تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : *** خطبة الجمعة ــ 13/ 04/ 2018م ***


عمي صالح
2018-04-14, 03:09
خطبة الجمعة في مسجد الإصلاح بالشريعة

27 رجب 1438 الموافق لــ 13/ 04/ 2018م

الموضوع: الصبر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102))[آل عمران ].(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) )[النساء]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71))[الأحزاب]

أما بعد:فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فبالتقوى زيادة النعم، ودفع النقم.
عباد الله حديث اليوم عن عبادة الضراء، وعدة المسلم

حين نزول البلاء، وزاد المؤمن حين وقوع الابتلاء، عن الطاقة المدخرة في السراء، والحبل المتين في الضراء .. إنه الصبر تبدو مرارته ظاهرا، ويصعب الاستشفاء به عند الضعفاء، لكن مرارته تغدو حلاوة مستقبلا، ويأنس به رفيقا للأقوياء النبلاء.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم.
ويكبر في عين الصغير صغيرها وتصغر في عين العظيم العظائم
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبَّر يصبّره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر))
نعم إخوة الإيمان إنه الصبر، هذا مقام الأنبياء والمرسلين، ومنازل المتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهو أهم ما نحتاج إليه نحن في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى من المصيبة، ولو يعلم المصابرون ما ينالون من الأجر الكبير إن هم صبروا، لتمنوا أن مصيبتهم أشد بلاء، وأعظم نكاء.
واعلموا يا عباد الله أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومن يتصبر يصبره الله، والصبر ضياء، بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً [الفرقان:75]، وقال تعالى عن أهل الجنة: سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24]،
الصبر سيد الاخلاق، وبه ترتبط مقامات الدين، فما من خلق فاضل إلا ويمر بقنطرة من الصبر، وإن تحول إلى اسم اخر: إن كان صبرا عن شهوة فرج محرمة سمي عفة، وإن كان عن فضول عيش سمي زهدا، وإن كان عن دواعي غضب سمي حلما، وان كان صبرا عن دواعي الفرار, والهرب سمى شجاعة، وإن كان عن دواعي الانتقام سمي عفوا، وإن كان عن أجابة داعي الإمساك والبخل سمي جودا.. وهكذا بقية الأخلاق فله عند كل فعل وترك اسم يخصه بحسب متعلقه، والاسم الجامع لذلك كله (الصبر) فأكرم به من خلق، وما أوسع معناه، وأعظم حقيقته(16).
عباد الله إن للصبر وسائل يجب أن نعوّد أنفسنا عليها وأول هذه الوسائل للصبر على المصيبة: التأمل، والتدبر، والنظر في كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه ، ففيها ما تقرّ به الأعين، وتسكن به القلوب، وتطمئن إليه النفوس، ولو قارن المصاب بين ما أخذ منه وما أعطي فلا مقارنة فإنه سيجد أن ما أعطي من الأجر، والثواب، أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وقِفُوا مع آية عظيمة في كتاب الله كفى بها واعظة ومسلية، عند وقوع المصائب: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الاْمَوَالِ وَالاْنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلاتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]،
(إنا لله وإنا إليه راجعون) علاج ناجع من الله عز وجل لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة ومصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، لابد أن يخلف في الدنيا يوما ما وراء ظهره، ويأتي ربه فردا كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا حول ولا قوة ولكن بالحسنات والسيئات،
وإذا كانت مرارة الدواء يعقبها الشفاء، فقد رتب الله على الصبر المحتسب عظيم الجزاء فقال جل من قائل: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [الزمر:10]. قال الأوزاعي:رحمه الله: (ليس يوزن لهم ولا يكال إنما يغرف لهم غرفا(2).
وهل يعلم هذا المصاب بمصيبة ما روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (سمعت رسول الله يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيرا منها))، قالت: ولما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله ثم عزم الله علي فقلتها - فما الخلف؟ - قالت: فتزوجت رسول الله )(2)[2]. وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي قال: ((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ))(3)[3].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)) وقال صلى الله عليه وسلم للنساء: ((ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار فقالت امرأة: واثنين فقال: واثنين)).
والثاني من الوسائل المعينة على الصبر: تذكر المصيبة العظيمة بموت الرسول وكل مصيبة دون مصيبتنا بموته تهون، فبموته عليه الصلاة والسلام انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة، وبموته انقطعت النبوّات، وبموته ظهر الفساد في البر والبحر، يقول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه في سنن ابن ماجه: ((يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإن أحدا

