سليمان ، ضعفه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (7/131) .
وأما الإسرائيليات فقد سبق ذكر ما جاء عن كعب الأحبار في ذلك .
وقد ورد كذلك عن وهب بن منبه ، بإسناد موضوع عنه .
وهذا الإسناد أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (3/840)
من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ ، قال حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ بسياق طويل ، وفيه أن الله قال لإسرافيل :( قَدْ وَكَّلْتُكَ بِالصُّورِ ، فَأَنْتَ لِلنَّفْخَةِ وَالصَّيْحَةِ . فَدَخَلَ إِسْرَافِيلُ فِي مُقَدَّمِ الْعَرْشِ ، فَأَدْخَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ الْعَرْشِ ، وَقَدَّمَ الْيُسْرَى ، وَلَمْ يَطْرِفْ مُذْ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، يَنْتَظِرُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ ، وَالْعَرْشُ عَلَى كَاهِلِهِ، وَاللَّوْحُ يَقْرَعُ جَبْهَتَهُ " .
وهذا الإسناد موضوع ، فيه " محمد بن إبراهيم بن العلاء " ،
قال الدارقطني :" كذاب " . كذا في "سؤالات البرقاني للدارقطني" (423).
ومما سبق يتلخص الآتي :
أن ما ذكره السائل لم يرو بسند مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه.
وإنما روي عن بعض التابعين ، لم يصح منها إلا ما روي عن ضمرة بن ربيعة .
ولو صح من ذلك شيء ، فلا حجه فيه ، إلا ما ثبت صريحا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك الباب مما لا يعلم إلا بخبر الوحي ، ولا خبر بذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم .
وأخبار أهل الكتاب : لا حجة فيها ، في دين الله عز وجل .
واعتقادنا نحن المسلمين أن القرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ ، كما في قوله تعالى :( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22). البروج/22 .
قال الطبري في "تفسيره" (24/347) :
" قوله:( فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) يقول تعالى ذكره: هو قرآن كريم مُثْبَت في لوح محفوظ ". انتهى
وقال ابن بطة في "الإبانة" (5/321)
:" وَلَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ وَفُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ هُدَاةً لِلْمُسْتَرْشِدِينَ ، وَأُنْسًا لِقُلُوبِ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، مِمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ إِعْظَامِ الْقُرْآنِ وَإِكْرَامِهِ ، مِمَّا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا يَقْرَؤُهُ النَّاسُ ، وَيَتْلُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ = هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ ، وَاسْتَوْدَعَهُ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ ، وَالرَّقَّ الْمَنْشُورَ
حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) البروج/22 ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:( وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ) الطور/2 . ". انتهى
وما زاد على ذلك مما جاء في سؤال الأخ الكريم لا يجوز اعتقاده إلا بنص صحيح مرفوع ، والله أعلم .
ملخص الجواب :
ما ذكره السائل لم يرو بسند مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه.
وإنما روي عن بعض التابعين ، لم يصح منها إلا ما روي عن ضمرة بن ربيعة . ولو صح من ذلك شيء ، فلا حجه فيه ، إلا ما ثبت صريحا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك الباب مما لا يعلم إلا بخبر الوحي ، ولا خبر بذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم .
وأخبار أهل الكتاب : لا حجة فيها ، في دين الله عز وجل .
واعتقادنا نحن المسلمين أن القرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ ، وما زاد على ذلك مما جاء في السؤال لا يجوز اعتقاده إلا بنص صحيح مرفوع
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 01:31
حول صيام التسع من ذي الحجة وعلة ذلك ، وهل وردت مناسبات لهذه الأيام ؟
السؤال :
لماذا نصوم التسع من ذي الحجة ، هل من مناسبة لكل يوم منها ؟
مثال: أول يوم : هو اليوم الذي غفر الله لسيدنا آدم ذنب الأكل من الشجرة ؟
اليوم الثانى : هو اليوم الذى استجاب رب العالمين فيه لدعاء سيدنا يونس عليه السلام وهو فى بطن الحوت .
اليوم الثالث : هو اليوم الذى استجاب رب العالمين فيه لدعاء سيدنا زكريا ورزقه بالابن الذي كان يتمناه .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
فإن الأيام العشر أفضل أيام الدنيا ، وما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ، وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة صحيحة .
ومن أصح هذه الأحاديث وأشهرها ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (969) ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:( مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ).
وأما الصيام : فيها فهو من جنس العمل الصالح .
وقد ورد في فضل الصيام فيها ، بخصوصه : ما أخرجه أبو داود في "سننه" (2436) ، والنسائي في "سننه" (2417) ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ:( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ ) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2106) .
ثانيا :
وأما ما ذكره السائل الكريم حول ورود مناسبة لكل يوم منها ، فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح .
وما أشار إليه من هذه الأحداث المذكورة ، فقد جاءت بعض الأحاديث الموضوعة المكذوبة حول هذه المعاني ، وجميعها مكذوب موضوع لا يصح منها شيء ، وبيان ذلك كما يلي :
الحديث الأول :
أخرجه الشجري في "الأمالي" (1651)
فقال : أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْأَزَجِيُّ ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ الْقُرَشِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقَ بْنُ سُوَيْدٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ:( أَوَّلُ رَحْمَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْأَرْضِ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَدْلَ صِيَامِهِ سِتِّينَ سَنَةً ، وَوُلِدَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلٌ مَنْ ذِي الْحِجَّةِ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَعْطَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ زَبُورَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَابَ عَلَيْهِ كَمَا تَابَ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَشَفَ اللَّهُ الضُّرَّ عَنْ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تِسْعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَدْلَ صِيَامِهِ السَّنَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا ، وَالسَّنَةُ الْمُسْتَقْبَلَةْ، وَاسْتَجَابَ اللَّهُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ دُعَاءَهُ كَمَا اسْتَجَابَ لِزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ ) .
وإسناده موضوع .
فيه أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد
ال الذهبي في "المغني في الضعفاء" (5260)
:" مجمع على ضعفه ، واتهم ". انتهى
وقال في "ميزان الاعتدال" (7158) :" وهو متهم " . انتهى .
قال سبط ابن العجمي في "الكشف الحثيث" (610)
معقبا على قول الذهبي :" فَقَوله بعد كَلَام الْبَاجِيّ : هُوَ مُتَّهم ؛ يحْتَمل أَن يُرِيد : بِالْكَذِبِ ، وَيحْتَمل : بِالْوَضْعِ ". انتهى
وشيخه أحمد بن عبد الرحمن بن سعد القرشي لم أجد من ترجم له ، إلا أن يكون هو أحمد بن عبد الرحمن السقطي ، فإنه من شيوخ أبي بكر المفيد ، ترجم له الذهبي في "المغني في الضعفاء" (345)
فقال :" احْمَد بن عبد الرَّحْمَن السَّقطِي شيخ الْمُفِيد ، لَا يعرف ؛ حدث عَن يزِيد بن هَارُون بِحَدِيث بَاطِل ". انتهى
وفيه كذلك " داود بن سليمان بن علي " ، لا يعرف ، لم يترجم له أحد .
وفيه سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، مجهول .
قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (361) :" سليمان" بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ..
قلت: قال ابن القطان " هو مع شرفه في قومه لا يعرف حاله في الحديث ". انتهى
الحديث الثاني :
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (4381) ، وأورد السيوطي سنده في "الزيادة على الموضوعات" (567) من طريق الديلمي قال : أخبرنا أبي أخبرنا محمد بن الحسين السعيدي ، حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم يُعرف بابن شاذي ، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي إملاء
حدثنا محمد بن سهل بن الحسين العطار ، حدثنا عبد الله بن محمد البلوي ، حدثني إبراهيم بن عبد الله بن العلاء ، عن أبيه ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه علي بن أبي طالب رفعه:( في أوّل ليلة مِن ذي الحجة وُلد إبرإهيم ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ثمانين سنة ، وفي تسعٍ مِن ذي الحجة أنزل توبة داود ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة ) .
قال السيوطي : محمد بن سهل : كان يضع الحديث " . انتهى
وهذا الإسناد مكذوب ، مسلسل بالكذابين .
فيه إبراهيم بن عبد الله بن العلاء بن زبر ، ترجم له الذهبي في "ميزان الاعتدال" (120)
وقال :" قال النسائي:" ليس بثقة ". انتهى
وفيه عبد الله بن محمد البلوي ، ترجم له الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4558)
وقال :" قال الدارقطني: " يضع الحديث ". انتهى
وفيه محمد بن سهل العطار ، ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد" (2/411)
وقال :" قَالَ الدارقطني:" محمد بن سهل العطار كان ممن يضع الحديث ". انتهى
والحديث ذكره الفتني في "تذكرة الموضوعات" (ص119)
وقال :" فيه محمد ابن سهل يضع ". انتهى
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 01:32
الحديث الثالث :
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (7122) ، وأورد السيوطي سنده في "الزيادة على الموضوعات" (565) من طريق الديلمي قال : أخبرنا أبو الفتح عبد الواحد بن إسماعيل بن نغارة إذناً
أخبرنا أبو محمد الحسن بن الحسين بن علي بن خشنام الحافظ ، حدثنا أبو النضر محمد بن أحمد بن سليمان التستري ، حدثنا محمد بن مخلد العطار ، حدثنا أبو سعيد محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن تميم الفريابي ، حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجُدِّي ، عن الثوري
عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الله بن باباه ، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( ولد إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم في أول يوم من ذي الحجة ، فصوم ذلك اليوم كصوم سبعين سنة ).
قال السيوطي :" موضوع ". انتهى
وآفته محمد بن تميم ، كذاب خبيث .
قال أبو نعيم في "الضعفاء" (231) :" كَذَّاب وَضاع ". انتهى
وقال ابن حبان في "المجروحين" (1013) :" يضع الحَدِيث ". انتهى
وقال الحاكم كما في "سؤالات السجزي للحاكم" (137) :" وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف حديث ". انتهى
الحديث الرابع :
أورده السيوطي في "الزيادة على الموضوعات" (569) بإسناد الديلمي قال : أخبرنا أبي ، أخبرنا الميداني ، حدثنا أبو بكر بن بشران ، حدثنا ابن شاهين إملاء ، حدثنا أحمد بن محمد بن عكرمة النسوي ، حدثنا أحمد بن الخضر المروزي ، حدثنا محمد بن نصر بن العباس ، حدثنا علي بن حُجر
حدثنا حماد بن عمرو ، عن زيد بن رفيع ، عن الزهري ، عن أنس رفعه:( من صام يوم التروية أعطاه اللهُ مثل ثواب أيوب على بلائه ، وإن صام يوم عرفة أعطاه الله عز وجل مثل ثواب عيسى ابن مريم ، وإن لم يأكل يوم النحر حتى يصلي أعطاه اللهُ ثواب من صلى في ذلك اليوم ، فإن مات إلى ثلاثين يوماً مات شهيداً ).
قال السيوطي : حمّاد بن عمرو كذاب . انتهى
وهو آفة هذا الحديث ، قال ابن معين :" حَمَّادُ بْنُ عَمْرو النَّصِيبِيُّ مِمَّنْ يَكْذِبُ وَيَضَعُ الْحَدِيثَ ". انتهى
من "الكامل" لابن عدي (415)
وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (136) :" متروك الحديث" . انتهى
وقال الجوزجاني في "أحوال الرجال" (321) :" كان يكذب لم يدع للحليم في نفسه منه هاجسا ". انتهى ،
وقال ابن حبان في "المجروحين" (240) :" يضع الْحَدِيث وضعا عَلَى الثِّقَات ". انتهى
والخلاصة :
أنه لم تثبت مناسبة خاصة للأيام العشر كما ذكر السائل ، وإنما هي أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفضل الأيام العشر ، والعمل الصالح فيها وخاصة الصيام ، ثابت من الأحاديث الصحيحة .
ولا يلزم ثبوت الفضل في يوم حدوث شيء أو مناسبة فيه ، بل يكفي أن الله فضل هذا اليوم على غيره ، والله أعلم .
ملخص الجواب :
لم تثبت مناسبة خاصة لأيام العشر كما ذكر السائل ، وإنما هي أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفضل الأيام العشر ، والعمل الصالح فيها وخاصة الصيام ، ثابت من الأحاديث الصحيحة .
ولا يلزم ثبوت الفضل في يوم حدوث شيء أو مناسبة فيه ، بل يكفي أن الله فضل هذا اليوم على غيره
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 01:35
حول صحة نسبة هذا القول للنبي صلى الله عليه وسلم :" ما قدر لماضغيك أن يمضغاه فلابد أن يمضغاه "
السؤال :
ما درجة حديث:
( ما قدر لماضغيك أن يمضغا فليمضغا ) ؟
الجواب :
الحمد لله
فإن هذا القول الذي ذكره السائل الكريم لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينسبه أحد من أهل العلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وإنما عزاه بعض كتاب الصوفية إلى بعض المشايخ دون تسمية .
فقد ذكره ابن عطاء الله السكندري في "التنوير في إسقاط التدبير" (ص214)
فقال :" واسمع ما قال بعض المشايخ : أيها الرجل : ما قدر لماضغيك أن يمضغاه ، فلابد أن يمضغاه ، فكله ويحك بعز ، ولا تأكله بذل ". انتهى
وذكره كذلك أبو العباس الحسني في "البحر المديد في تفسير القرآن المجيد" (7/52)
فقال : " وقال آخر: ما قُدر لماضغيك أن يمضغاه فلابدّ أن يمضغاه ، فامضغه ويحك بعز ، ولا تمضغه بذل ". انتهى
وبعض المعاصرين ينسبه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وبعضهم ينسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولم نقف لهذا القول على سند .
ومعناه صحيح ، فما قدره الله للعبد سيراه ، ولن يحول بينه وبين العبد أحد كائنا من كان .
وقد ورد في هذا المعنى عدة أحاديث صحيحة ، ومن أشهرها حديث ابن عباس رضي الله عنه المشهور .
وقد أخرجه الترمذي في "سننه" (2516) ، وأحمد في "مسنده" (2669)
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ: ( كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ، فَقَالَ:" يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ).
والحديث حسنه ابن حجر في "موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر" (1/327) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2382) .
ومن هذه الأحاديث كذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (35473)
من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :( أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبْعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلاَّ قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبْعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوْعِي ، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلاَ يَحْمِلْكُمَ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ فَإِنَّهُ لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَ الله إِلاَّ بِطَاعَتِهِ ) .
والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسة الصحيحة" (2866) .
والخلاصة :
أن القول المذكور لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه ، ونوصي إخواننا بالتحري عند نسبة شيء للنبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 01:45
هل صح عن أبي بكر الصديق أنه لما رأى قوما يبكون عند سماع القرآن قال :" هكذا كنا ثم قست قلوبنا "؟
السؤال :
حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ : " لَمَّا قَدِمَ أَهْلُ الْيَمَنِ زَمَانَ أَبِي بَكْرٍ وَسَمِعُوا الْقُرْآنَ جَعَلُوا يَبْكُونَ
قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَكَذَا كُنَّا ثُمَّ قَسَتِ الْقُلُوبُ " ، قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَعْنَى قَوْلِهِ : قَسَتِ الْقُلُوبُ ، قَوِيَتْ وَاطْمَأَنَّتْ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى . ما صحة الحديث ؟
وما معنى الشرح لأني أشعر أنه غير متفق مع السياق ، وقد قرأت شرحا آخر للألوسي أنه قال : إن الطراز الأول من الصحابة كانوا إذا تليت عليهم الآيات بكوا خوفا من الله ، وأن من جاء بعدهم قست قلوبهم فأرجو الإفادة .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
أما الأثر فإنه لا يثبت عن أبي بكر الصديق ، حيث إنه يروى عن أبي بكر مرسلا ، من طريقين :
الأول : أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (35524)
وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص135)
وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/33)
من طريق أبي معاوية عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، قَالَ:( لَمَّا قَدِمَ أَهْلُ الْيَمَنِ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ ، فَسَمِعُوا الْقُرْآنَ جَعَلُوا يَبْكُونَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:" هَكَذَا كُنَّا ، ثُمَّ قَسَتِ الْقُلُوبُ ) .
وإسناده مرسل ؛ أبو صالح لم يسمع من أبي بكر رضي الله عنه .
قال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (201) :
" قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : أَبُو صَالِحٍ ذَكْوَانُ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ : مُرْسلٌ ". انتهى
الثاني : أخرجه ابن الكمال الحنبلي في "المنتقى من سماعات محمد بن عبد الرحيم المقدسي" (10) ، من طريق رَوْح بْن عُبَادَةَ ، قال ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَدِمَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ، وَجَعَلُوا يَبْكُونَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:( هَكَذَا كُنَّا حَتَّى قَسَتِ الْقُلُوبُ ) .
وإسناده مرسل أيضا ، حيث لم يسمع عمرو بن مرة من أبي بكر رضي الله عنه .
قال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (531) :
" سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا مِنَ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ". انتهى
ثانيا :
وأما من حيث المعنى فإن الفعل " قسا " ، يدل في اللغة العربية على الشدة والصلابة .
قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (5/87)
:" ( قسي ) : القاف والسين والحرف المعتل يدلُّ على شِدَّة وصلابة ، من ذلك الحجر القاسي .
والقَسْوة: غِلَظ القَلْب ، وهي من قسوة الحَجَر. قال الله تعالى:( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كالحِجَارَةِ أوْ أَشَدُّ قَسْوةً ). البقرة/74 ، والقاسية: اللَّيلة الباردة .
ومن الباب المُقاساة: معالجَة الأمر الشَّديد . وهذا من القَسوة ، لأنَّهُ يُظهِر أنّه أقسَى من الأمر الذي يُعالِجهُ . وهو على طريقة المُفاعَلة ". انتهى
ويستعمل مع القلب على سبيل الذم ، وبهذا جاء القرآن في عدة مواضع ، منها :
قوله تعالى :( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) . البقرة/74 .
وقوله تعالى :( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) . المائدة/13 .
وقوله تعالى :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) . الأنعام/42 ، 43 .
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (7/30) :" وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ " قَسْوَةَ الْقُلُوبِ " الْمُنَافِيَةَ لِلْخُشُوعِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَقَالَ تَعَالَى:( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) . قَالَ الزَّجَّاجُ: قَسَتْ فِي اللُّغَةِ: غَلُظَتْ وَيَبِسَتْ وَعَسِيَتْ.
فَقَسْوَةُ الْقَلْبِ : ذَهَابُ اللِّينِ وَالرَّحْمَةِ وَالْخُشُوعِ مِنْهُ ، وَالْقَاسِي والعاسي: الشَّدِيدُ الصَّلَابَةِ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: قَسَتْ وَعَسَتْ وَعَتَتْ. أَيْ يَبِسَتْ.
وَقُوَّةُ الْقَلْبِ الْمَحْمُودَةُ : غَيْرُ قَسْوَتِهِ الْمَذْمُومَةِ ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ وَلَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ ". انتهى
بل إن الله تعالى عاتب الصحابة رضي الله عنهم بقوله تعالى :( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) . الحديد/16
فقد أخرج مسلم في "صحيحه" (3027) ابْنَ مَسْعُودٍ ، قَالَ:( مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ:( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ ). الحديد/16 ، إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ ).
قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/131) في شرحه على هذا الحديث :" فيه ما يدل على أن القرآن العزيز وبخ قومًا على بطء خشوع قلوبهم بعد نزول القرآن ". انتهى
وهذا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بعَثَ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ ، فَقَالَ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ ، فَاتْلُوهُ ، وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ ، كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ". أخرجه مسلم في "صحيحه" (1050) .
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 01:46
ثالثا :
وأما قول أبي بكر رضي الله عنه – إن صح عنه – فإن الصواب في معناه : أنه على أصله في أن المراد بالقسوة هنا ذهاب اللين والخشوع من القلب ، إلا أنه خرج من أبي بكر رضي الله عنه على سبيل الوعظ ، أو على سبيل التواضع والإزراء بالنفس ، فأبو بكر أتقى هذه الأمة ، وألينها قلبا ، بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى أنه كان يعرف بالأَسِيف ، إذ لم يكن يملك عينيه من البكاء إذا قرأ القرآن .
ففي صحيح البخاري (712)
من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ:( لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَتَاهُ بِلاَلٌ يُوذِنُهُ بِالصَّلاَةِ ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ ، قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِي ، فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى القِرَاءَةِ ).
وأخرج البخاري أيضا في "صحيحه" (476)
من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :( وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً ، لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ ) .
قال الباقلاني في "الانتصار للقرآن" (1/93)
" ولما قدم أهل اليمن أيامَ أبي بكرٍ سمعوا القرآن فجعلوا يبكون ، فقال أبو بكر: "هكذا كنا ثم قست القلوب " .
يعني بذلك : أن قلوبَ كثيرٍ من أهل ذلك العصر قست ، دونه ، ودُون الأئمة ومن جرى مجراهم من جلة الصحابة .
وقد يمكن أن يكون ذلك على وجه العظة وطلب الزيادة والخشوع ". انتهى
رابعا :
وأما قول أبي نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" (1/33)
تفسيرا لقول الصديق :" وَمَعْنَى قَوْلِهِ: قَسَتِ الْقُلُوبُ : قَوِيَتْ وَاطْمَأَنَّتْ بِمَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى ". انتهى
فإن هذا القول فيه نظر ، لما يلي :
أولا : أنه مخالف لظاهر اللفظ ، وما تدل عليه اللغة ، على ما مر شرحه .
قال الهروي في "الغريبين" (5/1545)
:" وكل صلب فهو قاس ، ومنه قوله تعالى:( قلوبهم قاسية ) أي صلبة لا رحمة فيها ، وقال ابن عرفة: قاسية أي جافية عن الذكر غير قابلة له والقسوة جفوة القلب وغلظه ، والقساوة مثله ". انتهى
ثانيا : أنه معارض لمعنى تواترت عليه الشريعة ، وهو أن من صفات المؤمنين أنهم إذا تليت عليهم آيات القرآن : فاضت أعينهم من البكاء .
وقد جاءت عدة آيات تدل على ذلك ، منها :
قوله تعالى :" وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109). الإسراء/106- 109
وهذا هو حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم سادات الأولياء.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (11/8)
:" لَكِنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي كَانَتْ فِي الصَّحَابَةِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ ، وَهِيَ وَجَلُ الْقُلُوبِ وَدُمُوعُ الْعَيْنِ وَاقْشِعْرَارُ الْجُلُودِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ، وَقَالَ تَعَالَى:( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ )
وَقَالَ تَعَالَى:( إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) ، وَقَالَ:( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} وَقَالَ: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) ". انتهى
ثالثا : أن القول بأن قلب الصديق لما اطمئن بالإيمان ، لم يعد يبكي عند سماع القرآن ، بخلاف من كان حديث العهد بالإيمان ، يعد من شطحات الصوفية ، فإنهم أول من أحدثوا هذا القول .
قال أبو العباس الحسني في "البحر المديد" (3/346) :
" من شأن القلب في أول أمره الرطوبة ، يتأثر بالواردات والأحوال ، فإذا استمر عليها اشتد وصلُب بحيث لا يؤثر فيه شيء من الواردات الإلهية . وفي هذا المعنى قال أبو بكر رضي الله عنه، حين رأى قوماً يبكون عند سماع القرآن:( كذلك كنا ثم قست القلوب ) ، فعبَّر عن تمكنه بالقسوة ، تواضعًا واستتارًا ، وإنما أثنى على هؤلاء السادات بهذه الخصلة لأنها سُلّم لما فوقها . والله تعالى أعلم ". انتهى
وهذا أبو حفص السهروردي - وهو من كبار أئمة الصوفية - ينقل عنه الطيبي في "حاشية الطيبي على الكشاف" (7/12) فقال :" قال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي قدس سره: لما رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الباكي عند قراءة القرآن ، قال: هكذا كنا حتى قست القلوب. أي: أدمنت سماع القرآن وألفت أنواره ، فما استغربته حتى تتغير ". انتهى
وقد ردَّ الألوسي رحمه الله في "روح المعاني" (27/180) قول السهروردي فقال :" وعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه إن هذه الآية قُرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاءا شديدا ، فنظر إليهم ، فقال :" هكذا كنا حتى قست القلوب " .
ولعله أراد رضي الله تعالى عنه أن الطراز الأول كان كذلك ، حتى قست كثير من الناس ولم يتأسوا بالسابقين .
وغرضه مدح أولئك القوم بما كان هو ونظراؤه عليه رضي الله تعالى عنهم .
ويحتمل أن يكون قد أراد ما هو الظاهر ، والكلام من باب هضم النفس ، كقوله رضي الله تعالى عنه :" أقيلوني فلست بخيركم " .
وقال شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي قدس الله سره :" معناه تصلبت وأدمنت سماع القرآن ، وألفت أنواره فما تستغربه حتى تتغير كما تغير هؤلاء السامعون " .انتهى .
وهو خلاف الظاهر ، وفيه نوع انتقاص للقوم ، ورمز إلى أن البكاء عند سماع القرآن لا يكون من كامل ، كما يزعمه بعض جهلة الصوفية القائلين : إن ذلك لا يكون إلا لضعف القلب عن تحمل الواردات الإلهية النورانية ، ويجل عن ذلك كلام الصديق رضي الله تعالى عنه ". انتهى
وقد فسر بعض أهل العلم قول أبي بكر ذلك ، بأن ذلك من "الفترة" التي ترد على السالك ، أثناء الطريق ، لطول المسير .
قال الإمام عبد الغني المقدسي رحمه الله :
" أما فقدان ما نجده من الحلاوة واللذة، فلا يكون دليلًا على عدم القبول؛ فإن المبتدئ يجد مالا يجد المنتهي، فإنه ربما ملت النفس وسئمت؛ لتطاول الزمان، وكثرة العبادة. وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان ينهى عن كثرة العبادة والإِفراط فيها، ويأمر بالاقتصاد خوفًا من الملل. وقد روي أن أهل اليمن لما قدموا المدينة جعلوا يبكون، فقال أبو بكر رضي الله عنه: هكذا كنا حتى قست القلوب."
انتهى، من "عمدة الأحكام الكبرى" (41) .
ولذا تكلم ابن القيم عن الشوق لأيام البدايات فقال :" قَالَ الْجُنَيْدُ: وَاشَوْقَاهُ إِلَى أَوْقَاتِ الْبِدَايَةِ .
يَعْنِي: لَذَّةَ أَوْقَاتِ الْبِدَايَةِ ، وَجَمْعِ الْهِمَّةِ عَلَى الطَّلَبِ ، وَالسَّيْرِ إِلَى اللَّهِ. فَإِنَّهُ كَانَ مَجْمُوعَ الْهِمَّةِ عَلَى السَّيْرِ وَالطَّلَبِ ، فَلَمَّا لَاحَظَ عَيْنَ الْجَمْعِ فَنِيَتْ رُسُومُهُ ، وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ الْفَنَاءُ عَنْ بَشَرِيَّتِهِ ، وَأَحْكَامِ طَبِيعَتِهِ ، فَتَقَاضَتْ طِبَاعُهُ مَا فِيهَا ، فَلَزِمَتْهُ الْكُلَفُ ، فَارْتَاحَ إِلَى أَوْقَاتِ الْبِدَايَاتِ ، لِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ لَذَّةِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْخَلْقِ ، وَاجْتِمَاعِ الْهِمَّةِ .
وَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ عَلَى رَجُلٍ ، وَهُوَ يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، فَقَالَ: هَكَذَا كُنَّا حَتَّى قَسَتْ قُلُوبُنَا.
وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّ لِكُلِّ عَامِلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ» . انتهى من "مدارج السالكين" (3/121)
وختاما :
فقد تبين أن ما ورد عن أبي الصديق رضي الله عنه لا يثبت .
وإن ثبت فإنه خرج منه على سبيل التواضع ، والإزراء بالنفس .
ومعناه على ظاهره ، من أن الأصل في القلب اللين الخاشع البكاء عند سماع القرآن ، بخلاف القلب القاسي .
ولا شك أن أبا بكر ليس من هؤلاء أصحاب القلوب القاسية ، وحاشاه من ذلك .
وتأويل القسوة بالقوة والاطمئنان تعسف في تفسير الكلام ، ومخالف للغة العربية ، وللشريعة الربانية .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 01:49
هل ورد حديث في مشروعية قول آمين عند دخول المسجد ؟
السؤال :
سمعت مرةً متحدثاً مسلماً ذكر شيئاً عن قول آمين عند دخول المسجد ؛ لأن الملائكة تدعو لك ، فيما يبدو أن الحديث رواه أبو هريرة ، فهل يمكن أن تخبرني إذا كان هذا الحديث صحيحاً ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الدعوات التي كان يقولها عند دخوله المسجد .
ومن أشهر هذه الدعوات وأصحها ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (713)
أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، وَإِذَا خَرَجَ ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ) .
وكذلك ما أخرجه أبو داود في "سننه" (466) من حديث عبد الله بن عَمرو بن العاص، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أنه كانَ إذا دخلَ المَسجِدَ قال:( أعوذُ باللهِ العظيمِ ، وبوجهِهِ الكريم ، وسُلطانِه القديم ، من الشَّيطانِ الرَّجيم ) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (485).
ثانيا :
وأما ما ذكره السائل فيما سمعه من متحدث أنه يستحب قول " آمين " عند دخول المسجد ، فإن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ، ولم نقف على أحد من أهل العلم قال به .
ولعل الحديث الذي اعتمد عليه المتكلم في ذلك هو ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (477) ، ومسلم في "صحيحه" (649) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( صَلاَةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ ، وَأَتَى المَسْجِدَ ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً ، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ ، كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ ، وَتُصَلِّي - يَعْنِي عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ - مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ ) .
فغالب الظن أن هذا المتحدث اعتمد على هذا الحديث ، حيث أن الملائكة تدعو لهذا العبد الذي توضأ في بيته ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ، ففهم منه استحباب التأمين على دعاء الملائكة في هذا الموطن .
وهذا خطأ ، بل هو أقرب إلى البدعة منه إلى السنة . فليس في الحديث أن صلاة الملائكة تكون عليه عند دخوله إلى المسجد ، بل الظاهر أن الملائكة إنما تقول ذلك حين جلوسه في مكان صلاته ، وليس عند دخوله إلى باب المسجد .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أخبر أمته بذلك : لم يشرع لهم أن يقولوا شيئا ، في هذا المقام ، ولا أن يؤمنوا على دعاء الملائكة ؛ فدل ذلك أن هذا القول : بدعة .
قال الشاطبي في "الاعتصام" (2/282)
:" أَن يَسْكُتَ الشَّارِعُ عَنِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ ، أَو يَتْرُكَ أَمراً مَا مِنَ الأُمور ، ومُوجِبُهُ الْمُقْتَضِي لَهُ قَائِمٌ ، وَسَبَبُهُ فِي زَمَانِ الْوَحْيِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مَوْجُودٌ ثَابِتٌ ، إِلا أَنه لَمْ يُحدَّدْ فِيهِ أَمرٌ زَائِدٌ على ما كان في ذلك الوقت =
فالسكوت في هذا الضرب : كالنص على أَن القصد الشرعي فيه : أَن لا يُزاد فيه عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْحُكْمِ الْعَامِّ فِي أَمثاله ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ .
لأَنه لَمَّا كَانَ المعنى المُوجِبُ لشرعيَّة الحكم العملي الْخَاصِّ مَوْجُودًا ، ثُمَّ لَمْ يُشْرَعْ ، وَلَا نَبَّهَ على استنباطه = كَانَ صَرِيحًا فِي أَن الزَّائِدَ عَلَى مَا ثَبَتَ هُنَالِكَ : بِدْعَةٌ زَائِدَةٌ، وَمُخَالِفَةٌ لِقَصْدِ الشَّارِعِ ؛ إِذ فُهِمَ مِنْ قَصْدِهِ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حدَّ هُنَالِكَ ، لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ، وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهُ ". انتهى
وختاما :
نوصي أنفسنا والسائل الكريم وجميع المسلمين : بالوقوف على ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دون زيادة أو نقصان ، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 01:55
حول درجة صحة حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته بعده، فما رئي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله .
السؤال :
ما صحة حديث أري النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يصيب أمته بعده فما رئي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله ؟
والحديث مذكور في كتب التفاسير ، أخرجه الطبري (25/75)
والحاكم (2/447)
وعبد الرزاق في التفسير(2/197)،
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور": (7/379)
أيضاً لعبد بن حميد ، وابن المنذر .
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث ليس له أصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما رواه قتادة بن دعامة السدوسي مرسلا ، فقال: " ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ الَّذِي لَقِيَتْ أُمَّتُهُ بَعْدَهُ ، فَمَا زَالَ مُنْقَبِضًا ، مَا انْبَسَطَ ضَاحِكًا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ".
أخرجه الطبري في "تفسيره" (20/600) من طريق سعيد ومعمر
وعبد الرزاق في "تفسيره" (3/169) من طريق معمر ، كلاهما عن قتادة به .
والحديث من مراسيل قتادة ، وهو معدود في أصحاب الطبقة الرابعة ، وهم مَنْ أكثر رواياتهم عن كبار التابعين ، والمرسل ضعيف كما هو معلوم ، حيث لم يسم قتادة الواسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما ما ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (7/379)
حيث قال :" أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) الزخرف/41 ، قَالَ: قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ: ذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبقيت النقمَة ، فَلم يُرِ الله نبيه فِي أمته شَيْئا يكرههُ حَتَّى قُبِضَ ، وَلم يكن نَبِي قطّ إِلَّا وَقد رأى الْعقُوبَة فِي أمته إِلَّا نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، رأى مَا يُصِيب أمته بعده ، فَمَا رُؤِيَ ضَاحِكا منبسطاً حَتَّى قبض ". اهـ
ففيه نظر في عزوه ، حيث أدخل حديثا مرفوعا مع قول قتادة ، فإن حديث أنس أخرجه الحاكم في "المستدرك" (3672) من طريق مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) الزخرف/41 ، فَقَالَ: قَالَ أَنَسٌ:" ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَتِ النِّقْمَةُ ، وَلَمْ يُرِ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ حَتَّى مَضَى ، وَلَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَقَدْ رَأَى الْعُقُوبَةَ فِي أُمَّتِهِ إِلَّا نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » .
هكذا رواه الحاكم ، ولم يزد على ذلك .
أما الشق الآخر وهو محل السؤال فلم يروه الحاكم إنما تخريجه كما مرّ ، وليس له إسناد متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو عن قتادة قال :" وذكر لنا .." . هكذا مرسلا
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 17:13
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
في الجمع بين الأحاديث الواردة في عدم دخول الدجال المدينة وحديث أنه ينزل في سبخة بمر قناة
لسؤال :
وقفت على الحديث التالي مؤخراً: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ينزل الدجال في هذه السبخة بمرِّ قناة – وادٍ في المدينة - ، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء ، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه) "مسند" أحمد ، رقم (5099).
سؤالي هو : كيف سيأتي إلى وادٍ في المدينة إذا كان لن يدخلها ؟ هل بالإمكان الشرح بشكلٍ مفصّلٍ بالأدلة الصحيحة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قد تواترت الأحاديث الصحيحة أن الدجال لن يدخل المدينة المنورة ، وأن الله تعالى يجعل على أبوابها الملائكة يحرسونها .
وهذه بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك :
منها ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (1880)
ومسلم في "صحيحه" (1379) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ ، وَلاَ الدَّجَّالُ ).
ومنها ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (1881)
ومسلم في "صحيحه" (2943) من حديث أنس رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ ، إِلَّا مَكَّةَ ، وَالمَدِينَةَ ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ ، إِلَّا عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ ).
وهذا أمر ثابت يقيني لا شك فيه .
قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (5/103) في شرحه لحديث أنس رضي الله عنه قال :" في هذا الحديث ما يدل على أن الله تعالى حمى البلدين من أن يسلط عليها الدجال ، وأن المدينة خاصة ترجف بأهلها فيخرج منها كل كافر ومنافق ". انتهى
وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (4/551) :" ولذلك نوقن أن الدجال لا يستطيع دخولها البتة ، وهذا فضل عظيم للمدينة ، وقد أخبر الله تعالى أنه يوكل الملائكة بحفظ من شاء من عباده من الآفات والعدو والفتن ، فقال تعالى:" لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ". انتهى
ثانيا :
وأما الحديث الذي أورده السائل الكريم ، وظن أنه يثبت دخول الدجال إلى المدينة ، فليس كما ظنه السائل ، وبيان ذلك من وجوه:
الأول :
الحديث أخرجه الإمام أحمد في "المسند" 5353) ، وحنبل بن إسحاق في "الفتن" (36) ، من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرّ ِقَنَاةَ ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ ، فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا ، مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ يُسَلِّطُ اللهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ ، فَيَقْتُلُونَهُ وَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ ، حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ ، لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوِ الْحَجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ لِلْمُسْلِمِ: هَذَا يَهُودِيٌّ تَحْتِي فَاقْتُلْهُ ) .
والحديث ضعيف لأجل عنعنة محمد بن إسحاق ، فإنه مدلس ، وبه أعله الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/473)
والشيخ الألباني في "قصة المسيح الدجال" (ص88) .
الثاني: على فرض صحة الحديث فإنه لا تعارض بينه وبين ما ثبت في الأحاديث من أن الدجال لا يدخل المدينة المنورة ؛ فإن هذا الحديث لم يثبت دخوله المدينة ، وإنما يثبت مروره بمجرى قناة في أرض سبخة ، ولم يعين كونها من أرض المدينة .
وهذا المعنى قد ورد في عدة أحاديث صحيحة ، لكن ثبت أن هذه الأرض السبخة خارج المدينة ، وليست بداخلها .
ومن هذه الأحاديث ما يلي :
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال :" حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ الدَّجَّالِ ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ أَنَّهُ قَالَ: ( يَأْتِي الدَّجَّالُ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ ، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ - أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ - فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ ، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ) .
أخرجه البخاري في "صحيحه" (7132) ، ومسلم في "صحيحه" (2938) .
فتأمل موضع الشاهد من الحديث ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :" فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ ".
قال ابن حجر في "فتح الباري" (13/102)
:" قَوْلُهُ " فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ " : بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ ، جَمْعُ سَبَخَةٍ ، بِفَتْحَتَيْنِ ، وَهِيَ الْأَرْضُ الرَّمِلَةُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ لِمُلُوحَتِهَا ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ خَارِجُ الْمَدِينَةِ ، مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْحِرَّةِ .
قَوْلُهُ " الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ " : أَيْ مِنْ قِبَلِ الشَّامِ ". انتهى
حديث أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ ، وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا ، فَيَأْتِي سِبْخَةَ الْجُرُفِ ، فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ ، يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ ) .
أخرجه مسلم في "صحيحه" (2943) .
وموضع الشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم :" فَيَأْتِي سِبْخَةَ الْجُرُفِ فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ " ، وسبخة الجرف مكان خارج المدينة .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (13/93) :
" وَالْجُرُفُ : بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ مَكَانٌ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ، عَلَى مِيلٍ، وَقِيلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ .
وَالْمُرَادُ بِالرِّوَاقِ: الْفُسْطَاطُ.
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: نَزَلَ عِنْد الطَّرِيق الْأَحْمَرِ، عِنْدَ مُنْقَطَعِ السَّبَخَةِ ". انتهى.
فتبين مما سبق أن الأحاديث الصحيحة المتواترة على أن الدجال لن يدخل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الله جعل الملائكة على أبوابها ، وأن الدجال إنما يكون بأرض سبخة خارج المدينة تدعى " سبخة الجرف " ، وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث .
والله أعلم .
ملخص الجواب :
دلت الأحاديث الصحيحة المتواترة على أن الدجال لن يدخل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الله جعل الملائكة على أبوابها ، ودل الحديث المذكور - على فرض صحته - أن الدجال إنما يكون بأرض سبخة خارج المدينة تدعى " سبخة الجرف "، وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث .
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 17:17
حول منهج أبي داود في سننه ، ودرجة أحاديثه
السؤال :
هل يمكنك التعليق وإعطاء معلوماتٍ عن سنن أبي داود ؟
وهل بالإمكان تقديم معلوماتٍ عن صحتها ؟
وهل هو ثالث كتابٍ في الحديث الأكثر صحة من الكتب الستة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
سنة النبي صلى الله عليه وسلم قد حفظها الله تعالى بأهل الحديث الذين تلقوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم جيلا بعد جيل ، وضبطوها بقواعد علم الحديث ، ودونوها في مصنفات عظيمة نقلت إلينا بالأسانيد المتواترة الصحيحة .
وتعد الكتب الستة المشهورة وهي ( صحيح البخاري ، صحيح مسلم ، سنن أبي داود ، سنن النسائي ، سنن الترمذي ، سنن ابن ماجه ) أصول كتب السنة ، وأصحها إسنادا .
قال الحافظ ابن منده :" الحفاظ الذين أخرجوا الصحيح وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة : أبو عبد الله البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ، وبعدهما أبو داود السجستاني ، وأبو عبد الرحمن النسائي ". انتهى من "معالم السنن" للخطابي (4/367) .
وقال المزي في مقدمة كتابة "تهذيب الكمال" (1/147)
في معرض حديثه عن كتب السنة :" وكان من أحسنها تصنيفا ، وأجودها تأليفا ، وأكثرها صوابا ، وأقلها خطأ ، وأعمها نفعا ، وأعودها فائدة ، وأعظمها بركة ، وأيسرها مؤونة ، وأحسنها قبولا عند الموافق والمخالف ، وأجلها موقعا عند الخاصة والعامة: صحيح أَبِي عَبد اللَّهِ مُحَمَّد بْن إسماعيل البخاري
ثم صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ، ثم بعدهما كتاب السنن لأبي داود سُلَيْمان بْن الأشعث السجستاني ، ثم كتاب الجامع لابي عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيّ ، ثم كتاب السنن لابي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبِ النَّسَائي ، ثم كتاب السنن لأبي عَبد الله مُحَمَّد بْن يزيد المعروف بابن ماجة القزويني وإن لم يبلغ درجتهم ". انتهى
ويعد كتاب سنن أبي داود من أعظم دواوين السنة بعد الصحيحين ، وذلك لشرف مصنفه ، وجودة أسانيده ، وحسن ترتيبه ، وجمعه أصول أحاديث الأحكام .
فأما مصنفه فهو الإمام الحجة الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بَشِيرٍ السِّجِسْتَانِيُّ ، ولد سنة 202هـ ، وتوفي سنة 275هـ ، أحد أكبر تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل ، وشيخ الترمذي والنسائي .
وقد أثنى عليه أهل العلم ثناءً عظيما .
قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (10/75) :" قال أبو بكر الخلال : أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الإمام المقدم في زمانه ، رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم ، وبصره بمواضعه ، أحد في زمانه ، رجل ورع مقدم ". انتهى
وقال الذهبي في ترجمته لأبي داود في كتاب "سير أعلام النبلاء" (13/211) :" قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ: كَانَ أَبُو دَاوُدَ أَحَدَ حُفَّاظِ الإِسْلاَمِ لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِلْمِهِ وَعِلَلِهِ وَسَنَدِهِ ، فِي أَعْلَى دَرَجَةِ النُّسْكِ وَالعَفَافِ ، وَالصَّلاَحِ وَالوَرَعِ ، مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، لَمَّا صَنَّفَ أَبُو دَاوُدَ كِتَابَ السُّنَنِ : أُلِيْنَ لأَبِي دَاوُدَ الحَدِيْثُ ، كَمَا أُلِيْنَ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الحَدِيْدُ ...
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: أَبُو دَاوُدَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا فِقْهاً وَعِلْماً وَحِفْظا ً، وَنُسْكاً وَوَرَعاً وَإِتْقَاناً ، جَمَعَ وَصَنَّفَ وَذَبَّ عَنِ السُّنَنِ ". انتهى
ثانيا :
وأما كتابه السنن ، فقد أثنى عليه أهل العلم أعظم الثناء ، وقدموه على غيره .
قال أبو يحيى زكريا بن يحيى السَّاجي:" كتابُ الله عز وجل أصلُ الإِسلام ، وكتابُ "السنن" لأبي داودَ عهدُ الإسلام ".
انتهى من "شرح الإلمام" لابن دقيق العيد (1/42) .
وقال ابن الأعرابي :" لو أنّ رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المُصْحَف الَّذِي فِيهِ كتاب اللَّه ، ثم هذا الكتاب ، لم يحْتَجْ معهما إلى شيء من العلم بتة ". انتهى من "تاريخ الإسلام" للذهبي (8/632)
وقال الخطابي في "معالم السنن" (1/6) :" كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله ، وقد رزق القبول من الناس كافة ، فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم ، فلكل فيه ورد ومنه شرب ، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب ، وكثير من مدن أقطار الأرض ". انتهى
ثالثا :
وأما منهجه في كتابه فقد تولى أبو داود بنفسه التعريف بكتابه ومنهجه فيه في رسالته المشهورة بعنوان "رسالة أبي داود إلى أهل مكة" ، وهي مطبوعة ، وقد بين فيها منهجه في كتابه ، ونذكر من ذلك بعض النقاط :
النقطة الأولى : أن كتابه أصل في أحاديث الأحكام ، لم يخلطه بأحاديث الزهد والرقاق وفضائل الأعمال .
قال أبو داود في "رسالته لأهل مكة" (ص34) :" وَإِنَّمَا لم أصنف فِي كتاب السّنَن إِلَّا الْأَحْكَام وَلم أصنف كتب الزّهْد وفضائل الْأَعْمَال وَغَيرهَا ، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَة آلَاف والثمانمائة كلهَا فِي الْأَحْكَام ، فَأَما أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الزّهْد والفضائل وَغَيرهَا من غير هَذَا لم أخرجه ". انتهى
ويعد كتابه أصل في معرفة أحاديث الأحكام ، حتى قال الغزالي :" يَكْفِي الْمُجْتَهِدَ مَعْرِفَتُهَا من الأحاديث النبويّة " .
نقله عنه ابن كثير في "البداية والنهاية" (11/55) .
وقال ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود المسماة "تهذيب السنن" (1/8) :" لما كان كتاب السنن لأبي داود رحمه الله من الإسلام بالموضع الذي خصه الله ، بحيث صار حكما بين أهل الإسلام ، وفصلاً في موارد النزاع والخصام ، فإليه يتحاكم المنصفون ، وبحكمه يرضي المحققون ، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام ، ورتبها أحسن ترتيب ونظمها أحسن نظام ، مع انتقائها أحسن انتقاء ، واطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء ". انتهى
النقطة الثانية : أنه ذكر في الباب أصح ما وقف عليه .
قال أبو داود في "رسالته لأهل مكة" (ص22) :" فَإِنَّكُم سَأَلْتُم أَن أذكر لكم الْأَحَادِيث الَّتِي فِي كتاب السّنَن أَهِي أصح مَا عرفت فِي الْبَاب ووقفت على جَمِيع مَا ذكرْتُمْ ؟ فاعلموا أَنه كَذَلِك كُله ، إِلَّا أَن يكون قد روى من وَجْهَيْن صَحِيحَيْنِ ، فأحدهما أقوم إسنادا ، وَالْآخر صَاحبه أقدم فِي الْحِفْظ ، فَرُبمَا كتبت ذَلِك وَلَا أرى فِي كتابي من هَذَا عشرَة أَحَادِيث ". انتهى
النقطة الثالثة : أنه لم يرو في كتابه عن راو متروك عنده .
قال أبو داود في "رسالته لأهل مكة" (ص25) :" وَلَيْسَ فِي كتاب السّنَن الَّذِي صنفته عَن رجل مَتْرُوك الحَدِيث شَيْء ".
والمقصود بالمتروك في كلامه أي متروك عنده ، فقد يكون متروكا عند غيره ، غير متروك عنده، فيخرج حديثه .
قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (2/613) في شرحه قوله ذلك :" ومراده أن لم يخرج لمتروك الحديث عنده ، على ما ظهر له ، أو لمتروك متفق على تركه ، فإنه قد خرج لمن قد قيل : إنه متروك ، ومن قد قيل : إنه متهم بالكذب ". انتهى
رابعا :
أما الأحاديث التي ذكرها في كتابه ، فليست في درجة واحدة ، بل فيها الصحيح ، والحسن لذاته ، والحسن لغيره .
قال أبو داود :" قال أبو بكر بن داسة سمعت أبا داود يقول :" كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث ، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب ، يَعني كتاب السنن ، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث ، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه " .
انتهى من "معالم السنن" للخطابي (4/365) .
فتبين بهذا النص منه أنه روى الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ، وهو الحديث الحسن بنوعيه .
ولكن هل يخلو كتابه من الأحاديث الضعيفة ؟
فالجواب : أنه مع أن كتاب سنن أبي داود يُعد في المرتبة الثالثة بعد صحيح مسلم ، إلا أن وصفه بالصحة : تساهل، لأنه ليس كل ما فيه صحيح .
قال أبو الفضل العراقي في "شرح التبصرة والتذكرة" (1/168)
:" ومَنْ أطلقَ الصحيحَ على كتبِ السُّنن فقد تساهَلَ ، كأبي طاهرٍ السِّلَفيِّ حيث قال في الكتبِ الخمسةِ : اتفقَ على صحتِها علماءُ المشرقِ والمغربِ . وكأبي عبدِ الله الحاكم حيثُ أطلقَ على الترمذيِّ الجامعَ الصحيحَ ، وكذلك الخطيبُ أطلقَ عليه ، وعلى النسائيِّ اسمَ الصحيحِ ". انتهى
ولذا لا يخلو كتابه من الأحاديث الضعيفة ، وقد ذكر ذلك أبو داود بنفسه في عدة مواضع :
الموضع الأول : أنه نص في رسالته لأهل مكة أنه روى في كتابه المراسيل ، إذا لم يكن في الباب غيره ، والمرسل من أنواع الضعيف كما هو معلوم .
قال أبو داود في "رسالته لأهل مكة" (ص25) :" وَأما الْمَرَاسِيل : فقد كَانَ يحْتَج بهَا الْعلمَاء فِيمَا مضى ، مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك بن أنس وَالْأَوْزَاعِيّ ، حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي فَتكلم فِيهَا ، وَتَابعه على ذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره رضوَان الله عَلَيْهِم ، فَإِذا لم يكن مُسْند غير الْمَرَاسِيل ، وَلم يُوجد الْمسند : فالمرسل يحْتَج بِهِ ، وَلَيْسَ هُوَ مثل الْمُتَّصِل فِي الْقُوَّة ". انتهى
وقال في "رسالته لأهل مكة" (ص30) في موضع آخر :" وَإِن من الْأَحَادِيث فِي كتابي السّنَن مَا لَيْسَ بِمُتَّصِل ، وَهُوَ مُرْسل ومدلس ، وَهُوَ إِذا لم تُوجد الصِّحَاح عِنْد عَامَّة أهل الحَدِيث على معنى أَنه مُتَّصِل ". انتهى
الموضع الثاني : أنه نص أنه سيروي أحاديث ضعيفة شديدة الضعف سينوه على ضعفها .
قال أبو داود في "رسالته لأهل مكة" (ص27) :" وَمَا كَانَ فِي كتابي من حَدِيث فِيهِ وَهن شَدِيد فقد بَينته ، وَمِنْه مَالا يَصح سَنَده ". انتهى
وهناك أحاديث ذكرها وسكت عليها ، وقد نص على أنه سيروي أحاديث سيسكت عنها هي صالحة .
فقال في "رسالته لأهل مكة" (ص27) :" مَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح ، وَبَعضهَا أصح من بعض ". انتهى
واختلف أهل العلم في تفسير قوله " فهو صالح " ، فمنهم من رأى أن معناه أنه " حسن " ، ومنهم من قال : معناه : أنه " صالح للاحتجاج" ، أي قد يكون ضعيفا ، وليس في الباب غيره ، وقد ينجبر ، وهذا القول هو ما رجحه المحققون من أهل العلم ، مثل الذهبي ، وابن حجر ، والسخاوي .
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (13/213) :" قَالَ ابْنُ دَاسَةَ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ ، يَقُوْلُ: ذَكَرْتُ فِي السُّنَنِ الصَّحِيْحَ وَمَا يُقَارِبَهُ ، فَإِنْ كَانَ فِيْهِ وَهْنٌ شَدِيدٌ بَيَّنْتُهُ .
قُلْتُ ( أي الذهبي ) : فَقَدْ وَفَّى -رَحِمَهُ اللهُ- بِذَلِكَ بِحَسَبِ اجتِهَادِهِ ، وَبَيَّنَ مَا ضَعْفُهُ شَدِيْدٌ ، وَوَهْنُهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ ، وَكَاسَرَ عَنْ مَا ضَعْفُهُ خَفِيْفٌ مُحْتَمَلٌ ، فَلاَ يَلْزَمُ مِنْ سُكُوْتِهِ - وَالحَالَةِ هَذِهِ - عَنِ الحَدِيْثِ أَنْ يَكُونَ حَسَناً عِنْدَهُ ، وَلاَ سِيَمَا إِذَا حَكَمْنَا عَلَى حَدِّ الحَسَنِ بِاصطِلاَحِنَا المولَّد الحَادِث ، الَّذِي هُوَ فِي عُرْفِ السَّلَفِ يَعُودُ إِلَى قِسمٍ مِنْ أَقسَامِ الصَّحِيْحِ ، الَّذِي يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُوْرِ العُلَمَاءِ ، أَوِ الَّذِي يَرْغَبُ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ ، وَيُمَشِّيَهُ مُسْلِمٌ ، وَبَالعَكْسِ ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَدَانِي مَرَاتِبِ الصِّحَّةِ ، فَإِنَّهُ لَوْ انْحَطَّ عَنْ ذَلِكَ لخَرَجَ عَنِ الاحْتِجَاجِ ، وَلَبَقِيَ مُتَجَاذَباً بَيْنَ الضَّعْفِ وَالحسَنِ .
فَكِتَابُ أَبِي دَاوُدَ أَعْلَى مَا فِيْهِ مِنَ الثَّابِتِ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ، وَذَلِكَ نَحْو مِنْ شَطْرِ الكِتَابِ ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ ، وَرَغِبَ عَنْهُ الآخَرُ ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا رَغِبَا عَنْهُ ، وَكَانَ إِسْنَادُهُ جَيِّداً ، سَالِماً مِنْ عِلَةٍ وَشُذُوْذٍ ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ إِسْنَادُهُ صَالِحاً ، وَقَبِلَهُ العُلَمَاءُ لِمَجِيْئِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ لَيِّنَيْن فَصَاعِداً ، يَعْضُدُ كُلُّ إِسْنَادٍ مِنْهُمَا الآخَرُ ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا ضُعِّفَ إسنَادُهُ لِنَقْصِ حِفْظِ رَاوِيهِ ، فَمِثْلُ هَذَا يُمَشِّيْهِ أَبُو دَاوُدَ ، وَيَسْكُتُ عَنْهُ غَالِباً ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ بَيِّنَ الضَّعْفِ مِنْ جِهَةِ رَاوِيْهِ ، فَهَذَا لاَ يَسْكُتُ عَنْهُ ، بَلْ يُوْهِنُهُ غَالِباً ، وَقَدْ يَسْكُتُ عَنْهُ بِحَسْبِ شُهْرَتِهِ وَنَكَارَتِهِ ، وَاللهُ أَعْلَمُ ". انتهى
وقال ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1/435) :" ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود : لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي. بل هو على أقسام:
منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة ، ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته ، ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد ، وهذان القسمان كثير في كتابه جدا.
ومنه ما هو ضعيف ، لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا. وكل هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها ". انتهى
ولذا لا يجوز الاعتماد على سكوت أبي داود في سننه على بعض الأحاديث ، لأنه قد يسكت على حديث ضعيف جدا ، وضعفه ظاهر ، ولأجل ذلك لم يبينه .
قال النووي في "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" (ص47) :" واعلم أنه وقع في "سنن أبي داود" أحاديث ظاهرة الضعف لم يُبَيِّنْها ، مع أنها مُتفقٌ على ضَعْفها عند المحدثين: كالمرسل والمنقطع ، وروايته عن مجهول: كشيخ ورجلٍ ونحوه. فقد يقال: إن هذا مخالف لقوله: "ما كان فيه وهن شديد بَيَّنْتُه"!
وجوابه: أنه لمَّا كان ضعف هذا النوع ظاهرًا ، استغنى بظهوره عن التصريح ببيانه ". انتهى
وقال ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1/439) :
" فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم ، ويتابعه في الاحتجاج بهم ، بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به ، أو غريب فيتوقف فيه؟
ولا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه ، فإنه ينحط إلى قبيل المنكر ، وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن وجيه ، وصدقه الدقيقي ، وعثمان بن واقد العمري ، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني ، وأبي جناب الكلبي ، وسليمان بن أرقم ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، وأمثالهم من المتروكين.
وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة ، وأحاديث المدلسين بالعنعنة ، والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم ، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود ؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه ، وتارة يكون لذهول منه ، وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته ، كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهم ...
وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام ، ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة... فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته ، لما وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة ، ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه ". انتهى
فتبين مما سبق منهج الإمام أبي داود في سننه ، وأنها من أجود كتب السنة إسنادا بعد الصحيحين ، إلا أن فيه أحاديث ضعيفة .
وقد قام الشيخ الألباني رحمه الله بتحقيق الكتاب ، وقسمه إلى قسمين : "صحيح سنن أبي داود" ، و"ضعيف سنن أبي داود " .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 17:22
حول صحة رؤية الصحابة لصور الأنبياء عند هرقل؟
السؤال :
جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي....) قصة بعض الصحابة رضي الله عنهم مع هرقل ، وكيف أراهم صور الأنبياء ، وهي طويلة جدا ، وفيها الكثير من الغرائب ، فما صحة هذه الرواية سندا ومتنا ؟
الجواب :
الحمد لله
هذه القصة والتي فيها أن بعض الصحابة رأوا صور الأنبياء ، ومنها صورة نبينا صلى الله عليه وسلم ، عند ملك الروم ، قصة واهية لا تصح بوجه ، وبيان ذلك كما يلي :
هذه القصة رويت من أربعة طرق كلها لا يثبت :
الطريق الأول :
أخرجه إسماعيل الأصبهاني في "دلائل النبوة" (88) ،
والبيهقي في دلائل النبوة" (1/385)
من طريق عَبْد الْعَزِيزِ بْن مُسْلِمِ بْنِ إِدْرِيسَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ ، قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هِرَقْلَ صَاحِبِ الرُّومِ نَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْغُوطَةَ - يَعْنِي دِمَشْقَ - فَنَزَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَإِذَا هُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا بِرَسُولٍ نُكَلِّمُهُ ... ثم ساق حديثا طويلا ، وفيه أنهم دخلوا على هرقل فأراهم صور الأنبياء .
وهذا الطريق ضعيف جدا ؛ فيه عبد العزيز بن مسلم بن إدريس ، وعبد الله بن إدريس بن عبد الرحمن ، لا يعرفان ، ولم يترجم لهما أحد .
الطريق الثاني :
أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في "دلائل النبوة" (13) من طريق مَسْعُود بْن يَزِيدَ الْقَطَّانُ ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ الْقُرَشِيِّ ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِ ، وَنُعَيْمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَرَجُلًا آخَرَ قَدْ سَمَّاهُ بُعِثُوا إِلَى مَلِكِ الرُّومِ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ: " فَدَخَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ ، وَهُوَ بِالْغُوطَةِ ، فَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ... ثم ساق الحديث .
وهذا الطريق ضعيف جدا ، مسلسل بالمجاهيل ، فيه " مسعود بن يزيد القطان أبو أحمد الزمن " ، ترجم له أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (1767)
وكذلك ترجم له الذهبي في "تاريخ الإسلام" (544)
ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ، فهو مجهول الحال .
وفيه عباد بن يزيد ، مجهول أيضا ، لم يترجم له أحد ، وهو غير عباد بن يزيد الذي يروي عن علي رضي الله عنه ، ويروي عنه السدي ، فإنه من غير طبقته ، ومع ذلك فهو متروك أيضا ، قال الذهبي في "المقتنى في سرد الكنى" (6745) :" عباد بن يزيد ، عن علي ، وعنه السدي ، بخبر منكر أتى به ". انتهى .
وقد ضعف سنده ابن حجر في "فتح الباري" (8/219) .
الطريق الثالث :
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/179)
وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (12)
والطبراني في "المعجم الأوسط" (8231)
والبيهقي في "دلائل النبوة" (1/384)
من طريق أُم عُثمان بنت سَعِيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، عَنْ أَبيها سَعِيد ، عَنْ أَبيه مُحَمد بْن جُبَير ، عَنْ جُبَير بْن مُطعِم ، قَالَ: خرجتُ تاجرا إلى الشام ، فلقيتُ رجلا مِن أهل الكتاب ، فقَالَ: هل عِندكم رجلٌ يَتَنَّبَأُ؟ قلتُ: نعم ، فجاء رجلٌ مِن أهل الكتاب ، فقَالَ: فِيم أنتم؟ فأدخلني منزلا لَهُ ، فإذا فِيهِ صور ، فرأَيتُ النَّبيَّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم ، قَالَ: هُوَ هذا؟ قلتُ: نعم ، قَالَ: إنَّهُ لم يكن نَبِيٌّ إلا كَانَ بعده نَبيٌّ ، إلا هذا النَّبيُّ ".
وإسناده ضعيف جدا أيضا ؛ فيه سعيد بن محمد بن جبير
قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (4/503) :" لا تعرف له حال" . انتهى
وفيه كذلك أم عثمان بنت سعيد بن محمد بن جبير ، لا تعرف ، لم يترجم لها أحد .
الطريق الرابع :
ويروى من حديث عبادة بن الصامت من وجهين :
الوجه الأول : أخرجه الذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/797)
بسنده من طريق الزُّبَيْر بْنُ بَكَّارٍ ، قال حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ لِأَدْعُوَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَخَرَجْنَا نَسِيرُ عَلَى رَوَاحِلِنَا حَتَّى قَدِمْنَا دِمَشْقَ ، فَإِذَا عَلَى الشَّامِ لِهِرَقْلَ جَبَلَةُ ، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَنَا ... ثم ساق الحديث بطوله .
وإسناده ضعيف جدا ، مسلسل بالضعفاء والمجاهيل .
فيه ثابت بن عبد الله بن الزبير فمجهول الحال ، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (2076)
وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1828) ،
والذهبي في "تاريخ الإسلام" (28) ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا
وفيه كذلك " مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير " ضعيف لا يحتج به ، ضعفه أحمد ، وابن معين ، وقال أبو حاتم :" صدوق كثير الغلط ليس بالقوى ".
انتهى من "الجرح والتعديل" (8/403)
وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/29) :"
مُنكر الحَدِيث مِمَّن ينْفَرد بِالْمَنَاكِيرِ عَن الْمَشَاهِير فَلَمَّا كثر ذَلِك مِنْهُ اسْتحق مجانبة حَدِيثه ". انتهى
وفيه عبد الله بن مصعب بن ثابت " ضعيف "
ضعفه ابن معين كما في "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي (11/415) .
الوجه الثاني :
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (40/154)
من طريق الحسن بن علي بن زكريا العدوي أبو سعيد البصري ، قال نا أحمد بن محمد المكي أبو بكر ، نا محمد بن عبد الرحمن المديني ، عن محمد بن عبد الواحد الكوفي ، ثنا محمد بن أبي بكر الأنصاري ، عن عبادة بن الصامت ، وكان عقبيا بدريا نقيبا ، أنه قال :" بعثني أبو بكر إلى ملك الروم يدعوه إلى الإسلام ويرغبه فيه ، ومعي عمرو بن العاص بن وائل السهمي وهشام بن العاص بن وائل السهمي وعدي بن كعب ونعيم بن عبدالله بن النحام ، فخرجنا حتى قدمنا على جبلة بن الأيهم دمشق ، فأدخلنا على ملكهم بها الرومي ... ثم ساق الحديث بطوله .
وإسناده تالف ، فيه الحسن بن علي بن زكريا العدوي ، كذاب يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الذهبي :" قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ. قُلْتُ: جَرِيءٌ عَلَى وَضْعِ الْأَسَانِيدِ وَالْمُتُونِ ".
انتهى من "تاريخ الإسلام" (414) .
ولذا ضعف هذا الإسناد الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/394) .
فتبين من ذلك أن القصة واهية ، ولا تثبت من أي وجه .
والله أعلم .
ملخص الجواب :
هذه القصة واهية ، ولا تثبت من أي وجه .
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 17:24
هل لا يزال إلى الآن هناك أحاديث مكذوبة وضعيفة إلى الآن لم يكتشف صحتها ؟
السؤال :
هل لا يزال هناك أحاديث مكذوبة وضعيفة إلي الآن لم يُكتشف صحتها؟
الجواب :
الحمد لله
فبداية يجب أن نعتقد أن الله قد تكفل بحفظ دينه ، وحفظ كتابه ، حيث قال سبحانه :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9.
ومن تمام حفظ الله لكتابه حفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، حيث قال الله تعالى :( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44.
ففي الآية وصف الله السنة بأنها من الذكر الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم تبيانا للقرآن الكريم ، ولذا فإن حفظ السنة من حفظ القرآن .
وقد هيأ الله الأسباب التي بها حفظت السنة من الكذب والغلط ، وأقام الأدلة على ذلك ، وغرس في الأمة الحفاظ والمحدثين الذين نذروا حياتهم لذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (3/38) :
" وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ حَفِظَ اللَّهُ لَهَا مَا أَنْزَلَهُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 .
فَمَا فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، أَوْ نَقْلِ الْحَدِيثِ ، أَوْ تَفْسِيرِهِ ، مِنْ غَلَطٍ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُقِيمُ لَهُ مِنَ الْأُمَّةِ مَنْ يُبَيِّنُهُ ، وَيَذْكُرُ الدَّلِيلَ عَلَى غَلَطِ الْغَالِطِ وَكَذِبِ الْكَاذِبِ .
فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَلَا يَزَالُ فِيهَا طَائِفَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، إِذْ كَانُوا آخِرَ الْأُمَمِ ، فَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ بَعْدَهُمْ ، وَلَا كِتَابَ بَعْدَ كِتَابِهِمْ.
وَكَانَتِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ إِذَا بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا : بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا يُبَيِّنُ لَهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَبِيٌّ ، وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ أَنْ يَحْفَظَ مَا أَنْزَلَهُ مِنَ الذِّكْرِ ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ ، بَلْ أَقَامَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مَنْ يَحْفَظُ بِهِ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ ، وَيَنْفِي بِهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُضِلِّينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ". انتهى
وقال ابن القيم كما في "مختصر الصواعق المرسلة" (581) :
" كل مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَهُوَ ذِكْرٌ مِنَ اللَّهِ أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ ، وَقَدْ تَكَفَّلَ سُبْحَانَهُ بِحِفْظِهِ ، فَلَوْ جَازَ عَلَى حُكْمِهِ الْكَذِبُ وَالْغَلَطُ وَالسَّهْوُ مِنَ الرُّوَاةِ ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى غَلَطِهِ وَسَهْوِ نَاقِلِهِ : لَسَقَطَ حُكْمُ ضَمَانِ اللَّهِ وَكَفَالَتِهِ لِحِفْظِهِ؛ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ! وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي عِصْمَةَ الرُّوَاةِ ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ الرَّاوِيَ إِذَا كَذَبَ أَوْ غَلِطَ أَوْ سَهَا ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَعْرِفُ كَذِبَهُ وَغَلَطَهُ ، لِيَتِمَّ حِفْظُهُ لِحُجَجِهِ وَأَدِلَّتِهِ ، وَلَا تَلْتَبِسَ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ ". انتهى
ولذا فمن القواعد المقررة : أنه ما من حديث ، قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيه حكم للشريعة تحتاجه الأمة في دينها : إلا وقد نقل صحيحا مقبولا ، وتلقته الأمة جيلا بعد جيل ، ولم يلتبس على الأمة بأسرها ، قط ، في أي زمان أمر دينها لأجل كذب الكاذبين ، وغلط الغالطين .
قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله في "الإحكام في أصول الأحكام" (8/137)
:" وقد علمنا أنه لا يمكن أن يخفى الحق في الدين على جميع المسلمين ، بل لا بد أن تقع طائفة من العلماء على صحة حكمه بيقين ، لما قدمنا في كتابنا هذا من أن الدين مضمون بيانه ورفع الإشكال عنه ، بقول الله تعال :" تبيانا لكل شيء " ، وبقوله تعالى :" لتبين للناس ما نزل إليهم ". انتهى .
وقد قيض الله أهل العلم يكشفون كذب الكاذبين ، وغلط الرواة المخطئين ، حتى عرف الصحيح من الضعيف ، والباطل والمكذوب ، فلم يلتبس الحق بالباطل بفضل الله عز وجل .
وفي "الكفاية في علم الرواية" (ص36) للخطيب البغدادي :" قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَصْنُوعَةُ؟ قَالَ: « يَعِيشُ لَهَا الْجَهَابِذَةُ ». انتهى
هذا ولم يخل زمان قط من حراس الدين والسنة ، ممن يكشفون كذب الكاذبين ، وغلط الغالطين ، وهم أهل الحديث المتحققون به .
قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/31) :
" ولما لم يمكن أحدا أن يُدخل في القرآن شيئا ليس منه ، أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقصون ، ويبدلون ، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله عز وجل علماء يذبون عن النقل ، ويوضحون الصحيح ، ويفضحون القبيح ، وما يخلي الله عز وجل منهم عصرا من العصور ... ". انتهى
وحينئذ ، فلم ينسب حديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعرف في الأمة نسبته : إلا وعلم هذا الحديث ثابت في هذه الأمة ، علم هل هو صحيح النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أو باطل النسبة ؟ صحيح ، أو ضعيف ؟ مقبول أو مردود ؟
كل ذلك معلوم في الأمة ، محفوظ فيها .
ومعلوم أيضا : ما لهذا الحديث من معنى ، وما تضمنه من حكم تحتاجه الأمة ، لم يذهب علم ذلك عن الأمة ، قط .
وإن كان قد يخفى على بعض الناس منهم ، دون بعض ، وفي بعض الأماكن دون بعض ؛ لكن علمه موجود في عموم الأمة ، يبلغه من طلبه من بابه ، بإذن الله .
وأما إن كان مراد السائل أنه هل هناك أحاديث لا يمكن معرفة صحتها من ضعفها أو بيان كذبها من صدقها ؟
فجواب ذلك :
أنه لا يوجد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أثر عن صحابي أو غيره ، إلا ويمكن معرفة صحته من ضعفه ، فإن علماء الحديث وضعوا القواعد والضوابط التي يتمكن المحدث العالم بها من التمييز بين الأحاديث والآثار الصحيحة من الضعيفة والمكذوبة ، ومتى ما استعمل طالب العلم بالحديث المتمكن من قواعده ، ومعرفة علله ، هذه القواعد إلا وتمكن من الحكم على أي حديث كان .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 17:30
حول صحة صيغة الاستغفار المنقولة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأنها مجربة في إزالة الكروب
السؤال
: هل هذا الدعاء صحيح ؟
" اللهم إني أستغفرك من كل ذنب قوي عليه بدني بعافيتك ، أو نالته قدرتي بفضل نعمتك ، أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك ، أو اتكلت فيه عند خوفي منك على أناتك أو وثقت بحلمك ، أو عولت فيه على كرم عفوك ، اللهم إني أستغفرك من كل ذنب خنت فيه أمانتي ، أو بخست فيه نفسي
أو قدمت فيه لذاتي ،أو آثرت فيه شهواتي ، أو سعيت فيه لغيري ، أو استغريت فيه من تبعني ، أو غلبت فيه بفضل حيلتي إذا حلت ـ أي إذا احتلت ، كأنه ينزل نفسه بوقوعه في المعصية منزلة المحتال على إنسان بالباطل ـ فيه عليك مولاي فلم تغلبني ـ فلم تغلبني أي لم تنتقم مني ، مع أنك تبغض معصيتي
وقادر على الانتقام مني ـ على فعلي إذا كنت سبحانك كارها لمعصيتي، لكن سبقك علمك في اختياري ، واستعمالي مرادي ، وإيثاري ، فحلمت عني فلم تدخلني فيه جبرا ، ولم تحملني عليه قهرا، ولم تظلمني شيئا ، يا أرحم الراحمين ، ياصاحبي عند شدتي ، يامؤنسي في وحدتي ، ياحافظي في نعمتي
ياوليي في نفسي ، يا كاشف كربتي ، يا مستمع دعوتي ، ياراحم عبرتي ، يامقيل عثرتي ، ياإلهي بالتحقيق ، ياركني الوثيق ، يارجاري اللصيق ، يامولاي الشفيق ، يارب البيت العتيق
أخرجني من حلق المضيق إلى سعة الطريق ، وفرج من عندك قريب وثيق ، واكشف عني كل شدة وضيق ، واكفني ما أطيق وما لا أطيق ، اللهم فرج عني كل هم وغم ، وأخرجني من كل حزن وكرب ، يا فارج الهم ، وكاشف الغم ، ويا منزل القطر ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما
فرج عني ما قد ضاق به صدري ، وعيل منه صبري ، وقلت فيه حيلتي ، وضعفت له قوتي ، يا كاشف كل ضر وبلية ، ويا عالم كل سر وخفية ، يا أرحم الراحمين ، أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ، وما توفيقي الإبالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ".
الجواب :
الحمد لله
فإن هذا الدعاء الذي ذكره السائل الكريم ، ينسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بإسناد غير صحيح . وفيه معنى لا يصح أيضا .
فأما من ناحية الإسناد :
فالأثر أخرجه التنوخي في "الفرج بعد الشدة" (1/143)
فقال حَدثنِي أَيُّوب بن الْعَبَّاس بن الْحسن ، الَّذِي كَانَ وَزِير المكتفي ، وَلَقِيت أَيُّوب بالأهواز فِي حُدُود سنة خمسين وَثَلَاث مائَة ، من حفظه ، قَالَ: حَدثنِي عَليّ بن همام ، بِإِسْنَاد لست أحفظه: أَن أَعْرَابِيًا شكى إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام شدَّة لحقته ، وضيقا فِي الْحَال ، وَكَثْرَة من الْعِيَال. فَقَالَ لَهُ: عَلَيْك بالاستغفار ، فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: اسْتَغْفرُوا ربكُم ، إِنَّه كَانَ غفارًا. . . الْآيَات.
فَعَاد إِلَيْهِ ، وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد استغفرت كثيرا ، وَمَا أرى فرجا مِمَّا أَنا فِيهِ.
قَالَ: لَعَلَّك لَا تحسن أَن تستغفر.
قَالَ: عَلمنِي.
قَالَ: أخْلص نيتك ، وأطع رَبك ، وَقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أستغفرك من كل ذَنْب ، قوي عَلَيْهِ بدني بعافيتك ، أَو نالته يَدي بِفضل نِعْمَتك ، أَو بسطت إِلَيْهِ يَدي بسابغ رزقك ، أَو اتكلت فِيهِ ، عِنْد خوفي مِنْهُ ، على أناتك ، أَو وثقت فِيهِ بِحِلْمِك ، أَو عولت فِيهِ على كرم عفوك ، اللَّهُمَّ إِنِّي أستغفرك من كل ذَنْب خُنْت فِيهِ أمانتي ، أَو بخست فِيهِ نَفسِي ، أَو قدمت فِيهِ لذتي ، أَو آثرت فِيهِ شهوتي ، أَو سعيت فِيهِ لغيري
أَو استغويت فِيهِ من تَبِعنِي ، أَو غلبت فِيهِ بِفضل حيلتي ، أَو أحلّت فِيهِ عَلَيْك يَا مولَايَ ، فَلم تؤاخذني على فعلي ، إِذْ كنت، سُبْحَانَكَ ، كَارِهًا لمعصيتي ، لَكِن سبق علمك فِي باختياري ، واستعمالي مرادي وإيثاري ، فَحملت عني ، لم تدخلني فِيهِ جبرا ، وَلم تحملنِي عَلَيْهِ قهرا ، وَلم تظلمني شَيْئا ، يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ
يَا صَاحِبي عِنْد شدتي ، يَا مؤنسي فِي وَحْدَتي ، وَيَا حافظي عِنْد غربتي ، يَا وليي فِي نعمتي ، وَيَا كاشف كربتي ، وَيَا سامع دَعْوَتِي ، وَيَا رَاحِم عبرتي ، وَيَا مقيل عثرتي ، يَا إلهي بالتحقيق ، يَا ركني الوثيق ، يَا رجائي فِي الضّيق ، يَا مولَايَ الشفيق ، وَيَا رب الْبَيْت الْعَتِيق
أخرجني من حلق الْمضيق ، إِلَى سَعَة الطَّرِيق ، وَفرج من عنْدك قريب وثيق ، واكشف عني كل شدَّة وضيق ، واكفني مَا أُطِيق وَمَا لَا أُطِيق ، اللَّهُمَّ فرج عني كل هم وكرب ، وأخرجني من كل غم وحزن ، يَا فارج الْهم ، وَيَا كاشف الْغم ، وَيَا منزل الْقطر ، وَيَا مُجيب دَعْوَة الْمُضْطَر ، يَا رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ورحيمها
صل على خيرتك مُحَمَّد النَّبِي ، وعَلى آله الطيبين الطاهرين ، وَفرج عني مَا ضَاقَ بِهِ صَدْرِي ، وَعيلَ مَعَه صبري ، وَقلت فِيهِ حيلتي ، وضعفت لَهُ قوتي ، يَا كاشف كل ضرّ وبلية ، وَيَا عَالم كل سر وخفية ، يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ ، وأفوض أَمْرِي إِلَى الله ، إِن الله بَصِير بالعباد ، وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه ، عَلَيْهِ توكلت ، وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم.
قَالَ: الْأَعرَابِي: فاستغفرت بذلك مرَارًا ، فكشف الله عز وَجل عني الْغم والضيق ، ووسع عَليّ فِي الرزق ، وأزال عني المحنة ".
وقد عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" (32301)
والمتقي الهندي في "كنز العمال" (3966)
إلى التنوخي في "الفرج بعد الشدة" ، كما أسلفنا .
وإسناده لا يصح ، فيه أكثر من علة :
الأولى : الإعضال ، فبين علي بن همام وعلي بن أبي طالب مفاوز ، والإسناد بينهما نسيه التنوخي أو شيخه أيوب .
الثانية : جهالة كل من أيوب بن العباس بن الحسن وشيخه علي بن همام .
فأما أيوب بن العباس بن الحسن فترجم له الصفدي في "الوافي بالوفيات" (3/349) وقال :" كان والده وزيراً للمكتفي، ثم للمقتدر. وروى أيوب عن أبي علي بن همام أثراً رواه عنه أبو علي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة ". اهـ ، ومن هذا حاله فهو مجهول ، لا تقبل روايته .
وأما شيخه علي بن همام فلم أجد من ترجمه ، فهو مجهول أيضا .
وعلى كل فالإسناد معضل لا يصح ، والله أعلم .
وأما من جهة المعنى :
فإن قبول الاستغفار ، وحصول أثره ، لا يشترط له صيغة ، بل متى استغفر العبد مستحضرا ذنبه ، نادما على تفريطه ، فإن الله الغفور يقبل استغفاره ، ويوفيه وعده ، بأي صيغة كان الاستغفار ، وإذا تخلف الوعد دل على خلل في الاستغفار ، كأن يكون بلسانه لا بقلبه ، أو يكون العبد مصرا على ذنبه مع استغفاره بلسانه .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (11/100) في شرحه لحديث سيد الاستغفار :" قال ابن أبي جمرة : مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِغْفَارِ صِحَّةُ النِّيَّةِ وَالتَّوَجُّهُ وَالْأَدَبُ ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدًا حَصَّلَ الشُّرُوطَ وَاسْتَغْفَرَ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ الْوَارِدِ ، وَاسْتَغْفَرَ آخَرُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَارِدِ ، لَكِنْ أَخَلَّ بِالشُّرُوطِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَكُونُ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ إِذَا جَمَعَ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَة ". اهـ
وأما الاستغفار بهذه الصيغة، أحيانا ، من غير اعتقاد كونه سنة أو مأثورا عن الصحابة ، فلا شيء فيه .
وقد روى الدينوري في "المجالسة" (675) بإسناد حسن عن سفيان الثوري أنه قال :" سَمِعْتُ بَعْضَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَدْعُو فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَيَنْتَحِبُ:
اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ قَوِيَ عَلَيْهِ بَدَنِي بِعَافِيَتِكَ ، وَنَالَتْهُ يَدِي بِفَضْلِ نِعْمَتِكَ ، وَانْبَسَطْتُ إِلَيْهِ بسِعَةِ رِزْقِكَ ، وَاحْتَجَبْتُ فِيهِ عَنِ النَّاسِ بِسِتْرِكَ عَلَيَّ ، وَاتَّكَلْتُ فِيهِ عَلَى أَنَاتِكَ وَحِلْمِكَ ، وَعَوَّلْتُ فِيهِ عَلَى كَرِيمِ عَفْوِكَ ".
وأجل صيغ الاستغفار ، التي ينبغي على العبد حفظها ، والمداومة على استغفار به بها ، وهي "سيد الاستغفار"
كما سماها نبي الله صلى الله عليه وسلم ؛ هي أخرجه البخاري (6306)
من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ
أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ " قَالَ: « وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ » .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 17:35
حول شبهة ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة عندما هجر زوجاته
السؤال :
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : " أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ ، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ ، أوْ كَتِفُهُ ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْراً ، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ ، دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ ، فَأتَاهُ أصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِساً وَهُمْ قِيَامٌ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قال: ( إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإنْ صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا قِيَاماً ) ، وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ ، فَقَالُوا: يَارَسُولَ الله، إنَّكَ آلَيْتَ شَهْراً؟
، فَقَال: ( إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ) متفق عليه ، وحديث آخر يروي قصة هجر الرسول عليه أفضل الصلوات و التسليم لزوجاته وإسناده : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا جارية بن أبي عمران ، قال : سمعت أبا سلمة الحضرمي يقول : " جلست مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ، وهما يتحدثان ، وقد ذهب بصر جابر، فجاء رجل فسلم ثم جلس فقال
: يا أبا عبد الله أرسلني إليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ؟
فقال جابر : تركنا رسول الله يوما وليلة لم يخرج إلى الصلاة ، فأخذنا ما تقدم وما تأخر ، فاجتمعنا ببابه نتكلم ليسمع كلامنا ، ويعلم مكاننا ، فأطلنا الوقوف فلم يأذن لنا ، ولم يخرج إلينا ، قال : فقلنا قد علم رسول الله مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه ، فتفرق الناس غير عمر بن الخطاب يتنحنح
ويتكلم ، ويستأذن حتى أذن له رسول الله " هل كان الرسول صلى الله عليه و سلم مصابا ولذلك لم يصلي بالمسلمين لمدة يوم وليلة ؟
أم أن هناك سبب آخر؟ وهل صلى الرسول صلى الله عليه وسلم في جماعة لكن مع أناس آخرين في ذلك اليوم ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا يخفى على أحد من المسلمين فضل صلاة الجماعة ، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، حتى إنه في مرض موته صلى الله عليه وسلم لم يستطع لشدة المرض أن يخرج لصلاة الجماعة ، وأمر أن يصلي أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالصحابة إماما ، فلما شعر في نفسه بخفة ، خرج صلى الله عليه وسلم لصلاة الجماعة يهادَى بين رجلين من أصحابه .
وفي ذلك يقول الأسود بن يزيد : كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَذَكَرْنَا المُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ
فَأُذِّنَ فَقَالَ:" مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ:" إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى ، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً ، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الوَجَعِ ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ مَكَانَكَ ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ ".
أخرجه البخاري (664) ، ومسلم (418) .
ولقد تربى الصحابة رضوان الله عليهم على ذاك الحرص ، فيقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا ، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى ، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى ، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ
لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً ، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ » .
أخرجه مسلم (654).
ثانيا :
أما الحديث الأول الوارد في السؤال فهو حديث صحيح ، أخرجه البخاري (378) ، ومسلم (411) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ - أَوْ كَتِفُهُ - وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا ، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ:" إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا " .
وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا ، فَقَالَ:" إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ". وفي لفظ عند البخاري (2469) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا ، وَكَانَتْ انْفَكَّتْ قَدَمُهُ ، فَجَلَسَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ:" لاَ ، وَلَكِنِّي آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا ، فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ نَزَلَ ، فَدَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ» .
وروايات الحديث تدل على أنه توافق أمران :
الأول : مرض النبي صلى الله عليه وسلم نتيجة سقوطه من على فرسه، فجُحِشت ساقه أو كتفه ، وانفكت قدمه ، فأصبح لا يقدر على القيام .
والثاني : أنه آلى من نسائه شهرا ، أي حلف ألا يدخل عليهن شهرا . واختلف في سبب ذلك ، وليس هذا محل بيانه ، فمكث صلى الله عليه وسلم يبيت في المشربة ، وهي غرفة يُصعد إليها ، ولا يدخل على نسائه .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/301)
:" اتَّفَقَ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ". اهـ
ونظرا لمرضه صلى الله عليه وسلم لم يستطع الخروج إلى صلاة الجماعة في المسجد ، فزاره بعض الصحابة في تلك الغرفة ، فلما حضرت الصلاة صلى بهم جماعة في غرفته .
كما في رواية عند البخاري (1114)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ - أَوْ فَجُحِشَ - شِقُّهُ الأَيْمَنُ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، فَصَلَّى قَاعِدًا ، فَصَلَّيْنَا قُعُودًا ، وَقَالَ: " إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ " .
وقد استدل أهل العلم بهذا الحديث على أن المرض عذر في ترك صلاة الجماعة .
وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمن جاءه زائرا جماعة في بيته ، نظرا لمرضه .
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (2/315)
:" وفى هذا الحديث إمامته بهم - عليه السلام - في بيته كما تقدم ، وجواز صلاة الفرض في جماعة في المنازل ، وذلك أنه لم يستطع الخروج لعذر " .انتهى.
وقال ابن رجب في "فتح الباري" (2/459)
وفي الحديث: دليل على أن المريض الذي يشق عليه حضور المسجد : له الصلاة في بيته ، مع قرب بيته من المسجد ، وفيه: أن المريض يصلي بمن دخل عليه للعيادة جماعة ؛ لتحصيل فضل الجماعة ". انتهى .
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (2/177) :
" قَوْلُهُ " فِي بَيْتِهِ " أَيْ : فِي الْمَشْرُبَةِ الَّتِي فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ ، كَمَا بَيَّنَهُ أَبُو سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ ، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَزَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ بِمَنْ حَضَرَ ". انتهى
وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله : "باب إذا عاد مريضا ، فحضرت الصلاة، فصلى بهم " انتهى .
فتبين مما سبق أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بمن زاره من أصحابه جماعة في بيته ، وتركه الجماعة في المسجد ، كان لأجل مرضه ، وتوافق أنه كان حينئذ قد هجر نساءه ، وأقسم ألا يدخل عليهن شهرا ، فيكون تركه للجماعة في المسجد لأجل المرض ، لا لأجل أنه هجر نساءه صلى الله عليه وسلم .
ومن أحسن ما قيل في ذلك قول ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (5/311)
:" وأما انفكاك قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس لذلك ، موليًا عن نسائه ؛ جامعًا في ذلك بين معالجة الكريمة بالراحة ، وبين معالجة ، أخلاق النساء بالإيلاء ". انتهى
وأما الرواية الأخرى الواردة في السؤال فلا تصح ، فقد أخرجها ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (8/179) ، وإسنادها لا يصح لأجل الواقدي فإنه متروك .
إلا أنه ورد معناها إجمالا عند البخاري (2468)
ومسلم (1479)
بسياق مقارب لهذا السياق.
والله أعلم .
ملخص الجواب :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في البيت بسبب إصابته ، وكان يصلي جماعة بمن حضر من المسلمين يعوده
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 17:41
حول شرح الحديث الذي جاء فيه أن رجلا سبّ أبا بكر الصديق فصمت عنه مرارا ثم ردّ عليه فقام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس
السؤال
: ما معنى هذا الحديث: سَبَّ رَجُلٌ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا سَكَتَ الرَّجُلُ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْرَكَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَبَّنِي وَسَكَتُّ فَلَمَّا تَكَلَّمْتُ قُمْتَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمَلَكَ كَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِ عَنْكَ حِينَ سَكَتَّ ، فَلَمَّا تَكَلَّمْتَ ذَهَبَ الْمَلَكُ وَقَعَدَ الشَّيْطَانُ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْعُدَ فِي مَقْعَدٍ مَعَ الشَّيْطَانِ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ ، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ ، فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ ، غَضِبْتَ وَقُمْتَ ، قَالَ: " إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ ، وَقَعَ الشَّيْطَانُ ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ " .
ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ ، يُرِيدُ بِهَا صِلَةً ، إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ ، يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً ، إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً " .
والحديث : أخرجه أحمد في "مسنده" (9624)
وأبو داود في "سننه" (4879)
والبزار في "مسنده" (8495)
والبغوي في "شرح السنة" (3586)
والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/236)
والقضاعي في "مسند الشهاب" (820)
جميعا من طريق محمد بن عجلان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه به .
وخالف الليثُ بن سعد محمدَ بن عجلان فرواه عن سعيد المقبري ، عن بشير بن المحرر ، عن سعيد بن المسيب به مرسلا ، أخرجه من طريق الليث أبو داود في "سننه" (4896) .
فمن أهل العلم من رجح المرسل ، كالإمام البخاري في "التاريخ الكبير" (2/102) .
وقال الدارقطني في "العلل" (8/153) :
" ويشبه أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ ابْنِ عَجْلَانَ ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ رِوَايَتَهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - فِيمَا ذَكَرَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - : أَصَحُّ النَّاسِ رِوَايَةً عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، وَعَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْهُ يُقَالُ: إِنَّهُ أَخَذَهَا عنه قديما ". اهـ
وبذلك جزم ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2/11) .
ومن أهل العلم من لم يعل الموصول بالمرسل ، وقَبِل الحديث ، ومن هؤلاء البوصيري
كما في "إتحاف الخيرة" (5/478)
حيث قال :" ورواته ثقات " . اهـ ، وصححه العامري في "الجد الحثيث" (ص44)
وصحح العجلوني إسناده في "كشف الخفاء" (1/101)
والصنعاني في "سبل السلام" (2/676)
وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2376) .
ثانيا :
أما معنى الحديث ، على تقدير صحته ، وهو ما سأل عنه الأخ الكريم ، فجوابه ما يلي :
كان النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فسب رجلٌ أبا بكر رضي الله عنه مرتين ، كما في رواية أبي داود (4896)
وفي كل مرة يصمت أبو بكر ولا يرد عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم يتعجب ويبتسم ، ثم سبه الرجل مرة ثالثة ، وحينئذ ردّ عليه أبو بكر وانتصر ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس ، فتبعه أبو بكر ، وسأله عن سبب غضبه وذهابه من المجلس ، فأخبره أنه ما من مرة سبَّه فيها الرجل وسكت ، إلا ردّ عليه مَلَك ، فلما انتصر أبو بكر ، وردّ بنفسه ، ذهب الملك وحضر الشيطان ، وما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر مجلسا فيه الشيطان .
وردُّ أبي بكر على الرجل ليس حراماً ، بل هو أخذ بالرخصة في الانتصار لمن ظُلم ، قال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" (18/639) :"فانتصر منه أبو بكر بعد ظلمه له ثلاث مرات ، وأخذ بحقه ، وجاوبه بمثل ما قال ، ولم يجاوز مثل ما قال له ، فالمنتصر مطيع لله بما أباحه له ، وقد ذكر الله حد الانتصار فقال :" وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " الشورى/40 .....
ثم قال :
" وأما هذا الحديث فمن وقع في عرضه إنسان فله حالتان : حالة جواز وإباحة ، وهو الانتصار ممن وقع فيه دون عدوان ، وحالة فضيلة وحصول ثواب على صبره ، فأبو بكر استعمل فضيلة الجواز بعد ثالثة ، فانتصر ، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد له حالة الفضيلة وحصول الثواب ". اهـ
وقال القاري في "مرقاة المفاتيح"(8/3185)
في سبب ردّ أبي بكر على الرجل :" عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْعَوَامِّ ، وَتَرْكًا لِلْعَزِيمَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِمَرْتَبَةِ الْخَوَاصِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] ، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]". اهـ
وأما قيام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس ، فلأمرين :
الأول : أنه أراد من أبي بكر رضي الله عنه أن يأخذ بالكمال المناسب لمنزلته وفضله ، قال القاري في "مرقاة المفاتيح"(8/3185) :" وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ الِانْتِقَامِ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ ، وَبَيْنَ الصَّبْرِ عَنْ بَعْضِهِ، لَكِنَّ لَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْكَمَالَ الْمُنَاسِبَ لِمَرْتَبَتِهِ مِنَ الصِّدِّيقِيَّةِ ؛ مَا اسْتَحْسَنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ". اهـ
و قال الصنعاني في "التحبير لإيضاح معاني التيسير" (3/176) :
" وكأنه - صلى الله عليه وسلم - أحبّ للصديق الصبر والمغفرة لقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} ". اهـ
الثاني : أنه مجلس حضر فيه الشيطان ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يحضر مجلسا حضر فيه الشيطان ، قال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" (18/639) :" فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحضر في مكان حضر فيه الشيطان ، بل ينتقل منه كما في قضية الوادي ، إذ قال : إن به شيطانا حضر لما فاتتهم الصلاة فارتحلوا عنه ". اهـ
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 17:52
حول مفهوم عدالة الصحابة ، وهل يقدح فيها وجود المنافقين ، ومن أتى بمفسق كالوليد بن عقبة ؟
السؤال :
أنا أقر إقرارا تاما بعدالة جميع الصحابة ، وأعلم أن الصحابي هو من لقي النبي مؤمنا به ، ومات على الإسلام ، وأعرف أن الله تعالى مدح الصحابة في كتابه ، وكذالك الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي الحديث تقبل رواية الصحابي ولو كان مجهولا ، كأن يقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا لأن الصحابة كلهم عدول ، ولكن حصل عندي بعض الإشكال في الفهم ، فأحببت أن يطمأن قلبي ؛ لاعتقادي بجميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو أنه كان في زمن النبي منافقون لا يعلمهم إلا الله تعالى ، وأعلم رسوله بذلك ، وأظن أن الرسو أخبر حذيفة بن اليمان ، وأن الله تعالى أنزل قوله : ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ )
وهذه الأية كما وصلني أنها نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فهل الوليد فاسق ؟
وهل الوليد لقي النبي مؤمنا به ، يعني هل هو صحابي عدل ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
أصح ما قيل في تعريف الصحابي ، هو ما اختاره الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الإصابة في تمييز الصحابة" (1/158) حيث قال :" وأصحّ ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابيّ: من لقي النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم مؤمنا به ، ومات على الإسلام "انتهى .
وبناءً على هذا ؛ فالمنافقون نفاقا أكبر، في حقيقة الأمر : ليسوا من الصحابة ، لأنهم لم يكونوا مؤمنين بالنبي صلى الله عليه وسلم .
والصحابة جميعا عدول لتعديل الله لهم ، وتعديل النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، حيث قال الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100 ، وقال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) البقرة/143.
وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) آل عمران/110 .
وأول من يدخل من ذلك هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه خير الأمة ، وخير الناس ، كما تواتر الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد انعقد إجماع العلماء على ذلك .
قال ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص171) :" إن الأمة مجمعة علي تعديل جميع الصحابة. ومن لابس الفتن منهم : فكذلك ؛ بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع ، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر ، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة " انتهى .
وقال ابن عبد البر رحمه الله : "فهم خير القرون ، وخير أمة أخرجت للناس ، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل وثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته ، ولا تزكية أفضل من ذلك ، ولا تعديل أكمل منها" انتهى من "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (1/3) .
وقال النووي رحمه الله :
"الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتنة وغيرهم، بإجماع من يعتد به" .
"التقريب والتيسير" (ص92) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله
: "اتفق أهل السنة على أن الجميع – أي الصحابة- عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة"
انتهى من "الإصابة في تمييز الصحابة" (1/10).
ثانيا :
ليس المقصود بعدالة الصحابة أنهم معصومون من الذنوب ، فهذا لم يقل به أحد من العلماء ، فقد تقع من بعضهم الهفوات والزلات ، الصغائر أو الكبائر ، ولكن المقصود بعدالتهم هو تمام الثقة بأقوالهم وأخبارهم ، فلا يتعمدون الكذب في شهادتهم ، ولا في أخبارهم ، ولا يتعمدون الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال المرداوي في "التحبير شرح التحرير" (4/1994)
:" لَيْسَ المُرَاد بكونهم عُدُولًا الْعِصْمَة لَهُم ، واستحالة الْمعْصِيَة عَلَيْهِم ، إِنَّمَا المُرَاد أَن لَا نتكلف الْبَحْث عَن عدالتهم ، وَلَا طلب التَّزْكِيَة فيهم "انتهى .
وقال الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" (ص46)
:" عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نص القرآن فمن ذلك ..."
ثم ساق عددا من الأدلة ثم قال : " والأخبار في هذا المعنى تتسع ، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن ، وجميع ذلك يقتضى طهارة الصحابة ، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم ، فلا يحتاج أحد منهم ، مع تعديل الله تعالى لهم ، المطلع على بواطنهم : إلى تعديل أحد من الخلق له ؛ فهو على هذه الصفة
إلا أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يَحتمل إلا قصد المعصية ، والخروج من باب التأويل ، فيحكم بسقوط العدالة ؛ وقد برأهم الله من ذلك ، ورفع أقدارهم عنه .
على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه ، لأوجبت الحال التي كانوا عليها ، من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأولاد ، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين = القطعَ على عدالتهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم ، أبد الآبدين .
هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " منهاج السنة " ( 1/306-307):
"الصحابة يقع من أحدهم هنات، ولهم ذنوب، وليسوا معصومين .
لكنهم : لا يتعمدون الكذب، ولم يتعمد أحد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إلا هتك الله ستره" انتهى .
وقال الدكتور عماد الشربيني في كتابه "عدالـة الصحابـة رضى الله عنهم في ضوء القرآن الكريم السنة النبوية ودفع الشبهات" :
"ومعنى عدالة الصحابة : " أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما اتصفوا به من قوة الإيمان، والتزام التقوى، والمروءة، وسمو الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور0
وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي ، أو من السهو أو الغلط ؛ فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم .
ومما ينبغى أن يعلم أن الذين قارفوا إثماً ، ثم حُدُّوا - كان ذلك كفارة لهم - وتابوا ، وحسنت توبتهم .
ويؤكد ما سبق الإمام الأبيارى المالكي (توفي سنة 618ه ) بقوله : وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم ، واستحالة المعصية عليهم ، وإنما المراد : قبول روايتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية ، إلا أن يثبت ارتكاب قادح ، ولم يثبت ذلك ولله الحمد !
فنحن على استصحاب ما كانوا عليه فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يثبت خلافه ، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير، فإنه لا يصح ، وما صح فله تأويل صحيح " انتهى .
وينظر: فتح المغيث للسخاوى3/96، والبحر المحيط للزركشى 4/300
وإرشاد الفحول 1/278.
ثالثا :
أما ذكره السائل من وجود بعض المنافقين حول النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقدح ذلك في عدالة الصحابة رضي الله عنهم ، لما يلي :
1- أن المنافقين غير معدودين في الصحابة – كما سبق- . قال ابن حزم في "الإحكام" (5/89) :" أما الصحابة رضي الله عنهم فهو كل من جالس النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة ، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها ، أو شاهد منه عليه السلام أمرا يعيه ، ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر ، حتى ماتوا على ذلك ... " انتهى .
2- أن المنافقين كانوا قلة ذليلة معروفة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يوجد منافق واحد منهم عدّه أهل العلم في الصحابة ، ويدل على ذلك قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن صلاة الجماعة :" وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ". أخرجه مسلم في "صحيحه" (654) ،
وقد عُرفوا أكثر وافتضحوا بعد تخلفهم عن غزوة تبوك ، ونزول سورة التوبة في شأنهم ، ولذلك قال كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ ".
أخرجه البخاري (4418) ، ومسلم (2769) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (8/474) :
" ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا قَلِيلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَأَكْثَرُهُمُ انْكَشَفَ حَالُهُ لَمَّا نَزَلْ فِيهِمُ الْقُرْآنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يعْرِفُ كُلًّا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ ، فَالَّذِينَ بَاشَرُوا ذَلِكَ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ.
وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا فِي الْبَاطِنِ ، أَوْ يَهُودِيًّا ، أَوْ نَصْرَانِيًّا ، أَوْ مُشْرِكًا : أَمْرٌ لَا يَخْفَى مَعَ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ ، فَإِنَّهُ مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ ، وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: { وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] ، وَقَالَ: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] .
فَالْمُضْمِرُ لِلْكُفْرِ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ، وَأَمَّا بِالسِّيمَا فَقَدْ يُعْرَفُ وَقَدْ لَا يُعْرَفُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ } [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 10] " انتهى .
وقال المعلمي اليماني في "الأنوار الكاشفة" (ص278)
:" وفي الصحيح في حديث كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا:" فكنت إذا خرجت إلى الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم: أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء". وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك ، ثم تأكد ذلك بتخلفه لغير عذر وعدم توبتهم ، ثم نزلت سورة براءة فقشقشتهم .
وبهذا يتضح أنهم قد كانوا مشارًا إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى .
3- أنه لم يرو منافق قط حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال المرداوي في "التحبير شرح التحرير" (4/1995) :
" قَالَ الْحَافِظ الْمزي: من الْفَوَائِد أَنه لم يُوجد قطّ رِوَايَة عَمَّن لمز بالنفاق من الصَّحَابَة - رَضِي الله عَنْهُم " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (8/474)
:" وَالصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالَّذِينَ يُعَظِّمُهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدِّينِ : كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ ، وَلَمْ يُعَظِّمِ الْمُسْلِمُونَ -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ -عَلَى الدِّينِ مُنَافِقًا " انتهى .
رابعا :
أما الوليد بن عقبة فهو صحابي ، بلا خلاف بين أهل العلم ، وهو داخل في عموم الآيات والأحاديث التي تثني على الصحابة رضي الله عنهم وتحكم لهم بالعدالة .
وأما نزول الآية الكريمة فيه ، ووصفه بأنه "فاسق" : فلم يثبت ذلك ثبوتا بينا :
فمن أهل العلم من يقول بنزولها فيه كابن عبد البر في "الاستيعاب" (4/1553) ، وغيره .
ومنهم من ينفي ثبوت ذلك ، ومن هؤلاء الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (28/98) ، وابن عاشور في "التحرير والتنوير" (26/269)
ومحب الدين الخطيب في تعليقه على " العواصم من القواصم" لابن العربي (ص102) ،
خاصة وأن الآثار الواردة في ذلك لا تخلو من مقال من ناحية الإسناد ، وابن كثير رحمه الله ذكر الأثر في سبب نزول الآية في تفسيره (7/370)
ولم يعلق عليه بشيء ، غير أنه ذكره في "البداية والنهاية" (11/604) وعلق عليه بقوله : "ذكر ذلك غير واحد من المفسرين ، والله أعلم بصحة ذلك " انتهى .
وفي هذا إشارة إلى أن مثل ذلك الأثر مما لم تعلم صحته ، ولم تشتهر لدى أهل العلم .
والشيخ أحمد شاكر رحمه الله حذف هذا الأثر في اختصاره لتفسير ابن كثير (3/355)
وفي هذا إشارة منه إلى ضعفه وعدم صحته
فإنه ذكر في المقدمة (1/11)
أنه "حذف كل حديث ضعيف أو معلول" انتهى .
وأما نفس القصة المروية: فليس فيها عند التأمل ما يقتضي وصف الوليد بالفسق !!
وبيان ذلك : أن في الأثر : أنه خرج له بنو المصطلق يتلقونه ، فظن أنهم إنما خرجوا لقتاله فخاف ، ورجع وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وليس في ذلك ما يقتضي وصفه بالفسق ، وإن كان قد أخطأ في ظنه ذلك ، غير أنه لم يتعمد الكذب .
قال الرازي في تفسيره (14/271) :
"ويتأكد بما ذكرنا أن إطلاق لفظ الفاسق على الوليد شيء بعيد ، لأنه توهم وظن ، فأخطأ ، والمخطئ لا يسمى فاسقًا" انتهى .
ولو افترضنا أن الآية الكريمة نزلت فيه ، وأنه استحق هذا الوصف – وهذا غير مُسَلَّم كما سبق – فيجاب عنه بأنه قد تاب من ذلك ، وحسنت توبته ، كما هو شأن من وقع في شيء من المعاصي من الصحابة رضي الله عنهم ، كما تاب ماعز والغامدية وحسنت توبتهما
وكما تابت المرأة المخزومية التي سرقت فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها ، وحسنت توبتها ، وكما تاب أبو لبابة مما فعله مع بني قريظة وحسنت توبته ، وكما تاب كعب بن مالك وصاحباه من تخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر وحسنت توبتهم .
فعلى فرض صحة ما قيل ، فيكون الوليد بن عقبة قد تاب من ذلك وحسنت توبته ، ولذلك استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صدقات بن تغلب ، وولاه عثمان بن عفان رضي الله عنه الكوفة .
انظر : "البداية والنهاية" (11/604) .
فلم يكونا رضي الله عنهما يستعملانه ، إلا وهو عندهما قوي أمين عدل غير فاسق .
قال أبو بكر بن العربي رحمه الله في سياق حديثه عن عدالة الصحابة ، ونفي صفة الفسق عنهم : "وليست الذنوب مسقطةً للعدالة إذا وقعت منها التوبة" انتهى من "العواصم من القواصم" (ص 94).
وقال السخاوي في "فتح المغيث" (3/112) :
" وأما الوليد وغيره ممن ذكر بما أشار إليه فقد كف النبي صلى الله عليه وسلم من لعن بعضهم بقوله : (لا تلعنه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله) ، كما كف عمر عن حاطب رضي الله عنهما قائلا له : ( إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر
فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ، لا سيما وهم مخلصون في التوبة فيما لعله صدر منهم ، والحدود كفارات ، بل قيل في الوليد بخصوصه : إن بعض أهل الكوفة تعصبوا عليه فشهدوا عليه بغير الحق ، وبالجملة فترك الخوض في هذا ونحوه متعين" انتهى .
والتوبة ترفع وصف الفسق عمن فعل ما هو أعظم مما نسب إلى الوليد بن عقبة.
قال الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه "منهج النقد عند المحدثين، نشأته وتاريخه" :
"ولكنه تعالى قال إلى جانب ذلك: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/4، 5.
ورغم أن العلماء اختلفوا في أن الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، فلا ترفع التوبة إلا الفسق، ويبقى القاذف مردود الشهادة أبداً مهما تاب، أو يعود إلى الجملة الأخيرة وإلى التي قبلها، فترفع التوبة الفسق، ويعود هو مقبول الشهادة..
لكن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى قبول شهادة القاذف بعد ما يتوب، ويؤيد ذلك تصرفات المحدثين، حيث إنهم قبلوا رواية حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري شاعر رسول صلى الله عليه وسلم . وحمنة بنت جحش الأسدية أخت زينب أم المؤمنين" انتهى .
وحتى واقعة شرب الوليد للخمر ؛ فالثابت في الصحيحين عند البخاري (3696)
ومسلم (1707) هو واقعة جلده بشهادة اثنين عليه ، أما كونه شرب أم لا فهذه قضية أخرى .
وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن بعضا من أهل الكوفة قد افتروا عليه كذبا أنه شرب الخمر وشهدوا عليه زورا .
ومعلوم أن أهل الكوفة طعنوا حتى في سعد بن أبي وقاص حتى قالوا : لا يحسن الصلاة فكيف بالوليد ؟!
قال ابن خلدون في تاريخه "ديوان المبتدأ والخبر" (1/269)
:" فلم ينقطع الطّعن من أهل الأمصار ، وما زالت الشّناعات تنمو ، ورمي الوليد بن عقبة وهو على الكوفة بشرب الخمر وشهد عليه جماعة منهم وحدّه عثمان "انتهى .
وعلى هذا ؛ فذلك أيضا غير مقطوع به .
وعلى فرض ثبوت ذلك منه ، فالمقصود بالعدالة كما سبق قبول شهادة الصحابة وروايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث إنهم عندهم من الخوف من الله ما يمنعهم من تعمد الكذب .
والوليد بن عقبة لم يتعمد الكذب في شيء من الروايات ، بل ليس له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديثا واحدا ، رواه الإمام أحمد في مسنده ، والإسناد إلى الوليد ضعيف لا يصح ، أي : يصح أن يقال : لم يرو الوليد عن النبي صلى الله عليه وسلم أي حديث ، وذلك كافٍ في الجزم بأنه لم يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو معنى العدالة كما سبق .
قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (4/1556)
:" لم يرو الوليد بْن عُقْبَةَ سنة يحتاج فِيهَا إليه " انتهى .
ونختم بهذا الكلام الجيد للعلامة المعلمي
قال في "الأنوار الكاشفة" (ص 271) عن الوليد بن عقبة :
"هذا الرجل أشدّ ما يشنِّع به المعترضون على إطلاق القول بعدالة الصحابة، فإذا نظرنا إلى روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم لنرى كم حديثًا روى في فضل أخيه، ووليِّ نعمته ؛ عثمان؟ ...
وكم حديثًا روى في فضل نفسه ليدافع ، ما لحقه من الشهرة بشرب الخمر؟
هالنا أننا لا نجد له روايةً البتة، اللهم إلا أنه رُوِيَ عنه حديث في غير ذلك لا يصح عنه، وهو ما رواه أحمد وأبو داود من طريق رجل يقال له: أبو موسى عبد الله الهَمْداني عن الوليد بن عقبة قال: "لما فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم، فجيء بي إليه وأنا مطيَّب بالخَلُوق فلم يمسح رأسي، ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلَّقتني بالخَلُوق، فلم يمسني من أجل الخَلُوق" .
هذا جميع ما وجدناه عن الوليد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم .
وأنت إذا تفقَّدْتَ السند وجدتَه غير صحيح لجهالة الهَمْداني .
وإذا تأملت المتن لم تجده منكرًا ، ولا فيه ما يمكن أن يُتّهم فيه الوليد، بل الأمر بالعكس فإنه لم يذكر أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دعا له، وذكر أنه لم يمسح رأسه...
أفلا ترى معي في هذا دلالة واضحة على أنه كان بين القوم وبين الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم حِجْرٌ محجور؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "رده على الإخنائي" (ص 163) :
"فلا يعرف مِن الصحابة مَنْ كان يتعمَّد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان فيهم من له ذنوب، لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه".
ثم قال المعلمي :
إن أئمة الحديث اعتمدوا فيمن يمكن التشكّك في عدالته من الصحابة اعتبار ما ثبت أنهم حدَّثوا به عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أو عن صحابيّ آخر عنه، وعرضوها على الكتاب والسنة وعلى رواية غيرهم، مع ملاحظة أحوالهم وأهوائهم، فلم يجدوا من ذلك ما يوجب التهمة، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ممن لا تتجه إليه تهمة، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو ما يشهد له" انتهى .
وبهذا يتبين أن ثبوت عدالة الصحابة أمر مقطوع به .
وأنه لا يطعن فيها ما نسب للوليد بن عقبة ، لأن في ثبوت ذلك شكا .
ولأن العدالة لا يشترط لها العصمة .
ولأن المقصود من العدالة عدم تعمدهم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصحابة كلهم كذلك ، حتى من وقع في بعض الذنوب منهم .
فرضي الله عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعا ، ووفقنا لمحبتهم واتباعهم .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 17:59
هل ثبت أن رقيب و عتيد ملكان حقا ؟
ام يقصد بهما الفص الأيمن و الأيسر من العقل ؟؟
السؤال :
قد قرأت تلك الرسالة في موقع من مواقع فتوى، وقد أصابني الشك في أنها خرافات ، فكاتبة تلك الفتوى تقول : إن الملكين اللذين يلزمان الإنسان ليس إلا العقل ، وأنه يقصد به الفص الأيمن والأيسر للعقل
فقلت لنفسي : إنها قد ادعت هذا الكلام ، وأنكرت وجود الملكين اللذين يكتبان أعمال الإنسان ويلازمانه ، اعتذر عن طول الموضوع .
فسؤالي هو : هل هذا الكلام صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
من اعتقاد أهل السنة والجماعة الإيمان بالملائكة الكرام الكاتبين ، الموكلين بكتابة أعمال العباد ، وقد دلَ الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ذلك .
قال الإمام الطحاوي في "العقيدة الطحاوية" (ص187) :" ونؤمن بالكرام الكاتبين ، فإن الله قد جعلهم علينا حافظين ". اهـ
وقال اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (1/181) :" ونؤمن بالمساءلة في القبر
وبالكرام الكاتبين ". اهـ
وقال ابن حزم في "الفصل في الملل والنحل" (4/55
) وَأما كتاب الْمَلَائِكَة لأعمالنا فَحق ، قَالَ الله تَعَالَى (وَإن عَلَيْكُم لحافظين كراماً كاتبين) ، وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ) ، وَقَالَ تَعَالَى (وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشوراً اقْرَأ كتابك) ، وَقَالَ تَعَالَى (إِذْ يتلَقَّى المتلقيان عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد) .
قَالَ أَبُو مُحَمَّد : وكل هَذَا مَا لَا خلاف فِيهِ بَين أحد مِمَّن ينتمي إِلَى الْإِسْلَام ؛ إِلَّا أَنه لَا يعلم أحد من النَّاس كَيْفيَّة ذَلِك الْكتاب ". اهـ
وقال ابن أبي زمنين في "أصول السنة" (ص145) :" وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ بِالْحَفَظَةِ اَلَّذِينَ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ اَلْعِبَادِ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ ) ، وَقَالَ: ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) . اهـ
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ( ص134) :" وقد أجمع السلف الصالح على أن الذي عن يمينه يكتب الحسنات ، والذي عن شماله يكتب السيئات ". اهـ
ثانيا :
ادعاء صاحبة الفتوى أن المراد بقوله تعالى :" إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ " سورة ق /17 . العقل البشري المعجز بفصيه الأيمن والأيسر : كلام باطل ، وفيه قول على الله بلا علم ، ومخالف لإجماع المفسرين من الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا .
وما ذكرته السائلة الكريمة عن تلك السيدة التي كتبت هذا الكلام اعتراضا على وجود الكرام الكاتبين ، فهو كلام باطل شرعا وعقلا ، لما يلي :
أولا : اعتراضها على الاستدلال بقوله تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) سورة الانفطار /10 ، 11 ، 12 . اعتراض باطل من وجوه :
1- أن الله تعالى أثبت كونهم يكتبون بقوله :" كاتبين ".
2- تتابع المفسرين وأهل العلم قاطبة على الاحتجاج بهذه الآية في إثبات الكرام الكاتبين.
ثانيا : قولها أن الأحاديث الواردة في إثبات ذلك أحاديث ضعيفة ، وظنية الثبوت ، قول باطل لما يلي :
1- أنه قد صح في إثبات الكرام الكاتبين ، وأنهم يكتبون أفعال العباد أحاديث بلغت حدّ التواتر المعنوي ، وهذه بعضها :
· ما أخرجه البخاري (7501) ، ومسلم (128)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ : إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً ، فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا ، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ " .
· ما أخرجه مسلم في صحيحه (2969) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ ، فَقَالَ: « هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ » قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: " مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى ، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي
قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا ، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا ، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي ، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ ، قَالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا ، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ " .
وموضع الشاهد فيه : قوله :" وبالكرام الكاتبين شهودا " .
· ما أخرجه أحمد في "مسنده" (7424) ، والترمذي في "سننه" (3600) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ ، فُضُلًا عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ ؛ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى بُغْيَتِكُمْ فَيَجِيئُونَ فَيَحُفُّونَ بِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ... ثم ساق الحديث " . والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة ) (3540)
وموضع الشاهد من الحديث قوله :" فضلا عن كتاب الناس " ، أي هؤلاء الملائكة السياحين في الأرض : هم زائدون على الملائكة الذين يكتبون أعمال العباد
قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/1548) :
" قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ ، عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ : أَنَّهُمْ زَائِدُونَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَغَيْرِهِمْ ، لَا وَظِيفَةَ لَهُمْ إِلَّا حِلَقُ الذِّكْرِ ". اهـ
· ما أخرجه الترمذي في "سننه" (2639)
من حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟
فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ، فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ ، فَقَالَ: إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ ، فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ ، فَلاَ يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللهِ شَيْءٌ ). والحديث صححه الشيخ ألباني في
"السلسلة الصحيحة" (135)
وموضع الشاهد في الحديث قوله :" أظلمك كتبتي الحافظون ".
· ما أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (122) من حديث حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا قام أحدكم - أو قال : الرجل - في صلاته ، يقبل الله عليه بوجهه ، فلا يبزقن أحدكم في قبلته ، ولا يبزقن عن يمينه ، فإن كاتب الحسنات عن يمينه ، ولكن ليبزق عن يساره ). والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1062)
وموضع الشاهد في الحديث قوله :" فإن كاتب الحسنات عن يمينه " .
· ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7765) من حديث أَبِي أُمَامَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا ، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً )» . والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1209)
وموضع الشاهد من الحديث واضح بين .
· ما أخرجه أحمد في "مسنده" (13712) من حديث أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا ابْتَلَى اللهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ ، قَالَ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ ، فَإِنْ شَفَاهُ ، غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ ، وَإِنْ قَبَضَهُ ، غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ ) . والحديث حسنه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (2/346)
وموضع الشاهد من الحديث قوله :" قَالَ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ ".
· ما أخرجه أحمد في "مسنده" (6482) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَابُ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ إِلَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِعَبْدِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، مَا كَانَ يَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ ، مَا كَانَ فِي وِثَاقِي ) .
والحديث جود سنده ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/407) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1232)
وموضع الشاهد من الحديث قوله :" إِلَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِعَبْدِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ".
· ما أخرجه أحمد في "مسنده" (6895) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ مِنْ الْعِبَادَةِ ثُمَّ مَرِضَ قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ إِذَا كَانَ طَلِيقًا حَتَّى أُطْلِقَهُ أَوْ أَكْفِتَهُ إِلَيَّ ).
والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3/233)
وموضع الشاهد من الحديث قوله :" قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ ".
فهذه تسعة أحاديث منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو حسن ، كافية لمن أراد الحق .
وأما قولها أنها " ظنية الثبوت " ، فهذا باطل من وجهين :
الأول : أنها فضلا عن ثبوت الكرام الكاتبين بنص القرآن ، وهو قطعي الثبوت قطعي الدلالة ، إلا أن الأحاديث الواردة في ثبوت الملائكة الكرام الكاتبين أحاديث متواترة تواترا معنويا ، والمتواتر المعنوي هو ما تواتر معناه دون لفظه ، أي أن تُروى أحاديث مختلفة إلا أنه يتكرر في جميعها معنى معين ، فيكون حينئذٍ من قبيل التواتر المعنوي ، وهذا معلوم عند أهل العلم بلا خلاف
قال السخاوي في "فتح المغيث" (3/43) :
" والشيخ أبو إسحاق الشيرازي قال بعد ذكر الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه و سلم في غسل الرجلين : لا يقال إنها أخبار آحاد ، لأن مجموعها تواتر معناه ، وكذا ذكر غيره في التواتر المعنوي كشجاعة علي وجود حاتم وأخبار الدجال ". اهـ
وقد تبين أن الأحاديث السابق ذكرها تكرر فيها ذكر الملائكة الكتبة الحفظة .
الثاني : أن دعوى أن الحديث " ظني الثبوت " لأجل ترك العمل به طريقة لأهل البدع كالمعتزلة وغيرهم ، وأهل السنة قاطبة يحتجون بالحديث إذا صح إسناده ، في العقائد والأحكام دون فرق .
يقول الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (ص 453)
:" ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديما وحديثاً على تثبيت خبر الواحد ، والانتهاء إليه ، بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أحد ، إلا وقد ثبَّته ؛ جاز لي.
ولكنْ أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد ". اهـ
وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (10/385)
:" انعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد ، وبطل قول من خرج عن ذلك من أهل البدع ". اهـ .
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (1/2)
:" وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ ، وَإِيجَابِ الْعَمَلِ بِهِ : إِذَا ثَبَتَ ، وَلَمْ يَنْسَخْهُ غَيْرُهُ مِنْ أَثَرٍ أَوْ إِجْمَاعٍ ، عَلَى هَذَا جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا؛ إِلَّا الْخَوَارِجَ وَطَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ شِرْذِمَةٌ لَا تُعَدُّ خِلَافًا ". اهـ
ومن أراد التوسع فليرجع إلى رسالة الشيخ الألباني " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ".
ثالثا : ما نقلته السائلة الكريمة عن صاحبة الفتوى : أن الأحاديث تخالف المعني اللغوي للآيات، حيث إن الآيات تقول : ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ). سورة ق/17 ، 18
ومعنى القعيد : هو المداوم الذي لا يفارق بحال ، وأن الأحاديث فيها أن الحفظة يفارقون العبد عند الغائط والجنابة والغسل = فهو أيضا فهم خاطئ، لما يلي :
1- أن الأحاديث الواردة في أن الكرام الكاتبين يفارقون العبد عند ثلاث ( الغائط والجنابة والغسل ) أحاديث ضعيفة لا تثبت ، وقد رويت عن ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهما .
أما حديث ابن عباس فأخرجه البزار في "مسنده" (4799) من حديث ابنِ عباس ، رَضِي الله عنه ، قال : قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم : إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا
يفارقونكم إلاَّ عند إحدى ثلاث حالات : الغائط والجنابة والغسل فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه ، أو بخذمة حائط ، أو ببعيره ".
فهذا حديث ضعيف ، ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2243) .
وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (7345) من حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنِ التَّعَرِّي ، إِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ فِي نَوْمٍ وَلَا يَقَظَةٍ ، إِلَّا حِينَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ أَوْ حِينَ يَأْتِي خَلَاءَهُ ، أَلَا فَاسْتَحْيُوهَا ، أَلَا فَأَكْرِمُوهَا " .
وهو حديث ضعيف جدا أيضا ، وقد ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2300) .
2- أن أهل العلم منهم من يقول أن الحفظة لا تفارق العبد بحال ، قال ابن حمدان في "نهاية المبتدئين" (ص 53):" الرَّقِيبُ وَالْعَتِيدُ : مَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِالْعَبْدِ ، نُؤْمِنَ بِهِمَا ، وَنُصَدِّقَ بِأَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ أَفْعَالَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى -: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، وقوله تعالى :" وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين " ، ولا يفارقانه بحال ، وقيل عند الخلاء ". اهـ .
ولو ثبت حديث المفارقة فيكون معناه الابتعاد شيئا قليلا ، وليس المفارقة التامة ، قال ابن حجر الهيتمي في "فتاويه" (ص25) :" علم مِمَّا قدمْنَاهُ : أَن مَلَائِكَة الْحِفْظ الموكلين بالإنسان : ينقسمون إِلَى أَن مِنْهُم من هُوَ مُوكل بِالْحِفْظِ لَا غير ، وَمِنْهُم ، وهما الكاتبان الكريمان : من هُوَ مُوكل بِالْحِفْظِ وَالْكِتَابَة .
وَورد فِي هذَيْن أَنهم يفارقون الْإِنْسَان. فقد أخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:" إِن الله يَنْهَاكُم عَن التعري فاستحيوا من مَلَائكَته الَّذين مَعكُمْ الْكِرَام الْكَاتِبين الَّذين لَا يفارقونكم إِلَّا عِنْد أحد ثَلَاث الْجَنَابَة وَالْغَائِط وَالْغسْل" . وَظَاهر : أَنه لَيْسَ المُرَاد هُنَا الْمُفَارقَة بِالْكُلِّيَّةِ بل يبعدون عَنهُ حينئذٍ نوع بعد ". اهـ
3- أن غاية ما يقال في معنى : "رقيب عتيد" أن هذا وصف للملكين ، وليس هذا هو اسمهما الذي هو علم عليهما ، وهذا لا إشكال فيه ، ما دام قد ثبت أن هنا ملكين يحصيان على العباد أعمالهم ، ويكتبانها ، عن اليمين وعن الشمال .
ومما سبق يتبين بطلان ما اعترضت به صاحبة الفتوى ، وأن كلامها مخالف للقرآن والسنة وإجماع الأمة ، ونوصي الأخت السائلة الكريمة أن تتجنب أمثال هذه الفتاوى المغلوطة ، وأن تأخذ العلم عن أهله المتحققين به
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 18:01
هل تفارق الملائكة الكاتبين العبد في أي حال ؟
السؤال:
متى يتجنب الكرام الكاتبين العبد ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
اتفق العلماء على أن أعمال العباد محصاةٌ عليهم ، سواء عملوها في الأماكن الكريمة ، أم في الأماكن المهينة كالخلاء ، وسواء عملوها في أحوال الطاعات أم في أحوال المعاصي والآثام ، فكل ما عمله العبد في حياته ، سوف يلقاه يوم القيامة مثبتا في كتاب أعماله ، من صغير أو كبير ، من جليل أو حقير . قال الله تعالى : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف /49 .
ثانيا :
اختلف العلماء فيما إذا كانت الملائكة الموكلة بتسجيل الأعمال قد تفارق العبد في بعض الأماكن والأحوال ، أم لا ، وذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن الملائكة الموكلة بكتابة الأعمال لا تفارق العبد في أي حال من الأحوال .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" هذان الاثنان – يعني الملكين - هل هما دائماً مع الإنسان ؟ نعم لقوله : ( إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18 وقيل : إنهما يفارقانه إذا دخل الخلاء ، وإذا كان عند الجماع ، فإن صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلى العين والرأس ، وإن لم يصح فالأصل العموم ( إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18 " انتهى.
" شرح العقيدة السفارينية " (3) .
القول الثاني : أن الملائكة تفارق العبد في مواضع : في الخلاء ، وعند الجماع ، وأضاف بعضهم عند الاغتسال .
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" الحفظة لا يفارقوننا ، إلا عند الخلاء والجماع والغسل ، كما في حديث " انتهى.
" الفتاوى الحديثية " (ص/47)
ويقول السفاريني رحمه الله :
" لا يفارقان العبد بحال ، وقيل : بل عند الخلاء ، وقال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين : عند غائطه ، وعند جماعه ، ومفارقتهما للمكلف حينئذ لا تمنع من كتبهما ما يصدر منه في تلك الحال ، كالاعتقاد القلبي ، يجعل الله لهما أمارة على ذلك " انتهى.
" لوامع الأنوار البهية " (1/448)
واستدلوا على ذلك بأدلة عدة :
الدليل الأول : عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ ، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ )
رواه الترمذي (رقم/2800)
لكن هذا الحديث ضعيف ، قال الترمذي بعد إخراجه له : "هذا حديث غريب " انتهى. وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/2300)
قال بدر الدين العيني رحمه الله :
" فإن قيل : قد رُوِيَ عنه عليه السلام أن الكرام الكاتبين لا يُفارقان العَبد إلا عند الخلاء والجماع.
قلت : هذا حديث ضعيف لا يحتج به " انتهى.
" شرح سنن أبي داود " (2/397)
الدليل الثاني : روى عبد الرزاق في " المصنف " (1/285) عن ابن جريج ، عن صاحب له ، عن مجاهد قال :
( لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية - وعليه ثوب مستور عليه - هبت الريح ، فكشفت الثوب عنه ، فإذا هو برجل يغتسل عريانا بالبراز ، فتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا أيها الناس ! اتقوا الله واستحيوا من الكرام ، فإن الملائكة لا تفارقكم إلا عند إحدى ثلاث ، إذا كان الرجل يجامع امرأته ، وإذا كان في الخلاء ، قال : ونسيت الثالثة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإذا اغتسل أحدكم فليتوار بالاغتسال إلى جدار ، أو إلى جنب بعير ، أو يستر عليه أخوه )
لكن هذا الحديث مرسل ، وفي سنده مبهم . فلا يصح الاستدلال به ، لضعفه .
الدليل الثالث : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
( إن الله ينهاكم عن التعري ، فاستحيوا من الملائكة الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند الغائط والجنابة والغسل ، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بحائط )
قال ابن تيمية رحمه الله :
" رواه ابراهيم الحربي ، ورواه ابن بطة من حديث ابن عمر ، وقد صح ذلك من مراسيل مجاهد " انتهى.
" شرح العمدة " (1/401)
لكن لم يتم الوقوف على إسناد الحديث إلى ابن عباس ، والمعروف أنه من حديث ابن عمر كما سبق تخريجه عند الترمذي ، وبيان ضعفه .
القول الثالث : أن الثابت في الكتاب والسنة أن كل عبد موكل به ملكان يراقبان حركاته وسكناته ، ويكتبان أفعاله ، ويحصيان عليه كل ما يصدر منه ، سواء كان عمل خير أو عمل معصية ، سواء كان في محل كريم أو مكان مهين .
ولكن لم يرد في الكتاب ولا في السنة تفسير لكيفية هذا الإحصاء ، وهل يستلزم دخول الملائكة مع العبد كل مكان يدخل إليه ، وبقاءهم معه في تفاصيل كل عمل يعمله ، أو أن الله خلق فيهما من القدرة ما تمكنهما من معرفة الأعمال وكتابتها من غير حاجة إلى مصاحبة العبد في كل مكان يدخل إليه .
والذي ينبغي في ذلك ألا يتكلم المرء في مثل تلك الأمور الغيبية ، من غير دليل من كتاب الله ، أو سنة رسوله ، وإسناد العلم في ذلك إلى الله عز وجل ، والإيمان بأن كل ما يصدر من العبد محصي عليه ، وهو كاف للعبد في هذا الباب ، وهو الأمر الذي ينفعه ويعنيه ؛ يقول الله عز وجل : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18. وقال سبحانه وتعالى : ( هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية/29.
قال السيوطي رحمه الله :
" وأما السؤال عن دخول الكاتبين الخلاء ، فجوابه : أنَّا لا نعلم ، ولا يقدح عدم علمنا بذلك في ديننا ، وجملة القول فيه : أنهما إن كانا مأمورين بالدخول دخلا ، وإن أكرمهما الله عن ذلك وأطلعهما على ما يكون من الداخل ، مما سبيلهما أن يكتبا ، فهما على ما يؤمران به " انتهى.
" الحبائك في أخبار الملائك " (ص/90) .
ولعل القول الثالث هو القول الأقرب ، والأوفق لجانب الأدب في مثل ذلك ؛ لما فيه من الوقوف عند النصوص ، وعدم تجاوزها من غير دليل قوي ولا برهان صحيح . والله أعلم .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-01, 18:04
الرقيب والعتيد وصفان لكل من الملكين الذين يحفظان أعمال العباد
السؤال:
هل الرقيب والعتيد ملكان ، وما وظيفتهما ، وهل إذا دخل الإنسان المرحاض يدخلان معه ؟
جزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذان الوصفان للملائكة التي وُكِّلت بكتابة كل ما يعمله ابن آدم من خير أو شر ، وهما وصفان صادقان على كل منهما ، فالملك الذي عن اليمين صفته أنه رقيب وعتيد ، والملك الذي عن الشمال صفته أنه رقيب وعتيد .
يقول الله عز وجل : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) سورة ق/16-18.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله :
" في الرقيب ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه المتتبع للأمور .
الثاني : أنه الحافظ ، قاله السدي .
الثالث : أنه الشاهد ، قاله الضحاك .
وفي العتيد وجهان :
أحدهما : أنه الحاضر الذي لا يغيب .
الثاني : أنه الحافظ المُعَد ، إما للحفظ ، وإما للشهادة " انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (17/11)
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ) يعني : الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان ، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) أي : مترصد . ( مَا يَلْفِظُ ) أي : ابن آدم ( مِنْ قَوْلٍ ) أي : ما يتكلم بكلمة ( إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) أي : إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها ، لا يترك كلمة ولا حركة ، كما قال تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) الانفطار/10-12 " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (7/398)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ( رقيب ) مراقب ليلاً ونهاراً ، لا ينفك عن الإنسان .
( عتيد ) حاضر ، لا يمكن أن يغيب ويوكل غيره ، فهو قاعد مراقب حاضر ، لا يفوته شيء " انتهى.
" تفسير سورة ق "
وأما القول بأن أحد الملكين اسمه رقيب ، والآخر اسمه عتيد : فهو مخالف لظاهر الآية الكريمة.
يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر حفظه الله :
" يذكر بعض العلماء أن من الملائكة من اسمه رقيب وعتيد ، استدلالاً بقوله تعالى : ( ما يلفظ من قولٍ إلاَّ لديه رقيب عتيدٌ ) وما ذكروه غير صحيح ، فالرقيب والعتيد هنا وصفان للملكين اللذين يسجلان أعمال العباد ، ومعنى رقيب وعتيد ؛ أي : ملكان حاضران شاهدان ، لا يغيبان عن العبد ، وليس المراد أنهما اسمان للملكين " انتهى.
" عالم الملائكة الأبرار " (ص/12)
ثانيا :
وأما هل يدخل الملائكة الحفظة مع الإنسان إلى الخلاء ، فقد سبق التوسع في شرح هذه المسألة في جواب السؤال رقم : (147161) ، وتبين فيه أن الثابت في الكتاب والسنة أن كل عبد موكل به ملكان ، يراقبان حركاته وسكناته ، ويكتبان أفعاله ، ويحصيان عليه كل ما يصدر منه ، سواء كان عمل خير أو عمل معصية ، وسواء كان في محل كريم أو مكان مهين .
ولكن لم يرد في الكتاب ولا في السنة تفسير لكيفية هذا الإحصاء ، وهل يستلزم دخول الملائكة مع العبد كل مكان يدخل إليه ، وبقاءهم معه في تفاصيل كل عمل يعمله ، أو أن الله خلق فيهما من القدرة ما تمكنهما من معرفة الأعمال وكتابتها من غير حاجة إلى مصاحبة العبد في كل مكان يدخل إليه ، والواجب هو الوقوف عند الوارد ، وتفويض علم ما لم يرد إلى الله عز وجل ، وكما قال سعيد بن جبير رحمه الله : " قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ".
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 04:18
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حول القصة المشهورة عن علي بن أبي طالب وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم له :" البائع جبريل والمشتري ميكائيل
السؤال :
هل يصح هذا فقال له الرسول الكريم: يا علي، البائع جبريل و المشتري ميكائيل، حكى أن عليا كرم الله وجهه مكث هو وزوجته السيدة فاطمة رضي الله عنها وأولادها ׃ الحسن و الحسين و الحارث ثلاثة أيام لم يتذوقوا فيها طعام. وكان للسيدة فاطمة إزار (شال) فأعطته عليا ليبيعه
ويشتري بثمنه طعاما. فأخذه سيدنا علي. وباعه بستة دراهم. وحينما كان علي ذاهبا ليشتري طعاما قابله بعض الفقراء، فتألم لحالهم، وتصدق عليهم بالدراهم الستة التي معه، وهى ثمن الإزار(الشال) الذي باعه وفي أثناء ذهابه إلي بيته، لقيه جبريل عليه السلام في صورة إنسان ومعه ناقة من الجنة، فقال له: يا أبا الحسن اشتر منى هده الناقة. فقال له علي: ليس معي ثمنها، ولا يمكنني شراؤها. قال البائع: يمكنك أن تشتريه
وتدفع ثمنها فيما بعد. فسأله علي: بكم تبيعها ؟
قال البائع: بمائة درهم فرضي علي، وقبل شراءها منه بدلك الثمن المؤجل ، و اخدها، ودهب . فقابله ميكائيل علي صورة رجل أعرابي وسأله: هل تبيع هده الناقة يا أبا الحسين ؟
قال علي: نعم، أبيعها؟ قال: بكم اشتريتها أجاب علي: اشتريتها بمائة درهم. قال ميكائيل: أنا اقبل شراؤها منك بمائة وستين درهما، فيكون ربحك ستين درهما. فباعها علي له بدلك الثمن، ودفع له المشتري مائة وستين درهما. فأخذها علي، ومشي إلى بيته، فلقيه في الطريق البائع الأول وهو جبريل، فسأله هل بعت الناقة يا أبا الحسن ؟
أجاب علي: نعم، بعتها. قال جبريل: أعطني حقي. فدفع له المائة درهم، وبقي معه ستون درهما. فدهب بها إلى بيته، ووضعها بين يدي السيدة فاطمة رضي الله عنها. فسألته من أين لك هدا المال ! أجاب علي تصدقت بستة دراهم على قوم الفقراء، فأعطاني الله ستين درهما، فكان ربح كل درهم عشرة دراهم. ثم قابل علي الرسول صلى الله عليه و سلم..
الجواب :
الحمد لله
هذه القصة التي ذكرها السائل الكريم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا أصل لها ، وليس لها إسناد أصلا .
وقد ذكرها الصفوري في "نزهة المجالس" (2/6)
بدون إسناد فقال :" حكاية : ثم ساقها .
ونقل الحلبي في "السيرة الحلبية" (2/282)
أن السيوطي سئل عن هذه القصة فأجاب بأنها من الكذب الموضوع .
وأغلب الظن أنها من وضع القصاص ، أو من أكاذيب الروافض .