من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي))(5)[5]، نعم إن تذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما حل بنا بفقده هو أعظم مصيبة..
إخوة الإيمان، ومن الوسائل المعينة على الصبر: الاستعانة بالله، والاتكال عليه، والرضا بقضائه، وليعلم من أصيب بمصيبة أن حظّه من المصيبة ما يحدث له من رضا فمن رضي فله الرضا، ومن تسخط فله السخط.
وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ((ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى؛ قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي فقالت: إني أصرع وإني أتكشّف، فادع الله تعالى لي؟ قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك، فقالت :بل أصبر، فقالت: إني أتكشّف فادع الله أن لا أتكَّشف فدعا لها)) متفق عليه(7)[7]. وعن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله : ((عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه مسلم(8)[8].
والوسيلة الخامسة مما يعين على الصبر: العلم بأن الجزع من المصيبة لا يردها بل يضاعفها، فهو إذا جزع فجزعه مصيبة ويغضب ربه، ويحبط أجره، حدّث أنس أن النبي مر بامرأة تبكي عند قبر، فقال: ((اتقي الله واصبري))، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتيَ، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي فأتت باب النبي فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك وسوف اصبر يا نبي الله فقال لها: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) متفق عليه(9)[9].
ومن الوسائل المعينة على الصبر: العلم بأن النعم زائرة وأنها لا محالة زائلة، وأنها لا تفرح بإقبالها فرحا حتى تُتْعِبَ بفراقها ترحًا، وما فرح به اليوم حزن عليه غدا، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
ومما يعين على الصبر: العلم بتفاوت المصائب في الدنيا، ومن حصل

له الأدنى من المصائب يتسلى بالأعلى والأعظم من المصائب التي أصيب بها غيره، من فقد للدين وإهمال وتقصير فيه، فهذا أعظم المصيبة.
ومن الوسائل المعينة على الصبر، حسن التعزية للمصاب، فإن الكلمة الطيبة للمصاب يثبت بها بإذن الله ويعان، ويعود الصبر عليه سهلا يسيرا، والمؤمن قليل بنفسه كثير بإخوانه، فإذا وجد هذا يعزيه، وهذا يسليه، سهلت عليه الأمور العظام، وكشف ما به من مصيبة، وفي الحديث الحسن أن النبي قال: ((ما من مؤمن يعزي أخاه بما به إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة)) (10)[10]، ولابد من أن تكون التعزية في محلها مناسبة، فإن من الناس من إذا عزى ذكر باللوعة والمصيبة، من وفاة أو مرض ونحوهما، وما أروع الهدي النبوي والأدعية النبوية الكريمة في العزاء للمصيبة، أما كثرة الأسئلة عن المصيبة فمما يؤجج الأحزان ويؤدي إلى الشكوى إلى الخلق، وهم عاجزون عن تقديم الشفاء، فعليك أيها المصاب بكثرة الأدعية واللجوء إلى الله تعالى في كل حالك.
فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها………صبر الكريم فإن ذلك أسلم
وإذا ابتليت بكربة فالبس لها………ثوب السكوت فإن ذلك أسلم
لا تشكونّ إلى العباد فإنما………تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
أخي يا من أصابته المصيبة هذه آيات الله وأحاديث نبيك تحثك على الصبر، وتسليك في مصابك، فاحمد الله، وأحسن نيتك، واحتسب مصيبتك وارض بما قدر الله لك، فلعل لك عند الله منزلة لا تبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليك بحكمته بما تكره ويصبرك على ما يبتليك به حتى تبلغ تلك المنزلة العالية من الله، فاحمد الله وكن من الصابرين؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِى الصلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [الحج 34-35].
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن إذا ابتلي صبر وإذا أنعمت عليه شكر وإذا أذنب
استغفر واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكها أنت وليها ومولاها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه حقا وتوبوا إليه صدقا إنه التواب الرحيم.