وأما فضائل علي رضي الله عنه فكثيرة جدا ، وثابتة ، ولا نحتاج لإثباتها مثل هذه الحكايات المكذوبة .
وأما ثواب المتصدق ، وإخلاف الله عليه ، فهو ثابت أيضا بالقرآن وصحيح السنة .
قال الله تعالى :" وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " سبأ/39 ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " . أخرجه البخاري (1442) ، ومسلم (1010) .
فلا نحتاج لتقرير ذلك هذه القصص المكذوبة ، وفي الصحيح غنى
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 04:26
ما صحة الحديث القدسي في قصة هلاك فرعون" يا جبريل لو استغاثني لأغثته "
السؤال
: ما صحة هذا الحديث القدسي عندما غرق فرعون وجاء جبريل لدس الطين في فمه كي لا تدركه الرحمة ، قال الله عز وجل لجبريل : ( يا جبريل وعزتي وجلالي لو استغاثني واستغفرني لغفرت له ) هل لهذا النص أصل صحيح ؟
وليس المقصود قصة جبريل ودس الطين في فم فرعون التي أخرجها الترمذي وغيره ، إنما سؤالي عن أصل الحديث القدسي ، وقد نشر في بعض المقاطع والمنتديات .
الجواب :
الحمد لله
فإن الحديث الذي أورده السائل في دس جبريل الطين في فم فرعون حديث ثابت
أخرجه الترمذي في "سننه" (3107)
وأحمد في "مسنده" (2144) ، من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ قَالَ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ فَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ البَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ ".
والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2015) .
وفي تخريج المسند ، ط الرسالة (4/45-47) :
أن الصحيح وقفه على ابن عباس ، وكأنه أشبه.
أما ما ذكره السائل من صحة ما يذكر من أن الله قال لجبريل حينئذ :" يا جبريل : وعزتي وجلالي لو استغاثني واستغفرني لغفرت له " .
فهذا لا يصح ، ولم يرد بإسناد أصلا
وإنما ذكره السيوطي في "معترك الأقران في إعجاز القرآن" (2/369)
فقال :" وقيل: إن فرعون لما عاين العذاب أراد الإيمان في حال الغرق ، فرفع جبريل الطين وجعله في فِيه ، حتى استغاث بجبريل سبعين مرة ، فلم يُغِثه ، فعاتبه الله ، وقال لجبريل: استغاث بك فرعون سبعين مرة فلم تغثه ، وعِزَّتي وجلالي لو استغاث بي لأَغثته ". اهـ
و ما دام ليس له إسناد : فإنه لا حجة فيه ، ولا عبرة به .
ثم إنه منكر من حيث المعنى ، فإن فرعون آمن حيث لا ينفع الإيمان ، فإن الله تعالى قال : ( حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس/90 .
ومثل هذا الإيمان لا ينفع صاحبه ، وقد قال الله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) . غافر/ 84 ، 85
ولما قال فرعون ذلك قال الله : ( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) يونس/91 .
فقد يتبين أن غرقه لا علاقه له بموسى عليه السلام ، ولا جبريل عليه السلام ، بل لكونه مات كافرا ، ولم يؤمن الإيمان النافع .
إلا أنه قد ورد نحو ذلك ، ولكن في شأن قارون ، وليس في شأن فرعون .
وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه (31843)
والطبري في "تفسيره" (18/334)
وابن أبي حاتم في "تفسيره" (17156)
والحاكم في "المستدرك" (3536) ، جميعا من طريق الْأَعْمَشِ ، عَنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، زاد بعضهم " وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ " ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: " لَمَّا أَتَى مُوسَى قَوْمَهُ فَأَمَرَهُمْ بِالزَّكَاةِ ، فَجَمَعَهُمْ قَارُونُ فَقَالَ: هَذَا قَدْ جَاءَكُمْ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَبِأَشْيَاءَ تُطِيقُونَهَا ، تَحْتَمِلُونَ أَنْ تُعْطُوهُ أَمْوَالَكُمْ؟ قَالُوا: مَا نَحْتَمِلُ أَنْ نُعْطِيَهُ أَمْوَالَنَا فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نُرْسِلَ إِلَى بَغِيِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَأْمُرَهَا أَنْ تَرْمِيَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَجْنَادِ وَالنَّاسِ بِأَنَّهُ أَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا ، فَفَعَلُوا ، فَرَمَتْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ ، فَدَعَا اللَّهَ عَلَيْهِمْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْأَرْضِ أَنْ أَطِيعِيهِ
فَقَالَ لَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: خُذِيهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى رُكَبِهِمْ ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى يَا مُوسَى قَالَ: خُذِيهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى حُجَزِهِمْ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى يَا مُوسَى فَقَالَ: خُذِيهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى يَا مُوسَى ، قَالَ: فَأَخَذَتْهُمْ فَغَيَّبتْهُمْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُوسَى، سَأَلَكَ عِبَادِي وَتَضَرَّعُوا إِلَيْكَ فَأَبَيْتَ أَنْ تُجِيبَهُمْ ، أَمَا وَعِزَّتِي لَوْ أَنَّهُمْ دَعَوْنِي لَأَجَبْتُهُمْ ".
وفي لفظ عند الطبري في "تفسيره" :" فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا مُوسَى: اسْتَغَاثَ بِكَ فَلَمْ تُغِثْهُ ، أَمَا لَوِ اسْتَغَاثَ بِي لَأَجَبْتُهُ وَلَأَغَثْتُهُ " . يقصد قارون .
وهذا إسناد ضعيف إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، حيث فيه الأعمش ، وهو مدلس ، وقد عنعن الحديث ، بل تدليسه من أسوء أنواع التدليس ، وهو تدليس التسوية حيث يحذف الراوي الضعيف في الإسناد كله ، وليس شيخه فقط . وقد نصَّ الخطيب البغدادي على أن الأعمش كان ممن يفعل ذلك فقال كما في "الكفاية" (364)
:" وَرُبَّمَا لَمْ يُسْقِطِ الْمُدَلِّسُ اسْمَ شَيْخِهِ الَّذِي حَدَّثَهُ ،لَكِنَّهُ يُسْقِطُ مِمَّنْ بَعْدَهُ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلًا يَكُونُ ضَعِيفًا فِي الرِّوَايَةِ ، أَوْ صَغِيرَ السِّنِّ وَيَحْسُنُ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا ". اهـ
ولو صح إسناده لما جاز الاحتجاج به ، لأنه وإن كان مما لا مجال فيه للرأي ، إلا أن عبد الله بن عباس كان يأخذ عن كعب الأحبار ، ولذا يتوقف في مثل ذلك لأنه احتمال أن يكون مما أخذه عن بني إسرائيل .
قال العراقي في "شرح التبصرة والتذكرة" (1/200) في حديثه عما قاله الصحابي مما لا مجال فيه للرأي ، قال :" فإنَّهُ وإنْ كان لا يقالُ مثلُهُ من جهةِ الرأي ، فلعلَّ بعضَ ذلك سمعَهُ ذلك الصحابيُّ من أهل الكتابِ ، وقد سمعَ جماعةٌ من الصحابةِ من كعب الأحبارِ ، ورَوَوا عنه كما سيأتي ، منهم العبادلةُ ". اهـ ، والعبادلة هم :" عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ".
ومما يجب التنبيه عليه أنه هذا الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله ، قد روي من طريقين غير طريق ابن عباس في قصة هلاك قارون بألفاظ منكرة جدا ، ومن ذلك ما يلي :
الطريق الأول :
أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (17157)
والطبري في "تاريخه" (1/447) من طريق جَعْفَر بْن سُلَيْمَانَ الضبعي ، ثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيَّ ، وساقه بنحوه ، وذكر فيه :" فَلَمَّا خُسِفَ بِهِ قِيلَ لَهُ: يَا مُوسَى مَا أَفَظَّكَ، أَمَا وَعِزَّتِي لَوْ إِيَّايَ دَعَا لَرَحِمْتُهُ ".
وهذا إسناد لا يصح ، فيه علي بن زيد بن جدعان ، قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (1/344) :" وهو ضعيف عند المحدثين ". اهـ ، ثم هو مرسل لأنه من رواية عبد الله بن الحارث بن نوفل ، قال العلائي في "جامع التحصيل" (344) :" ولا صحبة له ، بل ولا رؤية ؛ وحديثه مرسل قطعا ". اهـ
ثم فيه معنى منكر ، حيث فيه اتهام لنبي الله موسى عليه السلام بالفظاظة ، وهذا لا يليق بنبي من أولي العزم من الرسل؛ لا سيما والمقام مقام عداوة وانتقام من قارون ، عدو الله ، العاتي عليه ، الكافر به !!
الطريق الثاني :
أخرجه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/402) ، والواحدي في (3/409) ، من طريق اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قال أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ الْقَارِي عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى دِيوَانِ فِلَسْطِين أَنَّهُ بَلَغَهُ .. ثم ساقه بنحوه ، وفيه :" فأوحى الله إليه: يا موسى ، ما أغلظ قلبك ، أما وعزتي وجلالي لو بي استغاث لأغثته ".
وهو منقطع كما ترى ، فهو عن عبد الله بن عوف القاري أنه بلغه ، وعبد الله بن عوف من التابعين ، قال ابن منده :" وهو من تابعي أهل الشام في الطبقة الثالثة وكان عامل عمر بن عبد العزيز ". اهـ ،
كذا نقله عنه ابن حجر في "الإصابة" (5/156) .
والحاصل : أن الأثر لم يرد أصلا في فرعون ، وإنما ورد نحوه في قصة هلاك قارون ، ولا تصح أيضا ، فنرجو من إخواننا المسلمين عموما ومن الدعاة خصوصا التثبت قبل النقل أو النشر .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 04:30
حول صحة حديث وصية خديجة رضي الله عنها عند الموت
السؤال
: أرغب بمعرفة صحة هذا الحديث من عدمه ؛ لأنه تم نشره على الناس . وفاة السيدة خديجة رضي الله عنه وأرضاه الله عنها تُوفّيت (رضي الله عنها) في 10 رمضان 10 للبعثة النبوية الشريفة في شعب أبي طالب بمكّة المكرّمة، ودُفنت في مقبرة الحجون بمكّة المكرّمة. وصيّتها لرسول الله صلى الله عليه وآله لمّا اشتدّ مرضها رضي الله عنها قالت: «يا رسول الله اسمع وصاياي: أوّلاً: إنّي قاصرة في حقّك فاعفني يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله :
حاشا وكلّا، ما رأيت منكِ تقصيراً، فقد بلغتِ بجهدك، وتعبت في داري غاية التعب، ولقد بذلت أموالكِ وصرفت في سبيل الله مالَكِ. ثانياً: أوصيك بهذه ـ وأشارت إلى فاطمة ـ فإنّها يتيمة غريبة من بعدي، فلا يؤذينها أحد من نساء قريش، ولا يلطمنّ خدّها، ولا يصيحنّ في وجهها، ولا يرينّها مكروهاً. ثالثاً: إنّي خائفة من القبر
أُريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزول الوحي تكفّنني فيه. فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الرداء إليها، فسرّت به سروراً عظيماً، فلمّا تُوفّيت خديجة أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله في تجهيزها وغسّلها وحنّطها، فلمّا أراد أن يكفّنها هبط الأمين جبرائيل وقال: يا رسول الله، إنّ الله يقرئك السلام ويخصّك بالتحية والإكرام ويقول لك: يا محمّد إنّ كفن خديجة من عندنا، فإنّها بذلت مالها في سبيلنا. فجاء جبرائيل بكفن وقال: يا رسول الله
هذا كفن خديجة، وهو من أكفان الجنّة أهداه الله إليها. فكفّنها رسول الله صلى الله عليه وآله بردائه الشريف أوّلاً، وبما جاء به جبرائيل ثانياً، فكان لها كفنان: كفن من الله، وكفن من رسوله».
الجواب :
الحمد لله
فإن هذه الحديث الذي ذكره السائل الكريم لا أصل له ، ولم يرو بإسناد مطلقا .
وإنما ذكره محمد مهدي الحائري في "شجرة طوبى" (1/223) بدون إسناد
وهذا الكتاب من كتب الشيعة ، وهو مليء بالأكاذيب ، ومؤلفه توفي في القرن الماضي ، وليس له إسناد أصلا .
ثم إنه فضلا عن ركاكة الألفاظ ففي متن الحديث بعض المعاني المنكرة الباطلة ، وذلك لما يلي:
أولا : وصية خديجة رضي الله عنها بفاطمة فقط ، فكيف يكون هذا ومعلوم أن خديجة رضي الله عنها أنجبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن ، فهل يصح أن توصي خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بفاطمة فقط دون أخواتها !
ثانيا : قولها أنها تريد الرداء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسه عند نزول الوحي ، فهذا أيضا منكر ، فإنه لم يثبت قط أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له رداء خاص يلبسه عند نزول الوحي ، بل إن الوحي كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم حضرا وسفرا .
وأما وقت وفاتها فقد اختلف أهل العلم في تعيينه ، وأشهر هذه الأقوال أنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنوات ، قبل المعراج ، وقيل : أنها توفيت في رمضان ، انظر "الإصابة في تمييز الصحابة" (8/103) لابن حجر رحمه الله .
وأما كون أنها دفنت بالحجون ، فهذا مشهور عند أهل السير ، ذكر ذلك ابن إسحاق
كما في "المستدرك للحاكم" (4837)
والطبري في "تاريخه" (11/493)
والذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/152) .
وختاما : فإن منزلة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم عظيمة جليلة ، ولا نحتاج لإثباتها هذه الأحاديث المكذوبة المنكرة .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 04:35
حول صحة وجود نبي اسمه "أشعياء"
السؤال :
هل هناك نبي من عند الله اسمه أشعياء ؟
أم هذا من محرفات الكتب المقدسة ؟
الجواب :
الحمد لله
فإن أنبياء الله ورسله لا يعلم أسماءهم جميعا إلا الله تبارك وتعالى ، ومنهم من ذكر الله اسمه في القرآن ، ومنهم من لم يذكر الله اسمه ، كما في قوله سبحانه : ( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) النساء/164 .
وأنبياء بني إسرائيل كُثر ، وأحيانا يكون في الزمان الواحد أكثر من نبي .
وأما ما ذكره السائل من هل هناك نبي يدعى " أشعياء " ؟
فهذا الاسم ورد ذكره كثيرا في كتب التفسير مرة باسم " أشعياء " ، ومرة باسم " أشعيا " ، ومرة باسم " شعياء " ، ومرة باسم " شعيا " . وفي كل مرة يذكره المفسرون على أنه من أنبياء بني إسرائيل .
بل نقل كثير منهم أنه من الأنبياء الذين قتلهم بنو إسرائيل
كما في "تفسير الطبري" (17/362)
نقلا عن محمد بن إسحاق ، وتفسير ابن عطية "المحرر الوجيز" (3/439)
و "تفسير السمعاني" (3/218)
و "التحرير والتنوير" (1/530) لابن عاشور ، وغيرهم .
ومجرد الورود لا يدل على الثبوت ، وكتب التفسير يكثر فيها النقل عن بني إسرائيل ، ولذا فالذي ينبغي في مثل ذلك التوقف ، دون تصديق أو تكذيب ، لما يلي :
أولا : لم يرد في القرآن ولا في السنة النبوية ذكر لنبي بهذا الاسم مطلقا .
ثانيا : ورد في بعض الآثار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ذكر لنبي بهذا الاسم ، ولا يصح عنه .
ومن ذلك ما أخرجه الخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" (1717)
ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (8/32)
من طريق جويبر بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس في قوله تعالى :"{ولقد آتينا موسى الكتاب} ، يعني به التوراة ، جملة واحدة مفصلة محكمة ، {وقفينا من بعده بالرسل} ؛ يعني رسولا يدعي إشمويل بن نابل ، ورسولا يدعى ميشآيل ، ورسولا يدعى شعيا بن أمصيا ، ورسولا يدعى حزقيل
ورسولا يدعى أرميا بن حلقيا وهو الخضر، ورسولا يدعى داود بن إيشا وهو أبو سليمان ، وهو من المرسلين ورأس العابدين ، ورسولا مرسلا يدعى المسيح عيسى بن مريم ، فهؤلاء الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم للأمة بعد موسى بن عمران ، وأخذ عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدوا إلى أمتهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم وصفة أمته ".
وإسناده ضعيف جداً ، لما يلي :
1- فيه الضحاك بن مزاحم ، حسن الحديث
كما قال الذهبي في "ديوان الضعفاء" (1984)
إلا أنه لم يلق ابن عباس ، وحديثه عنه منقطع ، كان شعبة ويونس بن عبيد والإمام أحمد ينكرون أن يكون لقي ابن عباس
نقل ذلك عنهم العلائي في "جامع التحصيل" (304).
2- فيه جويبر بن سعيد ، متروك الحديث ، قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (2/124)
:" قال النسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني متروك وقال النسائي في موضع آخر ليس بثقة ... وقال الحاكم أبو أحمد : ذاهب الحديث . وقال الحاكم أبو عبد الله : أنا أبرأ إلى الله من عهدته ". اهـ .
ثم ولو صح سنده لم يكن – بمجرده – حجة ؛ لأن عبد الله بن عباس كان يأخذ عن كعب الأحبار
كما قال ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص182)
فيحتمل أن يكون ذلك مما تلقاه عنهم .
3- قد ورد ذكره عن وهب بن منبه ، كما عند ابن أبي حاتم في تفسيره (14758) أنه
قال :" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ أَشْعِيَا ، أَنْ قُمْ فِي قَوْمِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنِّي مُطْلِقٌ لِسَانَكَ بِوَحْيٍ ... " . فذكر حديثا مطولا ، وفيه وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، والبشارة بمبعثه .
ووهب بن منبه من التابعين ، وكان ممن ينقل عن أهل الكتاب
قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/334)
:" وكان صدوقاً عالماً ، قد قرأ كتب الأولين ، وعرف قصص الأنبياء عليهم السلام ، وكان يُشبَّه بكعب الأحبار فِي زمانه ، وكلاهما تابعيّ ". اهـ
وأشعياء مشهور ذكره عند أهل الكتاب كنبي من أنبياء بني إسرائيل ، بل له سفر باسمه فيما يدعى بالعهد القديم يسمى " سفر أشعياء " .
والحاصل :
أنه ليس عندنا دليل على "إثبات" نبوة "أشعياء" ، أو نفيها .
ووروده في كتب التفسير عندنا مأخوذ عن بني إسرائيل ، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن بالتحديث عن بني إسرائيل ، دون تصديق أو تكذيب ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم :" « بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ » . أخرجه البخاري (3461) ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم :" إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ ".
أخرجه أبو داود في "سننه" (3644)
وقد حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2800) .
قال الخطابي في "معالم السنن" (4/187) :
" ليس معناه إباحة الكذب في أخبار بني إسرائيل ورفع الحرج عمن نقل عنهم الكذب ، ولكن معناه الرخصة في الحديث عنهم ، على معنى البلاغ، وإن لم يتحقق صحة ذلك بنقل الإسناد ، وذلك لأنه أمر قد تعذر في اخبارهم لبعد المسافة ، وطول المدة ، ووقوع الفترة بين زماني النبوة ". اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (13/366)
:" وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الإسرائيلية تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِقَادِ ؛ فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا : مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ : فَذَاكَ صَحِيحٌ. و"الثَّانِي" : مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ ، بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يُخَالِفُهُ. و" الثَّالِثُ ": مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ، لَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ؛ فَلَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَذِّبُهُ ، وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ ". اهـ
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 04:44
حول صحة أثر [ كل مصيبة بعدك جلل]
السؤال
: ما صحة هذه القصة ؟
روى الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه. أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وزوجها وأخوها وابنها في غزوة أحد فقالت ما فعل رسول الله قالوا أمامك..[فقالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب] وفي السيرة النبوية لابن هشام والبداية والنهاية لابن كثير عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
أنها امرأة من بني دينار أصيب زوجها وأخوها وأبوها في أحد.. قالت، ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين ،قالت أرونيه حتى انظر إليه. فأشير لها حتى إذا رأته قالت [ كل مصيبة بعدك جلل] هل لهذا الأثر إسناد متصل صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث ضعيف لأنه مرسل .
أخرجه الطبري في "تاريخه" (2/532)
وابن المنذر في "تفسيره" (907)
والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/301)
جميعا من طريق محمد بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْن ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ فَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا يَوْمَ أُحُدٍ ، فَلَمَّا نُعُوا لَهَا ، قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمَّ فُلَانٍ ، فَقَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَأَشَارُوا لَهَا إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ ".
والحديث بهذا الإسناد مرسلٌ حسنٌ إلى إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص .
وذلك لأن فيه محمد بن إسحاق بن يسار ، وحديثه حسن إذا صرح بالتحديث كما هو معلوم ، وقد صرّح هنا بالتحديث .
وفيه عبد الواحد بن أبي عون : وثقه ابن معين ، وأبو حاتم ، والبزار ، والدارقطني ، وقال النسائي : " لا بأس به "
وقال ابن حبان يخطئ .
كذا في "تهذيب التهذيب" (6/438).
وأما إسماعيل بن محمد بن سعد فثقة ثبت ، قال ابن معين : " ثقة حجة " .
كذا في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (1/329)
إلا أن حديثه مرسل ، فإنه من طبقة التابعين .
وقد ورد الحديث منقولا في عدة مصادر وفي إسناده تصحيف وجب التنبيه عليه .
حيث جاء الحديث في المطبوع من "تفسير ابن المنذر" (907)
هكذا : عن عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد عن سعد بن أبي وقاص به .
وهو تصحيف ، حيث تمت مراجعة المخطوط (84/ب)
فإذا هو على الجادة كما ذكرنا : عن عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص به .
وكذلك ذكره ابن هشام في "السيرة" (2/99)
فقال :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ .. ثم ساق الحديث
فجعله من رواية إسماعيل بن محمد عن جده سعد بن أبي وقاص .
وأورده ابن كثير كما في المطبوع من "السيرة النبوية" (3/93)
فقال : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبى عون ، عَن إِسْمَاعِيل ، عَن مُحَمَّد ، عَن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ به .
فجعله هكذا : عن إسماعيل بن محمد بن أبي وقاص ، عن أبيه محمد ، عن جده سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .
والراجح - والله أعلم
- أن ما جاء في سيرة ابن هشام ، وسيرة ابن كثير تصحيف
وأن الصواب أنه من رواية عبد الواحد بن أبي عون ،
عن إسماعيل بن محمد به مرسلا
وذلك لما يلي :
أولا : أن كتاب "السيرة النبوية لابن كثير" مأخوذ من البداية والنهاية
وعند مراجعة "البداية والنهاية" (4/225)
التي راجعها الدكتور بشار عواد والشيخ عبد القادر الأرناؤوط وجدنا إسناد الحديث
كما هو عند الطبري والبيهقي ،
وليس كما هو منقول في "سيرة ابن كثير ".
ثانيا : أن الإمام الذهبي نقله في "تاريخ الإسلام" (2/217)
عن ابن إسحاق عن عبد الواحد عن إسماعيل به مرسلا
كما هو عند الطبري والبيهقي
فهذا يؤكد أن ما سوى ذلك تصحيف من النساخ .
وعلى هذا فيبقى الحديث على ما تقدم من أنه مرسل حسن .
وللحديث شاهد لا يُفرح به
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7499)
من طريق محمد بن شعيب عن عبد الرحمن بن سلمة الرازي
وأخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/71)
من طريق محمد بن حميد الرازي ، كلاهما عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَا
قال أَخْبَرَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ حَاصَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَيْصَةً وَقَالُوا: قُتِلَ مُحَمَّدٌ حَتَّى كَثُرَتِ الصَّوَارِخُ فِي نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَاسْتُقْبِلَتْ بِأَخَيهَا وَابْنِهَا وَزَوْجِهَا وَأَبِيهَا لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمُ اسْتُقْبِلَتْ أَوَّلًا فَلَمَّا مَرَّتْ عَلَى آخِرِهِمْ قَالَتْ: « مَنْ هَذَا؟ » قَالُوا: أَخُوكِ وَأَبُوكِ وَزَوْجُكِ وَابْنُكِ قَالَتْ:
مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » فَيَقُولُونَ: أَمَامَكَ حَتَّى ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ ثُمَّ جَعَلَتْ تَقُولُ:« بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ لَا أُبَالِي إِذَا سَلِمْتَ مَنْ عَطِبَ ».
وإسناده ضعيف جدا ، لما يلي :
أما طريق الطبراني ففيه : محمد بن شعيب التاجر
ترجم له أبو نعيم الأصبهاني في "تاريخ أصبهان" (2/222)
وقال :" يَرْوِي عَنِ الرَّازِيِّينَ بِغَرَائِبَ ". اهـ .
وحديث هذا من روايته عن الرازيين .
وفيه عبد الرحمن بن سلمة الرازي وهو " مجهول الحال "
حيث ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/241)
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، ولذا لم يعرفه الذهبي
كما في "تاريخ الإسلام" (438) .
وأما طريق أبي نعيم الأصبهاني ففيه محمد بن حميد الرازي ، وهو كذاب
كذبه أبو زرعة الرازي
كما في "المجروحين" لابن حبان (2/304)
وهو به أعلم فهو رازي مثله .
وختاما : فالحديث مع شهرته مرسل .
هذا مع التنبيه إلى أن العلم يتساهلون في أمر الأسانيد ، في أبواب السير والمغازي والتواريخ : ما لا يتساهلون في غيرها . فتذكر المراسيل ونحوها في هذه الأبواب للاعتبار ، لا سيما إذا اشتهرت عند أهل الفن – السير والمغازي – وتواردوا على ذكرها في كتبهم .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 04:52
حول صحة حديث دعاء يعقوب فقال الله له "لو كان يوسف ميتا لأحييته لك "
السؤال :
ما صحة قصة بكاء نبي الله يعقوب أربعين سنة (بقيَ يعقوب اربعين سنة يبكي وهو رجل أعمي ، سجد في ليلة من الليالي وهو يبكي ، وهو يقول في السجود
: يا رب أما ترحم ضعفي ، أما ترحم شيبتي ، أما ترحم كبر سني ، أما ترحم ذلتي ، أما ترحم فقري ، فأوحى الله له في ليلة وهو نبي مكلم قال : يا يعقوب ، وعزتي ، وجلالي ، وارتفاعي على خلقِ ، لو كان يوسف ميتاً لأحييته لك !!! فجاءته البشرى في اليوم الثاني )
الجواب :
الحمد لله
فقد ورد حديث في هذا المعنى ، لكنه حديث موضوع مكذوب .
وهذا الحديث يروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَ لِيَعْقُوبَ أَخٌ مُؤَاخٍ فَقَالَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا يَعْقُوبُ مَا الَّذِي أَذْهَبَ بَصَرَكَ؟ وَمَا الَّذِي قَوَّسَ ظَهْرَكَ؟ قَالَ: أَمَّا الَّذِي أَذْهَبَ بَصَرِي فَالْبُكَاءُ عَلَى يُوسُفَ ، وَأَمَّا الَّذِي قَوَّسَ ظَهْرِي فَالْحُزْنُ عَلَى بِنْيَامِينَ
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا يَعْقُوبُ إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: أَمَا تَسْتَحْيِي أَنْ تَشْكُوَ إِلَى غَيْرِي؟ فَقَالَ يَعْقُوبُ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
فَقَالَ جِبْرِيلُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَشْكُو يَا يَعْقُوبُ ، ثُمَّ قَالَ يَعْقُوبُ: أَيْ رَبِّ أَمَا تَرْحَمُ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ؟ أَذْهَبْتَ بَصَرِي وَقَوَّسْتَ ظَهْرِي فَارْدُدْ عَلَيَّ رَيْحَانَتِي أَشُمُّهُ شَمَّةً قَبْلَ الْمَوْتِ ثُمَّ اصْنَعْ بِي يَا رَبِّ مَا شِئْتَ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا يَعْقُوبُ إِنَّ اللَّهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَقُولُ: أَبْشِرْ وَلْيَفْرَحْ قَلْبُكَ فَوَعِزَّتِي لَوْ كَانَا مَيِّتَيْنِ لَنَشَرْتُهُمَا لَكَ
اصْنَعْ طَعَامًا لِلْمَسَاكِينِ ، فَإِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ الْمَسَاكِينُ ، وَتَدْرِي لِمَ أَذْهَبْتُ بَصَرَكَ وَقَوَّسْتُ ظَهْرَكَ وَصَنَعَ إِخْوَةُ يُوسُفَ بِيُوسُفَ مَا صَنَعُوا؟ لأَنَّكُمْ ذَبَحْتُمْ شَاةً فَأَتَاكُمْ فُلانٌ الْمِسْكِينُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمْ تُطْعِمُوهُ مِنْهَا ، فَكَانَ يَعْقُوبُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَ الْغَدَاءَ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَلَا مَنْ أَرَادَ الْغَدَاءَ مِنَ الْمَسَاكِينِ فَلْيَتَغَدَّ مَعَ يَعْقُوبَ ، وَإِذَا كَانَ صَائِمًا أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُفْطِرْ مَعَ يَعْقُوبَ ".
والحديث له عن أنس طريقان :
الطريق الأول : مداره على يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، واختلف عليه ، وبيان ذلك كما يلي :
الحديث أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 11901)
من طريق الحسن بن عرفة ، عن يحيى بن عبد الملك ، عن حفص بن عمر بن أبي الزبير ، عن أنس به .
وخالفه وهب بن بقية كما عند الطبراني في "المعجم الكبير" (2/103)
وابن أبي شيبة كما عند الحاكم في "المستدرك" (3328)
فروياه عن يحيى بن عبد الملك ، عن حصين بن عمر الأحمسي ، عن أبي الزبير ، عن أنس به .
وهنا احتمالان :
أن يكون هذا اختلاف على يحيى بن عبد الملك أو تصحيف في اسم الراوي وأنه راو واحد
ولو فرضنا أنه اختلاف
فكلا الطريقين تالف
فالأول فيه حفص بن عمر بن أبي الزبير
قَالَ فيه الْأَزْدِيّ :" مُنكر الحَدِيث ضَعِيف مَجْهُول ".
كذا في "الضعفاء والمتروكون" (943)
لابن الجوزي ، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2156) :
" لا يعرف من ذا ". اهـ .
والثاني فيه حصين بن عمر الأحمسي : متروك
قال البخاري في "الضعفاء الصغير" (83)
:" منكر الحديث " . اهـ
وقال أحمد بن حنبل :" كان يكذب "
وقال ابن معين :" ليس بشيء "
وقال أبو حاتم :" متروك الحديث " .
انظر "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/194)
وقال ابن حبان في "المجروحين" (281) :
يَرْوِي الموضوعات عَن الْأَثْبَات ". اهـ
وهناك وجه آخر من طريق يحيى بن عبد الملك ، رواه عمرو بن محمد ، عن زافر بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الملك ، واختلف عليه :
فرواه إسحاق بن راهويه كما في "المستدرك" للحاكم (3329)
عن عمرو بن محمد ، عن زافر بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الملك ، عن أنس به .
وخالف الحسينُ بن عمرو بن محمد ، والحسينُ بن علي العجلي
فروياه كما "العقوبات" (154)
لابن أبي الدنيا عن عمرو بن محمد ، عن زافر بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الملك ، عن رجل عن أنس به .
وهذا الطريق تالف أيضا ، فلو رجحنا طريق إسحاق بن راهويه : فالحديث منقطع ، حيث لم يدرك يحيى بن عبد الملك أنس بن مالك فبينهما مفاوز .
ولو رجحنا الطريق الثاني : فطريق ساقط ، حيث إن الحسين بن عمرو بن محمد ، قال فيه أبو زرعة :" كان لا يصدق ".
اهـ ، كذا في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/62) .
وأما الحسين بن علي بن الأسود العجلي فقال فيه ابن عدي في "الكامل" (499) :
" يسرق الحديث ". اهـ ، ثم فيه راو لم يسم .
الطريق الثاني :
أخرجه ابن أبي عمر في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة" (6522)
من طريق يحيى بن حميد ، عن أبان بن أبي عياش ، عن أنس به .
وإسناده تالف أيضا ، فيه أبان بن أبي عياش متروك الحديث ، قال ابن معين :" كان يكذب ".
كذا في "تاريخ ابن معين" رواية ابن محرز (1/64)
وقال النسائي :" متروك " .
كذا في "الضعفاء والمتروكون" (21) للنسائي
وقال أحمد :" منكر الحديث" ، وقال أبو زرعة :" متروك حديثه "
كذا في "الجرح والتعديل" (2/296) لابن أبي حاتم .
والحديث ضعفه ابن كثير ، فقال في "تفسيره" (4/406) :" هذا حديث غريب ، فيه نكارة ". اهـ ،
وقال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1859) :" منكر " .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 04:58
هل أحيا عيسى عليه السلام بإذن الله سام بن نوح ؟
السؤال :
أنا اقرأ في أحد من المواقع أن عيسى عليه السلام أحيا سام بن نوح عليه السلام. أنا بحث لكن لا أجد شيء عن هذا. هل هذه القصة صحيح؟
بارك الله فيك
الجواب :
الحمد لله
فإن من المعلوم أن عيسى عليه السلام قد أيده الله بكثير من الآيات
ومنها إحياء الموتى بإذن الله
كما في قوله تعالى : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) المائدة/110.
وأما محل السؤال في كون سام بن نوح ممن أحياه عيسى عليه السلام - بإذن الله - أم لا ؟
فالجواب : أنه لم يُرو في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يُروى عن بعض الصحابة ولا يثبت من ذلك شيء عنهم ، ويُروى كذلك عن بعض التابعين ولا حجة فيه ، وبين الآثار المروية خلاف هل هو سام بن نوح أم حام بن نوح ، وبيان ذلك كما يلي :
المروي عن الصحابة :
روي ذلك عن ابن عباس ، وسلمان الفارسي رضي الله عنهما .
أما حديث ابن عباس – وفيه أن الذي أحياه هو "حام بن نوح" وليس "سام"- :
فقد أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/395)
من طريق الحسين بن داود ، عن الحجاج بن محمد ، عن مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ ، عن عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
" قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلًا شَهِدَ السَّفِينَةَ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى انْتَهَى بِهِمْ إِلَى كَثِيبٍ مِنْ تُرَابٍ ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ بِكَفِّهِ ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟
قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هَذَا كَعْبُ حَامِ بْنِ نُوحٍ. قَالَ: فَضَرَبَ الْكَثِيبَ بِعَصَاهُ ، قَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ قَدْ شَابَ. قَالَ لَهُ عِيسَى: هَكَذَا هَلَكْتَ؟ قَالَ: لَا ، وَلَكِنْ مِتُّ وَأَنَا شَابٌّ ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهَا السَّاعَةُ ، فَمِنْ ثَمَّ شِبْتُ. قَالَ: حَدِّثْنَا عَنْ سَفِينَةِ نُوحٍ .. " . فذكر الخبر بطوله .
وإسناده ضعيف جدا ، فيه أكثر من علة ، منها :
الأولى : يوسف بن مهران : قال فيه الإمام أحمد :" لا يُعرف، ولا أعرف أحداً روى عنه سوى علي بن زيد ".. "
انظر تهذيب الكمال" (32/463) ، ولينه ابن حجر في "التقريب" (7886) .
الثانية : علي بن زيد بن جدعان ، ضعفه مطلقا أكثر المحدثين كالإمام أحمد ، وابن معين ، والنسائي ، وابن خزيمة ،
انظر "تهذيب الكمال" (20/437)
ولذا قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (1/344) :
" وهو ضعيف عند المحدثين ". اهـ ، ومجمل القول فيه أنه سيء الحفظ ، ويخطئ كثيرا ، حتى إنه كان يرفع الموقوفات ، إلا أنه لا يصل إلى حد الترك
ولذا قال فيه فيه قول الدارقطني حيث قال :" أنا أقف فيه لا يترك عندي. فيه لين ". كذا في "سؤالات البرقاني" (361) ، وهذا معناه أنه لين لا يترك ، وحديثه يصلح في الشواهد والمتابعات ، ولا يصلح حديثه منفردا .
وهناك سياق آخر منسوب لابن عباس ، وفيه ذكر "سام"
ذكره البغوي في "شرح السنة" (2/40)
ولم يذكر له سندا ، فقال :" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ أَحْيَا أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ ، عَازِرَ وَابْنَ الْعَجُوزِ ، وَابْنَةَ الْعَاشِرِ ، وَسَامَ بْنَ نُوحٍ .. " .
فذكر قصة مطولة ، من غير إسناد لها أصلا .
وأما حديث سلمان الفارسي :
فقد أخرجه ابن الجوزي في "المنتظم" (2/22) من طريق أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْديِّ ، عن سلمان الفارسيّ ، قال: لَمْ يَبْقَ فِي مَدِينَتِهِمْ زَمِنٌ وَلا مُبْتَلًى وَلا مَرِيضٌ إِلا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَدَعَا لَهُمْ فَشَفَاهُمُ اللَّهُ ، فَصَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوهُ ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: ابْعَثْ لَنَا مِنَ الآخِرَةِ ، قَالَ: مَنْ تُرِيدُونَ؟
قَالُوا: سَامَ بْنَ نُوحٍ ، فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا أَلْفِ سَنَةٍ ، قَالَ: تَعْلَمُونَ أَيْنَ قَبْرُهُ؟ قَالُوا: فِي وَادِي كَذَا وَكَذَا.
فَانْطَلَقُوا إِلَى الْوَادِي ، فصلى عِيسَى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ ، إِنَّهُمْ سَأَلُونِي مَا قَدْ عَلِمْتَ فَابْعَثْ لِي سَامَ بْنَ نُوحٍ ، فَقَالَ: يَا سَامُ بْنَ نُوحٍ ، قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ، ثُمَّ نَادَى مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ نَادَى الثَّالِثَةَ ، فَأَجَابَهُ ، فَنَظَرَ إِلَى الأَرْضِ قَدِ انْشَقَّتْ عَنْهُ ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ ، وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ ، هَا أَنَا ذَا قَدْ جِئْتُكَ.
فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، هَذَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ ، ابْنُ الْعَذْرَاءِ الْمُبَارَكَةِ ، رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ، فَآمِنُوا بِهِ وَاتَّبِعُوهُ .
ثُمَّ قَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَمَّا دَعَوْتَنِي جَمَعَ اللَّهُ مَفَاصِلِي وَعِظَامِي ، ثُمَّ سَوَّانِي خَلْقًا ، فَلَمَّا دَعَوْتَنِي الثَّانِيَةَ ، رَجَعَتْ إِلَيَّ رُوحِي ، فَلَمَّا دَعَوْتَنِي الثَّالِثَةَ ، خِفْتُ أَنْ تَكُونَ الْقِيَامَةَ ، فَشَابَ رَأْسِي وَأَتَانِي مَلَكٌ ، فَقَالَ: هَذَا عِيسَى يَدْعُوكَ لِتُصَدِّقَ مَقَالَتَهُ ، يَا رُوحَ اللَّهِ ، سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَرُدَّنِي إِلَى الآخِرَةِ ، فَلا حَاجَةَ لِي فِي الدُّنْيَا.
قَالَ عِيسَى: فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَكُونَ مَعِي ، قَالَ: يَا عِيسَى ، أَكْرَهُ كَرْبَ الْمَوْتِ ، مَا ذَاقَ الذَّائِقُونَ مِثْلَهُ. فَدَعَا رَبَّهُ فَاسْتَوَتْ عَلَيْهِ الأْرَضُ ، وَقَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ، فَبَلَغَ عِدَّةُ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى سَبْعَةُ آلافٍ".
وإسناده تالف ، فيه أبان بن أبي عياش " متروك الحديث " ، وكذبه بعضهم .
وأما الآثار عن التابعين ، فلا حجة فيها أصلا ، وممن روي عنه ذلك :
معاوية بن قرة :
أخرجه ابن أبي الدنيا في "من عاش بعد الموت" (59) من طريق خَلَفِ بْن هِشَامٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ مُوسَى ، سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ ، قَالَ: " سَأَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالُوا: يَا رَوْحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ إِنَّ سَامَ بْنَ نُوحٍ دُفِنَ هَاهُنَا قَرِيبًا ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَهُ لَنَا
قَالَ: فَهَتَفَ نَبِيُّ اللَّهِ بِهِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا وَهَتَفَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَقَالُوا: لَقَدْ دُفِنَ هَاهُنَا قَرِيبًا ، فَهَتَفَ نَبِيُّ اللَّهِ ، فَخَرَجَ أَشْمَطُ ، قَالُوا: يَا رَوْحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ ، نُبِّئْنَا أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ شَابٌّ ، فَمَا هَذَا الْبَيَاضُ؟ فَقَالَ لَهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا هَذَا الْبَيَاضُ؟ قَالَ: « ظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنَ الصَّيْحَةِ فَفَزِعْتُ » .
وإسناده صحيح عن معاوية بن قرة .
الزهري :
أخرجه ابن الجوزي في "المنتظم" (2/22)
من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة ، عَنِ ابْنِ الهاد ، عَنِ ابْنِ شهاب
،قَالَ: قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: أحي حام بْن نوح ، فَقَالَ: أروني قبره ، فأروه فقام فقال: يا حام بن نوح احي بإذن اللَّه ، فلم يخرج ، ثم قالها الثانية ، فإذا شق رأسه ولحيته أبيض. فَقَالَ: ما هَذَا ؟ ، قَالَ: سمعت الدعاء الأول فظننت أنه من اللَّه عز وجل ، فشاب له شقي ، ثم سمعت الثاني فعلمت أنه من الدنيا فخرجت. قَالَ: منذ كم مت؟
قَالَ: منذ أربعة آلاف سنة ما ذهبت عني سكرة الموت " .
وإسناده حسن عن الزهري ، وأما ابن لهيعة فقد رواه عنه عبد الله بن وهب ، وهو من قدماء أصحابه ، وقد روى عنه قبل احتراق كتبه ، ولذا فحديثه عنه حسن
قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (1/174) في ترجمة عبد الله بن لهيعة
:" حدث عنه ابن المبارك وابن وهب وأبو عبد الرحمن المقرئ وطائفة ، قبل أن يكثر الوهم في حديثه وقبل احتراق كتبه فحديث هؤلاء عنه أقوى وبعضهم يصححه ولا يرتقي إلى هذا ". اهـ
ومما سبق يتبين أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في كون سام بن نوح ممن أحياه عيسى عليه السلام ، وإنما يروى ذلك عن بعض الصحابة ولا يثبت عنهم أيضا ، وإنما صح عن بعض التابعين من قولهم ، والغالب أن هذا مما أخذوه عن أهل الكتاب ، وكتب تواريخ السابقين .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 05:07
في تحرير وقت نزول أوائل سورة الروم ، وبحث الروايات المتعارضة ظاهرا في ذلك
السؤال :
أخرج الترمذي في سننه روايتين ظاهرهما التعارض حيث تشير الرواية إلى أن سورة الروم نزلت بمكة ، وفي الرواية الأخرى أنها نزلت بعد غزوة بدر، فكيف التوفيق بينهما؟
الرواية الأولى هي من رواية أبو سعيد الحديث رقم : (3186 ) ، والرواية الثانية من طريق سعيد بن جبير حديث رقم : (3497) .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قبل الجواب على السؤال ينبغي التنبيه على أن بعض الآيات قد تنزل مرة واحدة ، وبعض الآيات قد تنزل مرتين أو أكثر ، أي يتكرر نزولها
وفي ذلك يقول الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" (1/29)
:" وقد ينزل الشيء مرتين ، تعظيما لشأنه ، وتذكيرا به عند حدوث سببه ؛ خوفَ نسيانه ". انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (13/340)
:" وَإِذَا ذَكَرَ أَحَدُهُمْ لَهَا سَبَبًا نَزَلَتْ لِأَجْلِهِ ، وَذَكَرَ الْآخَرُ سَبَبًا ؛ فَقَدْ يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا ، بِأَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ عَقِبَ تِلْكَ الْأَسْبَابِ ، أَوْ تَكُونَ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ ، مَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ وَمَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ ". انتهى
وبناء على ذلك : فإذا وردت الآثار بأسباب مختلفة لنزول آية واحدة ، فعلينا أن نبحث أولا عن صحة السند ، فإن صح السند فهنا احتمالان :
الأول : تكرر النزول .
الثاني : أن يكون قول الصحابي عن الآية : نزلت في كذا ، يكون معناه : أن الآية تتضمن هذا الحكم .
قال الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" (1/31) : "
وقد عرف من عادة الصحابة والتابعين ، أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا ، فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم ، لا أن هذا كان السبب في نزولها .
وجماعة من المحدِّثين : يجعلون هذا من المرفوع المسند ، كما في قول ابن عمر في قوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}.
وأما الإمام أحمد : فلم يدخله في المسند ، وكذلك مسلم وغيره ؛ وجعلوا هذا مما يقال بالاستدلال وبالتأويل ؛ فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية ، لا من جنس النقل لما وقع ". انتهى
. وهذا الأمر يعرف بالقرائن ، وجمع الروايات والآثار .
ثانيا :
أما بالنسبة للنقطة محل السؤال ، وهي ما ورد بشأن نزول أوائل سورة الروم في قوله تعالى : ( الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) . الروم/1 – 5 .
فقد ذكر السائل أنه قد ورد فيها روايتان متعارضتان ظاهرا : الأولى أنها نزلت بمكة والثانية أنها نزلت بالمدينة ، فما هو الصحيح من ذلك ؟
والجواب على ذلك : أن الصحيح أن سورة الروم مكية ، وأن هذه الآيات نزلت بمكة وليست بالمدينة ، وبيان ذلك كما يلي :
أولا : تخريج الروايتين :
الأولى
: أخرجها الترمذي في "سننه" (2935)
والطبري في "تفسيره" (18/457)
والواحدي في "أسباب النزول" (ص344)
جميعا من طريق سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَطِيَّةَ العوفي ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَنَزَلَتْ {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} ، إِلَى قَوْلِهِ: {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} قَالَ: فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِظُهُورِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ.
وهذه الرواية ضعيفة لا تصح ، لأجل عطية بن سعد العوفي ، وبيان ذلك من وجوه :
أنه ضعيف باتفاق
قال الذهبي في "ديوان الضعفاء" (2843)
:" مجمع على ضعفه ". انتهى
أنه مدلس
قال ابن حجر في "التقريب" (4616)
:" وكان شيعيا مدلسا ". انتهى
وقد عنعن الحديث عن شيخه ، فلا تقبل روايته إلا إذا صرح بالتحديث . أن روايته هنا عن أبي سعيد ، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن عطية العوفي كان يدلس اسم الكلبي إذا روى عنه في التفسير فيقول
: قال أبو سعيد ، ويقصد به الكلبي
قال الإمام أحمد كما في العلل (1/548)
:" بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير ، وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول قال أبو سعيد " . انتهى
وقال الثوري : سمعت الكلبي
قال كناني عطية أبا سعيد ".
كذا في "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد (1307)
وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/176)
:" سمع من أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَحَادِيث ، فَلمَا مَاتَ أَبُو سعيد ، جعل يُجَالس الْكَلْبِيّ ويحضر قصصه ، فَإِذا قَالَ الْكَلْبِيّ : قَالَ رَسُول الله بِكَذَا ، فيحفظه ، وكناه أَبَا سعيد ، ويروي عَنهُ . فَإِذا قيل لَهُ من حَدثَك بِهَذَا ؟
فَيَقُول : حَدثنِي أَبُو سعيد . فيتوهمون أَنه يُرِيد أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْكَلْبِيّ ، فَلَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ ، وَلَا كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب ". انتهى . والكلبي هذا هو محمد بن السائب بن بشر الكلبي ، وهو كذاب ، قال أَحْمد بن هَارُون سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن تَفْسِير الْكَلْبِيّ فَقَالَ : كذب . قلت : يحل النّظر فِيهِ ؟ قَالَ : لَا
. كذا في "المجروحين" لابن حبان (2/254).
ولذا فهذه الرواية واهية ، لا تقوم بها حجة .
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (8/207)
تعليقا على هذه الرواية :" وَفِي عَطِيَّةَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مُدَلِّسٌ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ ضَعِيفٌ ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ التَّفْسِيرَ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَيُكَنِّيه بِأَبِي سَعِيدٍ ، فَيَقُولُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، يُوهِمُ أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَحَدِيثُهُ هَذَا ضَعِيفٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، وَفِي قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ نَظَرٌ ". انتهى
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 05:08
الثانية :
أخرجها الترمذي في "سننه" (3093)
وأحمد في "المسند" (2495)
والنسائي في "السنن الكبرى" (11325)
جميعا من طريق سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم: 2] قَالَ: غُلِبَتْ وَغَلَبَتْ ، كَانَ المُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ أَهْلُ فَارِسَ عَلَى الرُّومِ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ ، فَذَكَرُوهُ لِأَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" أَمَا إِنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ "
فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ ، فَقَالُوا: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَجَلًا ، فَإِنْ ظَهَرْنَا كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا ، وَإِنْ ظَهَرْتُمْ كَانَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا ، فَجَعَلَ أَجَلًا خَمْسَ سِنِينَ ، فَلَمْ يَظْهَرُوا ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ:" أَلَا جَعَلْتَهُ إِلَى دُونَ " - قَالَ: أُرَاهُ العَشْرَ ، قَالَ سَعِيدٌ: وَالْبِضْعُ مَا دُونَ العَشْرِ - قَالَ: ثُمَّ ظَهَرَتِ الرُّومُ بَعْدُ. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1]- إِلَى قَوْلِهِ - {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} [الروم: 4] قَالَ سُفْيَانُ: «سَمِعْتُ أَنَّهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ ".
وهذا الحديث صحيح ، وقد صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (7/365)
في أثناء تخريجه لحديث برقم (3354)
فتبين بذلك أن الصحيح من الناحية الحديثية أن نزول سورة الروم كان بمكة ، وليس بالمدينة .
ثانيا : اتفق المفسرون على أن سورة الروم مكية
حيث قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (14/1)
:" سُورَةُ الرُّومِ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ". انتهى .
وقال ابن عطية في تفسيره "المحرر الوجيز" (4/327)
:" هذه السورة مكية ، ولا خلاف أحفظه في ذلك ". انتهى .
وقال ابن الجوزي في "زاد المسير" (3/415)
:" وهي مكّيّة كلّها بإجماعهم ". انتهى .
فتبين بذلك أن اتفاق المفسرين على كونها مكية : دليل على عدم التفاتهم للرواية التي تقول إنها نزلت بالمدينة بعد غزوة بدر ، ولذا علق الطاهر بن عاشور على تلك الرواية فقال في "التحرير والتنوير" (12/39) :" وهي مكية كلها بالاتفاق ، حكاه ابن عطية والقرطبي ، ولم يذكرها صاحب ( الإتقان ) في السور المختلف في مكيتها
ولا في بعض آيها . وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري : أن هذه السورة نزلت يوم بدر فتكون عنده مدنية . قال أبو سعيد : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين وفرحوا بذلك فنزلت ) آلم غُلِبت الرُّوم ( إلى قوله ) بِنَصْرِ الله ( ( الروم : 1 5 ) وكان يقرؤها ) غَلَبت ( بفتح اللام ) ، وهذا قول لم يتابعه أحد ". انتهى .
وقد تبين من التخريج السابق : أن هذا القول : لم يصح عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه.
ثالثا : أن هذه الرواية التي ذكرها السائل والتي تفيد بنزول سورة الروم بالمدينة ، جاء فيها القراءة على هذا النحو " :" الم (1) غَلَبَتْ الرُّومُ (2) . هكذا بفتح الغين ، قال الترمذي بعد روايته الحديث :" هَكَذَا قَرَأَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ: غَلَبَتْ ". انتهى .
وهذه القراءة شاذة ، خلاف إجماع القراء
حيث قال الطبري في "تفسيره" (18/446)
:" وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1] بِضَمِّ الْغَيْنِ ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ ". انتهى .
وإذا تبين شذوذها قراءةً
فهي كذلك مخالفة في المعنى لأن قوله تعالى :" وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ". قرأ القراء جميعا " سَيَغْلِبُونَ " بفتح السين والياء ، وهكذا يكون المعنى غَلَبَت الروم فارس وهم من بعد غلبهم لفارس سيَغلبون ، فهكذا يكون المعنى فاسدا ، وإنما حتى يصح المعنى لابد من أن تقرأ الكلمة هكذا " سَيُغْلَبُون " ولا أحد يقرأ بهذا
ولذا قال الطبري في "تفسيره" (18/459) :
" وَأَمَّا قَوْلُهُ: {سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ أَجْمَعِينَ عَلَى فَتْحِ الْيَاءِ فِيهَا ، وَالْوَاجِبُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: (الم غَلَبَتِ الرُّومُ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ ، أَنْ يَقْرَأَ قَوْلَهُ: (سَيُغْلَبُونَ) بِضَمِّ الْيَاءِ ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبَتِهِمْ فَارِسَ سَيَغْلِبُهُمُ الْمُسْلِمُونَ ، حَتَّى يَصِحَّ مَعْنَى الْكَلَامِ ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْكَلَامِ كَبِيرُ مَعْنًى إِنْ فُتِحَتِ الْيَاءُ ، لِأَنَّ الْخَبَرَ عَمَّا قَدْ كَانَ ، يَصِيرُ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ أَنَّهُ سَيَكُونُ ، وَذَلِكَ إِفْسَادُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ بِالْآخَرِ ". انتهى
رابعا : أن حدوث نصر الروم في يوم بدر لا يلزم منه نزول السورة ، بل لزاما أن يسبق نزول السورة على موعد نصر الروم ، فيكون المعنى أن فارس غلبت الروم ، وفي بضع سنين سيغلب الروم فارس ، وحينئذ يفرح المؤمنون ، فكيف تنزل آيات الإعلام بالهزيمة والبشارة بالنصر ، يوم النصر ؟!
خامسا : أن تاريخ انتصار الروم على فارس مختلف فيه أصلا على ثلاثة أقوال ، قال الماوردي في "النكت والعيون" (4/298) :" واختلف في السنة التي غلبت الروم أهل فارس على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها عام بدر ظهر الروم على فارس فيه ، وظهر المسلمون على قريش فيه ، قاله أبو سعيد ، قال: فكان يوم بدر.
الثاني: أن ظهور فارس على الروم كان قبل الهجرة بسنتين ، وظهور المسلمين على قريش كان في عام بدر بعد الهجرة بسنتين ، ولعله قول عكرمة.
الثالث: عام الحديبية ظهرت الروم على فارس ، وكان ظهور المسلمين على المشركين في الفتح بعد مدة الحديبية ، قاله عبيد الله بن عبد الله ". انتهى .
والذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الجواب الصحيح" (1/278)
أنه يوم الحديبية ، حيث قال :" وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْخَبَرَ جَاءَ بِظُهُورِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَذَهَبَ آخَرُونَ أَنَّهُ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ". انتهى
وخلاصة ما سبق : أن الرواية الصحيحة هي الواردة بإثبات نزول سورة الروم في العهد المكي ، وأن الرواية الأخرى التي تفيد نزولها بالعهد المدني لا تصح ، وأن سورة الروم مكية باتفاق أهل العلم .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
suzuki19
2018-07-08, 11:23
جزاكم الله كل خير
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 15:30
جزاكم الله كل خير
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
ادام الله الخير بجودك
بارك الله فيك
وجزاك الله عني كل خير
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 15:38
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
الرد على من استدل بحديث سبيعة الأسلمية على جواز خروج المرأة سافرة متجملة
السؤال :
هناك من احتج بحديث سبيعة رضي الله عنها المخرج في كتاب البخاري : حدثني عبيدالله أن أباه كتب إلى عمر بن عبدالله يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها
وعما قال لها رسول الله حين استفتته ، فكتب عمر بن عبدالله إلى عبدالله بن عقبة يخبره أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة ـ وهو في بني عامر بن لؤي
وكان ممن شهد بدراً ـ ، وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل ، وقال لها : مالي أراك تتجملين ؟
لعلك ترجين النكاح ، إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا ، قالت سبيعَة : فلما قال لي ذلك : جمعت علي ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك
فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزوج إن بدى لي ... الحديث ، بتحليل كشف الوجة مع المكياج ، أريد شرحاً للحديث ، ورداً على هذا التأويل .
الجواب :
الحمد لله
الحديث الذي أورده السائل الكريم متفق عليه
أخرجه البخاري (3991)
ومسلم (1484)
من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ: يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ ، فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا ، وَعَنْ مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ. فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ
إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ ابْنِ خَوْلَةَ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ
فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا ، تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ ، تُرَجِّينَ النِّكَاحَ؟
فَإِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ، قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ ، وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ « فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي ، وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي » .
وفي لفظ عند أحمد في المسند (26715)
وصححه الشيخ الألباني في "التعليقات الحسان" (4283) :
" وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ ، فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ ، وَالْآخَرُ كَهْلٌ ، فَحَطَّتْ إِلَى الشَّابِّ ، فَقَالَ الْكَهْلُ: لَمْ تَحْلُلْ ، وَكَانَ أَهْلُهَا غَيْبًا ، وَرَجَا إِذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: «قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ ".
ومعنى الحديث إجمالا :
أن سُبيعة بنت الحارث الأسلمية تُوفي عنها زوجها وهي حامل ، فما هي إلا أيام ووضعت حملها ، فرأت أن العدة قد انتهت ، وأرادت أن تتزوج ، فتجملت للخطاب ، واكتحلت ، فخطبها اثنان :
أحدهما أبو السنابل وكان كهلا ، وآخر شاب ، فرغبت في الشاب ، ولم ترغب في أبي السنابل ، فلما علم بذلك أبو السنابل
أفتاها أن عدتها لم تنته بعد ، وأنه لا يحل لها الزواج الآن ، وكان أهلها غائبين ، فرجا أبو السنابل أن يعودوا فيوافقوا على زواجه
فلما سمعت سُبيعة فتوى أبي السنابل لها ، ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه ، فأخبرها أن عدتها انتهت بوضع حملها ، وأن لها أن تتزوج إن أرادت.
أما ما جاء في السؤال
من أن البعض يستدل بحديث سُبيعة هذا على جواز أن تخرج المرأة إلى الشوارع سافرة الوجه ، واضعة على وجهها المساحيق: فهذا الاستدلال فاسد ولا يصح، وبيان ذلك كما يلي:
أولا : أنه لم يرد قط في أي رواية للقصة أن سُبيعة خرجت إلى الشارع سافرة ، أو أن أبا السنابل رآها في الشارع سافرة ، بل لفظ الرواية :" فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ ".
ثانيا : أنه لم يرد قط في الرواية أنها كشفت وجهها في بيتها أمام أبي السنابل، بل الذي ورد ما يلي:
في رواية البخاري ومسلم " تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ " في رواية عبد الرزاق في المصنف (11723)
:" وَقَدِ اكْتَحَلَتْ وَلَبِسَتْ " في رواية ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3277)
" وَقَدْ تَهَيَّأْتُ لِلنِّكَاحِ وَتَخَضَّبْتُ ". قال ابن حجر في "الفتح" (9/475)
:"وفِي رِوَايَة الْأَسْوَدَ فَتَطَيَّبَتْ وَتَصَنَّعَتْ ". انتهى ، ولم أقف عليها مسندة .
فمما سبق تنحصر الروايات في كونها اكتحلت وتخضبت ولبست ، ومعلوم أنها كانت معتدة ، فرأت أن عدتها قد انقضت بوضعها جنينها ، فقامت فلبست ثوب زينة ، وتكحلت في عينها ، وخضبت كفيها ، فتركت حال المعتدة ، والمحادَّة ، وعادت إلى شأن المرأة ، وما تعتاده من زينة بيتها .
وغاية ما هنالك أن يكون أبو السنابل رآى عينيها مكتحلة وكفيها مخضبة ، وعليها ثوب غير ثياب العدة ، وليس في أي رواية أنه رأى وجهها .
ثالثا : أن أبا السنابل إنما كان من الخطاب الذين أرادوا خطبتها
ويدل على ذلك رواية البخاري (5318)
من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ ، أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا سُبَيْعَةُ ، كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا ، تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ حُبْلَى
فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ ، فَقَالَ:" وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الأَجَلَيْنِ " .
وهنا ذكر أنه خطبها فأبت أن تتزوجه ، وبذلك يتبين أنها عندما اكتحلت وخضبت كفيها ، ولبست ثيابا غير ثياب الإحداد : كان ذلك منها إعلاما للخطاب أنها انتهت عدتها ، وأنها لا مانع يمنعها من الزواج . ومن هؤلاء الذين رغبوا بها فدخل عليها خاطبا أبو السنابل .
ولذا قال ابن العطار في "العدة في شرح العمدة" (3/1337) :
" وفي الحديث أحكام: .
... ومنها: جواز تجمل المرأة للخطاب ، بشرط ألَّا يكون فيه زور في ملبس أو خَلْق ؛ من تفليج سن ، أو وصل شعر ، أو تحمير وجنة ، أو كثرة مال ، أو غير ذلك مما يُرَغِّب في نكاحها عادة ؛ فإنه كذب وغش، والله أعلم ". انتهى .
وقال ابن حجر في "الفتح" (9/475) :
" وفِيهِ جَوَازُ تَجَمُّلِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِمَنْ يَخْطُبُهَا ، لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الَّتِي فِي الْمَغَازِي : فَقَالَ مَالِي أَرَاك تجملت للخطاب . وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ : فَتَهَيَّأَتْ لِلنِّكَاحِ وَاخْتَضَبَتْ .
وَفِي رِوَايَةِ مُعَمِّرٍ عَنِ الزُّهْرِي عِنْدَ أَحْمَدَ : فَلَقِيَهَا أَبُو السَّنَابِلِ وَقد اكتحلت". انتهى .
فإذا ثبت أن أبا السنابل جاء يخطبها ، وأنها تجملت للخطاب ، وهو منهم ، فحتى لو ثبت أنها كشفت وجهها أمامه ، مكتحلة ، وقد خضبت كفيها : فهذا لا مانع من إظهاره للخاطب .
رابعا : مما يؤكد على كون ذلك التجمل كان في بيتها للخطاب :
أنها عندما أرادت الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لسؤاله واستفساره ، تهيأت لحال الخروج من البيت ؛ فجمعت عليها ثيابها وذهبت ليلا
فقد جاء في رواية البخاري :" قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ ، وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ".
قال ابن حجر في "الفتح" (9/475)
:" وفيه الرجوع في الوقائع إلى الأعلم ، ومباشرة المرأة السؤال عما ينزل بها ولو كان مما يستحي النساء من مثله . لكن خروجها من منزلها ليلا ، يكون أستر لها، كما فعلت سُبيعة ". انتهى
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 15:46
المقصود بالحديث الصحيح الذي ليس عليه العمل
وكيف يكون صحيحا وليس عليه العمل ؟
السؤال :
إذا ثبتت صحة الحديث ، ولم ير فيه علة ، أو نسخ ، أو ماشابه من القوادح في السند ، أو المتن ، فهل يجوز إهماله وعدم العمل به ؟ وقد تخالف بعض المذاهب أحاديث في الصحيحين
فيقولون : حديث ليس عليه عمل ، فما معنى ذلك وما حكمه ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قد تواترت الأدلة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووجوب تقديم قوله على قول غيره
فقال الله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) . النساء/65
وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الحجرات/1 .
والانقياد للسنة واجب محتم ، فلا تعارض السنة الصحيحة بقول أحد كائنا من كان ، قال الزهري : « سَلِّمُوا لِلسُّنَّةَ وَلَا تُعَارِضُوهَا » .
كذا في "الفقيه والمتفقه" (1/385)
للخطيب البغدادي بإسناد صحيح .
وهكذا كان دأب الأئمة جميعا لا يقدمون شيئا على قول النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ يقول سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ ، وَسَأَلَهُ ، رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَقَالَ: يُرْوَى فِيهَا كَذَا وَكَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَقُولُ بِهِ؟ فَرَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ أَرْعَدَ وَانْتَقَصَ
فَقَالَ: « يَا هَذَا ، أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي ، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي ، إِذَا رَوَيْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَلَمْ أَقُلْ بِهِ؟ نَعَمْ عَلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ ، نَعَمْ عَلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ» .
كذا في "الفقيه والمتفقه" للخطيب (1/389) .
ثانيا :
يجب التنبه إلى أنه لا يجوز لأي أحد الهجوم على النص النبوي ثم الاستنباط منه والاحتجاج به دون جمع باقي الأدلة في المسألة محل البحث ، وذلك لأن الوارد المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم منه الصحيح ومنه الضعيف
والصحيح أنواع ، فمنه ما هو محكم لم ينسخ ، ومنه ما هو منسوخ ، ومنه ما هو عام بقي على عمومه
ومنه ما دخله التخصيص ، ومنه العام المخصوص ، ومنه كذلك ما انعقد الإجماع على عدم العمل به ، وهذا ما عناه السائل بالذكر .
فمن الأحاديث الصحيحة ما انعقد الإجماع على ترك العمل بها ، أي اتفق الصحابة أو التابعون على ترك العمل بها ، وما كان كذلك فلا يجوز العمل به إن تحقق الإجماع ، وهذا منهج متفق عليه بين أهل العلم .
فقد نقل القاضي عياض في "ترتيب المدارك" (1/45)
:" قال مالك: وقد كان رجال من أهل العلم من التابعين يحدثون بالأحاديث ، وتبلغهم عن غيرهم ، فيقولون : ما نجهل هذا ؛ ولكن مضى العمل على غيره ". انتهى .
وقال ابن رجب في رسالته "فضل علم السلف على علم الخلف" (ص83) :
"فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث : فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان ، إذا كان معمولا به عند الصحابة ومن بعدهم ، أو عند طائفة منهم .
فأما ما اتفق على تركه : فلا يجوز العمل به ، لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل به ". انتهى .
أي ما كان للصحابة ومن بعدهم أن يتفقوا على ترك العمل بحديث ما ، إلا عن علم بلغهم .
ولذا فإنه من الخطر العظيم الإقدام على الحديث دون معرفة وجهه ، وخارجه ، وتفقه السلف والماضين من أهل العلم فيه .
والحديث ، الذي لا يكون عليه العمل ، مع صحته سندا : يعد من قبيل الشاذ الغريب المطروح
. قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (2/624) :
" ومن جملة الغرائب المنكرة : الأحاديث الشاذة المطرحة ، وهي نوعان:
ما هو شاذ الاسناد ، وسيذكر الترمذي فيما بعد بعض أمثلته. وما هو شاذ المتن، كالأحاديث التي صحت الأحاديث بخلافها ، أو أجمعت أئمة العلماء على القول بغيرها ". انتهى
ولذا كان العمل بالحديث قيدا مهما في الأخذ به ، فهذا ابن القاسم سئل
كما في "المدونة الكبرى" (2/117)
في أثناء جوابه عن النكاح بلا ولي :" قُلْتُ: حَدِيثُ عَائِشَةَ حِينَ زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ أَلَيْسَ قَدْ عَقَدَتْ عَائِشَةُ النِّكَاحَ؟
قَالَ: لَا نَعْرِفُ مَا تَفْسِيرُهُ ؛ إلَّا أَنَّا نَظُنُّ أَنَّهَا قَدْ وَكَّلَتْ مَنْ عَقَدَ نِكَاحَهَا .
قُلْتُ: أَلَيْسَ ، وَإِنْ هِيَ وَكَّلَتْ ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَاسِدًا ، وَإِنْ أَجَازَهُ وَالِدُ الْجَارِيَةِ؟
قَالَ: قَدْ جَاءَ هَذَا ، وَهَذَا حَدِيثٌ ؛ لَوْ كَانَ صَحِبَهُ عَمَلٌ ، حَتَّى يَصِلَ ذَلِكَ إلَى مَنْ عَنْهُ حَمَلْنَا وَأَدْرَكْنَا ، وَعَمَّنْ أَدْرَكُوا ؛ لَكَانَ الْأَخْذُ حَقًّا ، وَلَكِنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ ، مِمَّا لَا يَصْحَبُهُ عَمَلٌ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الطِّيبِ فِي الْإِحْرَامِ ، وَفِيمَا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ) ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ حَدَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَقَطَعَهُ عَلَى الْإِيمَانِ .
وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَشْيَاءُ ، ثُمَّ لَمْ يَسْتَنِدْ ، وَلَمْ يَقْوَ ، وَعُمِلَ بِغَيْرِهَا ، وَأَخَذَ عَامَّةُ النَّاسِ وَالصَّحَابَةُ بِغَيْرِهَا ؛ فَبَقِيَ غَيْرَ مُكَذَّبٍ بِهِ ، وَلَا مَعْمُولٍ بِهِ .
وَعُمِلَ بِغَيْرِهِ ، مِمَّا صَحِبَتْهُ الْأَعْمَالُ ، وَأَخَذَ بِهِ تَابِعُو النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَأُخِذَ مِنْ التَّابِعِينَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ ، مِنْ غَيْرِ تَكْذِيبٍ وَلَا رَدٍّ لِمَا جَاءَ وَرُوِيَ .
فَيُتْرَكُ مَا تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ ، وَلَا يُكَذَّبُ بِهِ . وَيُعْمَلُ بِمَا عُمِلَ بِهِ ، وَيُصَدَّقُ بِهِ .
وَالْعَمَلُ الَّذِي ثَبَتَ ، وَصَحِبَتْهُ الْأَعْمَالُ : قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" لَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِوَلِيٍّ " ، وَقَوْلُ عُمَرَ لَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِوَلِيٍّ ، وَأَنَّ عُمَرَ فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ، زَوَّجَهَا غَيْرُ وَلِيٍّ ". انتهى
فتأمل كيف علق الأمر على العمل ، فقال : فيترك ما ترك العمل به ، ولا يكذب به ، ويعمل بما عمل به ، ويصدق به .
وهذا منهج مطرد بين العلماء ، وعلى ذلك أمثلة كثيرة ، منها :
مثال (1) حديث سلمة بن المحبِّق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجل وقع على جارية امرأته : إن كان استكرهها، فهي حرة، وعليه لسيدتها مثلها. وإن طاوعته فهي له، وعليه لسيدتها مثلها".
فهذا الحديث علق عليه الإمام الخطابي في "معالم السنن" (3/331)
قال :" لا أعلم أحداً من الفقهاء يقول به ، وفيه أمور تخالف الأصول ، منها إيجاب المثل في الحيوان ، ومنها استجلاب المُلك بالزنا ، ومنها إسقاط الحد عن البدن، وايجاب العقوبة في المال .
وهذه كلها أمور منكرة لا تخرج على مذهب أحد من الفقهاء ، وخليق أن يكون الحديث منسوخاً إن كان له أصل في الرواية ". انتهى
مثال (2) حديث :" من قتل عبده قتلناه
" : هذا الحديث أورده ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/342) ثم قال : " وقد طعن فيه الإمام أحمد وغيره ، وقد أجمعوا على أنَّه لا قصاص بين العبيدِ والأحرار في الأطراف ، وهذا يدلُّ على أنَّ هذا الحديث مطَّرَحٌ لا يُعمل به ". انتهى
مثال (3) حديث عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيصَةٍ ، إِذْ حِضْتُ ، فَانْسَلَلْتُ ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي ، قَالَ: «أَنُفِسْتِ» قُلْتُ: نَعَمْ ، فَدَعَانِي ، فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ ".
فقد علق ابن رجب في "فتح الباري" (2/24)
في أثناء شرحه لهذا الحديث فقال:" وقد اعتمد ابن حزم على هَذا الحديث ، في أن الحائض والنفاس مدتهما واحدة ، وأن أكثر النفاس ، كأكثر الحيض ، وَهوَ قول لَم يسبق إليه ، ولو كانَ هَذا الاستنباط حقاً لما خفي علي أئمة الإسلام كلهم إلى زمنه ". انتهى
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 15:48
ثالثا :
قد يقول قائل ما هو الشيء الذي عارض الحديث فجعله لا يحتج به مع صحته ؟
والجواب : إنه الإجماع الثابت أن الصحابة ومن بعدهم تركوا العمل به ، وهذا إجماع ، وما كان لهم مع سعة علمهم ودينهم وورعهم أن يتركوا العمل بالحديث المعين
إلا لعلة أخرى راجحة ، قد تكون في الحديث نفسه ، أو في غيره ، والأمة لا تجتمع على ضلالة ، ولا يجوز أن تتفق الأمة على ترك الحق ، وهذا هو وجه الاستدلال في هذه القضية .
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في "الموافقات" (3/252 ، 280 )
:" كُلُّ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا بِهِ فِي السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، دَائِمًا ، أَوْ أَكْثَرِيًّا ، أَوْ لَا يَكُونُ مَعْمُولًا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا ، أَوْ فِي وَقْتٍ مَا ، أَوْ لَا يَثْبُتُ بِهِ عَمَلٌ ؛ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ...
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَثْبُتَ عَنِ الْأَوَّلِينَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِهِ عَلَى حَالٍ ؛ فَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَالْأَدِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ جَارِيَةٌ هُنَا بِالْأَوْلَى .
وَمَا تَوَهَّمَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى مَا زَعَمُوا : لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ ؛ إِذْ لَوْ كَانَ دَلِيلًا عَلَيْهِ؛ لَمْ يَعْزُبْ عَنْ فَهْمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، ثُمَّ يَفْهَمُهُ هَؤُلَاءِ .
فَعَمَلُ الْأَوَّلِينَ - كَيْفَ كَانَ - مُصَادِمٌ لِمُقْتَضَى هَذَا الْمَفْهُومِ ، وَمُعَارِضٌ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ تَرْكَ الْعَمَلِ؛ فَمَا عَمِلَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ : مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأَوَّلِينَ ؛ وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ ؛ فَهُوَ مُخْطِئٌ .
وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَة ، فَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ ؛ فَهُوَ السُّنَّةُ وَالْأَمْرُ الْمُعْتَبَرُ ، وَهُوَ الْهُدَى ، وَلَيْسَ ثَمَّ إِلَّا صَوَابٌ أَوْ خَطَأٌ ؛ فَكُلُّ مَنْ خَالَفَ السَّلَفَ الْأَوَّلِينَ فَهُوَ عَلَى خَطَأٍ ، وَهَذَا كافٍ ". انتهى .
وقال الجويني في "البرهان" (2/761)
إن تحققنا بلوغ الخبر طائفة من أئمة الصحابة ، وكان الخبر نصا لا يطرق إليه تأويل ، ثم ألفيناهم يقضون بخلافه ، مع ذكره والعلم به = فلسنا نرى التعلق بالخبر ، إذ لا محمل لترك العمل بالخبر إلا الاستهانة والإضراب
وترك المبالاة ، أو العلم بكونه منسوخا ، وليس بين هذين التقديرين لاحتمال ثالث مجال .
وقد أجمع المسلمون قاطبة على وجوب اعتقاد تبرئتهم عن القسم الأول ؛ فيتعين حمل عملهم، مع الذكر والإحاطة بالخبر، على العلم بورود النسخ .
وليس ما ذكرنا تقديما لأقضيتهم على الخبر ، وإنما هو استمساك بالإجماع على وجوب حمل عملهم على وجه يمكن من الصواب ، فكأنا تعلقنا بالإجماع في معارضة الحديث .
وليس في تطريق إمكان النسخ إلى الخبر : غض من قدره عليه السلام ، وحط من منصبه ، وقد قدمنا في كتاب الإجماع : أن الإجماع في نفسه ليس بحجة ، ولكن إجماع أهله يشعر بصدر ما أجمعوا عليه عن حجة ". انتهى
رابعا :
يجب التنبه إلى أمر مهم ، متعلق بتحقق الإجماع على ترك العمل ، إذ إنه كثيرا ما يُنقل الإجماع على أمر ما ويكون الإجماع منتقدا ، ويثبت أن الحديث معمول به ، وأن غاية الأمر عند من نقل الإجماع ، هو عدم العلم بالمخالف .
وهذا ابن حزم قد صنف كتاب مراتب الإجماع ، وهو من أقوى الكتب في بابه كما هو معلوم ، إلا أنه قد تتبعه شيخ الإسلام ، فوافقه على كثير وعارضه في بعضها .
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "نقد مراتب الإجماع" (ص302)
:" وقد ذكر رحمه الله تعالى إجماعاتٍ من هذا الجنس في هذا الكتاب ، ولم يكن قصدنا تتبع ما ذكره من الإجماعات التي عُرف انتقاضها ، فإن هذا يزيد على ما ذكرناه. مع أن أكثر ما ذكره من الإجماع هو كما حكاه ، لا نعلم فيه نزاعا
وإنما المقصود : أنه مع كثرة اطلاعه على أقوال العلماء ، وتبرزه في ذلك على غيره ، واشتراطه ما اشترطه في الإجماع الذي يحكيه = يظهر فيما ذكره في الإجماع نزاعات مشهورة
وقد يكون الراجح في بعضها خلاف ما يذكره في الإجماع .
وسبب ذلك: دعوى الإحاطة بما لا يمكن الإحاطة به ، ودعوى أنَّ الإجماع الإحاطي هو الحجة لا غيره .
فهاتان قضيتان لا بد لمن ادعاهما من التناقض ، إذا احتج بالإجماع ". انتهى
خامسا :
فإن قال قائل : فإن لم يكن قد جرى العمل بهذا الحديث فلماذا رواه أهل السنن ؟
وجواب ذلك ما ذكره القاضي عياض في "ترتيب المدارك" (1/45)
عن ابن الماجشون أحد أكابر علماء المالكية ، فقال :" قال ابن المعذَّل : سمعت إنساناً سأل ابن الماجشون : لمَ رويتم الحديث ثم تركتموه؟ قال: ليُعْلَم أنا على علم تركناه ". انتهى
سادسا :
يتعلق بهذه المسألة خطأ شائع عند بعض طلاب العلم، من العمل بالحديث فور ثبوته عندهم حتى لو لم يقفوا على عمل أحد من أهل العلم به قبلهم ، وهذا غلط .
فهذا الإمام الذهبي ذكر في "سير أعلام النبلاء" (16/405)
في ترجمة الدَّارَكِي عَبْد العَزِيْزِ بن عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ قال :" قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ يُتَّهَمُ بِالاِعْتِزَالِ ، وَكَانَ رُبَّمَا يَخْتَارُ فِي الفَتْوَى ، فيُقَال لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَيَقُوْلُ: وَيْحَكمْ! حَدَّثَ فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا وَكَذَا ، وَالأَخْذُ بِالحَدِيْثِ أَوْلَى مِنَ الأَخْذِ بِقَولِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيْفَةَ .
قُلْتُ ( أي الذهبي ) : هَذَا جَيِّدٌ . لَكِنْ بِشَرْطِ :
أَنْ يَكُونَ قَدْ قَالَ بِذَلِكَ الحَدِيْثِ إِمَامٌ مِنْ نُظَرَاءِ الإِمَامَيْنِ مِثْلُ مَالِكٍ ، أَوْ سُفْيَانَ ، أَوِ الأَوْزَاعِيِّ
وَبأَنْ يَكُونَ الحَدِيْثُ ثَابِتاً سَالِماً مِنْ عِلَّةٍ .
وَبأَنْ لاَ يَكُونَ حُجَّةُ أَبِي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيِّ حَدِيْثاً صحيحاً معَارضاً للآخَرِ.
أَمَّا مَنْ أَخَذَ بِحَدِيْثٍ صَحِيْحٍ ، وَقَدْ تنكَّبَهُ سَائِرُ أَئِمَّةِ الاِجتهَادِ : فَلاَ .
كَخَبَرِ:" فَإِنْ شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ " ، وَكَحَدِيْثِ :" لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ ". انتهى
وختاما :
رحم الله الإمام أحمد بن حنبل عندما قال ناصحا أحد طلابه :" إِيَّاكَ أَنْ تَتَكلّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيْهَا إِمَامٌ ".
انظر "سير أعلام النبلاء" (11/296) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 16:05
حول صحة حديث عن الدجال
السؤال :
اطلعت على حديث طويل فى أحد المواقع الإسلامية ونسب لمسند أبي شيبة ، قال عثمان أبى العاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: ( يكون للمسلمين ثلاثة أمصار : مصر بملتقى البحرين ، ومصر بالجزيرة ، ومصر بالشام ، فيفزع الناس ثلاث فزعات فيخرج الدجال .....
الحديث هل صح ثبوت هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وماهو معناه على فرضية عدم صحته ؟
وهل صحت أقوال عن السلف فى ثبوت والدين للدجال غير أحادبث بن صياد ؟
وانتشر فى مواقع التواصل أن الدجال عينة كأنها نخأمة على حائط مخصص ، فهل ثبت هذا الوصف ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
المسيح الدجال من أعظم الفتن التي تكون آخر الزمان ، وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله منها
وقد جاء في السنة الأحاديث الكثيرة الصحيحة في وصفه وصفا دقيقا ، وهناك أحاديث أخرى ضعيفة ومنها الموضوع المكذوب في شأنه أيضا ، ومن أراد الازدياد فليرجع إلى كتاب "قصة المسيح الدجال" للشيخ الألباني رحمه الله فإنه نافع في بابه .
أما الحديث الذي أورده السائل فهو ضعيف
ولم يخرجه ابن أبي شيبة في مسنده
وإنما أخرجه أحمد في "مسنده" (17900)
والطبراني في "المعجم الكبير" (9/60)
وابن أبي شيبة في "مصنفه" (37478)
وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/197)
من طريق حماد بن سلمة عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، قَالَ:
أَتَيْنَا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ لِنَعْرِضَ عَلَيْهِ مُصْحَفًا لَنَا عَلَى مُصْحَفِهِ ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ أَمَرَنَا فَاغْتَسَلْنَا ، ثُمَّ أُتِينَا بِطِيبٍ فَتَطَيَّبْنَا ، ثُمَّ جِئْنَا الْمَسْجِدَ ، فَجَلَسْنَا إِلَى رَجُلٍ ، فَحَدَّثَنَا عَنِ الدَّجَّالِ ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ ، فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
( يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ أَمْصَارٍ: مِصْرٌ بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ ، وَمِصْرٌ بِالْحِيرَةِ ، وَمِصْرٌ بِالشَّامِ ، فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ ، فَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ ، فَيَهْزِمُ مَنْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ .
فَأَوَّلُ مِصْرٍ يَرِدُهُ الْمِصْرُ الَّذِي بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ ، فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُشَامُّهُ ، نَنْظُرُ مَا هُوَ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ ، وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ ، وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ .
ثُمَّ يَأْتِي الْمِصْرَ الَّذِي يَلِيهِ فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُشَامُّهُ وَنَنْظُرُ مَا هُوَ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ بِغَرْبِيِّ الشَّامِ .
وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَقَبَةِ أَفِيقٍ ، فَيَبْعَثُونَ سَرْحًا لَهُمْ ، فَيُصَابُ سَرْحُهُمْ ، فَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَتُصِيبُهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ ، وَجَهْدٌ شَدِيدٌ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُحْرِقُ وَتَرَ قَوْسِهِ فَيَأْكُلُهُ ،
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّحَرِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَاكُمُ الْغَوْثُ ، ثَلَاثًا ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا لَصَوْتُ رَجُلٍ شَبْعَانَ ، وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ: يا رُوحَ اللهِ ، تَقَدَّمْ صَلِّ ، فَيَقُولُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي ، فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ ، أَخَذَ عِيسَى حَرْبَتَهُ
فَيَذْهَبُ نَحْوَ الدَّجَّالِ ، فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ ، فَيَضَعُ حَرْبَتَهُ بَيْنَ ثَنْدُوَتِهِ ، فَيَقْتُلُهُ وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ ، فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا ، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتَقُولُ يَا مُؤْمِنُ ، هَذَا كَافِرٌ وَيَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ ". انتهى
وإسناده ضعيف
لأجل علي بن زيد بن جدعان
فقد ضعفه أحمد وابن معين والنسائي
انظر "تهذيب الكمال" (20/437)
وقال ابن سعد في "الطبقات" (7/252)
:" كَانَ كَثِيرَ الْحَدِيثِ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ "
وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (6/187)
:" ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به "
. وقال ابن حبان في "المجروحين" (673) :
" وَكَانَ يهم فِي الْأَخْبَار ويخطئ فِي الْآثَار حَتَّى كثر ذَلِك فِي أخباره وَتبين فِيهَا الْمَنَاكِير الَّتِي يَرْوِيهَا عَن الْمَشَاهِير فَاسْتحقَّ ترك الِاحْتِجَاج بِهِ "
وقال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (428) :
" وهو ضعيف عند المحدثين ".
والحديث ضعفه البوصيري في "إتحاف الخيرة" (8/141)
فقال :" رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَأَبُو يَعْلَى ، وَمَدَارُ أَسَانِيدِهِمْ عَلَى ابْنِ جُدْعَانَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ". انتهى .
وقال الشيخ الألباني في "قصة المسيح الدجال" (ص96)
:" ورجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن زيد - وهو ابن جدعان - وهو ضعيف ". انتهى
وقد وردت متابعة له لكنها لا تصح
من طريق أيوب السختياني
أخرجها الحاكم في "المستدرك" (8473)
من طريق سعيد بن هبيرة قال ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ ، وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ به .
وهذا الطريق ضعفه الذهبي ، كما في "مختصر تلخيص الذهبي" لابن الملقن (111)
فقال :" قلت: فيه سعيد بن هبيرة ، وهو واه ". انتهى .
وسعيد هذا قال فيه ابن حبان في "المجروحين" (406)
:" كَانَ مِمَّن رَحل وَكتب ، وَلَكِن كثيرا مَا يحدث بالموضوعات عَن الثِّقَات : كَأَنَّهُ كَانَ يَضَعهَا ، أَوْ تُوضَع لَهُ فيجيب فِيهَا ، لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال ". انتهى .
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 16:06
ثانيا :
بعض الجمل التي وردت في الحديث لها شواهد ، في الأحاديث الثابتة .
فمن ذلك ما يلي :
قوله :" وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ ، وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ " .
لها شاهد عند مسلم في صحيحه (2944) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ ، سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ " .
قوله :" وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ: يا رُوحَ اللهِ ، تَقَدَّمْ صَلِّ ، فَيَقُولُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي ".
لها شاهد عند مسلم في صحيحه (156) من حديث جابر بن عبد الله مرفوعا ، وفيه :" فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا ، فَيَقُولُ: لَا ، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ".
قوله :" فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ ، أَخَذَ عِيسَى حَرْبَتَهُ ، فَيَذْهَبُ نَحْوَ الدَّجَّالِ ، فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ، ذَابَ ، كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ ".
لها شاهد عند مسلم في صحيحه (2897)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ، وفيه :" فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّهُمْ ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ " .
قوله :" وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ ، فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا ، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتَقُولُ يَا مُؤْمِنُ ، هَذَا كَافِرٌ وَيَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ ".
لها شاهد من حديث أخرجه مسلم في صحيحه (2922)
من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ ، إِلَّا الْغَرْقَدَ ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ".
ثالثا :
وأما على فرض صحة الحديث ، وهو ضعيف كما قدمنا ، فمعناه على النحو التالي :
يكون للمسلمين ثلاثة أمصار ، وهي المدن التي استحدثت ولم تكن من قبل ، فيخرج المسيح الدجال في أعراض الناس ، وفي لفظ " في عراض جيش" ،
قال السندي في "حاشيته على مسند الإمام أحمد" (4/278) :
" أي في نواحيهم لا في خواصهم " .
فيهزم الدجالُ الجيش الذي يقابله من قبل المشرق
ثم يذهب إلى هذه الأمصار
ويكون مع الدجال سبعون ألفا عليهم السيجان وهي الطيلسان الخضر
قال ابن الأثير في "النهاية" (2/432)
:" السّيجان جمع ساجٍ وهو الطَّيْلَسَان الأخَضَرُ . وقيل هو الطيلسان المقوَّر يُنسَج كذلك ، كأنّ القَلانِس كانت تُعْمل منها أو من نوعِها ". انتهى .
وأكثر أتباعه من اليهود والنساء ، فأول مصر يدخله ، هو المصر الذي بملتقى البحرين ، فينقسم أهل ذاك المصر إلى ثلاث فرق : الأولى تقول " نشامه "
قال السندي في "حاشيته" (4/278) :
" بتشديد الميم وضم حرف المضارعة ، أي نختبره وننظر ما عنده ". انتهى .
وفرقة تلحق بالأعراب ، والفرقة الثالثة تنحاز بالمصر الي يليهم .
ثم يأتي المصر الذي يليه ، فينقسم أهله ثلاث فرق ، فرقة تشامه ، أي تختبر ما عنده ، وفرقة تلحق بالأعراب ، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليه غربي الشام .
وينحاز ، أي : يجتمع - كما قال السندي في "حاشيته" (4/278)
- المسلمون إلى عَقبة أَفِيق ، وهو موضع بنواحي الأردن
قال الزبيدي في "تاج العروس" (25/15)
:" بينَ حَورانَ والغَوْرِ ، وهو الأرْدُنُّ ، ومنه عَقَبَةُ أفِيقٍ ". انتهى .
فيبعثون سرحا ، قال السندي في "حاشيته" (4/278)
:" أي : ماشية ".
فتصاب هذه الماشية ، ويأخذهم جوع ، وجهد شديد ، حتى إن أحدهم ليُحرق وتر القوس ليأكله!!
وبينما هم في هذه الشدة والجوع ، إذ سمعوا مناديا في وقت السحر يقول :" أتاكم الغوث " ثلاثا... ؛ فحينئذ ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند صلاة الفجر
فيقدمه الأمير للصلاة فيأبى المسيح عيسى عليه السلام ، ويصلي الأمير بالناس ، ثم يأخذ عيسى عليه السلام حربته ، ويذهب إلى الدجال فإذا رأى الدجالُ المسيحَ عيسى ذاب الدجال كما يذوب الملح
فيقتل المسيحُ عيسى عليه السلام الدجالَ بحربته حتى تقع في ثندوته وهي لحم الثدي .
قال ابن منظور في "لسان العرب" (3/106)
:" الثُّنْدُوَةُ لحم الثَّدْي ، وقيل : أَصله . وقال ابن السكيت هي الثَّنْدُوَة، للحم الذي حول الثَّدْي ". انتهى ، وينهزم أصحاب الدجال من اليهود ، وينطق الحجر والشجر فيقول :" يا مؤمن هذا كافر ".
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 16:07
رابعا :
وأما سؤال السائل الكريم عن والدَي الدجال غير ما جاء في أحاديث ابن صياد ، فلم نقف على شيء مسند ، أو قول لبعض السلف في والدي الدجال ، إلا ما ورد في شأن ابن صياد .
وقد سبق بيان الخلاف في "ابن صياد" ، وهل هو الدجال أم لا ؟ في جواب السؤال القادم
خامسا :
وأما ما جاء في السؤال عن عين الدجال أنها كنخأمة على حائط مخصص :
فقد ورد في ذلك حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، رُوي عنه من طريقين ، كلاهما ضعيف ، واللفظ الوارد في الطريق الأول :" كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ "
واللفظ الوارد في الطريق الثاني :" كَأَنَّهَا نُخَاعَةٌ فِي جَنْبِ حَائِطٍ ".
أما الطريق الأول فأخرجه أحمد في "مسنده" (11752)
والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (938)، من طريق مجالد بن سعيد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ
:" إِنِّي خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ ، وَأَكْثَرُ مَا بُعِثَ نَبِيٌّ يُتَّبَعُ ، إِلَّا قَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ ، وَإِنِّي قَدْ بُيِّنَ لِي مِنْ أَمْرِهِ مَا لَمْ يُبَيَّنْ لِأَحَدٍ ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَعَيْنُهُ الْيُمْنَى عَوْرَاءُ جَاحِظَةٌ ، وَلَا تَخْفَى كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ
وَعَيْنُهُ الْيُسْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، مَعَهُ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ ، وَمَعَهُ صُورَةُ الْجَنَّةِ خَضْرَاءُ ، يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ ، وَصُورَةُ النَّارِ سَوْدَاءُ تَدَّاخَنُ ".
والحديث ضعيف لأجل مجالد بن سعيد
فقد ضعفه يحيى بن سعيد القطان
كما في "الضعفاء الصغير" للبخاري (368)
والنسائي كما في "الضعفاء والمتروكون" (552)
وابن سعد في "الطبقات" (6/349)
وقال الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" (531)
:" ليس بقوي"
وقال أحمد :"
ليس بشيء يرفع حديثا كثيرا لا يرفعه الناس ، وقد احتمله الناس "
وقال ابن معين
:" لا يحتج بحديثه "
قال مرة :"
مجالد ضعيف واهي الحديث "
وقال أبو حاتم :
" لا يحتج بحديثه ، ليس مجالد بقوى الحديث "
. انظر هذه الأقوال في "الجرح والتعديل" (8/361)
وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/10) :
" وَكَانَ رَدِيء الْحِفْظ يقلب الْأَسَانِيد وَيرْفَع الْمَرَاسِيل لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ ". انتهى .
وأما الطريق الثاني فأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (1074)
وعبد بن حميد كما في "المنتخب من مسنده" (895)
والحاكم في "المستدرك" (8621)
وأحمد بن منيع في مسنده كما في "المطالب العالية" (4648)
جميعا من طرق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بنحوه .
وإسناده ضعيف جدا أيضا لأجل عطية العوفي ،
قال الذهبي في "ديوان الضعفاء" (2843)
:" مجمع على ضعفه ".
والحديث ضعفه البوصيري من الطريقين فقال في "إتحاف الخيرة" (8/136)
:" وَمَدَارُ طُرِقِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ هَذَا عَلَى عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مُخْتَصَرًا جِدًّا بِسَنَدٍ فِيهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ". انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" (13/33)
بعد ذكره رواية أبي سعيد هذه قال :" وفي سياق هذا بعض مخالفة ، وما في الصحيح أصح ". انتهى
والذي ورد في الطرق الصحيحة في صفة عينه أنها كعنبة طافية .
وهذا أخرجه البخاري (3439)
ومسلم (169)
أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلاَ إِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ".
وفي صحيح مسلم (2933)
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ (كَافِرٌ) ، ثُمَّ تَهَجَّاهَا ك ف ر ؛ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ " .
وفي صحيح مسلم أيضا (2943)
أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :" وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ".
وتفسير ذلك كما قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/521)
قال :" وقوله: " كأنَّ عينَهُ عنبة طافية "
قال الإمام: قال الأخفش: طافيةٌ بغير همز، أي ممتلئة ، قد طفَّت وبرزت
قال غيره: " وطافئةٌ " بالهمز، أي قد ذهب ضوؤها وتقبَّضت.
قال القاضي: روايتنا في هذا الحرف عن أكثر شيوخنا بغير همز ، وتفسيرها بما تقدَّم ، وهو الذى صحَّحه أكثرهم ، وأنها ناتئةٌ كنتوء حبَّة العنب من بين صواحبها .
ووقع عند بعض شيوخنا مهموزاً
وأنكره بعضهم
ولا وجه لإنكاره
وقد وصف في الحديث أنه ممسوخ العين وأنها ليست حجراءَ ولا ناتئة
وأنها مطموسة
وهذه صفة حبة العنب إذا طفئت وسال ماؤها ، وبهذا فسَّر الحرف عيسى بن دينار ، وهذا يُصحِّحُ رواية الهمز .
وعلى ما جاء في الأحاديث الأخَر: " جاحظ العين ، وكأنها كوكب "،
وفى رواية: " عوراء نحفاء، ولها حدقةٌ جاحظةٌ ، كأنها نُخاعةٌ في حائط مجصَّصٍ " تصح رواية غير الهمز .
لكن يجمع بين الأحاديث ، وتصح الروايتان جميعاً ، بأن تكون المطموسَة والممسوحة والتي ليست بحجراء ولا ناتئة : هي العوراء الطافئة بالهمز ، والعين اليُمنى على ما جاء هنا .
وتكون الجاحظة ، والتي كأنها كوكبٌ ، وكأنها نخاعة : هي الطافية بغير همز؛ العين الأخرى ، فتجتمع الروايات والأحاديث ولا تختلف .
وعلى هذا تجتمع رواية أعور العين اليمنى مع أعور العين اليسرى ، إذ كل واحدة منهما بالحقيقة عوراء ، إذ الأعور من كل شيء المعيب ، ولا سيما بما يختص بالعين، وكلا عيني الدجال معيبة عوراء
فالممسوحة والمطموسة والطافئة ، بالهمز : عوراء حقيقة . والجاحظة التي كأنها كوكب ، وهى الطافية - بغير همز - معيبة : عوراء لعيبها ، فكل واحدة منهما عوراء ، إحداهما بذهابها ، والأخرى بعيبها ". انتهى .
وقال ابن حجر في "الفتح" (13/98) :
" وَالَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَخْبَارِ : أَنَّ الصَّوَابَ فِي (طَافِيَةٍ) : أَنَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ ؛ فَإِنَّهَا قُيِّدَتْ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ بِأَنَّهَا الْيُمْنَى . وَصَرَّحَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَسَمُرَةَ وَأَبِي بَكْرَةَ : بِأَنَّ عَيْنَهُ الْيُسْرَى مَمْسُوحَةٌ ، وَالطَّافِيَةُ هِيَ الْبَارِزَةُ ، وَهِيَ غَيْرُ الْمَمْسُوحَةِ ". انتهى .
وختاما : نسأل الله تعالى أن يعصمنا والمسلمين من فتنة المسيح الدجال ، آمين .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 16:11
من هو ابن صياد ؟
وهل هو المسيح الدجال ؟
السؤال :
قرأت في بعض الأحاديث كلاما عن شخصية عجيبة ظهرت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واسمه ابن صياد أو ابن صائد فمن هو هذا الرجل وما حقيقته ؟.
الجواب :
الحمد لله
ابن صياد اسمه : صافي ، وقيل عبد الله بن صياد أو صائد .
كان من يهود المدينة ، وقيل من الأنصار ، وكان صغيراً عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . وقيل إنه أسلم .
وكان ابن صياد دجّالاً ، وكان يتكهن أحياناً فيصدق ويكذب ، فانتشر خبره بين الناس ، وشاع أنه الدجال . فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطّلع على أمره ويتبين حاله ،
فكان يذهب إليه مختفياً حتى لا يشعر به رجاء أن يسمع منه شيئاً ، وكان يوجه إليه بعض الأسئلة التي تكشف عن حقيقته . وقد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ فُقِدَ ابن صياد يوم الحرّة .
قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن صياد
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ
لابْنِ صَيَّادٍ تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَضَهُ وَقَالَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ فَقَالَ لَهُ مَاذَا تَرَى قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ ثُمَّ
قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ هُوَ الدُّخُّ فَقَالَ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ وَقَالَ سَالِمٌ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ فَرَآهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ يَعْنِي فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ أَوْ زَمْرَةٌ فَرَأَتْ أمُّ ابْنِ صَيّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لابْنِ صَيَّادٍ يَا صَافِ وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ هَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ . رواه البخاري 1355
قَوْله : " أُطُم " بِضَمَّتَيْنِ بِنَاء كَالْحِصْنِ .
وَ " مَغَالَة " بَطْن مِنْ الأَنْصَار ,
وَقَوْله " فَرَفَضَهُ " أَيْ تَرَكَهُ ,
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُرِيد أَنْ يَسْتَغْفِلهُ لِيَسْمَع كَلامه وَهُوَ لا يَشْعُر .
قَوْله : ( لَهُ فِيهَا رُمْزَة أَوْ زُمْرَة ) وفي رواية زَمْزَمَة
بِمَعْنَى الصَّوْت الْخَفِيّ , أو تَحْرِيك الشَّفَتَيْنِ بِالْكَلامِ ، أو الكلام الغامض .
يُنظر فتح الباري شرح الحديث المتقدّم في كتاب الجنائز من صحيح البخاري
*هل ابن صياد هو الدجال الأكبر ؟
في الحديث السابق - الذي فيه بعض أحوال ابن صياد وامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له - ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متوقفاً في أمر ابن صياد ، لأنه لم يُوحَ إليه أنه الدجّال ولا غيره .
وكان كثير من الصحابة يظنون أن ابن صياد هو الدجال . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يحلف أنه الدجال بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وحضرة الصحابة ، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . ففي الحديث عن محمد بن المنكدر قال : "
رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ الدَّجَّالُ . قُلْتُ : تَحْلِفُ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
رواه البخاري برقم 6808 .
وقد حصلت لابن عمر قصّة عجيبة مع ابن صائد وردت في صحيح الإمام مسلم عن نَافِعٍ قَالَ لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ ابْنَ صَائِدٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ قَوْلا أَغْضَبَهُ فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا فَقَالَتْ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ مَا أَرَدْتَ مِنْ ابْنِ صَائِدٍ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا .
صحيح مسلم 2932
وبالرغم من ذلك فقد كان ابن صياد لما كبر يحاول الدّفاع عن نفسه ويُنكر أنه الدّجال ويُظهر تضايقه من هذه التهمة ، ويحتج على ذلك بأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من صفات الدجال لا تنطبق عليه .
ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال
: " خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ ، قَالَ : فَنَزَلْنَا مَنْزِلا فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ ، فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِي . فَقُلْتُ : إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ ؛ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ . قَالَ : فَفَعَلَ . قَالَ : فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ - قدح كبير
فَقَالَ : اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ ، فَقُلْتُ : إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ - مَا بِي إِلا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ أَوْ قَالَ آخُذَ عَنْ يَدِهِ - فَقَالَ : أَبَا سَعِيدٍ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِي النَّاسُ ، يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَفِيَ
عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمٌ ؟
أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ عَقِيمٌ لا يُولَدُ لَهُ وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِي بِالْمَدِينَةِ ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلا مَكَّةَ وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ ؟ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ : حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الآنَ
. قَالَ : قُلْتُ لَهُ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ " رواه مسلم برقم 5211 . وقال ابن صياد في رواية : " أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ الآنَ حَيْثُ هُوَ وَأَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ . وَقِيلَ لَهُ : أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ ؟ فَقَالَ : لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ " رواه مسلم برقم 5210 .
وقد التبس على العلماء ما جاء في ابن صياد ، وأشكل عليهم أمره ، فمن قائل أنه الدجال ، ومنهم من يقول أنه ليس الدجال . ومع كل فريق دليله ، فتضاربت أقوالهم كثيراً
وقد اجتهد ابن حجر في التوفيق بين هذه الأقوال ، فقال : " أقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال : أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقاً ،
وأن ابن صياد هو شيطان تبدّى في صورة الدجال في تلك المدة ، إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه ، إلى أن تجيء المدة التي قدّر الله تعالى خروجه فيها
فتح الباري ( 13 / 328 ) .
وقيل إنّ ابن صياد هو دجّال من الدّجاجلة وليس هو الدّجال الأكبر . والله تعالى أعلم.
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 16:17
حول صحة حديث
" من حفظ البقرة وآل عمران فشيخوه"
السؤال :
ما صحة الحديث المنسوب لرسول الله صلي الله عليه وسلم
: ( من حفظ البقره وآل عمران فشيخوه ) ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
ثبت في فضل سورتي البقرة وآل عمران طائفة من الأحاديث ،
منها ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (804)
من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا ، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ) .
ثانيا :
أما الحديث الذي ذكره السائل وفيه
:" من حفظ البقرة وآل عمران فشيخوه "
فهذا الحديث لا أصل له
ولا يروى بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم
لا بإسناد صحيح ولا بإسناد ضعيف .
وقريب منه حديث يروى بلفظ :
" مَنْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، وَلَمْ يُدْعَ بِالشَّيْخِ : فَقَدْ ظُلِمَ ".
قال فيه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (1161)
:" لا أصل له ".
ثالثا :
ورد في توقير وتقديم من حفظ وعلم البقرة وآل عمران على غيره عدة أحاديث ، منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو ضعيف .
فمن الصحيح ما رواه أحمد في "المسند" 12215)
وابن حبان في "صحيحه" (744)
من حديث أنس رضي الله عنه قال : ( وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، جَدَّ فِينَا ) .
وفي لفظ ابن حبان (744)
" عُدَّ فِينَا ذَا شَأْنٍ " . والحديث صحيح على شرط الشيخين .
وينظر التعليق على "المسند" ط الرسالة (19/248) .
ومنه ما أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (5/308)
من حديث عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَنَا أَصْغَرُ السِّتَّةِ الَّذِينَ وَفَدُوا عَلَيْهِ مِنْ ثَقِيفٍ ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ قَرَأْتُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ
وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/1000) .
ومن الضعيف ما أخرجه الترمذي في "سننه" (2876)
وابن خزيمة في "صحيحه" (1509)
من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:
" بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذُو عَدَدٍ، فَاسْتَقْرَأَهُمْ ، فَاسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا مَعَهُ مِنَ القُرْآنِ ، فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا ، فَقَالَ: مَا مَعَكَ يَا فُلاَنُ؟ قَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ البَقَرَةِ قَالَ: أَمَعَكَ سُورَةُ البَقَرَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ ، قَالَ: فَاذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ ".
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (864) .
رابعا :
وأما كلمة شيخ فلها إطلاقان : الأول : من شاخ في العمر ، والثاني : من استحق أن يتتلمذ عليه الطلاب ويأخذوا عنه ، قال الحافظ بدر الدين العيني في تقريظه على كتاب "الرد الوافر" لابن ناصر الدين والمطبوع معه (ص247) :"
وقد علم أن لفظة الشيخ لها معنيان : لغوي واصطلاحي: فمعناه اللغوي: الشيخ من استبان فيه الكبر ، ومعناه الاصطلاحي: الشيخ : من يصلح أن يتتلمذ عليه " . اهـ
وعلى كلٍ ؛ فإن من إجلال الله تبارك وتعالى توقير صاحب القرآن
كما جاء في الحديث الذي يرويه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن من إجلالِ الله إكرامَ ذي الشيبَةِ المسلمِ ، وحاملِ القُرآنِ غيرِ الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرَامَ ذي السُّلطَانِ المُقْسِطِ" .
والحديث حسنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (98) .
جعلنا الله من أهل القرآن الكريم ، العاملين به على الوجه الذي يرضيه عنا ، بمنه وكرمه .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 16:25
حول صحة تفسير منسوب إلى عبد الله بن عباس في قوله تعالى " وإذا النجوم انكدرت" .
السؤال :
أود أن أعلم ما مدى صحة هذا الحديث المنسوب لحبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله ابن عباس رضي الله عنه ، فقد وجدت هذا الحديث في تفسير القرطبي للآية الكريمة رقم 2 من سورة التكوير (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ) حيث يقول في التفسير:
روى أبو صالح عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( لا يبقى في السماء يومئذ نجم إلا سقط في الأرض ، حتى يفزع أهل الأرض السابعة مما لقيت وأصاب العليا )
يعني الأرض ، وروى الضحاك عن ابن عباس قال: تساقطت ، وذلك أنها قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور، وتلك السلاسل بأيدي ملائكة من نور، فإذا جاءت النفخة الأولى مات من في الأرض ومن في السماوات ، فتناثرت تلك الكواكب ،
وتساقطت السلاسل من أيدي الملائكة ؛ لأنه مات من كان يمسكها، ويحتمل أن يكون انكدارها طمس آثارها ، وسميت النجوم نجوما لظهورها في السماء بضوئها، وعن ابن عباس أيضا: انكدرت تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها ، والمعنى متقارب. وإنني لأعتقد أن هذا الحديث صحيح ؛ لأن البغوي رحمه الله قد فسر هذه الآية الكريمة بما يناسب هذا الحديث حيث قال: (وإذا النجوم انكدرت) ، أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض ، يقال: انكدر الطائر أي سقط عن عشه
قال الكلبي وعطاء: تمطر السماء يومئذ نجوماً فلا يبقى نجم إلا وقع. وأيضاً من المعروف عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أنه كان يسأل 30 صحابي بالمسألة سير أعلام النبلاء (3/344) والصحابة عموماً معروف عنهم أنهم ثقة عدول تقبل رواية الواحد منهم ، مصطلح الحديث، ص33
قال : إن الصحابة كلهم رضي الله عنهم ثقات عدول تقبل رواية الواحد منهم وإن كان مجهولاً . والله أعلم .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
القول المنسوب إلى عبد الله بن عباس رضي الله
في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) التكوير/2
والذي أورده السائل الكريم
بهذا السياق : لم نقف له على إسناد لابن عباس
وإنما أورده القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (19/228)
والنعماني في "اللباب" (20/176
وغيرهما من المتأخرين من المفسرين .
وجميع من ذكره : لم يذكر إسنادا لهذا التفسير المنقول عن ابن عباس رضي الله عنه .
وقد عزاه غير واحد إلى الكلبي وعطا
كما عند الواحدي في "التفسير الوسيط" (4/428)
قال:" قال الكلبي ، وعطاء: تمطر السماء يومئذ نجومًا ، فلا يبقى نجم في السماء إلا وقع على الأرض ، وذلك أنها في قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من النور ، وتلك السلاسل بأيدي ملائكة
فإذا مات من في السموات ومن في الأرض ، تساقطت تلك السلاسل من أيدي الملائكة ، لأنه مات من كان يمسكها ". انتهى .
ولم يذكر له إسنادا أيضا .
ثم إن القرطبي إنما نقله عن ابن عباس ،
من طريقين كلاهما مرسل .
وبيان ذلك كما يلي :
الأول : طريق أبي صالح عن ابن عباس
وهو مرسل .
قال ابن حبان في "المجروحين" (2/255) :
" أبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئا ". انتهى .
وقال ابن عدي في "الكامل" (2/258)
:" وَبَاذَامُ هَذَا عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ تَفَاسِيرُ
وَمَا أَقَلَّ مَا لَهُ مِنَ الْمُسْنَدِ .
وَهو يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وروى عنه ابْنُ أَبِي خَالِدٍ
عَن أَبِي صالح هذا
تفسيرا كثيرًا، قدر جزء ؛ وفي ذَلِكَ التَّفْسِيرِ مَا لَمْ يُتَابِعْهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَعْلَمْ أحدًا من المتقدمين رضيه ". انتهى .
الثاني : طريق الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس
وهو مرسل أيضا حيث لم يسمع الضحاك من ابن عباس شيئا
كما في "المراسيل" لابن أبي حاتم (152) .
ثانيا :
وأما المنقول عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية فقد جاء من وجهين :
الأول : ما أخرجه الطبري في تفسيره (24/133)
من طريق علي بن أبي طلحة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
{وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2] يَقُولُ:" تَغَيَّرَتْ " .
وهذا الطريق ، وإن كان فيه انقطاع
حيث لم يسمع علي بن أبي طلحة من ابن عباس
كما في المراسيل لابن أبي حاتم (508) وغيره
إلا أن بعض أهل العلم يرى أن الواسطة بين علي بن أبي طلحة وابن عباس هو مجاهد وسعيد بن جبير ، ولذا يقبلون روايته ما لم يكن فيها نكارة أو مخالفة
قال ابن حجر في "العجاب في بيان الأسباب" (1/207)
:" وعلي صدوق لم يلق ابن عباس لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة ". انتهى .
الثاني : من طريق مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قال :" تساقطت على وَجه الأَرْض ".
وهذا أورده الفيروزأبادي في "تنوير المقباس من تفسير ابن عباس " (ص502)
. ومعلوم أنه جمعه كله من هذا الطريق
وهو طريق تالف لا يصح
فيه محمد بن مروان السدي كذاب
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (8154)
:" تركوه واتهمه بعضهم بالكذب ". انتهى .
وكذلك الكلبي كذاب أيضا ، وتفسيره باطل
حيث قال الثوري : قَالَ لي الْكَلْبِيّ : مَا سمعته مني عَن أبي صَالح عَن ابن عَبَّاس فَهُوَ كذب
وقال أَحْمد بن هَارُون سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن تَفْسِير الْكَلْبِيّ فَقَالَ : كذب . قلت : يحل النّظر فِيهِ ؟
قَالَ : لَا " .
كذا في "المجروحين" لابن حبان (2/254).
ثالثا :
وأما تفسير الآية في قوله تعالى : ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) بأن معناها : تساقطت ، فهذا قول كثير من المفسرين كمجاهد ، وقتادة ، والربيع بن خثيم .
رواه عنهم الطبري في تفسيره (24/133) .
وهو قول الطبري في تفسيره (24/132)
وابن جزي في تفسيره (2/455) .
ولكن ذلك لا يدل على صحة الرواية المذكورة عن ابن عباس ، بطولها ، وتفاصيلها ؛ فإن شأن اللفظة المفردة ، التي يدرك تفسيرها من لغة العرب وكلامهم ، يختلف عن تفاصيل الأمور الغيبية ، وما يتعلق بها ، فهذه لا بد لمعرفتها من خبر ثابت ، تقوم به الحجة .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 16:32
حول قصة إسلام الصحابي الذي دخل الجنة ولم يسجد لله سجدة وهو عمرو بن أقيش
السؤال :
أرجو منكم توضيح قصة الصحابي عمير بن وقش الذي دخل الجنة
ولم يسجد لله سجدة واحدة.
الجواب :
الحمد لله
هذا الصحابي هو عمرو بن ثابت بن وقيش ، ويقال: أقيش ، بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري ، وقد ينسب إلى جده فيقال عمرو بن أقيش. وأمّه بنت اليمان أخت حذيفة. وكان يلقب أصيرم ، واستُشهد بأحد.هكذا سماه ابن حجر
في "الإصابة" (5801) .
وكان قبل إسلامه : يمنعه من الإسلام أن له مالا من الربا، يخشى إن أسلم أن يضيع عليه ، وكره أن يسلم حتى يأخذه ، فلما كانت غزوة أحد
قذف الله في قلبه الإسلام ، وجاء يسأل عن بني عمه ، وعن أناس من قومه ، فقيل له : إنهم خرجوا لقتال المشركين بأُحد ، فخرج للجهاد ، فرآه بعض المسلمين ، فقالوا له : إليك عنا ،
فقال : إني آمنت ، ثم قاتل حتى أثبتته جراحه ، وأشرف على الموت ، فحملوه إلى قومه بني عبد الأشهل ، فسألوه عن سبب مجيئه أهو حمية لقومه ، أم غضب لله ورسوله ؟ فقال : بل غضب لله ورسوله
ثم مات شهيدا ، ولم يصل لله صلاة واحدة ، ثم ذكروا أمره للنبي صلى الله عليه وسلم فشهد له بالجنة قائلا : إنه لمن أهل الجنة .
وقد ورد في قصة إسلامه واستشهاده حديثان :
الأول : أخرجه أبو داود في "سننه" (2537)
والطبراني في "المعجم الكبير" (17/39)
وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (4965)
والحاكم في "المستدرك" (2533)
والبيهقي في "السنن الكبرى" (18543)
من طريق مُوسى بن إسماعيلَ
قال حدَّثنا حمادٌ بن سلمة
قال أخبرنا محمدُ بن عَمرِو، عن أبي سَلَمةَ عن أبي هريرة:
( أن عَمرو بن أقَيْشٍ كان له رِباً في الجاهليةِ ، فكَره أن يُسلِمَ حتى يأخذَه ، فجاء يومَ أُحدٍ ، فقال: أين بنو عمّي؟ قالوا: بأُحدٍ ، قال: أين فلان؟ قالوا: بأُحدِ ، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأُحدِ ، فلبس لأمَتَه
وركبَ فرسَه ، ثم توجّه قِبَلَهم ، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عَمرو ، قال: إني قد آمنتُ ، فقاتَلَ حتى جُرِحَ ، فحُمل إلى أهله جَريحاً ، فجاءه سعدُ بن مُعاذٍ فقال لأخته: سَليه: حَميَّةَ لقومك
أَو غضباً لهم ، أم غضباً لله؟ فقال: بل غضباً لله ولِرسوله ، فماتَ ، فدخل الجنَة ، وما صلّى لله صلاةً ) .
وإسناده حسن
لأجل كلام يسير في محمد بن عمرو بن علقمة
وحديثه من رتبة الحديث الحسن
وقد حسنه الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/501)
وكذا حسنه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2288) .
الحديث الثاني :
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (23634)
وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (4964)
من طريق ابْنِ إِسْحَاقَ
قال حَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:
( كَانَ يَقُولُ: حَدِّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ سَأَلُوهُ: مَنْ هُوَ؟ فَيَقُولُ: أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ ، قَالَ الْحُصَيْنُ: فَقُلْتُ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ؟
قَالَ: كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ : بَدَا لَهُ الْإِسْلَامُ ، فَأَسْلَمَ . فَأَخَذَ سَيْفَهُ ، فَغَدَا حَتَّى أَتَى الْقَوْمَ ، فَدَخَلَ فِي عُرْضِ النَّاسِ ، فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ .
قَالَ: فَبَيْنَمَا رِجَالُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إِذَا هُمْ بِهِ ، فَقَالُوا: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ ، وَمَا جَاءَ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنَّهُ لَمُنْكِرٌ لِهَذَا الْحَدِيثَ ، فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ؟ قَالُوا: مَا جَاءَ بِكَ يَا عَمْرُو
أَحَدَبًا عَلَى قَوْمِكَ ، أَوْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ ، آمَنْتُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَأَسْلَمْتُ ، ثُمَّ أَخَذْتُ سَيْفِي ، فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ فَقَاتَلْتُ حَتَّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي ، قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ !!
فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: " إِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) .
وإسناده حسن أيضا
وصحح إسناده ابن حجر في "فتح الباري" (6/25)
وحسنه في "الإصابة" (4/501) ،
وهو أولى لأجل ابن إسحاق فحديثه في رتبة الحسن
وأما الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو فقد قال فيه أبو داود :" حسن الحديث " .
كذا في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (2/381) ،
ووثقه الذهبي كما في "الكاشف" (1123)
وأبو سفيان مولى ابن أبي أحمد
وثقه ابن حجر في "تقريب التهذيب" (8136) .
وقد جمع الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/501)
بين الحديثين فقال :" ويجمع بينه وبين الّذي قبله بأنّ الذين قالوا أوّلا : (إليك عنّا) ، قوم من المسلمين ، من غير قومه بني عبد الأشهل، وبأنهم لما وجدوه في المعركة ،
حملوه إلى بعض أهله. وقد تعيّن في الرواية الثانية من سأله عن سبب قتاله ". اهـ
فرضي الله عنه وأرضاه ، وعن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 16:41
في حكم زواج الزاني المجلود التائب من عفيفة ؟
السؤال :
لي صديق قد زنا ـ والعياذ بالله ـ وهو غير محصن ، وأخبرني أنه تاب الى الله ، وأنه كفر عن ذنبه بأن جلد نفسه 100 جلدة ، وقام بالطلب مني بالبحث عن الموضوع ، والسؤال له ، حيث أنه يريد ستر نفسه ، والزواج ، وعند البحث وجدت أن الاجماع على أن الزاني التائب يسقط عنه صفة الزنا
وله أن يتزوج من عفيفة شريفة لم يسبق لها الزنا ـ والعياذ بالله ـ ولكن توقفت بعد أن قرأت الحديث التالي : عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم
: ( ألا لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ) ، وتذكرت أنه قام بجلد نفسه ، فهل هذا الحديث يعني أنه لو تاب من الزنا ، وبما أنه أصبح مجلوداً لا يحق له الزواج إلا بمثله ؟ حيث إنني قرأت أيضا أن سيدنا علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ رفض زواج رجل مجلود من امرأة عفيفة ، وقال له : اذهب وتزوج مجلودة مثلك
كما إنني أعلم أن إقامة الحد تكفر الذنب ، والتوبة تلغي الذنب ، وهل جلده لنفسه تعتبر إقامة للحد ؟
وهل توبته بعد أن جلد نفسه تبيح له أن يستر على نفسه ، وأن يتزوج من شريفة وعفيفة لم يسبق لها الزنا ؟
أفتونا ، فالرجل يمر بحالة نفسية وعصبية متعبة ، ويخاف أن يتزوج من عفيفة ويغضب الله ، ويظلمها ، ويكون زواجه بها غير جائز ، ويعتبر زنا عافانا وعافاكم الله .
الجواب :
الحمد لله
فنسأل الله لنا ولكم وجميع المسلمين العافية مما يغضب الله تعالى ، وأن يتقبل توبة أخينا ، وأن يغفر له ما فعل ، اللهم آمين
وبداية :
فإن التوبة من الذنب لا يشترط لها إقامة الحد ، بل الأولى لمن وقع في مثل ذلك أن يستر على نفسه ، وأن يتوب بينه وبين الله تعالى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" أَيُّهَا النَّاسُ! قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ
مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ ".
أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (91)
والحاكم في المستدرك (7615)
والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (663) .
قال ابن عبد البر في الاستذكار (7/497) :
" وَفِيهِ كَرَاهَةُ الِاعْتِرَافِ بالزنى ، وَحُبُّ السَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَالْفَزَعُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّوْبَةِ ". اهـ .
وقال أيضا في "التمهيد" (5/337)
:" فَإِذَا كَانَ الْمَرْءُ يُؤْجَرُ فِي السَّتْرِ عَلَى غَيْرِهِ ، فَسَتْرُهُ على نَفْسِهِ كَذَلِكَ أَفْضَلُ ، وَالَّذِي يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ : التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ وَالنَّدَمُ عَلَى مَا صَنَعَ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْوٌ لِلذَّنْبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". اهـ .
وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (ص197)
:" من أتى ذنبا واستتر به وتاب : كان ذلك أولى من إظهاره لإقامة الحد عليه ، لأنه يفضح نفسه بالإقرار ، وقد نص على هذا أحمد ابن حنبل والشافعي ". اهـ
ثانيا : لا شك أن الحدود كفارات لأهلها
لما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" (18)
ومسلم في "صحيحه" (1709)
من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
:" بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ".
ثالثا : لا عبرة بما فعله صاحبك من جلد نفسه
ولا اعتداد بهذا الجلد في حد الزنى ، ولا يكون ذلك كفارة لما فعله ، اتفاقا .
قال البهوتي في "كشاف القناع" (6/92)
:" (وَلَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ تَغْرِيبَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَغَابَ سَنَةً ثُمَّ عَادَ لَمْ يَكْفِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ كَمَا لَوْ جَلَدَ نَفْسَهُ ". اهـ
وقال الشيخ كمال الدين الدميري الشافعي في "النجم الوهاج في شرح المنهاج" (9/118) :
" فلو جلد نفسه .. لم يكف ؛ بالاتفاق " . اهـ .
بل حكى الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله الإجماع على تحريم ذلك : أن يقيم العاصي الحد على نفسه ، وأنه غير مخاطب بذلك أصلا . قال :
" لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ بِنَفْسِ الزِّنَى، وَلَا بِنَفْسِ الْقَذْفِ، وَلَا بِنَفْسِ السَّرِقَةِ، وَلَا بِنَفْسِ الشُّرْبِ، لَكِنْ حَتَّى يَسْتَضِيفَ إلَى ذَلِكَ مَعْنًى آخَرَ - وَهُوَ ثَبَاتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، إمَّا بِعِلْمِهِ، وَإِمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، وَإِمَّا بِإِقْرَارِهِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَا يَلْزَمُهُ حَدٌّ، لَا جَلْدٌ، وَلَا قَطْعٌ أَصْلًا.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: هُوَ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ الْحُدُودُ الْمَذْكُورَةُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ لَكَانَ فَرْضًا عَلَى مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى نَفْسِهِ لِيَخْرُجَ مِمَّا لَزِمَهُ، أَوْ أَنْ يُعَجِّلَ الْمَجِيءَ إلَى الْحَاكِمِ فَيُخْبِرَهُ بِمَا عَلَيْهِ لِيُؤَدِّيَ مَا لَزِمَهُ فَرْضًا فِي ذِمَّتِهِ، لَا فِي بَشَرَتِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا بِلَا خِلَافٍ.
أَمَّا إقَامَتُهُ الْحَدَّ عَلَى نَفْسِهِ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِسَارِقٍ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ، بَلْ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْأُمَّةِ كُلِّهَا عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ كَانَ الْحَدُّ فَرْضًا وَاجِبًا بِنَفْسِ فِعْلِهِ لَمَا حَلَّ لَهُ السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا جَازَ لَهُ تَرْكُ الْإِقْرَارِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، لِيُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ مَا لَزِمَهُ." .
انتهى، من "المحلى" (12/27) .
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 16:42
رابعا: أما الحديث الذي أورده السائل الكريم فهو حديث صحيح
رواه أبو هريرة رضي الله عنه
قال: قالَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم -: " لا يَنْكِحُ الزَّاني المجلودُ إلا مِثلَه " .
والحديث أخرجه أبو داود (2052)
وأحمد في "المسند" (8300)
والحاكم في "المستدرك" (2700)
وجود إسناده ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" (3/180)
وقال ابن حجر في "بلوغ المرام" (1000)
:" رجاله ثقات " .
وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1790) .
ومعنى الحديث أن من زنى ولم يتب لا يحل له نكاح العفيفة حتى يتوب ، وكذلك من زنت ولم تتب لا يحل لها نكاح
العفيف حتى تتوب ، وأن من زنى ولم يتب ثم تزوج من عفيفة دون علمها كان لها الفسخ ، وإن علمت بفسقه وزناه وأنه لم يتب ثم رضيت به كذلك فنكاحها محرم لقوله تعالى :" وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ "
وأما الوصف بالمجلود فهذا خرج مخرج الغالب ، وإلا فالحكم لازم لكل زان في تحريم نكاح العفيفة وإن لم يجلد .
قال الصنعاني في "سبل السلام" (2/187)
:" الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُزَوَّجَ بِمَنْ ظَهَرَ زِنَاهُ ، وَلَعَلَّ الْوَصْفَ بِالْمَجْلُودِ بِنَاءً عَلَى الْأَغْلَبِ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ الزِّنَى ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالزَّانِيَةِ الَّتِي ظَهَرَ زِنَاهَا ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}النور/3 ". اهـ
إلا أن هذا الحكم ينتفي عن الزاني المجلود ، وغير المجلود ، بمجرد توبته ، فمن تاب قبلت شهادته ، ولم يَعد اسمه زانيا .
قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (1/97)
:" وَلَيْسَ يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِي الزَّانِي الْمَجْلُودِ : أَنَّ شَهَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ إذَا تَابَ ". اهـ .
وقال ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" (2/275)
:" وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَا يُسَمَّى زَانيا ". اهـ
وأما زواج الزاني المجلود – إذا صح أنه جلد - التائب من مسلمة عفيفة : فلا إشكال في جوازه أيضا ؛ وإنما المحرم هو زواج الزاني غير التائب بالعفيفة . وقد حمل الإمام الطحاوي الحديث السابق على حال هذا الثاني : أن الزاني غير التائب يحرم عليه أن يتزوج العفيفة .
قال في "شرح مشكل الآثار" (11/473) :
" ذلك عندنا والله أعلم على المجلود في الزنى ، المقيم بعد الجلد على الزنى الذي كان جلد فيه ؛ لا على تركٍ منه لذلك ، ولا نزوع منه عنه ؛ لأن وصفه صلى الله عليه وسلم إياه بالجلد
: ذِكرٌ له بحال هو عنده فيها مذموم ؛ لأن الجلد في الزنى: فيه كفارة للمجلود ، وذمه بذلك : مما يدفع أن يكون ذلك الجلد كان له كفارة ؛ إذا كان مقيما على ما يوجب عليه مثله ". اهـ
وأما الأثر المنقول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلا يصح عنه ، فقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/156) من طريق سعيد بن منصور عن هشيم عن العوام بن حوشب قال أَخْبَرَنَا الْعَلاَءُ بْنُ بَدْرٍ :
أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَصَابَ فَاحِشَةً ، فَضُرِبَ الْحَدَّ ، ثُمَّ جِيء بِهِ إِلَى عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَفَرَّقَ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ : لاَ تَتَزَوَّجْ إِلاَّ مَجْلُودَةً مِثْلَكَ ".
قال البيهقي عقبه :" هَذَا مُنْقَطِعٌ ". اهـ .
وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (550) :" سَمِعْتُ أَبْي يَقُولُ : الْعَلَاءُ بْنُ بَدْرٍ عَنْ عَلِيٍّ : مُرْسَلٌ ". اهـ
والحاصل :
أنه من ابتلي بشيء من هذه القاذورات ، الزنى وغيره ، فليستتر بستر الله ، وليتب إلى ربه توبة نصوحا ، وليعظم الرغبة غلى رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، وليستكثر من الحسنات ، ما وسعه جهده ، لعل الله أن يتقبل منه توبته ، ويكفر عنه سيئاته .
ثم إنه لا حرج عليه ، متى تاب وأناب إلى ربه ، سواء كان رجلا أو امرأة : أن يتزوج زواج العفيف .
وقد ثبت ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فيما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (10689)
من طريق طارق بن شهاب ، وفي "مصنفه" أيضا (10690)
والحارث في "مسنده" (507)
والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/155)
من طريق الشعبي ، كلاهما أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ إِلَيْهِ ابْنَةً لَهُ ، وَكَانَتْ قَدْ أَحْدَثَتْ لَهُ ، فَجَاءَ إِلَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ:" مَا رَأَيْتَ مِنْهَا؟ " قَالَ: مَا رَأَيْتُ إِلَّا خَيْرًا قَالَ:" فَزَوِّجْهَا وَلَا تُخْبِرْ " . هذا لفظ رواية طارق بن شهاب .
ولفظ رواية الشعبي :
" أَنَّ رَجُلًا ، أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّ ابْنَةً لِي وُئِدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَإِنِّي اسْتَخْرَجْتُهَا فَأَسْلَمَتْ ، فَأَصَابَتْ حَدًّا ، فَعَمَدَتْ إِلَى الشَّفْرَةِ فَذَبَحَتْ نَفْسَهَا ، فَأَدْرَكْتُهَا وَقَدْ قَطَعَتْ بَعْضَ أَوْدَاجِهَا فَدَاوَيْتُهَا فَبَرَأَتْ ، ثُمَّ إِنَّهَا نَسَكَتْ فَأَقْبَلَتْ عَلَى الْقُرْآنِ فَهِيَ تُخْطَبُ إِلَيَّ ؛ فَأُخْبِرُ مِنْ شَأْنِهَا بِالَّذِي كَانَ ؟
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:" تَعْمَدُ إِلَى سَتْرٍ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَتَكْشِفَهُ؟
لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ ذَكَرْتَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهَا : لَأَجْعَلَنَّكَ نَكَالًا لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ ؛ بَلْ أَنْكِحْهَا نِكَاحَ الْعَفِيفَةِ الْمُسْلِمَةِ ".
والأثر صحيح متصل من رواية طارق بن شهاب ، ورواية الشعبي فيها انقطاع ، إلا أن رواية طارق بن شهاب تقويها ، والمعنى واحد كما هو بين .
والله أعلم
ملخص الجواب :
من ابتلي بشيء من هذه القاذورات ، الزنى وغيره ، فليستتر بستر الله ، وليتب إلى ربه توبة نصوحا ، وليعظم الرغبة غلى رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، وليستكثر من الحسنات ، ما وسعه جهده ، لعل الله أن يتقبل منه توبته ، ويكفر عنه سيئاته . ثم إنه لا حرج عليه ، متى تاب وأناب إلى ربه ، سواء كان رجلا أو امرأة : أن يتزوج زواج العفيف .
*عبدالرحمن*
2018-07-11, 16:52
حول صحة حديث في التهنئة بدخول رمضان "
أتاكم رمضان شهر يغشاكم الله فيه، ...الحديث
السؤال
: وصلتني هذه الرسالة ، فما صحة الحديث الوارد بها ؟
هذه تهنئة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بقدوم رمضان ، وأنا أهنئكم بها ، ( أتاكم رمضان شهر يغشاكم الله فيه ، فينزل فيه الرحمة ، ويحط الخطايا ، ويستجيب الدعاء ، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله )
. بلغنا الله وإياكم صيام هذا الشهر المبارك وقيامه ، الْلَّھُم أَهِلَهُ عَليْنَا بِالْأمْنِ وَالإِيْمَانِ ، وَالْسَّلامَةِ وَالْإِسْلَامِ ، وَالْعَوْنٓ عَلَى الْصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآَنِ ، الْلَّھُمّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ
وَسَلِّمْهُ لنا ، وَتَسَلَّمْهُ مِنّا مُتَقَبَّلاً ، يٓارٓبٓ العٓالِٓمينْ ، مُبارٓكٌ علٓيْكُمْ شّٓهرُ رٓمٓضٓان .
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث المذكور : مكذوب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم :
أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2238)
والشاشي في "مسنده" (1224)
والحسن الخلال في "أماليه" (66)
والبيهقي في "القضاء والقدر" (60)
من طريق مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا ، وَحَضَرَ رَمَضَانُ:
( أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ ، فِيهِ خَيْرٌ يَغْشَاكُمُ اللَّهُ فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَيَحُطُّ فِيهَا الْخَطَايَا ، وَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الدَّعْوَةُ ، يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِيكُمْ بِمَلَائِكَةٍ ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسَكُمْ خَيْرًا ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ ) .
والحديث علته محمد بن قيس ، فإنه كذاب ، واسمه محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي الشهير بالمصلوب .
والحديث أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4783)
وقال :" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ ; وَلَمْ أَجِدْ مَنْ تَرْجَمَهُ ". اهـ .
قال الحافظ برهان الدين الناجي في "عجالة الإملاء" (2/822)
:" وشيخنا الحافظ ابن حجر أفاد بخطه على حاشية نسخته بمجمع الهيثمي : أن محمداً المذكور هو المصلوب ، وهو محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي الشامي ، روى له الترمذي وابن ماجة. كذا نسبه في تهذيب الكمال وتهذيبه وتقريبه.
وقد قيل: إنهم قلبوا اسمه على مائة وجه، ليخفى.
فقال شيخنا: قلت: "محمد بن أبي قيس هذا : هو محمد بن سعيد المصلوب ، وهو متروك متهم بالكذب ". اهـ .
وقال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (892) :" موضوع ".
وأجود من هذا الحديث الموضوع ، في هذا الباب :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه
الذي أخرجه النسائي في "سننه" (2106)
وأحمد في "مسنده" (7148)
وعبد بن حميد في "مسنده" (1429)
وابن أبي شيبة في "مصنفه" (8867)
من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ :
( أَتَاكُمْ رَمَضَانُ ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ ) .
والحديث في إسناده انقطاع
بين أبي قلابة الجرمي
وأبي هريرة رضي الله عنه ، فروايته عنه مرسلة ، كما ذكره العلائي وغيره .
لكن : حسنه الجوزقاني في "الأباطيل والمناكير" (473)
وقال الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (999)
:" صحيح لغيره "
. وينظر: حاشية "المسند" ، ط الرسالة (12/59).
والحديث يعد أصلا في جواز تهنئة الناس بعضهم بعضا برمضان
قال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف" (147) :
" وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان كما خرجه الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول
: ( قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ) .
قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان ". اهـ ،
وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/1365)
في شرحه لهذا الحديث :" وَهُوَ أَصْلٌ فِي التَّهْنِئَةِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي أَوَّلِ الشُّهُورِ بِالْمُبَارَكَةِ " . اهـ .
وفي "حاشية اللبدي" (1/99)
:" وأما التهنئة بالعيدين والأعوام والأشهر ، كما يعتاده الناس ، فلم أر فيه لأحد من أصحابنا نصًّا. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان.
قال بعض أهل العلم: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان.
قلت: وعلى قياسه تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا بمواسم الخيرات وأوقات وظائف الطاعات ". اهـ
والتهنئة بالنعم الدينية ، والدنيوية أيضا : أمر مشروع ، لا حرج فيه . وفي حديث توبة كعب بن مالك رضي الله عنه وفيه :" فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا ، يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ ، قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ
فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ ، حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ".
أخرجه البخاري (4418) ،
ومسلم (2769) .
قال ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (3/56)
:" قَالَ الْقَمُولِيُّ : لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالْأَعْوَامِ وَالْأَشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيَّ : أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ ،
وَاَلَّذِي أَرَاهُ : مُبَاحٌ ، لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ .
وَأَجَابَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا ، فَقَالَ : بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الْعِيدِ : (تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ)، وَسَاقَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ ، لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ .
ثُمَّ قَالَ : وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ بمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ ، أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ : بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ ، وَالتَّعْزِيَةِ ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ
لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ : أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ ، وَمَضَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قَامَ إلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، فَهَنَّأَهُ . أَيْ : وَأَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". اهـ .
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (3/512)
تعليقا على حديث توبة كعب :
" وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَهْنِئَةِ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ ، وَالْقِيَامِ إِلَيْهِ إِذَا أَقْبَلَ ، وَمُصَافَحَتِهِ ، فَهَذِهِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ ، وَهُوَ جَائِزٌ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ ". اهـ
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:02
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حول صحة الأثر المنسوب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما تلا قول الله عز وجل "وفاكهة وأبا" ..
السؤال
: ما صحة هذا الأثر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر (وفاكهة وأبا )، فقال هذه الفاكهة قد عرفناها ، فما الأب؟ فرجع إلى نفسه ، فقال : إن هذا لهو التكلف يا عمر . يستدل به كثير من الأساتذة
؛ لتقرير بعض الأشياء في النفس منها شيء ، المرجو الإفادة .
الجواب :
الحمد لله
الأثر صحيح عن عمر ، رواه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه ، ورواه عن أنسٍ جماعة هم ( حميد – الزهري – ثابت – قتادة – موسى بن أنس – معاوية بن قرة ) .