الخطبة الثانية :
( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) ) [الأنعام]، ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) ) [الفرقان]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أيها المسلمون:إن المسلم إذا تدبر الصبر في الكتاب والسنة يرى هذا الصبرَ ينقسم إلى أقسام ثلاثة:
فأولها صبرٌ على طاعة الله، فيصبر المسلم على الطاعة؛ لأنه يعلم أن الله خلقه لعبادته، ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات:56]. فيصبر على العبادة صبرَ المحبِّ لها الراغب فيها الذي يرجو بصبره ثواب الله. يصبر على إخلاص الدين لله، وهو يقاوم دواعيَ الرياء والسمعة لعلمه أن الرياء لا ينفع، وأن مراءاة الناس لا تنفعه.
يصبر على فرائض الإسلام كلِّها، فهو صابر على الصلوات الخمس صبرَ المحبِّ لها الراغبِ فيها، يؤديها عن طمأنينة ورغبة فيها ومحبة لها وتعظيم لها، ليس كحال المنافقين الذين قال الله فيهم: ( وَلاَ يَأْتُونَ الصلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى ) [التوبة:54] لا، بل هو يأتي الصلاة عن رغبة ومحبة، فيصبر على أوقاتها، ويصبر على أدائها، محسناً أداءَها، محافظاً عليها، مؤدياً لها مع جماعة المسلمين في المساجد، متعلق قلبه بها آناء الليل وأطراف النهار.
صابرٌ على زكاة ماله، فيؤديها طيبةً بها نفسه، غيرَ مستكثر لها، ولا ضاجر منها، وإنما يؤديها عن طوع واختيار، شاكراً لله نعمتَه وفضله عليه.
صابر على صومه وحجه. صابر على بره بأبويه، ولا سيما عند كبرهما وضعف قوتهما، فهو يصبر على برهما صبر الكرام، تذكراً أعمالهما الجميلة وأخلاقهما الفاضلة، وتذكراً لمعروفهما السابق، فهو يصبر على برهما، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء:22، 23]،
إنه صابر على رحمه بصلته لهم، وصبره على أذاهم، وتحمله كل ذلك، صبراً يرجو به رحمة الله، ((ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها))(1)[1].
صابر ومحتسب على ما قد يناله من أذية من الخلق، فهو يصبر صبر الكرام، ( وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) [الشورى:43].
صابر في التزام الصدق في الحديث، فلا يسأم الصدقَ ويمله، بل الصدق والوفاء خلق له، فهو صابر على الصدق والوفاء، صابر في تعامله مع الآخرين صبرَ الكرام، فمعاملته طيبة على خلق كريم. ترى أخلاقه وأعماله أعمالاً متواصلة مستمرة، هو ثابت عليها، لكونه موقنًا بها ومصدقًا لها. صابر على أولاده، يأمرهم بالخير، ويربيهم التربية الصالحة، ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) [طه:132].
الدعاة إلى الله صابرون في دعوتهم، قائمون بها خير قيام، مقتدون بأنبياء الله في صبرهم وتحمُّلهم كل المشاق في ذات الله، ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ) [الأحقاف:25 ]، ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ) [المعارج:5]، ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) [طه:130]، فالصبر على الطاعات عنوان الاستقامة والثبات على الحق.
والمسلم يصبر عن معاصي الله، يصبر عن الأمور التي حرمها الله عليه، يكفُّ نفسه عنها، ويُلزمها الصبرَ والتحمُّل، ويتذكر مقامه بين يدي الله، وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:54]، ( ذالِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ ) [إبراهيم:14]. يصبر عن مشتهيات النفس التي تدعو إلى المخالفة، يصبر فيغضّ بصره، يصبر فيحصِّن فرجه، يصبر فيمتنع عن الحرام وكل المغريات التي تدعوه إلى المخالفة، فهو يصبر عنها، صابر في مكاسبه فيلزم الحلال وإن قلَّ، ويبتعد عن الحرام وإن كثر، ( قُل لاَّ يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ) [المائدة:100]. ، فهو يصبر عن معاصي الله، وإن كانت المغريات كثيرة لكنه يتخطاها ويتجاوزها، لأنه يخاف الله ويتقيه. فالمعاملات الربوية مهما حسَّنها أهلها، ومهما كثرت نتائجها وأرباحها لكنها لا تقيم عنده

شيئاً، لعلمه أن المرابي محارب لله ورسوله، يصبرُ صبراً يحول بينه وبين انتهاك حرمات الله، لعلمه باطلاع الله عليه، وأن الله يعلم سرَّه وعلانيته.
ثم هو بعد هذا يصبر على أقدار الله المؤلمة التي قد تناله في جسده أو في ماله أو في ولده، يؤمن حقَّ الإيمان بأن الله على كل شيء قدير، وأن الله علم الأشياء قبل كونها، وكتبها، وشاءها، وقدرها، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، يؤمن بقضاء الله وقدره، ، مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَاكُمْ[الحديد:22،23]، ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) [التغابن:11]، فالصابرون المحتسبون يتلقون المصائب بالصبر والتحمل، يتلقونها أولاًَ بالصبر عليها، ثم ثانياً يتلقونها بالرضا، فلا تحمل نفوسهم تسخطاً على قضاء الله وقدره، ولكن الرضا والتسليم، لأنهم أهل إيمان، فيصبرون ويحتسبون، ولا يظهر منهم ضجر ولا تسخط على قضاء الله وقدره.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر, الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم ارزقنا محبته وأتباعه ظاهراً وباطنا.
اللهم توفنا على ملته . اللهم احشرنا في زمرته اللهم اسقنا من حوضه
اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وعن سائر المهاجرين والأنصار والآل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ابرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى ويعافى فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ودُلهم على الرشاد، وباعد بينهم وبين سُبل أهل الكفر والبغي والفساد.
اللهم إنا نسألك أن ترفع عنا الربا والزنا وأسبابه، وأن تدفع عنا الزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا هذه بخاصة وعن سائر بلاد المؤمنين بعامة يا أكرم الأكرمين.
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا المقام الكريم ذنباً إلا غفرته ولا مريضا إلا شفيته ولا ديناً إلا قضيته، ولا هماً إلى فَرَّجْته، ولاميتا إلا رحمته، ولا عاصيا إلا هديته، ولا طائعا إلا سددته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
اللهم إنك أكرم الأكرمين فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا تكلنا إلى أحد من خلقك، فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بك.عباد الرحمن: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)) [النحل:90].فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على النعم يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
إمام المسجد : براهمي مراد

محمود العمري
2018-04-14, 05:12
خطبة قيمة ، جزاك الله خيرا.

messi20122013
2018-04-15, 13:52
بارك الله فيك

حسان الادريسي
2018-04-24, 20:59
اللهم ارزقنا الخير حيث كان آمين.