وبيان ذلك كما يلي :
أخرجه الطبري في "تفسيره" (24/120)
وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (688)
وسعيد بن منصور في "التفسير من سنن سعيد بن منصور" (43)
وابن أبي شيبة في "مصنفه" (30105)
والحاكم في "المستدرك" (3897)
والبيهقي في "شعب الإيمان" (2084)
جميعا من طريق حميد .
وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (3501)
والطبري في "تفسيره" (24/121)
والطبراني في "مسند الشاميين" (2989)
والحاكم في "المستدرك" (3897) ،
جميعا من طريق الزهري .
وأخرجه الطبري في "تفسيره" (24/120)
من طريق موسى بن أنس ، ومعاوية بن قرة ، وقتادة .
وأخرجه أبو طاهر المخلص في "المخلصيات" (366)
من طريق ثابت .
جميعا ( حميد – الزهري – ثابت – قتادة – موسى بن أنس – معاوية بن قرة ) عن أنس قَالَ : قَرَأَ عُمَرُ ( وفي رواية " على المنبر " : {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 1] حَتَّى أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31] قَالَ: قَدْ عَلِمْنَا مَا الْفَاكِهَةُ ، فَمَا الْأَبُّ؟ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ ، وفي رواية " بِحَسْبِنَا مَا قَدْ عَلِمْنَا " ، وفي رواية " وَاتَّبِعُوا مَا يَتَبَيَّنُ لَكُمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَمَا يَتَبَيَّنُ فَعَلَيْكُمْ بِهِ ، وَمَا لَا فَدَعُوهُ "
وفي رواية :" هَذا لَعمرُ اللهِ التَّكلُّفُ ، فخُذوا يا أيُّها الناسُ ما بُيِّنَ لكم مِنه ، فَما عرفتُم فاعمَلوا بهِ ، وما لم تَعرِفوا فَكِلوا عِلمَه إلى اللهِ عزَّ وجلَّ " .
والأثر صحيح عن عمر رضي الله عنه
صححه الجوزقاني في "الأباطيل والمناكير" (2/356)
وابن كثير في "مسند الفاروق" (890) .
وينظر : "التفسير من سنن سعيد بن منصور"
حاشية المحقق (1/181-185) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:06
هل الحديث النبوي يعد من أنواع النثر ؟
السؤال
هل الحديث النبوي الشريف نوع من أنواع النثر أم لا ؟
الجواب :
الحمد لله
فإنه مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي عربي ، يتكلم بالعربية ، وكلام العرب عند الاستقراء ينقسم إلى نوعين : منظوم ومنثور .
قال ابن رشيق الأندلسي في "العمدة في محاسن الشعر وآدابه" (1/19)
:" وكلام العرب نوعان: منظوم ، ومنثور.... وقد اجتمع الناس على أن المنثور في كلامهم أكثر ، وأقل جيداً محفوظاً ، وأن الشعر أقل ، وأكثر جيداً محفوظاً ؛ لأن في أدناه من زينة الوزن والقافية ما يقارب به جيد المنثور.
وكان الكلام كله منثوراً ، فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها ، وطيب أعراقها ، وذكر أيامها الصالحة ، وأوطانها النازحة ، وفرسانها الأمجاد ، وسمحائها الأجواد ؛ لتهز أنفسها إلى الكرم
وتدل أبناءها على حسن الشيم فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام ، فلما تم لهم وزنه، سموه شعراً ؛ لأنهم شعروا به ، أي: فطنوا.". اهـ
والشعر كما عرفه ابن فارس في "فقه اللغة" (ص211)
فقال :" الشِّعرْ كلام مَوْزونٌ مُقفّى دَالٌّ عَلَى معنىً". اهـ .
وأما النثر فهو كما قال ابن خلدون في "المقدمة" (ص644) :
" النثر: وهو الكلام غير الموزون". اهـ .
وقال الدكتور شوقي ضيف في "الفن ومذاهبه في النثر العربي" (ص15)
:" النثر هو الكلام الذي لم ينظم في أوزان وقواف ". اهـ
وإذا كان الأمر كذلك ، فإنه من باب التقسيم الاصطلاحي : لا إشكار في اعتبار حديث النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل النثر .
وقد وصف كثير من أهل العلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه من النثر
ومن هؤلاء ابن مالك كما في "شَوَاهِد التَّوضيح وَالتَّصحيح لمشكلات الجامع الصَّحيح" (ص 128 ، 228)
والسيوطي كما في "عقود الزبرجد" (3/9) ، وغيرهم كثير .
بل إن أبا الحسين البوشنجي له جزء حديثي بسنده أسماه "المنظوم والمنثور من الحديث النبوي"
حيث يأتي بالحديث بإسناده ثم يقول :" جَعَلْتُ نَثْرَهُ نَظْمًا " ثم ينظم كلام النبي صلى الله عليه وسلم المنثور ويحوله إلى شعر .
وقد سلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مما عده البلاغيون من عيوب النثر ، فلا مقارنة بين قوله صلى الله عليه وسلم وقول غيره ، فنبينا صلى الله عليه وسلم أفصح الناس ، وقد أوتي جوامع الكلم ،
واختُصر له الحديث اختصارا
ففي البخاري (7013) ، مسلم (523) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:" بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي ".
قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/112)
:" أما جوامع الكلم: فإنه يعني به اللغة العربية ؛ لأن الله تعالى فضله بها ، فيكون النطق يسيرًا ، والمعنى جمًا كبيرًا ". اهـ .
وقال الحسين بن محمد المعروف بالمغربي في "البدر التمام" (3/419)
:" وإنما كان قِصَر الخطبة علامة لفقه الرجل ، لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني وجوامع الألفاظ ، يتمكن من التعبير بالعبارة الجامعة الجزلة المفيدة
ولذلك كان من تمام رواية هذا الحديث: " فأطيلوا الصلاة ، وأقصروا الخطبة ، وإنَّ من البيان لسحرًا "، فشبه الكلام العامل في القلوب الجاذب للعقول بالسحر، لأجل ما اشتمل عليه من الجزالة ، وتناسق الدلالة ، وإفادته المعاني الكثيرة ، ووقوعه في مجازه من الترغيب والترهيب ونحو ذلك
ولا يقدر عليه إلا مَنْ فقه بالمعاني وجمع شتاتها ، وناسب دلالتها ، فيتمكن حينئذ من الإتيان بالكلمات الجوامع ، ومطالع المعاني السواطع ، وكان ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - فكان أفصح منْ نَطَقَ بالضاد، وأبرع منْ أوتي فصل الخطاب ". اهـ
والحاصل :
أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل النثر ، إلا أنه في غاية الفصاحة والبيان ، ثم هو وحي وتشريع ، ليس كآحاد كلام الناس ، بل هو كلام من أعطي مجامع البلاغة ، وأوتي جوامع الكلم .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:14
حول التسمي باسم ( حارث وهمام )
السؤال :
أريد أن أسأل عن اسم هَمَّام في الحديث : ( وأصدق الأسماء حارث وهمام ) هل السنة جاءت بالترغيب بالتسمي بهذا الاسم والتكني به ؟
أم إن الحديث جاء في الترغيب بأن يكون الإنسان ذا همة وكسب ، وليس المراد منه تسمية الأولاد بحارث وهمام؟ وعلى هذا ماحكم التكني باسم همام كأم همام ؟
وهل اسم همام من الأسماء الحسنة التي يسمى بها الولد في هذا الزمن ؟
لأن من حق الابن على الأبوين حسن التسمية . وهل الإنسان له من اسمه نصيب ؟
لأني أخشى أن يكون الولد المسمى بهمام يكون دائماً مهموما وحزينا .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
روى البخاري في "الأدب المفرد" (814)
وأحمد في "المسند" (19032)
وأبو داود في "سننه" (4950)
وأبو يعلى في "مسنده" (7169)
من طريق هشام بن سعيد
وأخرجه الدولابي في "الكنى والأسماء" (1/177)
وابن قتيبة في "غريب الحديث" (1/286)
من طريق يحيى بن صالح ، كلاهما ( هشام بن سعيد – يحيى بن صالح ) عن محمد بن المهاجر عن عقيل بن شبيب عن أبي وهب الْجُشَمِيِّ -وكانت له صحبة- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-:
( تَسَمَّوْا بأسَماءِ الأنبياء ، وأحَبُّ الأسماءِ إلى الله: عَبدُ الله وعبدُ الرحمن ، وأصدَقُها: حارِثٌ وهَمَّامٌ ، وأقْبَحُها: حَرْبٌ ومُرَّة ) .
وهذا الطريق فيه علتان :
الأولى : الخلاف في راوي الحديث ، وهو " أبو وهب " هل هو " أبو وهب الْجُشَمِيِّ " الذي ذكر الراوي عنه أنه كانت له صحبة ، أم هو " أبو وهب الكُلاعي " شامي من طبقة تابعي التابعين؟
فالذي رجحه أبو حاتم كما في المراسيل (ص118)
وكما في العلل (2451) أنه " أبو وهب الكلاعي " من طبقة تابعي التابعين
والذي رجحه ابن القطان أنه " أبو وهب الْجُشَمِيِّ " وهو غير أبو وهب الكلاعي الدمشقي التابعي .
فعلى القول الأول يكون الحديث مرسلا ، وعلى القول الثاني سيبقى النظر في صحة ثبوت الصحبة لأبي وهب الْجُشَمِيِّ
حيث اعتبرها صحيحة جماعة من أهل العلم ، منهم : أبو نعيم كما في "معرفة الصحابة" (6/3042)
وابن عبد البر كما في "الاستيعاب" (3218)
وابن عساكر كما في "تاريخ دمشق" (28/43)
وابن الأثير كما في "أسد الغابة" (6344)
وابن كثير كما في "التكميل في الجرح والتعديل" (2525) .
ولم يعتبرها صحيحة ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (4/380)
فقال :" :" ولا تعلم لأبي وهب الصحبة إلا بزعم عقيل بن شبيب هذا ، ولا يعرف روى عنه غيره . وعقيل المذكور ، يحتاج في تعديل نفسه إلى كفيل ، فهو غير معروف الحال
ولا مذكور بأكثر من رواية محمد بن مهاجر عنه . وكل من رأيته ذكر أبا وهب في الصحابة ، فإنما ذكره بهذا الذي قال فيه عقيل هذا ". انتهى
الثانية : جهالة عقيل بن شبيب
حيث ذكره ابن حبان في الثقات (4801)
وقال الذهبي في "الكاشف" (3855) :" وثق"
وقال ابن حجر في "التقريب" (4660) :" مجهول ". انتهى
فيتلخص من ذلك أن هذا الطريق فيه علة توهنه وهي جهالة حال عقيل بن شبيب .
إلا أن الحديث قد جاء من طريق آخر مرسل جيد يقويه ،
وهو ما أخرجه ابن وهب في "الجامع" (53)
عن ابن لهيعة عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصِبِيِّ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" خَيْرُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَنَحْوَ هَذَا ، وَأَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ الْحَارِثُ ، وَهَمَّامٌ ، حَارِثٌ لِدُنْيَاهُ وَلِدِينِهِ ، وَهَمَّامٌ بِهِمَا ، وَشَرٌّ الْأَسْمَاءِ حَرْبٌ ، وَمُرَّةُ ".
وهذا الطريق رجاله ثقات غير أنه مرسل ؛ حيث إن عبد الله بن عامر اليحصبي من التابعين ، ولا يضر الحديث أن فيه ابن لهيعة ، حيث إن الراوي عنه ابن وهب وهو من العبادلة ، وروايتهم عنه مقبولة .
وخلاصة الحكم أن الحديث حسن بمجموع الطريقين
دون قوله :" تسموا بأسماء الأنبياء "
وقد صححه ابن القيم في "زاد المعاد" (2/305)
وكان الشيخ الألباني قد ضعف طريق أبي وهب الجشمي وحده كما في "إرواء الغليل" (1178)
ثم حسن الحديث بشاهده المرسل هذا في "السلسلة الصحيحة" (1040)
ثانيا :
إذا ثبت الحديث فقد أخذ منه بعض العلماء أن التسمي بـ "حارث" و "همام" تسمية حسنة
وذلك لما فيها من الصدق ، ومعنى الصدق فيهما مطابقة الاسم لواقع الإنسان ، فأي إنسان يحرث ، أي يكتسب سواء حرثَ في أمر الدنيا أو في أمر الآخرة ، وكذلك كل إنسان يَهمُّ ، من الهم ، أي العزم والإرادة .
قال الخطابي في "معالم السنن" (4/126)
:" إنما صار الحارث من أصدق الأسماء : من أجل مطابقة الاسم معناه الذي اشتق منه ؛ وذلك أن معنى الحارث الكاسب ، يقال: حرث الرجل إذا كسب واحتراث المال كسبه .... وقال سبحانه : (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها) [الشورى: 20] .
وأما همام : فهو من هممت بالشيء ، إذا أردته ، وليس من أحد إلاّ وهو يهم بشيء ، وهو معنى الصدق الذي وصف به هذان الاسمان ". انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/43)
:" وَقَوْلُهُ أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ : حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ هَمَّامٌ حَارِثٌ وَالْحَارِثُ الْكَاسِبُ الْعَامِلُ . وَالْهَمَّامُ الْكَثِيرُ الْهَمِّ - وَهُوَ مَبْدَأُ الْإِرَادَةِ ".انتهى
وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/347)
:" فأولى الأسماء أن يتسمى بها أقربها إلى الصدق ". انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (25/277)
:" كل اسم مضاف إلى الله فهو خير مما لم يضف إلى الله عز وجل وأشرف ، وأفضله ما أضيف إلى الله أو إلى الرحمن ، بالحديث الذي ذكرته آنفاً ، ثم ما كان من الأسماء أقرب إلى الصدق
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أصدق الأسماء حارث وهمام) ، يعني ما يولد الإنسان إلا وهو حارث وهمام ، فإذا سمي بحارث أو همام صار مطابقاً تماماً للواقع ". انتهى
وأما التخوف من كون هذا الاسم غير مناسب في هذا الزمان ، فالأمر يعود إلى اختلاف البيئات، فربما كان الاسم في بعض الأماكن غير مستنكر ، وبالتالي لا يؤثر على الولد سلبا
وربما كان مستنكرا عرفا ، أو داعية للسخرية ، وحينئذ ربما سبب إشكالات نفسية لدى الطفل ، فلابد من مراعاة ذلك عند اختيار أسماء الأولاد .
ومثال ذلك التسمية باسم " إسرائيل " ، فمعلوم أن إسرائيل هو اسم نبي الله يعقوب ، والتسمي بأسماء الأنبياء حسن مستحب
بل قال ابن حجر في "الفتح" (10/579)
:" وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ أَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ ". انتهى .
لكن : لو جاء مسلم اليوم وسمى ولده باسم إسرائيل - مع وجود هذا الكيان المحتل الغاشم دولة إسرائيل – لوجد من الناس السخرية والسب وغير ذلك .
فالذي ينبغي في هذا الباب مراعاة الزمان والمكان ، وأعراف الناس وما يعتادونه ، والنظر في ملاءمة الاسم للبيئة التي ينشأ فيها الطفل ، وقبول الاسم فيها ، وعدم استهجانه .
ثالثا :
وأما السؤال عن تلك المقولة أن كل إنسان له من اسمه نصيب ، فهي مقولة مشهورة ذكرها كثير من العلماء ، كابن الحاج وابن القيم وغيرهما ، وهي ليست قاعدة مطردة ، كما لا يخفى
وإنما هذا مما قد يقع ، ويراه الناس ؛ وقد يقع أيضا : أن يسمى الشخص باسم ويكون حاله مخالفا لهذا الاسم .
وعلى كلٍّ ؛ فإنه ينبغي إحسان التسمية كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، بل كان صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء السيئة المعنى إلى أسماء حسنة المعنى .
وأما الخوف من أن ينال الهمُ من سُمي باسم "همام" فهذا غير صحيح ؛ لأن اسم " همام " من "الهم" الذي هو العزم والإرادة ، وليس من "الهم" الذي بمعنى الحزن .
ينظر : لسان العرب (12/619) ، القاموس المحيط (ص1512) .
وختاما : نسأل الله أن يصلح المسلمين ، وأن يجعل همهم وحرثهم فيما يرضيه ، آمين .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:19
ما معنى حديث "الكفر فى العجمة"؟
السؤال :
قرأت نص كتاب لسيدنا عثمان رضي الله عنه يقول : أما بعد، فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالإقتداء والإتباع ، فلا تلفتنكم الدنيا عن أمركم ، فإن أمر هذه صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم: تكامل النعم
وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن ، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ( الكفر في العجمة فإذا استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا) فما معنى : (الكفر فى العجمة )؟
الجواب :
الحمد لله
أولا:
هذا الحديث ليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما نعلم ، ولم نقف له على إسناد ، ولا ذكر في شيء من الكتب المعتمدة المسندة . فلا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وغاية ما وقفنا على ذكره ، عند الطبري في تاريخه ، بصيغة "قالوا" ، ولم يذكر له إسنادا .
قال الطبري رحمه الله تعالى:
" قالوا: وكان كتابه -أي عثمان - إلى العامة: أما بعد، فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالاقتداء والاتباع، فلا تلفتنكم الدنيا عن أمركم، فإن أمر هذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم: تكامل النعم، وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الكفر في العجمة )، فإذا استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا "
انتهى. "تاريخ الطبري" (4 / 245).
ثانيا:
هذا المعنى المذكور: له وجه صحيح، في الجملة ، وقد قرره أهل العلم في كتبهم، وتشهد له الوقائع على مرّ التاريخ .
فالعجمة: هي عدم وضوح الشيء.
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى:
" العُجْمَةُ: خلاف الإبانة، والإِعْجَامُ: الإبهام "
انتهى. " المفردات" (ص 549).
والمعنى: أن غير العربي الذي لم يتقن العربية كأهلها العالمين بها، ربما مرّ عليه من نصوص الوحي ما لا يستطيع فهمه ولا تبين معناه ، فيتأوله ويفسره من قبل نفسه ، تفسيرا باطلا
من غير علم منه بوجهه الصحيح ، وبيانه ، وهذا سبب من أعظم أسباب الابتداع في الدين ، وتغيير معالمه .
وليس المراد بالعجمة هنا : عجمة النسب ، وأن يكون الرجل من غير أنساب العرب ؛ فكم من أهل العلم والديانة من كان أعجمي الأصل ، إمام في العلم بلغة العرب ، فقيها في دين الله تعالى؛ وإنما المراد بذلك :
عجمة اللسان ، وعدم فقهه ، والجهر بتفسير كلام الله تعالى ، وكلام نبيه ، وخفاء وجوه البيان ، وأساليب كلام العرب ، ووجوه لغاتها .
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
" وإنما بدأت بما وصفتُ، من أن القُرَآن نزل بلسان العرب دون غيره: لأنه لا يعلم مِن إيضاح جُمَل عِلْم الكتاب أحد، جهِل سَعَة لسان العرب، وكثرةَ وجوهه، وجِماعَ معانيه، وتفرقَها. ومن علِمه انتفَتْ عنه الشُّبَه التي دخلَتْ على من جهِل لسانَها ...
فإنما خاطب الله بكتابه العربَ بلسانها، على ما تَعْرِف مِن معانيها، وكان مما تعرف من معانيها: اتساعُ لسانها، وأنَّ فِطْرَتَه أنْ يخاطِبَ بالشيء منه عامًّا ظاهِرًا يُراد به العام الظاهر، ويُسْتغنى بأوَّل هذا منه عن آخِرِه.
وعاماً ظاهراً يراد به العام ويَدْخُلُه الخاصُّ، فيُسْتَدلُّ على هذا ببَعْض ما خوطِبَ به فيه؛ وعاماً ظاهراً يُراد به الخاص. وظاهراً يُعْرَف في سِياقه أنَّه يُراد به غيرُ ظاهره. فكلُّ هذا موجود عِلْمُه في أول الكلام، أوْ وَسَطِهِ، أو آخِرَه.
وتَبْتَدِئ الشيءَ من كلامها يُبِينُ أوَّلُ لفظها فيه عن آخره. وتبتدئ الشيء يبين آخر لفظِها منه عن أوَّلِهِ.
وتكلَّمُ بالشيء تُعَرِّفُه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ، كما تعرِّف الإشارةُ، ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها، لانفراد أهل علمها به، دون أهل جَهَالتها.
وتسمِّي الشيءَ الواحد بالأسماء الكثيرة، وتُسمي بالاسم الواحد المعانيَ الكثيرة.
وكانت هذه الوجوه التي وصفْتُ اجتماعَها في معرفة أهل العلم منها به - وإن اختلفت أسباب معرفتها -: مَعْرِفةً واضحة عندها، ومستَنكَراً عند غيرها، ممن جَهِل هذا من لسانها، وبلسانها نزل الكتابُ، وجاءت السنة، فتكلَّف القولَ في علمِها تكلُّفَ ما يَجْهَلُ بعضَه.
ومن تكَلَّفَ ما جهِل، وما لم تُثْبِتْه معرفته: كانت موافقته للصواب - إنْ وافقه من حيث لا يعرفه - غيرَ مَحْمُودة، والله أعلم؛ وكان بِخَطَئِه غيرَ مَعذورٍ، إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بيْن الخطأ والصواب فيه " انتهى. "الرسالة" (ص 47 - 53).
فمن جهل لغة العرب، خفيت عليه معاني نصوص الوحي؛ فإذا لم يرجع إلى أهل العلم ، واكتفى بعقله : وقع في الضلال؛ وهذا كان أحد أهم أسباب ظهور المبتدعة من خوارج ومعتزلة وغيرهم.
قال السيوطي رحمه الله تعالى:
" وقد وجدت السلف قبل الشافعي أشاروا إلى ما أشار إليه من أن سبب الابتداع الجهل بلسان العرب ...
وأخرج البخاري في تاريخه الكبير عن الحسن البصري، قال: إنما أهلكتهم – أي أصحاب البدع- العجمة "
انتهى. "صون المنطق" (ص 55 - 56).
وقال الشاطبي رحمه الله تعالى:
" ومنها – أهل البدع - تخرصهم على الكلام في القرآن والسنة العربيين، مع العُرُوِّ عن علم العربية الذي به يفهم عن الله ورسوله، فيفتاتون على الشريعة بما فهموا، ويدينون به، ويخالفون الراسخين في العلم، وإنما دخلوا في ذلك من جهة تحسين الظن بأنفسهم، واعتقادهم أنهم من أهل الاجتهاد والاستنباط، وليسوا كذلك ...
وكثيرا ما يوقع الجهل بكلام العرب في مخاز لا يرضى بها عاقل، أعاذنا الله من الجهل والعمل به بفضله.
فمثل هذه الاستدلالات لا يعبأ بها، وتسقط مكالمة أصحابها، ولا يعد خلاف أمثالهم خلافا.
فكل ما استدلوا عليه من الأحكام الفروعية أو الأصولية فهو عين البدعة، إذ هو خروج عن طريقة كلام العرب إلى اتباع الهوى "
انتهى. "الاعتصام" (2 / 47 - 50).
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:26
حكم قتل الكلب الأسود البهيم
السؤال
: هل يجوز لي قتل أي كلب أسود بهيم مع نقطتين على العينين ؟
أم هناك معيار معين علي اتباعه لقتلهم ، بدون أن أقترف ذنباً ؟
فلقد قرأت حديثاً في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالأسودِ البهيمِ ذي النقطتينِ . فإنَّهُ شيطانٌ ) .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
الحديث الذي أورده السائل حديث صحيح
أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (1572)
من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ ، ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا ، وَقَالَ: (عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ ).
وتفسيره كما قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (10/237)
قال :" معنى البهيم : الخالص السواد ، وأما النقطتان فهما نقطتان معروفتان بيضاوان فوق عينيه ، وهذا مشاهد معروف ". انتهى
والحديث يبين أنه كان هناك أمر بقتل الكلاب ، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتلها ، إلا الكلب الأسود الخالص الذي فوق عينيه نقطتان فقد أذن بقتله.
أما أصل السؤال عن حكم قتل الكلب ، وخاصة الأسود البهيم ذي النقطتين ، فجوابه كما يلي :
أولا : اتفق أهل العلم على جواز قتل الكلب العقور الذي يعتدي على الناس ، والكلب الكَلِب أي المصاب بداء الكلب
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (10/235)
:" أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قتل الكلْب الكلِب والكلب العقور واختلفوا في قتل مالا ضَرَرَ فِيهِ ". انتهى .
وكذلك اتفق أهل العلم على حرمة قتل الكلب الذي أذن الشرع في اقتنائه مثل كلب الصيد والماشية .
قال ابن قدامة في "المغني" (4/190)
:" أَمَّا قَتْلُ الْمُعَلَّمِ فَحَرَامٌ ، وَفَاعِلُهُ مُسِيءٌ ظَالِمٌ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ كَلْبٍ مُبَاحٍ إمْسَاكُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُنْتَفَعٌ بِهِ يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ ، فَحُرِّمَ إتْلَافُهُ ، كَالشَّاةِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ". انتهى
ثانيا : اختلف أهل العلم في حكم قتل ما سوى ذلك من الكلاب على عدة أقوال :
الأول : أن الأمر بقتل الكلاب منسوخ
ولا يجوز قتل شيء منها سوى المؤذي فقط ، وهو قول الحنفية
كما في "الدر المختار" (2/570)
والمعتمد عند الشافعية
انظر : "نهاية المطلب" (5/494) .
الثاني : جواز قتل الكلاب إلا كلب الصيد والماشية ، وهو قول الإمام مالك
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (5/242) :
" ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب ، إلا ما استثني من كلب الصيد وما ذكره معه ، وهو مذهب مالك وأصحابه ". انتهى
الثالث : أنه يجوز قتل الكلب الأسود البهيم ، وهو المعتمد عند الحنابلة
قال ابن قدامة في المغني (4/191)
: "فَأَمَّا قَتْلُ مَا لَا يُبَاحُ إمْسَاكُهُ ، فَإِنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ يُبَاحُ قَتْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ: سَأَلْت أَبَا ذَرٍّ فَقُلْت:" مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَحْمَرِ مِنْ الْأَبْيَضِ؟
فَقَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلْتنِي، فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:" لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَأَمَرْت بِقَتْلِهَا ، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ " . انتهى
وسبب الخلاف بين أهل العلم في ذلك هو التعارض الظاهري بين النصوص الواردة في المسألة، فقد وردت أحاديث بالأمر بقتل الكلاب عامة دون تخصيص
ومن ذلك ما أخرجه البخاري (3323)
ومسلم (1570)
من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلاَبِ ".
ووردت أحاديث أخرى بالأمر بقتل الكلاب باستثناء كلب الصيد والماشية
ومن ذلك ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (1571)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ،" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ، إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ ، أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ ، أَوْ مَاشِيَةٍ ".
ووردت أحاديث تبين أن أول الأمرين كان الأمر بقتل الكلاب ، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها بعد ذلك
ومن ذلك ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (280)
من حديث عبد الله بْنِ الْمُغَفَّلِ ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ، ثُمَّ قَالَ:" مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟" ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ، وَقَالَ: " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ ".
ووردت أحاديث بالتنصيص على قتل نوعين من الكلاب خاصة ، وهما الكلب العقور ، والكلب الأسود البهيم ، وفي بعض هذه الأحاديث ما يفيد أنها كانت بعد النهي عن قتل الكلاب، كالحديث الوارد في السؤال في شأن قتل الكلب الأسود البهيم .
فأما الكلب العقور فقد ورد فيه ما أخرجه البخاري (1829)
ومسلم (1198)
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ ، وَالحِدَأَةُ ، وَالعَقْرَبُ ، وَالفَأْرَةُ ، وَالكَلْبُ العَقُورُ) .
وأما الكلب الأسود البهيم فورد فيه الحديث الوراد في السؤال .
والراجح من هذه الأقوال : هو النهي عن قتل الكلاب إلا الكلب العقور والأسود البهيم .
ثانيا :
الأمر بقتل الكلب الأسود ليس على سبيل الوجوب ، حتى عند من قال إن الأمر بقتله لم ينسخ.
قال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" (10/416) :
"وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِوُجُوبِ قَتْلِهِ" انتهى .
وعلى ذلك : فلا إثم على من ترك قتله ، لا سيما إذا لم يكن مملوكا له .
ويتأكد هذا – أي : ترك قتله ، من غير حرج في ذلك – إذا كان في قتله ضرر على القاتل ، كملاحقة قانونية ، إذا كان ذلك في بلد غير إسلامي يعتبر قتل الكلب الأسود وغيره جريمة يعاقب عليها القانون .
وبناء على هذا يقال : إن من استطاع قتل الكلب الاسود ، بلا مفسدة راجحة : فقد أحسن .
ومن ترك قتله ، أو لم يستطع قتله لما في قتله من ضرر عليه : فلا حرج عليه ولا إثم .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:30
ما جاء في نسخ قتل الكلاب وسبب قتل الكلب الأسود
السؤال
:لقد وقعتُ على هذا الحديث في الإنترنت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لو لم تكن الكلاب أمة من الأمم التي خلقها الله لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كل أسود بهيم ) . أبو داود . هل هذا الحديث صحيح ؟
ولماذا تقتل هذه الكلاب ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
عن عبد الله بن مغفَّل عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ( لَوْلاَ أَنَّ الكِلاَبَ أمَّةٌ مِنَ الأمَمِ لأمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا كُلَّ أسْوَدَ بَهِيمٍ ) .
رواه الترمذي ( 1486 ) وصححه
وأبو داود ( 2845 )
والنسائي ( 4280 )
وابن ماجه ( 3205 )
وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وقد جاء في أحاديث أخر قتل نوعين غير الأسود البهيم وهما :
1. الكلب الأسود ذو النقطتين البيضاوين .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : أمَرَنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الكِلابِ ، حَتَّى إِنَّ المَرْأةَ تَقْدُمُ مِنَ البَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ ، ثُمَّ نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا ، وَقَالَ ( عَلَيْكُمْ بِالأسْوَدِ البَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإنَّهُ شَيْطَانٌ ) .
رواه مسلم ( 1572 ) .
قال النووي – رحمه الله -
: " معنى ( البهيم ) : الخالص السواد
وأما النقطتان : فهما نقطتان معروفتان بيضاوان فوق عينيه ، وهذا مشاهد معروف "
انتهى من " شرح مسلم " ( 10 / 237 ) .
2. الكلب العقور .
عن عائشة رضي الله عنها قالتْ : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ( خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ وَالحَرَمِ : الغُرَابُ وَالحِدَأةُ وَالعَقْرَبُ وَالفَأرَةُ وَالكَلْبُ العَقُورُ ) .
رواه البخاري ( 3136 ) ومسلم ( 1198 )
وفي لفظ له ( الحيَّة ) بدلاً من ( العقرب )
وعنده – أيضاً تقييد الغراب بـ ( الأبقع )
وهو الذي فيه بياض .
قال الإمام مالك – رحمه الله -
: " إنَّ كلَّ ما عقر النَّاسَ وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنَّمِر والفهد والذئب : فهو الكلب العقور
" انتهى من " الموطأ " ( 1 / 446 ) .
ثانياً:
أما فقه الحديث فهو على ظاهره ، وهو من أمثلة الناسخ والمنسوخ ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب كلها ، ثم نسخ الأمر بقتلها باستثناء الكلب الأسود البهيم ، وذي النقطتين ؛ والكلب العقور ، فإنه يجوز قتلها ؛ لما فيها من الضرر .
قال الخطابي- رحمه الله - :
" معنى هذا الكلام : أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَرِه إفناءَ أمَّةٍ من الأمم ، وإعدامَ جيلٍ من الخَلْق حتى يأتي عليه كله فلا يبقى منه باقيةٌ ؛ لأنَّه ما مِن خلقٍ لله تعالى إلا وفيه نوعٌ مِن الحكمةِ وضربٌ من المصلحة
يقول : إذا كان الأمر على هذا ولا سبيل إلى قتلهن كلهن : فاقتلوا شرارهن وهي السود البهم ، وأبقوا ما سواها ، لتنتفعوا بهن في الحراسة "
انتهى من " معالم السنن " – على هامش مختصر سنن أبي داود – ( 4 / 132 ) .
وقال القاضي عياض – رحمه الله -
: " عندي : أنَّ النهيَ أولاً كان نهياً عامّاً عن اقتناء جميعها ، وأمر بقتل جميعها ، ثم نهى عن قتل ما سوى الأسود ، ومنع الاقتناء في جميعها إلا كلب صيدٍ أو زرعٍ أو ماشيةٍ .
قال النووي : وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث ، ويكون حديث ابن مغفل مخصوصاً بما سوى الأسود ؛ لأنَّه عامٌّ ، فيُخص منه الأسود بالحديث الآخر "
انتهى من " شرح مسلم " للنووي ( 10 / 235 ، 236 ) .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:39
حول التوفيق بين حديث ما لي وللدنيا وبين ولا تنس نصيبك من الدنيا
السؤال :
كيف يمكننا الجمع بين حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام ، وقد أثر في جنبه ، قلنا: يا رسول الله ، لو اتخذنا لك وِطاءً ؟
فقال: (ما لي وللدنيا ؟
ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها) رواه الترمذي ، وقال: حديث حسن صحيح، وبين أن المسلم يجب أن يعمر الأرض ، وأيضا له نصيب منها، أم إن المسلمين يجب أن يتقدموا في جميع المجالات ؟
الجواب :
الحمد لله
إن المتتبع لنصوص القرآن والسنة الصحيحة يرى أنها تؤكد على ما يلي :
أولا : تحديد الغاية التي لأجلها خلق الله الإنسان ، وهي تحقيق العبودية لله وحده لا شريك له .
قال الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56 .
وقال تبارك وتعالى : ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) الحج/41 .
فالغاية من الخلق إقامة العبودية في أنفسهم ، وفي غيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد في سبيل الله ، وهذا هو الأصل وكل شيء تبع له وسبيل إليه .
قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) الأنعام/162-163
ثانيا : أن كل شيء في هذه الحياة من طعام وشراب ونكاح وغير ذلك ليس غاية في حد ذاته ، إنما هو وسيلة يستعين بها العبد على إقامة العبودية ، وحينئذ تصبح عبادة في حد ذاتها بذلك المسلك.
عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: " إِنَّ اللهَ قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ، لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ، لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ "
رواه أحمد (21906) وصححه الألباني .
ثالثا : أن المسلم لا يعمل للدنيا ولا لملذاتها وشهواتها ، فإنها لا تساوي شيئا عند الله تعالى ، ولو كانت تساوي جناح بعوضة ما سقى منها الكافر شربة ماء ، كما قال صلى الله عله وسلم :" لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ".
أخرجه الترمذي في سننه (2320)
وصححه الشيخ الألباني في "السلسة الصحيحة" (686)
رابعا : حذرت الشريعة من التعلق بالدنيا حتى يصل العبد بذلك إلى ترك الواجبات أو الوقوع في المحرمات ، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:" تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ
إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ ". أخرجه البخاري (2887) ، وكما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" وَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ".
أخرجه البخاري (3158)
مسلم (2961) .
خامسا : رغبت الشريعة في الإقلال من التمتع بالدنيا ، والزهد في متاعها ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ»
رواه البخاري (6416) .
سادسا : قررت الشريعة أن المال قوام الدين والحياة ، ولذا حرمت الشريعة إضاعة المال ، كما في قوله تعالى :" وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ". النساء/5 ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم :" " إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ المَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ".
أخرجه البخاري (1477) .
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:39
سابعا : شرع الله لعباده عمارة الأرض لإصلاحها ، ليعود ذلك بالنفع على الإنسان والحيوان من باب الطاعات التي يؤجر عليها الإنسان ، فعن جَابِرٍ رضي الله عنه ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ فِي نَخْلٍ لَهَا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟» فَقَالَتْ: بَلْ مُسْلِمٌ ، فَقَالَ:" لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا ، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ ، وَلَا دَابَّةٌ ، وَلَا شَيْءٌ ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً ".
أخرجه مسلم (1552) .
قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (6/456) :
" وفيه الحض على عمارة الأرض لتعيش نفسه أو من يأتي بعده ممن يؤجر فيه ، وذلك يدل على جواز اتخاذ الصناع ، وأن الله تعالى أباح ذلك لعباده المؤمنين لأقواتهم وأقوات أهليهم طلبًا للغنى بها عن الناس
وفساد قول من أنكر ذلك ، ولو كان كما زعموا ما كان لمن زرع زرعًا وأكل منه إنسان أو بهيمة أجر ، لأنه لا يؤجر أحد فيما لا يجوز فعله ". انتهى .
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (5/214)
:" فيه الحض على الغرس واقتناء الضياع ، كما فعله كثير من السلف ، خلافًا لمن منع ذلك. واختصاص الثواب على الأعمال بالمسلمين دون الكفار. وفيه أن المسبب للخير أجرٌ بما تنفع به ، كان من أعمال البر أو مصالح الدين ". انتهى .
ثامنا : دعت الشريعة ورغبت في أن يكون المال مع الصالحين لإنفاقه في مراضي الله تبارك وتعالى ، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال :" نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ ".
أخرجه أحمد في المسند (17763)
وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (299) .
بل إن من أعلى المؤمنين في المنازل يوم القيامة: من رزقه الله علما نافعا ومالا صالحا فأنفقه في مرضاة رب العالمين كما في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ...".
أخرجه الترمذي في سننه (2325)
وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (16).
قال العراقي في "طرح التثريب" (4/74) :" قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ: أَنَّ الْغَنِيَّ إذَا قَامَ بِشُرُوطِ الْمَالِ، وَفَعَلَ فِيهِ مَا يُرْضِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ ". انتهى
تاسعا : لا تعارض بين أن يكون المال في يد العبد الصالح ، ثم يعد من الزاهدين ، فإن الزهد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (11/28) :" وَ " الزُّهْدُ " الْمَشْرُوعُ تَرْكُ مَا لَا يَنْفَعُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا كُلُّ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ الْعَبْدُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَلَيْسَ تَرْكُهُ مِنْ الزُّهْدِ الْمَشْرُوعِ ".
فإن استعمل العبد المال في طاعة الله ، والدعوة إلى دينه : فإنه يكون في أعلى المنازل ، وإنما الإشكال أن يتعلق القلب بالمال .
عاشرا: وأما قوله تبارك وتعالى : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ). القصص/77 .
فقد اختلف المفسرون فيها على قولين
قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (13/314)
:" (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) اخْتُلِفَ فِيهِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ: لَا تُضَيِّعْ عُمْرَكَ فِي أَلَّا تَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا فِي دُنْيَاكَ ، إِذِ الْآخِرَةُ إِنَّمَا يُعْمَلُ لَهَا ، فَنَصِيبُ الْإِنْسَانِ عُمْرُهُ وَعَمَلُهُ الصَّالِحُ فِيهَا. فَالْكَلَامُ ، عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ : شِدَّةٌ فِي الْمَوْعِظَةِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ لَا تُضَيِّعُ حَظَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ فِي تَمَتُّعِكَ بِالْحَلَالِ وَطَلَبِكَ إِيَّاهُ ، وَنَظَرِكَ لِعَاقِبَةِ دُنْيَاكَ.
فَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ : فِيهِ بَعْضُ الرِّفْقِ بِهِ ، وَإِصْلَاحُ الْأَمْرِ الَّذِي يَشْتَهِيهِ. وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ الْمَوْعُوظِ خَشْيَةَ النَّبْوَةِ مِنَ الشِّدَّةِ ، قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ.
قُلْتُ: وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ قَدْ جَمَعَهُمَا ابْنُ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: احْرُثْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَدًا، وَاعْمَلْ لِآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَدًا ". انتهى .
ولا تعارض بين القولين فإن العبد عليه ألا يضيع حظه ونصيبه من عمره في الدنيا في المعاصي، بل عليه أن يستعمله في الطاعة .
ثم هو كذلك لا حرج عليه أن يستمتع بالحلال الطيب من غير إسراف ولا مخيلة ، كما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « كُلُوا ، وَتَصَدَّقُوا ، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ ، وَلَا مَخِيلَةٍ »
. أخرجه النسائي في سننه (2559)
وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2145) .
قال ابن العربي في "أحكام القرآن" (3/513)
:" {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77]
ذُكِرَ فِيهِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ ، جِمَاعُهَا : اسْتَعْمِلْ نِعَمَ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ .
قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهَا : تَعِيشُ وَتَأْكُلُ وَتَشْرَبُ ، غَيْرَ مُضَيَّقٍ عَلَيْك فِي رَأْيٍ.
قَالَ الْقَاضِي: أَرَى مَالِكًا أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ يَرَى مِنْ الْغَالِينَ فِي الْعِبَادَةِ التَّقَشُّفَ وَالتَّقَصُّفَ وَالْبَأْسَاءَ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ الْحَلْوَى ، وَيَشْرَبُ الْعَسَلَ ، وَيَسْتَعْمِلُ الشِّوَاءَ
وَيَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِد ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ: أُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ عَيْشِهِ ، وَيُقَدِّمَ مَا سِوَى ذَلِكَ لِآخِرَتِهِ. وَأَبْدَعُ مَا فِيهِ عِنْدِي قَوْلُ قَتَادَةَ: وَلَا تَنْسَ الْحَلَالَ ، فَهُوَ نَصِيبُك مِنْ الدُّنْيَا ، وَمَا أَحْسَنَ هَذَا ". انتهى.
حاي عشر : وأما الحديث الذي ساقه السائل :
وهو ما رواه الترمذي في سننه (2377)
من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً، فَقَالَ: مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ".
فهو حديث صحيح بشواهده كما قال الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (490)
وينبغي أن يفهم معناه في ضوء ما سبق بيانه .
قال ابن الملقن في التوضيح (28/15)
وكان عليه السلام ينام على الحصير حتى تؤثر في جنبه ، ويتخذ من الثياب ما يشبه تواضعه وزهده في الدنيا ؛ توفيرًا لحظه في الآخرة ، وقد خيره الله بين أن يكون نبيًّا ملكًا ، وبين أن يكون عبدًا ملكًا ، فاختار الثاني ، إيثارًا للآخرة على الدنيا ، وتزهيدًا لأمته فيها ، ليقتدوا به في أخذ البلغة من الدنيا
إذ هي أسلم من الفتنة التي تخشى على من فتحت عليه زهرة الدنيا ، ألا ترى قوله: "ماذا أنزل الليلة من الفتنة ، ماذا أنزل من الخزائن" ، وقرن عليه [السلام] الفتنة بنزول الخزائن ، فدل أن الكفاف في الأمور ، عن الدنيا خير من الإكثار وأسلم من الغناء ". انتهى
وحاصل ذلك كله :
أن ينظر العبد في ماله : من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟
فلا يكسبه : إلا من حِلِّه .
ولا ينفقه : إلا في حَقّه .
ولا يشغله ذلك : عن طاعة ربه ، وصلاح أمر آخرته .
فإن استعان بماله ، ونعم الله عليه ، على بلوغ الدرجات العلى ، وقدم لنفسه : فهو الغاية .
وتأمل ذلك الحديث الجليل :
روى البخاري (483) ومسلم (595) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ:
أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ» .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:51
الجمع بين حديث :" هل يزني المؤمن ؟
قال : قد يكون كذلك
وحديث لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
السؤال :
كيف يمكن الجمع بين الحديثين التاليين ؟
أخرج الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" عن عبد الله بن جراد، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا نبي الله ، هل يزني المؤمن؟ قال: ( قد يكون من ذلك )، قال : يا رسول الله، هل يسرق المؤمن؟
قال: ( قد يكون من ذلك )، قال: يا نبي الله هل يكذب المؤمن؟
قال: (لا)، ثم أتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذه الكلمة: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون) . وهذا لفظ آخر له أخرجه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (1ـ 113ـ 235 ):
حدثني عمر بن إسماعيل الهمداني قال: حدثنا يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد قال: قال أبو الدرداء: يا رسول الله ،هل يسرق المؤمن؟
قال: ( قد يكون ذلك )، قال: هل يزني المؤمن؟
قال: ( بلى وإن كره أبو الدرداء )، قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: ( إنما يفتري الكذب من لا يؤمن، إن العبد يَزِلُّ الزّلّة ثم يرجع إلى ربه فيتوبُ، فيتوب الله عليه )
وبين الحديث التالى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن
ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) إذ أن فى الحديث الأول إقرار ان المؤمن قد يكون سارقا ، وفى الثانى إقرار وتوضيح أن المؤمن لا يكون مؤمنا حين يسرق ؟
الجواب :
الحمد لله
لا تعارض بين نصوص الشرع ، وإذا حدث تعارض فإنه يكون إما لعدم صحة القول المنسوب للشرع مع الشرع الصحيح ، أو يكون التعارض ظاهريا في نظر القارئ أو السامع ، أما في حقيقة الأمر فلا تعارض .
والمثال الذي ذكره السائل الكريم من جنس النوع الأول حيث إن أحد الحديثين موضوع لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والآخر صحيح ، ومعناه لا إشكال فيه أيضا .
وبيان ذلك كما يلي :
الحديث الأول الذي أورده السائل الكريم
أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (3/135)
من طريق عمر بن إسماعيل الهمداني
والبغوي في "معجم الصحابة" (1732)
والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (127)
وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (27/241)
من طريق يزيد بن عبد الله بن عامر بن صعصعة
وابن أبي الدنيا في "الصمت" (474)
والخطيب في "المتفق والمفترق" (1/352)
من طريق إسماعيل بن خالد ، ثلاثتهم عن يَعْلَى بْن الْأَشْدَقِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
هَلْ يَزْنِي الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ:" قَدْ يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ " . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ يَسْرِقُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ:" قَدْ يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ " . قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، هَلْ يَكْذِبُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: " لَا " . ثُمَّ أَتْبَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النحل: 105].
إلا أن عمر بن إسماعيل وإسماعيل بن خالد جعلا الحديث من مسند أبي الدرداء فرووه هكذا :" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ ، قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ يَسْرِقُ الْمُؤْمِنُ؟ ..." . ، واختصر إسماعيل بن خالد الحديث فاقتصر فيه على الكذب .
والحديث موضوع مكذوب
وعلته يعلى بن الأشدق
فإنه ضعيف جدا متهم بوضع الحديث
قال فيه البخاري في "التاريخ الصغير" (2/165)
:" لا يكتب حديثه "
قال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (9/303)
:" ليس بشيء ضعيف الحديث "
وقال أبو زرعة :" هو عندي لا يصدق ، ليس بشيء
قدم الرقة فقال رأيت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عبد الله بن جراد
فأعطوه على ذلك فوضع أربعين حديثا ". انتهى .
وقال ابن حبان في المجروحين (3/142) :
" كَانَ شَيخا كَبِيرا لَقِي عبد الله بن جَراد، فَلَمَّا كبر اجْتمع عَلَيْهِ من لَا دين لَهُ ، فدفعوا لَهُ شَبِيها بِمِائَتي حَدِيث ، نُسْخَة عَن عبد الله بن جَراد عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَأَعْطوهُ إِيَّاهَا
فَجعل يحدث بهَا وَهُوَ لَا يدْرِي ، وَقد قَالَ بعض مَشَايِخ أَصْحَابنَا: أَي شَيْء سَمِعت عبد الله بن جَراد قَالَ هَذِه النُّسْخَة وجامع سُفْيَان الثَّوْريّ . لَا يحل الرِّوَايَة عَنهُ بِحَال ، وَلَا الِاحْتِجَاج بِهِ بحيلة وَلَا كِتَابَته إِلَّا للخواص عِنْد الِاعْتِبَار ". انتهى.
وعدَّ ابن الجوزي أحاديث عن عبد الله بن جراد نسخة موضوعة كما في "التحقيق" (2/77)
وقال ابن كثير "جامع المسانيد والسنن" (5/112)
بعد ذكره عبد الله بن جراد :" لا نعرف هذا الرجل إلا من طريق ابن أخيه يعلى بن الأشدق
وكان كذابًا يسأل الناس ". انتهى
والحديث ضعفه العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (2959)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله – في السلسلة الضعيفة (5521)
:" موضوع " . انتهى .
وقد ورد أصل الحديث من طريق أمثل من هذه ، لكنها أيضا لا تثبت .
رواه مالك في "الموطأ" (2/990) (19)
عن صفوان بن سليم أَنَّهُ قَالَ : " قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: ( لَا ) .
ومن طريقه رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (6/456) (4472) .
وهو حديث ضعيف
قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله :
" قال أبو عمر: لا أحفظ هذا الحديث مسندا من وجه ثابت، وهو حديث حسن [=يعني: حسن المعنى، لا الإسناد] ، مرسل، ومعناه أن المؤمن لا يكون كذابا، والكذاب في لسان العرب من غلب عليه الكذب
ومن شأنه الكذب في ما أبيح له، وفي ما لم يبح ; وهو أكثر من الكاذب، لأن الكاذب يكون لمرة واحدة، والكذاب لا يكون إلا للمبالغة والتكرار، وليست هذه صفة المؤمن.
وأما قوله: إن المؤمن قد يكون بخيلا، وقد يكون جبانا، فهذا معلوم بالمشاهدة، معروف بالأخبار والمعاينة، ولكن ليس البخل ولا الجبن من صفات الأنبياء، ولا الجلة من الفضلاء ;
لأن الكرم والسخاء من رفيع الخصال. وكذلك النجدة والشجاعة وقوة النفس على المدافعة إذا كان في الحق ; ألا ترى إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: " ثم لا تجدوني بخيلا، ولا جبانا ".
انتهى. من "الاستذكار" (27/354)
وينظر أيضا : "التمهيد شرح الموطأ" لابن عبد البر (16/253) .
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:52
وأما الحديث الثاني فهو حديث صحيح متفق عليه
أخرجه البخاري في "صحيحه" (2475)
ومسلم في "صحيحه" (57)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» .
ومثل هذا الحديث في المعنى ما أخرجه أبو داود في "سننه" (4690)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: " إذا زَنَى الرَّجُلُ خَرجَ منه الإيمانُ، كان عليه كالظُّلَّة ، فإذا أقلَعَ رَجَعَ إليه الإيمان"
. والحديث صحيح
قال العراقي في "طرح التثريب" (7/259)
:" إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ "
وصححه ابن حجر في "الفتح" (12/61)
والشيخ الألباني في "السلسلة الصحية" (509) .
وأما معنى الحديث : فإن المتفق عليه عند أهل السنة والجماعة أن العبد المسلم لا يكفر بإتيان الكبائر ، وأن الإيمان يزيد وينقص ، وأن إيمان العبد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
ولذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث ، فمنهم من حمله على الاستحلال ، أي من زنى أو شرب الخمر أو سرق مستحلا للفعل ، فقد خرج من الإيمان إلى الكفر ، وهذا مروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه .
وقال آخرون : معنى ذلك أنه ينزع عنه اسم المدح الذي يسمى به أولياء الله وهو الإيمان ، ويستحق بهذه الأفعال اسم الذم فيقال له : فاسق .
ومنهم من حمله على النهي ، بمعنى لا ينبغي للمؤمن أن يفعل ذلك .
انظر هذه الأقوال في تهذيب الآثار للطبري (2/623)
و"فتح الباري" لابن حجر (12/61) .
وأحسن الأقوال في ذلك : أن نفي الإيمان عن أصحاب الكبائر ، كالزنى وشرب الخمر : ليس نفيا لأصل الإيمان ، وإنما نفي لكمال الإيمان الواجب ، والنزاع سائغ بين أهل العلم في كونه هل يسمى مؤمنا ناقص الإيمان ، أم يسمى مسلما ؟
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم " (1/113)
:" ولا ريبَ أنَّه متى ضَعُفَ الإيمانُ الباطنُ ، لزمَ منه ضعفُ أعمالِ الجوارحِ الظاهرةِ أيضاً .
لكن اسم الإيمان يُنفى عمّن تركَ شيئاً مِنْ واجباتِه
كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - :" لا يزني الزاني حينَ يزني وهو مؤمنٌ " .
وقد اختلف أهلُ السُّنَّة: هل يُسمَّى مؤمناً ناقصَ الإيمانِ
أو يقال: ليس بمؤمنٍ ، لكنَّهُ مسلمٌ ، على قولين ، وهما روايتانِ عنْ أحمدَ ". انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستقامة" (2/181)
:" وَالْمُسلم إذا أتى الْفَاحِشَة لَا يكفر ، وإن كَانَ كَمَال الإيمان الْوَاجِب قد زَالَ عَنهُ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنه قَالَ : ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن
وَلَا يسرق السَّارِق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن ، وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن ، وَلَا ينتهب نهبة ذَات شرف يرفع النَّاس إليه فِيهَا أبصارهم وَهُوَ مُؤمن ) .
فَأصل الايمان مَعَه ، وَهُوَ قد يعود إلى الْمعْصِيَة ، وَلكنه يكون مُؤمنا إذا فَارق الدُّنْيَا ، كَمَا فِي الصَّحِيح عَن عمر : ( أن رجلا كَانَ يَدعِي حمارا وَكَانَ يشرب الْخمر وَكَانَ كلما أُتي بِهِ إلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْر بجلده
فَقَالَ رجل : لَعنه الله ؛ مَا أكثر مَا يُؤْتى بِهِ إلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم :" لَا تلعنه فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله ) . فَشهد لَهُ بِأَنَّهُ يحب الله وَرَسُوله ، وَنهى عَن لعنته كَمَا تقدم فِي الحَدِيث الآخر الصَّحِيح : ( وإن زنا وإن سرق ) .
وَذَلِكَ أن مَعَه أصل الِاعْتِقَاد : أن الله حرم ذَلِك ، وَمَعَهُ خشيه عِقَاب الله ، ورجاء رَحْمَة الله ، وإيمانه بِأَن الله يغْفر الذَّنب ، وَيَأْخُذ بِهِ ، فَيغْفر الله لَهُ بِهِ ". انتهى .
وهذا هو قول أهل السنة خلافا للخوارج والمرجئة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (12/478) :
" وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} :
فَنُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَنَّةَ ؛ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نَفْيَ أَصْلِ الْإِيمَانِ ، وَسَائِر أَجْزَائِهِ وَشُعَبِهِ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ ، لَا حَقِيقَتُهُ ، أَيْ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ ، لَيْسَ هُوَ الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: الْغُسْلُ : كَامِلٌ ، وَمُجْزِئٌ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا} ؛ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ ، كَمَا تَأَوَّلَتْهُ الْخَوَارِجُ ، وَلَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا. كَمَا تَأَوَّلَتْهُ الْمُرْجِئَةُ ". انتهى .
والحاصل :
أن النصوص الواردة بنفي الإيمان عن أصحاب الكبائر : ليس المراد منها أنه يخرج من الإيمان كله
ولا نفي أصل الإيمان عنه
بل المراد نفي كمال الإيمان الواجب عنه
الذي يستحق به المدح
وإن كان بقي معه من أصل الإيمان ما يمنع خروجه من الملة
أو خلوده في النار .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-17, 17:56
تخريج حديث " أيكون المؤمن بخيلا ؟ "
السؤال :
ورد حديث في موطأ الإمام مالك ، هذا نصه: عن صفوان بن سُليم رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل : أيكون المؤمن جباناً ؟
قال : ( نعم ) ، ثم سُئل: أيكون المؤمن بخيلاً ؟
قال : ( نعم ) ، ثم سُئل: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال : ( لا ).
ما صحة هذا الحديث ؟
الجواب :
الحمد لله
الحديث المذكور رواه مالك في "الموطأ" (2/990) (19)
عن صفوان بن سليم أَنَّهُ قَالَ : " قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: ( لَا ).
ومن طريقه رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (6/456) (4472).
وهو حديث ضعيف
لأنه مرسل أو معضل
إذ أن صفوان بن سليم لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم
فهو من التابعين ،
يحتمل أن يكون سقط من الإسناد راوٍ أو راويان غير الصحابي .
وقد قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/575)
: لَا أَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ.
وقال الحافظ ابن حجر في "تخريج مشكاة المصابيح" (4/389):
معضل.
وضعفه الألباني في ضعيف "الترغيب والترهيب" (1752).
والله أعلم.
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
بوركت اخي الكريم
جزاك الله خيرا
*عبدالرحمن*
2018-07-18, 15:58
بوركت اخي الكريم
جزاك الله خيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اسعدني حضورك الطيب مثلك
اسعدك الله بكل ما تحبي
بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عني كل خير
و في انتظار مرورك العطر دائما
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 18:23
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حول الدعاء الوارد عن الصحابة في قنوت الوتر بعد النصف من رمضان في خلافة عمر بن الخطاب
السؤال :
ما هو الدعاء الذي اعتاد الصحابة على قراءته في النصف من رمضان في ذلك الوقت ، عندما كان عمر بن الخطاب خليفة؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
ورد في دعاء القنوت في الوتر عدة أحاديث
أشهرها ما أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1718)
وأبو داود في سننه (1425)
والترمذي في "سننه" (464)
والنسائي في "سننه" (1745)
وابن ماجه في "سننه" (1178)
، من حديث الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ:
" اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ".
والحديث صحيح ، صححه النووي في "خلاصة الأحكام" (1/455)
وابن حجر كما في "موافقة الخبر الخبر" (1/333)
وابن الملقن كما في "البدر المنير" (3/630)
والشيخ الألباني كما في "صحيح سنن أبي داود" (1281) .
ثانيا :
أما الدعاء الذي اعتاد الصحابة على الدعاء به في قنوت الوتر في أثناء خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فقد أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1100) من طريق عروة بن الزبير أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ - وَكَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ -
أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ فَخَرَجَ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِيُّ فَطَافَ بِالْمَسْجِدِ ، وَأَهْلُ الْمَسْجِدِ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَظُنُّ لَوْ جَمَعْنَا هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ .
ثُمَّ عَزَمَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَمَرَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَنْ يَقُومَ لَهُمْ فِي رَمَضَانَ.
فَخَرَجَ عُمَرُ عَلَيْهِمْ ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، فَقَالَ عُمَرُ:
نِعْمَ الْبِدْعَةُ هِيَ ، وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي تَقُومُونَ -يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ- .
فَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ ، وَكَانُوا يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي النِّصْفِ :
اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِوَعْدِكَ ، وَخَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ ، وَأَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، وَأَلْقِ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ ، إِلَهَ الْحَقِّ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ خَيْرٍ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ .
قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ لَعْنَةِ الْكَفَرَةِ وَصَلَاتِهِ عَلَى النَّبِيِّ ، وَاسْتِغْفَارِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَمَسْأَلَتِهِ:
اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُد ُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ رَبَّنَا ، وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجِدَّ ، إِنَّ عَذَابَكَ لِمَنْ عَادَيْتَ مُلْحِقٌ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَهْوِي سَاجِدًا ".
وإسناده صحيح ، صححه الشيخ الألباني رحمه الله في "قيام رمضان" (ص31) .
وورد نحوه أيضا عن مُعَاذِ بْن الْحَارِثِ أَبُو حَلِيمَةَ الأَنْصَارِيُّ المشهور بمعاذ القارئ ، وهو من الصحابة القراء ، حيث كان قارئ الأنصار وإمامهم ، وقتل في وقعة الحرة سنة ثلاث وستين
قال ابن حجر في "الإصابة" (6/110)
:" وهو الّذي أقامه عمر يصلّي التراويح في شهر رمضان ". انتهى .
وقد ثبت عنه أنه كان يدعو في صلاة القيام في رمضان بنحو من هذا الدعاء
أخرجه عنه أبو داود في "مسائل الإمام أحمد" (ص96) ،
من طريق محمد بن سيرين قال : كَانَ مِنْ دُعَاءِ مُعَاذٍ الْقَارِيِّ فِي ذَلِكَ الْقِيَامِ، يَعْنِي: فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ:
" اللَّهُمَّ عَذِّبِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ ، اللَّهُمَّ أَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، وَخَالِفْ بَيْنَ كَلِمِهِمْ ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ ، وَزِدْهُمْ رُعْبًا عَلَى رُعْبِهِمْ ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ ، وَاللَّهُمَّ أَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
وَاللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمِهِمْ ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ ، وَزِدْهُمْ رُعْبًا عَلَى رُعْبِهِمْ ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَاجْعَلْ قُلُوبَهُمْ عَلَى قُلُوبِ أَخْيَارِهِمْ
وَأَوْزِعْهُمْ أَنْ يَشْكُرُوا نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذِي عَاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، إِلَهَ الْحَقِّ ".
وقد ورد عن عمر نفسه أنه كان يقول في دعاء القنوت فيقول :
" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ ، وَيُكُذِّبُونَ رُسُلَكَ
وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمَ ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِى لاَ تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ؛ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِى عَلَيْكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَلَكَ نُصَلِّى وَنَسْجُدُ ، وَلَكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ، نَخْشَى عَذَابَكَ الْجَدَّ ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ ".
وهذا الدعاء أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (4969)
وابن أبي شيبة في مصنفه (7027)
والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/210)
والأثر صححه البيهقي بعد روايته له
وكذا صححه ابن الملقن في "البدر المنير" (4/371) .
ولو جمع المصلي بين هذا الذي ورد جميعا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر ، وما ورد عن أصحابه ، رضوان الله عليهم : فهو أمر حسن طيب ، وليس في مثل هذا الجمع : تطويل ، ولا إشقاق على الناس .
ولو راوح بين هذه الأدعية ، هذا تارة ، وهذا تارة : فهو حسن أيضا . وفي كل خير ، إن شاء الله .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 18:27
دعاء القنوت في الوتر
السؤال :
أرجو منكم ذكر دعاء القنوت الذي نقرأ به في صلاة الوتر .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
دعاء القنوت يكون في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر بعد الركوع ، وإذا جعله قبل الركوع فلا بأس ، إلا أنه بعد الركوع أفضل .
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (23/100) :
وَأَمَّا الْقُنُوتُ : فَالنَّاسُ فِيهِ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ : مِنْهُمْ مَنْ لا يَرَى الْقُنُوتَ إلا قَبْلَ الرُّكُوعِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لا يَرَاهُ إلا بَعْدَهُ . وَأَمَّا فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَيُجَوِّزُونَ كِلا الأَمْرَيْنِ لِمَجِيءِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ بِهِمَا . وَإِنْ اخْتَارُوا الْقُنُوتَ بَعْدَهُ ; لأَنَّهُ أَكْثَرُ وَأَقْيَسُ اهـ .
ويرفع يديه وقد صح عن عمر رضي الله عنه كما أخرجه البيهقي وصححه (2/210) .
ويرفع يديه إلى صدره ولا يرفعها كثيراً ، لأن هذا الدعاء ليس دعاء ابتهال يبالغ فيه الإنسان بالرفع ، بل دعاء رغبة ، ويبسط يديه وبطونهما إلى السماء ...
وظاهر كلام أهل العلم أنه يضم اليدين بعضهما إلى بعض كحال المستجدي الذي يطلب من غيره أن يعطيه شيئاً .
والأحسن أن لا تداوم على قنوت الوتر ، بل تفعله أحياناً ، لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولكنه علّم الحسن بن علي رضي الله عنه دعاء يدعو به في قنوت الوتر ، كما سيأتي .
ثانياً :
وأما دعاء القنوت فقد روى أبو داود (1425)
والترمذي (464) والنسائي (1746)
عن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال :
عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ : ( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، فإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ، ولا منجا منك إلا إليك ) . والجملة الأخيرة "لا منجا منك إلا إليك" رواها ابن منده في "التوحيد" وحسنها الألباني .
وانظر : إرواء الغليل" حديث رقم (426) ، (429) .
ثم يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين (4/14-52)
ثالثاً : يُستحب أن يقول بعدما يُسلّم ( سبحان الملك القدوس )
ثلاث مرات يمدّ بها صوته في الثالثة ويرفع
كما أخرجه النسائي (1699)
وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي .
زاد الدارقطني ( رب الملائكة والروح )
وإسنادها صحيح .
انظر زاد المعاد لابن القيم (1/337).
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 18:35
مقدار دعاء القنوت وترتيله
السؤال :
ما حكم ترتيل دعاء القنوت وتطويله لأكثر من 20 دقيقة ، مع ما يتخلله من دعاء أشبه ما يكون بالكلام ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
القنوت في صلاة الوتر سنة مستحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد جاءت بعض الأحاديث في بيان صيغة دعاء القنوت .
عن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال :
عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ :
( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، فإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ) .
رواه أبو داود (1425)
والترمذي (464)
وحسنه ، وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/285)
والنووي في "الأذكار" (86) .
وفي صحيح ابن خزيمة (1100)
أن الناس ـ على عهد عمر ـ : ( كانوا يلعنون الكفرة في النصف ـ يعني : من رمضان ـ : " اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك ، وخالف بين كلمتهم ، وألق في قلوبهم الرعب ، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق . "
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين قال : وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته :
" اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد إن عذابك لمن عاديت ملحق ثم يكبر ويهوى ساجدا "
قال الألباني : " إسناده صحيح " .
ثانيا :
مراعاة الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أصحابه من بعده ، أولى وأفضل وأعظم بركة من اختراع الأدعية المسجوعة ، والأوراد المتكلفة ، والتي لا يؤمن أن يكون فيها خطأ في المعنى ، أو مخالفة لمقتضى الأدب مع الله تعالى في دعائه ، وأسلم لصاحبها من الرياء والسمعة .
قال القاضي عياض رحمه الله :
" أذن الله تعالى في دعائه ، وعلم الدعاء في كتابه لخليقته ، وعلم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته
واجتمعت فيه ثلاثة أشياء : العلم بالتوحيد ، والعلم باللغة ، والنصيحة للأمة ؛ فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم . "
وقال الماوردي رحمه الله في " الحاوي الكبير " [2/200] :
" والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من غيره ، وأي شيء قنت من الدعاء المأثور وغيره أجزأه عن قنوته "
[ نقل النصين الشيخ محمد إسماعيل المقدم في رسالته : عودوا إلى خير الهدى ، ص (45-46) ]
وقد أشار ابن عقيل الحنبلي رحمه الله أن الدعاء المأثور ينبغي أن يكون هو الهدي والورد الراتب ، وأن الزيادة عليه هي من باب الرخصة ، قال : " والمستحب عندنا : ما رواه الحسن بن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اهدني ـ الحديث مشهور
قال : فإن ضم إليه ما روي عن عمر رضي الله عنه : اللهم إنا نستعينك ، إلخ ، فلا بأس . " اهـ
نقله ابن مفلح في نكته على المحرر (1/89) .
بل إن بعض أهل العلم شدد في أمر الزيادة على الدعاء المأثور ، حتى قال العز ابن عبد السلام رحمه الله
كما في فتاواه (87) ـ
" ولا ينبغي أن يزاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت شيء ولا ينقص " [
نقلا عن : عودوا إلى خير الهدى ، ص (45ـ هـ 2)]
ثالثا :
لا بأس بالزيادة على اللفظ المأثور في القنوت بما يناسب الحال ، فإن المقام مقام دعاء ، والدعاء أمره واسع ، والزيادة فيه مشروعة ، وفي الدعاء المأثور في عهد عمر : " ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين .. "
يقول النووي رحمه الله "المجموع" (3/477-478) :
" قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : قول من قال يتعين ( أي الدعاء الوارد ) شاذ مردود ، مخالف لجمهور الأصحاب ، بل مخالف لجماهير العلماء ، فقد حكى القاضي عياض اتفاقهم على أنه لا يتعين في القنوت دعاء ... وقال صاحب الحاوي : يحصل بالدعاء المأثور وغير المأثور " انتهى .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (34/63) :
" وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدعاء في الصلاة " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (4/52) :
" ولو زاد على ذلك فلا بأس لأن المقام مقام دعاء " انتهى .
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 18:35
رابعا :
ينبغي الانتباه إلى أن الزيادة على الدعاء المأثور ، وإن كانت سائغة عند جمهور العلماء ، فلا يجوز أن تتخذ هديا لازما ووردا ثابتا ، تهجر لأجله السنة المأثورة
وتفوت لأجله بركة اتباع الهدي ، بل ولا ينبغي أن يجمع بينهما دائما ويجعلا بمنزلة واحدة ؛ بل يفعل المصلي ذلك أحيانا ويتركه أحيانا ، بحسب مقتضى الحال .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على التوقيف والإتباع لا على الهوى والابتداع ؛ فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء
وسالكها على سبيل أمان وسلامة والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس وهي جملة يطول تفصيلها !!
وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس ; بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به
; بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة ؛ فهذا إذا لم يُعْلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه ; لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به . وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب . وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي :
فهذا مما ينهى عنه ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد ."
مجموع الفتاوى (22/511) .
خامسا :
ما هو مقدار القنوت ؟ وهل يشرع التطويل فيه أم لا ؟
إذا تأملنا في حديث الحسن بن علي السابق ، نجد أن الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم له دعاء مختصر موجز ، لا يكاد يستغرق الدقائق المعدودات ، مما يدل على أن الأَوْلَى في دعاء القنوت هو الاختصار ، والاقتصار على جوامع الدعاء .
جاء في مغني المحتاج (1/369) :
" قال في المجموع عن البغوي : وتكره إطالة القنوت كالتشهد الأول ، وقال القاضي حسين : ولو طَوَّلَ القنوت زائدًا على العادة كُره " انتهى .
بل أشار النووي رحمه الله تعالى إلى أن الجمع بين دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعاء عمر رضي الله عنه ، في القنوت ، هو من التطويل الذي ينبغي مراعاة أحوال الناس فيه ، والعلم برضاهم به .
قال : " قال أصحابنا : يستحب الجمع بين قنوت عمر رضي الله عنه وبين ما سبق فإن جمع بينهما فالأصح تأخير قنوت عمر , وفي وجه يستحب تقديمه وإن اقتصر فليقتصر على الأول , وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفردا أو إمام محصورين يرضون بالتطويل والله أعلم"
المجموع (3/478) .
وإذا كان الجمع بين الدعاءين المذكورين ، على قصرهما ، نوعا من التطويل ، فكيف بما يبلغ ما ذكرت في سؤالك (20) دقيقة ، أو نحوها ، فكيف بمن يدعو ضعف ذلك أو يزيد ، مما ابتلي به كثير من الأئمة الذين لا هم لهم إلا التغني بالناس ، والعياذ بالله ، وقد رأى الناس من ذلك في زماننا عجبا !!
والأحسن في هذا كله والله أعلم هو الاعتدال ، فإن خير الأمور الوسط ، وقد نهت الشريعة أن نشق على الناس ، خاصة إذا اعتاد ذلك في كل ليلة .
سئل الشيخ ابن عثيمين السؤال التالي "فتاوى علماء البلد الحرام" (152) :
" بعض أئمة المساجد في رمضان يطيلون الدعاء ، وبعضهم يُقَصّر ، فما هو الصحيح ؟
فأجاب رحمه الله :
" الصحيح ألا يكون غلو ولا تقصير ، فالإطالة التي تشق على الناس منهي عنها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا بلغه أن معاذ بن جبل أطال الصلاة في قومه ، غضب عليه غضبا لم يغضب في موعظة مثله قط ، وقال لمعاذ بن جبل ( يَا مُعَاذُ ! أَفَتَّانٌ أَنتَ ؟ )
رواه البخاري (6106) ومسلم (465)
فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة ، أو يزيد .
ولا شك في أن الإطالة شاقة على الناس وترهقهم ، ولا سيما الضعفاء منهم ، ومِن الناس مَن يكون وراءه أعمال ، ولا يُحِبُّ أن ينصرف قبل الإمام ، ويشق عليه أن يبقى مع الإمام ، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بَيْنَ بَيْنَ ، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحيانا ، حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب " انتهى .
سادسا :
أما ما سألت عنه من حكم ترتيل دعاء القنوت ، وتحسين الصوت به ، فإن بالغ في ذلك واشتغل به وجعله أكبر همه ، واتخذه وسيلة لصرف وجوه الناس إليه
أو خرج به عن حد الدعاء إلى الموعظة أو كلام الناس ، كما هو الحال المشار إليه في سؤالك ، وكما يفعله كثير من الأئمة الذين يتلاعبون بعبادة الناس وعواطفهم ، إذا كان الحال ما ذكر ؛ فهو منكر يستهجنه كل من علم هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ويأباه كل ذي طبع سليم .
قال الكمال بن الهمام الحنفي رحمه الله في كلامه عن المؤذنين الذين يبلغون خلف الإمام ـ في زمانه ـ :
" أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ ؛ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مَدِّ هَمْزَةِ اللَّهُ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ فَلِأَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَالَةِ الْإِبْلَاغِ ، وَالِاشْتِغَالِ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ ، ...
وَهُنَا مَعْلُومٌ أَنَّ قَصْدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ : اعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ : أَفْسَدَ ، وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ !!
وإذا كان هذا قوله في أحوال المؤذنين ؛ فكيف بالإئمة الذين يفعلون ذلك داخل الصلاة ؟!! فلا جرم استطرد بعدها ، فقال :
" كَمَا أرى تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلَ حَاجَةٍ مِنْ مَلِكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ وَطَلَبُهُ تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّغْرِيبِ وَالرُّجُوعُ كَالتَّغَنِّي نُسِبَ أَلْبَتَّةَ إلَى قَصْدِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّعِبِ ، إذْ مَقَامُ طَلَبِ الْحَاجَةِ التَّضَرُّعُ لَا التَّغَنِّي !! " انتهى .
فتح القدير ، للكمال ابن الهمام ، من فقهاء الحنفية (2/225-226) .
وأما مراعاة حسن الصوت ، من غير غلو ، أو إخراج للكلام عن جهته في النطق العربي الفصيح ، فالظاهر أنه ليس من هذا التغني المذموم الذي أشرنا إليه .
وقد سئل عنه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، فأجاب جوابا مفصلا .
سئل رحمه الله كما في "فتاوى البلد الحرام" (153) ما يلي :
بعض أئمة المساجد يحاول ترقيق قلوب الناس ، والتأثير فيهم ، بتغيير نبرة صوته أحيانا ، في أثناء صلاة التراويح ، وفي دعاء القنوت ، وقد سمعت بعض الناس يُنكر ذلك ، فما قولكم حفظكم الله في هذا ؟
فكان جوابه :
" الذي أرى أنَّه إذا كان هذا العمل في الحدود الشرعية ، بدون غلو ، فإنه لا بأس به ، ولا حرج فيه ، ولهذا قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم :
( لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّكَ تَستَمِعُ إِلَى قِرَاءَتِي لَحَبَّرتُهُ لَكَ تَحبِيرًا ) أي : حسَّنتُها وزينتها .
فإذا أحسن بعض الناس صوتَه ، أو أتى به على صفة ترقِّقُ القلوب
فلا أرى في ذلك بأسا ، لكنَّ الغلو في هذا ، لكونه لا يتعدى كلمةً في القرآن إلا فعل مثل هذا الفعل الذي ذكر في السؤال ، أرى أنَّ هذا من باب الغلو ، ولا ينبغي فعله ، والعلم عند الله " انتهى.
والله أعلم .
وانطر : رسالة : دعاء القنوت ، للعلامة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ، ورسالة عودوا إلى خير الهدى ، للشيخ محمد إسماعيل المقدم .
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 18:44
حول صحة حديث سلمان في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء حجته وهو ممسك بحلق الكعبة
السؤال :
ماصحة هذا الحديث ؟
أخبرنا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ أَبُو الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ ، فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ إِمْلاءً مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ
قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْسَرَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْخَوَاتِيمِيُّ
قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ سُلَيْمٍ الْخَشَّابِ مَوْلًى لِبَنِي شَيْبَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " لَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ أَخَذَ بِحَلْقَتَيْ بَابِ الْكَعْبَةِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : ( يَأَيُّهَا النَّاسُ )
فَقَالُوا : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَتْكَ آبَاؤُنَا وَأُمَّهَاتُنَا ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى عَلا انْتِحَابُهُ ، فَقَالَ : ( يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِأَشْرَاطِ الْقِيَامَةِ ، إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ الْقِيَامَةِ إِمَاتَةَ الصَّلَوَاتِ ، وَاتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ
وَالْمَيْلَ مَعَ الْهَوَى ، وَتَعْظِيمَ رَبِّ الْمَالِ ) ، قَالَ : فَوَثَبَ سَلْمَانُ , فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ ؟
قَالَ : ( إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، عِنْدَهَا يَذُوبُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ مِمَّا يَرَى ، وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَ ) ، قَالَ سَلْمَانُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ ؟ قَالَ : ( إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَمْشِي بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِالْمَخَافَةِ ) ، قَالَ سَلْمَانُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ ؟ قَالَ : (
إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، عِنْدَهَا يَكُونُ الْمَطَرُ قَيْظًا وَالْوَلَدُ غَيْظًا ، وَتَفِيضُ اللِّئَامُ فَيْضًا ، وَيَغِيضُ الْكِرَامُ غَيْضًا )
قَالَ سَلْمَانُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ ؟ قَالَ : ( إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَلْمُؤْمِنُ يَوْمَئِذٍ أَذَلُّ مِنَ الأَمَةِ ، فَعِنْدَهَا يَكُونُ الْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا ، وَالْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا ، وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ الأَمِينُ ، وَيُصَدَّقُ الْكَذَّابُ ، وَيُكَذَّبُ ... ) .
الجواب :
الحمد لله
الحديث المذكور : موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم
وقد أخرجه أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى الجريري النهرواني في "الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي" (ص444)
فقال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ أَبُو الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعَ عشرَة وثلاثمائة إِمْلاءً مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْسَرَةَ
قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن أبي شُعَيْبٍ الْخَوَاتِيمِيُّ ، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمٍ الْخَشَّابِ مَوْلًى لِبَنِي شَيْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حَجَّ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ أَخَذَ بِحَلْقَتَيْ بَابِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاس فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاسُ فَقَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَتْكَ آبَاؤُنَا وَأُمَّهَاتُنَا
ثُمَّ بَكَى حَتَّى عَلا انْتِحَابُهُ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاسُ إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِأَشْرَاطِ الْقِيَامَةِ ، إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ الْقِيَامَةِ إِمَاتَةَ الصَّلَوَاتِ وَاتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ وَالْمَيْلَ مَعَ الْهَوَى وَتَعْظِيمَ رَبِّ الْمَالِ ، قَالَ فَوَثَبَ سَلْمَانُ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، عِنْدَهَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ مِمَّا يَرَى ، وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَ
قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ ليمشي بَينهم يؤمئذٍ بِالْمَخَافَةِ ، قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
عِنْدَهَا يَكُونُ الْمَطَرُ قَيْظًا وَالْوَلَدُ غَيْظًا ، تفيض اللئام فيضاً ، يغيض الْكِرَامُ غَيْضًا ، قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَلْمُؤْمِنُ يومئذٍ أَذَلُّ مِنَ الأَمَةِ ، فَعِنْدَهَا يَكُونُ الْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا وَالْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ الأَمِينُ ، وَيُصَدَّقُ الْكَذَّابُ ، وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ
قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، عِنْدَهَا يَكُونُ أُمَرَاءُ جَوَرَةً ، وَوُزَرَاءُ فَسَقَةً ، وَأُمَنَاءُ خَوَنَةً ، وَإِمَارَةُ النِّسَاءِ وَمُشَاوَرَةُ الإِمَاءِ ، وَصُعُودُ الصِّبْيَانِ الْمَنَابِرَ ، قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟
قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، عِنْدَهَا يليهم أَقْوَامٌ إِنْ تَكَلَّمُوا قَتَلُوهُمْ وَإِنْ سكتوا استباحوهم ، ويستأثرون بفيئهم يطأون حَرِيمَهُمْ وَيُجَارُ فِي حُكْمِهِمْ يَلِيهِمْ أَقوام جثاهم جثا النّاس
قَالَ القَاضِي أَبُو الفَرَج: هُوَ هَكَذَا فِي الْكِتَابِ، وَالصَّوَابُ جثثهم جُثَثُ النَّاسِ وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ لَا يُوَقِّرُونَ كَبِيرًا وَلا يَرْحَمُونَ صَغِيرًا قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، يَا سلمان ، عِنْدَهَا تُزَخْرَفُ الْمَسَاجِدُ كَمَا تُزَخْرَفُ الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ ، وَتُحَلَّى الْمَصَاحِفُ
وَيُطِيلُونَ الْمَنَابِرَ ، وَتَكْثُرُ الصُّفُوفُ ، قُلُوبُهُمْ مُتَبَاغِضَةٌ وأهواؤهم جَمَّةٌ وَأَلْسِنَتُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ ، قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، عِنْدَهَا يَأْتِي سَبْيٌ مِنَ الْمَشْرِقِ يَلُونَ أُمَّتِي فَوَيْلٌ لِلضُّعَفَاءِ مِنْهُمْ ، وَوَيْلٌ لَهْمُ مِنَ اللَّهِ ، قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟
قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، عِنْدَهَا يَكُونُ الْكَذِبُ ظُرْفًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا ، وَتَظْهَرُ الرُّشَا ، وَيَكْثُرُ الرِّبَا ، وَيَتَعَامَلُونَ بِالْعِينَةِ ، وَيَتَّخِذُونَ الْمَسَاجِدَ طُرُقًا ، قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟
قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، عِنْدَهَا تُتَّخَذُ جُلُودُ النُّمُورِ صِفَاقًا ، وَتَتَحَلَّى ذُكُورُ أُمَّتِي بِالذَّهَبِ وَيَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ ، وَيَتَهَاوَنُونَ بِالدِّمَاءِ ، وَتَظْهَرُ الْخُمُورُ وَالْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ ، وَتُشَارِكُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي التِّجَارَةِ ، قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ
عِنْدَهَا يَطْلُعُ كَوْكَبُ الذَّنَبِ وَتَكْثُرُ السِّيجَانُ وَيَتَكَلَّمُ الرُّوَيْبِضَةُ ، قَالَ سَلْمَانُ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ يَتَكَلَّمُ فِي الْعَامَّةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّمُ ، وَيَحْتَضِنُ الرَّجُلُ للسُّمْنَةِ ، وَيُتَغَنَّى بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُتَّخَذُ الْقُرْآنُ مَزَامِيرَ ، وَتُبَاعُ الْحكمُ وَتَكْثُرُ الشُّرَطُ ؛ قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
عِنْدَهَا يَحُجُّ أُمَرَاءُ النَّاسِ لَهْوًا وَتَنَزُّهًا ، وَأَوْسَاطُ النَّاسِ لِلتِّجَارَةِ ، وَفُقَرَاءُ النَّاسِ لِلْمَسْأَلَةِ ، وَقُرَّاءُ النَّاسِ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ ؛ قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، عِنْدَهَا يُغَارُ عَلَى الْغُلامِ كَمَا يُغَارُ عَلَى الْجَارِيَةِ الْبِكْرِ ، وَيُخْطَبُ الْغُلامُ كَمَا تُخْطَبُ الْمَرْأَةُ ، وَيُهَيَّأُ كَمَا تُهَيَّأُ الْمَرْأَةُ
وَتَتَشَبَّهُ النِّسَاءُ بِالرِّجَالِ وَتَتَشَبَّهُ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ ، وَيَكْتَفِي الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ ، وَتَرْكَبُ ذَوَاتُ الْفُرُوجِ السُّرُوجَ فَعَلَيْهِنِّ مِنْ أُمَّتِي لَعْنَةُ اللَّهِ ، قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟
قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، عِنْدَهَا يَظْهَرُ قُرَّاءٌ عِبَادَتُهُمُ التَّلاوُمُ بَيْنَهُمْ ، أُولَئِكَ يُسَمَّوْنَ فِي ملكوت السَّمَاء الأنجاس والأرجاس ؛ قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟
قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، تَتَشَبَّبُ الْمَشْيَخَةُ ، قَالَ : قُلْتُ: وَمَا تَشَبُّبُ الْمَشْيَخَةِ؟ قَالَ: أَحْسبهُ ذهب من كِتَابِي إِنَّ الْحُمْرَةَ هَذَا الْحَرْفُ وَحْدَهُ خِضَابُ الإِسْلامِ وَالصُّفْرَةُ خِضَابُ الإِيمَانِ وَالسَّوَادُ خِضَابُ الشَّيْطَانِ قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
عِنْدَهَا يُوضَعُ الدِّينُ وَتُرْفَعُ الدُّنْيَا وَيُشَيَّدُ الْبِنَاءُ وَتُعَطَّلُ الْحُدُودُ وَيُمِيتُونَ سُنَّتِي ، فَعِنْدَهَا يَا سَلْمَانُ لَا تَرَى إِلا ذَامًّا وَلا يَنْصُرُهُمُ اللَّهُ ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَهُمْ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمُونَ كَيفَ لَا ينْصرُونَ؟ قَالَ: يَا سَلْمَانُ إِنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ النكر ، وَإِنَّ أَقْوَامًا يَذُمُّونَ اللَّهَ تَعَالَى وَمَذَمَّتُهُمْ إِيَّاهُ أَنْ يَشْكُوهُ وَذَلِكَ عِنْدَ تَقَارُبِ الأَسْوَاقِ
قَالَ: وَمَا تَقَارُبُ الأَسْوَاقِ؟ قَالَ عِنْدَ كَسَادِهَا كُلٌّ يَقُولُ: مَا أَبِيعُ وَلا أَشْتَرِي وَلا أَرْبَحُ ، وَلا رَازِقَ إِلا اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
عِنْدَهَا يَعُقُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ وَيَجْفُو صَدِيقَهُ ، وَيَتَحَالَفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ وَيَحْلِفُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ وَيَتَحَالَفُونَ بِالطَّلاقِ ، يَا سَلْمَانُ لَا يَحْلِفُ بِهَا إِلا فَاسِقٌ ، وَيَفْشُو الْمَوْتُ مَوْتُ الْفُجَاءَةَ وَيُحَدِّثُ الرَّجُلَ سَوْطُهُ
قَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، عِنْدَهَا تَخْرُجُ الدَّابَّةُ ، وَتَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ وَرِيحٌ حَمْرَاءُ ، وَيَكُونُ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهَدْمُ الْكَعْبَةِ ، وَتَمُورُ الأَرْضُ ، وَإِذَا ذُكِرَ الرَّجُلُ رُؤِيَ ".
والحديث عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/474)
إلى ابن مردويه ، وتفسيره مفقود كما هو معلوم .
والحديث موضوع مكذوب ، فيه سليم الخشاب ،
قال أحمد بن حنبل " ليس يسوى حديثه شيئا "
وقال أبو حاتم :" ضعيف الحديث منكر " .
كذا في "الجرح والتعديل" (4/315)
وقال ابن معين : كذاب .
كذا في "تاريخ ابن معين رواية ابن محرز" (1/58)
وقال النسائي :" متروك الحديث " .
كذا في "الضعفاء والمتروكون" (244)
وقال ابن حبان في "المجروحين" (463)
:" يَرْوِي عَن الثِّقَات الموضوعات الَّتي يتخايل إِلَى المستمع لَهَا ، وَإِن لَمْ يكن الْحَدِيث صناعته : أَنَّهَا مَوْضُوعَة ".
وله طريق آخر مكذوب أيضا
أخرجه الصابوني في "المائتين" كما في "تخريج أحاديث إحيا
علوم الدين" للعراقي والزبيدي وابن السبكي (2/670) .
وساق فيه إسناده عن الصابوني أنه قال : أخبرنا أبو سور الرستمي أنبأنا أبو نصر المطري حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن يحيى الخالدي حدثنا أبو الليث نصر بن خلف بن سيار حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن الهيثم الضرير المعلم حدثنا أبو زكريا يحيى بن نصر حدثنا علي بن إبراهيم عن ميسرة
بن عبد الله الشتري عن موسى بن جابان عن أنس قال لما حج النبي - صلّى الله عليه وسلم - حجة الوداع أخذ بحلقة باب الكعبة ثم قال يا أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا فإني مخبركم باقتراب الساعة ، ألا من اقتراب الساعة إقامة الصلاة .. فساق الحديث .
وهو طريق تالف مكذوب أيضا ، فيه متروك وكذاب ، أما المتروك فهو موسى بن جابان
ذكره ابن حجر في "لسان الميزان" (1726)
وقال :" قال الأزدي: متروك الحديث ".
وأما الكذاب فهو ميسرة بن عبد الله
أو بن عبد ربه : كذاب
قال أبو داود :" ميسرة بن عبد ربه أقر بوضع الحديث "
وقال البخاري :" يرمى بالكذب "
وقال النسائي :" متروك الحديث "
. كذا في "تاريخ بغداد" (15/297)
وقال أبو حاتم :" مَيسَرَةُ بْنُ عَبْدِ ربِّه كَانَ يَفتَعِلُ الحديثَ ".
كذا في "العلل" لابن أبي حاتم (766) .
وفي الأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة في أشراط الساعة وأحوال آخر الزمان : ما يغني عن مثل هذه الموضوعات والواهيات .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 18:52
حول معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأمير الذي أمر أصحابه بدخول النار :" لو دخلوها ما خرجوا منها"
السؤال :
عن علي رضي الله عنه قال : " بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية ، فاستعمل رجلا من الأنصار ، وأمرهم أن يطيعوه فغضب ، فقال : أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟
قالوا : بلى ، قال : فاجمعوا لي حطبا ، فجمعوا ، فقال : أوقدوا نارا ، فأوقدوها ، فقال : ادخلوها ، فهموا ، وجعل بعضهم يمسك بعضا ، ويقولون : فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار ، فما زالوا حتى خمدت النار
فسكن غضبه ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة ، الطاعة في المعروف )" صحيح البخاري (٧١٤٥ ). ما معنى :( لو دخلوها ما خرجوا منها )؟
هل ذلك يعني أن الطاعة في المعصية شرك أصغر ، وأن الشرك الأصغر لا يُغفر ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
أهل السنة وسط بين أهل الفرق كما أن أهل الإسلام وسط بين الأمم ، ومن وسطية أهل السنة أنهم لا يكفرون أصحاب الكبائر ، ولا يحكمون عليهم بالخلود في النار
بل يقولون أن من لقي الله بكل ذنب ، خلا الشرك : فأمره إلى الله إن شاء عذبه ثم أخرجه من النار إلى الجنة ، وإن شاء غفر له .
وهذا بخلاف قول الوعيدية من الخوارج والمعتزلة ممن يحكمون على صاحب الكبيرة بالخلود في النار .
وقد وردت الأدلة المتواترة من القرآن والسنة مع إجماع أهل السنة على ذلك ، ومن ذلك قوله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ". النساء/48 .
وحديث عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:" بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَسْرِقُوا
وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ".
أخرجه البخاري (18) ، ومسلم (1709) .
قال النووي في "شرح مسلم" (2/41)
:" حديث أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ :" مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ " ، وَحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا وَلَا يَعْصُوا إِلَى آخِرِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَمَنْ فَعَلَ وَلَمْ يُعَاقَبْ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " : فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ
مع نظائرهما في الصحيح ، مع قوله اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يشاء " ، مَعَ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَالْقَاتِلَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ غَيْرِ الشِّرْكِ لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ
بَلْ هُمْ مُؤْمِنُونَ نَاقِصُوا الْإِيمَانِ ، إِنْ تَابُوا سَقَطَتْ عُقُوبَتُهُمْ ، وَإِنْ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَى الْكَبَائِرِ : كَانُوا فِي الْمَشِيئَةِ؛ فإن شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَفَا عَنْهُمْ وَأَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ أَوَّلًا، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ثُمَّ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ ". انتهى
ثانيا :
هناك بعض النصوص التي قد يُفهم منها البعض أنها تدل على خلود أصحاب الكبائر في النار ، وهذا فهم خاطئ ، نشأ عن عدم جمع النصوص الواردة في المسألة ، وعدم فهم لسان العرب الذي به فهم نصوص الشرع .
ومن هذه النصوص التي قد تُشكل : ما أورده السائل الكريم ، وهو حديث :
علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟
قَالُوا: بَلَى ، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا ، فَجَمَعُوا ، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا ، فَأَوْقَدُوهَا ، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا ، فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا ، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ
فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ:
« لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ ».
أخرجه البخاري (4340) ، ومسلم (1840)
وفي لفظ عند البخاري (7145)
لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ » .
وجواب هذا الإشكال كما يلي :
أن الحديث ورد بلفظين أحدهما مفسر للآخر ، فلفظ " لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا" يفسره اللفظ الثاني وهو " لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ "
فاللفظ الثاني بيَّن أن نهاية مكثهم في النار إلى يوم القيامة ، فإذا قامت القيامة فقد انتهى مكثهم في النار .
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (6/245) :
" وقوله: " ما خرجوا منها إلى يوم القيامة ": تفسير احتمال قوله في غير هذه الرواية: " ما خرجوا منها " ، وزيادةِ: " أبداً " في بعضها ؛ إذ لا يخلد أحد بذنب على مذهب جماعة أهل السنة ".
انتهى . وينظر : العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم" لابن الوزير (9/68) .
ويوضحه : أن يحمل المراد بالنار في الحديث ،
على النار التي أوقدوها ، وليسن نار الآخرة .
قال ابن حجر في "الفتح" (13/123)
:" وَقَوْلُهُ لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا قَالَ الدَّاوُدِيُّ : يُرِيدُ : تِلْكَ النَّارَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَمُوتُونَ بِتَحْرِيقِهَا ، فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَحْيَاءً . قَالَ : وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّارِ نَارَ جَهَنَّمَ ، وَلَا أَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ فِيهَا ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ : (يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ) . قَالَ : وَهَذَا مِنَ الْمَعَارِيضِ الَّتِي فِيهَا مَنْدُوحَةٌ
يُرِيدُ أَنَّهُ سِيقَ مَسَاقَ الزَّجْرِ وَالتَّخْوِيفِ ، لِيَفْهَمَ السَّامِعُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ خُلِّدَ فِي النَّارِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الزَّجْرُ وَالتَّخْوِيفُ ". انتهى وقريب من ذلك : قول من حمل المراد بلفظة " أبدا " ،
على "أبد الدنيا" ، وطول عذابهم بهذه النار التي أوقدوها ، على حد قولهم : " أبَّد الله بقائك " أي أطاله . قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (1/34) :" أبد : الْهَمْزَةُ وَالْبَاءُ وَالدَّالُ يَدُلُّ بِنَاؤُهَا عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ " . انتهى .
وعلى ذلك يكون المقصود هنا طول فترة العذاب لا الخلود في جهنم أبدا، من غير خروج منها
. قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (8/216) قال المهلب: وقوله في حديث على: ( لو دخلوها ما خرجوا منها أبدًا )
: فالأبد هاهنا يراد به أبد الدنيا ؛ لقوله تعالى:" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء/48 ، ومعلوم أن الذين هموا بدخول النار لم يكفروا بذلك فيجبَ عليهم التخليد أبد الآخرة
ألا ترى قولهم:" إنما اتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم فرارًا من النار " فدل هذا أنه أراد صلى الله عليه وسلم : لو دخلوها لماتوا فيها ولم يخرجوا منها مدة الدنيا ، والله أعلم ". انتهى .
وقال ابن القيم في "حاشيته على سنن أبي داود" (7/208)
:" وَقَوْله (أَبَدًا) : لَا يُعْطِي خُلُودهمْ فِي نَار جَهَنَّم ، فَإِنَّ الْإِخْبَار إِنَّمَا هُوَ عَنْ نَار الدُّنْيَا ، وَالْأَبَد كَثِيرًا مَا يُرَاد بِهِ أَبَد الدُّنْيَا ، قَالَ تَعَالَى فِي حَقّ الْيَهُود {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْكُفَّار أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْت فِي النَّار وَيَسْأَلُونَ رَبّهمْ أَنْ يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِالْمَوْتِ ". انتهى
أن يكون معنى خلودهم في النار إذا فعلوا ذلك على وجه الاستحلال
قال العيني في "عمدة القاري" (17/315)
:" وَالْمرَاد بقوله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة : التَّأْبِيد ؛ يَعْنِي : لَو دخلوها ، مستحلين لَهُ ، لما خَرجُوا مِنْهَا أبدا ". انتهى
ثالثا :
وأما سؤال السائل الكريم عن الطاعة في المعصية ، فإن الطاعة لا تكون إلا في المعروف ، ومن أطاع أحدا في تحريم الحلال أو تحليل الحرام؛ فأحل ما حرم الله بإحلال البشر ، أو حرم ما أحل الله بتحريم البشر، وهو يعلم فرض الله في ذلك ، فتركه : فهذا من قبيل الشرك الأكبر .
وأما من أطاع غيره في المعصية لهوى في نفسه ، غير مستحل لذلك ، بل في نفسه أنها معصية ، وحمله على ذلك ضعف إيمانه فهذه معصية يجب عليه التوبة إلى الله منها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/97)
:" فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ، دَعْ جَلِيلَهُ .
وَهُوَ شِرْكٌ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّأَلُّهِ .
وَشِرْكٌ فِي الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ .
وَشِرْكٌ فِي الْإِيمَانِ وَالْقَبُولِ.
فَالْغَالِيَةُ مِنْ النَّصَارَى وَالرَّافِضَةِ وَضُلَّالِ الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْعَامَّةِ : يُشْرِكُونَ بِدُعَاءِ غَيْرِ اللَّهِ تَارَةً ، وَبِنَوْعِ مِنْ عِبَادَتِهِ أُخْرَى ، وَبِهِمَا جَمِيعًا تَارَةً . وَمَنْ أَشْرَكَ هَذَا الشِّرْكَ أَشْرَكَ فِي الطَّاعَةِ .
وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَأَجْنَادِ الْمُلُوكِ وَأَتْبَاعِ الْقُضَاةِ وَالْعَامَّةِ الْمُتَّبِعَةِ لِهَؤُلَاءِ : يُشْرِكُونَ شِرْكَ الطَّاعَةِ ، وَقَدْ {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لَمَّا قَرَأَ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَبَدُوهُمْ فَقَالَ مَا عَبَدُوهُمْ وَلَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَامَ فَأَطَاعُوهُمْ وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَالَ فَأَطَاعُوهُمْ}". انتهى .
وقال أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" (2/275) :" إنَّمَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ ، بِطَاعَةِ الْمُشْرِكِ مُشْرِكًا: إذَا أَطَاعَهُ فِي اعْتِقَادِهِ ، الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ ؛ فَإِذَا أَطَاعَهُ فِي الْفِعْلِ
وَعَقْدُهُ سَلِيمٌ مُسْتَمِرٌّ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيقِ : فَهُوَ عَاصٍ ، فَافْهَمُوا ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ". انتهى
رابعا :
وأما الشرك الأصغر فصاحبه لا يخلد في النار باتفاق أهل السنة والجماعة ، وإن كان بينهم خلاف هل صاحبه داخل تحت المشيئة أم لابد أن يعذب عليه إلا أن يتوب منه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على البكري" (1/301)
:" والشرك له شعب تُكَبِّره و تُنمِّيه ، كما أن الإيمان له شعب تكبره و تنميه .
وإذا كان كذلك ، فإذا تقابلت الدعوتان : فمن قيل إنه مشرك ، أولى بالوعيد ممن قيل فيه : إنه ينتقص الرسول .
فإن هذا إن كان مشركا الشرك الأكبر : كان مخلدا في النار ، وكان شرا من اليهود و النصارى .
وإن كان مشركا الشرك الأصغر : فهو أيضا مذموم ممقوت ، مستحق للذم و العقاب .
وقد يقال الشرك لا يغفر منه شيء ، لا أكبر ولا أصغر ، على مقتضى عموم القرآن ؛ وإن كان صاحب الشرك الأصغر يموت مسلما ، لكن شركه لا يغفر له ، بل يعاقب عليه ، وإن دخل بعد ذلك الجنة ". انتهى
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 18:56
متى تكون طاعة المخلوق شركاً أكبر
السؤال :
متى تكون طاعة المخلوق شركاً أكبر ؟
الجواب:
الحمد لله
تكون طاعة المخلوق شركاً في حالات ومنها إذا أطاعه في أمر يحلّ به حراماً ، أو يحرم حلالاً
أو أنّ المخلوق شرع نظاماً ، أوسن قانوناً ، يخالف شرع الله
واعتقد المتّبع أن هذا التشريع أكمل من شرع الله وأصلح ، أو أنه مثل شرع الله أو أنّ شرع الله أفضل ولكن يجوز العمل بهذا الشّرع البشري
والدليل على ذلك : قول الله تعالى : ( اتخذوا أحبـارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله )
قال عدي بن حاتم : يا رسول الله لسنا نعبدهم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أليس يحلون لكم ما حرّم الله فتحلونه ، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ ) قال : بلى . قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فتلك عبادتهم )
فصارت طاعة النصارى لأحبارهم في المعصية واعتقاد التحليل والتحريم لأجل كلامهم عبادة لغير الله
وهو من الشرك الأكبر المنافي للتوحيد
وأما بالنسبة لسؤالك فإن كان المطيع لوالديه في المعصية يعتقد أنها معصية وإنما يفعل ما يفعل لهوى نفسه أو خوفا من عقاب والديه ولم يصل إلى درجة الإكراه فهو عاص آثم مخالف
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . " رواه الإمام أحمد 1041
وهو حديث صحيح ، ولكنه لا يكون مشركا شركا أكبر وأما إذا كان الولد يعتقد أنّ كلام والديه يحلّ ما حرّم الله ويحرّم ما أحلّ الله فإنه يكون مشركا شركا أكبر
وينبغي على المسلم أن يجاهد نفسه ليكون هواه موافقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأن يقدّم طاعة الله ورسوله على طاعة كلّ أحد
وأن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . "
رواه البخاري 63
والله الهادي إلى سواء السبيل .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 19:02
الشرك الأصغر هل يدخل تحت المشيئة
السؤال :
لي زميل في العمل وأثناء الحديث معه أخبرنا بأن لديه حجابا أخذه من ناس يقولون إنهم شيوخ معالجون من نفس المنطقة يقول مكتوب به آية الكرسي ووضعه في جلد ويربطه على وسطه فدار بيننا حوار أنا وهو ومجوعة من الزملا
وناصحناه بحرق الكتاب أو أن يأتي به لأحد الأشخاص الموثوقين لفكه والنفث عليه فرفض بحجة أنهم شيوخ وأن هذا الشيء ما يقدر يطلع عليه أحد وأنه مفيد فما كان مني إلا أن قلت له من باب تخويفه بالله
( والله لو مت وهو معك لتدخل النار ) وبصراحة بعدما قلتها ندمت وخفت أن الله يحبط عملي مثل الرجل الذي قال لأحد العصاة والله لا يغفر الله لك فقال الله تعالى ( من ذا الذي يتألى علي فقد غفرت له وأحبطت عملك )
وأنا الآن خائف من هذا الشيء أرجو إفادتي بماذا يجب علي فعله جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز تعليق التمائم ولو كانت من القرآن الكريم ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ ) رواه أحمد (17440) و حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ ) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع .
والتمائم إذا كانت من القرآن ، فهي مما اختلف فيه العلماء ، والراجح المنع ، لعموم الأدلة ، وسدا للذريعة ، ولما في ذلك من الامتهان غالبا ، إذا هذه التميمة ينام بها صاحبها ، ويدخل بها الخلاء ، ونحو ذلك .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212)
: " اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن ، واختلفوا إذا كانت من القرآن ، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها ، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة " انتهى .
وهذا كله إذا سلمنا أن الحجاب المسئول عنه ليس فيه إلا آية الكرسي أو نحوها من كلام الله عز وجل ، وإلا فقد يكون فيه سحر وكفر ، والعجيب أن السحرة يضعون كلام الله تعالى مع كفرهم وباطلهم ، حتى يروج إفكهم ، وينخدع الناس بهم .
وربما يظهر من حرص زميلك على ألا يطلع على الحجاب أحد ، وما رد عليكم حينما طلبتم الحجاب للاطلاع على ما فيه ، أو القراءة عليه ، ربما يظهر من ذلك أن صاحبك إما جاهل بما في الحجاب حقيقة ، أو أنه يعلم أنه الحجاب ليس خالصا لكلام الله عز وجل .
وعليه فالواجب نصح زميلك هذا ، وتحذيره من تعليق ما لا يعلم بداخله ، بل من تعليق التمائم كلها .
وقوله : إنه ما يقدر أحد أن يطلع عليه ، ليس صحيحا ، بل هذا من دجل السحرة والمشعوذين وتخويهم للناس حتى لا يطلع على ما في تمائمهم من أسماء الشياطين ، أو الكتابة التي لا معنى لها
.
ثانيا :
وأما قولك : ( والله لو مت وهو معك لتدخل النار ) فإن كان مرادك أن من فعل ذلك فهو مستحق للنار ، بحسب ما بلغك من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك
ووعيده لمن فعله بالنار ، مع علمك بأننا لا نقطع لأحد ـ على وجه التعيين ـ بجنة ولا نار ، إلا بنص من الوحي ، وأن عصاة الموحدين في مشيئة الله تعالى
إن شاء عذبهم ، وإن شاء عفا عنهم ؛ إن كان هذا مرادك ، فلا حرج عليك فيه إن شاء الله .
وهكذا إن كنت تريد أن تهدده بعاقبة من يتهاون في مثل ذلك ، ويصر على فعله
فلا حرج عليك فيه إن شاء الله .
وفي مسند الإمام أحمد (19498)
عَنِ الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً أُرَاهُ قَالَ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ : ( وَيْحَكَ مَا هَذِهِ قَالَ مِنْ الْوَاهِنَةِ قَالَ أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا انْبِذْهَا عَنْكَ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا )
[ ضعفه الألباني في الضعيفة 1029 ] .
وفي سنن أبي داود (4669)
عَنْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ : ( أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ الْقَدَرِ فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي قَالَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوْ أَنْفَقْتَ
مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ )
صححه الألباني في صحيح الجامع (5244) .
قال القاري في قوله : ( .. لدخلت النار ) : يحتمل الوعيد ويحتمل التهديد !!
انتهى من تحفة الأحوذي .
وأما إن كان مرادك القطع على هذا الشخص المعين بأنه من أهل النار لأجل فعله هذا ، فهذا خطأ منك ؛ فنحن لا نشهد لمعين بجنة ولا نار ، إلا من شهد له النص بذلك .
تنبيه : تعليق التميمة قد يكون شركا أصغر ، وقد يكون أكبر بحسب حال مستعملها ، فإن اعتقد أنها تنتفع وتضر بذاتها ، فهذا شرك أكبر ، وإن اعتقد أنها سبب ، فهذا شرك أصغر ؛ لأنه جعل ما ليس سببا سببا ، والشرك الأصغر إن مات عليه صاحبه دون توبة ، فهل يدخل تحت المشيئة ، أم لا يغفر كالأكبر ، قولان لأهل العلم .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" هل قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) يشمل الشرك الأصغر ؟
فأجاب قائلا : اختلف في ذلك أهل العلم : فمنهم من قال : يشمل كل شرك ولو كان أصغر كالحلف بغير الله فإن الله لا يغفره ، وأما بالنسبة لكبائر الذنوب كالخمر والزنى فإنها تحت المشيئة إن شاء الله غفرها وإن شاء أخذ بها .
وشيخ الإسلام اختلف كلامه
فمرة قال : الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر ، ومرة قال : الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر .
وعلى كل حال يجب الحذر من الشرك مطلقا ؛ لأن العموم يحتمل أن يكون داخلا فيه الأصغر لأن قوله : ( أَن يُشْرَكَ بِهِ ) أن وما بعدها في تأويل مصدر تقديره " إشراكا به " فهو نكرة في سياق النفي فتفيد العموم "
انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" (2/203) .
وأما ما يلزمك فهو التوبة إلى الله تعالى من تساهلك في مثل هذه الإطلاقات ، وعدم العودة إلى ذلك مستقبلا .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 19:08
أحكام التمائم وتعليقها وهل تدفع التميمة العين والحسد
السؤال :
أريد أن أعرف إن كان يجوز وضع التمائم. لقد قرأت كتاب التوحيد وبعض الكتب الأخرى بقلم بلال فيليبس ، إلا أني وجدت بعض الأحاديث في الموطأ تجيز بعض أنواع التمائم.
كما أن كتاب التوحيد ذكر أن بعض السلف سمحوا بها . وهذه الأحاديث موجودة في الجزء 50 من الموطأ
وقد وردت تحت أرقام : 4 و11 و14. الرجاء الرد ، وإعلامي بصحة هذه الأحاديث وإعطائي المزيد من المعلومات عن هذا الموضوع . وشكرا لك .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لم نهتد إلى الأحاديث التي أراد السائل بيان صحتها ؛ وذلك لعدم معرفتنا بعين تلك الأحاديث وقد ذكر لنا أنها في الجزء ( 50 ) من الموطأ ! والموطأ جزء واحد .
لذا سنذكر ما تيسر من الأحاديث الواردة في الموضوع ونبين - إن شاء الله - حكم العلماء عليها ، ولعل بعضها أن يكون مما أراده السائل :
1. عن عبد الله بن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال : الصفرة - يعني : الخلوق - وتغيير الشيب وجر الإزار والتختم بالذهب والضرب بالكعاب والتبرج بالزينة لغير محلها والرقى إلا بالمعوذات وتعليق التمائم وعزل الماء عن محله وإفساد الصبي ، غير محرِّمه .
رواه النسائي ( 50880) وأبو داود ( 4222 ) .
الخَلوق : نوع من الطيب أصفر اللون .
عزل الماء عن محله : أي : عزل المني عن فرج المرأة .
إفساد الصبي : وطء المرأة المرضع ، فإنها إذا حملت فسد لبنها . والمعنى أي كره ولم يُحرِّمه والمقصود وطء المرضع .
والحديث : ضعَّفه الشيخ الألباني في " ضعيف النسائي " ( 3075 ) .
2. عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الرقى والتمائم والتوَلة شرك ، قالت : قلت لم تقول هذا ؟ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني فإذا رقاني سكنت
فقال عبد الله : إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقاها كف عنها إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً .
رواه أبو داود ( 3883 ) وابن ماجه ( 3530 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 331 ) و ( 2972 ) .
3. عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له " .
رواه أحمد ( 16951 ) .
والحديث : ضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع " ( 5703 ) .
4. عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد فقالوا : يا رسول الله بايعتَ تسعة وتركت هذا ، قال : إن عليه تميمة ، فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال : من علق تميمة فقد أشرك .
رواه أحمد ( 16969 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 492 ) .
ثانياً :
التمائم : جمع تميمة وهي ما يعلق بأعناق الصبيان أو الكبار أو يوضع على البيوت أو السيارات من خرزات وعظام لدفع الشر - وخاصة العين - ، أو لجلب النفع .
وهذه أقوال العلماء في أنواع التمائم وحكم كل واحدة منها ، وفيها تنبيهات وفوائد :
1. قال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب :
اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته :
فقالت طائفة : يجوز ذلك وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره ، وهو ظاهر ما روي عن عائشة وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية ، وحملوا الحديث على التمائم الشركية ، أمَّا التي فيها القرآن وأسماء الله وصفاته فكالرقية بذلك .
قلت : وهو ظاهر اختيار ابن القيم .
وقالت طائفة : لا يجوز ذلك ، وبه قال ابن مسعود وابن عباس ، وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم رضي الله عنه ، وبه قال جماعة من التابعين منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه
وجزم بها المتأخرون ، واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه فإن ظاهره العموم لم يفرق بين التي في القرآن وغيرها بخلاف الرقى فقد فرق فيها ، ويؤيد ذلك أن الصحابة الذين رووا الحديث فهموا العموم كما تقدم عن ابن مسعود .
وروى أبو داود عن عيسى بن حمزة قال : دخلت على عبد الله بن عكيم وبه حمرة فقلت : ألا تعلق تميمة ؟ فقال : نعوذ بالله من ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَن تعلق شيئاً وكل إليه " …
هذا اختلاف العلماء في تعليق القرآن وأسماء الله وصفاته فما ظنك بما حدث بعدهم من الرقى بأسماء الشياطين وغيرهم وتعليقها بل والتعلق عليهم والاستعاذة بهم والذبح لهم وسؤالهم كشف الضر وجلب الخير مما هو شرك محض وهو غالب على كثير من الناس إلا من سلم الله ؟
فتأمل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه والتابعون وما ذكره العلماء بعدهم في هذا الباب وغيره من أبواب الكتاب ثم انظر إلى ما حدث في الخلوف المتأخرة يتبين لك دين الرسول صلى الله عليه وسلم وغربته الآن في كل شيء ، فالله المستعان .
" تيسير العزيز الحميد " ( ص 136 - 138 ) .
2. وقال الشيخ حافظ حكمي :
إن تك هي - أي : التمائم - آيات قرآنية مبينات ، وكذلك إن كانت من السنن الصحيحة الواضحات فالاختلاف في جوازها واقع بين السلف من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم :
فبعضهم - أي : بعض السلف - أجازها ، يروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهما من السلف .
والبعض منهم كفَّ - أي : منع - ذلك وكرهه ولم يره جائزاً ، منهم عبد الله بن عكيم وعبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر وعبد الله بن مسعود وأصحابه كالأسود وعلقمة ومن بعدهم كإبراهيم النخعي وغيرهم رحمهم الله تعالى .
ولا شك أن منع ذلك أسد لذريعة الاعتقاد المحظور لا سيما في زماننا هذا ؛ فإنه إذا كرهه أكثر الصحابة والتابعين في تلك العصور الشريفة المقدسة والإيمان في قلوبهم أكبر من الجبال فلأن يكره في وقتنا هذا
- وقت الفتن والمحن - أولى وأجدر بذلك ، كيف وهم قد توصلوا بهذه الرخص إلى محض المحرمات وجعلوها حيلة ووسيلة إليها ؟ فمن ذلك أنهم يكتبون في التعاويذ آية أو سورة أو بسملة أو نحو ذلك ثم يضعون تحتها من الطلاسم الشيطانية ما لا يعرفه إلا من اطلع على كتبهم
ومنها أنهم يصرفون قلوب العامة عن التوكل على الله عز وجل إلى أن تتعلق قلوبهم بما كتبوه ، بل أكثرهم يرجفون بهم ولم يكن قد أصابهم شيء فيأتي أحدهم إلى من أراد أن يحتال على أخذ ماله مع علمه أنه قد أولع به فيقول له : إنه سيصيبك في أهلك أو في مالك أو في نفسك كذا وكذا
أو يقول له : إن معك قريناً من الجن أو نحو ذلك ويصف له أشياء ومقدمات من الوسوسة الشيطانية موهماً أنه صادق الفراسة فيه شديد الشفقة عليه حريص على جلب النفع إليه فإذا امتلأ قلب الغبي الجاهل خوفاً مما وصف له حينئذ أعرض عن ربه وأقبل ذلك الدجال بقلبه وقالبه والتجأ إليه وعول عليه دون الله عز وجل وقال له : فما المخرج مما وصفت ؟
وما الحيلة في دفعه ؟ كأنما بيده الضر والنفع ، فعند ذلك يتحقق فيه أمله ويعظم طمعه فيما عسى أن يبذله له فيقول له إنك إن أعطيتني كذا وكذا كتبت لك من ذلك حجابا طوله كذا وعرضه كذا ويصف له ويزخرف له في القول وهذا الحجاب علقه من كذا وكذا من الأمراض
أترى هذا مع هذا الاعتقاد من الشرك الأصغر ؟
لا بل هو تأله لغير الله وتوكل على غيره والتجاء إلى سواه وركون إلى أفعال المخلوقين وسلب لهم من دينهم ، فهل قدر الشيطان على مثل هذه الحيل إلا بوساطة أخيه من شياطين الإنس { قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون } [ الأنبياء / 42 ]
ثم إنَّه يكتب فيه مع طلاسمه الشيطانية شيئاً من القرآن ويعلقه على غير طهارة ، ويحدث الحدث الأصغر والأكبر ، وهو معه أبداً لا يقدسه عن شيء من الأشياء ، تالله ما استهان بكتاب الله أحدٌ من أعدائه استهانة هؤلا
الزنادقة المدَّعين الإسلام به ، والله ما نزل القرآن إلا لتلاوته والعمل به وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق خبره والوقوف عند حدوده والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بقصصه والإيمان به { كلٌّ من عند ربنا }
وهؤلاء قد عطلوا ذلك كله ونبذوه وراء ظهورهم ولم يحفظوا إلا رسمه كي يتأكلوا به ويكتسبوا كسائر الأسباب التي يتوصلون بها إلى الحرام لا الحلال ولو أن ملكا أو أميرا كتب كتابا إلى من هو تحت ولايته أن افعل كذا واترك كذا وأمر من في جهتك بكذا وانههم عن كذا
ونحو ذلك فأخذ ذلك الكتاب ولم يقرأه ولم يتدبر أمره ونهيه ولم يبلغه إلى غيره ممن أمر بتبليغه إليه بل أخذه وعلقه في عنقه أو عضده ولم يلتفت إلى شيء مما فيه البتة لعاقبه الملك على ذلك أشد العقوبة ولسامه سوء العذاب فكيف بتنزيل جبار السموات والأرض الذي له المثل الأعلى في السموات والأرض وله الحمد في الأولى والآخرة
وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه هو حسبي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم وإن تكن مما سوى الوحيين فإنها شرك بغير مين ، بل إنها قسيمة الأزلام في البعد عن سيما أولي الإسلام .
وإن تكن - أي : التمائم - مما سوى الوحيين بل من طلاسم اليهود وعباد الهياكل والنجوم والملائكة ومستخدمي الجن ونحوهم أو من الخرز أو الأوتار أو الحلق من الحديد وغيره فإنها شرك
- أي : تعليقها شرك - بدون ميْن - أي : شك - إذ ليست من الأسباب المباحة والأدوية المعروفة بل اعتقدوا فيها اعتقادا محضا أنها تدفع كذا وكذا من الآلام لذاتها لخصوصية
زعموا فيها كاعتقاد أهل الأوثان في أوثانهم بل إنها قسيمة أي شبيهة الأزلام التي كان يستصحبها أهل الجاهلية في جاهليتهم ويستقسمون بها إذا أرادوا أمرا وهي ثلاثة قداح مكتوب على إحداها افعل ، والثاني لا تفعل
والثالث غفل ، فإن خرج في يده الذي فيه افعل مضى لأمره ، أو الذي فيه لا تفعل ترك ذلك ، أو الغفل أعاد استقسامه ، وقد أبدلنا الله تعالى - وله الحمد - خيراً من ذلك صلاة الاستخارة ودعاءها .
والمقصود :
أن هذه التمائم التي من غير القرآن والسنة شريكة للأزلام وشبيهة بها من حيث الاعتقاد الفاسد والمخالفة للشرع في البعد عن سيما أولي الإسلام - أي : عن زي أهل الإسلام - فإن أهل التوحيد الخالص من أبعد ما يكون عن هذا
والإيمان في قلوبهم أعظم من أن يدخل عليه مثل هذا ، وهم أجل شأناً وأقوى يقيناً من أن يتوكلوا على غير الله أو يثقوا بغيره ، وبالله التوفيق . "
معارج القبول " ( 2 / 510 - 512 ) .
والقول بالمنع حتى ولو كانت التمائم من القرآن هو الذي عليه مشايخنا :
3. وقال علماء اللجنة الدائمة :
اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن ، واختلفوا إذا كانت من القرآن ، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها ، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 1 / 212 ) .
4. وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو والفلاَّحين وبعض المدنيين ، ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة ، وبعضهم يعلق نعلاً عتيقة في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها ، وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار أو الدكان ، كل ذلك لدفع العين زعموا
وغير ذلك مما عمَّ وطمَّ بسبب الجهل بالتوحيد ، وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسل ولا أنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها والقضاء عليها ، فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم ، وبعدهم عن الدين .
" سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 1 / 890 ) ( 492 ) .
والله أعلم.
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 19:12
ما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر؟
السؤال :
ما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر من حيث التعريف والأحكام؟
الجواب:
الحمد لله
"الشرك الأكبر: أن يجعل الإنسان لله ندا؛ إما في أسمائه وصفاته، فيسميه بأسماء الله ويصفه بصفاته، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأعراف/180 ، ومن الإلحاد في أسمائه : تسمية غيره باسمه المختص به أو وصفه بصفته كذلك.
وإما أن يجعل له ندا في العبادة بأن يضرع إلى غيره تعالى ، من شمس أو قمر أو نبي أو ملك أو ولي مثلا بقربة من القرب ، صلاة أو استغاثة به في شدة أو مكروه
، أو استعانة به في جلب مصلحة ، أو دعاء ميت أو غائب لتفريج كربة ، أو تحقيق مطلوب ، أو نحو ذلك مما هو من اختصاص الله سبحانه - فكل هذا وأمثاله عبادة لغير الله ، واتخاذ لشريك مع الله
قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف/110 .
وأمثالها من آيات توحيد العبادة كثير.
وإما أن يجعل لله ندا في التشريع، بأن يتخذ مشرعا له سوى الله ، أو شريكا لله في التشريع
يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم؛ عبادة وتقربا وقضاء وفصلا في الخصومات، أو يستحله وإن لم يره دينا، وفي هذا يقول تعالى في اليهود والنصارى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31
وأمثال هذا من الآيات والأحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى حكم الله ، أو الإعراض عن التحاكم إلى حكم الله والعدول عنه إلى التحاكم إلى قوانين وضعية، أو عادات قبلية، أو نحو ذلك .
فهذه الأنواع الثلاثة هي الشرك الأكبر الذي يرتد به فاعله أو معتقده عن ملة الإسلام، فلا يصلى عليه إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث عنه ماله، بل يكون لبيت مال المسلمين، ولا تؤكل ذبيحته ويحكم بوجوب قتله
ويتولى ذلك ولي أمر المسلمين إلا أنه يستتاب قبل قتله، فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل وعومل معاملة المسلمين.
أما الشرك الأصغر: فكل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركا
كالحلف بغير الله، فإنه مظنة للانحدار إلى الشرك الأكبر؛ ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم
ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) بل سماه: مشركا، روى ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك) رواه أحمد والترمذي والحاكم بإسناد جيد
لأن الحلف بغير الله فيه غلو في تعظيم غير الله، وقد ينتهي ذلك التعظيم بمن حلف بغير الله إلى الشرك الأكبر.
ومن أمثلة الشرك الأصغر أيضا: ما يجري على ألسنة كثير من المسلمين من قولهم: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، ونحو ذلك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك،
وأرشد من قاله إلى أن يقول: (ما شاء الله وحده) أو (ما شاء الله ثم شئت)؛ سدا لذريعة الشرك الأكبر من اعتقاد شريك لله في إرادة حدوث الكونيات ووقوعها، وفي معنى ذلك قولهم: توكلت على الله وعليك، وقولهم: لولا صياح الديك أو البط لسرق المتاع .
ومن أمثلة ذلك: الرياء اليسير في أفعال العبادات وأقوالها، كأن يطيل في الصلاة أحيانا ليراه الناس، أو يرفع صوته بالقراءة أو الذكر أحيانا ليسمعه الناس فيحمدوه، روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء)
أما إذا كان لا يأتي بأصل العبادة إلا رياء ولولا ذلك ما صلى ولا صام ولا ذكر الله ولا قرأ القرآن فهو مشرك شركا أكبر، وهو من المنافقين الذين قال الله فيهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ... الآية)
إلى أن قال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء/142-146
. وصدق فيهم قوله تعالى في الحديث القدسي : (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) رواه مسلم في صحيحه.
والشرك الأصغر لا يخرج من ارتكس فيه من ملة الإسلام ، ولكنه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر؛ ولذا قال عبد الله بن مسعود : (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا) .
وعلى هذا ؛ فمن أحكامه : أن يعامل معاملة المسلمين فيرثه أهله، ويرثهم حسب ما ورد بيانه في الشرع، ويصلى عليه إذا مات ، ويدفن في مقابر المسلمين ، وتؤكل ذبيحته
إلى أمثال ذلك من أحكام الإسلام، ولا يخلد في النار إن أدخلها كسائر مرتكبي الكبائر عند أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/172-176) .
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 19:23
متى يكون اتباع الهوى شركا أكبر ومتى يكون معصية
لسؤال
هل يصح ان نطلق على من يتبع هواه ويحب لأجله ويبغض لأجله ويحكم به ويخاف منه بأنه كافر خارج من الملة ؟
مستدلين بقوله تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) الجاثية/23 ؛
فعلى سبيل المثال : لو أن رجلاً يحب الزنا حباً شديداً ويترك الصلاة من أجله، وإذا
عي للجهاد في سبيل الله تقاعس وأخلد إلى الأرض لأنه يخاف أن تفوته لذة الزنا، وإذا قيل له صم شهر رمضان رفض ، لأنه لا يريد أن ينقطع عن الزنا، وإذا قيل له حج بيت الله رفض لأنه لا يريد أن يطهّر نفسه من الزنا ... وليس نادماً على ذلك كله ، ويرفض أن يتوب ؛ فهل يمكن ان يصنف مثل هذا الشخص بأنه كافر؟
الجواب :
الحمد لله
ذم الله اتباع الهوى في مواضع كثيرة من كتابه
منها قوله تعالى : ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ) الفرقان/43
وقوله : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) الجاثية/23
وقوله : ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) القصص/50 .
واتباع الهوى ليس على منزلة واحدة ، فمنه ما يكون كفرا أو شركا أكبر ، ومنه ما يكون كبيرة ، ومنه ما يكون صغيرة من الصغائر .
فإن اتبع هواه حتى قاده إلى تكذيب الرسول ، أو الاستهزاء به ، أو الإعراض عنه - كما هو واضح من سياق آيتي الفرقان والجاثية - فهذا مشرك شركا أكبر
وهكذا كل من قاده الهوى إلى ارتكاب ما دلت الأدلة على أنه شرك أكبر أو كفر أكبر ، كدعاء الأموات ، أو جحد المعلوم بالضرورة ، أو ترك الصلاة ، أو استحلال الزنا أو الخمر .
وإن اتبع هواه فحلف بغير الله تعالى ، أو راءى بعمله ، فهو مشرك شركا أصغر .
وإن اتبع هواه ففعل بدعة غير مكفّرة فهو مبتدع .
وإن اتبع هواه ففعل كبيرة كالزنا أو شرب الخمر من غير استحلال ، فهو فاسق .
وإن اتبع هواه ففعل صغيرة ، فهو عاص غير فاسق .
وبهذا تعلم أن اتباع الهوى يقود إلى أمور متفاوتة ، فلا يصح أن يقال : إن من اتبع هواه فهو كافر بإطلاق .
ولفظ ( من اتخذ إلهه هواه ) تنطبق على من أتى الشرك الأكبر والأصغر ، فكل من تعلق بغير الله ، ففيه عبودية وتأله لهذا الغير ، وهذا قد يكون كفرا أكبر أو أصغر
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن جميع المعاصي تدخل في الشرك بمفهومه العام لأن كل من عصى الله تعالى فهو متبع لهواه ، وعابد لهواه ، كما دل عليه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ )
رواه البخاري (2887).
لكن الحكم على كون الفعل - الذي قاد الهوى إليه - كفرا أكبر أو أصغر يُرجع فيه إلى قواعد الشريعة وأدلتها التفصيلة الأخرى .
وإليك بعض كلام أهل العلم في ذلك .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي
رحمه الله في تفسيره "أضواء البيان" : " قوله تعالى : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ).
قال ابن كثير رحمه الله
في تفسير هذه الآية : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ) أي : مهما استحسن من شيء ، ورآه حسنا في هوى نفسه : كان دينه ومذهبه . إلى أن قال : قال ابن عباس : كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا ، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول . انتهى منه .
وذكر صاحب «الدر المنثور» : أن ابن أبي حاتم وابن مردويه أخرجا عن ابن عباس أن عبادة الكافر للحجر الثاني مكان الأول هي سبب نزول هذه الآية ، ثم قال صاحب «الدر المنثور»
: وأخرج ابن مردويه عن أبي رجاء العطاردي
قال : كانوا في الجاهلية يأكلون الدم بالعلهز ويعبدون الحجر ، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه ، رموا به وعبدوا الآخر ، فإذا فقدوا الآخر أمروا مناديا فنادى : أيها الناس إن إلهكم قد ضل فالتمسوه ، فأنزل الله هذه الآية : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ) ، وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه )
قال : ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه )
قال : لا يهوى شيئا إلا تبعه .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن قتادة : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ) ، قال : كلما هوى شيئا ركبه ، وكلما اشتهى شيئا أتاه ، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ، أنه قيل له : أفي أهل القبلة شرك ؟ قال : نعم ، المنافق مشرك ، إن المشرك يسجد للشمس والقمر من دون الله ، وإن المنافق عبد هواه ، ثم تلا هذه الآية : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع ) ، انتهى محل الغرض من كلام صاحب «الدر المنثور» .
وإيضاح أقوال العلماء المذكورة في هذه الآية أن الواجب الذي يلزم العمل به ، هو أن يكون جميع أفعال المكلف مطابقة لما أمره به معبوده جل وعلا ، فإذا كانت جميع أفعاله تابعة لما يهواه
فقد صرف جميع ما يستحقه عليه خالقه من العبادة والطاعة إلى هواه ، وإذن فكونه اتخذ إلهه هواه في غاية الوضوح "
انتهى من "أضواء البيان".
فأنت ترى فيما ذكره ابن عباس وأبي رجاء العطاردي والحسن وقتادة أن هذا المتخذ إلهه هواه ، عبد الحجر ، أو نافق ، أو ما هوى شيئا إلا ركبه وأتاه ، وهذا الأخير يتضمن فعل الشرك والكفر ، فمن كانت جميع أفعاله راجعة للهوى ، فلابد أن يكون فاعلا للشرك والكفر تاركا لجميع الأعمال من صلاة وغيرها
فلا إشكال في كون هذا مشركا شركا أكبر ، ويكون تأليهه للهوى تأليها يخرجه عن الملة ، بخلاف من لم يصل به هواه إلى عبادة الحجر ، أو نحوه من صور الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر .
وحديث : ( ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون ...) حديث موضوع ، كما ذكر الألباني في السلسلة الضعيفة (14/ 90) ، وفي " ظلال الجنة " رقم (3) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
في تفسير قوله تعالى : ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ . الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) ق/24- 26 :
" ( الذي جعل مع الله إلهاً ءاخر ) : ما أوسع هذه الكلمة ، وإذا كانت هذه الكلمة وصفاً للكفَّار العنيد ، فالمعنى أنه يعبد مع الله غيره ، وكلنا يعلم أن المشركين كانوا يعبدون مع الله غيره ، فيعبدون اللات
ويعبدون العزى ، ويعبدون مناة ، ويعبدون هبل ، وكل قوم لهم طاغية يعبدونها كما يعبدون الله ، يركعون لها ، ويسجدون لها ، ويحبونها كما يحبون الله ، ويخافون منها كما يخافون من الله - نسأل الله العافية - هذا إذا جعلنا قوله تعالى : ( مع الله إلهاً آخر ) وصف لهذا الكفَّار العنيد.
أما إذا جعلناه أشمل من ذلك ، فإنها تعم كل إنسان تعبد لغير الله ، وتذلل لغير الله ، حتى التاجر الذي ليس له هم إلا تجارته وتنميتها ، فإنه عابد لها ، حتى صاحب الإبل الذي ليس له هم إلا إبله هو عابد لها
والدليل على أن من انشغل بشيء عن طاعة الله فهو عابد له ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة ) . عبد الدينار هذا تاجر الذهب ، وعبد الدرهم تاجر الفضة ، وعبد الخميصة تاجر الثياب ؛ لأن الخميصة هي الثوب الجميل المنقوش
وعبد الخميلة تاجر الفرش ، أو ليس بتاجر ، يعني لا يتجر بهذه الأشياء لكن مشغول بها عن طاعة الله ، إن أُعطي رضي ، وإن لم يعط سخط، ، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم من اشتغل بهذه الأشياء الأربعة عبداً لها ، وفي القرآن الكريم ما يدل على أن العبادة أوسع من هذا
قال الله تعالى : ( أرءيت من اتخذ إلهه هواه ) فدل ذلك على أن كل من قدم هوى نفسه على هُدى ربه ، فهو قد اتخذ إلهاً غيره . ولهذا يمكننا أن نقول : إن جميع المعاصي داخلة في الشرك في هذا المعنى ؛ لأنه قدمها على مرضاة الله تعالى وطاعته ، فجعل هذا شريكاً لله - عز وجل - في تعبده له ، واتباعه إياه
فالشرك أمره عظيم ، وخطره جسيم ، حتى الرجل إذا تصدق بدرهم وهو يلاحظ لعل الناس ، يرونه ليمدحوه ، ويقولون : إنه رجل كريم ، يعتبر مشركاً مرائياً ، والرياء شرك ، وأخوف ما خاف النبي عليه الصلاة والسلام على أمته الشرك الخفي ، وهو الرياء . فعلى هذا نقول: ( الذي جعل مع الله إلهاً ءاخر ) إن كانت وصفاً خاصًّا بالكفَّار العنيد
فإنها تختص بمن يعبد الصنم والوثن ، وإن كانت للعموم فهي تشمل كل من اشتغل بغير الله عن طاعته ، وتقدم ذكر الأمثلة والأدلة على ما ذكرنا " .
انتهى من "تفسير القرآن" لابن عثيمين (8/ 23) وهو في "لقاء الباب المفتوح" (136/ 4) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ما هو الضابط في الشرك الأكبر وما هو الضابط في الشرك الأصغر؟ وهل تعتبر المعاصي من الشرك ، علماً بأنه يغلب عليه حب الشهوة وحب المعصية على حب الله ؟
فأجاب : الضابط في الشرك الأكبر أنه ما أخرج من الملة ، وهذا يرجع على أنك إذا وجدت حديثاً ما أن هذا شرك ، انظر إلى قواعد الشريعة بالنصوص الأخرى ، فإن كان مثله يخرج من الملة فهو شركٌ أكبر ، وإن كان لا يخرج فهو شركٌ أصغر.
إذاً لا بد إذا جاءت النصوص بأن هذا شرك أن نعيد هذا النص إلى القواعد العامة للشريعة ؛ إذا وردت النصوص بالشرك ، ولكنه بمقتضى القواعد العامة للشريعة لا يخرج من الإسلام ، فهو شركٌ أصغر، مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) .
أما بالنسبة لجعل المعاصي كلها شركاً : فهذا نعم ، بالمعنى العام ؛ لأن المعاصي إنما تصدر عن هوى ، وقد سمى الله تعالى من اتبع هواه متخذاً له إلهاً ، فقال : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ) [الجاثية:23] .
إذاً عندنا ثلاثة أشياء:
الإطار العام : وهو أن كل معصية فهي نوعٌ من الشرك ؛ لأنها صادرة عن الهوى ، وقد جعل الله تعالى من اتخذ هواه إلهاً جعله متخذاً له إلهاً.
الثاني : الشرك إذا أطلق ، فهل نحمله على الشرك الأكبر أم الشرك الأصغر؟
نقول : ننظر إلى القواعد العامة في الشريعة ؛ إن اقتضى أن يكون خارجاً عن الإسلام فهو أكبر ، وإلا فلا"
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (192/ 13) .
والحاصل :
أن اتخاذ الهوى إلها يكون باتباعه والانقياد إليه ، وهذا قد يقود صاحبه إلى اقتراف الشرك الأكبر أو الأصغر أو البدعة أو الكبيرة أو الصغيرة .
وفي المثال المذكور ، نقول : لو كان يحب الزنا ، لكنه لم يستحله ، ولم يقترف معه كفرا أكبر كترك الصلاة ، فهو فاسق ، فاجر .. ، لكنه مع ذلك ما زال باقيا في دائرة الإسلام .
وإن قاده حب الزنا استحلاله ، وزواله استقباحه من قلبه ، أو عدم الرضى بتحريم الشرع له ، وعدم الانقياد للنصوص التي تنهى عنه وتحرمه ، أو الضيق بها ، ومحبة زوالها
أو ترك الصلاة ، كان كافرا بذلك كله ، لا لأجل أن الزنا ـ في حد ذاته ـ كفر أكبر ، بل لأجل استحلال الزنا كفر أكبر بحد ذاته ، حتى ولو لم يزن ، وهكذا عدم الرضا بشيء من شرائع الله
مهما كان صغيرا أو كبيرا ، أو عدم الانقياد والإذعان لحكم الله ، أو الضيق بما شرع الله ، وعدم شرح الصدر به .
قال الله تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65 .
وهكذا لو قاده حب الزنا إلى ترك الصلاة ؛ فإن ترك الصلاة كفر في نفسه ، سواء زنى ، أو لم يزن ، فإذا تركها لأجل الزنى ، كان أقبح له
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-22, 19:30
أيها أشد خطرًا : الشرك الأصغر أم الكبائر أم البدع ؟
السؤال:
أرجو ترتيب هذه المحرمات الخمس مبتدأ بأخطرها : ( شرك أصغر ، الكبائر، البدع ، شرك أكبر ، الصغائر ). أعلم أن أخطرها الشرك الأكبر وأن أقلها خطرا الصغائر ، لكن لا أدري ما بين هذا وهذا كيف يكون الترتيب .
الجواب :
الحمد لله
لا شك أن الأمر كما قال السائل ، من أن : أخطر المحرمات على الإطلاق هو الوقوع في الشرك الأكبر ، فهو الذنب الذي يحبط جميع الأعمال ولا يغفره الله تعالى إلا بالتوبة منه ، ويغفر ما دونه لمن يشاء
قال الله عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء/48 .
وقال الله سبحانه : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الزمر/65 .
وإن كان الشرك الأكبر هو أخطر المحرمات والذنوب لكنه داخل في الكبائر ، وإن كان أعظمها وأكبرها على الإطلاق .
فعن عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال :" قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ) " .
أخرجه البخاري (4477) ، ومسلم (86) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ) ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ ، قَالَ : ( الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ ) .
أخرجه البخاري (6857) ، ومسلم (89) .
أما البدع فليست كلها على خطر واحد ، فالبدعة تنقسم باعتبار حكمها وما يترتب عليها إلى : بدعة مكفرة ، وبدعة غير مكفرة .
قال الشيخ حافظ حكمي في " معارج القبول "(3/1026) :
" ثم البدع بحسب إخلالها بالدين قسمان : مكفرة لمنتحلها ، وغير مكفرة .
فضابط البدعة المكفرة : من أنكر أمرًا مجمعًا عليه متواترًا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة من جحود مفروض ، أو فرض ما لم يفرض ، أو إحلال محرم ، أو تحريم حلال
أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه ، من نفي أو إثبات ؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب وبما أرسل الله به رسوله صلى الله عليهم وسلم ، كبدعة الجهمية في إنكار صفات الله والقول بخلق القرآن
أو خلق أي صفة من صفات الله ، وإنكار أن يكون الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً ، وكلم موسى تكليمًا ، وغير ذلك ، وكبدعة القدرية في إنكار علم الله عز وجل وأفعاله ، وقضائه وقدره ، وكبدعة المجسمة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه ، وغير ذلك من الأهواء .
ولكن هؤلاء منهم من علم أن عين قصده هدم قواعد الدين ، وتشكيك أهله فيه ، فهذا مقطوع بكفره ، بل هو أجنبي عن الدين من أعدى عدو له .
وآخرون مغرورون ملبس عليهم، فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم وإلزامهم بها.
والقسم الثاني : البدع التي ليست بمكفرة ، وهي ما لم يلزم منه تكذيب بالكتاب ولا بشيء مما أرسل الله به رسله ، كبدع المروانية التي أنكرها عليهم فضلاء الصحابة ، ولم يقروهم عليها
ولم يكفروهم بشيء منها ، ولم ينزعوا يدًا من بيعتهم لأجلها ، كتأخيرهم بعض الصلوات إلى أواخر أوقاتها ، وتقديمهم الخطبة قبل صلاة العيد ، وجلوسهم في نفس الخطبة في الجمعة وغيرها
وسبهم كبار الصحابة على المنابر ، ونحو ذلك مما لم يكن منهم على اعتقاد شرعيته ، بل بنوع تأويل وشهوات نفسانية وأغراض دنيوية " انتهى .
والبدع كذلك منها ما يكون من الكبائر ومنها ما يكون من الصغائر ، والضابط في التفريق بينها هو مدى إخلال البدعة بأصل من ضروريات الدين المعتبرة .
قال الشاطبي في " الاعتصام " (2/540) :
" الكبائر منحصرة في الإخلال بالضروريات المعتبرة في كل ملة وهي : الدين والنفس والنسل والعقل والمال
وكل ما نص عليه راجع إليها ، وما لم ينص عليه جرت في الاعتبار والنظر مجراها ، وهو الذي يجمع أشتات ما ذكره العلماء وما لم يذكروه مما هو في معناه .
فكذلك نقول في كبائر البدع : ما أخل منها بأصل من هذه الضروريات فهو كبيرة ، وما لا ، فهو صغيرة " انتهى .
أما الشرك الأصغر فإنه وإن كان داخلاً في الكبائر إجمالاً ، لكنه يعد من حيث جنسه - لا آحاده العارضة - أكبر من الكبائر العملية التي لا يصاحبها اعتقاد .
وقد نقل عن جماعة من السلف أنهم قالوا إن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر ؛ محتجين بقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ ؟
قَالَ : الرِّيَاءُ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ) .
أخرجه أحمد (27742) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (1555) .
وكذلك بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أحلف بغيره وأنا صادق ) .
أخرجه المنذري في " الترهيب والترغيب "(4/58)
وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (2562) .
فهذا قد يستدل به على ترجيح هذا النوع بخصوصه من الشرك الأصغر : الحلف بغير الله ، على خصوص الذنب المذكور معه : الحلف كاذبا ، لا أن ذلك يدل على أن كل ما قيل إنه من الشرك الأصغر
شر من كل ما قيل إنه من الكبائر ؛ بل هذا كما قلنا من حيث الجنس والعموم ، لا من حيث الآحاد ؛ فمن الكبائر العظيمة ، ما هو أشنع من سواه من الشرك الأصغر .
سئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله :
" هل الشرك الأصغر أعظم من الكبائر ، وهل هذا القول على إطلاقه ؟ "
.
فأجاب :
" الحمد لله ، دلت النصوص على أن الشرك فيه أكبر وأصغر :
فالأكبر مناف لأصل الإيمان والتوحيد ، وموجب للردة عن الإسلام ، والخلود في النار ، ومحبط لجميع الأعمال ، والصحيح أنه هو الذي لا يُغفر كما قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) .
وأما الشرك الأصغر : فهو بخلاف ذلك ؛ فهو ذنب من الذنوب التي دون الشرك الأكبر ، فيدخل في عموم قوله تعالى : ( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) .
وهو أنواع :
شرك يكون بالقلب كيسير الرياء ، وهو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) " فسئل عنه فقال: ( الرياء) .
ومنه ما هو من قبيل الألفاظ ، كالحلف بغير الله ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) .
ومنه قول الرجل : لولا الله وأنت ، وهذا من الله ومنك
ولولا كليبة هذا لأتانا اللصوص ، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص ، كما جاء في الأثر المروي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : ( فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .
ومنه قول الرجل : ما شاء الله وشئت .
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الشرك الأصغر عند السلف أكبر من الكبائر ، ويشهد له قول ابن مسعود رضي الله عنه : " لأنْ أحلف بالله كاذبا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقا ".
ومعلوم أن الحلف بالله كذبا هي اليمين الغموس ، ومع ذلك رأى أنها أهون من الحلف بغير الله .
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن الشرك الأصغر ليس على مرتبة واحدة ؛ بل بعضه أعظم إثما وتحريما من بعض .
فالحلف بغير الله أعظم من قول الرجل: ما شاء الله وشئت ، لأنه جاء في حديث الطفيل الذي رواه أحمد وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون: ما شاء الله وشاء محمد ، ولم ينههم صلى الله عليه وسلم عن ذلك في أول الأمر ، حتى رأى الطفيل الرؤيا وقصها على النبي صلى الله عليه وسلم :" فخطبهم النبي صلى الله عليه وسلم
ونهاهم عن ذلك ، وقال : ( إنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أنْ أنهاكم عنها لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ".
وفي رواية " قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد " وصححه محققو المسند برقم : (20694 ).
والظاهر أيضا
: أن قول السلف الشرك الأصغر أكبر من الكبائر يعني مما هو من جنسه ، كالحلفِ ، فالحلفُ بغير الله أكبر من الحلف بالله كذبا ، كما في أثر ابن مسعود ، وجنس الشرك أكبر من جنس الكبائر
ولا يلزم من ذلك أن يكون كلُّ ما قيل : إنه شرك أصغر ، يكون أكبر من كل الكبائر ، ففي الكبائر ما جاء فيه من التغليظ ، والوعيد الشديد ما لم يأت مثلُه في بعض أنواع الشرك الأصغر ، كما تقدم في قول الرجل: ما شاء الله وشئت. والله أعلم "
انتهى كلامه حفظه الله .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 18:47
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حول صحة حديث " إن الله نظيف يحب النظافة"
السؤال :
قال صلى الله عليه وسلّم: ( إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة) هل هذا حديث صحيح ؟
وإن لم يكن كذلك ، فهل توجد أحاديث تحثّ على النظافة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الحديث المذكور في السؤال : ضعيف جدا .
أخرجه الترمذي في "سننه" (2799)
وأبو يعلى في "مسنده" (791)
والبزار في "مسنده" (1114)
من طريق أبي عامر العقدي .
وأخرجه ابن قتيبة في "غريب الحديث" (1/297)
والبرجلاني في "الكرم" (12)
من طريق المعافى بن عمران .
وأخرجه الدورقي في "مسند سعد بن أبي وقاص" (31)
من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين .
وأخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (855)
من طريق المغيرة بن عبد الرحمن :
أربعتهم (أبو عامر العقدي – المعافى بن عمران – أبو نعيم – المغيرة) عن خالد بن إياس ، عن مهاجر بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه .
وخالفهم عبد الله بن نافع فرواه عن خالد بن إياس ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
أخرجه من طريقه أبو يعلى في "مسنده" (79)
وابن حبان في "المجروحين" (1/279)
وابن عدي في "الكامل" (3/414).
والحديث مداره على خالد بن إلياس ، أو إياس ، وهو متروك الحديث لا تحل الرواية عنه
قال البخاري :" ليس بشيء منكر الحديث "
وقال ابن معين :" ليس بشيء "
. كذا في "الضعفاء" للعقيلي (2/3) ،
وقال أحمد بن حنبل :" متروك الحديث "
وقال أبو نعيم :" لا يسوى حديثه فلسين "
وقال أبو حاتم :" ضعيف الحديث منكر الحديث "
انظر "الجرح والتعديل" (3/321)
وقال النسائي :" متروك الحديث " .
كذا في "الضعفاء والمتروكون" للنسائي (172)
وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/279)
:" يروي الموضوعات عَن الثِّقَات حَتَّى يسْبق إِلَى الْقلب أَنَّهُ الْوَاضِع لَهَا ، لَا يحل أَن يكْتب حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب ". انتهى .
والحديث ضعفه ابن الجوزي كما في "العلل المتناهية" (1186)
وابن رجب كما في "جامع العلوم والحكم" (ص99)
وابن حجر كما في "المطالب العالية" (2260)
والبوصيري كما في "إتحاف الخيرة المهرة" (1510)
والشيخ الألباني كما في "ضعيف سنن الترمذي" (74) .
وللحديث طريق آخر ، أخرجه الدولابي في "الكنى والأسماء" (1203)
من طريق داود بن رشيد ، قال : حدثنا أبو الطيب هارون بن محمد
قال : حدثنا بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
وهو طريق تالف أيضا، فيه هارون بن محمد أبو الطيب
كذبه ابن معين كما في "الكامل" لابن عدي (8/441).
وله طريق ثالث ، أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/510)
من طريق أحمد بن بديل عن حسين بن علي الجعفي عن ابن أبي رواد عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به . تفرد به عبد العزيز بن أبي رواد ، ولذا عده ابن عدي من مناكيره ، وحكم الشيخ الألباني على هذه الرواية بأنها منكرة
كما في "السلسلة الضعيفة" (7086) .
وأما سؤال السائل الكريم عن الأحاديث التي تحث على النظافة فهي كثيرة جدا ، منها ما يلي :
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الطهور شطر الإيمان ، حيث قال صلى الله عليه وسلم :" الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ ". أخرجه مسلم (211) ، والطهارة معنى كلي يشمل النظافة بلا شك .
2- الأحاديث الكثيرة التي فيها الحث على الاغتسال يوم الجمعة وفي العيدين
كما في البخاري (879) ومسلم (846) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ" غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " ، وكذلك أمره صلى الله عليه وسلم الصحابة الذين كانوا يعملون فتخرج منهم بعض الرائحة فأمرهم بالغسل
ففي صحيح البخاري (903) ، ومسلم (847) عن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ ، وَكَانُوا إِذَا رَاحُوا إِلَى الجُمُعَةِ ، رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ ".
3- حث النبي صلى الله عليه وسلم على تنظيف الفم واستعمال السواك ، حيث قال صلى الله عليه وسلم :" السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ " . أخرجه النسائي في "سننه" (5) ، وصححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (66) .
4-حث النبي صلى الله عليه وسلم على غسل الثياب وتنظيفها
فعند أبي داود في سننه (4062) عن جابرِ بنِ عبدِ الله
قال: أتانا - رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - فرأى رجُلاً شعِثاً قد تفرَّقَ شَعرُهُ ، فقال: "أما كان هذا يَجدُ ما يُسَكِّنُ به شَعْرَهَ؟ " ورأى رجُلاً آخر عليه ثيابٌ وسِخَة فقال: "أَما كان هذا يجدُ ما يَغسِلُ به ثوبَهُ؟ ".
والحديث صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (493) .
5-ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم أمته ببناء المساجد في البيوت ، مع تنظيفها وتطييبها ، فعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ:" أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلم ببنيان المساجد في الدور ، وأمر أن تنظف وتطيب ".
أخرجه أحمد في "المسند" (26386)
وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2724)
6-حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على تنظيف أفنية البيوت وتطهيرها ، حيث قال صلى الله عليه وسلم :" طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَا تُطَهِّرُ أَفْنِيَتَهَا " .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4057)
وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (236) .
ولم يقف الأمر بالنظافة على مجرد النظافة الشخصية
ونظافة المساجد والبيوت
بل وصل الأمر إلى تنظيف الطرق
حتى أصبح ذلك عادة مطردة تعلمها الصحابة رضوان الله عليهم ونقلوها
حتى إن محمد بن سيرين يقول : لَمَّا قَدِمَ أبو موسى الْأَشْعَرِيُّ الْبَصْرَةَ، قَالَ لَهُمْ:" إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ لِأُعَلِّمَكُمْ سُنَّتَكُمْ ، وَإِنْظَافَكُمْ طُرُقَكُمْ " .
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (25923) بإسناد صحيح .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 18:50
حول الصحابية رفيدة الأسلمية وكونها أول ممرضة في الإسلام
السؤال
: أريد أن أعرف حقيقة قصة الصحابية رفيدة الأسلمية في كونها أول ممرضة في الاسلام ، وأنها كانت تشارك في الغزوات مع النبي صل الله عليه وسلم
أتمنى أن تجيبوا على سؤالي ، فحقا أريد أن أعرف حقيقة ما يروى عن هذه الصحابية .
الجواب :
الحمد لله
الصحابية الجليلة التي سأل عنها السائل الكريم هي رُفيدة الأسلمية أو الأنصارية رضي الله عنها ، قال الخزرجي في الخلاصة (ص491) : " بفاء مصغرة " . انتهى .
وقد ثبت أنها كانت لها خيمة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تداوي فيه المرضى
فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" (1129) وابن سعد في "الطبقات" (3/427)
من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه قال : لَمَّا أُصِيبَ أَكْحُلُ سَعْدٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَثَقُلَ ، حَوَّلُوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ ، وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِهِ يَقُولُ: «كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟» ، وَإِذَا أَصْبَحَ: «كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟» فَيُخْبِرُهُ ". انتهى
والحديث صحح إسناده ابن حجر في "الإصابة" (8/136) ، والشيخ الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (863) .
ورُفيدة الأسلمية ترجم لها ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3340)
وابن الأثير في "أسد الغابة" (6925)
وابن حجر في "الإصابة" (8/135)
وذكروا جميعا أنها كانت لها خيمة تداوي فيها الجرحى ، وقيل اسمها كُعَيْبَةُ بِنْتُ سَعْدٍ الْأَسْلَمِيَّةُ
كذا قال ابن سعد في الطبقات (8/291).
ولم تكن رُفيدة الأسلمية فقط هي من تداوي الجرحى ، بل كان هناك غيرها من نساء الصحابة ممن يذهبن للغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ويداوين الجرحى .
ومن هؤلاء : أم عطية ، والرُّبَيِّع بنت معوذ وأم سليم وغيرهن .
وقد ثبت في صحيح مسلم (1812) عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ ، أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِلَالٍ ، فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ ، كَتَبَ إِلَيْهِ نَجْدَةُ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟
فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ "
وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ ، فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى ، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ ".
وعند البخاري (2882) عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ، قَالَتْ:" كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْقِي وَنُدَاوِي الجَرْحَى ، وَنَرُدُّ القَتْلَى إِلَى المَدِينَةِ " .
وفي صحيح مسلم (1812)
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: " غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ ، أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ ، فَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ ، وَأُدَاوِي الْجَرْحَى ، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى " .
وفي صحيح مسلم أيضا (1810)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ ، وَنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا ، فَيَسْقِينَ الْمَاءَ ، وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» .
ومما ينبغي التنبيه عليه : أن الأصل في حكم مداواة المرأة للرجل : المنع إذ يلزم منه غالبا النظر والمس .
إلا أنه أبيح في الحرب للضرورة ، والضرورة تقدر بقدرها .
ولذا قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/136)
:" تَجُوزُ مُدَاوَاةُ الْأَجَانِبِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ وَالْجَسِّ بِالْيَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ". انتهى
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 18:53
لا يجوز للرجال معالجة النساء ، ولا العكس ، إلا في حالة الضرورة
السؤال:
أنا عندي موعد مع طبيبة العينين ، والمشكل هو أن هده الطبيبة (متبرجة) ، والمشكل أيضا : أن هده الطبيبة تلمس المريض لإجراء عملية قياس النظر
وأنا خفت من أن أكون آثما ، كما في الحديث (لأن يضرب في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له). وكذلك أريد شرحا مفصلا لهذا الحديث
وما هي حدود لمس الرجل المرأة الأجنبية ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز للمرأة أن تُعالج رجلاً إلا عند الضرورة ، فالواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء ، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة ، فهذا لا بأس به .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"الواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء ، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل ، فهذا لا بأس به
والله يقول : ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) الأنعام / 119".
انتهى من رسالة " فتاوى عاجلة لمنسوبي الصحة " ص 29 .
فلا يجوز للرجل أن يذهب للطبيبة للعلاج في وجود طبيب رجل ، يقوم بمثل ذلك ، والحاجة لا تدعو إلى ذلك عادة ، لتوافر الرجال من ذوي الاختصاصات المختلفة
وأما عكس ذلك : أن يعالج الرجل امرأة ، فهذا هو الذي قد تدعو الحاجة إليه ، إذا عز وجود امرأة تقوم بمثل ذلك.
ويتأكد المنع إذا كانت الطبيبة متبرجة ؛ لما يخشى في ذلك من الفساد والفتنة .
فعليك بالذهاب إلى طبيب مختص وعدم الذهاب إلى هذه الطبيبة ، خاصة وأن العادة أن الرجال أمهر في مهنة الطب من النساء ، وسوف تجد في مكانك وفرة من الرجال الذي يقومون بعملها على وجهه .
ثانيا :
روى الطبراني في " المعجم الكبير" (486) ، والروياني في "مسنده" (1283) عن مَعْقِل بْن يَسَارٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ ) .
وجوّد الشيخ الألباني رحمه الله إسناده في "الصحيحة" (226) .
وقد رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (17136) ، موقوفا على مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: «لَأَنْ يَعْمِدَ أَحَدُكُمْ إِلَى مِخْيَطٍ فَيَغْرِزُ بِهِ فِي رَأْسِي، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَغْسِلَ رَأْسِيَ امْرَأَةٌ لَيْسَتْ مِنِّي ذَاتَ مَحْرَمٍ» .
وإسناد الموقوف : أصح من المرفوع .
ثالثا :
في هذا الحديث الترهيب الشديد من مس المرأة الأجنبية ، وأن الرجل لو طعن في رأسه بمخيط من حديد : فهو خير له وأهون عليه من أن يمس امرأة لا يحل له مسها ، والمخيط : ما خيط به ، كالإبرة ونحوها .
قال المناوي رحمه الله :
" ( خير لَهُ من أَن يمس امْرَأَة لَا تحل لَهُ ) : أَي لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا ، وإذا كَانَ هَذَا فِي مُجَرّد الْمس ؛ فَمَا بالك بِمَا فَوْقه من نَحْو قبْلَة ومباشرة ؟ "
انتهى من "التيسير" (2/ 288) .
وقال الألباني رحمه الله :
" في الحديث : وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له " .
انتهى من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 448) .
فورد الحديث مورد الزجر ، مع الإشارة إلى ما يستحقه مَن مس الأجنبية من النكال .
رابعا :
الأصل أن مس الرجل المرأة الأجنبية لا يجوز ؛ لأنه من أسباب الفتنة وثوران الشهوات والوقوع في الحرام .
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أعف الناس نفسا وأطهرهم قلبا ، لم تمس يده يد امرأة أجنبية قط ، لا في البيعة ولا غيرها .
فالواجب على المسلم ألا يمس امرأة أجنبية ، إلا عند الضرورة ، والضرورة تقدر بقدرها ، فليس لمسّ الرجل المرأة الأجنبية حد محدود ، وقدر معلوم ، لا يتعداه ، وإنما يقال : لا يمس الرجل المرأة الأجنبية
كما لا تمس المرأة الرجل الأجنبي ، إلا في حالات الضرورة ، والحاجة التي لا بد منها ؛ كامرأة مريضة لا يوجد من يعالجها إلا طبيب من الرجال ، فيجوز أن يعالجها لمحل الضرورة
ولا يجوز له أن يمس منها إلا ما اقتضته ضرورة العلاج ، وأشباه ذلك مما تدعو إليه الحاجة الماسة ، لا يتعدى ذلك .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 18:56
حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية
السؤال:
هل تحرم مصافحة الرجل لمرأة أجنبية عنه ؟.
الجواب:
الحمد لله
مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية حرام لا يجوز
ومن الأدلة على ذلك ما جاء في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له . "
رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع 5045
ولا شكّ أنّ مسّ الرجل للمرأة الأجنبية من أسباب الفتنة وثوران الشهوات والوقوع في الحرام ، ولا يقولنّ قائل : النيّة سليمة والقلب نظيف فإنّ صاحب أطهر قلب وأعفّ نفس وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمسّ امرأة أجنبية قطّ حتى في بيعة النساء
لم يبايعهن كفّا بكفّ كالرّجال وإنّما بايعهن كلاما كما روت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ ..
قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَايَعْتُكِ كَلامًا وَلا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ .
رواه البخاري 4512
وفي رواية : أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلامِ .. وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ . صحيح مسلم 3470
وفي رواية عنها رضي الله عنها قالت : مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إِلا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا رواه البخاري 6674
وبعض المسلمين يشعر بالحرج الشّديد إذا مدّت إليه امرأة أجنبية يدها لمصافحته ويدّعي بعضهم بالإضافة إلى اختلاطه بالنساء الاضطرار إلى مصافحة المدرّسة أو الطّالبة التي معه في المدرسة أو الجامعة أو الموظّفة معه في العمل أو في الاجتماعات واللقاءات التجارية وغيرها
وهذا عذر غير مقبول والواجب على المسلم أن يتغلّب على نفسه وشيطانه ويكون قويا في دينه والله لا يستحيي من الحقّ ، ويمكن للمسلم أن يعتذر بلباقة وأن يبيّن السّبب في عدم المصافحة وأنّه لا يقصد الإهانة
وإنّما تنفيذا لأحكام دينه وهذا سيُكسبه - في الغالب - احترام الآخرين ولا بأس من استغرابهم في البداية وربما كانت فرصة للدعوة إلى الدّين عمليا والله الموفّق .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 18:58
طبيبة تعالج الرجال
السؤال:
أنا طبيبة أعمل في بلد أجنبي ويتطلب عملي الكشف على مرضى من الرجال والنساء، يعني هذا أنني كثيراً ما أكون بمفردي في الغرفة مع رجل مريض
هل هذا خطأ من الناحية الإسلامية ؟ هل يجب أن أعالج النساء والأطفال فقط ؟
شخصياً فأنا لا أشعر بأنني أفعل شيئاً خطأ لأن جميع المرضى بغض النظر عن جنسهم ذكر أو أنثى يذهبون للطبيب للعلاج . أرجو أن تخبرني برأيك .
الجواب:
الحمد لله
نلمس من سؤالك أيتها الأخت الكريمة حرصا على معرفة الحكم الشرعي الصحيح ، وحبا لتعلم أمور دينك وما يتعلق منها بعملك ، فنسأل الله أن يوفقنا وإياك لسلوك ما يرضي الله تعالى وأن يجنبنا معصيته أو مخالفة أمره في أي شأن من شؤوننا .
معلوم أن النساء هن شقائق الرجال في المجتمع ولهن دور عظيم في تربية الأجيال ونهضة الأمة ، وللمرأة أن تعمل خارج بيتها فيما يناسبها من الأعمال دون أن تعرض نفسها للمخالفات الشرعية .
وأما معالجة المرضى الرجال وما يتبع ذلك من اختلاط وخلوة فهذا مما لا يجوز شرعا ، بل هي فتنة حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال
: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ) رواه مسلم(3259) ، وقال : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )
رواه البخاري(4808) ومسلم (6881)
ولا يجوز للمرأة أن تُعالج رجلاً إلا للضرورة ، كما لو لم يوجد طبيب رجل يعالجه ، أو كان الأمر لا يحتمل التأخير كالحوادث وما أشبه ذلك .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"الواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء ، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل ، فهذا لا بأس به ، والله يقول : ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) الأنعام / 119" .
انتهى من رسالة " فتاوى عاجلة لمنسوبي الصحة " ص 29 .
لذا عليك أن تقتصري في العلاج على النساء والأطفال كما ذكرت ، واحتسبي عملك هذا عند الله سبحانه وتعالى ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 19:03
حول اختلاف الاحاديث في مدة مكث عيسى عليه السلام عندما ينزل آخر الزمان
السؤال :
ورد في بعض الأحاديث أن عيسى عليه السلام ينزل إلى الأرض آخر الزمان ، ويمكث في الأرض سبع سنين ، وفي رواية أخرى أربعون سنة ، فأيمها أصح ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
؛ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَهُوَ خَلِيفَتِي عَلَى أُمَّتِي، وَهُوَ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ يَضْرِبُ إِلَى الْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ ، يَكَادُ رَأْسُهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ ، يَمْشِي بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ ، يَدُقُّ الصَّلِيبَ
وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَفِيضُ الْمَال ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، وَيُقَاتِلُ عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى تَهْلِكَ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا، فَتَقَعُ الأَمَنَةُ فِي الأَرْضِ ، فَتَرْعَى الإِبِلُ مَعَ الأُسُودِ ، وَالنُّمُورُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ ،
وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ مَعَ الْحَيَّاتِ فَلا تَضُرُّهُمْ شَيْئًا، فَيَلْبَثُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ )
. والحديث الآخر يدل على سبع سنين . قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( يَخْرُجُ الدَّجَّالُ في أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أرْبَعِينَ
لاَ أدْرِي أرْبَعِينَ يَوماً أو أرْبَعِينَ شَهْراً، أو أرْبَعِينَ عَاماً، فَيَبْعَثُ اللهُ تَعالَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيسَ بَينَ اثْنَينِ عَدَاوةٌ ... ) .
الجواب :
الحمد لله
فقد ورد في القرآن الكريم أن عيسى بن مريم عليه السلام رفعه الله إليه ، وأنه لم يُصلب كما يدعي النصارى ، وأنه سينزل آخر الزمان ، وحينئذ يؤمن به كثير من أهل الكتاب
قال تعالى : ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) ". النساء/157-159 .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ » . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: " وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] .
أخرجه البخاري (2222) واللفظ له ، ومسلم (155) .
أما ما ذكره السائل الكريم حول مدة بقاء عيسى عليه السلام في الأرض ، هل يمكث أربعين سنة أم سبع سنين ؟
فجواب ذلك :
أن الحديثين اللذين ذكرهما السائل صحيحان :
فالأول ، وهو حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى , وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ , وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ , وَإِنَّهُ نَازِلٌ
, فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ , فَإِنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ , كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ , وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ , وَإِنَّهُ يَدُقُّ الصَّلِيبَ , وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ , وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيُفِيضُ الْمَالَ
, وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ , حَتَّى يُهْلِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِمَارَتِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا غَيْرَ الْإِسْلَامِ , وَحَتَّى يُهْلِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِمَارَتِهِ مَسِيحَ الضَّلَالَةِ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ , وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ فِي الْأَرْضِ , حَتَّى يَرْعَى الْأَسَدُ مَعَ الْإِبِلِ ,
وَالنَّمِرُ مَعَ الْبَقَرِ , وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ , وَتَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , يَلْبَثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً , ثُمَّ يُتَوَفَّى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ» .
أخرجه أبو داود في سننه (4324)
وأحمد في المسند (9270)
وإسناده صحيح
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (19/224)
:" وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ ".
وصحح إسناده ابن حجر في "الفتح" (6/493).
والحديث الثاني : أخرجه مسلم في صحيحه (2940)
من حديث عبد الله بن عمرو قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ - لَا أَدْرِي: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ ، فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ ..."
وقد جمع بينهما أهل العلم بعدة طرق ، كما يلي :
الأولى : أن مدة حياة عيسى عليه السلام في الأرض ، منذ أن ولد إلى أن يموت : أربعون سنة ، عاش منها قبل أن يرفع إلى السماء ثلاثا وثلاثين ، ثم يعيش بعد أن ينزل إلى الأرض سبع سنين ، فتكون رواية الأربعين المقصود بها مدة حياته جميعا ، ورواية السبع المقصود بها مدة بقائه بعد نزوله .
قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (19/231)
بعد أن أورد حديث الأربعين :
" وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ سَبْعَ سِنِينَ
فَهَذَا مَعَ هَذَا مُشْكِلٌ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ السَّبْعُ عَلَى مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى مُكْثِهِ فِيهَا قَبْلَ رَفْعِهِ مُضَافًا إِلَيْهِ ، وَكَانَ عُمْرُهُ قَبْلَ رَفْعِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَهَذِهِ السَّبْعُ تَكْمِلَةُ الْأَرْبَعِينَ ، فَيَكُونُ هَذَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ رَفْعِهِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ ". انتهى .
وسئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله : كم يُقيم عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد نُزُوله؟
فَأجَاب: " يُقيم سبع سِنِين ، كَمَا صَحَّ فِي حَدِيث مُسلم.
وَلَا يُنَافِيهِ حَدِيث الطيالسي أَنه يُقيم أَرْبَعِينَ سنة. لِأَن المُرَاد مَجْمُوع لبثه فِي الأَرْض قبل الرّفْع وَبعده؛ فَإِنَّهُ رفع وَسنه ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة ".
انتهى، من "فتاويه" (1/133) .
لكن هذا الجمع منتقد بأنه لا ذكر لمدة عيسى وحياته الأولى ، في شيء من روايات الحديث ، ولا مناسبة لها في سياقاته ، حتى يحمل عليها ذلك . وبأن في نفس الروايات ما يضعف هذا الجمع .
قال السفاريني رحمه الله :
" وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى حِينَ رُفِعَ كَانَ عُمْرُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَيَنْزِلُ سَبْعًا فَهَذِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً.
وَهَذَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ : ( فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ ثُمَّ يَمْكُثُ عِيسَى فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) .
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ : كُنْتُ أَفْتَيْتُ بِأَنَّ ابْنَ مَرْيَمَ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِ سَبْعَ سِنِينَ، قَالَ
وَاسْتَمَرَّيْتُ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ حَتَّى رَأَيْتُ الْإِمَامَ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ اعْتَمَدَ أَنَّ مُكْثَهُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، مُعْتَمِدًا مَا أَفَادَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ بِلَفْظِ " «ثُمَّ يَمْكُثُ ابْنُ مَرْيَمَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ قَتْلِ الدَّجَّالِ أَرْبَعِينَ سَنَةً» ".
وَهَذَا هُوَ المرجح؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ يُحْتَجُّ بِهَا، وَلِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِرِوَايَةِ الْأَكْثَرِ وَيُقَدِّمُونَهَا عَلَى رِوَايَةِ الْأَقَلِّ لِمَا مَعَهَا مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّهُ مُثْبَتٌ وَالْمُثْبَتُ مُقَدَّمٌ. انْتَهَى." .
"لوامع الأنوار" (2/98-99).
وينظر قول السيوطي الأول في "الحاوي للفتاوي" (2/380-381).
الثانية : أن مدة بقائه بعد نزوله الأرض أربعون سنة ، وأما السبع سنوات المذكورة في حديث مسلم ، فهي مدة مكث الناس في الأرض بعد موت عيسى عليه السلام ، وذلك لأن رواية مسلم والتي فيها قوله :"
فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ " ، وقد قد جاءت هذه الجملة عند أحمد في المسند (6555) بلفظ :" ثُمَّ يَلْبَثُ النَّاسُ بَعْدَهُ سِنِينَ سَبْعًا ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ".
فكلمة "بعده " : تبين أن هذه مدة مكث الناس بعد موت عيسى وليست هي مدة مكث عيسى عليه السلام .
قال ابن علان رحمه الله ، في "دليل الفالحين" (8/631) :
" (ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة) : يحتمل أنها المدة الخالصة من الأكدار البتة في زمن عيسى عليه السلام .
وإلا فذكر الشيخ جلال الدين السيوطي أنه يمكث بعد نزوله أربعين سنة ، ولفظه في حاشية تفسير البيضاوي : "قوله في هذا الحديث: ( ويمكث في الأرض أربعين سنة )
: قال الحافظ عماد الدين ابن كثير: يُشكل عليه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عمرو: أنه يمكث في الأرض سبع سنين، قال: اللهم إلا أن يحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله ، وتلك مضافاً إلى مكثه فيها قبل رفعه إلى السماء وكان عمره إذ ذاك ثلاثاً وثلاثين على المشهور. والله أعلم.
أقول وقد أقمت سنين أجمع بذلك ، ثم رأيت البيهقي قال في كتاب "البعث والنشور" :
هكذا في الحديث ؛ أن عيسى يمكث في الأرض أربعين سنة. وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمرو فيبعث الله عيسى ابن مريم، فيطلبه فيهلكه ، ثم يلبث الناس بعده سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة.
قال البيهقي: يحتمل أن يكون قوله: ثم يلبث الناس أي: بعد موته ، فلا يكون مخالفاً للأول .
فترجح عندي هذا التأويل، لأن الحديث ليس نصاً في الإِخبار عن مدة لبث عيسى، وذاك نص فيها لأن ثم يؤيد هذا التأويل.
وكذا قوله يلبث الناس بعده فيتجه أن الضمير فيه لعيسى، لأنه أقرب مذكور؛ ولأنه لم يرد في ذلك سوى الحديث المحتمل ولا ثاني له. وورد مكث عيسى أربعين سنة في عدة أحاديث، من طرق مختلفة: منها الحديث المذكور. وهو صحيح.
ومنها ما أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل عيسى ابن مريم ، فيمكث في الأرض أربعين سنة ، لو يقول للبطحاء سيلي عسلاً لسالت".
ومنها ما أخرجه أحمد في مسنده عن عائشة مرفوعاً في حديث الدجال: "فينزل عيسى ابن مريم فيقتله ، ثم يمكث في الأرض أربعين سنة ، إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً " .
وورد أيضاً من حديث ابن مسعود عند الطبراني .
فهذه الأحاديث المتعددة : أولى من ذلك الحديث الواحد المحتمل ". انتهى .
الثالثة : قيل في الجمع بين المدتين : أنه يمكث أربعين سنة وهذه السبع منها ، ولكنها فترة بقاء عيسى مع المهدي ، أي يمكث عيسى مع المهدي سبع سنين
ثم يموت المهدي ، ويبقى عيسى بعده ثلاثة وثلاثين سنة تمام الأربعين ، وهذا قول الشيخ محمد أنور الكشميري حيث قال في "فيض الباري" (3/490):" أمَّا مُكْثُهُ عليه الصلاة والسلام بعد النزول
فالصوابُ عندي فيه أربعون سنةً ، كما عند أبي داود: «فيَمْكُثُ في الأرض أربعين سنةً ، ثم يتوفَّى ، فيصلِّي عليه المسلمون ». اهـ.
وأمَّا ما تُوهِمُهُ رواية مسلم: « أنه يَمْكُثُ في الأرض سبع سنين »، فهو مدَّة مُكْثِهِ مع الإِمام المهدي". انتهى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 19:06
يسأل حول قصة وعاء العسل والشعرة ، وهل هو حديث نبوي؟
السؤال :
مؤخراً قرأت حديث عن ذهاب النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر رضي الله عنه و عمر رضي الله عنه و عثمان رضي الله عنه لبيت علي رضي الله عنه، حيث كان هناك وعاء عسل يقدم لهم وسقطت به شعرة
. والحديث يستمر للحديث عن كيفية ضرب الأمثال على ذلك الوعاء والعسل والشعرة بواسطة كل من النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه الأربعة المذكورين رضي الله عنهم.
و ينتهي ذلك بقول الله سبحانه و تعالى شيء عن ذلك (الوعاء والعسل والشعرة).
أولاً أود أن أعلم هل هذا الحديث موجود أصلاً؟
لأنني قرأت مقالات تقول أن هذا الحديث ليس له أي أصل... إذاً، أولاً من أين ظهر هذا الحديث ؟
ثانياً هل هو صحيح أم لا ؟
الجواب :
الحمد لله
فالحديث الذي أورده السائل الكريم لم نقف له بعد بحث طويل
فيما بين أيدينا من كتب السنة
لذا فالحديث لا أصل له ، وإن كان عند السائل بعض ألفاظه التي سمعها أو قرأها فليخبرنا بها
لأننا لم نجد لهذه القصة أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 19:10
حول صحة الحديث الذي فيه قصة الدجال وعدم إخراج مالك له في الموطأ
السؤال
: لماذا لم يرد ذكر قصة الدجال في الموطأ علي الرغم من شهرتها بين أهل المدينة ؟
ألا يدل ذلك علي ضعفها ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
من اعتقاد أهل السنة والجماعة الإيمانُ بخروج المسيح الدجال آخر الزمان ، وقد تواترت الأحاديث الصحيحة على ذلك .
قال الإمام أحمد في "أصول السنة" (ص33) :" وَالْإِيمَان أَن الْمَسِيح الدَّجَّال خَارج ، مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ (كَافِر) ، وَالْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت فِيهِ ، وَالْإِيمَان بِأَن ذَلِك كَائِن ، وَأَن عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام ينزل فيقتله بِبَاب لد ". انتهى .
وقال ابن أبي زمنين في "أصول السنة" (ص188) :" وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ بِخُرُوجِ اَلدَّجَّالِ أَعَاذَنَا اَللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ فِتْنَتِهِ ". انتهى
وأنكرها بعض أهل البدع، كالمعتزلة قديما ، و"العقلانيين" حديثا. والأحاديث الصحيحة المتواترة ، والإجماع : حجة عليهم .
ثانيا :
أما ما ذكره السائل حول أن الإمام مالك رحمه الله لم يذكر قصة المسيح الدجال في الموطأ على شهرتها بين أهل المدينة ، وأن هذا دليل على ضعفها ، فهذا خطأ بلا شك ، لما يلي :
1- إن كان قصد السائل بقصة الدجال: الأحاديث التي فيها ذكر الدجال، فهذا غير صحيح ؛ حيث إن الإمام مالك قد روى بإسناده في الموطأ أربعة أحاديث مختلفة في ذكر الدجال ، وهي :
الموضع الأول : روى مالك رحمه في "الموطأ" (447) بسنده عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي
فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إلى السَّمَاءِ ، وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟
فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ ، قَالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ الماء فَوْقَ رَأْسِي ، فلما انصرف رَسُولُ اللَّهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم: حمد الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا ، حَتَّى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ .
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ ، مِثْلَ أَوْ قَرِيب مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، لا أَدْرِي أي ذلك.
قَالَتْ أَسْمَاءُ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ: لا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ، وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا ، وَآمَنَّا
وَاتَّبَعْنَا ، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا ، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ ، أَوِ الْمُرْتَابُ: لا أَدْرِي أي ذلك ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَيَقُولُ: لا أَدْرِي ، إلا أني سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا ، فَقُلْتُهُ.".
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه (184) من طريق الإمام مالك .
الموضع الثاني : روى مالك رحمه الله في "الموطأ" (501)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، أن رسول اللَّهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم: كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ ، كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ.".
والحديث أخرجه مسلم في صحيحه (590) من طريق الإمام مالك .
الموضع الثالث : روى مالك رحمه الله في "الموطأ" (1582)
بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم:" عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ ؛ لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلاَ الدَّجَّالُ ".
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه (1880) ، ومسلم في صحيحه (1379) ، كلاهما من طريق الإمام مالك .
الموضع الرابع : روى مالك رحمه الله في "الموطأ" (1640) بسنده عَنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم قَالَ: أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ
لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ ، قَدْ رَجَّلَهَا وهِيَ تَقْطُرُ مَاءً ، مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ ، يَطُوفُ بالبيت ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى ، كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِالوا: هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ".
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه (5902) من طريق الإمام مالك .
2- إن كان قصد السائل بقصة الدجال : حديث تميم الداري رضي الله عنه المشهور بحديث الجساسة ، فهذا الحديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2942
) من حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها قالت : سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي ، مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ
فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَقَالَ:" لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ "
ثُمَّ قَالَ:" أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: " إِنِّي وَاللهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ ، لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا ، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ ، مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ
فَلَعِبَ بِهِمِ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ
مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ ، قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ ، قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا ، حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا
وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي ، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا ، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ
فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ ، لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ ، قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ
فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا ، وَفَزِعْنَا مِنْهَا ، وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً ، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ ، قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا ، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ
قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ ، قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ
قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَر ، قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ ، قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ ، قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟
فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ ، قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ
فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً - أَوْ وَاحِدًا - مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا ، يَصُدُّنِي عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ:"
هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ " - يَعْنِي الْمَدِينَةَ – " أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟» فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ ، «فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ ، أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ
أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ ، أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ، مَا هُوَ » وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ ، قَالَتْ: فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
والحديث لم يخرجه البخاري
ومع ذلك صححه كما في "العلل الكبير " للترمذي (607) .
وأما كون الإمام مالك لم يخرجه في الموطأ فهذا لا يطعن في صحة الحديث ، حيث أن الإمام مالك لم يستوعب في موطئه الأحاديث الصحيحة ، ولم يقل أحد إن شرطه الاستيعاب
ولم ينقل عن الإمام مالك : أن ما لم يروه في موطئه فهو ضعيف عنده .
ثم إن كتاب الموطأ يغلب عليه سمة الفقه ، حتى إنه لم يذكر في كتابه أبوابا كثيرة ، من العقائد والسير والتفسير والرقاق وغيرها .
ثم إن حديث الجساسة قد رواه أحد أكبر شيوخ الإمام مالك ، وهو من أكابر رواة الحديث بالمدينة وفقهائها ، وهو أبو الزناد عبد الله بن ذكوان .
حيث في أحد طرق الحديث التي أخرجها مسلم في صحيحه (122) (2942)
قال الإمام مسلم : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ يَعْنِي الْحِزَامِيَّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ به .
وختاما : نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من فتنة المسيح الدجال ، آمين .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 19:19
شرح حديث :" تفكروا في آلاء الله ، ولا تفكروا في ذات الله ".
السؤال
أرجو شرح هذا الحديث تَفَكَّرُوا في آلاءِ اللهِ ، و لا تَفَكَّرُوا في اللهِ عزَّ و جلَّ الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة الصفحة أو الرقم: 1788 | خلاصة حكم المحدث : حسن لشواهده
الجواب
الحمد لله
أولا :
الحديث الوارد في السؤال ، حديث ضعيف من هذا الطريق .
أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، فأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (12111)
والطبراني في "المعجم الأوسط" (6319)
وأبو الشيخ في "العظمة" (1/210)
واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (927)
والبيهقي في "شعب الإيمان" (458) :
جميعا ، من طريق الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ ) .
وإسناده تالف لا يصح ، فيه الوازع بن نافع ، متروك الحديث
قال أحمد :" ليس بشيء"
وقال ابن معين :" ليس بثقة ".
كذا في "العلل" للإمام أحمد (3/23)
وقال البخاري :" منكر الحديث "
. كذا في الضعفاء للعقيلي (4/330)
وقال أبو حاتم :" ضعيف الحديث
وقال مرة أخرى ذاهب الحديث
وقال أبو زرعة :" ضعيف الحديث جدا ليس بش
وكان في كتابنا أحاديث فلم يقرأها وقال اضربوا عليها فإنها أحاديث منكرة بمرة "
. كذا في "الجرح والتعديل" (9/39)
وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/83) :
" كَانَ مِمَّن يروي الموضوعات عَن الثِّقَات على قلَّة رِوَايَته، وَيُشبه أَنه لم يكن الْمُتَعَمد لذَلِك بل وَقع ذَلِك فِي رِوَايَته لِكَثْرَة وهمه فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ لما انْفَرد عَن الثِّقَات بِمَا لَيْسَ من أَحَادِيثهم ". انتهى .
وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/1004)
:" وَمِنْ مَنَاكِيرِهِ حَدِيثُهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " تَفَكَّرُوا فِي آلاءِ اللَّهِ وَلا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ ".
فمما سبق يتبين أن هذا الطريق لا يصح ، ولا يتقوى ألبتة .
إلا أن الحديث قد روي من طرق أخرى أمثل من هذا الطريق ، ومن ذلك :
طريق عبد الله بن سلام :
أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/66)
وأبو القاسم التميمي في "الحجة في بيان المحجة"
وقوام السنة في "الترغيب والترهيب" (673)
جميعا من طريق عبد الجليل بن عطية القيسي
قال ثنا شهر بن حوشب ، عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فِيمَ تَتَفَكَّرُون "
قَالُوا: نَتَفَكَّرُ فِي اللهِ قَالَ:" لَا تُفَكِّرُوا فِي اللهِ ، وَتَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ اللهِ ؛ فَإِنَّ رَبَّنَا خَلَقَ مَلَكًا قَدَمَاهُ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى ، وَرَأْسُهُ قَدْ جَاوَزَ السَّمَاءَ الْعُلْيَا، مَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مَسِيرَةُ سِتِّمِائَةِ عَامٍ، وَمَا بَيْنَ كَعْبَيْهِ إِلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ مَسِيرَةُ سِتِّمِائَةِ عَامٍ، وَالْخَالِقُ أَعْظَمُ مِنَ الْمَخْلُوقِ» .
وهذا أيضا طريق ضعيف ، منقطع ؛ فيه شهر بن حوشب ،
قال الذهبي في "ديوان الضعفاء" (1903)
:" مختلف فيه"، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، في "التقريب" : "صدوق كثير الإرسال والأوهام" انتهى.
وهذا الحديث من مراسيله ؛ فإنه لم يسمع من عبد الله بن سلام.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله في "المراسيل" ، رقم (336)
: " سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَرِوَايَتُهُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ مُرْسَلٌ"
انتهى . وينظر : "تحفة التحصيل" للعلائي، (150) .
طريق عبد الله بن عباس :
وقد روي عنه موقوفا بإسناد جيد ، وروي مرفوعا ولا يصح .
أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" (618)
من طريق محمد بن إسحاق ، وأيضا (887)
من طريق الصاغاني ، وأبو الشيخ في "العظمة" (1/212)
من طريق محمد بن يحيى المروزي ، ثلاثتهم عن عاصم بن علي عن أبيه عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" تفكروا في كل شيء ، ولا تفكروا في ذات الله "
هكذا موقوفا عليه ، وخالفهم محمد بن الوليد الأدمي فرواه عن عاصم عن أبيه عن عطاء عن سعيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "العرش" (16)
من طريق خالد بن عبد الله عن عطاء عن سعيد عن ابن عباس موقوفا عليه .
والراجح الوقف ، وهو رواية الجماعة عن عاصم ، وقد توبع من خالد بن عبد الله
وقد حسن الذهبي إسناده في "العرش" (111) ،
وجود إسناده ابن حجر في "الفتح" (13/383)
والطريق الثاني أخرجه قوام السنة في "الترغيب والترهيب" (670)
من طريق عبد الحميد الحماني عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : أبصر النبي صلى الله عليه وسلم قوماً فقال:" ما لكم ؟ قالوا: نتفكر في الخالق. فقال لهم: تفكروا في خلقه ولا تفكروا في الخالق
لا تقدرون قدره ". وخالفه أبو أسامة كما في "الترغيب والترهيب" (672) لقوام السنة
ومحمد بن عبيد كما في "الزهد" (945)
لهناد ، فرووه عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا .
والراجح المرسل ، حيث إن عبد الحميد الحماني صدوق يخطئ ، وقد خالفه أبو أسامة حماد بن أسامة ، وهو ثقة ثبت متفق عليه ، ومحمد بن عبيد الطنافسي ، وهو ثقة أيضا .
وعلى كلٍ، فالحديث ليس له طريق مرفوع صحيح ، لكن مجموع طرقه يشهد أن له أصلا ، وقد صح موقوفا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد قال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص261)
بعد أن أورد حديث عبد الله بن سلام وحديث ابن عباس وحديث ابن عمر ، قال :" وأسانيدها ضعيفة ، لكن اجتماعها يكتسب قوة ، والمعنى صحيح ". انتهى .
وينظر للفائدة: "السلسلة الصحيحة" (1788)، "الأحاديث المرفوعة المعلة في حلية الأولياء"، سعيد الغامدي (705-710) .
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 19:21
ثانيا :
أما معنى الحديث :
فقوله صلى الله عليه وسلم :" تفكروا " :
قال القرطبي في "تفسيره" (4/314)
:" وَالْفِكْرَةُ: تَرَدُّدُ الْقَلْبِ فِي الشَّيْءِ ، يُقَالُ: تَفَكَّرَ ، وَرَجُلٌ فَكِيرٌ كَثِيرٌ الْفِكْرِ ". انتهى .
قوله صلى الله عليه وسلم :" في آلاء الله ".
قال الصنعاني في "التنوير في شرح الجامع الصغير" (5/82)
:" (تفكروا في آلاء الله) أي : نعمه ، قال القاضي: التفكر فيها أفضل العبادات .
قلت: كأنه لِمَا يجر إليه من شكر نعمة الله تعالى ، والاعتراف بأياديه ". انتهى
قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى :" تفكروا في خلق الله " : قال الصنعاني في "التنوير في شرح الجامع الصغير" (2/85) :" أي فيما بثه في الأكوان من الأنفس ونحوها ". انتهى
قوله صلى الله عليه وسلم :" ولا تفكروا في الله "
أو " في ذات الله " : هذا نهيٌ عن التفكير في ذات الله تبارك وتعالى ، لأن الله ليس كمثله شيء ، والعقل البشري مخلوق محدود ، فكيف له أن يدرك كنه ذات الرب تبارك وتعالى .
قال الصنعاني في "التنوير في شرح الجامع الصغير" (5/81)
:" وإنما نهى عن التفكر في ذاته تعالى لأنه لا تفكر إلا فيما يعرفه العبد ويعلمه، وقد تعالى الله سبحانه أن يحاط به علماً".انتهى.
والتفكر في النعم والمخلوقات يزيد في القلب محبة الله عز وجل ، والإيمان به
والفكر في ذات الله يجلب للعبد الحيرة والضلال ، وكثير من فرق الضلالة كان سبب نشأتها الخوض في ذات الله تبارك وتعالى ، فحملهم ذلك على نفي الصفات ، وتعطيلها ، أو التجسيم ، أو التأويل .
قال نعيم بن حماد ، وهو من مشايخ الإمام البخاري
:" حق على كل مؤمن أن يؤمن بجميع ما وصف الله به نفسه ويترك التفكر في الرب تبارك وتعالى، ويتبع حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق ) ".
أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " (3/527) للإمام اللالكائي .
وقال أبو القاسم الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (2/457) :
" ومن تفكر في الله وفي صفاته : ضل ، ومن تفكر في خلق الله وآياته ازداد إيماناً ". انتهى
ونختم الجواب بهذا الكلام النفيس لابن القيم رحمه الله من كتاب "الفوائد" (ص198) :
" الْفِكر فِي آلَاء الله ونعمه ، وَأمره وَنَهْيه ، وطُرُق الْعلم بِهِ ، وبأسمائه وَصِفَاته ، من كِتَابه وَسنة نبيه وَمَا والاهما . وَهَذَا الْفِكر يُثمر لصَاحبه الْمحبَّة والمعرفة .
فَإِذا فكر فِي الْآخِرَة ، وشرفها ودوامها ، وَفِي الدُّنْيَا ، وخستها وفنائها : أثمر لَهُ ذَلِك الرَّغْبَة فِي الْآخِرَة ، والزهد فِي الدُّنْيَا .
وَكلما فكّر فِي قصر الأمل ، وضيق الْوَقْت : أورثه ذَلِك الجدّ وَالِاجْتِهَاد ، وبذل الوسع فِي اغتنام الْوَقْت .
وَهَذِه الأفكار تُعلي همّته وتحييها ، بعد مَوتهَا وسفولها ، وتجعله فِي وَاد، وَالنَّاس فِي وَاد .
وبإزاء هَذِه الأفكار : الأفكار الرَّديئَة ، الَّتِي تجول فِي قُلُوب أَكثر هَذَا الْخلق
كالفكر فِيمَا لم يُكَلف الْفِكرَ فِيهِ ، وَلَا أُعْطيَ الْإِحَاطَة بِهِ ، من فضول الْعلم الَّذِي لَا ينفع ، كالفكر فِي كَيْفيَّة ذَات الرب وَصِفَاته ، مِمَّا لَا سَبِيل للعقول إِلَى إِدْرَاكه ". انتهى
وختاما : نسأل الله تعالى أن يجعلنا والسائل الكريم وجميع المسلمين
من قال الله فيهم :" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191). آل عمران/190 ، 191 . آمين .
و الله اعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-04, 05:55
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حول الاعتماد في الحديث على كتابي "السلسلة الصحيحة" و " صحيح الترغيب والترهيب"
السؤال
كثيرا ما تكتبون في تخريج بعض الأحاديث ( صحيح ترغيب ) ، و ( السلسلة الصحيحة ) ، لمن هذين الكتابين ، يرجى إعطاءنا لمحة عنهم ، وهل هم كتب معتمدة في مجال الحديث ؟
الجواب :
الحمد لله
كتاب "صحيح الترغيب والترهيب" ، وكتاب " السلسلة الصحيحة" كلاهما للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى .
أما الكتاب الأول : فأصله كتاب الترغيب والترهيب للحافظ عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله ، أبو محمد ، زكي الدين المنذري (ت 656هـ) ، وقد جمع في كتابه (5766) حديثا تحت أبواب الترغيب في أبواب الخير والترهيب من أبواب الشر .
يقول عنه الشيخ الألباني في مقدمة كتابه (1/35)
:" ليس بخافٍ على أحد من أهل العلم أن كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري هو أجمع وأنفع ما ألف في موضوعه ، فقد أحاط فيه أو كاد ، بما تفرق في بطون الكتب الستة وغيرها من أحاديث الترغيب والترهيب في مختلف أبواب الشريعة الغراء ، كالعلم والصلاة ، والبيوع والمعاملات
والأدب والأخلاق ، والزهد ، وصفة الجنة والنار ، وغيرها مما لا يكاد يستغني عنه واعظ أو مرشد ، ولا خطيب أو مدرس ، مع اعتنائه بتخريج الأحاديث وعزوه إياها إلى مصادرها من كتب السنة المعتمدة، على ما بيَّنه هو نفسه في المقدمة ، وقد أجاد ترتيبه وتصنيفه ،
وأحسن جمعه وتأليفه ، فهو فرد في فنه ، منقطع القرين في حسنه ، كما قال الحافظ برهان الدين الحلبي الملقب بـ (الناجي) في مقدمة كتابه "عُجالة الإملاء" ، فاستحق بذلك أن يصفه الحافظ الذهبي النَّقاد: بأنه كتاب نفيس
كما نقله عنه ابن العماد في "الشذرات" (5/ 278) ". انتهى .
إلا أنه رحمه الله ، مع جودة تصنيفه للكتاب ، وحسن إخراجه له ، لم ينقحه تماما ، فوقع فيه جملة من الأحاديث الضعيفة والواهية . وهو معذور في ذلك
فقد نص في خاتمة كتابه على أنه صنفه في غربته حيث كان بعيدا عن كتبه ، وذكر أيضا في خاتمة كتابه أنه قد يذكر بعض الأحاديث الشاذة متنا وإسناداً ولا ينبه عليها فقال :" وكذلك تقدم أحاديث كثيرة غريبة ، وشاذة متناً وإسناداً، لم أتعرَّض لذكر غرابتها وشذوذها " .
انتهى من "الترغيب والترهيب"(4/318) .
ولما كان الشيخ الألباني صاحب مشروع كبير أسماه " تقريب السنة بين يدي الأمة " ، وهدفه من ذلك تصفية الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم مما لم يصح
وتقريبه لعموم المسلمين ، أراد الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله أن يحقق الكتاب من الناحية الحديثية فيفصل بين المقبول والمردود ؛ فجعل الكتاب على قسمين : الأول صحيح الترغيب والترهيب ، والثاني ضعيف الترغيب والترهيب .
وقد جمع في كتاب "صحيح الترغيب والترهيب" (3775) حديثا ، منها الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن الصحيح والحسن لذاته والحسن لغيره .
وربما يذكر الباب ولا يذكر تحته حديثا لأنه لم يصح من الأحاديث التي أوردها الحافظ المنذري في هذا الباب شيء .
وكان الشيخ قد أصدر الطبعة الأولى للكتاب مبكرا، ثم عاد فراجعه بعد أكثر من عشرين عاما فتراجع عن أحاديث كان صححها ، فتبين له ضعفها ، وأحاديث كان قد ضعفها ، ثم تبين له حسنها أو قوتها بطرقها
وكان ذلك في ختام عمره حيث كان في الخامسة والثمانين ، والشيخ في كتابه لا يستطرد في تخريج الحديث ولا يترجم للرواة ، وإنما يكتفي بذكر الحديث مع درجته وحكمه عليه .
وأما الكتاب الثاني : فهو "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها" ، فهو كتاب كبير مطول ، أراد الشيخ الألباني أن يجمع فيه قدرا كبيرا من الأحاديث الصحيحة ، بتخريج موسع مع ذكر درجة الحديث .
ويذكر كذلك في كثير من الأحيان بعض الفوائد الفقهية أو العقدية أو التربوية المستفادة من الحديث. وأصل الكتاب كان مقالات حديثية في مجلة التمدن الإسلامي ، ثم جمعها الشيخ في أجزاء كانت تصدر تباعا ، ولذا أسماه "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها " .
وأصدر بالمقابل "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة" ، وبلغت الأحاديث التي ذكرها الشيخ في كتابه "السلسلة الصحيحة" (4035) .
أما مؤلف الكتابين : فهو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، ولد بألبانيا سنة 1333هـ /1914م ، وتوفي الشيخ رحمه الله سنة 1420هـ/1999م
هاجر به والده إلى دمشق ، وطلب الشيخ علوم الشريعة ، واشتغل الشيخ بعلم الحديث اشتغالا عظيما ، وتجرد له ، ونبغ فيه ، وعكف على تحقيق الأحاديث ودراستها أكثر من خمسين عاما حتى أصبحت عنده ملكة وصنعة حديثية مكينة
وتيسر له من المخطوطات الحديثية في المكتبة الظاهرية ما لم يكد يتيسر لغيره من أقرانه ومعاصريه ، ووقف على كثير من الأسانيد وطرق الحديث مما مكنه من دراسة الأسانيد ومعرفة عللها .
ونشر علم "الحديث والسنة" ، وأشاع صنعته بين الناس ، بعد طول زمان من خفوتها ، وندرة المشتغلين بها على طريقة أهل الصنعة والنظر والاجتهاد .
وشهد له الموافق والمخالف بالسبق والفضل في علم الحديث ، حتى قال فيه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :" ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني "
. من كتاب "حياة الألباني" (ص65) لمؤلفه محمد إبراهيم الشيباني .
والشيخ كغيره من أهل العلم : بشر غير معصوم ، يجتهد فيصيب ويخطئ ، وكثيرا ما تراجع الشيخ عن تضعيف حديث أو عن تصحيحه ، حتى إنه يكتب :" ينقل إلى السلسلة الصحيحة " أو " ينقل إلى السلسلة الضعيفة " وهكذا ، وهذا يدل
على إنصافه وتواضعه للعلم رحمه الله .
والحكم على الحديث صحة وضعفا أمر اجتهادي ، ولذا في كثير من الأحيان يكون الخلاف بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف خلافا سائغا لا يجوز فيه التشغيب على أحد ، أو رميه بالجهل وغير ذلك ، ما دام أنه من أهل العلم والتزم فيه أصول الحديث وقواعده .
وحينئذ ؛ فمن كان من أهل التخصص في هذا العلم ، والتأهل له ، والاجتهاد فيه : فإنه ينظر في كتب الشيخ وبحوثه ، كما ينظر في كلام أهل العلم وكتبهم ، ويختار لنفسه من ذلك ما يترجح عنده؛ وما يسعه علمه ونظره , وجهده ووقته .
ومن لم يكن من المشتغلين بهذا العلم ، ولا المتخصصين فيه : وسعه أن يعتمد على كتب الشيخ واجتهاداته الحديثية ، ونُعْمَةُ عين ، كما يسعه ذلك مع أهل العلم في اختصاصاتهم ، وعلومهم ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا .
وختاما رحم الله الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمة واسعة ، وأسكنه الفردوس الأعلى ، وجزاه الله خير الجزاء ، عما قدم وبذل خدمة لدين الله عز وجل ، آمين .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-04, 06:01
( أصبر على الطعام والشراب ، ولا أصبر على النساء) ليس بحديث .
السؤال
كنت أستمع لبعض المحاضرات ، فلفت انتباهي بعض حديث فأحببت معرفة ما إذا كان صحيحا أم موضوعا ؟ ( أصبر عن الطعام والشراب ، ولا أصبر عن النساء)
الجواب
الحمد لله
أولا :
الحديث المذكور ( أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عن النساء ) :
ذكره ابن القيم في "الداء والدواء" (1/483)
فقال :" حتى إنّ كثيرًا من الناس يصبر عن الطعام والشراب ولا يصبر عن النساء. وهذا لا يُذَمّ إذا صادف حِلًّا بل يحمد
كما في كتاب الزهد للإمام أحمد من حديث يوسف بن عطية الصفَّار ، عن ثابت عن أنس، عن النبي- صلى الله عليه وسلم - :" حُبب إليّ من دنياكم النساء والطيب ، أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن". انتهى .
وهذا اللفظ لا أصل له إطلاقا ، وإنما ذكره ابن القيم هنا بالمعنى ، وقد وضحه في "روضة المحبين" (ص204) فقال :"
وقال عبدالله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه حدثنا أبو معمر حدثنا يوسف بن عطية عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله ":" جعلت قرة عيني في الصلاة وحبب إلي النساء والطيب، الجائع يشبع، والظمآن يروى، وأنا لا أشبع من حب الصلاة والنساء وأصله في صحيح مسلم بدون هذه الزيادة ". انتهى .
فتبين بذلك أن اللفظ الوارد في السؤال ليس لفظ الحديث وإنما هذا معناه ، ثم الحديث لم يروه أحمد وإنما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" ، والحديث غير موجود في النسخة المطبوعة من كتاب الزهد للإمام أحمد
ولذا قال المناوي في "فيض القدير" (3/370)
:" وزعم الزركشي أن للحديث تتمة في كتاب الزهد لأحمد هي :" أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن " ، وتعقبه المؤلف – يقصد السيوطي -
بأنه مر عليه مرارا فلم يجده فيه ، لكن في زوائده لابنه عبد الله بن أحمد عن أنس مرفوعا :" قرة عيني في الصلاة وحبب إلي النساء والطيب. الجائع يشبع والظمآن يروى وأنا لا أشبع من النساء فلعله أراد هذا الطريق ". انتهى .
وينظر : "الداء والدواء" ، تعليق المحقق (483) .
والحديث أخرجه ابن حبان في "المجروحين" (3/135)
في ترجمة يُوسُف بن عَطِيَّة الصفار السَّعْدِيّ فقال :" كنيته أَبُو سهل ، من أهل الْبَصْرَة ، يروي عَن قَتَادَة وثابت ، رَوَى عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِي وَأهل الْعرَاق ، كَانَ مِمَّن يقلب الْأَسَانِيد ، وَيلْزق الْمُتُون الْمَوْضُوعَة بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة وَيحدث بهَا ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال ..
ثم قال : وَرَوَى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا جَعَلَ قُرَّةَ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ وَحَبَّبَ إِلَيَّ الطِّيبَ كَمَا حَبَّبَ إِلَى الْجَائِعِ الطَّعَامَ وَإِلَى الظَّمْآنِ الْمَاءَ، وَالْجَائِعُ يَشْبَعُ وَالظَّمْآنُ يُرْوَى وَأَنَا لَا أَشْبَعُ مِنَ الصَّلاةِ . وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ يَكُونُ فِي الصَّلاةِ أَوْ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ .
أَخْبَرَنَاهُ الثَّقَفِيُّ قَالَ حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا بن عَطِيَّة عَن ثَابت عَن أنس ". انتهى.
وقد تبين أن لفظ الحديث مختلف فيه ؛ ففي رواية البزار :" وأنا لا أشبع من الصلاة " ، وفي رواية عبد الله بن أحمد كما نقلها ابن القيم :" وأنا لا أشبع من حب الصلاة والنساء ".
وعلى كل : فالحديث موضوع مكذوب .
وعِلَّته : يوسف بن عطية الصفار ، قال فيه البخاري : منكر الحديث
وقال أبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني : ضعيف الحديث
وقال أبو داود: ليس بشيء
وقال النسائي والدولابي : متروك الحديث ، زاد النسائي : وليس بثقة ،
وقال بن عدي : وله غير ما ذكرت ، وكلها غير محفوظة ، وعامة حديثه مما لا يتابع عليه
وقال بن حبان يقلب الأخبار ويلزق المتون الموضوعة بالأسانيد الصحيحة لا يجوز الاحتجاج به .
انظر "تهذيب التهذيب" لابن حجر (11/419) .
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/469)
في ترجمته وساق له عدة أحاديث ثم قال في أحدها :" والحديث يتهم بوضعه يوسف ". انتهى
واللفظ الصحيح للحديث : هو ما رواه أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ".
أخرجه أحمد في المسند (1437)
والنسائي في سننه (3939)
وصححه ابن حجر في "الفتح" (3/15) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-04, 06:08
حول ما ورد أن الحكم بن أبي العاص كان يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم فدعا عليه
السؤال :
انتشرت مؤخرا هذه القصة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أريد معرفة مدى صحتها "رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرى من خلفه وقد اشتهر أنه لم يلتفت قط لأنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه
. مرة كان جد بني مروان يستهزئ بالنبي فكان النبي سائرا فمشى وراءه فأخذ يمد لسانه ، الرسول صلى الله عليه و سلم وهو يمشي لم يلتفت إليه ، وقال له : فض الله فاك ، فسقطت أسنانه كلها بلحظتها
و مرة أخرى جاء الملعون نفسه و مشى خلف رسول الله صلى عليه و سلم بطريقة هزلية يقصد أن يهزأ بها من مشية النبي فقال له رسول الله : كن كذلك ( دعا عليه أن يبقى يمشي بهذه الطريقة ) فبقي حياته كلها يمشي و يتأرجح .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
أما الواقعة الأولى التي سأل عنها السائل الكريم فقد أخرجها ابن قانع في "معجم الصحابة" (3/196) ، وأبو نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة" (6555) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/239) ، وابن عبد البر في "الاستيعاب" (4/1545) :
جميعا من طريق حسان بن عبد الله الواسطي ، قال حَدَّثَنا السري بن يحيى ، عَن مالك بن دينار ، قال حدثني هند بن خديجة زوج النبي صَلَّى الله عَليْهِ وَسلَّم قال: مر النبي صَلَّى الله عَليْهِ وَسلَّم بالحكم
أبي مروان الحكم ، فجعل يغمزه في قفاه ويشير بإصبعه ، فالتفت إليه النبي صَلَّى الله عَليْهِ وَسلَّم فقال:" لا أماتك الله ، أَو لا مت إلا بالوزغ " . قال: فما قام حتى ارتعش . وفي لفظ :" اللَّهمّ اجْعَلْ بِهِ وَزَغًا ". فَرَجِفَ مَكَانَهُ .
وَالْوَزَغُ : الارْتِعَاشُ.
والحديث ضعيف مرسل ، حيث إن مالك بن دينار يرويه عن هند بن خديجة ، ويقول حدثني ، وهند بن خديجة هو هند بن هند بن هند بن النباش ، وهند بن النباش كنيته أبو هالة ،
وكان قد تزوج خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فأنجبت منه ولدا أسماه " هند " وكان بعد ذلك ربيب النبي صلى الله عليه وسلم ، واشتهر بأنه هند بن خديجة ، ثم إنه أنجب بعد ذلك ولدا أسماه " هند " أيضا ، وهو راوي الحديث الذي معنا ، فرواه عنه مالك بن دينار ونسبه لجده .
ومالك بن دينار لم يدرك هند بن أبي هالة ، إنما أدرك ولده هند بن هند ، فإن هند بن أبي هالة مات مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الجمل
كما قال الزبير بن بكار كما في "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/1545) .
وإذا كان الحديث هكذا من رواية مالك بن دينار عن هند بن هند فإنه يكون مرسلا حيث أن هند بن هند بن أبي هالة لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/117)
:" هند بن هند بن أبى هالة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا مرسلا روى عن أبيه روى عنه مالك بن دينار ". انتهى
وقال ابن حجر في "الإصابة" (6/437):
" ومالك بن دينار لم يدرك هند بن أبي هالة ، وإنما أدرك ابنه ، فكأنه نسبه لجدّه ". انتهى
ولم نقف على قوله صلى الله عليه وسلم :" فض الله فاك " في رواية لهذه الواقعة ، وإنما وقفنا على ما سبق ذكره.
*عبدالرحمن*
2018-08-04, 06:08
ثانيا :
أما الواقعة الثانية التي سأل عنها السائل الكريم
فقد أخرجها البيهقي في "دلائل النبوة" (6/239)
وأبو جعفر بن البختري في "مجموع فيه مصنفات أبي جعفر ابن البختري" (218)
من طريق عَبْد الْوَاحِدِ بْن زِيَادٍ ، قال حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بن سَعِيدٍ الْحَنَفِيُّ ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ، يَقُولُ:
كُنَّا عَلَى بَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم نَنْتَظِرُهُ ، فَخَرَجَ ، فَاتَّبَعْنَاهُ ،
حَتَّى أَتَى عَقَبَةً مِنْ عِقَابِ الْمَدِينَةِ ، فَقَعَدَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لَا يَتَلَقَّيْنَ أَحَدٌ مِنْكُمْ سُوقًا ، وَلَا يَبِيعُ مُهَاجِرٌ لِلْأَعْرَابِيِّ ، وَمَنْ بَاعَ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ ردّها ، ردّ معها مِثْلَ- أَوْ قَالَ: مِثْلَيْ- لَبَنِهَا قَمْحًا .
قَالَ: وَرَجُلٌ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَاكِيهِ ، وَيُلَمِّضُهُ !!
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَلِكَ ، فَكُنْ !!
قَالَ: فَرَفَعَ إِلَى أَهْلِهِ ، فَلِيطَ بِهِ شَهْرَيْنِ ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَفَاقَ حِينَ أَفَاقَ ، وَهُوَ كَمَا حَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". انتهى
وليس في الرواية أن عبد الله بن عمر سمى الفاعلَ لذلك ، وإنما أبهمه .
إلا أن الصالحي ، كما في "سبل الهدى والرشاد" (2/463) ، قال:" وهذا المبهم الظاهر أنه الحكم ". انتهى .
وعلى كلٍ : فإسناده تالف ، فيه متهم بالكذب ، وهو جميع بن عمير . قال ابن نمير :" مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ ". نقله عنه ابن حبان
وقال :" كَانَ رَافِضِيًّا يضع الْحَدِيث "."المجروحين" (1/218)
والإسناد فيه أيضا صدقة بن سعيد
قال فيه أبو حاتم " شيخ " كما في الجرح والتعديل (4/430)
وقال الذهبي :" وقال الساجى: ليس بشيء
وقال البخاري: عنده عجائب ، وقال محمد بن وضاح: ضعيف ".
كذا في "ميزان الاعتدال" (2/310).
وقد رويت القصة بسياق مقارب ، من طريق تالف أيضا
وهو ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/214)
وأبو نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة" (1906)
والحاكم في "المستدرك" (4241)
والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/239)
من طريق ضِرَار بْن صُرَدَ ، قال ثنا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الْمَدَنِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ: كَانَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ يَجْلِسُ عِنْدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَإِذَا تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَجَ أَوَّلًا ، فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَنْتَ كَذَاكَ" وفي لفظ " كُنْ كَذَلِكَ ". فَمَا َزَالُ يَخْتَلِجُ حَتَّى مَاتَ .
والحديث مكذوب ؛ فيه ضرار بن صُرَد ، قال فيه البخاري :" متروك الحديث "
كما في "الضعفاء الكبير" للعقيلي (766)
وكذبه ابن معين
كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/465)
وقال النسائي :" ليس بثقة " .
كما في تهذيب الكمال (13/305)
وقال ابن شاهين في "تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين" (314) :" كذاب يسرق الأحاديث فيرويها ".
ثم هو شيعي تالف، قال ابن عدي في "الكامل" (5/161) :" وَهو في جملة من ينسبون إلى التشيع بالكوفة ". انتهى . والشيعة كما هو معلوم بينهم وبين بني أمية عداء وضعوا لأجله أحاديث كثيرة في ذم بني أمية .
والحديث ضعفه الذهبي ، حيث عقب على قول الحاكم :" صحيح الإسناد " ، فقال :" فيه ضرار بن صرد ، وهو واه ". انتهى ، وضعفه ابن حجر كما في "إتحاف المهرة" (13473) .
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (6473) :" منكر". انتهى
والحكم بن أبي العاص وردت عدة أحاديث في لعنه ، وأكثر المحدثين من أهل العلم على أنها منكرة لا تثبت ، قال ابن السّكن :" يقال إنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا عليه ، ولم يثبت ذلك ". كذا في "الإصابة" لابن حجر (2/91) .
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (2/198)
:" وقد رُوِيَت أحاديث مُنْكرة في لَعْنه ، لَا يجوز الاحتجاج بها ، وليس له في الجملة خصوص الصُّحبة ؛ بل عمومها ". انتهى .
وقال أيضا في "سير أعلام النبلاء" (3/407)
مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ. وَلَهُ أَدْنَى نَصِيْبٍ مِنَ الصحبة ... وَيُرْوَى فِي سَبِّهِ أَحَادِيْثُ لَمْ تَصِحَّ ". انتهى .
وقال ابن كثير في جامع المسانيد والسنن (2/512)
في ذكر الحكم بن أبي العاص قال :" وقد ورد في ذمه ولعنه أحاديث لا تثبت ". انتهى .
وقال السخاوي في "التحفة اللطيفة" (1/301)
:" وقد رويت أحاديث منكرة في لعنه لا يجوز الاحتجاج بها ، وليس له في الجملة خصوص الصحبة ، بل عمومها . وأعرضت - لأجلها - عن ذكر ما ترجمته من ذلك ". انتهى .
وبعض أهل العلم يقوي بعض هذه الأحاديث ، كالحافظ ابن حجر حيث قال كما في "فتح الباري" (13/11) :" وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي لَعْنِ الْحَكَمِ ، وَالِدِ مَرْوَانَ ، وَمَا وَلَدَ . أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ ، غَالِبُهَا فِيهِ مَقَالٌ ، وَبَعْضُهَا جَيِّدٌ ". انتهى .
وينظر للفائدة : "المطالب العالية" للحافظ ابن حجر ـ النسخة المسندة ـ (18/257-265)
وتعليقات المحققين، "مختصر تلخيص الذهبي" لابن الملقن (7/3349-3354) وتعليق المحققين .
ولا شك أن أن الأبرأ للذمة والديانة : كف اللسان عن الطعن فيمن ثبت أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ، ما دام أنه لم يثبت نفاقه وخبث باطنه ، كالذي ورد في شأن عبد الله بن أبي بن سلول ، مثلا .
خاصة وأن كثيرا من هذه الروايات الضعيفة والمنكرة : ينشرها الروافض طعنا في الصحابة جملة ، يريدون بذلك جرح شهود الديانة ، وحملة الشريعة ، عاملهم الله بما هم أهله .
وينظر أيضا للفائدة : "منهاج السنة النبوية" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (6/265-271) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-04, 06:12
حول صحة قول مجاهد: يؤتى بثلاثة نفر يوم القيامة .
السؤال :
حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال: يؤتى بثلاثة نفر يوم القيامة ، بالغني وبالمريض والعبد ، فيقول للغني : ما منعك عن عبادتي ؟ فيقول : أكثرت لي من المال فطغيت ، فيؤتى بسليمان بن داود عليه السلام في ملكه فيقال له : أنت كنت أشد شغلا أم هذا ؟
قال : بل هذا ، قال : فإن هذا لم يمنعه شغله عن عبادتي ، قال : فيؤتى بالمريض فيقول : ما منعك عن عبادتي ؟
قال :يا رب أشغلت علي جسدي ، قال : فيؤتى بأيوب عليه السلام في ضره فيقول له : أنت كنت أشد ضرا أم هذا ؟
قال : فيقول : لا بل هذا ، قال : فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني ، قال : ثم يؤتى بالمملوك فيقال له : ما منعك عن عبادتي ؟
فيقول : جعلت علي أربابا يملكونني ، قال : فيؤتى بيوسف الصديق عليه السلام في عبوديته فيقال : أنت أشد عبودية أم هذا ؟
قال : لا بل هذا ، قال : فإن هذا لم يشغله شيء عن عبادتي .. ما صحة هذا الكلام ؟
وكيف عرف الإمام مجاهد بما يحصل يوم القيامة؟
الجواب :
الحمد لله
الأثر الذي ذكره السائل الكريم
أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/288)
من طريق محمد بن فضيل عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد أنه قال :" يُؤْتَى بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: بِالْغَنِيِّ ، وَبِالْمَرِيضِ ، وَالْعَبْدِ ...." . إلى آخر الأثر كما ذكره السائل
وهذا الأثر ضعيف الإسناد عن مجاهد بن جبر رحمه الله ، حيث فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف باتفاق
قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (2/75)
بعد أن ذكر ليث بن أبي سليم قال :" واتفق العلماء على ضعفه ، واضطراب حديثه ، واختلال ضبطه ". انتهى .
ولو صح عنه فإنه لا حجة فيه لما يلي :
أولا :
أن هذا الأثر من قول مجاهد رحمه الله يسميه أهل العلم " المقطوع " ، وهو ما جاء التابعي من قوله أو فعله .
قال ابن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" الشهير بمقدمة ابن الصلاح (ص28) :" المقطوع وهو ما جاء عن التابعين موقوفا عليهم من أقوالهم أو أفعالهم ". انتهى .
ولا شك أن أقوال التابعين ليست بحجة في دين الله عز وجل .
ثانيا :
أنه إذا سلمنا أن ذلك الأثر ونحوه : لا يقال بالرأي ، وليس للاجتهاد فيه مجال ، وقلنا : إن مثل ذلك له حكم الرفع ؛ فغايته : أن يكون حديثا مرفوعا
مرسلا ؛ لأن التابعي إذا روى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، صراحة ، ولم يذكر من حدثه به من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : كان حديثا مرسلا ؛ ومعلوم : أن المرسل من أقسام الحديث الضعيف .
فكيف إذا لم يذكر التابعي أنه تلقى ذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا وراه عنه أصلا ؟!
هذا أظهر في ضعفه ، وأبعد عن قيام الحجة به في دين الله .
وينظر: "النكت على ابن الصلاح" للزركشي (2/439)
"نتائج الأفكار" للحافظ ابن حجر (1/383) .
ثالثا
: أن مجاهد بن جبر رحمه الله كان يأخذ عن أهل الكتاب ، ومعلوم أن من يقول في ذلك ونحوه : إن له حكم الرفع ، يشترط في الحكم برفعه : ألا يكون قائله ممن يأخذ عن أهل الكتاب
فإن كان ممن يأخذ العلم عن أهل الكتاب ، لم يحكم لما يقوله في أمور الغيب ونحوها بالرفع ، لاحتمال أن يكون ذلك مما تلقاه عن أهل الكتاب ، فلا تقوم به الحجة .
وقد روى ابن سعد في "الطبقات" (5/466) فقال :" أخبرنا أبو بكر بن عياش قال: قلت للأعمش : ما لهم يتقون تفسير مجاهد :
قال : كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب ". انتهى .
وختاما :
نهيب بإخواننا جميعا خاصة الدعاة إلى الله تعالى الاحتياط في نسبة شيء لدين الله عز وجل خاصة أمور الغيب ، فإنها لا مجال فيها للرأي والاجتهاد ، وفيما صح كفاية ، ولله الحمد .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-04, 06:14
هل ثبت قول علي رضي الله عنه : الترتيل تجويد الحروف و معرفة الوقوف
السؤال
: ما صحة الأثر عندما سئل علي بن أبي طالب عن الترتيل ، قال : الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف.
الجواب :
الحمد لله
هذا الأثر المنسوب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لم نقف له على إسناد بعد طول بحث ، وإنما أورده بعض أهل العلم ، هكذا ، من غير إسناد ، ولا عزو إلى من أخرجه .
وأقدم من رأيناه ذكره ، هو أبو القاسم الهذلي ت 465هـ في كتاب "الوقف والابتداء" (ص377) فقال :" قال علي : الترتيل معرفة الوقوف ، وتحقيق الحروف ". ولم يذكر له إسنادا .
وأورده أيضا ابن الجزري في عدة مواضع من كتبه، منها كتاب "التمهيد في التجويد" (ص40) قال:" وقد سئل علي - رضي الله عنه - عن معنى قوله تعالى {ورتل القرآن ترتيلا} ، فقال: الترتيل تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف "
. وذكره أيضا في "النشر في القراءات العشر"(1/225) .
ثم تتابع المصنفون في علوم القرآن عموما وفي التجويد والقراءات خصوصا على ذكره، ولم يسق أي منهم إسنادا له .
ولذا فالتحقيق العلمي يقتضي التوقف في قبوله والاستدلال به ، حتى يوقف على مخرجه .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-04, 06:19
حول سبيل الازدياد من الحور العين في الجنة ، وسبل ذلك ، وهل كظم الغيظ من هذه السبل؟
السؤال
: كيف بالإمكان الفوز بأقصى عدد من الزوجات (الحور العين) في الجنة وبقدر المستطاع ؟
وهل كظم الغيظ يزيد عدد الزوجات( الحور العين) في كل مرة يكظم أحد غيظه ؟
هل هناك أعمال أخرى التي تزيد الزوجات (الحور العين) في الجنة؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
اعلم أخي الكريم أن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
وكما قال الله تعالى :" يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " الزخرف/71 .
فالجنة : لا هم فيها ، ولا حزن . ولا نصب فيها ولا صب . والعطاء فيها : حتى الرضى .
روى مسلم (189) في صحيحه ، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ ، مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ
فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ
فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ ، قَالَ: رَبِّ ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا ، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "
قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: " {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] الْآيَةَ ".
لذا على العبد المسلم أن يهتم بالعمل الصالح ، وليعلم أن الله سيرضيه في جنات النعيم .
ثانيا :
وأما ما سأل عنه الأخ الكريم ، حول الحور العين في الجنة : فلا شك أن ذلك من النعيم الذي أعده الله للمؤمنين في جنات النعيم ، حيث قال سبحانه :" إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) الدخان/51-54 .
ووصفهن فقال :" وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23). الواقعة/22-23 .
وأما أعدادهن للعبد المؤمن في الجنة: فقد جاء في بعض الأحاديث: أن المؤمن في الجنة زوجتين. وهذا الحديث
أخرجه البخاري (3246) ، ومسلم (2834) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ
كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الحُسْنِ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ، لاَ يَسْقَمُونَ ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَبْصُقُونَ ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمْ الأَلُوَّةُ ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ ".
وقد قيل : إن المقصود بالزوجتان هنا : أي من أهل الدنيا ، وهذا ما رجحه ابن حجر في "الفتح" (6/325) :" قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ أَيْ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا". انتهى .
أما من الحور العين فعددهن على التحديد لا يعلمه إلا الله
فقد جاء في البخاري (4879) ، ومسلم (2838)
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « إِنَّ فِي الجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا ، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ
يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُونَ ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ».
قال ابن القيم في "حادي الأرواح" (ص232) :
" ولا ريب أن للمؤمن في الجنة أكثر من اثنتين لما في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني عن أبي بكر عن عبد الله بن قيس عن أبيه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ مجوفة طولها ستون ميلا، للعبد المؤمن فيها أهلون فيطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضا ".انتهى .
وقال العراقي في "طرح التثريب" (8/270) :" قَدْ تَبَيَّنَّ بِبَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الزَّوْجَتَيْنِ : أَقَلُّ مَا يَكُونُ لِسَاكِنِ الْجَنَّةِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا . وَأَنَّ أَقَلَّ مَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْحَوَرِ الْعِينِ سَبْعُونَ زَوْجَةً. وَأَمَّا أَكْثَرُ ذَلِكَ فَلَا حَصْرَ لَهُ . .." انتهى .
ثالثا :
وأما ما ورد في السؤال عن كظم الغيظ ، وهل يزيد في عدد الحور العين؟
فالجواب : نعم ، قد ورد عند الإمام أحمد في المسند (15637)
والترمذي في سننه (2021)
وأبي داود في سننه (4777)
وابن ماجه في سننه (4186)
من حديث مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ:" مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الحُورِ شَاءَ ".
والحديث : حسنه الألباني في "صحيح أبي داود" ، والأرناؤوط في تعليقه على "سنن ابن ماجه".
وأما قول السائل : هل هناك أعمال تزيد من عدد الحور العين ؟
فالجواب : أنه قد ثبت في السنة الجزاء على بعض الأعمال بأعداد معينة من الحور العين .
ومن ذلك : الشهادة في سبيل الله
حيث روى الترمذي في سننه (1633) عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ
وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ ". وحسن إسناده ابن حجر في "الفتح" (6/16) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3213).
وبعد ؛ فالذي ينبغي للعبد : أن يحرص على الاجتهاد والعمل والصبر ، وأن يكون القصد والهم مرضاة رب العالمين ، وليعلم أن أعظم النعيم هو رؤية وجه الله الكريم
فنظرة لوجهه سبحانه تنسي نعيم الجنة ، رزقنا الله وإياكم رؤية وجهه الكريم في جنان الخلد على سرر متقابلين ، آمين .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-04, 06:24
تسأل عدة أسئلة متعلقة بالحور العين في الجنة
السؤال:
أعلم أن الرجل من أصحاب الجنة يتزوج بزوجتين من الحور العين بالإضافة الى زوجاته اللواتي كن في الدنيا ، فأيهما أكثر جمالاً، نساء الدنيا أم الحور العين؟
والى مَن سيكون ميل الرجل أكثر، إلى من كانت زوجته في الدنيا أم إلى الحوريات؟
وهل يلتقي هؤلاء الزوجات بشكل يومي؟
ومع من ينام الزوج أثناء الليل؟
الجواب:
الحمد لله:
أولا :
ثبت في الصحيحين ( خ: 3033 ) و ( م: 2835 )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ
لَا تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ ، وَلَا تَحَاسُدَ لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ " . وهذا لفظ البخاري .
وقد أجابَ العلماء عما قد يظن من أن المراد بهذا الحديث اقتصار تنعم المؤمن على زوجتين من الحور العين مع ثبوت الأحاديث بأكثر من ذلك
فقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ
: "المراد: أنَّ أقلَّ ما لكلِّ واحدٍ منهم: زوجتان"
انتهى من "فتح الباري" (6/ 325) .
وقال الإمام ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ
: "ولا ريب أنَّ للمؤمن في الجنَّة اكثر من اثنتين؛ لما في «الصحيحَين»، من حديث أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ مجوفة
طولها ستون ميلاً، للعبد المؤمن فيها أهلون؛ فيطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضًا"
(حادي الأرواح 1/ 504) انتهى بتصرُّف واختصار.
ثانيا :
وأما المفاضلَة بين نساء الدُّنيا والحور العين في الجنَّة -درجةً وجمالاً-؛ فقد اختلفَ أهلُ العِلْم في هذه المسألة على قولَين، فمِنهم مَن قدَّم الحور العين، ومِنهم مَن قدَّم نساء الدُّنيا، وقد وردَ في ذلك أحاديث وآثار، لكن لم يصحَّ منها شيء ولو صَحَّ لكان قاطعًا للنِّزاع في المسألة.
والذي يظهَر -والله أعلم-: أنَّ حال المرأة المؤمنة في الجنَّة أفضل من حال الحور العين وأعلى درجة وأكثر جمالاً؛ فالمرأة الصالحة من أهل الدنيا إذا دخلت الجنة فإنما تدخلها جزاءً على العمل الصالح وكرامة من الله لها لدينها وصلاحها، أمَّا الحور التي هي من نعيم الجنة فإنما خلقت
في الجنة من أجل غيرها وجُعِلَت جزاء للمؤمن على العمل الصالح، وشتان بين من دخلت الجنة جزاء على عملها الصالح، وبين من خلقت ليُجَازَى بها صاحب العمل الصالح؛ فالأولى ملكة سيِّدة آمِرَة، والثانية - على عظم قدرها وجمالها - إلا أنها ـ فيما يتعارفه الناس
دون الملكة، وهي مأمورة من سيِّدها المؤمن الذي خلقها الله تعالى جزاء له.
ينظر: «تفسير القرطبي» (16/ 154)
و«التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» له (985/ 3).
وقد سُئِلَ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - :
هل الأوصاف التي ذكرت للحور العين تشمل نساء الدنيا؟
فأجاب: "الذي يظهر لي أن نساء الدنيا يكنَّ خيراً من الحور العين، حتى في الصفات الظاهرة ، والله أعلم"؛ ينظر «فتاوى نور على الدرب».
ثالثا :
وأما عن لقاء زوجات المؤمن في الدُّنيا بعضهنَّ ببعضٍ؛ فقد دلَّ حديث أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- في «الصحيحَين» أنَّهنَّ لا يرى بعضهنَّ بعضًا؛
فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون ، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا»، وفي رواية: « في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن»
رواه البخاري (3243، 4879)، ومسلم (2838) -واللفظ له-.
على أن الذي ينفع السائل هنا أن يعلم أن من نعيم الله تعالى على أهل الجنة أن ينزع منهم الغل والحسد الذي يكون في قلوب أهل الدنيا ، وأن يذهب عنهم هم الدنيا ، وحزنها ، وآلامها ؛ فالجنة دار النعيم المقيم الذي لا ينغصه شيء مطلقا .
رابعا :
وأما سؤالك «مع مَن ينام الزوج أثناء الليل؟»: فاعلم -رزقنا الله وإيَّاك الجنَّة بفضله ورحمته- أنَّ الجنَّة ليس فيها ليلٌ ونهارٌ، ولا شمسٌ ولا قمرٌ؛ فهي نورٌ دائمٌ، وأهلها في نور أبديّ
هم في أوقات تتعاقَب، قيل: إنَّهم يعرفونها بأضواء وأنوار، وقيل أيضًا: إنَّهم يعرفون البكرة والعشية ومقدار اللَّيل بنور يظهر من قبل العرش وبإرخاء الحُجب وإغلاق الأبواب!.
ينظر: «تفسير البغوي» (5/ 243)
و«تفسير القرطبي» (11/ 127)
و«التذكرة» له (1026/ 3)
و«مجموع الفتاوى» لابن تيميَّة (4/ 312)
و«تفسير ابن كثير» (5/ 247).
إذا علمتَ هذا؛ فالرجل من أهل الجنَّة يتنعَّم ويتمتَّع بزوجاته مِن الدُّنيا ، وبالحور العين ، على وَجهٍ فيه كفايته ولذته ونعيمه الأبديّ غير المنقطِع، ونعيم زوجاته ولذتهن ؛ من غير تنغيص شيء ، ولا انقضاء لذة ، ولا ملل ولا ضجر !!
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبلِّغنا جنَّته، وينعم علينا كما أنعمَ على عباده الصالحين، ويتجاوز عنا، آمين.
*عبدالرحمن*
2018-08-04, 06:28
صفات الحور العين في الكتاب والسنة
السؤال:
ما وصف الحور العين مما ورد في الكتاب والسنة ؟
والزوجة الصالحة في الدنيا ماذا يكون شكلها أو وصفها في الجنة إذا أراد الله لها الجنة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إن رضى الرحمن ودخول الجنان هو غاية ما يتمناه المؤمن والمؤمنة ، فإذا خرج من الدنيا وقد فاز برضوان الله فليبشر بعد ذلك بالخير كله
فإذا دخل الجنة فلا يسأل بعد ذلك عن النعيم المقيم ، الذي لم تره عين ، ولم تسمع به أذن ، ولم يخطر على قلب بشر ، فيحصل له كل ما يتمناه بأحسن أحواله ، وكل ما يطلبه مجاب
وكل ما يشتهيه في متناوله ، ولا يمكن أبداً أن يجد ما يعكر صفوه لأنه في ضيافة الرحمن
كما قال سبحانه : ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) فصلت/31،32 .
ومن أحسن ما تشتهيه الأنفس في الآخرة للرجال نساء الجنة ، وهن الحور العين ، وللنساء ما يقابله من النعيم ، ومن حكمة الله العظيمة أن الله لم يذكر ما للنساء مقابل الحور العين للرجال
لأن ذلك من دواعي الخجل وشدة الحياء ، فكيف يرغبهن في الجنة بما يثير حياءهن ويستحيين من ذكره والكلام فيه ، فاكتفى سبحانه بالإشارة إليه كما في قوله : ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ) فصلت/31 .
وقد جاء في كتاب الله تعالى وصف للحور العين في أكثر من موضع ، ومن ذلك :
1. قوله تعالى في ذكر جزاء أهل الجنة : ( وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ) الواقعة/22، 23 .
قال السعدي رحمه الله :
" أي : ولهم حور عين ، والحوراء : التي في عينها كحل وملاحة ، وحسن وبهاء ، والعِين : حسان الأعين وضخامها ، وحسن العين في الأنثى من أعظم الأدلة على حسنها وجمالها .
( كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ) أي : كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي البهي ، المستور عن الأعين والريح والشمس ، الذي يكون لونه من أحسن الألوان ، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه
فكذلك الحور العين ، لا عيب فيهن بوجه ، بل هن كاملات الأوصاف ، جميلات النعوت . فكل ما تأملته منها لم تجد فيه إلا ما يسر الخاطر ويروق الناظر " انتهى .
" تفسير السعدي " (ص 991) .
2. قوله تعالى : ( كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ) الرحمن/58 .
قال الطبري رحمه الله :
" قال ابن زيد في قوله ( كأنهن الياقوت والمرجان ) : كأنهن الياقوت في الصفاء , والمرجان في البياض ، الصفاء صفاء الياقوتة ، والبياض بياض اللؤلؤ " انتهى .
" تفسير الطبري " ( 27 / 152 ) .
3. قوله تعالى في وصف نساء الجنة في سورة الواقعة : ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا . عُرُبًا أَتْرَابًا ) الواقعة/35-37 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" قوله ( عُرُباً ) : قال سعيد بن جبير عن ابن عباس يعني : متحببات إلى أزواجهن ، وعن ابن عباس : العُرُب العواشق لأزواجهن , وأزواجهن لهن عاشقون .........
وقوله ( أَتْرَابا ) قال الضحاك عن ابن عباس يعني : في سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة ........
وقال السدي : ( أترابا ) أي : في الأخلاق المتواخيات بينهن ليس بينهن تباغض ولا تحاسد ، يعني : لا كما كن ضرائر متعاديات " انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 4 / 294 ) .
وقال الحافظ ابن حجر :
عن مجاهد في قوله ( عُرُباً أتراباً ) قال : هي المحببة إلى زوجها .
" فتح الباري " ( 8 / 626 ) .
4. وقال تعالى في وصفهن : ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) الرحمن/70 .
قال ابن القيم :
ووصفهن بأنهن خيرات حسان وهو جمع خَيْرة وأصلها خَيّرة وهي التي قد جمعت المحاسن ظاهرا وباطنا , فكمل خلقها وخلقها فهن خيرات الأخلاق , حسان الوجوه .
" روضة المحبين " ( ص 243 ) .
5. ووصفهن بالطهارة فقال : ( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/25 .
قال ابن القيم :
ووصفهن بالطهارة فقال : ( ولهم فيها أزواج مطهرة ) طهرن من الحيض والبول والنجو (الغائط) وكل أذى يكون في نساء الدنيا ، وطهرت بواطنهن من الغيرة وأذى الأزواج وتجنيهن عليهم وإرادة غيرهم .
" روضة المحبين " ( ص 243 ، 244 ) .
6. ووصفهن تعالى بأنهن قاصرات أطرافهن عن غير أزواجهن فقال : ( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) الرحمن/56 ، وقال : ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) الرحمن/72 .
قال ابن القيم :
ووصفهن بأنهن ( مقصورات في الخيام ) أي : ممنوعات من التبرج والتبذل لغير أزواجهن ، بل قد قُصِرْن على أزواجهن ، لا يخرجن من منازلهم ، وقَصَرْنَ عليهم فلا يردن سواهم
ووصفهن سبحانه بأنهن ( قاصرات الطرف ) وهذه الصفة أكمل من الأولى ، فالمرأة منهن قد قصرت طرفها على زوجها من محبتها له ورضاها به فلا يتجاوز طرفها عنه إلى غيره .
" روضة المحبين " ( ص 244 ) .
هذا طرف من ذكرهن في القرآن ، وقد جاء في السنة ما تحار فيه العقول في وصف جمالهن وحسنهن ، ومن ذلك :
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر , ثم الذين يلونهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة ,
قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض , لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين , يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم من الحسن )
رواه البخاري ( 3081 ) ومسلم ( 2834 ) .
قال ابن حجر رحمه الله :
الحور التي يحار فيها الطرف يبان مخ سوقهن من وراء ثيابهن , ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون .
" فتح الباري " ( 8 / 570 ) .
2. وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما , ولملأت ما بينهما ريحا , ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري ( 2643 ) .
فلو أطلت بوجهها لأضاءت ما بين السماء والأرض ، فأي نور وجمال في وجهها ! وطيبُ ريحها يملأ ما بين السماء والأرض ، فما أجمل ريحها !
وأما لباسها ؛ فإن كان المنديل الذي تضعه على رأسها خير من جمال الدنيا وما فيها من متاع وروعة وطبيعة خلابة وقصور شاهقة وغير ذلك من أنواع النعيم ، فسبحان خالقها ما أعظمه ، وهنيئا لمن كانت له وكان لها .
ثانياً :
وحال المؤمنة في الجنة أفضل من حال الحور العين وأعلى درجة وأكثر جمالا ، وقد ورد في ذلك بعض الأحاديث والآثار ولكن لا يثبت منها شيء
ولكن المرأة الصالحة من أهل الدنيا إذا دخلت الجنة فإنما تدخلها جزاء على العمل الصالح وكرامة من الله لها لدينها وصلاحها
أما الحور التي هي من نعيم الجنة فإنما خلقت في الجنة من أجل غيرها وجعلت جزاء للمؤمن على العمل الصالح ، وشتان بين من دخلت الجنة جزاء على عملها الصالح
وبين من خلقت ليُجَازَى بها صاحب العمل الصالح ، فالأولى ملكة سيدة آمرة ، والثانية على عظم قدرها وجمالها إلا أنها لا شك دون الملكة وهي مأمورة من سيدها المؤمن الذي خلقها الله تعالى جزاء له .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل الأوصاف التي ذكرت للحور العين تشمل نساء الدنيا ؟
فأجاب :
الذي يظهر لي أن نساء الدنيا يكنَّ خيراً من الحور العين ، حتى في الصفات الظاهرة ، والله أعلم .
" فتاوى نور على الدرب ( شريط رقم 282 ) " .
نسأل الله العظيم أن يؤتينا أفضل ما يؤتي عباده الصالحين .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-04, 06:35
ما العدد الحقيقي للحور العين للمسلم في الجنة؟
السؤال
: ما العدد الحقيقي للحور العين للمسلم في الجنة؛ فقد سمعت أن للمسلم حوريتان، وسمعت شيخا آخر يقول: إن للمسلم مائة حورية، وفي كتاب "حادي الأرواح لبلاد الأفراح" لابن القيم أن للمسلم عددا - لا أذكره من الحور - وأربع آلاف بكر، وثمانية آلاف أمة؟
الجواب :
الحمد لله
الصحيح الثابت في السنة النبوية هو الحديث عن زوجتين للمؤمن في الجنة، كما ثبت في "صحيح البخاري" (3245)، وفي "صحيح مسلم" (2834)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ)
وقد وردت بعض ألفاظ هذا الحديث تقيد الزوجتين بوصفهما من الحور العين، وروايات أخرى مطلقة دون تقييد.
وأما الزيادة على ذلك – سواء على سبيل الزواج أو على سبيل التسري - فقد ورد فيها حديث صحيح ، لكنه غير صريح، وأحاديث أخرى صريحة ولكنها غير صحيحة. سيأتي نقلها في كلام العلماء .
والمقصود هنا : بيان الحاصل من هذه الأحاديث، وهو ما قاله ابن قيم الجوزية رحمه الله:
"لا ريب أن للمؤمن في الجنة أكثر من اثنتين
لما في الصحيحين [البخاري (3243)، ومسلم (2838)]
من حديث أبي عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ مجوفة طولها ستون ميلا ، للعبد المؤمن فيها أهلون ، فيطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضا)"
انتهى من "حادي الأرواح" (ص232)
ولمزيد من العلم ننقل هنا أقوال العلماء التي وقفنا عليها في عدد ما للمسلم في الجنة من النساء، وخلاصتها ما قررناه أعلاه، ولا نرى أكثر ما سنسرد من أقوال متعارضا معه، فالفارق أننا لم نخض في التفرقة بين ما له من نساء الدنيا، وما له من الحور العين:
القول الأول:
له زوجتان من نساء الدنيا، وله من الحور العين سوى ذلك بحسب عمله، دون تحديد بعدد.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وقد صح : لكل رجل من أهل الجنة زوجتان من الإنسيات ، سوى الحور العين" انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 432)
ويقول ابن كثير رحمه الله:
"المراد من هذا أن هاتين من بنات آدم، وله غيرهما من الحور العين ما شاء الله عز وجل"
انتهى من "البداية والنهاية" (20/341)
وزاد بعض العلماء بأن الزوجتين هما أقل ما يكون، وإلا فالعدد في زيادة.
يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله:
"قوله: (ولكل واحد منهم زوجتان) أي: من نساء الدنيا؛ فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا - في صفة أدنى أهل الجنة منزلة -: (وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة
سوى أزواجه من الدنيا) وفي سنده شهر بن حوشب، وفيه مقال. ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع: (فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله، وزوجتين من ولد آدم)
وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد رفعه: (إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم، وثنتان وسبعون زوجة) وقال: غريب. ومن حديث المقدام بن معد يكرب عنده: (للشهيد ست خصال) الحديث.
وفيه: (ويتزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين) وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه والدارمي رفعه: (ما أحد يدخل الجنة إلا زوجه الله ثنتين وسبعين من الحور العين، وسبعين وثنتين من أهل الدنيا) وسنده ضعيف جدا.
وأكثر ما وقفت عليه من ذلك ما أخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في البعث من حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه: (إن الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء
أو إنه ليفضي إلى أربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف ثيب) وفيه راو لم يسم. وفي الطبراني من حديث ابن عباس: (إن الرجل من أهل الجنة ليفضي إلى مائة عذراء).
وقال ابن القيم: ليس في الأحاديث الصحيحة زيادة على زوجتين
سوى ما في حديث أبي موسى: (إن في الجنة للمؤمن لخيمة من لؤلؤة له فيها أهلون، يطوف عليهم) .
قلت: الحديث الأخير صححه الضياء.
وفي حديث أبي سعيد عند مسلم في صفة أدنى أهل الجنة: (ثم يدخل عليه زوجتاه) .
والذي يظهر أن المراد أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان" انتهى من "فتح الباري" (6/ 325)
لكن رفض آخرون أن تكون الزيادة في زوجات نساء الدنيا، وإنما في السراري من الحور العين فحسب.
واختلف كلام ابن قيم الجوزية رحمه الله، فتحدث في بداية المقام عن زوجتين من الحور العين، والزيادة في السراري بحسب العمل، ثم أكد في آخر المقام أن المؤمن له أكثر من اثنتين دون شك أو ريب، ولكن هكذا بإطلاق، فلم يحدد اثنتين من أزواج نساء الدنيا، أم من الحور العين، أم غير ذلك.
يقول رحمه الله:
"(لكل امرئ منهم زوجتان) والظاهر أنهن من الحور العين"
انتهى من "حادي الأرواح" (ص: 125)
ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله –
بعد أن ساق الأحاديث التي سبقت في كلام ابن حجر في عدد ثنتين وسبعين من الحور العين -:
"والأحاديث الصحيحة إنما فيها إن لكل منهم زوجتين، وليس في الصحيح زيادة على ذلك، فإن كانت هذه الأحاديث محفوظة:
فإما أن يراد بها ما لكل واحد من السراري زيادة على الزوجتين، ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلة والكثرة، كالخدم والولدان.
وإما أن يراد أنه يعطي قوة من يجامع هذا العدد، ويكون هذا هو المحفوظ، فرواه بعض هؤلاء بالمعنى فقال: له كذا وكذا زوجة.
وقد روى الترمذي في جامعه من حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يطيق ذلك
قال يعطى قوة مائة) هذا حديث صحيح. فلعل من رواه (يفضي إلى مائة عذراء) رواه بالمعنى. أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات. والله أعلم"
انتهى من "حادي الأرواح" (ص: 157)
القول الثاني:
له زوجتان من نساء الدنيا، وسبعون من الحور العين، هذا في أقل ما يكون، ولا حد للأكثر.
يقول العراقي رحمه الله:
"الزوجتان من نساء الدنيا، والزيادة على ذلك من الحور العين... قد تبين ببقية الروايات أن الزوجتين أقل ما يكون لساكن الجنة من نساء الدنيا، وأن أقل ما يكون له من الحور العين سبعون زوجة. وأما أكثر ذلك فلا حصر له .
.. وروى الترمذي من رواية ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه، وأزواجه، ونعيمه، وخدمه، وسرره، مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية)"
انتهى من " طرح التثريب في شرح التقريب" (8/ 270)
القول الثالث:
له زوجتان من الحور العين في أقل تقدير، وله زيادة على ذلك بحسب كل واحد.
يقول ابن رجب رحمه الله:
"هاتان الزوجتان من الحور العين، لا بد لكل رجل دخل الجنة منهما، وأما الزيادة على ذلك، فتكون بحسب الدرجات والأعمال، ولم يثبت في حصر الزيادة على الزوجتين شيء"
انتهى من " التخويف من النار" (ص: 268)
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"لكل واحد زوجتان من الحور العين غير زوجاته من الدنيا، وغير ما يعطى من الزوجات الأخريات من الحور العين، وكل واحد لا ينقص عن زوجاته من الحور العين مع ما له من زوجات من الدنيا"
انتهى من " دروس للشيخ عبد العزيز بن باز" (4/ 21، بترقيم الشاملة آليا)
ويقول أيضا رحمه الله:
"يعطى كل زوج من الحور العين ما شاء الله منهن، على حسب أعماله الصالحة وتقواه لله جل وعلا، ولكل واحد زوجتان من الحور العين، غير ما يعطى منهن زيادة على ذلك، كل واحد له زوجتان من الحور العين، هذا أمر معلوم، لكن الزيادة الله الذي يعلم مقدارها"
انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر" (4/ 351)
والخلاصة :
أنه لم يرد حديث صحيح – بحسب كلام ابن القيم وابن حجر – في تحديد ما للمؤمن من الحور العين في الجنة .
ويتفق العلماء أن له زوجتين في أقل تقدير، ويختلفون في تحديدهما عن كانتا من الحور العين أم من نساء الدنيا.
والله أعلم.
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
بـــيِسَة
2018-08-07, 10:00
بارك الله فيك اخي
دمت محب الاسلام
sat_mohamed
2018-08-10, 18:22
جزاك الله كل الخير وجعله في ميزان حسناتك
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 05:02
بارك الله فيك اخي
دمت محب الاسلام
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
لنا جميعا اللهم امين
بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عني كل خير
https://d.top4top.net/p_795sbakq1.gif (https://up.top4top.net/)
.... احترامي و تقديري ....
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 05:04
جزاك الله كل الخير وجعله في ميزان حسناتك
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اكرمتني بتواجدك المميز مثلك
و بقولك ادام الله مرورك العطر
بارك الله فيك
وجزاك الله عني كل خير
https://a.top4top.net/p_79572lht1.gif (https://up.top4top.net/)
.... احترامي و تقديري ....
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 05:14
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
الموقف من اختلاف ألفاظ الحديث الواردة المتقاربة والمتغايرة وذِكر أمثلة منهما
السؤال:
هناك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ترد روايات ألفاظها مختلفة ولا أعلم ما الأصح بينها : الحديث الأول : ( اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي ) .
* قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ) . . . . . . . . . . . . . . . .
. الحديث الثاني : عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ، قَالَت : قلتُ يَا رَسُول الله ، أرأيتَ إنْ علمتُ أيَّ لَيْلَة الْقدر مَا أَقُول فِيهَا ؟ قَالَ : ( قولي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْوٌّ تحب الْعَفْو فَاعْفُ عني ) . * ( اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْوٌّ كَرِيمٌ تحب الْعَفْو فَاعْفُ عَنِّي ) صحيح الترمذي . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحديث الثالث : عند الاستيقاظ من النوم ليلا ًوالدعاء بالمأثور في ذلك وهو قوله : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ ) . هناك روايات أخرى له . . . . . . . . . . . . . . . .
الحديث الرابع : عن عائشة : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه في شيء يخفيه من عائشة ، وعائشة تصلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَلَيْكِ بِالْكَوَامِلِ - أَوْ : كَلِمَةً أُخْرَى - فَلَمَّا انْصَرَفَتْ عَائِشَةُ سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا :
( قُولِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا ) . * قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : ( عَلَيْكِ بِالْجَوَامِعِ الْكَوَامِلِ
قُولِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) . . . . . . . . . . . . . . . . .
* عَنْ أبي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) صحيح مسلم .
* ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي وَخَطَايَاي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ) البخاري مع " الفتح " . . . . . . . . . . . . . . . . . *
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا نَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) سنن أبي داود ، والترمذي ، وصححه الألباني . * رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ ) صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجه . **
* فما هي الرواية الأصح من بين الروايات لهذه الأحاديث لأني أريد العمل بها ؟ . وجزاكم الله خيراً .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
تختلف ألفاظ الروايات في الأمر الواحد ، ويكون بين تلك الروايات مغايرة في الألفاظ أحياناً ، ومن أشهر تلك الأسباب التي ينبغي معرفتها : تعدد الرواة النقَلة لألفاظ ذلك الحديث الواحد المتكرر .
وأما الاختلاف الحاصل في ألفاظ رواياتهم فهو لا يخرج عن حالين :
أ. أن يكون اختلافاً يسيراً في حروف يسيرة ، وسبب ذلك الاختلاف في الألفاظ المنقولة يكون تبعاً لحفظهم ، ولضبطهم .
وفي هذه الحال يتساهل في العمل بأية رواية من تلك الروايات ، إلا أن البحث عن أصح الروايات ، وأضبط الرواة ، والعمل برواية من يروي باللفظ لا بالمعنى : هو الذي ينبغي على العامل عند الترجيح بين تلك الروايات .
ب. أن تكون الألفاظ متغايرة فيما ينقلونه بعضهم عن بعض ، وسبب ذلك أن يكون ذلك الأمر ، أو تلك العبادة لها ألفاظ متعددة في أدعيتها ، وأذكارها ، كألفاظ الأذان
والإقامة ، وأدعية الاستفتاح ، وأذكار النوم ، فالحديث في كل ذلك واحد ، ولكنه لما كان متكرراً تعددت الألفاظ فيه ، ونتج من ذلك تعدد الروايات والنقل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني – رحمه الله - :
فهذا القسم أمره هيِّن ، وإشكاله سهل ؛ لأنه قد علم أنه صلى الله عليه وآله وسلم في الأفعال المتكررة مثل أذكار الصلاة - التي ذكرنا - كان يعلمهم ، فمن روى رواية وصحت أو حسنت طرقها كتشهد ابن عباس
مثلاً - ، وتشهد ابن مسعود : فهما حديثان صحيحان اختلفت ألفاظهما والكل مرفوع ، فمثل هذا ومثل ألفاظ الأذان وغير ذلك محمول على تعداد التعليم منه صلى الله عليه وآله
وعلِم كل ما رآه صلى الله عليه وآله وسلم توسعة على العباد ، فهم مخيرون بأي رواية عملوا أجروا واقتدوا وامتثلوا ، فمن ربَّع في التكبير ورجَّع : فليس عليه نكير ، ومن ترك التربيع : فكذلك
إذ الكل مروي بأحاديث معمول بها دالة على التخيير للعباد ، وكذلك ألفاظ التشهد والتوحيد من أتى بأيها ممن روى بطرق معمول بها : فهو بالخيار في ذلك .
انتهى من " رسالة في اختلاف ألفاظ الحديث النبوي " .
وهي رسالة علمية قيمة ، قليلة الصفحات ، عظيمة النفع .
ثانياً:
لاختلاف الألفاظ في العبادة والشعيرة الواحدة حِكَمٌ متعددة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
العبادات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم على أنواع يشرع فعلها على جميع تلك الأنواع لا يكره منها شيء ، وذلك مثل أنواع التشهدات ، وأنواع الاستفتاح
ومثل الوتر أول الليل وآخره ، ومثل الجهر بالقراءة في قيام الليل والمخافتة ، وأنواع القراءات التي أنزل القرآن عليها ، والتكبير في العيد ، ومثل الترجيع في الأذان وتركه ، ومثل إفراد الإقامة وتثنيتها .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 335 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والعلماءُ رحمهم الله اختلفوا في العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة ، هل الأفضل الاقتصار على واحدة منها ، أو الأفضل فِعْلُ جميعها في أوقات شتَّى ، أو الأفضل أنْ يجمعَ بين ما يمكن جَمْعُه ؟ والصَّحيح :
القول الثاني الوسط ، وهو أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة تُفعل مرَّة على وجهٍ ، ومرَّة على الوجه الآخر ، فهنا الرَّفْعُ وَرَدَ إلى حَذوِ منكبيه ، ووَرَدَ إلى فُرُوع أُذنيه ؛ وكُلٌّ سُنَّة
والأفضل : أن تَفعلَ هذا مرَّة ، وهذا مرَّة ؛ ليتحقَّقَ فِعْلُ السُّنَّةِ على الوجهين ، ولبقاء السُّنَّةِ حيَّة ؛ لأنك لو أخذت بوجهٍ وتركت الآخر : مات الوجهُ الآخر ، فلا يُمكن أن تبقى السُّنَّةُ حيَّة إلا إذا كُنَّا نعمل بهذا مرَّة
وبهذا مرَّة ، ولأن الإِنسان إذا عَمِلَ بهذا مرَّة وبهذا مرَّة : صار قلبُه حاضراً عند أداء السُّنَّة ، بخلاف ما إذا اعتاد الشيء دائماً فإنه يكون فاعلاً له كفعل الآلة عادة ، وهذا شيء مشاهَد
ولهذا مَن لزم الاستفتاح بقوله : " سبحانك اللهمَّ وبحمدك " دائماً : تجده مِن أول ما يُكبِّر يشرع بـ " سبحانك اللهم وبحمدك " مِن غير شعور ؛ لأنه اعتاد ذلك
لكن لو كان يقول هذا مرَّة ، والثاني مرَّة صار منتبهاً ، ففي فِعْلِ العباداتِ الواردة على وجوهٍ متنوِّعة فوائد :
1 . اتِّباعُ السُّنَّة .
2. إحياءُ السُّنَّة .
3. حضورُ القلب .
وربما يكون هناك فائدة رابعة : إذا كانت إحدى الصِّفات أقصرَ مِن الأخرى - كما في الذِّكرِ بعد الصَّلاةِ - فإن الإِنسان أحياناً يحبُّ أن يُسرع في الانصراف ؛ فيقتصر على " سبحان الله " عشر مرات
و " الحمد لله " عشر مرات ، و " الله أكبر " عشر مرات ، فيكون هنا فاعلاً للسُّنَّة قاضياً لحاجته ، ولا حَرَجَ على الإِنسان أن يفعل ذلك مع قصد الحاجة
كما قال تعالى في الحُجَّاج : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) البقرة/ 198 .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 3 / 8 ) .
ثالثاً:
أما اختلاف الرواة في روايتهم للحدث الواحد غير المتكرر ، وللقصة الواحدة غير المتعددة : فهنا لا يمكن لطالب العلم والعامل إلا أن يرجح بين الروايات ، فيأخذ أقواها ، ويعمل بأصحها إسناداً ، إذا كان المعنى يختلف باختلاف تلك الروايات
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني – رحمه الله – بعد أن فصَّل في السبب الأول - :
الثاني من الوجوه : أن تتحد القصة وتختلف الألفاظ فيها :
وهذا هو المشكل ، وذلك واقع كثيراً ، كقضية بيع جمَل جابر وشرائه صلى الله عليه وسلم له منه ، فإنه اختلف لفظه في القيمة ، وفي اشتراطه ركوبه إلى المدينة
وكاختلافهم في ركوعات صلاة الكسوف مع أنه لم يصلها إلا مرة واحدة ، بخلاف صلاة الخوف فإنه صلاها مراراً على وجوه مختلفة فهي من القسم الأول ، وكاختلافهم في حجه
وكل منهم روى أنه حج صلى الله عليه وآله وسلم حجّاً مفرداً ، وآخرون رووا أنه تمتع ، وآخرون أنه قارن ، وهي في واقعة واحدة ، وحجة واحدة
ونحو هذه الصور ، وهو كثير : فهذا لا بد فيه من النظر في الروايات وطرقها ، والصحيح منها والراجح من المرجوح ، وهو شيء عسير إلا على من سهله الله .
انتهى من " رسالة في اختلاف ألفاظ الحديث النبوي " .
رابعاً:
أما بخصوص الأحاديث التي ذكرها الأخ السائل :
1. فاللفظ الأول في الحديث الأول : رواه النسائي ( 1305 ) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " من حديث عمَّار بن ياسر رضي الله عنه .
واللفظ الثاني : رواه البخاري ( 5990 ) ومسلم ( 2680 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
وكلا الحديثين مختلفان في المخرج ، وليس أحدهما بأولى بالعمل من الآخر ، بل يُعمل بكليهما ، لكن لا يقال هذا الدعاء إلا عند وقوع الضرر وخشية الفتنة على الدين .
قال أبو الحسن المباركفوري – رحمه الله - :
قوله ( أحيني ) إلى قوله ( خيرًا لي ) ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ ( اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي ) وهو يدل على جواز الدعاء بهذا ، لكن عند نزول الضرر ، كما وقع التقييد بذلك في حديث أنس المذكور .
" مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ( 8 / 278 ) .
2. واللفظ الأول في الحديث الثاني : رواه الترمذيّ ( 3513 ) وصححه ، والنَّسائيّ في " الكبرى " ( 6 / 218 ) وابن ماجه ( 3850 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وأما اللفظ الثاني وهو ( اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْوٌّ كَرِيمٌ تحب الْعَفْو فَاعْفُ عَنِّي ) : فإن الزيادة الواردة في الحديث وهي " كريم " : زيادة لا أصل لها ، ونسبتها للترمذي خطأ –
وهي موجودة في كثير من نسخ سنن الترمذي - ، ولم يروها الترمذي – في الواقع - ولا غيره .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
وقع في "سنن الترمذي " بعد قوله : ( عفو ) زيادة : " كريم " ! ولا أصل لها في شيء من المصادر المتقدمة
ولا في غيرها ممن نقل عنها ، فالظاهر أنها مدرجة من بعض الناسخين ، أو الطابعين ؛ فإنها لم ترِد في الطبعة الهندية من " سنن الترمذي " التي عليها شرح " تحفة الأحوذي " للمباركفوري ( 4 / 264 )
ولا في غيرها ، وإن مما يؤكد ذلك : أن النسائي في بعض رواياته أخرجه من الطريق التي أخرجها الترمذي ، كلاهما عن شيخهما " قتيبة بن سعيد " بإسناده دون الزيادة .
وكذلك وقعت هذه الزيادة في رسالة أخينا الفاضل علي الحلبي :
" مهذب عمل اليوم والليلة لابن السني " ( 95 / 202 ) ، وليست عند ابن السني ؛ لأنه رواه عن شيخه النسائي - كما تقدم - عن قتيبة ، ثم عزاه للترمذي ، وغيره ! ولقد كان اللائق بفن التخريج أن توضع الزيادة بين معكوفتين كما هو
المعروف اليوم [ ] ، وينبَّه أنها من أفراد الترمذي ، وأما التحقيق : فيقتضي عدم ذكرها مطلقاً ؛ إلا لبيان أنه لا أصل لها ، فاقتضى التنبيه .
" السلسلة الصحيحة " ( 13 / 140 ) .
فالرواية الثانية فيها كلام ، فعليك بالأولى ؛ فإنها أصح .
3. وأما الحديث الثالث : فقد رواه البخاري ( 1103 ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
وقولك " هناك روايات أخرى له " : فالجواب عليه : أن الحديث ليس فيه روايات مختلفة ، ولو وُجد : فعليك برواية الإمام البخاري ، وتكفيك .
4. وأما اللفظ الأول في الحديث الرابع : فقد رواه الحاكم ( 1 / 702 ) ، وباختلاف يسير في أوله – فقط - رواه أحمد ( 42 / 67 ) وصححه محققوه .
ورواه ابن ماجه ( 3846 ) بنحو تلك الألفاظ ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
وأما اللفظ الثاني : فهو الحديث السابق نفسه لكن من غير زيادة ( بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) ، وقد نسبها الحافظ العراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " لابن ماجه ، والحاكم ، وليس فيهما تلك الجملة .
ولم نجد سبباً يجعلنا نقول بصحة هذه الزيادة ، فيُكتفى بالرواية السابقة دونها .
5. وأما اللفظ الأول في الحديث الخامس : فليس هو في " مسلم " وحده ، بل هو في الصحيحين : البخاري ( 6035 ) ومسلم ( 2719 ) .
وأما اللفظ الثاني : فرواه البخاري ( 6036 )
وهو ذات الحديث السابق لكنه أخصر منه .
وقد علَّق الحافظ ابن حجر رحمه الله على لفظة ( خَطَاياي ) فقال :
قوله ( اغفر لي خطاياي وعمدي ) وقع في رواية " الكشميهني " في طريق إسرائيل ( خطئي ) ، وكذا أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " بالسند الذي في الصحيح ، وهو المناسب لذكر العمد ، ولكن جمهور الرواة على الأول .
والخطايا جمع خطيئة ، وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام ؛ فإن الخطيئة أعم من أن تكون عن خطأ وعن عمد ، أو هو من عطف أحد العامين على الآخر .
" فتح الباري " ( 11 / 198 ) .
فلا تعارض بين الروايتين ، وليس ثمة صحيح وأصح ، فاذكر ربك تعالى بأي الصيغتين شئت ، ولا يخفى أن الرواية الأولى أوسع .
6. وأما اللفظ الأول في الحديث السادس : فرواه أبو داود ( 1516 ) وابن ماجه ( 3814 )
والنسائي في " الكبرى " ( 6 / 119 ) ، ولم يروه الترمذي بهذا اللفظ .
وأما اللفظ الثاني : رواه الترمذي ( 3434 )
والنسائي في " الكبرى " ( 6 / 119 ) .
وكلا الروايتين صحيحة ، وليس مخرجهما واحداً ، وهو من اختلاف التنوع ، وبأي الصيغتين استغفرت ربَّك تعالى أُجرت إن شاء الله .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 05:23
في تفسير النار الحاشرة التي تحشر الناس إلى أرض المحشر ، وبيان صفتها ووقتها .
السؤال :
في الحديث الذي رواه مسلم عن علامات يوم القيامة الكبرى أنه عليه الصلاة والسلام قال : " إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات ....
. وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم " ورواه أبو داود : " وآخر ذلك نار تخرج من اليمن من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر " . ما أعرفه أن أرض المحشر أرض بيضاء جديدة ..
وهي الموصوفة بالساهرة " فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة " .. فهذه النار الحاشرة (في الحديث) هل يكون معناها أنها نار تكون على شرار الخلق الباقين قبل يوم القيامة
.. تجعلهم يذهبون إلى مكان حشر (أي مكان موتهم) أم أنها تجعلهم يذهبون إلى أرض الحشر يوم القيامة ؟ .
. وكيف يكون ذلك والله يقول عن يوم القيامة " يوم تبدل الأرض غير الأرض " .. ثم هذه النار تكون على هؤلاء الناس وهم لم يموتوا بعد .
. فكيف يذهبوا إلى أرض الحشر ولم يموتوا بعد .. فهم سيموتوا ثم يمكثوا أربعين فترة ( ما بين النفختين ) فكيف توصف الأرض الذاهبين إليها بأنها (أرض الحشر) ولم يموتوا بعد وايضا الأرض ستبدل ..وجزاكم الله خيراً
الجواب
الحمد لله
الحديث الذي ذكره السائل : حديث صحيح ، أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (2901) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ:
مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ . قَالَ: " إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ – فَذَكَرَ – الدُّخَانَ ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ
وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ ".
وقد أشكل على السائل :
ما المرادُ بالنار الحاشرة المذكورة في الحديث ؟
وهل تكون بعد البعث ، أم قبله ؟ وهل تكون على شرار الخلق أم ماذا ؟
وجواب ذلك : أن الحشر لغة هو : الجمع والسوق . والحشر في خطاب الشرع أربعة .
قال القرطبي رحمه الله ، في "التذكرة" (ص225) :
" باب الحشر ومعناه الجمع ، وهو على أربعة أوجه : حشران في الدنيا و حشران في الآخرة ". انتهى .
وإليك بيان أنواعه :
الأول : ما حدث لليهود الذين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ، فذهبوا إلى الشام ، وفيهم يقول الله تعالى :" هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ .." الحشر/2
الثاني : يكون قبل نفخة الصعق وقيام الساعة ، أي قبل فناء الدنيا ، وهي المذكورة في الحديث الذي أورده السائل ورواه الإمام مسلم ، وهذا الحشر يكون بخروج نار عظيمة من اليمن
تسوق الناس إلى محشرهم ، في أرض الشام ، ويكونون على ثلاثة طرائق كما سيأتي بيانه .
وقد ورد في وصف هذه النار ، وعلى من تخرج ، وإلى أي موضع تخرج ، وإلى أي موضع تسوق الناس عدة أحاديث ، تبين ذلك تفصيلا :
أما من أي مكان تخرج ؟ فقد ورد فيه حديثان : الأول : ما ذكره السائل وهو حديث حذيفة بن أسيد ، وفيه أن النار تخرج من اليمن .
وجاء حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أول أشراط الساعة فقال :" «أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ .." . أخرجه البخاري (3938) .
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (11/378)
:" وَقَدْ أَشْكَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ ؟
وَظَهَرَ لِي فِي وَجْهِ الْجَمْعِ : أَنَّ كَوْنَهَا تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، لَا يُنَافِي حَشْرَهَا النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمُغْرِبِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ابْتِدَاءَ خُرُوجِهَا مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، فَإِذَا خَرَجَتِ : انْتَشَرَتْ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا .
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ : إِرَادَةُ تَعْمِيمِ الْحَشْرِ ؛ لَا خُصُوصِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ .
أَوْ : أَنَّهَا ، بَعْدَ الِانْتِشَارِ : أَوَّلَ مَا تَحْشُرُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ . وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِتَنِ دَائِمًا مِنَ الْمَشْرِقِ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ .
وَأَمَّا جَعْلُ الْغَايَةِ إِلَى الْمَغْرِبِ : فَلِأَنَّ الشَّامَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَشْرِقِ : مَغْرِبٌ ". انتهى
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 05:23
وأما عن هذه النار ، وهل تكون قبل قيام الساعة أم بعدها ؟
فجواب ذلك : أنه قد وقع خلاف بين أهل العلم في هذا الحشر هل هو قبل انتهاء الدنيا وقيام الساعة ، أم هو الحشر يوم القيامة بعد بعث الأرواح ؟
والذي عليه الجماهير من أهل العلم : أن هذا الحشر يكون قبل انتهاء الدنيا وقيام الساعة .
وهذا القول هو الذي رجحه البغوي في "شرح السنة" (15/125)
والقاضي عياض في "إكمال المعلم" (8/391)
والخطابي في "أعلام الحديث" (3/2269)
والقرطبي في "التذكرة" (ص225)
وابن رجب في "لطائف المعارف" (ص89)
وابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (1/278).
وخالفهم في ذلك الحليمي كما في "شعب الإيمان" للبيهقي (1/546)
وأبو حامد الغزالي كما في "الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة" (ص42) .
قال السفاريني في "لوامع الأنوار البهية" (2/155)
:" اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَشْرِ النَّاسِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ، هَلْ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ قَبْلَهُ؟
فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَصَوَّبَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ : إِنَّ هَذَا الْحَشْرَ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَأَمَّا الْحَشْرُ مِنَ الْقُبُورِ فَهُوَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا : « إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا » " .
وَقَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ". انتهى
والقول الراجح ، الذي تؤيده الأدلة ، هو قول الجمهور ، وذلك لما يلي :
أولا : أنه جاء في حديث حذيفة بن أسيد
:" لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ " ، فدل ذلك على أن هذا الحشر يكون قبل قيام الساعة .
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (8/391)
:" وقوله: " يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين ، واثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير . وتحشر بقيتهم النار
تبيت معهم حيث باتوا " الحديث: هذا الحشر هو في الدنيا قبيل قيام الساعة، وهو آخر أشراطها كما ذكره مسلم بعد هذا في آيات الساعة
قال فيه: ( وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس ) ، وفى رواية: ( تطرد الناس إلى محشرهم ) ، وفى حديث آخر: ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز ) ، ويدل أنها قبل القيامة ". انتهى
ثانيا : أنه قد جاء في صفة هذا الحشر حديث أخرجه البخاري (6522) ، ومسلم (2861) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاَثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ
وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ ، وَثَلاَثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا ، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا ، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا " .
وفي الحديث بيان أن النار : تبيت وتقيل وتصبح وتمسي معهم ، وهذا لا يكون إلا في الدنيا .
قال ابن الملقن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (30/37) :
" ما ذكره عياض من أن ذَلِكَ في الدنيا : أظهر ، لما في نفس الحديث من ذكر المساء ، والمبيت ، والقائلة ، والصباح ، وليس ذَلِكَ في الآخرة ". انتهى
ثالثا : أنه قد ثبت في صفة الحشر يوم القيامة : أن الناس يحشرون حفاة عراة غرلا
كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ". أخرجه البخاري (3349) ، ومسلم (2860) .
وهذه الصفة خلاف تلك الصفة التي وردت في حشر الناس لأرض الشام قبل البعث . قال الخطابي في "أعلام الحديث" (3/2269) في شرح حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين .
.." . قلت: الحشر المذكور في هذا الحديث : إنما يكون قبل قيام الساعة ، يحشر الناس أحياء إلى الشام. فأما الحشر الذي يكون بعد البعث من القبور، فإنه على خلاف هذه الصورة من ركوب الإبل والمعاقبة عليها
إنما هو على ما ورد في الخبر أنهم يبعثون يوم القيامة حفاة عراة بهما غرلا . وقد قيل: إن هذا البعث دون الحشر ، فليس بين الحديثين تدافع ، ولا تضاد ". انتهى .
وقال البغوي في "شرح السنة" (15/125) :
" قَوْله: « يحْشر النَّاس عَلَى ثَلاث طرائق » ، هَذَا الْحَشْر قَبْلَ قيام السَّاعَة ، إِنَّمَا يَكُون إِلَى الشَّام أَحيَاء ، فَأَما الْحَشْر بَعْد الْبَعْث من الْقُبُور عَلَى خلاف هَذِهِ الصّفة من ركُوب الْإِبِل والمعاقبة عَلَيْهَا ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا أخبر أَنهم يبعثون حُفَاة عُرَاة ". انتهى
رابعا : أنه قد جاء في حديث ابن عمر في وصف هذه النار الحاشرة، أن رسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:" سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ نَحْوِ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ
قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ ، تَحْشُرُ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ ". أخرجه الترمذي (2217) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2768) .
فصرح الحديث بأن ذلك الحشر يكون قبل يوم القيامة . ثم إنه أوصى الناس بـ"الشام" ؛ وهذا لا يكون إلا قبل يوم القيامة .
قال ابن الملك في "شرح المصابيح" (6/524)
:" "قال: عليكم بالشام"، وهذا يدل على أن ذلك يكون قبل قيام الساعة ". انتهى
خامسا : أنه قد جاء في القرآن العظيم في صفة أرض المحشر : أنها غير الأرض التي نعيش عليها حيث قال الله تعالى :" يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ". إبراهيم/48 .
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ » . أخرجه البخاري (6521) ، ومسلم (2790) .
وهذا التبديل على قولين لأهل العلم : إما هو تبديل كلي ؛ أي أرض غير الأرض تماما ، فهو تبديل عين بعين . أو تبديل صفة .
قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (9/382)
:" واختلف في كيفية تبديل الْأَرْضِ ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: إِنَّ تَبَدُّلَ الْأَرْضِ : عِبَارَةٌ عَنْ تَغَيُّرِ صِفَاتِهَا ، وَتَسْوِيَةِ آكَامِهَا ، وَنَسْفِ جِبَالِهَا ، وَمَدِّ أَرْضِهَا .. وَقِيلَ: اخْتِلَافُ أَحْوَالِهَا ...
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْبَابَ مُبَيَّنًا فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ" ، وَذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ إِزَالَةُ هَذِهِ الْأَرْضِ ، حَسَبَ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الأرض والسموات؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ ". انتهى .
وأيا ما كان من أمر التبديل ؛ فحشرُ النار الناسَ إلى الشام : دليل على أنه قبل القيامة ، حيث إن أرض المحشر يوم القيامة : ليس فيها معلم لأحد .
قال ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (1/278)
:" فَهَذِهِ السِّيَاقَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَشْرَ هُوَ حَشْرُ الْمَوْجُودِينَ فِي آخِرِ الدنيِا ، مِنْ أقطار محلة الحشر ، وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ ، وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ عَلَى أَصْنَافٍ ثلاثة ، فقسم يحشرون طَاعِمِينَ كَاسِينَ رَاكِبِينَ
وَقِسْمٍ يَمْشُونَ تَارَةً وَيَرْكَبُونَ أُخْرَى ، وَهُمْ يَعْتَقِبُوَنَ عَلَى الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ ، وَثَلَاثَةٌ على بعير ، وعشرة على بعير ، يعني يعتقبونه من قلة الظهر
كما تقدم ، كما جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ ، وَهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، فَتُحِيطُ بِالنَّاسِ مِنْ وَرَائِهِمْ ، تَسُوقُهُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ ، وَمَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ أكلته النار .
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا في آخر الدنيا ، حيث الأكل والشرب ، والركوب على الظهر المستوي وغيره ، وحيث يهلك المتخلفون منهم بالنار .
وَلَوْ كَانَ هَذَا بَعْدَ نَفْخَةِ الْبَعْثِ ، لَمْ يبق موت ولا ظهر يسري ، وَلَا أَكْلٌ وَلَا شُرْبٌ ، وَلَا لُبْسٌ فِي الْعَرَصَاتِ ". انتهى
الحشر الثالث : وهو حشر الخلائق يوم القيامة .
قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) البقرة/203 .
وقال تعالى : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) آل عمران/158
وقال تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) البقرة/281
وروى البخاري في صحيحه (3349) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ:
{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي
فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ ": {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} [المائدة: 117]- إِلَى قَوْلِهِ - {العَزِيزُ الحَكِيمُ} [البقرة: 129] .
وينظر : "القيامة الكبرى" للشيخ عمر سليمان الأشقر، رحمه الله (56) وما بعدها .
الحشر الرابع : حشر المتقين إلى الجنة .
قال الله تعالى : ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86). مريم/85- 86 .
ومما سبق يتبين أن المقصود بالنار الحاشرة التي وردت في السؤال أنها تكون قبل يوم القيامة ، حيث تسوق الناس إلى أرض الشام ، ثم عليها تقبض أرواحهم
وليس المقصود بها نار تسوق الناس للحشر يوم القيامة كما ظن السائل ، والله أعلم .
ملخص الجواب :
أن المقصود بالنار الحاشرة التي وردت في السؤال أنها تكون قبل يوم القيامة ، حيث تسوق الناس إلى أرض الشام ، ثم عليها تقبض أرواحهم ، وليس المقصود بها نار تسوق الناس للحشر يوم القيامة كما ظن السائل
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 05:30
: حشر الناس والدواب
السؤال
هل يمكن أن تخبرنا عن هيئة الناس عند البعث ؟
هل سيكونون بملابس أم لا ؟
وهل الحيوانات ستقوم بعد الموت أم لا ؟.
الجواب
الحمد لله
سمى الله تعالى يوم القيامة بيوم الجمع لأن الله يجمع فيه العباد إنسهم وجنهم
قال تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) هود / 103 .
وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) الواقعة / 49-50 .
وقال تعالى : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) مريم / 93-95 .
وقال تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) الكهف / 47 .
ومما يدخل في هذا الحشر حشر البهائم ، يقول شيخ الإسلام :
وأما البهائم فجميعها يحشرها الله سبحانه كما دل عليه الكتاب والسنة
قال تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) الأنعام / 38 . وقال تعالى : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) التكوير / 5 .
وقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ) الشورى / 29
وحرف ( إذا ) إنما يكون لما يأتي لا محالة والأحاديث في ذلك مشهورة ، فإن الله عز وجل يوم القيامة يحشر البهائم ويقتص لبعضها من بعض ثم يقول لها : كوني ترابا فتصير ترابا
فيقول الكافر حينئذ : ( يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً ) النبأ / 40 . ومن قال إنها لا تحيا فهو مخطئ في ذلك أقبح خطأ ، بل هو ضال أو كافر والله أعلم . اهـ
مجموع الفتاوى 4/248 .
روى أحمد (20534) عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا ، وَشَاتَانِ تَقْتَرِنَانِ ، فَنَطَحَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَأَجْهَضَتْهَا ، قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقِيلَ لَهُ : مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : عَجِبْتُ لَهَا ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُقَادَنَّ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ . أي لَيُقْتَصَّنَّ لها .
قال أحمد شاكر : إسناده حسن متصل اهـ .
وروى مسلم (2582) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) .
والجلحاء هي التي لا قرن لها .
قال النووي :
هَذَا تَصْرِيح بِحَشْرِ الْبَهَائِم يَوْم الْقِيَامَة ، وَإِعَادَتهَا يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يُعَاد أَهْل التَّكْلِيف مِنْ الآدَمِيِّينَ ، وَكَمَا يُعَاد الأَطْفَال وَالْمَجَانِين وَمَنْ لَمْ تَبْلُغهُ دَعْوَة ، وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة .
قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( وَإِذَا الْوُحُوش حُشِرَتْ ) وَإِذَا وَرَدَ لَفْظ الشَّرْع ، وَلَمْ يَمْنَع مِنْ إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِره عَقْل وَلا شَرْع وَجَبَ حَمْله عَلَى ظَاهِره .
قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَيْسَ مِنْ شَرْط الْحَشْر وَالإِعَادَة فِي الْقِيَامَة الْمُجَازَاة وَالْعِقَاب وَالثَّوَاب، وَأَمَّا الْقِصَاص مِنْ الْقَرْنَاء لِلْجَلْحَاءِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ قِصَاص التَّكْلِيف إِذْ لا تَكْلِيف عَلَيْهَا , بَلْ هُوَ قِصَاص مُقَابَلَة . وَاَللَّه أَعْلَم اهـ .
ويحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا –أي غير مختونين- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا ) ثُمَّ قَرَأَ :
( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيَقُولُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ فَأَقُولُ
كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ) رواه البخاري 3349 .
وعن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا ) قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ! فَقَالَ: ( الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ ) رواه البخاري 6527 .
وجاء في الحديث أن الإنسان يبعث في الثياب التي مات فيها عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
: ( إِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا ) رواه أبو داود ( 3114 ) وصححه الألباني في السلسة الصحيحة 1671 .
ولعل هذا الحديث يشكل مع ما قبله من أن العباد يبعثون عراة ، فأجاب العلماء بأجوبة للتوفيق بين الأحاديث فمن أوجه الجمع :
1- أنهم يبعثون فيها ثم تبلى بعد القيام فإذا وافوا الموقف كانوا عراة .
2- أنهم يبعثون عراة ثم إذا كسي الأنبياء والصديقون ومن بعدهم كُسِيَ كلٌّ من جنس ما مات فيه من الثياب .
3- وحمل بعض العلماء هذا الحديث على الشهداء فإنهم هم الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا في ثيابهم التي ماتوا فيها . فيبعثون في ثيابهم تمييزاً لهم عن غيرهم .
4- أن المراد بالثياب الأعمال الصالحة كما قال تعالى : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) وقوله : ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) والمعنى يبعث المرء على ما مات عليه من عمل إن خيرا فخير وإن شرا فشر
يدل عليه حديث جَابِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقُولُ يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ) رواه مسلم 2878 وحديث ابْنَ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْه قال :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ ) رواه البخاري 7108 ، ومما يدل عليه حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْه
قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلا تُحَنِّطُوهُ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا ) رواه البخاري 1265 ،
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ ) رواه البخاري 237
ومن هنا استحب تلقين الميت لا إله إلا الله وذلك لتكون هذه الكلمة الطيبة آخر كلامه من الدنيا وعليها يبعث يوم القيامة .
انظر فتح الباري (11/383) .
ويحشر الناس في ذلك اليوم على أرض أخرى غير هذه الأرض ، ولها خصائص معينة بينتها السنة فعن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
: ( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ ) قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ : لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَد . رواه البخاري 6521 .
والعفراء أي بيضاء تضرب إلى الحمرة قليلا وقيل بيضاء بياضا غير ناصع وقيل خالصة البيضاء .
وقرصة النقي هي القرصة من الدقيق النقي من الغش والنخال .
والله اعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 05:36
يوم القيامة مراحل وأحوال ، تفصّلها نصوصُ الكتاب والسنة .
السؤال:
أقرا في كتاب الله عن الصحف و تطايرها ، وعن مقدار الحسنات والسيئات ، ولكن في صحيح البخاري في باب
السجود-فضل السجود- قرأت أن كل أمة تتبع معبودها وتبقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم
والحديث لم يذكر تطاير الصحف للكفار ولا عن الحسنات والسيئات ، فسؤالي هو كيف نوفق بين هذا الحديث وما تم تفصيله في القران الكريم ؟
الجواب :
الحمد لله
روى البخاري (4581) ومسلم (183)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ
حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَى الْيَهُودُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ
فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا، فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟
قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ، كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟
فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا، فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟
فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَاقَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟
تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ
فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً
كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ ) .
يمر يوم القيامة بمراحل متعددة ، ويكون الناس فيه على أحوال مختلفة ، وهو يوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين النجاة من شدائده وكربه ، وأن يدخلنا جنته بكرمه ومنّه .
فيقوم الناس من قبورهم ، ويسارعون إلى ربهم ، فيكون العرض ، والحساب ، وتطاير الصحف ، والميزان ، إلى غير ذلك من أحوال الآخرة .
وليس كل نص شرعي يأتي على هذه المراحل كلها ، ويذكرها جميعا ؛ بل قد تذكر مراحل منها في بعض النصوص ، ولا تذكر مراحل أخرى فيها ، وإنما تذكر في نصوص أخرى .
وقد يذكر في نصوص السنة ، ما لا يذكر في نصوص الكتاب المجيد .
وبالجمع بين النصوص يتبين الحال ، ويزول الإشكال .
وحديث أبي سعيد المذكور ، في بيان أول العرض ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، ويقفون هذا الموقف العظيم ، ثم تكون بعد ذلك الشفاعة ، وهي المقام المحمود الذي يؤتيه الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم ليشفع في أهل الموقف
ثم يكون بعد ذلك عرض الأعمال ، ثم الحساب وتطاير الصحف ، ثم الميزان
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "المطالب العالية" (18/ 492):
قال إسحاق - يعني ابن راهويه - : أخبرنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، ثنا قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْه حَدَّثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْه هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ:
" إِذَا حُشِرَ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَامُوا أَرْبَعِينَ، عَلَى رؤوسهم الشَّمْسُ، شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، يَنْتَظِرُونَ الْفَصْلَ ، كُلُّ بَرٍّ مِنْهُمْ وَفَاجِرٍ، لَا يَتَكَلَّمُ مِنْهُمْ بَشَرٌ
ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَلَيْسَ عَدْلًا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ ، ثُمَّ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ ، أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ قَوْمٍ مَا تَوَلَّوْا ، فَيَقُولُونَ: بَلَى ... " ثم ساق الحديث موقوفا .
وقال الحافظ : " هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ " .
فبين في هذا الحديث أن هذا المشهد يكون في أول فصل القضاء .
وهو ، وإن كان موقوفا ، إلا أن له حكم الرفع .
وروى البخاري (6573) ، ومسلم (182) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " قَالَ أُنَاسٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ ، فَقَالَ: (هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَاب ٌ؟)
قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : (هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ ؟) ، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ
فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُون َ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُم ْ،
فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ ... ) وساق الحديث .
فبين أن هذا الموقف يكون قبل المرور على الصراط، وبعد أن يجمع الله الناس .
قال القاضي عياض رحمه الله :
" الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ كُلِّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ : هُوَ أَوَّلُ فَصْلِ الْقَضَاءِ ، وَالْإِرَاحَةِ مِنْ كَرْبِ الْمَوْقِفِ "
انتهى من فتح الباري (11/ 438)
وقال النووي رحمه الله :
" جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الرُّؤْيَةِ وَحَشْرِ النَّاسِ: اتِّبَاعُ كُلِّ أَمَةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، ثُمَّ تَمْيِيزُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ حُلُولُ الشَّفَاعَةِ، وَوَضْعُ الصِّرَاطِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِ الْأُمَمِ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ
: هُوَ أَوَّلُ الْفَصْلِ وَالْإِرَاحَةِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ "
انتهى من شرح النووي على مسلم (3/ 58)
والحاصل :
أنه ليس بين الآية والحديث شيء من التعارض ، ولا فيهما إشكال ، حتى يطلب التوفيق بينهما ، فإن الإجمال في نص ، والتفصيل في نص آخر : معهود متوارد في نصوص الشريعة ، وكذا في مخاطبات الناس وكلامهم .
والله تعالى أعلم.
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
walid-youcef
2018-08-11, 15:57
بارك الله فيك و جزاك الله خيرا
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 18:07
بارك الله فيك و جزاك الله خيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اسعدني حضورك الطيب مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما
بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير
*عبدالرحمن*
2018-08-14, 05:48
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
وزن الأعمال وتوزيع الصحائف يوم القيامة
السؤال
كيف يتم توزيع صحائف الأعمال يوم القيامة على العباد ؟ وكيف توزن أعمالهم ؟.
الجواب
الحمد لله
توزيع صحائف الأعمال :
إذا تمت محاسبة العباد على أعمالهم ، أُعطى كل عبد كتابه المشتمل على أعماله كلها فأما المؤمن فيعطاه بيمينه تكرمة له ، وهو الناجي المسرور يوم القيامة
قال الله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) القيامة /7-9 . وقال : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيه (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) الحاقة /19-24 .
أما الكافر والمنافق وأهل الضلال فيعطون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم
قال الله تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا) القيامة/10-12 . وقال : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) الحاقة /25-32 . فإذا أعطي العباد كتبهم قيل لهم : (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الجاثية /29 . ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) الإسراء /14 .
وأما الميزان :
فيوضع الميزان لوزن أعمال العباد قال القرطبي : ( فإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها ) اهـ .
وقد دلت النصوص الشرعية على أن الميزان ميزان حقيقي له كِفَّتان ، توزن به أعمال العباد . وهو ميزان عظيم لا يقدر قدره إلا الله تعالى
وقد اختلف أهل العلم هل هو ميزان واحد تورزن به أعمال العباد أم أن الموازين متعددة ولكل شخص ميزانه الخاص ، فمن قال بالتعدد استدلوا بأن الميزان قد ورد في بعض الآيات بصيغة الجمع
مثل قوله تعالى : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء /47 .
ومن قال بأنه واحد استدلوا بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات و الأرض لوسعت
فتقول الملائكة : يا رب لمن يزن هذا ؟
فيقول الله تعالى : لمن شئت من خلقي... ) السلسلة الصحيحة (941) . وحملوا الآية التي ورد فيها الميزان بصيغة الجمع على تعدد الموزونات من الأعمال والأقوال والصحف والأشخاص . فقالوا : إنه جُمِع الأشياء التي توزن فيه .
ومما يدل على وزن الأقوال عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ) رواه البخاري 6406 .
ويدل على وزن الأعمال ما صح عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ ) صحيح سنن الترمذي 1629.
ومما يدل على وزن صحائف الأعمال حديث البطاقة عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ
ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ لا يَا رَبِّ فَيَقُولُ بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
فَيَقُولُ احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ فَقَالَ إِنَّكَ لا تُظْلَمُ قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ ) صحيح سنن الترمذي 2127.
ومما يدل على وزن الأشخاص عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ اقْرَءُوا ( فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) رواه البخاري 4729
وكذلك يدل عليه ما ثبت من أن ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِمَّ تَضْحَكُونَ )
قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ ) حسن إسناده الألباني في شرح الطحاوية برقم 571 ص 418 .
نسأل الله تعالى أن يثقل موازيننا .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-14, 05:53
ترتيب أحداث يوم القيامة
السؤال:
هل يمكن ترتيب أهوال القيامة كيف ستكون : البعث ، ثم انتظار 50 ألف سنة ، الورود على الحوض ، الحشر ، العرض ، الحساب ، دخول الكفار في النار ، مرور المسلمين والمنافقين على الصراط
قصاص العباد من العباد ، جنة . والذي يقع في النار عند المرور على الصراط قد يكون منافق يخلد في جهنم للأبد ، أو مسلم عاصي يعذب على قدر ذنوبه . هل صحيح هذا الترتيب ؟
وسمعت من شيخ أن عند الموت يقعد شيطانان يتمثلان على هيئة أبيه وأمه ، فيأمرانه باتباع اليهودية والنصرانية ، هل صح هذا الحديث ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
" الذي قرَّرَهُ المحققون من أهل العلم أنَّ ترتيب ما يحصل يوم القيامة كالتالي :
1 - إذا بُعث الناس وقاموا من قبورهم ذهبوا إلى أرض المحشر ، ثم يقومون في أرض المحشر قياماً طويلا ، تشتد معه حالهم وظمؤُهُم ، ويخافون في ذلك خوفاً شديداً
لأجل طول المقام ، ويقينهم بالحساب ، وما سيُجري الله - عز وجل – عليهم .
2 - فإذا طال المُقام رَفَعَ الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم أولاً حوضه المورود ، فيكون حوض النبي صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة ، إذا اشتد قيامهم لرب العالمين ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .
فمن مات على سنّته ، غير مًغَيِّرٍ ولا مُحْدِثٍ ولا مُبَدِّلْ : وَرَدَ عليه الحوض ، وسُقِيَ منه ، فيكونُ أول الأمان له أن يكون مَسْقِيَاً من حوض نبينا صلى الله عليه وسلم ، ثم بعدها يُرْفَعُ لكل نبي حوضه ، فيُسْقَى منه صالح أمته .
3 - ثم يقوم الناس مُقاماً طويلاً ، ثم تكون الشفاعة العظمى - شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم- بأن يُعَجِّلَ الله - عز وجل - حساب الخلائق ، في الحديث الطويل المعروف :
أنهم يسألونها آدم ثم نوحاً ثم إبراهيم ، إلى آخره ، فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون له : يا محمد ، ويصِفُونَ له الحال
وأن يقي الناس الشدة بسرعة الحساب ، فيقول صلى الله عليه وسلم بعد طلبهم اشفع لنا عند ربك ، يقول ( أنا لها ، أنا لها )
فيأتي عند العرش ، فيخر فيحمد الله - عز وجل - بمحامد يفتحها الله - عز وجل - عليه، ثم يقال : يا محمد ارفع رأسك ، وسل تُعْطَ واشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فتكون شفاعته العظمى في تعجيل الحساب .
4 - بعد ذلك يكون العرض - عرض الأعمال - .
5 - ثم بعد العرض يكون الحساب .
6 - وبعد الحساب الأول تتطاير الصحف ، والحساب الأول من ضمن العرض ؛ لأنه فيه جدال ومعاذير ، ثُمَّ بعد ذلك تتطاير الصحف ، ويُؤْتَى أهل اليمين كتابهم باليمين ، وأهل الشمال كتابهم بشمالهم ، فيكون قراءة الكتاب .
7 - ثم بعد قراءة الكتاب : يكون هناك حساب أيضاً لقطع المعذرة ، وقيام الحجة بقراءة ما في الكتب .
8 - ثم بعدها يكون الميزان ، فتوزن الأشياء التي ذكرنا .
9 - ثم بعد الميزان ينقسم الناس إلى طوائف وأزواج ؛ أزواج بمعنى كل شكل إلى شكله ، وتُقَامْ الألوية -ألوية الأنبياء- لواء محمد صلى الله عليه وسلم
ولواء إبراهيم ، ولواء موسى إلى آخره ، ويتنوع الناس تحت اللواء بحسب أصنافهم ، كل شَكْلٍ إلى شكله .
والظالمون والكفرة أيضاً : يُحْشَرُونَ أزواجاً ، يعني متشابهين كما قال : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ ) الصافات/22-23
يعني بأزواجهم : أشكالهم ونُظَرَاءَهُمْ ، فيُحْشَرْ علماء المشركين مع علماء المشركين ، ويُحْشَرْ الظلمة مع الظلمة ، ويُحْشَرْ منكرو البعث مع منكري البعث ، وهكذا .
10 - ثُمَّ بعد هذا يَضْرِبُ الله - عز وجل - الظُّلمة قبل جهنم والعياذ بالله ، فيسير الناس بما يُعْطَونَ من الأنوار ، فتسير هذه الأمة وفيهم المنافقون
ثُمَّ إذا ساروا على أنوارهم ضُرِبَ السُّور المعروف ( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى ) الحديد/13-14. الآيات
فيُعْطِيْ الله - عز وجل - المؤمنين النور ، فيُبْصِرُون طريق الصراط ، وأما المنافقون فلا يُعْطَون النور ، بل يكونون مع الكافرين يتهافتون في النار ، يمشون وأمامهم جهنم والعياذ بالله .
11 - ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم أولاً ويكون على الصراط ، ويسأل الله - عز وجل - له ولأمته فيقول : ( اللهم سلّم سلم ، اللهم سلّم سلم ) ؛ فَيَمُرْ صلى الله عليه وسلم ، وتَمُرُّ أمته على الصراط
كُلٌ يمر بقدر عمله ، ومعه نور أيضاً بقدر عمله ، فيمضي مَنْ غَفَرَ الله - عز وجل - له، ويسقط في النار ، في طبقة الموحّدين ، من شاء الله - عز وجل - أن يُعَذبه .
ثم إذا انتهوا من النار : اجتمعوا في عَرَصَات الجنة ، يعني في السّاحات التي أعدها الله - عز وجل - لأن يقْتَصَّ أهل الإيمان بعضهم من بعض ، ويُنْفَى الغل حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غل .
12 - فيدخل الجنة أول الأمر ، بعد النبي صلى الله عليه وسلم : فقراء المهاجرين ، فقراء الأنصار ، ثم فقراء الأمة ، ويُؤَخَّر الأغنياء لأجل الحساب الذي بينهم وبين الخلق ، ولأجل محاسبتهم على ذلك " .
"شرح الطحاوية" (ص 542) بترقيم الشاملة / للشيخ صالح آل الشيخ ، بتصرف يسير.
ثانيا :
لا نعلم حديثا صحيحا في أن الرجل عند الموت يقعد له شيطانان يتمثلان على هيئة أبويه فيأمرانه باتباع اليهودية والنصرانية
أما قول القرطبي رحمه الله في "التذكرة" (ص 185) :
" روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن العبد إذا كان عند الموت قعد عنده شيطانان : الواحد عن يمينه ، والآخر عن شماله ، فالذي عن يمينه على صفة أبيه
يقول له : يا بني إني كنت عليك شفيقاً ولك محباً ، ولكن مت على دين النصارى فهو خير الأديان ، والذي على شماله على صفة أمه
تقول له : يا بني إنه كان بطني لك وعاء ، وثديي لك سقاء ، وفخذي لك وطاء ، ولكن مت على دين اليهود وهو خير الأديان )
ذكره أبو الحسن القابسي في شرح رسالة ابن أبي زيد له ، وذكر معناه أبو حامد في كتاب كشف علوم الآخرة " انتهى .
فهذا : لا نعلم له أصلا ؛ فلا يحتج به .
ولكن قد يعرض الشيطان لابن آدم عند موته ، فيأتيه بمثل هذا وغيره ليضله ، فقد روى أبو داود (1552) ، والنسائي (5531) عَنْ أَبِي الْيَسَرِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي
وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ ، وَالْحَرَقِ، وَالْهَرَمِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا )
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال الخطابي رحمه الله :
" استعاذته من تخبط الشيطان عند الموت : هو أن يستولي عليه الشيطان عند مفارقة الدنيا فيضله ، ويحول بينه وبين التوبة
أو يعوقه عن إصلاح شأنه ، والخروج من مظلمة تكون قِبَله ، أو يؤيسه من رحمة الله ، أو يتكره الموت ويتأسف على حياة الدنيا
فلا يرضى بما قضاه الله من الفناء والنُّقلة إلى الدار الآخرة ، فيختم له بالسوء ، ويلقى الله وهو ساخط عليه .
وقد روي أن الشيطان لا يكون في حال أشد على ابن آدم منه في حال الموت ، يقول لأعوانه : دونكم هذا ؛ فإنه إن فاتكم اليوم ، لم تلحقوه " انتهى من "معالم السنن" (1/ 296) ، وينظر : "التذكرة" (ص 185).
قال صالح بن الإمام أحمد : " حضرت أبي الوفاة ، فجلست عنده وبيدي الخرقة ، لأشد بها لحيته ، فجعل يعرق ، ثم يضيق ، ويفتح عينيه ويقول بيده هكذا : لا بعد ، لا بعد ، ثلاث مرات !!
فقلت: يا أبت إيش هذا الذي قد لهجت به فِي هذا الوقت ؟
قَالَ: يا بني ما تدري ؟
قلت: لا .
قَالَ: " إبليس لعنه اللَّه ، قائم بحذائي عاضا عَلَى أنامله ، يقول: يا أَحْمَد فتّني ! فأقول: لا ؛ حتى أموت !!" .
انتهى من "طبقات الحنابلة" (1/ 175).
وقال القرطبي :
" سمعت شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر القرطبي بثغر الإسكندرية يقول : حضرت أخا شيخنا أبي جعفر أحمد بن محمد بن محمد القرطبي بقرطبة وقد احتضر. فقيل له : قل : لا إله إلا الله ، فكان يقول : لا ، لا.
فلما أفاق ذكرنا له ذلك ؟
فقال : أتاني شيطانان عن يميني وعن شمالي ، يقول أحدهما : مت يهودياً فإنه خير الأديان ، والآخر يقول : مت نصرانياً فإنه خير الأديان .
فكنت أقول لهما: لا لا . فكان الجواب لهما ، لا لكما .
قلت : ومثل هذا عن الصالحين كثير ، يكون الجواب للشيطان ، لا لمن يلقنه الشهادة "
انتهى من "التذكرة" (ص 187).
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-14, 06:00
إذا مات العبد عُرض عليه مقعده من الجنة أو النار ، فلماذا يمر بمراحل الحساب يوم القيامة ؟
السؤال:
نحن نعلم أن المرء قبل وفاته ينظر إلى مقعده في الجنة أو النار والعياذ بالله ، أي أنه يعرف مصيره قبل وفاته .
لماذا إذن يوم القيامة عليه الانتظار والمرور بكل مواقف الحساب ، وهو يعلم مصيره سلفا ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (1379) ، ومسلم (2866)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ : هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) .
قال في "طرح التثريب" (3/ 304):
" فِيهِ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُك
وَفِي هَذَا تَنْعِيمٌ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَعْذِيبٌ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِمُعَايَنَةِ مَا أُعِدَّ لَهُ وَانْتِظَارِهِ ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ " انتهى .
ثانيا :
قول السائل : لماذا عليه يوم القيامة الانتظار والمرور بكل مواقف الحساب وهو يعلم مصيره سلفا ؟
فالجواب أن يقال :
أولا :
كونه يعلم مصيره بمجرد البعث لما مر به في البرزخ فيه نظر ؛ فإن هول قيام الساعة كفيل بأن ينسى المرء كل ما مر به
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) الحج/ 1، 2 .
ثانيا :
أن هول ما يراه يوم القيامة يجعله يطمع في النجاة ، ولذلك فهو يوم القيامة يكذب ويحاج عن نفسه عسى أن ينجو من العذاب
قال تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) الأنعام/ 22 – 24 .
ثالثا :
لما كان يوم القيامة هو يوم الحساب ، كان لا بد من قيام الحجة لله على خلقه ، ومحاسبتهم على أعمالهم ، وتقريرهم بذنوبهم ، حتى إذا ما دخلوا النار أيقنوا أن الله لم يظلم منهم أحدا شيئا
قال تعالى : ( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ *
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ* وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك/ 6 – 11.
وروى مسلم (2968) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حديث الرؤية وفيه محاسبة الرب عبده يوم القيامة ، وفيه : ( ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ، فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ ، وَبِرُسُلِكَ ، وَصَلَّيْتُ ، وَصُمْتُ
وَتَصَدَّقْتُ ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ ، فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا ، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ ؟
فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ : انْطِقِي ، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ ) .
فالكافر يجادل عن نفسه يوم القيامة ، فيدحض الله حجته ، وتقوم الأشهاد تشهد عليه بما كان من عمله ، ومن تلك الأشهاد أعضاؤه ، وبذلك تقوم الحجة البالغة لله على خلقه
فلا يرى ظالم لنفسه عذرا ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) غافر/ 10، 11
.
رابعا :
كما تقوم حجة الله على الكافرين أصحاب النار ، يظهر فضل الله على المؤمنين أصحاب الجنة ، ويقوم ميزان العدل بين الناس يوم القيامة ، فينظر الكافرون إلى عدل الله
وينظر المؤمنون إلى فضله ، فيعلم الكافرون أن الله لم يظلمهم شيئا ، ويغتبط المؤمنون بما تفضل الله به عليهم من الرحمة والنجاة من النار ، ولولا فضل الله ما نجوا .
وهذا وغيره من الحكم الجليلة لا يمكن أن يظهر ويتبين للفريقين إلا بالمرور بأحوال يوم القيامة .
خامسا :
أن ما يحصل يوم القيامة من الأفزاع والأهوال والمرور على الصراط يجعله الله تعالى رحمة وكفارة لبعض أهل الإيمان ، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بعدة أسباب
فذكر منها : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا.
"مجموع الفتاوى" (7/487- 501) .
ولو لم يمر بها هؤلاء فلربما قدر الله عليهم أن يعذبوا في النار ، حتى يهذبوا وينقوا ويؤذن لهم بدخول الجنة .
سادسا :
أن مرور العبد بهذه المراحل يدل على عظمة الله تعالى ، وصدق ما أخبر به في كتبه ، وأخبرت به عنه رسله ، وكون العالمين إنسهم وجنهم في قبضته
لا يخرجون عن هيمنة سلطانه ، ويوم القيامة أعظم يوم تظهر فيه عظمة الرب تعالى وكمال قدرته وآثار أسمائه وصفاته ، فكان لا بد من حصول ذلك .
سابعا :
أن يوم الحساب يوم يتقاص فيه المخلوقات ، فيقتص الله فيه لبعضهم من بعض ، فكان لا بد من المرور بمرحلة القصاص التي لا تكون إلا في عرصات القيامة .
ثامنا :
لله تعالى الحكمة البالغة فيظل خلقا من خلقه في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، ويفضح أقواما على رءوس الأشهاد ، ويهين المتكبرين والمتجبرين أمام الخلائق
فيعلم الخلق كلهم ما كان عليه هؤلاء وما كان عليه أولئك ، ويخسر المبطلون وينكشف أمرهم لكل الخلائق ، ويكرم الله أولياءه المتقين فتظهر كرامتهم عليه أمام الخلائق أجمعين .
وأيا ما كان الأمر في هذه الحكم ، أو بعضها ، فهي من وجوه النظر والاجتهاد ، وليس شيء منها منصوصا عليه ، لكن الذي يعني العبد في دينه أن يعلم أن الإيمان هو ركن من أركان الإيمان الستة
التي لا يصح للعبد إيمانه إلا بها ، وله من الحكم والأسرار ما قد تعجز العقول عن إدراكه ، ويضيق المقام عن ذكر ما نعلمه منه
ولا يمكن أن ينظر في ذلك ويسأل عن حكمته لأجل بشارة ترد العبد في قبره ، ثم لا تتحقق له حقيقتها ما دام في قبره لم يبعث .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-14, 06:05
هل تصح قصة رفض أم كلثوم بنت أبي بكر الزواج من عمر بن الخطاب ؟
السؤال:
هل تصح قصة رفض أم كلثوم بنت أبي بكر الزواج من عمر بن الخطاب ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
" أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، أمها حبيبة بنت خارجة، وتوفي أبوها رضي الله عنه وهي حمل، روت عن أختها عائشة، وروى عنها ابنها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة ، وجابر بن عبد الله الأنصاري وهو أكبر منها ، وطلحة بن يحيى بن طلحة
والمغيرة بن حكيم الصنعاني، وجبير بن حبيب ولوط بن يحيى. ذكرها ابن منده وأبو نعيم وغيرهما في الصحابة ، وأخطأوا في ذلك، لأنها ولدت بعد موت أبي بكر الصديق " .
"تهذيب التهذيب" (12/ 477)
ثانيا :
قال أبو جعفر الطبري رحمه الله في "تاريخه" (4/ 199):
" قال المدائني: وخطب أمَّ كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة، وأرسل فيها إلى عائشة، فقالت: الأمر إليك، فقالت أم كلثوم: لا حاجة لي فيه، فقالت لها عائشة: ترغبين عن أمير المؤمنين؟! قالت: نعم، إنه خشن العيش، شديد على النساء .
فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته، فقال: أكفيكِ . فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني خبر أعيذك بالله منه، قال: وما هو؟ قال: خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر! قال: نعم، أفرغبت بي عنها، أم رغبت بها عني؟
قال: لا واحدة، ولكنها حدثة نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين ورفق، وفيك غلظة، ونحن نهابك، وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك
فكيف بها إن خالفتك في شيء، فسطوت بها! كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك.
قال: فكيف بعائشة وقد كلمتها؟ قال: أنا لك بها، وأدلك على خير منها، أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، تعلق منها بسبب من رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
وهذا إسناد ضعيف منقطع لا يثبت ، المدائني هو علي بن محمد، أبو الحسن المدائني ، وهو صدوق ثقة ، وثقه ابن معين ، وذكره ابن عدي في الكامل وقال: ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار، قل ما له من الروايات المسندة.
مات سنة أربع أو خمس وعشرين ومائتين .
"ميزان الاعتدال" (3/ 153) ، "سير أعلام النبلاء" (8/ 447).
فبينه وبين زمن الصحابة رضي الله عنهم مفاوز .
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" روى ابْن عيينة، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أبي خالد، قَالَ: خطب عُمَر بْن الْخَطَّابِ أم كلثوم بنت أبي بكر إِلَى عائشة ، فأطمعته، وقالت: أين المذهب بها عنك؟
فلما ذهبت قالت الجارية: تزوجيني عمر، وقد عرفت غيرته وخشونة عيشه؟ إنما أريد فتى من قريش يصب عليّ الدنيا صبًا !!
قَالَ: فأرسلت عائشة إِلَى عَمْرو ابن العاص، فأخبرته الخبر، فقال عمرو: أنا أكفيك. فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين، لو جمعت إليك امرأة!
فَقَالَ: عسى أن يكون ذلك فِي أيامك هذه.
قَالَ: ومن ذَكرَ أميرُ المؤمنين؟
قَالَ: أم كلثوم بنت أبي بكر.
قَالَ : مالك ولجارية تنعى إليك أباها بكرة وعشيًا ؟!
قَالَ عمر: أعائشة أمرتك بذلك؟
قَالَ: نعم !!
فتركها." .
"الاستيعاب" (4/ 1807)
هكذا ذكره ابن عبد البر معلقا ، ولا نعرف من رواه عن ابن عيينة ، ثم هو بالإضافة إلى ذلك : ضعيف أيضا ، فابن أبي خالد توفي سنة 146
وقال علي بن المديني: "رأى أنسا رؤية ، ولم يسمع منه" ؛ فلم يدرك زمان عمر ، فهذا من مرسلاته .
قال يحيى بن سعيد: "مرسلات ابن أبي خالد ليست بشيء "
انظر : "التهذيب" (1/291)
والحاصل : أن هذه قصة ضعيفة لا تثبت .
وإنما الثابت زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما .
قال ابن كثير رحمه الله :
" تَزَوَّجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي أَيَّامِ وِلَايَتِهِ بِأُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَأَكْرَمَهَا إِكْرَامًا زَائِدًا ; أَصْدَقَهَا أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَجْلِ نَسَبِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " انتهى .
"البداية والنهاية" (8/ 243)
وانظر : "سير أعلام النبلاء" (4/ 479)، "الإصابة" (8/ 465)
"السلسلة الصحيحة" (2036)
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-14, 06:08
درجة ما نسب إلى خديجة رضي الله عنها ((ولو أن لي في كل يوم وليلة بساط سليمان))
السؤال:
أود السؤال عن صحة هذا الحديث المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في حب السيدة خديجة للنبي: " ولو أن لي في كل يوم وليلة بساط سليمان
وملك الأكاسرة لما ساوت عندي جناح بعوضة إذا لم تكن عيني لوجهك ناظرة ، كلا والله ، لا يخزيك الله أبدا ".
الجواب :
الحمد لله
إن محبة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم ونصرتها له أمر معلوم مشهور ، وكان كثيرا ما يثني النبي صلى الله عليه وسلم عليها حتى أن عائشة رضي الله عنها كانت تغار من ذلك .
وقد روى الإمام البخاري في "صحيحه" (3817) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا ). انتهى .
أما الكلام الوارد في السؤال والمنسوب إلى خديجة رضي الله عنها فليس له ذكر على الإطلاق في كتب السنة ، ولم يرو لا بإسناد صحيح ولا ضعيف .
بل لم نجد أحدا من أهل العلم ذكره أصلا . إلا أنه قد أورده بعض الشيعة في كتبهم منسوبا لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، حيث أورده البكري في كتابه "الأنوار في مولد النبي صلى الله عليه وسلم" (ص189) بلا إسناد
ونقله عنه المجلسي في "بحار الأنوار" (16/52)
وذلك في أثناء ذكره لرحلة النبي صلى الله عليه وسلم للتجارة في مال خديجة رضي الله عنها إلى الشام ، وكيف أنه بعد عودته صلى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة كيف أنه ربح مالا عظيما
ففرحت وأمرت أن ينصب له كرسي من العاج والآبنوس، وأجلسته عليه ، وقالت:" يا سيدي كيف كان سفركم ؟ فأخذ يحدثها بما باعه وما شراه
فرأت خديجة ربحا عظيما ، وقالت: يا سيدي لقد فرحتني بطلعتك ، وأسعدتني برؤيتك ، فلا لقيت بؤسا ، ولا رأيت نحوسا ، ثم جعلت تقول شعرا:
فلو أنني أمسيت في كل نعمة * ودامت لي الدنيا وملك الاكاسرة
فما سويت عندي جناح بعوضة * إذا لم يكن عيني لعينك ناظرة ". انتهى
والبكري هذه هو أحمد بن عبد الله بن محمد البكري قد ترجم له الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/112)
فقال :" ذاك الكذاب الدجال واضع القصص التي لم تكن قط فما أجهله وأقل حياءه ، وما روى حرفا من العلم بسند ، ويقرأ له في سوق الكتبيين كتاب ضياء الأنوار ورأس الغول ". انتهى
إلا أن الجملة الأخيرة فيه ( كلا ؛ والله لا يخزيك الله أبدا )
: قد وردت في "صحيح البخاري" (4953) و"صحيح مسلم" (160) من حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ:" كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ
فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ ، فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - قَالَ: وَالتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ
ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ المَلَكُ ، فَقَالَ: اقْرَأْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» ، قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ،
فَقَالَ: اقْرَأْ ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ
ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ} [العلق: 2]- الآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ - {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5] " فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ
حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ ، فَقَالَ: « زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي »، فَزَمَّلُوهُ ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ .
قَالَ لِخَدِيجَةَ: « أَيْ خَدِيجَةُ ، مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي »، فَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ ، قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا ، أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا
فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ ..". انتهى
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-17, 07:28
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حول صحة ما نسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يضرب من يقرأ آية المتعة وأن عائشة رضي الله عنها شنعت عليه بذلك
السؤال
أرغب في الاستفسار عن صحة موضوع قرأت عنه ، وهو : أن سيدنا علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنها ـ كان يضرب من يقرأ آية المتعة ، وأن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ شنعت عليه ، وقالت: إنه يجلد على القرآن
وينهى عنه ، وقد بدله وحرفه ، أعلم أنه لا توجد آية كآية المتعة في القرآن الآن ، ولكن هل نزلت ، ونسخت بعدها ، وظل الناس يقرؤونها ، ولم يصلهم العلم بنسخها و حكمها ؟
وكيف لا تعلم السيدة عائشة بذلك ، وتشنع على سيدنا علي ـ رضي الله عنهما ـ وهي تعلم تمام العلم ، وهي زوج رسول الله، ومن أكثر الناس علما أن الآية ليست من القرآن
وتقول يجلد على القرآن ؟ ثم هل الرواية صحيحة من الأساس ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا يزال أعداء دين الله عز وجل يختلقون الكذب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليطعنوا في دين الله عز وجل ، وهؤلاء يريدون تجريح حملة الدين
كما قال أبو زرعة الرازي رحمه الله :" « إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ عِنْدَنَا حَقٌّ ، وَالْقُرْآنَ حَقٌّ ، وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا هَذَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، وَالْجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى وَهُمْ زَنَادِقَةٌ » .
أخرجه الخطيب في "الكفاية" (ص49)
ومن ذلك الكذب ما سأل عنه ونقله الأخ الكريم في سؤاله ، فإنه كذب لم يرد ولم يرو قط بإسناد ولو ضعيف عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولا عن علي رضي الله عنه .
ولقد كان أول من ذكر هذا الإفك والزور هو ما نسب إلى رجل يدعى عبد المسيح الكندي ذكره في رسالة جوابا على رسالة رجل من المسلمين يدعى عبد الله بن إسماعيل الهاشمي دعاه إلى الإسلام
فكتب ردا على رسالته يعرف باسم ( جواب عبد المسيح الكندي إلى عبدالله بن اسماعيل الهاشمي ) ذكر فيها في أثناء حديثه عن القرآن قال
:" وكذلك آية المتعة فإن علياً كان أسقطها وقال إنه سمع رجلاً يقرأها على عهده فدعاه وضربه بالسوط ، وأمـر الناس ألا يقرأها أحد
فكان هذا بعض ما شـنَّعت به عليه عائشة يوم الجمل ، وقد دخلت منزل عبد اللـه بن خلف الخزاعي ، فقالت في بعض قولها: "إنه يجلد على القرآن ويضرب عليه وينهى عنه وقد بدَّل وحرَّف". انتهى
وهذه الرسالة ليس لها سند أصلا ، وقد صنف الشيخ نعمان بن محمد الألوسي المولود سنة 1252هـ والمتوفى سنة 1317هـ ، وهو ابن الشيخ الألوسي المفسر صاحب كتاب روح المعاني
صنف كتابا بعنوان :"الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح" ، ذكر فيها نص الرسالة المنسوبة إلى عبد المسيح الكندي هذا ، ثم ردّ عليها جملة جملة فأجاد وأفاد ، وهو مطبوع متداول .
وكذلك ذكرها الزرقاني عن بعض من يثير الشبهات في "مناهل العرفان" (1/263) .
وكذا نقلها الشيخ محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" (6/25)
فقال :" نشرت مجلة ( البروتستنت ) المصرية في الجزء الرابع من المجلد الثالث - نبذة في الطعن بالقرآن، نقلتها عن كتاب لهم، يقال: إن للشيخ إبراهيم اليازجي يدًا في تصحيحه أو تأليفه أو ترجمته ...
وقد نقل الكاتب عن عبد المسيح الكندي أن عليًا ... ثم ساق الكلام كما جاء في السؤال ". انتهى
وقد نقل هذه الشبهة الشيخ محمد أبو شهبة في "المدخل لدراسة القرآن الكريم" (ص292)
وعلق قائلا :" أما ما يذكره عن عليّ أنه أسقط آية المتعة ... الخ : فكذب وافتراء عليه ". انتهى
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-17, 07:34
في معنى حديث " أن المرأة خلقت من ضلع " وهل هي مجبرة
السؤال :
المرأة خلقت من ضلع ، فهل معنى الحديث أن المرأة مجبرة على الاعوجاج في أخلاقها ؛ لأنها خلقت من ضلع ؟
وهل معنى الحديث أنها لن تحاسب على بعض ذنوبها ، أم أنها ستحاسب كما يحاسب الرجل ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
من المعلوم من دين الله عز وجل بالضرورة : أن المرأة والرجل سواء في خطاب الشرع ، وأن الله تعالى وعد المؤمنين والمؤمنات بالجزاء العظيم سواء بسواء
فقال سبحانه : ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) النساء/124
وقال عز وجل: ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) . الأحزاب/35 .
وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) . غافر/40
والأصل أن خطاب الشرع عام، يشمل الرجال والنساء، إلا ما كان خاصا بالنساء ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم عن النساء :
إنما هن شقائق الرجال ). أخرجه البزار في مسنده (6418) ، وصححه ابن القطان في "الوهم والإيهام" (5/271) والشيخ الالباني في "السلسلة الصحيحة" (2863) .
أي: أنهما سواء في الواجبات والمحرمات، إلا ما استُثني كسقوط وجوب الجهاد على النساء ، وسقوط وجوب الصلاة حال الحيض والنفاس ، وغير ذلك .
وإنما كان الخطاب غالبا في القرآن والسنة للرجال: من باب التغليب فقط، وليس من باب التخصيص.
قال ابن العربي المالكي في "المسالك" (2/423) :
" وقد روي ( أن النساء شقائق الرجال ) ؛ يعني: أن الخلقة فيهم واحدة، والحكم فيهم بالشريعة سواء ". انتهى .
وهذه مسألة أجمع عليها أهل العلم
قال الرجراجي في "رفع النقاب عن تنقيح الشهاب" (3/217) :
" انعقد الإجماع على أن النساء والرجال سواء في التكاليف الشرعية، إلا ما دل عليه الدليل ". انتهى
ثانيا :
جعل الله الإنسان قادرا على الاستجابة للشرع وأوامره ونواهيه ، وهذا هو مناط التكليف في هذه الدنيا: أن يكون عالما بالأمر الشرعي ، قادرا على تنفيذه .
فكل التكاليف الشرعية في مقدور العبد، ذكرا كان أو أنثى ، قال الله تعالى : ( وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ). المؤمنون/62 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله
، في "منهاج السنة النبوية.(5/110) :
" فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}الأعراف/32 ، وَقَوْلِهِ: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة/233
وَقَوْلِهِ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} الطلاق/7، وَأَمَرَ بِتَقْوَاهُ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ فَقَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن /16، وَقَدْ دَعَاهُ الْمُؤْمِنُونَ بِقَوْلِهِمْ: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا
وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} البقرة/286 فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. فَدَلَّتْ هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا مَا تَعْجِزُ عَنْهُ ". انتهى
ثالثا :
من المعلوم أن المرأة قد اختصها الله تعالى ببعض الصفات الخَلقية والخُلقية عن الرجل
كما قال تبارك وتعالى : ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ) آل عمران /36 ،
ولذا كانت هناك أحكام خاصة بالمرأة مثل سقوط وجوب الصلاة والصوم حال الحيض والنفاس مع وجوب قضاء الصيام ، دون الصلاة ، بعد الطهر، وعدم وجوب الجهاد ، وكذا عدم وجوب النفقة على زوجها .
ومنع الشرع من إعطائها الولاية على الرجال ، وجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل ، كل هذا وغيره من لدن حكيم خبير الذي قال : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) . الأعراف /54
ومن هذه الخصائص والصفات التي جعلها الله في المرأة دون الرجل: ما ذكره السائل الكريم ، وهو أنها خلقت من ضِلَعٍ .
وقد ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري في "صحيحه" (3331) ومسلم في "صحيحه" (1468) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ
فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ » .
ولفظ " مسلم " : ( إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا ، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا ) .
وقد اختلف أهل العلم في معنى (خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ) : هل هو مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ أَوْ مِنْ عِوَجٍ ؟
قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (5/162) قوله: إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ يَحْتَمِلُ الحقيقة ؛ فقد رُوِيَ: أَنَّ آدَمَ نَامَ ، فَانْتُزِعَ ضِلَعٌ مِنْ أَضْلاَعِهِ الْيُسْرَى ، فَخُلِقَتْ مِنْهُ حَوَّاءُ ، فَلَمَّا أَفَاقَ ، وَجَدَهَا إلَى جَانِبِهِ
فَلَمْ يَنْفرْ وَاسْتَأْنَسَ ؛ لأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ . فلذلك صَارَتِ الأضلاع الْيُسْرَى تَنْقُصُ عن الْيُمْنَى واحدًا .
ويَحْتَمِلُ الْمَجَازَ، والْمَعْنَى: خُلِقَتْ من شيء مُعْوَجٍّ صُلْبٍ ، فإن أَرَدْتَ تقويمها، كَسَرْتَهَا ، وإن تَمَتَّعْتَ بها على حالها، تَمَتَّعْتَ بشيء مُعْوَجٍّ فيما يُمْكِنُ أن يَصْلُحَ فيه ، فقد يَصْلُحُ الْمُعْوَجُّ في وَجْهٍ، والمَعْنى على اعْوِجَاجِهِ .. ". انتهى
وعلى كل؛ فالمعنى أن في المرأة اعوجاجا في الطبع والخُلق، ونقصا في العقل ، كالغيرة الشديدة والعاطفة الجياشة ، فينبغي على الرجل الرفق بها، وأن يعاملها بمقتضى هذا النقص .
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (4/680)
وقوله: " استوصوا بالنساء خيرًا ، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج " الحديث: فيه الحض على الرفق بهن ، ومداراتهن ، وألا يتقصّى عليهن في أخلاقهن ، وانحراف طباعهن
لقوله: " إن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته استمتعت به ". انتهى ، وقال ابن علان في "دليل الفالحين" (3/97) :" (خلقت من ضلع لن تستقيم لك
) أي: تدوم (على طريقة) ترضاها ، والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً كأن سائلاً يقول: ماذا ينشأ من كونها خلقت من ذلك؟
فقال: لن تستقيم (فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها) إقامة تامة مرضية لك (كسرتها) لأنه خلاف شأنها ". انتهى
وهذا النقص والعوج في غاية المناسبة لخلقتها، ولكونها سكنا لزوجها، وحاضنة لأطفالها ، قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (7/160) :"
وقوله: (أعوج ما في الضلع أعلاه)، يعني به - صلى الله عليه وسلم - فيما أراه أن حنوها الذي يبدو منها؛ إنما هو عن عوج خلق فيها، وهو أعلا ما فيها من حيث الرفعة على ذلك
فإن أعلا ما فيها الحنو، وذلك الحنو فيه عوج ". انتهى
رابعا :
ليس معنى ذلك أن المرأة مجبرة على أفعالها، وأخلاقها ، غير مختارة ، ولا حرة الإرادة في شيء من ذلك ، أو أن لها أن تتحجج بذلك في فعل الحرام، وارتكاب المخالفة
بل هذا بيان لضعف خلقتها ، والنقص الحاصل لها في جانب معين ، من جوانب شخصيتها .
وأخص ما يظهر من عوجها ، ونقصان خلقتها : ما يتعلق بأمر زوجتها ، وعشرتها معه ؛ فلذلك نبه الحديث الرجل إلى ذلك ، كي يحسن التأتي لذلك الجانب من النقص
ويتفطن لوجه الصلاح في عمله معه ، وعشرته لها .
ثم لم يقف الأمر عند ذلك ، ولا أرخى لها الشرع حبال العذر ، والتعلل بأصل الخلقة ، لتفعل ما شاءت من أمرها ، أو تعامل زوجها بما بدر منها
أو غلب على طبعها . حتى حذرها من الاسترسال في ذلك العوج ، والتزيد من ذلك النقصان .
روى البخاري (29) ومسلم (884) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ ) قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ
" يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ " .
وفي رواية أخرى ، بيان الجمع بين هذين الجانبين : النقص الذي تعذر به ، ويعفى عن نقصها ، والنقص الذي حذرها الشرع منه ، وبين سوء عاقبته
وأن غلبة الطبع ليست عذرا ، بل هي مأمورة بالاستقامة على أمر الشرع فيه ، وذلك ممكن لها ، غير متعذر ، متى ما أصلحت من نفسها ، واستقامت على أمر ربها .
روى البخاري (304) ومسلم (80) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ،
فَقَالَ: ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ) فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ )، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: ( أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا ) .
وفي رواية جابر رضي الله عنه عند مسلم في "صحيحه" (885) قال : ( لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ) .
والحاصل :
أن نقصان خلقتها ، وضعفها ، وعوجها : إنما يكون لها عذار ، فيما عذرها الشرع فيه ، وتأديبا لزوجها ، والقيم على أمرها : أن يرفق بها ، ويستصلحها بحكمة ، وأناة ، ويصبر على ما جبلت عليه من ضعف ، ونقص .
وليس لذلك مدخل في عذرها في معصية ربها ، والتفريط في أمره ؛ بل الواجب على زوجها ، والقيم على أمرها : أن يؤدبها بأدب الشرع ، ويرعاها ، ويقف بها عند حدود الله .
قال ابن حجر في "الفتح" (9/254) :
" فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا عَلَى الِاعْوِجَاجِ إِذَا تَعَدَّتْ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ، إِلَى تَعَاطِي الْمَعْصِيَةِ، بِمُبَاشَرَتِهَا، أَوْ تَرْكِ الْوَاجِبِ؛ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى اعْوِجَاجِهَا فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ ". انتهى .
وقال المظهري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (4/79) :
" فإن أردتَ أن تكونَ المرأة مستقيمةً في الفعل والقول: لم يكنْ ، بل الطريقُ أن تَرضَى باعوجاجِ فعلِها وقولِها ، وتأخذَ منها حظَّك مع اعوجاجها .
والرِّضا باعوجاجِ فعلِها وقولِها : إنما يجوزُ إذا لم يكنْ فيه إثمٌ ومعصيةٌ ، فإذا كان فيه إثمٌ ومعصيةٌ؛ فلا يجوز الرِّضا به ، بل يجب زجرُها حتَّى تتركَ تلك المعصيةَ ". انتهى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-17, 07:38
حول صحة إهلاك المسخ بعد ثلاث
السؤال :
في قصه أ صحاب السبت هل صح أن الذين قد مسخوا ماتوا بعد 3 أيام؟
الجواب
الحمد لله
المسخ هو تشويه الخلق وتحويله من صورة إلى صورة.
كذا قال ابن فارس في "مجمل اللغة" (831).
وقد وقع ذلك عقوبة من رب العالمين لقوم من بني إسرائيل تحايلوا على الشرع ، حرم الله عليهم الصيد يوم السبت فصنعوا حيلة للوصول إلى ما حرم الله ، فمسخهم الله قردة خاسئين
كما في قوله تعالى في سورة الأعراف : ( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) الأعراف164-166 .
والمسخ عقوبة باقية سوف تحدث لأقوام من هذه الأمة المحمدية ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا
فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ ، وَيَضَعُ العَلَمَ ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ " . أخرجه البخاري في صحيحه (5590) معلقا بصيغة الجزم ، ورواه موصولا أبو داود في سننه (4039)
وقال الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" (5/22) :" وَهَذَا حَدِيث صَحِيح لَا عِلّة لَهُ وَلَا مطْعن لَهُ ". انتهى .
وقد اختلف أهل العلم في كون هؤلاء الذين مسخهم الله قردة من بني إسرائيل وغيرهم : هل يهلكهم الله ، ولا يكون لهم نسل ، أم أنهم يكون لهم نسل وعقب ؟
على قولين لأهل العلم ، حيث قال القرطبي في "تفسيره" (1/440)
:" وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَمْسُوخِ هَلْ يَنْسِلُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِرَدَةُ مِنْهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمَمْسُوخُ لَا يَنْسِلُ ، وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَغَيْرُهُمَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالَّذِينَ مسخهم الله قد هلكوا وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَسْلٌ ". انتهى .
والقول بأنه ينسل قول ضعيف شاذ كما ذكر غير واحد من أهل العلم ، وقد ورد في الحديث الصحيح ما يدل على هلاك من مسخهم الله ، وأنه ليس لهم نسل ولا عقب .
وهو حديث أخرجه مسلم في صحيحه (2663) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْقِرَدَةُ - قَالَ مِسْعَرٌ: وَأُرَاهُ قَالَ: وَالْخَنَازِيرُ مِنْ مَسْخٍ - ؛ فَقَالَ:
( إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا، وَقَدْ كَانَتِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ ) .
وقد علق ابن قتيبة رحمه الله القول في ذلك على صحة الحديث السابق ، فقال في "تأويل مختلف الحديث" (373)
:" وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهَا الْمَمْسُوخُ بِأَعْيَانِهَا ،
تَوَالَدَتْ . وَاسْتَدْلَلْتُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِير } ، فَدُخُولُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي القردة و الْخَنَازِير يَدُلُّ عَلَى الْمَعْرِفَةِ ، وَعَلَى أَنَّهَا هِيَ القردة الَّتِي نعاين .
وَلَوْ كَانَ أَرَادَ شَيْئًا انْقَرَضَ وَمَضَى ، لَقَالَ: ( وَجَعَلَ مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ) .
إِلَّا أَنْ يَصِحَّ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي الْمَمْسُوخِ ، فَيَكُونُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". انتهى.
علق ابن هبيرة في "الإفصاح" (2/123)
على كلام ابن قتيبة فقال :" وقد صح حديث أم حبيبة [ يعني : حديث ابن مسعود السابق ، ففيه قصة لأم حبيبة ]؛ فلا يلتفت إلى ظن ابن قتيبة ".انتهى.
بل اعتبر الحافظ ابن حجر أن القول بأن لهم نسلا قولا شاذا ، فقال :" قَالَ ابن التِّينِ : لَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مِنْ نَسْلِ الَّذِينَ مُسِخُوا ، فَبَقِيَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْحُكْمُ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْمَمْسُوخَ لَا يَنْسِلُ !
قُلْتُ : وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ .
وَعِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ ابن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا : ( إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا فَيَجْعَلُ لَهُمْ نَسْلًا ) .
وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ إِلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنَ الْقِرَدَةِ مِنْ نَسْلِ الْمَمْسُوخِ .
وَهُوَ مَذْهَب شَاذ ". الفتح (7/160).
فتبين مما سبق أن من عاقبهم الله بالمسخ ليس لهم نسل ، بل يهلكهم الله تعالى .
وأما سؤال السائل الكريم : هل ثبت أنهم يمكثون ثلاثة أيام قبل موتهم وهلاكهم؟
فجواب ذلك : أنه لم يصح في تحديد مدة بقائهم بعد المسخ ، وقبل الإهلاك : شيء . ولم يرد في ذلك حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم .
إنما ورد أثر موقوف عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه من طريقين ، بلفظين مختلفين :
الأول : أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (313) من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس أنه قال :" لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل ".
ثم ضعفه الطبري فقال :" أما الخبر عن ابن عباس الذي روي بما ذكرت من أن المسخ لا يعيش أكثر من ثلاث : فخبر في سنده نظر ، لعلتين :
إحداهما : أن الضحاك لم يسمعه من ابن عباس .
والثانية : أن بشر بن عمارة ليس ممن يعتمد على روايته ". تهذيب الآثار (1/ 195)
واللفظ الثاني : أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (670) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: « إِذَا كَانَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ فَجُعِلُوا قِرَدَةً فَوَاقًا ، ثُمَّ هَلَكُوا ؛ مَا كَانَ لِلْمَسْخِ نَسْلٌ » . انتهى
والفواق : هُوَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ .
وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ الْغَدَاةِ إِلَى الْعَشَاءِ ; لِأَنَّ النَّاقَةَ تُحْلَبُ فِيهِمَا .
وإسناد هذا الأثر تالف ؛ فيه عبد الله بن محمد بن ربيعة ضعيف جدا ، يروي الموضوعات .
قال ابن حبان في "المجروحين" (2/39) :
" كان تقلب له الاخبار ، فيجيب فيها. كان آفته ابنه ، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل الاعتبار ، ولعله أقلب له على مالك أكثر من مائة وخمسين حديثا ، فحدث بها كلها ". انتهى .
وقال الحاكم :" يروي عَنْ مالك الموضوعات ".
كذا في "تاريخ الإسلام" للذهبي (5/102) .
وقال الذهبي :" أحد الضعفاء ؛ أتى عن مالك بمصائب ".
ميزان الاعتدال (2/488) .
والحاصل :
أن من مسخهم الله في هذه الدنيا : لا يتناسلون ، بل يهلكهم الله تعالى .
إلا أنه لم يصح في تحديد مدة بقائهم بعد المسخ شيء .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-17, 07:41
ما صحة حديث : ( لا تقوم الساعة حتى تمرج عهودهم ) ؟
السؤال :
نشر احدهم على أحد مواقع التواصل الاجتماعي حديث نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم , ولا يريد ذكر مصدره ، وبحثت عن مدى صحته لكن لم أتوصل إلى إجابة...
ما صحة هذا الحديث: (لا تقوم الساعة حتى تمرج عهودهم ، يقولون بالليل مالا يفعلون بالنهار ويقولون بالنهار مالا يفعلون بالليل ) هل هذا حديث صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
الحديث الوارد في السؤال ليس له أصل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بهذا السياق .
وقد ورد لبعض فقراته نظائر في معناها ، بأسانيد صحيحة .
فالفقرة الأولى منه جاء لها شاهد يدل على أنه سيكون في الناس من تمرج عهودهم ؛ أي تختلط عهودهم وتضيع أمانتهم .
كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ غَرْبَلَةً ، وَيَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ ، وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا ) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ .
قَالُوا: فَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: ( تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ ، وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ ، وَتَدَعُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ ) .
والحديث أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (6508)
وأبو داود في "سننه" (4342)
و وذكره البخاري في "صحيحه" (480) معلقا بصيغة الجزم
وصحح إسناده ابن حجر في "الفتح" (13/39)
وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (205).
وأما الفقرة الثانية وهي أنه سيكون في الناس من يقولون ما لا يفعلون ، فجاء معناها في حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ
وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ). أخرجه مسلم في صحيحه (50) .
والحاصل : أن الحديث المذكور في السؤال : ليس مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السياق .
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ، ما يغني عن تكلف إيراد هذا الحديث الباطل .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-17, 07:45
هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة )
السؤال :
ما صحة حديث انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته خديجة رضي الله عنها ووفاءه لها لا يخفى ، حتى أنه قال عنها صلى الله عليه وسلم :" ( إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا ) رواه مسلم (2534) .
ومن كثرة ما كان يذكرها قالت عائشة رضي الله عنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا ) رواه البخاري (3817) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:
اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ ؛ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ !!
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَالَةَ».
رواه البخاري (3821) ومسلم (2437) .
وقولها : (ارتاع): أي عظُم في نفسه سماع صوتها ، واجتمع له ، واستعد للقائها وتنبه..
ينظر : "مطالع الأنوار" لابن قرقول (3/200) .
وفي لفظ مسلم : (فَارْتَاحَ لِذَلِكَ) .
"أَيْ : هَشَّ لِمَجِيئِهَا ، وَسُرَّ بِهَا ، لِتَذَكُّرِهِ بِهَا خَدِيجَةَ وَأَيَّامَهَا" ، كما قاله النووي في "شرحه" .
وهذا من مكارم الأخلاق ، وحفظ العهد ، ورعاية الحبيب ، ومن والاه .
صلى الله على نبينا محمد ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، وذريته ، وآل بيته .
ثانيا :
أما الحديث الذي سأل عنه السائل الكريم فليس له إسناد أصلا ، بل لا يعرف إلا على ألسنة بعض الدعاة المعاصرين .
وأغلب الظن أن من نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم أخذه من السيرة النبوية تكلفا وفهما منه لما حدث في فتح مكة حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء مكة فاتحا ، أمر أن تُركز رايته بالحجون
كما في صحيح البخاري (4280) من طريق عروة بن الزبير وفيه : ( وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالحَجُونِ ) . انتهى .
وقد نصبت خيمته بها
كما في "سيرة ابن هشام" (2/407)
و"مغازي الواقدي" (2/829) .
والحجون
كما قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار" (1/221) :
" بِفَتْح الْحَاء وَضم الْجِيم وتخفيفها : الْجَبَل المشرف حذاء مَسْجِد الْعقبَة ، عِنْد المُحَصَّب .
قَالَ الزبير : الْحجُون مَقْبرَة أهل مَكَّة ، تجاه دَار أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ".
قال الحلبي في "السيرة الحلبية" (1/92)
:" وفي كلام بعضهم: لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة ضرب مخيمه بالحجون .
فقيل له: ألا تنزل منزلك من الشِّعْب ؟
فقال «وهل ترك لنا عقيل منزلا» ". انتهى .
ومعلوم عند أهل السير أن خديجة رضي الله عنها دفنت بالحجون أيضا .
ذكر ذلك ابن إسحاق
كما في "المستدرك للحاكم" (4837)
والمؤرخون كالطبري في "تاريخه" (11/493)
والذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/152) .
فلعل هذا هو الذي جعل البعض يربط بين نصب خيمة النبي صلى الله عليه وسلم بالحجون ، أنه كان لأجل قبر خديجة رضي الله عنه .
وهذا غلط ، لا أصل له .
ويدل على ذلك أمور :
الأول : أنه لم يرد قط في حديث بإسناد صحيح أو ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم أمر بنصب خيمته بالحجون لأجل قبر خديجة ، وهذا أمر لا يعرف إلا بالتصريح ، لا بالظن والتخمين والتكلف .
الثاني : أن منطقة الحجون لم يكن فيها قبر خديجة فحسب ، بل فيها مدفن لأهل مكة حيث كانوا يدفنون فيها موتاهم
كما في "أخبار مكة" للفاكهي (4/33)
ولم تكن قبرا خاصا لخديجة رضي الله عنها ، ولم يكن لقبرها تميز عن سائر القبور .
الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح عن موضع نزوله واصفا إياه بوصف بعيد عن كونه قبر خديجة رضي الله عنها .
وهو ما أخرجه البخاري في صحيحه (1589) ومسلم في صحيحه (1314) من حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ:
( مَنْزِلُنَا غَدًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ ) .
ولذا قال الحلبي في "السيرة الحلبية" (3/122) :
" ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة واطمأن الناس ، قال وذلك بالحجون: موضع ما غرز الزبير رضي الله تعالى عنه رايته صلى الله عليه وسلم عند شعب أبي طالب الذي حصرت فيه بنو هاشم
أي وبنو المطلب قبل الهجرة ، بقُبَّة من أَدَم ، نُصِبت له هناك ، ومعه صلى الله عليه وسلم فيها أم سلمة وميمونة ، زوجتاه صلى الله عليه وسلم ، ورضي عنهما ". انتهى .
والذي ينبغي أن يقال لمن نصح نفسه ، وأراد الخير والهدى : أن يتثبت في الشيء يقال ، قبل أن ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ولسنا في حاجة إلى ما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي الصحيح الثابت غنية وكفاية ، والحمد لله رب العالمين .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 19:22
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل يصح حديث " تعقد الجماعة على أتقى رجل في الجماعة "
السؤال :
سؤالي هذا الحديث : ( تعقد صلاة الجماعة على أتقى رجل في الجماعة ) .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
فضل صلاة الجماعة ثابت مشهور جاءت به الأحاديث الصحيحة .
ومن أشهر هذه الأحاديث ما أخرجه البخاري في صحيحه (645) ومسلم في صحيحه (650) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً » .
ثانيا :
الحديث الوارد في السؤال : لم نقف له على إسناد ، وإنما ذكر نحوا من هذا الكلام : بعض أهل العلم كابن الحاج وغيره دون أن يعزوه لأحد فقال :" وقد ورد أن الصلاة ترفع على أتقى قلب رجل من الجماعة ، فينبغي أن يكون الإمام هو المتصف بذلك حتى يحصل جميع من خلفه في صحيفته وفي خفارته ". انتهى من "المدخل" لابن الحاج (2/202) .
وقد جاء في السنة ما يدل على أنه كلما كان عدد المصلين أكثر، كان أفضل .
ففي سنن أبي داود (554) من طريق أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ صَلاَةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاَتِهِ وَحْدَهُ ، وَصَلاَتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاَتِهِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ».
قال ابن الملقن :" صَححهُ ابْن حبَان والعقيلي وَابْن السكن، وَقَالَ الْحَاكِم : صَحِيح ، كَمَا قَالَه يَحْيَى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَمُحَمّد بن يَحْيَى الذهلي وَغَيرهم". انتهى من "تحفة المحتاج" (1/437).
وكذلك يستحب الصلاة مع أهل الصلاح والتقى ، قال القرافي في "الذخيرة" (2/265) :
" لَا نِزَاعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ ، لِشُمُولِ الدُّعَاءِ، وَسُرْعَةِ الْإِجَابَةِ ، وَكَثْرَةِ الرَّحْمَةِ ، وَقَبُولِ الشَّفَاعَةِ ". انتهى .
وقال ابن قاسم في "حاشيته على الروض المربع" (2/265) :" وفي قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين المحافظين على الإسباغ، والتنزه من القاذورات ". انتهى .
والحاصل :
أن الحديث المذكور في السؤال : ليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وإنما لكل إنسان : ما سعى .
فمن أحسن في صلاته ، فله ما أحسن ، وليس عليه من إساءة غيره : شيء .
ومن أساء في صلاته ، فعليه ما نقص منها ، وضيع من شأنها ، وليس له من إحسان غيره ، إذا أحسن : شيء .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ كَامِلَةً، وَمِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي النِّصْفَ، وَالثُّلُثَ، وَالرُّبُعَ، وَالْخَمْسَ، حَتَّى بَلَغَ الْعُشْرَ ".
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (15522)
والنسائي في السنن الكبرى (616)
وصححه النووي في "خلاصة الأحكام" (1578) .
ورحم الله حسان بن عطية إذ يقول :" إن الرجلين ليكونان في صلاة واحدة وإن بينهما من الفضل لكما بين السماء والأرض .
ثم فسر ذلك : إن أحدهما يكون مقبلا على الله بقلبه ، والآخر ساه غافل ". انتهى ، من "الزهد" لابن المبارك (96) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 19:26
الدعاء بتعجيل قيام الساعة
السؤال
: صديقة لي أخبرتني بأن هناك حديث ينهى الشخص في الحياة الدنيا عن الدعاء بتعجيل مجيء يوم القيامة، فقط يُسمح للناس الذين
هم في الفردوس بالدعاء بذلك. ذكرت أيضاً بأن هناك شخص دعا بتعجيل مجيء يوم القيامة في هذه الدنيا فمات.
هل يمكنكم المساعدة في إيجاد هذا الحديث لو سمحتم؟ أظن أنها قالت بأن الحديث رواه البخاري ومسلم إذا أسعفتني ذاكرتي بشكل سليم.
الجواب :
الحمد لله
إن يوم القيامة له أجل محدد لا يتقدم ولا يتأخر ، لا يعلمه إلا الله تبارك تعالى
حيث قال ربنا تبارك وتعالى :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الأعراف/187
وقال سبحانه :( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) لقمان/34 ، ولما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم : متى الساعة ؟ قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل . رواه البخاري (50) ، ومسلم (9) .
ومن آداب الدعاء الواجبة ألا يدعو المسلم بالمستحيلات أو بأمر قد فرغ منه ، وهذا يدخل فيه قيام الساعة بلا شك .
قال الشوكاني رحمه الله في "تحفة الذاكرين" (ص52) :" ولا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم ، ولا بأمر قد فرغ منه ، ولا بمستحيل". انتهى
وأما بخصوص سؤال الأخت الكريمة فغالب الظن أنه ربما اختلط الأمر عليها بين الدعاء بتعجيل قيام الساعة ، وبين الدعاء بمجيء الأجل ، أو تمني الموت .
أما الأول ، موضع السؤال : فلم نقف فيما بين أيدينا – بحسب ما بحثنا – على ما ذكرته السائلة أن أحدا دعا بتعجيل قيام الساعة فمات .
وأما تمني قيام الساعة فقد ورد في السنة أن هذا يتمناه كل مؤمن ، إذا مات ، وأُدخل القبر ، ورأى البشرى بأنه من أهل الجنة .
كما جاء في "مسند الإمام أحمد" (18534) بإسناد صحيح من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة خروج الروح وما يحدث في القبر للمؤمن والكافر وفيه قال صلى الله عليه وسلم عن العبد المؤمن : ( فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ
فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟
فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ". قَالَ: «فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا ، وَطِيبِهَا
وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ» . قَالَ: " وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ ، حَسَنُ الثِّيَابِ ، طَيِّبُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ
فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي )
فالشاهد في الحديث هو قوله :" رب أقم الساعة ". فهذا غاية ما وقفنا عليه ، في تمني قيام الساعة ، وذلك إنما يكون للعبد المؤمن في حياة البرزخ ، بعدما يرى من النعيم ، فيتمنى حينئذ قيام الساعة .
وأما الدعاء بالموت ، أو تمني الموت ، فهو منهي عنه ؛ كما ثبت من حديث أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا
فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي ". رواه البخاري (5671) ، ومسلم (2680) .
إلا أن هذا النهي ليس عاما ، بل هو جائز لمن خشي على نفسه الفتنة في دينه ، قال ابن حجر في "الفتح" (10/128) :" قَوْلُهُ ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرّ أَصَابَهُ ) الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ ، وَالْمُرَادُ : هُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا .
وَقَوْلُهُ " مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ " حَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ عَلَى الضُّرِّ الدُّنْيَوِيِّ ، فَإِن وجد الضّر الْأُخْرَوِيَّ بِأَنْ خَشِيَ فِتْنَةً فِي دِينِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ من رِوَايَة بن حِبَّانَ : ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي الدُّنْيَا ) . عَلَى أَنَّ "فِي" فِي هَذَا الْحَدِيثِ : سَبَبِيَّةٌ ؛ أَيْ بِسَبَبِ أَمْرٍ مِنَ الدُّنْيَا .
وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِي وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ ". انتهى .
وقال ابن رجب في رسالته "شرح حديث لبيك" (ص53) :" وأما من تمنى الموت خوف فتنته في الدين فإنه يجوز بغير خلاف ". انتهى .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 19:36
علم أصول الحديث قواعد عقلية وأصول شرعية
السؤال :
هل لقواعد علم الحديث أساس في الكتاب والسنة ، أي: هل هناك مثلاً دليل يشير إلى طبيعة استخدام الإسناد ، أو كيفية التفريق بين الصحيح والضعيف ؟
أو هل هناك ما يشير إلى مسألة الجرح والتعديل ؟
أم أن المحدثين هم من وضع هذا العلم في اجتهاد منهم لحفظ السنة، حتى ولو لم يكن لهم دليل من القرآن أو السنة ؟
الجواب :
الحمد لله
علم أصول الحديث هو في الأصل والأساس مبني على قواعد عقلية ، ومبادئ منهجية ، وأصول تجريبية ؛ توصَّل إليها المحدثون بحكم الخبرة المنهجية المتراكمة في نقل الأخبار وتحري صدقها وثبوتها
واهتدوا إلى أسس هذا العلم بالممارسة الطويلة، ومعاناة السماع والأداء والنقد والتعليل ، والبناء شيئا فشيئا لقواعد العلم وضوابطه
كما يقول الخطيب البغدادي: "تمييز الحديث علم يخلقه الله تعالى في القلوب بعد طول الممارسة له ، والاعتناء به"
كما في "الجامع" (2/ 255) .
ولكن هذه القواعد في الوقت نفسه – في فلسفتها العامة وليس في ضوابطها الجزئية - أصول شرعية مقررة في نصوص الكتاب والسنة
فقد وردت الأدلة الشرعية الإجمالية التي تخط لعلماء الحديث المبادئ الأساسية لعلوم التاريخ، وأما التفاصيل فهي محالة إلى المنهج التجريبي ، السابق ذكره .
فمن تلك المبادئ الأساسية الشرعية العامة:
1. تغليظ تحريم الكذب في الحديث .
كما قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري (1295) ، ومسلم (4) في المقدمة.
2. عدم قبول خبر الفاسق.
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات/6 .
3. اشتراط عدالة الراوي قياسا على عدالة الشاهد .
قال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه) الطلاق/ 2.
4. التثبت والتحري الدائمان.
قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/ 36.
5. الحذر من مناكير الأخبار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه (7) .
6. التوقي عن رواية المكذوب .
كما قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
7. الضبط والحفظ معيار الثقة :
قال عليه الصلاة والسلام: ( نَضَّرَ الله امرَأً سَمِعَ منَّا حديثاً فحفِظَه حتىِ يُبَلَّغَهُ ، فَرُبَّ حامِلِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ) رواه أبوداود في "السنن" (3660) ، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (230) .
8. الحذر من التهمة بكثرة الغرائب وعدم انتقاء الحديث.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم في "مقدمة صحيحه".
9. طلب الدليل والبرهان.
قال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة/ 111.
10. التفتيش عن العلم واليقين، بعيدا عن الظن والوهم.
قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) النجم/ 28.
وقد استدل ببعض هذه الأدلة الإمام مسلم رحمه الله في "مقدمة صحيحه" (ص7) فقال:
"اعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين : ألا يروي منها إلا ما عُرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه
وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع.
والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه، قول الله جل ذكره: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [الحجرات: 6]
وقال جل ثناؤه: (ممن ترضون من الشهداء) [البقرة: 282]، وقال عز وجل: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) [الطلاق: 2]، فدل بما ذكرنا من هذه الآي ، أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول
وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر - وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه - فقد يجتمعان في أعظم معانيهما، إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم
كما أن شهادته مردودة عند جميعهم، ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار ، كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق" انتهى.
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 19:37
يقول الدكتور همام سعيد:
"وبذلك يتبين لنا أن منهج المحدثين هو منهج قرآني مستمد من القرآن والسنة، وأنه منهج تاريخي نقدي ، أي أنه منهج لا يسلِّم بالنص دون محاكمة ونقد، ولا يكفي أن يصدر النص عن عالم أو شخص له احترامه حتى يقبل
بل لا بد أن تثبت نسبة النص إلى قائله ، وأن ينظر فيه نظرة ثاقبة فاحصة لمعرفة اتفاقه مع الأسس الثابتة والمبادئ العامة.
ولقد غاب هذا المنهج التاريخي النقدي عن التوراة والإنجيل ، وغاب عن سائر التواريخ قبل الإسلام. ثم جاء الإسلام ليمنح العالم أجمع هذا المنهج المسؤول القائم على البحث والاستقصاء والتفكير السليم.
وقد جعل "شارل جنيبير" منهج النقد التاريخي ، مقابلا للمنهج الإيماني النصراني الذي يأخذ الروايات عن السابقين دون مناقشة ومحاكمة.
لقد أغفل كثير من الباحثين هذه العلاقة المنهجية بين القرآن الكريم وعلوم الحديث، حتى تسرب إلى الأذهان أن منهجية المحدثين نوع من العبقرية الفذة، وأنها نشأت من الحاجة وحدها.
والحق الذي لا مرية فيه أن منهجية المحدثين منهجية قرآنية ، وأنها مظهر من مظاهر إعجاز هذا الدين، وكما حفظ الله كتابه الكريم من كل تبديل أو تغيير
فقد حفظ السنة بمجموعها، وصانها من الاندثار والنسيان" انتهى من "الفكر المنهجي عند المحدثين" (ص24) .
وما سبق كله – كما يبدو للقارئ الكريم – أسس منهجية عامة بناها القرآن الكريم، وبناها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في نفوس أصحابه، لترسم لهم الأطر العامة لنظرية المعرفة التي يبحثون عنها
والتي سيؤسسون علوم العقل والنقل تبعا لها، فأثمرت هذه الأصول تحريا دقيقا جدا، وحسا نقديا عاليا ومنضبطا، سببه الخوف من مخالفة تلك الأصول والأوامر الإلهية
ولولا ذلك لخاض المسلمون في طرق الأوهام والتخرصات، ولرأينا الخرافات والأساطير والتناقضات هي اللغة الطاغية على علوم المسلمين
ولكن الوازع الديني في المباني العشرة السابقة كانت لها أعظم الأثر في منهج التحري والتدقيق الذي سلكه المحدثون.
أما التفاصيل الدقيقة في أصول الحديث، الذي هو "علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد"، كمثل الحديث عن ضبط الصدر وضبط الكتاب
ومنهج التعامل مع أحاديث المدلسين، وترجيح خبر الأوثق على الثقة، وترتيب طبقات الرواة عن شيخ معين، والمقارنة بين الروايات وجمع الطرق، والتأني في الأفراد، والاستئناس بالقرائن
والتقوية بالكثرة وتعدد الأوجه، وغيرها من قوانين القبول والرد، هي - كما ترون - نتاج عمل عقلي تفصيلي، يترجم تلك المبادئ العامة إلى قوانين عملية منهجية، يصل المحدثون من خلالها إلى حكمهم على الحديث صحة وضعفا.
يقول العلامة المعلمي رحمه الله:
"ولكن هل راعوا العقل في قبول الحديث وتصحيحه؟
أقول: نعم، راعوا ذلك في أربعة مواطن: عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الرواة، وعند الحكم على الأحاديث.
فالمتثبتون إذا سمعوا خبرا تمتنع صحته أو تبعد لم يكتبوه ولم يحفظوه، فإن حفظوه لم يحدثوا به، فإن ظهرت مصلحة لذكره ذكروه مع القدح فيه وفي الراوي الذي عليه تبعته.
قال الإمام الشافعي في الرسالة (ص399):
«وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت أو أكثر دلالات بالصدق منه» .
وقال الخطيب في الكفاية في علم الرواية (ص429): «باب وجوب إخراج المنكر والمستحيل من الأحاديث» . وفي الرواة جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة
فلا تكاد تجد حديثاً بيِّنَ البطلان إلا وجدت في سنده واحداً أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة، والأئمة كثيراً ما يجرحون الراوي بخبر واحد منكر جاء به، فضلاً عن خبرين أو أكثر.
ويقولون للخبر الذين تمتنع صحته أو تبعد: «منكر» أو «باطل» . وتجد ذلك كثيراً في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات .
والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا ًحديثاً.
فأما تصحيح الأحاديث فهم به أعنى وأشد احتياطا، نعم ليس كل من حكي عنه توثيق أو تصحيح متثبتاً، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك.
هذا وقد عرف الأئمة الذين صححوا الأحاديث، أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمين ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقة للعقل المعتد به في الدين، مستكملة شرائط الصحة الأخرى
وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها، أو هي من قبيلها، قد ثقلت هي أيضاً على المتكلمين، وقد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدين بالقرآن ويقتدي به، فمن المعقول جداً أن يجي
في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات" .
انتهى من "الأنوار الكاشفة" (ص: 6-7) .
ويقول الدكتور خلدون الأحدب:
"إن بناء (علم أصول الحديث) كان بناءً عقلياً. ولولا هذه الصفة، لما كان له أبداً هذا الأثر البالغ في بناء وتشكيل العقل المسلم.
وهذا البناء العقلي كان ابتداؤه من تلك الأصول العقلية المنهجية التي قررها القرآن الكريم والسنة المطهرة في شأن الراوي والمروي، والتي إليها يعود (علم أصول الحديث).
وتقرير حقيقة البناء العقلي لهذا العلم يتجلى في كون المحدثين قد رَاعَوْ العقل في قبول الحديث وتصحيحه في أربعة مواطن ، كما يقول العلامة الناقد عبدالرحمن المعلِّمي اليماني" .
انتهى من "أثر علم أصول الحديث في تشكيل العقل المسلم" (ص19) .
ويقول الدكتور عبد الله ضيف الله الرحيلي:
" الضوابط العلمية للتّثبت في الرواية عندنا نحن المسلمين -كما هي الحال في منهج المحدثين- ليستْ مستندة للإيمان بالغيب، بحيث يكون ضابطاً من ضوابط تثبيت الرواية أو تزييفها، بل هي ضوابط عقلية تستند إلى العقل
وإلى القضايا التاريخية الثابتة، ومقارنةِ الروايات وعَرْضها على بعضها أو على سواها مما رآه المحدثون ضابطاً أو دليلاً على صحة الرواية.
وهذه الضوابط بهذا الوصف تُعَدُّ عقليةً فطرية يشترك البشر -غالباً- في إدراكها وقبولها، بغض النظر عن أديانهم واتجاهاتهم؛ فالخبر بالسند المنقطع
مثلاً تشترك العقول السليمة في الشك فيه أو عدم التسليم به من هذا الوجه، وذلك لعدم وجود الناقِل المتصل بمصْدر الخبر، وإذا لم يتوفر هذا الناقل فكيف يتصور العلم بالخبر؟!
إن العقول البشرية تُفَرِّق بين الخبر من جهة، وبين التوقع والظن من جهة أخرى. ومن هنا لا يَرِد التساؤل القائل أي منهج علميّ يستند إليه منهج المحدثين في التثبت من صحة الرواية؟
هل هو ذاك المنهج العلمانيّ المُنْطَلَق ، أم الإيماني المُنْطَلَق؟ ذلك أن عنصر الإيمان بالغيب في منهجنا لم يتدخل في مقاييس قبول الرواية وردها -من هذه الحيثية-
وإن كانت مقاييسنا لا تنافي الإيمان بالغيب بل تُثْبته، لكن هذا الجانب من منهج المحدثين متعلِّقٌ بجانب الرواية، وليس بالرأي والاعتقاد وعلْم الغيب"
انتهى من "حوار حول منهج المحدثين في نقد الروايات سندا ومتنا" (ص12-13)
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 19:43
حديث باطل من افتراءات الرافضة في الطعن في معاوية رضي الله عنه وابنه يزيد
السؤال :
هناك أحاديث كثيرة يستدل بها الشيعة لسب معاوية ، ومن ضمن هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية ذات يوم : ( انصرف عني، إني اشتم منك رائحة بأن ابنك يقتل الحسين) ، فما قولكم في هذا ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن كتبة الوحي ، وممن له قدم صدق في دين الله ، وكان من رجالات قريش المعدودين ، حلما وعقلا ودينا وشجاعة .
ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذمه ، أو تنقصه ، أو نحو ذلك ، وكل ما روي في ذلك فمن وضع الكذابين المفترين من الرافضة وغيرهم .
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب أصحابه ، وتنقصهم أعظم النهي ، فقال صلى الله عليه وسلم: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
رواه الطبراني من حديث ابن عباس ، وحسنه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة "(2340).
وهذا الحديث الوارد في السؤال حديث باطل مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا وجود له في كتب السنة ، وإنما يذكره الروافض الذين وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله :
"فإنك لا تجد في طوائف أهل القبلة أعظم جهلا من الرافضة . .
فهم أكذب الناس بلا ريب . . .
وهم أعظم الطوائف نفاقا "
انتهى من "منهاج السنة" (2/87) .
وإنما الذي ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمته تقتل الحسين رضي الله عنه ، دون أن يعين قاتله
روى الحاكم (4818) عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ رضي الله عنها عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُ ابْنِي هَذَا - يعني الحسين - وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَتِهِ حَمْرَاءَ )
وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (61).
وينظر : "مختصر تلخيص الذهبي" لابن الملقن (4/1683) وحاشية المحقق .
ثانيا :
لم يثبت أن يزيد بن معاوية قتل الحسين رضي الله عنه ، ولا أمر بقتله ، ولا فرح بذلك ، إنما قتله الجيش الذي أرسله لمنعه من الذهاب إلى العراق .
قال ابن الصلاح رحمه الله :
" لم يَصح عندنَا أَنه - يعني يزيد - أَمر بقتْله رَضِي الله عَنهُ ، وَالْمَحْفُوظ أَن الْآمِر بقتاله المفضي إِلَى قَتله كرمه الله ، إِنَّمَا هُوَ عبيد الله بن زِيَاد ، وَالِي الْعرَاق إِذْ ذَاك " .
انتهى من "فتاوى ابن الصلاح" (1/ 216) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وُلدَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ؛ وَلَا كَانَ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ
وَكَانَ مِنْ شُبَّانِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَا كَانَ كَافِرًا وَلَا زِنْدِيقًا ؛ وَتَوَلَّى بَعْدَ أَبِيهِ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ ، وَرِضًا مِنْ بَعْضِهِمْ ، وَكَانَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَكَرَمٌ ، وَلَمْ يَكُنْ مُظْهِرًا لِلْفَوَاحِشِ كَمَا يَحْكِي عَنْهُ خُصُومُهُ .
وَجَرَتْ فِي إمَارَتِهِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ ، أَحَدُهَا : مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ، وَلَا أَظْهَرَ الْفَرَحَ بِقَتْلِهِ ؛ وَلَا نَكَّتَ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا حَمَلَ رَأْسَ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الشَّامِ ، لَكِنْ أَمَرَ بِمَنْعِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِدَفْعِهِ عَنْ الْأَمْرِ ، وَلَوْ كَانَ بِقِتَالِهِ ، فَزَادَ النُّوَّابُ عَلَى أَمْرِهِ
وَحَضَّ الشمرُ بن ذي الْجَوشَن عَلَى قَتْلِهِ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ؛ فَاعْتَدَى عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ، فَطَلَبَ مِنْهُمْ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَجِيءَ إلَى يَزِيدَ، أَوْ يَذْهَبَ إلَى الثَّغْرِ مُرَابِطًا، أَوْ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ
فَمَنَعُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، وَأَمَرَ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ بِقِتَالِهِ ، فَقَتَلُوهُ مَظْلُومًا ، لَهُ وَلِطَائِفَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَلَمَّا قَدِمَ أَهْلُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، أَكْرَمَهُمْ وَسَيَّرَهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَعَنَ ابْنَ زِيَادٍ عَلَى قَتْلِهِ ، وَقَالَ : كُنْت أَرْضَى مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِدُونِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ
لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ إنْكَارُ قَتْلِهِ ، وَالِانْتِصَارُ لَهُ ، وَالْأَخْذُ بِثَأْرِهِ: كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، فَصَارَ أَهْلُ الْحَقِّ يَلُومُونَهُ عَلَى تَرْكِهِ لِلْوَاجِبِ ، مُضَافًا إلَى أُمُورٍ أُخْرَى ، وَأَمَّا خُصُومُهُ: فَيَزِيدُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْفِرْيَةِ أَشْيَاءَ "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/ 410) .
ولو قدّر أن يزيد قتل الحسين رضي الله عنه ، فهو الذي يتحمل إثمه دون أبيه ، قال الله تعالى : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164
وروى أبو داود (4495) ، والنسائي (4832) عَنْ أَبِي رِمْثَةَ رضي الله عنه قَالَ : " انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي : ( ابْنُكَ هَذَا ؟ )
قَالَ إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، فقَالَ : ( أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ) وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) . صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال القاري رحمه الله :
" (لَا يَجْنِي عَلَيْكَ) أي : لَا تُؤَاخَذُ بِذَنْبِهِ ( وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ) أَيْ: لَا يُؤَاخَذُ بِذَنْبِكَ " .
انتهى من "مرقاة المفاتيح" (6/ 2272) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" وَأَمَّا قَوْلُهُ - يعني الرافضي - : " وَقَتَلَ ابْنُهُ يَزِيدُ مَوْلَانَا الْحُسَيْنَ وَنَهَبَ نِسَاءَهُ ".
فَيُقَالُ : إِنَّ يَزِيدَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ ، وَلَكِنْ كَتَبَ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ وِلَايَةِ الْعِرَاقِ .
وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَظُنُّ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَنْصُرُونَهُ وَيَفُونَ لَهُ بِمَا كَتَبُوا إِلَيْهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ، فَلَمَّا قَتَلُوا مُسْلِمًا
وَغَدَرُوا بِهِ وَبَايَعُوا ابْنَ زِيَادٍ ، أَرَادَ الرُّجُوعَ ، فَأَدْرَكَتْهُ السَّرِيَّةُ الظَّالِمَةُ ، فَطَلَبَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ ، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى الثَّغْرِ ، أَوْ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ ، فَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ
فَامْتَنَعَ، فَقَاتَلُوهُ ، حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا مَظْلُومًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ أَظْهَرَ التَّوَجُّعَ عَلَى ذَلِكَ ، وَظَهَرَ الْبُكَاءَ فِي دَارِهِ، وَلَمْ يَسْبِ لَهُ حَرِيمًا أَصْلًا ، بَلْ أَكْرَمَ أَهْلَ بَيْتِهِ ، وَأَجَازَهُمْ حَتَّى رَدَّهُمْ إِلَى بَلَدِهِمْ .
وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ يَزِيدَ قَتَلَ الْحُسَيْنَ لَمْ يَكُنْ ذَنْبُ ابْنِهِ ذَنْبًا لَهُ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ، وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَّى يَزِيدَ بِرِعَايَةِ حَقِّ الْحُسَيْنِ ، وَتَعْظِيمِ قَدْرِهِ "
\
انتهى من "منهاج السنة" (4/ 472) .
وانظر للفائدة إجابة السؤال القادم
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
عبدالرحمان المهاجر
2018-08-19, 17:41
جزاك الله خيرا
*عبدالرحمن*
2018-08-23, 18:00
بارك الله فيك
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اسعدني حضورك الطيب مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما
بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير
*عبدالرحمن*
2018-08-23, 18:02
جزاك الله خيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اسعدني حضورك الطيب مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما
بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير
*عبدالرحمن*
2018-08-23, 18:09
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
: هل دعا النبي عليه الصلاة والسلام على معاوية؟
السؤال :
هل صحيح بأن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دعا على معاوية ؟
لأني سمعت حديثاً فيه (يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتي قال: و كنت تركت أبي قد وضع له وضوء , فكنت كحابس البول مخافة ان يجئ قال : فطلع معاوية..)
الجواب :
الحمد لله
لم يبين السائل مراده بذلك واضحا ، وأظهر ما يقال في هذا حديثان : أحدهما باطل ، والآخر صحيح!!
أما الحديث الأول ، وقد ورد مقرونا بالحديث الذي سبق ذكره في جواب السؤال القادم في بعض روايات الرافضة ، لكن منسوبا إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، لا عبد الله بن عمرو ، كما في الرواية السابقة .
وقد نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، من كتاب "ابن المطهر" الرافضي ، ورده عليه .
قال شيخ الإسلام :
" وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَدْ «رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِي "
فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ. وَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ بِيَدِ ابْنِهِ يَزِيدَ وَخَرَجَ وَلَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَعَنَ اللَّهُ الْقَائِدَ وَالْمَقُودَ، أَيُّ يَوْمٍ يَكُونُ لِلْأُمَّةِ مَعَ مُعَاوِيَةَ ذِي الْإِسَاءَةِ» " .
فَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: نَحْنُ نُطَالِبُ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ ; فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ، وَإِلَّا فَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ كَذِبٌ.
وَيُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ . وَهَذَا الْمُحْتَجُّ بِهِ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا.
ثُمَّ مِنْ جَهْلِهِ أَنْ يَرْوِيَ مِثْلَ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ ثَلْبِ الصَّحَابَةِ، وَأَرْوَى النَّاسِ لِمَنَاقِبِهِمْ، وَقَوْلُهُ فِي مَدْحِ مُعَاوِيَةَ مَعْرُوفٌ ثَابِتٌ عَنْهُ،
حَيْثُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. قِيلَ لَهُ: وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ خَيْرًا مِنْهُ، وَمَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ ..."
اهـ من "منهاج السنة النبوية" (4/443) .
وقال أيضا :
" هَذَا الْحَدِيثُ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ " الْمَوْضُوعَاتِ " : " قَدْ تَعَصَّبَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَدَّعِي السُّنَّةَ،
فَوَضَعُوا فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَادِيثَ لِيَغِيظُوا الرَّافِضَةَ، وَتَعَصَّبَ قَوْمٌ مِنَ الرَّافِضَةِ فَوَضَعُوا فِي ذَمِّهِ أَحَادِيثَ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْخَطَأِ الْقَبِيحِ ".
اهـ من "منهاج السنة النبوية" (4/446)
وينظر : "الموضوعات لابن الجوزي" (2/15) .
وأما الحديث الآخر الصحيح ، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه (2604 ) بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ .
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ ، قَالَ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً ، وَقَالَ: اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ . قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ . قَالَ ثُمَّ قَالَ لِيَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ
. قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ . فَقَالَ: لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ ) .
فهذا الحديث يا أخي لا يشين معاوية رضي الله عنه بل هو معدود في فضائله :
أ- هذا الحديث يثبت مدى قرب مجلس معاوية من النبي صلى الله عليه وسلم بحيث كان يرسل في طلبه وقد كان من كُتَّابه .
ب- النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع على معاوية بشيء يمس دينه وآخرته ، بل كان دعاؤه عليه بشيء يمس دنياه ، والدنيا ليس هي مطلب المؤمن ومبتغاه بل الآخرة .
ج- قال الحافظ الذهبي
: " لعلَّ أن يقال : هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم ! من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة ) "
انتهى من " سير أعلام النبلاء " ( 14/130).
وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم ( 16/156 ) :
" وأما دعاؤه على معاوية أن لا يشبع حين تأخر ؛ ففيه الجوابان السابقان : أحدهما أنه جرى على اللسان بلا قصد . والثاني : أنه عقوبة له لتأخره
وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا للدعاء عليه ، فلهذا أدخله في هذا الباب ، وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له "
وقال الشيخ الالباني رحمه الله تعالى :
" وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ؛ ليتخذوا منه مطعنا في معاوية رضي الله عنه ، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك ؛ كيف وفيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
ولذلك قال الحافظ ابن عساكر ( 16/349/2 )
: " إنه أصح ما ورد في فضل معاوية " .
فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم غير مقصود ، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية....
. ويمكن أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة متواترة ، منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
" دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو ، فأغضباه، فلعنهما وسبهما، فلما خرجا ؛ قلت: يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان؟
قال: وما ذاك؟ قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما، قال: " أَوَمَا عَلِمْتِ ما شارَطْتُ عليهِ رَبِّي؟ قلتُ: اللهُمَّ ! إِنَّما أَنا بَشَرٌ، فأَيُّ المسلمينَ لَعَنْتُهُ أَو سَبَبْتُهُ ؛ فاجْعَلْهُ لهُ زكاةً وأَجْرًا "
رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد ؛ هو : " باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه ، وليس هو أهلا لذلك ؛ كان له زكاة وأجرا ورحمة "
ثم ساق فيه من حديث أنس بن مالك ؛ قال :
" كانت عند أم سُلَيْم يتيمة ، وهي أم أنس، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة، فقال: آنت هيه ؟ لقد كبرتِ ، لا كَبُرَ سنك !! فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي
فقالت أم سليم: ما لك يا بنية؟ قالت الجارية: دعا عليَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر سنِّي أبدا، أو قالت: قرني، فخرجت أم سليم مستعجله تلوث خمارها
حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أم سليم؟ فقالت يا نبي الله ! أَدَعَوْتَ على يتيمتي؟ قال: وما ذاك يا أم سليم؟
قالت: زعمتْ أنك دعوتَ أن لا يكبر سنها ، ولا يكبر قرنها ؟ قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ( يا أُمَّ سُلَيْمٍ! أَما تَعلَمينَ أَنَّ شَرْطي على رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ على رَبِّي فقلتُ: إِنَّما أَنا بَشرٌ أَرْضى كما يَرْضى البَشَرُ،
وأَغْضَبُ كما يَغْضَبُ البشرُ، فأَيُّما أَحدٍ دَعَوْتُ عليهِ مِن أُمَّتي بدعوةٍ ليس لها بأَهْلٍ، أَنْ يجْعَلَها لهُ طَهورًا وزكاةً وقُربةً يُقَرِّبُهُ بها منهُ يومَ القيامةِ ؟(
ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية ، وبه ختم الباب ، إشارة منه رحمه الله إلى أنها من باب واحد ، وفي معنى واحد، فكما لا يضرُّ اليتيمة دعاؤه صلى الله عليه وسلم عليها -
بل هو لها زكاة وقربة-؛ فكذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية "
انتهى من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1/ 165-166 ) .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-23, 18:15
حديث باطل في ذم معاوية رضي الله عنه !!
السؤال :
" هل إسناد هذا الحديث في رواية البلاذري عن معاوية صحيح ؟
عن بكر بن الهيثم وإسحق بن أبى إسرائيل عن عبد الرزاق الصنعانى عن معمر بن راشد , عن عبد الله بن طاووس , عن طاووس بن كيسان عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال : (
يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتى ) ، قال: وكنت تركت أبي قد وضع له وضوء , فكنت كحابس البول مخافة أن يجىء ، قال : فطلع معاوية ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( هذا هو ) .
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث ذكره البلاذري في كتابه " جمل من أنساب الأشراف " ( 5 / 1978 ) قال :
" وحدثني إسحاق وبكر بن الهيثم قالا حدثنا عبد الرزاق بن همام أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال
: ( يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتي ) ، قال : وكنت تركت أبى قد وضع له وَضُوء , فكنت كحابس البول مخافة أن يجيء قال : فطلع معاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا هو ) " .
نعم ، هكذا روى البلاذري هذا الحديث في كتابه السابق ؛ لكن ليس كل حديث يروى يكون صحيحا ، فإذا نظرنا في كتاب البلاذري هذا
فسوف نرى قبل هذا الحديث وبعده عدة أحاديث تصرّح أن معاوية رضي الله عنه من أهل الجنة !!
قال ابن الجوزي في كتابه
" العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " ( 1/ 280 ) بعد أن ذكر عدة أحاديث تنص أن معاوية من أهل الجنة وضعّفها : " وقد روي عنه وأنه من أهل النار ، وذلك محال أيضا " انتهى .
فالعبرة إذا بصحة الإسناد .
وهذا الحديث في سنده عبد الرزاق الصنعاني ، وإن كان إماما من الأئمة ، إلا أن العلماء لم يوثقوه في كل ما حدث به ؛ بل استثنوا ماحدث به من حفظه وليس من كتابه ،
وكذا ما حدث به بعد أن عمي ، وبعض ما حدث به في المناقب والمثالب ، كهذا الحديث ، فقد كان فيه تشيع .
قال ابن عدي في كتابه " الكامل " ( 6/ 545 ) :
" ولعبد الرزاق بن همام أصناف وحديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم ، وكتبوا عنه ولم يروا بحديثه بأسا ، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع
وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليها أحد من الثقات ، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الأحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا
وأما في باب الصدق : فأرجو أنه لا بأس به ، إلا أنه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ، ومثالب آخرين مناكير " انتهى ـ
وهذا الحديث مما يدخل في هذا الباب .
وقال عنه الدراقطني :
" ثقة ، يخطئ على معمر في أحاديث لم تكن في الكتاب " .
انتهى من " سؤالات أبي عبد الله بن بكير وغيره لأبي الحسن الدارقطني " (ص 35 ) .
ولعل هذا منها ، خاصة أن عبد الرزاق لم يذكر هذا الحديث في مصنفه
كما أشار إلى ذلك محقق كتاب البلاذري .
وقال ابن حبان في كتابه " الثقات " ( 8/ 412 ) :
" وكان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر ، وكان ممن يخطئ إذا حدث من حفظه ، على تشيع فيه " انتهى
وقال الإمام أحمد:
" عبد الرزاق لا يعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره ، كان يلقَّن أحاديث
باطلة
" انتهى من " شرح علل الترمذي " لابن رجب ( 2/577-578 ).
وقال ابن رجب :
" وقد ذكر غير واحد أن عبد الرزاق حدث بأحاديث مناكير في فضل علي وأهل البيت ، فلعل تلك الأحاديث مما لقنها بعد أن عمي ، كما قال الإمام أحمد ..
وقال النسائي : عبد الرزاق ما حُدِّث عنه بآخرة ففيه نظر "
انتهى من " شرح علل الترمذي " ( 2/580 ).
وقد وقع اضطراب في سند هذا الحديث
كما في " المنتخب من علل الخلال " لابن قدامة (228):
" وسألت أحمد ، عن حديث شريك ، عن ليث ، عن طاوس ، عن عبد الله بن عمرو ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يطلع عليكم رجل من أهل النار " فطلع معاوية
قال : إنما رواه ابن طاوس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أو غيره ، شك فيه .
قال الخلال : رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس قال : سمعت فُرخاش يحدث هذا الحديث عن أبي عن عبد الله بن عمرو " انتهى.
ومع هذا الاضطراب في السند وقع اضطراب آخر في متنه ؛ ففي هذه الرواية عند البلاذري جاء فيها أنه يطلع رجل من أهل النار وفيها أن الطالع هو معاوية رضي الله عنه
وفي مسند أحمد (11/71 ) " ليدخلن عليكم رجل لعين " ، وكان الداخل الحكم .
وفي رواية أخرى ذكرها الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/147 ) ونسبها للطبراني في الكبير وفيها " ليطلعن عليكم رجل يبعث يوم القيامة على غير سنتي ، أو على غير ملتي " ولم يعين فيها الطالع .
فمع هذا الاضطراب في سند ومتن هذا الحديث ؛ لا يمكن لمن كانت عنده مسكة من علم ، وعقل ، ودين : أن يعتمده في الطعن على واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضلا عن الشهادة عليه بذلك البهتان البالغ .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-23, 18:23
هل ثبت أن إبراهيم عليه السلام مكث في النار أربعين يوما ، وأن يونس عليه السلام مكث في بطن الحوت أربعين يوما أيضا ؟
السؤال:
هل صحيح أن إبراهيم عليه السلام مكث في النار أربعين يوماً، وأن يونس مكث في بطن الحوت أربعين يوماً أيضاً ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
قص علينا القرآن الكريم قصة إبراهيم ويونس عليهما السلام مع أقوامهما ، وكذلك قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من ذلك في سنته ، وليس هناك كتاب على وجه الأرض فيه قصص الأنبياء السابقين
ويوثق بما فيه ، ويجزم بصحته إلا القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما عدا ذلك فلا يوثق بما فيه
وقد امتدت أيدي التحريف إلى الكتب التي نزلت على الأمم قبلنا فلم تعد مصدر ثقة ، ولا يعتمد على ما فيها من الأخبار والتاريخ .
فليس هناك سبيل لتحديد هذه المدة ، على وجه القطع ، إلا من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة .
وحيث إنه لم يرد فيهما شيء عن تحديد هذه المدة ، فالواجب في مثل هذا هو التوقف ، ونفوض علم ذلك إلى الله تعالى ، ونجزم أنه لو كان لنا خير (في دنيانا أو أخرانا) في معرفة هذه المدة لذكرها الله تعالى لنا
فإذ لم يذكرها القرآن ولا السنة النبوية فلا فائدة لنا في معرفتها ، ويقال في هذا وأمثاله : "علم لا ينفع ، وجهل لا يضر" .
قال الإمام الطبري رحمه الله ، بعدما ساق الخلاف في مبلغ الثمن الذي بيع به يوسف عليه السلام :
" والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذِكْره أخبر أنهم باعُوه بدراهم معدودة غير موزونة ، ولم يحدَّ مبلغَ ذلك بوزن ولا عدد ، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد يحتمل أن يكون كان عشرين = ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين = وأن يكون كان أربعين ، وأقل من ذلك وأكثر ، وأيُّ ذلك كان ، فإنها كانت معدودة غير موزونة
وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين ، ولا في الجهل به دخول ضرّ فيه . والإيمان بظاهر التنزيل فرضٌ ، وما عَداه فموضوعٌ عنا تكلُّفُ علمه ."
انتهى، من "تفسير الطبري" (15/16) .
ثانيا :
غاية ما ورد في قصة إبراهيم عليه السلام ، مما يتعلق بمدة مكثة في النار :
ما رواه أبو نعيم في "الحلية" (1/2) ، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (8/2456)، وابن عساكر في "تاريخه" (6/191) عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو
قَالَ: " أُخْبِرْتُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ كَانَ فِيهَا - مَا أَدْرِي إِمَّا خَمْسِينَ ، وَإِمَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا - قَالَ: " مَا كُنْتُ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ قَطُّ أَطْيَبَ عَيْشًا مِنِّي إِذْ كُنْتُ فِيهَا , وَوَدِدْتُ أَنَّ عَيْشِي وَحَيَاتِي كُلَّهَا مِثْلَ عَيْشِي إِذْ كُنْتُ فِيهَا " .
والمنهال بن عمرو من صغار التابعين ، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، ولا ندري عمن أخذ هذا ، ولعله أخذه عن أهل الكتاب ، فلا حجة فيه .
وقد نُقلت ـ أيضا ـ عدة أقوال عن بعض العلماء في المدة التي مكثها يونس عليه السلام في بطن الحوت.
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا لَبِثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ، فَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، قَالَهُ قَتَادَة ُ. وَقِيل َ: جُمْعَة ، قَالَهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ . وَقِيلَ : أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، قَالَهُ أَبُو مالك .
وَقَالَ مُجَالد ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : الْتَقَمَهُ ضُحًى، وَقَذَفَهُ عَشِيَّةً .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ"
انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/ 38) .
فأنت ترى أن ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر هذه الأقوال وَكَلَ عِلْمَ ذلك إلى الله فقال : " والله أعلم بمقدار ذلك " ، ولم يهتم بترجيح شيء من هذه الأقوال التي حكاها
إذ لا سبيل إلى الجزم بشيء منها ، ولا يترتب على معرفتها فائدة .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-23, 18:28
هل عقوق الوالدين موجب لرد العمل وعدم قبوله ؟
السؤال:
سمعت قولا من أكثر من شيخ أن عمل العاق لا يقبل , و لكن لدي استفسار عن هذا القول , هل معنى أن عمل العاق لا يقبل , أنه غير مجزئ أم أنه لا ثواب له ؟
فمثلا لو أن عاقا توضأ وصلى وصام وأخرج زكاة ماله وحج ,
هل أعماله تكون صحيحه ومجزئة على هذا القول أم لا ؟
الجواب :
الحمد لله
عقوق الوالدين من كبائر الذنوب والآثام ، والعاق معرض بعقوقه لسخط الله وغضبه .
وقد روى الطبراني في " الأوسط " (8497)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ )
وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2420) .
وروى النسائي (2562) عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ
وَالدَّيُّوثُ ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ) وصححه الألباني في " صحيح سنن النسائي " .
وروى أحمد (24299) عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، شَهِدْتُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، وَصَلَّيْتُ الْخَمْسَ ، وَأَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي ، وَصُمْتُ شَهْرَ رَمَضَانَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا - وَنَصَبَ إِصْبَعَيْهِ - مَا لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ )
وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2515) .
وفي هذا زجر وترهيب شديد من عقوق الوالدين .
وقد ورد في حديث رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (323) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا : عَاقٌّ
وَمَنَّانٌ ، وَمُكَذِّبٌ بِالْقَدَرِ ) ، وهو حديث مختلف فيه ، فحسنه الشيخ الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1785) ، وضعفه غيره كالهيتمي في " مجمع الزوائد " (7/206) .
فإن ثبت هذا الحديث ، فقد قيل في معنى : ( لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا ) عدة أقوال ، منها : أنه لا يقبل منهم فريضة ولا نافلة .
وروى الطبراني في " المعجم الكبير " (1420)
ما يدل على أن عقوق الوالدين يحبط الأعمال ، ولفظه : ( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْفَعُ مَعَهُنَّ عَمَلٌ : الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ ) : إلا أنه حديث ضعيف جدا ، كما قال الألباني في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (1384) .
فإن صح ذلك ، فإنه يدل على أن معصية عقوق الوالدين يعاقب صاحبها بأنه لا يقبل له عمل .
وليس معنى ذلك ـ إن قلنا به ـ أن عمله باطل لا يجزئه ، فالعمل صحيح مجزئ ، لا يطالب به بعد ما عمله ، ولكن لا ثواب له فيه .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
الذي يكون عاقاً لوالديه هل تقبل منه صلاته وصومه وصدقته ؟
فأجاب :
" عقوق الوالدين من كبائر الذنوب ، ومن المحرمات العظيمة ، فالواجب الحذر منه ، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ؟
قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين . وكان متكئاً فجلس ، وقال : ألا وقول الزور. ألا وشهادة الزور) متفق على صحته .
فالواجب على الولد أن يشكر والديه ، وأن يحسن إليهما وأن يبرهما ، وأن يطيعهما في المعروف ، ويحرم عليه عقوقهما ، لا بالكلام ولا بالفعل .
لكن ليس عقوقهما مبطلًا للصلاة ولا للصوم ولا للأعمال الصالحات ، ولكن صاحبه على خطر من هذه الكبيرة العظيمة ، وإنما تبطل الأعمال بالشرك
أما بالعقوق أو قطيعة الرحم أو المعاصي الأخرى ، فإنها لا تبطل الأعمال ، وإنما يبطلها الشرك الأكبر ، وكذلك رفع الصوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشى منه بطلان العمل "
انتهى ملخصا من موقع الشيخ
http://www.binbaz.org.sa/mat/9208
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمحاسن الأعمال والأخلاق وأن يصرف عنا سيئها .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-23, 18:33
هل ورد في السنة ما يدل على قطع رؤوس الكفار وحملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟
السؤال:
ما صحة حديث قتل عبدالله ابن أنيس لخالد الهذلي والإتيان برأسه الى النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
هذا الحديث رواه الإمام أحمد (16047) ، وأبو داود في سننه (1249) - واللفظ له - من طريق عبد الله بن عبد الله بن أُنيس عن أبيه
قال: " بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِىِّ - وَكَانَ نَحْوَ عُرَنَةَ وَعَرَفَاتٍ - فَقَالَ : ( اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ ) .
فَرَأَيْتُهُ وَحَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ ، فَقُلْتُ : إِنِّي لأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا إِنْ أُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ ، فَانْطَلَقْتُ أَمْشِى وَأَنَا أُصَلِّى ، أُومِئُ إِيمَاءً نَحْوَهُ .
فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ ؟
قُلْتُ : رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ؛ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجْمَعُ لِهَذَا الرَّجُلِ ، فَجِئْتُكَ فِي ذَاكَ .
قَالَ: إِنِّي لَفِي ذَاكَ .
فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي عَلَوْتُهُ بِسَيْفِي حَتَّى بَرَدَ [ أي مات]).
والحديث سكت عنه الإمام أبو داود ، وقد قال في "رسالته إلى أهل مكة" (ص: 27): "مَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح" انتهى.
وصححه ابن خزيمة في "صحيحه" (982) ، وابن حبان في "صحيحه" (7160) ، وحسَّن إسناده النووي في "خلاصة الأحكام" (2/750)
والعراقي في "طرح التثريب" (3/150) ، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/437).
وقال الحافظ ابن كثير : " إسناده لا بأس به "
انتهى من " إرشاد الفقيه" (1/188).
ثانياً :
ليس في هذه الرواية أن عبد الله بن أنيس قطع رأس خالد بن سفيان الهذلي وحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ورد ذلك في بعض الروايات الضعيفة التي لا تثبت :
أخرجه ابن شبَّة في "تاريخ المدينة" (2/ 467) قال : حَدَّثَنَا الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ إِلَى ابْنِ نُبَيْحٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
انْعَتْهُ لِي ؛ فَإِنِّي لَا أَعْرِفُهُ، فَنَعَتَهُ لَهُ ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَهُ هِبْتَهُ .
فَقَالَ: مَا هِبْتُ شَيْئًا قَطُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
فَخَرَجَ حَتَّى لَقِيَهُ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ عُرَنَةَ ، فَلَمَّا لَقِيَهُ ابْنُ نُبَيْحٍ قَالَ لَهُ: مَا حَاجتَّكَ هَا هُنَا؟
قَالَ: جِئْتُ فِي طَلَبِ قَلَائِصَ .
وَكَانَ ابْنُ أُنَيْسٍ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فِي مَكَانٍ خَبَّأَهَا فِيهِ ، فَمَرَّ يُمَاشِيهِ سَاعَةً وَيُسَائِلُهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنْهُ كَأَنَّهُ يُصْلِحُ شَيْئًا، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ .
قَالَ ابْنُ أُنَيْسٍ: فَأَخَذَ رِجْلَ نَفْسِهِ فَرَمَانِي بِهَا، فَلَوْ أَصَابَتْنِي لَأَوْجَعَتْنِي .
قَالَ: ثُمَّ جَاءَ بِرَأْسِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وهذه الرواية معضلة ، حيث لم يذكر الإمام مالك سنده فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرجه الواقدي في "المغازي" (ص:533) فقال: حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: " بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّ سُفْيَانَ بْنَ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ
وَكَانَ نَزَلَ عُرَنَةَ وَمَا حَوْلَهَا فِي نَاسٍ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ ، فَجَمَعَ الْجُمُوعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ ، فَبَعَثَهُ سَرِيّةً وَحْدَهُ إلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ
.. قال عبد الله : فَجَلَسْت مَعَهُ ، حَتّى إذَا هَدَأَ النّاسُ وَنَامُوا وَهَدَأَ، اغْتَرَرْته فَقَتَلْته وَأَخَذْت رَأْسَهُ ...
حَتّى جِئْت الْمَدِينَةَ ، فَوَجَدْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمّا رَآنِي قَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ! قُلْت: أَفْلَحَ وَجْهُك يَا رَسُولَ اللهِ! فَوَضَعْت رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخْبَرْته خَبَرِي ... الخ .
وإسناد هذه الرواية ضعيف جدا ، فالواقدي حكم عليه جمعٌ من الأئمة بالكذب ، منهم الإمام أحمد ، وقال الحافظ الذهبي : " واستقر الاجماع على وهن الواقدي".
انتهى من "ميزان الاعتدال" (3/666).
ثم إن موسى بن جبير من أتباع التابعين ولم يذكر سنده في هذه الرواية .
والروايات الصحيحة ليس فيها إلا أن عبد الله بن أنيس قتله ، دون قطع رأسه وحمله للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك فهذه الزيادة في الحديث: منكرة .
وجميع الروايات التي فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم حُملت له بعض رؤوس أعدائه ، كإتيانه برأس كعب بن الأشرف ، أو الأسود العنسي ، أو رأس رفاعة بن قيس
واحتزاز ابن مسعود لرأس أبي جهل في غزوة بدر : جميع هذه الروايات ضعيفة ، ولا يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حُمل إليه شيء منها ، وإنما الثابت قتلهم فحسب .
قال الإمام أبو داود السجستاني في "المراسيل" صـ 328 :
: " فِي هَذَا أَحَادِيثُ عَن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ ".
وروى النسائي في "السنن الكبرى" (8620)- بسند صحيح كما قال الحافظ في "التلخيص" (4/201)- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَشُرَحْبِيلَ ابْنَ حَسَنَةَ، بَعَثَاهُ بَرِيدًا
[ أي : رسولا مسرعا] بِرَأْسِ (يَنَّاقٍ الْبِطْرِيقِ) إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِالرَّأْسِ : أَنْكَرَهُ !.
فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا.
فقَالَ: " أَفَاسْتِنَانًا بِفَارِسَ وَالرُّومِ ؟ لَا يُحْمَلَنَّ إِلَيَّ رَأْسٌ ، فَإِنَّمَا يَكْفِينِي الْكِتَابُ والْخَبَرُ".
وفي رواية أخرى عند البيهقي في "السنن الكبرى" (9/132) أنه قال: (إِنَّمَا هَذِهِ سُنَّةُ الْعَجَمِ) .
وفي "سنن سعيد بن منصور" (2651) عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: " لَمْ يُحْمَلْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسٌ قَطُّ ، وَلَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَحُمِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَأْسٌ ، فَأَنْكَرَهُ ".
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-28, 03:45
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
تجنب النسل المريض من المقاصد المشروعة
السؤال:
أخبرني أحدهم أن هناك حديثاً يقول : إن الإسلام لا يشجع الأشخاص الذين يعانون من تاريخ طويل في الأمراض العقلية على إنجاب الأطفال ، وأن الحديث ينص أيضاً على تجنب مثل هذه العائلات لسبعة أجيال
فما صحة هذا الأمر ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الصحة الإنجابية : جانب مهم ، ينبغي اعتباره والنظر إليه للخاطبين ، كما أن مراعاة قضايا الصحة العامة ، والتوقي من البلاء ، وإزالة الضرر
هي مقاصد معتبرة في الشرع بوجه عام . وقد دل على اعتبار ذلك ومراعاته في النظر : مجموع الأدلة الكثيرة ، والمتنوعة ، التي تحث على الصحة الوقائية
كمثل قوله صلى الله عليه وسلم : (لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ) رواه البخاري (5771) ، ومسلم (2221)
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ ) رواه البخاري (5707)
وأيضا حديثه عليه الصلاة والسلام حين قال : ( إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا ) رواه البخاري (5728) ، ومسلم (2218) .
وقد ورد في السنة ما يدل على تأثير العامل الوراثي في انتقال الصفات ، ولو من أجيال بعيدة
فقد ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : " أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وُلِدَ لِي غُلاَمٌ أَسْوَدُ ، فَقَالَ : ( هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ ؟ )
قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : ( مَا أَلْوَانُهَا ؟ ) ، قَالَ : حُمْرٌ ، قَالَ : ( هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ ؟ ) ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : ( فَأَنَّى ذَلِكَ ؟ ) ، قَالَ : لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ ، قَالَ : ( فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ ) " رواه البخاري (5305) ، ومسلم(1500).
فهذه الأدلة ، ونحوها ، مما يدل على أن الوقاية سلوك شرعي صحيح ، وردت السنة النبوية بالأمر به والحث عليه ، واعتباره في النظر
من حيث الجملة ، وهو سلوك متغير ومتجدد بحسب ما يستجد للناس من علوم ، وبحسب ما يتغير في الزمان والمكان من وسائل الوقاية وأسباب الإصابة .
والوقاية من الأمراض الوراثية هي إحدى الصور التي تندرج في هذا المقصد الشرعي العام ، فقد أصبح الطب الحديث قادرا على التنبؤ بكثير من تلك الأمراض قبل الزواج
من خلال الفحوص المخبرية الدقيقة للمورثات الجينية لكل من الرجل والمرأة ، والنظر في "التاريخ المرضي" للأسر .
وحين يتبين احتمال وقوع الإصابات الوراثية أو التشوهات الخلقية والعقلية ، فحينئذ تصبح المسؤولية متجهة إلى كل من الخاطبين ، كي يعيدا حساباتهما ، ويتخذا قرارهما في ضوء معطيات عديدة :
منها صيانة النفس وإعفافها ، ومنها تجنب حصول الضرر لأحد الزوجين أو ذريتهما ، ومنها : مدى إمكان تحصيل المقاصد الشرعية ، من النسل
والعفة ، من خلال اختيارات أخرى ، يتجنب فيها الطرفان ، أو أحدهما تلك الاحتمالية المذكورة على الذرية .
وهكذا ، يحتاج الأمر ، حين تحقق هذه الإشكالية الوراثية : إلى نوع من التأمل والتريث ، والدراسة المتعقلة لجوانب المشكلة .
سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله السؤال الآتي :
ما حكم إجراء الفحص الطبي للزوجين قبل الزواج ؟
فأجاب :
" لا بأس بذلك إذا خيف من مرض داخلي ، مما يؤثر على الصحة ، ويمنع من راحة الزوجين ، واستقرار الحياة والطمأنينة فيها
فربما كان في أحدهما مس أو صرع ، أو مرض مزمن ولو سهل ، كربو أو سكر أو بلهارسيا أو روماتيزم ، وهكذا مرض العقم ، وعدم الإنجاب .
لكن إذا كان ظاهر الزوجين السلامة ، والبيئة والمجتمع الذي هما به : لا توجد فيه هذه الأمراض ونحوها ، فالأصل أن لا مرض ولا خوف ، فلا حاجة إلى فحص طبي لكل زوجين
لكن إذا قامت قرائن ، وخيف من وجود مرض خفي ، وطلب أحد الزوجين أو الأولياء الكشف : لزمه ذلك ، حتى لا يحصل بعد العقد خلاف ونزاع " .
انتهى من " فتاوى الشيخ ابن جبرين " (21/ 17، بترقيم الشاملة آليا) .
ثانيا :
لم نقف على حديث يحذر من انتقال العلة بين الأجيال حتى الجيل السابع ، وإنما هو مثل معروف بين الناس يقولون فيه : " العرق يمد لسابع جد "، وإنما صح عندنا الحديث السابق ( نزعه عرق ).
وأما حديث ( العرق دساس ) : فقد روي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - وَهُوَ يُوصِي رَجُلًا – يَقُولُ :
يَا أَبَا فُلَانٍ : أَقِلَّ مِنَ الدَّيْنِ تَعِشْ حُرًّا ، وَأَقِلَّ مِنَ الذُّنُوبِ يَهُنْ عَلَيْكَ الْمَوْتُ ، وَانْظُرْ فِي أَيِّ نِصَابٍ تَضَعُ وَلَدَكَ ؛ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ ) .
والحديث : رواه ابن الأعرابي في " معجمه " (2/501) ، وهو حديث ضعيف جدا بسبب محمد بن عبد الرحمن البيلماني
ترجمته في " تهذيب التهذيب " (9/293)، قال فيه ابن حبان : " حدث عن أبيه بنسخة ، شبيها بمائتي حديث ، كلها موضوعة ، لا يجوز الاحتجاج به ، ولا ذكره في الكتب إلا على جهة التعجب "
انتهى من " المجروحين " (2/264) .
وهكذا حكم على الحديث بالضعف الشديد : الشيخ الألباني رحمه الله في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (5337).
وقد وردت له شواهد أخرى ، عن جماعة من الصحابة ، لكنها كلها طرق ضعيفة ،
أو شديدة الضعف ، أو موضوعة .
وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها أنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ
وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ ) رواه ابن ماجه (1968) وغيره من طريق ( اثني عشر من التلاميذ ) أخذوه عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا .
وهؤلاء الرواة عن هشام كلهم من الضعفاء والمتروكين ، إلا أحدهم اسمه الحكم بن هشام ، ثقة ، ولكنه أدخل بينه وبين هشام بن عروة راويا ضعيفا ، فقال عن مندل بن علي ، عن هشام بن عروة
فشيخه في الرواية مندل ، وهو متفق على ضعفه ، حتى قال فيه ابن حبان : " كان ممن يرفع المراسيل ويسند الموقوفات من سوء حفظه ، فاستحق الترك " .
ينظر " تهذيب التهذيب " (10/299)
وهذه العلة غفل عنها محققو " سنن ابن ماجه " في طبعة " دار الرسالة العالمية " (3/142) فحسنوا الحديث بطرقه وشواهده
وكان تحسينهم متكئا على متابعة الحكم بن هشام هذا ، وكذلك وقع للشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1067) .
والصواب أن متابعته منكرة ليست صحيحة ؛ لأنها ترجع إلى مندل بن علي .
ولهذا فقد تواردت عبارات الأئمة والنقاد على رد هذا الحديث ، والحكم ببطلانه ، بل ونفي أصله ، وعدوا رفعه ووصله خطأ منكرا .
قال أبو حاتم :
" ليس له أصل...هذا حديث منكر....هذا حديث باطل "
انتهى من " علل الحديث " (3/720).
وقال أبو زرعة :
" لا يصح هذا الحديث "
انتهى من " علل الحديث " (4/18) .
وقال ابن حبان :
" أصل الحديث مرسل ، ورفعه باطل "
انتهى من " المجروحين " (1/225) .
وقال ابن عبد البر :
" هذا الحديث منكر باطل لا أصل له "
انتهى من " التمهيد " (19/165) .
وقال الدارقطني :
" رواه هشام بن زياد ، عن هشام ، عن أبيه ، مرسلا ، وهو أشبه بالصواب " .
انتهى من " العلل " (15/61) .
وقال الخطيب البغدادي :
" كل طرقه واهية "
انتهى من " تاريخ بغداد " (2/80).
وقال ابن الجوزي :
" هذه الأحاديث لا تصح "
انتهى من " العلل المتناهية " (2/124)
وقال أيضا :
" ليس له أصل "
انتهى من " الضعفاء والمتروكين " (1/182) .
وقال الزيلعي :
" روي من طرق عديدة كلها ضعيفة "
انتهى من " نصب الراية " (3/196) .
وقال الذهبي :
" أصل الحديث مرسل "
نتهى من " ميزان الاعتدال " (1/ 439) .
وضعفه العراقي في " تخريج أحاديث الإحياء " (1/479) .
وقال ابن حجر رحمه الله :
" مداره على أناس ضعفاء "
انتهى من " التلخيص الحبير " (3/309) .
ينظر تخريج الحديث بتوسع في " تحقيق جزء من علل ابن أبي حاتم " للدكتور علي الصياح (2/475-486) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-28, 03:55
أحاديث آل البيت الكرام ليست الأقل عددا من أحاديث بقية الصحابة
السؤال:
سؤالي حول رواة الحديث ، فمعظم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم جاءت عن طريق عائشة وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين . ولكننا قلما نجد أحاديث مروية من طريق أهل البيت
كعلي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين رضي الله عنهم أجمعين . بالرغم من أنهم أكثر الناس قرباً من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثر الناس وصولاً إليه ، فلماذا ذلك ؟
الجواب :
الحمد لله
مسألة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ليست قضية أرقام وسنوات ، بل لا بد عند النظر فيها من مراعاة عوامل عدة تؤثر في هذا الأمر ، وتتحكم في القضية
ومن ذلك : كثرة الملازمة ، وطول العمر ، والتفرغ للتحديث والرواية ، وسن الراوي عند مصاحبته النبي صلى الله عليه وسلم ، وكثرة الاختلاط بالناس ، والتأثير فيهم مع حاجة الناس إليه
وأيضا عناية الراوي نفسه بهذا الشأن ، وبذل الوقت والجهد لأجله ، وعدم تعارضه في نفسه مع أولويات أو مقامات أخرى
وغير ذلك من العوامل الكثيرة المؤثرة في عدد مرويات الراوي المنقولة إلينا ، وليس فقط عامل القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم .
وبهذا يمكننا تفسير ما ورد في السؤال ضمن البيانات الآتية :
أولا : ليس صحيحا أن أحاديث آل البيت الكرام عددها قليل ، بل كثير من آل البيت الكرام يعدون من المكثرين من الرواية ، فمثلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه له قرابة (423) رواية
في حين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليس له سوى (59) رواية ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه له (240) رواية ، وعثمان بن عفان ليست له سوى (92) حديثا ،
وهذا يعني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحده : له من الأحاديث في كتب السنة ما يفوق الخلفاء الثلاثة الأوائل مجتمعين ، فلا يصح أن يقال بعد ذلك إن آل البيت الكرام تقل مروياتهم في كتب السنة .
ثانيا : عائشة وأبو هريرة رضي الله عنهما توفيا سنة (57هـ) ، وعبد الله بن عمرو بن العاص توفي سنة (63هـ) وعبد الله بن عمر توفي سنة (73هـ)
فمن الطبيعي أن يتمكن جميع هؤلاء من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في أيامهم وأعمارهم التي طالت نسبيا ، فكثرت مروياتهم .
في حين أن فاطمة رضي الله عنها توفيت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر فقط ، وقيل بثلاثة أشهر .
ينظر " تاريخ الإسلام " (2/29)
فلم تدرك أن تروي وتحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام ما أدركه آخرون من الصحابة ، وكلهم أصحاب سبق وفضل عند الله .
وهذا من أهم أسباب تفاوت أعداد المرويات – في نظرنا – ، وهو سبب – كما ترى – لا يرتبط بأبعاد سياسية ولا عقائدية ، خلافا لمن لا يقرأ التاريخ إلا من منظوره المتعصب .
ثالثا : لا ينبغي للسائل أن ينسى أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، هو من المكثرين جدا من الروايات
وله في كتب السنة والآثار نحو من (1184) حديثا ، في مقابل (1153) لعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما . وفي مقابل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، الذي لم تزد مروياته على (72) حديثا .
كما لا ينبغي أن ينسى أمثال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، وقد كان المطلوب الأول من حكام الدولة الأموية – ظلما وعدوانا – ، وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم
ومع ذلك له في كتب السنة نحو من (43) حديثا ، في مقابل طلحة بن عبيد الله الذي لم تزد أحاديثه على (21) حديثا ، رغم اختلافه مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وانحيازه إلى طرف خصومه .
فليس للحكم السياسي تأثير في أعداد مرويات الصحابة الكرام ، كما أنه ليس لقضية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه ، من عدم ذلك : تأثير في أعداد المرويات .
رابعا : من المعلوم أيضا أن كلا من الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولدا سنة (4هـ) ، وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عنهما صغارا ، لم يبلغا الحلم
الأمر الذي سيؤثر ولا شك على مروياتهما ، حيث لم يشهدا المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يشتغلا بالتحديث في حياتهما ، نتيجة انشغالهما بتوحيد الأمة
وجمع الكلمة ، ودرء الظلم والعدوان ، والنوازل والفتن التي شهدها عمرهما القصير ، فتوفي الحسن سنة (49هـ) ، واستشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما سنة (61هـ)
فلم تزد مروياتهما مجتمعين رضي الله عنهما عن (20) حديثا فقط .
ومن هذا الباب : ما كان من شغل خالد بن الوليد رضي الله عنه بالجهاد في سبيل الله ، وحماية ثغور المسلمين ، فلم تزد مروياته في كتب السنة على عشرة أحاديث فقط .
وليس ذلك بالأمر الغريب ، فزوجات النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس صحبة له ومعرفة بأموره وسيرته عليه الصلاة والسلام ، وتزوجهن كبارا ، وتأخرت وفاتهن
وليس لهن في كتب السنة سوى القليل من الأحاديث ، فجويرية (5) خمس روايات ، وحفصة (24) ، ورملة (أم حبيبة) (21) ، وزينب بنت جحش (6) ، وسودة بنت زمعة (3) ، وصفية بنت حيي (7) ، وميمونة بنت الحارث (36)
وأم سلمة (هند بنت أبي أمية) (174) ، أي أن مجموع مرويات أمهات المؤمنين مجتمعة – عدا عائشة رضي الله عنها – تبلغ (276) ، على نحو النصف من روايات واحد من آل البيت الكرام ، كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ولا يمكن لأحد أن يدعي في تفسير هذه الظاهرة تأثير الأسباب السياسية أو القبلية ، ومن ظن ذلك فقد خالف مقتضى العقل السليم
بل إن الأمر يعود - كما قلنا – إلى التخصص الذي ييسره الله عز وجل في كل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فمنهم من شأنه الجهاد ، ومنهم شأنه ولاية أمور المؤمنين ، وآخر حياته في العبادة والنسك
ورابع وقته في العمل ، وآخر يتولى الولاية التي تشغله عن التفرغ للتحديث ، وهكذا في أسباب كثيرة يمكن التأمل بها في سير الصحابة الكرام
وقد نص على أحدها الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه حيث يقول : ( مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ ) رواه البخاري (113) ، فأثبت هنا ( الكتابة ) سببا مهما من أسباب وجود الفوارق بين الصحابة الكرام في عدد المرويات .
ولقد أشار أبو هريرة رضي الله عنه بنفسه إلى دفع شيء من هذه الشبهات ، وبيان أحد الأسباب المهمة في تفاوت الناس في الرواية : شغل راو ، وفراغ آخر :
روى البخاري في " باب حفظ العلم " من "صحيحه" (118) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيا الله عنه قَالَ : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ ؛ وَلَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا
ثُمَّ يَتْلُو : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ) إِلَى قَوْلِهِ : ( الرَّحِيمُ ) [البقرة/159-160] ؛ إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ
وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِهِ ، وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ ، وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ !!
خامسا : ثم إن المكانة والفضل والمنزلة لا تتحدد لدى أهل السنة بكثرة الرواية ، وإلا لكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أدنى منزلة من غيره
نظرا لقلة بل ندرة رواياته ، بل العبرة بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفضائل ، وما ورد في سيرة الصحابي من المكارم .
ولا يخفى أن لعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا : من الفضل وسَنّي المقام لدى أهل السنة ، ما لا يجهله عاقل ، ولا يجحده إلا جاهل ، أو معاند
كيف لا وهم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحبابه ، وخاصته الذين وصانا بهم ، وحدثنا عن فضائلهم ، وقد روت كتب السنة مئات المرويات في فضائلهم ، فلو كانت السياسة سببا في إخفاء روايات آل البيت الكرام
فلأن تكون سببا في إخفاء الأحاديث الواردة في فضلهم أولى وأجدر ، ومع ذلك ثبتت في كتب السنة ، وفي كتب عقائد أهل السنة مئات الأحاديث في فضائلهم رضي الله عنهم
ومن غير مروياتهم هم أنفسهم ، فلم يكونوا محتاجين إلى تتبع ذلك ، أو تكلف ضبطه ونشره ، إذ كان فاشيا في الناس ، معلوما مقررا ، لا يخفى على أحد ، ولا يتعثر على طالب
أفليس ذلك دليلا كافيا على بطلان أي وهم متعصب في فهم هذه القضية !!
نرجو أن نكون قد وقفنا بالسائل الكريم على شيء من حقائق هذا الباب ، وإلا فالأمر يحتمل الكثير من التفصيل ، والكثير أيضا من ذكر الإحصاءات ، وإعادة النظر فيها .
ملاحظة :
جميع الأرقام الواردة في هذا الجواب أخذناها عن كتاب " المسند الجامع "
وفيه أحاديث الكتب الستة ، ومؤلفات أصحابها الأخرى ، وموطأ مالك ، ومسانيد الحميدي ، وأحمد بن حنبل ، وعبد بن حميد ، وسنن الدارمي
وصحيح ابن خزيمة . وهو من تحقيق وترتيب كل من الدكتور بشار عواد معروف ، السيد أبو المعاطي محمد النوري ، أحمد عبد الرزاق عيد ، أيمن إبراهيم الزميلي ، محمود محمد خليل . يقع في (22) مجلدا
طبعته دار الجيل ، وقد اخترنا أخذ الأعداد من هذا الكتاب نظرا لاكتمال تأليفه ، وترتيبه على مسانيد الصحابة ، وجمعه قدرا كبيرا من كتب الرواية ، وحسن ترتيبه وترقيمه
غير أننا ننبه إلى أن الأرقام تشمل الأحاديث الصحيحة والضعيفة ، وتشمل المكرر إذا روي عن أكثر من تابعي عن الصحابي الجليل ، فيتعدد الترقيم بتعدد هؤلاء التابعين
. كما شرح ذلك في المقدمة (1/12) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-28, 04:05
يطالب بالنسخ الأصلية لصحيحي البخاري ومسلم
السؤال:
هناك من الشيعة من يشككون في صحة صحيحي البخاري ومسلم . حجتهم الأولى : أنه لا توجد النسخ الأصلية لهذين الكتابين بخطيهما رحمهما الله .
الثانية : أن بعض شراح البخاري شرحوا بعض الأحاديث التي ليست في البخاري . أرجو أن يكون الجواب وافيا .
الجواب :
الحمد لله
من أهم ما ينبغي على المسلم المثقف ، أو المطالع لتراثه : أن يدرك أن إيراد الشبهات أمر سهل وميسور لكل أحد ، وعلى كل شيء
حتى على المسلَّمات والبدهيات التي ينطلق الناس منها في أسس تفكيرهم العقلية ، حتى إن بعض المسترسلين مع الشبهات تاهوا في نهاية المطاف إلى إنكار وجودهم ، والشك في كل شيء حولهم
الأمر الذي أدى بهم إلى المصحات النفسية لخروجهم عن السوية البشرية الطبيعية .
وهكذا نحن نتعامل مع كثير مما يسمى بـ" الشبهات "، وهي في حقيقتها أوهام يتحدث بها بعض من ابتلينا بهم في هذا الزمان
الأمر الذي يضطرنا دائما إلى النزول لتأسيس مبادئ التفكير السليمة في شتى العلوم والثقافات .
وما ورد في السؤال هنا أحد الأمثلة على ذلك ، فإذا أراد السائل بقوله النسخ الخطية ( الأصلية ) أي التي كتبها المصنف بيده ، ففي أي عقل أو منطق يمكن أن يقال : إنه لا بد من توافر هذه النسخ
كي نعترف بصحة نسبة كتاب معين إلى مؤلفه ! وكم في العالم من كتاب ، منذ أن عرف الناس الكتابة : يتحقق فيه ذلك التنطع ؟!
ولكي تعلم الشطط الذي ينحو إليه هذا القائل فما عليك سوى أن تتصور أحدهم يدخل مكتبة مرموقة ، أو دارا للنشر معروفة من المكتبات العالمية اليوم
ويقول لقيِّم المكتبة : إنني لا أعترف بنسبة أي كتاب لديك في هذه الخزائن الضخمة إلا أن تأتيني بنسخة أصلية كتبها المؤلف بخط يده
كي يطمئن قلبي إلى صحة نسبة هذه الكتب لمؤلفيها ! متجاوزا بذلك كل الأعراف و" المسالك " العلمية التي تضمن في عصرنا الراهن سلامة الكتب وعدم انتحالها ، كالتسجيل في المكتبات الوطنية
والحصول على إذن الفسح ، والشهرة بين النقاد ، وتواتر الأخبار ، ونحو ذلك من وسائل العلم والإثبات في هذا المجال .
نحن ندرك يقينا أن بعض المختصين في طرح الشبهات يعلم في داخلة نفسه مقدار السخف والسذاجة لما يطرحه ويقوله ، ولكنه في الوقت نفسه يصر على طرحه لعلمه أن مجرد إيراد كلمة " الشبهة " على أي شيء في هذا الوجود
لا بد وأن يجد محلا في قلوب بعض الناس وعقولهم ، ويكفيه حينئذ ما يحققه من نتائج ولو كانت يسيرة ، المهم أن يخلط الأوراق ، ويشوش على أساليب التفكير السليم .
وإلا فكتاب " صحيح البخاري " سمعه تسعون ألف رجل " من الإمام البخاري نفسه رحمه الله
كما أخبر بذلك أحد أشهر تلاميذه
وهو محمد بن يوسف الفربري (المتوفى سنة 320هـ).
ينظر " تاريخ بغداد " (2/9)
" تاريخ الإسلام " (7/375)
وقد اشتهرت رواية الفربري لصحيح البخاري لطول عمره ، وإتقان نسخته ، فقد سمعها من البخاري رحمه الله في ثلاث سنين ، ثم أخذها عنه جماعة من الرواة الثقات ، وعنهم اشتهر أيضا هذا الكتاب .
يقول المستملي (ت376هـ) – أحد الرواة عن محمد بن يوسف الفربري - : " انتسخت كتاب البخاري من أصله
كما عند ابن يوسف ، فرأيته لم يتم بعد ، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة ، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ، ومنها أحاديث لم يترجم عليها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض "
انتهى. رواه الباجي في " التعديل والتجريح " (1/310) .
وقد روى الصحيحَ عن الفربري جماعةٌ من الرواة الثقات ، من أشهرهم :
المستملي (ت376هـ) واسمه : إبراهيم بن أحمد .
الحموي خطيب سرخس (ت381هـ)، واسمه عبد الله بن أحمد .
أبو الهيثم الكشميهني (ت389هـ)، واسمه محمد بن مكي .
أبو علي الشبوي ، واسمه محمد بن عمر .
ابن السكن البزاز (ت353هـ)، واسمه سعيد بن عثمان .
أبو زيد المروزي (ت371هـ)، واسمه محمد بن أحمد .
أبو أحمد الجرجاني (ت373هـ)، واسمه محمد بن محمد .
ومن تلاميذ البخاري الثقات الذين سمعوا صحيحه منه مباشرة ، ونقلوه للناس مسندا مدونا الإمام الحافظ الفقيه ، القاضي ، أبو إسحاق
إبراهيم بن مَعْقِل بن الحجاج ، النسفي، (ت295هـ). وقد روى نسخة النسفي الإمام الخطابي رحمه الله
كما قال في شرحه " أعلام الحديث " (1/105): " سمعنا معظم هذا الكتاب من رواية إبراهيم بن معقل النسفي ، حدثناه خَلفُ بن محمد الخيام ، قال : حدثنا إبراهيم بن معقل ، عنه "
وهذه هي الطريقة الأشهر والأمثل لدى المحدثين ، أنهم يقرؤون مصنفاتهم على تلاميذهم ، أو يقرأ عليهم تلاميذهم مصنفاتهم ، ثم تنتشر تلك المصنفات عبر التلاميذ والرواة
وليس عبر أصل كتاب المؤلف الذي هو نسخة واحدة يحتفظ بها لنفسه ، مع عدم وجود المطابع ودور النشر في تلك الأيام ، فقد كانت المطابع هي رواية التلاميذ مسندة موثقة .
فماذا يريد الباحث ثقة أكثر من نقل الرواة الثقات ، عن نسخ خطية قرئت على المصنف وأقرها
كما قالوا في " نسخة الصَّغانّي : أنه نقلها من النسخة التي قُرئت على المصنف رحمه الله تعالى "
ينظر "فيض الباري" للكشميري.
وإذا سألت عن قدم النسخ الخطية الموجودة اليوم فقد نشر المستشرق " منجانا " في كمبردج عام 1936م ، أقدم نسخة خطية وقف عليها حتى الآن
وقد كتبت عام 370هـ ، برواية المروزي عن الفربري . ينظر " تاريخ التراث " فؤاد سزكين " (1/228) .
ومن أشهر مخطوطات الكتاب التي وصلتنا في عصرنا الحديث نسخة الحافظ أبي علي الصدفي (ت 514هـ) التي كتبها من نسخة بخط محمد بن علي بن محمود
مقروءة على أبي ذر رحمه الله ، وعليها خطه . وقد كانت عند العلامة الطاهر بن عاشور استعارها من مكتبة طبرق في ليبيا .
وكذلك نسخة الإمام الحافظ شرف الدين أبي الحسين عليّ بن أحمد اليونيني المعروف بالبعليّ ، الحنبلي (ت701هـ)، وقد قابلها بأصل مسموع على الحافظ أبي ذرِّ الهروي
وبأصل مسموع على الأصيلي ، وبأصل الحافظ ابن عساكر ، وبأصل مسموع عن أبي الوقت ، وذلك بحضرة الإمام اللغوي النحوي ابن مالك صاحب الألفية (ت672هـ) .
وهكذا لو رحنا نعدد نسخ الصحيح المنتشرة في مكتبات المخطوطات في العالم ، وقربها من عصر تأليف الصحيح ، وكثرة رواتها وثقتهم ومقابلتهم نسخهم على النسخ الكبيرة المعتمدة لطال المقام جدا
ويكفيك أن تذهب إلى إحدى المكتبات التي تشتمل على المخطوطات ، وتسأل عن صحيح البخاري لتقف على المئات منها ، بأسانيدها الصحيحة إلى الإمام البخاري نفسه .
وقد أحال " الفهرس الشامل " على (2327) موضعاً في مكتبات العالم المختلفة توجد به مخطوطات هذا الكتاب
. انظر: " الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط، الحديث النبوي وعلومه " (1/493 – 565).
أما صحيح الإمام مسلم ، فلا يقل اشتهارا وانتشارا عن صحيح الإمام البخاري ، كما قال بروكلمان : " صحيح مسلم يكاد يضاهي صحيح البخاري في كثرة مخطوطاته ووجودها في أكثر المكتبات ".
كما في " تاريخ الأدب العربي " (3/180) .
وله من الأسانيد التي تثبت نسبة الكتاب إلى مصنفه ما لا يكاد ينحصر ، حتى إن جماعة من العلماء أفردوا أسانيد " صحيح مسلم " بمصنفات خاصة ، بلغ عددها نحوا من ثمانية مصنفات
من آخرها كتاب الكتاني (ت1327هـ) المسمى بـ " جزء أسانيد صحيح مسلم ".
يقول الشيخ مشهور حسن سلمان :
" أخذ هذا الكتاب عن مسلم جماعة ، من أشهرهم إبراهيم بن محمد بن سفيان ، وقد سمعه من صاحبه خلا ثلاثة مواطن ، فقد قابلها بنسخة شيخه مسلم ، وكانت نسخة مسلم هذه نفيسة عزيزة عليه
حملها معه إلى الري ، ووضعها بين يدي أبي زرعة الرازي ، واطلع عليها ابن وارة ، وأخذها عن سفيان جماعة ، بالسماع أحيانا ، والإجازة مرة ثانية ، من بينهم الجلودي
وقد كانت نسخته يتداولها الطلبة فيما بينهم , وينسخ عنها بعضهم ... وكانت كثير من هذه النسخ صحيحة غاية ، وعليها سماعات ومقابلات ، ولذا احتج بها العلماء عند المباحثة والمناقشة
وكانوا يرجعون إليها في المعضلات والمشكلات . وتوجد في مكتبات العالم من هذا " الصحيح " نسخ خطية عديدة جدا ، فتكاد أن لا تخلو منه مكتبة أو دار للكتب
وهذه النسخ تتفاوت في تاريخ نسخها ، وفي نفاستها وجودتها .
وفي مكتبة القرويين بفاس إلى الآن نسخة منه نفيسة جدا ، هي نسخة ابن خير الإشبيلي ، التي قابلها مرارا ، وسمع فيها وأسمع ، بحيث يعد أعظم أصل موجود من " صحيح مسلم " في إفريقية
وعليه بخط ابن خير أنه عارضه بأصول ثلاثة معارضة بنسخة الحافظ أبي علي الجياني "
انتهى باختصار من " الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح " (1/375-376) .
أما دعوى أن " بعض شراح البخاري شرحوا بعض الأحاديث التي ليست في البخاري " فلم نقف لها على مثال واحد ، فالاختلاف بين روايات " صحيح البخاري " إنما وقع في أمثلة يسيرة من الأسانيد
أو بعض ألفاظ المتون ، أو أبواب الكتاب وتراجمه ، أما أن يكون ثمة أحاديث أصول مستقلة في أبواب معينة من أبواب العلم وردت في بعض الروايات ، ولم ترد في روايات أخرى ، فهذا ما لم نجد له مثالا .
وعلى فرض وجوده : فليس بالأمر المستنكر ولا المستغرب ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه اختلف الرواة عليه ، فبعض الصحابة يروي الحديث بلفظ معين
وآخرون يروونه بلفظ آخر ، وبعض الصحابة يروي الحديث ولا يستذكره آخرون ، في عشرات الأمثلة ، وليس ذلك بقادح في أصل السنة النبوية
ولا في وثاقة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم . فمن باب أولى أن يكون الاختلاف اليسير بين رواة " الجامع الصحيح " ليس بقادح في أصل ثبوت الكتاب ، ولا في وثاقته ، ولا في أحاديثه ورواياته .
ونحن لا نشك في أن انعدام الخبرة في التعامل مع التراث ، بل انعدام العلم بطبيعة علم التاريخ والمخطوطات : هو السبب في مثل هذه الإيرادات ، أو غلبة الجهل المطبق ، وعمى القلب ، على صاحبه .
وإلا فمن مارس شيئا يسيرا من هذه العلوم أيقن أن تفاوت الروايات والمخطوطات لكتب التراث القديمة أمر طبيعي في ظل اعتماد الناس قديما على النسخ باليد ، وفي ظل ضعف وسائل الإعلام
وعدم التزام النساخ في بعض المواضع بما في الأصل ، بل وعدم وقوفهم على التعديلات التي يجريها المؤلف نفسه على كتابه ، فيقع الاختلاف بين النسخ
كما وقع في " سنن الترمذي " ، و " سنن أبي داود " ، و" الموطأ " للإمام مالك
و " مسند الإمام أحمد بن حنبل ". بل وكما وقع في " الشعر الجاهلي " من قبل ، وفي كتب أفلاطون وأرسطو وتراث فلاسفة اليونان كله ، وفي كل من التوراة والإنجيل .
ونحن نرجو بمثل هذه الإضاءات اليسيرة أن يتيقظ القراء لحقيقة التلبيسات التي تتم ، وأن إعمالا يسيرا للعقل ، مع قليل من الخبرة : حقيق أن يدفع عن المرء جميع هذه الشبهات .
ينظر كتاب " روايات ونسخ الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري دراسة وتحليل" لفضيلة الدكتور محمد بن عبد الكريم بن عبيد ، ومنه استفدنا كثيرا مما سبق.
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-28, 04:24
الاستدلال على جواز الاستغاثة بحديث : " إذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله ".
السؤال :
يدعي الصوفية أن الإمام أحمد يعتقد في التوسل والاستغاثة . شعب الإيمان – ح 7697 (ج 6 / ص 128( - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن سلمان الفقيه ببغداد نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول :
حججت خمس حجج اثنتين راكب و ثلاث ماشي أو ثلاث راكب و اثنتين ماشي فضللت الطريق في حجة و كنت ماشيا فجعلت أقول يا عباد الله دلوني على الطريق قال : فلم أزل ذلك حتى وقفت على الطريق أو كما قال أبي
. و يدعمون قولهم عن الإمام أحمد برواية في شعب الإيمان وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لله عز و جل ملائكة سوى الحفظة يكتبون
ما سقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله يرحمكم الله تعالى ). رواه البزار من طريق حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد حدثني أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس.
وبناء على هذا فيستحب التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم في الدعاء بناء على قول الإمام أحمد . من فضلكم أرجو الرد في أقرب وقت ممكن .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
روى البزار (4922) من طريق أسامة بن زيد الليثي ، عن أبان بن صالح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس مرفوعاً : ( إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ سِوَى الْحَفَظَةِ
يَكْتُبُونَ مَا سَقَطَ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ بِأَرْضٍ فَلاةٍ فَلْيُنَادِ : أَعِينُوا عِبَادَ اللَّهِ ).
قال البزار : " وَهَذَا الْكَلامُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم بِهَذَا اللَّفْظِ إلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ "
انتهى من "مسند البزار" (11/ 181) .
وقد أعل هذا الحديث بعلتين :
الأولى : أن مداره على أسامة بن زيد الليثي.
وهو من الرواة المختلف فيهم عند علماء الجرح والتعديل ، فمنهم من وثقه ، ومنهم من ضعفه ، وعلى كل حال ففي حفظه وضبطه كلام .
قال الإمام أحمد :
" إن تدبرت حديثه ستعرف النكرة فيها ".
انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (2/ 76).
وقال الحافظ الذهبي عنه :
" صَدُوق يهم ، اخْتلف قَول يحيى الْقطَّان فِيهِ ، وَقَالَ أحْمَد: لَيْسَ بِشَيْء ، وَقَالَ النَّسَائِيّ : لَيْسَ بِالْقَوِيّ ، وَقَالَ ابْن عدي : لَيْسَ بِهِ بَأْس ".
انتهى من "المغني في الضعفاء " (1/ 66).
وكذلك قال فيه الحافظ في التقريب : " صدوق يهم ".
انتهى من " تقريب التهذيب " (ص: 98).
الثانية : أن الرواة عن أسامة بن زيد اختلفوا عليه في هذا الحديث ، فمنهم من رواه عنه مرفوعاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من رواه موقوفاً على ابن عباس من قوله .
وقد تفرد بروايته مرفوعاً : حاتم بن إسماعيل ، وأخرج روايته البزار في "مسنده" (4922).
وخالفه أربعة من الرواة وهم :
1=عبد الله بن فروخ ، وأخرج روايته البيهقي في "شعب الإيمان" (1/325).
2= وروح بن عبادة ، وأخرج روايته البيهقي في "شعب الإيمان" (10/140).
3= وجعفر بن عون ، وأخرج روايته البيهقي في "شعب الإيمان" (10/140).
4= وأبو خالد الأحمر ، وأخرج روايته ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/ 91).
فرووه كلهم عن أسامة بن زيد الليثي ، فجعلوه من قول ابن عباس .
ولا شك أن رواية الوقف أرجح ؛ لأن رواتها أكثر عدداً ، وأشد ضبطاً ، فهم أبعد عن الخطأ والوهم .
قال الإمام الشافعي :
" وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنَ الْوَاحِدِ"
انتهى من "اختلاف الحديث" صـ 177.
وقال الحافظ شمس الدين الذَّهبي
: " وإن كان الحديثُ قد رواه الثَّبتُ بإسنادٍ ، أو وَقَفَهُ ، أو أرسلَهُ ، ورفقاؤه الأثباتُ يخالفونه ، فالعبرةُ بما اجتمع عليه الثقات ، فإنَّ الواحد قد يَغلَط ، وهنا قد ترجَّح ظهور غلطه فلا تعليل ، والعبرةُ بالجماعة ". الموقظة صـ52.
فالراجح في هذا الحديث - إن حكمنا بقبوله - أنه من قول ابن عباس ، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم .
قال البيهقي: " هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ
مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِوُجُودِ صِدْقِهِ عِنْدَهُمْ فِيمَا جَرَّبُوا ".
انتهى من " الآداب " (ص: 269).
وممن عمل بهذا الحديث : الإمام أحمد بن حنبل .
قال عبد الله بن الإمام أحمد : " سمعت أبي يقول : حججْت خمس حجج ، منها ثنتين راكبًا ، وثلاثة ماشياً أو ثِنْتَيْنِ ماشياً وثلاثة راكبًا ، فضللت الطَّرِيق في حجَّة
وكنت مَاشِيا ، فجعلت أقول : يا عباد الله دلوني على الطَّرِيق ، فلم أزل أقول ذلك حتى وقفتُ على الطريق ".
انتهى من "مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله" (ص: 245)
وينظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (5/ 298).
ثانياً :
من الأمور المهمة التي ينبغي التنبه لها أن ضابط الاستغاثة التي تكون شركاً هو : " سؤال غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله ".
أما الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه فليست من الشرك في شيء .
والأثر المذكور فيه إخبار عن وجود صنف من الملائكة ، وهم أحياء ، حياتهم الطبيعية الملائمة لهم ؛ جعلهم الله في الأرض لإعانة التائهين وإرشادهم ودلالتهم على الطريق
فمن طلب منهم الإعانة فقد طلب من مخلوقٍ شيئاً يقدر عليه ، وأرصده الله له .
وشتان بين هذا وبين أن يطلب من مخلوق ميت ، أو غائب أن يشفي مريضه ، وأن يرزقه مولودا ، وأن ييسر ولادة زوجته ، أو أن يرحمه ويعافيه ، ونحو ذلك من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" وَالِاسْتِغَاثَةُ : طَلَبُ الْغَوْثِ ، وَهُوَ إزَالَةُ الشِّدَّةِ ، كَالِاسْتِنْصَارِ طَلَبُ النَّصْرِ ، وَالِاسْتِعَانَةِ طَلَبُ الْعَوْنِ ، وَالْمَخْلُوقُ يُطْلَبُ مِنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)
وَكَمَا قَالَ: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى).
وَأَمَّا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ ؛ فَلَا يُطْلَبُ إلَّا مِنْ اللَّهِ "
. انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/103).
وقال : " فَأَمَّا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَبَ إلَّا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، لَا يُطْلَبُ ذَلِكَ لَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِغَيْرِ اللَّهِ: اغْفِرْ لِي
وَاسْقِنَا الْغَيْثَ ، وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، أَوْ اهْدِ قُلُوبَنَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ... فَأَمَّا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ".
انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/329).
وقال: " وَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْحَيَّ يُطْلَبُ مِنْهُ الدُّعَاءُ كَمَا يُطْلَبُ مِنْهُ سَائِرُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْمَخْلُوقُ الْغَائِبُ وَالْمَيِّتُ ، فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ شَيْءٌ".
انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/344) .
وقال : " الْأُمُورَ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُ اللَّهِ لَا تُطْلَبُ مِنْ غَيْرِهِ مِثْلُ: إنْزَالِ الْمَطَرِ ، وَإِنْبَاتِ النَّبَاتِ ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ ، وَالْهُدَى مِنْ الضَّلَالَاتِ ، وَغُفْرَانِ الذُّنُوبِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ".
انتهى من " مجموع الفتاوى" (1/370).
وقد أكثرنا من النقول عن شيخ الإسلام في هذه النقطة لكثرة اللبس فيها والتلبيس عند أهل الأهواء والبدع .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ :
" والحديث لا يدل على ما يدعيه المبطلة من سؤال الموتى ونحوهم ، بل إنه صريح في أن من يخاطبه ضالُّ الطريق هم : الملائكة ، وهم يسمعون مخاطبته لهم
ويقدرون على الإجابة بإذن ربهم ؛ لأنهم أحياء ممكَّنون من دلالة الضال ، فهم عباد لله ، أحياء يسمعون ، ويجيبون بما أقدرهم عليه ربهم ، وهو إرشاد ضالي الطريق في الفلاة
ومن استدل بهذه الآثار على نداءِ شخص معين باسمه ، فقد كذب على رسول الله ، ولم يلاحظ ويتدبر كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وذاك سيما أهل الأهواء .
إذا تبين هذا : فالأثر من الأذكار التي قد يتساهل في العمل بها مع ضعفها ؛ لأنها جارية على الأصول الشرعية ، ولم تخالف النصوص القرآنية
والأحاديث النبوية، ثم هو مخصوص بما ورد به الدليل؛ لأن هذا مما لا يجوز فيه القياس لأن العقائد مبناها على التوقيف". هذه مفاهيمنا (ص: 56) ، بتصرف يسير .
والحاصل :
أن ما لا يقدر عليه إلا الله ، وما هو من خصائص ربوبيته ، كالإحياء والإماتة ، والرزق ... كل هذا لا يسأل من غيره سبحانه ، ومن استغاث بغير الله في شيء من ذلك ، فقد أشرك .
وأما ما يقدر عليه الخلق ، فلا حرج في سؤاله من يقدر على ذلك الشيء منهم ، والاستغاثة بهم فيه ؛ بشرطين : أن يكون المستغاث به : حيا ، حاضرا ، قادرا على ذلك الشيء .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
بـــيِسَة
2018-08-28, 13:13
بارك الله فيك اخي
*عبدالرحمن*
2018-08-31, 05:03
بارك الله فيك اخي
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اسعدني حضورك الطيب مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما
بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عني كل خير
*عبدالرحمن*
2018-08-31, 05:14
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
بعض الأحاديث المتقاربة الألفاظ والتي يرويها راويان فأكثر
السؤال:
عندي سؤال يخص موضوع "أحاديث براويـيْن"، للتقريب الى الأذهان ولفهم قصدي أنقل لكم هذيْن الحديثين بألفاظ مختلفة ، وبراوييْن ، لكن متطابقة في أكثرية ألفاظها وكلماتها
عدى لفظ أو لفظين أو ثلاث ، تختلف مع بعضها البعض كما نوهت إلى ذلك. وهاكم الحديث: " أمر أبي بخزيرة فصنعت ثم أمرني فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما هذا يا جابر ألحم هذا ) [ وفي رواية ] ( اللحم هذا ) ؟
قلت : لا ولكن أمرني بخزيرة فصنعت وأمرني فأتيتك بها فأخذها ثم أتيت أبي فقال : هل قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فأخبرته فقال أبي :
عسى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهى اللحم فقام إلى داجن له فأمر بها فذبحت ، ثم أمر بها فشويت له ، ثم أمرني فأتيته بها وهو في مجلسه وفي رواية في منزله فقال : ( ما هذا ) ؟
فذكرت له القصة فقال : ( جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا ، ولا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة [ وفي رواية ] لا سيما آل عمرو). الراوي: جابر بن عبدالله الأنصاري المحدث: ابن حجر العسقلاني
- المصدر: الفتوحات الربانية - الصفحة أو الرقم: 5/251 . خلاصة حكم المحدث: صحيح . الحديث الثاني : " أمر أبي بخزيرة فصنعت ثم أمرني فحملتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : ( ما هذا يا جابر ؟
ألحم ذا ) قلت : لا يا رسول الله ، ولكن أبي أمرني بحريرة فصنعتها ، ثم أمرني فحملتها ، قال : (ضعها) فأتيت أبي فقال : ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : قال لي : ( ما هذا يا جابر ألحم ؟ )
قال أبي : أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحسب يشتهي اللحم ، فقام إلى داجن فذبحها ، ثم أمر بها فشويت ، ثم أمرني فأتيت بها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جزاكم الله معشر الأنصار خيرا ولا سيما آل عمرو بن حرام وسعد بن عبادة). الراوي: جابر بن عبدالله الأنصاري المحدث: الهيثمي -
المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 9/320
خلاصة حكم المحدث: رجاله ثقات. هل بإمكاني الحصول على المعلومات الكافية الوافية الشافية بخصوص هذه النوعية من الأحاديث، خاصة في موقعكم الغراء الكريم؟
إن كان ثمة كتب وردت بخصوص هذا الشأن فأرجو تزويدي وإثرائي بعشرة أحاديث حول ذلك ، وبذلك أكون لكم من الشاكرين .
الجواب :
الحمد لله
إن كان الأخ السائل يعني بالراويين الصحابيين يرويان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ متطابقة تقريبا : فيوجد في السنة الصحيحة بحمد الله أحاديث كثيرة بألفاظ متقاربة
يرويها صاحبيان فأكثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والمتتبع لكتب أهل الحديث ومصنفاتهم المشهورة وخاصة كتب المتأخرين منها يجد كثيرا من ذلك ، مثل كتاب "الترغيب والترهيب" للمنذري ، و"الجامع الصغير" للسيوطي
و "مشكاة المصابيح" للخطيب التبريزي ، وغيرها ، مع مراعاة اعتماد الصحيح منها دون غير الصحيح.
وإن كان يقصد بالراويين من روى الحديث من أصحاب الكتب والمصنفات ، أو ذكرها مخرجة فهذا أكثر من أن يحصر .
ونحن نجمع للسائل بين الأمرين فنسوق جملة من تلك الأحاديث الصحيحة
التي يرويها صحابيان فأكثر بألفاظ متطابقة تقريبا ، يرويها أصحاب الكتب المصنفة :
1- روى البخاري (8) ومسلم (16) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ) .
ورواه أحمد (18735) عَنْ جَرِيرٍ البجلي قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ) .
2- روى البخاري (853) ومسلم (561) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ) .
ورواه أحمد (7555) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلَا يُؤْذِينَا فِي مَسْجِدِنَا ) .
3- روى البخاري (14) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ ) .
ورواه البخاري (15) ومسلم (44) عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) .
4- روى الترمذي (2657) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ) . وصححه الشيخ الألباني في " مشكاة المصابيح " (230) .
ورواه الدارمي (230) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ) .
5- روى الترمذي (74) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ ) .وصححه الألباني في " مشكاة المصابيح " (310) .
ورواه ابن ماجة (516) عن السَّائِب بْن يَزِيدَ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ رِيحٍ أَوْ سَمَاعٍ ) .
6- روى البخاري (887) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ ) .
ورواه الترمذي (23) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ ) .
7- روى الترمذي (1111) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ ) وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (2734) .
ورواه ابن ماجة (1960) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ زَانٍ ) .
8- روى أبو داود (517) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ ) .وصححه الألباني في " مشكاة المصابيح " (663) .
ورواه أحمد (23842) عن عَائِشَةَ قالت : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْإِمَامَ وَعَفَا عَنْ الْمُؤَذِّنِ ) .
9- روى مسلم (533) عن عُثْمَانَ بْن عَفَّانَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ) .
ورواه أحمد (18946) عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا لِيُذْكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ) .
10- روى أبو داود (561) عَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (2823) .
ورواه ابن ماجة (780) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِيَبْشَرْ الْمَشَّاءُونَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِنُورٍ تَامٍّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
ونوجه الأخ السائل إلى الاعتناء بالمصنفات التي تعنى بتخريج الأحاديث وتنقيحها وبيان الصحيح من السقيم منها ، وفيها مع ذلك بغيته التي يطلبها ، ومن تلك المصنفات "مجمع الزوائد" للحافظ الهيثمي
"تلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر ، "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ، "صحيح الترغيب والترهيب" ، "صحيح الجامع الصغير" للشيخ الألباني .
كما أن في موقع "الدرر السنية" مطلب السائل على الكفاية وتمام الغاية .
راجع لتمام الفائدة إجابة السؤال القادم
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-31, 05:23
الموقف من اختلاف ألفاظ الحديث الواردة المتقاربة والمتغايرة وذِكر أمثلة منهما
السؤال:
هناك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ترد روايات ألفاظها مختلفة ولا أعلم ما الأصح بينها : الحديث الأول : ( اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي )
. * قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ) . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحديث الثاني : عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ، قَالَت : قلتُ يَا رَسُول الله ، أرأيتَ إنْ علمتُ أيَّ لَيْلَة الْقدر مَا أَقُول فِيهَا ؟ قَالَ : ( قولي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْوٌّ تحب الْعَفْو فَاعْفُ عني ) . * ( اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْوٌّ كَرِيمٌ تحب الْعَفْو فَاعْفُ عَنِّي ) صحيح الترمذي . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحديث الثالث : عند الاستيقاظ من النوم ليلا ًوالدعاء بالمأثور في ذلك وهو قوله : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ ) . هناك روايات أخرى له . . . . . . . . . . . . . .
. . الحديث الرابع : عن عائشة : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه في شيء يخفيه من عائشة ، وعائشة تصلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَلَيْكِ بِالْكَوَامِلِ -
أَوْ : كَلِمَةً أُخْرَى - فَلَمَّا انْصَرَفَتْ عَائِشَةُ سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا : ( قُولِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ
وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا ) . * قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : ( عَلَيْكِ بِالْجَوَامِعِ الْكَوَامِلِ
قُولِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) . . . . . . . . . . . . . . . . . *
عَنْ أبي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) صحيح مسلم . * ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي وَخَطَايَاي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ) البخاري مع " الفتح " . . . . . . . . . . . . . . . . . *
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا نَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) سنن أبي داود ، والترمذي ، وصححه الألباني .
* رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ ) صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجه . *** فما هي الرواية الأصح من بين الروايات لهذه الأحاديث لأني أريد العمل بها ؟ . وجزاكم الله خيراً .
الجواب :
الجمد لله
أولاً:
تختلف ألفاظ الروايات في الأمر الواحد ، ويكون بين تلك الروايات مغايرة في الألفاظ أحياناً ، ومن أشهر تلك الأسباب التي ينبغي معرفتها : تعدد الرواة النقَلة لألفاظ ذلك الحديث الواحد المتكرر .
وأما الاختلاف الحاصل في ألفاظ رواياتهم فهو لا يخرج عن حالين :
أ. أن يكون اختلافاً يسيراً في حروف يسيرة ، وسبب ذلك الاختلاف في الألفاظ المنقولة يكون تبعاً لحفظهم ، ولضبطهم .
وفي هذه الحال يتساهل في العمل بأية رواية من تلك الروايات ، إلا أن البحث عن أصح الروايات ، وأضبط الرواة ، والعمل برواية من يروي باللفظ لا بالمعنى : هو الذي ينبغي على العامل عند الترجيح بين تلك الروايات .
ب. أن تكون الألفاظ متغايرة فيما ينقلونه بعضهم عن بعض ، وسبب ذلك أن يكون ذلك الأمر ، أو تلك العبادة لها ألفاظ متعددة في أدعيتها ، وأذكارها ، كألفاظ الأذان ، والإقامة
وأدعية الاستفتاح ، وأذكار النوم ، فالحديث في كل ذلك واحد ، ولكنه لما كان متكرراً تعددت الألفاظ فيه ، ونتج من ذلك تعدد الروايات والنقل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني – رحمه الله - :
فهذا القسم أمره هيِّن ، وإشكاله سهل ؛ لأنه قد علم أنه صلى الله عليه وآله وسلم في الأفعال المتكررة مثل أذكار الصلاة - التي ذكرنا - كان يعلمهم ، فمن روى رواية وصحت أو حسنت طرقها كتشهد ابن عباس – مثلاً -
وتشهد ابن مسعود : فهما حديثان صحيحان اختلفت ألفاظهما والكل مرفوع ، فمثل هذا ومثل ألفاظ الأذان وغير ذلك محمول على تعداد التعليم منه صلى الله عليه وآله
وعلِم كل ما رآه صلى الله عليه وآله وسلم توسعة على العباد ، فهم مخيرون بأي رواية عملوا أجروا واقتدوا وامتثلوا ، فمن ربَّع في التكبير ورجَّع : فليس عليه نكير ، ومن ترك التربيع : فكذلك
إذ الكل مروي بأحاديث معمول بها دالة على التخيير للعباد ، وكذلك ألفاظ التشهد والتوحيد من أتى بأيها ممن روى بطرق معمول بها : فهو بالخيار في ذلك .
انتهى من " رسالة في اختلاف ألفاظ الحديث النبوي " .
وهي رسالة علمية قيمة ، قليلة الصفحات ، عظيمة النفع .
ثانياً:
لاختلاف الألفاظ في العبادة والشعيرة الواحدة حِكَمٌ متعددة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
العبادات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم على أنواع يشرع فعلها على جميع تلك الأنواع لا يكره منها شيء ، وذلك مثل أنواع التشهدات ، وأنواع الاستفتاح
ومثل الوتر أول الليل وآخره ، ومثل الجهر بالقراءة في قيام الليل والمخافتة ، وأنواع القراءات التي أنزل القرآن عليها ، والتكبير في العيد ، ومثل الترجيع في الأذان وتركه ، ومثل إفراد الإقامة وتثنيتها .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 335 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والعلماءُ رحمهم الله اختلفوا في العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة ، هل الأفضل الاقتصار على واحدة منها ، أو الأفضل فِعْلُ جميعها في أوقات شتَّى ، أو الأفضل أنْ يجمعَ بين ما يمكن جَمْعُه ؟ والصَّحيح :
القول الثاني الوسط ، وهو أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة تُفعل مرَّة على وجهٍ ، ومرَّة على الوجه الآخر ، فهنا الرَّفْعُ وَرَدَ إلى حَذوِ منكبيه ، ووَرَدَ إلى فُرُوع أُذنيه ؛ وكُلٌّ سُنَّة
والأفضل : أن تَفعلَ هذا مرَّة ، وهذا مرَّة ؛ ليتحقَّقَ فِعْلُ السُّنَّةِ على الوجهين ، ولبقاء السُّنَّةِ حيَّة ؛ لأنك لو أخذت بوجهٍ وتركت الآخر : مات الوجهُ الآخر ، فلا يُمكن أن تبقى السُّنَّةُ حيَّة إلا إذا كُنَّا نعمل بهذا مرَّة ، وبهذا مرَّة
ولأن الإِنسان إذا عَمِلَ بهذا مرَّة وبهذا مرَّة : صار قلبُه حاضراً عند أداء السُّنَّة ، بخلاف ما إذا اعتاد الشيء دائماً فإنه يكون فاعلاً له كفعل الآلة عادة ، وهذا شيء مشاهَد
ولهذا مَن لزم الاستفتاح بقوله : " سبحانك اللهمَّ وبحمدك " دائماً : تجده مِن أول ما يُكبِّر يشرع بـ " سبحانك اللهم وبحمدك " مِن غير شعور
لأنه اعتاد ذلك ، لكن لو كان يقول هذا مرَّة ، والثاني مرَّة صار منتبهاً ، ففي فِعْلِ العباداتِ الواردة على وجوهٍ متنوِّعة فوائد :
1 . اتِّباعُ السُّنَّة .
2. إحياءُ السُّنَّة .
3. حضورُ القلب .
وربما يكون هناك فائدة رابعة : إذا كانت إحدى الصِّفات أقصرَ مِن الأخرى - كما في الذِّكرِ بعد الصَّلاةِ - فإن الإِنسان أحياناً يحبُّ أن يُسرع في الانصراف ؛ فيقتصر على " سبحان الله " عشر مرات
و " الحمد لله " عشر مرات ، و " الله أكبر " عشر مرات ، فيكون هنا فاعلاً للسُّنَّة قاضياً لحاجته ، ولا حَرَجَ على الإِنسان أن يفعل ذلك مع قصد الحاجة
كما قال تعالى في الحُجَّاج : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) البقرة/ 198 .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 3 / 8 ) .
ثالثاً:
أما اختلاف الرواة في روايتهم للحدث الواحد غير المتكرر ، وللقصة الواحدة غير المتعددة : فهنا لا يمكن لطالب العلم والعامل إلا أن يرجح بين الروايات ، فيأخذ أقواها
ويعمل بأصحها إسناداً ، إذا كان المعنى يختلف باختلاف تلك الروايات
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني – رحمه الله – بعد أن فصَّل في السبب الأول - :
الثاني من الوجوه : أن تتحد القصة وتختلف الألفاظ فيها :
وهذا هو المشكل ، وذلك واقع كثيراً ، كقضية بيع جمَل جابر وشرائه صلى الله عليه وسلم له منه ، فإنه اختلف لفظه في القيمة
وفي اشتراطه ركوبه إلى المدينة ، وكاختلافهم في ركوعات صلاة الكسوف مع أنه لم يصلها إلا مرة واحدة ، بخلاف صلاة الخوف فإنه صلاها مراراً على وجوه مختلفة فهي من القسم الأول
وكاختلافهم في حجه ، وكل منهم روى أنه حج صلى الله عليه وآله وسلم حجّاً مفرداً ، وآخرون رووا أنه تمتع ، وآخرون أنه قارن ، وهي في واقعة واحدة ، وحجة واحدة
ونحو هذه الصور ، وهو كثير : فهذا لا بد فيه من النظر في الروايات وطرقها ، والصحيح منها والراجح من المرجوح ، وهو شيء عسير إلا على من سهله الله .
انتهى من " رسالة في اختلاف ألفاظ الحديث النبوي " .
رابعاً:
أما بخصوص الأحاديث التي ذكرها الأخ السائل :
1. فاللفظ الأول في الحديث الأول : رواه النسائي ( 1305 ) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " من حديث عمَّار بن ياسر رضي الله عنه .
واللفظ الثاني : رواه البخاري ( 5990 ) ومسلم ( 2680 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
وكلا الحديثين مختلفان في المخرج ، وليس أحدهما بأولى بالعمل من الآخر ، بل يُعمل بكليهما ، لكن لا يقال هذا الدعاء إلا عند وقوع الضرر وخشية الفتنة على الدين .
قال أبو الحسن المباركفوري – رحمه الله - :
قوله ( أحيني ) إلى قوله ( خيرًا لي ) ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ ( اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي ) وهو يدل على جواز الدعاء بهذا
لكن عند نزول الضرر ، كما وقع التقييد بذلك في حديث أنس المذكور .
" مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ( 8 / 278 ) .
2. واللفظ الأول في الحديث الثاني : رواه الترمذيّ ( 3513 ) وصححه ، والنَّسائيّ في " الكبرى " ( 6 / 218 ) وابن ماجه ( 3850 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وأما اللفظ الثاني وهو ( اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْوٌّ كَرِيمٌ تحب الْعَفْو فَاعْفُ عَنِّي ) : فإن الزيادة الواردة في الحديث وهي " كريم " : زيادة لا أصل لها ، ونسبتها للترمذي خطأ – وهي موجودة في كثير من نسخ سنن الترمذي - ،
ولم يروها الترمذي – في الواقع - ولا غيره .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
وقع في "سنن الترمذي " بعد قوله : ( عفو ) زيادة : " كريم " ! ولا أصل لها في شيء من المصادر المتقدمة ، ولا في غيرها ممن نقل عنها ، فالظاهر أنها مدرجة من بعض الناسخين
أو الطابعين ؛ فإنها لم ترِد في الطبعة الهندية من " سنن الترمذي " التي عليها شرح " تحفة الأحوذي " للمباركفوري ( 4 / 264 ) ، ولا في غيرها
وإن مما يؤكد ذلك : أن النسائي في بعض رواياته أخرجه من الطريق التي أخرجها الترمذي ، كلاهما عن شيخهما " قتيبة بن سعيد " بإسناده دون الزيادة .
وكذلك وقعت هذه الزيادة في رسالة أخينا الفاضل علي الحلبي : "
مهذب عمل اليوم والليلة لابن السني " ( 95 / 202 )
وليست عند ابن السني ؛ لأنه رواه عن شيخه النسائي - كما تقدم - عن قتيبة ، ثم عزاه للترمذي ، وغيره ! ولقد كان اللائق بفن التخريج أن توضع الزيادة بين معكوفتين كما هو المعروف اليوم [ ]
وينبَّه أنها من أفراد الترمذي ، وأما التحقيق : فيقتضي عدم ذكرها مطلقاً ؛ إلا لبيان أنه لا أصل لها ، فاقتضى التنبيه .
" السلسلة الصحيحة " ( 13 / 140 ) .
فالرواية الثانية فيها كلام ، فعليك بالأولى ؛ فإنها أصح .
3. وأما الحديث الثالث : فقد رواه البخاري ( 1103 ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
وقولك " هناك روايات أخرى له " : فالجواب عليه : أن الحديث ليس فيه روايات مختلفة ، ولو وُجد : فعليك برواية الإمام البخاري ، وتكفيك .
4. وأما اللفظ الأول في الحديث الرابع : فقد رواه الحاكم ( 1 / 702 ) ، وباختلاف يسير في أوله – فقط - رواه أحمد ( 42 / 67 ) وصححه محققوه .
ورواه ابن ماجه ( 3846 ) بنحو تلك الألفاظ ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
وأما اللفظ الثاني : فهو الحديث السابق نفسه لكن من غير زيادة ( بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) ، وقد نسبها الحافظ العراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " لابن ماجه ، والحاكم ، وليس فيهما تلك الجملة .
ولم نجد سبباً يجعلنا نقول بصحة هذه الزيادة ، فيُكتفى بالرواية السابقة دونها .
5. وأما اللفظ الأول في الحديث الخامس : فليس هو في " مسلم " وحده ، بل هو في الصحيحين : البخاري ( 6035 ) ومسلم ( 2719 ) .
وأما اللفظ الثاني : فرواه البخاري ( 6036 ) وهو ذات الحديث السابق لكنه أخصر منه .
وقد علَّق الحافظ ابن حجر رحمه الله على لفظة ( خَطَاياي ) فقال :
قوله ( اغفر لي خطاياي وعمدي ) وقع في رواية " الكشميهني " في طريق إسرائيل ( خطئي ) ، وكذا أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " بالسند الذي في الصحيح
وهو المناسب لذكر العمد ، ولكن جمهور الرواة على الأول .
والخطايا جمع خطيئة ، وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام ؛ فإن الخطيئة أعم من أن تكون عن خطأ وعن عمد ، أو هو من عطف أحد العامين على الآخر .
" فتح الباري " ( 11 / 198 ) .
فلا تعارض بين الروايتين ، وليس ثمة صحيح وأصح ، فاذكر ربك تعالى بأي الصيغتين شئت ، ولا يخفى أن الرواية الأولى أوسع .
6. وأما اللفظ الأول في الحديث السادس : فرواه أبو داود ( 1516 ) وابن ماجه ( 3814 ) والنسائي في " الكبرى " ( 6 / 119 ) ، ولم يروه الترمذي بهذا اللفظ .
وأما اللفظ الثاني : رواه الترمذي ( 3434 ) والنسائي في " الكبرى " ( 6 / 119 ) .
وكلا الروايتين صحيحة ، وليس مخرجهما واحداً ، وهو من اختلاف التنوع ، وبأي الصيغتين استغفرت ربَّك تعالى أُجرت إن شاء الله .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-31, 05:30
كيف تواصلت المرأة لتحصيل علم الحديث ؟
السؤال:
كيف كانت عالمات الحديث يقمن بالتدريس فى المساجد ، حيث يحضر الرجال والنساء فى الحلقة ، هل كانت هناك حواجز ، وهل كان هناك تواصل بالأعين...الخ ،
وهل هؤلاء النساء كن يسافرن لتحصيل العلم بالحديث دون محرم ، حيث يعتقد بعض الناس أنه يجوز للنساء السفر لتحصيل العلم دون محرم ، بما أن السفر اليوم أكثر أمنا من ذي قبل بسبب الأمن فى المواصلات
وربما يفترضون أن التحريم فيما مضى كان لدواعٍ أمنية كقطاع الطريق في الصحراء...الخ ؟
الجواب :
الحمد لله
طلب العلم في الإسلام ليس ممارسة إنسانية فحسب ، ولكنه عبادة يتقرب بها المسلمون لربهم عز وجل ، ويبتغون بها الثواب عنده سبحانه في أعلى درجات الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
ولما كان العلم عبادة كان المسلمون يحرصون على التزام شريعة الله في تحمله وأدائه ، ويراقبون الله عز وجل في خواطر قلوبهم ونوازع نفوسهم كي لا تميل بهم عن جادة العلم الذي يبتغى به وجه الله
ومن ذلك أن مسيرة طلب العلم لدى نساء المسلمين وفتياتهم لا بد وقد انضبطت بأحكام الشريعة أيضا ، وفي الوقت نفسه لم تكن تلك الأحكام بمانعة لهن عن استكمال طريق العلم
كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ ) رواه مسلم (رقم/332) .
والتزام طالبة العلم المسلمة – في كتب تراجم النساء والرواة والعلماء - يظهر في جوانب عدة ، هي :
أولا :
تحريم السفر بغير محرم ، فقد كان محل اتفاق بين العلماء ، ولم يستثن بعض الفقهاء والمحدثين شيئا سوى سفر الحج والعمرة الواجبين
فلا يعرف عن المرأة أنها كانت تقطع مسافات الأسفار ، وتعرض نفسها للأخطار العظيمة في تلك الأزمان إلا مع ذي محرم ، كي لا تعصي الله من حيث تريد طاعته
، وكي لا يغدو العلم الشرعي وبالا عليها يوم القيامة
ثانيا :
أما مخالطة الرجال والنظر المتبادل بين الجنسين فكان السلف الصالح من الفقهاء والمحدثين أبعد الناس عنه ، تلتزم العالمة أو طالبة العلم في مسيرتها العلمية الحجاب الكامل الذي يشمل الوجه والكفين
أو حتى تلتزم السماع والتحديث من وراء الستر والحجاب ، اقتداء بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن ؛ فقد أخذ التابعون عن أمهات المؤمنين جميع ما رووه من مئات الأحاديث من وراء حجاب
استجابة لقول الله عز وجل : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب/54.
ولم يكن هذا الحكم مختصا بأمهات المؤمنين
كما يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله :
" تعليله تعالى لهذا الحكم - الذي هو إيجاب الحجاب - بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم
إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن "
انتهى من " أضواء البيان " (6/242) .
ثالثا :
وهكذا تجد في كتب التراجم العديد من المواقف التي ينص فيها على كون السماع من وراء ستر وحجاب ، استجابة لأمر الله عز وجل
فقد قال المحدثون في الجواب عن إنكار من أنكر سماع محمد بن إسحاق من فاطمة زوجة هشام بن عروة : " جائز أن يكون سمع منها وبينهما حجاب في غيبة زوجها
قال الذهبي
: ذاك الظن بهما ، كما أخذ خلق من التابعين عن الصحابيات ، مع جواز أن يكون دخل عليها ورآها وهو صبي فحفظ عنها
مع احتمال أن يكون أخذ عنها حين كبرت وعجزت ، وكذا ينبغي ، فإنها أكبر من هشام بأزيد من عشر سنين "
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (7/42)
وفي " مسند الإمام أحمد " (33/401)
: " جاء قوم من أصحاب الحديث فاستأذنوا على أبي الأشهب فأذن لهم ، فقالوا : حدثنا ، قال : سلوا، فقالوا : ما معنا شيء نسألك عنه ، فقالت ابنته من وراء الستر : سلوه عن حديث عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب " انتهى.
" وكذلك ما روي عن الإمام مالك رحمه الله حين كان يقرأ عليه " الموطأ " فإن لحن القارئ في حرف أو زاد أو نقص تدق ابنته الباب ، فيقول أبوها للقارئ : ارجع فالغلط معك ، فيرجع القارئ فيجد الغلط "
كما في " المدخل " لابن الحاج (1/215) .
وقد جاء في " الضوء اللامع لأهل القرن التاسع " (12/ 22)
في ترجمة حليمة ابنة أبي علي المزملاتي أنها " سَمِعت من وَرَاء حجاب ثمانيات النجيب على الْجمال الْحَنْبَلِيّ " .
وهكذا يمكننا تأكيد أن مسيرة المرأة في طلب العلم الشرعي كانت مثالا على الالتزام بالآداب الشرعية ، كما كانت نموذجا مثاليا أيضا في التضحية في سبيل العلم
وتحقيق الإنجاز الرفيع حتى سطرت كتب التاريخ مئات الأسماء من النساء خالدات الذكر في الدنيا ، ممن أسهمن في بناء التاريخ الإسلامي المشرق .
للاطلاع على ذلك ننصح بقراءة المراجع الآتية :
1. عناية النساء بالحديث الشريف: مشهور حسن سلمان .
2. جهود المرأة في نشر الحديث وعلومه : عفاف عبدالغفور .
3. صفحات مشرقة من عناية المرأة بصحيح البخاري" محمد بن عزوز .
4. دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى : آمال بنت قرداش صدر ضمن سلسلة كتاب الأمة عن وزارة الأوقاف- قطر، عدد70 .
5. جهود المرأة الدمشقية في رواية الحديث الشريف : محمد بن عزوز .
6. أعلام النساء : عمر رضا كحالة .
7. مقدمة محمد بن عزوز لتحقيق كتاب " ترقية المريدين بما تضمنته سيرة السيدة الوالدة من أحوال العارفين " للحافظ عبد الحي الكتاني .
8. فصل بعنوان " صور من سيرة المسلمة العالمة " من كتاب " عودة الحجاب " (2/580) .
9. نساء صنعن علماء : أم إسراء بنت عرفة بيومي .
10. جامع أخبار النساء من سير أعلام النبلاء : خالد بن حسين .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-31, 05:33
سفر المرأة لطلب العلم بلا محرم
السؤال
ما حكم الإسلام في سفر المرأة لطلب العلم بغير محرم ؟.
الجواب
الحمد لله
أولا :
دلت الأدلة الصحيحة الصريحة على أن المرأة ليس لها أن تسافر إلا مع محرم ، وهذا من كمال الشريعة وعظمتها ، ومحافظتها على الأعراض ، وتكريمها للمرأة
واهتمامها بها ، والحرص على صيانتها وحفظها ووقايتها من أسباب الفتنة والانحراف ، سواء كانت الفتنة لها أو بها .
ومن هذه الأدلة : ما رواه البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ
. فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ . فَقَالَ : اخْرُجْ مَعَهَا ) .
وبناء على ذلك فلا يجوز للمرأة أن تسافر لطلب العلم بغير محرم ، وعليها أن تحصّل العلم الواجب عليها بالطرق الكثيرة المتاحة ، كالاستماع للأشرطة
وسؤال أهل العلم عن طريق الهاتف ، ونحو ذلك مما يسره الله تعالى في هذه الأزمنة .
وقد سئلت اللجنة الدائمة
: هل خروج المرأة لتعلم الطب إذا كان واجبا أو جائزا ، إذا كانت سترتكب في سبيله هذه الأشياء مهما حاولت تلافيها :
أ - الاختلاط مع الرجال : في الكلام مع المريض - معلم الطب - في المواصلات العامة.
ب- السفر من بلد مثل السودان إلى مصر ، ولو كانت تسافر بطائرة ، أي لمدة ساعات وليست لمدة ثلاثة أيام.
ج- هل يجوز لها الإقامة بمفردها بدون محرم من أجل تعلم الطب ، وإذا كانت إقامة في وسط جماعة من النساء مع الظروف السابقة.
فأجابت :
أولا : " إذا كان خروجها لتعلم الطب ينشأ عنه اختلاطها بالرجال في التعليم أو في ركوب المواصلات اختلاطا تحدث منه فتنة فلا يجوز لها ذلك ؛ لأن حفظها لعرضها فرض عين
وتعلمها الطب فرض كفاية ، وفرض العين مقدم على فرض الكفاية . وأما مجرد الكلام مع المريض أو معلم الطب فليس بمحرم
وإنما المحرم أن تخضع بالقول لمن تخاطبه وتلين له الكلام ، فيطمع فيها من في قلبه مرض الفسوق والنفاق ، وليس هذا خاصا بتعلم الطب .
ثانيا : إذا كان معها محرم في سفرها لتعلم الطب ، أو لتعليمه ، أو لعلاج مريض جاز. وإذا لم يكن معها في سفرها لذلك زوج أو محرم كان حراما ، ولو كان السفر بالطائرة
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) متفق على صحته ، ولما تقدم من إيثار مصلحة المحافظة على الأعراض على مصلحة تعلم الطب أو تعليمه ... إلخ .
ثالثا : إذا كانت إقامتها بدون محرم مع جماعة مأمونة من النساء من أجل تعلم الطب أو تعليمه ، أو مباشرة علاج النساء جاز
وإن خشيت الفتنة من عدم وجود زوج أو محرم معها في غربتها لم يجز. وإن كانت تباشر علاج رجال لم يجز إلا لضرورة مع عدم الخلوة "
انتهى من "فتاوى الجنة الدائمة" (12/178) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-31, 05:35
يسأل عن معنى كلمة خريفاً التي ذكرت في بعض الأحاديث
السؤال:
أقرأ بعض الأحاديث فأجد أن فيها وحدات قياسية مثل( سبعون خريفا, أربعون خريفا ) أريد توضيح المقصود بكلمة خريف .
الجواب :
الحمد لله
المقصود بخريف في تلك الأحاديث هو ( السنة )
, وهو من باب إطلاق البعض وإرادة الكل, لأن كل سنة فيها خريف واحد ، فإذا مر سبعون خريفا ، فقد مر سبعون عاما .
وهذا من الأساليب المعروفة عند العرب
: أن يطلقوا على الشيء اسم جزء منه ؛ مثل قولهم : رأيت عينا يقصدون جاسوسا, فالعين هي بعض الجاسوس , وكذلك الخريف فهو بعض السنة وقد أطلقوه على السنة كلها.
قال في فتح الباري ( 8 / 455)
: ( الْخَرِيف زَمَان مَعْلُوم مِنْ السَّنَةِ ، وَالْمُرَاد بِهِ هُنَا اَلْعَام وَتَخْصِيص اَلْخَرِيفِ بِالذِّكْرِ دُونَ بَقِيَّةِ اَلْفُصُولِ - اَلصَّيْف وَالشِّتَاء وَالرَّبِيع - لِأَنَّ اَلْخَرِيفَ أَزْكَى اَلْفُصُول لِكَوْنِهِ يُجْنَى فِيهِ اَلثِّمَارُ ) .
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-04, 12:33
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
درجة حديث ( ثَلاَثٌ مِنَ العَجْزِ – أو الجفاء - فِي الرَّجُلِ ) وبيان صحة معناه
السؤال:
ما صحة حديث ( ثَلاَثٌ مِنَ العَجْزِ فِي الرَّجُلِ : أَنْ يَلْقَى مَنْ يُحِبُّ مَعْرِفَتَهُ فَيُفَارِقَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ ، وَالثَّانِي : أَنْ يُكْرِمَهُ أَحَدٌ فَيَرُدَّ عَلَيْهِ كَرَامَتَهُ
وَالثَّالِثُ : أَنْ يُقَارِبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَيُصِيبَهَا قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَهَا وَيُؤَانِسَهَا ، وَيُضَاجِعَهَا فَيَقْضِي حَاجَتَهُ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَقْضِي حَاجَتَهَا مِنْهُ ) رواه الديلمي في " مسند الفردوس " ؟
وإن كان ضعيفاً هل من معناه صحيح ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
الحديث المذكور في السؤال له ألفاظ متقاربة ، وهو حديث ضعيف جدّاً ، لا يصح بوجه من الوجوه ، وقد جاء مختصراً ومطوَّلاً .
أما المختصر فهو بلفظ :
( لا يَقَعَنَّ أحدُكم على امرأتِه كما تَقَعُ البَهيمةُ وليكنْ بينهما رسولٌ ) قيل : وما الرسولُ ؟ قال : ( القُبْلةُ والكَلامُ ) .
قال الحافظ العراقي – رحمه الله
- :
( رواه ) أبو منصور الديلمي في " مسند الفردوس " من حديث أنس ، وهو منكر .
" إحياء علوم الدين ، ومعه تخريج الحافظ العراقي " ( 2 / 50 ) .
وأما المطوَّل : فله ألفاظ منها ما جاء في السؤال ، ومنها :
عن أنس قال : قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ثَلاثةٌ مِن الجَفَا : أنْ يُؤاخِي الرَّجلُ الرَّجلَ فَلا يَعرِف له اسْماً وَلاَ كُنْية ، وَأن يُهيِّئ الرجلُ لأخيهِ طَعاماً فَلاَ يُجِيبه
وأن يَكونَ بَيْن الرجُلِ وَأهلِه وِقاعٌ مِن غَير أن يُرسِلَ رسُولاً : المِزاحُ والقُبَل ؛ لا يَقَع أحدُكم على أَهلِهِ مِثلَ البَهِيمة على البهيمةِ ) .
وضعفه الشيخ الألباني في " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " ( 13 / 179 حديث رقم 6075 ) .
ثانياً:
وأما ما احتواه النص من معاني فهي معانٍ صحيحة في الجملة :
أما الجملة الأولى : فلم يصح فيها شيء مرفوع ، لكن صحَّ ذلك عن بعض التابعين ، وهو معنى صحيح لا يحتاج مثله لحديث مرفوع .
وأشهر ما ورد في المسألة من الأحاديث المرفوعة حديثان :
A 1. حديث ابن عمر ( إِذا آخَيْتَ رَجُلاً فَسَلْهُ عَنِ اسْمِهِ واسْمِ أبيهِ فإنْ كانَ غَائِباً حَفِظْتَهُ وإنْ كانَ مَرِيضاً عُدْتَهُ وإِنْ ماتَ شَهِدْتَهُ ) .
وهو حديث ضعيف جدّاً كما نبَّه عليه الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " ( 1725 ) .
2. عَنْ يَزِيدَ بْنِ نَعَامَةَ الضَّبِّيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنْ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَمِمَّنْ هُوَ فَإِنَّهُ أَوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ ) .
رواه الترمذي ( 2392 ) وقال : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَا نَعْرِفُ لِيَزِيدَ بْنِ نَعَامَةَ سَمَاعًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ . انتهى
وينظر: " إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة " ، للبوصيري( 5 / 497 ) .
والأخوة المرادة هنا هي الأخوَّة الخاصَّة ، وقد جاء في بعض ألفاظه " إذا أحبَّ " كما رواه كذلك الإمام هنَّاد بن السري في " الزهد " ( 1 / 275 ) .
ثالثاً:
وأما الجملة الثانية : وهي ( أَنْ يُكْرِمَهُ أَحَدٌ فَيَرُدَّ عَلَيْهِ كَرَامَتَهُ ) : فمعناها – كما جاء في بعض ألفاظ الأثر - أن يهيِّئ الرجل لأخيه طعاماً فلا يجيبه
وهذا مما يوقع الوحشة بين الأخوين ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ من كان صائماً تطوعاً أن يُفطر ويأكل من طعام أخيه ؛ تأليفاً للقلوب وإزالة للوحشة بينهما .
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ قَالَ : صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فَأَتَانِي هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، فَلَمَّا وُضِعَ
الطَّعَامُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ " إِنِّي صَائِمٌ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ ) ثُمَّ قَالَ لَهُ ( أَفْطِرْ وَصُمْ مَكَانَهُ يَوْمًا إِنْ شِئْتَ ) .
رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 4 / 279 ) وحسَّنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 4 / 210 ) ، والألباني في " إرواء الغليل " ( 7 / 11 ) .
رابعاً:
وأما الجملة الثالثة : وهي : " أَنْ يُقَارِبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَيُصِيبَهَا قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَهَا وَيُؤَانِسَهَا ، وَيُضَاجِعَهَا فَيَقْضِي حَاجَتَهُ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَقْضِي حَاجَتَهَا مِنْهُ " : فهي صحيحة المعنى
وقد ذكر العلماء أن من آداب الجماع أن يسبقه الزوج بالكلام والتقبيل وأن لا يباشر بالجماع دونهما ، كما نبَّهوا على حق المرأة في الاستمتاع بزوجها
فلا ينبغي له إذا أولج فأنزل أن يقوم عنها حتى يعلم أنها قضت حاجتها منه .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
وممَّا ينبغى تقديُمُه على الجِماع : ملاعبةُ المرأة ، وتقبيلُها ، ومصُّ لِسانها ، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلاعبُ أهله ، ويُقَبلُها .
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 4 / 253 ) .
وقال الغزالي – رحمه الله - :
ثم إذا قضى وطره فليتمهل على أهله حتى تقضي هي أيضاً نَهْمتها ؛ فإن إنزالها ربما يتأخر فتَهيجُ شهوتُها ، ثم القعود عنها إيذاءٌ لها
والاختلاف في طبع الإنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج سابقاً إلى الإنزال ، والتوافق في وقت الإنزال ألذ عندها ، ولا يشتغل الرجل بنفسه عنها فإنها ربما تستحي .
" إحياء علوم الدين " ( 2 / 50 ) .
فتبين مما سبق أن الحديث الوارد نصُّه في السؤال لا يصح من حيث إسناده ، وأما ما تضمنه من المعاني والإرشادات : فهي صحيحة ، لا غبار عليها .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-04, 12:38
هل ثبت في السنَّة صلاةٌ في آخر جمعة من رمضان تكفِّر إثم من فاتته صلوات مفروضة ؟
السؤال:
أريد من سيادتكم أن توضحوا لي : ما صحة هذا الحديث الذي ورد في فضل الصلاة في آخر جمعة من شهر رمضان ، حيث ورد فيه ( من فاته صلاة في حياته عليه أن يصلى 4 ركعات بتشهد واحد وأن يقرأ
فاتحة الكتاب وسور الكوثر والقدر 15 مرة في كل ركعة ) ! على أن تكون نيته كفارة لما فاته من صلوات ، وعن فضله : أنها مكفرة لـ 400 سنة ! وقال الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه : إنها مكفرة لـ 1000 سنة ! .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
من ترك صلاة مفروضة حتى خرج وقتها فلا يخلو إما أن يكون قد تركها لعذر كنوم أو نسيان ، أو يكون تركها لغير عذر ، فمن تركها لعذر فلا إثم عليه ، ويجب عليه أن يصليها متى استيقظ أو تذكَّر
ومن تركها عامداً فهو آثم إثماً عظيماً ويلزمه قضاؤها عند كثير من العلماء ، واختار آخرون أنه لا يقضيها ، وإنما عليه التوبة والاستغفار والندم والإكثار من العمل الصالح .
وانظر جواب السؤال رقم القادم
ثانياً :
ما يروى من أن هناك صلاةً يصليها من ترك صلاة متعمِّداً حتى خرج وقتها لتكون كفارة لفعله : فهو كذب على الشرع ، وإليك طائفة من أقوال العلماء في ذلك :
1. قال الشوكاني رحمه الله :
"حديث ( من صلى في آخر جمعة من رمضان الخمس الصلوات المفروضة في اليوم والليلة قضت عنه ما أخل به من صلاة سنَته ) : هذا موضوع لا إشكال فيه
ولم أجده في شيء من الكتب التي جمع مصنفوها فيها الأحاديث الموضوعة ، ولكنه اشتهر عند جماعة من المتفقهة بمدينة " صنعاء " في عصرنا هذا ، وصار كثير منهم يفعلون ذلك !
ولا أدري مَن وضعه لهم ، فقبَّح الله الكذابين" انتهى .
" الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " ( ص 54 ) .
2. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"الصلاة عبادة ، والأصل فيها : التوقيف ، وطلب قضائها وبيانه : تشريع ، وذلك لا يصح أن يرجع فيه إلا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع المستند إليهما
أو إلى أحدهما ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ، ولا عن أئمة الهدى رحمهم الله : أنهم صلوا هذه الصلاة أو أمروا بها وحثوا عليها
أو رغبوا فيها ، ولو كانت ثابتة لعرفها أصحابه رضي الله عنهم ، ونقلوها إلينا ، وأرشد إليها أئمة الهدى من بعدهم ، لكن لم يثبت ذلك عن أحد منهم قولاً أو فعلاً
فدل ذلك على أن ما ذكر في السؤال من صلاة " القضاء العمري " : بدعة في الشرع لم يأذن به الله ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) – متفق عليه -
وإنما الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضى من الصلوات ما فات الإنسان لنوم أو نسيان حتى خرج وقته ، وبيَّن لنا أن نصليها نفسها إذا استيقظنا أو تذكرناها ، لا في آخر جمعة من رمضان"
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 8 / 167 ، 168 ) .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
3. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
هناك جماعة من الناس عندهم عادة في رمضان وهي صلاتهم الفروض الخمسة بعد صلاة آخر جمعة ويقولون : إنهاء قضاء عن أي فرض من هذه الفروض لم يصله الإنسان أو نسيه في رمضان ، فما حكم هذه الصلاة ؟ .
فأجاب :
"الحكم في هذه الصلاة : أنها من البدع ، وليس لها أصل في الشريعة الإسلامية ، وهي لا تزيد الإنسان من ربه إلا بُعداً ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كل بدعة ضلالة
وكل ضلالة في النار) فالبدع وإن استحسنها مبتدعوها ورأوها حسنة في نفوسهم : فإنها سيئة عند الله عز وجل ؛ لأن نبيه صلى الله عليه وسلم يقول
: (كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار) وهذه الصلوات الخمس التي يقضيها الإنسان في آخر جمعة من رمضان : لا أصل لها في الشرع
ثم إننا نقول : هل لم يخلَّ هذا الإنسان إلا في خمس صلوات فقط ؟! ربما أنه أخل في عدة أيام لا في عدة صلوات
.
والمهم : أن الإنسان ما علم أنه مخلٌّ فيه : فعليه قضاؤه متى علم ذلك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) – متفق عليه -
وأما أن الإنسان يفعل هذه الصلوات الخمس احتياطاً - كما يزعمون - : فإن هذا منكر ولا يجوز" انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 12 / 227 ، 228 ) .
4. وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
قرأتُ حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه : (من فاتته صلاة في عُمُره ولم يحصها فليقم في آخر جمعة من رمضان وليصل أربع ركعات بتشهد واحد ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب
وسورة القدر خمس عشرة مرة ، وسورة الكوثر كذلك ، ويقول في النية : نويت أصلي أربع ركعات كفارة لما فاتتني من الصلاة" ) ! فما مدى صحة هذا الحديث ؟ .
فأجاب :
"هذا لا أصل له في سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) – متفق عليه
- الصلوات التي تركتها فيما سبق : إذا كنت تركتها لأجل نوم - مثلا - أو إغماء أو لعذر ظننت أنه يجيز لك تأخيرها : فالواجب عليك أن تقضيها ، وأن تصليها مرتبة ، فإذا كنت تركتها متعمِّداً :
فالصحيح من قولي العلماء : أن عليك التوبة إلى الله ؛ لأن من ترك الصلاة متعمداً : فأمره خطير ، حتى ولو لم يجحد وجوبها ، فإن الصحيح أنه يكفر بذلك
فعليك أن تتوب إلى الله إن كنت تركتها متعمداً ، وأن تحافظ على الصلاة في مستقبلك ، والله يتوب على من تاب .
أما إن كنت تركتها من نوم أو إغماء ، أو غير ذلك مما حال بينك وبين أدائها في وقتها : فإنك تقضيها ولا بدَّ ، أما أن تصلي هذه الصلاة التي ذكرتها في آخر رمضان على هذه الصفة :
هذا لا أصل له من دين الإسلام ، ولا يكفر عنك الصلوات التي تركتها" انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان " ( 1 / 303 ، 304 ) .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-04, 12:46
حكم قضاء الصلاة الفائتة
السؤال
أسلمت حديثا ، وعندي مجموعة أسئلة أرغب في الحصول على أجوبتها، وأظن أنك ستجد في بعضها شيئاً من الغباء الشديد .
ماذا أقول عندما أصلي ؟
والداي على البوذية ، ووالدي هو الوحيد في العائلة الذي يعلم بأمر إسلامي ، وأفراد العائلة أحيانا يدعونني لتناول الطعام معهم ، لكني لا آكل لحم الخنزير، أو أي طعام يحتوي على أمور محرمة أعرفها
لكني أسأل عن الدجاج وأنواع اللحوم الأخرى كالسمك مثلا ، والتي لم يذبحها مسلم ، أهي محرمة ؟ وهل أكون قد وقعت في معصية (لأكلي من تلك الأطعمة) ؟
كيف أتوب إلى الله سبحانه وتعالى من المعاصي التي وقعت فيها ؟ وكيف أحصل على غفرانه عن المعاصي اليومية التي وقعت فيها ؟
إذا فاتتني صلاة الصبح ، أو الظهر، أو أي فرض من الفروض الخمسة ، فهل أكون قد وقعت في معصية، وكيف يُغفر لي ؟
كيف أتعلم القراءة والذكر أثناء الصلاة ، وأتعلم أيضا قراءة القرآن بالعربية ؟
على الأقل الكلمات الأساسية التي يجب أن تقال خلال الصلاة . جميع الأطعمة البحرية ، أحلال هي أم حرام ؟.
الجواب
الحمد لله
أولاً :
نشكر لك ثقتك بموقعنا ، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن ، وأن يمنَّ عليك بالتوفيق والرشاد ، كما نشكر لك مبادرتك في تعلم ما جهلته ، وهذا هو الواجب على كل مسلم
والمرء لا يولد عالماً ، وكما قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم ) حسنه ابن حجر في فتح الباري ، ولا تظن بأن السؤال عما تجهله يُعتبر غباءً ، بل هو أمر مطلوب يُحمد عليه الإنسان .
ثانياً :
بالنسبة للأسئلة المتعلقة بالصلاة فتجد في
.https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2137434
ثالثاً :
وأما ما يتعلق بالقراءة في الصلاة باللغة العربية أو غيرها فتجد في السؤال رقم ( 3471 ) إجابة وافية بإذن الله عن هذا الأمر .
ونوصيك بالحرص الشديد على تعلم اللغة العربية على الأقل فيما يتعلق بسورة الفاتحة وأركان وواجبات الصلاة وذلك متيسر ، إما بالأخذ عن مسلم يحفظها ويحسن قراءتها
أو دخول مواقع في الشبكة تحتوي على تسجيل صوتي للقرآن الكريم ، والاستماع إليها ، وحفظها من هناك .
رابعاً :
بالنسبة لتفويت الصلاة فإنه لا يخلو من حالين :
الأولى : أن تفوت الصلاة من غير قصد منك بل لعذر شرعي كنسيان أو نوم مع حرصك الشديد في الأصل على أدائها في وقتها
ففي هذه الحال تكون معذورا ويجب عليك قضاؤها بمجرد ذكرك لها والدليل على ذلك ما ورد في صحيح مسلم (681 ) في قصة نوم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الفجر فَجَعَلَ الصحابة بَعْضُهم يَهْمِسُ إِلَى بَعْض :"
مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلاتِنَا " فقَالَ رسول الله : " أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاةِ الأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا ".
وليس معنى ذلك أن الإنسان ينام متعمداً عن الصلاة حتى تفوته ثم يعتذر بالنوم أو يفرط في السبل التي تعينه على القيام لها ثم يعتذر بذلك
بل عليه أن يبذل كل ما يستطيعه من أسباب كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة فإنه أوكل شخصا بالبقاء مستيقظا ليوقظهم للصلاة لكنه غلبه النعاس فلم يوقظهم
فهذه الحال هي التي يُعذر فيها الإنسان .
الثانية : أن تفوته الصلاة عامداً متعمدا فهذه معصية عظيمة وجُرم خطير حتى أن بعض العلماء يفتي بكفر فاعل ذلك ، ( كما في مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ ابن باز ( 10/ 374 ) .
فهذا يجب عليه التوبة الصادقة النصوح ، بإجماع أهل العلم ، وأما قضاؤها فقد اختلف أهل العلم هل تقبل منه لو قضاها بعد ذلك أو لا تقبل ؟ فأكثر العلماء على أنه يقضيها وتصح منه مع الإثم { يعني إذا لم يتب – والله أعلم - }
كما نقله عنهم الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع ( 2 / 89 ) والذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أنها لا تصحّ ، بل ولا يشرع له قضاؤها .
قال رحمه الله في الاختيارات ( 34 ) :
" وتارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها ، ولا تصح منه ، بل يكثر من التطوع
وهو قول طائفة من السلف ." وممن رجح هذا القول من المعاصرين الشيخ ابن عثمين رحمه الله في الموضع السابق واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) متفق عليه .
فيجب عليك أن تحذر من هذا الأمر أشد الحذر وأن تحرص على أداء الصلاة في أوقاتها كما قال تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ) النساء / 103 .
وما سألت عنه من أطعمة بحرية فهي حلال في الأصل كلها لقوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم ) المائدة / 96 .
نسأل الله أن يوفقك لتعلم العربية والتفقه في الدين ، والتزوّد من الصالحات ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
*عبدالرحمن*
2018-09-04, 12:52
كيف أبدأ في طلب علم الحديث ؟
السؤال
ما قولكم في الذي يريد طلب علوم الحديث ، كيف أبدأ ، مع العلم أني تبحرت في العقيدة ولله الحمد ، وأجد نفسي تميل كثيراً لعلوم الحديث ، وأريد أن أبدأ وأحتاج نصحكم ؟
الجواب :
الحمد لله
يمكننا أن نجمل النصيحة في منهجية طلب علوم الحديث الشريف بالأمور الآتية :
أولاً :
العناية التامة بحفظ متون السنة النبوية ، إذ هي الغاية والثمرة التي نصب العلماء لأجلها علوم الحديث جميعها ، فلا يجوز لطالب العلم أن ينشغل بالوسيلة عن الغاية .
وحفظ متون السنة النبوية يبدأ بحفظ الأحاديث المتفق عليها بين الصحيحين ، ثم حفظ ما انفرد به البخاري ، ثم حفظ ما انفرد به مسلم ، لتنتهي بذلك المرحلة الأولى الأهم في تكوين العقلية الحديثية لدى طالب علم الحديث .
وينتقل بعدها إلى حفظ زوائد الكتب الستة والمسانيد المشهورة على أحاديث الصحيحين ، ويستعين عليها بالكتب الكثيرة التي اعتنت بجمع هذه الزوائد وترتيبها .
وأفضل طرق الحفظ تكرار المحفوظ على مدى أيام عدة بعد اليوم الذي حفظ فيه ، وهي الطريقة التي نصح بها الزرنوجي رحمه الله حين قال :
" ينبغي لطالب العلم أن يعد ويقدر لنفسه تقديراً في التكرار ، فإنه لا يستقر قلبه حتى يبلغ ذلك المبلغ ، وينبغي أن يكرر سبق الأمس – يعني ما حفظه بالأمس - خمس مرات
وسبق اليوم الذي قبل الأمس أربع مرات ، والسبق الذي قبله ثلاث ، والذي قبله اثنين ، والذي قبله واحد ، فهذا أدعى إلى الحفظ والتكرار" انتهى.
"تعليم المتعلم" (ص/60)
فإن لم يتمكن الطالب من الحفظ التام فلا أقل من الاستكثار من قراءة هذه الأحاديث حتى يستحضرها الذهن ، ويستوعبها القلب ، ويسهل تذكرها على الذاكرة .
وقد سبق التفصيل في هذا الموضوع في جواب السؤال القادم
ثانياً :
لا بد أن يهتم طالب علم الحديث بحفظ مدارات الأسانيد وما استطاع من أسماء الرواة وتراجمهم ، فأسانيد السنة النبوية تنقسم – من حيث شهرتها – إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أسانيد أساسية ، تروى بالإسناد الواحد منها مئات الأحاديث ، وتعتبر ركيزة من الركائز التي نقلت إلينا السنة النبوية ، بل ليس من كتب السنة كتاب إلا وهو معتمد عليها ، ومكثر منها ، وذلك :
كإسناد : الأعمش ، عن ذكوان أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة .
وإسناد : الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة .
وإسناد : حماد بن سلمة ، عن ثابت بن أسلم ، عن أنس .
وإسناد : عبيد الله بن عمر العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر .
ويمكن استخراج هذه السلاسل الإسنادية التي تروى بها مئات الروايات من خلال كتاب " تحفة الأشراف " للإمام المزي .
كما يمكن الاستعانة بحفظ رواتها
ورجالها بكتاب : " طبقات المكثرين من رواية الحديث "، تأليف الشيخ : عادل الزرقي . وتقديم العلامة : عبد الله السعد . طبعته : دار طويق .
فإذا اعتنى طالب علم الحديث بهذه الأسانيد وحفظها ، ثم بدأ بتنزيل هذه الأسانيد على المتون التي سبق له حفظها من كتب السنة :
فقد استودع في قلبه بذلك مئات الأحاديث بأسانيدها ، وبدأ بذلك مرحلة جديدة من التمكن الأصيل في هذا العلم الشريف .
القسم الثاني : أسانيد أقل شهرة ، تروى بها عشرات الروايات ، ولكنها تشتمل على بعض الإشكالات المشهورة ، كالانقطاع ، أو التدليس ، أو الإرسال ، ونحو ذلك
ويمكن الاطلاع على بعض هذه الأسانيد في كتاب : " تحفة التحصيل " للعلائي .
فإذا اعتنى طالب العلم بهذه الأسانيد أيضاً ، واستظهر إشكالاتها الحديثية : فقد قطع شوطاً كبيراً في التمكن من هذا الفن .
وأما القسم الثالث : فهي أسانيد الأحاديث الموضوعة والضعيفة ، التي رويت بها أحاديث كثيرة أيضاً ، فهي أيضا مما لا بد من عناية طالب العلم بها
إذ يقبح بالمتخصص أن يخفى عليه ما اشتهر بين علماء الحديث بالضعف والنكارة أو الوضع ، ولتحقيق ذلك لا بد من إدمان القراءة في كتاب : " ميزان الاعتدال " للإمام الذهبي
وكتاب : " الكامل في ضعفاء الرجال " لابن عدي ، وكتاب : " الموضوعات " لابن الجوزي .
ثالثاً :
فإذا قطع طالب علم السنة النبوية شوطا كبيرا في حفظ متون السنة واستظهارها : شرع بعد ذلك في استشراح تلك المتون ، ومعرفة غريبها وأوجه تفسيرها
وقد قال الخطيب البغدادي رحمه الله
: " العلم هو الفهم والدراية ، وليس بالإكثار والتوسع في الرواية "
انتهى. " الجامع لأخلاق الراوي " (ص/174)
ولكن يجب أن يتنبه طالب العلم إلى ضرورة الاقتصار – في بداية الطلب - على الشرح المختصر الذي يحل الغريب ، ولا يطول في بيان المسائل الفقهية والعلمية
فذلك أمر يطول على الطالب ، ويتشعب به إلى أودية قد لا يحسن الخروج منها ، فحبذا لو قرأ شرحاً مختصراً ، ككتاب " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " للإمام القرطبي
وكتاب " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج " للإمام النووي ، فيلخص معنى الحديث وشرح مفرداته من هذه الكتب على نسخته الخاصة التي حفظ منها الحديث نفسه
حتى إذا ما راجع محفوظه من السنة النبوية رافق ذلك الاطلاع على توضيحٍ مختصرٍ للحديث ، فجمع بين فضيلتين .
أما العناية بالمسائل الفقهية المستنبطة من الحديث فذلك شأن آخر ، لا ينبغي تأصيله من كتب شروح الحديث ، وإنما من كتب الفقه التي ترتب مسائل الفقه على طريقة الأصول والفروع المبنية على واحد من المذاهب الأربعة .
رابعاً :
في علوم " مصطلح الحديث " ننصح طالب العلم أن يعتني بكتاب : " تحرير علوم الحديث " للشيخ عبد الله الجديع ، قراءة ، ومدارسة ، وحفظاً لمسائله
فهو كتاب رائد في بابه ، تميز بتأصيل علوم الحديث من خلال الواقع العملي لمسالك النقاد ، ومن خلال استقراء جميع التأصيلات النظرية الواردة في كتب العلل والتراجم ، فضلاً عن كتب مصطلح الحديث الأخرى .
فإن طال الكتاب على الطالب ، أو كان مبتدئاً في الطلب : اقتصر على " نزهة النظر شرح نخبة الفكر " للحافظ ابن حجر ، أو عمل تلخيصاً لكتاب الشيخ عبد الله الجديع ، واعتنى بهذا الملخص
حتى إذا ما أتقنه انطلق يتوسع في قراءة الكتب الأخرى ، وأهمها : " النكت على ابن الصلاح " للحافظ ابن حجر ، و" فتح المغيث " للحافظ السخاوي .
خامساً :
لا بد من حصص كافية من القراءة في نوعين آخرين من الكتب :
النوع الأول : كتب العلل والتخريج التي هي بمثابة التطبيق العملي لعلوم الحديث الشريف ، فيطلع الطالب من خلالها على نماذج واسعة من الأحكام الحديثية والفوائد الإسنادية ، فتنفتح له آفاق البحث والنظر .
النوع الثاني : الدراسات المعاصرة للمتخصصين في فنون الحديث الشريف ، مثل كتب العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه الله ، وكذلك الرسائل العلمية المتخصصة
ونحن نعيش اليوم – بحمد الله – نهضة علمية حديثية لا تكاد تجد لها نظيراً في العصور المتأخرة من تاريخ العلم الشرعي ، وكثير من هذه الدراسات تشتمل على مناقشات علمية متمكنة ، ومباحثات مهمة في مسائل ضرورية
لا ينبغي لطالب علم الحديث أن يقصر نظره عنها ، أو يعزب فكره عن العناية بها ، وسيجد أنه بقراءته في هذه الدراسات المعاصرة سيزيد من رصيد تمكنه
وتتوسع مداركه ، وتنقدح في ذهنه الكثير من المباحث التي تحتاج إلى دراسة وتأمل ، فلعله يساهم في تحقيق ذلك .
وقبل ذلك كله تذكير النفس بتقوى الله تعالى ، فهي غاية كل العلوم ، ومن اشتغل بالعلم عن العمل فقد ضل وهلك ، بل الواجب أن يُرى أثر العلم في تخشع المتعلم وتواضعه واشتهار خلقه وأدبه بين الناس .
عن الحسن البصري رحمه الله قال :
" كان الرجل يطلب العلم ، فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه ويده " انتهى.
" الزهد " لعبد الله بن المبارك (رقم/79)
ويقول ابن الصلاح رحمه الله :
" من أراد التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شيء من علومه : فليقدم تصحيح النية وإخلاصها ، وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها ، وليحذر بلية حب الرئاسة ورعوناتها " انتهى.
" علوم الحديث " (ص/213)
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-04, 13:04
محتار بين حفظ بلوغ المرام أو الجمع بين الصحيحين
السؤال
أنا محتار ومتردد بين حفظ : " بلوغ المرام "، وبين حفظ : " الجمع بين الصحيحين " في العطلة القادمة في الصيف ، وأخشى أن أدخل دورة الصحيحين ثم لا أستطيع أن أواصل في الحفظ
حيث إن المقرر حفظ (20) وجها يوميا . فما مشورة إخواني طلاب العلم في الموقع ؟
الجواب
الحمد لله
نصيحتنا لك ألا تتردد في دخول دورة حفظ الصحيحين ، وأن تقدمها على كل مشروع علمي تشتغل به الآن ، فقد لمسنا فيها الخير الكبير ، والفائدة العظيمة ، والحق يقال : إنها من نعم الله تعالى على طلبة العلم في هذه الأيام
أن يجد الطالب – في مقتبل الطلب - فرصةَ التفرغ لحفظ أهم مصدر من مصادر الشريعة بعد كتاب الله تعالى ، ويقضي أيامه وأوقاته بين يدي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحفظ عباراته ، ويستظهر أقواله وأفعاله وسيرته صلى الله عليه وسلم ، وقد يكون ذلك في المسجد الحرام ، أو في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
فأي نعمة أعظم من هذه النعمة !
وأي فرصة ينتظر طالب العلم كي يحقق إنجازا عظيما كحفظ الصحيحين ؟!
والله سبحانه وتعالى لا يخيب رجاء طالبٍ صادقٍ لجأ إليه سبحانه أن يعينه على الحفظ والفهم ، وتوكل عليه سبحانه أن يسهل عليه كل عسير
ثم جلس في الروضة الشريفة يرجو أن يفتح الله عليه كما فتح على الإمام البخاري الذي كتب السنة والتراجم على ضوء القمر في هذا المكان المبارك .
هل ترى أخي الكريم أن الطالب الذي امتلأ قلبه بحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وتمنى أن لو رآه بنفسه وماله وولده ، واحتسب أن ييسر الله له بطلبه العلم سبيل الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
هل ترى مثل هذا الطالب يخيب سعيه ، ولا يرجع بالعلم والأجر والفضل ، أم تراه وقع فيما سيندم عليه ، ويراه – في مستقبل الأيام – مشغلة ومضيعة؟!
وقد سمعنا عن بعض أهل العلم المعاصرين من كاد قلبه يتفطر ألما أن فرصة مثل هذه فاتته في بداية طلبه ، فلا تُفَوِّت أنت الفرصة ، وبادر إلى الخير ، واستعن بالله عز وجل .
أما حيرتك بين حفظ " الجمع بين الصحيحين " ، وحفظ " بلوغ المرام " : فنحن نميل إلى أن حفظ الأول أولى وأفضل من نواحٍ عديدة :
أولا : حفظ واستظهار أحاديث الصحيحين يعني استيعاب – ولو بقدر ما – المصدر الثاني من مصادر التشريع ، وهي السنة التي عليها مدار الدين والشريعة ، وذلك يخلق في نفس الطالب قوة علمية تأصيلية متينة .
ثانيا : في حفظ " الجمع بين الصحيحين " أولا تدرج منهجي في حفظ السنة النبوية ، فالبداية في الأحاديث المتفق عليها ، ثم مفردات البخاري ، ثم مفردات مسلم ، ثم يستكمل الطالب زوائد السنن والمسانيد على الصحيحين
وهكذا حتى يستكمل حفظ مجمل السنة النبوية ، ولا شك أن التدرج في الحفظ ينظم عقلية الطالب ، ويرفع همته وهو يستشعر إنجاز مراحل الحفظ مرحلة بعد أخرى .
ثالثا : البداية بحفظ " الجمع بين الصحيحين " تسهل على الطالب معرفة مخرج الحديث ومصدره ، أما البداية بكتب أحاديث الأحكام المنتقاة من كتب السنة كثيرا ما تؤدي إلى اختلاط مصادر الأحاديث في ذهن الطالب
فلا يكاد يستحضر من أخرج الحديث من أصحاب الكتب الستة .
رابعا : استحضار أحاديث الصحيحين يخلق في نفس الطالب دافعا قويا لاستكمال حفظ كتب السنة ، فقد لمس فعليا إمكانية استظهار أحاديث أعظم كتابين من كتب السنة
فلا يرى حائلا يحول دون استكمال زوائد السنن إلا الوقت ، وهذا حافز مهم جدا في النجاح والإبداع .
خامسا : مَن حفظ " الجمع بين الصحيحين " فهو أقدر على استكمال واستظهار أحاديث الأحكام من كتبها : كـ " المنتقى "، و " المحرر "، و " بلوغ المرام "
فإن هذه الكتب اقتصرت فقط على أحاديث الأحكام ، أما الصحيحان فهما يشملان الأحاديث في أبواب الدين جميعها
.
أما خشيتك من الضعف أو العجز عن اجتياز الدورة وإتمام النصاب المطلوب من الحفظ ، فيمكننا أن نقدم لك فيه
نصيحتين لعل فيهما إزالة هذه الخشية :
أما النصيحة الأولى : فهي أن تتذكر أن العقل البشري بحاجة إلى تدريب وتدرج في الحفظ ، تماما كما يتدرب الرياضي بعضلات جسمه لتعتاد على بذل المجهود البدني الكبير
ولذلك قد تجد صعوبة على الحفظ في بداية أسابيع الدورة ، ولكنك ستجد نفسك شيئا فشيئا أقدر على الحفظ والتسميع .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله :
" أي عضو كثرت رياضته قوي ، وخصوصا على نوع تلك الرياضة ، بل كل قوة فهذا شأنها ، فإن من استكثر من الحفظ قويت حافظته ، ومن استكثر من الفكر قويت قوته المفكرة ، ولكل عضو رياضة تخصه " انتهى.
"زاد المعاد" (4/225)
وهذا أمر مجرب مشاهد ، فلا تستجب لتثبيط الشيطان لك ، فليس جميع من يشترك في دورات الحفظ هم من النوابغ العباقرة ، ولست أقل شأنا من أي مشترك
وقد شاهدنا وسمعنا وقرأنا عن صغار لم يبلغوا الحلم أتموا الحفظ المتقن لهذه الكتب المباركة ، كما شاهدنا من الكبار الذي تجاوزوا الخمسين من استطاع أن يحفظها أيضا
كل ذلك بفضل الله أولا ، ثم بفضل العزيمة والتوكل على الله عز وجل .
أما النصيحة الثانية : فهي أن تحافظ على برنامج يومي لمراجعة ومذاكرة المحفوظ أثناء الدورة وبعدها ، وتيقن أن برنامج المراجعة أهم وأولى وأعظم شأنا بكثير من برنامج الحفظ
لأن الحفظ لا يثبت إلا بالمذاكرة والمراجعة والتكرار ، وهذا يحتاج إلى أيام طويلة ، فاحتفظ بقدر – ولو يسير – بالمراجعة ، وإلا فلا تدخل طريق الحفظ
فهو طريق لا يفلح فيه إلا من حافظ على نصاب يومي في المراجعة .
يقول الإمام الزهري رحمه الله :
" إنما يُذهِبُ العلمَ النسيانُ وتركُ المذاكرة " انتهى.
"الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (3/63)
ولعل من أفضل الطرق التي نرشدك إليها في هذا الصدد ، ما ذكره الزرنوجي - في رسالته " تعليم المتعلم طريق التعلم " (ص/41- 42) - وجربه كثير من طلبة العلم ونفعهم الله بها
وهي طريقة تجمع بين النفع والسهولة ، حيث يقول رحمه الله :
" وينبغي لطالب العلم أن يكرر سَبْق - يعني : المقدار الذي يحفظه - الأمس خمس مرات ، وسبق اليوم الذي قبل الأمس أربع مرات
والسبق الذي قبله ثلاث مرات ، والذي قبله اثنين ، والذي قبله مرة واحدة ، فهذا أدعى إلى الحفظ " انتهى.
وأخيرا ، فالحفظ كله خير إن شاء الله تعالى ، والأهم منه المذاكرة المستمرة ، والفهم الصحيح ، والعمل بما علم ، وتقوى الله تعالى سبب التوفيق والنجاح .
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهادُه.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما :
" إنما يحفظُ الرجلُ على قدر نيته " انتهى.
"الجامع لأخلاق الراوي" (2/257)
وانظر نصائح مهمة ذكرها الخطيب البغدادي في العون على الحفظ ،
في " الجامع لأخلاق الراوي" (2/249-279)
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-08, 06:19
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حديث ( ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي )
السؤال
ما قولكم في هذا الحديث الوارد في صحيح مسلم - كتاب الوصية ( باب تَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ شيء يُوصِي فِيهِ ) : 4319- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ
وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ - قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الاَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَوْمُ الْخَمِيسِ ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ؟! ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى . فَقُلْتُ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ
وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ؟ قَالَ : اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ . فَقَالَ " ائْتُونِي اَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدِي " . فَتَنَازَعُوا وَمَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ . وَقَالُوا : مَا شَاْنُهُ ؟! أَهَجَرَ ؟!
اسْتَفْهِمُوهُ . قَالَ " دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ ، اُوصِيكُمْ بِثَلاَثٍ : أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ " . قَالَ وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَهَا فَاُنْسِيتُهَا .
وهناك لسان آخر للحديث يتبع هذا المعنى 4321- حدَّثَنَا اِسْحَاقُ بْنُ اِبْرَاهِيمَ، اَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ : يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ
. ثُمَّ جَعَلَ تَسِيلُ دُمُوعُهُ حَتَّى رَاَيْتُ عَلَى خَدَّيْهِ كَاَنَّهَا نِظَامُ اللُّؤْلُؤِ . قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ - اَوِ اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ - اَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ اَبَدًا "
. فَقَالُوا اِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهْجُرُ . أرجو تبيان المعنى الذي تتضمنة الرواية إن صدقت : فهل يصح أن يكون هناك تعالي على مكان ومقام النبي صلى الله عليه وسلم ؟
وهل يحق لأحد أن يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من أمر هو قاضيه ، وهو المسدد ؟
وهل يحق أن نحاسب النبي صلى الله عليه وسلم كما نحاسب أنفسنا بأن يصل عقله إلى حد التخريف والعياذ بالله ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لطاعته وخدمة دينه وشرعه .
ثم نوصيك بالعناية بثوابت الدين المتمثلة بأركان الإسلام والإيمان ، وبكليات الشريعة المتمثلة بالقواعد الفقهية والمقاصد العامة ، المقررة في مئات النصوص القطعية من الكتاب والسنة
فهي الآيات المحكمات التي جعلها الله سبحانه وتعالى عصمة للدين من التحريف والتبديل ، وعصمة لمن خشي على نفسه الفتنة والغواية .
يقول الله عز وجل : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران/7
وليست هذه العصمة في الكتاب فقط ، بل العلومُ كلُّها – بطبيعتها - مبنيةٌ على محكمات وثوابت يعرفها أهلها
والمتخصصون بها ، فلا تشكل عليهم شيء من فلتات الأحداث أو الكلمات أو المواقف التي تعارض تلك الأصول ، فالفرع المظنون لا يهدم الأصل الراسخ ، لا في منطق الشرع ولا في منطق العقل .
ولعل الغفلة عن هذه الفكرة سبب أكثر أخطاء المشتغلين بالثقافة اليوم ، سواء كانت ثقافة علمية شرعية أم علمية إنسانية ، فتجد مَن يصدر برأيه متشبثا بسياق مختلف عن السياق العام الذي يحكم ذلك الفكر
بناء على أفرادِ نصوصٍ أو آحادِ حوادثَ يريد كسر الإطار اللغوي أو التاريخي الذي وردت فيه ، كحال بعض المستشرقين الذين يشككون في السنة النبوية كلها
ضاربين صفحا عن مئات الآلاف من الصفحات التي سطرها المحدثون بدمائهم وأعمارهم وأموالهم لنقل السنة غضة كما هي ، بحجة فقد كتاب أو اتهام راو أو دخول بعض الوضع والكذب
مَثَلُهم في ذلك مثل الطفل الذي لا يقيس العالم كله إلا بشخص أبويه ، فكلما رأى امرأة ناداها باسم أمه ، أو كلما رأى رجلا ظن أن أباه أقوى وأفضل منه .
ثانيا :
أما في معرض الجواب عما استشكلته ، فانظر فيه نظرة الاعتدال السابقة ، وحَكِّم في ذلك المحكمات الواردة في عشرات النصوص القرآنية التي تُثنِي على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومئات النصوص النبوية التي تبين عظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوبهم ، وانظر كتب السيرة التي مُلئت بالتضحيات التي قدموها في نصرة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم
ثم قارن ذلك بالإشكال الذي وجدته في حديث ابن عباس عن يوم الخميس ، وأظنك لن تحتاج بعدها إلى جواب تفصيلي عن ذلك الإشكال ، فالقاعدة التي سبق شرحها أعلاه تقضي بالتسليم للمحكمات ونبذ المتشابهات .
يقول الشاطبي رحمه الله في "الموافقات" (3/260) :
" إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال " انتهى . ثم ذكر أدلة هذا الأصل وأمثلة عليه في كلام محكم ومفيد فليرجع إليه.
ثانيا :
ولكننا – زيادة في البيان ورغبة في بعث الاطمئنان – نقرر لك هنا بعض الأجوبة التفصيلية عن هذه المسألة ، ليزداد يقينك ، ثم ليكون لك هذا المثال ميزانا تقيس عليه كل شبهة ترد عليك ، فنقول :
إن خلاصة الحادثة أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب مِمَّن حوله من الصحابة – وهو في إعياء شديد بسبب المرض – أن يحضروا له كتابا ليأمر بكتابة أمرٍ فيه هدايةٌ للأمة من بعده ، لم يُفصح عنه صلى الله عليه وسلم .
فنظر بعض الحضور في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما هو فيه من تعب وإعياء شديدين ، فتأخروا عن إحضار الكتاب
وظنوا أن ما في القرآن العظيم من الهداية يكفيهم عن إجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتابة ، وذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا ) البخاري (114)
ولكن آخرين أصروا على إحضار الكتاب امتثالا لرغبته صلى الله عليه وسلم .
فحصل بعض اللغط والاختلاف بين الفريقين ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، عدل عن طلبه إحضار الكتاب ، وأوصاهم مشافهة بوصية أخرى جامعة مذكورة في الرواية في السؤال .
هذا هو محصل ما في الروايات ، والقصة بذلك تفهم بسياقها السهل الطبيعي ، ولا يستشكلها أي قارئ ولا أي باحث .
إلا أن بعضهم يأبى إلا أن يقرأ فيها تعالي بعض الصحابة على مقام النبوة
ومنعهم إياه من أداء رسالته صلى الله عليه وسلم !
ولا نرى هذه القراءة المغرضة إلا اتباعا للهوى والشيطان ، وتحريفا للكلم عن مواضعه ، لسبب يسير ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغضب لِما حصل
ولم يُنكر على أولئك الذين تباطؤوا عن الكتاب ، ولم يفضحهم الله تعالى بآيات تتلى كما هي عادة القرآن الكريم ، بل سكت وأقرهم ، ولم يكرر صلى الله عليه وسلم طلبه بإحضار الكتاب .
يدلك ذلك على أن الأمر لا يحتمل التفسيرات الباطلة التي يبثها بعض الحاقدين ، وإنما هو خلاف يسير حصل بين الصحابة كبعض الخلافات السابقة :
كما حصل يوم الحديبية حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتحلل فتأخروا رجاء نزول الوحي بالمضي في العمرة ، وكما حصل من خلاف بينهم في شأن الأسرى
ونحوها من الأمور التي كان النبي صلى الله عليه وسلم حاضرها وسكت عنها .
*عبدالرحمن*
2018-09-08, 06:19
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (6/26) :
" لو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي صلى الله عليه وسلم يُبينُه ويكتبه ، ولا يلتفت إلى قول أحد
فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجبا ، ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ ، إذ لو وجب لفعله " انتهى باختصار .
ويقول المازري رحمه الله – كما ينقله ابن حجر في "فتح الباري" (8/134) -:
" إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب ، مع صريح أمره لهم بذلك ؛ لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب ، فكأنه ظهرت منه قرينة
دلت على أن الأمر ليس على التحتم ، بل على الاختيار ، فاختلف اجتهادهم ، وصمم عمر على الامتناع ، لما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم
وعزمه صلى الله عليه وسلم كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد ، وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي ، وإلا فبالاجتهاد ، وفيه حجة لمن قال بالاجتهاد في الشرعيات " انتهى .
ويقول الدكتور إبراهيم الرحيلي في "الانتصار للصحب والآل" :
" فتبين أن اختلافهم ناشئ عن اجتهاد في فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومراده ، وإذا كان علماء الأمة من بعدهم قد اختلفوا في فهم النصوص اختلافاً كبيراً في مسائل كثيرة إلى أقوال متعددة
ولم يُذَموا بذلك لِما تضافرت به النصوص من رفع الحرج عنهم ، بل أجرهم على الاجتهاد على كل حال ، فكيف يذم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باختلافهم في مسألة جزئية
بعد أن عذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم .
بل أخذ بقول الطائفة المانعة من كتابة الكتاب ، ورجع إلى قولها في ترك الكتابـة .
فإنه صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يكتب الكتاب ما استطاع أحد أن يمنعه ، وقد ثبت أنه عاش بعد ذلك أياماً - باتفاق السنة والرافضة - فلم يكتب شيئـــاً " انتهى .
ثالثا :
أما أن بعض الصحابة يتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتخريف – حاشاه من ذلك – بناء على ما جاء في الرواية أنهم ( قالوا : أهجر ؟! استفهموه ) ، فهذه كذبة أخرى وافتراء على القصة والحادثة ، وبيان ذلك :
أن غاية هذه الكلمة ( أَهَجَرَ ؟ ) الشك في وقوع الهجر – وهو الكلام غير الواضح - من النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس تقريرا لذلك ، فالرواية التي جاءت بصيغة الاستفهام أصح من الروايات الأخرى باتفاق المحدثين :
القاضي عياض في "الشفا" (2/886) ، والقرطبي في "المفهم" (4/559) ، والنووي في "شرح مسلم" (11/93) ، وابن حجر في "فتح الباري" (8/133)
والاستفهام يدل على الشك ، وليس على الجزم .
ثم نقول : إنه شك ليس في محله ، ولا ينبغي أن يصدر تجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه شك جاء بشبهة ، فقد كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم شديدا ، كان يوعك كما يوعك الرجلان من الناس
وأغمي عليه مرات كثيرة ، كل ذلك ثابت في الصحيحين ، فظن قائل هذه العبارة – وهو مبهم لا يُعرف ، ولم تُسَمِّه الروايات الصحيحة - أن المرض أثَّر عليه أثرا بالغا إلى حد الهجر
وهو ظن خاطئ ولا شك ، لكن السياق الذي جاء فيه يثبت العذر لمن قاله .
انظر: "منهاج السنة النبوية" (6/24) .
ولذلك لا نجد – ولا في رواية - إنكارَ الحاضرين على قائل هذه العبارة ، بل كان ابن عباس – وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم – يروي هذه اللفظة من غير تحفظ على قائلها
عذرا منهم رضي الله عنهم لقائلها الذي أخذته شدة الموقف ، حيث كانوا يرون أحب الناس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الشدة والمحنة .
كما أن ثمة احتمالا ثانيا وجيها ، وهو أن يكون قائل هذه العبارة قالها عن دهش ولحظة فجيعة باشتداد المرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم يقلها بوعي ولا إدراك تام لحقيقة ما يقول ، تماما كما وقع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين مات النبي صلى الله عليه وسلم من إنكار موته وزعم رجوعه بعد الموت .
يقول القرطبي في "المفهم" (4/560) :
" ويحتمل : أن يكون هذا صدَرَ عن قائله عن دهشٍ وحيرةٍ أصابه في ذلك المقام العظيم ، والمصاب الجسيم ، كما قد أصاب عمر وغيره عند موته " انتهى .
ويقول الشيخ عثمان الخميس في كتابه "حقبة من التاريخ" (ص/318-321) :
" وطعنهم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبَل هذا الحديث يتمثل في أنهم يدعون كذبا أن عمر قال : " إن رسول الله يهجر "
وهذا كذب على عمر !! لم يقل عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر ، بل الرواية في الصحيحين وغيرهما أن عمر رضي الله عنه قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع "
وفي ذلك الوقت كان مرض الموت على النبي صلى الله عليه وسلم شديدا . ويبين هذا حديث عائشة رضي الله عنها لما أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أفاق فقال : أصلى الناس ؟
قالت : هم في انتظارك يا رسول الله . فقربوا إليه الماء فاغتسل ، ثم قام يريد أن يذهب إلى الصلاة فسقط معميا عليه ثم أفاق فقال : أصلى الناس ؟ قالوا :
هم في انتظارك يا رسول الله . فقال : قربوا لي ماء . فأتوه بالماء فاغتسل ، ثم قام يريد أن يذهب للصلاة فسقط . فلما سقط الثالثة ثم أفاق : قال : أصلى الناس ؟
قالوا : هم في انتظارك . قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . متفق عليه .
نعم هناك من قال : أهجر . ولكنه ليس عمر .
وعن عبد الله بن مسعود أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يوعك وعكا شديدا أشفق عليه ، فقال : يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني أوعك كرجلين منكم . قال ابن مسعود : أذلك لأن لك الأجر مرتين ؟ قال : نعم . متفق عليه .
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوعك وعكا شديدا ، فلما سمع عمر النبي صلى الله عليه وسلم يقول : هلم أكتب لكم كتابا . أشفق على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن رسول الله غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله .
وهذا موافق لقوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
والرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( والله ما تركت شيئا يقربكم إلى الله والجنة إلا وأخبرتكم به ، وما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ، وما تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا قد نهيتكم عنه ) النسائي (2719)
فما بقي شيء في الدين لم يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم .
فما هذا الكتاب الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتبه ؟
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده . قال : فخشيت أن يموت قبل أن يأتيه الكتاب
فقلت : يا رسول الله إني أحفظ وأعي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ) البيهقي (5/17) – ومسند أحمد (1/90) -
فإذا قالوا : الصحابة عصوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأتوه بالكتاب .
فنقول : علي أول من عصى ، فإنه هو المأمور مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه بالكتاب . فلماذا لم يأته به ؟ فإذا لُمنا أصحاب النبي صلى الله علهي وسلم على هذا الأمر فعلي يُلام !!
والحق أنه لا لَوم على الجميع ، لأمور :
أولا : إن عليا رضي الله عنه في هذا الحديث نفسه قال : فخشيت أن تذهب نفسه ، فقلت : يا رسول الله إني أحفظ وأعي
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم . فالنبي صلى الله عليه وسلم إذًا تلفظ بما أراد أن يكتب .
ثانيا : الذي أراد أن يكتبه النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون واجبا عليه أو مستحبا ، فإن قالوا : إنه أمر واجب وهو من أمور الشريعة الواجب تبليغها
فقولهم هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ جميع الشرع ، وهذا طعن في النبي صلى الله عليه وسلم وطعن في الله الذي قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم )
وإن قالوا : إنه مستحب !! فنقول : هذا هو قولنا جميعا .
ثالثا : إن الصحابة امتنعوا شفقة على النبي على النبي صلى الله عليه وسلم لا من باب المعصية " انتهى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-08, 06:22
هل يجوز له ربط لحيته ليكف عن نفسه أذى سخرية الناس من طولها ؟
السؤال :
لقد أعفيت لحيتي - والحمد لله - اتباعا لتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم ، لكني أعمل في شركة غير مسلمة ، وسبحان الله فإنه يُنظر إلى اللحية غير المهذبة باحتقار ليس فقط بين غير المسلمين
لكن أيضا بين المسلمين (ربما لأن العلماء لم يقوموا بأداء واجبهم بإخبار الناس بالحكم الشرعي للحية وهم أنفسهم يهذبون لحيتهم بل إنهم حتى يقومون بحلاقة جزء منها) ولكي أتجنب الأذى ولكي أتدبر أمر لحيتي :
جمعتُها معاً برباط مطاطي ، وطويتها تحته حتى تبدو أقصر ومهذبة ، وهذه الطريقة مفيدة في الألعاب الرياضية أيضاً ؛ لأنها تجمع اللحية ، وتقلل من فرص الإمساك بها وسحبها
والآن يبدو أن هناك حديثاً يمنع ربط اللحية لكن قال أحد الإخوة إن ربط اللحية في هذا الحديث يشير إلى الربط بسبب وجود اعتقادات خرافية ، فما هو فهم العلماء الصحيح للحديث ورأيهم فيمن ربط اللحية دون أسباب خرافية ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
استهزاء الكفار بالمسلمين أمر متوقع وواقع ، ولكن حصول ذلك من بعض المسلمين فيه خطر كبير على دينهم ، لا سيما إذا تعلق الأمر بشيء من أحكام الدين وشرائعه الثابتة .
قال الله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ *
لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ) التوبة/ 64 – 66 .
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله :
فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه ؛ لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوا لعباً ، فأخبر الله عن كفرهم باللعب بذلك ....
فدلَّ على استواء حكم الجاد والهازل في إظهار كلمة الكفر ، ودل أيضاً على أن الاستهزاء بآيات الله وبشيء من شرائع دينه كفر مِن فاعله .
" أحكام القرآن " ( 4 / 348 ، 349 ) .
ثانياً :
الحديث الذي تشير إليه في المنع من ربط اللحية هو :
عن رُوَيْفِعَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يَا رُوَيْفِعُ ، لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي فَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ
عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ) رواه أبو داود (36) والنسائي (5067) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وقد ذكر العلماء تفسير ذلك بما لا ينطبق على حالتك .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
قوله : (أن من عقد لحيته) عقد اللحية اختلف العلماء في تفسيره :
منهم من قال : عقد اللحية عادة عند الفُرس ، أنهم كانوا عند الحروب يعقدون لحاهم تكبّراً وتجبّراً ، ونحن قد نهينا عن التشبّه بالكفّار .
والقول الثاني : المراد به عقد اللحية في الصلاة ؛ لأن هذا من العبث في الصلاة ، والحركة في الصلاة ، وهذا مكروه في الصلاة ؛ لأنه يدل على عدم الخشوع .
القول الثالث : أن المراد بعقد اللحية ما يفعله أهل الترف من تجعيد لحاهم وتحسينها وكدّها ، حتى تتجعّد ، يقصدون بها الجمال ، فهذا يكون من الترف .
نعم ، لا بأس أن اللحية تصلح ، وأنها تُنظّف ، وأنها تُكرم ، لكن لا يصل هذا إلى حد الإسراف .
" إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد " ( ص 152 ) .
ولا تخرج تفسيرات العلماء عن هذه التفسيرات ، فانظر " شرح السنة " ( 11 / 28 ) للإمام البغوي ، " معالم السنن " ( 1 / 27 ) ، " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 9 / 178 ) .
وبه يتبين أنه لا حرج عليك في ربط لحيتك لما ذكرتَه من سبب ، وأن ذلك لا يشمله النهي الوارد في الحديث .
ونسأل الله تعالى أن يزيدك تمسكاً بالسنة وحبا لها ، ويبعد عنك كل سوء .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-08, 06:27
خرج مع جماعة التبليغ ويسأل عن ثلاث مسائل سمعها منهم
السؤال
اعتدت أن أكون فرداً من أفراد " جماعة التبليغ " ، وقالوا لي أشياء جعلتني في حيرة ، فأعلموني إن كانو على صواب أم لا . على سبيل المثال : قالوا لي : إني إذا رفعتُ الأذى من الطريق فسوف أنال الحور العين في الجنة
وكذلك لو قمت بالتصفير فإني أنادي على الشيطان ، بل قالوا لابن أخي إنه إذا لم يرتد غطاء الرأس الإسلامي فسوف يجلس الشيطان على رأسه . فهل هذه الأشياء صحيحة ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
قد سبق لنا الحديث حول هذه الجماعة ، وأشرنا إلى بعض ما لها وما عليها ، فانظر أجوبة الأسئلة :الثلاثه القادمه
ثانياً:
ما ذكره لك بعض أفراد جماعة التبليغ من أنك " إذا رفعتَ الأذى من الطريق فسوف تنال الحور العين في الجنة " ، قد اعتمدوا فيه على حديث غير صحيح
وهو ما روي عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( يا علي ! أعط الحور العين مهورهن : إماطة الأذى عن الطريق ، وإخراج القمامة من المسجد ، فذلك مهر الحور العين ) .
رواه الديلمى في " مسند الفردوس " ( 5 / 328 ) من غير إسناد ، والكتاب من مظنة الأحاديث الضعيفة .
وانظر تخريجه في جواب السؤال رقم ( 102757 ) .
ولإماطة الأذى عن الطريق فضائل تابتة ، تغني عن مثل ذلك :
أ. فإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ ) .
رواه البخاري ( 9 ) ومسلم ( 35 ) - واللفظ له - .
ب. وإماطة الأذى عن الطريق موجب لشكر الله تعالى لفاعله ، ولمغفرة ذنوبه :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَه ) .
رواه البخاري ( 624 ) ومسلم ( 1914 ) .
ج. وإماطة الأذى عن الطريق موجب لدخول الجنة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ ) .
رواه مسلم ( 1914 ) .
وفي رواية :
( مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ) .
د. وإماطة الأذى عن الطريق من العمل النافع :
عن أَبي بَرْزَةَ الأسلمي قَالَ : قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ قَالَ : ( اعْزِلْ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ) .
رواه مسلم ( 1915 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق ، سواء كان الأذى شجرة تؤذي ، أو غصن شوك ، أو حجراً يعثر به ، أو قذراً ، أو جيفة ، وغير ذلك .
وإماطة الأذى عن الطريق من " شُعَب الإيمان " – كما سبق في الحديث الصحيح - وفيه التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضرراً .
قوله صلى الله عليه و سلم ( رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق ) أي : يتنعم في الجنة بملاذِّها بسبب قطعه الشجرة .
" شرح مسلم " ( 16 / 171 ) .
ثالثاً:
أما ما ذكر من أنك " لو قمتَ بالتصفير فإنك تنادي على الشيطان " ؛ فهذا لا أصل له في كتاب ولا سنَّة .
وفي التصفير خلاف بين العلماء فمن قائل بالتحريم ، ومن قائل بالجواز ، والقول الثالث : الكراهة
و انظر السؤال الرابع القادم في الترتيب
رابعاً:
وأما ما ذكره لابن أخيك من " أنه إذا لم يرتد غطاء الرأس الإسلامي فسوف يجلس الشيطان على رأسه " ، فقول باطل ، ولا أصل له في الشرع .
وتغطية الرأس ترجع لعرف الناس ، فإن تعارف أهل البلد على أن الرجال يغطون رؤوسهم ، كان ترك ذلك من خوارم المروءة التي يذم بها الرجل ويعاب
وكان ستره في الصلاة حينئذ ـ كستره خارج الصلاة أيضا ـ أفضل ؛ لأنه يكون من تمام الزينة .
وأما عدم تغطية الرأس بمجرده ، فليس إثم .
وإن تعارف الرجال في مكان ما ، أو زمان ما ، فيما بينهم على كشف رؤوسهم ، فلا حرج ـ حينئذ ـ في كشفه ، والأمر في ذلك واسع ، إن شاء الله .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
إذا طبَّقنا هذه المسألة على قوله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) الأعراف/ 31 : تبيَّن لنا أن ستر الرأس أفضل في قوم يعتبر ستر الرأس عندهم من أخذ الزِّينة
أما إذا كُنَّا في قوم لا يُعتبر ذلك من أخذ الزينة : فإنَّا لا نقول : إنَّ ستره أفضل ، ولا إنَّ كشفه أفضل ، وقد ثبت عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام : " أنه كان يُصلِّي في العِمامة " ، والعِمَامة ساترة للرَّأس .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 2 / 166 ) .
وليس ثمة نص نبوي يوجب ، بل ولا يستحب ، تغطية الرأس ، لا في الصلاة ولا في غيرها من الأحوال .
قال علماء اللجنة الدائمة :
ستر رأس الرجل في الصلاة ليس واجباً ، والأمر في ذلك واسع .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 6 / 170 ) .
وقالوا :
لا يجب تغطية الرأس على الرجل في الصلاة ، ولا في غيرها ، ويجوز الائتمام بمن لا يغطي رأسه ؛ لأن الرأس بالنسبة للرجل ليس بعورة .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 6 / 171 ، 172 ) .
وقالوا :
تغطية الرجل رأسه في الصلاة ليست من سننها .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 6 / 172 ) .
وكل الفتاوى السابقة مذيلة بأسماء العلماء :
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
وإننا نوصي إخواننا في جماعة التبليغ ، وغيرهم من المشتغلين بالدعوة إلى الله تعالى ، أن يلتزموا ذكر الصحيح من الأحاديث ، وأن يجتنبوا الضعيف والموضوع – وما أكثره عندهم -
وقد يسَّر الله من سبل العلم ما يسهل عليهم ذلك ، ويقطع عذر المعتذر ؛ فقد ازدادت العناية بتحقيق الكتب ، وبيان حال أحاديثها ، وصار الاتصال بأهل العلم أسهل من ذي قبل
وها هي الأقراص العلمية ، والمواقع الموثوقة ، ولا يحتاج الأمر إلا إلى إرادة صادقة ، وشعور بأهمية ذلك والحاجة إليه .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-08, 06:32
جماعة التبليغ ما لها وما عليها
السؤال
ما حكم الجماعات التي تقضي أربعة أشهر وأربعين يوماً في مختلف أنحاء العالم لدعوة المسلمين إلى واجباتهم الدينية ؟.
الجواب
الحمد لله
" جماعة التبليغ " من الجماعات العاملة للإسلام ، وجهدها في الدعوة إلى الله لا يُنكر ، ولكنها مثلها مثل كثير من الجماعات تقع في أخطاء ، وعليها ملاحظات
ويمكن إجمال الملاحظات بما يلي مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأخطاء تختلف في الجماعة نفسها بحسب البيئة والمجتمع الموجودة به
ففي المجتمعات التي يظهر فيها العلم والعلماء وينتشر مذهب أهل السنة والجماعة تقل أخطاؤهم إلى حد بعيد ، وفي مجتمعات أخرى قد تزيد هذه الأخطاء ، فمن أخطائهم :
1. عدم تبني عقيدة أهل السنة والجماعة ، وذلك واضح في تعدد عقائد أفرادها بل بعض قادتها .
2. عدم اهتمامهم بالعلم الشرعي .
3. تأويلهم للآيات القرآنية ونقلهم لمعانيها على غير مراد الله تعالى ، ومن ذلك تأويلهم لآيات الجهاد بأن المقصود بها " الخروج للدعوة " ، وكذا الآيات التي فيها لفظ " الخروج " ومشتقاته إلى الخروج في سبيل الله للدعوة .
4. جعلهم الترتيب الذي يحددونه في الخروج متعبَّداً به ، فراحوا يستدلون بالآيات القرآنية ويجعلون المقصود منها ما يحددونه من أيام وأشهر
ولم يقتصر الأمر على مجرد الترتيب بل ظل بينهم شائعاً منتشراً مع تعدد البيئات وتغير البلدان واختلاف الأشخاص .
5. وقوعهم في بعض المخالفات الشرعية من نحو جعلهم رجلاً منهم يدعو أثناء خروج الجماعة للدعوة إلى الله ، ويعلقون نجاحهم وفشلهم على صدق هذا الداعي والقبول منه .
6. انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بينهم ، وهذا لا يليق بالذي يتصدى للدعوة إلى الله .
7. عدم كلامهم عن " المنكرات " ، ظناً منهم أن الأمر بالمعروف يغني عنه ، ولذا نجدهم لا يتكلمون عن المنكرات الفاشية بين الناس مع أن شعار هذه الأمة – وهم يرددونه باستمرار – {
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران / 104 ، فالمفلحون هم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وليس فقط من يأتي بأحدهما .
8. ما يقع من بعضهم من الإعجاب بالنفس والغرور ويؤدي به ذلك إلى ازدراء غيره – بل والتطاول على أهل العلم ووصفهم بأنهم قاعدون ونائمون - ووقوعه في الرياء
فتجده يتحدث أنه خرج وسافر وانتقل وأنه رأى وشاهد ، وهو يؤدي إلى وقوعه فيما لا يحمد مما ذكرنا .
9. جعلهم الخروج للدعوة أفضل من كثير من العبادات كالجهاد وطلب العلم ، مع أن ما يفضلونه عليه هو من الواجبات أو قد يصير واجباً على أناس دون غيرهم .
10. جرأة بعضهم على الفتوى والتفسير والحديث ، وذلك واضح في كونهم يجعلون كل واحد منهم يخاطب الناس ويبين لهم ، وهو يؤدي إلى جرأة هؤلاء على الشرع
فلن يخلو كلامه من بيان حكم أو حديث أو تفسير آية ، وهو لم يقرأ في ذلك شيئاً ، ولم يسمع أحداً من العلماء لينقل عنه ، وبعضهم يكون من المسلمين أو المهتدين حديثاً .
11. تفريط بعضهم في حقوق الأبناء والزوجة ، وقد بيَّنا خطر هذا الأمر في جواب السؤال رقم ( 3043 ) .
لذا فإن العلماء لم يجوزوا الخروج معهم إلا لمن أراد أن يفيدهم ويصحح الأخطاء التي تقع منهم .
ولا ينبغي لنا أن نصد الناس عنهم بإسقاطهم بالكلية بل علينا أن نحاول إصلاح الخطأ والنصيحة لهم حتى تستمر جهودهم وتكون صائبة على وفق الكتاب والسنة .
وهذه فتاوى بعض العلماء في " جماعة التبليغ " :
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز :
فإن جماعة التبليغ ليس عندهم بصيرة في مسائل العقيدة ، فلا يجوز الخروج معهم إلا لمن لديه علم وبصيرة بالعقيدة الصحيحة التي عليها أهل السنّة والجماعة حتى يرشدهم وينصحهم ويتعاون معهم
على الخير لأنهم نشيطون في عملهم لكنهم يحتاجون إلى المزيد من العلم وإلى من يبصرهم من علماء التوحيد والسنَّة ، رزق الله الجميع الفقه في الدين والثبات عليه .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / 331 ) .
2. قال الشيخ صالح الفوزان :
الخروج في سبيل الله ليس هو الخروج الذي يعنونه الآن ، الخروج في سبيل الله هو الخروج للغزو ، أما ما يسمونه الآن بالخروج فهذا بدعة لم يرد عن السلف .
وخروج الإنسان يدعو إلى الله غير متقيد في أيام معينة بل يدعو إلى الله حسب إمكانيته ومقدرته ، بدون أن يتقيد بجماعة أو يتقيد بأربعين يوماً أو أقل أو أكثر.
وكذلك مما يجب على الداعية أن يكون ذا علم ، لا يجوز للإنسان أن يدعو إلى الله وهو جاهل ، قال تعالى : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة }
أي : على علم لأن الداعية لابد أن يعرف ما يدعو إليه من واجب ومستحب ومحرم ومكروه ويعرف ما هو الشرك والمعصية والكفر والفسوق والعصيان يعرف درجات الإنكار وكيفيته .
والخروج الذي يشغل عن طلب العلم أمر باطل لأن طلب العلم فريضة وهو لا يحصل إلا بالتعلم لا يحصل بالإلهام ، هذا من خرافات الصوفية الضالة ، لأن العمل بدون علم ضلال ، والطمع بحصول العلم بدون تعلم وهم خاطئ.
من كتاب " ثلاث محاضرات في العلم والدعوة " .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-11, 00:40
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
يسأل عن الصوفية وجماعة التبليغ
السؤال
هل فرقة "الدعوة و التبليغ" من الفرق الضالة و ماذا عن "الصوفية" ؟ .
الجواب
الحمد لله
من المهم أن نعلم أولا أن مصطلح التصوف والصوفية من المصطلحات الحادثة
والتي لم يعلق عليها مدح شرعي ، فتمدح ـ أو يمدح صاحبها ـ بإطلاق ، مثل أسماء الإيمان ، والإسلام ، والإحسان ، ولم يعلق عليها أيضا ذم شرعي
فتذم ـ أو يذم صاحبها ـ أيضا بإطلاق ، مثل ألفاظ الكفر والفسوق والعصيان .
وما كان كذلك فإنه ينبغي الاستفصال عن حقيقة حاله ، وما يراد به قبل إطلاق القول فيه . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : ( لفظ الفقر والتصوف قد أدخل فيها أمور يحبها الله ورسوله
فتلك يؤمر بها ، وإن سميت فقرا أو تصوفا ؛ لأن الكتاب والسنة إذا دل على استحبابها لم يخرج عن ذلك بأن تسمى باسم آخر ، كما يدخل في ذلك أعمال القلوب
كالتوبة والصبر ... وقد أدخل فيها أمور يكرهها الله ورسوله ؛ كما يدخل فيها بعضهم نوعا من الحلول والاتحاد ، وآخرون نوعا من الرهبانية المبتدعة في الإسلام ، وآخرون نوعا من المخالفة للشريعة
إلى أمور ابتدعوها ، إلى أشياء أخر ، فهذه الأمور ينهى عنها بأي اسم سميت ، ... وقد يدخل فيها التقييد بلبسة معينة ، وعادة معينة ، في الأقوال والأفعال ، بحيث من خرج عن ذلك عد خارجا عن ذلك
وليست من الأمور التي تعينت بالكتاب والسنة ، بل إما أن تكون مباحة ، وإما أن تكون ملازمتها مكروهة ، فهذا بدعة ينهى عنه ، وليس هذا من لوازم طريق الله وأوليائه
فهذا وأمثاله من البدع والضلالات يوجد في المنتسبين إلى طريق الفقر ، كما يوجد في المنتسبين إلى العلم أنواع من البدع في الاعتقاد والكلام المخالف للكتاب والسنة
والتقيد بألفاظ واصطلاحات لا أصل لها في الشريعة ، فقد وقع كثير من هذا في طريق هؤلاء .
والمؤمن الكيس يوافق كل قوم فيما وافقوا فيه الكتاب والسنة ، وأطاعوا الله ورسوله ، ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة أو عصوا فيه الله ورسوله
ويقبل من كل طائفة ما جاء به الرسول ، .....،ومتى تحرى الإنسان الحق والعدل ، بعلم ومعرفة ، كان من أولياء الله المفلحين ، وحزبه الغالبين . )
انتهى . ( الفتاوى 11/280ـ29 ) .
غير أن ما قاله شيخ الإسلام من التفصيل في حال المنتسبين إلى التصوف يوشك أن يكون نظريا في واقعنا المعاصر ، حيث صارت المحاذير التي أشار إليها شيخ الإسلام ملازمة لمسلك المنتسبين إلى التصوف في زماننا
فضلا عما التزموه من الأعياد والموالد المبتدعة ، وغلوهم في مشايخهم الأحياء ، وتعلقهم بالمشاهد والقبور ، يصلون عندها ، ويطوفون حولها
وينذرون لها ، إلى آخر ما هو معلوم من مسالكهم . ولهذا كله كان إطلاق القول بالتحذير من مسالكهم متوجها الآن ، وهو الذي اعتمدته اللجنة الدائمة في جوابها عن سؤال حول حكم الطرق الصوفية الموجودة الآن ، فقالت :
( الغالب على ما يسمى بالتصوف الآن العمل بالبدع الشركية ، مع بدع أخرى ، كقول بعضهم : مدد يا سيد ، وندائهم الأقطاب ، وذكرهم الجماعي
فيما لم يسم الله به نفسه ، مثل : هو هو ، وآه آه ، ومن قرأ كتبهم عرف كثيرا من بدعهم الشركية ، وغيرها من المنكرات . ) اهـ
وأما جماعة التبليغ فهي من الجماعات العاملة في حقل الدعوة إلى الله ، لها الكثير من الحسنات ، والجهد المشكور ؛ وكم تاب على أيديهم من عاص ، وتنسك من فاسق
إلا أنها لا تخلو من بعض البدع في العلم والعمل ، نبه عليها أهل العلم ، لكنها لا توصف على كل حال بأنها من الفرق الضالة . وقد سبق قول شيخ الإسلام :
والمؤمن الكيس يوافق كل قوم فيما وافقوا فيه الكتاب والسنة ، ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة .
*عبدالرحمن*
2018-09-11, 00:46
حكم التصفير
السؤال
ما حكم التصفير - سواء أكان بتلحين ، أم كان لأجل نداء الشخص البعيد جدا ؟
الجواب
الحمد لله
اختلف أهل العلم في حكم التصفير أو الصفير على ثلاثة أقوال :
القول الأول : المنع والتحريم .
واستدلوا عليه بأن التصفير هو من خصال الجاهلية ، وقد ذم الله في القرآن الكريم كفار قريش على هذا الفعل ، فقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) الأنفال/35.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/390) :
" الصفير لا يجوز ، ويسمى في اللغة : ( المكاء ) ، وهو من خصال الجاهلية ، ومن مساوئ الأخلاق ، ( وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ) " انتهى.
القول الثاني : الكراهة .
ووجهه أن الدليل السابق لا يقوى على القول بالتحريم ، لكن مشابهة الكفار في عمل من أعمالهم من غير حاجة مذموم في الشريعة ، فكان القول بالكراهة .
يقول ابن مفلح رحمه الله :
" قال الشيخ عبد القادر رحمه الله : يكره الصفير والتصفيق " انتهى.
"الآداب الشرعية" (3/375)
القول الثالث : الجواز .
واستدل أصحاب هذا القول بعدم ورود نص يدل على التحريم أو الكراهة ، قالوا : والأصل في العادات الإباحة . أما الآية السابقة فهي تنعى على كفار قريش تعبدهم لله تعالى بهذه الأعمال الهوجاء : التصفيق والتصفير
فقد كانوا يتخذون ذلك عبادة وشعيرة يتقربون إلى الله بها ، وهذا أمر زائد على التصفير المجرد من نية العبادة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" كان المشركون يجتمعون في المسجد الحرام يصفقون ويصوتون ، يتخذون ذلك عبادة وصلاة ، فذمهم الله على ذلك ، وجعل ذلك من الباطل الذي نهى عنه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (3/427)
يقول أبو بكر الجصاص رحمه الله :
" سمي ( المكاء ) و ( التصدية ) صلاة ؛ لأنهم كانوا يقيمون الصفير والتصفيق مقام الدعاء والتسبيح . وقيل : إنهم كانوا يفعلون ذلك في صلاتهم " انتهى.
"أحكام القرآن" (3/76)
فإذا لم يفعل ذلك على وجه العبادة لم يبق وجه للمنع أو التحريم ، خاصة إذا قامت الحاجة لإصدار صوت الصفير ، وهي حاجات كثيرة اليوم ، فقد أصبحت الصافرة تستعمل اليوم لدى شرطة المرور
كما أصبحت أصوات كثير من الأدوات الكهربائية تتضمن هذا الصوت ، والأم قد تصدر هذا الصوت لإسكات طفلها والغناء له ، كما قد يضطر إليه بعض الناس لمناداة البعيد ، ونحو ذلك .
ولكن إذا اتخذ التصفير لإيذاء الناس وإزعاجهم ، أو للتحرش بالفتيات ، أو قصد به التشبه بالكفار والفساق وعادتهم : فيحرم حينئذ باتفاق .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي :
" ما حكم التصفيق والتصفير ، وأي نوع من التصفير محرم ، وما دليل التحريم ؟
فأجاب رحمه الله :
الآن لو أنك قمت تصفق وتصفر ماذا سنقول : هذا مجنون أم عاقل ؟!!
فما هو سبب التصفيق والتصفير ؟
أما إذا كان التصفيق للإنسان الذي تميز عن غيره في النجاح ، أو أجاب جواباً صواباً ، أو ما أشبه ذلك ، فأنا لا أرى فيه بأساً .
أما التصفير فأكرهه كراهة ذاتية ، ولا أستطيع أن أقول : إنه مكروه كراهة شرعاً ؛ لأنه ليس عندي دليل .
وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ، وتصفق النساء ) فهذا في الصلاة .
وأما قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ) الأنفال/35
والمكاء : التصفير .
والتصدية : التصفيق .
فهؤلاء كانوا عند المسجد الحرام يتعبدون الله بذلك ، بدل أن يركع ويسجد يصفق ويصفر .
أما إنسان رأى شخصاً تفوق عن غيره وأراد أن يشجعه وصفق ، فلا أرى في هذا بأساً .
أما التصفير فأنا أكرهه كراهة ذاتية ، وليس عندي دليل ، ولو أن شخصاً طلب مني دليلاً ، فلا أستطيع أن أقول : عندي دليل " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (رقم/119، سؤال رقم/4) .
ولعل أقرب الأقوال في هذه المسألة أن الصفير مكروه ، خاصة إذا لم يكن هناك حاجة تدعو إليه ؛ فالإشارة إليه في الآية بوصف الذم ، وكونه من شأن أهل الجاهلية ، يدعو إلى التنزه والابتعاد عنه .
وقد ذُكر عن ابن عباس ومجاهد ، إن صح ذلك عنهما ، أن الصفير كان منكرات قوم لوط التي ذمهم الله بها .
انظر : تفسير الآية (29) من سورة العنكبوت : تفسير ابن كثير (6/276) ، الزواجر عن اقتراف الكبائر ، لابن حجر الهيتمي (2/231) .
ثم إن آية سورة الأنفال السابقة : (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ) ، وإن كان الظاهر منها أنهم جعلوا نفس الصفير والتصفيق ( المكاء والتصدية ) صلاة وعبادة
كما قاله بعض أهل العلم ، فقد ذهب غير واحد من أهل العلم إلى أن الاستثناء في الآية منقطع ، وأن المعنى : أنهم وضعوا الصفير والتصفيق موضع الصلاة ، لا أنهم تقربوا إلى الله بنفس المكاء والتصدية .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
" قوله تعالى : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } الآية .
المكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق ، قال بعض العلماء : والمقصود عندهم بالصفير والتصفيق التخليط حتى لا يسمع الناس القرآن من النَّبي صلى الله عليه وسلم
ويدل لهذا قوله تعالى :{ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُون } [ فصلت : 26 ]"
أضواء البيان (2/162) .
وقال الشيخ ابن عاشور رحمه الله :
" ولا تُعرف للمشركين صلاة ؛ فتسمية مكائهم وتصديتهم صلاةً : مشاكلةٌ تقديرية ؛ لأنهم لما صدوا المسلمين عن الصلاة وقراءة القرآن في المسجد الحرام عند البيت ، كان من جملة طرائق صدهم إياهم : تشغيبُهم عليهم
وسخريتهم بهم يحاكون قراءة المسلمين وصلاتهم بالمكاء والتصدية . قال مجاهد : فعل ذلك نفر من بني عبد الدار ، يخلطون على محمد صلاته .
وبنو عبد الدار هم سدنة الكعبة وأهل عمارة المسجد الحرام ، فلما فعلوا ذلك للاستسخار من الصلاة : سمي فعلهم ذلك صلاة ، على طريقة المشاكلة ... ؛ فلم تكن للمشركين صلاة بالمكاء والتصدية .
وهذا الذي نحاه حذاق المفسرين : مجاهد وابن جبير وقتادة .
ويؤيد هذا قوله ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون )
لأن شأن التفريع أن يكون جزاء على العمل المحكي قبله ، والمكاء والتصدية لا يُعدَّان كفرا إلا إذا كانا صادرين للسخرية بالنبي صلى الله عليه و سلم وبالدين
وأما لو أريد مجرد لهو عملوه في المسجد الحرام فليس بمقتض كونه كفرا ، إلا على تأويله بأثر من آثار الكفر .. " انتهى .
"التحرير والتنوير" (9/339) .
وإلى ذلك المعنى الذي شرحه ابن عاشور رحمه الله ، وقرره الشينقيطي ، ينحو الزمخشري في تفسيره (2/218) ، وأبو حيان (4/485) ، وغيرهما .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-11, 00:55
حكم التصفيق في الحفلات وغيرها
السؤال
ما حكم تصفيق الرجال في الحفلات أو المحاضرات إذا أعجبهم شيء ، أو أرادوا تحية المتكلم في المحاضرة ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
لم يرد الشرع بالتصفيق في شيء من العبادات إلا للمرأة في الصلاة ، إذا حدث ما يقتضي التنبيه عليه
لما رواه البخاري (684) ومسلم (421) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) .
فما يفعله بعض الصوفية في حلقاتهم وموالدهم من التصفيق عند الأذكار والأوراد ، لا شك أنه بدعة ضلالة ، وهو مشابه لفعل المشركين عند الكعبة ، قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35.
والمكاء : الصفير . والتصدية : التصفيق .
ثانياً :
أما تصفيق الرجال في الحفلات ونحوها مما ليس عبادة ، فأقل أحواله الكراهة .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
ما حكم التصفيق في الحفلات ؟
فأجاب "التصفيق في الحفلات ليس من عادة السلف الصالح ، وإنما كانوا إذا أعجبهم شيء سبحوا أحيانا ، أو كبروا أحيانا ، لكنهم لا يكبرون تكبيرا جماعيا ، ولا يسبحون تسبيحا جماعيا
بل كل واحد يكبر لنفسه ، أو يسبح لنفسه ، بدون أن يكون هناك رفع صوت ، بحيث يسمعه من بقربه ، فالأولى الكف عن هذا أي التصفيق ، ولكننا لا نقول بأنه حرام لأنه قد شاع بين المسلمين اليوم
والناس لا يتخذونه عبادة ، ولهذا لا يصح الاستدلال علي تحريمه بقوله تعالي عن المشركين : (وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فإن المشركين يتخذون التصفيق عند البيت عبادة
وهؤلاء الذين يصفقون عند سماع ما يعجبهم أو رؤية ما يعجبهم لا يريدون بذلك العبادة .
وخلاصة القول أن ترك هذا التصفيق أولى وأحسن ولكنه ليس بحرام" انتهى .
ينظر موقع الشيخ ابن عثيمين على الانترنت
وذهب بعض العلماء إلى تحريمه ، لما فيه من مشابهة المشركين ، والنساء .
قال الشوكاني في "نيل الأوطار
" : "قوله : (إنما التصفيق للنساء) يدل على منع الرجال منه مطلقاً" انتهى.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ما حكم التصفيق للرجال في المناسبات والاحتفالات ؟ .
فأجاب :
التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية ، وأقل ما يقال فيه الكراهة ، والأظهر في الدليل تحريمه ؛ لأن المسلمين منهيون عن التشبه بالكفرة
وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكة : (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35 .
قال العلماء المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق .
والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يعجبه أو ما ينكره أن يقول : سبحان الله أو يقول : الله أكبر ، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة
ويشرع التصفيق للنساء خاصة إذا نابهن شيء في الصلاة أو كن مع الرجال فسهى الإمام في الصلاة ، فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق
أما الرجال فينبهونه بالتسبيح كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبه بالكفرة وبالنساء وكل ذلك منهي عنه . والله ولي التوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/151) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد :
"لا يُشرع التصفيق في شيء من أمور الدين إلا في موضع واحد للحاجة : وهو للمرأة داخل الصلاة إذا عرض عارض كسهو الإمام في صلاته ، فإنه يستحب لمن اقتدى به تنبيهه :
فالرجل ينبه الإمام بالتسبيح ، والمرأة تنبه الإمام بالتصفيق ؛ وهذا لثبوت السنة به عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ) .
ثم حدث في الأمة التعبد بالتصفيق لدى بعض المبتدعة عند قراءة الأذكار ، والأوراد ، والأحزاب ، وفي الموالد ، والمدائح في البيوت ، والمساجد
وغيرها ، ويظهر أنه منذ القرن الرابع ، فإن الحافظ عبيد الله بن بطة المتوفي سنة 387 أنكر عليهم ذلك ، وقد تتابع إنكار العلماء عليهم ، وتهجينهم ، وتبديعهم
فمن الذين لهم مقام صدق في ذلك الحافظ ابن الجوزي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وغيرهم ، قديماً ، وحديثاً ، مقررين بالإجماع : أن التعبد بالتصفيق : بدعة ضلالة
وخروج على الشرع المطهر ، فيجب اجتناب التعبد به ويجب منعه .
ثم في أثناء القرن الرابع عشر تسلل إلى المسلمين في اجتماعاتهم واحتفالاتهم ، التصفيق عند التعجب ؛ تشبهاً بما لدى المشركين من التصفيق للتشجيع ، والتعجب .
وإذا كان التصفيق في حالة التعبد : بدعة ضلالة ، كما تقدم ، فإن اتخاذه عادة في المحافل ، الاجتماعات ؛ للتشجيع ، والتعجب ، تشبه منكر ، ومعصية يجب أن تُنكر ، وذلك لما يلي :
معلوم أن هدى النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب ، هو الثناء على الله تعالى وذكره بالتكبير ، والتسبيح ، والتهليل ، ونحوها ، والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة في كتاب السنة
ترجم لبعضها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال : "باب التكبير والتسبيح عند التعجب " ، وأدخلها العلماء في كتب الأذكار منهم النووي رحمه الله تعالى في
: "كتاب الأذكار" فقال : "باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوها" ، وعلى هذا الهدي المبارك درج سَلَفُ هذه الأمة من الصحابة رضي الله عنهم فمن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا والحمد لله
وفي هذا استمرار حال المسلم بتعظيم الله ، وتمرين لسانه على ذكر الله تعالى
.
إذا عُلِمَ ذلك ، فإنه لا نعلم من المرويات عن المقتدى بهم من أئمة الهدى ، التَّصْفِيْقَ في مثل هذه الحال ، فضلاً عن ورود شيء من ذلك في السنة ، وعليه
فإن التصفيق في احتفالات المدارس ، وغيرها : إن وقع على وجه التعبد ، فهو بدعة محرمة شرعاً ، لأن التصفيق لم يتعبدنا الله به ، وهو نظير ما ابتدعه بعض المتصوفة من التصفيق حال الذكر والدعاء ، كما تقدم .
وإن وقع التصفيق المذكور على وجه العادة ، فهو منكر محرم ؛ لأنه تشبه (بالكفار) .
ولا نعرف دخول هذه العادة في تاريخ المسلمين إلا في أثناء القرن الرابع عشر ، حين تَفَشَّى في المسلمين كثير من عادات الكافرين والتشبه بهم .
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : "والتصفيق منكر ، يطرب ، ويُخرج عن الاعتدال ، وتنزه عن مثله العقلاء
ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من : "التصدية" وهي التي ذمهم الله عز وجل بها فقال (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35 ، فالمكاء : الصفير
والتصدية : التصفيق ، ثم قال : وفيه أيضاً تشبه بالنساء ، والعاقل يأنف من أن يخرج من الوقار ، إلى أفعال الكفار والنسوة" انتهى .
فعلى العبد المسلم أن يتقي الله فيما يأتي ويذر ، وأن يتثبت فيما ينسبه إلى الشرع المطهر"
انتهى من "تصحيح الدعاء" (ص 86-89 ) باختصار .
*عبدالرحمن*
2018-09-11, 00:57
حديث ( لعلك تكتب بقلم معقود ..) مكذوب على عليٍّ رضي الله عنه
السؤال
جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه... فقال: إني أجد في رزقي ضيقاً فقال له رضي الله عنه: لعلك تكتب بقلم معقود... فقال: لا... قال: لعلك تمشط بمشط مكسور...
فقال: لا... قال: لعلك تمشي أمام من هو أكبر منك سناً... فقال: لا قال: لعلك تنام بعد الفجر... فقال: لا قال: لعلك تركت الدعاء للوالدين... قال: نعم يا أمير المؤمنين فقال أمير المؤمنين:
فأذكرهما فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ترك الدعاء للوالدين يقطع الرزق" لا تبخل على والديك بدقيقتين من وقتك للدعاء لهما
الجواب :
الحمد لله
هذا كلام باطل مكذوب ، ليس له أصل لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن علي رضي الله عنه ، وإنما جمع فيه مخترعه الكذاب ، ومروجه ، بين حديثين مكذوبين موضوعين على النبي صلى الله عليه وسلم :
أولهما : (حديث إذا ترك العبد الدعاء للوالدين فإنه ينقطع من الولد والرزق في الدنيا ) رواه الحاكم في تاريخه ، والديلمي ، عن أنس رضي الله عنه مرفوعا .
قال السيوطي رحمه الله ـ اللآلئ المصنوعة (2/250) ـ :
( لا يصح ، والمتهم به أحمد بن خالد ، وهو الجويباري ) .
وقال الشوكاني رحمه الله ـ الفوائد المجموعة (231) : ( في إسناده أحمد بن خالد الجويباري : متهم ) .
والحديث الموضوع الثاني الذي لفقه الكذاب هنا ، هو :
( من كتب بقلم معقود وتمشط بمشط مكسور فتح الله تعالى عليه سبعين باباً من الفقر )
قال الصغاني : " موضوع " . " الموضوعات" (1/40) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-11, 01:03
حديث "لأمرتهم بالسواك" هل يدل على أن النبي يأمر بما لم يوح إليه
السؤال
حديث "لأمرتهم بالسواك" هل يدل على أن النبي يأمر بما لم يوح إليه السؤال : هل كل ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أُمّته هو وحي من الله عز وجل؟ أم أنه صلى الله عليه وسلم قد يأمر بالأمر من قِبَل نفسه؟
وما توجيه قوله صلى الله عليه وسلم : (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة...) وقوله صلى الله عليه وسلم : (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء حتى الثلث الأول من الليل...)
فإذا كان الأمر وحياً من الله فكيف يغيّره النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لاشك أن السنة النبوية - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم .
وقد دل على هذا الأصل أدلة كثيرة منها : قوله تعالى: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ ) النجم/3-4 .
وقوله سبحانه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44 ، والذكر هنا هو السنة .
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ)
رواه الترمذي (2664) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870) .
وقال حسان بن عطية رحمه الله : " كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12)
وعزاه الحافظ في الفتح (13/291) إلى البيهقي ، قال : " بسند صحيح " .
ثانيا :
جاء في بعض الأحاديث - كحديث السواك المذكور - ما قد يُفهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالأمر من تلقاء نفسه ، وهي مسألة بحثها العلماء في علم الأصول
سماها البعض : مسألة التفويض ، وهي هل يجوز أن يُفَوَّض النبي ويقال له : احكم بما شئت فهو الصواب ، وفرَّقوا بينها وبين مسألة الاجتهاد ، بأن التفويض يكون بغير نظر واستدلال بخلاف الاجتهاد .
قال الزركشي رحمه الله في "البحر المحيط" (8/ 51) :
" يجوز أن يقال لنبي أو مجتهد : احكم بما شئت من غير اجتهاد فهو صواب , أي فهو حكمي في عبادي , إذا علم أنه لا يختار إلا الصواب ويكون قوله إذ ذاك من جملة المدارك الشرعية , ويسمى ( التفويض ) ,
قاله القاضي في التقريب وتبعه جماعة ، منهم : إلكيا وابن الصباغ , وقال : إنه قول أكثر أهل العلم . قال القاضي : وقال أكثر المعتزلة : لا يجوز , بناء على رأيهم أن الشرع مبني على المصالح ,
وقد لا يكون في اختياره مصلحة ... وقال أبو بكر الرازي في أصوله : الصحيح أنه لا يجوز ذلك إلا بطريق الاجتهاد . والثالث : وبه قال أبو علي الجبائي في أحد قوليه : يجوز ذلك للنبي دون العالم ,
ذكر ذلك في قوله تعالى : ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ) قال أبو الحسين : ثم رجع عن هذا القول . وهذا القول اختاره ابن السمعاني .
قال : وقد ذكر الشافعي في الرسالة " ما يدل عليه . وقال أبو الحسين في المعتمد " : ذكر الشافعي في الرسالة ما يدل على أن الله تعالى لما علم أن الصواب يتفق من نبيه جعل له ذلك , ولم يقطع عليه بل جوزه وجوز خلافه " انتهى .
وقال في "شرح الكوكب المنير" (3/31)
: "يجوز أن يقال لنبي أو مجتهد : احكم بما شئت فهو صواب ويكون ذلك مدركا شرعيا ويسمى : التفويض عند الأكثر ; لأن طريق معرفة الأحكام الشرعية :
إما التبليغ عن الله سبحانه وتعالى بإخبار رسله عنه بها , وهو ما سبق من كتاب الله سبحانه وتعالى وثبت بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وما تفرع عن ذلك ,
من إجماع وقياس وغيرهما من الاستدلالات , وطرقها بالاجتهاد , ولو من النبي صلى الله عليه وسلم .
وإما أن يكون طريق معرفة الحكم : التفويض إلى رأي نبي أو عالم , فيجوز أن يقال لنبي أو لمجتهد غير نبي : احكم بما شئت فهو صواب عند بعض العلماء
ويؤخذ ذلك من كلام القاضي وابن عقيل , وصرحا بجوازه للنبي صلى الله عليه وسلم , وقاله الشافعي وأكثر أصحابه , وجمهور أهل الحديث , فيكون حكمه من جملة المدارك الشرعية
فإذا قال " هذا حلال " عرفنا أن الله سبحانه وتعالى في الأزل حكم بحله , وكذا " هذا حرام " ونحو ذلك , لا أنه ينشئ الحكم ; لأن ذلك من خصائص الربوبية ,
قاله ابن الحاجب وتبعه ابن مفلح , وتردد الشافعي , أي في جوازه , كما قال إمام الحرمين , وقال : الجمهور في وقوعه , ولكنه قاطع بجوازه " انتهى.
واختلف القائلون بالجواز ، هل وقع هذا أو لم يقع .
واستدل القائلون بوقوع التفويض بأدلة منها :
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ) رواه البخاري (887) ومسلم (252) .
2- ما روى مسلم (1337) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (أَيُّهَا النَّاسُ ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا
فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ، ثُمَّ قَالَ : ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ
فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ) .
3- ما روى البخاري (1833) ومسلم (1355) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي
وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ) وَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ : (إِلَّا الْإِذْخِرَ) .
وأجاب المانعون عن ذلك بأجوبة كثيرة .
قال ابن أمير الحاج في "التقرير والتحرير" (3/338) : "أجيب بجواز كونه صلى الله عليه وسلم خير فيها أي في هذه الصور الثلاثة معيّنا
أي : كأنه قيل له : أنت مخير في إيجاب السواك وعدمه ، وتكرار الحج وعدمه ... أو كون القول المذكور فيها بوحي سريع لا من تلقاء نفسه ".
ونقل عن الأسنوي قوله : " وأما قوله : ( لولا أن أشق على أمتي ) فيحتمل أن يكون البارئ تعالى أمره بأن يأمرهم عند عدم المشقة فلما وجد المشقة لم يأمرهم ".
ثم قال : " وقال ابن السمعاني : هذه المسألة , وإن أوردها متكلمو الأصوليين فليست بمعروفة بين الفقهاء وليس فيها كبير فائدة ;
لأن هذا في غير الأنبياء لم يوجد ولا يتوهم وجوده في المستقبل فأما في حق النبي فقد وجد . انتهى ".
ويمكن أن يقال في مسألة السواك : إن همّه صلى الله عليه وسلم بالأمر به كان اجتهادا منه ، حتى إنه خشي أن ينزل فيه وحي
كما روى أحمد في المسند (2895) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أمرت بالسواك حتى خشيت أن يوحي إلي فيه) . قال شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف .
وسواء كان هذا اجتهاداً منه صلى الله عليه وسلم ، أو تفويضاً فُوِّض فيه ، فإنه صلى الله عليه وسلم إذا أُقِرَّ عليه كان ذلك بمنزلة ما لو أوحي إليه فيه ابتداء
فسنته صلى الله عليه وسلم دائرة بين أمرين : أن تكون وحيا ابتداء ، أو أن يكون مآلها إلى الوحي ، وذلك بإقرارها من الله تعالى.
وخلاصة الجواب :
أن هذا إما أن يكون من باب التفويض ، وإما أن يكون اجتهاداً منه صلى الله عليه وسلم ، وقد وافقه الوحي عليه ولم ينكره .
والخلاف في هذه المسألة – كما قال ابن السمعاني – ليس فيها كبير فائدة ، لأن الحكم الشرعي ثابت وصحيح ، سواء كان ذلك عن طريق التفويض ، أو الاجتهاد الذي أقره عليه الوحي .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-13, 14:59
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل تغير لفظ الحديث أو الرواية عند النقل ؟
السؤال:
عندما نقل البخاري الأحاديث بسند صحيح كان هناك احتمال بأن الأحاديث تغيرت ألفاظها عند النقل من راو إلى آخر
. أرجو منكم أن توضحوا كيف تعرفون أن رواية الأحاديث لم تتغير ، وأن البخاري جمعها بعد 180هـ سنة تقريبا من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
في التمهيد للجواب عن هذا السؤال لا بد من التذكير بأن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ القرآن الكريم من التبديل والتغيير
ومقتضى ذلك أيضا أن يحفظ الحق سبحانه وتعالى مجمل السنة – التي هي شارحة للقرآن ومبينة لمعناه – من التبديل والتغيير العام .
قال الله تعالى :
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9.
قال الإمام ابن حزم رحمه الله :
" فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه : فهو غير ضائع أبدا ، لا يشك في ذلك مسلم ، وكلام النبي صلى الله عليه و سلم كله وحي
بقوله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم/3، 4 . والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها ، والذكر محفوظ بالنص ؛ فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله عز و جل ضرورة ، منقول كله إلينا لا بد من ذلك "
. انتهى . "الإحكام في أصول الأحكام" (2/201) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ولكن هذه الأمة حفظ الله لها ما أنزله ، كما قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فما في تفسير القرآن ، أو نقل الحديث ، أو تفسيره
مِن غلط : فإن الله يقيم له من الأمة مَن يبينه ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب ، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة ،
إذ كانوا آخر الأمم ، فلا نبي بعد نبيهم ، ولا كتاب بعد كتابهم " انتهى.
" الجواب الصحيح " (3/38-39)
وقال أيضا رحمه الله :
" فما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة محفوظ " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (27/169)، ونحوه في " جامع المسائل " (4/162)
وقال الشيخ المعلمي رحمه الله :
" ( الذِّكْر ) يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه ، بل يتناول العربية وكل ما يتوقف عليه معرفة الحق ، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة ، والهداية دائمة إلى يوم القيامة
لأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء ، وشريعته خاتمة الشرائع ، والله عز وجل إنما خلق الخلق لعبادته ، فلا يقطع عنهم طريق معرفتها
وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا وانقطاع لعلة بقائهم فيها " انتهى.
" التنكيل " (1/234)
وقد علق الملا علي القاري في " شرح نخبة الفكر " (ص/446) لما قيل لابن المبارك : هذه الأحاديث الموضوعة ! قال : يعيش لها الجهابذة - أي نقاد الحديث وحذاقهم -
قال الله تعالى: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) انتهى .
وكأنه أراد أنه من جملة حفظ لفظ الذكر حفظُ معناه ، ومن جملة معانيه : الأحاديث النبوية الدالة على توضيح مبانيه
كما قال تعالى : ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) ففي الحقيقة تكفّل الله تعالى بحفظ الكتاب والسنة " انتهى.
ثانيا :
نحن لا ننفي أن ثمة من روايات الحديث ما روي بالمعنى ، وما تصرف فيه بعض الرواة، ولكننا نقطع بأن هذا التغيير إنما كان بقدر يسير لا يغير المعنى ، بل يحافظ على المضمون
ولا يؤثر على حجية السنة الصحيحة واعتقاد نسبة مضمونها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأوجه كثيرة جدا ، تحتاج إلى دراسة مستقلة مفصلة في بيانها والاستدلال عليها ونقل تقريرات العلماء لها
ولكننا نجمل بعضها في الأسباب الآتية :
1-العصمة التي تكفل بها رب العزة ، أن يحفظ هذا الدين العظيم القائم على الكتاب والسنة الصحيحة ، وقد سبق بيان ذلك .
2-تفاني الصحابة رضوان الله عليهم في حفظ العلم والدين ، والتلقي عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه ، وتبليغ كلامه للناس ، وقد بدا هذا التفاني في مظاهر كثيرة
وصور جليلة عظيمة ، كان منها أن بعض الصحابة رحل مسيرة شهر لسماع حديث واحد .
3-تفاني التابعين ومن بعدهم في حفظ الحديث وروايته وكتابته والرحلة في طلبه ، وهذا أيضا بحر لا ساحل له ، فكم أفنيت فيه من أعمار ، وأنفقت فيه من أموال
وسطرت فيه من كتب ، وما مئات الكتب المعروفة اليوم باسم كتب الرجال والتراجم إلا نقطة يسيرة في ذلك البحر الواسع ، ولا شك أن هذا التفاني سياج يحمي السنة من التحريف والتبديل والضياع .
4-كتابة السنة النبوية بدأت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن بدايتها على يد البخاري رحمه الله ، بل كان دور البخاري الجمع والانتقاء والترتيب فقط
والدليل على ذلك حديثان صحيحان : عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : ( كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ
فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ ، وَقَالُوا : أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ، فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ : اكْتُبْ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ ) رواه أبو داود (3646)، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة الحديث لرجل أُمَّيٍّ من أهل اليمن يُدعى " أبو شاه "
حيث جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ فَقَالَ : اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ ) رواه البخاري (6880) ومسلم (1355) .
وقد جاء بالأسانيد الصحيحة تسمية العشرات من الصحابة رضوان الله عليهم ممن كَتَب أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم
حتى اشتهرت بعض الصحف التي تحوي عشرات الأحاديث شهرةً واسعةً : كصحيفة أبي بكر في فرائض الصدقة ، وصحيفة علي بن أبي طالب ، والصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو
وصحيفة جابر بن عبد الله ، والصحيفة الصحيحة التي يرويها همام عن أبي هريرة من حديثه ، وأكثر هذه الصحف الحديثية مروية في صحيح البخاري ، يسوقها رحمه الله بسنده إليها
والرواة من التابعين والأئمة من بعدهم إنما كانوا ينقلون من كتبهم وصحفهم ، ولم يكونوا يكتفون بالحفظ من غير تدوين ، حتى إن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، وهو جبل الحفظ والإتقان
كان لا يروي حديثا إلا من كتابه ، وكان عبد الرزاق الصنعاني يقول لتلميذه يحيى بن معين : اكتب عني حديثا واحدا بلا كتاب ، فقال : لا ، ولا حرفا .
ومن توسع في الاطلاع على كتب الرجال تبين له أن عمل الإمام البخاري رحمه الله إنما هو عمل الناقل الناقد ، وليس عمل المدون لما هو محفوظ في الصدور فقط ، وهذه مسألة خطيرة مهمة
غفل – أو تغافل – عنها كثير من الناس ، فمن أراد الاطلاع على جميع ما ورد فيها فليرجع إلى ثلاثة كتب مهمة هي : " تقييد العلم " للخطيب البغدادي
" جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر ، " دراسات في الحديث النبوي " لمحمد مصطفى الأعظمي .
قال الدكتور حاكم المطيري حفظه الله
: " وقد ذَكَرت كثيرٌ من المصادر التاريخية أسماء كتب كثيرة في الحديث النبوي ، وذكرت أسماء مؤلفيها ، وهم من علماء القرن الأول الهجري
وكانت هذه الكتب متداولة بين علماء القرنين الثاني والثالث الهجريين "
انتهى. نقلا من كتابه الرائع " تاريخ تدوين السنة النبوية وشبهات المستشرقين " (ص/113)
وهو من أعظم الكتب التي تشرح حقيقة وجود مؤلفات في الحديث النبوي منذ القرن الأول، وترد على شبهات المستشرقين في دعواهم تحريف السنة النبوية.
5-الرواية بالمعنى - وإن كانت واقعة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم – إلا أن المحدثين اشترطوا لقبولها أن يكون الراوي عالما باللسان العربي ، عالما بما يحيل المعاني ويُغَيِّرُها ، ولم يكونوا يقبلون من كل راو روايته بالمعنى
فضلا عن أن كثيرا من الرواة والأئمة لم يكونوا يستحلون الرواية بالمعنى ، بل يأخذون أنفسهم بالأشد ، وهو أداء اللفظ كما هو ، منهم عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، ونافع مولى ابن عمر ، والقاسم بن محمد
ومحمد بن سيرين ، ورجاء بن حيوة ، وأبي معمر الأزدي ، وعبد الله بن طاوس ، ومالك بن أنس ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وغيرهم .
6-ثم إن تعدد طرق الحديث الواحد من أهم ما يساعد على تدقيق أقرب الألفاظ إلى اللفظ النبوي الصحيح ، فقد يسر الله عز وجل للسنة النبوية تعدد الأسانيد والطرق التي تؤدي الحديث الواحد
وهذه ثروة يمكن الاستفادة منها في الدراسة والمقارنة كي نصل إلى أقرب الألفاظ الصحيحة .
7-كما أن علم " نقد الحديث " المسمى بعلم " العلل " من أهم العلوم الإنسانية التي أبدع فيها النقاد والمحدثون لتمييز الصواب من الخطأ في الروايات ، وقد سطر فيه العلماء آلاف الصفحات ،
ملؤوها بالحكم على الروايات ودراستها وتمييز الصحيح من الضعيف منها ، وهذا أيضا من أهم عوامل حفظ السنة النبوية من التغيير والتبديل .
8- ومما يخفى على كثير من الناس في هذا الشأن أن تعدد روايات الحديث الواحد في كثير من الأحيان لا يكون بسبب الرواة ، بل يكون بسبب تنوع ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم بين الحين والآخر
فقد كان كثيرا ما يحدث بالحديث في أكثر من مجلس ، فيروي كل صحابي ما سمعه في ذلك المجلس ، كما قد يكون السبب هو تكرر الحادثة في أكثر من مناسبة
، فيروي كل صحابي إحدى تلك المناسبات
وللاطلاع على أمثلة ذلك يمكن مراجعة رسالة صغيرة بعنوان: " أسباب تعدد الروايات في الحديث النبوي الشريف " للدكتور شرف القضاة.
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-13, 15:02
هل يؤخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة؟
السؤال :
سمعت من يقول : إن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة ، لأنها تفيد الظن ، ولا تفيد اليقين . فما هو جوابكم على هذا؟
الجواب :
الحمد لله
"جوابنا على من يرى أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة لأنها تفيد الظن والظن لا تبنى عليه العقيدة . أن نقول : هذا رأي غير صواب ؛ لأنه مبني على غير صواب ، وذلك من عدة وجوه :
1-القول بِأَن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن ليس على إطلاقه ، بل في أخبار الآحاد ما يفيد اليقين إذا دلت القرائن على صِدْقه ، كما إذا تلقته الأمة بالقبول
مثل حديث عمر بين الخطاب رضي الله عنه : (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) فإنه خبر آحاد ، ومع ذلك فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، وهذا ما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر وغيرهما .
2-أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الآحاد بأصول العقيدة ـ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ـ وإرساله حُجَّة مُلْزِمة ، كما بعث مُعَاذاً إلى اليمن ، واعتبر بَعْثَه حُجَّةً مُلْزِمَةً لأهل اليمن بقبوله .
3-إذا قلنا بأن العقيدة لا تثبت بأخبار الآحاد ، أمكن أن يُقال : والأحكام العملية لا تثبت بأخبار الآحاد
لأن الأحكام العملية يصحبها عقيدة أن الله تعالى أمر بهذا أو نهى عن هذا ، وإذا قُبل هذا القول تعطَل كثير من أحكام الشريعة ، وإذا رُدّ هذا القول فليردّ القول بأن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد إذ لا فرق كما بيّنا .
والحاصل :
أن خبر الآحاد إذا دلت القرائن على صِدْقه أفاد العلمَ ، وثبت به الأحكام العَملية والعِلمية ، ولا دليل على التفريق بينهما
ومَنْ نَسَبَ إلى أحدٍ من الأئمِة التفريقَ بينهما فعليه إثباتُ ذلك بالسند الصحيح عنه . ثم بيان دليله المستَند إليه .
4- أن الله تعالى أمر بالرجوع إلى قول أهل العلم لمن كان جاهلاً فيما هو من أعظم مسائل العقيدة وهي الرسالة :
فقال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) النحل/43 ، 44 .
وهذا يشمل سؤال الواحد والمتعدّد" انتهى .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
"فتاوى العقيدة" (صـ 18) .
*عبدالرحمن*
2018-09-13, 15:07
تفسير قول الله تعالى : ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) .
السؤال :
قال تعالى : "وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" (الزمر: 55) أريد منكم أن تقوموا بتفسير
هذه الآية تفسيرا موثقا ، وما هو معني "أحسن ما أنزل" في الآية ؟
وهل تكون السنة مساوية للقرآن الكريم بأي حال من الأحوال ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم : ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الزمر/55
قال ابن جرير الطبري رحمه الله :
" يقول تعالى ذكره : واتبعوا أيها الناس ما أمركم به ربكم في تنزيله ، واجتنبوا ما نهاكم فيه عنه ، وذلك هو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا .
فإن قال قائل : ومن القرآن شيء هو أحسن من شيء ؟ قيل له : القرآن كله حسن ، وليس معنى ذلك ما توهمت ، وإنما معناه : واتبعوا مما أنزل إليكم ربكم من الأمر والنهي والخبر ، والمثل ، والقصص
والجدل ، والوعد والوعيد ؛ أحسنه أن تأتمروا لأمره ، وتنتهوا عما نهى عنه ؛ لأن النهي مما أنزل في الكتاب ، فلو عملوا بما نهوا عنه كانوا عاملين بأقبحه ، فذلك وجهه "
انتهى . "تفسير الطبري" (21/ 312)
وقال البغوي رحمه الله :
" ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) يعني : القرآن ، والقرآن كله حسن ، ومعنى الآية ما قاله الحسن : التزموا طاعته واجتنبوا معصيته ، فإن القرآن ذكر القبيح لتجتنبه
وذكر الأدون لئلا ترغب فيه ، وذكر الأحسن لتؤثره . قال السدي : " الأحسن " ما أمر الله به في الكتاب " انتهى .
"تفسير البغوي" (7/ 128)
وقال السعدي رحمه الله :
( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) مما أمركم من الأعمال الباطنة ، كمحبة اللّه ، وخشيته ، وخوفه ، ورجائه ، والنصح لعباده ، ومحبة الخير لهم ، وترك ما يضاد ذلك .
ومن الأعمال الظاهرة ، كالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والصدقة ، وأنواع الإحسان ، ونحو ذلك ، مما أمر اللّه به ، وهو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا
فالمتبع لأوامر ربه في هذه الأمور ونحوها هو المنيب المسلم " انتهى .
"تفسير السعدي" ( ص 727-728) .
فالحاصل من ذلك : أن اتباع أحسن ما أنزل الله : هو الائتمار بأمره ، والانتهاء بنهيه .
قال الإمام الآجري رحمه الله :
" فكل كلام ربنا حسن لمن تلاه ولمن استمع إليه ، وإنما هذا - والله أعلم - صفة قوم إذا سمعوا القرآن تتبعوا من القرآن أحسن ما يتقربون به إلى الله تعالى
مما دلهم عليه مولاهم الكريم ، يطلبون بذلك رضاه ، ويرجون رحمته "
. "أخلاق حملة القرآن" (8) .
ثانيا :
لا يتم هذا الاتباع المأمور به إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك مما أُنزِل إلينا من ربنا ، كما قال تعالى : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران/32
وقال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) آل عمران/132
وقال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) الأنفال/1
وقال سبحانه : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65 .
فالسنة مبينة لمراد الله في كتابه ، قال تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل / 44.
ثالثا :
السنة وحي منزل من عند الله . قال الله تعالى :
( وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) النساء/113
وقال تعالى لأمهات المؤمنين : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) الأحزاب/34 .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
" فذكر الله الكتاب وهو القرآن ، وذكر الحكمة ؛ فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله . وهذا يشبه ما قال والله أعلم ؛ لأن القرآن ذُكر ، وأتبعته الحكمة
وذكر الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة ؛ فلم يجز الله ـ والله اعلم ـ أن يقال : الحكمة ـ ها هنا ـ إلا سنة رسول الله ؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله ، وأن الله افترض طاعة رسوله
وحتم على الناس اتباع أمره ، فلا يجوز أن يقال لقول : فرض ؛ إلا لكتاب الله ، ثم سنة رسوله ؛ لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به
" . انتهى . "الرسالة" (78) .
وروى أبو داود (4604) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وروى أبو داود (4605) والترمذي (2663) وابن ماجة (13) عن أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ : لَا نَدْرِي ، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ ، وإلا فَلاَ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره .
وروى الترمذي (2664) وابن ماجة (12) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ . أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) .
صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
وعن إسماعيل بن عبيد الله قال : " ينبغي لنا أن نحفظ ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الله يقول : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) فهو عندنا بمنزلة القرآن " .
"السنة" لمحمد بن نصر المروزي (ص 88)
وعن حسان بن عطية قال : " كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيعلمه السنة كما يعلمه القرآن " .
"الزهد" لابن المبارك (ص 23)
وقال ابن القيم رحمه الله :
" قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )
فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله ، وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب ، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه
فإنه أوتي الكتاب ومثله معه ، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول ؛ إيذانا بأنهم إنما يطاعون تبعا لطاعة الرسول
فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته ، ومن أمر بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة " انتهى .
"إعلام الموقعين" (1 / 48)
وقال أيضا :
" أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله وحيين وأوجب على عباده الإيمان بهما والعمل بما فيهما ، وهما الكتاب والحكمة ، وقال تعالى : ( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة )
وقال تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلهم الكتاب والحكمة ) وقال تعالى : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) .
والكتاب هو القرآن ، والحكمة هي السنة باتفاق السلف .
وما أخبر به الرسول عن الله فهو في وجوب تصديقه والإيمان به كما أخبر به الرب تعالى على لسان رسوله ، هذا أصل متفق عليه بين أهل الإسلام ، لا ينكره إلا من ليس منهم
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني أوتيت الكتاب ومثله معه ) " انتهى .
"الروح" (ص 75) .
فتبين بذلك أن السنة هي وحي من عند الله ، وأنها لازمة الطاعة والاتباع على كل من آمن بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان هذا مراد السائل
فقد تبين كلام أهل العلم فيه ، وإلا فبينهما من الفروق الأخرى أشياء كثيرة :
فالقرآن هو كتاب الله تعالى ، الذي أنزله على رسوله وحيا باللفظ والمعنى ، وهو معجِز ومتعبَّد بتلاوته ، ولا تجوز روايته بالمعنى ، ولا يجوز مسه للمحدث حتى يتطهر .
بخلاف السنة فإن لفظها من عند الرسول ، وهو غير معجِز ، وتجوز روايتها بالمعنى لمن لا يُخِلُّ به ، ولا يَحْرُم مَسُّها على المُحدِث .
والقرآن يتعبد بتلاوته في الصلوات بخلاف السنة ، فإنه لا يجوز أن يقرأ بها في الصلوات .
ومن كذب بحرف واحد من كتاب الله كفر ، وليس كذلك الحال في السنة .
وهناك فروق أخرى ، يمكن مراجعتها في بابه من كتب علوم القرآن والسنة ، وكتب أصول الفقه .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-13, 15:12
دفاعاً عن أبي هريرة رضي الله عنه
السؤال:
أسأل عن الصحابي أبي هريرة , وحسب ما أفهمه , فقد روى عددا كبيرا من الأحاديث التي جمعت الآن في صحيحي البخاري ومسلم , وغيرهما . وفي عدد من الأحاديث المنقولة ,
قيل إن أبا هريرة وُبخ من قبل عائشة وعمر رضي الله عنهما لنقله معلومات لم يفهمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثال ذلك , في الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بأن ثلاثة يقطعون القبلة :
الكلاب والحمر والنساء . ومن الواضح أن عائشة رضي الله عنها صححت له بعد فترة ، وقالت بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال : (إننا لسنا مثل اليهود الذين يقولون بأن ثلاثة أشياء تقطع القبلة :
الكلاب والحمير والنساء) . كما أني قرأت أن أبا هريرة عاش في آخر حياته حياة رفاهية في قصر مع حاكم مشهور, ولم يكن حاله كحال العديد من الصحابة الجليلين الذين عاشوا حياة بساطة وماتوا وهم فقراء.
إن المواضيع التي قرأتها في هذا الشأن أشكلت علي كثيرا. أهو ثقة في نقل الأحاديث؟
وهل عاش حياة لم يكن لغيره أن يعيش فيها, وبعيدة عن إمكانية الفساد؟
إذا كان عمر وعائشة رضي الله عنهما لا يكنان له احتراما, فلماذا وضعت كل هذه الأحاديث التي رواها في كتب الحديث الصحيحة؟
أنا أعلم أن الأئمة الذين جمعوا الأحاديث وضعوا معايير صارمة جدا . فكيف تمكنت رواياته من المرور عبر تلك المعايير؟ أرجو أن تساعدني .
الجواب :
الحمد لله
يظهر أنك قرأت في كتب الملاحدة ، أو قرأت في كتب المغرضين الحاقدين على الصحابة رضي الله عنهم .
لا شك أن أبا هريرة رضي الله عنه صحابي جليل ، صحِب النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من أربع سنوات ولازمه ملازمة كاملة ، يلازمه على ملء بطنه فيحضر وهم غائبون
ويحفظ إذا نسوا ، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وفعل ما يساعده على حفظ الأحاديث ، فلأجل ذلك حفظ أحاديث لم يحفظها غيره من الصحابة ، وكان يقول : إنكم تقولون أكثر علينا أبو هريرة ، والله الموعد
إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار ليشغلهم العمل في أموالهم ، وكنت امرءا مسكينا ألزم رسول الله عليه الصلاة والسلام على ملء بطني أحفظ إذا نسوا
وأحضر إذا غابوا ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مرة : إن من بسط ثوبه حتى أفرغ من مقالتي وضمه إليه كان ذلك سببا في بقاء حفظه. يقول أبو هريرة : فعلت ذلك فلم أنْسَ شيئا بعد ذلك .
كان رضي الله عنه يبيت أول الليل يدرس الأحاديث ويتذكرها ويكررها حتى لا ينساها ، وحتى يحفظ منها ما قد يخاف أن ينساه ، فلذلك حفظ الحديث الكثير الذي ما حفظه غيره .
أما حديث قطع الصلاة فلم ينفرد به بل رواه أيضا عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله رضي الله عنه ، إلا أن عائشة رضي الله عنها أنكرته ولم تنكر على أبي هريرة فقط ، بل أنكرت على عمر وابنه عبد الله لأنهم رووا الحديث
ولم تستدل إلا بأنها كانت على السرير أمام الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يصلي في البيت وهو مظلم ، وقال العلماء بأن هذا لا يعتبر مرورا ، وأن القطع إنما يكون مرورا
فإذا كانت على السرير وكان البيت مظلما لم يُسَمَّ هذا مرورا ، وانسلالها من السرير لا يسمى أيضا مرورا . ثم قد يقال أيضا : إن القطع في هذا الحديث ليس إبطالا للصلاة بالكلية بل ينقصها ، وأنه لا يلزم إعادة ما تقدم منها
وسبب ذلك : أن القلب ينشغل بمرور ما سبق في الحديث ، وهذا الانشغال يفوّت على القلب شيئا من الإقبال على الصلاة فلذلك ينقص الأجر وهذا معنى القطع
. ولم يُنقل عن عمر رضي الله عنه أنه أنكر على أبي هريرة هذا الحديث بل وافقه على روايته ، وكذلك ابنه عبد الله ....
ثم إن أبا هريرة ما عاش عيشة المترفين ، بل كان متقشفا حتى مات ، وقد أمّره معاوية على المدينة في عهده وقيل في عهد علي رضي الله عنه كان أميرا على المدينة فكان متواضعا
فيذهب إلى البرية ليحتطب حتى يسترزق منها ، وكان إذا وصل إلى المدينة قال للناس : (أخروا عن الأمير) أي أفسحوا له الطريق تواضعا منه .
ولقد دأب كثير من الرافضة وغيرهم في التشكيك في أبي هريرة فجمعوا بعض الأحاديث التي رواها والتي تخالف عقولهم ومألوفاتهم ، وزعموا أنها من كذب أبي هريرة كحديث
: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) ، ولكن هذا الحديث رواه أيضا أبو سعيد وصححه كثير من العلماء . فننصحك بقراءة الكتب التي تذبّ عن أبي هريرة رضي الله عنه ككتاب
( السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ) ، وكتاب ( الأنوار الكاشفة) وغيرها من الكتب حتى تجد الجواب والصواب في أن أبا هريرة من حفاظ الصحابة .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال القادم
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-13, 15:18
كيف روى أبو هريرة رضي الله عنه كل هذه الأحاديث ومدة صحبته ثلاث سنوات فقط ؟
السؤال :
إحدى الأخوات المسلمات سألتني سؤالاً فلم أستطع أن أجيبها ، قالت : طالما أن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث سنوات فقط ، فكيف روى جميع هذه الأحاديث ؟
أرجو التفصيل ، وتدعيم الإجابة بالأدلة ، حتى أتمكن من الشرح لها وتفهيمها .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
ليس هذا محل إشكال على الإطلاق ، وإذا قمنا بعملية حسابية سريعة يتبين لنا أن هذا الإشكال لا حقيقة له .
وبيان ذلك : أن ثلاث سنوات من صحبة أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم تعني أكثر من (1050) يوماً .
وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم ملازمة تامة ، يصاحبه أينما حل وارتحل ، ويقضي معه معظم يومه ، كما أخبر هو عن نفسه رضي الله عنه ، وأقر له الصحابة بذلك ، فكم حديثاً نتوقع أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم ؟
لا نريد أن نبالغ في العدد المفترض كي يتقبل القارئ الحجة ، بل نفترض عدداً يقبله كل منصف يريد معرفة الحق لاتباعه ، ولتكن خمسة أحاديث في اليوم فقط ، ونعني بالأحاديث هنا خمسة مواقف
فالحديث قد يكون قولياً ، وقد يكون فعلياً ، وقد يكون إقرارا من النبي صلى الله عليه وسلم لفعل أو قول فعل أمامه أو بلغه ، وقد يكون الحديث وصفا للنبي صلى الله عليه وسلم .
فلو نقل أبو هريرة رضي الله عنه لنا فعلاً فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو حدثاً معيناً - ولو كيفية الخروج للصلاة - فهذا يعد حديثا في عرف المحدثين .
فلو فرضنا أن أبا هريرة رضي الله عنه سيسمع عند كل صلاة من الصلوات الخمس كلمة من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يشاهد موقفاً معيناً
فستكون حصيلة العلم الذي يجمعه أبو هريرة رضي الله عنه في اليوم الواحد خمسة أحاديث فقط .
ولا نظن أن أحداً يزعم أن هذا عدد كبير لحال أي صديق مع صديقه ، فكيف بحال أبي هريرة رضي الله عنه المتفرغ للعلم ، وهو يصاحب أعظم الرسل ، وسيد البشر ، محمداً صلى الله عليه وسلم ؟
وعليه ؛ ففي آخر صحبة أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ستكون حصيلة الأحاديث أكثر من خمسة آلاف حديث .
وهكذا هي فعلا الأحاديث التي تروى عن أبي هريرة في كتب السنة ، نحو (5374) بحسب عددها في " مسند بقي بن مخلد " أضخم موسوعة حديثية مؤلفة
نقلاً عن الدكتور أكرم العمري في كتابه " بقي بن مخلد ومقدمة مسنده " (ص/19).
فأين هي المبالغة المنسوبة لأبي هريرة رضي الله عنه في روايته للأحاديث ؟
نظن أن أي منصف يتأمل عدد مرويات أبي هريرة رضي الله عنه مع مدة صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم يستنتج أنه لا صحة لهذه الزوبعة التي يثيرها البعض على مرويات أبي هريرة رضي الله عنه .
فكيف إذا علم القارئ الكريم أن الخمسة آلاف حديث المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة تشمل الصحيح والضعيف والموضوع ؟
يعني أن بعض هذه الأحاديث التي تُنسب لأبي هريرة رضي الله عنه لم تصح عنه من الأصل .
وكيف لو علم القارئ الكريم أيضاً أن الخمسة آلاف حديثاً المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة تشمل المكرر الذي جاء بمتن ونص واحد ولكن تعددت أسانيده وطرقه ؟
فبعض الأحاديث تروى من عشرة طرق ونصها واحد ، فهذه يعدها العلماء عشرة أحاديث وليست حديثا واحداً .
وكيف لو علم القارئ الكريم أيضاً : أن الخمسة آلاف حديثاً المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة لم يأخذها كلها من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة
، بل أخذ كثيراً منها عن إخوانه السابقين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ثم كيف لو علم القارئ الكريم أيضاً أن أبا هريرة رضي الله عنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع سنوات ، وليس ثلاثة فقط .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في مدة صحبة أبي هريرة رضي الله عنه :
" قدم في خيبر سنة سبع ، وكانت خيبر في صفر ، ومات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة ، فتكون المدة أربع سنين وزيادة ، وبذلك جزم حميد بن عبد الرحمن الحميري" انتهى .
" فتح الباري " (6/608).
وأما إخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن نفسه أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين ، كما وقع في "صحيح البخاري" (حديث رقم/3591) أنه قال : (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ سِنِينَ
لَمْ أَكُنْ فِى سِنِىَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِىَ الْحَدِيثَ مِنِّى فِيهِنَّ) .
فهذا محمول على تقديره رضي الله عنه للمدة التي لازم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمة شديدة ، واستثنى الأيام التي ابتعد فيها حين ذهب إلى البحرين
أو في بداية إسلامه ، أو في أيام الغزوات ، حيث قد لا يتيسر له ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم في يومه وليلته .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" فكأن أبا هريرة اعتبر المدة التي لازم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الملازمة الشديدة ، وذلك بعد قدومهم من خيبر ، أو لم يعتبر الأوقات التي وقع فيها سفر النبي صلى الله عليه وسلم من غزوه وحجه وعُمَرِه
لأن ملازمته له فيها لم تكن كملازمته له في المدينة ، أو المدة المذكورة بقيد الصفة التي ذكرها من الحرص ، وما عداها لم يكن وقع له فيها الحرص المذكور ، أو وقع له لكن كان حرصه فيها أقوى ، والله أعلم " انتهى.
" فتح الباري " (6/608) .
فإذا تبين أن صحبة أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع سنين ، وأسقطنا من عدد الأحاديث المروية عن أبي هريرة الأحاديث المكررة والضعيفة
فأي محل يبقى لدعوى مبالغة أبي هريرة رضي الله عنه في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ثانياً :
ثم ننقل هنا بعض ما كتبه علماؤنا رحمهم الله في توضيح أسباب كثرة روايات أبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة عن غيره من الصحابة رض الله عنهم .
قال العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله :
"لكثرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أسباب ، استخرجناها من عدة روايات :
أحدها : أنه قصد حفظ أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وضبط أحواله ؛ لأجل أن يستفيد منها ، ويفيد الناس ، ولأجل هذا كان يلازمه ويسأله ، وكان أكثر الصحابة لا يجترئون على سؤاله إلا عند الضرورة
وقد ثبت أنهم كانوا يُسَرُّون إذا جاء بعض الأعراب من البدو وأسلموا ؛ لأنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الدلائل على هذا السبب ما رواه عنه البخاري قال : قلت : يا رسول الله ! من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال : ( لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث) .
وما رواه أحمد عن أُبيّ بن كعب : أن أبا هريرة كان جريئًا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره .
ثانيها : أنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتبعه حتى في زيارته لنسائه وأصحابه ليستفيد منه ، ولو في أثناء الطريق
فكانت السنين القليلة من صحبته له كالسنين الكثيرة من صحبة كثير من الصحابة الذين لم يكونوا يَرَوْنه صلى الله عليه وسلم إلا في وقت الصلاة
أو الاجتماع لمصلحة يدعوهم إليها ، أو حاجة يفزعون إليه فيها ، وقد صرح بذلك لمروان .
وأخرج البغويّ بسند جيد - كما قال الحافظ ابن حجر - عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة :
أنت كنت أَلَزَمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمَنا بحديثه .
وفي " الإصابة " عنه أنه قال : أبو هريرة خير مني وأعلم بما يحدث .
وعن طلحة بن عُبيد الله : لا أشك أن أبا هريرة سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما لم نسمع .
ثالثها : أنه كان جيد الحفظ قوي الذاكرة ، وهذه مزية امتاز بها أفراد من الناس كانوا كثيرين في زمن البداوة ، وما يقرب منه ؛ إذ كانوا يعتمدون على حفظهم
ومما نقله التاريخ لنا عن اليونان أن كثيرين منهم كرهوا بدعة الكتابة عندما ابتدءوا يأخذونها ، وقالوا : إن الإنسان يتكل على ما يكتب فيضعف حفظه ، وإننا نفاخر بحفاظ أمتنا جميع الأمم
وتاريخهم ثابت محفوظ ، قال الإمام الشافعيّ : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره ، وقال البخاري مثل ذلك ، إلا أنه قال : عصره . بدل دهره .
وأعظم من ذلك ما رواه الترمذي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأبي هريرة : أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه .
رابعها : بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بعدم النسيان ، كما ثبت في حديث بسط الرداء المتقدم – وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة : (ابْسُطْ رِدَاءَكَ . فَبَسَطْهُ . فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ضُمّهُ .
قال أبو هريرة : فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ) رواه البخاري (119) - وهو مروي من طرق متعددة في الصحاح والسنن .
خامسها : دعاؤه له بذلك كما ثبت في حديث زيد بن ثابت عالم الصحابة الكبير رضي الله عنه عند النسائي ، وهو : ( أن رجلاً جاء إلى زيد بن ثابت فسأله ، فقال له زيد : عليك بأبي هريرة
فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ، ندعو الله ونذكره ، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فقال : عودوا للذي كنتم فيه . قال زيد فدعوت أنا وصاحبي
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمّن على دعائنا ، ودعا أبو هريرة فقال : إني أسألك
مثل ما سأل صاحباي ، وأسألك علمًا لا يُنسى , فقال : سبقكم بها الغلام الدوسي ) – قال الحافظ ابن حجر في " الإصابة " (4/208) : إسناده جيد -.
سادسها : أنه تصدى للتحديث عن قصد ؛ لأنه كان يحفظ الحديث لأجل أن ينشره ، وأكثر الصحابة كانوا ينشرون الحديث عند الحاجة إلى ذكره في حكم أو فتوى أو استدلال
والمتصدي للشيء يكون أشد تذكرًا له ، ويذكره بمناسبة وبغير مناسبة ؛ لأنه يقصد التعليم لذاته ، وهذا السبب لازم للسبب الأول من أسباب كثرة حديثه .
سابعها : أنه كان يحدث بما سمعه وبما رواه عن غيره من الصحابة كما تقدم ، فقد ثبت عنه أنه كان يتحرى رواية الحديث عن قدماء الصحابة ، فروى عن أبي بكر وعمر
والفضل بن العباس وأُبيّ بن كعب ، وأسامة بن زيد وعائشة ، وأبي بصرة الغفاري ، أي : أنه صرح بالرواية عن هؤلاء، ومن المقطوع به أن بعض أحاديثه التي لم يصرح فيها باسم صحابي كانت مراسيل
لأنها في وقائع كانت قبل إسلامه ، ومراسيل الصحابة حجة عند الجمهور .
فمن تدبر هذه الأسباب لم يستغرب كثرة رواية أبي هريرة ، ولم ير استنكار أفراد من أهل عصره لها موجبًا للارتياب في عدالته وصدقه ؛ إذ علم أن سبب ذلك الاستنكار عدم الوقوف على هذه الأسباب .
على أن جميع ما أخرجه البخاري في صحيحه له (446) حديثًا ، بعضها من سماعه ، وبعضها من روايته عن بعض الصحابة
وهي لو جمعت لأمكن قراءتها في مجلس واحد ؛ لأن أكثر الأحاديث النبوية جمل مختصرة .
فهل يستكثر عاقل هذا المقدار على مثل أبي هريرة أو من هو دونه حفظًا ، وحرصًا على تحمل الرواية وأدائها؟!" انتهى باختصار.
"مجلة المنار" (19/25) .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-15, 13:20
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
ما رأيكم بكتاب " الاستعداد ليوم المعاد " المنسوب للحافظ ابن حجر العسقلاني ؟
السؤال
: لدي كتاب بعنوان : " الاستعداد ليوم الجزاء " للشيخ ابن حجر العسقلاني ، يحتوي على أحاديث وآثار ، والمشكلة أن هذه الأحاديث والآثار غير مبين إن كانت صحيحة أم لا
فهل لديكم معرفة بهذا الكتاب ، وكيف يتم التعامل معه ؟
الجواب :
الحمد لله
بعد البحث والتفتيش في أسماء مصنفات الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله ، لم نقف على كتاب له بهذا الاسم
وقد بلغت كتب الحافظ نحوا من (273) كتابا ، جمع أسماءها وتكلم عليها الحافظ السخاوي في " الجواهر والدرر " (ص/660-695) ، ولم يذكر منها هذا الكتاب .
وقد حَذَّر بعض الباحثين المعاصرين مما في هذا الكتاب ، وبَيَّنوا كذب نسبته إلى الحافظ ابن حجر العسقلاني .
قال الشيخ مشهور حسن سلمان :
"الاستعداد ليوم المعاد : كتاب طبع منسوبا كذبا وزورا للحافظ ابن حجر العسقلاني ، وقد مر بي بيان هذا قديما في مجلة "الجامعة السلفية"
ومع مرور الزمن تأكد لي ذلك بأدلة وشواهد ، أقواها وأغلاها ما نقله الحافظ ابن حجر نفسه في ترجمة إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الجويني ، صدر الدين
أبو المجامع ابن سعد الدين الشافعي الصوفي (ت 722هـ) ، عن الإمام الذهبي قوله : "كان حاطب ليل ، جمع أحاديث ثنائيات وثلاثيات ورباعيات من الأباطيل المكذوبة" .
قلت (أي الشيخ مشهور) : وهذا وصف لكتاب الاستعداد ، وقد أنكر الدكتور شاكر محمود عبد المنعم نسبة هذا الكتاب لابن حجر لثلاثة أسباب ، هي :
الأول : أنه يخالف أسلوب ابن حجر في ذكر الأحاديث ، ومنهجه في تبيان أسانيدها ونقدها ومتونها والاختلاف فيها .
الثاني : لم يذكره مصدرٌ معاصرٌ لابن حجر ولا تلامذته .
الثالث : لا يوجد اسم المؤلف على المخطوط في غالب النسخ التي اطلع عليها .
وقد نبه على بطلان نسبة هذا الكتاب لابن حجر الأخ جاسم الدوسري حفظه الله، فقال:
ومما يحسن التنبيه عليه أن الكتاب المتداول بين الناس بعنوان " الاستعداد ليوم الميعاد " المنسوب تأليفه إلى الحافظ باطل النسبة إليه بلا شك
ومن قرأه ورأى ما فيه من الأحاديث المكذوبة الموضوعة علم يقينا أن الحافظ منه بريء .
وقد كتب الشيخ عبد الرحمن الفاخوري حفظه الله مقالا نشره في مجلة " الجامعة السلفية " بالهند (حج 10/ عدد 3، ربيع الأول، سنة 1398هـ) بعنوان: "
أما لهذه الأيدي من يقطعها " بَيَّن فيه بيانا شافيا بطلان نسبة هذا الكتاب إلى الحافظ ، فراجعه إن شئت الاستزادة ".
وقد رأيت بعد كتابة هذه الأسطر أن هذا الكتاب قد طبع طبعة جديدة عن دار التربية بالعراق بتحقيق عادل أبو المعاطي ، دون تاريخ ، في (142) صفحة من القطع الكبير .
وأثبت على غلافه أنه لابن حجر العسقلاني !! إلا أنه قد شكك في ذلك في تقديمه له (ص/9-11)، فذكر أنه قد واجهته في تحقيق الكتاب صعوبتان :
الأولى : نسبة الكتاب إلى العسقلاني .
الثانية : تخريج أحاديث الكتاب .
والذي يهمنا من كلامه ما قاله في الصعوبة الأولى ، فأفاد ما يلي :
أولا : أن كتب التراجم التي ترجمت للعسقلاني وذكرت مصنفاته لم تذكر من بينها هذا الكتاب على الإطلاق ، فلم يذكره السخاوي تلميذ العسقلاني في " الضوء اللامع "
وكذلك الشوكاني في " البدر الطالع " وإسماعيل باشا البغدادي في " هدية العارفين "، والزركلي في " الأعلام ".
ثانيا : رغم ذلك فإن هذا الكتاب طبع عدة مرات منسوبا إلى العسقلاني ، وهذه طبعاته :
الأولى : تحت عنوان " منبهات " لابن حجر العسقلاني ، عام (1312هـ) بالهند، أي من حوالي (95) عاما ، ومعها ترجمتها بالفارسية في (96) صفحة .
الثانية : تحت عنوان " منبهات " لابن حجر العسقلاني ، عام (1315هـ) باستنبول ، أي من حوالي (92) عاما .
الثالثة : تحت عنوان : " منبهات على الاستعداد ليوم المعاد " عام (1904م) مكتبة الشركة ، قزان ، أي من حوالي (82) عاما.
ولكن على الصفحة الأولى توجد عبارة : " وهو على ما قيل للشيخ شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني المتوفى سنة (852هـ)، وقيل لغيره ، وهو الأظهر ".
والعبارة الأخيرة توحي بالشك في نسبة الكتاب للعسقلاني ، ويؤيد هذا ما قاله حاجي خليفة في " كشف الظنون "، حيث نسب الكتاب
" المنبهات على الاستعداد ليوم المعاد للنصح والوداد " لزين القضاة أحمد بن محمد الحجي ، ثم قال :
" جمع فيه أحاديث ونصائح من الواحد إلى العشرة ، مثنى ، وثلاث ، ورباع ، أوله : الحمد لله رب العالمين ... إلخ ، قال : هذه منبهات على الاستعداد ليوم المعاد " اهـ.
ثالثا : وتوجد لهذا الكتاب خمس نسخ مخطوطة في دار الكتب المصرية منسوبة للعلامة الشيخ أحمد بن محمد بن علي الحجري ، وأرقامها (21م، 36م، 213 مجاميع
360 مجاميع، 8م مجاميع) ولكن لم يتيسر لي الاطلاع عليها ، وكذلك هناك مخطوطة ضمن مخطوطات المدرسة الحسنية بالموصل ، تحت رقم (27824) منسوبة لزين القضاة أحمد بن محمد .
رابعا : لقد حاولت الوصول إلى ترجمة أحمد بن محمد الحجري أو الحجي كما ذكر حاجي خليفة من كتابي " الأعلام "، و " معجم المؤلفين"، ولكن كليهما لم يذكره على الإطلاق
وزاد الأمر صعوبة أن حاجي خليفة لم يذكر له تاريخ وفاة ، وإلا لرجعنا للكتب التي تترجم بتاريخ الوفاة ، وكذلك لم يذكره صاحب كتاب " هدية العارفين ".
ولذلك رأيت – وقد أكون مخطئا – أن أنسب الكتاب إلى العسقلاني كالنسخ المطبوعة التي أشرنا إليها ، وأرجو أن يوفقني الله في طبعة قادمة لتلافي هذه النقطة انتهى.
قلت (أي : الشيخ مشهور) : ولا شك في خطأ نسبة هذا الكتاب لابن حجر ، والأمر – إن شاء الله تعالى – ما ذكرنا آنفا عن ابن حجر نفسه ، من أن مؤلفه إبراهيم بن محمد والله أعلم" انتهى .
" كتب حذر منها العلماء " (2/326-330) .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-15, 13:23
حديث: (يا عباد الله أغيثوني) لا يصح
السؤال :
ما صحة الحديث : (يا عباد الله أغيثوني)؟
الجواب :
الحمد لله :
هذا الحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير (17 /117) من طريق عبد الرحمن بن شريك قال : حدثني أبي ، عن عبد الله بن عيسى ، عن زيد بن علي
عن عتبة بن غزوان ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : (إذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا ، أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا ، وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ ، فَلْيَقُلْ : يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي ، يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي ، فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لا نَرَاهُمْ).
وهذا الحديث فيه ثلاث علل توجب ضعفه ، وهي :
الأول : عبد الرحمن بن شريك بن عبد الله النخعي الكوفي .
قال أبو حاتم :
" واهي الحديث ".
انتهى من " الجرح والتعديل" (5 /244) .
وذكره ابن حبان في " الثقات " (8 /375)
وقال : " ربما أخطأ ".
وقال الحافظ في " التقريب" صـ 342 :
" صدوق يخطيء " .
وينظر : "تهذيب التهذيب" (6/176) .
الثاني : شريك بن عبد الله النخعي .
وقد تكلم العلماء في حفظه وضبطه ، وقال فيه الحافظ : " صدوق يخطيء كثيراً ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة " . انتهى من " تقريب التهذيب " صـ 266 .
الثالث : أن زيد بن علي بن الحسين لم يدرك عتبة بن غزوان ، ولم يسمع منه ، فبين وفاة عتبة وولادة زيد نحو من ستين سنة .
ينظر : تهذيب التهذيب ( 2/249) ، (4/64) .
ولذلك قال الهيثمي عن الحديث : " رواه الطبراني ورجاله وُثِّقوا على ضعف في بعضهم ، إلا أن زيد بن علي لم يدرك عتبة ".
انتهى من " مجمع الزوائد " (10/93) .
وللحديث شاهدٌ من حديث ابن مسعود مرفوعاً بلفظ : (إذا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضِ فَلاةٍ ، فَلْيُنَادِ : يَا عِبَادَ اللَّهِ ، احْبِسُوا عَلَيَّ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ احْبِسُوا عَلَيَّ ، فَإِنَّ لِلَّهِ فِي الأَرْضِ حَاضِرًا سَيَحْبِسُهُ عَلَيْكُمْ) .
رواه الطبراني في المعجم الكبير (10/217) ، وأبو يعلى في " مسنده " (9/177) ، وهو ضعيف أيضاً ، قد ضعفه الهيثمي في " مجمع الزوائد" (10/132)
والحافظ ابن حجر في "شرح الأذكار" (5/150) ، والحافظ السخاوي في "الابتهاج بأذكار المسافر والحاج" ص 39 .
وقد فَصَّل الكلام عليه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" وقال رحمه الله :
"ومع أن هذا الحديث ضعيف ... فليس فيه دليل على جواز الاستغاثة بالموتى من الأولياء والصالحين ؛ لأنهما صريحان بأن المقصود بـ " عباد الله " فيهما خلقٌ من غير البشر .
بدليل قوله في الحديث الأول : (فإن لله في الأرض حاضراً سيحبسه عليهم) ، و قوله في هذا الحديث : (فإن لله عبادا لا نراهم) .
وهذا الوصف إنما ينطبق على الملائكة أو الجن ؛ لأنهم الذين لا نراهم عادة ... فلا يجوز أن يُلحَق بهم المسلمون من الجن أو الإنس ممن يسمونهم برجال الغيب من الأولياء والصالحين
سواء كانوا أحياء أو أمواتا ، فإن الاستغاثة بهم وطلب العون منهم شرك بيِّن ؛ لأنهم لا يسمعون الدعاء ، ولو سمعوا لما استطاعوا الاستجابة وتحقيق الرغبة .
وهذا صريح في آيات كثيرة ، منها قوله تبارك وتعالى : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ، وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ، وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ".
انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (656) .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-15, 13:28
ما ورد في تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت
السؤال :
بالنسبة لمسألة تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت ( أي هل يموتون الآن أم بعد مدة ) كما حصل معه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم
كيف نقول بالنسبة لمن قتل منهم أي الأنبياء والرسل ، هل خُيروا أم لم يُخيروا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل نبي يخير عند موته بين الدنيا والآخرة ، جاء ذلك في روايات عدة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ صَحِيحٌ يَقُولُ : إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ . فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِي عَلَيْهِ
فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى . فَقُلْتُ : إِذًا لاَ يُجَاوِرُنَا . فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ )
رواه البخاري (4437) ومسلم (2444)
وعنها رضى الله عنها قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
( مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ إِلاَّ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ
فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ) فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ ) رواه البخاري (4586)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قوله : ( كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يُخَيَّر ) ولم تصرح عائشة بذكر من سمعت ذلك منه في هذه الرواية
وصرحت بذلك في الرواية التي تليها من طريق الزهري عن عروة عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول :
( إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى أو يخير ) وهو شك من الراوي ، هل قال يُحَيَّى ، أو يُخَيَّر .
وعند أحمد من طريق المطلب بن عبد الله عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( ما من نبي يقبض إلا يرى الثواب ثم يخير )
ولأحمد أيضا من حديث أبي مويهبة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة )
وعند عبد الرزاق من مرسل طاوس رفعه : ( خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل ) "
انتهى من " فتح الباري " (8/137)
وقال أيضا :
" هذه الحالة من خصائص الأنبياء أنه لا يقبض نبي حتى يخير بين البقاء في الدنيا وبين الموت "
انتهى من " فتح الباري " (10/131)
ومن ذلك قصة استئذان ملك الموت على نبي الله موسى عليه السلام فلطمه موسى ففقأ عينه وهي مروية في الصحيحين أيضا .
يقول الدكتور عمر الأشقر حفظه الله :
" مما تفرد به الأنبياء أنّهم يخيَّرون بين الدنيا والآخرة "
انتهى من " الرسل والرسالات " (ص/63)
ثانيا :
لما كان تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت من عالم الغيب الذي لم نطلع عليه إلا بواسطة الوحي الصحيح ، لم يجز لنا أن نتكلم في تفاصيله بغير علم ولا هدى
بل يجب الوقوف عند حدود النصوص الواردة في هذا الموضوع ، وهي نصوص عامة لم تستثن أحدا من الأنبياء ، بل جاءت بصيغة تؤكد العموم ، ففي الرواية الأولى بلفظ :
( لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ )، وفي الرواية الثانية بلفظ : ( مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ )، فيظهر أنها تعم كل نبي ، سواء مات ميتة طبيعية على فراشه ، أو قتل شهيدا باعتداء المعتدين .
هذا ما يمكننا قوله ، ولا نستطيع تجاوز ذلك .
ثالثا :
لا يفوتنا التنبيه هنا على كثرة الكذب في هذا الموضوع ، فقد رويت أحاديث كثيرة ضعيفة تذكر قصة استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ليقبض روحه ، وما دار من حوار طويل بينهما
يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :
" وأما الجواب عن - استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم - فهو أنّ الحديث في ذلك لا يَصِحُّ ، ولا عبرة بسكوت بعض أهل السِّيَرِ عليه
ولا بذكره في بعض الخُطَب التي قَلَّمَا تحرى أصحابها الصحاح من السنن والآثار , بل أولع أكثرهم بالواهيات والموضوعات "
انتهى من " مجلة المنار " (11/352)
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-15, 13:36
حديث: (ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بدون سواك)
السؤال:
ما معنى حديث : (ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بدون سواك) ؟
الجواب:
الحمد لله
"السواك سنة ، وطاعة عند الصلاة أو عند الوضوء ؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب) أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها
ولقوله صلى الله عليه وسلم : (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) متفق على صحته ، وفي لفظ : (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) أخرجه الإمام النسائي بإسناد صحيح .
أما حديث : (صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بلا سواك) فهو حديث ضعيف ، ليس بصحيح, وفي الأحاديث الصحيحة ما يغني عنه ، والحمد لله" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/288) .
وقال عنه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/38) :
"ضعيف، وإسناده غير قوي، وروي مرفوعاً ومرسلاً" انتهى .
وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (ص 17) :
"إسناده غير قوي" . انتهى .
وضعفه النووي في "الخلاصة" (1/88)
والألباني في "ضعيف الجامع" (3519) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-15, 13:38
شرح حديث: (بيت ليس فيه تمر جياع أهله)
السؤال :
ما صحة هذا الحديث: (بيت ليس فيه تمر جياع أهله) ؟
الجواب:
الحمد لله
"الحديث صحيح ، أخرجه مسلم في صحيحه ، وهو محمول عند أهل العلم على مَنْ كان مِنْ طعامه التمر ، كأهل المدينة في وقته صلى الله عليه وسلم وأشباههم ممن يقتاتون التمر، والله ولي التوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/280) .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-19, 17:15
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
ما صحة حديث: (التمس لأخيك سبعين عذرا)؟
السؤال :
ما صحة هذا الحديث : (التمس لأخيك سبعين عذرا) ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا أعلم له أصلا ، والمشروع للمؤمن أن يحترم أخاه إذا اعتذر إليه
ويقبل عذره إذا أمكن ذلك
ويحسن به الظن حيث أمكن ذلك
حرصاً على سلامة القلوب من البغضاء
ورغبةً في جمع الكلمة
والتعاون على الخير
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : (لا تظن بكلمة صدرت من أخيك شرا وأنت تجد لها في الخير محملا)" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/365) .
*عبدالرحمن*
2018-09-19, 17:20
حديث: (أنا أفصح من نطق بالضاد)
السؤال :
هل هذا الحديث صحيح : (أنا أفصح من نطق بالضاد) ؟
الجواب:
الحمد لله
"حديث : (أنا أفصح من نطق بالضاد ، بيد أني من قريش)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لآخر سورة الفاتحة : لا أصل له.
وقال العجلوني في "كشف الخفاء" (1/200) ما نصه
: قال في اللآلئ : معناه صحيح
ولكن لا أصل له
كما قال ابن كثير وغيره من الحفاظ ، وأورده أصحاب الغريب .. ولا يعرف له إسناد" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/380) .
*عبدالرحمن*
2018-09-19, 17:22
قول عمر رضي الله عنه: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك)
السؤال:
هل هذا الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم) ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا الأثر رواه الترمذي (486) موقوفاً على عمر رضي الله عنه ، وفي إسناده : أبو قرة الأسدي وهو مجهول .
وقد ضعفه الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" (432) .
وضعفه المباركفوري في "تحفة الأحوذي" فقال : "الحديث ضعيف لجهالة أبي قرة الأسدي" انتهى.
وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله فقال :
"في سنده أبو قرة الأسدي ، وهو من رجال البادية مجهول ، كما في التقريب ، وهو الراوي له عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه ..؛ وبذلك يعتبر هذا الأثر ضعيفا من أجل جهالة أبي قرة .. والله أعلم " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/289) .
*عبدالرحمن*
2018-09-19, 17:28
حديث مبادرة الملائكة لكتابة الذكر عند الاعتدال من الركوع حديث صحيح
السؤال
: انتشر في المنتديات حديث للرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه صلى الله عليه وسلم سمع عند اعتداله من الركوع رجلا يقول : ربنا ولك الحمد والشكر حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه ملء السموات ومل
الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد . فقال صلى الله عليه وسلم : رأيت ثلاثين ملكا يجرون كل واحد منهم يريد كتابتها له قبل الآخر .
هل هذا الحديث صحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ جزاكم الله عنا خير الجزاء .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة هذا الذكر بعد الاعتدال من الركوع حديث عظيم ، وهو ما جاء عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىِّ قَالَ :
( كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ . قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ
حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ . فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : مَنِ الْمُتَكَلِّمُ ؟ قَالَ : أَنَا . قَالَ : رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا ، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُُ )
رواه البخاري (799) .
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
" قوله : ( أول ) روي على وجهين : بضم اللام وفتحها . فالضم على أنه صفة لأي .
و ( البِضع ) : ما بين الثلاث إلى التسع ، في الأشهر ، وقال أبو عبيدة : ما بين الثلاث إلى الخمس . وقيل غير ذلك ...
وقد دل الحديث على فضل هذا الذكر في الصلاة ، وأن المأموم يشرع له الزيادة على التحميد بالثناء على الله عز وجل ، كما هو قول الشافعي وأحمد - في رواية - .
وأن مثل هذا الذكر حسنٌ في الاعتدال من الركوع في الصلوات المفروضات ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما كانوا يصلون وراء النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات المفروضة غالباً ، وإنما كانوا يصلون وراءه التطوع قليلا .
وفيه - أيضاً - : دليل على أن جهر المأموم أحيانا وراء الإمام بشيء من الذكر غير مكروه ، كما أن جهر الإمام أحياناً ببعض القراءة في صلاة النهار غير مكروه " انتهى.
" فتح الباري " لابن رجب (5/80-81)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قوله : ( مباركا فيه ) زاد رفاعة بن يحيى : ( مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى )، فأما قوله : ( مباركا عليه ) فيحتمل أن يكون تأكيدا ، وهو الظاهر ، وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء ...
وأما قوله : ( كما يحب ربنا ويرضى ) ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد .
والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة ، ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا : (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ) الحديث .
واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة ، والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال ، أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله . " انتهى.
" فتح الباري " (2/286-287))
ثانيا :
أما لفظ ( ربنا لك الحمد والشكر ) فلم يثبت في أي من روايات الحديث السابقة ، وإن كانت زيادتها من غير اعتيادها مع عدم نسبتها للشرع جائزة ، ولكن الأولى الاقتصار على الوارد .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :
" رجل عندما يرفع من الركوع يقول : ربنا ولك الحمد والشكر ، وهل كلمة الشكر صحيحة ؟ فأجاب :
لم تَرِد ، لكن لا يضر قولها : الحمد والشكر لله وحده سبحانه وتعالى ، ولكن هو من باب عطف المعنى ، وإن الحمد معناه الشكر والثناء
فالأفضل أن يقول ربنا ولك الحمد ، ويكفي ولا يزيد والشكر ، ويقول : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، ملء السماوات والأرض
وملء ما شئت من شيء بعد ، وإن زاد الشكر لا يضره ، ويعلم أنه غير مشروع " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (29/286)
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-19, 17:34
لم يصح حديث أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول : كنت تراني على المنكر ولا تنهاني
السؤال :
سمعت درسا على قناة فضائية إسلامية سرد فيه الشيخ حديثا لم أتذكره ، فيما معناه أنه يوم القيامة يأتي كافر يشكو عبدا كنا نظنه مؤمنا وملتزما كان يمر علينا
ولكن لم يدعنا إلى الإسلام ، ولم يعظنا ، فيلحق الله تبارك وتعالى هذا العبد المؤمن بهؤلاء الكفار في النار ، نعوذ بالله منها . فهل صح حديث عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى ؟
أرجو أن تدلوني عليه بأسانيده وشروحه
الجواب:
الحمد لله
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله من الواجبات المحتمات على الأمة الإسلامية ، وقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة لتدل على هذا المعنى
وتقرر هذا الحكم الشرعي ، سبق ذكر أطراف منها في الاجوبة الثلاثة القادمه
ورغم كثرة الآيات والأحاديث الواردة في فضيلة هذه الشعيرة العظيمة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " إلا أننا لم نجد فيها ما يصح بخصوص تعلق الناس يوم القيامة بمن ترك الدعوة والنصيحة
ومطالبتهم بأخذ حقهم منه يوم القيامة عقوبة على تقصيره في ذلك ، وكل ما وقفنا عليه بهذا الخصوص هو ما ذكره الحافظ أبو السعادات ابن الأثير (606هـ) في كتابه
" جامع الأصول من أحاديث الرسول " ولم يعزه لأحد، وذكره المنذري (643هـ) في كتابه " الترغيب والترهيب " (3/164) (حديث رقم/3506) وعزاه لرزين فقال :
" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كنا نسمع أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة وهو لا يعرفه ، فيقول له : ما لك إلي ، وما بيني وبينك معرفة ؟!
فيقول : كنت تراني على الخطإ وعلى المنكر ولا تنهاني ) ذكره " رزين " ولم أره " انتهى نقل المنذري.
ورزين هذا قال الذهبي في ترجمته :
" رزين بن معاوية بن عمار ، الإمام المحدث الشهير ، أبو الحسن العبدري الأندلسي
السرقسطي ، صاحب كتاب : " تجريد الصحاح "، جاور بمكة دهرا ، حدث عنه : قاضي الحرم أبو المظفر محمد بن علي الطبري ، والزاهد أحمد بن محمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر
والحافظ أبو موسى المديني ، والحافظ ابن عساكر وقال : كان إمام المالكيين بالحرم .
توفي بمكة في المحرم سنة خمس وثلاثين وخمس مئة وقد شاخ " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (20/204-205)
وقد بين العلماء أن كتاب رزين المسمى " تجريد الصحاح " مليء بالأحاديث التي لا يعرف مصدرها ، ولم يوقف على أصلها ، ولا يُدرَى من أين جاء بها .
قال ابن الصلاح في معرض تقرير بدعية صلاة الرغائب :
" ولا تستفاد له صحة – يعني لحديث صلاة الرغائب - مِن ذكر رزين بن معاوية إياه في كتابه في " تجريد الصحاح " ، ولا من ذكر صاحب " الإحياء " – يعني الغزالي -
له فيه واعتماده عليه ، لكثرة ما فيهما من الحديث الضعيف ، وإيراد رزين له في مثل كتابه من العجب " انتهى.
نقلا عن " الباعث على إنكار البدع والحوادث " لأبي شامة المقدسي (ص/45)
وقال الذهبي رحمه الله :
" أدخل كتابه زيادات واهية لو تنزه عنها لأجاد " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (20/205)
وقال أيضا رحمه الله :
" وله في الكتاب زيادات واهية " انتهى.
" تاريخ الإسلام " (36/376)
ويقول ابن تيمية رحمه الله :
" ورزين قد ذكر في كتابه أشياء ليست في الصحاح " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (7/157).
ويقول الشوكاني رحمه الله :
" أدخل في كتابه الذي جمع فيه دواوين الإسلام بلايا وموضوعات لا تعرف ، ولا يُدرَى من أين جاء بها " انتهى.
" الفوائد المجموعة " (ص/49)
وقال العلامة المعلمي في تعليقه عليه :
" زاد أحاديث ليست فيها – يعني في الصحيحين والموطأ وسنن الترمذي والنسائي وأبي داود - ولا في واحد منها ، فإذا كان الواقع هكذا
ومع ذلك لم ينبه في خطبة كتابه أو خاتمته على هذه الزيادات فقد أساء ، ومع ذلك فالخطب سهل ، فإن أحاديث غير الصحيحين من تلك الكتب ليست كلها صحاحا ، فصنيع رزين -
وإن أوهم في تلك الزيادات أنها في بعض تلك الكتب - فلم يوهم أنه صحيح ولا حسن . وأحسب أن تلك الأحاديث التي زادها كانت وقعت له بأسانيده ، فإنها أحاديث معروفة في الجملة
ومنها حديث صلاة الرغائب ولم يكن رزين من أهل النقد فلم يعرف حال الحديث " انتهى.
وقال اللكنوي رحمه الله :
" قال الشيخ الدهلوي في رسالته : وقد ذكر صاحب جامع الأصول في كتابه حديثا من كتاب رزين ، مع أن موضوع ذلك الكتاب جمع أحاديث الكتب الستة المسماة بالصحاح الست
وإذا لم يجد في هذه الكتب حديثا في ذلك أورده من كتاب آخر استيفاء وتكميلا " انتهى.
" الأسرار المرفوعة " (ص/74)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" فاعلم أن كتاب رزين هذا جمع فيه بين الأصول الستة : " الصحيحين " و" موطأ مالك " و"سنن أبي داود " ، والنسائي ، والترمذي ، على نمط كتاب ابن الأثير المسمى " جامع الأصول من أحاديث الرسول "
إلا أن في كتاب " التجريد " أحاديث كثيرة لا أصل لها في شيء من هذه الأصول ، كما يعلم مما ينقله العلماء عنه مثل المنذري في " الترغيب والترهيب " " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/207)
فالحاصل أن هذا الحديث لا يعرف له أصل .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-21, 15:49
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
السؤال
لماذا يعتبر المسلمون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أساسيات دينهم ؟.
الجواب
الحمد لله
الإنسان كثير النسيان كثير الخطأ النفس تأمره بالسوء والشيطان يغريه بالمعاصي وإذا كانت الأجسام تمرض , وتصيبها العلل والآفات وذلك يستلزم وجود الطبيب ,
الذي يصف الدواء المناسب , لتعود الأجسام إلى اعتدالها فكذلك النفوس , والقلوب تصيبها أمراض الشهوات والشبهات فتقع فيما حرم الله من سفك الدماء واستباحة الفروج وشرب الخمور .
وظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل والصد عن سبيل الله والكفر بالله .
أمراض القلوب أشد خطراً من أمراض الأجسام وذلك يستلزم وجود الطبيب الماهر ولكثرة أمراض القلوب ، وما ينشأ عنها من الشرور والفساد كلف الله المؤمنين بعلاج تلك الأمراض
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) آل عمران/104 .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسمى الوظائف الإسلامية بل هي أشرفها وأعلاها , وهي وظيفة الأنبياء والرسل عليهم السلام كما قال سبحانه
: ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) النساء/165 .
وقد جعل الله الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس لقيامها بهذه الوظيفة العظيمة كما قال سبحانه : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) آل عمران/110 .
وإذا عطلت الأمة شعيرة الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , انتشر الظلم والفساد في الأمة واستحقت لعنة الله وقد لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل ، لتعطيلهم هذه الشعيرة العظيمة ,
كما قال سبحانه : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) المائدة/78 .
والأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر أصل من أصول هذا الدين والقيام بهما جهاد في سبيل الله والجهاد يحتاج إلى تحمل المشاق والصبر على الأذى
كما قال لقمان لابنه : ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ) لقمان/17 .
والأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر رسالة عظيمة لذا يجب على من يقوم بها أن يتحلى بالأخلاق الكريمة ويعرف مقاصد الشرع ويدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ..ويعاملهم باللين
واللطف لعل الله يهدي من يشاء على يديه قال تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) النحل/125 .
والأمة التي تقيم شعائر الإسلام , وتأمر بالمعروف , وتنهى عن المنكر , تفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة ويتنزل عليها نصر الله وتأييده
كما قال سبحانه : ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) الحج/40 - 41 .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رسالة لا تنقطع إلى أن تقوم الساعة وهي واجبة على جميع الأمة رعاة ورعية رجالاً ونساءً كل حسب حاله قال عليه الصلاة والسلام
: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده , فإن لم يستطع فبلسانه , فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم/49 .
والأمة الإسلامية أمة واحدة فإذا انتشر الفساد فيها وساءت أحوالها وجب على جميع المسلمين , القيام بالإصلاح وإزالة المنكرات والأمر بالمعروف
, والنهي عن المنكر وبذل النصيحة لكل أحد ، قال عليه الصلاة والسلام : ( الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم/95 .
وإذا أمر المسلم بشيء , ينبغي أن يكون أسرع الناس إليه وإذا نهى عن شيء , ينبغي أن يكون أبعد الناس عنه ,
وقد توعد الله من خالف ذلك بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) الصف/2-3 .
والإنسان مهما استقام فهو بحاجة إلى النصح , والتوجيه , والتذكير على ضوء الكتاب والسنة وقد قال الله لرسول رب العالمين
, وأكمل الخلق أجمعين : ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليماً حكيماً ) الأحزاب/1 .
فعلينا جميعاً الأمر بالمعروف .. والنهي عن المنكر لنفوز برضا الله وجنته .
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري .
*عبدالرحمن*
2018-09-21, 15:52
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وآية ( عليكم أنفسكم )
السؤال
كيف نرد بحجة قوية ومقنعة على من احتج بقوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) إذا أُمر بالمعروف أو نُهي عن منكر؟.
الجواب
الحمد لله
هذه الآية الكريمة من سورة المائدة ، مما يخطئ بعض الناس في فهمها ، ويتوهمون أنها تدل على عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وربما احتجوا بها على من أمرهم أو نهاهم .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في تفسير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) المائدة / 105
قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور
وذلك في قوله ( إذا اهتديتم ) لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد. وممن قال بهذا حذيفة وسعيد بن المسيب كما نقله عنهما الألوسي في تفسيره ، وابن جرير
ونقله القرطبي عن سعيد بن المسيب ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ، ونقل نحوه ابن جرير عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن مسعود .
فمن العلماء من قال : ( إذا اهتديتم ) أي أمرتم فلم يسمع منكم ، ومنهم من قال : يدخل الأمر بالمعروف في المراد بالاهتداء في الآية ، وهو ظاهر جدا ولا ينبغي العدول عنه لمنصف .
ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد أن الله تعالى أقسم أنه في خسر
في قوله تعالى : ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )
فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل . وقد دلت الآيات كقوله تعالى: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً )
والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ، عمهم الله بعذاب من عنده ، فمن ذلك ... وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : " يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن رأى الناس الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه"
رواه أبو داود ( 4338 ) والترمذي ( 2168 ) والنسائي بأسانيد صحيحة ( وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 2448 ) )
انتهى من أضواء البيان 2/169
وكلامه رحمه الله كاف واف .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-21, 16:00
هل يأثم إن رأى منكراً ولم ينكره ؟
السؤال
هل أنا محاسَب على كل منكر أراه ؟ رأيت مثلا ناساً لا أعرفهم يسبون ، أو يتشاجرون ، أو رأيت أحداً يسمع الموسيقى ، أو سمعت شيئاً خطأ عن السنَّة كحديث ضعيف أو ما شابه ذلك
هل أنا مسئول عنه / عنهم / يوم القيامة إذا لم أنصحهم ؟!
الجواب
الحمد لله
أولاً :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام العظيمة ، وقد عدَّها بعض العلماء من أركان الدين ، والواجب على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
وليس هذا لطائفة من المسلمين دون آخرين ، بل هو واجب على كل من يعلم شيئاً من دين الله تعالى أن يبلِّغه أمراً أو نهياً .
قال تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) آل عمران/110 .
وقال تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران/104 .
وقال سبحانه وتعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ سورة المائدة الآية . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) المائدة/78 ، 79 .
قال ابن عطية – رحمه الله - :
والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين ، فإن خاف فينكر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه .
انظر " تفسير القرطبي " ( 6 / 253 ) .
ثانياً :
ويُشترط لإقامة هذه الشعيرة شروط لا بدَّ من وجودها ، وأكثرها يتعلق بالآمر الناهي ، وبعضها يتعلق بذات الشعيرة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
الشرط الأول : أن يكون عالماً بحكم الشرع فيما يأمر به أو ينهي عنه ، فلا يأمر إلا بما علم أن الشرع أمر به ، ولا ينهي إلا عما علم أن الشرع نهي عنه ، ولا يعتمد في ذلك على ذوق ، ولا عادة .
الشرط الثاني : أن يعلم بحال المأمور : هل هو ممن يوجَه إليه الأمر أو النهي أم لا ؟ فلو رأى شخصاً يشك هل هو مكلف أم لا : لم يأمره بما لا يؤمر به مثله حتى يستفصل .
الشرط الثالث : أن يكون عالماً بحال المأمور حال تكليفه ، هل قام بالفعل أم لا ؟
فلو رأى شخصاً دخل المسجد ثم جلس ، وشك هل صلى ركعتين : فلا يُنكر عليه ، ولا يأمره بهما ، حتى يستفصل .
الشرط الرابع : أن يكون قادراً على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا ضرر يلحقه
فإن لحقه ضرر : لم يجب عليه ، لكن إن صبر وقام به : فهو أفضل ؛ لأن جميع الواجبات مشروطة بالقدرة والاستطاعة ؛ لقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن/16 ، وقوله : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) البقرة/286 .
الشرط الخامس : أن لا يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفسدة أعظم من السكوت ، فإن ترتب عليها ذلك : فإنه لا يلزمه ، بل لا يجوز له أن يأمر بالمعروف أو ينهي عن المنكر .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 8 / 652 – 654 ) مختصراً .
ثالثاً :
وإذا علمتَ أخي السائل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان من واجبات الشريعة ، وتحققت الشروط الشرعية اللازمة لإقامتهما : فاعلم أن رؤيتك للمنكر وعدم نصحك لصاحبه سبب في ترتب الإثم عليك
إلا أن يقوم غيرك بالإنكار عليه ؛ لأنه يكون فرض عينٍ عليك في حال أن تكون رأيت المنكر وليس ثمة من ينصحه غيرك ، فإن وُجد غيرك وقام عنك بهذا الشعيرة : فإنه يصير فرض كفاية ، يسقط عنك الإثم إذا قام بالواجب غيرك .
قال ابن قدامة – رحمه الله -
:
واشترط قومٌ كون المنكِر مأذوناً فيه من جهة الإمام أو الوالي ، ولم يجيزوا لآحاد الرعية الحسبة ، وهذا فاسد ؛ لأن الآيات والأخبار تدل على أن كل مَن رأى منكراً فسكت عنه : عصى ، فالتخصيص بإذن الإمام تحكم .
" مختصر منهاج القاصدين " ( ص 124 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -
:
وقد يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضَ عينٍ ، وذلك في حق من يرى المنكر وليس هناك من ينكره وهو قادر على إنكاره ، فإنه يتعين عليه إنكاره لقيام الأدلة الكثيرة على ذلك
ومن أصرحها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) أخرجه مسلم في صحيحه .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 212 ) .
رابعاً :
ولا فرق بين أن تكون هذه المنكرات في الشارع أو في البيت أو في العمل ، فإن استطاع المسلم إنكارها من غير ضرر يلحقه : فلا يُعذر بترك إنكارها .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
فالمؤمنون والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر , المؤمن لا يسكت ، إذا رأى مِن أخيه منكراً : ينهاه عنه , وهكذا إن رأى مِن أخته أو عمته أو خالته أو غيرهن ,
إذا رأى منهن منكراً : نهاهنَّ عن ذلك , وإذا رأى مِن أخيه في الله أو أخته في الله تقصيراً في الواجب : أنكر عليه ذلك , وأمره بالمعروف , كل ذلك بالرفق والحكمة ، والأسلوب الحسن .
فالمؤمن إذا رأى أخاً له في الله يتكاسل عن الصلوات أو يتعاطى الغيبة أو النميمة أو شرب الدخان أو المسكر أو يعصي والديه أو أحدهما أو يقطع أرحامه : أنكر عليه بالكلام الطيب
والأسلوب الحسن , لا بالألقاب المكروهة والأسلوب الشديد , وبين له أن هذا الأمر لا يجوز له ... .
كل هذه المنكرات يجب على كل واحد من المؤمنين والمؤمنات والصلحاء إنكارها , وعلى الزوج والزوجة ، وعلى الأخ ، والقريب ، وعلى الجار ، وعلى الجليس
وعلى غيرهم القيام بذلك كما قال الله تعالى في وصف المؤمنين والمؤمنات : ( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) التوبة/71 ، وقال المصطفى عليه الصلاة والسلام
( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ) ، , ويقول عليه الصلاة والسلام : (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) .
وهذا عام لجميع المنكرات ، سواء كانت في الطريق , أو في البيت ، أو في المسجد ، أو في الطائرة ، أو في القطار ، أو في السيارة ، أو في أي مكان
, وهو يعم الرجال والنساء جميعاً , المرأة تتكلم ، والرجل يتكلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأن في هذا صلاح الجميع ونجاة الجميع .
ولا يجوز السكوت عن ذلك من أجل خاطر الزوج أو خاطر الأخ أو خاطر فلان وفلان , لكن يكون بالأسلوب الحسن والكلمات الطيبة , لا بالعنف والشدة , ومع ملاحظة الأوقات المناسبة ,
فقد يكون بعض الناس في وقت لا يقبل التوجيه ولكنه في وقت آخر يكون متهيئا للقبول , فالمؤمن والمؤمنة يلاحظان للإنكار والأمر بالمعروف الأوقات المناسبة ولا ييأس إذا لم يقبل منه اليوم أن يقبل منه غدا
, فالمؤمن لا ييأس , والمؤمنة لا تيأس , بل يستمران في إنكار المنكر , وفي الأمر بالمعروف وفي النصيحة لله ولعباده مع حسن الظن بالله والرغبة فيما عند الله عز وجل .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 4 / 50 ) .
خامساً :
وهل معنى ذلك أنه يجب عليه الإنكار على كل حالقٍ للحيته ، وكل مسبلٍ لإزاره ، وكل شاتم وساب يسمعه ؟ وهل يجب عليه التقاط كل ورقة فيها اسم الله من الشارع ؟
وهل يجب عليه الوقوف لكل خطيب يسمعه يحكي حديثاً ضعيفاً أو موضوعاً ؟
الجواب في كل ذلك - وما يشبهه - : لا ، لا يجب عليه فعل ذلك ؛ لتعذر هذا القيام بهذه الأمور من كل داعية إلى الله ، وخاصة أن أكثر من يراهم يفعلون المنكرات قد علموا حكم الله تعالى في فعلهم
وقد أقيمت عليهم الحجة ، ولو أن الشرع أوجب عليه فعل ذلك لأفنى عمره في الوقوف مع أولئك العاصين ونصحهم على حساب القيام بمصالحه ومعاشه ، وهو مما لا يمكن أن تأت به الشريعة .
قال علماء اللجنة الدائمة :
يكفيك للخروج من الإثم والحرج : أن تنصح الناس بعدم استعمال ما ذكر فيما فيه امتهان ، وأن تحذرهم من إلقاء ذلك في سلات القمامة ، وفي الشوارع ، والحارات
ونحوها ، ولست مكلفاً بما فيه حرج عليك مِن جعل نفسك وقفاً على جمع ما تناثر من ذلك في الشوارع ونحوها ، وإنما ترفع من ذلك ما تيسر منه دون مشقة وحرج .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 73 – 75 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله
- :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية , إذا قام به مَن يكفي سقط عن الناس ,
وإذا لم يقم به من يكفي : وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر , لكن لابد أن يكون بالحكمة ، والرفق ، واللين ؛ لأن الله أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال
: ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )طه/44
أما العنف : سواء كان بأسلوب القول ، أو أسلوب الفعل : فهذا ينافي الحكمة , وهو خلاف ما أمر الله به .
ولكن أحياناً يعترض الإنسان شيء يقول : هذا منكر معروف , كحلق اللحية مثلاً , كلٌّ يعرف أنه حرام - خصوصاً المواطنون في هذا البلد -
, ويقول : لو أنني جعلتُ كلما رأيت إنساناً حالقاً لحيته - وما أكثرهم - وقفتُ أنهاه عن هذا الشيء : فاتني مصالح كثيرة , ففي هذه الحال : ربما نقول بسقوط النهي عنه
لأنه يفوِّت على نفسه مصالح كثيرة , لكن لو فرض أنه حصل لك اجتماع بهذا الرجل في دكان أو في مطعم أو في مقهى : فحينئذٍ يحسن أن تخوفه بالله ,
وتقول : هذا أمر محرم ، وأنت إذا أصررت على الصغيرة صارت في حقك كبيرة , وتقول الأمر المناسب .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 110 / السؤال رقم 5 ) .
ونحن نأسف جدّاً على المسلمين الذين عصوا ربهم تعالى في لباسهم وسلوكهم وأفعالهم وأقوالهم ، ونحن نحث كل من استطاع أن يوصل رسالة الإسلام الصافية لهؤلاء
أن يفعل ، وحيث يسمع المسلم أو يرى منكراً ويستطيع إنكاره أو تغييره فليفعل ، ولا يجب عليه ذلك في كل منكرٍ يراه أو يسمعه ، ولا شك أن المنكرات تتفاوت فيما بينها من حيث عظمها وقبحها
وتتفاوت فيما بينها من حيث كونها تتعدى للآخرين أو يكون أثرها على العاصي نفسه فقط ، فحيث قبحت المعصية أو عظمت فالإنكار يتحتم على المسلم أكثر من المعاصي التي يقل قبحها وتخف عظمتها
فمن سمع من يسب الله أو الدين ، فليس إثم ذلك وقبحه كمن سمع من يسب شخصاً من خصومه .
وحيث تتعدى المعصية للآخرين فيتحتم الإنكار أكثر مما لو كان أثرها على العاصي نفسه ، وهكذا ، والمهم في كل ذلك أن يبقى قلب المسلم حيّاً ينكر المنكر حيث يعجز عنه بيده أو لسانه
ومن استطاع تغيير المنكر بيده ولسانه فلا يقصِّر في ذلك .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
والإنكار بالقلب فرض على كل واحد ؛ لأنه مستطاع للجميع ، وهو بغض المنكر ، وكراهيته ، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان
لقول الله سبحانه : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) الأنعام/68
وقال تعالى في سورة النساء : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) الآية ، النساء/140
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) الفرقان/72
ومعنى لا يشهدون الزور لا يحضرونه .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 212 ، 213 ) .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-21, 16:04
حديث: (من قرأ سورة الإخلاص عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة)
السؤال :
هل هذا الحديث صحيح ؟
من قرأ سورة الإخلاص "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة .
الجواب:
الحمد لله
"هذا الحديث رواه الإمام أحمد (3/437) وهذا سنده: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة قال ، وحدثنا يحيى بن غيلان ، حدثنا رشدين
حدثنا زبان بن فائد الحبراني عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه معاذ بن أنس الجهني صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من قرأ سورة الإخلاص "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة . فقال عمر بن الخطاب : إذاً أستكثر يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكثر وأطيب)
. وهذا الإسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة ورشدين بن سعد وزبان بن فائد . وقال في مجمع الزوائد (7/145) : "وفي إسناده رشدين بن سعد وزبان كلاهما ضعيف وفيهما توثيق لين" انتهى.
قلت : والحديث مداره على زبان بن فائد , وقد سبق أنه ضعيف كما في التقريب
وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة زبان المذكور : قال أحمد : أحاديثه مناكير
وقال ابن معين : شيخ ضعيف,
وقال ابن حبان : منكر الحديث جدا, يتفرد عن سهل بن معاذ بنسخة ، كأنها موضوعة
وقال أبو حاتم : شيخ صالح
وقال الساجي: عنده مناكير . انتهى ملخصا.
وبذلك يعلم أن هذا الحديث ضعيف جدا لتضعيف الأئمة المذكورين لزبان
وينبغي أن يعلم أن هذه السورة عظيمة وفضلها كبير,
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إنها تعدل ثلث القرآن) وصح في فضلها أحاديث كثيرة .
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/281) .
*عبدالرحمن*
2018-09-21, 16:08
هل ثبت شيء في " الملائكة الكروبيون " ؟
السؤال
من هم الملائكة الكروبيون ؟
حيث إن الشيخ الألباني رحمه الله أنكر هذا الاسم في فتاوى " جدة " الشريط رقم 17 ( 01:03:42)
الجواب
الحمد لله
أولاً:
الإيمان بالملائكة من أركان ديننا الحنيف
قال تعالى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) البقرة/ 285 ،
وقد ذكرنا كثيراً من المسائل المتعلقة بالملائكة ، من حيث خلقهم ، وصفاتهم ، ووظائفهم ، وذلك في جوابي السؤالين : القادمين
ثانياً:
ما يُطلق عليه " الملائكة الكَروبيُّون " ليس له أصل في الأحاديث النبوية الصحيحة ـ فيما نعلم ـ ، وغاية ما جاء ذِكرهم فيه : أحاديث ضعيفة جدّاً ، وموضوعة
وآثار عن السلف ، وطائفة من المفسرين ، وقد ذكر بعض العلماء أن الكروبيين هم :
من يكونون حول عرش الرحمن ، أو هم حملة العرش أنفسهم .
وقال آخرون : هم سادة الملائكة وعظماؤهم .
وقال فريق ثالث : هم ملائكة العذاب .
ومثل هذا الأمر هو من الغيب الذي لا يجوز إثباته إلا بوحي من الله ، ولم يثبت في ذلك شيء.
أ. ما ورد فيهم من أحاديث غير صحيحة :
1. عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن لله ملائكة وهم الكروبيون من شحمة أذن أحدهم إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام للطائر السريع في انحطاط).
والحديث حكم عليه الشيخ الألباني بأنه ضعيف جدّاً ، وقال :
رواه ابن عساكر ( 12 / 231 / 2 ) عن محمد بن أبي السري : أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله القرشي عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا وقال : " روى إبراهيم بن طهمان عن
موسى بن عقبة شيئا من هذا " . قلت : وهذا سند واهٍ جدّاً ، وله علتان :
الأولى : محمد بن أبي السري ، وهو متهم .
والأخرى : صدقة هذا وهو الدمشقي السمين وهو ضعيف ، ووقع في السند " القرشي ، ولم ترد هذه النسبة في ترجمته من " التهذيب " ، فلعله تحرف على الناسخ نسبته " الدمشقي " بالقرشي ، والله أعلم .
وقد خالفه إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة به بلفظ : (أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش ، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة)
. وهو بهذا اللفظ صحيح كما قد بينته في " الأحاديث الصحيحة " رقم ( 151 ) .
" سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " ( 2 / 323 ، حديث 923 ) .
2. وذكر ابن الجوزي في " بستان الواعظين ورياض السامعين " ( ص 20 ) حديثاً طويلاً ، وفيه موت الملائكة ، ومنه :
( وتموت ملائكة السبع سموات ، والحجب ، والسرادقات ، والصادقون ، والمسبحون ، وحملة العرش ، والكرسي ، وأهل سرادقات المجد ، والكروبيون ، ويبقى جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت عليه السلام ... . ) انتهى .
والحديث ليس له إسناد ، والكتاب مظنة الضعيف ، والموضوع .
ب. ما جاء ذِكرهم فيه من كلام السلف ومن بعدهم :
1. قال الخطابي - رحمه الله - :
الملائكة الكَرُوبيّون ، وهم : المُقَرّبون ، وقال بعضهم : إنما سُمُّوا : " كَرُوبيين " لأنهم يُدْخِلون الكَرْب على الكفار ، وليس هذا بشيء .
" غريب الحديث " ( 1 / 440 ) .
2. وقال ابن الأثير - رحمه الله - :
في حديث أبي العالية : ( الكروبيون سادة الملائكة ) هم المقربون ، ويقال لكل حيوانٍ وَثِيْقِ المفاصل : إنه لمُكْرَب الخَلْق ، إذا كان شديد القُوَى .
والأول أشبه .
" النهاية في غريب الحديث والأثر " ( 4 / 161 ) .
والخلاصة :
لم يصح شيء من الأحاديث المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يسمى " الملائكة الكروبيون " ، والواجب الوقوف في مسائل الغيب عند إثبات الوحي لها .
والله أعلم.
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-24, 09:56
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
الملائكة
السؤال
هل لك أن تعطيني بعض المعلومات عن الملائكة ؟.
الجواب
الحمد لله
خلق الله الملائكة من نور قال عليه الصلاة والسلام : ( خُلقت الملائكة من نور , وخلق الجان من مارج من نار , وخُلق آدم مما وصف لكم ) رواه مسلم/2996 .
والملائكة مجبولون على طاعة الله : ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) التحريم/6 .
وهم خلق لا يأكلون ولا يشربون وإنما طعامهم التسبيح والتهليل كما أخبر الله عنهم : ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) الأنبياء/20 .
وقد شهد الملائكة بوحدانية الله كما قال سبحانه : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) آل عمران/18 .
و في مقام التشريف اصطفى الله من الملائكة رسلاً كما اصطفى من الناس رسلاً : ( الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس ) الحج/75 .
ولما خلق الله آدم وأراد تشريفه أمر الملائكة بالسجود له : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) البقرة/34 .
والملائكة خلق عظيم ولهم أعمال متعددة وهم طوائف كثيرة لا يعلمهم إلا الله فمنهم حملة العرش : ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ) غافر/7 .
ومنهم من ينزل بالوحي على الرسل وهو جبريل عليه السلام الذي نزل بالقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم : ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) الشعراء/193 .
ومنهم ميكائيل الموكل بالقطر والنبات وإسرافيل الموكل بالنفخ بالصور عند قيام الساعة .
ومنهم الحفظة الموكلون بحفظ بني آدم وأعمالهم : ( وإن عليكم لحافظين ، كراماً كاتبين ، يعلمون ما تفعلون ) الانفطار/10-12 .
ومنهم الموكلون بكتابة الأعمال كلها خيراً كانت أو شراً : ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ق/17-18 .
ومنهم الموكلون بقبض أرواح المؤمنين : ( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) النحل/32 .
ومنهم الموكلون بقبض أرواح الكافرين : ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ) الأنفال/50 .
ومنهم خزنة الجنة وخدم أهل الجنة : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) الرعد/23 .
ومنهم خزنة جهنم : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد ) التحريم/6 .
ومنهم المجاهدون مع المؤمنين : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) الأنفال/12 .
وفي ليلة القدر من شهر رمضان تنزل الملائكة ليشهدوا الخير مع المسلمين كما قال سبحانه : ( ليلة القدر خير من ألف شهر ، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ) القدر/3-4 .
والملائكة لا تدخل بيتاً فيه تمثال أو صورة أو كلب قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ) رواه مسلم/2106 .
والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان ومن جحدهم فقد كفر : ( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً ) النساء/136 .
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري .
*عبدالرحمن*
2018-09-24, 10:11
السؤال :
ماذا تعتقد في الملائكة بخصوص وظيفتهم ، هيئتهم ، أشكالهم ، قوتهم ؟
الجواب:
الحمد لله
الإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الستة التي لا يقوم الإيمان إلا بها ، ومن لم يؤمن بواحدة منها فليس بمؤمن ، وهي : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه من الله تعالى .
والملائكة من عالم الغيب الذي لا نُدركه ، وقد أخبرنا الله عنهم بأخبار كثيرة في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيما يلي طائفة من المعلومات الصحيحة والأخبار الثابتة الواردة فيهم
لعلك أيتها السائلة الكريمة تقدّرين الأمر حقّ قدره وتعلمين عظمة الخالق سبحانه وعظمة هذا الدّين الذي جاءنا بأخبارهم :
من أيّ شيء خلقوا ؟ :
خلقوا من نور كما قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ " رواه مسلم رقم : (2996) .
متى خلقوا ؟ :
ليس لنا علم على وجه التحديد بوقت خلقهم لعدم ورود النص في ذلك لكنهم سابقون لخلق الإنس يقينا لنص القرآن: { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } سورة البقرة آية 30
. فأخبرهم بإرادته خلق الإنسان فدلّ على أنهم موجودون قبله .
عظم خلقهم :
يقول تعالى في ملائكة النار: { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } سورة التحريم آية 6 .
وأعظمه على الإطلاق جبريل عليه السلام ومما جاء في وصفه :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَلَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الأُفُقَ يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ
. رواه أحمد في المسند قال ابن كثير في البداية 1/47 إسناده جيد .
وقال رسول الله واصفا جبريل : " رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ " رواه مسلم رقم : (177) .
ومن الملائكة العظام أيضا حَمَلة العرش ومما جاء في وصفهم : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ " .
سنن أبي داود : كتاب السنة : باب في الجهمية .
لهم أجنحة :
يقول الله تعالى: { الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير } . سورة فاطر آية 1
جمالهم :
قال تعالى واصفا جبريل عليه السلام: { علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى } سورة النجم آية 5-6 قال ابن عباس: {ذو مرة} ذو منظر حسن ، وقال قتادة : ذو خَلْق طويل حسن.
وقد تقرر عند الناس جميعا وصف الملائكة بالجمال ولذا فهم يشبّهون الجميل من البشر بالملائكة
كما قالت النسوة في حق يوسف الصديق: ( فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ) يوسف / 31
تفاوتهم في الخلق والمقدار :
الملائكة ليسوا على درجة واحدة في الخلق والمقدار بل يتفاوتون كما يتفاوتون في الفضل كذلك فأفضلهم من شهد بدرا كما جاء في حديث مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ :
( جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ قَالَ : مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلائِكَةِ ) البخاري (3992) .
لا يأكلون ولا يشربون:
ويدل على هذا ما جرى بين خليل الرحمن إبراهيم وأضيافه من الملائكة لما زاروه
قال تعالى : ( فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم ) الذاريات / 28 .
وفي آية أخرى : ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ) هود أية 70 .
لا يملون ولا يتعبون من ذكر الله وعبادته:
قال تعالى : (يسبحون الليل والنهار لا يَفْتُرون ) الأنبياء/ 20، وقال سبحانه : ( فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون ) فصلت/ 38.
عددهم:
الملائكة خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم واصفا البيت المعمور في السماء السابعة : " فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل
فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم " البخاري ، فتح رقم :(3207) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا )مسلم : (2842) .
أسماؤهم:
للملائكة أسماء لكننا لا نعلم من أسمائهم إلا القليل فمن نُصّ على اسمه وجب الإيمان به تفصيلا وإلا كان الإيمان به مجملا داخلا في عموم إيمان العبد بالملائكة ، ومن أسماء الملائكة :
1 ، 2 - جبريل وميكائيل:
( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ، من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ) البقرة /98 .
3 - إسرافيل:
عن أَبُي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَتْ : كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ
وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " . رواه مسلم : (270) .
4- مالك :
وهو خازن النار قال تعالى: ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك .. ) الزخرف/77 .
5 ، 6 - منكر ونكير :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ فَيَقُولانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ
هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ فَيَقُولُ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي
فَأُخْبِرُهُمْ فَيَقُولانِ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لا أَدْرِي فَيَقُولانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ فَيُقَالُ لِلأَرْضِ
الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضَْاعُهُ فلا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ " الترمذي : (1071)وقَالَ أَبو عِيسَى : حديثٌ حَسَنٌ غَرِيب وحسنه في "صحيح الجامع" رقم : (724).
7 ، 8 - هاروت وماروت:
يقول تعالى: ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) البقرة / 102 ومنهم غير ذلك (وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر) المدثر /31 ومنهم غير ذلك
قدراتهم
للملائكة قدرات عظيمة وهبهم الله إياها ومنها :
قدرتهم على التشكل:
أعطى الله الملائكة القدرة على التشكل بغير أشكالهم فقد أرسل الله إلى مريم جبريل في صورة بشر يقول تعالى: (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشر سويا ) مريم / 17 .
وإبراهيم جاءته الملائكة في صورة بشر ولم يعرف أنهم ملائكة حتى أعلموه بذلك ، وكذا لوط أتوه في صورة شباب حسان الوجوه
وقد كان جبريل يأتي النبي في صور متعددة فتارة يأتي في صورة دحية الكلبي وكان صحابيا جميل الصورة ، وتارة في صورة أعرابي ورآه الصحابة على صورته البشرية
كما في الصحيحين من حديث عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى
جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ …. الحديث . صحيح مسلم رقم : (8) .
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالة على تصورهم بالصور الآدمية كحديث قاتل المائة وفيه " فجاءهم ملك في صورة آدمي " وحديث الأبرص والأقرع والأعمى .
سرعتهم:
أعظم سرعة يعرفها البشر اليوم سرعة الضوء وسرعة الملائكة فوق هذه السرعة بكثير إذ أن السائل ما كاد يفرغ من سؤال النبي إلا وقد جاء جبريل بالجواب من رب العزة.
وظائفهم :
• منهم الموكل بالوحي من الله على رسله وهو الروح الأمين جبريل عليه السلام قال الله تعالى: { من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } سورة البقرة آية 97
وقال: { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ(193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ(194) } سورة الشعراء .
• ومنهم الموكل بالمطر وتصريفه إلى حيث يشاء الله وهو ميكائيل عليه السلام ، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه ويصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الله عز وجل .
• ومنهم الموكل بالصور وهو إسرافيل ( والصور هو عنق كالبوق ينفخ فيه إسرافيل عند قيام الساعة ) .
• ومنهم المُوكّل بقبض الأرواح وهو ملك الموت وأعوانه قال تعالى: { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون } سورة السجدة آية 11 . ولم يثبت في حديث صحيح تسميته بعزرائيل .
• ومنهم المُوكّل بحفظ العبد في حله وترحاله ، في يقظته ونومه وفي كل حالاته وهم المعقبات الذين قال الله في شأنهم : { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) } سورة الرعد .
• ومنهم المُوكّل بحفظ عمل العبد من خير أو شر وهم الكرام الكاتبون وهؤلاء يشملهم قوله تعالى: { ويرسل عليكم حفظة } سورة الأنعام آية 61
وقال تعالى : { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } سورة الزخرف آية 80
وقال عزّ وجلّ : { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد ٌ(18) } سورة ق
وقال : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِين َ(11) } سورة الإنفطار
• ومنهم الموكل بفتنة القبر وهم منكر ونكيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ
يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ فَيَقُولانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ… الحديث وقد تقدّم .
• ومنهم خزنة الجنة قال تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ(73) } سورة الزمر .
• ومنهم خزنة جهنم وهم الزبانية ورؤساؤهم تسعة عشر ومُقدَّمهم مالك عليه السلام ، قال تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ
يُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ(71) } سورة الزمر
وقال سبحانه: { فليدع ناديه (17)سندع الزبانية(18) } سورة العلق
وقال تعالى :{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ(28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ(29)عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ(30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا .. } سورة المدثر
وقال تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} سورة الزخرف آية 77 .
• ومنهم الموكل بالنطفة في الرَّحِم كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ
فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَوَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ
أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا.
رواه البخاري فتح رقم 3208 ومسلم رقم 2643 .
• ومنهم حملة العرش قال تعالى في شأنهم : { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به
ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } سورة غافر آية 7.
• ومنهم ملائكة سياحون في الأرض يتبعون مجالس الذكر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ
أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ
وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ
يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً
قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنْ النَّارِ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً
قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلائِكَةِ فِيهِمْ فُلانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ . رواه البخاري فتح رقم : (6408) .
• ومنهم الموكل بالجبال عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي
عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي
فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الأَخْشَبَيْنِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا . رواه البخاري فتح رقم: (3231) .
• ومنهم زُوّار البيت المعمور قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الإسراء والمعراج الطويل :
فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِم ْ.
• ومنهم ملائكة صفوف لا يفترون وقيام لا يجلسون ، وركع وسجود لا يرفعون كما جاء عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ أَطَّتْ السَّمَاءُ
( صوّتت وضجّت ) وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا
وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ ( الطّرُق ) تَجْأَرُونَ ( تتضرّعون ) إِلَى اللَّهِ . سنن الترمذي رقم : (2312) .
هذه خلاصة عن ملائكة الله الكرام نسأل الله أن يجعلنا من المؤمنين بهم المحبين لهم وصلى الله على نبينا محمد .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-09-24, 10:15
هل لبس خاتم الحديد حرام على الرجال ؟
السؤال :
سمعت أن لبس خاتم الحديد حرام للرجال ، فنرجو توضيح الموضوع مع ذكر الأدلة.
الجواب :
الحمد لله
"عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما : أن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب ، فقال : ( مالي أجد منك ريح الأصنام ؟) فطرحه ، ثم جاء وعليه خاتم من حديد
فقال : (ما لي أرى عليك حلية أهل النار ؟) فطرحه
فقال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه ؟ قال : ( اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالاً ) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي قال الترمذي : هذا حديث غريب ، وعن إياس بن الحارث بن المعيقيب عن جده قال
: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة ، قال فربما كان في يدي ، قال ، وكان المعيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ، خرجه أبو داود والنسائي.
وفي الصحيحين عن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي خطب المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم : (التمس ولو خاتماً من حديد) وهذا يدل على جواز لبس الخاتم من الحديد
كما يدل عليه حديث معيقيب ، أما حديث بريدة المذكور آنفاً ففي سنده ضعف ، وبذلك يتضح أن الراجح عدم كراهة لبس الخاتم من الحديد
ولكن لبس الخاتم من الفضة أفضل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان خاتمه من فضة كما ثبت في الصحيحين.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/64) .
*عبدالرحمن*
2018-09-24, 10:22
هل هناك أحاديث نبوية تخبر عن هدم المسجد الأقصى ؟
السؤال:
هل هناك أحاديث نبوية عن هدم المسجد الأقصى من قبل اليهود ؟
الجواب:
الحمد لله
لم نقف في السنة النبوية على خبر يشير إلى تعرض المسجد الأقصى للهدم في آخر الزمان ، مع أن الأحاديث الواردة في أبواب الفتن ، والملاحم ، وأشراط الساعة
وحوادث آخر الزمان كثيرة ، ولكن ليس في أي منها إشارة إلى ذلك .
والواجب على المسلمين حماية المسجد الأقصى من اعتداء اليهود الغاصبين ، الذين أفسدوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد ، ونال اعتداؤهم الإنسان والحيوان والشجر والحجر .
نسأل الله تعالى أن يرد المسجد الأقصى المبارك إلى حوزة المسلمين .
وقد أشار بعض الناس إلى أن حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ
خُرُوجُ الدَّجَّالِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ) رواه أبو داود (4294) .
أشاروا إلى أن في هذا الحديث تعلقا بموضوع هدم المسجد الأقصى .
ولكن الصواب أنه ليس فيه إشارة لذلك من قريب أو من بعيد ، وذلك أن :
1- الحديث مختلَف في صحته أصلا ، ضعفه بعض أهل العلم بسبب عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، وهو ضعيف ، وقد عدَّ الذهبي هذا الحديث من منكراته ، كما في
" ميزان الاعتدال " ( 4 / 265 ) ، وضعفه محققو مسند أحمد (36/352) ، وحسنه الحافظ ابن كثير والشيخ الألباني .
2- أن المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم : ( عمران بيت المقدس ) المدينة التي تسمى اليوم " القدس " ، وليس المقصود خصوص المسجد الأقصى
بدليل أنه قابل هذه المدينة " بيت المقدس " بالمدينة المنورة " يثرب " ، وهذا لا يلزم منه بالضرورة الحديث عن المسجد الأقصى بالخصوص .
3- كما يمكن فهم الحديث على وجهين : أن بيت المقدس تخرب ثم تعمر ، ويمكن فهمه على أن عمران بيت المقدس المقصود به كمال العمارة ، وإلا فإن بيت المقدس لا تخرب .
جاء في كتاب "عون المعبود شرح سنن أبي داود" (11/270) :
" قال الأردبيلي في " الأزهار " : قال بعض الشارحين :
المراد بـ " عمران بيت المقدس " : عمرانه بعد خرابه ، فإنه يخرب في آخر الزمان ، ثم يعمره الكفار .
والأصح : أن المراد بالعمران الكمال في العمارة ، أي عمران بيت المقدس كاملا ، مجاوزا عن الحد وقت خراب يثرب ، فإن بيت المقدس لا يخرب .
قال القاري - نقلا عن الأشرف - : لما كان بيت المقدس باستيلاء الكفار عليه ، وكثرة عمارتهم ، فيه أمارة مستعقبة بخراب يثرب ، وهو أمارة مستعقبة بخروج الملحمة
وهو أمارة مستعقبة بفتح قسطنطينية ، وهو أمارة مستعقبة بخروج الدجال جعل النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد عين ما بعده وعبر به عنه " انتهى .
ولا ينبغي أن يفهم من كلامنا هذا أن المسجد الأقصى يستحيل هدمه أو استيلاء اليهود عليه ، فإن هذا لم يرد في النصوص أيضاً ، وقد استولى النصارى عليه زمناً طويلاً ثم استنقذه المسلمون من أيديهم .
قال الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل حفظه الله :
" ليس بين أيدينا نص معصوم يدل على أن هدم المسجد الأقصى ممتنع قدرا ، وليس شرطا أن ترد أحاديث الفتن بكل ما يقع ، فكثير من الحوادث الجسام وقعت دون أن تذكر آية أو ترد في حديث
وبعضها أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه .
إن الكعبة نفسها قد هدمت من قبل – في زمن الحجاج – دون أن يكون لذلك ذكر في محكم آية أو نص حديث ، والحجر الأسود قد نزع من الكعبة – في زمن القرامطة – ونقل إلى البحرين ليظل هناك سنين عددا قبل أن يعاد ، ولم تأت
الإشارة إلى ذلك في كتاب ولا سنة ، إذن فليس لأحد أن يحتج بعدم الورود على عدم الوقوع ، لأن الأمر قد يسطر في القدر ، ولا يذكر في الكتب
.
والذي يحكم الأمور عند ذلك هو قانون الأسباب والمسببات الذي يجري به قدر الله بما يشاء وقوعه .
وعلى حسب مجريات الأمور المشاهدة ، فإنها شاهدة بدأب اليهود والنصارى وأخذهم بكل الأسباب المادية ، في الوقت الذي يريد المسلمون فيه أن يعطلوا قانون الأسباب
وفي ظل ذلك لا نظن أن سنن الله تعالى ستحابي أحدا ، فماذا يفعل المسلمون في العالم كله وهم يبلغون عدديا مليارا وربع المليار؟
ماذا فعلوا عبر ما يزيد على ثلاثين عاما لكي يستنقذوا مقدساتهم من عصابة الملايين الأربعة التي زرعت بينهم ثم فرضت وجودها عليهم ؟
إن قدر الأسباب لن يحابينا ونحن نجافيه ، إلا إن أراد الله أمرا ، فقدر بسببه شأنا إلهيا محضا ينقذ المسجد ويعطل أسباب الكيد ضده ، كما رد الله كيد أصحاب الفيل لهدم الكعبة قبل الإسلام ..
.ولكن المشكلة أن هذا أيضا أمر لم يأت به خبر معصوم فيتكئ عليه المتكئون .
ماذا لو هدم الأقصى ؟
أتصور أن فئاما من الناس سيفتنون لو وقع الحدث ، وسيقولون ، كيف هذا والمسجد الأقصى قد نزل بشأنه القرآن ، وتواترت بفضله الأحاديث ، كيف يهدم ، وكيف يتحول إلى معبد يهودي ؟
وينبغي أن يقال لهؤلاء : إن المسجد الأقصى قد مرت عليه السنون في مرحلة من التاريخ وصلبان النصارى مرفوعة فوق مآذنه ، أيام كان الاحتلال الصليبي
وقد كان مسجدا إذ ذاك ولم تنتف عنه صفته الشرعية ، ولا خصوصياته المسجدية ، والذي أصابه لم يتعد التلوث بأوضار التثليث ، ثم عاد لأهل التوحيد عزيزا مطهرا ، لما عادوا إلى نصرة التوحيد .
فلا بد أن يعلم أن أرض المسجد مقدسة ، ولها أحكامها الشرعية من حيث مضاعفة أجور الصلوات فيها ، واستحباب شد الرحال إليها ، سواء أكان البناء موجودا أو غير موجود
فالساحة نفسها سميت مسجدا وقت تنزل القرآن بآيات الإسراء ، ولم يكن ثمة مسجد مقام . إن المكان أخذ حكم المسجد قبل أن يبنى مسجدا في الإسلام ، وصلى فيه إمام الأنبياء صلى الله عليه وسلم بأولي العزم
من الأنبياء في أرض فضاء...فحقائق التاريخ وقصص الأنبياء تدل على أن المسجد الأقصى لم يبن مرة أخرى بعد هدمه الثاني بعيد زمان عيسى عليه السلام حتى جاء محمد عليه الصلاة والسلام ولما تم الفتح
جاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومعه كعب الأحبار رضي الله عنهما ليدله على موضع مصلى داود عليه السلام ، ثم بنى هناك مسجدا متواضعا من خشب
فلما جاء عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك أعاد بناءه على الهيئة التي هو عليها الآن ، وقد حافظ المسلمون على مر العصور على هذه الأمانة
حتى جاء عصر تضييع الأمانة الذي نعيشه ، فوقع المسجد في الأسر ، وها هو يتهدد بالهدم .
وهنا أمر تنبغي الإشارة إليه ، وهو ما ورد في الحديث الصحيح بشأن منع الدجال من دخول مساجد أربعة ، منها المسجد الأقصى ، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : ( وعلامته :
يمكث في الأرض أربعين صباحا ، يبلغ سلطانه كل منهل ، لا يأتي أربعة مساجد : الكعبة ، ومسجد الرسول ، والمسجد الأقصى ، والطور " – رواه أحمد في "المسند" (5/364) وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/112) - .
وهذا يحتمل أن يظل المسجد كما هو ، بحفظ الله وحده ، أو أنه سيعاد كما كان – إذا أصابه مكروه – لا قدر الله – أو أن المراد بالمسجد أرض المسجد كما في آية الإسراء " انتهى .
"حمى سنة 2000م" (ص/64-67) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-24, 10:29
التوفيق بين أمر المسيء صلاته بالإعادة وعدم أمر معاوية بن الحكم بها
السؤال
كيف أجمع بين حديث معاوية عندما شمت العاطس ولم يأمره النبي بالإعادة ومعاوية لا يعلم أنها مبطلة للصلاة، وعدم أمر النبي بالإعادة دليل على صحة صلاة معاوية
وبين حديث أن النبي أمر المسيء صلاته بالإعادة وهذا يدل على بطلان صلاته ولو كان جاهلا؟
الجواب
الحمد لله
حديث معاوية بن الحكم هو ما رواه مسلم (537) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ
فَقُلْتُ : وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ : مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ
فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي ، وَلَا ضَرَبَنِي ، وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ
إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) .
وأما حديث المسيء صلاته فهو ما رواه البخاري (757) ومسلم (397) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَرَدَّ ، وَقَالَ : (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ، ثَلَاثًا ، فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ ، فَعَلِّمْنِي
فَقَالَ : إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا).
وقد دل الحديثان على عذر الجاهل ، أما حديث معاوية فلأنه لم يؤمر بالإعادة ، وأما حديث المسيء صلاته فلأنه لم يؤمر بإعادة ما صلى من قبل ، بل أمر بإعادة صلاة الوقت فقط .
قال النووي رحمه الله في شرح حديث معاوية :
" وَأَمَّا كَلَام الْجَاهِل إِذَا كَانَ قَرِيب عَهْد بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي , فَلَا تَبْطُل الصَّلَاة بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَة بْن الْحَكَم هَذَا , الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاة ,
لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيم الْكَلَام فِيمَا يُسْتَقْبَل " انتهى .
أما أمر المسيء صلاته بالإعادة ، وعدم أمر معاوية بذلك ، فسبب ذلك : هو التفريق بين فعل المحظور ، وترك المأمور ، فترك المأمور لا يسقط مع الجهل أو النسيان متى أمكن تداركه ، بخلاف فعل المحظور .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الكلام على محظورات الإحرام
: " والصحيح أن جميعها تسقط، وأن المعذور بجهل أو نسيان أو إكراه لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً، لا في الجماع، ولا في الصيد
ولا في التقليم، ولا في لبس المخيط، ولا في أي شيء، وذكرنا فيما سبق الدليل من القرآن، والسنة، والنظر.
وهكذا في جميع المحظورات في العبادات، لا يترتب عليها الحكم، إذا كانت مع الجهل أو النسيان، أو الإكراه؛ لعموم النصوص، ولأن الجزاء، أو الفدية
أو الكفارة إنما شرعت لفداء النفس من المخالفة أو للتكفير عن الذنب، والجاهل أو الناسي أو المكره لم يتعمد المخالفة، ولهذا لو كان ذاكراً أو عالماً أو مختاراً لم يفعل.
فالشرب في رمضان نسياناً ليس فيه قضاء، والدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (من نسي وهو صائم فأكل، أو شرب، فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) ، فمن لم يتعمد المخالفة، فليس عاصياً، ولا فدية عليه.
وكذلك عدي بن حاتم رضي الله عنه : (لما أراد الصيام جعل عقالين أبيض وأسود؛ لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187 ،
وكانوا يأخذون الأحكام من القرآن مباشرة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم : (إن وسادك لعريض ، أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادك) ، فلم يأمره بالإعادة للجهل بالحكم.
وكذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : (أخبرت أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يأمرهم بالقضاء) ، لجهلهم بالحال.
وكذلك في الصلاة، والدليل أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه دخل مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة فعطس رجل، فقال: الحمد لله، قال: يرحمك الله، وهو يصلي، فرماه الناس بأبصارهم
أي ـ نظروا إليه منكرين ـ فقال: واثكل أمياه ـ رضي الله عنه ـ، فزاد الكلام كلاماً آخر، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما سلم دعاه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، قال معاوية:
بأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه، قال صلّى الله عليه وسلّم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن) ، ولم يأمره بالإعادة؛ لأنه جاهل.
والنصوص الدالة على هذا الأصل، أعني عدم المؤاخذة مع النسيان والجهل والإكراه كثيرة
وهذا من مقتضى قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام/ 54 ، وقوله في الحديث القدسي: (سبقت رحمتي غضبي) .
وأما ترك الواجبات فلا يسقط بالنسيان والجهل والإكراه متى أمكن تداركه ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فلم تسقط عنه بالنسيان
ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يسقط الصلاة الحاضرة بالجهل كما في حديث المسيء في صلاته ، أمره بالإعادة مع أنه جاهل، لأنه ترك مأموراً، والمأمورات أمور إيجابية لا بد أن تكون، والمنهيات أمور عدمية لا بد أن لا تكون.
ثم إن المأمورات يمكن تداركها بفعلها، لكن المنهيات مضت، لكن إذا كان في أثناء المنهي فيجب التدارك بقطعه ، فإن قال قائل: إن قوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا) عام في ترك المأمور وفعل المحظور
فالجواب أن الأمر كذلك، فتارك المأمور جاهلاً أو ناسياً غير مؤاخذ بالترك ، لكن عدم فعله إياه يقتضي إلزامه به متى زال العذر إبراءً لذمته "
انتهى من "الشرح الممتع" (7/200).
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
طالب اجنة الفردوس
2018-09-25, 21:06
https://www.file-upload.com/xfoxnvbhnt51 عمل يعدل قيام وصيام الاف السنين حديث صحيح
*عبدالرحمن*
2018-09-27, 01:11
https://www.file-upload.com/xfoxnvbhnt51 عمل يعدل قيام وصيام الاف السنين حديث صحيح
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
بارك الله فيك
*عبدالرحمن*
2018-09-27, 01:15
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل هناك حديث في لعن الزوجة إذا طلبت الطلاق من زوجها؟
السؤال
ما مدى صحة الحديث أن الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها ملعونة؟
الجواب
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إلى ذلك ، كسوء العشرة من الزوج
لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: ( إن المختلعات هن المنافقات ) رواه الطبراني في الكبير (17/339) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1934) .
وأما لعن من تفعل ذلك ، فلم نقف على حديث بهذا اللفظ .
ويجوز للمرأة أن تطلب الطلاق أو الخلع إن وجد ما يدعو لذلك ؛ لما روى البخاري (4867) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟
قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً).
وقولها : " ولكني أكره الكفر في الإسلام " أي أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه .. ونحو ذلك .
ينظر : "فتح الباري" (9/400).
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله في بيان ما يسوّغ طلب الخلع
: " إذا كرهت المرأة أخلاق زوجها كاتصافه بالشدة والحدة وسرعة التأثر وكثرة الغضب والانتقاد لأدنى فعل والعتاب على أدنى نقص فلها الخلع .
ثانياً : إذا كرهت خِلقته كعيب أو دمامة أو نقص في حواسه فلها الخلع .
ثالثاً : إذا كان ناقص الدين بترك الصلاة أو التهاون بالجماعة أو الفطر في رمضان بدون عذر أو حضور المحرمات كالزنا والسكر والسماع للأغاني والملاهي ونحوها فلها طلب الخلع.
رابعاً : إذا منعها حقها من النفقة أو الكسوة أو الحاجات الضرورية وهو قادر على ذلك فلها طلب الخلع .
خامساً : إذا لم يعطها حقها من المعاشرة المعتادة بما يعفها لعُنّة ( عيب يمنع القدرة على الوطء) فيه ، أو زهد فيها ، أو صدود إلى غيرها ، أو لم يعدل في المبيت فلها طلب الخلع ، والله أعلم " انتهى
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-27, 01:18
حديث في فضل البسملة وأنها تنجي من الزبانية التسعة عشر
السؤال
ما صحة حديث : (من أراد أن ينجيه الله تعالى من الزبانية التسعة عشر ، فليقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" فإنّها تسعة عشر حرفاً ، ليجعل الله كل حرف منها جُنّة من واحد منهم) .
الجواب
الحمد لله
هذا الأثر ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (1/92) وابن كثير في "تفسيره" (1/18) عن وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله ، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا سند صحيح من وكيع إلى ابن مسعود.
والأعمش وإن كان مدلساً إلا أنه يقبل منه ما رواه عمَّن لازمهم وأكثر عنهم كإبراهيم النخعي وأبي وائل .
قال الذهبي في ترجمة الأعمش من "ميزان الاعتدال" (2/224) :
"وهو يدلس ، وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به ، فمتى قال : "حدثنا" فلا كلام ، ومتى قال : "عن" تطرَّق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل (وقع في المطبوع :
"ابن أبي وائل" وهو خطأ فكلمة "ابن" مقحمة) وأبي صالح السمان ، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال" انتهى .
ولكن يبقى النظر في حال من دون وكيع من رجال السنة فإن القرطبي وابن كثير لم يذكرا تمام سنده ، ولعله لأجل هذا حذفه العلامة أحمد شاكر في مختصره لتفسير ابن كثير المسمى:
"عمدة التفسير" وقد نصَّ في مقدمته (1/11) على أنه حذف كل حديث ضعيف أو معلول .
ولكن عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/26) إلى وكيع ، والإمام وكيع بن الجراح له تفسير مشهور .
انظر: "المجمع المؤسس" للحافظ ابن حجر (ص113) .
فإن ثبت ذلك فالسند صحيح ، ويصح به الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-27, 01:22
معنى نقص العقل والدين عند النساء
السؤال
دائماً نسمع الحديث الشريف (النساء ناقصات عقل ودين) ويأتي به بعض الرجال للإساءة للمرأة . نرجو توضيح معنى الحديث ؟
الجواب
الحمد لله
"معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ ، قُلْنَ : وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ : أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ؟
قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا ، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ؟ قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ : فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) بَيَّن صلى الله عليه وسلم أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها
وأن شهادتها تُجْبَر بشهادة امرأة أخرى ، وذلك لضبط الشهادة ، بسبب أنها قد تنسى ، فتزيد في الشهادة أو تنقصها
كما قال سبحانه : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة/282 .
وأما نقصان دينها فلأنها في حالة الحيض والنفاس تدع الصلاة ، تدع الصوم ، ولا تقضي الصلاة ، فهذا من نقصان الدين ، ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه
وإنما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل ، هو الذي شرعه عز وجل رفقاً بها ، وتيسيراً عليها ؛ لأنها إذا صامت مع وجود الحيض والنفاس يضرها ذلك
فمن رحمة الله شرع لها ترك الصيام وقت الحيض والنفاس ، والقضاء بعد ذلك .
وأما الصلاة فإنها حال الحيض قد وجد منها ما يمنع الطهارة ، فمن رحمة الله جل وعلا أن شرع لها ترك الصلاة ، وهكذا في النفاس ، ثم شرع لها أنها لا تقضي ، لأن في القضاء مشقة كبيرة
لأن الصلاة تتكرر في اليوم خمس مرات ، والحيض قد تكثر أيامه ، فتبلغ سبعة أيام أو ثمانية أيام أو أكثر ، والنفاس قد يبلغ أربعين يوماً
فكان من رحمة الله لها وإحسانه إليها أن أسقط عنها الصلاة أداء وقضاء ، ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ، ونقص دينها في كل شيء
وإنما بَيَّن الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن نقص عقلها من جهة ما قد يحصل من عدم الضبط للشهادة ، ونقص دينها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس
ولا يلزم من هذا أن تكون أيضاً دون الرجل في كل شيء ، وأن الرجل أفضل منها في كل شيء .
نعم ، جنس الرجال أفضل من جنس النساء في الجملة ، لأسباب كثيرة
كما قال الله سبحانه وتعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34
لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة ، فكم لله من امرأة فوق كثير من الرجال في عقلها ودينها وضبطها
وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جنس النساء دون جنس الرجال في العقل وفي الدين من هاتين الحيثيتين اللتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد تكثر منها الأعمال الصالحات فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح ، وفي تقواها لله عز وجل ، وفي منزلتها في الآخرة
وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبط ضبطاً كثيراً أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها
وتجتهد في حفظها وضبطها فتكون مرجعاً في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة ، وهذا واضح لمن تأمل أحوال النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد ذلك .
وبهذا يعلم أن هذا النقص لا يمنع من الاعتماد عليها في الرواية ، وهكذا في الشهادة إذا انجبرت بامرأة أخرى ، ولا يمنع أيضاً تقواها لله
وكونها من خيرة عباد الله ، ومن خيرة إماء الله إذا استقامت في دينها ، وإن سقط عنها الصوم في الحيض والنفاس أداء لا قضاء ، وإن سقطت عنها الصلاة أداء وقضاء
فإن هذا لا يلزم منه نقصها في كل شيء من جهة تقواها لله ، ومن جهة قيامها بأمره ، ومن جهة ضبطها لما تعتني به من الأمور ، فهو نقص خاص في العقل والدين
كما بَيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا ينبغي للمؤمن أن يرميها بالنقص في كل شيء ، وضعف الدين في كل شيء ، وإنما ضعف خاص بدينها
وضعف في عقلها فيما يتعلق بضبط الشهادة ونحو ذلك ، فينبغي إنصافها ، وحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، على خير المحامل وأحسنها . والله تعالى أعلم" انتهى .
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
مجلة البحوث الإسلامية (29/100- 102) .
*عبدالرحمن*
2018-09-27, 01:26
حديث ضعيف في فضل الدعاء بـ يا أرحم الراحمين
السؤال
أرغب في معرفة صحة الحديث التالي : روى الحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن لله ملكا موكلا بمن يقول : يا أرحم الراحمين . فمن قالها ثلاثا قال الملك : إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل)
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/728) قال : حدثنا أبو بكر بن عبد الله العماني ، ثنا مسعود بن زكريا التستري ، ثنا كامل بن طلحة ، ثنا فضال بن جبير
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن لله ملكا موكلا بمَن يقول : يا أرحم الراحمين . فمن قالها ثلاثا قال الملك : إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فاسأل) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" ضعيف . قال الذهبي : " فضال : ليس بشيء .
قال ابن عدي في "الكامل" (1/325) :
" ولفضال بن جبير عن أبي أمامة قدر عشرة أحاديث كلها غير محفوظة " ....
ثم روى الحاكم من طريق الفضل بن عيسى ، عن عمه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : مر رسول الله صلي الله عليه وسلم برجل وهو يقول
: يا أرحم الراحمين ! فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم : " سل ؛ فقد نظر الله إليك " . وقال الحاكم : " الفضل بن عيسى هو الرقاشي ، وأخشى أن يكون عم يزيد بن أبان
إلا أني قد وجدت له شاهداً من حديث أبي أمامة "
انتهى . ثم ساق حديث الترجمة .
قلت – (الألباني) - : ويزيد بن أبان - وهو الرقاشي – متروك . والفضل بن عيسى ضعفوه كما في "المغني" ، وقال فيه الحافظ : " منكر الحديث " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (3200) .
فالحديث ضعيف لا يصح ، غير أن سؤال الله سبحانه بوصف الرحمة مشروع
لأنها من أخص صفاته سبحانه وتعالى
قال الله تعالى : ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) الإسراء/110 .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-27, 01:31
سائل يعلق على جواب سابق في الصوم، وحديث ابن عباس في رؤية الهلال بشاهد واحد
السؤال
في جوابكم على السؤال ذكرتم جواز الأخذ برأي الثقة في رؤية الهلال
ولكن هذا يتعارض مع الحديث الذي جاء فيه بدوي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخبره برؤية الهلال ، عندها سأله الرسول هل تؤمن بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟
فلمَّا أجاب بالإيجاب ، سأله هل تشهد أنك رأيت الهلال ؟
فمن هذا الحديث الدليل على جواز قبول رؤية الهلال من أي مسلم .
الجواب
الحمد لله
الحديث الذي أشار إليه السائل هو :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلاَلَ - قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ : يَعْنِى : رَمَضَانَ - فَقَالَ : (أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ؟) ، قَالَ : نَعَمْ
قَالَ : (أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ؟) ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : (يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَداً) .
رواه الترمذي ( 691 ) وأبو داود ( 2340 ) والنسائي ( 2112 ) وابن ماجه ( 1652 ) .
والحديث : ضعيف ، لا يصح ، وقد ضعفه النسائي والألباني وغيرهما .
وإذا كان الحديث ضعيفاً ، فلا تعارض بينه وبين ما ذكرناه أنه لا بدَّ أن يكون الرائي للهلال عدلاً .
وعلى فرض صحة الحديث : فإن معناه يحمل على وجوه ، منها :
1. أن الأمر في قبول شهادة الرائي للهلال ، وكونه ثقة ، عدلاً : يرجع للقاضي ، وأنه إن استقر في نفسه بسبب خبرته بالناس أن هذا الرائي موثوق بشهادته :
فإن له قبول تلك الشهادة منه ، وإن لم يكن يعرفه أحد ليزكيه ويوثقه .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
إذاً : أمر بلالاً بأن يؤذن ، أي : يعلن في الناس أن يصوموا غداً ، فقنع الرسول عليه السلام من هذا الرجل الذي لا يعرفه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
بمعنى : أنه عرف أنه مسلم ، لكنه ما جرَّبه ، ولا عرف ذكاءه ، وفطنته ، وكياسته ، كما كان الأمر بالنسبة للحديث الأول الذي فيه أن الشاهد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب
ومع ذلك قبِل شهادته ، فهذا فيه تيسير واسع ، ومعنى هذا أن القاضي يقنع بظاهر الشاهد دون أن يأتي بمزكين يعرِّفونه كما جرى على ذلك عرف القضاة قديماً
يكتفي منه بأن يعرف إسلامه ، هذا أعرابي ما يعرفه سابقاً عليه الصلاة والسلام ، فاكتفى أن يشهد أمامه بالشهادتين ، فهو مسلم ، له ما لنا
وعليه ما علينا ، وبناءً على شهادته وإسلامه قال : يا بلال ، أذن في الناس أن يصوموا غداً .
" التعليق على كتاب بلوغ المرام " دروس صوتية ، الحديث رقم 5 ، كتاب الصيام .
2. أن يكون هذا الحديث دليلاً على أن الأصل في المسلم العدالة ، حتى يتبين خلاف ذلك .
قال الصنعاني رحمه الله في فوائد حديث ابن عباس :
فيه دلالة على أن الأصل في المسلمين العدالة ، إذ لم يطلب صلى الله عليه وسلم من الأعرابي إلا الشهادة .
" سبل السلام الصنعاني " ( 2 / 153 ) .
3. أن يكون هذا الحكم خاصّاً بالصحابة ، وهو كذلك ؛ لأنهم جميعاً عدول ، ومما لا شك فيه أن ذاك الأعرابي قد انتظم في عقد الصحابة رضي الله عنهم ، وهو بذلك صار من العدول ، والذين لا يُحتاج النظر في عدالتهم .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
والصحابة كلهم ثقات ذوو عدل ، تقبل رواية الواحد منهم ، وإن كان مجهولاً ، ولذلك قالوا : جهالة الصحابي لا تضر .
والدليل على ما وصفناه من حال الصحابة : أن الله أثنى عليهم ورسوله
في عدة نصوص ، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبل قول الواحد منهم إذا علم إسلامه ، ولا يسأل عن حاله ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال
: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : إني رأيت الهلال : يعني رمضان ... .
انتهى " مصطلح الحديث " من موقعه رحمه الله .
وهناك أمر يقوِّي ما سبق ، وهو كون تلك الشهادة في زمن الوحي ، ولا يمكن أن يُقرَّ ذلك الأعرابي على شهادة باطلة تتعلق بطاعة المسلمين وعبادتهم .
وبما أن الحديث ضعيف : فقد أغنانا الله تعالى عن تأويله ، والحمد لله رب العالمين .
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-29, 18:23
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حديث (نوم الصائم عبادة) ضعيف
السؤال
سمعت أحد الخطباء يقول حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم : (نوم الصائم عبادة) . فهل هذا الحديث صحيح ؟
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث غير صحيح ، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/1437) عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، ودعاؤه مستجاب ، وعمله مضاعف ) .
وضَعَّف إسناده البيهقي ، فقال : معروف بن حسان (أحد رجال الإسناد) : ضعيف ، وسليمان بن عمرو النخعي أضعف منه
وقال العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/310) :
سليمان النخعي أحد الكذابين .
وضعفه المناوي في "فيض القدير" (9293)
وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (4696) وقال : ضعيف .
والواجب على المسلمين عموماً - ويتأكد ذلك على الخطباء والوعاظ - أن يتثبتوا قبل نسبة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز أن ينسب إليه ما لم يقل
وقد قال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1391) ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (4) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-29, 18:26
حديث سلمان في فضائل شهر رمضان ضعيف
السؤال
بعض خطباء المساجد بهذه المنطقة ألقى خطبة من ضمنها حديث سلمان الذي ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في آخر يوم من شعبان .. إلخ .
وقد اعترض عليه بعض الإخوان علناً أمام الجمهور بقوله : بأن حديث سلمان من الموضوعات ، وكذلك قوله : من أشبع صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة
وقوله : ومن خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار . وقال : إن هذه الكلمات كذب على الرسول ، ومن كذب على الرسول فليتبوأ مقعده من النار .. إلخ .
فهل هذا الحديث صحيح أم لا ؟
الجواب
الحمد لله
"حديث سلمان رواه ابن خزيمة في صحيحه فقال : باب في فضائل شهر رمضان إن صح الخبر
ثم قال : حدثنا على بن حجر السعدي حدثنا يوسف بن زياد حدثنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان
فقال : (أيها الناس ، قد أظلكم شهر عظيم ، شهر مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعاً ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه
ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن ، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه
وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء . قالوا : ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم ، فقال : يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن
وهو شهر أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، من خفف عن مملوكه غفر الله له ، وأعتقه من النار ، فاستكثروا فيه من أربع خصال : خصلتين ترضون بهما ربكم
وخصلتين لا غنى بكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم : فشهادة أن لا إله إلا الله ، وتستغفرونه ، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما : فتسألون الله الجنة ، وتعوذون به من النار
ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ حتى يدخل الجنة) وفي سنده على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف لسوء حفظه
وفي سنده أيضاً يوسف بن زياد البصري وهو منكر الحديث ، وفيه أيضاً همام بن يحيى بن دينار العودي قال فيه ابن حجر في التقريب : ثقة ربما وهم .
وعلى هذا ؛ فالحديث بهذا السند ليس بمكذوب ، لكنه ضعيف ، ومع ذلك ففضائل رمضان كثيرة ثابتة في الأحاديث الصحيحة .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/84- 86) .
*عبدالرحمن*
2018-09-29, 18:31
حديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)
السؤال
هل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) ناسخ أم منسوخ ؟
حيث أشكل عليّ فهم هذا الحديث ؟
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث رواه البخاري (3168) ومسلم (1637) وليس منسوخاً ، بل هو من الأحاديث المحكمة التي يجب العمل بها .
وقد جاءت عدة أحاديث ، تدل على المعنى نفسه :
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً ) أخرجه مسلم (1767).
2- عن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال : آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( أخرجوا يهودَ أهل الحجاز ، وأهل نجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) رواه أحمد (3/221)
وصححه ابن عبد البر في "التمهيد"(1/169) ، ومحققو المسند ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1132) .
والمراد بجزيرة العرب في هذه الأحاديث : الجزيرة العربية كلها ، التي يحيط بها البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي ، وتنتهي شمالا إلى أطراف الشام والعراق .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" يجب أن يعلم أنه لا يجوز استقدام الكفرة إلى هذه الجزيرة ، لا من النصارى ، ولا من غير النصارى ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفرة من هذه الجزيرة
وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من هذه الجزيرة ، وهي المملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج ، كل هذه الدول داخلة في الجزيرة العربية
فالواجب ألا يقر فيها الكفرة من اليهود ، والنصارى ، والبوذيين ، والشيوعيين ، والوثنيين
وجميع من يحكم الإسلام بأنه كافر لا يجوز بقاؤه ولا إقراره في هذه الجزيرة ولا استقدامه إليها إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر
كالضرورة لأمر عارض ثم يرجع إلى بلده ممن تدعو الضرورة إلى مجيئه أو الحاجة الشديدة إلى هذه المملكة وشبهها كاليمن ودول الخليج .
أما استقدامهم ليقيموا بها فلا يجوز بل يجب أن يكتفى بالمسلمين في كل مكان ، وأن تكون المادة التي تصرف لهؤلاء الكفار تصرف للمسلمين
وأن ينتقي من المسلمين من يعرف بالاستقامة والقوة على القيام بالأعمال حسب الطاقة والإمكان ، وأن يختار أيضا من المسلمين من هم أبعد عن البدع والمعاصي الظاهرة
وأن لا يستخدم إلا من هو طيب ينفع البلاد ولا يضرها ، هذا هو الواجب ، لكن من ابتلي باستقدام أحد من هؤلاء الكفرة كالنصارى وغيرهم فإن عليه أن يبادر بالتخلص منهم وردهم إلى بلادهم بأسرع وقت" انتهى .
"فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (6/454) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله أيضاً :
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ) لكننا نجد في معظم بلدان الجزيرة العربية وجودا كثيفا للعمالة غير الإسلامية وصل بها الأمر إلى حد بناء دور عبادة لها سواء النصارى أم الهندوس أم السِّيخ .
ما الموقف الواجب على حكومات هذه البلدان اتخاذه حيال هذه الظاهرة المؤلمة ذات الخطر الداهم؟
فأجاب :
" لقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (لا يجتمع في الجزيرة دينان) وصح عنه أيضا أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة
وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم ، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من الجزيرة ، فهذا أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه شك .
والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية ، كما نفذها خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم ، فعلى الحكام في السعودية وفي الخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة
عليهم جميعا أن يجتهدوا كثيرا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة ، وألا يستقدموا إلا المسلمين .
هذا هو الواجب ، وهو مبين بيانا جليا في قواعد الشرع الحنيف . فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة ، وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله ، ثم إن عليهم أيضا أن يختاروا من المسلمين
فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة
وعنده من الشر ما عنده ، فيجب على من يحتاج إلى مسلمين ليستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة والاستقامة .
أما الكفار فلا يستخدمهم أبدا إلا عند الضرورة الشرعية ، أي : التي يقدرها ولاة الأمر ، وفق شرع الإسلام وحده .
ولا يجوز أن يبنى في الجزيرة معابد للكفرة لا النصارى ولا غيرهم
وما بني فيها يجب أن يهدم مع القدرة . وعلى ولي الأمر أن يهدمها ويزيلها ولا يبقي في الجزيرة مبادئ أو معاقل للشرك ولا كنائس ولا معابد
بل يجب أن تزال من الجزيرة ، حتى لا يبقى فيها إلا المساجد والمسلمون" انتهى .
"فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (3/282) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
عن حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟
فأجاب :
"استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته:
(أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وفي صحيح مسلم أنه قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً). لكن استقدامهم للحاجة إليهم
بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة.
وحيث قلنا : جائز ، فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم. ومن المفاسد المترتبة على ذلك :
ما يخشى من محبتهم ، والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم. وفي المسلمين ـ ولله الحمد ـ خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/41) .
*عبدالرحمن*
2018-09-29, 18:36
التفسير العلمي لتحنيك المولود بالتمر
السؤال
أردت فقط معرفة هل من أسباب علمية وراء تحنيك المولود بالتمر أو بشيء حلو عقب الولادة؟
وإذا لم تكن هناك فوائد علمية وراء ذلك فهل توجد أي فوائد أخرى لذلك؟
الجواب
الحمد لله :
تحنيك الطفل بالتمر بعد ولادته سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم
ففي صحيح البخاري (3619) عن أسماء رضي الله عنها ( أنها ولدت عبد الله بن الزبير فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره فحنكه بتمرة ، ثم دعا له وبرَّك عليه ) .
وروى البخاري أيضا (5045) عن أبي موسى رضي الله عنه قال : ( ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ) .
والشريعة جاءت بأحكام تنطوي على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم ، لأنها الشريعة المنزلة من خالق هذا الإنسان ، العالم بما يصلحه ويفسده . والحكمة من وراء التشريع قد تظهر وقد لا تظهر
وقد يظهر بعضها دون بعض ، والمؤمن مأمور بالتسليم والإذعان لأحكام الله ، عَلِمَ الحكمة أم لم يعلمها ، لأن ذلك مقتضى إيمانه .
وأما الحكمة من التحنيك بالتمر، فقد كان العلماء قديما يرون أن هذه السنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول شيء يدخل جوف الطفل شيء حلو
ولذا استحبوا أن يحنك بحلو إن لم يوجد التمر
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9 /588) :
"والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به ، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ، ويقوى عليه ، وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه
وأولاه التمر ، فإن لم يتيسر تمر فرطب ، وإلا فشيء حلو ، وعسل النحل أولي من غيره " انتهى .
ثم بمجيء العلم الحديث باكتشافاته تبين شيء جديد من الإعجاز العلمي الذي تحمله هذه السنة النبوية ، إذ تبين أن الطفل يحتاج إلى سكر الجلوكوز ، وقد يتعرض بسبب نقصه لآفات كبيرة ، وأن التمر خير مصدر لهذا .
ونحن نسوق لك هنا مختصرا مما قاله المختصون من الأطباء ، فقد كتب الدكتور محمد علي البار مقالا في مجلة الإعجاز العلمي العدد الرابع عن التفسير العلمي لتحنيك الطفل ، ومما جاء فيه :
" إن مستوى السكر " الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثاً يكون منخفضاً ، وكلما كان وزن المولود أقل ، كان مستوى السكر منخفضاً .
وبالتالي فإن المواليد الخداج [وزنهم أقل من 2.5كجم] يكون منخفضاً جداً بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم
. وأما المواليد أكثر من 2.5 كجم فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام .
ويعتبر هذا المستوى ( 20 أو 30 ملليجرام ) هبوطاً شديداً في مستوى سكر الدم
ويؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية :
1-أن يرفض المولود الرضاعة .
2-ارتخاء العضلات .
3-توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق الجسم .
4-اختلاجات ونوبات من التشنج .
وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة ، وهي :
1-تأخر في النمو .
2-تخلف عقلي .
3-الشلل الدماغي .
4- إصابة السمع أو البصر أو كليهما .
5- نوبات صرع متكررة ( تشنجات ) .
وإذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة ، رغم أن علاجها سهل ميسور وهو إعطاء السكر الجلوكوز مذاباً في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد" انتهى .
ثم قال في مناقشة تحنيك النبي صلى الله عليه وسلم الطفل بالتمر :
"إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة
. فالتمر يحتوي على السكر " الجلوكوز " بكميات وافرة ، وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي " السكروز "
إلى سكر أحادي ، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات ، وبالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها .
وبما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة ، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها .
إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه وتعرف مخاطر نقص السكر " الجلوكوز " في دم المولود .
وإن المولود ، وخاصة إذا كان خداجاً ، يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولاً سكرياً . وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة
ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه .
إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقاً مهمة جداً في وقاية الأطفال ، وخاصة الخداج " المبتسرين " من أمراض خطيرة جداً بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم .
وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات . كما أنها توضح إعجازاً طبياً لم يكن معروفاً
في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين" انتهى
ما أردنا نقله من كلام الدكتور البار
وفيه إن شاء الله ما يكفي لبيان الإعجاز العلمي الذي تضمنته هذه السنة النبوية العظيمة .
*عبدالرحمن*
2018-09-29, 18:38
(الدين المعاملة) ليس بحديث
السؤال
ما صحة هذا الحديث : (الدين المعاملة) ؟
الجواب
الحمد لله
هذا الكلام ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أصل له في كتب السنة .
وقد ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمة المجلد الخامس من "سلسة الأحاديث الضعيفة" ص 11، وقال عنه : "لا أصل لذلك ، ولا في الأحاديث الموضوعة!" انتهى .
وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله ، فقال :
"هذا ليس بحديث ، إنما هو من كلام الناس" انتهى .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-02, 02:26
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل يوجد فضل لمن كان أول أولاده بنتا ؟
السؤال
هل يوجد فضل لمن كان أول أولاده بنتا ؟
الجواب
الحمد لله
الأولاد هبة من الله تعالى ، وسائر أرزاق العباد ومقاديرهم بيده سبحانه ، وإليه سبحانه يرجع الأمر كله : يعطي ويمنع ، يخفض ويرفع ، لا راد لفضله ، ولا معقب لحكمه سبحانه :
( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى49-50)
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
هذه الآية فيها الإخبار عن سعة ملكه تعالى ، ونفوذ تصرفه في الملك : في الخلق لما يشاء، والتدبير لجميع الأمور، حتى إن تدبيره تعالى، من عمومه، أنه يتناول المخلوقة عن الأسباب التي يباشرها العباد
فإن النكاح من الأسباب لولادة الأولاد، فاللّه تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء ؛ فمن الخلق من يهب له إناثا، ومنهم من يهب له ذكورا، ومنهم من يزوجه، أي: يجمع له ذكورا وإناثا، ومنهم من يجعله عقيما لا يولد له.
{ إِنَّهُ عَلِيمٌ } بكل شيء { قَدِيرٌ } على كل شيء، فيتصرف بعلمه وإتقانه الأشياء، وبقدرته في مخلوقاته " انتهى .
وقد جاء في فضل البنات والقيام عليهن وتربيتهن أحاديث صحيحة ، منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) رواه مسلم (2631).
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ )
رواه الترمذي (1916) وأبو داود (5147) وابن ماجه (3669) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب .
وأما فضل مجيء البنت أولا ، فقد جاء فيه حديث ضعيف ، بل موضوع عند بعض أهل العلم
قال الحافظ السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" (1/677) :
" حديث ( من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى ) : الديلمي عن واثلة بن الأسقع مرفوعا بلفظ : ( من بركة تبكيرها بالأنثى ألم تسمع قوله تعالى : ( يهب لمن يشاء إناثا ) فبدأ بالإناث )
ورواه أيضا عن عائشة مرفوعا بلفظ : ( من بركة المرأة على زوجها تيسير مهرها وأن تبكر بالإناث ) وهما ضعيفان " انتهى .
وقال السيوطي في فتاويه : لا يصح . انظر : "كشف الخفاء" (2/287).
وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة والموضوعة" (9/ 142)
: " ( من يمن المرأة أن يكون بكرها جارية ) : موضوع
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/ 302) من طريق شيخه محمد بن محمد بن الأشعث : حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد : حدثني أبي
عن أبيه ، عن جده جعفر ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي مرفوعاً .
قلت : موضوع ، المتهم به هذا الشيخ ؛ فقد ساق له ابن عدي نحو خمسة وعشرين حديثاً من أصل قرابة ألف حديث بهذا الإسناد العلوي
وقال : "وعامتها من المناكير ، وكان متهماً" .
وقال الدارقطني : "آية من آيات الله ! وضع ذاك الكتاب . يعني العلويات" .
وقد مضى له حديث آخر موضوع في المجلد الرابع رقم (1932)
وقال الذهبي في "الميزان" : "وساق له ابن عدي جملة موضوعات" " انتهى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-02, 02:29
هل هناك أجر في قراءة الأحاديث النبوية ؟
السؤال
وردت الأدلة على الأجر في قراءة القرآن الكريم، فهل هناك أجر في قراءة الأحاديث ؟
الجواب
الحمد لله
نعم قراءة العلم كلها فيها أجر ، تعلم العلم ، وطلب العلم من طريق القرآن ، ومن طريق السنة فيه أجر عظيم ، فالعلم يؤخذ من الكتاب
ويؤخذ من السنة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خيركم من تعلم العلم وعلمه ) رواه البخاري (5027) ، وجاء في قراءة القرآن أحاديث كثيرة
منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة ) رواه مسلم (804)
وقال عليه الصلاة والسلام : ( أيحب أحدكم أن يذهب إلى بطحان- وادي في المدينة- فيأتي بناقتين عظيمتين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقالوا : كلنا يحب ذلك يا رسول الله .
فقال : لأن يذهب أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين عظيمتين
وثلاث خير من ثلاث ، وأربع خير من أربع ، ومن أعدادهن من الإبل ) رواه مسلم (803) ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على فضل تعلم القرآن، وقراءة القرآن .
وفي حديث ابن مسعود: ( من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ) رواه الترمذي (2910) هكذا السنة إذا تعلمها المؤمن
فقراءة الأحاديث ودرسها يكون له أجر عظيم . لأن هذا من تعلم العلم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) رواه الترمذي (2646)
وهذا يدل على أن دراسة العلم ، وحفظ الأحاديث ، والمذاكرة فيها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار
وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) متفق عليه ، والتفقه في الدين يكون من طريق الكتاب
ويكون من طريق السنة ، والتفقه في السنة من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيرا كما أن التفقه في القرآن دليل على ذلك ، والأدلة في هذا كثيرة والحمد لله . "انتهى"
فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز (1/11)
*عبدالرحمن*
2018-10-02, 02:37
هل يحاسب الإنسان عما يدور في نفسه من الخير والشر
السؤال
أحيانا يبتلى الإنسان بالتفكير في معصية من المعاصي ، ومثل ذلك أمور وسوسه الشيطان والنفس بالسوء ، فهل يجازى المرء على ما يدور في نفسه ، ويكتب عليه ، سواء كان خيرا أم شرا ؟
الجواب
الحمد لله
روى البخاري في صحيحه (6491) ومسلم (131)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ :
( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ
ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ) .
وروى البخاري (5269) ومسلم (127) ـ أيضا ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ ) .
قال ابن رجب رحمه الله :
" فتضمنت هذه النصوص أربعة أنواع : كتابة الحسنات ، والسيئات ، والهم بالحسنة والسيئة ، فهذه أربعة أنواع .. " ، ثم قال :
" النوع الثالث : الهمُّ بالحسنات ، فتكتب حسنة كاملة ، وإنْ لم يعملها ، كما في حديث ابن عباس وغيره ، ... وفي حديث خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ : " .
. وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ أَشْعَرَهَا قَلْبَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً .. " [
رواه أحمد 18556، قال الأرناؤوط : إسناده حسن ، وذكره الألباني في الصحيحة ]
وهذا يدلُّ على أنَّ المرادَ بالهمِّ هنا : هو العزمُ المصمّم الذي يُوجَدُ معه الحرصُ على العمل ، لا مجرَّدُ الخَطْرَةِ التي تخطر ، ثم تنفسِخُ من غير عزمٍ ولا تصميم .
قال أبو الدرداء
: من أتى فراشه ، وهو ينوي أن يُصلِّي مِن اللَّيل ، فغلبته عيناه حتّى يصبحَ ، كتب له ما نوى ...
وروي عن سعيد بن المسيب ، قال : من همَّ بصلاةٍ ، أو صيام ، أو حجٍّ ، أو عمرة ، أو غزو ، فحِيلَ بينه وبينَ ذلك ، بلَّغه الله تعالى ما نوى .
وقال أبو عِمران الجونيُّ
: يُنادى المَلَكُ : اكتب لفلان كذا وكذا ، فيقولُ : يا ربِّ ، إنَّه لم يعملْهُ ، فيقول : إنَّه نواه .
وقال زيدُ بن أسلم
: كان رجلٌ يطوفُ على العلماء ، يقول : من يدلُّني على عملٍ لا أزال منه لله عاملاً ، فإنِّي لا أُحبُّ أنْ تأتيَ عليَّ ساعةٌ مِنَ الليلِ والنَّهارِ إلاَّ وأنا عاملٌ لله تعالى ، فقيل له : قد وجدت حاجتَكَ
فاعمل الخيرَ ما استطعتَ ، فإذا فترْتَ ، أو تركته فهمَّ بعمله ، فإنَّ الهامَّ بعمل الخير كفاعله .
ومتى اقترن بالنيَّة قولٌ أو سعيٌ ، تأكَّدَ الجزاءُ ، والتحقَ صاحبُه بالعامل ، كما روى أبو كبشة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ : عبدٍ رَزَقَهُ الله مالاً وعلماً
فهو يتَّقي فيه ربَّه ، ويَصِلُ به رَحِمَه ، ويعلمُ لله فيه حقاً ، فهذا بأفضل المنازل ، وعبدٍ رزقه الله علماً ، ولم يرزقه مالاً ، فهو صادِقُ النِّيَّة ، يقول : لو أنَّ لي مالاً ، لعمِلْتُ بعملِ فلانٍ
فهو بنيتِه ، فأجرُهُما سواءٌ ، وعبدٍ رزقه الله مالاً ، ولم يرزُقه علماً يَخبِطُ في ماله بغير علمٍ ، لا يتَّقي فيه ربّه ، ولا يَصِلُ فيه رحِمهُ ، ولا يعلمُ لله فيه حقاً ، فهذا بأخبثِ المنازل ، وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً
فهو يقول : لو أنَّ لي مالاً ، لعَمِلتُ فيه بعمل فلانٍ فهو بنيته فوِزْرُهما سواءٌ ) خرَّجه الإمام أحمد والترمذى وهذا لفظُهُ ، وابن ماجه [ صححه الألباني لغيره ] .
وقد حمل قوله : " فهما في الأجر سواءٌ " على استوائهما في أصلِ أجرِ العمل ، دون مضاعفته ، فالمضاعفةُ يختصُّ بها من عَمِلَ العمل دونَ من نواه فلم يعمله
فإنَّهما لو استويا مِنْ كلِّ وجه ، لكُتِبَ لمن همَّ بحسنةٍ ولم يعملها عشرُ حسناتٍ ، وهو خلافُ النُّصوصِ كلِّها
ويدلُّ على ذلك قوله تعالى : { فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ }
قال ابن عباس وغيره : القاعدون المفضَّلُ عليهم المجاهدون درجة همُ القاعدون من أهلِ الأعذار ، والقاعدون المفضَّل عليهم المجاهدون درجاتٍ هم القاعدون من غير أهل الأعذار " .
ثم قال رحمه الله :
" النوع الرابع : الهمُّ بالسَّيِّئات من غير عملٍ لها ، ففي حديث ابن عباس : أنَّها تُكتب حسنةً كاملةً ، وكذلك في حديث أبي هريرة وأنس وغيرهما أنَّها تُكتَبُ حسنةً
وفي حديث أبي هريرة قال : ( إنَّما تركها مِن جرَّاي ) [ مسلم 129] ، يعني : من أجلي . وهذا يدلُّ على أنَّ المرادَ مَنْ قَدَرَ على ما همَّ به مِنَ المعصية
فتركه لله تعالى ، وهذا لا رَيبَ في أنَّه يُكتَبُ له بذلك حسنة ؛ لأنَّ تركه للمعصية بهذا المقصد عملٌ صالحٌ .
فأمَّا إن همَّ بمعصية ، ثم ترك عملها خوفاً من المخلوقين ، أو مراءاةً لهم ، فقد قيل : إنَّه يُعاقَبُ على تركها بهذه النيَّة ؛ لأنَّ تقديم خوفِ المخلوقين على خوف الله محرَّم .
وكذلك قصدُ الرِّياءِ للمخلوقين محرَّم ، فإذا اقترنَ به تركُ المعصية لأجله ، عُوقِبَ على هذا الترك ...
قال الفضيلُ بن عياض :
كانوا يقولون : تركُ العمل للناس رياءٌ ، والعمل لهم شرك .
وأمَّا إنْ سعى في حُصولها بما أمكنه ، ثم حالَ بينه وبينها القدرُ ، فقد ذكر جماعةٌ أنَّه يُعاقَب عليها حينئذٍ لحديث : ( ما لم تكلَّمْ به أو تعمل )
ومن سعى في حُصول المعصية جَهدَه ، ثمَّ عجز عنها ، فقد عَمِل بها ، وكذلك قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما
فالقاتِلُ والمقتولُ في النَّار ) ، قالوا : يا رسول الله ، هذا القاتلُ ، فما بالُ المقتول ؟! قال : ( إنَّه كان حريصاً على قتل صاحبه ) [رواه البخاري 31 ومسلم 2888] .
وقوله : ( ما لم تكلَّم به ، أو تعمل ) يدلُّ على أنَّ الهامَّ بالمعصية إذا تكلَّم بما همَّ به بلسانه إنَّه يُعاقَبُ على الهمِّ حينئذٍ ؛ لأنَّه قد عَمِلَ بجوارحِه معصيةً
وهو التَّكلُّمُ باللِّسان ، ويدلُّ على ذلك حديث [ أبي كبشة السابق ] الذي قال : ( لو أنَّ لي مالاً ، لعملتُ فيه ما عَمِلَ فلان ) يعني : الذي يعصي الله في ماله ، قال : ( فهما في الوزر سواءٌ ) . "
ثم قال رحمه الله :
" وأمّا إن انفسخت نِيَّتُه ، وفترَت عزيمتُه من غيرِ سببٍ منه ، فهل يُعاقبُ على ما همَّ به مِنَ المعصية ، أم لا ؟
هذا على قسمين :
أحدهما : أن يكون الهمُّ بالمعصية خاطراً خطرَ ، ولم يُساكِنهُ صاحبه ، ولم يعقِدْ قلبَه عليه ، بل كرهه ، ونَفَر منه ، فهذا معفوٌّ عنه ،
وهو كالوَساوس الرَّديئَةِ التي سُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنها ، فقال : ( ذاك صريحُ الإيمان ) [ رواه مسلم 132 ]
...
ولمَّا نزل قولُه تعالى : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ }
شقَّ ذلك على المسلمين ، وظنُّوا دُخولَ هذه الخواطر فيه ، فنَزلت الآية التي بعدها
وفيها قوله : { رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ } [رواه مسلم 126]
فبيَّنت أنَّ ما لا طاقةَ لهم به ، فهو غيرُ مؤاخذٍ به ، ولا مكلّف به ..
وبيَّنت أنّ المرادَ بالآية الأُولى العزائم المصمَّم عليها ...
القسم الثاني : العزائم المصممة التي تقع في النفوس ، وتدوم ، ويساكنُها صاحبُها ، فهذا أيضاً نوعان :
أحدهما : ما كان عملاً مستقلاً بنفسه من أعمالِ القلوب ، كالشَّكِّ في الوحدانية ، أو النبوَّة ، أو البعث ، أو غير ذلك مِنَ الكفر والنفاق ، أو اعتقاد تكذيب ذلك ، فهذا كلّه يُعاقَبُ عليه العبدُ ، ويصيرُ بذلك كافراً ومنافقاً ...
ويلحق بهذا القسم سائرُ المعاصي المتعلِّقة بالقلوب ، كمحبة ما يُبغضهُ الله ، وبغضِ ما يحبُّه الله ، والكبرِ ، والعُجبِ ...
والنوع الثاني : ما لم يكن مِنْ أعمال القلوب
بل كان من أعمالِ الجوارحِ ، كالزِّنى ، والسَّرقة ، وشُرب الخمرِ ، والقتلِ ، والقذفِ ، ونحو ذلك ، إذا أصرَّ العبدُ على إرادة ذلك ، والعزم عليه ، ولم يَظهرْ له أثرٌ في الخارج أصلاً
. فهذا في المؤاخذة به قولان مشهوران للعلماء :
أحدهما : يؤاخذ به ، " قال ابنُ المبارك : سألتُ سفيان الثوريَّ : أيؤاخذُ العبدُ بالهمَّةِ ؟
فقال : إذا كانت عزماً أُوخِذَ ". ورجَّح هذا القولَ كثيرٌ من الفُقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين من أصحابنا وغيرهم ، واستدلوا له بنحو قوله - عز وجل - :
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ }
وقوله : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ }
وبنحو قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( الإثمُ ما حاكَ في صدركَ ، وكرهتَ أنْ يطَّلع عليه النَّاسُ ) [ رواه مسلم 2553 ]
وحملوا قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله تجاوزَ لأُمَّتي عمَّا حدَّثت به أنفُسَها ، ما لم تكلَّم به أو تعمل ) على الخَطَراتِ ، وقالوا : ما ساكنه العبدُ ، وعقد قلبه عليه ، فهو مِنْ كسبه وعملِه ، فلا يكونُ معفوّاً عنه ...
والقول الثاني : لا يُؤاخَذُ بمجرَّد النية مطلقاً ، ونُسِبَ ذلك إلى نصِّ الشافعيِّ ، وهو قولُ ابن حامدٍ من أصحابنا عملاً بالعمومات . وروى العَوْفيُّ عن ابنِ عباس ما يدلُّ على مثل هذا القول ... "
انتهى ، من جامع العلوم والحكم : شرح الحديث السابع والثلاثين (2/343-353) باختصار، وتصرف يسير .
والخلاصة :
أن من هم بالحسنة والخير ، وعقد قلبه وعزمه على ذلك ، كتب له ما نواه ، ولو لم يعمله ، وإن كان أجر العامل أفضل منه وأعلى .
ومن هم بسيئة ، ثم تركها لله ، كتبت له حسنة كاملة .
ومن هم بسيئة ، وتركها لأجل الناس ، أو سعى إليها ، لكن حال القدر بينه وبينها ، كتبت عليه سيئة .
ومن هم بها ، ثم انفسخ عزمه ، بعد ما نواها ، فإن كانت مجرد خاطر بقلبه ، لم يؤاخذ به ، وإن كانت عملا من أعمال القلوب ، التي لا مدخل للجوارح بها
فإنه يؤاخذ بها ، وإن كانت من أعمال الجوارح ، فأصر عليها ، وصمم نيته على مواقعتها ، فأكثر أهل العلم على أنه مؤاخذ بها .
قال النووي رحمه الله
بعد ما نقل القول بالمؤاخذه عن الباقلاني ـ :
" قال القاضي عياض رحمه الله
عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر ، للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب .
لكنهم قالوا : إن هذا العزم يكتب سيئة ، وليست السيئة التي هم بها لكونه لم يعملها وقطعه عنها قاطع غير خوف الله تعالى والإنابة ، لكن نفس الإصرار والعزم معصية
فتكتب معصية ؛ فإذا عملها كتبت معصية ثانية فان تركها خشية لله تعالى كتبت حسنة ، كما في الحديث إنما تركها من جراي فصار تركه لها لخوف الله تعالى ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء
في ذلك وعصيانه هواه حسنة ، فأما الهم الذي لا يكتب فهي الخواطر التي لا توطن النفس عليها ولا يصحبها عقد ولا نية وعزم ) انتهى .
شرح مسلم (2/151) .
واختار ابن رجب رحمه الله أن المعصية " إنَّما تكتَبُ بمثلِها من غير مضاعفةٍ ، فتكونُ العقوبةُ على المعصيةِ ، ولا ينضمُّ إليها الهمُّ بها ، إذ لو ضُمَّ إلى المعصية الهمُّ بها
لعُوقبَ على عمل المعصية عقوبتين ، ولا يقال : فهذا يلزم مثلُه في عمل الحسنة ، فإنه إذا عملها بعد الهمِّ بها ، أُثيب على الحسنة دُونَ الهمِّ بها ، لأنَّا نقول : هذا ممنوع
فإنَّ من عَمِلَ حسنة ، كُتِبَت له عشرَ أمثالِها ، فيجوزُ أن يكونَ بعضُ هذه الأمثال جزاءً للهمِّ بالحسنة
والله أعلم " . انتهى
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-02, 02:40
كتب يستفاد منها في تخريج الأحاديث النبوية
السؤال
ما هي الكتب التي تنصحون بها لتخريج الأحاديث الشريفة ؟
و ما هو البرنامج ( برنامج حاسب آلي ) الذي تنصحون به لتخريج الأحاديث الشريفة ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
الكتب التي يستعان بها لتخريج الأحاديث النبوية كثيرة
منها ما هو مرتب على الأبواب ، ومنها ما هو مرتب على الأطراف ، ومنها المرتب على أسماء الرواة .
ومن هذه الكتب : صحيح الجامع الصغير ، وضعيف الجامع الصغير ، كلاهما للشيخ الألباني رحمه الله ، وهما مرتبان على أطراف الأحاديث ، على ترتيب حروف المعجم .
ومنها : إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، للألباني أيضا ، وهو مرتب على أبواب الفقه .
ومنها : التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية لحافظ الزيلعي ، وكلاهما مرتب على أبواب الفقه .
ومنها : تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف ، للحافظ المزي ، وهو مرتب على أسماء الرواة ، على ترتيب حروف المعجم ، وإذا أورد الحديث ذكر من خرجه من الأئمة
فيضع أمام الحديث مثلا : (خ م ت) أي رواه البخاري ومسلم والترمذي .
ثانيا :
وأما برامج الحاسب ، فكثيرة ، وأنفعها : برنامج الحديث الشريف ، لشركة ( حرف )
وبرنامج الموسوعة الذهبية للتراث
وبرنامج الموسوعة الشاملة .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-02, 02:44
حديث موضوع لم نجد له أصلاً
السؤال
سمعت من أحد الشيوخ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً بين صحابته وإذا برجل يمر من أمامهم وبيده كيس قمح ، فلما رآه صلى الله عليه وسلم ابتسم ، وبعد ساعة عاد الرجل
فلهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسبيح ، فسأله الصحابة عن حال الرجل ، فقال عليه الصلاة والسلام : هذا الرجل كان ذاهباً إلى حقله ليبذر القمح لينتظر أشهراً حتى يخرج
ثم ينتظر مدة حتى يصبح قمحاً ثم يحصده ، وسبب ابتسامتي هو أنه لم يبق له في الدنيا سوى سبعة أيام ، فمرَّ في طريقه على أخته أم أيتام فوجدهم بأسوأ حال فأعطاهم كيس القمح الذي يملك
وقال في نفسه : أنا يرزقني الله ، فزاد الله عمره سبعين عاماً .
سؤالي :
إخواني الأعزاء
هل هذه القصة صحيحة ؟
وإن كانت صحيحة أين أجد مراجعها ؟
آمل مساعدتي ولكم الأجر والثواب .
الجواب
الحمد لله
هذه القصة لا أصل لها ، ولم نجدها بعد طول بحث .
والله أعلم
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-10-02, 02:51
السنة النبوية الصحيحة وحي من الله
السؤال
أولا : أعتذر عن إثارة مثل هذا السؤال ، ولكي لا أترك مجالا للشك في نيتي ، أقول : إنني أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، وإنني راض تمام الرضى بالله عز وجل ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا .
أسأل عن السنة ، لأنه توجد روايات كثيرة لحديث واحد ، فمثلا نجد في صحيح البخاري حديثا ما بأسلوب مخالف لما هو عليه في صحيح مسلم ، فلماذا لا تكون السنة مثل القرآن العظيم ؟ ما الفرق بين السنة المطهرة والقرآن العظيم ؟
هل السنة النبوية الشريفة هي من الوحي الذي يتنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ، أم هي من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم ؟
هل هي من خصائص النبوة أم ماذا ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
لا بد أن يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير
- هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم .
قال تعالى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ ) النجم/3-4
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ
أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ )
رواه الترمذي (2664) وقال : حسن غريب من هذا الوجه ، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870)
وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم من ديننا الحنيف :
يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12) :
" كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " انتهى .
رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12) ، وعزاه الحافظ في الفتح (13/291) إلى البيهقي ، قال : " بسند صحيح " .
وأهمية السنة في كونها مبيِّنةً لكتاب الله وشارحةً له أوَّلًا ، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله بعض الأحكام .
يقول الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44
يقول ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/190) :
" البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين :
الأول : بيان المجمل في الكتاب العزيز ، كالصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر الأحكام .
الثاني : زيادة حكم على حكم الكتاب ، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها " انتهى .
ثانيا :
لما كانت السنة القسمَ الثانيَ من أقسام الوحي ، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها ، ليحفظَ بها الدين من التحريف أو النقص أو الضياع .
يقول ابن حزم رحمه الله "الإحكام" (1/95) :
" قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9
وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) الأنبياء/45
فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ ، والذكر محفوظ بنصِّ القرآن ، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل
مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء ، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء ، فهو منقول إلينا كله ، فلله الحجة علينا أبدا " انتهى .
ثالثا :
وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي ، لا بد من التنبه إلى أن الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط ، وهو أن القرآن كلام الله تعالى
نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى ، بل من وحيه فقط ، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها ، بل بالمعنى والمضمون .
ومِن فَهْمِ هذا الفرق ، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون ، وليس ذات الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم ، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملا
وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها ، ومعناها ، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله ، وليس في ألفاظها وحروفها .
ومع ذلك فإن علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة ، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة ، ونقلوا لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها ، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ ، والحق والباطل .
وما يراه السائل الكريم من تعدد الروايات للحديث الواحد لا يعني أبدا التقصير في حفظ السنة ونقلها ، وإنما اختلفت الروايات لأسباب عديدة ، إذا تبينت ظهر الجواب واضحا ، فيقال :
رابعا :
أسباب تعدد الروايات :
1- تعدد الحادثة :
يقول ابن حزم رحمه الله في "الإحكام" (1/134) :
" وليس اختلاف الروايات عيبا في الحديث إذا كان المعنى واحدا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صحَّ عنه أنه إذا كان يُحَدِّث بحديثٍ كَرَّرَه ثلاث مرات
فينقل كل إنسان بحسب ما سمع ، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحدا " انتهى
.
2- الرواية بالمعنى :
وهو أكثر ما يسبب تعدد الروايات للحديث الواحد ، فإن المهم في نقل الحديث أداء مضمونه ومحتواه ، أما ألفاظه فليست تعبديةً كالقرآن .
مثاله : حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) : فقد روي بلفظ ( العمل بالنية ) ولفظ ( إنما الأعمال بالنية ) وآخر ( الأعمال بالنية ) ، وهذا التعدد سببه الرواية بالمعنى ، فإن مخرج الحديث واحد
وهو يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر رضي الله عنه ، والملاحظ أن المعنى الذي يفهم من هذه الجمل واحد ، فأي ضرر في تعدد الروايات حينئذ ؟!
ولكي يطمئن العلماء أكثر إلى أن الراوي نقل المعنى الصحيح للحديث ، كانوا لا يقبلون الرواية بالمعنى إلا من عالم باللغة العربية ، ثم يقارنون رواية الراوي برواية غيره من الثقات
فيتبين لهم الخطأ في النقل إن وقع ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، ليس هذا محلها .
3- اختصار الراوي للحديث :
أي أن يكون الراوي حافظا للحديث كله ، ولكن يكتفي بذكر جزء منه في حال ، ويذكره كاملا في حال أخرى .
مثاله : روايات حديث أبي هريرة في قصة نسيان النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين من صلاة الظهر
فكلها جاءت عن أبي هريرة ، وهي قصة واحدة ، وذلك يدل على أن اختلاف الروايات سببه اختصار بعض الرواة . انظر صحيح البخاري (714) (715) (1229)
4- الخطأ :
فقد يقع من أحد الرواة الخطأ ، فيروي الحديث على غير وجهه الذي يرويه الآخرون ، ويمكن معرفة الخطأ بمقارنة الروايات بعضها ببعض ، وهو ما قام به أهل العلم في كتب السنة والتخريج .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الجواب الصحيح" (3/39) :
" ولكن هذه الأمة حفظ الله تعالى لها ما أنزله ، قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 ، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط ، فإن الله يقيم له من الأمة من يبيِّنُه
ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب ، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة
إذ كانوا آخر الأمم ، فلا نبي بعد نبيهم ، ولا كتاب بعد كتابهم ، وكانت الأمم قبلهم إذا بدَّلوا وغيَّروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم
ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي ، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر " انتهى .
والسنة ، على الوجه الذي ذكرناه أولا ، من كونها وحيا من عند الله تعالى : يبين للناس ما نُزِّل إليهم في كتاب الله تعالى
ويعلمهم من الأحكام ما يحتاجونه في دينهم ، ولو يأت تفصيله ، أو أصله في كتاب الله تعالى ، نقول : السنة على هذا الوجه هي من خصائص النبوة ؛ فهذه الوظيفة هي من أجل وظائف النبوة
وما زال الناس يرون السنة على هذا الوجه ، بما تحمله الكتب ، أو الروايات الشفهية من اختلاف في بعض الألفاظ ، أو تعدد لسياقات الحديث ، ولم يكن في ذلك ما يدعو للتشكك في منزلتها
أو القلق من حفظها ، أو التردد والخلاف في حجيتها وحاجة الناس إليها ، على كثرة ما اختلف الناس وتنازعوا في المسائل العلمية والعملية.
يقول العلامة الشيخ عبد الغني عبد الخالق ـ رحمه الله ـ :
" لا نجد في كتب الغزالي والآمدي والبزدوي ، وجميع من اتبع طرقهم في التأليف من الأصوليين ، تصريحا ولا تلويحا بأن في هذه المسألة خلافا
وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم ، وتتبعوا الاختلافات ، حتى الشاذة منها ، واعتنوا بالرد عليها أشد الاعتناء"
ثم نقل عن صاحب المُسَلَّم ، وشارحه : " أن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس : من علم الكلام ، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس ، لأنهما كثر التشغيب فيهما من الحمقى
من الخوارج والروافض ( خذلهم الله تعالى ) ، وأما حجية الكتاب والسنة : فمتفق عليها عند الأمة ، ممن يدعي التدين كافة ، فلا حاجة إلى الذكر " انتهى .
انظر : حجية السنة ( 248-249) .
وانظر : إجابة السؤال القادم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-05, 03:16
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة ؟!
السؤال
إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة ؟ .
الجواب
الحمد لله
أولاً :
لا يزال أعداء الدِّين يحرصون على النيل من دين الله تعالى بشتى الصور والأساليب ، وينشرون شبهاتهم وضلالاتهم بين عامة المسلمين
فينساق وراءهم بعض ضعاف الإيمان ، والجهلة من المسلمين ، ولو أن واحداً من هؤلاء العامة فكَّر قليلاً لعلم أن شبههم خاوية ، وأن حجتهم داحضة .
ومن أيسر ما يمكن أن يرد به العامي على هذه الشبهة المتهافتة أن يسأل نفسه : كم ركعة أصلي الظهر ؟
وكم هو نصاب الزكاة ؟
وهذا سؤالان يسيران ، ولا غنى بمسلم عنهما ، ولن يجد إجابتهما في كتاب الله تعالى ، وسيجد أن الله تعالى أمره بالصلاة ، وأمره بالزكاة ، فكيف سيطبق هذه الأوامر من غير أن ينظر في السنَّة النبوية ؟
إن هذا من المحال ، ولذا كانت حاجة القرآن للسنَّة أكثر من حاجة السنَّة للقرآن ! كما قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله - : " الكتاب أحوج إلى السنَّة من السنَّة إلى الكتاب "
كما في " البحر المحيط " للزركشي ( 6 / 11 ) ، ونقله ابن مفلح الحنبلي في " الآداب الشرعية " ( 2 / 307 ) عن التابعي مكحول .
ولا نظن بالأخ السائل إلا خيراً ، ونظن أنه سأل مستفهماً عن أوجه الرد على من يقول بمثل هذه الأقاويل زاعماً تعظيمه للقرآن الكريم .
ثانياً :
من أوجه الرد على من يزعم أنه لا حاجة للمسلمين للسنَّة المشرفة ، وأنه يُكتفى بالقرآن الكريم : أنه بهذا القول يرد كلام الله تعالى في كتابه الكريم
حيث أمر في آيات كثيرة بالأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالانتهاء عما نهى عنه ، وبطاعته ، وقبول حكمه ، ومن ذلك :
قال تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر:من الآية7 .
وقال تعالى : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) النور/54 .
وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) النساء/من الآية64 .
وقال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء/65 .
فماذا يصنع هذا الزاعم المدعي أنه يُكتفى بالقرآن ويُستغنى به عن السنَّة في هذه الآيات ؟ وكيف سيستجيب لأمر الله تعالى فيها ؟ .
وهذا بالإضافة إلى ما قلناه أولاً باختصار ، وهو أنه كيف سيقيم الصلاة التي أمره الله تعالى بها في كتابه الكريم ؟
وما عددها ؟ وما أوقاتها ؟
وما شوطها ؟
وما مبطلاتها ؟
وقل مثل ذلك في الزكاة ، والصيام ، والحج ، وباقي شعائر الدين وشرائعه .
وكيف سيطبق قول الله تعالى ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) المائدة/38 ؟
فكم هو نصاب السرقة ؟
ومن أين تُقطع اليد ؟
وهل هي اليمين أم الشمال ؟
وما هي الشروط في الشيء المسروق ؟
، وقل مثل ذلك في حد الزنا والقذف واللعان وغيرها من الحدود .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :
وقال الشافعي في " الرسالة " - في باب فرض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم - : قال تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وكل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه : كالحج ، والصلاة
والزكاة : لولا بيان الرسول ما كنا نعرف كيف نأتيها , ولا كان يمكننا أداء شيء من العبادات , وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة : كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله .
" البحر المحيط " ( 6 / 7 ، 8 ) .
وكما يرى المسلم العاقل أن الزاعم أنه معظم لكتاب الله تعالى هو من أعظم المخالفين للقرآن ، ومن أعظم المنسلخين عن الدين ؛ حيث جعل القرآن كافيا لإقامة الدين والأحكام
وهو بالضرورة إما أنه لا يفعل ما جاء بالسنة فيكفر ، أو أنه يفعلها فيتناقض !
ثالثاً :
والله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام ، وهذه النعمة العظيمة ليست القرآن وحده ، بل هي القرآن والسنَّة ، ولما امتنَّ الله على الأمة بإتمام الدين وإكمال النعمة لم يكن المقصود منه إنزال القرآن
بل إتمام الأحكام في القرآن والسنَّة ، بدليل نزول آيات من القرآن الكريم بعد إخبار الله تعالى بمنته على عباده بإكمال الدين وإتمام النعمة .
قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) المائدة/من الآية3 .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :
قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم ) أي : أكملت لكم الأحكام ، لا القرآن ؛ فإنه نزل بعد ذلك منه آيات غير متعلقة بالأحكام .
" المنثور في القواعد " ( 1 / 142 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله - :
فقد بيَّن الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به ، وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ، وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه
وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) .
" إعلام الموقعين " ( 1 / 250 ) .
*عبدالرحمن*
2018-10-05, 03:17
رابعاً :
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن السنَّة التي جاء بها هي مثل القرآن في كونها من الله تعالى ، وفي كونها حجة ، وفي كونها ملزمة للعباد
وحذَّر من الاكتفاء بما في القرآن وحده للأخذ به والانتهاء عن نهيه ، وبيَّن مثالاً لحرامٍ ثبت في السنَّة ولم يأت له ذِكر في القرآن ، بل في القرآن إشارة لحلِّه ، وكل ذلك في حديث واحدٍ صحيح .
عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ
: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ ) .
رواه أبو داود ( 4604 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود .
وهذا الذي فهمه الصحابة رضي الله من دين الله تعالى :
عن عبد الله قال : " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت : إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت
فقال : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله ؟ فقالت : لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه
أما قرأت : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر/7 ؟ ، قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه ، قالت : فإني أرى أهلك يفعلونه
قال : فاذهبي فانظري ، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً ، فقال : لو كانتْ كذلك ما جامعَتنا .
رواه البخاري ( 4604 ) ، ومسلم ( 2125 ) .
وهو الذي فهمه التابعون وأئمة الإسلام من دين الله تعالى ، ولا يعرفون غيره ، أنه لا فرق بين الكتاب والسنَّة في الاستدلال والإلزام ، وأن السنَّة مبينة ومفسرة لما في القرآن .
قال الأوزاعي عن حسان بن عطية : كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
والسنَّة تفسر القرآن .
وقال أيوب السختياني : إذا حدَّث الرجل بالسنَّة فقال : دعنا من هذا ، حدِّثنا من القرآن : فاعلم أنه ضال مضل .
وقال الأوزاعي : قال الله تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) ، وقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) ...
. .
وقال الأوزاعي : قال القاسم بن مخيمرة : ما توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام : فهو حرام إلى يوم القيامة , وما توفي عنه وهو حلال : فهو حلال إلى يوم القيامة .
انظر : " الآداب الشرعية " ( 2 / 307 ) .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :
قال الحافظ الدارمي : يقول : ( أوتيت القرآن , وأوتيت مثله ) : من السنن التي لم ينطق بها القرآن بنصه , وما هي إلا مفسرة لإرادة الله به , كتحريم لحم الحمار الأهلي , وكل ذي ناب من السباع , وليسا بمنصوصين في الكتاب .
وأما الحديث المروي من طريق ثوبان في الأمر بعرض الأحاديث على القرآن , فقال الشافعي في " الرسالة " : " ما رواه أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير " ,
وقد حكم إمام الحديث يحيى بن معين بأنه موضوع , وضعته الزنادقة ، قال ابن عبد البر في كتاب " جامع بيان العلم " : قال عبد الرحمن بن مهدي : الزنادقة والخوارج وضعوا حديث : (
ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله , فإن وافق كتاب الله فأنا قلته , وإن خالف فلم أقله )
قال الحافظ : وهذا لا يصح , وقد عارضه قوم , وقالوا : نحن نعرضه على كتاب الله فوجدناه مخالفا للكتاب ; لأنا لم نجد فيه : لا يقبل من الحديث إلا ما وافق الكتاب ,
بل وجدنا فيه الأمر بطاعته , وتحذير المخالفة عن أمره حكم على كل حال . انتهى .
وقال ابن حبان في " صحيحه " في قوله صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) : فيه دلالة على أن السنَّة يقال فيها : آي .
" البحر المحيط " ( 6 / 7 ، 8 ) .
خامساً :
قد ذكر العلماء أوجهاً لبيان السنة للقرآن ، ومنها : أنها تأتي موافقة لما في القرآن ، وتأتي مقيدة لمطلقه ، ومخصصة لعمومه ، ومفسرة لمجمله ، وناسخة لحكمه ، ومنشئة لحكم جديد ، وبعض العلماء يجمع ذلك في ثلاث منازل .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
والذي يجب على كل مسلم اعتقاده : أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنَّة واحدة تخالف كتاب الله ، بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل :
المنزلة الأولى : سنَّة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل .
المنزلة الثانية : سنَّة تفسر الكتاب ، وتبين مراد الله منه ، وتقيد مطلقه .
المنزلة الثالثة : سنَّة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب ، فتبيِّنه بياناً مبتدأً .
ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة ، وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة .
وقد أنكر الإمام أحمد على من قال " السنة تقضي على الكتاب " فقال : بل السنَّة تفسر الكتاب وتبينه .
والذي يشهد الله ورسوله به أنه لم تأت سنَّة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله
وتخالفه ألبتة ، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله ، وعليه أنزل ، وبه هداه الله ، وهو مأمور باتباعه ، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده ؟! .
ولو ساغ رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن ، وبطلت بالكلية .
وما من أحد يُحتج عليه بسنَّة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية ، أو إطلاقها ، ويقول : هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل .
حتى إن الرافضة قبحهم الله سلكوا هذا المسلك بعينه في رد السنن الثابتة المتواترة ، فردوا قوله صلى الله عليه وسلم ( لا نُورث ما تركنا صدقة ) وقالوا : هذا حديث يخالف كتاب الله
قال تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) .
وردت الجهمية ما شاء الله من الأحاديث الصحيحة في إثبات الصفات بظاهر قوله ( ليس كمثله شيء ) .
وردت الخوارج من الأحاديث الدالة على الشفاعة ، وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن .
وردت الجهمية أحاديث الرؤية مع كثرتها وصحتها بما فهموه من ظاهر القرآن في قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) .
وردت القدرية أحاديث القدر الثابتة بما فهموه من ظاهر القرآن .
وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن .
فإما أن يطرد الباب في رد هذه السنن كلها ، وإما أن يطرد الباب في قبولها ، ولا يرد شيء منها لما يفهم من ظاهر القرآن
أما أن يرد بعضها ويقبل بعضها - ونسبة المقبول إلى ظاهر القرآن كنسبة المردود - : فتناقض ظاهر .
وما مِن أحد رد سنَّة بما فهمه من ظاهر القرآن إلا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك .
وقد أنكر الإمام أحمد والشافعي وغيرهما على من ردَّ أحاديث تحريم كل ذي ناب من السباع بظاهر قوله تعالى ( قل لا أجد في ما أوحى إليَّ محرماً ) الآية .
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من رد سنَّته التي لم تذكر في القرآن ، ولم يدَّعِ معارضة القرآن لها : فكيف يكون إنكاره على من ادعى أن سنَّته تخالف القرآن وتعارضه ؟ .
" الطرق الحكمية " ( 65 – 67 ) .
وللشيخ الألباني – رحمه الله -
رسالة بعنوان " منزلة السنة في الإسلام ، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن " ، وفيها :
تعلمون جميعاً أن الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بنبوته
واختصه برسالته ، فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم ، وأمره فيه - في جملة ما أمره به - أن يبينه للناس ، فقال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ) النحل/44
والذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان :
الأول : بيان اللفظ ونظمه ، وهو تبليغ القرآن ، وعدم كتمانه ، وأداؤه إلى الأمة ، كما أنزله الله تبارك وتعالى على قلبه صلى الله عليه وسلم
وهو المراد بقوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك ) المائدة/67
وقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في حديث لها " ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً أُمر بتبليغه : فقد أعظم على الله الفرية " ، ثم تلت الآية المذكورة " - أخرجه الشيخان - ، وفي رواية لمسلم :
" لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً أُمر بتبليغه لكتم
قوله تعالى : ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) الأحزاب/37 .
والآخر : بيان معنى اللفظ ، أو الجملة ، أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه ، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة ، أو العامة
أو المطلقة ، فتأتي السنَّة ، فتوضح المجمل ، وتُخصِّص العام ، وتقيِّد المطلق ، وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم ، كما يكون بفعله وإقراره .
وقوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) المائدة/38
مثال صالح لذلك ، فإن السارق فيه مطلقٌ كاليد ، فبينتِ السنَّة القوليَّة الأول منهما ، وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينارٍ بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً ) - أخرجه الشيخان -
كما بينتِ الآخَرَ بفعله صلى الله عليه وسلم أو فعل أصحابه وإقراره ، فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل ، كما هو معروف في كتب الحديث
وبينت السنة القوليَّة اليد المذكورة في آية التيمم : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) النساء/43 و المائدة /6 بأنها الكف أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم :
( التيمم ضربة للوجه والكفين ) أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما .
*عبدالرحمن*
2018-10-05, 03:17
وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لم يمكن فهمها فهماً صحيحاً على مراد الله تعالى إلا من طريق السنة :
1. قوله تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) الأنعام /82
فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله( بظلم ) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيراً ، ولذلك استشكلوا الآية
فقالوا : يا رسول الله أيُّنا لم يلبس أيمانه بظلم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( ليس بذلك ، إنما هو الشرك ؛ ألا تسمعوا إلى قول لقمان : ( إن الشرك لظلم عظيم ) لقمان/13 ؟ ) أخرجه الشيخان وغيرهما .
2. قوله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) النساء/101
فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف ، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا ؟ قال : ( صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) - رواه مسلم - .
3. قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة والدم ) المائدة/3
فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك ، والكبد والطحال ، من الدم حلال ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أحلت لنا ميتتان ودمان : الجراد والحوت - أي : السمك بجميع أنواعه -
والكبد والطحال ) - أخرجه البيهقي وغيره مرفوعاً وموقوفاً ، وإسناد الموقوف صحيح ، وهو في حكم المرفوع ؛ لأنه لا يقال من قِبَلِ الرأي - .
4. قوله تعالى : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي مُحرَّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به ) الأنعام/145
ثم جاءت السنَّة فحرمت أشياء لم تُذكر في هذه الآية ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير حرام )
وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك ، كقوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : ( إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الإنسية ؛ فإنها رجس ) - أخرجه الشيخان - .
5. قوله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) الأعراف/32
فبينت السنة أيضاً أن من الزينة ما هو محرم ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوماً على أصحابه وفي إحدى يديه حرير ، وفي الأخرى ذهب
فقال : ( هذان حرام على ذكور أمتي ، حلٌّ لإناثهم ) - أخرجه الحاكم وصححه - .
والأحاديث في معناه كثيرة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما ، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المعروفة لدى أهل العلم بالحديث والفقه .
ومما تقدم يتبين لنا - أيها الإخوة - أهمية السنَّة في التشريع الإسلامي ، فإننا إذا أعدنا النظر في الأمثلة المذكورة - فضلا عن غيرها مما لم نذكر - نتيقن أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهماً إلا مقروناً بالسنَّة .
" منزلة السنة في الإسلام " ( ص 4 – 12 ) .
وننصح بالرجوع إلى رسالة الشيخ الألباني – رحمه الله – فهي في صلب موضوع السؤال .
وبه يتبين :
أنه لا يحل لأحدٍ أن يفصل القرآن عن السنَّة في إثبات الأحكام ولزومها للمكلَّف
وأن من فعل ذلك فهو من أعظم المخالفين لما في القرآن من أوامر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنَّته والانتهاء عن نهيه
وأن السنَّة النبوية جاءت مؤيدة لما في القرآن وموضحة له ومقيدة لمطلقه ومخصصة لعمومه ، وجاءت كذلك مستقلة في إنشاء الأحكام ، وكل ذلك لازم للمسلم الأخذ به .
وأمر أخير :
هب أننا نعدُّ هذا تنازعاً بيننا وبين خصومنا الذين يرون الاكتفاء بالقرآن : فإننا نقول
: إننا أُمرنا في القرآن الكريم عند التنازع أن نرجع إلى القرآن والسنَّة !
فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء/59
فماذا هو صانعٌ خصمنا بهذه الحجة القرآنية ؟ إن قبلها : رجع إلى السنَّة فبطل قوله ، وإن لم يرجع : فقد خالف القرآن الذي يزعم أنه كافٍ عن السنَّة .
والحمد لله رب العالمين
*عبدالرحمن*
2018-10-05, 03:20
حديث ضعيف في فضل الصلاة في المسجد النبوي أربعين يوماً
السؤال
سمعت أن من صلى في المسجد النبوي أربعين صلاة تكتب له براءة من النفاق . فهل هذا الحديث صحيح ؟.
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث رواه أحمد (12173) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلاةً لا يَفُوتُهُ صَلاةٌ كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ
وَنَجَاةٌ مِنْ الْعَذَابِ ، وَبَرِئَ مِنْ النِّفَاقِ ) . وهو حديث ضعيف .
ذكره الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (364)
وقال : ضعيف اهـ .
وذكره في "ضعيف الترغيب" (755)
وقال : منكر اهـ .
وذكر الألباني في كتابه "حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (ص185)
أن من بدع زيارة المدينة النبوية "التزام زوار المدينة الإقامة فيها أسبوعا حتى يتمكنوا من الصلاة في المسجد النبوي أربعين صلاة ، لتكتب لهم براءة من النفاق وبراءة من النار" اهـ .
وقال الشيخ ابن باز :
أما ما شاع بين الناس من أن الزائر يقيم ثمانية أيام حتى يصلي أربعين صلاة فهذا وإن كان قد روي في بعض الأحاديث : ( أن من صلى فيه أربعين صلاة كتب الله له براءة من النار
وبراءة من النفاق ) إلا أنه حديث ضعيف عند أهل التحقيق لا تقوم به الحجة ولا يعتمد عليه . والزيارة ليس لها حد محدود ، وإذا زارها ساعة أو ساعتين ، أو يوماً أو يومين ، أو أكثر من ذلك فلا بأس اهـ باختصار .
فتاوى ابن باز (17/406) .
ويغني عن هذا الحديث الضعيف حديثٌ حسن رواه الترمذي (241) في فضل المحافظة على تكبيرة الإحرام مع الجماعة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ " حسنه الألباني في صحيح الترمذي (200) .
والفضل المترتب على هذا الحديث عام في كل مسجد جماعة ، في أي بلد ، وليس خاصاً بالمسجد الحرام أو المسجد النبوي .
وبناءً عليه فمن حافظ على صلاة أربعين يوماً يدرك فيها تكبيرة الإحرام مع الجماعة كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق ، سواء كان مسجد المدينة أو مكة أو غيرهما من المساجد .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-05, 03:24
معنى قولنا عن حديث رواه الشيخان
السؤال
ما معنى قولنا رواه شيخان؟
ومن هما؟
الجواب
الحمد لله
المراد بالشيخين : الإمام البخاري ، والإمام مسلم رحمهما الله .
والبخاري : هو محمد بن إسماعيل البخاري ، المتوفى سنة 256 هـ ، له كتاب : صحيح البخاري ، جمع فيه جملة من الأحاديث الصحيحة عن نبينا صلى الله عليه وسلم .
ومسلم : هو مسلم بن الحجاج النيسابوري ، المتوفى سنة 261 هـ ، وهو مؤلف صحيح مسلم .
وهذان الكتابان : صحيح البخاري وصحيح مسلم
هما أصح الكتب التي روت الأحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم .
فإذا قيل عن حديث ما : رواه الشيخان ، فالمقصود رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وكذلك لو قيل : " متفق عليه "
أي اتفق على روايته البخاري ومسلم .
قال النووي رحمه الله في مقدمة شرح مسلم (1/14)
: " اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم
وتلقتهما الأمة بالقبول
وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد " انتهى .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-10, 14:44
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
أصبر على الطعام والشراب ، ولا أصبر على النساء) ليس بحديث
السؤال
كنت أستمع لبعض المحاضرات ، فلفت انتباهي بعض حديث فأحببت معرفة ما إذا كان صحيحا أم موضوعا ؟
( أصبر عن الطعام والشراب ، ولا أصبر عن النساء)
الجواب
الحمد لله
أولا :
الحديث المذكور ( أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عن النساء ) : ذكره ابن القيم في "الداء والدواء" (1/483) فقال :" حتى إنّ كثيرًا من الناس يصبر عن الطعام والشراب ولا يصبر عن النساء. وهذا لا يُذَمّ إذا صادف حِلًّا بل يحمد
كما في كتاب الزهد للإمام أحمد من حديث يوسف بن عطية الصفَّار ، عن ثابت عن أنس، عن النبي- صلى الله عليه وسلم - :" حُبب إليّ من دنياكم النساء والطيب ، أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن". انتهى .
وهذا اللفظ لا أصل له إطلاقا ، وإنما ذكره ابن القيم هنا بالمعنى ، وقد وضحه في "روضة المحبين" (ص204) فقال :"
وقال عبدالله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه حدثنا أبو معمر حدثنا يوسف بن عطية عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله ":" جعلت قرة عيني في الصلاة وحبب إلي النساء والطيب
الجائع يشبع، والظمآن يروى، وأنا لا أشبع من حب الصلاة والنساء وأصله في صحيح مسلم بدون هذه الزيادة ". انتهى .
فتبين بذلك أن اللفظ الوارد في السؤال ليس لفظ الحديث وإنما هذا معناه ، ثم الحديث لم يروه أحمد وإنما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائد الزهد"
والحديث غير موجود في النسخة المطبوعة من كتاب الزهد للإمام أحمد
ولذا قال المناوي في "فيض القدير" (3/370) :
" وزعم الزركشي أن للحديث تتمة في كتاب الزهد لأحمد هي :" أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن " ،
وتعقبه المؤلف – يقصد السيوطي - بأنه مر عليه مرارا فلم يجده فيه ، لكن في زوائده لابنه عبد الله بن أحمد عن أنس مرفوعا :" قرة عيني في الصلاة وحبب إلي النساء والطيب. الجائع يشبع
والظمآن يروى وأنا لا أشبع من النساء فلعله أراد هذا الطريق ". انتهى .
وينظر : "الداء والدواء" ، تعليق المحقق (483) .
والحديث أخرجه ابن حبان في "المجروحين" (3/135) في ترجمة يُوسُف بن عَطِيَّة الصفار السَّعْدِيّ فقال :" كنيته أَبُو سهل ، من أهل الْبَصْرَة
يروي عَن قَتَادَة وثابت ، رَوَى عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِي وَأهل الْعرَاق ، كَانَ مِمَّن يقلب الْأَسَانِيد ، وَيلْزق الْمُتُون الْمَوْضُوعَة بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة وَيحدث بهَا ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال ..
ثم قال : وَرَوَى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا جَعَلَ قُرَّةَ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ وَحَبَّبَ إِلَيَّ الطِّيبَ كَمَا حَبَّبَ إِلَى الْجَائِعِ الطَّعَامَ وَإِلَى الظَّمْآنِ الْمَاءَ، وَالْجَائِعُ يَشْبَعُ وَالظَّمْآنُ يُرْوَى وَأَنَا لَا أَشْبَعُ مِنَ الصَّلاةِ . وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ يَكُونُ فِي الصَّلاةِ أَوْ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ .
أَخْبَرَنَاهُ الثَّقَفِيُّ قَالَ حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا بن عَطِيَّة عَن ثَابت عَن أنس ". انتهى.
وقد تبين أن لفظ الحديث مختلف فيه ؛ ففي رواية البزار :" وأنا لا أشبع من الصلاة " ، وفي رواية عبد الله بن أحمد كما نقلها ابن القيم :" وأنا لا أشبع من حب الصلاة والنساء ".
وعلى كل : فالحديث موضوع مكذوب .
وعِلَّته : يوسف بن عطية الصفار ، قال فيه البخاري : منكر الحديث
وقال أبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني : ضعيف الحديث
وقال أبو داود: ليس بشيء
وقال النسائي والدولابي : متروك الحديث ، زاد النسائي : وليس بثقة
وقال بن عدي : وله غير ما ذكرت ، وكلها غير محفوظة
وعامة حديثه مما لا يتابع عليه ، وقال بن حبان يقلب الأخبار ويلزق المتون الموضوعة بالأسانيد الصحيحة لا يجوز الاحتجاج به .
انظر "تهذيب التهذيب" لابن حجر (11/419) .
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/469)
في ترجمته وساق له عدة أحاديث ثم قال في أحدها :
" والحديث يتهم بوضعه يوسف ". انتهى
واللفظ الصحيح للحديث : هو ما رواه أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ".
أخرجه أحمد في المسند (1437) والنسائي في سننه (3939) ، وصححه ابن حجر في "الفتح" (3/15) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-10, 14:47
هل صيام رمضان لا يرفع إلا بزكاة الفطر؟
السؤال
هل صحيح أن صيام رمضان معلق بين السماء والأرض ، ولا يرفع إلا بزكاة الفطر ؟.
الجواب
الحمد لله
ورد في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ضعيف .
عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" لابن شاهين في "ترغيبه" والضياء عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر) .
وضعفه السيوطي ، وبين المناوي في "فيض القدير" سبب ضعفه فقال : "أورده ابن الجوزي في "الواهيات" وقال : لا يصح ، فيه محمد بن عبيد البصري مجهول " .
وضعفه الألباني في : سلسلة الأحاديث الضعيفة" (43) وقال :
" ثم إن الحديث لو صح لكان ظاهر الدلالة على أن قبول صوم رمضان متوقف على إخراج صدقة الفطر ، فمن لم يخرجها لم يقبل صومه ، ولا أعلم أحدا من أهل العلم يقول به .... والحديث ليس بصحيح " انتهى باختصار.
وإذا لم يصح الحديث ، فلا يستطيع أحد القول بأن صوم رمضان لا يقبل إلا بزكاة الفطر ، لأن هذا لا يمكن معرفته إلا من النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ثبت في سنن أبي داود (1609) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : ( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود .
فهذا الحديث يبين الحكمة من زكاة الفطر ، وأنها تجبر النقص الحاصل في الصيام ، ولم يذكر أن الصيام لا يقبل إلا بزكاة الفطر .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-10, 14:49
هل حديث من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله صحيح
السؤال
ما هي درجة حديث " مِن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له " ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث : رواه الترمذي ( 2151 ) .
وقد صححه الحاكم ( 1 / 699 ) ووافقه الذهبي
وحسَّنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 11 / 184 ) .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-10-10, 14:55
قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه
السؤال
ما صحة الحديث عندما اعتنق نصراني الإسلام ، فحكى للرسول صلى الله عليه وسلم عن قصة إسلامه ، فأخبره أنه التقى عدة رهبان ، كل واحد منهم يوصيه بالذهاب للآخر ، فكان آخرهم رجل صالح يخرج مرة في العام
يشفي الناس ، فلما أدركه نصحه بالذهاب لمكة ، وأعطاه أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : إن صدقت القول فهو المسيح عيسى ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث الذي يعنيه السائل هو حديث طويل في قصة إسلام الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فقد كان على الديانة المجوسية ثم انتقل إلى النصرانية ثم انتقل إلى الإسلام ،
وذلك بعد أن التقى عدة رهبان من رهبان النصارى ، وكان آخرهم رجل صالح عنده علم عن نبي آخر الزمان ، فنصح الراهب سلمان أن يذهب إلى بلاد العرب التي سيخرج فيها ووصفها له
فكانت هي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن ليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن هذا الراهب إنه المسيح عيسى بن مريم عليه السلام
بل عيسى عليه السلام في السماء ، رفعه الله إليه إلى أجل مسمى ، حتى ينزله الله تعالى فيقيم به الدين في آخر الزمان .
وقصة إسلام سلمان قصة عظيمة ، فيها العبرة والعظة والفائدة ، وأترك السائل الكريم ليقرأ الحديث بكماله ، ويستفيد مما فيه :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ قَالَ
( كُنْتُ رَجُلا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا جَيٌّ ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ ( أي رئيسها ) ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ
أَيْ مُلازِمَ النَّارِ ، كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ ، وَأَجْهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ ( أي خادمها ) الَّذِي يُوقِدُهَا لا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً ، قَالَ وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ ( أي بستان ) عَظِيمَةٌ
قَالَ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا فَقَالَ لِي : يَا بُنَيَّ ، إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا ، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ
فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى ، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَكُنْتُ لا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ
قَالَ : فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ ، وَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا
فَقُلْتُ لَهُمْ : أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ ؟ قَالُوا : بِالشَّامِ . قَالَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ ، قَالَ فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! أَيْنَ كُنْتَ ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ ؟
قَالَ قُلْتُ : يَا أَبَتِ ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ ، فَوَاللَّهِ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس ، قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ
قَالَ قُلْتُ : كَلا وَاللَّهِ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا . قَالَ : فَخَافَنِي ، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا ، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ ، قَالَ وَبَعثَتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ : إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ .
قَالَ : فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى ، قَالَ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُمْ : إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ ، قَالَ فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ
فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ : مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ ؟ قَالُوا : الأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ . قَالَ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ : إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ
وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ ، قَالَ : فَادْخُلْ . فَدَخَلْتُ مَعَهُ ، قَالَ فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاءَ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ
حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ ، قَالَ وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ ، ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ ، فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ
يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا . قَالُوا : وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ ؟ قَالَ قُلْتُ : أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ . قَالُوا : فَدُلَّنَا عَلَيْهِ . قَالَ فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ
قَالَ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا ، قَالَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا : وَاللَّهِ لا نَدْفِنُهُ أَبَدًا . فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ ، ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ ، قَالَ يَقُولُ سَلْمَانُ :
فَمَا رَأَيْتُ رَجُلا لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ وَلا أَدْأَبُ لَيْلا وَنَهَارًا مِنْهُ . قَالَ فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا ، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ لَهُ :
يَا فُلَانُ ! إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ ، وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ
لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلانٌ ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ ، فَالْحَقْ بِهِ .قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا فُلانُ ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ
وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ . قَالَ فَقَالَ لِي : أَقِمْ عِنْدِي . فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ : يَا فُلانُ ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ
وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ اللَّهِ مَا تَرَى ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلا بِنِصِِّيبِينَ ، وَهُوَ فُلَانٌ ، فَالْحَقْ بِهِ . وَقَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نِصِِّيبِينَ
فَجِئْتُهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي ، قَالَ : فَأَقِمْ عِنْدِي . فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ ، فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ
: يَا فُلَانُ ! إِنَّ فُلانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلانٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلا رَجُلا بِعَمُّورِيَّةَ
فَإِنَّهُ بِمِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا ، قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي ، فَقَالَ : أَقِمْ عِنْدِي . فَأَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ
قَالَ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ ، قَالَ ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ : يَا فُلانُ ! إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلانٍ ، فَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ ، وَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ
فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ ، هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ
يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ ( الحرة : الأرض ذات الحجارة السود ) ، بَيْنَهُمَا نَخْلٌ ، بِهِ عَلامَاتٌ لا تَخْفَى : يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ
فَإِنْ استَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ . قَالَ ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ ، فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا ، فَقُلْتُ لَهُمْ : تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ .
فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي ، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، وَلَمْ يَحِقْ لِي فِي نَفْسِي
فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي ، فَأَقَمْتُ بِهَا
وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ ، لا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ
فَقَالَ فُلانُ : قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ ، وَاللَّهِ إِنَّهُمْ الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ ( برد الحمى ) حَتَّى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي
قَالَ : وَنَزَلْتُ عَنْ النَّخْلَةِ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ : مَاذَا تَقُولُ مَاذَا تَقُولُ ؟ قَالَ فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ : مَا لَكَ وَلِهَذَا ؟! أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ . قَالَ قُلْتُ : لا شَيْءَ
إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَ عَمَّا قَالَ . وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ
فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ ، قَالَ فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ : كُلُوا . وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ ، قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا ، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ
ثُمَّ جِئْتُ بِهِ ، فَقُلْتُ إِنِّي رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا ، قَالَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ ، قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ اثْنَتَانِ
ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، قَالَ : وَقَدْ تَبِعَ جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ لَهُ ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَدَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي ، قَالَ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ
فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : تَحَوَّلْ . فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ
قَالَ فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ ، ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرٌ وَأُحُدٌ ، قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ
. فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ ( حفرة الفسيلة التي تغرس فيها ) وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ : أَعِينُوا أَخَاكُمْ . فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ
الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ وَدِيَّةً ( أي صغار النخل ) ، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ ، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ ، يَعْنِي الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا ( أي احفر لها موضع غرسها ) ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ ، فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعِي إِلَيْهَا : فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ ، وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ
فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ ، مِنْ بَعْضِ الْمَغَازِي ، فَقَالَ : مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ ؟ قَالَ فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ : خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ
. فَقُلْتُ : وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ . قَالَ : خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ . قَالَ فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا ، وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً
فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ ، وَعُتِقْتُ ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَنْدَقَ ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ )
رواه أحمد في المسند (5/441) وقال المحققون : إسناده حسن .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-10, 14:58
حديث : " خير الأسماء ما عبّد وحمّد" لا يصح
السؤال
ما صحة حديث "خير الأسماء ما حمّد وعبّد" ؟ .
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث لا يصح ، ولا أصل له .
قال في "كشف الخفاء" (1/468)
: " خير الأسماء ما حُمّد وعُبّد : قال النجم : لا يُعرف . .
وروي بلفظ : ( أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد ) قال السيوطي : لم أقف عليه " انتهى بتصرف .
وقال في "المقاصد الحسنة" (ص 87) :
" وأما ما يذكر على الألسنة من : ( خير الأسماء ما حمد وما عبد ) فما علمته ) انتهى .
وقال الألباني رحمه الله :
" (أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد ) : لا أصل له كما صرح به السيوطي وغيره "
انتهى من "السلسلة الضعيفة" (1/595) رقم (411) .
وقد صح في فضل التعبيد لله ، والتسمي بعبد الله وعبد الرحمن : ما روى مسلم (2132)
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ) .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-14, 15:58
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حديث : ( أسروا الخطبة وأَعْلِنُوا النِّكَاحَ )
السؤال
ما مدى صحة الحديث : ( أسروا الخطبة وأَعْلِنُوا النِّكَاحَ ) ؟
أنا أقصد الخطبة فقط ليس العقد . هل يفضل عدم إقامة حفل للخطوبة ؟
أنا أعلم أن إعلان العقد أو النكاح واجب ولكن ماذا عن الخطبة ؟.
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث رواه الديلمي في مسند الفردوس بلفظ : ( أظهروا النكاح وأخفوا الخِطبة ) وهو حديث ضعيف ، ضعفه الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (2494) ، وفي ضعيف الجامع الصغير (922) .
لكن الجملة الأولى منه صحت بلفظ : ( أعلنوا ) .
فقد روى أحمد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أعلنوا النكاح ) والحديث حسنه الألباني في إرواء الغليل (1993) .
وإعلان النكاح بمعنى الإشهاد عليه واجب عند جمهور العلماء ، بل هو شرط من شروط صحة النكاح ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل )
رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7557) .
وقد استحب بعض العلماء إخفاء الخِطبة خوفاً من الحسدة الذين يسعون للإفساد بينه وبين أهل المخطوبة .
كما في "حاشية العدوي على شرح مختصر خليل" (3/167) .
ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان ، فإن كل ذي نعمةٍ محسود )
رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع (943) .
وهذا ليس خاصاًّ بالخطبة ، بل ينبغي للإنسان أن لا يظهر نعمة الله عليه أمام من يحسده عليها .
وأما إقامة حفل للخطوبة فهو من الأمور التي اعتادها كثير من الناس ، ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى .
مع مراعاة أنه يجب التقيد بالأحكام الشرعية في هذا الحفل ، فلا يحصل فيه اختلاط بين الرجال والنساء ، أو استعمال الآلات الموسيقية عدا الدف ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في استعماله في الأعراس .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-14, 16:01
حديث : ( المؤمن بين خمس شدائد ... )
السؤال
أريد أن أسأل إذا كان هذا حديثاً صحيحاً أم لا ؟
( المؤمن بين خمس شدائد : مؤمن يغبطه , ومنافق يحسده , وكافر يقاتله , ونفس تنازعه , وشيطان يضله ) وإذا كان حديثاً فمن خرّجه ؟.
الجواب
الحمد لله
ورد هذا الحديث من طريقين :
الطريق الأولى : أخرجها الديلمي في " الفردوس " كما أشار المناوي في " فيض القدير " (5/292 رقم 7352) من حديث أبي هريرة بلفظ : ( للمؤمن أربعة أعداء : مؤمن يحسده ، ومنافق يبغضه , وشيطان يضله , وكافر يقاتله ) .
قال المناوي عقب الحديث :
" وفيه صخر الحاجبي قال الذهبي في الضعفاء : " متهم بالوضع " ، وخالد الواسطي مجهول ، وحصين بن عبد الرحمن قال الذهبي : " نسي وشاخ " ، وقال النسائي: " تغير " اهـ .
وقال العلامة الألباني في " ضعيف الجامع " (4749) : " ضعيف جداً " .
الطريق الثانية : أخرجها أبو بكر بن لآل في " مكارم الأخلاق " كما أشار العراقي في " المغني عن حمل الأسفار " (3/63) من حديث أنس
بلفظ : ( المؤمن بين خمسة شدائد : مؤمن يحسده , ومنافق يبغضه , وكافر يقاتله , وشيطان يضله , ونفس تنازعه ) .
قال العراقي:
" أخرجه أبو بكر بن لآل في " مكارم الأخلاق " من حديث أنس بسندٍ ضعيفٍ " اهـ .
فالحديث لا يثبت
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-14, 16:04
صحة حديث
( أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ...)
السؤال
ما صحة حديث
( أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ...) ؟.
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث رواه الترمذي : حدثنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: ( أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ )
وقال :
حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَوْ رَجُلٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ
قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا مَوْقُوفٌ أَصَحُّ وَلا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ شَرِيكٍ
قال الألباني :
يحيى هذا ثقة محتج به في الصحيحين ، فلا مجال للغمز منه
ولاسيما وفوقه شريك وهو ابن عبد الله النخعي القاضي
وهو سيء الحفظ ، فهو علة الحديث
ويؤكد ذلك اضطرابه فيه فتارة يرفعه وأخرى يوقفه
وتارة يجزم في إسناده فيقول : عن أبي صالح
وتارة يشك فيه فيقول : عن أبي صالح أو عن رجل آخر
وذلك من علامات قلة ضبطه وسوء حفظه فلا جرم ضعفه أهل العلم والمعرفة بالرجال
فالحديث ضعيف مرفوعاً وموقوفاً .
انظر السلسلة الضعيفة (3/470) .
*عبدالرحمن*
2018-10-14, 16:07
حديث : (حسبي من سؤالي علمه بحالي)
السؤال
هل هذا الحديث صحيح
: ( حسبي من سؤالي علمه بحالي ) ؟ .
الجواب
الحمد لله
هذا الكلام يروى عن إبراهيم عليه السلام لمَّا رمي به قومه بالمنجنيق إلى النار استقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا ، قال جبريل : فسل ربك . فقال إبراهيم : حسبي من سؤالي علمه بحالي .
وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيراً إلى ضعفه (5/327) .
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (1/183) :
وَمَا يُرْوَى أَنَّ الْخَلِيلَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي الْمَنْجَنِيقِ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ : سَلْ قَالَ " حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي " لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بَاطِلٌ بَلْ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : " حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " . . .
وَأَمَّا سُؤَالُ الْخَلِيلِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَكَيْفَ يَقُولُ حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي ؟! .
وقال أيضاً (8/538) :
وَأَمَّا قَوْلُهُ : حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي فَكَلامٌ بَاطِلٌ خِلافَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الأَنْبِيَاءِ مِنْ دُعَائِهِمْ لِلَّهِ وَمَسْأَلَتِهِمْ إيَّاهُ وَهُوَ خِلافُ
مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ مِنْ سُؤَالِهِمْ لَهُ صَلاحَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ كَقَوْلِهِمْ : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201 . وَدُعَاءُ اللَّهِ وَسُؤَالُهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ لِلَّهِ مَشْرُوعَةٌ . . . اهـ .
وذكره الألباني في السلسلة الضعيفة (21) وقال : هو من الإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع . اهـ.
وقد أخذ هذا المعنى بعض الصوفية فقال : "سؤالك منه اتهام له" .
قال الألباني رحمه الله :
"وهذه ضلالة كبرى ! فهل كان الأنبياء صلوات الله عليهم متهمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة ؟ فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول :
( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا . . . ) إبراهيم /37-38
. إلى آخر الآيات ، وكلها أدعية وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى ، والقائل المشار إليه قد غفل عن كون الدعاء الذي هو تضرع والتجاء إلى الله تعالى عبادة عظيمة بغض النظر عن ماهية الحاجة المسؤولة
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة )
ثم تلا قوله تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60.
وذلك لأن الدعاء يظهر عبودية العبد لربه وحاجته إليه ومسكنته بين يديه ، من رغب عن دعائه ، فكأنه رغب عن عبادته سبحانه وتعالى
فلا جرم جاءت الأحاديث متضافرة في الأمر به والحض عليه حتى قال صلى الله عليه وسلم : " من لا يدع الله يغضب عليه "
أخرجه الحاكم (1/491) وصححه ووافقه الذهبي وهو حديث حسن ، وقال صلى الله عليه وسلم " سلوا الله كل شيء حتى الشسع ، فإن الله عز وجل إن لم ييسره لم يتيسر "
أخرجه ابن السني (رقم 349) بسند حسن ، وله شاهد من حديث أنس عن الترمذي (4/292) وغيره .
وبالجملة ، فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه السلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام فكيف يقوله من سمانا المسلمين ؟!" اهـ
سلسة الأحاديث الضعيفة (1/29).
*عبدالرحمن*
2018-10-14, 16:10
صحة حديث : (إن الله يحب الملحين في الدعاء)
السؤال
هل هذا الحديث صحيح :
( إن الله يحب الملحين في الدعاء ) ؟.
الجواب
الحمد لله
هناك أحاديث تُرَوَّج بين الناس ، وتشتهر على الألسنة ، وقد يحرص بعض الناس على نشرها جهلاً منهم بعدم صحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
والواجب على المسلم أن يتحرى ولا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يعلم أنه ثابت عنه .
وهذا الحديث : ( إن الله يحب الملحين في الدعاء ) لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقد رواه الطبراني في الدعاء (2/795)
والعقيلي في الضعفاء الكبير (4/452)
وابن عدي في الكامل (7/2621).
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص "
: " تفرد به يوسف بن السفر عن الأوزاعي وهو متروك".
وقال الألباني في الإرواء : (3/143) " موضوع".
وحكم عليه في السلسلة الضعيفة (2/96-637) بأنه باطل .
هذا من جهة ثبوت هذا اللفظ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وأما من جهة المعنى :
فإن المقصود من الإلحاح في الدعاء تكراره ، وقد ثبت ذلك من فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، روى مسلم (1794) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا ، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا .
قال النووي رحمه الله :
فِيهِ : اِسْتِحْبَاب تَكْرِير الدُّعَاء ثَلاثًا . وَقَوْله : ( وَإِذَا سَأَلَ ) هُوَ الدُّعَاء , لَكِنْ عَطَفَهُ لاخْتِلافِ اللَّفْظ تَوْكِيدًا اهـ .
وقال البخاري حمه الله : بَاب تَكْرِير الدُّعَاء
ثم ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا الله تعالى ، وكَرَّرَ الدعاء لما سحره لبيد بن الأعصم اليهودي ، قالت عائشة
: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا . . . الحديث . رواه البخاري (6391) ومسلم (2189) واللفظ له .
وقال ابن القيم رحمه الله في "الداء والدواء" ص 25 :
ومن أنفع الأدوية : الإلحاح في الدعاء اهـ .
وفي كتاب الزهد للإمام أحمد (305) عن قتادة : قال مورق : ما وجدت للمؤمن مثلاً إلا رجلاً في البحر على خشبة فهو يدعو : يارب ... يارب.. لعل الله أن ينجيه .
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-10-14, 16:13
حديث ضعيف في فضل قراءة آخر سورة الحشر
السؤال
أريد التأكد من صحة هذه الحديث: عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر
وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وان مات في ذلك اليوم مات شهيدا , ومن قالها حين يمسي كان له بتلك المنزلة ؟.
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث رواه الترمذي في كتاب فضائل القرآن ، باب فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر رقم (2922) .
والإمام أحمد في مسنده رقم (19795)
وفي سنده خالد بن طهمان قال عنه ابن حجر: صدوق رمي بالتشيع ثم اختلط .
تقريب التهذيب (1644)
وضعفه الألباني رحمه الله ، انظر ضعيف أبو داود (2922)
وهناك الكثير من أذكار الصباح والمساء الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم انظر بعضها في السؤال القادم
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-14, 16:17
بعض الأوراد والأذكار الشرعية
السؤال
أريد أن تذكر لي بعض الأوراد والأذكار ؟.
الجواب
الحمد لله
وأما الأوراد والأذكار فكثيرة ومتعددة ومما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار عند القيام من النوم ، وعند الصباح والمساء
وعند النوم ، ومما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال في الصباح والمساء ما يلي :
قراءة ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) رواه الترمذي ( الدعوات/3499) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم 2829 .
سَيِّدُ الاستغفار وهو أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
إِلا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) رواه البخاري (الدعوات/6306) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي :
سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ ) رواه مسلم (الذكر والدعاء/ 2692) .
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شيء )
رواه الترمذي (الدعوات/3388) قال الألباني في صحيح سنن الترمذي حسن صحيح ، رقم 2689 .
و كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمْسَى قَال
: ( أمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ أُرَاهُ قَالَ فِيهَا لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ
وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ) رواه مسلم/4900
وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ :
( اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ ) رواه الترمذي( الدعوات/3391) صححه الألباني برقم 2700 .
وعلَّم أحد أصحابه أن يقول : ( اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرضِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ )
وقَالَ : ( قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مضجعك ) رواه الترمذي( الدعوات/3392) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم 2701 .
و لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي
وَقَالَ عُثْمَانُ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) رواه أبو داود ( الأدب/5074 )
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 4239 .
" وكذلك قوله : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ) تُعِيدُهَا ثَلاثًا حِينَ تُصْبِحُ وَثَلاثًا حِينَ تُمْسِي "
رواه أبو داود ( الأدب/5090) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود حسن الإسناد رقم4245ِ .
وقوله : ( سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ )
رواه مسلم ( الذكر والاستغفار/ 4905) . وهذا يقال في الصباح .
والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-17, 14:03
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
ما صحة حديث من داوم على أربعين تكبيرة إحرام من صلاة الفجر
السؤال
هل هناك حديث فيمن داوم على أربعين تكبيرة إحرام من صلاة الفجر بريء من الكفر والنفاق على أن هناك حديث يبين ذلك لمن حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوما .
الجواب
الحمد لله
جاء في شعب الإيمان للبيهقي من حديث أنس بن مالك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صلى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة لا تفوته ركعة كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق )
شعب الإيمان 3/62
قال في العلل المتناهية :
" هذا حديث لا يصح ولا يعلم رواه غير بكر بن أحمد عن يعقوب بن تحية وكلاهما مجهول الحال " 1/432
لكن جاء في سنن الترمذي بلفظ : ( من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق ) الترمذي برقم 241 وضعفه الترمذي ، وحسنه الألباني
وهذا الحديث ضعفه أيضا جماعة من العلماء المتقدمين وأعلوه بالإرسال ، وحسنه بعض المتأخرين .
انظر تلخيص الحبير 2/27
وليس في الحديث الاقتصار على ذكر صلاة الفجر بل الأجر في الحديث مرتب على المحافظة على تكبيرة الإحرام في كل الصلوات الخمس .
ولاشك أن الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام كل هذه المدة دليل على قوة في دين الشخص .
وما دام الحديث محتمل الصحة فيرجى لمن حرص على فعل ما فيه أن يكتب له هذا الفضل العظيم ، وأقل ما يحصِّله الإنسان من هذا الحرص تربية نفسه على المحافظة على هذه الشعيرة العظيمة .
نسأل الله أن يكتب لنا ولكم البراءة من النفاق والنار إنه سميع مجيب .
*عبدالرحمن*
2018-10-17, 14:07
حديث ضعيف في تحريم الإعانة على قتل مسلم
السؤال
يوجد حديث صحيح . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمه جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ) يعنى : لا تنزل رحمة الله على من ساعد الكافر فى قتل المسلم .
هذا ما فهمته من الحديث . والرجاء التوضيح.
الجواب
الحمد لله
أولاً :
هذا الحديث رواه ابن ماجه ( 2620 ) والعقيلي في الضعفاء ( 457 ) والبيهقي في السنن (8/22) وهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال الإمام أحمد: ليس هذا الحديث بصحيح .
بل حكم عليه أبو حاتم بأنه موضوع ، وأقرّه الذهبي
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/104)
وقال ابن حبان : هذا حديث موضوع لا أصل له من حديث الثقات .
وقال ابن حجر والمنذري: حديث ضعيف جداً .
وقال الزيلعي : وهو حديث ضعيف .
وقد ذكره الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" وقال : ضعيف جداًّ .
ثانيا :
مع ضعف هذا الحديث فلا شك أن الإعانة على قتل المسلم بغير حق من الكبائر .
قَالَ العز بْن عَبْد السَّلَام رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه ( الْقَوَاعِد ) :
"إِذَا أَرَدْت مَعْرِفَة الْفَرْق بَيْن الصَّغِيرَة وَالْكَبِيرَة فَاعْرِضْ مَفْسَدَة الذَّنْب عَلَى مَفَاسِد الْكَبَائِر الْمَنْصُوص عَلَيْهَا ;
فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَقَلّ مَفَاسِد الْكَبَائِر فَهِيَ مِنْ الصَّغَائِر , وَإِنْ سَاوَتْ أَدْنَى مَفَاسِد الْكَبَائِر أَوْ رَبَتْ عَلَيْهِ فَهِيَ مِنْ الْكَبَائِر فَمَنْ شَتَمَ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى , أَوْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,
أَوْ اِسْتَهَانَ بِالرُّسُلِ , أَوْ كَذَّبَ وَاحِدًا مِنْهُمْ , أَوْ ضَمَّخَ الْكَعْبَة بِالْعَذِرَةِ , أَوْ أَلْقَى الْمُصْحَف فِي الْقَاذُورَات فَهِيَ مِنْ أَكْبَر الْكَبَائِر . وَلَمْ يُصَرِّح الشَّرْع بِأَنَّهُ كَبِيرَة . وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْسَكَ اِمْرَأَة مُحْصَنَة لِمَنْ يَزْنِي بِهَا
, أَوْ أَمْسَكَ مُسْلِمًا لِمَنْ يَقْتُلهُ , فَلَا شَكّ أَنَّ مَفْسَدَة ذَلِكَ أَعْظَم عَنْ مَفْسَدَة أَكْل مَال الْيَتِيم , مَعَ كَوْنه مِنْ الْكَبَائِر . وَكَذَلِكَ لَوْ دَلَّ الْكُفَّار عَلَى عَوْرَات الْمُسْلِمِينَ مَعَ عِلْمه أَنَّهُمْ يَسْتَأْصِلُونَ بِدَلَالَتِهِ
, وَيَسْبُونَ حَرَمَهُمْ وَأَطْفَالهمْ , وَيَغْنَمُونَ أَمْوَالهمْ , فَإِنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى هَذِهِ الْمَفَاسِد أَعْظَم مِنْ تَوَلِّيهِ يَوْم الزَّحْف بِغَيْرِ عُذْر مَعَ كَوْنه مِنْ الْكَبَائِر . وَكَذَلِكَ لَوْ كَذَبَ عَلَى إِنْسَان كَذِبًا يَعْلَم أَنَّهُ يُقْتَل بِسَبَبِهِ ;
أَمَّا إِذَا كَذَبَ عَلَيْهِ كَذِبًا يُؤْخَذ مِنْهُ بِسَبَبِهِ تَمْرَة فَلَيْسَ كَذِبُهُ مِنْ الْكَبَائِر" اهـ .
وقد تصل إعانة الكافر على قتل المسلم في بعض الأحوال إلى الكفر . فقد ذكر أهل العلم أن من نواقض الإسلام : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين .
ثالثاً:
لا يجوز لأحد أن يتساهل في نسبة الأحاديث إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) . رواه البخاري (1291) ومسلم (4) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه .
قال النووي :
"ضَبَطْنَاهُ : يُرَى بِضَمِّ الْيَاءِ وَالْكَاذِبِينَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْجَمْع وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي اللَّفْظَتَيْنِ
. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : الرِّوَايَة فِيهِ عِنْدنَا الْكَاذِبِينَ عَلَى الْجَمْع , وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدِيثُ سَمُرَةَ الْكَاذِبَيْنِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ عَلَى التَّثْنِيَة . .
. وَذَكَرَ بَعْض الأَئِمَّة جَوَاز فَتْح الْيَاء فِي يُرَى وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ , فَأَمَّا مَنْ ضَمَّ الْيَاء فَمَعْنَاهُ يُظَنُّ , وَأَمَّا مَنْ فَتَحَهَا فَظَاهِرٌ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون بِمَعْنَى يَظُنُّ أَيْضًا .
فَقَدْ حُكِيَ رَأَى بِمَعْنَى ظَنَّ . وَقُيِّدَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ ; لا يَأْثَم إِلا بِرِوَايَتِهِ مَا يَعْلَمهُ أَوْ يَظُنّهُ كَذِبًا , أَمَّا مَا لَا يَعْلَمهُ وَلَا يَظُنّهُ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي رِوَايَته وَإِنْ ظَنَّهُ غَيْرُهُ كَذِبًا , أَوْ عَلِمَهُ
, وَأَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَظَاهِرٌ فَفِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا , وَكَيْف لا يَكُون كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ" اهـ .
وإذا لم يكن عند الشخص القدرة العلمية التي يستطيع أن يعرف بها صحة الحديث أو ضعفه فالواجب عليه أن يسأل أهل العلم المختصين بهذا الشأن والرجوع إلى أقوال الأئمة والحفاظ المدونة في الكتب
عملاً بقوله تعالى : ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) النحل/43 .
*عبدالرحمن*
2018-10-17, 14:09
حديث (لا مهدي إلا عيسى) لا يصح
السؤال
هل حديث : (لا مهدي إلا عيسى) صحيح ؟.
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن ماجه في سننه (4039) .
وتكاد تتفق كلمة المحدثين على تضعيف هذا الحديث .
فقد ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وشيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/256)
وابن القيم في المنار المنيف (ص 148) .
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/535) :
هو خبر منكر اهـ .
وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (10/183)
: ضعيف باتفاق المحدثين اهـ .
وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (127)
وقال : قال الصغاني : موضوع اهـ .
وقال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (77) : منكر اهـ .
وإن صح هذا الحديث –وهو لا يصح- فمعناه لا مهدي كامل أو معصوم إلا عيسى ابن مريم . ذكره القرطبي وابن القيم وابن كثير .
فلا ينافي ذلك خروج المهدي في آخر الزمان ، والذي سيجتمع بعيسى ابن مريم عليه السلام ، ويصلي عيسى خلفه مأموماً .
وقد سبق في إجابة السؤال القادم الأدلة من السنة على خروج المهدي في آخر الزمان بالصفات التي ذكرها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلا تعارض هذه الأحاديث الصحيحة بمثل هذا الحديث الضعيف .
انظر : الأحاديث الضعيفة (1/89) للألباني
و"الموسوعة في أحاديث المهدي الضعيفة والموضوعة" للبستوي (ص 94-104) .
*عبدالرحمن*
2018-10-17, 14:15
هل المهدي حقيقة أم لا ؟
السؤال :
هل الحديث الذي يخبر عن قدوم المهدي صحيح أم لا؟
و ذلك لأن أحد أصدقائي أخبرني أنه ليس بصحيح و أنه ضعيف.
الجواب:
الحمد لله
لقد جاءت الأحاديث الصحيحة الدالة على ظهور المهدي عليه السلام ، وأنّه سيكون في آخر الزمان وهو علامة من علامات الساعة وشرط من أشراطها ومن هذه الأحاديث:
1) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحاً وتكثر الماشية وتعظم الأمة
يعيش سبعاً أو ثمانياً يعني حجاجاً ( أي سنين ) " . مستدرك الحاكم 4/557-558 وقال : { هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه } ، ووافقه الذهبي .
وقال الألباني : { هذا سند صحيح رجاله ثقات } ، سلسة الأحاديث الصحيحة مجلد 2 ص336ح771 .
2) وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة " . مسند أحمد 2/58 ح 645 تحقيق أحمد شاكر وقال : { إسناده صحيح } وسنن ابن ماجه 2/1367 .
والحديث صححه أيضاً الألباني في صحيح الجامع الصغير 6735
قال ابن كثير :{أي يتوب عليه ويوفقه ، ويلهمه ويرشده بعد أن لم يكن كذلك } . النهاية في الفتن والملاحم 1/29 تحقيق : طه زيني .
3) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الْجَبْهَةِ ( انحسار الشَّعر عن مقدّمة الجبهة ) أَقْنَى الأَنْفِ ( أي أنفه طويل
رقيق في وسطه حدب ) يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ " . سنن أبي داود - كتاب المهدي 11/375 ح 4265
. ومستدرك الحاكم 4/557 وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وهو في صحيح الجامع 6736
4) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقُولُ الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي ( أي من نسبي وأهل بيتي ) مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ " . سنن أبي داود 11/373 . وسنن ابن ماجه 2/1368
وقال الألباني في صحيح الجامع : { صحيح } 6734
5) وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا ، فيقول : لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة "
. والحديث في صحيح مسلم بلفظ : " .. فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ . " رواه مسلم 225
6) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه " . رواه أبو نعيم في أخبار المهدي
وقال الألباني : " صحيح " انظر الجامع الصغير 5/219 ح5796 .
7) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لا تَذْهَبُ أَوْ لا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي " مسند أحمد 5/199 ح 3573
. وفي رواية : " يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي " . سنن أبي داود 11/370 .
وقد تواترت الأحاديث بظهور المهدي تواتراً معنوياً ، كما نصَّ على ذلك بعض الأئمة والعلماء وفيما يلي ذكر طائفة من أقوالهم :
1. قال الحافظ أبو الحسن الآبري
: { قد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً
وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه } .
2. وقال محمد البرزنجي في كتابه الإشاعة لأشراط الساعة : { الباب الثالث في الأشراط العظام والأمارات القريبة التي تعقبها الساعة وهي كثيرة منها المهدي وهو أولها
وأعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر } .
وقال أيضاً : { قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها } .
3. وقال العلامة محمد السفاريني : { وقد كثرت بخروجه - أي المهدي - الروايات حتى بلغت التواتر المعنوي ، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم } .
ثم ذكر طائفة من الأحاديث والآثار في خروج المهدي وأسماء بعض الصحابة ممن رواها ثم قال : { وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة
وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومُدوَّن في عقائد أهل السنة والجماعة } .
4. وقال العلامة المجتهد الشوكاني : { الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة
بل يَصْدُق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك }.
5. وقال العلامة الشيخ صدبق حسن خان : { الأحاديث الواردة فيه - أي المهدي - على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر المعنوي ، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد } .
6. وقال الشيخ محمد بن جعفر الكتاني : { والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة وكذا الواردة في الدجال وفي نزول سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام }
أنظر كتاب أشراط الساعة لـ/ يوسف بن عبد الله الوابل ، ص 195 -203 .
هذا وينبغي العلم بأنّ عددا من الكذّابين قد وضعوا أحاديث في المهدي عليه السلام أو في تعيين أشخاص من الكذّابين على أنّهم المهدي أو أنّه على غير ملّة أهل السنّة والجماعة
كما حاول ادّعاء المهدوية عدد من الدّجالين مخادعة لعباد الله ولنيل شيء من حُطام الدّنيا ولتشويه صورة الإسلام وقام بعضهم بحركات وثوْرات وجمعوا من استغفلوهم من النّاس أو ساروا معهم منتفعين
ثمّ هلك أولئك وتبيّن كذبهم وانكشف زيفهم ونفاقهم
وكلّ ذلك لا يضرّ بمعتقد أهل السنّة والجماعة في المهديّ عليه السّلام وأنّه خارج لا محالة ليحكم الأرض بشريعة الإسلام .
والله تعالى أعلم
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-10-17, 14:18
بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا
السؤال
ما معنى هذا الحديث (بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ) ؟.
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث رواه مسلم (145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) .
قال السندي في حاشية ابن ماجه :
(غَرِيبًا) أَيْ لِقِلَّةِ أَهْله وَأَصْل الْغَرِيب الْبَعِيد مِنْ الْوَطَن ( وَسَيَعُودُ غَرِيبًا ) بِقِلَّةِ مَنْ يَقُوم بِهِ وَيُعِين عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَهْله كَثِيرًا (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) الْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ
و"طُوبَى" تُفَسَّر بِالْجَنَّةِ وَبِشَجَرَةٍ عَظِيمَة فِيهَا . وَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى أَنَّ نُصْرَة الإِسْلام وَالْقِيَام بِأَمْرِهِ يَصِير مُحْتَاجًا إِلَى التَّغَرُّب عَنْ الأَوْطَان وَالصَّبْر عَلَى مَشَاقّ الْغُرْبَة كَمَا كَانَ فِي أَوَّل الأَمْر اهـ .
ونقل النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض أنه قال في معنى الحديث :
"أَنَّ الإِسْلام بَدَأَ فِي آحَاد مِنْ النَّاس وَقِلَّة ، ثُمَّ اِنْتَشَرَ وَظَهَرَ ، ثُمَّ سَيَلْحَقُهُ النَّقْص وَالإِخْلال ، حَتَّى لا يَبْقَى إِلا فِي آحَاد وَقِلَّة أَيْضًا كَمَا بَدَأَ " اهـ .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/170) :
"معنى الحديث أن الإسلام بدأ غريباً حينما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليه الناس إليه فلم يستجب له إلا الواحد بعد الواحد ، فكان حينذاك غريباً بغربة أهله
لقلتهم وضعفهم مع كثرة خصومهم وقوتهم وطغيانهم وتسلطهم على المسلمين ، حتى هاجر من هاجر إلى الحبشة فراراً بدينه من الفتن وبنفسه من الأذى والاضطهاد والظلم والاستبداد
وحتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى إلى المدينة بعد ما ناله من شدة الأذى ما ناله رجاء أن يهيئ الله له من يؤازره في دعوته
ويقوم معه بنصر الإسلام وقد حقق الله رجاءه فأعز جنده ونصر عبده وقامت دولة الإسلام وانتشر بحول الله في أرجاء الأرض وجعل سبحانه كلمة الكفر هي السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
واستمر الأمر على ذلك زمناً طويلاً ، ثم بدأ التفرق والوهن ودب بين المسلمين الضعف والفشل شيئاً فشيئاً حتى عاد الإسلام غريباً كما بدأ ، لكن ليس ذلك لقلتهم فإنهم يومئذ كثير
وإنما ذلك لعدم تمسكهم بدينهم واعتصامهم بكتاب ربهم وتنكبهم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من شاء الله فشغلهم بأنفسهم وبالإقبال
على الدنيا فتنافسوا فيها كما تنافس من كان قبلهم وتناحروا فيما بينهم على إمارتها وتراثها ، فوجد أعداء الإسلام المداخل عليهم وتمكنوا من ديارهم ورقابهم فاستعمروها وأذلوا أهلها وساموهم سوء العذاب
هذه هي غربة الإسلام التي عاد إليها كما بدأ بها.
وقد رأى جماعة – منهم الشيخ محمد رشيد رضا – أن في الحديث بشارة بنصرة الإسلام بعد غربته الثانية آخذين ذلك من التشبيه في قوله صلى الله عليه وسلم "وسيعود غريباً كما بدأ
" فكما كان بعد الغربة الأولى عز للمسلمين وانتشار للإسلام فكذا سيكون له بعد الغربة الثانية نصر وانتشار.
وهذا الرأي أظهر ، ويؤيده ما ثبت في أحاديث المهدي ونزول عيسى عليه السلام آخر الزمان من انتشار الإسلام وعزة المسلمين وقوتهم ودحض الكفر والكفرة.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" اهـ .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-19, 16:33
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حديث موضوع عن الوصية لعلي
السؤال
وصلني عبر البريد حديث إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد رأيته في أكثر من منتدى .
ومن يكتبه يقول أوصلني عبر البريد .
وهذا نص الحديث :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يا علي لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء هي : قراءة القرآن الكريم كله ، التصدق بأربعة ألاف درهم ، حفظ مكانك في الجنة ، إرضاء الخصوم .
فقال علي : وكيف يارسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؟
قال رسول الله صلى الله علية وسلم : أما تعلم يا علي أنك :
إذا قرأت ( قل هو الله أحد ) ثلاث مرات كأنك قرأت القرآن كله ؟
وإذا قرأت ( سورة الفاتحة ) أربع مرات كأنك تصدقت بأربعة الأف درهم ؟ وإذا قلت " لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير "
عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة ؟
وإذا قلت " أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه " عشر مرات فقد أرضيت الخصوم ؟
ثم يختمونه بقولهم : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهل هذا الحديث صحيح .
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث باطل موضوع .
قال علماء اللجنة الدائمة عن هذا الحديث :
هذا الحديث لا أصل له ، بل هو من الموضوعات ، من كذب بعض الشيعة كما نبَّه على ذلك أئمَّة الحديث .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 462 ، 463 ) .
وقد سئل عنه الشيخ بن محمد بن صالح العثيمين فقال - رحمه الله - :
هذا الحديث الذي ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه الوصايا : كذب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم
لا يصح أن يُنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
لأن " مَن حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين "
و " مَن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم متعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار "
إلا إذا ذكره ليبيِّن أنه موضوع ويحذر الناس منه ، فهذا مأجور عليه ، والمهم أن هذا الحديث كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى علي ابن أبي طالب .
" فتاوى إسلامية " ( 4 / 111 ) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-19, 16:37
ما صحة حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة " ؟
السؤال
عن صحة الحديث التالي قبل أن أوزعه على الأصدقاء :
منكر أو تارك الصلاة يعاقبه الله خمس عشرة عقوبة 6 أثناء حياته و3 حين الموت و3 في القبر و3 يوم القيامة :
العقوبات في الدنيا :
1- يمحق الله البركة في عمره
2- لا يستجيب الله لدعائه
3- تذهب من وجهه علامات الصلاح
4- تمقته جميع المخلوقات على الأرض
5- لا يثيبه الله على عمله الصالح
6- لن يشمله الله في دعاء المؤمنين
العقوبات أثناء الموت :
1- يموت ذليلاً
2- يموت جوعاناً
3- يموت عطشاناً ولو شرب جميع ماء البحر
العقوبات في القبر :
1- يضيق الله قبره حتى تختلف أضلاعه
2- يوقد الله عليه ناراً ذات جمر
3- يرسل الله إليه ثعباناً يقال له الشجاع الأقرع يضربه من الفجر للظهر لتركه صلاة الفجر ومن الظهر للعصر لتركه صلاة الظهر وهكذا ... وفي كل ضربة يدخله في عمق الأرض 70 ذراعاً .
العقوبات يوم القيامة :
1- يرسل الله إليه من يسحبه على وجهه
2- ينظر الله إليه نظرة غضب يسقط معها لحم وجهه
3- يحاسبه الله بصرامة ويقذف به في النار .
الجواب
الحمد لله
أولاً :
حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمسة عشر عقوبة : ستة منها في الدنيا ، وثلاثة عند الموت ، وثلاثة في القبر ، وثلاثة عند خروجه من القبر ... " : حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال عنه سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - في مجلة " البحوث الإسلامية " ( 22 / 329 )
: أما الحديث الذي نسبه صاحب النشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقوبة تارك الصلاة وأنه يعاقب بخمس عشرة عقوبة الخ :
فإنه من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك الحفاظ من العلماء رحمهم الله كالحافظ الذهبي في " لسان الميزان " والحافظ ابن حجر وغيرهما .
وكذلك أصدرت " اللجنة الدائمة " فتوى برقم 8689 ببطلان هذا الحديث كما في " فتاوى اللجنة " ( 4 / 468 ) ومما ورد في الفتوى مما يحسن ذكره قول اللجنة :
( ... وإن فيما جاء عن الله وعن رسوله في شأن الصلاة وعقوبة تاركها ما يكفي ويشفي
قال تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ) النساء / 103
وقال تعالى عن أهل النار : ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ... ) المدثر 42 – 43
فذكر من صفاتهم ترك الصلاة ... ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) رواه الترمذي ( 2621 ) والنسائي ( 431 )
وابن ماجه ( 1079 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2113 ) ، والآيات والأحاديث من ترك الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه كفراً .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -
: هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد نشره إلا مقروناً ببيان أنه موضوع حتى يكون الناس على بصيرة منه .
" فتاوى الشيخ الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة " ( 1 / 6 ) .
نسأل الله تعالى أن يثيبك على حرصك على دعوة إخوانك ونصحهم إلا أنه ينبغي أن يتقرر عند كل راغب في بذل الخير للناس وترهيبهم من الشر أن ذلك
لابد أن يكون بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن في الصحيح غنية وكفاية عن الضعيف .
سألين الله أن يكلل مسعاك بالنجاح وأن يهدي من تدعوهم إلى سلوك طريق الاستقامة وجميع المسلمين .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-19, 16:40
حديث أسألك بمعاقد العز من عرشك
السؤال
قرأت حديثاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
« اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله عز وجل وصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم اسجد واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات ،
وقل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) ثم قل اللهم إني أسألك بمعـاقد العز من عرشك ومنتهى الرحـمة من كتـابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة
ثم سل حاجتك ، ثم ارفع رأسك ثم سلم يمينا ، وشمالا . ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجابون ». فهل هذا الحديث صحيح ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث المذكور أخرجه الحاكم وأورده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب وقال : تفرد به عامر بن خداش النيسابوري
قال : وقال شيخنا الحافظ أبو الحسن كان صاحب مناكير ، وقد تفرد به عن عمر بن هارون البلخي ، وهو متروك متهم ، أثنى عليه ابن مهدي وحده .
وبهذا تعرف أن الحديث ضعيف من جهة الإسناد .
هذا وقد دلت الأحاديث الصحيحة على النهي عن قراءة القرآن في السجود ؛ فيكون الحديث ضعيفاً أيضاً من جهة المتن ، فلا يجوز العمل به لعدم صحته ومخالفته للأحاديث الصحيحة .
وبالله التوفيق .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 6/439
*عبدالرحمن*
2018-10-19, 16:44
حديث موضوع في فضل قيام الليل ليلة السبت
السؤال
هناك حديث يقول : (من صلى ليلة السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد خمس وعشرين مرة ، حرم الله جسده عن النار) . هل هذا الحديث صحيح أم لا ؟.
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث موضوع ، ذكره الشوكاني رحمه الله في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص 44) باللفظ المذكور في السؤال
وقال : رواه الجوزقاني عن أنس مرفوعاً، وهو موضوع ، ورجال إسناده بين مجهول ومتروك اهـ .
وصلاة الليل مستحبة في جميع الأيام ، ولا يقف الترغيب فيها على هذا الحديث الموضوع .
قال الله تعالى : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة / 16-17 .
وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) سورة الذاريات / 15-18 .
روى الترمذي (3549) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ ) .
حسنه الألباني في إرواء الغليل (452) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-19, 16:50
بطلان حديث توسل آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام
السؤال
قرأت هذا الحديث وأريد أن أعرف هل هو صحيح أو غير صحيح ؟
( لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي . فقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟
قال : يا رب ، لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك
. فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إلي ، ادعني بحقه ، فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك ).
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث موضوع ، رواه الحاكم من طريق عبد الله بن مسلم الفهري ، حدثنا إسماعيل بن مسلمة
أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما اقترف آدم الخطيئة . . . ثم ذكر الحديث باللفظ الذي ذكره السائل .
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد اهـ .
هكذا قال الحاكم ! وقد تعقبه جمع من العلماء ، وأنكروا عليه تصحيحه لهذا الحديث ، وحكموا على هذا الحديث بأنه باطل موضوع ، وبينوا أن الحاكم نفسه قد تناقض في هذا الحديث .
وهذه بعض أقوالهم في ذلك :
قال الذهبي متعقبا على كلام الحاكم السابق : بل موضوع ، وعبد الرحمن واهٍ ، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو اهـ .
وقال الذهبي أيضاً في "ميزان الاعتدال" : خبر باطل اهـ .
وأقره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" .
وقال البيهقي : تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه، وهو ضعيف اهـ . وأقره ابن كثير في البداية والنهاية (2/323) .
وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (25) : موضوع اهـ .
والحاكم نفسه –عفا الله عنه- قد اتهم عبد الرحمن بن زيد بوضع الحديث ، فكيف يكون حديثه صحيحاً ؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة" (ص 69) :
ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه ، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم"
: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه ، قلت : وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً اهـ .
انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (1/38-47) .
*عبدالرحمن*
2018-10-19, 16:53
ما صحة حديث الحمد لله الذي أطعمني ورزقني
السؤال
الدعاء الذي نقوله بعد الأكل " الحمد لله الذي أطعمني ورزقني وجعلني من المسلمين " هو حديث ضعيف ولكن ليس لدي الدليل وسألني أحدهم عن الدليل ، أرجو الشرح .
الجواب
الحمد لله
لفظ الحديث : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ .
رواه أبو داود (3850) ، والترمذي (3457) .
قال العلامة الألباني في تخريجه لـ " الكلم الطيب " (189) لشيخ الإسلام ابن تيمية :
ضعيف الإسناد ، لأنه اضطرب فيه الرواة
كما بينه الحافظ في " التهذيب "
ومن قبله الحافظ المزي في " تحفة الأشراف " (3/353-354)
ومن قبلهما الإمام البخاري في " التاريخ الكبير " (1/1/353-354) ،
والنسائي في " اليوم والليلة " (288-290) ، والترمذي مع تساهله المعروف لم يحسنه .ا.هـ.
والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث مشابهة في هذا الباب ومنها :
- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ وَقَالَ مَرَّةً إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا ، وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مَكْفُورٍ ، وَقَالَ مَرَّةً : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ ، وَلا مُوَدَّعٍ
وَلا مُسْتَغْنًى رَبَّنَا . رواه البخاري (5459) .
- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى ، وَسَوَّغَهُ ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا .
رواه أبو داود (3851) ، وصححه الألباني في الصحيحة (2061) .
والله اعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-19, 16:55
بطلان حديث (لولاك ما خلقت الأفلاك)
السؤال
ما رأيك بهذا الحديث : " إذا لم يكن يوجد محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليخلق الكون" . بصراحة فأنا أشتبه بصحة هذا الحديث فهل يمكن أن تلقي بعض الضوء .
الجواب
الحمد لله
قد رويت أحاديث باطلة وموضوعة بهذا المعنى ، فمن ذلك :
(لو لاك ما خلقت الأفلاك)
ذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص 326) وقال :
قال الصغاني : موضوع اهـ
قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (282) : موضوع اهـ
ومنها : ما رواه الحاكم عن ابن عباس قال :
أوحى الله إلى عيسى عليه السلام : يا عيسى آمن بمحمد ، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به ، فلولا محمد ما خلقت آدم
ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فسكن .
قال الحاكم : صحيح الإسناد !! وتعقبه الذهبي بقوله :
أظنه موضوعاً على سعيد اهـ .
يعني : سعيد بن أبي عروبة (أحد رواة هذا الحديث) ، وقد روى هذا الحديث عنه عمرو بن أوس الأنصاري وهو المتهم بوضع هذا الحديث ، وقد ذكره الذهبي في "الميزان" وقال : أتى بخبر منكر
ثم ساق هذا الحديث ، وقال : وأظنه موضوعاً. ووافقه الحافظ ابن حجر كما في "اللسان" .
وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (280) : لا أصل له اهـ .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
هل الحديث الذى يذكره بعض الناس : لولاك ما خلق الله عرشاً ولا كرسياً ولا أرضاً ولا سماء ولا شمسا ولا قمرا ولا غير ذلك صحيح هو أم لا ؟
فأجاب :
محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم ، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه ، ومن هنا قال من قال : إن الله خلق من أجله العالم . أو أنه لولا هو لما خلق عرشا ولا كرسيا ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا .
لكن ليس هذا حديثا عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا صحيحا ولا ضعيفا ، ولم ينقله احد من أهل العلم بالحديث عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم
بل ولا يعرف عن الصحابة بل هو كلام لا يُدْرَى قائله اهـ.
مجموع الفتاوى (11/86-96) .
وسئلت اللجنة الدائمة :
هل يقال : إن الله خلق السماوات والأرض لأجل خلق النبي صلى الله عليه وسلم وما معنى لولاك لما خلق الأفلاك هل هذا حديث أصلا ؟
فأجابت :
لم تخلق السماوات والأرض من أجله صلى الله عليه وسلم بل خُلقت لما ذكره الله سبحانه في قوله عز وجل : "الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير
وأن الله قد أحاط بكل شئ علما" , أما الحديث المذكور فهو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم لا أساس له من الصحة اهـ .
فتاوى اللجنة الدائمة (1/312) .
وسئل الشيخ ابن باز عن هذا الحديث فقال :
الجواب : هذا ينقل من كلام بعض العامة وهم لا يفهمون ، يقول بعض الناس إن الدنيا خلقت من أجل محمد ولولا محمد ما خلقت الدنيا ولا خلق الناس وهذا باطل لا أصل له ، وهذا كلام فاسد
فالله خلق الدنيا ليعرف ويُعلم سبحانه وتعالى وليُعبد جل وعلا ، خلق الدنيا وخلق الخلق ليُعرف بأسمائه وصفاته ، وبقدرته وعلمه ، وليعبد وحده لا شريك له ويطاع سبحانه وتعالى
لا من أجل محمد ، ولا من أجل نوح ، ولا موسى ، ولا عيسى ، ولا غيرهم من الأنبياء ، بل خلق الله الخلق ليعبد وحده لا شريك له اهـ فتاوى نور على الدرب (46) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-19, 16:59
حديث " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان "
السؤال
أرجو أن تخبرني بصحة هذه الرواية : "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود ". هل هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأين أجده إذا كان صحيحاً ؟.
الجواب
الحمد لله
هذا الحديث رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن عدي في الكامل ، والعقيلي في الضعفاء
ولفظه : " استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود ". وهو مروي من حديث معاذ بن جبل ، وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وأبي بردة.
والحديث قال عنه ابن أبي حاتم : منكر ، وحكم ابن الجوزي بوضعه .
وضعفه العراقي ، والسيوطي في الجامع الصغير ، والعجلوني في كشف الخفاء .
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/195)
: (عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود" رواه الطبراني في الثلاثة ، وفيه سعيد بن سلام العطار قال العجلي : لا بأس به
وكذبه أحمد وغيره ، وبقية رجاله ثقات إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ ".
[ علل ابن أبي حاتم 2/255
فيض القدير للمناوي 1/630
كشف الخفاء للعجلوني 1/135 ].
والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 3/436 (حديث رقم 1453
) وفي صحيح الجامع برقم943.
وقد أورد ما ذكره العلماء من علل هذا الحديث ، ولكنه صححه من رواية سهل بن عبد الرحمن الجرجاني عن محمد بن مطرف عن محمد بن المنكدر عن عروة بن الزبير عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال : فالحديث بهذا الإسناد جيد عندي. [السلسلة الصحيحة 3/439] .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 14:48
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل يهجر أهله الذين ينكرون السنة
السؤال
إذا كانت الأسرة تقول للإنسان أن يتبع القرآن فقط ولا يتبع الحديث هل يلقي عليهم السلام ويهنئهم بالعيد ليقلل الفتنة ولا يضايقهم .
الجواب
الحمد لله
أولاً :
يجب على كل مسلم أن يؤمن بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كلها - إن صحت عنه - وألا يرد شيئاً منها ؛ لأن أحاديثه وسنته صلى الله عليه وسلم وحي من الله
والذي يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد الوحي من الله .
قال تعالى : والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى النجم / 1 - 6 .
وقد أوجب الله تعالى على الناس طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وأمر بذلك في آيات كثيرة من القرآن نذكر منها :
قال الله تعالى : قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين آل عمران / 32 .
وقال : من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا النساء / 80 .
وقال : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا النساء / 59 .
وقال : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون النور / 56 .
وغير ذلك من الآيات الكثيرة .
ومنكر السنة كافر مرتد .
قال السيوطي رحمه الله في رسالته "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" :
اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام ، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة اهـ
وهؤلاء الذين يريدون الإكتفاء بالقرآن يسمون القرآنيين ، ومذهبهم هذا قديم حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه في أكثر من حديث كما سيأتي ضمن كلام شيخ الإسلام
. ومن أوضح الأدلة على بطلان هذا المذهب أن القائلين به لا يعلمون به !!!
إذ كيف يصلي هؤلاء ؟
وكم صلاة يصلون في اليوم والليلة ؟
وما هي الأحوال التي تجب فيها الزكاة ؟
وما هو نصابها ؟
وما القدر الواجب إخراجها منها ؟
وكيف يحجون ويعتمرون ؟
وكم مرة يطوفون بالكعبة ؟
وكم مرة يسعون بين الصفا والمروة ؟ ...
وأحكام أخرى كثيرة لم يرد تفصيلها في القرآن ، وإنما ذكرها القرآن مجملة ، وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته .
فهل يترك هؤلاء العمل بهذه الأحكام بحجة أنها لم ترد في القرآن ؟
إن كان جوابهم نعم فقد حكموا على أنفسهم بالكفر لإنكارهم ما هو معلوم من الدين بالضرورة وأجمع المسلمون عليه إجماعاً قطعياً .
وإن كان جوابهم أنهم لا يتركون العمل بهذه الأحكام فقد حكموا ببطلان مذهبهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - بعد ذكره للآيات التي تحث على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم - ، قال :
فهذه النصوص توجب اتباع الرسول وإن لم نجد ما قاله منصوصا بعينه في الكتاب ، كما أن تلك الآيات توجب اتباع الكتاب وإن لم نجد ما في الكتاب منصوصاً بعينه في حديث الرسول غير الكتاب .
فعلينا أن نتبع الكتاب وعلينا أن نتبع الرسول ، واتباع أحدهما هو اتباع الآخر ؛ فإن الرسول بلَّغ الكتاب ، والكتاب أمر بطاعة الرسول
ولا يختلف الكتاب والرسول ألبتة كما لا يخالف الكتاب بعضه بعضاً قال تعالى: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ، والأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب اتباع الكتاب
وفى وجوب اتباع سنته كقوله : " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أَمرت به أو نَهيت عنه ، فيقول : بيننا وبينكم هذا القرآن
فما وجدنا فيه من حلال حلّلناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه ، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا وإنه مثل القرآن أو أعظم "
هذا الحديث في السنن والمسانيد مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة جهات من حديث أبي ثعلبة وأبى رافع وأبي هريرة وغيرهم .
وفى صحيح مسلم عنه من حديث جابر أنه قال في خطبة الوداع : " وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده كتاب الله تعالى " ( وللحاكم : " كتاب الله وسنتي " صححه الألباني في صحيح الجامع 2937 )
وفى الصحيح عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قيل له : هل أوصى رسول الله ؟ قال : لا . قيل : فكيف كُتب على الناس الوصية ؟ قال : أوصى بكتاب الله " . رواه مسلم ( 1634 )
وسنة رسول الله تفسر القرآن كما فسرت أعداد الصلوات وقدر القراءة فيها والجهر والمخافتة وكما فسرت فرائض الزكاة ونصبها وكما فسرت المناسك وقدر الطواف بالبيت والسعي ورمي الجمار ونحو ذلك .
وهذه السنة إذا ثبتت فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها وقد يكون من سنته ما يظن أنه مخالف لظاهر القرآن وزيادة عليه كالسنة المفسرة لنصاب السرقة والموجبة
لرجم الزاني المحصن فهذه السنة أيضا مما يجب اتباعه عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر طوائف المسلمين .
" مجموع الفتاوى " ( 19 / 84 – 86 ) بتصرف يسير فيما بين القوسين .
فالذي جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم حق كما أن القرآن حق .
ثانياً :
وأنت – يا أخي – ينبغي عليك ألا تهجر أهلك ، وعليك أن تعاملهم بالحسنى ، وأن تجتهد معهم بالدعوة إلى اتباع السنة والرضى بها .
قال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين النحل /125 .
وقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ 14 وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } لقمان / 14 - 15 .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 14:50
حديث : " اللهم أجرني من النار " سبع مرات
السؤال
هل هناك حديث صحيح أننا يجب أن نقول "اللهم أجرني من النار" سبع مرات بعد الفجر وبعد العشاء ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث رواه الإمام أحمد في المسند ( 17362 ) وأبو داود ( 5079 ) ، ولفظه :
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا صليتَ الصبح فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس " اللهم أجرني من النار سبع مرات " فإنك إن متَّ مِن يومك ذلك كتب الله لك جواراً مِن النار
وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس اللهم لإنس أسألك الجنة ، اللهم أجرني من النار" سبع مرات فإنك إن متَّ مِن ليلتك كتب الله عز وجل لك جواراً مِن النَّار" .
والحديث فيه أمران :
1.ليس فيه أنه يقال بعد العشاء كما جاء في السؤال .
2.الحديث غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، انظر " السلسلة الضعيفة " للشيخ الألباني رحمه الله ( 1624 ) .
وعلى هذا فلا يجب ولا يستحب أن يقول هذا الدعاء بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب .
3. وقد ورد عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار" .
رواه الترمذي ( 2572 ) وابن ماجه ( 4340 ) ، وهو حديث صحيح ، صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " ( 6275 ) .
لكنه غير مقيد بشيء من الصلوات ولا بوقت من الأوقات .
فيستحب للمؤمن أن يكثر من سؤال الله الجنة ، والاستجارة من النار ، من غير أن يقيد ذلك بشيء من لا صلوات ، ولا بوقت من الأوقات .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 14:57
حديث إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين
السؤال
ما هي درجة حديث " أوحى الله إلى بعض أنبيائه : إذا رأيتَ الفقر مقبِلاً فقل : مرحباً بشعار الصالحين ، وإذا رأيتَ الغنى مقبِلاً فقل : ذنبٌ عجِّلت عقوبته " ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث : رواه الديلمي في مسند الفردوس – كما قال الحافظ العراقي - من رواية مكحول عن أبي الدرداء ، وهو حديث ضعيف ، فلم يسمع مكحول من أبي الدرداء .
انظر " تخريج إحياء علوم الدين " ( 4 / 191 ) .
ورواه أبو نعيم في " الحلية " ( 6 / 5 ) من رواية مجاهد عن كعب الأحبار .
ورواه في ( 6 / 37 ) من رواية قتادة عن كعب الأحبار .
وفي الطريقين : إسحاق بن بشر الكاهلي ، وهو متروك ، وقال أبو زرعة : كان يكذب ، وقال الدارقطني كذاب متروك
وقال الأزدي : متروك الحديث ساقط يُرمى بالكذب ، وقال ابن حبان : كان يضع الحديث على الثقات ، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب .
انظر : " الجرح والتعديل " ( 2 / 214 ) ، و " الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي ( 1 / 100 ) .
وهو من القصاص التالفين ، قال الذهبي في ترجمته : الشيخ ، العالم ، القصَّاص ، الضعيف ، التالف ، أبو حذيفة إسحاق بن بشر بن محمد بن عبد الله بن سالم الهاشمي مولاهم البخاري مصنف كتاب " المبتدأ "
وهو كتاب مشهور في مجلدتين ، ينقل منه ابن جرير فمن دونه ، حدَّث فيه ببلايا وموضوعات .
" سير أعلام النبلاء " ( 9 / 477 ، 478 ) .
: الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 14:59
حديث من رضي من الله بالقليل من الرزق ..
السؤال
ما هي درجة حديث " مَن رضي من الله بالقليل من الرزق : رضي الله منه بالقليل من العمل " ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث : رواه البيهقي في " شعب الإيمان " ( 7 / 204 ) .
وفيه : إسحاق بن محمد الفروي ، وقد ضعفه النسائي وأبو داود والدارقطني .
انظر : " ميزان الاعتدال " ( 1 / 351 )
و " تهذيب التهذيب " ( 1 / 217 ) .
وقد ضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 4 / 334 ).
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 15:01
ما هي درجة حديث حبب إلي من دنياكم النساء والطيب
السؤال
ما هي درجة حديث " حبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة " ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث صحيح .
وقد رواه النسائي ( 3939 ) من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه - .
وصححه الحاكم ( 2 / 174 ) ووافقه الذهبي
وصححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 3 /15 ) و ( 11 / 345 ).
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 15:02
حديث من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسد فاقته
السؤال
ما هي درجة حديث " من أصابتْه فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته ، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجلٍ أو آجل "
الجواب
الحمد لله
الحديث : رواه الترمذي ( 2326 ) وأبو داود ( 1645 ) .
وقد صححه الترمذي والحاكم ( 1 / 566 ) ووافقه الذهبي .
.
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 15:05
ما هي درجة حديث لا تُرضين أحداً بسخط الله
السؤال
ما هي درجة حديث " لا تُرضينَّ أحداً بسخط الله ، ولا تحمدنَّ أحداً على فضل الله ، ولا تذمنَّ أحداً على ما لم يؤتك الله ؛ فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرصُ حريصٍ
ولا يردُّه عنك كراهية كاره ، وإن الله تعالى بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين ، وجعل الهمَّ والحزن في السخط " .
الجواب
الحمد لله
الحديث : رواه الطبراني في " الكبير " ( 10 / 215 ) .
قال الهيثمي :
رواه الطبراني في الكبير ، وفيه خالد بن يزيد العمري ، واتُّهم بالوضع .
" مجمع الزوائد " ( 4 / 71 ) .
ورواه – من طريق أخرى – أبو نعيم في " الحلية " ( 5 / 106 ) والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 1 / 221 ) .
وفيه : عطية العوفي وهو ضعيف ، ومحمد بن مروان السدي وهو متروك الحديث .
قال يحيى بن معين : ليس بثقة
وقال مرة : ليس بشيءٍ
وقال إبراهيم : كذاب
قال السعدي : ذاهب
وقال النسائي وأبو حاتم الرازي والأزدي : متروك الحديث
وقال البخاري : لا يكتب حديثه
وقال – مرة - : سكتوا عنه
وقال ابن حبان : لا يحل كتب حديثه إلا اعتباراً ولا الاحتجاج به بحال .
انظر : " ميزان الاعتدال " ( 6 / 328 ) و" الضعفاء والمتروكين " ( 3 / 98 ) .
ورواه هناد السري في " الزهد " ( 1 / 304 )
والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 1 / 221 )
موقوفاً على عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 15:07
صحة حديث الإخلاص سر من سري
السؤال
ما هي درجة الحديث القدسي " الإخلاص سرٌّ من سرِّي ، استودعته قلب من أحببته من عبادي " ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث ضعيف جدّاً أو موضوع .
وقد رواه القزويني في " مسلسلاته " – كما قال العراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " ( 4 / 365 ) – من حديث حذيفة – رضي الله عنه - ، وفيه : أحمد بن عطاء الهجيمي وعبد الواحد بن زيد وكلاهما متروك .
ورواه الديلمي في " مسند الفردوس " ( 3 / 187 ) عن علي وابن عباس .
وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 4 / 109 ) : حديث واهٍ جدّاً .
*عبدالرحمن*
2018-10-23, 15:10
الحديث الشريف
السؤال
لماذا يعتبر كلام النبي صلى الله عليه وسلم حجة ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث هو ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة .
والحديث أما أن يكون مؤكداً لما في القرآن كالأمر بالصلاة و الزكاة ونحوهما أو يكون مفصلاً لما أجمل في القرآن كعدد ركعات الصلوات
, وأنصبة الزكاة وصفة الحج ونحو ذلك أو يكون مبيناً لحكم سكت عنه القرآن كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في الزواج .
وقد أنزل الله القرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمره ببيانه للناس بقوله : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) النحل/44 .
وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من ربه قال تعالى : ( ما ضل صاحبكم وما غوى ، وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) النجم/2-4 .
وقد بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده والكفر بما سواه مبشراً بالجنة ومنذراً بالنار : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ) الإسراء/105 .
والرسول صلى الله عليه وسلم حريص على هذه الأمة ما علم من خير إلا دل الأمة عليه وما علم من شر إلا وحذرها منه : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة/128 .
وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة إلى الناس كافة : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء/107 .
ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن ربه الوحي الذي أنزل عليه فقد وجبت طاعته , بل صارت طاعته طاعة لله : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) النساء/80 .
وطاعة الله ورسوله هي سبيل النجاة وطريق الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة : ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) الأحزاب/71 .
ومن هنا وجبت طاعة الله ورسوله على جميع الناس لأن فيها فلاحهم ونجاتهم : ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ) آل عمران/132 .
ومن عصى الله ورسوله فإنما يضر نفسه ولا يضر الله شيئاً : ( ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين ) النساء/14 .
وإذا حكم الله ورسوله في أمر فليس لأحد أن يختار أو يعترض بل تجب الطاعة والإيمان بالحق : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) الأحزاب/36 .
ولا يتم إيمان العبد إلا بمحبة الله ورسوله والمحبة تستلزم الطاعة ومن أراد أن يحبه الله ويغفر له ذنوبه فليتبع الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم , والله غفور رحيم ) آل عمران/31 .
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كلمات تردد بل هي عقيدة وسلوك تعني طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر أن لا يعبد الله إلا بما شرع .
ولما أكمل الله هذا الدين وبلغ الرسول رسالة ربه قبضه الله إلى جواره وترك الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك :
( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) المائدة/3 .
وقد حفظ الصحابة رضي الله عنهم بفضل الله أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاء من بعدهم السلف الصالح فدونوها في كتب عرفت بالصحاح والسنن والمسانيد
ومن أصحها صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربع ومسند الأمام أحمد وموطأ مالك وغيرها .
وقد أكمل الله هذا الدين وما علم الرسول صلى الله عليه وسلم من خير إلا دل الأمة عليه وما علم من شر إلا حذرها منه فمن أحدث في دين الله شيئاً من البدع , والخرافات كسؤال الموتى
, والطواف على قبورهم ودعاء الجن والأولياء وغير ذلك مما لم يشرعه الله ورسوله فذلك كله مردود غير مقبول كما قال عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه مسلم/1718 .
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir