تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الإيمان بالله


*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:01
اخوة الاسلام

السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة

نعمة حلاوة الإيمان

ولذة الطاعة والإحسان , نعمة لا يدركها ولا يعرف قيمتها إلا من ذاقها وأحس بها وعاش معها , ولذة لا يستشعر أثرها إلا من تذوق طعمها وأنس بوجودها .

وحلاوة الإيمان

تسري سريان الماء في العود، وتجري جريان الدماء في العروق , فيأنس بها القلب وتطمئن بها النفس , فلا يحس معها المرء بأرق ولا قلق ولا ضيق, قال تعالى : " فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) سورة الأنعام .

لذا حينما جاء خباب بن الأرت رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو ظلم قريش للمستضعفين من المسلمين , قال له في إيمان الواثق بربه الذي ذاق حلاوة الإيمان به والثقة بما عنده من عزة ونصر : " قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ

فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه "أحمد" 5/109(21371) و"البُخَارِي" 4/244(3612) .

يقول ابن تيمية رحمه الله :

" فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه من عبوديته لغيره، إذ ليس في القلب السليم أحلى ولا أطيب ولا ألذ ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله ومحبته له وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله فيصير القلب منيباً إلى الله خائفاً منه راغباً راهباً " . ابن تيمية : العبودية 6.

ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن للإيمان طعماً وحلاوة لا يحسها ولا يتذوقها إلا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا , عنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. أخرجه أحمد 1/208(1778) و"مسلم" 1/46(60).

وأن هذه الحلاوة لا بد لها من أصول وشروط ,

عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يَكْرَهَ الْعَبْدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الإِسْلاَمِ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ، وَأَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ الْعَبْدَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه أحمد 3/174(12814) و"مسلم" 76.

قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَىَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ يَا بُنَىَّ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى. أخرجه أبو داود (4700).

ومن المشاهد التي رأها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج مشهد مشاطة ابنة فرعون , تلك المرأة المؤمنة التي ذاقت حلاوة الإيمان فهانت في عينيها الدنيا بما فيها وبمن فيها , وتحملت التعذيب والقتل بنفس راضية مؤمنة , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِى أُسْرِىَ بِى فِيهَا أَتَتْ عَلَىَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ

فَقَالَ هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلاَدِهَا. قَالَ قُلْتُ وَمَا شَأْنُهَا قَالَ بَيْنَا هِىَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا فَقَالَتْ بِسْمِ اللَّهِ. فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ أَبِى قَالَتْ لاَ وَلَكِنْ رَبِّى وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ. قَالَتْ أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ. فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا فَقَالَ يَا فُلاَنَةُ وَإِنَّ لَكَ رَبًّا غَيْرِى قَالَتْ نَعَمْ رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ. فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِىَ وَأَوْلاَدُهَا فِيهَا قَالَتْ لَهُ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ وَمَا حَاجَتُكِ قَالَتْ أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِى

وَعِظَامَ وَلَدِى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا. قَالَ ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ. قَالَ فَأَمَرَ بِأَوْلاَدِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِىٍّ لَهَا مُرْضَعٍ وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ قَالَ يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِى فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ فَاقْتَحَمَتْ.قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ صِغَارٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَشَاهِدُ يُوسُفَ وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ. أخرجه أحمد 1/309(2822) .

وحلاوة الإيمان لا يحسها ولا يعايشها أي أحد ,

كما أنها لا تباع ولا تستجدى , يقول أحدهم من شدة سروره بتلك النعمة : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا عليه بالسيوف.

....

أركان الايمان بشكل عام

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2134391

و اخيرا

اسالكم الدعاء بظهر الغيب

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:04
السؤال :

لدي سؤال يوسوس لي الشيطان به ، إذا كان الله منزها عن أن يكون له مادة أو صورة فما هو الله ؟ أو بالأصح هل الله مجرد فراغ أو عدم ؟ أعتذر عن بشاعة السؤال ، ولكن الشيطان يوسوس لي بذلك ، وأخاف ان أقع في فخه .

الجواب :

الحمد لله

الواجب أن يعتقد العبد أن الله تعالى له ذات حقيقية ، وجودية ، متصفة بصفات الكمال .

فهو الحي القيوم السميع البصير العليم الحكيم، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته الثابتة في الكتاب والسنة.
فتعالى الله أن يكون فراغا أو عدما .

وهل يكون للعدم : وسمع ، وبصر ، وكلام ، ووجه ويدان؟!

ومع هذا فلا يجوز للعبد أن يتخيل لله تعالى صورة؛ لأنه تعالى لا يشبه شيئا من خلقه، ولا يمكن أحدا أن يتصور ذاته أو صفاته .

ورحم الله الطحاوي إذ يقول في عقيدته المشهورة: " لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا يشبه الأنام" سبحانه وتعالى وتقدس.
ولا يقال: الله جسم أو مادة، لا نفيا ولا إثباتا؛ لعدم ورود ذلك، ولكونه يحتمل حقا وباطلا

فالواجب أن تعتقد أن الله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقات، وأنه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، وأن تصرف ذهنك عن التفكر في ذاته، وأن تعرض عن الوساوس وتستعيذ بالله منها، وأن تقول: آمنت بالله ورسوله، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرَأْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ ) رواه أحمد (25671) وحسنه الألباني في الصحيحة.

وقانا الله وإياك شر الوسوسة والتعمق والتكلف.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:04
السؤال:

أنا فتاة عمري 15 أقارب 16 سنة ، مسلمة بالفطرة ، عشت ، وتدينت ، وعرفت ديني ، وأحببت ربي، وأصابتني غيرة شديدة عليه ، أي على ديني ، ورحت أتجول باليوتيوب لأرى شبهات الكفار والإجابات لها ، لم أتأثر في البداية ، ولكن ـ دون سابق إنذار ـ أصبحت أسأل نفس الأسئلة الإلحادية

وأتمنى يا شيخنا أن تقرأ رسالتي بتمعن: مَن خلقنا ؟ فأجيب عن أسئلتي: إما ا لله، أو صدفة ، أو نحن ، ثم بعد أن قرأت أنه محال أن نخلق صدفة ، بدأت أبحث أكثر، فوجدت أن الكون نشأ من دخان مع حرارة ولمعان، انفجر بفعل طاقة ، فقلت في نفسي: إذن الله لم يخلقنا من عدم، بل من مادة

فتحول ذهني إلى أزلية المادة ، وقانون: المادة لا تفنى ولا تستحدث ، ولكن بحثت إلى أن وجدت أن المادة شكل من أشكال الطاقة ، فقلت في نفسي: لا بد للطاقة من مصدر. فأريد آية تدل على أن الله خلق أول مادة قبل نشأة الكون ، أي خلق المادة التي انطلق وانفجر منها الكون. كما أنني أصلي

إلا أن قلبي غير مطمئن مائة بالمائة ، وأنا دائما أحاربه وأرغمه على الإيمان بالله ، إلى أن أصل إلى اليقين بإذن الله . وأقول دائما في نفسي: لماذارغم أننا أجبنا على شبهات الملحدين لا يسلمون. هل لأن لديهم أدلة أقوى أم ماذا ؟ أتمنى أن تجيبني على هذا الشكوك التي في بالي ، وأتمنى أن أعلم هل هذا ابتلاء أم خطأ مني رغم أنني تدينت ثم فقدت نصف إيماني أو أكثر؟

الجواب :

الحمد لله

دعينا نبدأ من تساؤلك الأخير الذي نرجو أن يدلك على سبب الإشكال ، وهو أن نحدثك بصراحة عن سبب ما وقع لك في جولتك القصيرة هذه في عالم الأسئلة الكبرى ، أسئلة الوجود، والخلق، والكون، على حداثة سنك ، وضعف خبرتك ، فلك أن تتصوري سؤالا يردك من فتاة في مثل عمرك

تعبر عن قلقها واضطرابها في قضايا نحوية ابتدائية مثلا، كتعريف المبتدأ والخبر، والفرق بين العوامل ، وهي لم تقطع شوطا في دراسة النحو من كتبه المعتمدة ، ولم تنجز مراحل دراسة هذا العلم على معلم متقن ، ولم تتعب في الحفظ والفهم المدرسي لهذا العلم، وإنما تلتقط معلومات من هنا وهناك ، وتشطح شطحات كبيرة فتطالع في كتاب "سيبويه" في النحو، أو في حواشي شروح الألفية، أو في منازعات الكوفيين والبصريين، فأصابها الاضطراب في أساسيات هذا العلم ، ولم تعد تضبط شيئا من مبانيه ومقاصده!

نسألك هنا سؤالا: من الملوم في حالة هذه الفتاة: هل هو علم النحو نفسه ، فنستدل بذلك على أنه علم قاصر ومضطرب ومتناقض ؟

أم أن النحاة الأوائل هم السبب ؟

أم إن الفتاة هي المخطئة في منهجها في تلقي العلم ، وطريقتها في القراءة والتفكر والتعلم ، فلم تتدرج في مراقي العلوم بالطريقة المنهجية الصحيحة التي يسلكها كل متعلم ؟

نعتقد أن جوابك سيكون هو الخيار الثالث؛ لأن كل من يبدأ مسيرته بطريقة خاطئة فلن يتمكن من إتمامها على الوجه الصحيح ، فالعلم له مبانيه التركيبية المنتظمة ، إذا تعاطاها المتعلم بطريقة عشوائية ، يبدأ بالنهايات، ثم يرجع إلى البدايات ، ثم ينتقل أحيانا إلى المتوسطة، هكذا بقراءات ذاتية من غير تأسيس ولا استعانة بأهل العلم أنفسهم ، فلن يتم لهذا الطالب أو القارئ وصول إلى نتيجة أبدا، إلا الحيرة والدهشة والعودة على الذات بالشكوك ، والنقمة على العلم بالضعف والاضطراب.

وهكذا لو تصورتِ فتاة تسألك عن دقائق في علم الطب مثلا، وهي لم تدرس الطب في الجامعات المعتمدة ، ولم تتعلمه على أيدي الأطباء الماهرين ، وإنما تتوزع قراءتها بين المنتديات على شبكة الإنترنت، وتستمع إلى تخليط المخلطين في كل مكان.

غرضنا من هذا المثال أن تقتنعي بخطأ منهجك في البحث وتعاطي العلم ، فالأسئلة الوجودية الكبرى التي تخوضين فيها هي تخصصات متكاملة تدرس في الجامعات والمعاهد الكبرى، في تخصصات العقائد أو علوم الكلام أو الفلسفة أو علوم الفيزياء والكون ونحوها، يؤسَّس الطالب قبلها على دراسة مجموعة من العلوم الضرورية ، وبعدها ينطلق في التفاصيل المعقدة ضمن خطة أكاديمية معروفة. ولكنك آثرت – للأسف – أن تذهبي مذهب العشوائية ، واستماع كل من يتحدث بعلم أو بغير علم ، وفهم كلامه بصواب أو بخطأ.

ونحن هنا لا نمنع على أحد أن يخوض في هذه القضايا الكلية الكبرى، ولا أن يتعلمها ويقتحم فصولها. ولكننا ندعوه إلى دخولها من أبوابها، والسير في المنهجية العلمية الأكاديمية الصحيحة في دراستها، تماما كما يتدرج الطبيب، والمهندس، وكل متخصص في تخصصه، حتى إذا أتم فهم تخصصه بدأ يخوض في دقائقه عبر الدراسات العليا مثلا، ليشرع – إذا أنجزها – في النقد والتحليل والكتابة والمشاركة في إثراء هذا العلم بمعارفه وآرائه.

ونحن على يقين أنك ستدركين حقيقة ما نقول حين تعلمين خطأ ما وقعت فيه من نفي تراجع الملحدين عن إلحادهم، ونفي حصول الهداية لأي منهم، رغم اشتهار ذلك جدا بين المثقفين والمختصين، فمثلا محمد جلال كشك (ت1993م) الذي تحول من الشيوعية المغرقة إلى مفكر إسلامي من الطراز الرفيع، والمفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري

(ت2008م) الذي تحول من المادية المطلقة إلى الإسلامية، والطبيب الدكتور مصطفى محمود (ت2009م) الذي قضى ثلاثين عاما في الشك إلى أن تحول إلى واحد من مشاهير الدعاة إلى الإيمان والعلم .

ثم هذا الدكتور فاضل السامرائي ، وهو أحد أبرز المشتغلين ببلاغة القرآن ، وإعجازه البياني ، يقص بنفسه قصة تحوله من الإلحاد إلى الإيمان ، في لقاء متلفز يمكنك مشاهدته .

والفيلسوف البريطاني أنطوني فلو (ت2010م) الذي قضى عمره ملحدا إلى أن كتب كتابه الشهير: (there is a god)، أي "هناك إله" .

وكثيرون غيرهم تراجعوا عن ماديتهم، أو إلحادهم، أو داروينتهم العشوائية، إلى التسليم بالربوبية أو الألوهية ، أو التصميم الذكي ، أو الإسلام. يمكنك التوسع في القراءة عن حياة هؤلاء وغيرهم في شبكة الإنترنت، الأمر الذي سيعود عليك باليقين إن شاء الله بضرورة التأني في البحث

وسلوك طريق العلم الصحيح، والاستعانة بما كتبه هؤلاء الذين تراجعوا عن إلحادهم، ليصلوا إلى ما أنت عليه اليوم وجميع المسلمين من الإيمان بالخالق جل وعلا، الذي قال في محكم كتابه : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) الزمر/ 62 ، وقال عز وجل: ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )غافر/ 62 ، وقال سبحانه: ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )الأنعام/ 101

وكلها آيات جليلات واضحات على أن الله هو من خلق المادة الأولى للكون، لأنها "شيء"، والله خالق كل شيء، وموجد الوجود من العدم، وهو معنى اسمه تعالى "البارئ"، أو "الفاطر".

والواقع أن بإمكاننا هنا أن نرشدك إلى العديد من الكتابات والدراسات المنهجية في مناقشة الإلحاد وقضاياه ، مثل مؤلفات الشيخ عبد الله بن صالح العجيري وفقه الله : ميليشيا الإلحاد ، وشموع النهار ، أو مؤلفات د. سامي عامري ، أو الشيخ أحمد السيد ، ومن الممكن أيضا الاستفادة ، على وجه خاص بما ذكرت ، من كتاب : "الفيزياء ووجود الخالق" للشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس .

لكننا إن أردت منا أن نخلص لك النصيحة ، لا ندلك الآن ، بعدما ذكرته لنا في سؤالك ، وما بدأنا به جوابنا ، لا ندلك إلا على القرآن الكريم :

أن تعودي إليه ، لتقرئيه بتدبر وتفكر ، وقلب خال من الشبهات ، وسمع مصغ لآياته وبيناته وبراهينه ، ومواعظه ، وطوارقه .

وإن شئت أن نساعدك أكثر ، فابدئي بسورة الرعد ، فتدبريها ، واقرئيها ، واستمعي إليها ، وأنصتي إليها .
ثم سورتي : الطور ، والواقعة .

ثم سورتي الأنعام ، والنمل .

ثم أعيدي الكرة في القرآن كله ، قراءة ، وتدبرا ، وسماعا ، وتنعما به ، وتلذذا .

وأغلقي عنك أبواب المتابعات ، والشبهات ، والقيل والقال .

ونحن على يقين بأن ذلك كفيل بأن يشفي قلبك مما ألم به من وساوس الشياطين ، وخطرات النفس.

نسأل الله أن يشرح صدرك ، ويثبت الإيمان في قلبك ، ويزيدك إيمانا ، ويقينا ، وهدى .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:05
السؤال:

ما معنى الآية : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) ؟ ما معنى "أحسن" هنا؟ هل تعني تمام الصورة والخلق والكمال ؟

وكيف يكون ذلك مع وجود أشخاص غير كاملي الخلقة ، فضلاً عن أنّ هذا المعنى يعني أنه لا يمكن أن يكون الخلق بأفضل صورة مما هو عليه ، ولكننا نعلم أن الله قادر أن يخلق الناس بشكل أفضل إن أراد ذلك ؟ وإن كان كل الخلق خير ، فما قولكم في أفعال الشر التي يأتي بها الإنسان والتي خلقها الله أيضًا؟.

الجواب :

الحمد لله

أولًا :

قال الله عز وجل : (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ) السجدة/6،7 .

ومعنى الإحسان هنا هو الإتقان ، وليس المراد جمال الصورة .

فتكون هذه الآية كقوله تعالى : (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) النمل/88 .

وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بالإحسان في الآية هنا هو جمال الصورة .

فتكون الآية حينئذ خاصة بالمخلوقات التي جَمَّلها الله تعالى .

قال القرطبي رحمه الله :

" ( أَحْسَنَ ) أَيْ: أَتْقَنَ وَأَحْكَمَ ، فَهُوَ أَحْسَنَ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ لِمَقَاصِدِهِ الَّتِي أُرِيدَ لَهَا.

وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ : "لَيْسَتِ اسْتُ الْقِرْدِ بِحَسَنَةٍ ، وَلَكِنَّهَا مُتْقَنَةٌ مُحْكَمَةٌ ". وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: ( أَحْسَنَ كُلَّ شي خَلَقَهُ) قَالَ: أَتْقَنَهُ.

وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ( الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) أَيْ لَمْ يَخْلُقِ الْإِنْسَانَ عَلَى خَلْقِ الْبَهِيمَةِ ، وَلَا خَلَقَ الْبَهِيمَةَ عَلَى خَلْقِ الْإِنْسَانِ .

وَقِيلَ: هُوَ عُمُومٌ فِي اللَّفْظِ ، خُصُوصٌ فِي الْمَعْنَى ، والمعنى: حسّن خلق كل شي حَسَنٍ" .

انتهى من "تفسير القرطبي" (14/ 90) .

وهذه الآية الواردة في السؤال تشبه قوله تعالى : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ، وفيها قولان للمفسرين .

قال النسفي في تفسيره (3/436):

" (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) أي جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه ، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور ، ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب ، ومن كان دميماً مشوه الصورة سمج الخلقة فلا سماجة ثمّ ، ولكن الحسن على طبقات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حد الحسن ، وقالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما ، الجمال والبيان" انتهى .

وينظر "تفسير الرازي" (15/365) ، "تفسير النيسابوري" (7/196) .

وعلى هذا ؛ فمعنى (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أي : أتقن ، وهذا لا ينافي أن يكون من الخلق من هو قبيح الصورة أو مشوه .

ويحتمل أن يكون المراد بذلك حسن الصورة وجمالها .

ولا يعترض على ذلك بوجود بعض المخلوقات المشوهة أو القبيحة ، لأنها لم تخرج عن الحسن ، ولكن الحسن والجمال درجات ، فهذه المخلوقات هي أحسن وأجمل مما دونها وأقل منها جمالا ، إلا أن جمالها لا يظهر لأننا نقارنها بما هو أجمل منها ، ولو قورنت بما دونها في الجمال لظهر جمالها .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:06
ثانيا :

أما كون الخلق يمكن أن يكون أفضل صورة مما هو عليه ، فالله تعالى على كل شيء قدير ، وقد خلق الملائكة في أحسن خلق وأكمله وأجمله ، فلا يقال : لماذا لم يخلق الله الخلق كله على هيئة الملائكة ؟ لأن هذا سوف يتنافى مع حكمة الله تعالى ، فقد خلق الله تعالى كل شيء من المخلوقات لحكمة معينة ولتحقيق مصالح معينة أرادها الله تعالى ، فخلق كل شيء من المخلوقات على الصورة التي تحقق تلك الحكمة والمصالح وأحكم خلقه وأحسنه ، فلا مطمع أن يكون الخلق أحسن من هذا .

حتى الأمراض والكوارث والشر الذي يفعله الإنسان أو غيره من المخلوقات .. فكل ذلك خلقه الله وأتقنه وأحكمه .
فقد خلق الله المرض ليبتلي المريض هل يصبر ويرضى أم لا ؟

وليبتلي السليم الصحيح : هل يشكر نعمة الله عليه أم لا ؟

قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ) الفرقان/ 20 .

" فامتحن الأغنياء بالفقراء ، والفقراء بالأغنياء ، وامتحن الضعفاء بالأقوياء ، والأقوياء بالضعفاء، والسادة بالأتباع ، والأتباع بالسادة ، وامتحن المالك بمملوكه ، ومملوكه به ، وامتحن الرجل بامرأته ، وامرأته به ، وامتحن الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، والمؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين "

انتهى من "إغاثة اللهفان" (2 /161) .

وقال السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى :

(قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه/ 49، 50 .

" أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعة من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه، وجميع صفاته، ثُمَّ هَدَى كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق، تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل، ما يتمكن به على ذلك.

وهذا كقوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) فالذي خلق المخلوقات، وأعطاها خلقها الحسن، الذي لا تقترح العقول فوق حسنه، وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب "

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 507).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فَالْمَخْلُوقُ بِاعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ الَّتِي خُلِقَ لِأَجْلِهَا خَيْرٌ وَحِكْمَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَرٌّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَذَلِكَ أَمْرٌ عَارِضٌ جُزْئِيٌّ، لَيْسَ شَرًّا مَحْضًا، بَلْ الشَّرُّ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْخَيْرُ الْأَرْجَحُ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْفَاعِلِ الْحَكِيمِ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا لِمَنْ قَامَ بِهِ.

وَظَنُّ الظَّانِّ أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمَطْلُوبَةَ التَّامَّةَ قَدْ تَحْصُلُ مَعَ عَدَمِهِ ، إنَّمَا يَقُولُهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ ، وَارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ، فَإِنَّ الْخَالِقَ إذَا خَلَقَ الشَّيْءَ ، فَلَا بُدَّ مِنْ خَلْقِ لَوَازِمِهِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ وُجُودِ اللَّازِمِ مُمْتَنِعٌ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/ 512) .

وقال أيضا :

" وَاللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ ، فَإِنَّهُ خَلَقَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي بِاعْتِبَارِهَا كَانَ فِعْلُهُ حَسَنًا مُتْقَنًا، كَمَا قَالَ: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) وَقَالَ: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ؛ فَلِهَذَا لَا يُضَافُ إِلَيْهِ الشَّرُّ مُفْرَدًا، بَلْ إِمَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الْعُمُومِ، وَإِمَّا أَنْ يُضَافَ إِلَى السَّبَبِ، وَإِمَّا أَنْ يُحْذَفَ فَاعِلُهُ " .

انتهى من "منهاج السنة النبوية" (3/ 142) .

والله تعالى أعلم .............................

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:07
السؤال :

هل يوجد في القرآن ما ينص على أن الله كامل لا نقص فيه؟ وإن لم يوجد هناك نص، فهل يؤمن المسلمون أن الله كامل لا نقص فيه؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

المسلمون مجمعون على الاعتقاد بأن الله تعالى متصف بأقصى ما يمكن من الكمال ، وأنه منزه عن كل نقص مهما خف وقلّ ، وأقوال علماء المسلمين متواترة على اتصاف الله تعالى بالكمال المطلق ، ومن ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" الكمال ثابت لله ، بل الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكملية ، بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابت للرب تعالى يستحقه بنفسه المقدسة ، وثبوت ذلك مستلزم نفي نقيضه ؛ فثبوت الحياة يستلزم نفي الموت ، وثبوت العلم يستلزم نفي الجهل ، وثبوت القدرة يستلزم نفي العجز ، وأن هذا الكمال ثابت له بمقتضى الأدلة العقلية والبراهين اليقينية ، مع دلالة السمع – أي نصوص الوحي - على ذلك "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (6 / 71) .

ويقول : " فالإجماع منعقد على أنه تعالى لا يوصف بغير صفة الكمال"

انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (2/330) .

ويقول : " ومما يبين الأمر في ذلك : أن المسلمين متفقون على تنزيه الله تعالى عن العيوب والنقائص ، وأنه متصف بصفات الكمال ؛ لكن قد يتنازعون في بعض الأمور : هل النقص في إثباتها ، أو نفيها ، وفي طريق العلم بذلك . "

انتهى من " منهاج السنة النبوية" (2/563) .

ويقول أيضا : " ومعلوم أن الإجماع على تنزيه الله تعالى عن صفات النقص، متناول لتنزيهه عن كل نقص من صفاته الفعلية وغير الفعلية "

انتهى من "درء تعارض العقل والنقل" (4/89) .

ثم إن هذا أيضا ما تقضي به العقول السليمة ؛ فكيف يعبد الإنسان ربا ، لا يعتقد فيه الكمال المطلق ، أو يظن أن يتطرق النقص إلى ذاته ، أو شيء من صفاته ؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" النقص منفي عنه عقلًا، كما هو منفي عنه سمعًا، والعقل يوجب اتصافه سبحانه بصفات الكمال، والنقص هو ما ضادَّ صفات الكمال"

انتهى من "شرح الأصبهانية" (412) .

ثم هو أيضا مقتضى الفطر السليمة التي لم تفسد ، ولم تغير عن أصل خلقتها ؛ كما قال الله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الروم/30

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" الإقرار بالخالق وكماله يكون فطريا ضروريا في حق من سلمت فطرته ، وإن كان مع ذلك تقوم عليه الأدلة الكثيرة .
وقد يحتاج إلى الأدلة عليه كثير من الناس ، عند تغير الفطرة ، وأحوال تعرض لها."

انتهى . "مجموع الفتاوى" (6/73) .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:08
ثانيا :

فكما سبق من كلام شيخ الإسلام ، فإن نصوص الوحي ومنها آيات القرآن قد دلت على إثبات الكمال لله تعالى .
لكن مما يجب الانتباه إليه بداية ؛ هو أن المعاني لأي كتاب لا تؤخذ فقط من ظواهر ألفاظه بل تراعى أيضا طرقا أخرى ؛ ومن الطرق التي اتفق عليها العقلاء في كل ملة أن المعاني تؤخذ أيضا بالاستقراء وبالإشارة ومن سياق النص وروحه ومن الدلالات المعتبرة لألفاظ النص .

فإذا راعينا هذا ؛ فإنه يمكن القول أن صفة الكمال وإن لم تأت بهذا اللفظ في القرآن إلا أن آيات القرآن قد دلت عليها من عدة أوجه ؛ ومن أهمها وأوضحها :

الوجه الأول : بالاستقراء لنصوص القرآن الكريم نجد أن الله تعالى قد وصف نفسه بصفات الكمال .

وقد سمى الله تعالى نفسه بكثير من صفات الكمال هذه ثم وصف أسماءه هذه بالحسنى في عدد من آيات القران ؛ ومن ذلك قوله تعالى :

( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأعراف (180) .

فإذا كان الله تعالى متصفا بغاية الكمال في الحسن ، لزم من هذا انتفاء ما يضادها من الأوصاف الناقصة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" وبالجملة فالسمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى وصفات الكمال ما قد ورد ، فكل ما ضاد ذلك فالسمع ينفيه ، كما ينفي عنه المثل والكفؤ ، فإن إثبات الشيء نفي لضده ، ولما يستلزم ضده ، والعقل يعرف نفي ذلك ، كما يعرف إثبات ضده ، فإثبات أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه .

فطرق العلم بنفي ما ينزه الرب عنه متسعة "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (3 / 84) .

ولهذا عقب الله تعالى على هذا الوصف – بأن له الأسماء الحسنى - في آية أخرى بأن أثبت أنه المستحق للتسبيح
.
فقال تعالى :

( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الحشر (24) .

والتسبيح : في اللغة : هو التنزيه .

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى :

" وأصل التسبيح : التنزيه والتقديس والتبرئة من النقائص ، ثم استعمل في مواضع تقرب منه اتساعا " ا

نتهى . " النهاية في غريب الحديث " (2 / 331) .

فإذا كانت صفات الله كلها بالغة في الحسن غاية الكمال ، وهو سبحانه منزه مع ذلك عن كل ما يعيب . فهذا دليل من القرآن واضح على كمال الله سبحانه وتعالى .

الوجه الثاني :

جاءت آيات قرآنية كثيرة بتسبيح الله تعالى والأمر بذلك ، والتسبيح في اللغة كما سبق هو التنزيه ، وتنزيه الله تعالى يتضمن نفي كل نقص ، فإذا نفي كل نقص عن الله تعالى ، لم يبق من صفاته إلا ما يدل على الكمال
.
ولاقتضاء التنزيه لكمال الله تعالى ، اقترن به في عدد من الآيات حمد الله لأنه يشعر بهذا الكمال بل يستلزمه .

كما في قوله تعالى :

( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الصافات (180 – 182) .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :

" ينزه تعالى نفسه الكريمة ويقدسها ويبرئها عما يقوله الظالمون المكذبون المعتدون .
..
( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) أي : له الحمد في الأولى والآخرة في كل حال .

ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه والتبرئة من النقص ، بدلالة المطابقة ، ويستلزم إثبات الكمال ، كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال مطابقة ، ويستلزم التنزيه من النقص ؛ قرن بينهما في هذا الموضع ، وفي مواضع كثيرة من القرآن "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (7 / 46) .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:09
الوجه الثالث :

إذا علمنا كما سبق أن الله نزه نفسه عن كل نقص ، وأن هذا يلزم منه أنه لا يتصف إلا بما يُحْمد عليه ، فإن الله تعالى أخبر أنه في هذه الصفات المحمودة عال على صفات خلقه ، لا يدركه فيها أحد ، وهذا غاية الكمال .

فقال الله تعالى في بيان علوه على خلقه بذاته وصفاته :

( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ) غافر (14 – 15) .

وقال تعالى :

( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الروم (27) .
ونفى أن يشابهه أحد من خلقه فقال تعالى
:
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى (11) .

وهذا كله يشير إلى غاية الكمال في صفات الله تعالى .

الوجه الرابع :

أن الله سمى نفسه بأسماء ، كل واحد منها يدل على عموم كماله تعالى وبراءته من النقائص ؛ ومن ذلك :

1- القدوس .

قال الله تعالى :

( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) الجمعة (1) .

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى :

" في أسماء الله تعالى " القدوس " : هو الطاهر المنزه عن العيوب . وفُعُّول :

من أبنية المبالغة " انتهى . " النهاية " (4 / 23) .

2- السّلام .

قال الله تعالى :

( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ ) الحشر (23) .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

" ولما كان " السلام " اسما من أسماء الرب تبارك وتعالى ، وهو اسم مصدر في الأصل - كالكلام والعطاء – بمعنى السلامة ، كان الرب تعالى أحق به من كل ما سواه ؛ لأنه السالم من كل آفة وعيب ونقص وذم

فإن له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، وكماله من لوازم ذاته ، فلا يكون إلا كذلك ، والسلام يتضمن سلامة أفعاله من العبث والظلم وخلاف الحكمة ، وسلامة صفاته من مشابهة صفات المخلوقين ، وسلامة ذاته من كل نقص وعيب ، وسلامة أسمائه من كل ذم ؛ فاسم " السلام " يتضمن إثبات جميع الكمالات له وسلب جميع النقائص عنه "

انتهى من " أحكام أهل الذمة " (1 / 413 – 414) .

3- الصمد .

قال الله تعالى :

( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ) الإخلاص (1 – 2) .

روى الطبري في "تفسيره" (24/736) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] يَقُولُ: «السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدَدِهِ، وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ عَظُمَ فِي عَظَمَتِهِ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ

وَالْغَنِيُّ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي غِنَاهُ، وَالْجَبَّارُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَبَرُوتِهِ، وَالْعَالِمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدَدِ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ صِفَتُهُ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ» .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :

" قال بعض العلماء : الصمد السيد ، الذي يلجأ إليه عند الشدائد والحوائج .

وقال بعضهم : هو السيد الذي تكامل سُؤْدُدُه ، وشرفه ، وعظمته ، وعلمه ، وحكمته .

وقال بعضهم : " الصمد " هو الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ؛ وعليه فما بعده تفسير له .

وقال بعضهم : هو الباقي بعد فناء خلقه .

وقال بعضهم : " الصمد " هو الذي لا جوف له ، ولا يأكل الطعام .
..
من المعروف في كلام العرب إطلاق الصمد على السيد العظيم ، وعلى الشيء المصمت الذي لا جوف له ...

فإذا علمت ذلك ، فالله تعالى هو السيد الذي هو وحده الملجأ عند الشدائد والحاجات ، وهو الذي تنزه وتقدس وتعالى عن صفات المخلوقين ، كأكل الطعام ونحوه ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا "

انتهى من " أضواء البيان " (2 / 220 - 221) .

4- الحميد :

قال الله تعالى :

( يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر (15) .

قال الخطابي رحمه الله تعالى :

" الحميد : هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله ، وهو فَعِيْل بمعنى مَفْعولٍ ، وهو الذي يحمد في السراء والضراء ، وفي الشدة والرخاء ، لأنه حكيم لا يجري في أفعاله الغلط ، ولا يعترضه الخطأ ؛ فهو محمود على كل حال "

انتهى من " شأن الدعاء " (ص 78) .

والحاصل :

أن كمال الله تعالى قد دل عليه القرآن من أوجه عديدة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:10
السؤال:

كنت أتناقش مع أحد الأصدقاء عمن هو أسوء البشر، فقلت : هو فرعون ؛ لأنه ادعى الربوبية ، ورفض تسع آيات بينات جاء بها موسى عليه السلام، وقد نجّى الله جسده ليكون آية للناس ، ويُحشر يوم القيامة مع هامان

ويُدخل أشد العذاب ، ولكن صاحبي خالفني الرأي فقال : إن أسوء إنسان هو أبو لهب ؛ لأن سورة بأكملها في القرآن وردت في ذمه ، ولأنه آذى النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإيذاء ، ولكني لا أعتقد أنه في نفس درجة فرعون من السوء ، فما رأيكم ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الانشغال بمثل ذلك والجدال فيه ، يضيع على المسلم أوقاتا وجهدا كان يمكنه أن ينفقها فيما هو أنفع له وللمسلمين حوله .

فالمسلم يحتاج إلى معرفة أكمل الناس إيمانا وأحسنهم أخلاقا حتى يقتدي بهم ، ويعمل مثل أعمالهم ، أكثر من حاجته لمعرفة أشد الناس كفرا .

ما دام قد تقرر عند المسلم : أن الشخصين المذكورين : هما كافران بالله ، عدوان له ، قد توعدهما الله في كتابه بأشد العذاب .

لكن إذا كان قصد المسلم بهذا معرفة هؤلاء ليكون أشدا حذرا من أفعالهم ، ويحذر الناس منها فلا بأس بذلك .

ثانيا :

إذا نظرنا إلى هذين الرجلين وأقوالهما وأعمالهما ، وما نزل فيهما من آيات في القرآن الكريم ، فإننا لا نشك أن فرعون أشد كفرا وعتوا من أبي لهب ؛ فإنه كان قد ادعى الربوبية والألوهية ، ودعا الناس إلى تقديسه وتعظيمه ، واستخف قومه فأطاعوه ، وأضل جنده فنصروه ، وعادى أولياء الله

وعذب الناس ، وذبح أبناءهم ، واستحيا نساءهم ، ولم يُذكر جبار متكبر في القرآن كما ذكر هذا الطاغية ، فذُكر بقبيح أقواله وأفعاله ، وذكر بظلمه وعتوه وجبروته ، وذكر بإضلاله الناس وإغوائهم ، وذكر بمصيره السيء يوم القيامة ، قال تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) غافر/ 46 .

أما أبو لهب : فقد كفر بالله وبرسوله ، وعادى على ذلك ، ووالى على ذلك ، ومات على كفره وخسرانه ، ولم يكن له نكاية في المؤمنين كما كان لفرعون ، ولا كان في الكفر كما كان فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية وقال : (أنا ربكم الأعلى) ، وقال : (ما علمت لكم من إله غيري) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ أَهْلِ الْمِلَلِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: أَنَّ فِرْعَوْنَ مِنْ أَكْفَرِ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ ؛ بَلْ لَمْ يَقُصَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ قِصَّةَ كَافِرٍ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ أَعْظَمَ مِنْ قِصَّةِ فِرْعَوْن َ، وَلَا ذَكَرَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ مِنْ كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ وَعُلُوِّهِ : أَعْظَمَ مِمَّا ذَكَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (2/ 125) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:11
السؤال:

أريد بعض أسماء الكتب التي تتكلم عن عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، وأسماء كتب لزيادة اليقين .

الجواب :

الحمد لله

عظمة الخالق جل وعلا لا يبلغ العبادُ الفقراء العاجزون الحديث عنها ، ولا الخوض في قدرها ، وكيف يفعلون وهم أضعف وأعجز عن الاستقلال بشيء من أسبابهم وحقائقهم ، فكيف بالحديث عن خالقهم ذي الجلال والجمال والكمال المطلق ، الذي قال في كتابه الكريم : ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ . هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ . هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ . هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الحشر/ 21 – 24 .

وما يمكن أن يستوعبه العبد القاصر من عظمة الله تعالى : نزر يسير ، بقدر ما تتيح له فهمه للنصوص الواردة ، مع قدرته العاجزة ، وعلومه القاصرة ، وبقدر ما هو ممكن في حدود معارف الدنيا الفانية وأسبابها .

وما يمكن أن ننصحك بالاطلاع عليه ، والعناية بقراءته والتأمل فيه ، وتكرار التباحث بمضمونه والحوار حوله ، الكتب الآتية :

1. العظمة ، للشيخ الدكتور عائض القرني ، طبعته مكتبة العبيكان ، 1423ه، 2003م، والكتاب يقع في نحو الثلاثمائة صفحة ، ملأه مصنفه بالنماذج التي تقرب لنا بالمثال عظمة الله سبحانه وتعالى ، في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، وتدبيره ، وخلقه ، وألوهيته ، وربوبيته ، وجلاله ، وجماله ، فحشد في الكتاب من الآيات والأحاديث والآثار والأقوال ما يعين القارئ على تفهم قدر من هذه العظمة ، بحسب ما أخبر الخالق عن نفسه في كتابه ، وما يمكن للإنسان أن يقف عليه مما يراه حوله في حياته .

فهو كتاب جدير بالعناية والقراءة مرات عدة ، يمتاز بسهولة عبارته ، وكثرة أدلته وأمثلته ، وأسلوبه المقنع الجذاب ، ولغته العلمية السهلة.

وقد جاء في مقدمة محقق الكتاب (ص10-11) قوله :

" العظمة تبسيط لمجمل العقيدة ، وماهية التوحيد ، وحقيقة الإيمان ، وضوابط الانقياد ، من خلال جولة قلبية في الحياة الكونية ، التي تقرر الحقيقة الإلهية بالآيات الربانية .

مقصود العظمة وهدفها : زرع التوحيد الخالص لله في صور تطبيقية ، وحفظ الأحكام الشرعية، لا التراكيب المتنية ، وإقامة الحجة على العقول البشرية للاعتراف بالصفات الإلهية.

وكنت على يقين قبل قراءتي للعظمة أنني سوف أقرأ كتابا متنيا ، ولكن فوجئت أن العظمة ملحمة أدبية شرعية ، بروح العقيدة السلفية .

والعظمة يصلح أن يكون عمدة في إقناع غير المسلمين بالإسلام ؛ لأنه يخاطب الفطرة الإنسانية بما يوافق المنطق العقلي ، ليقنع الإنسان بتوحيد الرب جل وعلا .

فأقام الحجة على العقل بدلائل مرئية ، وعبارات مركزة قوية ، ولذلك أرى – والله أعلم – أن كتاب العظمة في هذا الشأن سوف يترك أثرا كبيرا في دعوة غير المسلمين .

وقلم العظمة وضع صورا مختلفات ، وآيات كثيرات يقنع بها أهل الملة والدين ، ليزدادوا معرفة بربهم ، وهذه الآيات الإلهية والشواهد المرئية تجعل النفس أكثر انقيادا ، وأشد حرصا على اتباع ما أمر به الله سبحانه وتعالى ، والكف عما نهى عنه ، تعظيما وإجلالا لصاحب العزة والجبروت.

وهذه المقدمة كان لا بد منها لتوضيح الخطوط العريضة لمضمون كتاب العظمة ، حتى نستفيد منها ونقرأ ونعي ، ثم نجتهد ونعمل ونطبق ، فالهدف هو العمل والتطبيق ، وليس القراءة والإعجاب " انتهى.

2. عظمة الله تعالى عزوجل ، للدكتور محمد موسى الشريف ، طبعته دار ابن كثير ، يقع في نحو الثلاثمائة صفحة ، وقد حشد فيه المصنف روائع مظاهر عظمة الله تعالى من الكتاب والسنة وأقوال الصالحين ، وآفاق الكون وعالم الغيب والشهادة ، يتنقل بقارئه بين المحطات بأسلوب سلس وعبارة رشيقة

ننصح السائل بقراءته والتأمل فيه.

3. العظمة ، لأبي الشيخ الأصبهاني (ت369هـ)، طبعته دار العاصمة في الرياض عام (1408هـ)، بتحقيق رضاء الله المباركفوري. يقع الكتاب في مجلدات خمسة ، سرد فيها مؤلفها سردا مسهبا ومطولا جدا في ذكر بديع مظاهر عظمة الله سبحانه وتعالى ، في خلقه الكون والإنسان والحيوان ، ومعاني قيوميته عليهم ، وتدبيره شؤونهم ، كلها أمثلة من الآيات الكريمات ، والأحاديث الشريفة المسندة ، والأقوال المأثورة ، ولكن مع التنبه إلى وقوع الأحاديث الضعيفة التي بينها المحقق في الحاشية .

4. العظمة في كل مكان ، للباحث هارون يحيى ، وهو كتاب متعمق في العلوم الطبيعية ، يكشف فيه دقيق صنع الله عز وجل وخلقه ، في الخلية ، والفلك ، والإنسان ، والحيوان ، والنبات، يفصل في عجائب المخلوقات ، وما هداها الله سبحانه إليه في شؤونها .

5. المجلد الثاني من كتاب " مفتاح دار السعادة " للعلامة ابن قيم الجوزية ، فهو في معظمه مخصص للحديث عن التفكر في خلق الله ، وآيات عظمته وبديع خلقه عز وجل ، وقد أفاض ابن القيم رحمه الله في ضرب الأمثلة ، وتنويع العبارة وفيض الأدلة ، بأسلوب سهل ماتع ، ننصح بقراءته والاطلاع عليه .

6. كتاب "العقيدة في الله " للدكتور عمر سليمان الأشقر ، فإنه لخص كلام ابن القيم وهذبه وزاد عليه بعض أشياء .
7. ومن أهم ما يمكن الرجوع إليه أيضا الأفلام الوثائقية التي عرضتها قناة المجد الوثائقية ، أو القنوات المحافظة الأخرى ، والتي خصصت لعرض عجائب المخلوقات بالصوت والصورة والحركة والتقرير العلمي المختص ، فما ورد فيها يبعث في نفس المشاهد الغاية في إدراك أسرار الخلق والاستدلال بها على عظمة الخالق ، والانتقال من آيات الكون المنظور إلى عظمة الخالق الفاطر جل وعلا .

ولا شك أن الاطلاع على المصادر والمراجع السابقة ، وكثرة قراءتها ومذاكرتها تورث يقينا وطمأنينة ، وتثبت الإيمان القلبي المركوز في الفطرة السليمة ، وذلك في وجه التشكيك المتوهم المنتشر في الآفاق اليوم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 03:13
السؤال :

كل شيء في الإسلام تام ومكتمل لأنه من الله تعالى، وعدالة الله لا خلاف حولها. ولكني سمعت كافرا ذات مرة يتحدث عن مسألة خلود الكفار في النار فأثار ذلك فضولا في نفسي للسؤال. لقد قال بأن خلودهم في النار لا ينم عن عدالة، إذ كيف يعاقبون عقابا أبديا بسبب جرم محدود غير أبدي وهو الكفر في الدنيا. والمسلمون يردون على مثل هذه الشبه بقولهم: هم من اختاروا الكفر لأنفسهم. فيرد أولئك: نحن لم نختر شيئاً على الإطلاق

بل وجدنا أنفسنا على هذه الحالة، ولا نعرف حتى وجود شيء اسمه النار. فكيف نرد على شبههم حول هذه المسألة؟ وهي في الحقيقة مسألة ترد على ذهني كثيرا وإن كنت أؤمن إيمانا جازما بأن الله لا يظلم الناس شيئا. فأرجو الشرح والتوضيح.

الجواب :

الحمد لله

أولا
:
قد سبق في الموقع الرد على هذه الشبهة ، وأنها من سفسطة الدهريين ، الذين لا يؤمنون بحساب ولا عذاب أصلا ، ولا يؤمن ببعث ولا قيامة ، كما قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :

"وأما سفسطة الدهريين التي ذكرها – أي : ابن القيم - استطراداً : فقد تولى الله تعالى الجواب عنها في محكم تنزيله ، وهو الذي يعلم المعدوم لو وُجد كيف يكون ، وقد علم في سابق علمه أن الخُبث قد تأصل في أرومة هؤلاء الخبثاء بحيث إنهم لو عُذبوا القدْر من الزمن الذي عصوا الله فيه ثم عادوا إلى الدنيا لعادوا لما يستوجبون به العذاب

لا يستطيعون غير ذلك ، قال تعالى في سورة الأنعام : ( وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) " .

ثانيا :

من المعلوم : أن الله تعالى قد خلق الإنسان لعبادته - عز وجل - وخلق للإنسان كل شيء ، فلا ينبغي للإنسان أن يشغل بما خلق له عما خلق من أجله، قال سبحانه وتعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات/56 .

فمهمة الإنسان وغاية وجوده عبادة الله - سبحانه وتعالى - فإن تشاغل الإنسان عنها حق عليه العذاب.

وقد أرسل إلى البشر الأنبياء والمرسلين؛ ليوضحوا للبشرية طريق الهداية : ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء/165.

وأخبرهم على لسان رسله : أنه من حاد عن سبيله ، وأشرك بربه : فإن جزاءه جهنم خالدا فيها ، وأنه لا نصيب له في جنة رب العالمين :

( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) المائدة/72 .

وأخبر أنه لا يسوي بين المحسن والمسيء ، بل هذا من سوء الظن بالله وحكمته :

(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص/28 .

(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ ) غافر/58 .

وأخبر أنه خص برحمته يوم القيامة أهل الإيمان به ، والتصديق لرسله :

(قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/ 156 .

وفي صحيح مسلم (2752) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .

وحينئذ ، فمن كفر ، فقد كفر عن بينة ، واختار لنفسه ذلك المصير الذي حتمه الله على أهل الكفر ، وقد بين الله تعالى له الطريقين ، وهداه السبيلين ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ؛ فاختار هو لنفسه الكفر عن بصيرة ، وهو يعلم أين يذهب به عمله ؛ فأي ظلم لمثل هذا إذا أتى على ربه وقد عانده عمره كله ، ولو أمكنه أن يعانده عمر إبليس ، لما انتهى عن كفره وعناده ، بل بقي على ذلك دهر الداهرين ، كما بقي عليه إمام الفجار ، إبليس اللعين .
ثالثا :

وأما شبهة أن الكفار وجدوا أنفسهم على هذه الحالة ، فيقال فيها :

إن من وجد نفسه على حالة الفقر ، فإنه لا يرضى لنفسه مثل هذه الحجة ، بل يسعى ليكتسب من نعيم الدنيا ورزقها ، ما يرجو به تغيير حاله .

ومن وجد نفسه على حالة المرض ، يسعى لينقل نفسه إلى حال الصحة والعافية .

وهكذا العاقل ، متى وجد نفسه على حالة من الضلالة والغي ، وجب عليه أن يسعى ليخرج نفسه من الظلمات إلى النور ، وأن يتلمس موارد الهدى ، وسبل السلام . وإلا ، فهذه حجة الكفار من جميع الأمم : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) المائدة/104 .

وقال تعالى : (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) الزخرف/21-25 .

وحينئذ ، فمن بلغته رسالة الرسول على الوجه الذي تقوم به الحجة عليه : فقد انقطع عذره عند الله ، ولم يبق له حجة بعد ذلك يحتج بها ، بل الواجب عليه أن يتبع الهدى ، أيا ما كان دينه قبل ذلك : ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء /165 .

وقال تعالى : ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء /15 .

وأما من نشأ بمكان لم تبلغه فيه دعوة الرسول، أو وصلته مشوهة ، لم تتبين محجتها ، ولم تقم بمثلها عليه الحجة ، فهذا أمره إلى الله في الدار الآخرة ، وقد وعد الله تعالى ألا يعذب عباده من غير البلاغ المبين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد ، وهم أهل " لا إله إلا الله " ؛ فهذا حق الله على كل عبد من عباده ، كما في الصحيحين من حديث : معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقه عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا) الحديث.

فلا ينجون من عذاب الله إلا من أخلص لله دينه وعبادته ، ودعاه مخلصا له الدين .

ومن لم يشرك به ولم يعبده : فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره ، كفرعون وأمثاله ، فهو أسوأ حالا من المشرك؛ فلا بد من عبادة الله وحده ، وهذا واجب على كل أحد ، فلا يسقط عن أحد البتة ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره.

ولكن لا يعذب الله أحدا حتى يبعث إليه رسولا ، وكما أنه لا يعذبه ، فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة ، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه ؛ فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة ، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان ، فمن لا ذنب له لا يدخل النار ، ولا يعذب الله بالنار أحدا إلا بعد أن يبعث إليه رسولا ؛ فمن لم تبلغه دعوة رسول إليه ، كالصغير والمجنون والميت في الفترة المحضة :

فهذا يمتحن في الآخرة ، كما جاءت بذلك الآثار." .

انتهى ، من "مجموع الفتاوى" (14/476-477) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 04:09
السؤال:

شخص ما كتب هذه الجملة : " قــبــل أن تــوجــد الــديــانــات ، خـــلـــق الله الإنــســان " وطلب الرد عليه بالبراهين لنفيها ، فما مدى صحة هذا الكلام ؟

الجواب :

الحمد لله

هذه العبارة باطلة ، وبيان بطلانها بما يلي :

- أن الله تعالى خلق كل إنسان على الفطرة ، وهي الإيمان بخالقه والإسلام له ، قال تعالى : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ) الروم/ 30 .

وقال الله تعالى في الحديث القدسي : ( إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ (أي أخرجتهم عن دينهم) وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ) رواه مسلم (2865) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ) رواه البخاري (1296) ، ومسلم (4803) ، وفي رواية لمسلم (4805) : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ ) .

فكل إنسان خلقه الله إنما خلقه مسلما ، حتى يؤثر فيه والداه ، أو يبلغ ذلك الإنسان ويختار لنفسه ما يدين به .
- أن الإسلام وهو دين الله الحق موجود قبل خلق الإنسان ، فإن الملائكة مخلوقة قبل الإنسان ، وهم مسلمون ، لأن حقيقة الإسلام : الإذعان والانقياد لله تعالى مع المحبة والتعظيم ، وقد قال الله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )البقرة/30 .

وقال تعالى : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران/18 .
وقال تعالى : ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)النساء/172 .

- أن آدم عليه السلام ، أبو البشر وأول إنسان خلقه الله إنما خلقه الله مسلما موحدا ، وكلمه وجعله نبيا ، فلم يخلقه الله إنسانا بلا دين ، ثم تعلم الدين ، بل استمرت البشرية كلها من ذرية آدم إلى عهد نوح عليهما السلام على توحيد الله تعالى وطاعته ومحبته وتعظيم أمره ، لم يتنازعوا ولم يختلفوا في ذلك

حتى ظهر ذلك الاختلاف والتنازع وبداية الانحراف عن التوحيد في عهد نوح عليه السلام ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : " كَانَ بَيْنَ نُوحٍ ، وَآدَمَ ، عَشْرَةُ قُرُونٍ ، كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ ( وفي رواية : كُلُّهُمْ عَلَى الإِسْلاَم ِ) فَاخْتَلَفُوا ، (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) " .

انظر : " تفسير الطبري " (3/621) ، " تفسير ابن كثير " (3/431) .

- أن هذه المقالة صحيحة بالنسبة لجميع الأديان إلا الإسلام ، فإنها كلها ديانات حادثة اخترعها الإنسان ، فهي من صنع الإنسان ، هو الذي رتبها ورتب طقوسها وأعيادها .. إلخ .

أما الإسلام والتوحيد ، فتوحيد الله تعالى سابق على كل شيء ، ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ) هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يثني على الله تعالى فيما رواه البخاري (4888( ، ومسلم (2713)
.
- أن الرسالة النبوية إنما جاءت لهداية الناس وتعليمهم أمر ربهم ، ولولا هذه الرسالات السماوية ، واتباع كثير من الناس لها ، لنزل العذاب بالإنسان ، ولما كان له وجود في هذه الحياة ، ولعم الأرض الخراب ، ولفسدت السموات والأرض ومن فيهن ، قال تعالى : ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)المؤمنون/ 71 .

فلولا الإيمان والدين لكان وجود الحيوانات والجمادات والنباتات أكرم من وجود الإنسان ، فالإنسان بغير دين الإسلام شر مخلوق على وجه الأرض .

- ثم أخيرا .. ماذا يريد قائل هذه العبارة بكون الإنسان وجد قبل الدين ؟ فلا يعنينا من وجد أولا! الذي يعنينا هو : هل الدين (الإسلام) أمر الله به أم لا ؟

وهل طاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أمر الله بها أم لا ؟

وهل هناك دين على وجه الأرض الآن هو الحق وكل ما عداه باطل إلا الإسلام أم لا ؟

وهل يدخل كل من أعرض عن التوحيد وعن طاعة الله تعالى وعن الإسلام النار ويخلد فيها أم لا ؟

هل أمرنا الله تعالى أن نعيش حياتنا كلها على وفق شرعه أم لا ؟

هذا هو الذي يعنينا سواء وجد الإنسان قبل الدين أم وجد بعده .

نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 02:53
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

السؤال:,

ما حكم هذه الرسالة ، رسالة أبكتني حقا : حوار بين الله والإنسان : الله : عبدي ، قم وصل صلِ صلاة الليل المكونة من 11 ركعة ؟ العبد: الهي ! أنا متعب ! لا أستطيع . الله : عبدي ، فقط ركعتين صلاة الشفع وركعة الوتر ؟

العبد: الهي! أنا متعب ، ويصعب علي الجلوس في منتصف الليل . الله : عبدي قبل أن تنام صل هذه الثلاث الركعات ؟

العبد: يا رب إن ثلاث ركعات كثيرة . الله : عبدي صل فقط ركعة الوتر ؟

العبد: الهي ! اليوم متعب جدا ! ألا يوجد طريق آخر ؟

.... وهكذا ، في رسالة طويلة ، إلى أن تقول الملائكة : يا رب ، ألا تريد أن تغضب عليه ؟

الله: عبدي ليس له أحد سواي لعله تاب ..... إلى آخر حوار طويل ، جاء في هذه الرسالة ؟!

الجواب :

الحمد لله

هذه الرسالة هي ضرب من الكذب ؛ بل هي من أشنعه وأرداه لصاحبه : أن يتوهم العبد من عنده كلامه ، ثم ينسبه لرب العالمين ؛ وقد قال الله جل جلاله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/168-169

وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 ؛ فبأي علم ، وبأي سلطان من الله ، يقضي القائل على ربه أنه قال لعبده هذا الحوار ، بغض النظر عما إذا كان مضمونه حقا ، أو باطلا ، خطأ أو صوابا ؟!

وقد حذر الله عباده من أن يتبعوا أمرا ، لم يأتهم منه علم ولا برهان ؛ فقال : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36 ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ـ كما رواه البخاري (1229) ومسلم (4) ـ : ( إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) ؛ فكيف بمن كذب على الله جل جلاله ، وتقول عليه قولا ، من غير برهان عنده ، وسلطان : أنه الله قد قاله ؟!

وانظر ، كيف أن الله تعالى قد جعل التقول عليه ، وافتراء الكذب على الله ، قرينا لتكذيب آياته وكتابه ؛ قال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) الأنعام/21 .

والآيات في ذلك المعنى كثيرة معلومة .

ثم لا حاجة بنا بعد ذلك إلى أن تتبع ما في هذا الكلام من السماجة ، وسوء الأدب ، والتكلف ؛ فمثل هذا الكلام : صوابه وخطؤه سواء ؛ فلا يحل لعبد أن ينسب إلى مقام الله شيئا ، لم يأته برهان من الوحي به .

وأما أنه أبكى فلانا ، أو نفع فلانا ؛ أو ما إلى ذلك ؛ فكان ماذا ؟!

أوليس الرهبان ، وأشباههم يبكون ، ويخشعون ، ويترهبون ، ويتعبدون ؟!

فكان ماذا ؟!

وقد قال الله تعالى : (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ) الغاشية/1-7 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" قَوْلُهُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} أَيْ: ذَلِيلَةٌ. قَالَهُ قَتَادَةُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَخْشَعُ وَلَا يَنْفَعُهَا عَمَلُهَا !!

وَقَوْلُهُ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} أَيْ: قَدْ عَمِلَتْ عَمَلًا كَثِيرًا، وَنَصَبَتْ فِيهِ، وَصَلِيَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا حامية." انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/384) .

والواجب أن يحذر العبد من تلاعب الشيطان به ، وتزيينه الباطل ، بشيء من الخشوع ، أو البكاء ، أو الكلام المنمق والمزوق ؛ ففي كتاب الله ووحيه ما يغني عن ذلك ؛ وقد قال الله تعالى : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر/23.

عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَا عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا ؟

فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينَ} [يوسف: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3] .

فَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَدَّثْتَنَا؟

فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23] الْآيَةَ ؛ كُلُّ ذَلِكَ يُؤْمَرُونَ بِالْقُرْآنِ» .

رواه ابن حبان (6209) وغيره ، وصححه الألباني .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 02:59
السؤال:

هل يعد مشركاً من أرضي الناس بسخط الله ؛ لأنه قدم طاعة المخلوق على طاعة الخالق عز وجل ؟

مثلا: كشخص لم يغض بصره عن امرأة سافرة ، حتي لا يقول عنه الناس : إنه متزمت ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

ورد الوعيد الشديد لمن أرضى الناس بسخط الله تعالى

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ ، رَضِيَ الله عَنْهُ ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَسْخَطَ عليه الناس ) رواه ابن حبان "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" (1 /510) ، والترمذي (2414) بلفظ : ‏( ‏ مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ) .

وقد اختلف في رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ووقفه على عائشة .

وقد صحح الإمام البخاري ، كما في العلل الكبير للترمذي (332) ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، كما في العلل لابن أبي حاتم (5/59) ، وغيرهم وقفه . وقال الدارقطني رحمه الله : " ورفعه لا يثبت" .

انتهى، من "العلل" (14/182) .
وينظر " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ، للألباني ( 5 / 392 ) ‏.‏

ثانيا :

المعصية التي يرتكبها العبد لأجل إرضاء الناس نوعان :

النوع الأول : أن تكون كفرا ، كأن يرتكب بعض الأعمال أو الأقوال الكفرية فهذا يكفر صاحبها ، إذا توفرت فيه شروط التكفير ، وانتفت موانعه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" التكفير له شروط وموانع ، قد تنتفي في حق المعين ، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين ، إلا إذا وجدت الشروط ، وانتفت الموانع ، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة : الذين أطلقوا هذه العمومات – مثل أن يقولوا من قال كذا فقد كفر - لم يُكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه "

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 12 / 487 – 488 ) .

ومن الشروط المهمة في هذا الباب : أن يكون فاعل هذا الفعل المكفر عالما بتحريمه ، متعمدا لفعله ، مختارا غير مكره .
ومن الموانع التي تمنع من تكفيره : أن يكون جاهلا لحكم ذلك الفعل ، أو متأولا ، أو مخطئا ، أو مكرها .

النوع الثاني : أن تكون هذه المعصية ذنبا ، وليست من أعمال الكفر كمثل ما ذكرت من عدم غض البصر أو الكذب أو شرب الخمر أو سماع الأغاني ، ونحو ذلك من المعاصي ؛ فهذه معصية من المعاصي ، والمعاصي إذا كان صاحبها مسلما مؤمنا بالله ورسوله مصدقا لهما ، غير مستحّل للمعاصي : فلها حكم مثلها من المعاصي ، كبيرها وصغيرها ، لكنه لا يكفر بمجرد ارتكاب هذه المعاصي ، ولو كانت من الكبائر كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، ولو فعلها هوى ، أو مراعاة لحق غيره من الناس ، أو طلبا للمكانة عنده ، أو نحو ذلك من المقاصد والأهواء .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" وقد اتفق أهل السنة والجماعة - وهم أهل الفقه والأثر - على أن أحدا لا يخرجه ذنبه - وإن عظم - من الإسلام "

انتهى من " التمهيد " ( 17/22 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" وأئمة المسلمين أهل المذاهب الأربعة وغيرهم - مع جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان - متفقون على أن المؤمن لا يكفر بمجرد الذنب ".

انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 6 / 479 ) .

وقال رحمه الله تعالى :

" ونحن إذا قلنا : أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب ، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب ".

انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 7 / 302 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 03:05
السؤال

نرجو من سيادتكم معرفة الضوابط التي يمكن الحكم بها على شخص ما بالكفر أو النفاق ، حتى لا أقع في البدع التي وقع فيها كثير من الفرق ، وبأي كتب توصيني أن أقرأ فيها ، مع العلم أني طالب علم مبتدئ ؟

الحواب

الحمد لله

أولا :

الحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا ، بل هو إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فهو من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة ، فيجب التثبت فيه غاية التثبت ، فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره أو فسقه .

والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه وبقاء عدالته ، حتى يَتَحَقَّقَ زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي . ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه ؛ لأن في ذلك محذورين عظيمين :

أحدهما : افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم ، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به .

الثاني : الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالماً منه .

ففي صحيحي البخاري (6104) ومسلم (60) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَد بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ) وفي رواية : ( إِن كَانَ كَمَا قَالَ ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيهِ )

ثانيا :

وعلى هذا فيجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين :

أحدهما : دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق .

الثاني : انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين ، بحيث تتم شروط التكفير أو التفسيق في حقه ، وتنتفي الموانع .

ومن أهم الشروط :

1- أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً ؛ لقوله تعالى :

( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) النساء/115

وقوله : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التوبة/115

ولهذا قال أهل العلم : لا يكفر جاحد الفرائض إذا كان حديث عهد بإسلام حتى يُبَيَّنَ له .

2- ومن الموانع أن يقع ما يوجب الكفر أو الفسق بغير إرادة منه ، ولذلك صور :

منها : أن يكره على ذلك ، فيفعله لداعي الإكراه ، لا اطمئناناً به ، فلا يكفر حينئذ ؛ لقوله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل/106

ومنها : أن يُغلَقَ عليه فِكرُهُ ، فلا يدري ما يقول لشدة فرح أو حزن أو خوف أو نحو ذلك .

ودليله ما ثبت في صحيح مسلم (2744) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ )

3- ومن الموانع أن يكون متأولا : يعني أن تكون عنده بعض الشبه التي يتمسك بها ويظنها أدلة حقيقية ، أو يكون لم يستطع فهم الحجة الشرعية على وجهها ، فالتكفير لا يكون إلا بتحقق تعمد المخالفة وارتفاع الجهالة .

قال تعالى : ( ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) الأحزاب/5

يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/349) :

" فالإمام أحمد رضي الله تعالى عنه ترحم عليهم ( يعني الخلفاء الذين تأثروا بمقالة الجهمية الذين زعموا القول بخلق القرآن ، ونصروه ) واستغفر لهم ، لعلمه بأنه لم يتبين لهم أنهم مكذبون للرسول ، ولا جاحدون لما جاء به ، ولكن تأولوا فأخطأوا ، وقلدوا من قال ذلك لهم " انتهى .

ويقول رحمه الله "مجموع الفتاوى" (12/180) :

" وأما التكفير فالصواب أن من اجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقصد الحق فأخطأ لم يكفر ، بل يغفر له خطؤه ، ومن تبين له ما جاء به الرسول ، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر ، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ، ثم قد يكون فاسقاً . وقد يكون له حسنات ترجح على سيئاته " انتهى .

وقال رحمه الله (3/229) :

" هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني ، أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية ، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى ، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية . وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية ... "

وذكر أمثلة ثم قال :

" وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا ، فهو أيضاً حق ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين .. "

إلى أن قال : " والتكفير هو من الوعيد ؛ فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة ، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص ، أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً .

وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال : ( إذا أنا مت فأحرقوني ، ثم اسحقوني ، ثم ذروني في اليم ، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين . ففعلوا به ذلك ، فقال الله : ما حملك على ما فعلت ؟ قال : خشيتك . فغفر له )

فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري ، بل اعتقد أنه لا يعاد ، وهذا كفر باتفاق المسلمين ، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك ، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه ، فغفر له بذلك .

والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا " انتهى .
( مستفاد من خاتمة القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله مع بعض الزيادات ) .

وإذا كان أمر التكفير بهذه المثابة ، والخطر والخطأ فيه شديد ؛ فالواجب على طالب العلم ، خاصة إذا كان مبتدئا ، أن يتوقى الخوض في ذلك ، وأن ينشغل بتحصيل العلم النافع الذي يصلح به أمر معاشه ومعاده .

ثالثا :

قبل أن نشير عليك بشيء من الكتب ، فإننا ننصحك بأن تستعين في تعلمك بأهل العلم من أهل السنة ؛ فإن ذلك هو الطريق الأسهل والأكثر أمنا ، لكن شريطة أن يكون ذلك الذي تأخذ عنه من الموثوق في علمه ودينه ، واتباعه للسنة ، وبعده عن الأهواء والبدع .

قال مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رحمه الله

: ( إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه .

فإن لم يتيسر لك ، في مكانك أن تحضر دروس أهل العلم ، فيمكنك أن تستعين بأشرطتهم ، وقد أصبح الحصول عليها عن طريق الأقراص ، أو المواقع الإسلامية أكثر سهولة ، والحمد لله . ثم يمكنك أيضا أن تنتفع ببعض طلاب العلم ، الذين يحرصون على العلم الشرعي ، واتباع السنة ، وقلما يخلو منهم مكان ، إن شاء الله .

رابعا :

من الكتب التي ينبغي أن تعتني باقتنائها ، والنظر والدراسة فيها :

- التفسير : تفسير الشيخ ابن سعدي ، وتفسير ابن كثير .

- الحديث : الأربعين النووية ، مع أحد شروحها ، والاهتمام بجامع العلوم والحكم لابن رجب ، ثم رياض الصالحين ، مع زيادة العناية بهذا الكتاب المبارك ، ويمكنك الاستعانة بشرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله له .

- العقيدة : تهتم بكتاب التوحيد ، للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مع شرح ميسر له ، والعقيدة الواسطية ، لشيخ الإسلام ابن تيمية . مع بعض الرسائل النافعة في هذا الباب ، مثل : تحقيق كلمة الإخلاص لابن رجب ، والتحفة العراقية في الأعمال القلبية لابن تيمية .

- الاستعانة بزاد المعاد لابن القيم رحمه الله ، وكثير من كتبه ، مثل : الوابل الصيب ، والداء والدواء .

وهذه مجموعة مبدئية ، ومع المطالعة ، لا سيما إن وجدت من يعينك على القراءة والفهم ، فسوف تزداد معرفتك بالكتب النافعة والمهمة لك ، شيئا فشيئا ، إن شاء الله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 03:09
السؤال:

هل الخوف من الله واجب ؟

وبماذا نرد على الذين يقولون مثل هذا القول : " إن معنى الصلاة الحقيقي لا يكمن في كميتها وطريقة حركاتها وعدد ركعاتها أو عدد زياراتنا للمساجد أو الكنائس أو الهياكل

بل في تمدد الذات في كونيتها وتفتح زهرة الروح للتوحد مع الوجود وملامسة نور الله والشعور ببهجة لقاءه ، إن غاية الصلاة لا تكمن في توفير فرصة أو مجال زمني محدد للتعبير عن طلبات نطلبها من الله

وما نريد الحصول عليه بجشع مغلف بطبقات من نفاق الذات للذات ، بل نصلي لنتحرر ونترك وراءنا -ولو للحظات- أثقال وأعباء رغبات الأنا وأوهامها ومخاوفها التحتية ، لا طائل من صلوات جعلها الناس عادة روتينية يكررونها بلا روح حتى يجنبوا عذاب جهنم أو يفوزوا بجنة خلد ، فغياب الروح هي جهنم

أليست الأرواح من تحرق في جهنم ؟

هي رحلة معراج داخلية متجددة بتجدد أنفاسنا ، ومرآة تساعدنا على رؤية أنانا الكونية بوضوح وصفاء ، وتقربنا من مركز الوجود حيث السكون والاستقرار والطمأنينة التي ما بعدها طمأنينة

فلنصلي ، ليس يوم الأحد فحسب ، وليس خمس مرات في اليوم ، ولا خمسين مرة في اليوم ، فلنصلي مع كل نفس نتنفسه ، ولنصلي من أجل المحبة لا الخوف فما أبعد إله المحبة عن أوثان الخوف " ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الخوف من الله تعالى واجب ، بل هو من أوجب الواجبات ، ومن لم يخف الله فليس بمؤمن .

قال عز وجل : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/ 175 .

وقال عز وجل : ( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) التوبة/ 13 .

وقال تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن/ 46 .

وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) الملك/ 12 .

وقال تعالى – في وصف حال الأنبياء - : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/ 90 .

والعبادة الشرعية عند أهل السنَّة تشمل المحبة والتعظيم ، والمحبة تولِّد الرجاء ، والتعظيم يولِّد الخوف
.
قال ابن القيم رحمه الله :

" الخوف : أحد أركان الإيمان والإحسان الثلاثة التي عليها مدار مقامات السالكين جميعها ، وهى : الخوف ، والرجاءُ ، والمحبة .

وانتفاءُ الإيمان عند انتفاء الخوف : انتفاءٌ للمشروط عند انتفاءِ شرطه ، وانتفاءُ الخوف عند انتفاءِ الإِيمان : انتفاءٌ للمعلول عند انتفاءِ علته .

فالخوف من لوازم الإيمان وموجباته ؛ فلا يتخلف عنه .

وقد أثنى سبحانه على أقرب عباده إليه بالخوف منه ، فقال عن أنبيائه بعد أن أثنى عليهم ومدحهم : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/ 90 " .

انتهى باختصار من "طريق الهجرتين" (ص282).

ثانيا :

هذا الكلام المنقول كلام من لم يقدر الله حق قدره ، ولا خاف مقام ربه ، ولا فرق بين دين الموحدين ، ودين المشركين والملحدين ، بل لبس على نفسه ، فالتبس الأمر عليه ، وصار الكل عنده سواء ، إذا ما حققوا دينه الذي دعاهم إليه !!

فمن صلى - أية صلاة ، على أي وجه كان ، صلاة المسلمين أو صلاة الوثنيين - ليتحرر من قيود العبودية ، ولا يطلب بها جنة ولا يخاف بها من نار ، وليس له من ورائها مطلب ، سواء في الدنيا أو الآخرة : فهو المصلي حقا ، عند هذا الدجال ، وهو الذي يعرف قدر الصلاة وحقيقتها .

ومن المعلوم من الدين بالضرورة ، الذي يعرفه كل من له أدنى معرفة بدين الله : أن ما يقوله هذا الأفاك : هو عين المحادة لله ورسوله ، والمنابذة لما جاءت به الرسل ، وأنزل الله به الكتب .

فما خلق الله الخلق ولا أرسل إليهم رسلا ، إلا لعبادته وطاعته ، والخوف منه ومن عذابه ، وابتغاء وجهه ، وسؤال جنته ، وطلب رحمته وعفوه ومغفرته ، ولولا ذلك لما كان في الناس وازع يزعهم عن الشر ، ولا رادع يردعهم عن المنكر ، ولا تقوى تنهاهم عن الخبائث ، ولا إيمان يأمرهم بالمعروف .

بل لولا ذلك ، لما كان للجنة والنار شأن ، ولا لبعث الناس وقيامهم إلى رب العالمين خطر في دين ، ولا صار ذلك من أركان الإيمان ، ومعالم الديانة .

والواقع أن هذا القول المجمل يغني عن تتبع عبارات هذا الدجال الذي لم يعظم شعائر الله ، ولا عرف حدوده ، ولا قدر الله حق قدره .

فصلاة المسلمين قائمة ، بل عبادتهم وديانتهم التي بها يدينون لرب العالمين : قائمة على المحبة والخوف والرجاء ، وبهذه الثلاثة ينصلح حال العالم العلوي والسفلي ، وتتم سعادة الدارين ، وكل منها يستلزم الآخر .

قال ابن القيم رحمه الله :

" هَذِهِ الثَّلَاثَةُ : الْحُبُّ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ ، هِيَ الَّتِي تَبْعَثُ عَلَى عِمَارَةِ الْوَقْتِ بِمَا هُوَ الْأَوْلَى لِصَاحِبِهِ وَالْأَنْفَعُ لَهُ ، وَهِيَ أَسَاسُ السُّلُوكِ ، وَالسَّيْرِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الثَّلَاثَةَ فِي قَوْلِهِ : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) الإسراء/ 57 ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ قُطْبُ رَحَى الْعُبُودِيَّةِ . وَعَلَيْهَا دَارَتْ رَحَى الْأَعْمَالِ "
.
انتهى من " مدارج السالكين " (3/ 128).

وغاية أمثال هذا المفتري على الله : أن ينتهي إلى الزندقة ، والتحلل من أمر الله ونهيه ، والاتكال على الأماني والغرور ، أو الانتكاس في ضلالات أهل " الحلول والاتحاد " !!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَفِي آيَةِ الدُّعَاءِ : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } ؛ فَذَكَرَ التَّضَرُّعَ فِيهِمَا مَعًا ، وَهُوَ التَّذَلُّلُ وَالتَّمَسْكُنُ وَالِانْكِسَارُ ، وَهُوَ رُوحُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ ...

وَخَصَّ الذِّكْرَ بِالْخِيفَةِ : لِحَاجَةِ الذَّاكِرِ إلَى الْخَوْفِ ؛ فَإِنَّ الذِّكْرَ يَسْتَلْزِمُ الْمَحَبَّةَ وَيُثْمِرُهَا ؛ وَلَا بُدَّ لِمَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَنْ يُثْمِرَ لَهُ ذَلِكَ مَحَبَّتَهُ .

وَالْمَحَبَّةُ مَا لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْخَوْفِ : فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُ صَاحِبَهَا ، بَلْ تَضُرُّهُ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ التواني وَالِانْبِسَاطَ ، وَرُبَّمَا آلَتْ بِكَثِيرِ مِنْ الْجُهَّالِ الْمَغْرُورِينَ إلَى أَنْ اسْتَغْنَوْا بِهَا عَنْ الْوَاجِبَاتِ ، وَقَالُوا : الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِبَادَاتِ إنَّمَا هُوَ عِبَادَةُ الْقَلْبِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَالِاشْتِغَالُ بِالْوَسِيلَةِ بَاطِلٌ !!

وَلَقَدْ حَدَّثَنِي رَجُل أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ خَلْوَةً لَهُ تَرَكَ فِيهَا الْجُمُعَةَ ؟

فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : أَلَيْسَ الْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ : إذَا خَافَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ ، فَإِنَّ الْجُمُعَةَ تَسْقُطُ ؟

فَقَالَ لَهُ : بَلَى .

فَقَالَ لَهُ : فَقَلْبُ الْمُرِيدِ أَعَزُّ عَلَيْهِ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ - أَوْ كَمَا قَالَ - وَهُوَ إذَا خَرَجَ ضَاعَ قَلْبُهُ ، فَحِفْظُهُ لِقَلْبِهِ عُذْرٌ مُسْقِطٌ لِلْجُمُعَةِ فِي حَقِّهِ .

فَقَالَ لَهُ : هَذَا غُرُورٌ ؛ بِل الْوَاجِبُ الْخُرُوجُ إلَى أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

فَتَأَمَّلْ هَذَا الْغُرُورَ الْعَظِيمَ كَيْفَ أَدَّى إلَى الِانْسِلَاخِ عَنْ الْإِسْلَامِ جُمْلَةً ؛ فَإِنَّ مَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ : انْسَلَخَ عَنْ الْإِسْلَامِ الْعَامِّ ، كَانْسِلَاخِ الْحَيَّةِ مِنْ قِشْرِهَا ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ !!

وَسَبَبُ هَذَا : عَدَمُ اقْتِرَانِ الْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ بِحُبِّهِ وَإِرَادَتِهِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْحُبِّ وَحْدَهُ : فَهُوَ زِنْدِيقٌ ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْخَوْفِ وَحْدَهُ : فَهُوَ حروري [ الحرورية: هم الخوارج ] ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ : فَهُوَ مُرْجِئٌ . وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ تَجْرِيدَ الْحُبِّ وَالذِّكْرِ عَنْ الْخَوْفِ : يُوقِعُ فِي هَذِهِ الْمَعَاطِبِ ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالْخَوْفِ : جَمْعُهُ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَرَدُّهُ إلَيْهَا كَالْخَائِفِ الَّذِي مَعَهُ سَوْطٌ يَضْرِبُ بِهِ مَطِيَّتَهُ ؛ لِئَلَّا تَخْرُجَ عَنْ الطَّرِيقِ ، وَالرَّجَاء : حَادٍ يَحْدُوهَا ، يَطْلُبُ لَهَا السَّيْرَ ، وَالْحُبُّ قَائِدُهَا وَزِمَامُهَا الَّذِي يُشَوِّقُهَا ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَطِيَّةِ سَوْطٌ وَلَا عَصًا يَرُدُّهَا إذَا حَادَتْ عَنْ الطَّرِيقِ : خَرَجَتْ عَنْ الطَّرِيقِ ، وَضلَّتْ عَنْهَا .

فَمَا حَفِظَتْ حُدُودَ اللَّهِ وَمَحَارِمَهُ ، وَوَصَلَ الْوَاصِلُونَ إلَيْهِ : بِمِثْلِ خَوْفِهِ وَرَجَائِهِ وَمَحَبَّتِهِ ؛ فَمَتَى خَلَا الْقَلْبُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ : فَسَدَ فَسَادًا لَا يُرْجَى صَلَاحُهُ أَبَدًا ، وَمَتَى ضَعُفَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ : ضَعُفَ إيمَانُهُ بِحَسَبِهِ .." .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/19-21) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 03:13
السؤال

أشعر أني أقوم بالعبادات والطاعات بدافع حبِّ الجنَّة ، والخوف من النَّار ، وليس بدافع محبة الله ، أو حب الطاعات ، فما السبب في ذلك ؟

وما العلاج ؟

. أريد أن أقوم بأي عبادة حبّاً في الله ، وحبّاً في طاعته ، في المقام الأول ، فما السبيل إلى ذلك؟

الجواب

الحمد لله

هذا الإشكال في سؤالك أخي الفاضل منبعه تلك المقولة الخاطئة المشتهرة " لا نعبد الله خوفاً من ناره ، ولا طمعاً في جنته ، بل نعبده حبّاً له " ! وبعضهم يذكرها بصيغة أخرى مفادها : أنه من عبد الله خوفا من ناره فهي عبادة العبيد ، ومن عبده طمعاً في جنته فهي عبادة التجار ، وزعموا أن العابد هو من عبده حبّاً له تعالى !!

وأيّاً كانت العبارة ، أو الصيغة التي تحمل تلك المعاني ، وأيا كان قائلها : فإنها خطأ ، وهي مخالفة للشرع المطهَّر ، ويدل على ذلك :

1. أنه ليس بين الحب والخوف والرجاء تعارض حتى تريد - أخي السائل - أن تعبد ربك تعالى حبّاً له ؛ لأن الذي يخافه تعالى ويرجوه ليست محبة الله منزوعة منه ، بل لعله أكثر تحقيقاً لها من كثيرين يزعمون محبته .

2. أن العبادة الشرعية عند أهل السنَّة تشمل المحبة والتعظيم ، والمحبة تولِّد الرجاء ، والتعظيم يولِّد الخوف .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

والعبادة مبنية على أمرين عظيمين ، هما : المحبة ، والتعظيم ، الناتج عنهما : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهَباً ) الأنبياء/ 90 ، فبالمحبة تكون الرغبة ، وبالتعظيم تكون الرهبة ، والخوف .

ولهذا كانت العبادة أوامر ، ونواهي : أوامر مبنية على الرغبة ، وطلب الوصول إلى الآمر ، ونواهي مبنية على التعظيم ، والرهبة من هذا العظيم .

فإذا أحببتَ الله عز وجل : رغبتَ فيما عنده ، ورغبت في الوصول إليه ، وطلبتَ الطريق الموصل إليه ، وقمتَ بطاعته على الوجه الأكمل ، وإذا عظمتَه : خفتَ منه ، كلما هممتَ بمعصية استشعرت عظمة الخالق عز وجل ، فنفرتَ ، ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ) يوسف/ 24 .

فهذه مِن نعمة الله عليك ، إذا هممتَ بمعصية وجدتَ الله أمامك ، فهبتَ ، وخفتَ ، وتباعدتَ عن المعصية ؛ لأنك تعبد الله ، رغبة ، ورهبة .

" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 8 / 17 ، 18 ) .

3. أن عبادة الأنبياء والعلماء والأتقياء تشتمل على الخوف والرجاء ، ولا تخلو من محبة ، فمن يرد أن يعبد الله تعالى بإحدى ذلك : فهو مبتدع ، وقد يصل الحال به للكفر .

قال الله تعالى – في وصف حال المدعوين من الملائكة والأنبياء والصالحين - : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) الإسراء/ 57 .

وقال الله تبارك وتعالى – في وصف حال الأنبياء - : ( إِِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/ 90 .

قال ابن جرير الطبري – رحمه الله - :

ويعنى بقوله : ( رَغَباً ) : أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه ، من رحمته ، وفضله .

( وَرَهَباً ) : يعني : رهبة منهم ، من عذابه ، وعقابه ، بتركهم عبادته ، وركوبهم معصيته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

" تفسير الطبري " ( 18 / 521 ) .

وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله - :

وقوله : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) أي : في عمل القُرُبات ، وفعل الطاعات .

( وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) قال الثوري : ( رَغَبًا ) فيما عندنا ، ( وَرَهَبًا ) مما عندنا .

( وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أي : مصدِّقين بما أنزل الله ، وقال مجاهد : مؤمنين حقّاً ، وقال أبو العالية : خائفين ، وقال أبو سِنَان : الخشوع هو الخوف اللازم للقلب ، لا يفارقه أبداً ، وعن مجاهد أيضاً : ( خَاشِعِينَ ) أي : متواضعين ، وقال الحسن ، وقتادة ، والضحاك : ( خَاشِعِينَ ) أي : متذللين لله عز وجل ، وكل هذه الأقوال متقاربة .

" تفسير ابن كثير " ( 5 / 370 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

قال بعض السلف : " مَن عبد الله بالحب وحده : فهو زنديق ، ومَن عبده بالخوف وحده : فهو حروري – أي : خارجي - ، ومَن عبده بالرجاء وحده : فهو مرجئ ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء : فهو مؤمن موحد .

" مجموع الفتاوى " ( 15 / 21 ) .

4. اعتقادهم أن الجنة هي الأشجار والأنهار والحور العين ، وغفلوا عن أعظم ما في الجنة مما يسعى العبد لتحصيله وهو : رؤية الله تعالى ، والتلذذ بذلك ، والنار ليست هي الحميم والسموم والزقوم ، بل هي غضب الله وعذابه والحجب عن رؤيته عز وجل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

ومِن هنا يتبين زوال الاشتباه في قول مَن قال : " ما عبدتُك شوقاً إلى جنَّتك ، ولا خوفاً من نارك ، وإنما عبدتك شوقاً إلى رؤيتك " .

فإن هذا القائل ظنَّ هو ومَن تابعه أن الجنة لا يدخل في مسماها إلا الأكل ، والشرب ، واللباس ، والنكاح ، ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات ، ولهذا قال بعض مَن غلط مِن المشائخ لما سمع قوله : ( مِنْكُم مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ) قال : فأين من يريد الله ؟! وقال آخر في قوله تعالى : ( إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنينَ أنْفُسَهُم وَأَمْوَالُهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ ) قال : إذا كانت النفوس والأموال بالجنَّة فأين النظر إليه ؟! .

وكل هذا لظنِّهم أنَّ الجنَّة لا يدخل فيها النظر ، والتحقيق : أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم ، وأعلى ما فيها : النظر إلى وجه الله ، وهو من النعيم الذي ينالونه في الجنة ، كما أخبرت به النصوص ، وكذلك أهل النار ، فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار ، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفاً بما يقول فإنما قصده أنك لو لم تخلق ناراً ، أو لو لم تخلق جنَّة لكان يجب أن تُعبد ، ويجب التقرب إليك ، والنظر إليك ، ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق .

" مجموع الفتاوى " ( 10 / 62 ، 63 ) .

وقال ابن القيم - رحمه الله - :

والتحقيق أن يقال : الجنَّة ليست اسماً لمجرد الأشجار ، والفواكه ، والطعام ، والشراب ، والحور العين ، والأنهار ، والقصور ، وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنَّة ، فإنَّ الجنَّة اسم لدار النعيم المطلق الكامل ، ومِن أعظم نعيم الجنَّة : التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم ، وسماع كلامه ، وقرة العين بالقرب منه ، وبرضوانه ، فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور إلى هذه اللذة أبداً ، فأيسر يسير من رضوانه : أكبر من الجنان وما فيها من ذلك ، كما قال تعالى : ( وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَر ) التوبة/ 72 ، وأتى به مُنَكَّراًَ في سياق الإثبات ، أي : أي شيء كان من رضاه عن عبده : فهو أكبر من الجنة .

قليل منك يقنعني *** ولكن قليلك لا يقال له قليل

وفي الحديث الصحيح حديث الرؤية : ( فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه ) ، وفي حديث آخر : ( أنه سبحانه إذا تجلى لهم ورأوا وجهه عيانا : نسوا ما هم فيه من النعيم وذهلوا عنه ولم يلتفوا إليه ) .

ولا ريب أن الأمر هكذا ، وهو أجل مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال ، ولا سيما عند فوز المحبين هناك بمعية المحبة ، فإن ( المرء مع مَن أحب ) ، ولا تخصيص في هذا الحكم ، بل هو ثابت ، شاهداً ، وغائباً ، فأي نعيم ، وأي لذة ، وأي قرة عين ، وأي فوز ، يداني نعيم تلك المعية ، ولذتها ، وقرة العين بها ، وهل فوق نعيم قرة العين بمعية المحبوب الذي لا شيء أجل منه ، ولا أكمل ، ولا أجمل قرة عين ألبتة ؟ .

وهذا - والله - هو العِلم الذي شمَّر إليه المحبون ، واللواء الذي أمَّه العارفون ، وهو روح مسمَّى الجنَّة وحياتها ، وبه طابت الجنة ، وعليه قامت .

فكيف يقال : " لا يُعبد الله طلباً لجنَّته ، ولا خوفاً من ناره " ؟! .

وكذلك النار أعاذنا الله منها ، فإن لأربابها من عذاب الحجاب عن الله ، وإهانته ، وغضبه ، وسخطه ، والبُعد عنه : أعظم من التهاب النار في أجسامهم ، وأرواحهم ، بل التهاب هذه النار في قلوبهم : هو الذي أوجب التهابها في أبدانهم ، ومنها سرت إليها .

فمطلوب الأنبياء ، والمرسلين ، والصدِّيقين ، والشهداء ، والصالحين : هو الجنَّة ، ومهربهم : من النار ، والله المستعان ، وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

" مدارج السالكين " ( 2 / 80 ، 81 ) .

5. مؤدى تلك المقولة الاستخفاف بخلق الجنة ، والنار ، والله تعالى خلقهما ، وأعدَّ كل واحدة منهما لمن يستحقها ، وبالجنة رغَّب العابدين لعبادته ، وبالنار خوَّف خلقه من معصيته والكفر به .

6. كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله الجنَّة ، ويستعيذ به من النار ، وكان يعلِّم ذلك لأصحابه رضوان الله عليهم ، وهكذا توارثه العلماء والعبَّاد ، ولم يروا في ذلك نقضاً لمحبتهم لربهم تعالى ، ولا نقصاً في منزلة عبادتهم .

عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) . رواه البخاري ( 6026 ) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ : ( مَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ ؟ ) قَالَ : أَتَشَهَّدُ ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ ، أَمَا وَاللَّهِ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ ، وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ – أي : ابن جبل - قَالَ : ( حَوْلَهَا نُدَنْدِن ) .

رواه أبو داود ( 792 ) وابن ماجه ( 3847 ) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .

وعَنْ الْبَرَاء بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ ) . رواه البخاري ( 5952 ) ومسلم ( 2710 ) .

قال تقي الدِّين السبكي – رحمه الله - :

والعاملون على أصناف : صنف عبدوه لذاته ، وكونه مستحقّاً لذلك ؛ فإنه مستحق لذلك ، لو لم يخلق جنَّة ولا ناراً ، فهذا معنى قول من قال : " ما عبدناك خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنَّتك " ، أي : بل عبدناك لاستحقاقك ذلك ، ومع هذا فهذا القائل يسأل الله الجنَّة ، ويستعيذ به من النار ، ويظن بعض الجهلة خلاف ذلك ، وهو جهل ، فمَن لم يسأل الله الجنَّة والنجاة من النار : فهو مخالف للسنَّة ؛ فإن مِن سنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، ولما قال ذلك القائل للنبي صلى الله عليه وسلم : " إنه يسأل الله الجنة ، ويستعيذ به من النار " ، وقال : " ما أُحسن دندنتك ، ولا دندنة معاذ " : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( حولها ندندن ) .

فهذا سيد الأولين والآخرين يقول هذه المقالة ، فمن اعتقد خلاف ذلك : فهو جاهل ، ختَّال .

ومِن آداب أهل السنَّة أربعة أشياء لا بد لهم منها : الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والافتقار إلى الله تعالى ، والاستغاثة بالله ، والصبر على ذلك إلى الممات .

كذا قال سهل بن عبد الله التستري ، وهو كلامٌ حقٌّ .

" فتاوى السبكي " ( 2 / 560 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

كل ما أعده الله لأوليائه : فهو مِن الجنَّة ، والنظر إليه هو من الجنة ، ولهذا كان أفضل الخلق يسأل الله الجنَّة ، ويستعيذ به من النَّار ، ولما سألَ بعضَ أصحابه عما يقول في صلاته ، قال : " إني أسأل الله الجنَّة ، وأعوذ بالله من النَّار ، أما إني لا أُحسن دندنتك ، ولا دندنة معاذ " ، فقال : ( حولها ندندن ) .

" مجموع الفتاوى " ( 10 / 241 ) .

7. من أراد أن يعبد الله تعالى بالمحبَّة وحدها دون الخوف والرجاء : فدينه في خطر ، وهو مبتدع أشد الابتداع ، وقد يصل به الحال أن يخرج من ملَّة الإسلام ، وبعض كبار الزنادقة يقول : إننا نعبد الله محبة له ، ولو كان مصيرنا الخلود في النار !! ، ويعتقد بعضهم أنه بالمحبة فقط ينال رضا الله ورضوانه ، وهو يشابه بذلك عقيدة اليهود والنصارى ، حيث قال تعالى عنهم : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) المائدة/ 18 .

قال تقي الدين السبكي – رحمه الله - :

وأما هذا الشخص الذي جرد وصف المحبة ، وعبد الله بها وحدها : فقد ربا بجهله على هذا ، واعتقد أن له منزلة عند الله رفَعته عن حضيض العبودية ، وضآلتها ، وحقارة نفسه الخسيسة ، وذلتها ، إلى أوج المحبة ، كأنه آمِنٌ على نفسه ، وآخذٌ عهداً من ربِّه أنَّه من المقربين ، فضلاً عن أصحاب اليمين ، كلا بل هو في أسفل السافلين .

فالواجب على العبد : سلوك الأدب مع الله ، وتضاؤله بين يديه ، واحتقاره نفسه ، واستصغاره إياها ، والخوف من عذاب الله ، وعدم الأمن من مكر الله ، ورجاء فضل الله ، واستعانته به ، واستعانته على نفسه ، ويقول بعد اجتهاده في العبادة : " ما عبدناك حق عبادتك " ، ويعترف بالتقصير ، ويستغفر عقيب الصلوات ، إشارة إلى ما حصل منه من التقصير في العبادة ، وفي الأسحار ، إشارة إلى ما حصل منه من التقصير ، وقد قام طول الليل ، فكيف من لم يقم؟! .

" فتاوى السبكي " ( 2 / 560 ) .

وقال القرطبي – رحمه الله - :

( وادعوه خوفاً وطمعاً ) أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب ، وتخوف ، وتأميل لله عز وجل ، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر ، يحملانه في طريق استقامته ، وإن انفرد أحدهما : هلك الإنسان ، قال الله تعالى : ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ) الحِجر/ 49 ، 50 .

" تفسير القرطبي " ( 7 / 227 ) .

فأنت ترى أخي السائل أنه يجب عليك أن تسير في عبادتك على ما سار عليه الأنبياء والصالحون من قبلك ، فتؤدي ما أمرك الله به من عبادات على الوجه الذي يحبه الله ، وتقصد بذلك التقرب إليه ، والرجاء بالثواب الذي أعدَّه للعابدين ، والخوف من سخطه وعذابه إن حصل تقصير في الطاعات أو ترك لها ، ومن زعم أنه يحب ربه تعالى فليريه منه طاعته لنبيه صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران/ 31 .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 03:20
السؤال :

أعبد الله ولا أرتكب المعاصي حبّاً فيه واستحياءً منه واحتراماً لجلاله ، وليس طمعاً في الجنة أو خوفا من النار ، هذا هو سؤالي ، هل أنا على حق ؟ إذا سألني أحد لماذا لا تزني ، أرد عليه وأقول أستحيي من ربي ، ولا أقول أخاف من النار ؛ لأني أعتقد أن الاحترام أصدق من الخوف ، أفيدوني لو سمحتم في أقرب وقت على عنواني الخاص .

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

ربنا تبارك وتعالى هو الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وهو الذي له الألوهية المطلقة ، يستحق العبادة والمحبة لكمال ذاته وعظيم صفاته ، تألهه قلوب العابدين لجلاله وكماله ، ويعبده كل ما دونه لاستحقاقه صفات الحمد والتأله ، هذا هو معنى ألوهيته الذي علمه سبحانه لأنبيائه ورسله ، وهذا ما ينبغي أن يعيه كل من شهد أنه لا إله إلا هو سبحانه .

يقول الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء/25 .

ويقول عز وجل : ( وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى . إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْري ) طه/13-14 .

فقد رتب العبادة على تفرده سبحانه بالألوهية ، واستحقاقه أن يحمد ويعبد لكمال ذاته وعظيم صفاته .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

الله سبحانه يستحق لذاته أن يحب ويعبد ، وأن يحب لأجله رسوله ، والقلوب فيها معنى يقتضي حبه وطاعته ، كما فيها معنى يقتضي العلم والتصديق به .

" مجموع الفتاوى " ( 7 / 541 ) .

وقال - رحمه الله - :

فقوله : ( لا إله إلا أنت ) فيه إثبات انفراده بالإلهية ، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته ، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد ، فإن الإله هو المألوه ، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد ، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب ، المخضوع له غاية الخضوع ، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل .

" مجموع الفتاوى " ( 10 / 249 ) .

ومن هنا ندرك أنه ينبغي أن يكون الباعث الأول على العبادة هو ما لله سبحانه من الجلال والعظمة والكمال ، وما تفرد به سبحانه من صفات الألوهية والربوبية ، ثم الباعث الثاني إنعام الله على عباده ، وإحسانه إليهم ، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

أصل المحبة هو معرفة الله سبحانه وتعالى ، ولها أصلان :

أحدهما : وهو الذي يقال له ( محبة العامة ) لأجل إحسانه إلى عباده ، وهذه المحبة على هذا الأصل لا ينكرها أحد ، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها ، والله سبحانه هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة ، فإنه المتفضل بجميع النعم وإن جرت بواسطة ، إذ هو مُيَسِّرُ الوسائط

ومسبب الأسباب ، ولكن هذه المحبة فى الحقيقة إذا لم تجذب القلب إلى محبة الله نفسه فما أحبَّ العبدُ في الحقيقة إلا نفسَه ، وكذلك كل من أحب شيئا لأجل إحسانه إليه ، فما أحب فى الحقيقة إلا نفسه ، وهذا ليس بمذموم بل محمود ، والمقتصر على هذه المحبة هو لم يعرف من جهة الله ما يستوجب أنه يحبه إلا إحسانه إليه .

الأصل الثانى فيه : هو محبته لما هو له أهل ، وهذا حب من عرف من الله ما يستحق أن يحب لأجله ، وما من وجه من الوجوه التى يعرف الله بها مما دلت عليه أسماؤه وصفاته إلا وهو يستحق المحبة الكاملة من ذلك الوجه ، حتى جميع مفعولاته ، إذ كل نعمة منه فضل ، وكل نقمة منه عدل ، ولهذا استحق أن يكون محمودا على كل حال

ويستحق أن يحمد على السراء والضراء ، وهذا أعلى وأكمل ، وهذا حب الخاصة ، وهؤلاء هم الذين يطلبون لذة النظر إلى وجهه الكريم ، ويتلذذون بذكره ومناجاته ، ويكون لهم أعظم من الماء للسمك ، حتى لو انقطعوا عن ذلك لوجدوا من الألم ما لا يطيقون ، وهم السابقون .

كما فى صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ).

وفى رواية أخرى : ( قَالُوا وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ ، يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا ) رواه الترمذي وقال : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ " .

" مجموع الفتاوى " ( 10 / 84 ) .

ثانياً :

ومن أحب الله لكماله وجلاله واستحقاقه المحبة والتأله والتعبد لا شك أنه يحب قربَه سبحانه ، ويتشوف إلى النظر إليه ، ويتشوق إلى لقائه ، يسعى للحصول على رضاه ، ويرجو أن ينال محبته وكرمه ويكون عنده من المقربين .

وذلك كله لا يكون إلا بدخول الجنة التي هي محل رضوان الله ، وفيها ينظر أهلها إلى وجه الله ، وتمتلئ قلوبهم بمحبة معبودهم وإلههم الذي تنفطر القلوب شوقا إليه وإجلالا له ، كما يكون فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

هذه هي الجنة التي طمَّعنا الله فيها ، وطَمِعَ بها الأنبياء والصالحون والأولياء ، كي يكونوا فيها بجوار الكريم سبحانه ، ويتنعمون فيها برضوانه والقرب منه ، فذلك أكبر لذات الجنة .

يقول سبحانه وتعالى : ( وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/72 .

وبهذا نعلم أن ليس ثمة تعارض بين عبادة الله محبة له وإجلالا ، وبين سؤال الجنة وطلبها والشوق إليها والحرص على المسابقة إليها ، وكذا الاستعاذة من النار والخوف منها ، فإن العبد الذي يحب الله لذاته إذا استحضر أن الجنة دار رضوان الله ودار كرامته ، وأنه سيجد فيها من قرب الله ما يزيد محبته وأنسه وشوقه
\
: فلا شك أنه سيعمل لدخولها ، ويسعى للدرجات العلى منها ، ويحتسب طاعاته في الدنيا وسائلَ تقربه إليها وتبعده عن النار التي هي دار المهانة والبعد والغضب والعذاب .

ثالثا :

وأنتِ - أختنا الفاضلة - إذا تصورتِ معي ما سبق علمت خطأك حين ظننت أن الطمع في الجنة والخوف من النار يتعارض مع محبة الله إجلالا وتعظيما ؛ لأن محبة الله تعني الشوق إليه ، والرغبة في القرب منه ، والسعي إلى رضوانه وتجنب سخطه ؛ ولأن المحب يشتاق إلى محبوبه ، وعذابه في البعد عنه ، فكيف بسخطه عليه .

ولكن لما توهم كثير من الناس أن نعيم الجنة إنما هو طعام وشراب وحور عين ونحوها من اللذات الحسية قامت في أذهانهم تلك المعارضة بين محبة الله وعبادته وبين سؤال الجنة والاستعاذة من النار .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

ومن هنا يتبين زوال الاشتباه فى قول من قال : ما عبدتك شوقاً إلى جنَّتك ولا خوفاً من نارك ، وإنما عبدتك شوقاً إلى رؤيتك .

فإن هذا القائل ظنَّ هو ومن تابعه أن الجنة لا يدخل فى مسماها إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات ، ولهذا قال بعض من غلط من المشائخ لما سمع قوله : ( مِنْكُم مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ) قال : فأين من يريد الله ؟! وقال آخر فى قوله تعالى : ( إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنينَ أنْفُسَهُم وَأَمْوَالُهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ ) قال : إذا كانت النفوس والأموال بالجنة فأين النظر إليه ؟! .

وكل هذا لظنِّهم أنَّ الجنَّة لا يدخل فيها النظر ، والتحقيق أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم ، وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله ، وهو من النعيم الذى ينالونه فى الجنة كما أخبرت به النصوص ، وكذلك أهل النار ، فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار ، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفاً بما يقول فإنما قصده أنك لو لم تخلق ناراً ، أو لو لم تخلق جنَّة لكان يجب أن تعبد ، ويجب التقرب إليك ، والنظر إليك ، ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق .

" مجموع الفتاوى " ( 10 / 62 ، 63 ) .

ويقول ابن القيم - رحمه الله - :

والتحقيق أن يقال : الجنة ليست اسماً لمجرد الأشجار والفواكه والطعام والشراب والحور العين والأنهار والقصور ، وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنة ، فإن الجنة اسم لدار النعيم المطلق الكامل ، ومن أعظم نعيم الجنة : التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم ، وسماع كلامه ، وقرة العين بالقرب منه وبرضوانه

فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور إلى هذه اللذة أبدا ، فأيسر يسير من رضوانه : أكبر من الجنان وما فيها من ذلك ، كما قال تعالى : ( ورضوان من الله أكبر ) التوبة/72 ، وأتى به مُنَكَّرًا في سياق الإثبات ، أي أي شيء كان من رضاه عن عبده : فهو أكبر من الجنة .

قليل منك يقنعني ... ولكن قليلك لا يقال له قليل

وفي الحديث الصحيح حديث الرؤية : ( فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه ) وفي حديث آخر : ( أنه سبحانه إذا تجلى لهم ورأوا وجهه عيانا : نسوا ما هم فيه من النعيم وذهلوا عنه ولم يلتفوا إليه ) .

ولا ريب أن الأمر هكذا ، وهو أجل مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال ، ولا سيما عند فوز المحبين هناك بمعية المحبة ، فإن المرء مع من أحب ، ولا تخصيص في هذا الحكم بل هو ثابت شاهدا وغائبا ، فأي نعيم وأي لذة وأي قرة عين وأي فوز يداني نعيم تلك المعية ولذتها وقرة العين بها ، وهل فوق نعيم قرة العين بمعية المحبوب الذي لا شيء أجل منه ولا أكمل ولا أجمل قرة عين ألبتة ؟ .

وهذا - والله - هو العلَم الذي شمر إليه المحبون ، واللواء الذي أمه العارفون ، وهو روح مسمى الجنة وحياتها ، وبه طابت الجنة وعليه قامت .

فكيف يقال : " لا يعبد الله طلباً لجنته ولا خوفاً من ناره " ؟! .

وكذلك النار أعاذنا الله منها ، فإن لأربابها من عذاب الحجاب عن الله وإهانته وغضبه وسخطه والبعد عنه : أعظم من التهاب النار في أجسامهم وأرواحهم ، بل التهاب هذه النار في قلوبهم : هو الذي أوجب التهابها في أبدانهم ، ومنها سرت إليها .

فمطلوب الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين : هو الجنة ، ومهربهم : من النار . والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل .

" مدارج السالكين " ( 2 / 80 ، 81 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 03:26
السؤال

أقرأ كثيرا في كتب العقائد : الرد على أهل الاتحادة ، الرد على القائلين بوحدة الوجود ، ونحو ذلك ، فما المراد بـ " الحلول والاتحاد " ؟

الجواب :

الحمد لله

" الحلول " و " الاتحاد " - و يدخل فيه مصطلح " وحدة الوجود " - :

هاتان اللفظتان تردان كثيراً في كتب العقائد ، وهما من المصطلحات الصوفية ، والباطنية ، كما أنهما تردان في كتب الأديان الباطلة ، كالبرهمية ، والبوذية ، وغيرهما .

1. " الحلول " :

أ. معناه في الاصطلاح العام : أن يحل أحد الشيئين في الآخر .

وهو " حلول سَرَياني " ، و " حلول جواري " .

يقول الجرجاني رحمه الله :

الحلول السرَياني : عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر ، كحلول ماء الورد في الورد ، فيُسمَّى الساري حالاًّ ، والمسري فيه محلاًّ .

الحلول الجواري : عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر ، كحلول الماء في الكوز .

" التعريفات " ( ص 92 ) .

هذا هو الحلول : إثبات لوجودين ، وحلول أحدهما في الآخر .

ويراد منه باصطلاح القائلين به من الصوفية وغيرهم : حلول الله - عز وجل - في مخلوقاته ، أو بعض مخلوقاته .
ب. " أقسام الحلول " :

ينقسم الحلول إلى قسمين :

1. حلول عام : هو اعتقاد أن الله تعالى قد حلَّ في كل شيء .

ولكن ذلك الحلول من قبيل حلول اللاهوت - أي : الإله الخالق - بالناسوت - أي : المخلوق - مع وجود التباين ، بمعنى : أنه ليس متحدّاً بمن حلَّ فيه ، بل هو في كل مكان مع الانفصال ، فهو إثبات لوجودين .

وهذا قول الجهمية ومن شاكلهم .

2. حلول خاص : وهو اعتقاد أن الله - جل وعلا - قد حلَّ في بعض مخلوقاته .

مع اعتقاد وجود خالق ومخلوق .

وذلك كاعتقاد بعض فرق النصارى : أن اللاهوت - الله جل وعلا - حلَّ بالناسوت – عيسى عليه السلام - ، وأن عيسى عليه السلام كانت له طبيعتان : لاهوتية لما كان يتكلم بالوحي ، وناسوتية عندما صلب .

وكذلك اعتقاد بعض غلاة الرافضة - كالنصيرية - أن الله - عز وجل - حلَّ في علي بن أبي طالب ، وأنه هو الإله ؛ حيث حلت فيه الألوهية ، وذلك من عقائدهم الأساسية .

2. " الاتحاد " :

أ. معناه : كون الشيئين شيئاً واحداً .

قال الجرجاني رحمه الله :

الاتحاد : امتزاج الشيئين ، واختلاطهما حتى يصيرا شيئاً واحداً .

" التعريفات " ( ص 9 ) .

ب. ومعناه باصطلاح القائلين به : اتحاد الله - عز وجل – بمخلوقاته ، أو ببعض مخلوقاته .

أي : اعتقاد أن وجود الكائنات أو بعضها هو عين وجود الله تعالى .

ج. " أقسام الاتحاد "
:
" الاتحاد " ينقسم إلى قسمين :

1. الاتحاد العام - وهو ما يطلق عليه أيضاً : " وحدة الوجود " - : وهو اعتقاد كون الوجود هو عين الله عز وجل .
بمعنى : أن الخالق متحد بالمخلوقات جميعها ، وهذا هو معنى " وحدة الوجود " ، والقائلون به يسمون " الاتحادية " ، أو " أهل وحدة الوجود " ، كابن الفارض ، وابن عربي ، وغيرهما .

2. الاتحاد الخاص : هو اعتقاد أن الله عز وجل اتحد ببعض المخلوقات دون بعض .

فالقائلون بذلك نزهوه من الاتحاد بالأشياء القذرة القبيحة ، فقالوا : إنه اتحد بالأنبياء ، أو الصالحين ، أو الفلاسفة ، أو غيرهم ، فصاروا هم عين وجود الله جل وعلا .

كقول بعض فرق النصارى : إن اللاهوت اتحد بالناسوت ، فصارا شيئاً واحداً ، وهذا بخلاف القائلين بالحلول ، فهم يرون أن له طبيعتين : لاهوتيةً وناسوتيةً .

فالاتحادية قالوا بواحد ، والحلولية قالوا باثنين .

د. " الفرق بين الحلول والاتحاد " :

الفرق بينهما يتلخص فيما يلي :

1. أن الحلول إثبات لوجودين ، بخلاف الاتحاد فهو إثبات لوجود واحد .

2. أن الحلول يقبل الانفصال ، أما الاتحاد فلا يقبل الانفصال .

هـ. " أمثلة يتبين بها الفرق بين الحلول والاتحاد " :

هناك أمثلة كثيرة منها :

أ. السُّكَّر إذا وضعته في الماء دون تحريك : فهو حلول ؛ لأنه ثَمَّ ذاتان ، أما إذا حركته فذاب في الماء : صار اتحاداً ؛ لأنه لا يقبل أن ينفصل مرة أخرى .

أما لو وضعت شيئاً آخر في الماء كأن تضع حصاة : فهذا يسمَّى حلولاً ، لا اتحاداً ؛ لأن الحصاة شيء ، والماء شيء آخر ، وهما قابلان للانفصال .

و. " حكم هذه الاعتقادات وأيهما أشد " :

لا ريب أن القول بالحلول أو الاتحاد هو من أعظم الكفر والإلحاد - عياذاً بالله -
.
ولكن الاتحاد أشد من الحلول ؛ لأنه اعتقاد ذات واحدة ، بخلاف الحلول ، ثم إن القول بأنه اتحد في كل شيء أعظم من القول بأنه اتحد في بعض مخلوقاته .

وبالجملة : فإن اعتقاد " الحلول والاتحاد " اعتقاد ظاهر البطلان ، وقد جاء الإسلام بمحوه من عقول الناس ؛ لأنه اعتقاد مأخوذ من مذاهب وفلسفات ووثنيات هندية ويونانية ويهودية ونصرانية وغيرها ، تقوم على الدجل ، والخرافة
.
باختصار وتصرف من كتاب " مصطلحات في كتب العقائد " للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ( ص 42 – 47 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 03:30
السؤال:

إذا كان المرء مسلماً ويشرب الخمر، فهل يدخل النار؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

كل من مات مسلما موحدا لله تعالى فمآله إلى الجنة قطعا .

وهؤلاء المسلمون الموحدون الذين هم أهل الجنة قسمان :

منهم من يدخل الجنة ابتداءًا ، بمعنى أنه لن يدخل النار أبدا .

ومنهم من يدخل النار أولاً ، فيعذب فيها بذنبه ، ما شاء الله أن يعذب ، ثم يخرج من النار ، ويكون مصيره النهائي في الجنة ، وهؤلاء هم الذين يسميهم العلماء : "عصاة الموحدين" ، أو : " أهل الكبائر من الموحدين " .

فهؤلاء – وإن دخلوا النار- فإنهم لا يخلدون فيها ؛ بل يمكثون فيها ما شاء الله لهم ، ثم يخرجون منها ، إلى الجنة ، ولا يخلد في النار إلا الكفار .

ثانيا :

عصاة الموحدين ، أو أهل الكبائر من الموحدين ، ومنهم شارب الخمر ، وإن كنا نقطع بأنهم متوعدون بالنار على جرائمهم ، مستحقون لعذابها ، وإن كنا نقطع أيضا أن من منهم جماعات يدخلون النار بسبب هذه الجرائم ؛ إلا أنه لا يمكن القطع بأن " فلانا " ـ بعينه ـ من هؤلاء: سيدخل النار ، ثم يخرج منها إلى الجنة ، لأن هناك أسباباً كثيرة قد تسقط هذا العقاب ، وتنجي مرتكب الكبيرة من النار .

من هذه الأسباب : التوبة ، فإن ( التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه ابن ماجة (4250) وحسنه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجة " .

ومنها : سؤال الله المغفرة ، فقد يدعو الإنسان ربه بمغفرة الذنب فيستجيب له .

ومنها : الحسنات التي تكفر الذنب ، فقد يكون له من الحسنات العظيمة ما تكفر هذا الذنب ، أو تزيد حسناته على سيئاته فلا يدخل النار .

ومنها : المصائب التي يصاب بها في الدنيا ، فإنها تكفر الذنب ، فقد يصاب بما يكفر عنه هذا الذنب ويسقط العقاب عنه في الآخرة ، فلا يدخل النار .

ومنها : دعاء المؤمنين له بالمغفرة ، كما في صلاة الجنازة عليه . فقد يستجيب الله دعاء المصلين عليه فيغفر له . ... وأسباب أخرى .

وقد يغفر له أرحم الراحمين ابتداء ، فلا يعذبه بذنبه ، وهذا أعظم أسباب النجاة من الوعيد ، وأعظم الموانع من لحوقه بأهله ؛ كما قال سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء/48 .

وهذه الآية في غير التائب من عصاة الموحدين ، فقد يموت الإنسان مصرا على كبيرة من الكبائر ولم يتب منها ، ولكن الله تعالى برحمته وعفوه يصفح عن ذلك المذنب فلا يدخله النار .

فإذا انتفت كل الأسباب التي تسقط عقوبة الآخرة ودخول النار عن صاحب الكبيرة ، ولم يشأ الله تعالى أن يغفر له ، فلم يبق إلا أن يدخل النار فيعذب بها ، حتى يطهر من ذنبه ثم يخرج منها ، ويدخل الجنة .

وخلاصة الجواب : أن شارب الخمر ، وغيره من أصحاب الكبائر : إذا لم يتب من معصيته ، فهو على خطر عظيم ، ومتوعد ومهدد من الله تعالى بدخول النار ، ثم إن دخلها فإنه يخرج منها بعد ذلك إلى الجنة .

ولا يغترن عبد بذلك ، فيتجرأ على معصية الله ، آملا ألا يخلد في النار ، فإن أخذ الله أليم شديد ، وعذابه عظيم لا يطاق !!
فإن أردت أن تدرك ذلك : فقدر لنفسك أن ترمى في حفرة من نيران الدنيا ، سنة ، أو شهرا ، أو حتى يوما ؛ فهل تتجرأ على مثل ذلك ؟ وهل تطيق ؟!

فأين نار الدنيا بأسرها ، من غمسة واحدة في نار جهنم ، عافانا الله الكريم بمنه وفضله ؟!

ثم من يضمن للعاصي المتجرأ أن يبقى على التوحيد بعد جرائمه ومعاصيه ؟

وما يؤمنه من مكر الله به ؟

وما يؤمنه أن يزيغ قلبه ، ويفتن عن التوحيد ، فلا يجد إلا ذنبه وما جنت يداه ؟!

نسأل الله تعالى أن يتغمدنا برحمته وعفوه في الدنيا والآخرة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 03:33
السؤال:

ماذا ترد على الذي يقول: مادام المسلم في قلبه ذرة إيمان سيدخل الجنة حتى ولو عمل الزنا في حياته؟ ماذا تقول للزوجة التي تخون زوجها بارتكاب فاحشة الزنا للتمتع بالجنس؟

الجواب :

الحمد لله

من اعتقاد أهل السنة والجماعة : أن أصحاب الكبائر تحت المشيئة ، إن شاء الله عذبهم ، وإن شاء غفر لهم ، وأنهم إن عذبوا لا يخلدون في النار ، وهذا ما دلت عليه النصوص المتواترة من الكتاب والسنة ، كقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء/48

وروى البخاري (18) ومسلم (1709) عن عبادة بن الصامت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: ( بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ) فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك

وروى البخاري (44) ومسلم (193) عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِنْ إِيمَانٍ ) مَكَانَ : ( مِنْ خَيْرٍ ).

وهذا لا يعني الاستهانة بالمعاصي والذنوب ، فإن العاصي قد يبتلى بسوء الخاتمة وسلب الإيمان ، ولهذا قال من قال من السلف : إن المعاصي بريد الكفر .

وأيضا : فلا يستهين بعذاب النار إلا أحمق غافل ، لا يدري ما النار ، وما عذاب الله ، وإلا فغمسة في النار تنسي أعظم نعيم في الدنيا .

وقد جاء في عذاب الزناة وعقابهم وخزيهم ما يروع القلب ويرهب العقل ويحجز النفس عن التفكير في الزنا ، ومن ذلك :
ما روى البخاري (1386) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا قُلْنَا لَا قَالَ لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ) فذكر الحديث إلى أن قال ( فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا ).

وفي رواية للبخاري أيضا (7047) : ( فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلَاءِ قَالَ قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ ) الحديث ، وفي آخره : ( وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي ).

وقال: ( إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ ) رواه أبوداود (4690) والترمذي(2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

ثم يقال هنا لمن كان له قلب : أي مؤمن هذا الذي يرضى أن يخرج منه أعز شيء ، وهو الإيمان ، ولا يدري هل يرده الله عليه كما كان ، أم يسلبه منه ، لقاء لذة لحظة ، ثم تزول ؟!

والمرأة إذا خانت زوجها ، جمعت بين الزنا ، وبين الظلم والخيانة لزوجها ، وكل ذلك من الكبائر العظيمة ، وما يدريها أنها ستتمكن من التوبة ، أو أن الله سيقبل توبتها ، بل ما يدريها أنها ستوفق للموت على الإيمان ، نسأل الله العافية .
ولقبح الزنا ، وعظم إثمه وجرمه ، جعل الله حد المحصن والمحصنة : الرجم بالحجارة حتى الموت .
نسأل الله السلامة والنجاة والحفظ من هذه الذنوب لنا ولكم ولسائر المسلمين .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 03:40
السؤال :

كنت أتساءل : ماذا يعنى كون المرء ملعونا من قبل الله ؟! ؛ فهل هناك لذلك مجال مرئي له مذاق وملمس ؟!

، وعندما يكون الشخص ملعونا ، فهل هذا يعنى أن الله يضع الشخص في عالم مجنون وغير معقول ، ويؤذيه ويتحدث إليه ، أم إنها مجرد لعنة بسيطة ، ومجرد قول لا غير ؟! .

وأيضا : أود أن أعرف : إذا كان الشخص ملعونا من الله ، هل هذا يعنى أنه لا يمكنه دخول الجنة ، أو : لن يغفر له الله لأنه ملعون ؟

أنا لدي صديق كان يعيش حياة طيبة إسلامية ، وبدأ يصوم في سن العاشرة ، وتوقف عن ذلك في الخامسة عشرة من عمره ، لأنه بدأ يرافق غير مسلم ، وأخذ يدخن الحشيش ، وبعدها كان يشرب الخمر ، وعندما كان في بلدة أخرى قام بتدخين الحشيش ثانية ، ثم دخل في نفس المدينة في علاقة مع غير مسلمة ، ومارس الجنس وارتكب الزنا ، واستمرت العلاقة حوالي 6 أشهر قبل أن يقطعها ، لأن أخته ووالدته أخبرتاه أنها علاقة حرام وشريرة

فقال إنه لا يمكنه الاستمرار في العلاقة وتركها وترك أيضا حياة العصابات ، وكنت أتساءل هل يمكن أن يغفر الله له ؟ وما هي عقوبة ذلك إن لم تكن هناك عقوبة أبدية ؟

وأيضا : فإن ذات الشخص بدأ يسمع أصواتا ، وقالت له : هذه الأصوات إنها أرواح ، وبدأ يتحدث مع الله ، وقال له الله : إنه سيغفر له ، لكن يقول له صوت الله أحيانا : إنه لن يغفر له ، ويرى أشياء لا يراها الآخرون ، فهل هو ملعون ؟
وإذا كان كذلك في الدنيا ، فهل يمكن أن يغفر له؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

" اللَّعْنُ : الإِبْعادُ والطَّرْد مِنَ الْخَيْرِ ، وَقِيلَ : الطَّرْد والإِبعادُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنَ الخَلْق السَّبُّ والدُّعاء ... وكلُّ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَدْ أَبعده عَنْ رَحْمَتِهِ وَاسْتَحَقَّ العذابَ فَصَارَ هَالِكًا "

انتهى من "لسان العرب" (13/ 387-388) .

والملعون إما أن يكون كافرا فهذا مطرود من رحمة الله مبعد عنها إلى عذاب الله .

وإما أن يكون مسلما ولكنه فعل فعلا يستحق عليه اللعن ، كشرب الخمر وأكل الربا وسب الوالدين ونحو ذلك من الذنوب العظام ، فهذا لا يكون إلا في كبائر الذنوب ، ولا يعني ذلك خلوده في النار ؛ لأن من مات من أهل التوحيد على التوحيد والإسلام وإن دخل النار بذنوب فعلها فإنه لا يخلد فيها ، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .

قال ابن عثيمين رحمه الله :

" اللعن : هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، ولا لعن على فعلٍ إلا من كبائر الذنوب ، ولهذا قال العلماء : كل ذنبٍ كانت عقوبته اللعنة فهو من كبائر الذنوب " .

انتهى من "دروس وفتاوى الحرم المدني" (ص 57) .

فمن فعل فعلا استوجب كفره ومات على ذلك ولم يتب منه ، فهذا ملعون بمعنى أنه استوجب عذاب الله الخالد ، الذي لا يخرج منه أبدا .

وأما من كان من المسلمين ، ففعل فعلا عظيما استوجب غضب الله عليه ، أو لعنته ، فهذا لم يخرج من الإسلام بمجرد ما وقع منه من الكبيرة ، أو بمجرد حكم الله له باللعنة ؛ بل هو في مشيئة الله تعالى : إن شاء عذبه على ما استوجبه بعمله ، وإن شاء عفا عنه سبحانه بمنه وكرمه ؛ لكنه إذا عذبه عذبه ما شاء أن يعذبه ثم يخرجه من العذاب ، فهذا ليس له العذاب الخالد .

ولا شك أن شرب الخمر والحشيش وفعل فاحشة الزنا من كبائر الذنوب التي تستوجب سخط الله وعذابه ، ولكن من تلبس بشيء من ذلك ثم تاب تاب الله عليه ، شريطة أن يكون صادقا في ندمه وتوبته ، مقلعا عما كان يقترفه من الذنوب والآثام ، دائم الاستغفار مقبلا على الله .

قال الله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) مريم/ 59، 60 .

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان/ 68 – 71 .

ثانيا :

لعنة الله تعالى لمن استحق ذلك من عباده ، هي طرده لهذا العبد عن طريق الهدى والرشاد ، وصرفه إلى طريق الغي والفساد ، أو هي كلامه سبحانه بما يستحقه هذا العبد من اللعنة ، وذكره لهذا العبد بلعنته سبحانه وتعالى .
ولا علاقة لهذه اللعنة بعلامة رمزية تظهر على العبد

أو تظهر له ، كأن ينزل عليه شيء من السماء بمقتضى هذه اللعنة ، أو يظهر شيء في شكله وصورته ، أو يرى شيئا يدله على هذه اللعنة ، أو نحو ذلك من الأوهام ، ولا علاقة لها أيضا بأن يصيبه شيء من الجنون أو الجذام ، أو غير ذلك من الأسقام ؛ فاللعنة حكم شرعي ، يتعلق بدين الرجل في الدنيا

ومصيره عند ربه في الدار الآخرة ، وربما بدا لك من الشخص أنه من أنعم الناس عيشا ، وأبهاهم صورة ومنظرا ، وهو ملعون عند الله ، مطرود من رحمته . وربما بدا لك من شخص أنه من أقل الناس قدرا ، وأضيقهم عيشا ، وأقلهم حظا ، أو أوحشهم صورة ، ثم هو عند الله من الناجين الفائزين المرحومين .

ثالثا :

الذي يراه صاحبك من أشياء لا يراها غيره ، والذي يسمعه من أصوات تزعم أنها أرواح ، وهذا الذي يأتيه ويقول له أنه الله وأنه سيغفر له ، أو لن يغفر له : كل هذا وأشباهه من تلبيس الشيطان عليه واحتياله وتسلطه ليبعده أكثر عن الله ، وكل ذلك من الباطل الذي لا حقيقة له ، والذي لا أثر له في الحقيقة على من وفقه الله للتوبة والإنابة والرجوع إلى ربه .

وأما صوت الله فلا يسمعه أحد من البشر في الدنيا إلا الأنبياء ، ولا نبي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهكذا لا يرى أحد ربه حتى يموت ، ونراه في الدار الآخرة ، نسأل الله أن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم .

وكل ما يجب على صاحبك الآن : أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا : فيقلع عن هذه الذنوب والمعاصي التي أوقعه فيها عدوه اللعين ، وأن يندم على ما فات منه ، وأن يسارع إلى إصلاح اللحظة التي يحياها بطاعة الله تعالى

والإكثار من الخيرات ، والإقبال على الله بحسن الظن فيه ، والرجاء له ، والرغبة فيما عنده سبحانه ؛ قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/ 53 .

وروى ابن ماجة (4250) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : ( وَسَلَّمَ التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) . حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة"
.
قال السندي رحمه الله :

" قَوْله ( التَّائِب مِنْ الذَّنْب ) إِطْلَاق الذَّنْب يَشْمَل الذُّنُوب كُلّهَا ، فَيَدُلّ الْحَدِيث عَلَى أَنَّ التَّوْبَة مَقْبُولَة مِنْ أَيّ ذَنْب كَانَ ، وَظَاهِر الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَة إِذَا صَحَّتْ بِشَرَائِطِهَا فَهِيَ مَقْبُولَة "

انتهى من " حاشية السندي على سنن ابن ماجه " ( 2/ 562 ) .

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

" الذُّنُوبُ تُنْقِصُ الْإِيمَانَ فَإِذَا تَابَ الْعَبْدُ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَقَدْ تَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ بِالتَّوْبَةِ ، فَمَنْ قُضِيَ لَهُ بِالتَّوْبَةِ كَانَ كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : " إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ وَيَعْجَبُ بِهَا وَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إلَيْهِ مِنْهَا "
.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ ) .

وَالْمُؤْمِنُ إذَا فَعَلَ سَيِّئَةً فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ بِعَشَرَةِ أَسْبَابٍ : أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، أَوْ يَسْتَغْفِرُ فَيُغْفَرُ لَهُ ، أَوْ يَعْمَلُ حَسَنَاتٍ تَمْحُوهَا فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ، أَوْ يَدْعُو لَهُ إخْوَانُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا ،

أَوْ يَهْدُونَ لَهُ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ مَا يَنْفَعُهُ اللَّهُ بِهِ ، أَوْ يَشْفَعُ فِيهِ نَبِيُّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُ عَنْهُ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي الْبَرْزَخِ بِالصَّعْقَةِ فَيُكَفِّرُ بِهَا عَنْهُ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا بِمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ ، أَوْ يَرْحَمُهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .

فَمَنْ أَخْطَأَتْهُ هَذِهِ الْعَشَرَةُ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (10 / 45-46) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" قد استقرت حكمة الله به عدلا وفضلا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا أنه يبدل سيئاته حسنات ، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب ، وقد قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد ، ولكن هذا في حق التائبين خاصة "

انتهى من "الجواب الكافي" (1 / 116) .

فبشر صاحبك بسعة رحمة الله ، وعظيم عفوه ، وفرحه بتوبة عبده وإقباله عليه وإنابته إليه .

فليسارع إلى التوبة وليرجع إلى الله وليترك أهل السوء وليصاحب أهل الصلاح .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:16
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

السؤال:

لي صديق أحبه كثيرا كأخي ، وزاد تقديره لي بعد تحولي من فرقة بريلوي (جماعة صوفية بباكستان ) إلي منهج السلف وأخبرني بأشياء غريبة منها:

1- أنه لا يمكن له أن يكذب فكلما حاول الكذب يجد نفسه يتكلم الحقيقة

. 2- أنه قريب جدا من الله وله مع الله مقامات.

3- ويذكر أن الله يقرِّه علي بعض الأمور لكن لا يخبرني كيف يحدث هذا

. 4- لديه قوة سرية . وبالنسبة لتدينه كما تناقشت معه فإنه : لا يؤمن بأحاديث كثيرة متعللا بأنها تتعارض مع القرآن ، مع أني قد بينت له أنه لا يوجد تعارض بين القران والحديث ، لكن اعتمد علي بعض الأحاديث التي يوهم ظاهرها أنها تتعارض ، كما أنه لا يعتقد بوجوب إطلاق اللحية ، ويعتقد أن الموسيقي حلال معتبرا أنها وسيلة للقرب من الله ، وصلاته متقطعة وخاصة صلاة الفجر ، بل قد يقضي الليل في التهجد والتفكر ويترك صلاة الفجر

كما أنه لا يعتقد بمجيء المهدي المنتظر ولا بنزول عيسي عليه السلام في آخر الزمان ، ويؤمن بخلق القرآن ، وبوجوده عندما تكلم الله به قبل أن ينزل إلي الأرض ، كما أنه يعطي دروس في التفسير دون الحصول علي إجازة ، أنا في قلق بخصوص عقيدته هل هو حظيرة الإسلام ؟ ادعوا الله أن يهديه ، كيف لي أن أساعده حتي ينجو في الآخرة ؟

أرجوا النصيحة فضيلة الشيخ ، هل أستمر في علاقتي معه وأكلمه ؟ فنيتي أن أصحح ضلالاته ، وأمر آخر : لا أدري لماذا أنا مرتبط بهذا الشخص ودائما يزعجني حين أصلي أو اقرأ القرآن واستمع للمحاضرات الإسلامية لكني دائما ملتزم الهدوء .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

حثنا الشرع على ضرورة اختيار الصاحب التقيّ ذي الخلق والدين ؛ الذي يعين على طاعة الله وينهى عن معصيته ، قال تعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) الزخرف / 67 .

وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ) رواه الترمذي ( 2395 ) وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) . رواه أبو داود (4833) ، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" وهذا معناه - والله أعلم - أن المرء يعتاد ما يراه من أفعال من صحبه ، والدينُ العادةُ ، فلهذا أمر ألا يصحب إلا من يرى منه ما يحل ويجمل فإن الخير عادة .

والمعنى في ذلك : ألا يخالط الإنسان من يحمله على غير ما يحمد من الأفعال والمذاهب ، وأما من يؤمن منه ذلك فلا حرج في صحبته "

انتهى من " بهجة المجالس " ( 2 / 751 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" النَّاسَ كَأَسْرَابِ الْقَطَا ؛ مَجْبُولُونَ عَلَى تَشَبُّهِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضِ . وَلِهَذَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ : لَهُ مِثْلُ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَالْوِزْرِ "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (28/ 150) .

ثانيا :

هذا الصاحب الذي تتحدث عنه على خلاف منهج أهل السنة والجماعة ، وهو إلى منهج غلاة الصوفية أقرب ، يدل على ذلك قوله : إن له مع الله مقامات ، وإنه لا يستطيع الكذب ، وإن الله يقره على بعض ما يقول ويفعل ، وإن له قوة خفية .
ولا داعي للخوض في هذه الأباطيل المذكورة وتفنيدها ، حيث إن السائل يقر ببطلانها ولا يعتقد أنها صحيحة .

ومثل هذا يحتاج إلى من ينصحه ويبين له خطأه ويرشده إلى الصواب .

وطريق ذلك شاق بلا شك ، ولكنه يحتاج إلى كثير من الحكمة والعلم ، مع مزيد من الصبر والاحتساب .

فلا بد من تعريفه أولا بمنهج أهل السنة والجماعة القائم على التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، واتباع السلف في فهم النصوص الشرعية وعدم الخروج عن ذلك ؛ لأن الخروج عنه انحراف عن الصراط المستقيم .

ثانيا :

يجب في مقام الولاية التي يدعيها صاحبك لنفسه أن يعرف أن للولاية علامات وأمارات لا بد من تحقيقها حتى يصح انتساب العبد إليها ، وأولياء الله تعالى حقا لا يرون لأنفسهم مقاما ، بل يتواضعون لله تعالى ، وينظرون إلى أنفسهم دائما بعين التقصير . وجدير بالمرء منا أن يتأسى بهم في ذلك .

وقد صح عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فيما رواه أحمد ( 322 ) عن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أن عمر لما طُعن فقال له : أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ ، صَاحَبْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَطَلْتَ صُحْبَتَهُ ، وَوُلِّيتَ أَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَوِيتَ وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ . فَقَالَ : " أَمَّا تَبْشِيرُكَ إِيَّايَ بِالْجَنَّةِ ، فَوَاللهِ لَوْ أَنَّ لِي الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِي قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ الْخَبَر َ، وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي أَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافًا ، لَا لِي وَلا عَلَيَّ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ " .

فهذا قول عمر رضي الله عنه وهو خير الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، هذا قوله عن نفسه وهو في آخر ساعات الدنيا ، فأين هذا ممن يدعي لنفسه المقامات العالية والأحوال السامية ؟!
وقد قال الله تعالى : ( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) النجم/ 32 .

ثالثا :

ينبغي أن تنصح صاحبك بتعلم العلم الشرعي من مصادره الأصلية : من القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، وليستعن على فهم ذلك بأقوال أئمة الإسلام المشهود لهم بالعلم والفضل ، وهو كثير والحمد لله .

ودعواه أن السنة تعارض القرآن مما يدل على نقص علمه ، وأنه في حاجة إلى من يعلمه ، وقد أحسنت صنعا إذ بينت له ألا تعارض بين الكتاب والسنة

وقد أضاف إلى ذلك تهاونه بالصلوات المكتوبات وسماعه الموسيقى واعتقاده أنها وسيلة للقرب من الله واعتقاده أن القرآن كلام الله مخلوق ؟!

فعليك بنصحه برفق وحكمة ، وإعانته على انتشاله من تلك الأوحال التي يتخبط فيها .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:18
السؤال

هل يجوز تعيين شخص بأنه ولي لله مع صلاحه وتقواه سواء كان حيّاً أو ميتاً كأن أقول مثلا : العالم الفلاني من أولياء الله ؟.

الجواب

الحمد لله

ذكر الله تعالى علاماتٍ يُعرف بها أولياؤه ، وهي : الإيمان والتقوى ، قال الله تعالى : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } يونس / 62 ، 63 ، ولا يمكن أن نجزم بتعيين شخص أنه ولي من أولياء الله ؛ لأن تحقيق الإيمان والتقوى فيهما أمور قلبية خفية ، ولا يمكن للناس الاطلاع عليها ، لذا يمكن للإنسان أن يُغلِّب الظن على شخص معين لكن دون جزم .

قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - :

ويجب على جميع المسلمين أن يَزِنوا أعمال مَن يدَّعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة ، فإن وافق الكتاب والسنَّة : فإنه يُرجى أن يكون من أولياء الله ، وإن خالف الكتاب والسنَّة : فليس من أولياء الله ، وقد ذكر الله في كتابه ميزاناً قسطاً عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون } ، فمَن كان مؤمناً تقيّاً كان لله وليّاً ، ومَن لم يكن كذلك فليس بولي لله ، وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيءٌ من الولاية .

ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه بشيءٍ ، ولكننا نقول على سبيل العموم : كل من كان مؤمناً تقيّاً كان لله وليّاً .

" فتاوى مهمَّة " ( ص 83 ، 84 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:23
السؤال

إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

لا يزال أعداء الدِّين يحرصون على النيل من دين الله تعالى بشتى الصور والأساليب ، وينشرون شبهاتهم وضلالاتهم بين عامة المسلمين ، فينساق وراءهم بعض ضعاف الإيمان ، والجهلة من المسلمين ، ولو أن واحداً من هؤلاء العامة فكَّر قليلاً لعلم أن شبههم خاوية ، وأن حجتهم داحضة .

ومن أيسر ما يمكن أن يرد به العامي على هذه الشبهة المتهافتة أن يسأل نفسه : كم ركعة أصلي الظهر ؟ وكم هو نصاب الزكاة ؟ وهذا سؤالان يسيران ، ولا غنى بمسلم عنهما ، ولن يجد إجابتهما في كتاب الله تعالى ، وسيجد أن الله تعالى أمره بالصلاة ، وأمره بالزكاة ، فكيف سيطبق هذه الأوامر من غير أن ينظر في السنَّة النبوية ؟ إن هذا من المحال ، ولذا كانت حاجة القرآن للسنَّة أكثر من حاجة السنَّة للقرآن ! كما قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله - : " الكتاب أحوج إلى السنَّة من السنَّة إلى الكتاب " ، كما في " البحر المحيط " للزركشي ( 6 / 11 ) ، ونقله ابن مفلح الحنبلي في " الآداب الشرعية " ( 2 / 307 ) عن التابعي مكحول .

ولا نظن بالأخ السائل إلا خيراً ، ونظن أنه سأل مستفهماً عن أوجه الرد على من يقول بمثل هذه الأقاويل زاعماً تعظيمه للقرآن الكريم .

ثانياً :

من أوجه الرد على من يزعم أنه لا حاجة للمسلمين للسنَّة المشرفة ، وأنه يُكتفى بالقرآن الكريم : أنه بهذا القول يرد كلام الله تعالى في كتابه الكريم ، حيث أمر في آيات كثيرة بالأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالانتهاء عما نهى عنه ، وبطاعته ، وقبول حكمه ، ومن ذلك :

قال تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر:من الآية7 .
وقال تعالى : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) النور/54 .

وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) النساء/من الآية64 .

وقال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء/65 .

فماذا يصنع هذا الزاعم المدعي أنه يُكتفى بالقرآن ويُستغنى به عن السنَّة في هذه الآيات ؟ وكيف سيستجيب لأمر الله تعالى فيها ؟ .

وهذا بالإضافة إلى ما قلناه أولاً باختصار ، وهو أنه كيف سيقيم الصلاة التي أمره الله تعالى بها في كتابه الكريم ؟ وما عددها ؟ وما أوقاتها ؟ وما شوطها ؟ وما مبطلاتها ؟ وقل مثل ذلك في الزكاة ، والصيام ، والحج ، وباقي شعائر الدين وشرائعه .

وكيف سيطبق قول الله تعالى ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) المائدة/38 ؟ فكم هو نصاب السرقة ؟ ومن أين تُقطع اليد ؟ وهل هي اليمين أم الشمال ؟ وما هي الشروط في الشيء المسروق ؟ ، وقل مثل ذلك في حد الزنا والقذف واللعان وغيرها من الحدود .

قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :

وقال الشافعي في " الرسالة "

- في باب فرض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم - : قال تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وكل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه : كالحج ، والصلاة ، والزكاة : لولا بيان الرسول ما كنا نعرف كيف نأتيها , ولا كان يمكننا أداء شيء من العبادات , وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة : كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله .

" البحر المحيط " ( 6 / 7 ، 8 ) .

وكما يرى المسلم العاقل أن الزاعم أنه معظم لكتاب الله تعالى هو من أعظم المخالفين للقرآن ، ومن أعظم المنسلخين عن الدين ؛ حيث جعل القرآن كافيا لإقامة الدين والأحكام ، وهو بالضرورة إما أنه لا يفعل ما جاء بالسنة فيكفر ، أو أنه يفعلها فيتناقض !

ثالثاً :

والله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام ، وهذه النعمة العظيمة ليست القرآن وحده ، بل هي القرآن والسنَّة ، ولما امتنَّ الله على الأمة بإتمام الدين وإكمال النعمة لم يكن المقصود منه إنزال القرآن ، بل إتمام الأحكام في القرآن والسنَّة ، بدليل نزول آيات من القرآن الكريم بعد إخبار الله تعالى بمنته على عباده بإكمال الدين وإتمام النعمة .
قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) المائدة/من الآية3 .

قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :

قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم ) أي : أكملت لكم الأحكام ، لا القرآن ؛ فإنه نزل بعد ذلك منه آيات غير متعلقة بالأحكام .

" المنثور في القواعد " ( 1 / 142 ) .

وقال ابن القيم – رحمه الله - :

فقد بيَّن الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به ، وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ، وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) .

" إعلام الموقعين " ( 1 / 250 ) .

رابعاً :

وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن السنَّة التي جاء بها هي مثل القرآن في كونها من الله تعالى ، وفي كونها حجة ، وفي كونها ملزمة للعباد ، وحذَّر من الاكتفاء بما في القرآن وحده للأخذ به والانتهاء عن نهيه ، وبيَّن مثالاً لحرامٍ ثبت في السنَّة ولم يأت له ذِكر في القرآن ، بل في القرآن إشارة لحلِّه ، وكل ذلك في حديث واحدٍ صحيح .

عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ ) .

رواه أبو داود ( 4604 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود .

وهذا الذي فهمه الصحابة رضي الله من دين الله تعالى :

عن عبد الله قال : " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت : إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله ؟ فقالت : لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه ؛ أما قرأت : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر/7 ؟ ، قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه ، قالت : فإني أرى أهلك يفعلونه ، قال : فاذهبي فانظري ، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً ، فقال : لو كانتْ كذلك ما جامعَتنا .

رواه البخاري ( 4604 ) ، ومسلم ( 2125 ) .

وهو الذي فهمه التابعون وأئمة الإسلام من دين الله تعالى ، ولا يعرفون غيره ، أنه لا فرق بين الكتاب والسنَّة في الاستدلال والإلزام ، وأن السنَّة مبينة ومفسرة لما في القرآن .

قال الأوزاعي عن حسان بن عطية : كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسنَّة تفسر القرآن .
وقال أيوب السختياني : إذا حدَّث الرجل بالسنَّة فقال : دعنا من هذا ، حدِّثنا من القرآن : فاعلم أنه ضال مضل .
وقال الأوزاعي : قال الله تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) ، وقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) ...
. .
وقال الأوزاعي : قال القاسم بن مخيمرة : ما توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام : فهو حرام إلى يوم القيامة , وما توفي عنه وهو حلال : فهو حلال إلى يوم القيامة .

انظر : " الآداب الشرعية " ( 2 / 307 ) .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:27
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :

قال الحافظ الدارمي :

يقول : ( أوتيت القرآن , وأوتيت مثله ) : من السنن التي لم ينطق بها القرآن بنصه , وما هي إلا مفسرة لإرادة الله به , كتحريم لحم الحمار الأهلي , وكل ذي ناب من السباع , وليسا بمنصوصين في الكتاب .

وأما الحديث المروي من طريق ثوبان في الأمر بعرض الأحاديث على القرآن , فقال الشافعي في " الرسالة " : " ما رواه أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير " , وقد حكم إمام الحديث يحيى بن معين بأنه موضوع , وضعته الزنادقة ، قال ابن عبد البر في كتاب " جامع بيان العلم " :

قال عبد الرحمن بن مهدي

: الزنادقة والخوارج وضعوا حديث : ( ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله , فإن وافق كتاب الله فأنا قلته , وإن خالف فلم أقله ) ، قال الحافظ : وهذا لا يصح , وقد عارضه قوم , وقالوا : نحن نعرضه على كتاب الله فوجدناه مخالفا للكتاب ; لأنا لم نجد فيه : لا يقبل من الحديث إلا ما وافق الكتاب , بل وجدنا فيه الأمر بطاعته , وتحذير المخالفة عن أمره حكم على كل حال . انتهى .

وقال ابن حبان في " صحيحه

" في قوله صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) : فيه دلالة على أن السنَّة يقال فيها : آي .

" البحر المحيط " ( 6 / 7 ، 8 ) .

خامساً :

قد ذكر العلماء أوجهاً لبيان السنة للقرآن ، ومنها : أنها تأتي موافقة لما في القرآن ، وتأتي مقيدة لمطلقه ، ومخصصة لعمومه ، ومفسرة لمجمله ، وناسخة لحكمه ، ومنشئة لحكم جديد ، وبعض العلماء يجمع ذلك في ثلاث منازل .

قال ابن القيم - رحمه الله - :

والذي يجب على كل مسلم اعتقاده : أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنَّة واحدة تخالف كتاب الله ، بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل :

المنزلة الأولى : سنَّة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل .

المنزلة الثانية : سنَّة تفسر الكتاب ، وتبين مراد الله منه ، وتقيد مطلقه .

المنزلة الثالثة : سنَّة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب ، فتبيِّنه بياناً مبتدأً .

ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة ، وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة .

وقد أنكر الإمام أحمد على من قال " السنة تقضي على الكتاب " فقال : بل السنَّة تفسر الكتاب وتبينه .

والذي يشهد الله ورسوله به أنه لم تأت سنَّة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله

وتخالفه ألبتة ، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله ، وعليه أنزل ، وبه هداه الله ، وهو مأمور باتباعه ، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده ؟! .

ولو ساغ رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن ، وبطلت بالكلية .

وما من أحد يُحتج عليه بسنَّة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية ، أو إطلاقها ، ويقول : هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل .

حتى إن الرافضة قبحهم الله سلكوا هذا المسلك بعينه في رد السنن الثابتة المتواترة ، فردوا قوله صلى الله عليه وسلم ( لا نُورث ما تركنا صدقة ) وقالوا : هذا حديث يخالف كتاب الله ، قال تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) .

وردت الجهمية ما شاء الله من الأحاديث الصحيحة في إثبات الصفات بظاهر قوله ( ليس كمثله شيء ) .

وردت الخوارج من الأحاديث الدالة على الشفاعة ، وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن .
وردت الجهمية أحاديث الرؤية مع كثرتها وصحتها بما فهموه من ظاهر القرآن في قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار )
.
وردت القدرية أحاديث القدر الثابتة بما فهموه من ظاهر القرآن .

وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن .

فإما أن يطرد الباب في رد هذه السنن كلها ، وإما أن يطرد الباب في قبولها ، ولا يرد شيء منها لما يفهم من ظاهر القرآن ، أما أن يرد بعضها ويقبل بعضها - ونسبة المقبول إلى ظاهر القرآن كنسبة المردود - : فتناقض ظاهر .
وما مِن أحد رد سنَّة بما فهمه من ظاهر القرآن إلا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك .

وقد أنكر الإمام أحمد والشافعي وغيرهما على من ردَّ أحاديث تحريم كل ذي ناب من السباع بظاهر قوله تعالى ( قل لا أجد في ما أوحى إليَّ محرماً ) الآية .

وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من رد سنَّته التي لم تذكر في القرآن ، ولم يدَّعِ معارضة القرآن لها : فكيف يكون إنكاره على من ادعى أن سنَّته تخالف القرآن وتعارضه ؟ .

" الطرق الحكمية " ( 65 – 67 ) .

وللشيخ الألباني – رحمه الله - رسالة بعنوان

" منزلة السنة في الإسلام ، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن " ، وفيها :

تعلمون جميعاً أن الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بنبوته ، واختصه برسالته ، فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم ، وأمره فيه - في جملة ما أمره به - أن يبينه للناس ، فقال تعالى :

( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ) النحل/44 ، والذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان :

الأول : بيان اللفظ ونظمه ، وهو تبليغ القرآن ، وعدم كتمانه ، وأداؤه إلى الأمة ، كما أنزله الله تبارك وتعالى على قلبه صلى الله عليه وسلم ، وهو المراد بقوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك ) المائدة/67 ، وقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في حديث لها " ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً أُمر بتبليغه : فقد أعظم على الله الفرية " ، ثم تلت الآية المذكورة " - أخرجه الشيخان -

وفي رواية لمسلم : " لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً أُمر بتبليغه لكتم قوله تعالى : ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) الأحزاب/37 .

والآخر : بيان معنى اللفظ ، أو الجملة ، أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه ، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة ، أو العامة ، أو المطلقة ، فتأتي السنَّة ، فتوضح المجمل ، وتُخصِّص العام ، وتقيِّد المطلق ، وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم ، كما يكون بفعله وإقراره .

وقوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) المائدة/38 ، مثال صالح لذلك ، فإن السارق فيه مطلقٌ كاليد ، فبينتِ السنَّة القوليَّة الأول منهما ، وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينارٍ بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً ) - أخرجه الشيخان -

كما بينتِ الآخَرَ بفعله صلى الله عليه وسلم أو فعل أصحابه وإقراره ، فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل ، كما هو معروف في كتب الحديث ، وبينت السنة القوليَّة اليد المذكورة في آية التيمم : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) النساء/43 و المائدة /6 بأنها الكف أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم : ( التيمم ضربة للوجه والكفين ) أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما .

وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لم يمكن فهمها فهماً صحيحاً على مراد الله تعالى إلا من طريق السنة :

1. قوله تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) الأنعام /82 ، فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله( بظلم ) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيراً ، ولذلك استشكلوا الآية فقالوا : يا رسول الله أيُّنا لم يلبس أيمانه بظلم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( ليس بذلك ، إنما هو الشرك ؛ ألا تسمعوا إلى قول لقمان : ( إن الشرك لظلم عظيم ) لقمان/13 ؟ ) أخرجه الشيخان وغيرهما .

2. قوله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) النساء/101 ، فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف ، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا ؟ قال : ( صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) - رواه مسلم - .

3. قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة والدم ) المائدة/3 ، فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك ، والكبد والطحال ، من الدم حلال ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أحلت لنا ميتتان ودمان : الجراد والحوت - أي : السمك بجميع أنواعه - ، والكبد والطحال ) - أخرجه البيهقي وغيره مرفوعاً وموقوفاً ، وإسناد الموقوف صحيح ، وهو في حكم المرفوع ؛ لأنه لا يقال من قِبَلِ الرأي - .

4. قوله تعالى : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي مُحرَّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به ) الأنعام/145 ، ثم جاءت السنَّة فحرمت أشياء لم تُذكر في هذه الآية ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير حرام ) ، وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك ، كقوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : ( إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الإنسية ؛ فإنها رجس ) - أخرجه الشيخان - .

5. قوله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) الأعراف/32 ، فبينت السنة أيضاً أن من الزينة ما هو محرم ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوماً على أصحابه وفي إحدى يديه حرير ، وفي الأخرى ذهب ، فقال : ( هذان حرام على ذكور أمتي ، حلٌّ لإناثهم ) - أخرجه الحاكم وصححه - .

والأحاديث في معناه كثيرة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما ، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المعروفة لدى أهل العلم بالحديث والفقه .

ومما تقدم يتبين لنا - أيها الإخوة - أهمية السنَّة في التشريع الإسلامي ، فإننا إذا أعدنا النظر في الأمثلة المذكورة - فضلا عن غيرها مما لم نذكر - نتيقن أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهماً إلا مقروناً بالسنَّة .

" منزلة السنة في الإسلام " ( ص 4 – 12 ) .

وننصح بالرجوع إلى رسالة الشيخ الألباني – رحمه الله – فهي في صلب موضوع السؤال .

وبه يتبين :

أنه لا يحل لأحدٍ أن يفصل القرآن عن السنَّة في إثبات الأحكام ولزومها للمكلَّف ، وأن من فعل ذلك فهو من أعظم المخالفين لما في القرآن من أوامر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنَّته والانتهاء عن نهيه ، وأن السنَّة النبوية جاءت مؤيدة لما في القرآن وموضحة له ومقيدة لمطلقه ومخصصة لعمومه ، وجاءت كذلك مستقلة في إنشاء الأحكام ، وكل ذلك لازم للمسلم الأخذ به .

وأمر أخير :

هب أننا نعدُّ هذا تنازعاً بيننا وبين خصومنا الذين يرون الاكتفاء بالقرآن : فإننا نقول : إننا أُمرنا في القرآن الكريم عند التنازع أن نرجع إلى القرآن والسنَّة ! فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )

النساء/59 ، فماذا هو صانعٌ خصمنا بهذه الحجة القرآنية ؟ إن قبلها : رجع إلى السنَّة فبطل قوله ، وإن لم يرجع : فقد خالف القرآن الذي يزعم أنه كافٍ عن السنَّة .

والحمد لله رب العالمين

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:34
السؤال

كيف نوفق بين الآية ( والله يعصمك من الناس ) أي : من القتل ، وبين الحديث الذي ترويه عائشة في صحيح البخاري ( يا عائشة ، ما أزال أجد الم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم ) ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

نص الآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) المائدة/ 67 .

نص الحديث :

قالت عَائِشَةُ رضى الله عنها : كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ : يَا عَائِشَةُ ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِى أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِى مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ .

رواه البخاري ( 4165 ) .

" الطعام " : هو الشاة المسمومة .

" أوان " : وقت ، وحين .

" أبهَري " : عرق مرتبط بالقلب ، إذا انقطع مات الإنسان .

وأصل القصة :

عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ : أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ ، قَالَ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ .

رواه البخاري ( 2474 ) ومسلم ( 2190 ) .

ثانياً:

يجب أن يَعلم المسلم أنه ليس ثمة تعارض بين نصوص الوحي ، وما يظنه بعض الناس من وجود تعارض بين نصوص الوحي بعضها مع بعض : فهو تعارض في ظاهر الأمر بالنسبة له ، وليس تعارضاً في واقع الأمر ، ولذا فإن علماء الإسلام

الراسخين لا يعجزهم – بفضل الله وتوفيقه – من بيان أوجه التوفيق بين ما ظاهره التعارض بالنسبة لمن يرى ذلك ممن يخفى عليه وجه الجمع بين تلك النصوص .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

لا يجوز أن يوجد في الشرع خبران متعارضان من جميع الوجوه ، وليس مع أحدهما ترجيح يقدم به .

" المسودة " ( 306 ) .

وقال ابن القيم - رحمه الله - :

وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه ليس أحدهما ناسخاً للآخر : فهذا لا يوجد أصلاً ، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق .

" زاد المعاد " ( 4 / 149 ) .

وقال ابن القيم - رحمه الله – أيضاً - :

فصلوات الله وسلامه على مَن يصدّق كلامُه بعضه بعضاً ، ويشهد بعضه لبعض ، فالاختلاف ، والإشكال ، والاشتباه إنما هو في الأفهام ، لا فيما خرج من بين شفتيه من الكلام ، والواجب على كل مؤمن أن يَكِلَ ما أشكل عليه إلى أصدق قائل ، ويعلم أن فوق كل ذي علم عليم .

" مفتاح دار السعادة " ( 3 / 383 ) .

وقال الشاطبي – رحمه الله - :

كل مَن تحقق بأصول الشريعة : فأدلتها عنده لا تكاد تتعارض ، كما أن كل مَن حقق مناط المسائل : فلا يكاد يقف في متشابه ؛ لأن الشريعة لا تعارض فيها البتة ، فالمتحقق بها متحقق بما في الأمر ، فيلزم أن لا يكون عنده تعارض ، ولذلك لا تجد ألبتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما بحيث وجب عليهم الوقوف ، لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ : أمكن التعارض بين الأدلة عندهم .

" الموافقات " ( 4 / 294 ) .

وقد برز طوائف من العلماء يتحدون من يزعم وجود تعارض بين نصوص الوحي ؛ ومنهم الإمام ابن خزيمة رحمه الله حيث كان يقول – كما في " تدريب الراوي " ( 2 / 176 ) - : " لا أعرف حديثين متضادين ، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما " .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:34
ثالثاً:

ما ذكره الأخ السائل مما ظاهره التعارض بين قوله تعالى ( والله يعصمك من الناس ) مع قوله صلى الله عليه وسلم ( وهذا أوان انقطاع أبهري ) وأنه مات بالسم الذي وضعه له اليهود : فليس بينهما تعارض – بتوفيق الله - ؛ لأن " العصمة " في الآية هي : العصمة من الفتنة

ومن الضلال ، ومن القتل قبل تبليغ الرسالة ، وكل ذلك قد تحقق له صلى الله عليه وسلم ، وقد عصمه ربه تعالى من كل ذلك ، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أبلغ رسالة ربه تعالى ، وقد قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) المائدة/ من الآية 3 ، وقد ذكر بعض العلماء معنى لطيفاً ها هنا ، وهو أن الله تعالى أبى إلا أن يجمع لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة .

وقد عصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من كفار قريش عندما أرادوا قتله في مكة ، وعصمه ربه من القتل في المدينة فيما حضره من غزوات ، بل وحتى محاولة اليهود قتله بالسم : فإن الله تعالى قد عصمه منها ، فأخبرته الشاة أنها مسمومة ، ومات الصحابي الذي كان معه

وأكل منها – وهو بِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور - ولم يمت صلى الله عليه وسلم ، ولا يخالف هذا وجوده أثر ذلك السم ، واعتقاده أنه سيموت بسببه ، وما قاله صلى الله عليه وسلم ليس فيه أن السم هو سبب موته ، بل فيه أنه يشعر به ، وأنه قد يكون هذا هو الموافق لانتهاء أجله .

وبكل حال : فإن العصمة من القتل هي فيما كان قبل تبليغ رسالة ربه ، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد أبلغها على أكمل وجه ، وسياق الآية يدل على ذلك ، حيث أمره ربه تعالى بتبليغ الرسالة ، وأخبره أنه يعصمه من الناس .
ومما يدل على ذلك أيضاً : قوله صلى الله عليه وسلم لليهودية ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ ) بعد أن أخبرته أنها أرادت قتله ، وهو نص إما في عصمته من القتل بالسم حتى فارق الدنيا ، أو هو نص في ذلك قبل تبليغ الرسالة .

وخلاصة الكلام : أنه إما أن يُقال بأن النبي صلى الله عليه سلم عُصم من القتل بالسم – كما سيأتي في كلام ابن كثير والنووي وغيرهما - ، وقد أوحى الله بوجود السم فيها ، وهذا من عصمته له ، أو يقال : إن العصمة هي في أثناء التبليغ لرسالة الإسلام ، ولا ينافي ذلك وقوع القتل بعد التبليغ لها – كما سيأتي في كلام القرطبي وابن حجر

والعثيمين - ، وأن الله تعالى جمع بذلك القتل لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة ، وجعل ذلك تذكيراً لنا على الدوام بعداوة اليهود لنا ولديننا .

وهذه بعض أقوال علماء الأمة فيما ذكرناه ، وهو يوضح المقصود إن شاء الله .

1. قال ابن كثير – رحمه الله - :

ومِن عصمة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم : حفْظُه له من أهل مكة ، وصناديدها ، وحسَّادها ، ومُعَانديها ، ومترفيها ، مع شدة العداوة ، والبِغْضة ، ونصب المحاربة له ليلاً ، ونهاراً ، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقَدَره ، وحكمته العظيمة ، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب ، إذ كان رئيساً مطاعاً كبيراً في قريش ، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا شرعيَّة

ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها ، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر ، هابوه ، واحترموه ، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيراً ، ثم قيض الله عز وجل له الأنصار ، فبايعوه على الإسلام ، وعلى أن يتحول إلى دارهم - وهي المدينة - ، فلما صار إليها حَمَوه من الأحمر والأسود ، فكلما همَّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء : كاده الله

ورد كيده عليه ، لما كاده اليهود بالسحر : حماه الله منهم ، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء ، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر : أعلمه الله به ، وحماه الله منه ؛ ولهذا أشباه كثيرة جدّاً ، يطول ذِكْرها .

" تفسير ابن كثير " ( 3 / 154 ) .

2. وقال النووي – في شرحه لحديث الشاة المسمومة - :

فيه بيان عصمته صلى الله عليه و سلم من الناس كلهم ، كما قال الله : ( والله يعصمك من الناس ) وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته مِن السم المهلك لغيره ، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة ، وكلام عضو منه له ، فقد جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الذراع تخبرني أنها مسمومة ) .

" شرح مسلم " ( 14 / ص 179 ) .

3. وقال ابن الجوزي – رحمه الله –

قوله تعالى : ( والله يعصمك من الناس ) قال ابن قتيبة : أي : يمنعك منهم ، وعصمة الله : منعه للعبد من المعاصي ، ويقال : طعام لا يعصم ، أي : لا يمنع من الجوع .

فان قيل : فأين ضمان العصمة وقد شُجَّ جبينه ، وكسِرت رَباعيته ، وبولغ في أذاه ؟ : فعنه جوابان :

أحدهما : أنه عصمه من القتل ، والأسرِ ، وتلفِ الجملة ، فأمّا عوارض الأذى : فلا تمنع عصمة الجملة .ط

والثاني : أن هذه الآية نزلت بعدما جرى عليه ذلك ؛ لأن " المائدة " من أواخر ما نزل .

" زاد المسير " ( 2 / 397 ) .

4. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء : فإنه لم يُعصم منه عليه الصلاة والسلام , بل أصابه شيء من ذلك , فقد جُرح يوم أحد , وكُسرت البيضة على رأسه , ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر , وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك , وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقاً شديداً , فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل , ومما كتبه الله عليه , ورفع الله به درجاته , وأعلى به مقامه , وضاعف به حسناته ,

ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله ، ولا منعه من تبليغ الرسالة , ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ ، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم .

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / ص 150 ) .

5. وقال القرطبي - رحمه الله - :

ليس في الآية ما ينافي الحراسة ، كما أن إعلام الله نصر دينه وإظهاره ، ما يمنع الأمر بالقتال ، وإعداد العدد .

" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 6 / 280 ) .

6. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله - بعد أن ساق كلام القرطبي هذا - :

وعلى هذا فالمراد : العصمة من الفتنة ، والإِضلال ، أو إزهاق الروح ، والله أعلم .

" فتح الباري " ( 6 / 82 ) .

رابعاً:

من الشواهد العملية على عصمته صلى الله عليه وسلم من القتل قبل تبليغ الرسالة :

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا ، قَالَ : وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ

قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ رَجُلاً أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَلَمْ أَشْعُرْ إِلا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ ، فَقَالَ لِي : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ ، قَالَ : فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

رواه البخاري ( 2753 ) ومسلم ( 843 ) .

وفي رواية : فقال : يا محمد من يمنعك مني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله يمنعني منك ، ضع السيف ، فوضعه .

قال النووي:

ففيه بيان توكل النبي صلى الله عليه وسلم على الله ، وعصمة الله تعالى له من الناس ، كما قال الله تعالى ( والله يعصمك من الناس ) .

" شرح مسلم " ( 15 / 44 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:37
السؤال

هل لكم أن تخبرونا عن كتاب بالإنجليزية يتكلم على أن القرآن ليس مخلوقاً وما يجب أن نعتقده كمسلمين ؟.

الجواب

الحمد لله

الذي يجب علينا أن نَعْتَقِده نحن المسلمين ، هو ما جاءنا من الله عز وجل ، وما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أخْبَرنا الله عز وجل أنه يتكلم قال تعالى : ( ومن أصْدَق من الله حديثا ) النساء/87 وقال تعالى : ( ومن أصْدَق من الله قِيلاً ) النساء /122 .

ففي هاتين الآيتين إثبات أن الله يَتَكَلَّم ، وأنّ كلامَه صِدْقٌ ، وحَقٌ ، ليس فيه كَذِبٌ بِوَجْهٍ من الوجوه .

وقال تعالى : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ) المائدة /166 ففي هذه الآية أن الله يقول ، وأن قوله مَسْمُوع فيكون بصوت ، وأن قوله كَلِمَات وجمل ، والدليل على أنه بحرف قول الله تعالى : ( يا موسى إني أنا ربُّك ) طه/11-12 فإن هذه الكلمات حروف وهي من كلام الله .والدليل على أنه بصوت قوله تعالى : ( وناديناه من جانب الطور الأيمن وقرَّبناه نجياً ) مريم/52 ، والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت .

انظر شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ص 73 .

ولهذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام حقيقي متى وكيف شاء بما شاء بحرف وصوت لا يُمَاثِلُ أصوات المخلوقين ، والدليل على أنه لا يُمَاثِل أصْوَاتَ المَخْلُوقين ، قوله تعالى : ( ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السَمِيعُ البَصِير ) الشورى/11 ، فَعُرِفَ ابْتِداءً أن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة

وأهل السنة والجماعة يَعْتَقِدون أن القرآن كلام الله ، ومن الأدلة على هذا الاعتقاد قول الله تعالى : ( وإنْ أحَدٌ من المشْرِكين استجارك فأجِرْه حتى يَسْمَع كلام الله ) التوبة /6 والمراد القرآن بالاتفاق ، وأضاف الكلام إلى نفسه فدل على أن القرآن كلامه .

وعقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود .

والأدلة على أنه منزل ما يأتي :

قول الله عز وجل : ( شَهْرُ رمضان الذي أنزل فيه القُرآن ) البقرة/185 ، وقوله تعالى : ( إنّا أنْزَلناه في ليلة القدر ) القدر /1 ، وقوله : ( وقُرْآناً فَرَقْنَاه لِتَقْرَأَه على الناس على مُكْثٍ ونَزَّلنَاه تَنْزِيلاً ) الإسراء /106

قوله : ( وإذا بَدَّلنا آية مكان آية والله أعلم بما يُنَزِّل قالوا إنما أنت مُفْتَرٍ بل أكثرهم لا يعلمون قل نَزَّله رُوح القُدُسِ من ربك بالحق ليُثَبِّت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ولقد نعلم أنهم يقولون إنّما يُعَلِّمُه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعْجَمِِي وهذا لسان عربي مبين ) النحل /101-103 . و الذي يبدل آية مكان آية هو الله سبحانه وتعالى .

والأدلة على أنه غير مخلوق قوله تعالى : ( ألا له الخلق والأمر ) فجعل الخلق شيئاً والأمر شيئا آخر

لأن العطف يقتضي المغايرة والقرآن من الأمر بدليل قوله تعالى : ( وكذلك أوْحَيْنَا إليك روحا من أمرنا

ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نَهْدِي به من نَشَاءُ من عبادنا ) الشورى /52 ، فإذا كان القرآن أمراً وهو قسيم للخلق ، صار غير مخلوق ، لأنه لو كان مخلوقاً ما صح التقسيم فهذا هو الدليل من القرآن .

والدليل العقلي أن نقول القرآن كلام الله والكلام ليس عينا قائمة بنفسها حتى يكون بائنا من الله ولو كان عينا قائمة بنفسها بائنة من الله لقلنا إنه مخلوق لكن الكلام صفة للمتكلم فإذا كان صفة للمتكلم به وكان من الله كان غير مخلوق لأن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة . شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين 1/418-426 - 441

فيجب علينا أن نعتقد ذلك ونوقن به ، ولا نُحَرِّف آيات الله عز وجل عن مرادها ، فإنها صريحة الدلالة على أن القرآن مُنَزَّل من عند الله ، ولذلك قال الإمام الطحاوي رحمه الله : " وإنّ القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولاً ، وأنزله على رسوله وحياً ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية

فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذَمَّه الله وعَابَهُ وأوعده بسقر حيث قال تعالى : ( سأُصلِيه سَقَر ) المدثر/26 ، فلما أوْعَدَ بِسَقَر لمن قال ( إنْ هذا إلا قول البشر ) المدثر /25 عَلِمْنَا وأيْقَنَّا أنَه قولَ خالقِ البَشَر ولا يُشْبِه قول البشر . أهـ شرح العقيدة الطحاوية 179.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:42
السؤال:

ما هو مكان الصوفية في الإسلام ؟

ما صحة القول بأن هناك عبّاد وأولياء يتّصلون بالله ، بعض الناس يعتقدون بهذه الظاهرة وأنّ هناك ما يُثبت ذلك في الأديان المختلفة والأنحاء المختلفة في الأرض .

كيف تمكن رؤية الذين يدعون بأنهم صوفية أو تابعين للصوفيين ؟

أليست الصلاة والذكر نوع من الاتصال بالله سبحانه وتعالى ؟

الجواب:

الحمد لله

لم يعرف الإسلام اسم الصوفية في زمن الرسول وصحابته والتابعين حتى جاء جماعة من الزهاد لبسوا الصوف فأطلقوا هذا الاسم عليهم ، وقيل مأخوذ من كلمة صوفيا ومعناها الحكمة باليونانية وليست مأخوذة من الصفاء كما يدعي بعضهم لأن النسبة إلى الصفاء صفائي وليست صوفي .

وظهور هذا الاسم الجديد والطائفة التي تحمله زاد الفرقة في المسلمين ، وقد اختلف الصوفية الأوائل عن الصوفية المتأخرة التي انتشرت فيها البدع بشكل أكبر وعمّ فيهم الشرك الأصغر والأكبر وبدعهم مما حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. رواه الترمذي وقال حسن صحيح
وفيما يلي مقارنة بين معتقدات الصوفية وطقوسها وبين الإسلام المبني على القرآن والسنّة :

الصوفية : لها طرق متعددة كالتيجانية والقادرية والنقشبندية والشاذلية والرفاعية وغيرها من الطرق التي يدعي أصحابه أنهم على الحق وغيرهم على الباطل والإسلام ينهى عن التفرق ويقول الله تعالى { ...ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون } ( سورة الروم الآيات 31-32).

الصوفية : عبدوا غير الله من الأنبياء والأولياء الأحياء والأموات فهم يقولون ( يا جيلاني ويا رفاعي ويا رسول الله غوثاً ومدد ، ويا رسول الله عليك المعتمد ) .

والله ينهى عن دعاء غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو ويعدّه شركاً إذ يقول { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك من الظالمين } سورة يونس ،آية 106 .

الصوفية : تعتقد أن هناك أبدالاً وأقطاباً وأولياء سلّم الله لهم تصريف الأمور وتدبيرها والله يحكي جواب المشركين حين يسألهم :{ ومن يدبر الأمر فسيقولون الله } سورة يونس : 31 . فمشركو العرب أعرف بالله من هؤلاء الصوفية .
والصوفية يلجأون لغير الله عند نزول المصائب والله يقول : { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } .

بعض الصوفية : يعتقد بوحدة الوجود فليس عندهم خالق ومخلوق فالكل خلق والكل إله .

الصوفية : تدعو إلى الزهد في الحياة وترك الأخذ بالأسباب وعدم الجهاد والله تعالى يقول { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا } ( سورة القصص ،آية 77).

{ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ( سورة الأنفال ،آية 60) .

الصوفية : تعطي مرتبة الإحسان إلى شيوخهم وتطلب من المريدين أن يتصورا شيخهم عندما يذكرون الله حتى في صلاتهم وكان بعضهم يضع صورة شيخه أمامه في الصلاة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". رواه مسلم .

الصوفية : تبيح الرقص والدف والمعازف ورفع الصوت بالذكر والله تعالى يقول { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } ( سورة الأنفال ، آية 3 ) .

ثم تراهم يذكرون بلفظ الجلالة : الله فقط فيقولون الله ، الله ، الله وهذه بدعة وكلام غير مفيد لمعنى شرعي بل يصلون إلى حدّ التلفظ بكلمة ( أهـ ، أهـ ) . أو هو ، هو . والإسلام والسنة أن يذكر المسلم ربّه بكلام مفيد صحيح يُؤجر عليه كقوله : سبحان الله والحمد له ولا إله إلا الله والله أكبر ونحو ذلك .

الصوفية تتغزل باسم النساء والصبيان في مجالس الذكر فيرددون اسم الحب والعشق والهوى وغيرها وكأنهم في مجلس طرب فيه الرقص وذكر الخمر مع التصفيق والصياح وكلّ هذا من عادة المشركين وعبادتهم قال الله تعالى : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } سورة الأنفال آية 35 .( المكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق ) .

بعض الصوفية يضرب نفسه بسيخ حديد قائلاً ( يا جداه ) فتأتيه الشياطين ليساعدوه على فعله لأنه استغاث بغير الله ، قال الله تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين } سورة الزخرف ، آية 36 .

الصوفية : تدعي الكشف وعلم الغيب والقرآن يكذبهم : قال عزّ وجلّ : { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } . ( سورة النمل آية 65 ) .

الصوفية : تزعم أن الله خلق الدنيا لأجل محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن يكذبهم قائلاً { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } (سورة الذرايات آية 56) .

وخاطب الله سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } سورة الحجر آية 99).

الصوفية : تزعم رؤية الله في الدنيا والقرآن يكذبهم حين قال على لسان موسى :{ رب أرني أنظر إليك قال لن تراني } (سورة الأعراف ، آية 143) .

الصوفية : تزعم أنها تأخذ العلم من الله مباشرة بدون واسطة الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة فهل هم أفضل من الصحابة ؟

الصوفية : تزعم أنها تأخذ العلم من الله مباشرة بدون واسطة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقولون : حدثني قلبي عن ربي .

الصوفية : تقيم الموالد والاجتماع باسم مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهم يخالفون تعاليمه حينما

يرفعون أصواتهم في الذكر والأناشيد والقصائد التي فيها الشرك الصريح . وهل احتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمولده أو أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ والأئمة الأربعة وغيرهم فمن أعلم وأصحّ عبادة هؤلاء أم الصوفية .

الصوفية : تشد الرحال إلى القبور للتبرك بأهلها أو للطواف حولها أو الذبح عندها مخالفين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " متفق عليه .

الصوفية : تتعصب لشيوخها ولو خالفت قول الله ورسوله ، والله تعالى يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } سورة الحجرات آية 1 .

الصوفية : تستعمل الطلاسم والحروف والأرقام لعمل الاستخارة والتمائم والحجب وغير ذلك .

الصوفية : لا تتقيد بالصلوات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بل يبتدعون صلوات فيها التبرك الصريح والشّرك الفظيع الذي لا يرضاه الذي يصلون عليه .

أما السؤال عن صحة اتصال مشايخ الصوفية فهي صحيحة لكنها مع الشياطين وليس مع الله

فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا قال تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه } الأنعام (112) . وقال تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } الأنعام /121) .

وقال تعالى : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ) الشعراء 121/222) . فهذا هو الاتصال الذي يحدث حقيقة ، لا الاتصال الذين يزعمونه زوراً وبهتاناً من اتصالهم بالله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ، يُنظر معجم البدع : 346- 359
\
واختفاء بعض مشايخ الصوفية فجأة عن أنظار أتباعهم هو نتيجة لهذا الاتّصال مع الشياطين حتى لربما حملوهم إلى أماكن بعيدة وعادوا بهم في اليوم نفسه أو الليلة نفسها إضلالا للبشر من أتْباعهم .

ولذلك كانت القاعدة العظيمة أننا لا نزن الأشخاص بالخوارق التي تظهر على أيديهم وإنما بحسب بعدهم وقربهم والتزامهم بالكتاب والسنّة ، وأولياء الله حقّا لا يُشترط أن تظهر لهم خوارق بل هم الذين يعبدون الله بما شرع ولا يعبدونه بالبدع ، أولياء الله الذين ذكرهم ربنا في الحديث القدسي الذي رواه البخاري في الصحيح 5/2384 عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "

إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه " . والله الموفق والهادي إلى طريق الصّواب .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:44
السؤال

إذا كانت الأسرة تقول للإنسان أن يتبع القرآن فقط ولا يتبع الحديث هل يلقي عليهم السلام ويهنئهم بالعيد ليقلل الفتنة ولا يضايقهم .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

يجب على كل مسلم أن يؤمن بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كلها - إن صحت عنه - وألا يرد شيئاً منها ؛ لأن أحاديثه وسنته صلى الله عليه وسلم وحي من الله ، والذي يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد الوحي من الله .

قال تعالى : { والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى } النجم / 1 - 6 .

وقد أوجب الله تعالى على الناس طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وأمر بذلك في آيات كثيرة من القرآن نذكر منها :

قال الله تعالى : { قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } آل عمران / 32 .

وقال : { من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا } النساء / 80 .

وقال : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } النساء / 59 .

وقال : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون } النور / 56 .

وغير ذلك من الآيات الكثيرة .

ومنكر السنة كافر مرتد .

قال السيوطي رحمه الله في رسالته "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" :

اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام ، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة اهـ

وهؤلاء الذين يريدون الإكتفاء بالقرآن يسمون القرآنيين ، ومذهبهم هذا قديم حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه في أكثر من حديث كما سيأتي ضمن كلام شيخ الإسلام . ومن أوضح الأدلة على بطلان هذا المذهب أن القائلين به لا يعلمون به !!!

إذ كيف يصلي هؤلاء ؟ وكم صلاة يصلون في اليوم والليلة ؟ وما هي الأحوال التي تجب فيها الزكاة ؟ وما هو نصابها ؟ وما القدر الواجب إخراجها منها ؟ وكيف يحجون ويعتمرون ؟ وكم مرة يطوفون بالكعبة ؟ وكم مرة يسعون بين الصفا والمروة ؟ ...

وأحكام أخرى كثيرة لم يرد تفصيلها في القرآن ، وإنما ذكرها القرآن مجملة ، وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته .

فهل يترك هؤلاء العمل بهذه الأحكام بحجة أنها لم ترد في القرآن ؟

إن كان جوابهم نعم فقد حكموا على أنفسهم بالكفر لإنكارهم ما هو معلوم من الدين بالضرورة وأجمع المسلمون عليه إجماعاً قطعياً .

وإن كان جوابهم أنهم لا يتركون العمل بهذه الأحكام فقد حكموا ببطلان مذهبهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - بعد ذكره للآيات التي تحث على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم - ، قال :

فهذه النصوص توجب اتباع الرسول وإن لم نجد ما قاله منصوصا بعينه في الكتاب ، كما أن تلك الآيات توجب اتباع الكتاب وإن لم نجد ما في الكتاب منصوصاً بعينه في حديث الرسول غير الكتاب .

فعلينا أن نتبع الكتاب وعلينا أن نتبع الرسول ، واتباع أحدهما هو اتباع الآخر ؛ فإن الرسول بلَّغ الكتاب ، والكتاب أمر بطاعة الرسول ، ولا يختلف الكتاب والرسول ألبتة كما لا يخالف الكتاب بعضه بعضاً قال تعالى: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } ، والأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب اتباع الكتاب ، وفى وجوب اتباع سنته كقوله :

" لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أَمرت به أو نَهيت عنه ، فيقول : بيننا وبينكم هذا القرآن ، فما وجدنا فيه من حلال حلّلناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه ، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا وإنه مثل القرآن أو أعظم " ، هذا الحديث في السنن والمسانيد مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة جهات من حديث أبي ثعلبة وأبى رافع وأبي هريرة وغيرهم .

وفى صحيح مسلم عنه من حديث جابر أنه قال في خطبة الوداع : " وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده كتاب الله تعالى " ( وللحاكم : " كتاب الله وسنتي " صححه الألباني في صحيح الجامع 2937 ) ، وفى الصحيح عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قيل له : هل أوصى رسول الله ؟ قال : لا . قيل : فكيف كُتب على الناس الوصية ؟ قال : أوصى بكتاب الله " . رواه مسلم ( 1634 )

وسنة رسول الله تفسر القرآن كما فسرت أعداد الصلوات وقدر القراءة فيها والجهر والمخافتة وكما فسرت فرائض الزكاة ونصبها وكما فسرت المناسك وقدر الطواف بالبيت والسعي ورمي الجمار ونحو ذلك .

وهذه السنة إذا ثبتت فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها وقد يكون من سنته ما يظن أنه مخالف لظاهر القرآن وزيادة عليه كالسنة المفسرة لنصاب السرقة والموجبة لرجم الزاني المحصن فهذه السنة أيضا مما يجب اتباعه عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر طوائف المسلمين .

" مجموع الفتاوى " ( 19 / 84 – 86 ) بتصرف يسير فيما بين القوسين .

فالذي جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم حق كما أن القرآن حق .

ثانياً :

وأنت – يا أخي – ينبغي عليك ألا تهجر أهلك ، وعليك أن تعاملهم بالحسنى ، وأن تجتهد معهم بالدعوة إلى اتباع السنة والرضى بها .

قال تعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } النحل /125 .

وقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ { 14 } وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } لقمان / 14 - 15 .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:49
السؤال:

لدي سؤال عن صفات الله ، وأنا أعيش فى بيئة يعتقد فيها الناس أن لله قدرة على الدخول والعيش فى مخلوقاته ! وهم يستدلون بنزول الله للسماء الدنيا لإثبات ادعائهم هذا ، فأرجو أن تقوموا بتوضيح الأمر .

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

هذا الذي تنقله أيها السائل الكريم هو اعتقاد فاسد ، اعتقده أولئك القوم نتيجة جهلهم بحقيقة قدرة الله تعالى ، واستدلالهم بنزول الله تعالى إلى السماء الدنيا على ما يقولونه سببه جهلهم بصفة النزول لله تعالى، ومن قبل جهلهم بربهم تعالى وما يستحقه من صفات الجلال والإكرام.

وبيان ذلك : أن قدرة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيلات لذاتها ؛ ولكنها تتعلق بالممكنات - أو بالجائزات .

ومثال المستحيلات التي لا تتعلق بها قدرة الله : اتخاذ الشريك ، والصاحبة ، والولد ؛ لأن إيجادها نقص لا يليق بالله عز وجل ، قال تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الأنعام/ 101 .

فالذي يقوله أهل السنَّة أن قدرته تعالى لا تتعلق بها ؛ كمالاً له تعالى ؛ لأنها نقص لا يليق بالرب عز وجل ، فكيف يكون ربّاً متفرداً أحداً صمداً ثم يكون معه شريك ؟!

وكيف يكون ربّاً وهو يحتاج لزوجة وولد ؟!

ومثله يقال فيما ذكره السائل عن أولئك الجهلة من اعتقادهم أن قدرة الله تتعلق بما ذكروه من مستحيل ، وهو أن يكون الله – عياذاً به – داخلَ شيء من مخلوقاته ، وهذا من النقص الذي يُنزَّه الرب تعالى عنه ، فهو – عز وجل – فوق مخلوقاته بائن منهم ، مستوٍ على عرشه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

" ولا ريب أن الله على كل شيء قدير ، كما نطق به القرآن في غير موضع ... لكن الممتنع لذاته : ليس شيئاً باتفاق العقلاء ، فلا يعقل وجوده في الخارج ، فإنه لا يعقل في الخارج كون الشيء موجوداً معدوماً ، أو متحركاً ساكناً أو كون أجزاء الحركة المتعاقبة مقترنة في آنٍ واحد ، أو كون اليوم موجوداً مع أمس وغدًا وأمثال ذلك .

وحينئذ فمثل هذا لا يدخل في عموم الكتاب ".

انتهى من " الصفدية " (2/109).

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" المستحيل ليس بشيء فضلاً عن أن يكون مقدوراً عليه ، لكن المستحيل الذي يُتَصَوَّرُ ذهناً أنه مستحيل :

1- مستحيلٌ لذاته .

2- ومستحيل لغيره .

أما المستحيل لذاته : فهو مستحيل لا يمكن ، لو أن أحداً أراد أن يقول : هل الله قادر على أن يخلق مثله ؟

لقلنا : هذا مستحيل ، لكن الله قادر على أن يخلق خلقاً أعظم من الخلق الذي نعلمه الآن ، ونحن نعلم الآن أن أعظم مخلوقٍ نعلمه هو العرش ، العرش أعظم من كل شيء من المخلوقات التي نعلمها ، ومع ذلك نعلم أن الله قادر على أن يخلق أعظم من العرش ، لكن الشيء المستحيل لذاته هذا غير ممكن

الشيء الثاني : المستحيل لغيره ، بمعنى أن الله تعالى أجرى هذا الشيء على هذه العادة المستمرة التي يستحيل أن تنخرم ، ولكن الله قادر على أن يخرمها .

هذا نقول : إن القدرة تتعلق به ، فيمكن للشيء الذي نرى أنه مستحيل بحسب العادة أن يكون جائزاً واقعاً بحسب القدرة ، وهذا الشيء كثير كل آيات الأنبياء الكونية من هذا الباب مستحيل لغيره ، انشقاق القمر للرسول عليه الصلاة والسلام مستحيل لغيره لكن لذاته غير مستحيل ؛ لأنه وقع والله قادر على أن يشق القمر نصفين ، بل قادر على أن يشق الشمس نصفين .

ونحن نقول : لا بد في ذلك من التفصيل : وهو أن المستحيل لذاته لا تتعلق به القدرة ؛ لأنه ليس بموجود ، ولا يمكن أن يوجد ولا يفرضه الذهن"

انتهى من " شرح العقيدة السفارينية " ( ص 192) .

ثانياً :

وأما خطؤهم المتعلق بنزول الرب تبارك وتعالى : فهو ظنهم أن نزول الله تعالى كنزول المخلوقين ، فلما وقع في قلوبهم التشبيه ظنوا ما يلزم من نزول البشر من المخالطة وصيرورته أسفل ما نزل منه أن هذا هو ما يلزم الاعتقاد بنزول
الله تعالى .

وهذا ظن فاسد واعتقاد باطل ، فالله تعالى قال عن نفسه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى/ 11 ، وهذا كافٍ لبيان أن نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ليس كنزول خلقه ، وهكذا ينبغي الاعتقاد في سائر صفاته ، كالاستواء والغضب والوجه واليدين والعلم والرحمة وغيرها من الصفات ، لا فرق بين الصفات الذاتية منها والصفات الخبرية والصفات الفعلية ، بل كلها سواء في كونها ليست كصفات أحدٍ من خلقه .

وبما ذكرناه يتبين لك – إن شاء الله – وجه الخلل في فهم أولئك القوم ، وخطورة ذلك الاعتقاد في ربهم تعالى ، وكيف يمكنك الرد عليهم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:53
السؤال:

ما هو حكم من يقول : الخوف من الله ، وممن لا يخاف الله ؛ الشخص الذي لا يخاف الله : هل يجب على الإنسان أن يخاف منه ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

أما الخوف من الله : فمن أفضل مقامات الدين وأجلِّها ، وهو من أجمع أنواع العبادة التي أمر الله سبحانه بإخلاصها له ، قال تعالى : ( فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/175 ، ووعد سبحانه من حقق مقام الخوف منه بجنتين ، فقال تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن/46 ، وأثنى على الملائكة بأنهم يخافون ربهم من فوقهم ، فقال تعالى : ( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ) النحل/50 .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ : الْخَوْفُ مِنْ اللَّهِ " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (7 /20) .

والخوف النافع للعبد : هو الخوف الذي يحمله على طاعة الله ، وطلب مرضاته ، وترك ما يغضبه ويسخطه ، سبحانه
.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" الخوف من الله تعالى يكون محمودًا ، ويكون غير محمود
:
فالمحمود : ما كانت غايته أن يحول بينك وبين معصية الله ، بحيث يحملك على فعل الواجبات ، وترك المحرمات ، فإذا حصلت هذه الغاية سكن القلب واطمأن ، وغلب عليه الفرح بنعمة الله ، والرجاء لثوابه .

وغير المحمود : ما يحمل العبد على اليأس من روح الله والقنوط ، وحينئذ يتحسر العبد وينكمش ، وربما يتمادى في المعصية لقوة يأسه ".

انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (6/ 53) .

ثانيا :

قال الله تعالى : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/ 175 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخَافَ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ، وَلَا يَخَافَ النَّاسَ ، كَمَا قَالَ : ( فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) ؛ فَخَوْفُ اللَّهِ : أَمَرَ بِهِ ، وَخَوْفُ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ : نَهَى عَنْهُ ، قَالَ تَعَالَى : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) ؛ فَنَهَى عَنْ خَشْيَةِ الظَّالِمِ ، وَأَمَرَ بِخَشْيَتِهِ . وَقَالَ: ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلَّا اللَّهَ ) ، وَقَالَ: ( فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) .

وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ : يَا رَبِّ إنِّي أَخَافُك وَأَخَافُ مَنْ لَا يَخَافُك : فَهَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ ، لَا يَجُوزُ ؛ بَلْ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَخَافَ اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَلَا يَخَافَ أَحَدًا ؛ فَإِنَّ مَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ : أَذَلُّ مِنْ أَنْ يُخَافَ ؛ فَإِنَّهُ ظَالِمٌ ، وَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ ؛ فَالْخَوْفُ مِنْهُ قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ .

وَإِذَا قِيلَ : قَدْ يُؤْذِينِي ؟

قِيلَ : إنَّمَا يُؤْذِيك بِتَسْلِيطِ اللَّهِ لَهُ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ دَفْعَ شَرِّهِ عَنْك دَفَعَهُ ؛ فَالْأَمْرُ لِلَّهِ ؛ وَإِنَّمَا يُسَلَّطُ عَلَى الْعَبْدِ بِذُنُوبِهِ ، وَأَنْتَ إذَا خِفْتَ اللَّهَ ، فَاتَّقَيْتَهُ ، وَتَوَكَّلْتَ عَلَيْهِ : كَفَاكَ شَرَّ كُلِّ شَرٍّ ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَيْكَ ، فَإِنَّهُ قَالَ: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ، وَتَسْلِيطُهُ يَكُونُ بِسَبَبِ ذُنُوبِك ، وَخَوْفِك مِنْهُ .

فَإِذَا خِفْتَ اللَّهَ ، وَتُبْتَ مِنْ ذُنُوبِك ، وَاسْتَغْفَرْتَهُ : لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْكَ ، كَمَا قَالَ : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) "
.
انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/57-58) ، وينظر أيضا : "جامع المسائل" (3/58) .

وعلى ذلك : فلا ينبغي إطلاق هذا القول ؛ بل حقه أن يضاف إلى " المناهي اللفظية " التي ينبغي توقيها .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 03:58
السؤال:

ما مدى صحة هذا الدعاء : أنه إذا رهب أحد أمرا يقول : ( دخلت عليك بلا إله إلا الله...وألجمت فاك بلا حول ولا قوة إلا بالله...ومعي حبيبي محمد رسول الله...وقضيت حاجتي بإذن الله ، الله أكبر ، الله أكبر مما أخاف ومما أحذر ) ؟

الجواب :

الحمد لله

لم نجد هذا الدعاء في كتب السنة والآثار ، ولا نعرف أحدا من أهل العلم من المحدثين أو الفقهاء أو المفسرين ذكره ، وإنما اشتهر على ألسنة الناس من غير إسناد ولا أثر .

غير أن الجملة الأخيرة منه تروى من كلام الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما ، كما روى ذلك ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/23)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " (1/322)، والبخاري في " الأدب المفرد " (ص/247)،

والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (338)، والطبراني في " المعجم الكبير " (10/258)، جميعهم من طريق يونس بن أبي إسحاق ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :

( إِذَا أَتَيْتَ سُلْطَانًا مَهِيبًا تَخَافُ أَنْ يَسْطُوَ عَلَيْكَ ، فَقُلْ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَعَزُّ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعًا ، اللَّهُ أَعَزُّ مِمَّا أَخَافُ وَأَحْذَرُ ، أَعُوذُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، الْمُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ أَنْ يَقَعْنَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، مِنْ شَرِّ عَبْدِكَ فُلَانٍ وَجُنُودِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، اللَّهُمَّ كُنْ لِي جَارًا مِنْ شَرِّهِمْ ، جَلَّ ثَنَاؤُكَ ، وَعَزَّ جَارُكَ ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

وإسناد هذا الأثر كما قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10/137) : رجاله رجال الصحيح . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الأدب المفرد " (264)، وفي " صحيح الترغيب والترهيب " (2/267).

وقد عقد الإمام المنذري رحمه الله في كتابه " الترغيب والترهيب " (2/115) فصلا بعنوان : " فصل في الدعاء عند الخوف من السلطان الجائر "، أورد فيه مجموعة من الأحاديث والآثار الواردة عن بعض الصحابة والتابعين في هذا المعنى ، ولكن هذه الآثار – ومنها أثر ابن عباس السابق - لا يمكن اعتبارها من السنن المستحبة ، أو الدين الذي شرعه الله لعباده .

أما إذا ثبت الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نسلم بأثره واستحبابه ومشروعيته .

وقد جاء في السنة بعض الأدعية والأذكار التي يحفظ الله بها المسلم بإذنه سبحانه وتعالى من أذى الأعداء :

1- ( اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ) رواه مسلم (3005)

2- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ : ( اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ )

رواه أبو داود (1537) وصححه النووي في " الأذكار " (167) والعراقي في " تخريج الإحياء " (1/429) والألباني في " صحيح أبي داود ".

3- عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِذَا تَخَوَّفَ أَحَدُكُمُ السُّلْطَانَ فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، كُنْ لِي جَارًا مِنْ شَرِّ فُلانِ بن فُلانٍ يَعْنِي الَّذِي يُرِيدُ ، وَشَرِّ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَأَتْبَاعِهِمْ ، أَنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ ، عَزَّ جَارُكَ ، وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ )
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (10/15) وقال الحافظ ابن حجر في "بذل الماعون" (94) : إسناده حسن . وضعف الألباني رفعه في " السلسلة الضعيفة " (2400) وصححه موقوفا على عبد الله بن مسعود ثم قال : يحتمل أن يكون في حكم المرفوع .

4- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( مَنْ قالَ - يعني إذا خرج من بيته - : باسْمِ اللَّهِ ، تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ . يُقالُ لَهُ : كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَهُدِيتَ ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ ، فَيَقُولُ لَهُ شَيطَانٌ آخَرُ : كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وكُفِيَ وَوُقِيَ )

رواه أبو داود (5095) والترمذي (3426) وقال : حديث حسن صحيح . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

جاء في "عون المعبود" (13/297):

" ( يقال حينئذ ) : أي يناديه ملك يا عبد الله ( هُديت ) : بصيغة المجهول ، أي : طريق الحق ، ( وكُفيت ) أي هَمَّك ( وَوُقيت ) من الوقاية ، أي : حُفِظت " انتهى .

5- وعن أبان بن عثمان قال سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ : " بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ )

وَكَانَ أَبَانُ قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالِجٍ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ أَبَانُ : مَا تَنْظُرُ ! أَمَا إِنَّ الْحَدِيثَ كَمَا حَدَّثْتُكَ ، وَلَكِنِّي لَمْ أَقُلْهُ يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ قَدَرَهُ .

رواه الترمذي (3388) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ . وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

ويدعو أن يحفظه الله تعالى من الأذى والمكروه ، ويسأل الله تعالى العافية والستر ، ويتعوذ مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه ، والله سبحانه وتعالى خيرٌ حافظا وهو أرحم الراحمين، ومن يتوكل على الله فهو حسبه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 04:02
السؤال:

هل صحيح أن هذا الدعاء أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اكفنيهم بما شئت ، وكيف شئت ، إنك على ما تشاء قدير ) للأمن من العدو ، وحين لقائه إن خفته ؟

الجواب :

الحمد لله

من خاف قوما أو عدوا فإنه يشرع له أن يدعو بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم ، وبما عرف في دعاء الأنبياء والصالحين من الأمم السابقة ، وذلك أن يقول : ( اللهم اكفنيهم بما شئت )

فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بذلك يوم لحقه سراقة بن مالك في رحلة الهجرة إلى المدينة المنورة .
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال :

( ارْتَحَلْنَا ، وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَا ، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا . فَقَالَ : لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا .

حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا ، فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا . وَبَكَيْتُ . قَالَ : لِمَ تَبْكِي ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ .

قَالَ : فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ .

فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ ، وَوَثَبَ عَنْهَا ، وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ! قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يُنْجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ ، فَوَاللهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا ، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ . قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا . قَالَ : وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأُطْلِقَ ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ )

رواه أحمد في " المسند " (1/181) وقال المحققون : إسناده صحيح على شرط مسلم . والحديث أصله في الصحيحين .
كما دعا الغلام - في قصة أصحاب الأخدود – بهذا الدعاء ، وكانت سببا في نجاته من القتل في المرتين الأوليين .
عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ : إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ . فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ - إِذَا سَلَكَ - رَاهِبٌ ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ ، فَأَعْجَبَهُ ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ ، فَقَالَ : إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي ، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ .

فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ ، فَقَالَ : الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ . فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ . فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا ، وَمَضَى النَّاسُ ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : أَيْ بُنَيَّ ! أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي

قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى ، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى ، فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ . وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ - كَانَ قَدْ عَمِيَ - فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ ، فَقَالَ : مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي . فَقَالَ : إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا ، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ . فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟ قَالَ : رَبِّي .

قَالَ : وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي ؟! قَالَ : رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ . فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ . فَجِيءَ بِالْغُلَامِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : أَيْ بُنَيَّ ! قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ ؟ فَقَالَ : إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ . فَأَخَذَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى . فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ ، فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى . فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ .

ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ ، فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ . فَأَبَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ . فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا ، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ

فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ قَالَ : كَفَانِيهِمُ اللَّهُ . فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ . فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا ، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ قَالَ : كَفَانِيهِمُ اللَّهُ . فَقَالَ لِلْمَلِكِ : إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ . قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ، ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ، ثُمَّ قُلْ : بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ، ثُمَّ ارْمِنِي ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي .
فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ، ثُمَّ قَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ، ثُمَّ رَمَاهُ ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ .

فَقَالَ النَّاسُ : آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ . فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ . فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ ، وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ ، وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا ، أَوْ قِيلَ لَهُ : اقْتَحِمْ . فَفَعَلُوا ، حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا ، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ : يَا أُمَّهْ ! اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ )

رواه مسلم (3005)

والحاصل أن الثابت في السنة النبوية الجملة الأولى فقط من الدعاء الوارد في السؤال وهو قول: ( اللهم اكفناه بما شئت )، أما تكملة الدعاء ( وكيف شئت ، إنك على ما تشاء قدير ) فلم نقف عليها في كتب السنة .

ومع ذلك فمن سأل الله تعالى أن يكفيه شر الأشرار ، وكيد الفجار ، بهذه الصيغة أو بنحوها من الصيغ الواردة في السنة النبوية : رجي أن يستجيب الله له ، ويصرف عنه الأذى والسوء ، ومن أصابه العدو – بعد دعائه بهذا الدعاء – فذلك لحكمة جليلة يعلمها الله جل وعلا .

وقد جاء في السنة بعض الأدعية والأذكار التي يحفظ الله بها المسلم بإذنه سبحانه وتعالى من أذى الأعداء :

1- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ : ( اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ )

رواه أبو داود (1537) وصححه النووي في "الأذكار" (167) والعراقي في "تخريج الإحياء" (1/429) والألباني في صحيح أبي داود .

2- عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِذَا تَخَوَّفَ أَحَدُكُمُ السُّلْطَانَ فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، كُنْ لِي جَارًا مِنْ شَرِّ فُلانِ بن فُلانٍ يَعْنِي الَّذِي يُرِيدُ ، وَشَرِّ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَأَتْبَاعِهِمْ ، أَنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ ، عَزَّ جَارُكَ ، وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ )

رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/15) وقال الحافظ ابن حجر في "بذل الماعون" (94): إسناده حسن . وضعف الألباني رفعه في "السلسلة الضعيفة" (2400) وصححه موقوفا على عبد الله بن مسعود ثم قال : يحتمل أن يكون في حكم المرفوع .

3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( مَنْ قالَ - يعني إذا خرج من بيته - : باسْمِ اللَّهِ ، تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ . يُقالُ لَهُ : كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَهُدِيتَ ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ ، فَيَقُولُ لَهُ شَيطَانٌ آخَرُ : كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وكُفِيَ وَوُقِيَ ؟ )

رواه أبو داود (5095) والترمذي (3426) وقال : حديث حسن صحيح . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
جاء في "عون المعبود" (13/297) :

" ( يقال حينئذ ) : أي يناديه ملك يا عبد الله ( هُديت ) : بصيغة المجهول ، أي : طريق الحق ، ( وكُفيت ) أي هَمَّك ( وَوُقيت ) من الوقاية ، أي : حُفِظت " انتهى .

قال النووي رحمه الله :

" إذا خاف ناساً أو غيرهم : فالسنَّة أن يقول ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال : " اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم " رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح .

ويسن أيضاً أن يدعو بدعاء الكرب , وهو ما رواه ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب : " لا إله إلا الله - العظيم الحليم , لا إله إلا الله - رب العرش العظيم , لا إله إلا الله - رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم " رواه البخاري ومسلم .

وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كربه أمر قال : " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " رواه الترمذي والحاكم وقال : إسناده صحيح "

انتهى من " المجموع " ( 4 / 278 )

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 04:06
السؤال:

هل من الشرك الخوف من الإنسان المجرم ، والجن ودخول الأماكن المهجورة ؟

وهل من الشرك أن نقول فلان يضر ، بما أنه يضرب ويلكم إلى غير ذلك ؟

وهل من الشرك أن يقال هذا الشيء مضر بالصحة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الخوف من أذى أهل الشر من مجرمي الإنس هو من الخوف الجبلي الطبيعي الذي له سبب معروف ، وهو الخوف من أذاهم وشرهم ، والعمل على توقي ذلك بالابتعاد عنهم وتحاشيهم ، فمثل هذا الخوف لا يعد من الشرك ، بل لا يذم صاحبه عليه إلا إذا حمله على فعل محرم .

قال ابن عثيمين رحمه الله :

" الخوف الطبيعي والجبلي في الأصل مباح ، لقوله تعالى عن موسى : ( فخرج منها خائفا يترقب ) ، وقوله عنه أيضا : ( رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ) ، لكن إن حمل على ترك واجب أو فعل محرم فهو محرم ، وإن استلزم شيئا مباحا كان مباحا "
.
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (10 /648) .

ثانيا :

الخوف من الجن فيه تفصيل :

- إذا كان خوفا طبيعيا ، كما يخاف الإنسان من كل ما يتوقع ضرره ، كالسبع والحية ، فهذا خوف جبلي كالأول ، لا يؤاخذ به الخائف ما لم يؤد إلى ارتكاب محرم ، وينبغي دفعه بما يشرع من الأسباب ، من ذكر الله تعالى ، ودعائه ، والتوكل عليه .

- أما إذا كان خوفا ناتجا عن اعتقاد فاسد ، كأن يعتقد أنهم يضرون وينفعون من دون الله ، فهذا من الشرك ، والواجب في ذلك تصحيح الاعتقاد .

وهذا النوع من الخوف يسمونه " خوف السر " ومعناه : أن يخاف العبد من غير الله تعالى أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره ، فهذا شرك أكبر ، لأنه اعتقادٌ للنفع والضر في غير الله " .

راجع : "تيسير العزيز الحميد " (ص: 23).

ومثل هذا إذا حمله الخوف الطبيعي من الجن ، أو غيرهم مما يتوقع أذاه ، إذا حمله ذلك على صرف شيء من العبادة لهم من دون الله ، كأن يدعو الجن ، أو يتعوذ بهم ، ونحو ذلك ؛ فهذا من الشرك الأكبر بالله ؛ كما قال تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) الجن/6 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ: كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فَضْلًا عَلَى الْإِنْسِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعُوذُونَ بِنَا، أَيْ: إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا أَوْ مَكَانًا مُوحِشًا مِنَ الْبَرَارِي وَغَيْرِهَا كَمَا كَانَ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهَا، يَعُوذُونَ بِعَظِيمِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنَ الْجَانِّ ، أَنْ يُصِيبَهُمْ بِشَيْءٍ يَسُوؤُهُمْ ، كَمَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَدْخُلُ بِلَادَ أَعْدَائِهِ فِي جِوَارِ رَجُلٍ كَبِيرٍ وَذِمَامِهِ وَخَفَارَتِهِ ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِنُّ أَنَّ الْإِنْسَ يَعُوذُونَ بِهِمْ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْهُمْ ، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيْ: خَوْفًا وَإِرْهَابًا وَذُعْرًا ، حَتَّى تَبْقَوْا أَشَدَّ مِنْهُمْ مَخَافَةً وَأَكْثَرَ تَعَوُّذًا بِهِمْ ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيْ: إِثْمًا، وَازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَرَاءَةً "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/239) .

ثالثا :

الخوف من دخول الأماكن المهجورة ، إن كان خوفا جبليا ، كأن يخاف من وجود عقارب أو أفاعٍ به ، أو يخاف من وجود جن يصيبه بأذى بإذن الله ؛ لأن الجن تسكن الأماكن المهجورة ، ونحو ذلك ، فلا يؤاخذ به ، وإن كان من خوف السر فهو من الشرك .

رابعا :

إطلاق القول بأن فلانا يضر ؛ لأنه يضرب الناس ويؤذيهم ، لا حرج فيه ، لأن ضرره هنا متعلق بسبب حسي معلوم ، هذا مع اعتقاد إن الضر والنفع إنما هو بإذن الله وتقديره ؛ كما قال تعالى : ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) البقرة/102 ؛ فأثبت لهم الضر ، لكن بإذن الله وتقديره ومشيئته .

روى الترمذي (2516) وصححه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له : ( ... وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ )

ومثل ذلك قول : " هذا الشيء مضر بالصحة " .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 04:11
السؤال:

هل هناك تعارض بين قوله تعالى (الله خالق كل شيء) ، وبين أن القرآن كلام الله غير مخلوق ؟

الجواب :

الحمد لله

اتفق أهل السنة والجماعة على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وأنكروا على من قال من المبتدعة : " إن القرآن مخلوق" ، وبدَّعوهم وهجروهم ، وكثير منهم كفّر من قال بهذه المقولة الضالة .

وكان من شبهات أهل البدعة على هذه الضلالة ، قول الله تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) ، قالوا : والقرآن شيء ، فهو مخلوق !!

وهذا استدلال باطل ، وتحريف للكلم من بعد مواضعه .

فإن القرآن كلام الله ، وكلام الله صفة من صفاته ، وصفاته غير مخلوقة ؛ لأن الصفات تتبع الموصوف ؛ فصفات الخالق غير مخلوقة ، لأنها تتبع الخالق ، وصفات المخلوق مخلوقة لأنها تتبع المخلوق .

وأيضاً فإن الله تعالى يقول : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ) الأنعام/ 19 ، فأخبر عن نفسه بأنه " شيء " ؛ فهل يقال : الله مخلوق ؟!

فالمقصود من الآية : أن الله خالق كل شيء من المخلوقات ، لم يشركه في خلقها أحد سواه ، ولا له ند ولا شريك ، ولا معين ولا ظهير في خلقه .

وإليك طائفة من أقوال أهل العلم في الرد على هذه الشبهة :

- روى الخلال في "كتاب السنة" (5/109) عن سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ قال : " مَا يَقُولُ هَذَا الدُّوَيْبةُ ؟ - يَعْنِي بِشْرًا الْمِرِّيسِيَّ - قيل : يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.

قَالَ: " كَذَبَ ، أَخْزَاهُ اللَّهُ ، إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء ٍ، وَكَلَامُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَارِجٌ عن الْخَلْقِ " .

وقال ابن بطة رحمه الله :

" ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّ ادَّعَى أَمْرًا آخَرَ لِيُضِلَّ بِهِ الضُّعَفَاءَ ، وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : أَخْبِرُونَا عَنِ الْقُرْآنِ ، هَلْ هُوَ شَيْءٌ أَوْ لَا شَيْءَ ؟ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ : لَا شَيْءَ ، فَيُقَالُ لَهُ : هُوَ شَيْءٌ , فَيَظُنُّ حِينَئِذٍ أَنَّهُ قَدْ ظَفَرَ بِحُجَّتِهِ وَوَصَلَ إِلَى بُغْيَتِهِ ، فَيَقُولُ : فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ (خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ) ، وَالْقُرْآنُ شَيْءٌ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ ، لِأَنَّ الْـ(كُلَّ) يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ ؟!

فَيُقَالُ لَهُ : أَمَّا قَوْلُكَ : إِنَّ الْكُلَّ يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ ، فَقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ ذَلِكَ ، وَأَكْذَبَكَ الْقُرْآنَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ، وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسٌ لَا تَدْخُلُ فِي هَذَا الْكَلِّ ، وَكَذَلِكَ كَلَامُهُ شَيْءٌ ، لَا يَدْخُلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ ، كَمَا قَالَ ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) "

انتهى من " الإبانة الكبرى " (6/170) .

وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :

" وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ، وَالْقُرْآنُ شَيْءٌ ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ كُلٍّ فَيَكُونُ مَخْلُوقًا ، فَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ ؛ وَذَلِكَ: أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ كُلَّهَا عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّمَا يَخْلُقُهَا الْعِبَادُ جَمِيعَهَا ، لَا يَخْلُقُهَا اللَّهُ ، فَأَخْرَجُوهَا مِنْ عُمُومِ كَلٍّ ، وَأَدْخَلُوا كَلَامَ اللَّهِ فِي عُمُومِهَا

مَعَ أَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ ، بِهِ تَكُونُ الْأَشْيَاءُ الْمَخْلُوقَةُ ، إِذْ بِأَمْرِهِ تَكُونُ الْمَخْلُوقَاتُ ، قَالَ تَعَالَى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ مَخْلُوقًا ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا بِأَمْرٍ آخَرَ ، وَالْآخَرُ بِآخَرَ ، إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ ، وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَطَرْدُ بَاطِلِهِمْ : أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ صِفَاتِهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةً ، كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَذَلِكَ صَرِيحُ الْكُفْرِ ، فَإِنَّ عِلْمَهُ شَيْءٌ ، وَقُدْرَتَهُ شَيْءٌ ، وَحَيَاتَهُ شَيْءٌ ، فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي عُمُومِ كَلٍّ ، فَيَكُونُ مَخْلُوقًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا "

انتهى من "شرح الطحاوية" (ص 131-132) .

وقال علماء اللجنة الدائمة :

" القرآن الكريم لا يدخل في قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ؛ لأن القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته غير مخلوقة ؛ لأن الصفات تتبع الموصوف.

فالله بصفاته - ومنها كلامه - خالق كل شيء ، وما سواه مخلوق ، وكما قال تعالى : (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) ؛ ففرق سبحانه بين الخلق والأمر بالعطف الذي يقتضي المغايرة بينهما ، والأمر يكون بالكلام ، قال تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) "

انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (3/18-19) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" الجواب من وجهين:

الأول : أن القرآن كلام الله تعالى ، وهو صفة من صفات الله ، وصفات الخالق غير مخلوقة.

الثاني : أن مثل هذا التعبير (كل شيء) : عام ، قد يراد به الخاص ؛ مثل قوله تعالى عن ملكة سبأ : (وأوتيت من كل شيء) ، وقد خرج شيء كثير لم يدخل في ملكها منه شيء ؛ مثل ملك سليمان" .

انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (8/366) .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-27, 01:30
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

السؤال:

كيف لي أن أعرف إن كنت قد بذلت الأسباب الكافية التي أشعر من خلالها أني قد بذلت ما بوسعي ، وأنه يمكنني الآن أن أتوكل على الله ، وأنا مطمئن النفس . أو بعبارة أخرى : ما الضابط في بذل الأسباب ؟ فبعض الناس يقول مثلاً "أعقلها وتوكل" ، فهل من الأسباب أن أعقلها بسلسلة حديدية ، أم أن هذه مبالغة في بذل السبب ؟

الجواب :

الحمد لله

الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله ، بل ذلك مما أمر الشرع به ، مع الاعتقاد أنَّ الضر والنفع بيد الله سبحانه ، وأنه هو الذي خلق الأسباب والمسببات .

ولا بد أن يوجد ارتباط حقيقي بين السبب والمسبب ، ويعرف ذلك بالتجربة ، أو العادة ، أو الخبر الشرعي ، ونحو ذلك .
ثم لا بد أن يكون السبب مشروعاً ؛ فالغاية المحمودة المشروعة ، لا بد أن تكون الوسيلة إليها أيضاً : جائزة مشروعة .
ثم على العبد أن يتوسط في أمره بين الأمرين : فلا هو بالذي يهمل الأسباب مطلقاً

ولا هو بالذي يتعلَّق قلبه بها ، إنما يتوسل بها ، كما يتوسل الناس ، في عاداتهم ، وأمور حياتهم ، ثم لا يتعلق قلبه بالسبب ، بل بالخالق جل جلاله ، مالك الملك ، ومدبر الأمر كله .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الِالْتِفَاتَ إلَى السَّبَبِ : هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ وَرَجَاؤُهُ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ ، وَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يَسْتَحِقُّ هَذَا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شُرَكَاءَ وَأَضْدَادٍ ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ : فَإِنْ لَمْ يُسَخِّرْهُ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ ، لَمْ يُسَخَّرْ " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/169) .

وأما ضابط الأخذ بالسبب في ذلك ، فهو في كل شيء بحسبه ، فالاحتياط للمرض الخفيف ـ مثلا ـ ليس كالاحتياط للمرض الشديد ، والاحتياط في المحافظة على الشيء الغالي القيمة ، الثمين ، ليس كالاحتياط في المحافظة على الشيء الزهيد القيمة ، وهكذا .

والأخذ بالسبب في طلب الرزق ، يختلف عن السبب لدفع المرض ، والأخذ بالسبب للطعام والشراب ، ليس هو كالأخذ بالسبب في حصول الولد ، وصلاحه وتربيته ، وهكذا فسبب كل شيء : هو بحسبه ، ثم الضابط في تمييز حال المفرط المضيع ، من حال الكيِّس الحريص : يختلف من أمر لأمر ، ومن حال لحال ، ومثل ذلك يعرفه الناس من أنفسهم ، ومن معتاد أحوالهم .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-27, 01:32
السؤال

بعض الصوفية يقول بترك الأخذ بالأسباب ، بحجة التوكل على الله والتسليم لقضائه وقدره ، فهل هذا الكلام صحيح ، وما هو المذهب الصحيح ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا الأمر مما عمت به البلوى ، واشتدت به المحنة ، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمة .

فأمة الإسلام مرت بأزمات كثيرة ، وفترات عسيرة ، وكانت تخرج منها بالتفكير المستنير ، والنظرة الثاقبة ، والتصور الصحيح ، فتبحث في الأسباب والمسببات ، وتنظر في العواقب والمقدمات ، ثم بعد ذلك تأخذ بالأسباب ، وتلج البيوت من الأبواب ، فتجتاز - بأمر الله - تلك الأزمات ، وتخرج من تلك النكبات ، فتعود لها عزتها ، ويرجع لها سالف مجدها ، هكذا كانت أمة الإسلام في عصورها الزاهية .

أما في هذه العصور المتأخرة التي غشت فيها غواشي الجهل ، وعصفت فيها أعاصير الإلحاد والتغريب ، وشاعت فيها البدع والضلالات ، فقد اختلط هذا الأمر على كثير من المسلمين ، فجعلوا من الإيمان بالقضاء والقدر تكأة للإخلاد في الأرض ، ومسوغاً لترك الحزم والجد والتفكير في معالي الأمور ، وسبل العزة والفلاح ، فآثروا ركوب السهل الوطيء الوبيء على ركوب الصعب الأشق المريء .

فكان المخرج لهم أن يتكل المرء على القدر ، وأن الله هو الفعال لما يريد ، وأن ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن ، فلتمض إرادته ، ولتكن مشيئئته ، وليجر قضاءه وقدره ، فلا حول لنا ولا طول ، ولا يد لنا في ذلك كله .

هكذا بكل يسر وسهولة ، استسلام للأقدار دون منازعة لها في فعل الأسباب المشروعة والمباحة .

فلا أمر بالمعروف ، ولا نهي عن المنكر ، ولا جهاد لأعداء الله ، ولا حرص على نشر العلم ورفع الجهل ، ولا محاربة للأفكار الهدامة والمبادئ المضللة ، كل ذلك بحجة أن الله شاء ذلك !

والحقيقة أن هذه مصيبة كبرى ، وضلالة عظمى ، أدت بالأمة إلى هوة سحيقة من التخلف والانحطاط ، وسببت لها تسلط الأعداء ، وجرت عليها ويلات إثر ويلات .

وإلا فالأخذ بالأسباب لا ينافي الإيمان بالقدر ، بل إنه من تمامه ، فالله عز وجل أراد بنا أشياء ، وأراد منا أشياء ، فما أراده بنا طواه عنا ، وما أراده منا أمرنا بالقيام به

فقد أراد منا حمل الدعوة إلى الكفار وإن كان يعلم أنهم لن يؤمنوا ، وأراد منا قتالهم وإن كان يعلم أننا سُنهزم أمامهم ، وأراد منا أن نكون أمة واحدة وإن كان يعلم أننا سنتفرق ونختلف ، وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا وإن كان يعلم أن بأسنا سيكون بيننا شديداً وهكذا ...

فالخلط بين ما أريد بنا وما أريد منا هو الذي يُلبس الأمر ، ويوقع في المحذور .

صحيح أن الله عز وجل هو الفعال لما يريد ، الخالق لكل شيء ، الذي بيده ملكوت كل شيء ، الذي له مقاليد السموات والأرض ، ولكنه تبارك وتعلى جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها ، وقوانين ينتظم بها ، وإن كان هو عز وجل قادراًَ على خرق هذه النواميس وتلك القوانين ، وإن كان أيضاً لا يخرقها لكل أحد .

فالإيمان بأن الله قادر على نصر المؤمنين على الكافرين - لا يعني أنه سينصر المؤمنين وهم قاعدون عن الأخذ بالأسباب ، لأن النصر بدون الأخذ بالأسباب مستحيل ، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيل ولأنه منافٍ لحكمة الله ، وقدرته عز وجل متعلقة بحكمته .

فكون الله قادراً على الشيء لا يعني أن الفرد أو الجماعة أو الأمة قادرة عليه ، فقدرة الله صفة خاصة به ، وقدرة العبد صفة خاصة به ـ فالخلط بين قدرة الله والإيمان بها وقدرة العبد وقيامه بما أمره الله به هو الذي يحمل على القعود ، وهو الذي يخدر الأمم والشعوب .

وهذا ما لاحظه وألمح إليه أحد المستشرقين الألمان فقال وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم المتأخرة : ( طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله ، والرضا بقضائه وقدره ، والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار )

وكان لهذه الطاعة أُثران مختلفان ؛ ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دوراً كبيراً في الحروب ، وحققت نصراً متواصلاً ، لأنها دفعت في الجندي روح الفداء .

وفي العصور المتأخرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي ، فقذف به إلى الإنحدار ، وعزله وطواه عن تيار الأحداث العالمية . العلمانية للشيخ سفر الحوالي نقلاً عن باول شمتز في كتابه الإسلام قوة الغد العالمية ص 87

من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 144.

*عبدالرحمن*
2018-03-27, 01:33
السؤال :

حصل نقاش حول مسألة التوكل والأخذ بالأسباب ، وتوكل بعض الصالحين كتوكل مريم والتي تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء والعكس ، ولم تتخذ الأسباب بل انقطعت للعبادة . فأيدونا في ذلك بارك الله فيكم .

الجواب :

الحمد لله

"التوكل يجمع الأمرين ، فالتوكل يجمع شيئين :

أحدهما : الاعتماد على الله ، والإيمان بأنه مسبب الأسباب ، وأن قَدَره نافذ ، وأنه قَدَّر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى .

الشيء الثاني : تعاطي الأسباب ، فليس من التوكل تعطيل الأسباب ، بل من التوكل الأخذ بالأسباب ، والعمل بالأسباب ، ومن عَطَّلها فقد خالف شرع الله وقَدَرَه ، فالله أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه وتعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك .

فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب ، بل لا يكون متوكلاً على الحقيقة إلا بتعاطي الأسباب ، ولهذا شُرِعَ النكاح لحصول الولد ، وأمر بالجماع ، فلو قال أحد من الناس : أنا لا أتزوج وأنتظر ولداً من دون زواج ، لعُد من المجانين ، فليس هذا أمر العقلاء ، وكذلك لا يجلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات ويتحرى الأرزاق تأتيه ، بل يجب عليه أن يسعى ويعمل ويجتهد في طلب الرزق الحلال .

ومريم رحمة الله عليها لم تدع الأسباب ؛ فقد قال الله لها : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) مريم/25 ، هزت النخلة وتعاطت الأسباب حتى وقع الرطب ، فليس من عملها ترك الأسباب ، ووجود الرزق عندها وكون الله أكرمها وأتاح لها بعض الأرزاق وأكرمها ببعض الأرزاق لا يدل على أنها معطلة الأسباب ، بل هي تتعبد وتأخذ بالأسباب وتعمل بالأسباب .

وإذا ساق الله لبعض أوليائه من أهل الإيمان شيئاً من الكرامات فهذا من فضله سبحانه وتعالى ، لكن لا يدل على تعطيل الأسباب ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ) رواه مسلم (2664) ، وقال الله سبحانه : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة/5" انتهى .

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

"فتاوى نور على الدرب" (1/364) .

*عبدالرحمن*
2018-03-27, 01:38
السؤال:

كيف نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لله أرحم من هذه بولدها ) ، فالأم المسلمة ترحم ابنها ، ولو كان كافرا ، فهل الله يرحم عبده الكافر ؟

وهل عدم إخراج الله للكافر من النار تتنافى مع رحمة الله ؟

الجواب :

الحمد لله

لا شك أن الله تعالى أرحم الراحمين ، وأن رحمته وسعت كل شيء ، وأنه أرحم بعبده من الأم بولدها ، بل هو سبحانه أرحم بالعبد من نفسه .

ولا يتنافى ذلك مع تعذيب الكافر وتخليده في النار يوم القيامة ، والكلام في ذلك على ثلاث مقامات :

أولا :

التفريق بين رحمة الله العامة التي تكون في الدنيا ، ورحمته الخاصة التي تكون في الآخرة ، فهو سبحانه يرحم عباده في الدنيا كلهم ، مؤمنهم وكافرهم ، طائعهم وعاصيهم ، رحمة عامة ، فيرزقهم ويطعمهم ويسقيهم ويشفهم ويعافيهم ، إلى غير ذلك من صور الرحمة التي لا تحصى ، فلولا رحمة الله ما تنفس أحد الهواء ، ولا وجد أحد شربة ماء ، ولا ما يطعمه ولا ما يكسوه ، وإذا مرض فلولا الله ما عوفي ، والناس في ذلك - من جهة العموم - سواء ، فهذه رحمة عامة ، يرحم بها وليه وعدوه .

أما رحمته الخاصة التي تكون في الآخرة فلا تكون إلا للمؤمنين ، وليس للكافرين فيها نصيب .

ثانيا :

أن الذي جعل الوالدة رحيمة لا بد أن يكون أرحم منها ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" اللَّه أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَرْحَمِ الْوَالِدَاتِ بِوَلَدِهَا؛ فَإِنَّ مَنْ جَعَلَهَا رَحِيمَةً أَرْحَمُ مِنْهَا " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (16/ 448) .

فمقتضى العقل : أن الله أرحم من كل راحم من خلقه ، مهما بلغت رحمته ؛ لأنه سبحانه هو الذي جعلهم يرحمون . وقد روى البخاري (6000) ، ومسلم (2752) عن أبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا ، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ) .

ثالثا :

أن أسماء الله تعالى وصفاته لا تتعارض ، وإنما يصدق بعضها بعضا ، ويدل بعضها على بعض .

فمقتضى رحمته سبحانه الرحمة ، ومقتضى عدله العدل ، فإذا قال قائل : يتوجب أن يرحم الكافر لأنه أرحم الراحمين فالرحمة صفته ، قيل : يلزم لذلك أن لا يعدل ، والعدل صفته ، قال تعالى : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) الجاثية/ 21 ، وقال سبحانه : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) سورة ص/ 28 ، وقال سبحانه : ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) القلم: 35، 36 .

فمن تمام حكمة الله وعدله سبحانه أن يفرق بين وليه وعدوه ، وأهل طاعته وأهل معصيته ، ومن عبده ، ومن عبد غيره ، وإلا فإن التسوية بين هؤلاء جميعا من الظلم الذي يناقض العدل والحكمة ، وإذا كان المخلوق لا يساوي بين عدوه ووليه ، ويعد ذلك في عقول الناس وأفهامهم وأعرافهم سفها وجهلا وظلما

فكيف بالله رب العالمين سبحانه ؟!

فالله تعالى أرحم الراحمين خلق الخلق ورزقهم ومنّ عليهم بنعم لا تحصى ، ثم أرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب وهداهم إلى بينة الإيمان وعلامة الهدى ، وهذا لا شك أعظم بكثير من رحمة الأم بولدها .

فلما أطاعه المؤمن ، وعصاه الكافر : امتنع أن يسوي بينهما بمقتضى حكمته وعلمه وعدله ووعد ووعيده ، وأخرج الكافر نفسه من التأهل لهذه الرحمة الخاصة في الدار الآخرة .

وقال تعالى : ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/ 156 .

وقال عز وجل : (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/ 56 .

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" من عموم رحمته إرسال الرسل ، وإمهال المذنبين ، فإذا جحده الكافر : خرج إلى مقام العناد ، فلم يكن أهلا للرحمة.
وأما خصوص رحمته : فلعباده المؤمنين ، فهو يلطف بهم في الشدة والرخاء ، يزيد على لطف الوالدة بولدها "

انتهى من "كشف المشكل" (1/ 94) .

والحاصل : أن رحمة الله الخاصة ، في الدار الآخرة : إنما تكون لأوليائه وأحبائه من أهل التوحيد ، أما من مات على الكفر معاندا ومستكبرا فلا حظ له في رحمة الله ، وينتقل عنها إلى عدله سبحانه ؛ وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ، وحاق بالكافرين ما كانوا به يكذبون ، ويستهزئون .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" يقول تعالى لهم - يعني للكافرين - إذا سألوا الله أن يخرجهم من النار ، وتوسلوا إلى الله تعالى بربوبيته ، واعترافهم على أنفسهم: ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) المؤمنون/ 107 ؛ فلا تدركهم الرحمة ، بل يدركهم العدل، فيقول الله عز وجل لهم: ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) المؤمنون/ 108 "
.
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (8/ 28).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-27, 01:42
السؤال

نؤمن كمسلمين بالقضاء والقدر ، فإذا كان مكتوباً على الطفل أن يولد في أسرة كافرة ، فلماذا يعاقب بدخول النار إذا كبر ومات على ذلك ؟

الجواب

الحمد لله :

نعم أخانا المكرم ، نحن نؤمن بالقضاء والقدر ، لكن قبل ذلك وبعده ، نحن نؤمن بكمال الله تعالى وعدله ، وتنزهه عن ظلم عباده ، أدنى ما يكون ذلك الظلم ، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (يونس:44) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة ، بل فوق ذلك نعلم أن الله تعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، رحمن ، رحيم ، ذو رحمة واسعة هي أوسع من غضبه وانتقامه

كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ ) رواه البخاري (7554)

ومن أجل ذلك يحب أن يمهل عباده ويحلم عليهم ، ويعذر إليهم ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( .. لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ ..) رواه البخاري (7416)

فإذا استقر عندك هذا الأصل البيِّن المحكم المنير ، الذي لا يصح لأحد إيمانه إلا بالتمكن فيه ، فرُدّ إليه – رحمنا الله وإياك – كل غبش من ظلمةِ جهل ، أو شبهة هوى ، وسرعان ما تجد قلبك قد استراح

وقد علمت أن الله تعالى أرحم بك وبسائر عباده من الوالدة بولدها ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تحلّب ثَدْيهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) رواه البخاري (5999) ومسلم (2754)

والله الرحمنُ الرحيم أرحم بهذا الذي تسألُ وتجادل عنه ، منك ومن نفسه ، فإما كان من أهل رحمة الله فستدركه إن شاء الله ، لا محالة .

وإما كان من المحادين المعاندين فاشتغل بما ينفعك أنتَ وينجيك " ولا تكن للخائنين خصيماً "

وأحذر أن تغفل عن ذلك الأصل طرفة عين ، ثم احذر أن تنظر في القدر قبل أن تُحكِمه ، واعلم أن باب القدر كالشمس ، متى آمنت به ، وسلمت ، على ما أتاك من خبر الله ووحيه ، استرحت ، واطمأنت نفسك ، كالذي يسير في وضح النهار .
وأما إذا دققت وشققت ، وتعمقت وتنطعت ، فما يستفيد المحدِّق في قرص الشمس سوى تلف عينيه ؟!

فإذا جئنا إلى ما سألت عنه ، حتى لا تظن أن ما قدمناه لك حيدةٌ عن الجواب ، فاعلم مما يَجِبُ أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لكل إنسان ما يمكنه من معرفة الخير والشر

قال تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) (البلد:8) ، أي عينين يبصر بهما ، (وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) (البلد:9) ، أي ولسانا ينطق به عما في ضميره وشَفَتَينِ يَسْتَعِين بهما على الكلام ، ( وهَدَيْنَاهُ النَّجدين ) البلد/10 ، قال ابن مسعود : الخير والشر، وقوله تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الانسان:2-3) ، فقد بَيّن لله في الآيات السابقة أنه عز وجل وَهَبَ للإنسان الوسائل والآلات التي يُمْكِنُه معها معرفة طريق الخير والشر .

ثم إنه سبحانه لم يجعل هذه الآلات حجة على عباده بمفردها ، بل فتح لهم باب العذر ، وأملى لهم في الحجة ، حتى يأتيهم نور الوحي من السماء ، قال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء/165 ، وقال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/ 15

ومن أجل ذلك يوبخ الله تعالى الكفار به على ما أضاعوا من عذر الله وإمهاله ، وغفلوا عن رسله وبيناته : ( َيا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ) (الأنعام 130-131 )

أما هذا الذي قَلّد أباه على الكفر ، ومات عليه ، فقد قال ابن القيم رحمه الله :

" َيُفَرّق بين مُقَلّدٍ تَمَكّن من العلم ومعرفة الحق ، ومُقَلّد لم يتمكن من ذلك بِوَجْهٍ ، والقسمان واقعان في الوجود فالمُتَمَكِّن المُعْرِض ، مفرطٌ تاركٌ للواجب عليه ، لأنه لا عذر له عند الله ، وأما العاجز عن السؤال والعلم ، الذي لا يتمكن من العلم بوجه ، فهم قسمان أيضا :

أحدهما : مُرِيدٌ للهدى مُؤْثِر له ، مُحِب له ، غير قادر عليه ، ولا على طلبه ، لعدم من يُرْشِده ، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم يبلغه الدعوة .

الثاني : معرض لا إِرَادة له ، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه ، فالأول يقول : يا رب لو أعلم دينا خيرا مما أنا عليه لَدِنْتُ به وتركت ما أنا عليه ، والثاني راضٍ بما هو عليه ، لا يُؤْثِر غيره عليه ، ولا تَطْلُب نفسه سواه ، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته ، وكلاهما عاجز ، فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يَظْفَر به ، فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عَجْزاً وجهلاً ، والثاني كمن لم يطلبه ، بل مات على شركه " أهـ . طريق الهجرتين 678 .

وإن كان لو طلبه لعجز عنه ، ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض ، فتأمل هذا الموضع ، والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل

فهذا مقطوع به في جملة الخلق ، وأما كون إنسا معين قد قامت عليه الحجة أم لا ، فذلك ما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه ، وهذا في أحكام الثواب والعقاب ، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر ، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا ، لهم حكم أوليائهم "

وهؤلاء الذين لم تبلغهم الدعوة ، ولم تقم عليهم حجة الله بالرسل ، أصح الأقوال فيهم أنهم يمتحنون في عرصات القيامة ، ويرسل إليهم هناك رسول ، فمن أطاعه دخل الجنة ، ومن عصاه دخل النار ، كما في مسند الإمام أحمد (18566) وغيره من حديث الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (

أرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا ) وفي رواية : ( فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا) رواه أحمد

والله الموفق

*عبدالرحمن*
2018-03-27, 01:44
السؤال

الله رحيم جداً ، فقد سمعت بأن الله يحبنا أكثر من محبة 70 أم لطفلها ، هل هذا صحيح ؟ أرجو الشرح .

الجواب

الحمد لله

الله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم وهو أرحم الراحمين الذي وسعت رحمته كل شيء ، قال تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف / 156

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة ، يرحم بها عباده يوم القيامة ) مسلم / 6908 .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي ، فإذا امرأة من السبي تبتغي ، إذا وجدت صبيا في السبي ، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ ، قلنا : لا ، والله ! وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله أرحم بعباده من هذه بولدها ) متفق عليه ، البخاري (5653) ومسلم (ا6912).

ومن رحمة الله بعباده إرسال الرسل وإنزال الكتب والشرائع لتستقيم حياتهم على سنن الرشاد بعيدا عن الضنك والعسر والضيق , قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء / 107

ورحمته تعالى هي التي تدخل عباده المؤمنين الجنة يوم القيامة ولن يدخل أحد الجنة بعمله كما قال عليه الصلاة والسلام : ( لن يُدخل أحداً عمله الجنة ) . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ( لا ، ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ، فسددوا وقاربوا ، ولا يتمنين أحدكم الموت ، : إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً ، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب ) رواه البخاري (5349) ومسلم (7042) .

وعلى المؤمن أن يبقى بين رجاء رحمة الله والخوف من عقابه ، فهو القائل : ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ، وأن عذابي هو العذاب الأليم ) الحجر / 49-50.

وأما قولك " بأن الله يحبنا أكثر من محبة سبعين أم لطفلها " فالله أعلم بذلك ، ويكفينا أنّ نعلم بأن رحمة الله وسعت كل شيء ، فاللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .

*عبدالرحمن*
2018-03-27, 01:47
السؤال:

كنت أريد أن أعلم إن كان من الممكن أن يوحي الله للإنسان مصيره من الجنة أو النار ، وهو ما يزال في هذه الدنيا, مثلا عن طريق علامة في الجسد ، أم إن هذه وساوس الشيطان .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

مذهب أهل السنة : عدم القطع لمعين بجنة أو نار ‘ إلا من ورد الدليل الشرعي في حقه بذلك .

ثانيا :

القاعدة العامة : أن من أطاع الله ورسوله دخل الجنة ، ومن عصى الله ورسوله دخل النار ؛ فروى البخاري (7280) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ؟ قَالَ : ( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى ) .

إلا أن مصير الخلائق على التعيين لا يعلمه إلا الله ، ولا يمكن الجزم لأحد بمصير رحمة أو مصير عذاب ، إلا بالنص الشرعي المعين في ذلك كما تقدم ، فنقطع بأن العشرة المبشرين بالجنة من أهلها ، ونقطع بأن فرعون وهامان وأبا جهل من أهل النار .

كما أننا نقطع أن من مات على التوحيد فإنه يدخل الجنة ، وإن أصابه قبل ذلك ما يصيبه ، ومن مات على الشرك فإنه يدخل النار ، لكن لا نسمي أحدا بعينه في ذلك.

ثالثا :

هناك علامات تدل على صلاح العبد وحسن خاتمته ، وعلامات تدل على فساده وسوء خاتمته ، لكنها علامات بشارة ، أو نذارة ، وليس شيء منها قاطعا بالنسبة لنا ، وإنما يوكل حال الشخص المعين إلى رب العالمين .

قال الإمام الطحاوي رحمه الله في بيان اعتقاد أهل السنة :

" نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ."

وقد روى ابن حبان (6891) ، وابن أبي شيبة (7/ 100) ، والحاكم (4515) بسند صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: " دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ ، فَقُلْتُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , أَسْلَمْتَ حِينَ كَفَرَ النَّاسُ وَجَاهَدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ حِينَ خَذَلَهُ النَّاسُ , وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ , وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي خِلَافَتِكَ اثْنَانِ , وَقُتِلْتَ شَهِيدًا , فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ , فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: " وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَوْ أَنَّ لِي مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ ".

ولفظ ابن حبان : " الْمَغْرُورُ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، لَوْ أَنَّ مَا عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ بَيْضَاءَ وصفراء، لافتديت به من هول المطلع " .

قال الطبري رحمه الله :

" لكل حدٍّ من حدود الله التي حدَّها فيه -من حلالٍ وحرامٍ ، وسائر شرائعه- مقدار من ثواب الله وعقابه ، يُعاينه في الآخرة ، ويَطَّلع عليه ويلاقيه في القيامة ، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لو أنّ لي ما في الأرض من صفراءَ وبيضاءَ لافتديتُ به من هَوْلِ المطَّلَع" ، يعني بذلك ما يطَّلع عليه ويهجُم عليه من أمر الله بعد وفاته "

انتهى من "تفسير الطبري" (1/ 72) .

فهذا يقوله عمر رضي الله عنه ويحلف عليه بالله ، وهو أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر رضي الله عنه ، فكيف بغيره ؟

وروى الإمام أحمد في "الزهد" (ص128) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : "
لَا رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وصححه الألباني في "الضعيفة" (2/116).

وإنما يستريح من غُفر له ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه أحمد (24399) ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2319) ، ولا يعرف أحد أنه قد غفر له إلا يوم القيامة .

وعن مُحَمَّد بْن حسنويه قَالَ: " حضرت أبا عبد اللَّه أَحْمَد بن حنبل وجاءه رجل من أهل خراسان فقال: يا أبا عَبْد اللَّهِ قصدتك من خراسان أسألك عَنْ مسألة قَالَ: له سل قَالَ: متى يجد العبد طعم الراحة ؟ قَالَ: " عند أول قدم يضعها فِي الجنة " .

انتهى من "طبقات الحنابلة" (1/ 293) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-27, 01:51
السؤال :

سمعت شيخاً يصف الله بأنه كبير. فهل يجوز قول ذلك ؟

إنني أدرك ان هناك حديثاً ينص على أن الكرسي بالنسبة للعرش ليس إلا كحلقة ملقاة في فلاة، ومعلوم أن الله فوق العرش، وأدرك أيضاً أن أهل السنة يثبتون لله ما أثبته هو لنفسه وينفون ما نفاه عن نفسه، وأنه لا ينبغي لنا أن نقول على الله شيئاً بغير علم، وأنه ليس كمثله شيء، وأنه يجب فهم أسماء الله وصفاته بمعناها الظاهر.. وعلى حدّ علمي أن الله لم يقل لنا إنه كبير، فهل كان الشيخ محقاً فيما قال؟ أرجو التوضيح.

الجواب :

الحمد لله

أولا :

ليس من شك في أن من أعظم ما ينبغي على العبد الاهتمام به من أمر الدنيا والآخرة : معرفة الله جل جلاله ، بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، والاجتهاد في إحصاء ذلك ، وترقي منازل العبودية من ذلك الباب الرحب ؛ وإنما يشرف العلم ، بحسب شرف المعلوم ، ولا علم أشرف من العلم بالله جل جلاله ، ولا ثمرة أعظم من تلك الثمرة التي يرجوها العبد من إحصاء أسماء الله الحسنى ، وصفاته العليا ، والتعبد لربه بذلك .

روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ) .

ثانيا :

وأما تسمية الله تعالى بـــ ( الكبير ) فأمر لا إشكال فيه ؛ لأن الله سبحانه سمى به نفسه في كتابه العظيم في مواطن متعددة ؛ فقال جل شأنه: (عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ) سورة الرعد/9، وقال سبحانه: (وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) سورة سبأ / 23.

وقد فسّرت السنة هذه الآية، كما في صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) رواه البخاري (4522)

وقال أيضاً: (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) سورة غافر/ 12.

ومعنى اسم الله الكبير: كما قال ابن القيم رحمه الله : " فالله سبحانه أكبر من كل شيء، ذاتًا وقدرًا وعزة وجلالة، فهو أكبر من كل شيء : في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، كما هو فوق كل شيء ، وعال على كل شيء ، وأعظم من كل شيء , وأجل من كل شيء ، في ذاته وصفاته وأفعاله. " ا

نتهى من "الصواعق المرسلة" (4/1379)

وقال الخَطابِي: "هُو الذِي تَـكبَر عَنْ كُلِ سُوءٍ ؛ فلا شيء مِثلهُ ، وَالذِي كَـبُرَ وَعَظُمَ ؛ فـَكُلُ شيء دُون جلاله : صَغيرٌ وَحَقيرٌ" انتهى من "شأن الدعاء"ص /66 .

وقد أمر الله سبحانه بتكبيره فقال جل شأنه: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً). سورة الإسراء/ 111 .

ولذا جاء في السنة الأمر بتكبير الله، كما هو معلوم في ابتداء الصلاة وسائر تكبيراتها، وكذلك شرع لنا التكبير في عدد من العبادات؛ كأذكار أدبار الصلوات، وقبل النوم، ورمي الجمار وعند الذبح، وفي العيدين وغيرهما .

كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من التكبير ، وأخبر أنه من أحب الكلام إلى الله تعالى؛ فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَحبُّ الكلام إلى الله تعالى أربع لا يضرك بأيِّهنَّ بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) رواه مسلم ( 2137 )

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-27, 01:54
السؤال:

ما مدى صحة هذه المعلومات ؟

- الحوت الذي ابتلع يونس عليه السلام هو على قيد الحياة الى الآن ، استنادا لمضمون قوله تعالى : ( للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

القول بأن الحوت الذي التقم يونس عليه السلام لا يزال حيا ؛ لقوله تعالى : ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) الصافات/ 143، 144 .

قول غير صحيح ، لأنه قول محدث لا دليل عليه ، ولا نعلم أحدا من أهل العلم بالتفسير أو بالعربية قال ذلك .

والاستدلال بالآية على ذلك استدلال غير صحيح ؛ فإن " لولا " حرف امتناع لوجود ، أي امتناع تحقيق جوابها، لوجود شرطها ، يعني إذا وجد الشرط امتنع تحقق الجواب .

وينظر حول ذلك : "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (2/ 284) .

فلما كان يونس عليه السلام من المسبحين ، امتنع أن يلبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون ، وهذه الآية كقوله تعالى : ( لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) الأنفال/ 68 . فامتنع وقوع العذاب ، لما سبق في الكتاب .

وقوله تعالى : ( وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ) الإسراء/ 74 .

فامتنع ركونه صلى الله عليه وسلم للمشركين لحصول تثبيت الله له .

وحاصل ذلك :

أن يونس عليه السلام : كان من المسبحين ؛ ولأجل ذلك أنجاه الله من تلك الظلمات ، ولم يلبث في بطن الحوت تلك المدة التي كانت مقدرة ، لو لم يكن من المسبحين .

ثم ؛ لا علاقة لشيء من ذلك ، من قريب ، أو بعيد : بحياة الحوت الآن ، أو متى مات ، أو لم يمت ؛ فكل هذا مبني على تقدير ، لم يحصل .

بل يقال أيضا : المكث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون لا يلزم منه أن لا يزال الحوت حيا إلى يوم القيامة ، فغير ممتنع أن يموت الحوت ويموت الإنسان في بطن الحوت ، ثم يمكث في بطنه إلى يوم البعث ، كما يمكث الميت في قبره إلى يوم البعث .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-27, 02:00
السؤال:

أريد أن أنتحر ، ليس كرها في الدنيا ، بل حبا في لقاء الله !! لا أستطيع الصبر أكثر من ذلك ، حتى لو كان ذلك الذهاب للجهاد ، أريد رؤية الله عز وجل وتكرم اسمه وتقدست صفاته ، هل أدخل النار أن أنتحر بنية رؤية الله ؟

الجواب :

الحمد لله

الانتحار من كبائر الذنوب ، وليس في الإسلام انتحار بقصد رؤية الله ، أو التقرب إليه ؛ فكيف يتقرب العبد إلى ربه بما نهاه عنه ، وحذره منه ، وتوعده عليه بعظيم العذاب ، وأليم العقاب ؟

ولو كان هذا مشروعا لفعله أحب الناس إلى الله ، وأكثرهم شوقا إلى لقائه ، من الأنبياء والصالحين ، فدع عنك وساوس الشيطان ، واحذر أن تقع في هذا الذنب العظيم الذي قد يحرمك من رؤية الله في الآخرة ، ويودي بك في نار جهنم ، خالدا مخلدا فيها !!

وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب يوم القيامة بمثل ما قتل نفسه به .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) رواه البخاري ( 5442 ) ومسلم ( 109 ) .

وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ) رواه البخاري ( 5700 ) ومسلم ( 110 ) .

وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات . قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ) رواه البخاري ( 3276 ) ومسلم ( 113 ) .

وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر ، عقوبةً له ، وزجراً لغيره أن يفعل فعله ، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : ( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه ) رواه مسلم ( 978 )
.
قال النووي :

" المَشاقص : سهام عراض .

وفي هذا الحديث دليل لمن يقول : لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه , وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي , وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء : يصلى عليه , وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله , وصلت عليه الصحابة "

انتهى من " شرح مسلم " ( 7 / 47 ) .

والتقرب إلى الله تعالى يكون بما شرع ، وأفضل ذلك فعل الفرائض ، ثم أداء النوافل ، كما في الحديث الذي رواه البخاري (6502) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ).

نسأل الله لك الهداية والتوفيق ، وأن يقيك شر نفسك ، ونزغات الشيطان .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-29, 16:09
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

السؤال:

عُيّنت مؤخراً إماماً لأحد المساجد لمدة مؤقتة ، وقد بدأت الصلاة بالناس ، ووفقاً للفهم المتأصل لديّ من أن هناك رأيين في مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة وأن الأرجح عدم الجهر بها لم أجهر ، ولكن الناس تضايقوا من هذا وبدأوا يتحدثون عن هذا من خلفي ويشتكون ويقولون : لماذا لا يقرأ هذا الإمام البسملة ؟

يجب أن يفعل كما كان يفعل الأئمة الذين أتوا من قبله . كما أنهم يعيبون عليَّ عدم قراءتي لبعض السور التي جرت العادة أن تُقرأ في بعض الأيام ، كقراءة سورتي الفلق والناس في صلاة المغرب يوم الجمعة . إني أحاول أن أتجاهل مثل هذه الأشياء ، ولكني لا أريد أن أثير فتنة أو أن أكون سبباً في إثارتها ، ويمكنني بكل سهولة أن أتخلى عن هذا العمل وأوكله إلى شخص آخر ، فهو عمل مؤقت على كل حال .

فأشيروا عليَّ :

هل أجهر بالبسملة في الصلاة أم لا ؟

وهل أقرأ تلك السور التي اعتادوا أن يسمعوها أم أتخلى عن العمل بالكلية ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

نشكر لك – أخي السائل – حرصك على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته ، ونشكر لك سؤالك عن حكم موافقة المأمومين فيما تعودوا عليه ، وخيراً فعلت ؛ حيث يظن بعض المتبعين للسنَّة أنهم ليسوا بحاجة لإرشاد ونصح في طريقة تعاملهم مع الناس ! وأنه حتى لو كان بتطبيقهم للسنَّة

- التي يرونها راجحة - فتنة وتباغض قلوب وتفرق المسلمين فإنهم لا يتوانون عن تطبيقها ، ولو ترتب عليها ما ترتب من فساد ! ولا شك أن هذا خطأ ، وأنه ليس هو ما عليه أئمة أهل السنة قديماً وحديثاً كما سيأتي .

ثانياً:

لا شك أن الجهر بالبسملة في الفاتحة في الصلاة جائز ، وليس بدعة ولا حراماً ، ولكن في أكثر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر بها بل كان يقرؤها سرّاً .

عن أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضى الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِـ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . رواه البخاري ( 743 ) .

وعند أحمد ( 12868 ) " وكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم "
.
وهذا مذهب الحنفية والحنابلة ، وخالفهم الشافعية فقالوا بسنيَّة الجهر بها .

ومع كون السنَّة الثابتة : عدم الجهر بالبسملة ؛ إلا أنه لا حرج من الجهر بها ، خاصة عند من كان مذهبهم الجهر بها ، تأليفاً لقلوبهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -

: " ومع هذا : فالصواب : أن ما لا يُجهر به ، قد يشرع الجهر به لمصلحة راجحة ، فيشرع للإمام - أحيانا - لمثل تعليم المأمومين ، ويسوغ للمصلين أن يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانا ، ويسوغ أيضا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة ، خوفاً من التنفير عما يصلح ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ؛ لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، وخشي تنفيرهم بذلك

ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم ، وقال ابن مسعود ، لما أكمل الصلاة خلف عثمان وأنكر عليه ، فقيل له في ذلك ، فقال : " الخلاف شر " ؛ ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة ، وفي وصل الوتر ، وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول ؛ مراعاة ائتلاف المأمومين أو لتعريفهم السنَّة وأمثال ذلك "

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 22 / 436 ، 437 ) .

وقال - رحمه الله – أيضاً - : " فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس ، وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأمَّ بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم : كان قد أحسن " .

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 22 / 268 ، 269 ) .

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :

ما حكم الجهر بالبسملة ؟ .

فأجاب : " الراجح : أن الجهر بالبسملة لا ينبغي ، وأن السنَّة الإسرار بها ؛ لأنها ليست من الفاتحة ، ولكن لو جهر بها أحياناً : فلا حرج ؛ بل قد قال بعض أهل العلم : " إنه ينبغي أن يجهر بها أحياناً ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه " أنه كان يجهر بها "
.
ولكن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم " أنه كان لا يجهر بها " ، وهذا هو الأولى : أن لا يجهر بها .

ولكن لو جهر بها تأليفاً لقوم مذهبهم الجهر : فأرجو أن لا يكون به بأس " .

انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 13 / 109 ) .

وعليه : فيجوز لك الجهر بالبسملة لأولئك القوم إما دائما ، أو أحياناً ؛ لتحقيق مصلحة كبرى وهي ائتلافهم واجتماعهم ووحدة كلمتهم ، ويمكنك استثمار هذا لتعليمهم ما هو أهم من مسائل الفقه العملية وهو التوحيد ونواقضه والشرك ووسائله ، وبقاؤك مع الجهر بالبسملة خير – ولا شك – للناس من تركك لهم ليحل محلك إمام جاهل يضل الناس ويجهلهم ويصرفهم عن العلم الشرعي .

ثالثاً:

إن المداومة على سورٍ وآيات معينةٍ في صلواتٍ محددة مقتصراً عليها : لا يخلو الأمر فيها من حالين :

الأول : أن يكونَ الشرعُ قد أثبتَ المداومة عليها ، كسورتي " السجدة " و " الإنسان " في صلاة الفجر من يوم الجمعة ، وعليه : فلا بأسَ من المداومةِ على ذلك في كلِّ فجر جمعةٍ .

الثاني : ألاَّ يكونَ الشرع قد أثبتَ المداومة عليها ، كأن يعيِّن الإمام قراءة آخر سورة البقرة في المغربِ دائماً : فالسنَّةُ عدم مشروعيةِ المداومةِ ؛ لأن ذلك مخالفٌ لهديه صلى الله عليه وسلم من التنوع في القراءة -

ومع كون هذا هو السنَّة فإنه لا مانع من قراءة ما اعتادوا عليه والمداومة على ذلك لفترة من الوقت استعمالاً للسياسة الشرعية ؛ من أجل وحدة كلمة المصلين وعدم تفرقهم ، ومن أجل إغلاق الباب على من يأتي من أئمة البدع لإضلالهم ، ومن أجل تحبيبهم لك وللمنهج العلمي الذي تسلكه لتصل بهم إلى حبِّ السنَّة والعمل بها ، وسيكون مع الوقت ترك لتلك المداومة كما قد فعله غيرك من طلبة العلم في مثل حالك مع المخالفين للسنَّة من المصلين .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-29, 16:19
السؤال:

هل تجوز المداومة على قراءة سورتي السجدة والإنسان في صلاة الصبح من كل يوم جمعة ؟

الجواب

الحمد لله

" تشرع قراءة سورة السجدة وسورة الدهر في صلاة فجر يوم الجمعة ، ولا بأس بالمداومة على ذلك ، لكنْ إنْ خشي أن يظن بعض الناس وجوب المداومة عليهما شرع له ترك قراءتها في بعض الأحيان " انتهى .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
"فتاوى إسلامية" (1/417) .

والله أعلم .

................

السؤال :

علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المفصل في الصلوات ، فالطوال للفجر ، وإلخ ، فلا حرج من مواظبة المرء على هذا طوال حياته ، أم ينبغي التنويع أي القراءة من الأجزاء الأولى في القرآن ، وقد أكرر نفس السورتين لمدة ثلاثة أيام مثلا في الفجر ، فهل في ذلك من خطأ ؟

الجواب :

الحمد لله

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم المسيء في صلاته الصلاة ، وكان مما قال له : (ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ) رواه البخاري ( 757) ومسلم (397) .

ويدل هذا على أنه لا حرج على المسلم أن يقرأ ما شاء من القرآن في الصلوات ، ولا يلزمه التقيد بسورة معينة يقرأها بعد سورة الفاتحة .

وعلى هذا ، فإذا قرأ من المفصل أو غيره فلا حرج عليه .

وإذا كرر السورة في عدة أيام أو في عدة صلوات في اليوم الواحد فلا حرج عليه .

ولكن ... إذا أمكن التنويع فهو أفضل حتى يكون مقتدياً بالرسول صلى الله عليه وسلم ، مصلياً كما كان يصلي .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بالمفصل وبغيره من سور القرآن .

فقد قرأ في صلاة المغرب بالأعراف . رواه البخاري (764) .

وقرأ في الصبح بسورة المؤمنون ، فأخذته سعلة فركع ولم يكملها . رواه مسلم (455) .

وقرأ في الظهر بسورة لقمان . رواه النسائي ، قال النووي في المجموع (3/345) : إسناده صحيح .

ولمن أراد التوسع في التعرف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة في الصلوات فلينظر كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني .

وقال النووي رحمه الله :

"يحصل أصل الاستحباب بقراءة شيء من القرآن , ولكن سورة كاملة أفضل , حتى إن سورة قصيرة أفضل من قدرها من طويلة ; لأنه إذا قرأ بعض سورة فقد يقف في غير موضع الوقف , وهو انقطاع الكلام المرتبط , وقد يخفى ذلك .

قالوا : ويستحب أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل : (كالحجرات) (والواقعة) .

وفي الظهر بقريب من ذلك .

وفي العصر والعشاء بأوساطه .

وفي المغرب بقصاره .

فإن خالف وقرأ بأطول أو أقصر من ذلك جاز ، ودليله الأحاديث السابقة " انتهى.

"المجموع" (3/349) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

"أما المغرب ، فكان هديُه فيها خلافَ عمل الناس اليوم، فإنه صلاها مرة ب(الأعراف) فرَّقها في الركعتين، ومرة ب (الطور) ومرة ب (المرسلات).

قال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قرأ في المغرب ب (المص) وأنه قرأ فيها ب (الصافات) وأنه قرأ فيها ب (حم الدخان) وأنه قرأ فيها ب(سبح اسم ربك الأعلى) وأنه قرأ فيها ب (التين والزيتون) وأنه قرأ فيها ب (المعوِّذتين) وأنه قرأ فيها ب (المرسلات) وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل قال: وهي كلها آثار صحاح مشهورة. انتهى.

وأما المداومة فيها على قراءة قِصار المفصل دائماً، فهو فعلُ مروان بن الحكم، ولهذا أنكر عليه زيدُ بن ثابت، وقال: مَالَكَ تقرأ في المغرب بقصار المفصَّل؟! وقد رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في المغرب بطولى الطُوليين. قال: قلت: وما طُولى الطوليين؟ قال: (الأعراف) وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن.

وذكر النَّسائي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قرأ في المغرب بسورة (الأعراف) فرقها في الركعتين.

فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسورةِ من قِصار المفُصَّل خلافُ السنة، وهو فعل مروان بن الحكم.

وأما العشاء الآخرة، فقرأ فيها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ب (التين والزيتون) ووقَّت لمعاذ فيها ب (الشمس وضحاها) و(سبِّح اسم ربك الأعلى) و(الليل إذا يغشى) ونحوها، وأنكر عليه قراءتَه فيها ب (البقرة) بعدما صلَّى معه، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف، فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء الله، وقرأ بهم ب (البقرة) ولهذا قال له: "أفتان أنت يا معاذ" فتعلق النَّقَّارون بهذه الكلمة، ولم يلتفِتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها .

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعين سورة في الصلاة بعينها لا يقرأ إلا بها إلا في الجمعة والعيدين، وأمّا في سائر الصلوات، فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أنه قال: مَا منَ المفصَّلِ سورةٌ صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا وقد سمِعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤمُّ الناسَ بها في اَلصَّلاةِ المَكْتُوبةِ.

وكان من هديه قراءةَ السورة كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة. وأما قراءة أواخر السور وأوساطِها، فلم يُحفظ عنه. وأما قراءةُ السورتين في ركعة، فكان يفعله في النافلة، وأما في الفرض، فلم يُحفظ عنه.
وأما قراءةُ سورة واحدة في ركعتين معاً، فقلما كان يفعله" انتهى .

" زاد المعاد " (1/209-215)

والله أعلم .

..................

السؤال

عُرض عليَّ أن أكون إمام أوقات ، وخطيب جمعة في البلد الذي أعيش فيه ، واشترطوا عليَّ أن أدعو بالناس جهراً بعد كل صلاة ، وأن لا أقبض يدي في الصلاة ، مع العلم أنني الوحيد الذي أدرس العلوم الشرعية في البلد ، فهل أوافق أو أرفض ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نشكر لك أخي السائل حرصك على الخير ، وتطبيق السنَّة ، واجتناب ما يخالفها ، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه .

ثانياً :

ينبغي أن نفرق بين ما أجمع أهل العلم على أنه بدعة منكرة ، وما اختلف فيه أهل العلم ، كوضع اليدين في حال القيام في الصلاة ، أو الدعاء بعد الصلاة ، أو القنوت في صلاة الفجر كل يوم ... إلخ .

فيشدد في الإنكار في النوع الأول (ما أجمع العلماء على بدعيته) ، ويكون الإنكار في النوع الثاني (ما اختلف العلماء على بدعيته) بدرجة أقل ، وقد لا يُنكر من الأصل ، ويسكت الإنسان عنه ، لقوة الخلاف فيه .

فعند حصول تعارض بين تحصيل مصلحة ودفع مفسدة ، فينظر إلى الأهم منهما ، وتراعى بالتقديم
.
وعلى هذا ؛ فقد جاءت السنة بوضع اليدين على الصدر في حال القيام في الصلاة ، وجاءت السنة بالجهر بالذكر عقب الصلاة المفروضة ، يجهر كل مصلٍّ بمفرده ، ثم إن دعا بعد هذه الأذكار فإنما يدعو سراً بمفرده .

فما يدعونك إليه مفسدة ، ومخالف للسنة .

فهل ترفض إمامتهم في الصلاة حتى لا تقع في مخالفة السنة ، وترتكب هذه المفسدة ؟ أو تقبل؟

الجواب على هذا أن يقال :

إن كان رفضك للإمامة سيترتب عليه أن يأتي إمام هو أقدر منك على إلزام هؤلاء بالسنة وتعليمها لهم ، ولا يقع في مخالفة السنة ، فإنك ترفض ذلك .

أما إن كان رفضك سيعني أن يأتي إمام جاهل يرتكب هذه المخالفات ويزيد عليها أضعافها ، ولا يُعَلِّم الناس السنة ، ولا يلتزم بها ، بل قد يحارب السنة وأهلها ، جهلاً منه أو اتباعاً لهواه ، فلا ينبغي لك أن تتردد في قبول إمامة هؤلاء ولو ألزموك بهذه المخالفات ، لأن هذا سيكون أقل مفسدة مما لو رفضت .

وقد سبق أن الشرع جاء بدفع المفاسد وتقليلها ، ثم إذا حصل تآلف بينك وبينهم فيما بعد ، فإنك تسعى في تعليمهم السنة ، والأخذ بأيديهم إليها شيئاً فشيئاً .

ولتنقل لهم أقوال بعض العلماء الذين يعظمونهم في إنكار ما تريد إنكاره من البدع ، على أن يكون ذلك بالتدريج حتى لا ينفر الناس منك .

وهذه أقوال لبعض أهل العلم في ترك الإمام ما يرى أنه سنة مستحبة تأليفاً لقلوب المأمومين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

"ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف : كان قد أحسن . مثال ذلك الوتر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة . كالمغرب : كقول من قاله من أهل العراق . والثاني : أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز . والثالث : أن الأمرين جائزان كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما وهو الصحيح . وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفا لقلوبهم كان قد أحسن ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه) فترك الأفضل عنده : لئلا ينفر الناس .

وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأم بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم كان قد أحسن" انتهى .

"مجموع الفتاوى" (22/268) .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة ، وعدم رفع اليدين ؟ .

فأجاب :

"نعم ، إذا كان بين أناس لا يرفعون ، ولا يجهرون بالتأمين : فالأولى أن لا يفعل ؛ تأليفاً لقلوبهم ، حتى يدعوهم إلى الخير ، وحتى يعلمهم ، ويرشدهم ، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم ، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا ؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين ، يرون أن عدم رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام يرون أنه هو الدين ، وعاشوا عليه مع علمائهم ، وهكذا عدم الجهر بالتأمين ، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم ، منهم من قال يجهر

ومنهم من قال : لا يجهر بالتأمين ، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع صوته ، وفي بعضها أنه خفض صوته ، وإن كان الصواب أنه يستحب الجهر بالتأمين ، وهو شيء مستحب ، ويكون ترك أمراً مستحبّاً ، فلا يفعل مؤمن مستحبّاً يفضي إلى انشقاق ، وخلاف ، وفتنة ، بل يترك المؤمن المستحب ، والداعي إلى الله عز وجل

إذا كان يترتب على تركه مصالح أعظم ، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم ، قال : ( لأن قريشا حديثو عهد بكفر) ، ولهذا تركها على حالها ، ولم يغير عليه الصلاة والسلام للمصلحة العامة" انتهى .

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 29 / 274 ، 275 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-29, 16:22
السؤال:

كنت أتحدث مع أحد الملحدين فسألني عن خلق حواء قائلاً : لماذا لم يخلق الله حواء إلا بعد آدم بوقت طويل ، في حين أنه كان يعلم حاجة آدم الى رفيق يؤانسه؟ فإذا كان الله يعلم كل شيء ، فلماذا لم يخلقهما معاً في وقت واحد؟ أرجو تزويدي بالإجابة كي أردّ عليه.

الجواب :

الحمد لله

أولا :

لا بد أن نعلم أن الله تعالى فعال لما يريد ، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ، وليس للعبد أن يسأل الرب عن فعله لم فعله ؟

قال الإمام إسحاق بن إبراهيم رحمه الله :

" لا يجوز الخوض في أمر الله كما يجوز الخوض في أمر المخلوقين ؛ لقول الله تعالى (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء/23 ، ولا يجوز أن يتوهم على الله بصفاته وأفعاله بفهم ، ما يجوز التفكر والنظر فيه من أمر المخلوقين "

انتهى من "الاستقامة " لابن تيمية (1 /78).

وليس ذلك لمجرد أنه القادر القهار الفعال لما يريد ، فحسب ؛ بل لأن فعله سبحانه كله حكمة ، وعدل ورحمة : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/14 .

ثانيا:

قول هذا الملحد : " إن الله تعالى لم يخلق حواء إلا بعد وقت طويل من خلق آدم " !!

يقال له : من أين عرفت ذلك ؟!

إن هذا من أمر الغيب الذي لم تشهده أنت ، ولم يبلغه علم تاريخك ، وتاريخ أمثالك .

فإن كنت قد بلغك شيء من أخبار الأنبياء ، فصدقهم أولا في وحدانية الله وعظمته وجلاله ، وما أخبروا به من غيبه ووحيه ، وجنته وناره ، ثم بعد ذلك انظر ؛ فإن وجدت لمثل سؤالك هذا موضعا ، فاسأل !!

وإلا، فنحن نطالبك بالدليل على صحة كلامك الذي ادعيته ؛ فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!!

وأما نحن فليس عندنا موضع لهذا السؤال من أصله ، لما قدمناه أولا من أن أول أصول هذا الدين : أن نستسلم بكليتنا لرب العالمين .

على أننا نقول لك : إن الظاهر إنه لم يكن هناك ذلك الزمان الطويل الذي تدعيه بين خلق آدم وخلق حواء ، وأن الله خلقها له من قبل أن يسكنه الجنة .

روى البخاري (3331) ومسلم (1468) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ . فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ )

قال الحافظ رحمه الله :

" قَوْلُهُ : ( خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع ) أَخْرَجَهُ اِبْن إِسْحَاق وَزَادَ : ( الْيُسْرَى مِنْ قَبْل أَنْ يَدْخُل الْجَنَّة ، وَجُعِلَ مَكَانه لَحْم )

انتهى من " فتح الباري " (6/368) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" أَمَرَ اللَّهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَسْكُنَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ الْجَنَّةَ فَقَالَ ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) .

وقال في الأعراف ( وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) وَقَالَ تَعَالَى ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ) وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم الجنة ؛ لقوله ( وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) وهذا قد صرح به ابن إسحاق ، وَهُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَاتِ "

نتهى باختصار من "البداية والنهاية" (1/ 81) .

ثالثاً:

ما المانع من أن تكون هناك حكمة لم يبلغها عقله ، ولم نقف عليها نحن ، وهل وقفت علوم البشر وعقولهم على كل ما في الكون ، علويه وسفليه من أسرار ؟!

هل كل ما عجز العلم عن اكتشافه ، والوقوف على حقيقته وسره حتى الآن ، أمر غير موجود ، ولا أمل في الوصول إليه ؟!

إذا ، ما حاجة العلماء إلى علومهم ، ومعاملهم ، وأبحاثهم ، وأرصادهم ؟!

ثم ما الذي يمنع من أن تكون لهذا فائدة أخرى ؛ حين يشعر آدم بالوحشة ، ليعرف بعدها قيمة الأنس بزوجه التي خلقها الله له ؟!

وما الذي يمنع من أن يكون ذلك دافعا له للحاجة إلى ربه والافتقار إليه في حاجته ، ودعائه أن يؤنس وحشته ؛ وهذا عبودية يحبها الله من خلقه ؟!

فسبحان من له الحكمة التامة والحجة البالغة .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-29, 16:26
السؤال :

سؤالي كالآتي ، لو قدم إليك شخص طعاما أو شرابا ، ولديك خلفية سيئة عنه أو له اعتراض عليك ، وتشك أنه يريد إيذاءك بسحر أو ضرر في بدنك ، فما الذي ينبغي عليك فعله ، هل عليك أن ترفض الطعام أو الشراب المقدم لك ؟ ، وهل رفضك الطعام أو الشراب يشير إلى ضعف الإيمان أو اليقين بالله ؟ أم ماذا يعتبر أو يشير إليه ذلك الفعل ؟

وما هو حد اليقين ، لو كان هناك أي يقين ، وإلى أي حد يرتبط هذا السؤال بالرسول صلى الله عليه وسلم لما وضعت له السم المرأة اليهودية ، ولم يتوقف عن أكل الطعام حتى بعد أن علم أن بها سم - على ما أظن - فأريد إجابة واضحة عن ذلك .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الأصل سلامة جانب المسلم ، وحمل أحواله على أحسن محاملها ، ومراعاة حسن الظن به في كل ما يقول ويفعل وعدم سوء الظن به ؛ لأن الظن أكذب الحديث ، إلا أن يبدو منه خلاف ذلك فالمسلم أخو المسلم ، يحب له ما يحب لنفسه من الخير ، ويكره له ما يكره لنفسه من الشر، فإذا قدم المسلم طعاما أو شرابا فالأصل إحسان الظن به حتى يتبين خلافه ، ولا عبرة بالوساوس والشكوك التي لا تعتمد على برهان صحيح .

روى البخاري (5144) ومسلم (2563) ، (4917) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ) .
قال في عون المعبود ( 9/ 2195 – 2196 ) :
" ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنّ ) : أَيْ اِحْذَرُوا اِتِّبَاع الظَّنّ أَوْ اِحْذَرُوا سُوء الظَّنّ , وَالظَّنّ تُهْمَة تَقَع فِي الْقَلْب بِلَا دَلِيل " انتهى .

وروى البيهقي في " الشعب " (8344) عن جعفر بن محمد قال : " إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره ، فالتمس له عذر واحدا إلى سبعين عذرا ، فإن أصبته ، وإلا قل : لعل له عذرا لا أعرفه "

وقال العلامة ابن باز رحمه الله :

" المشروع للمؤمن أن يحترم أخاه إذا اعتذر إليه ويقبل عذره إذا أمكن ذلك ، ويحسن به الظن حيث أمكن ذلك ، حرصا على سلامة القلوب من البغضاء ورغبة في جمع الكلمة والتعاون على الخير ، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " لا تظن بكلمة صدرت من أخيك شرا وأنت تجد لها في الخير محملا "

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (26 /365) .

فكُلْ من طعام أخيك ، واشرب من شرابه ، ولا تلتفت إلى الوساوس والشكوك ولا تسيء الظن به ، حتى يتبين لك خلاف ذلك بدليل واضح ، أو بظن غالب ، تساعد عليه قرائن الأحوال التي تقول لك إن ها هنا أمرا ينبغي أن تنتبه إليه ، وتحترز منه .

وأما مجرد اتباع الوساوس والشكوك ، فلا شك أن ذلك من ضعف اليقين ، واتباع نزغات الشيطان بين المؤمنين .

ثانيا :

اليقين عامة هو اعتماد البرهان الجلي فيما يعرض للإنسان من الأمور العلمية والعملية جميعها ، ونبذ الشك وطرح الوسواس ، ولذلك يقول الفقهاء عبارتهم المشهورة : " اليقين لا يزول بالشك ".

جاء في "الموسوعة الفقهية" (45/287) :

" الْيَقِينُ فِي اللُّغَةِ : الْعِلْمُ وَإِزَاحَةُ الشَّكِّ ، وَتَحْقِيقُ الأَمْرِ ، وَهُوَ نَقِيضُ الشَّكِّ ، وَهُوَ ثُلاثِيٌّ مِنْ بَابِ تَعِبَ ، يُقَالُ : يَقِنَ الأَمْرُ يَيْقَنُ يَقَنًا : إِذَا ثَبَتَ وَوَضَحَ ، فَهُوَ يَقِينٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ، وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ وَبِالْبَاءِ ، فَيُقَالُ : يَقِنْتُهُ وَيَقِنْتُ بِهِ وَأَيْقَنْتُ بِهِ .

وَالْيَقِينُ فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ : هُوَ جَزْمُ الْقَلْبِ بِوُقُوعِ الشَّيْءِ ، أَوْ عَدَمِ وُقُوعِهِ " انتهى .

ثالثا :

أما خبر تلك الشاة المسمومة : فلم يثبت فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر في الأكل منها بعد أن علم أنها مسمومة ، والمروي عنه في ذلك خلافه .

فقد روى أبو داود (4512) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَكَلَ الْقَوْمُ ، فَقَالَ : ( ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ ) .

صححه الألباني ، وأصله في البخاري (3169) ومسلم (2190)

وعند الدارمي (67) : فَأَهْدَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً فَتَنَاوَلَ مِنْهَا وَتَنَاوَلَ مِنْهَا بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ ، ثُمَّ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ هَذِهِ تُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ )

وعند البزار (6675) قال : ( إن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة ) فامتنع رسول الله صلي الله عليه وسلم وامتنع من معه .

وعند ابن إسحاق : " فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع ، فلاك منها مضغة، فلم يسغها " .

"البداية والنهاية" (4 /240) ، وينظر : "دلائل النبوة" للبيهقي (4/353) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-29, 16:31
السؤال :

لدي صديق قال ما يلي : "أنا حقا فخور أني لست بمتدين ، فقد كنت فيما مضى شابا روحانيا ، يؤمن بالخرافات والخيالات كالملائكة والأشباح (الجن) ، ثم قمت بتطبيق منطق النشوء والعلم مما فضح زيف الأديان عموما ليس فقط الإسلام . فعلى سبيل المثال يقول الإسلام إن الله خلق البشر أولا ، ثم خلق الأرض لنا لكي نعيش عليها

وهذا الأمر خطأ وفقا للتاريخ الدقيق الذي حدده مقياس الطاقة الإشعاعية والذي قال بأن ملايين من الحيوانات المختلفة بخلاف الأرض نفسها قد وجدوا قبل أن يكون للبشر وجود بزمن طويل . وأيضا لماذا قام الله بجعل 80% من الناس

يحرقون في جهنم؟

ألا تعتقد أنها عقلية مريضة للغاية تلك التي تستيقظ كل صباح معتقدة أن زملاءها ومدرسيها وغير المسلمين جميعا سيحرقون في جهنم؟ كما أراهنك أن أصدقاءك من المسيحيين والهندوس يعتقدون نفس هذه المعتقدات السيئة عنك ، بأنك ستحرق في جهنم أليس كذلك ؟

إن هذا إيمان بغير دليل موجود في جميع المعتقدات

وأنا احترم حق الناس في الخيال" . أنا لم أكذب في كلمة واحدة مما قالها هذا الرجل ، ولهذا آمل ألا يزعج هذا ايا من رجال الدين ، وأن تساعدوني بالتوجيه : كيف أقوم بدعوته ، والرد على كلامه .

الجواب:

الحمد لله

أولا :

لقد أثبت كثير من العلماء المسلمين وغيرهم بطلان نظرية داروين حول النشوء والارتقاء

وقد دخلت هذه النظرية " متحف النسيان بعد كشف النقاب عن قانون مندل الوراثي واكتشاف وحدات الوراثة (الجينات) باعتباره الشفرة السرية للخلق ، واعتبار أن الكروموسومات تحمل صفات الإنسان الكاملة وتحفظ الشبه الكامل للنوع . ولذا يرى المنصفون من العلماء أن وجود تشابه بين الكائنات الحية دليل واضح ضد النظرية ، لأنه يوحي بأن الخالق واحد ولا يوحى بوحدة الأصل ، والقرآن الكريم يقرر بأن مادة الخلق الأولى للكائنات هي الماء : ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء ) [سورة النور، آية: 45] ، ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) [سورة الأنبياء، الآية: 30].

وقد أثبت العلم القائم على التجربة بطلان النظرية بأدلة قاطعة ، وأثبت أنها ليست نظرية علمية على الإطلاق.
والإسلام والأديان السماوية كافة ، تؤمن بوجود الله الخالق البارئ المدبر المصور الذي أحسن صنع كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من سلالة من طين ، ثم خلقه م نطفة في قرار مكين، والإنسان يبقى إنساناً بشكله وصفاته وعقله ، لا يتطور ولا يتحول وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ." [الموسوعة للميسرة للمذاهب والأديان المعاصرة].

والأدلة على إثبات الخالق ظاهرة كالشمس ، وحسب الإنسان أن يتأمل دليلا عقليا سهلا أرشد إليه القرآن الكريم : وهو أن هذه المخلوقات المتقنة الصنع : إما أن تكون خلقت نفسها ، أو وجدت من غير خالق ، أو خلقها خالق عليم قدير .
أما احتمال الأول والثاني فباطلان ، فإنها لم تخلق نفسها ، ولو كانت قادرة على الخلق ، فلتخلق ما هو أصغر منها وأضعف .

وكذلك لا يمكن أن توجد من غير خالق ، فإنه لو قال قائل عن أبسط المخترعات المشاهدة ، كالمصباح مثلا ، إن ذرات الزجاج اجتمعت وكونت هذا الشكل المتقن المتساوي ، وجاء معها الأسلاك وبقية المكونات صدفة حتى صارت مصباحا ، لقال سائر العقلاء عنه إنه مجنون ! فكيف بهذه الكواكب العظيم ، والأجرام والمجرات الهائلة ، ذات الصنع المتقن ، والانتظام المعجز ؟!

قال الله تعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ ) الطور/35، 36
ولنضرب المثل بصاحبك نفسه ، فهذا بدنه المشتمل على الجوارح المتقنة الصنع من القلب والعينين والأذنين والفم والأنف وبقية الأعضاء ، هل خلق نفسه ؟!

أو وجد واجتمع وتركب وصار ناطقا سميعا بصيرا تعمل فيه آلاف الخلايا صدفة ؟!

أو خلقه خالق عليم هو الله سبحانه وتعالى ؟ وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه .

فإن قيل إن الطبيعة هي التي خلقته ، قيل : الطبيعة عندهم غير عاقلة ولا واعية، بل إنها تخبط خبط عشواء ، فكيف تخلق هذا الكائن العاقل المنتظم المعجز في خلقه وتكوينه ، فضلا عن خلق بقية العالم .

والإيمان بالملائكة والجن ، هو فرع عن الإيمان بالله وبكتبه ورسله الذين أخبروا بذلك ، فما لم يصحح إيمانه بالله ، فلا غرابة في إنكاره للملائكة والجن .

ثانيا :

ليس في الإسلام أن الله خلق البشر أولا ، ثم خلق الأرض ليعيش عليها ، فهذا باطل لا أصل له ، بل الأرض والسموات خلقتا قبل الإنسان بأزمنة لا يعلمها إلا الله .

وآدم عليه السلام هو أبو البشر ، وقد أخبر الله ملائكته أنه سيخلقه ليجعله في الأرض ، وهذا واضح في أن الأرض كانت موجودة قبل خلق آدم ، ولا خلاف في هذا بين المسلمين ، بل ولا بين أتباع الديانات ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/ 30

وهذه الآية فهم منها بعض أهل العلم أن الأرض سُكنت وعمرت قبل آدم ، ووجد فيها مخلوقات أفسدت وسفكت الدماء .
والمقصود أن ما ذكره عن الإسلام غير صحيح ، فالأرض مخلوقة كائنة قبل خلق البشر .

ثالثا :

الاعتراض على خلق النار ، وإدخال كثير من الناس فيها ، اعتراض من لا يؤمن بالعدل .

وبيان ذلك أن الله تعالى خلق الناس ، وأرسل لهم من يدلهم على الخير والشر ، فصار منهم المهتدون ، ومنهم الأشقياء .
فهل يقول عاقل : إنه يستوي المصلح والمفسد ، والبر والفاجر ، والمظلوم والظالم ؟

إننا نشاهد في حياتنا الضعفاء البؤساء المظلومين ، ونشاهد الظلمة القساة المعتدين ، فإذا كان الجميع سيفنون ، ولا يؤخذ للمظلوم حقه من الظالم ، فأي عدل في هذا ؟!

وأي خسارة أعظم للمظلوم من هذه الخسارة ؟! فقد عاش بائسا مظلوما ، وسيموت كظالمه ، لا ينال منه شيئا !
وهل هذا إلا دعوة للبغي والظلم والنهب بحسب الوسع والطاقة ؟

ولا شك أن من علم أنه لن يحاسب ولن يجازى ، وأن مصيره سيكون كغيره ، لا شك أنه سيعيث في الأرض فسادا وظلما وعدوانا ، وقد قيل : من أمن العقاب أساء الأدب .

ولهذا قال الله : ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) القلم/ 35 ، 36

وقال : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ . أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص/ 27 ، 28

والإيمان بالثواب والعقاب ، هو فرع كذلك عن الإيمان بالله تعالى وبكتبه ورسله ، فعلى صاحبك أن يتفكر في نفسه ، ويعطي قضية الخلق حظها من البحث والتـأمل ، لعل الله أن يهديه ، وحينها سيصدق الله ، ويصدق رسله ، ويعلم أن الجنة والنار ، والجن والملائكة ، حقائق ثابتة ، لا خيالا كما يظن الآن .

نسأل الله تعالى أن يوفقك لدعوته ، وأن تكون علاقتك به لأجل الدعوة والهداية ، لا لمجرد الصحبة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-29, 16:37
السؤال :

أنا طالب سنة أولى في الجامعة ، وأدرس " كورس " في علم الأحياء ، وتعلمنا من خلال هذا " الكورس " نظرية التطور التي تقول إن الإنسان كان في الأصل قرداً ، ولكني لا أؤمن بهذه الخزعبلات

لكن ماذا بالنسبة للنباتات ، والحيوانات ، هي تنطبق عليها نظرية التطور فعلاً ، لأن بعض الطلاب هنا ، والدكاترة : يجرون البحوث ، تلو البحوث في إثبات أن بعض فصائل النبات ، وبعض فصائل الطيور : مرت بمراحل تطور مختلفة . أنا في شك من هذا الموضوع بالكلية ؛ لأني لا أريد أن أصدق شيئاً إلا بدليل من الشرع ، فهل هناك دليل على هذا الكلام من الكتاب أو السنَّة ؟

الجواب:

الحمد لله

أولاً:

قد تبين اليوم لكثير من العقلاء أن نظرية دارون الإلحادية قد أصبحت في مزبلة التاريخ ، وقد فنَّدها علماء الغرب الكافر قبل علماء الإسلام ؛ لمخالفتها للمعقول ، وللأديان .

وقد جاء في " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة " –

بعد الكلام عن تلك نظرية – ( 2 / 940 ، 941 ) :

ويتضح مما سبق :

أن نظرية " داروين " دخلت متحف النسيان بعد كشف النقاب عن قانون " مندل " الوراثي ، واكتشاف وحدات الوراثة – الجينات - باعتباره الشفرة السرية للخلق ، واعتبار أن " الكروموسومات " تحمل صفات الإنسان الكاملة ، وتحفظ الشبه الكامل للنوع .

ولذا يرى المنصفون من العلماء أن وجود تشابه بين الكائنات الحية دليل واضح ضد النظرية ؛ لأنه يوحي بأن الخالق واحد ، ولا يوحى بوحدة الأصل ، والقرآن الكريم يقرر بأن مادة الخلق الأولى للكائنات هي الماء ، ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء ) النور/ 45 ، ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) الأنبياء/ 30 .

وقد أثبت العلم القائم على التجربة : بطلان النظرية بأدلة قاطعة ، وأنها ليست نظرية علمية على الإطلاق .

والإسلام ، وكافة الأديان السماوية تؤمن بوجود الله ، الخالق ، البارىء ، المدبِّر ، المصور ، الذي أحسن صنع كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من سلالة من طين ، ثم خلقه من نطفة في قرار مكين ، والإنسان يبقى إنساناً بشكله ، وصفاته ، وعقله ، لا يتطور ، ولا يتحول ، ( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) .

انتهى

ثانياً:

لا يختلف نقض تلك النظرية في الحيوان والنبات ، وقد نقض أهل الاختصاص القول بالتطور في الحيوان والنبات بما يجعل تلك النظرية غير قابلة للاستمرار بها بحثاً ، فضلاً عن تصديقها ، واعتقادها .

ومن هذه الأدلة – فيما يتعلق بالحيوان والنبات موضوع السؤال - :

أولاً:

إن الواقع الذي نشاهده يتنافى مع ما أسماه " داروين " بـ " البقاء للأصلح " ، فالأرض بما قطعته من مراحل في عمرها المديد ، تعج بـ " الأصلح ، وغير الصالح " ، من شتى أصناف الحيوانات ، ولو كان قانونه صحيحاً : لكان من أبسط مقتضياته الواضحة : أن يتجاوز موكب السباق بين الكائنات الحية نقطة البدء على أقل تقدير مهما فرضنا حركة التطور بطيئة ، ولكن ها هي ذي نقطة البدء لا تزال تفور بكائناتها الضعيفة المختلفة

ولا تزال تتمتع بحياتها ، وخصائصها ، كما تمتعت بها الكائنات الحية السابقة ، مِثلاً بمِثل ، وعلى العكس من ذلك نجد حيوانات عليا كالديناصورات انقرضت ، بينما ظلت الحشرات الدنيا كالذباب والبرغوث باقية ، وبقي من هم أضعف من هؤلاء ، يقول البروفسور الفرنسي " Etienme Rebaud " في كتابه :

" هل يبقى الصالح أم غير الصالح " ( ص 40 ) : " لا وجود للانتخاب الطبيعي في صراع الحياة بحيث يبقى الأقوياء ويزول الضعفاء ، فمثلاً : ضب الحدائق يستطيع الركض بسرعة ؛ لأنه يملك أربعة أرجل طويلة ، ولكن هناك في نفس الوقت أنواع أخرى من الضب لها أرجلٌ قصيرة حتى لتكاد تزحف على الأرض ، وهي تجر نفسها بصعوبة ..

. وهذه الأنواع تملك البنية الجسدية نفسها حتى بالنسبة لأرجلها ، وتتناول الغذاء نفسه ، وتعيش في البيئة نفسها ، فلو كانت هذه الحيوانات متكيفة مع بيئتها : لوجب عدم وجود مثل هذه الاختلافات بين أجهزتها " .

وعلى عكس مفهوم الانتخاب الطبيعي فإن كل هذه الأنواع ما تزال حية ، وتتكاثر ، وتستمر في الحياة ، وهناك مثال : الفئران الجبلية التي تملك أرجلاً أمامية قصيرة ، وهي لا تنتقل إلا بالطفر في " حركات غير مريحة " ، ولا تستطيع كثير من الحشرات الطيران رغم امتلاكها لأجنحة كبيرة ، فالأعضاء لم توجد في الأحياء كنتيجة لتكيف هذه الأحياء مع الظروف ، بل على العكس فإن ظروف حياتها هي التي تتشكل وفقاً لهذه الأعضاء ووظائفها .

ثانياً: إذا كان التطور يتجه دائماً نحو الأصلح : فلماذا لا نجد القوى العاقلة في كثير من الحيوانات أكثر تطوراً وارتقاءً من غيرها ، ما دام هذا الارتقاء ذا فائدة لمجموعها ؟ ولماذا لم تكتسب القردة العليا من القوى العاقلة بمقدار ما اكتسبه الإنسان مثلاً ؟ فالحمار منذ أن عُرف إلى الآن ما زال حماراً .

لقد عرض " داروين " لهذه المشكلة في كتابه ، ولكنه لم يُجب عليها ، وإنما علَّق بقوله : " أصل الأنواع " ( ص 412 ) :

" إننا لا ينبغي لنا أن نعثر على جواب محدود ومعين على هذا السؤال ، إذا ما عرفنا أننا نعجز عن الإجابة عن سؤال أقل من هذا تعقيداً " .

ثالثاً: وقد ثبت لدى الدراسة أن كثيراً من نباتات " مصر " ، وحيواناتها ، لم تتغير عن وضعيتها خلال قرون عديدة متطاولة ، ويتضح ذلك من الأنسال الداجنة المنحوتة في بعض الآثار المصرية القديمة ، أو التي حفظت بالتحنيط ، وكيف أنها تشبه كل الشبَه الصور الباقية اليوم ، بل ربما لا تكاد تفترق عنها بفارق ما .

والأمثلة كثيرة في هذا الموضوع .

رابعاً: هذه النظرية لا تخضع لتجربة ، أو مشاهدة : المشاهدة الإنسانية لم ترصد أي ارتقاء أو أدنى اعتلاء .

لم ترصد البشرية في أي وقت عبر الزمن أي كائن ما قد تحول إلى كائن آخر بالترقي ، أو بالتطور ، خاصة وأنه يوجد العلماء المتخصصون الذين يراقبون أدنى تغيير حديث في المظهر الخارجي لتلك الكائنات أو تركيبها الداخلي - ا

نظر كتاب الأسترالي Denton ... " .

انتهى

من مقال بعنوان " نقد نظريات التطور " بقلم : الدكتور محمد برباب .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-29, 16:42
السؤال:

عندما يطلب الله تعالى منَّا أن نبحث عن نقائص في خلقه فهو يحثنا على النظر وإعادة النظر ؛لكي نقدِّر تماما كيف خلق الخلق بهذه الكيفية المذهلة ، وسؤالي هو : كيف يمكن فهم هذه الآية فهما صحيحاً ( الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ) الملك/ 3 ؟

وأنا أود أن أعرف كيف أرد عندما يسأل كافر : أليست العيوب الخلقية والتشوهات التي لدى الناس نقائص ؟ وأنا أعرف أن هناك حكمة مِن خلق الله للناس على هذا النحو ، لكن في ضوء الآية التي تدفع الفرد للبحث عن التفاوت في الخلق كيف يمكننا النظر إلى هذه العيوب الخَلقية على أنها ليست تفاوتاً ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

إن مما يعتقده المسلم في ربِّه تعالى أنه خلَق الخلْق فأحسَنه وأتقنه ، وقد مدح الله تعالى نفسه بذلك في مواضع عدة ، منها قول تعالى ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) السجدة/ 7 ، وقوله سبحانه ( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) غافر/ 64 ، وقوله عزّ وجل ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) النمل/ 88 ، وقوله تعالى ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ) ق/ 6 .

ثانياً:

الآيات في سورة الملك والتي ذكر الأخ السائل أنها موضع إشكال مع ما يُرى في خلق الله للبشر من أصحاب العاهات والإعاقات ، هي قوله عز وجل ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ . ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ) الملك/ 3 ، 4 .

قال ابن كثير – رحمه الله - :

" ومعنى الآية : إنك لو كررت البصر مهما كررتَ لانقلب إليك ، أي : لرجع إليك البصر ( خَاسِئًا ) عن أن يَرى عيباً أو خللاً ( وَهُوَ حَسِيرٌ ) أي : كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر ولا يرى نقصاً "

انتهى من "تفسير ابن كثير" ( 8 / 177 ).

فهل ما ذكره الله تعالى في هذه الآية من عدم وجود العيب والخلل في خلقه يتعارض مع ما يُرى من البشر ممن خلقهم الله تعالى بإعاقة أو عاهة أو نقص في الخلقة ؟! .

والجواب على هذا من وجهين :

الأول : أن يقال إن الآية في خلق السموات لا غير ، وعليه : فليس فيها إشكال .

قال ابن المظفَّر الرازي – رحمه الله - :

" قال – أي : الثعلبي المفسِّر - في قوله تعالى ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) " أي : من اعوجاج واختلاف " .

قلت : لو اقتصرنا على هذا القدر كان لقائل أن يقول : أليس في خلق الجبال والأشجار والأرضين اعوجاج واختلاف وتفاوت ، وكذلك في خلق الناس ، وخلق القبيح والحسن ، والكفر والإيمان ؟ .

فالجواب : أنه من العام الذي أريد به الخاص ، وهو خلق السماوات السبع لا غير " انتهى من " مباحث التفسير لابن المظفر الرازي " - وهو استدراكات وتعليقات على تفسير الكشف والبيان للثعلبي - ( ص 305 ) .

وقال القرطبي – رحمه الله -

: " وقيلَ : المُرَاد بِذلكَ السَّمواتُ خاصَّةً ، أَيْ : ما تَرى في خَلْقِ السَّمواتِ مِن عَيْبٍ "

انتهى من " تفسير القرطبي " ( 18 / 208 ) .

الثاني : أن يقال إن الآية عامَّة وتشمل جميع خلق الله تعالى من النبات والحيوان والإنسان ، وأن خلق الله تعالى كلَّه متقن وأنه ليس فيه خلل وعيب من حيث الأصل ، وأما ما يوجد في بعضه من خلل وعيوب فهو أمر عدمي لمشيئة الله تعالى أن لا يكون المحل قابلاً لكمال الخلقة .

قال ابن القيم – رحمه الله -

: " ومما ينبغي أن يُعلم أن الأشياء المكوَّنة من موادها شيئاً فشيئا كالنبات والحيوان إما أن يَعرض لها النقص ، الذي هو شر ، في ابتدائها ، أو بعد تكونها ، فالأول : هو بأن يعرض لمادتها من الأسباب ما يجعلها ردية المزاج ناقصة الاستعداد فيقع الشر فيها ، والنقص في خلقها بذلك السبب ، وليس ذلك بأن الفاعل حرَمه وأذهب عنه أمراً وجوديّاً به كماله ، بل لأن المنفعل لم يقبل الكمال والتمام ، وعدم قبوله أمر عدمي ليس بالفاعل

وأما الذي بالفاعل فهو الخير الوجودي الذي يتقبل به كماله وتمامه ، ونقصه والشر الذي حصل فيه هو من عدم إمداده بسبب الكمال ، فبقي على العدم الأصلي ، وبهذا يفهم سر قوله تعالى ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) فإن ما خلقه فهو أمر وجودي به كمال المخلوق وتمامه ، وأما عيبه ونقصه فمن عدم قبوله

وعدم القبول ليس أمراً مخلوقاً يتعلق بفعل الفاعل ، فالخلق الوجودي ليس فيه تفاوت والتفاوت إنما حصل بسبب هذا الخلق ، فإن الخالق سبحانه لم يخلق له استعداداً فحصل التفاوت فيه من عدم الخلق ، لا من نفس الخلق ، فتأمله ، والذي إلى الرب سبحانه هو الخلق ، وأما العدم فليس هو بفاعل له ، فإذا لم يكمل في مادة الجنين في الرحم ما يقتضي كماله وسلامة أعضائه واعتدالها : حصل فيه التفاوت ، وكذلك النبات "

انتهى من " شفاء العليل " ( ص 182 ، 183 ) .

ثالثاً:

الله تعالى حكيم في أفعاله ، فله في خلق النقص والآفات والأسقام حكَماً جليلة .

قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق – حفظه الله - : " حكمة الله في خلق الآفة والنقص :

خلق الله كل شيء سبحانه وتعالى ، وقد خلق الآفة والشر ، وجعل النقص في بعض مخلوقاته لحكَم عظيمة ، ومن ذلك :
1. العقوبة على المعاصي ، كما قال تعالى ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم/ 41 ، والفسـاد هنا هو الآفة والشر الذي يعاقب الله به عباده ، كالريح العقيم المدمرة والبركان الثائر والأمراض والأسقام والقحط والطوفان ، ونحو ذلك .

2. أن يَعلم الناس قدرة الله عليهم ، وأنه هو الذي يملك نفعهم وضرهـم ، كما قال تعالى (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فاطر/ 2 .

3. أن يَعلم الناس قدرة الله على خلق الخير والشر ، وعلى أنه سبحانه يجازي بالإحسان إحساناً ، وأنه سبحانه يعاقب على الإساءة ، قال تعالى ( نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ) الحِجر/ 49 ، 50 .
فالله الذي خلق الجنة وجمع فيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، بل ذخر فيها ما لا عين رأت من نعيم وما لا أذن سمعت وما لم يخطر على قلب بشر : فإنه سبحانه وتعالى خلق الجحيم

وجعل فيها أنواع الشرور والآلام والأحزان والعذاب والنكال فوق ما تتصوره العقول ( فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ . وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ) الفجر/ 25 ، 26 .

4. أن يتذكر من يعافيه الله نعمة ربه وإحسانه فيشكره على ذلك ، ويعلم فضل الله عليه وإحسانه إليه أن لم يصبه بما أصاب غيره .

5. أن يجعل الله لمن يصيب منه باباً عظيماً للظفر بمرضاته والفوز بجناته وتخفيف ذنوبه ورفع درجاته .

وحكمة الله من خلق الشر والآفة والنقص حكمة عظيمة ، فالله هو المحمود على كل صفاته ، وأفعاله ، وأنعامه "

انتهى من " المشوَّق في أحكام المعوَّق " ( ص 4 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-29, 16:47
السؤال:

وصلتني رسالة من أحد الإخوة نقلاً عن أحد المشايخ ، و كانت الرسالة كالتالي : يا ترى : إيه أعظم نعمة انعم الله بها علينا ؟! هل هي المال ، هل هي الوالدان ، أو هي الابتعاد عن رؤية المعاصي ؛ حتى قال بعضهم : إن أعظم نعمة أنعم الله بها علينا أن ربي .. هو ربي ، الذي يملك النفع والضر ، وبيده كل شيء

ونحن نعصيه ، وهو يحلم علينا ويتركنا ؟! فهل صحيح أن أعظم نعم الله علينا أنه الله ربنا ؟ و هل يجوز أن نقول إن الله هو أعظم النعم .. ، وهل هناك فرق بأن نقول إن الله هو نعمة ,, وأن نقول النعمة هي أن ربي هو الله ..؟ وجزاكم الله خيراً .

الجواب :

الحمد لله

لا شك أن أعظم نعمة لله على عباده هي نعمته عليهم بالهداية إلى دينه الذي اختاره لعباده ، وأمرهم بسلوكه . قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة/3 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" هَذِهِ أَكْبَرُ نِعَمِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ : حَيْثُ أَكْمَلَ تَعَالَى لَهُمْ دِينَهُمْ، فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى دِينِ غَيْرِهِ، وَلَا إِلَى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِمْ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَهُ اللَّهُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَبَعَثَهُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَا حَلَالَ إِلَّا مَا أَحَلَّهُ، وَلَا حَرَامَ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ، وَلَا دِينَ إِلَّا مَا شَرَعَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْبَرَ بِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ لَا كَذِبَ فِيهِ وَلَا خُلْف، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا } [الْأَنْعَامِ: 115] أَيْ: صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ، وَعَدْلًا فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، فَلَمَّا أَكْمَلَ الدِّينَ لَهُمْ تَمَّتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/26) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وأعظم نعمته عليهم أن أمرهم بالإيمان وهداهم إليه، فهؤلاء همِ أهل النعمة المطلقة المذكوريِن في قوله: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) "

انتهى من "جامع المسائل" (4/284) .

وقال أيضا :

"فَمِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَأَشْرَفِ مِنَّةٍ عَلَيْهِمْ: أَنْ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ رُسُلَهُ؛ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ؛ وَبَيَّنَ لَهُمْ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْأَنْعَامِ وَالْبَهَائِمِ بَلْ أَشَرَّ حَالًا مِنْهَا فَمَنْ قَبِلَ رِسَالَةَ اللَّهِ وَاسْتَقَامَ عَلَيْهَا فَهُوَ مِنْ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَمَنْ رَدَّهَا وَخَرَجَ عَنْهَا فَهُوَ مِنْ شَرِّ الْبَرِيَّةِ وَأَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (19/100) .

فتبين أن أعظم نعم الله على عبده أن يوفقه إلى الإيمان به وبرسله ، والتزام دينه وشرعه ؛ وإذا كان الله جل جلاله هو رب الخلق جميعا ، وهو خالقهم ومدبرهم ومصرف أمورهم ، وهو أيضا حليم لا يعجل على خلقه سبحانه ، ولا يؤاخذهم بظلمهم وما كسبت أيديهم ؛ فإن هذا إنما يكون نعمة في حق من عرفه

وآمن به ، واتبع هداه ؛ وأما من كفر به وعصاه ، واغتر بحلمه وستره فاجترأ عليه ، فإن ذلك ينقلب وبالا عليه ، وزيادة في نكاله وعذابه . بل حتى نعم الدنيا ، من الرزق والعافية ، والمال والولد ونحو ذلك ، إنما يكون نعمة حقيقية في حق من شكرها وعرف قدرها ، لا في حق من كفرها ، وعصى الله فيها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَأعظم نعْمَة أنعمها الله على الْعباد هِيَ الْإِيمَان ، وَهُوَ قَول وَعمل يزِيد وَينْقص يزِيد بِالطَّاعَةِ والحسنات وَينْقص بالفسوق والعصيان ، فَكلما ازْدَادَ الْإِنْسَان عملا للخير ازْدَادَ إيمَانه ؛ هَذَا هُوَ الايمان الْحَقِيقِيّ الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم}

بل نعم الدُّنْيَا نعْمَة الدّين ؛ وَهل هِيَ نعْمَة أم لَا ؟ فِيهِ قَولَانِ مشهوران للْعُلَمَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم ؛ وَالتَّحْقِيق : أَنَّهَا نعْمَة من وَجه ، وَإِن لم تكن نعْمَة تَامَّة من كل وَجه . وَأما الإنعام بِالدّينِ ، من فعل الْمَأْمُور وَترك الْمَحْظُور : فَهُوَ الْخَيْر كُله ، وَهُوَ النِّعْمَة الْحَقِيقِيَّة عِنْد أهل السّنة ؛ إِذْ عِنْدهم أَن الله هُوَ الَّذِي أنعم بِالْخَيرِ كُله ... "

انتهى من "مختصر الفتاوى المصرية" (268) .

والحاصل :

أن أعظم نعم الله على عباده : أن يوفقهم إلى معرفته وتوحيده ، واتباع رسله ، والتزام شرعه ؛ وأما نعم الدنيا فإنما تكون نعمة في حق من وضعها موضعها ، واستعان بها على طاعة ربه.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-29, 16:53
السؤال

أقرأ كثيرا في كتب العقائد : الرد على أهل الاتحادة ، الرد على القائلين بوحدة الوجود ، ونحو ذلك ، فما المراد بـ " الحلول والاتحاد " ؟

الجواب :

الحمد لله

" الحلول " و " الاتحاد " - و يدخل فيه مصطلح " وحدة الوجود " - :

هاتان اللفظتان تردان كثيراً في كتب العقائد ، وهما من المصطلحات الصوفية ، والباطنية ، كما أنهما تردان في كتب الأديان الباطلة ، كالبرهمية ، والبوذية ، وغيرهما .

1. " الحلول " :

أ. معناه في الاصطلاح العام : أن يحل أحد الشيئين في الآخر .

وهو " حلول سَرَياني " ، و " حلول جواري " .

يقول الجرجاني رحمه الله :

الحلول السرَياني : عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر ، كحلول ماء الورد في الورد ، فيُسمَّى الساري حالاًّ ، والمسري فيه محلاًّ .

الحلول الجواري : عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر ، كحلول الماء في الكوز .

" التعريفات " ( ص 92 ) .

هذا هو الحلول : إثبات لوجودين ، وحلول أحدهما في الآخر .

ويراد منه باصطلاح القائلين به من الصوفية وغيرهم : حلول الله - عز وجل - في مخلوقاته ، أو بعض مخلوقاته .

ب. " أقسام الحلول " :

ينقسم الحلول إلى قسمين :

1. حلول عام : هو اعتقاد أن الله تعالى قد حلَّ في كل شيء .

ولكن ذلك الحلول من قبيل حلول اللاهوت - أي : الإله الخالق - بالناسوت - أي : المخلوق - مع وجود التباين ، بمعنى : أنه ليس متحدّاً بمن حلَّ فيه ، بل هو في كل مكان مع الانفصال ، فهو إثبات لوجودين .

وهذا قول الجهمية ومن شاكلهم .

2. حلول خاص : وهو اعتقاد أن الله - جل وعلا - قد حلَّ في بعض مخلوقاته .

مع اعتقاد وجود خالق ومخلوق .

وذلك كاعتقاد بعض فرق النصارى : أن اللاهوت - الله جل وعلا - حلَّ بالناسوت – عيسى عليه السلام - ، وأن عيسى عليه السلام كانت له طبيعتان : لاهوتية لما كان يتكلم بالوحي ، وناسوتية عندما صلب .

وكذلك اعتقاد بعض غلاة الرافضة - كالنصيرية - أن الله - عز وجل - حلَّ في علي بن أبي طالب ، وأنه هو الإله ؛ حيث حلت فيه الألوهية ، وذلك من عقائدهم الأساسية .

2. " الاتحاد " :

أ. معناه : كون الشيئين شيئاً واحداً .

قال الجرجاني رحمه الله :

الاتحاد : امتزاج الشيئين ، واختلاطهما حتى يصيرا شيئاً واحداً .

" التعريفات " ( ص 9 ) .

ب. ومعناه باصطلاح القائلين به : اتحاد الله - عز وجل – بمخلوقاته ، أو ببعض مخلوقاته .

أي : اعتقاد أن وجود الكائنات أو بعضها هو عين وجود الله تعالى .

ج. " أقسام الاتحاد " :

" الاتحاد " ينقسم إلى قسمين :

1. الاتحاد العام - وهو ما يطلق عليه أيضاً : " وحدة الوجود " - : وهو اعتقاد كون الوجود هو عين الله عز وجل .
بمعنى : أن الخالق متحد بالمخلوقات جميعها ، وهذا هو معنى " وحدة الوجود " ، والقائلون به يسمون " الاتحادية " ، أو " أهل وحدة الوجود " ، كابن الفارض ، وابن عربي ، وغيرهما .

2. الاتحاد الخاص : هو اعتقاد أن الله عز وجل اتحد ببعض المخلوقات دون بعض .

فالقائلون بذلك نزهوه من الاتحاد بالأشياء القذرة القبيحة ، فقالوا : إنه اتحد بالأنبياء ، أو الصالحين ، أو الفلاسفة ، أو غيرهم ، فصاروا هم عين وجود الله جل وعلا .

كقول بعض فرق النصارى : إن اللاهوت اتحد بالناسوت ، فصارا شيئاً واحداً ، وهذا بخلاف القائلين بالحلول ، فهم يرون أن له طبيعتين : لاهوتيةً وناسوتيةً .

فالاتحادية قالوا بواحد ، والحلولية قالوا باثنين .

د. " الفرق بين الحلول والاتحاد " :

الفرق بينهما يتلخص فيما يلي :

1. أن الحلول إثبات لوجودين ، بخلاف الاتحاد فهو إثبات لوجود واحد .

2. أن الحلول يقبل الانفصال ، أما الاتحاد فلا يقبل الانفصال .

هـ. " أمثلة يتبين بها الفرق بين الحلول والاتحاد " :

هناك أمثلة كثيرة منها :

أ. السُّكَّر إذا وضعته في الماء دون تحريك : فهو حلول ؛ لأنه ثَمَّ ذاتان ، أما إذا حركته فذاب في الماء : صار اتحاداً ؛ لأنه لا يقبل أن ينفصل مرة أخرى .

أما لو وضعت شيئاً آخر في الماء كأن تضع حصاة : فهذا يسمَّى حلولاً ، لا اتحاداً ؛ لأن الحصاة شيء ، والماء شيء آخر ، وهما قابلان للانفصال .

و. " حكم هذه الاعتقادات وأيهما أشد " :

لا ريب أن القول بالحلول أو الاتحاد هو من أعظم الكفر والإلحاد - عياذاً بالله - .

ولكن الاتحاد أشد من الحلول ؛ لأنه اعتقاد ذات واحدة ، بخلاف الحلول ، ثم إن القول بأنه اتحد في كل شيء أعظم من القول بأنه اتحد في بعض مخلوقاته .

وبالجملة : فإن اعتقاد " الحلول والاتحاد " اعتقاد ظاهر البطلان ، وقد جاء الإسلام بمحوه من عقول الناس ؛ لأنه اعتقاد مأخوذ من مذاهب وفلسفات ووثنيات هندية ويونانية ويهودية ونصرانية وغيرها ، تقوم على الدجل ، والخرافة .

باختصار وتصرف من كتاب " مصطلحات في كتب العقائد " للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ( ص 42 – 47 ) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

alayoua
2018-03-29, 18:39
سلمت يمناك على الموضوع القييم
الله يعطيك العافيه

*عبدالرحمن*
2018-03-31, 16:31
سلمت يمناك على الموضوع القييم
الله يعطيك العافيه

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات

سلمت يا اخي من كل شر

اسعدني وجودك الطيب مثلك

بارك الله فيك
وجزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-03-31, 16:36
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

السؤال :

يقول الله تعالى في سورة الذاريات/35-36: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ما هو الفرق بين المؤمنين والمسلمين ، ومن أرفع درجات ؟

الجواب :

الحمد لله

الفرق بين الإسلام والإيمان من المسائل التي أطال العلماء في بيانها في كتب العقائد ، وحاصل ما يقررونه في هذا : أنه إذا ورد أحد هذين اللفظين مفردا عن الآخر فالمقصود به دين الإسلام كله ، ولا فرق حينئذ بين الإسلام والإيمان .

وأما إذا ورد هذان اللفظان معًا في سياق واحد ، فالإيمان يراد به : الأعمال الباطنة ، وهي أعمال القلوب كالإيمان بالله تعالى ، وحبه وخوفه ورجائه سبحانه وتعالى والإخلاص له .

وأما الإسلام : فيراد به الأعمال الظاهرة التي قد يصحبها الإيمان القلبي ، وقد لا يصحبها فيكون صاحبها منافقا أو مسلما ضعيف الإيمان .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" اسم " الإيمان " تارة يذكر مفردا غير مقرون باسم الإسلام ، ولا باسم العمل الصالح ، ولا غيرهما ، وتارة يذكر مقرونا بالإسلام كقوله في حديث جبرائيل : (ما الإسلام ... وما الإيمان) ، وكقوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) الأحزاب/35 ، وقوله عز وجل : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) الحجرات/14، وقوله تعالى : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .

فلما ذكر الإيمان مع الإسلام :

جعل الإسلام هو الأعمال الظاهرة : الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج .

وجعل الإيمان ما في القلب من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .

وإذا ذكر اسم الإيمان مجردا دخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة ، كقوله في حديث الشعب : (الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أعلاها : قول لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق) .

وكذلك سائر الأحاديث التي يجعل فيها أعمال البر من الإيمان " انتهى باختصار.

"مجموع الفتاوى" (7/13-15) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"إذا اقترن أحدهما بالآخر فإن الإسلام يفسر بالاستسلام الظاهر الذي هو قول اللسان ، وعمل الجوارح ، ويصدر من المؤمن كامل الإيمان ، وضعيف الإيمان ، قال الله تعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، ومن المنافق ، لكن يسمى مسلما ظاهرا ، ولكنه كافر باطنا .

ويفسر الإيمان بالاستسلام الباطن الذي هو إقرار القلب وعمله ، ولا يصدر إلا من المؤمن حقا كما قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)

وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى ، فكل مؤمن مسلم ولا عكس" انتهى.

"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (4/92) .

والآية الواردة في السؤال موافقة لهذا المعنى في وصف أهل بيت لوط عليه السلام مرة بالإيمان ومرة أخرى بالإسلام.

فالمراد بالإسلام هنا الإسلام الظاهر ، والإيمان هو الإيمان القلبي الحقيقي ، فلما وصف الله تعالى أهل البيت جميعاً وصفهم بالإسلام ، وذلك لأن امرأة لوط عليه السلام من أهل بيته ، وكانت مسلمة في الظاهر ، كافرة في حقيقة الأمر ، ولما وصف الله تعالى المخرجين الناجين وصفهم بالإيمان . (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذاريات/35 – 36 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"امرأة لوط كانت منافقةَ كافرةً في الباطن ، وكانت مسلمة في الظاهر مع زوجها ، ولهذا عُذِّبت بعذاب قومِها . فهذه حال المنافقين الذين كانوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستسلمين له فيَ الظاهر ، وهم في الباطن غير مؤمنين" انتهى .

"جامع المسائل" (6/221) .

وقال أيضا رحمه الله :

"وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد ، وعارضوا بين الآيتين .

وليس كذلك ؛ بل هذه الآية توافق الآية الأولى ؛ لأن الله أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمنا ، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين ؛ وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين ، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا ؛ بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب ، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه

وفي الباطن مع قومها على دينهم ، خائنة لزوجها ، تدل قومها على أضيافه ، كما قال الله تعالى فيها : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) التحريم/10 وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش ، والمقصود أن امرأة لوط لم تكن مؤمنة ، ولم تكن من الناجين المخرجين ، فلم تدخل في قوله : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وكانت من أهل البيت المسلمين ، وممن وجد فيه ، ولهذا قال تعالى : ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )

وبهذا تظهر حكمة القرآن ، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج ، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود" انتهى .

"مجموع الفتاوى " (7/472-474)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"قال تعالى في قصة لوط : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .

فإنه فرق هنا بين المؤمنين والمسلمين ؛ لأن البيت الذي كان في القرية بيت إسلامي في ظاهره ، إذ إنه يشمل امرأة لوط التي خانته بالكفر وهي كافرة ، أما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقا الذين دخل الإيمان في قلوبهم" انتهى .

"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/47-49)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-31, 16:38
السؤال :

كما هو معلوم بأن الله خلق كل شيء من العدم بكلمة واحدة وهي كلمة " كن " ، فلماذا خلق آدم عليه السلام من صلصال ولم يخلقه من العدم بنفس الكلمة ؟ لم أستطع فهم هذه المسألة فأرجو الشرح والتوضيح .

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

ما يوجد في القرآن الكريم من أن آدم عليه السلام خُلق من تراب ، أو من صلصال ، أو من طين : فإنما هي مراحل في خلقه ، وتُذكر كل مرحلة في مكانها المناسب في كتاب الله تعالى .

وأما ترتيب مراحل خلق الله سبحانه وتعالى لآدم : فإنها بدأت بـ " التراب " ، ثم أضيف إليه " الماء " فصار : " طيناً " ، ثم صار هذا الطين " حمأ مسنوناً " أي : أسود متغير ، فلما يبس هذا الطين - من غير أن تمسه النار - صار " صلصالاً " - والصلصال هو الطين اليابس لم تمسه نار ، ثم نفخ الله سبحانه وتعالى ، في مادة الخلق هذه من روحه ، فصار هذا المخلوق بشراً ، وهو آدم عليه السلام .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

إذا عرفت هذا فاعلم أن الله جل وعلا أوضح في كتابه أطوار هذا الطين الذي خلق منه آدم ، فبين أنه أولاً تراب ، بقوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ) آل عمران/59 ، وقوله : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) الحج/5 ، وقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) غافر/67 ، إلى غير ذلك من الآيات .

ثم أشار إلى أن ذلك التراب بُلَّ فصار طيناً يعلق بالأيدي في مواضع أخر ، كقوله : (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) الصافات/11 ، وقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ) المؤمنون/ 12 ، وقوله : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِنْ طِينٍ) السجدة/7 ، إلى غير ذلك من الآيات .

وبيَّن أن ذلك الطين أسودَّ ، وأنه متغير بقوله هنا : (حَمَأٍ مَسْنُونٍ) .

وبيَّن أيضاً أنه يبس حتى صار صلصالاً ، أي : تسمع له صلصلة من يبسه بقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ) الآية الحِجر/26 ، وقوله : (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) الرحمن/14 ، والعلم عند الله تعالى .

"أضواء البيان" (2/274 ، 275) .

ثانياً :

مما لا شك فيه أن الله تعالى لا يقدِّر شيئاً ولا يخلقه ولا يشرعه إلا لِحكَم بالغة ، فهو الحكيم سبحانه وتعالى ، ومن صفاته الحكمة ، لكنَّه تعالى لم يُطلع خلقه على حكَم كل ما شاءه أو شرعه ، والشريعة تأتي بما تحار به العقول لا بما تحيله العقول ، والعلماء حاولوا تلمس الحكَم فيما لم يطلعهم ربهم تعالى على حكَمه ، فمنه ما استطاعوا الكلام فيه ، ومنه ما عجزوا عنه ، وفي كل الحالات سلَّموا الأمر لله تعالى أنه الحكيم في خلقه وشرعه ، وإن كانت المسائل شرعية بادروا لفعل الأمر ، والكف عن فعل النهي ، وهذا هو مقتضى العبودية .

والمسلم يعتقد جازماً أن أمر الله تعالى للشيء مهما بلغت عظمته إذا أراد خلقه وإيجاده أن يقول له " كن " فيكون ، كما جاء ذلك في مثل قوله تعالى (أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ . إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس/81 ، 82

وتأمل هاتين الآيتين فإنهما في سياق خلق السموات والأرض وخلق البشر ، فليس يعجزه – سبحانه - خلق ، فإذا شاء وجوده قال له "كن" فيكون ، فإذا أخبرنا الخالق أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام فلا شك أن في ذلك حكماً عظيمة - وينظر جواب السؤال رقم (20613) – وهكذا خلق أبينا آدم عليه السلام فهو قادر – سبحانه – أن يوجده بكلمة "كن" ، لكنه تعالى شاء أن يخلقه في أطوار ، ولا شك أن في ذلك حكماً جليلة .

ويمكن استنباط عدة حكم من ذلك :

1- أن الله تعالى خلقه من التراب والطين لإظهار عظيم قدرته .

والمقصود من ذكر هذه الأشياء : التنبيه على عجيب صنع الله تعالى إذ أخرج من هذه الحالة المهينة نوعاً هو سيد أنواع عالم المادة ذات الحياة .

" التحرير والتنوير " ( 14 / 42 ) .

2- ولاختلاف حال الخلق اختلف أصل خلقتهم ، فكان خلْقُه تعالى للملائكة من نور ، وخلْقُه للشياطين من نار ، وخلقه لآدم من تراب ، ومنه يُعلم أنه لما كان حال أولئك الخلق مختلفاً : كان أصل خِلقتهم مختلفاً ، فلما كان الملائكة للعبادة والتسبيح والطاعة : ناسب أن يكون خلقهم من نور

ولما كان حال الشياطين للوسوسة والكيد والفتنة : ناسب أن يكون خلقهم من نار ، ولما كان الإنسان معمِّراً للأرض وفيه سهولة وليونة وصعوبة وشدة وطيب وخبث : ناسب أن يكون خلقه من مادة تحوي ذلك كله ، فالنار شيء واحد ، والنور شيء واحد ، لكن التراب يختلف من مكان لآخر وهذا هو حال الإنسان

وهو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ ، جَاءَ مِنْهُمْ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَبَيْنَ ذَلِكَ) رواه الترمذي (2955) وأبو داود (4693) وصححه الترمذي والألباني في "صحيح الترمذي" .

قال المباركفوري رحمه الله :

قال الطيبي : لمَّا كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض : أجريت على حقيقتها ، وأُولت الأربعة الأخيرة لأنها من الأخلاق الباطنة ، فإن المعنى بالسهل : الرفق واللين ، وبالحزن : الخرق والعنف ، وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة : المؤمن الذي هو نفع كله ، وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة : الكافر الذي هو ضر كله .

" تحفة الأحوذي " ( 8 / 234 ) .

3- ومن أعظم الحكَم : أن الله تعالى أراد تمييز آدم عن جميع خلقه بأن يخلقه بيده الكريمة مباشرة ، وهذا لا يكون إذا كان خلقه من العدم ، فالملائكة والجن مخلوقون من العدم ، ولا يقال فيهم إنه خلقهم بيده ، قال الله تعالى : (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) ص/75

وعندما يأتي الناس إلى أبيهم آدم عليه السلام للشفاعة للفصل بين الناس يقولون : (يَا آدَمُ ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا ...) رواه البخاري (3162) ومسلم (194) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وإنما ذكروا ذلك له من النعَم التي خصه الله بها من بين المخلوقين دون التي شورك فيها ، فهذا بيان واضح ، دليل على فضله على سائر الخلق .

" مجموع الفتاوى " (4/366) .

ولمثل هذا الإكرام كان خلق آدم أعجب من خلق المسيح عليهما السلام .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وكان خلْق آدم وحواء أعجب من خلق المسيح ؛ فإن حواء خُلقت من ضلع آدم ، وهذا أعجب من خلق المسيح في بطن مريم ، وخلْق آدم أعجب من هذا وهذا ، وهو أصل خلق حواء .

" الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح " (4/55) .

وحكمة الله تعالى أعظم وأجل من أن تحيط بها عقول البشر .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-31, 16:41
السؤال:

هل الدعاء بقولهم " اللهم أرنا فيهم يومًا أسودًا " يعتبر من سب الدهر ؟ وجزاكم الله خيرًا .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

هذا الدعاء غير مأثور ، ولم نقف عليه في شيء من كتب السنة .

ثانيا :

لا حرج في الدعاء بهذه الكلمات ، ولا يعد ذلك من سب الدهر ؛ لأن المراد وصف اليوم بالشدة والكرب ، فهو كقول لوط عليه السلام : ( هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) هود/77 ، وكقوله تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ) القمر/19 ، وقوله : ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ) فصلت/16

ونحو هذا مما فيه وصف أو إخبار عن الشدة والقسوة ، ولا يراد به سب اليوم أو ذمه ، ففرق بين الإخبار المجرد ، وبين إراد الذم والسب والتنقص .

ثم إن وصف اليوم بأنه أسود ، لا يراد به العموم ؛ بل المراد به أنه أسود عليهم ، أو أسود بالنسبة لهم ؛ لما ينالهم فيه ـ بحول الله وطوله ـ من العذاب والنكال .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فلا ريب أن الأيام التي أوقع الله سبحانه فيها العقوبة بأعدائه وأعداء رسله كانت أياما نحسات عليهم ، لأن النحس أصابهم فيها ؛ وإن كانت أيام خير لأوليائه المؤمنين ؛ فهي نحس على المكذبين ، سعد للمؤمنين ؛ وهذا كيوم القيامة فإنه عسير على الكافرين يوم نحس لهم ، يسير على المؤمنين يوم سعد لهم .

قال مجاهد : ( أيام نحسات ) : مشائيم ... ؛ فسعود الأيام ونحوسها إنما هو بسعود الأعمال وموافقتها لمرضاة الرب ، ونحوس الأعمال مخالفتها لما جاءت به الرسل ، واليوم الواحد يكون يوم سعد لطائفة ، ونحس لطائفه ، كما كان يوم بدر يوم سعد للمؤمنين ، ويوم نحس على الكافرين " انتهى . "مفتاح دار السعادة" (2/194) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

الأول : أن يقصد الخبر المحض دون اللوم ، فهذا جائز ، مثل أن يقول : تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده ، وما أشبه ذلك ؛ لأن الأعمال بالنيات ، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر ، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام : ( هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) هود/77 .

الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل ، كأن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر ؛ فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا ؛ لأنه نسب الحوادث إلى غير الله ، وكل من اعتقد أن مع الله خالقا فهو كافر ، كما أن من اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد فإنه كافر .

الثالث : أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه هو الفاعل ، بل يعتقد أن الله هو الفاعل ، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده ؛ فهذا محرم ، ولا يصل إلى درجة الشرك ، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين ؛ لأن حقيقة سبه تعود إلى الله سبحانه ؛ لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر ويكون فيه ما أراد من خير أو شر ، فليس الدهر فاعلا ، وليس هذا السبب يكفر ؛ لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة "

انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (10/ 823).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-31, 16:43
السؤال :

أنا غير مسلمة ولكني أود أن أعرف ماذا يقول الإسلام عن : لماذا خلق الله الإنسان ؟

هل هناك سبب معين ؟

ما معنى الوجود ؟

هل فقط لطاعة الله ؟

الجواب :

الحمد لله

نحن نعتقد أن الله هو خالق البشر ، وأنه الذي تفرّد بخلق جميع المخلوقات كلها من الدواب والطيور ، والحشرات والأسماك وغيرها من إنس أو جن ، ونعتقد أنه ما خلقهم عبثا ، فقد قال تعالى في القرآن : (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق) الأنبياء / 16

وأنه فَضَّل الإنسان على سائر المخلوقات فأعطاه العقل والسمع والبصر والفؤاد ، وأنطق منه اللسان ، وفَضَّله على غيره من المخلوقات ، فقال تعالى في كتابه : (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الإسراء / 70 . فالإنسان ميّزه الله عن الخلق

فلما أعطاه العقل والقلب كلّفه أن يعبده ، والإنسان يعلم مَنْ خلقه ، فأمره الله أن يعبده وهو ربه ومالكه ، والمالك له حق على المملوكين ، فالله خلق الخلق من البشر لعبادته ، ولذلك قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات / 56 ، وأنكر عليهم أن يكونوا خُلِقوا كما خُلِقت البهائم ، فقال تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) المؤمنون / 115 ، فهذا ظن سوء . وقال تعالى : ( أيحسب الإنسان أن يترك سُدى ) القيامة /36 أي مهملا ، لا يؤمر ولا ينهى ، ولا يكلف .

فلما ميّز الله البشر عن غيره من المخلوقات كان من حكمة ذلك أن أمره بالعبادة ، ونهاه عن المحرمات ، ووعده على الطاعة بالجنة ، وأخبره أنه سوف يعيده بعد موته ، وسيلقى جزاءه كاملا ، فمن صدّق بذلك كان من الأتقياء المؤمنين ، ومن كذّب بذلك فقد عصى الله تعالى وتعرّض للعقاب في عاجل أمره وآجله ، ولا يضرّ إلا نفسه .

والله أعلم


سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله

*جزائرية وافتخر*
2018-03-31, 16:44
ابدعت فوق سماء التفنن نتمنى من الله يفقك

*عبدالرحمن*
2018-03-31, 16:45
السؤال :

ما هو رأي الإسلام في حرية الكلام وحرية الرأي ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

معرفة الحكمة من وجود الإنسان فيه الجواب على هذا السؤال , فإنَّ مَن علم المقصد من خلقه ووجوده : يعلم أنَّ فعله ، وكلامه ، ورأيه ، منضبط بما أراده الله ، ورضيه , وأما الماديون ، ودعاة التفسخ والانحلال : فينطلقون من مبدأ : قل ما تشاء ، وافعل ما تشاء ، واعبد ما تشاء .

فالحكمة من خلق الإنسان ووجوده على الأرض : أن يعبد الله وحده لا شريك له ، وأن يستسلم لأوامر الله تعالى ، كما قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/ 56 – 58 ، وقال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/ 115،116 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

أي : (أَفَحَسِبْتُمْ) أيها الخلق ، (أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) أي : سدى ، وباطلا ، تأكلون ، وتشربون ، وتمرحون ، وتتمتعون بلذات الدنيا ، ونترككم لا نأمركم ، ولا ننهاكم ، ولا نثيبكم ، ولا نعاقبكم ؟ ولهذا قال : ( وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) لا يخطر هذا ببالكم ، (فَتَعَالَى اللَّهُ) أي : تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل ، الذي يرجع إلى القدح في حكمته (الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)

" تفسير السعدي " ( ص 560 ) .

فمن علم أنه عبد لله : فلا بد أن يتقيد بما أمر الله به ، وينتهي عما نهى الله عنه , وهذا ينافي دعوة حرية الكلام ، والرأي ، والأفعال , فالله لا يرضى من العبد التكلم بكلمة الكفر , أو أن يتكلم بالفسق ، والفجور , أو أن يدعو إليها , وأما دعاة الحرية : فالأمر سيان عندهم ، تكلم بما شئت ، واعمل ما شئت , في حق الله ، وفي حق الدين .

ثانياً:

لا شك أن الإسلام عظَّم خطورة الكلمة التي يتكلم بها المرء , قال تعالى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/ 18 .

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ ) رواه البخاري ( 6113 ) .

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – أيضاً - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ) رواه البخاري ( 5672 ) ومسلم ( 47 ) .

قال النووي رحمه الله :

وقد ندب الشرع إلى الإمساك عن كثير من المباحات ؛ لئلا ينجر صاحبها إلى المحرمات ، أو المكروهات , وقد أخذ الإمام الشافعي رضي الله عنه معنى الحديث فقال : " إذا أراد أن يتكلم : فليفكر , فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه : تكلم , وإن ظهر له فيه ضرر ، أوشك فيه : أمسك " .

" شرح مسلم " ( 2 / 19 ) .

ثالثاً:

إن حرية الكلام ليست مطلقة ـ حتى عند دعاتها ـ بل مقيدة بأمور ، منها :

1. القانون .

ومن العجب أن ترى اجتماع دول الغرب على تجريم من يشكك في محرقة اليهود ، بل يحاكمون من يثبتها لكن يشكك في أرقام قتلاها ! دون أن يسمحوا لأهل التاريخ ، ولأهل الفكر ، أن يبحثوا القضية ، ويتم مناقشتها وفق الأدلة والبراهين ، ولا يزال بعض الكتَّاب والمفكرين قابعين في سجون تلك البلدان بسبب موقفهم من ثبوت المحرقة ، أو موقفهم من المبالغة في عدد قتلاها من اليهود .

ومنها : العرف ، والذوق العام ، والاصطدام بحرية الآخرين .

فإن كنا قد اتفقنا على تقيد حرية الكلام والتعبير عن الرأي ، فليكن الحكم في ذلك ، لحكم الله ، الذي هو أعدل الأحكام وأحسنها ، ولا يكون الحكم لقانون من وضع البشر ، يعتيريه ما يعتري غيره من أنظمة البشر من الهوى والظلم والجهل .

وإنه لتناقض عند هؤلاء أن يكون القانون يُلجم أفواههم عن الكلام عن محرقة اليهود ، وأخبار جنودهم القتلى في أرض المسلمين – بينما يستنكرون علينا أن نمنع من يسب الله أو رسوله أو دينه أو يقذف المحصنات المؤمنات أو غير ذلك مما حرم الله النطق به ؛ لما يترتب عليه من مفاسد ومضار .

إن المسلم مطلوب منه أن لا يسكت على الخطأ والزلل ، وعليه واجب التذكير والنصيحة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر , وهذا منافٍ لدعوة حرية الكلام , فمن تكلم بكلام محرم ، فالواجب منعه من هذا الكلام ، ونهيه عن هذا المنكر .

والإسلام لا يمنع الناس من التعبير عن آرائهم فيما يجري حولهم في السياسة والاقتصاد ، والمسائل الاجتماعية ، ولا يمنع من الكلام في نقد الأخطاء ، ونصح المخطئين ، وكل ذلك ينبغي أن يكون مقيَّداً بشروط الشرع ، وآدابه ، فلا تهييج للعامة ، ولا دعوة للفوضى ، ولا اتهام للأبرياء ، ولا قذف للأعراض ، وغير ذلك مما هو معروف من أحكام الشرع التي تضبط هذه المسائل .

وقد وجدنا أن أكثر أصحاب دعاوى حرية الكلام ، والرأي : مقصدهم من ذلك : حرية التطاول على الدِّين الإسلامي ، وشرائعه , فيصلون إلى مقصدهم من خلال ـ حرية الرأي ـ .

فتطاولوا على حكم الله بدعوى حرية الكلام , وطعنوا في القرآن والسنَّة بدعوى حرية الكلام , ودعوا إلى الزنا والفجور والخنا بدعوى حرية الكلام .

وقد تبع هؤلاء بعض المنافقين في بلاد الإسلام ، الذين يطعنون في أحكام الشريعة الإسلامية ، ويطعنون في القرآن وفي السنة النبوية الصحيحة .

والواجب على حكام المسلمين الأخذ على أيدي هؤلاء ، ومنعهم من هذا المنكر ، حفاظاً على دين الأمة ، وقياماً بما أوجب الله عليهم من حماية الدين والدفاع عنه .

والحاصل : أننا ـ نحن المسلمين ـ ليس عندنا ما يسمى بـ "حرية الرأي" أو "حرية التعبير" وإنما عندنا الخضوع لحكم الله تعالى ، وعدم الخروج عن شرعه ، فمن تكلم بالحق وجب أن يعان ، ومن تكلم بالباطل وجب أن يمنع .

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

هل يجوز أن يكون هناك ما يسمَّى بـ " حرية الرأي " ، أي : يُفتح المجال لأهل الخير ، وأهل الشر ، كلٌّ يدلي بدلوه في المجتمع ؟ .

فأجاب :

"هذا باطل ، لا أصل له في الإسلام ، بل يجب أن يُمنع الباطل ، ويُسمح للحق ، ولا يجوز أن يُسمح لأحد يدعو إلي الشيوعية ، أو الوثنية ، أو يدعو إلى الزنا ، أو القمار ، أو غير ذلك ، سواء بالأسلوب المباشر ، أم غير المباشر ، بل يُمنع ، ويؤدب ، بل إن هذه هي : " الإباحية المحرمة " انتهى.

" فتاوى إسلامية " ( 4 / 367 ، 368 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-31, 16:49
السؤال

سمعت أن كلمة الديمقراطية مستقاة من الإسلام ، فهل هذا صحيح ؟ وما حكم الترويج للديمقراطية ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

الديمقراطية ليست كلمة عربية ، بل هي مشتقة من اليونانية ، وهي مجموعة من كلمتين : الأولى : Demos ( ديموس ) ، وتعني : عامة الناس ، أو الشعب ، والثانية : Kratia ( كراتيا ) ، وتعني : حكم ، فيصبح معناها : حكم عامة الناس ، أو : حكم الشعب .

ثانياً:

الديمقراطية نظام مخالف للإسلام ؛ حيث يجعل سلطة التشريع للشعب ، أو من ينوب عنهم (كأعضاء البرلمان) ، وعليه : فيكون الحكم فيه لغير الله تعالى ، بل للشعب ، ونوابه ، والعبرة ليست بإجماعهم ، بل بالأكثرية ، ويصبح اتفاق

الأغلبية قوانين ملزمة للأمة ، ولو كانت مخالفة للفطرة ، والدين ، والعقل ، ففي هذه النظم تم تشريع الإجهاض ، وزواج المثليين ، والفوائد الربوية ، وإلغاء الأحكام الشرعية ، وإباحة الزنا وشرب الخمر ، بل بهذا النظام يحارب الإسلام ويحارب المتمسكين به .

وقد أخبر الله تعالى فيه كتابه أن الحكم له وحده ، وأنه أحكم الحاكمين ، ونهى أن يُشرك به أحد في حكمه ، وأخبر أن لا أحد أحسن منه حكماً .

قال الله تعالى : ( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) غافر/12 ، وقال تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) يوسف/40 ، وقال تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين/8 ، وقال تعالى : ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) الكهف/26 ،

وقال تعالى : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 .

والله عز وجل هو خالق الخلق ، وهو يعلم ما يَصلح لهم وما يُصلحهم من أحكام ، والبشر يتفاوتون في العقول والأخلاق والعادات ، وهم يجهلون ما يصلح لهم فضلا أن يكونوا على علم بما يَصلح لغيرهم ، ولذا فإن المجتمعات التي حكمها الشعب في التشريعات والقوانين لم يُر فيها إلا الفساد ، وانحلال الأخلاق ، وتفسخ المجتمعات .

مع التنبيه على أن هذا النظام تحول في كثير من الدول إلى صورة لا حقيقة لها ، ومجرد شعارات يُخدع بها الناس ، وإنما الحاكم الفعلي هو رأس الدولة وأعدائه ، والشعب مقهور مغلوب على أمره .

ولا أدل على ذلك من أن هذه الديمقراطية إذا أتت بما لا يهواه الحكام داسوها بأقدامهم ، ووقائعُ تزوير الانتخابات وكبت الحريات وتكميم أفواه من يتكلمون بالحق : حقائقُ يعلمها الجميع ، لا تحتاج إلى استدلال .

وليس يصلح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

جاء في " موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة " ( 2 / 1066 ) :

"ديمقراطية نيابية :

أحد مظاهر النظم الديمقراطية التي يمارس فيها الشعب مظاهر السيادة بواسطة مجلس منتخب من نواب من الشعب ، وفيها يحتفظ الشعب بحق التدخل المباشر لممارسة بعض مظاهر السيادة عن طريق وسائل مختلفة ، أهمها :

1. حق الاقتراع الشعبي : بأن يقوم عدد من أفراد الشعب بوضع مشروع للقانون مجملاً أو مفصَّلاً ، ثم يناقشه المجلس النيابي ويصوِّت عليه .

2. حق الاستفتاء الشعبي : بأن يُعرض القانون بعد إقرار البرلمان له على الشعب ليقول كلمته فيه .

3. حق الاعتراض الشعبي : وهو حق لعدد من الناخبين يحدده الدستور للاعتراض في خلال مدة معينة من صدوره ، ويترتب على ذلك عرضه على الشعب في استفتاء عام ، فإن وافق عليه نُفِّذ… وإلا بطل ، وبه تأخذ معظم الدساتير المعاصرة .

ولا شك في أن النظم الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة في الطاعة والانقياد أو في التشريع ، حيث تُلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى وحقه في التشريع المطلق ، وتجعلها من حقوق المخلوقين ، والله تعالى يقول : ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف/40 ، ويقول تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) الأنعام/57 " انتهى .

ثالثاً :

يظن كثير من الناس ، أن لفظ " الديمقراطية " يعني : الحرية ! وهذا ظن فاسد ، وإن كانت الحرية هي إحدى إفرازات " الديمقراطية " ، ونعني بالحرية هنا : حرية الاعتقاد ، وحرية التفسخ في الأخلاق ، وحرية إبداء الرأي ، وهذه أيضا لها مفاسد كثيرة على المجتمعات الإسلامية ، حتى وصل الأمر إلى الطعن في الرسل والرسالات ، وفي القرآن والصحابة ، بحجة " حرية الرأي " ، وسُمح بالتبرج والسفور ونشر الصور والأفلام الهابطة بحجة الحرية ، وهكذا في سلسلة طويلة ، كلها تساهم في إفساد الأمة ، خلقيّاً ، ودينيّاً.

وحتى تلك الحرية التي تنادي بها الدول من خلال نظام الديمقراطية ليست على إطلاقها ، فنرى الهوى والمصلحة في تقييد تلك الحريات ، ففي الوقت الذي تسمح نظمهم بالطعن في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، بحجة حرية الرأي : نجد منع هذه الحرية في مثل الكلام عن " محرقة النازيين لليهود " ! بل يتم تجريم وسجن من ينكر هذه المحرقة ، مع أنها قضية تاريخية قابلة للإنكار .

وإذا كان هؤلاء دعاة حرية : فلماذا لم يتركوا الشعوب الإسلامية تختار مصيرها ودينها ؟! ولماذا قاموا باستعمار بلدانهم وساهموا في تغيير دينهم ومعتقدهم ؟ وأين هذه الحريات من مذابح الإيطاليين للشعب الليبي ، ومن مذابح الفرنسيين للشعب الجزائري ، ومن مذابح البريطانيين للشعب المصري ، ومن مذابح الأمريكان للشعبين الأفغاني والعراقي ؟!
والحرية عند أدعيائها يمكن أن تصطدم بأشياء تقيدها ، ومنها :

1. القانون ، فليس للإنسان مطلق الحرية أن يسير في عكس اتجاه السير في الشارع ، ولا أن يفتح محلا من غير ترخيص ، ولو قال " أنا حر " لم يلتفت له أحد .

2. العرف ، فلا تستطيع امرأة عندهم – مثلاً – أن تذهب لبيت عزاء وهي تلبس ملابس البحر ! ولو قالت " أنا حرَّة " لاحتقرها الناس ، ولطردوها ؛ لأن هذا مخالف للعرف .

3. الذوق العام ، فلا يستطيع أحد منهم – مثلاً – أن يأكل ويخرج ريحاً أمام الناس ! بل ولا أن يتجشأ ! ويحتقره الناس ولو قال إنه حر .

ونقول بعد هذا :

لماذا لا يكون لديننا أن يقيِّد حرياتنا ، مثل ما قُيدت حرياتهم بأشياء لا يستطيعون إنكارها ؟! ولا شك أن ما جاء به الدين هو الذي فيه الخير والصلاح للناس ، فأن تمنع المرأة من التبرج ، وأن يمنع الناس من شرب الخمر ، وأكل الخنزير ، وغير ذلك : كله لهم فيه مصالح ، لأبدانهم ، وعقولهم ، وحياتهم ، ولكنهم يرفضون ما يقيِّد حرياتهم إن جاء الأمر من الدين ، ويقولون " سمعنا وأطعنا " إن جاءهم الأمر من بشرٍ مثلهم ، أو من قانون !

رابعاً :

ويظن بعض الناس أن لفظ " الديمقراطية " يعادل " الشورى " في الإسلام ! وهذا ظن فاسد من وجوه كثيرة ، منها :
1. أن الشورى تكون في الأمور المستحدثة ، أو النازلة ، وفي الشؤون التي لا يفصل فيها نص من القرآن أو السنَّة ، وأما " حكم الشعب " فهو يناقش قطعيات الدين ، فيرفض تحريم الحرام ، ويحرِّم ما أباحه الله أو أوجبه ، فالخمور أبيح بيعها بتلك القوانين ، والزنا والربا كذلك ، وضيِّق على المؤسسات الإسلامية وعلى عمل الدعاة إلى الله بتلك القوانين ، وهذا فيه مضادة للشريعة ، وأين هذا من الشورى ؟!

2. مجلس الشورى يتكون من أناسٍ على درجة من الفقه والعلم والفهم والوعي والأخلاق ، فلا يُشاور مفسد ولا أحمق ، فضلاً عن كافر أو ملحد ، وأما مجالس النيابة الديمقراطية : فإنه لا اعتبار لكل ما سبق ، فقد يتولى النيابة كافر ، أو مفسد ، أو أحمق ، وأين هذا من الشورى في الإسلام ؟! .

3. الشورى غير ملزمة للحاكم ، فقد يقدِّم الحاكم رأي واحدٍ من المجلس قويت حجته ، ورأى سداد رأيه على باقي رأي أهل المجلس ، بينما في الديمقراطية النيابية يصبح اتفاق الأغلبية قانوناً ملزماً للناس .

إذا عُلم هذا فالواجب على المسلمين الاعتزاز بدينهم ، والثقة بأحكام ربهم أنها تُصلح لهم دنياهم وأخراهم ، والتبرؤ من النظم التي تخالف شرع الله .

وعلى جميع المسلمين – حكَّاماً ومحكومين – أن يلتزموا بشرع الله تعالى في جميع شؤونهم ، ولا يحل لأحدٍ أن يتبنى نظاماً أو منهجاً غير الإسلام ، ومن مقتضى رضاهم بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً أن يلتزم المسلمون بالإسلام ظاهراً وباطناً ، وأن يعظموا شرع الله ، وأن يتبعوا سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم .
نسأل الله أن يعزنا بالإسلام ، وأن يرد كيد الخائنين .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-31, 16:51
السؤال

أعرف أن هناك كلاماً نمسك عن الخوض فيه كحديث النبي صلى الله عليه وسلم فما هي أنواع الحديث التي نمسك عنها ؟.

الجواب

الحمد لله

ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه ، فلا يتكلم إلا بخير .

روى البخاري (6018) ومسلم (47) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ . . . الحديث .

قال النووي رحمه الله :

مَعْنَاهُ : أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَاب عَلَيْهِ , وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلْيَتَكَلَّمْ . وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ أَنَّهُ خَيْر يُثَاب عَلَيْهِ , فَلْيُمْسِك عَنْ الْكَلَام سَوَاء ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ مُبَاح مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام الْمُبَاح مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ مَنْدُوبًا إِلَى الإِمْسَاك عَنْهُ مَخَافَةً مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى الْمُحَرَّم أَوْ الْمَكْرُوه .

وَهَذَا يَقَع فِي الْعَادَة كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) . . . وَقَدْ أَخَذَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ : إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَلْيُفَكِّرْ ; فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لا ضَرَر عَلَيْهِ تَكَلَّمَ , إِنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضَرَر , أَوْ شَكَّ فِيهِ أَمْسَكَ اهـ .

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان في أكثر من حديث ، منها ما رواه الترمذي (2406) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ . صححه الألباني في صحيح الترغيب (3331) .

وروى الترمذي (2616) قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعد ما علمه بعض شرائع الإسلام :

أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ . فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا . فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ! فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟

صححه الألباني في صحيح الترمذي (2110) .

وجاء في الحديث الأمر بالإمساك عن الخوض في أشياء معينة ؛ لأن ذلك مما لا يفيد الإنسان شيئاً بل يضره ضرراً عظيماً في دينه ودنياه .

عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا ، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا ) . رواه الطبراني في "الكبير" (2 / 96) . والحديث : صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" ( 34 ) .

وهذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسوء وأنه يجب عليه أن يسكت عما وقع بينهم من خلاف ؛ لأن ذكرهم بسوء وجرحهم يتضمن تكذيب الله تعالى في القرءان الذي زكاهم وأثنى عليهم بقوله: ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) التوبة/ 100.

وقال سبحانه : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعا سجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) الفتح/ 29.

فهذا وصف الله لهم في كتابه فلله درهم ما أعدلهم وما أحسنهم وأعظمهم فلا يبغضهم إلا منافق ولا يحبهم إلا مؤمن .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

ومن أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله كما وصفهم الله بذلك في قوله : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) الحشر / 10 ، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " – متفق عليه - .

" مجموع الفتاوى " ( 3 / 152 ) .

وقال أبو زرعة رحمه الله :

إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من الصحابة فاعلم أنَّه زنديق ، وذلك لأن القرءان حق ، والرسول حق ، وما جاء به حق ، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به أليق والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق .

" الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة " ( 2 / 608 ) .

وأما الشق الثاني من الحديث وهو : الإمساك عن الكلام في النجوم ، فالمقصود به والله أعلم هو : الاهتداء بها على أشياء مغيبات كما كان يفعله أهل الجاهلية الكهنة عن طريق التنجيم وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات هبوب الريح أو مجيء المطر وتغير الأسعار وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها ويقولون من تزوج بنجم كذا وكذا حصل له كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا ومن ولد نجم كذا وكذا حصل له كذا من السعود والنحوس .

وانظر " كتاب التوحيد " للشيخ صالح الفوزان ، باب ادعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان وغيرهما .

وانظر " فتاوى العقيدة " ( 2 / 185-186-187-190) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله فله كلام نفيس جدّاً .

وأما الشق الثالث : وهو الإمساك عن الكلام في القدر فقد قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى :

وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه ، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان ، وسلم الحرمان ، ودرجة الطغيان ، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسةً ، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ، ونهاهم عن مرامه ، كما قال تعالى في كتابه : ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) الأنبياء/23 . فمن سأل لِمَ فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب ، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين .

شرح العقيدة الطحاوية ص 276 .

فعلى العبد المسلم أن يسلم لله في كل أموره ، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. والكلام في هذا الباب طويل ، ورحم الله امرءاً آمن بقضاء الله وقدره من غير خوض ولا فلسفة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-31, 16:54
السؤال :

حصل نقاش حول مسألة التوكل والأخذ بالأسباب ، وتوكل بعض الصالحين كتوكل مريم والتي تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء والعكس ، ولم تتخذ الأسباب بل انقطعت للعبادة . فأيدونا في ذلك بارك الله فيكم .

الجواب :

الحمد لله

"التوكل يجمع الأمرين ، فالتوكل يجمع شيئين :

أحدهما : الاعتماد على الله ، والإيمان بأنه مسبب الأسباب ، وأن قَدَره نافذ ، وأنه قَدَّر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى .

الشيء الثاني : تعاطي الأسباب ، فليس من التوكل تعطيل الأسباب ، بل من التوكل الأخذ بالأسباب ، والعمل بالأسباب ، ومن عَطَّلها فقد خالف شرع الله وقَدَرَه ، فالله أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه وتعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك .

فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب ، بل لا يكون متوكلاً على الحقيقة إلا بتعاطي الأسباب ، ولهذا شُرِعَ النكاح لحصول الولد ، وأمر بالجماع ، فلو قال أحد من الناس : أنا لا أتزوج وأنتظر ولداً من دون زواج ، لعُد من المجانين ، فليس هذا أمر العقلاء ، وكذلك لا يجلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات ويتحرى الأرزاق تأتيه ، بل يجب عليه أن يسعى ويعمل ويجتهد في طلب الرزق الحلال .

ومريم رحمة الله عليها لم تدع الأسباب ؛ فقد قال الله لها : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) مريم/25 ، هزت النخلة وتعاطت الأسباب حتى وقع الرطب ، فليس من عملها ترك الأسباب ، ووجود الرزق عندها وكون الله أكرمها وأتاح لها بعض الأرزاق وأكرمها ببعض الأرزاق لا يدل على أنها معطلة الأسباب ، بل هي تتعبد وتأخذ بالأسباب وتعمل بالأسباب .

وإذا ساق الله لبعض أوليائه من أهل الإيمان شيئاً من الكرامات فهذا من فضله سبحانه وتعالى ، لكن لا يدل على تعطيل الأسباب ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ) رواه مسلم (2664) ، وقال الله سبحانه : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة/5" انتهى .

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

"فتاوى نور على الدرب" (1/364) .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-04-03, 15:51
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


السؤال :

إن كان لدى المسلم شكوك حول الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم فيطلب أن يطمئن قلبه لشكوكه التي تساوره فيسأل عن مدى صحة معجزة ما جرت على يد النبي صلى الله عليه وسلم فهل يضعه هذا خارج حظيرة الإسلام؟ وهل يغفر الله مثل تلك الذنوب؟

الجواب :

الحمد لله

على المسلم أن يحمد الله تعالى ويشكره على نعمة الإسلام والهداية ، فإنها أعظم النعم ، كما قال تعالى : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام/122 ، وقال سبحانه : ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) الزمر/22 ، وقال : ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ) النور/21 .

ولو نظر هذا المسلم فيما حوله ، وتأمل ما عليه أهل الشرك والوثنية من نصارى وغيرهم لأدرك عظيم فضل الله عليه .

ومع ذلك فقد يعتري المسلم بعض الشكوك ؛ لقلة علمه أو لضعف إيمانه ، أو لوجود من يشككه ، فيلزمه حينئذ أن يرفع الشك عنه بسؤال أهل العلم ، والتدبر في كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، والنظر في السيرة والآيات والمعجزات ، فإن ذلك مما يزيد الإيمان ويوصل إلى طمأنينة القلب وانشراح الصدر .

ولا حرج أن يسأل عن المعجزة وعن صحتها ليزداد يقينا وثباتا ، ولا يعد سؤاله هذا خروجا عن الإسلام ، لكن ليحذر من التمادي في الشك أو الانقطاع عن العمل كأن يترك الصلاة عياذا بالله ، فإن ترك الصلاة كفر على الراجح من قولي العلماء .

وليعلم المسلم أنه مهما أذنب من ذنب ثم تاب واستغفر فإن الله تعالى يغفر له مهما كان ذنبه ، وقد تاب الله تعالى على أناس عاشوا دهرهم في الكفر والشرك والصد عن سبيل الله ، ثم صاروا أئمة للهدى ومصابيح للدجى ومنارات على طريق الحق والاستقامة ، وقد قال تعالى : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) التوبة/104 ، وقال : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25 .

فمهما عظم الذنب ، فإن رحمة الله وعفوه وكرمه أعظم .

وقد أحسن من قال :

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة *** فلقد علمت بأن عفوك أعظمُ

إن كان لا يرجوك إلا محسن *** فمن الذي يدعو ويرجو المجرمُ

ونصيحتنا لمن ابتلي بشيء من الشكوك أن يقبل على كتاب الله تعالى فإنه الدواء والشفاء ، كما قال سبحانه : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) الإسراء/82 .

ولينطرح بين يدي الله ، يدعوه ويرجوه أن يزيل همه ، ويفرج كربه ، وينوّر قلبه ، ويُذهب عنه كيد الشيطان .

وإن كان شكه مبنيا على شبهة معينة فليسأل عنها أهل العلم ، فإن دين الإسلام من العظمة والقوة بحيث لا يقف في وجهه شبهة ، ولا تقاومه حجة .

وإن كان ما يأتيه نوع من الوسوسة التي لا تقوم على شبهة معينة ، فإن علاجها بالذكر والطاعة والاستعاذة والتشاغل والتغافل عنها

نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-03, 15:58
السؤال :

لماذا تقولون إن محمداً هو خير خلق الله - والذي لا أظن ذلك - ؛ لأن خير خلق الله يجب أن لا يكون له ذنوب ، وهذا يخالف محمَّداً ؛ لأنه كثير الذنوب . خير خلق الله هو الذي ليس للشيطان عليه سلطان ، وهو المسيح ، وأنتم تعرفون والقرآن يقر بذلك . وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم ,

وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله ، وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ ، وكيف يكون أَبَوَا خير خلق الله مشركين ، وماتا مشركين ؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف ، أو بالمال يبيعه . إنكم تبالغون كثيراً ، إن أردتم أورد لكم الآيات التي تثبت صحة كلامي .

الجواب:

الحمد لله

أولاً:

قد قرأنا ما كتبت بحروفه كلها ، وأعدنا القراءة مرة وأخرى ، فمن حقنا عليك أن تقرأ لنا ما ندافع به عن ديننا ، وعن نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى أخيه عيسى وسلم - ، ومن حقنا عليك أن تتأمل كلامنا كما تأملْنا كلامك ، أليس كذلك ؟ .

ثانياً:

من الجيد أن تكون خاتمة رسالتك فيها إقرار بأن " عيسى " عليه السلام خير خلق الله تعالى ، والإقرار بأنه مخلوق ينفي عنه الألوهية ، وأنه إله رب ؛ لأنك أقررتَ أنه مخلوق مربوب ، ولن يجتمع في ذات أنها خالق ومخلوق ، ورب ومربوب ، أو " لاهوت وناسوت " ، ولعلك باعتقادك هذا تعتقد أيضاً بطلان العقيدة التي تثبت لهذا المخلوق أنه إله ، أليس كذلك ؟ .

إن المسيح الذي تتكلم عنه في سؤالك ، ليس هو المسيح الذي تؤمنون به معشر النصارى ، فعن أيهما تريد أن تتحدث ، وأن يدور حوارنا : عبد الله عيسى ابن مريم ، المخلوق ؛ أو الابن الذي اتخذتموه إلها؟!

ثالثاً:

لسنا في صدد المقارنة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، فنحن في شرعنا قد نهينا عن المفاضلة بين الأنبياء ، وبخاصة تلك المفاضلة التي فيها إنقاص لقدر الطرف الآخر ، وهو ما فعلته أنتَ ، فلم تستطع إثبات خيرية عيسى عليه السلام على خلق الله تعالى إلا بالطعن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم

وهذا أمرٌ مرفوض في شرعنا لو كان الطرف الآخر أقل منزلة ، وأما مع الطعن بأحد الأنبياء فإن من يفعل ذلك يكفر ويخرج من ملة الإسلام ، فديننا المطهَّر يحفظ كرامة الأنبياء والرسل ، ويُعلي شأنهم ، والإيمان بهم جميعاً ركن من أركان الإيمان ، ولا يكون مسلماً من لم يؤمن ولو بنبي واحد ، وليس في شرعنا المطهَّر إلا ذِكر الأنبياء والرسل بخير ، فقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم " القرآن " عبادتهم

وأثنى عليها ، وذكر دعاءهم ، وخشيتهم ، ودعوتهم لأقوامهم ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يسيء لأحدٍ منهم ، بل فيهما وجوب تعظيم قدرهم ، وإعلاء شأنهم .

رابعاً:

بحث المفاضلة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ليس هو مقصوداً عندنا في الدين ، ولا ينبغي أن يكون عندك كذلك ، والسبب : أننا أُمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم ، وقبل ذلك بالشهادة أنه رسول الله ، وهذا لا علاقة له بكونه خير خلق الله أو لا ، وليس هذا في ديننا فحسب ، بل كل قوم أرسل لهم رسول من قبَل ربهم تعالى فإنهم مأمورون بالإيمان به وباتباعه ولو لم يكن خير خلق الله

وهل من شرط النبي أن يكون خير خلق الله ؟! فماذا إذن يكون حال الأمم السابقة التي اجتمع في عصر واحدٍ مجموعة عظيمة من الأنبياء والرسل ؟! نحن لم نشهد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة لأنه خير خلق الله ، ولا قال هو اتبعوني لأنني خير خلق الله ، بل نحن عرفنا ذلك من رفع الله تعالى لمقامه ، ومن إعلائه لشأنه ، وسنذكر ما يؤيد هذا بآية ، وحادثة ، وحديث :

1. أما الآية : فهي قول الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) آل عمران/ 81 .

فهذا عهد وميثاق أخذه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الأنبياء جميعاً أن يؤمنوا بمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأن ينصروه في دعوته .

2. وأما الحادثة : فهي صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعاً إماماً ، وذلك في رحلته المسماة " الإسراء والمعراج " ، فقد صلَّى بهم جميعاً عليهم السلام في بيت المقدس .

وإن لم يدل هذا على فضله وخيريته فلا ندري أي شيء يمكن أن يدل على ذلك .

3. وأما الحديث : فهو ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم مما يجري يَوْمَ القِيَامَةِ حين يتراجع الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم كلهم عن الشفاعة للناس في الفصل بينهم ، فيعتذرون ، وكلهم يقول : نفسي ، نفسي ، فيتقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشفاعة العظمى ويقول: أنا لها ، أنا لها ، ثُمَّ يكرمه ربه تعالى ، ويقبل شفاعته في أهل المحشر ، وذلك هو المقام المحمود الذي لم يجعله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لبشرٍ غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فهذه بعض أدلة من ديننا على أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على إخوانه الأنبياء عليهم السلام ، وليسوا ينكرون هم ذلك ، فها هو موسى عليه السلام يعترف بذلك في حديث صحيح عندنا ، وها هو عيسى عليه السلام يرفض أن يؤم بالمسلمين ، بل يرضى أن يكون مأموماً ؛ لأنه سيعمل بالعهد والميثاق الذي أخذهما الله تعالى عليه ، فعندما ينزل في آخر الزمان فإنه سيقتل الخنزير ، وسيكسر الصليب ، وسيصلي مأموماً وراء إمامٍ من أئمة المسلمين .

وقد ثبت في أصح الكتب عندنا – البخاري ومسلم – بيان هذه الأمور مجتمعة ، مع تعظيم قدر عيسى عليه السلام ، ومدى ارتباطه به صلى الله عليه وسلم ، فقف على هذا الحديث :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ ) رواه البخاري ومسلم .

ومعنى ( أولى الناس بعيسى ) : أي : أخصهم به ، وأقربهم إليه .

ومعنى ( إخوة لِعَلاَّت ) : أي : إخوة لأب من أمهات شتى .

معنى الحديث : أن أصل إيمان الأنبياء واحد ، وشرائعهم مختلفة .

فأنت بكلامك الوارد في سؤالك تظن أنه ثمة فجوة بين الأنبياء والمرسلين وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا هو واقعهم عليهم السلام ، بل هم جميعاً إخوة ، جاءوا برسالة عقائدية واحدة ، وهي الدعوة لعبادة الله تعالى وحده ، وترك الإشراك به .

خامساً :

وأما قولك عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه " كثير الذنوب " : فهو قول يمكن أن يزعمه أي أحد في أي شخص ، ولو كنت تسلك الجادة العلمية لما قلتَ هذا القول ، ونحن ننزه الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا لغيرنا من الأمم أن يكونوا من أصحاب المعاصي والذنوب :

فكيف يكون حال أفضلهم وخيرهم ؟ وانظر للفرق العظيم بيننا وبينك ، ففي الوقت الذي تطعن فيه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون بيِّنة : فإننا ننكر هذا أن يكون من أخلاق أحد من الأنبياء والرسل لغيرنا ، وهكذا علَّمنا ديننا : أن نحترم الأنبياء والمرسلين ، وأن نجلَّهم ، ونقدِّرهم .

ونحن لا نعجب منكم إذا طعنتم بنبينا وأسأتم له ؛ لأن شتم الأنبياء ديدنكم ، والطعن فيهم منهجكم ، وقد لبَّس عليكم اليهود دينَكم ، وحرَّفوه فتبعتموهم على عماية وضلالة ، وكل ما في التوراة من طعن في الأنبياء والمرسلين فأنتم تصدقونه ، وأضفتم إليه ما في كتبكم المحرَّفة من طعن في صفوة الناس :

1. جاء في إنجيل " متَّى " أن عيسى من نسل سليمان بن داود ، وأن جدهم فارض الذي هو من نسل الزنى من يهوذا بن يعقوب . إصحاح متى الأول ، عدد ( 10 ) .

2. وفي إنجيل " يوحنَّا " إصحاح ( 2 ) عدد ( 4 ) : أن يسوع أهان أمَّه في وسط جمع من الناس ! .

3. وفي إنجيل " يوحنا " ، إصحاح ( 10 ) عدد ( 8 ) : أن يسوع شهد بأن جميع الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل هم سرَّاق ولصوص ! .

وجاء في التلمود - وهو مؤلَّف ضخم ، يعد مصدراً أساسيّاً من مصادر التشريع اليهودي ، ويعد في وقتنا الحالي المرجع الديني لليهود الأصوليين ، والمتشددين في إسرائيل ، والعالم أجمع ، وهو يتبوأ مكانة أسمى من مكانة التوراة - :

1. " إن تعاليم يسوع كفر , وتلميذه يعقوب كافر , وإن الأناجيل كتُب الكافرين " .

2. وجاء فيه - والعياذ بالله - :

" إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار ، وإن أمَّه مريم أتت به من العسكري " بانديرا " عن طريق الخطيئة ، وإن الكنائس النصرانية هي مقام القاذورات والواعظون فيها أشبه بالكلاب النابحة " .

3. وقال الحاخام " اباربانيل " :

" المسيحيون كافرون ؛ لأنهم يعتقدون أن الله له لحم ودم " .

4. وجاء في التلمود :

" كل الشعوب ماعدا اليهود : وثنيون , وتعاليم الحاخامات مطابقة لذلك " .

5. وجاء في موضع آخر من التلمود :

" إن المسيح كان ساحراً ووثنيّاً ، فينتج أن المسيحيين وثنيون أيضاً مثله " .

6. وجاء في التلمود - أيضاً - :

" النعيم مأوى أرواح اليهود ، ولا يدخل الجنة إلا اليهود ، أما الجحيم : فمأوى الكفار من المسيحيين ، والمسلمين ، ولا نصيب لهم فيها سوى البكاء ؛ لما فيها من الظلام والعفونة " .

فأين هذا الذي تدعيه كتبكم على أنبياء الله الكرام ، مما تدعيه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كثرة الذنوب .

سابعاً:

وأما قولك " وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم " : فأنت تريد به " قصة الغرانيق " وملخصها :

أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ) النجم/ 19 ، 20 ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ! وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمشركون سجدوا بعد ذلك !

وهذه القصة قد ضعَّفها كثير من أهل العلم والتحقيق .

قال البيهقي :

هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل .

انظر " تفسير الفخر الرازي " ( 23 / 44 ) .

وقال ابن حزم :

وأما الحديث الذي فيه : " وأنهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتها لترتجى " فكذب بحت موضوع ؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل ، ولا معنى للاشتغال به ، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد .

" الفِصَل في الملل والنحل " ( 2 / 311 ) .

وقال القاضي عياض :

هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل .... ، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ، ولا رفعها إلى صاحب ، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية .

" الشفا في أحوال المصطفى " ( 2 / 79 ) .

*عبدالرحمن*
2018-04-03, 16:01
وقال الحافظ ابن كثير :

قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظنّاً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ، ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم .

" تفسير ابن كثير " ( 3 / 239 ) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :

ليس في إلقاء هذه الألفاظ في قراءته صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يعتمد عليه فيما أعلم ، ولكنها رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث مرسلة ، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسير آية الحج ، ولكن إلقاء الشيطان في قراءته صلى الله عليه وسلم في آيات النجم وهي قوله

: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ الحج / 52 ] فقوله سبحانه : { إِلا إِذَا تَمَنَّى } أي : تلا ، وقوله سبحانه : { أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ } أي : في تلاوته

ثم إن الله سبحانه ينسخ ذلك الذي ألقاه الشيطان ويوضح بطلانه في آيات أخرى ، ويحكم آياته ؛ ابتلاء وامتحانا ، كما قال سبحانه بعد هذا : { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } الآيات [ الحج / 53 ] .

فالواجب على كل مسلم أن يحذر ما يلقيه الشيطان من الشبه على ألسنة أهل الحق وغيرهم ، وأن يلزم الحق الواضح الأدلة ، وأن يفسر المشتبه بالمحكم حتى لا تبقى عليه شبهة ، كما قال الله سبحانه في أول سورة آل عمران : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ

فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [ آل عمران / 7 ] وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " متفق على صحته .

والله ولي التوفيق .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / 301 ، 302 ) .

وقد تكلَّم على القصة سنداً ومتناً وبيَّن ضعف سندها ونكارة متنها : الشيخ الألباني - رحمه الله - في رسالته النافعة " نصب المجانيق في بطلان قصة الغرانيق " .

ومن صحح القصة من العلماء فإنه لم يقل بما توهمه في ظاهرها من التغيير والتبديل في كلام الله تعالى ومن الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم ، بل بيَّنوا لها أوجهاً تلتقي مع اعتقاد المسلمين جميعاً بعدم تحريف القرآن وبعصمة النبي صلى الله عليه فيما يبلغ عن ربه تعالى .

ومن وجوه التأويل ما ذكره بعض العلماء من كون الشيطان ألقى تلك الكلمات في أسماع المشركين لا أنه ألقاها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في "

مجموع الفتاوى " ( 2 / 282 ) .

أما عن سبب سجود المشركين في نهاية تلاوة السورة : فإليك ما قاله العلماء فيه .

قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في آخر كتابه السابق الذكر - :

رب سائل يقول : إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه عليه الصلاة والسلام جملة " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " فَلِمَ إذن سجد المشركين معه صلى الله عليه وسلم وليس ذلك من عادتهم ؟ .

والجواب ما قاله المحقق الآلوسي بعد سطور من كلامه الذي نقلته آنفاً :

" وليس لأحد أن يقول : إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم ، وإلا لما سجدوا ؛ لأننا نقول : يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى : { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى . وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى .

وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى . وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى . فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى } إلى آخر الآيات [ النجم / 50 - 54 ] ، فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم ، و لعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه صلى الله عليه وسلم ، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير ، وقد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم و لو لم يكن عن إيمان كافٍ في دفع ما توهَّموه ، ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه وسلم

فقد نزلت سورة ( حم السجدة ) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس ، ذكره السيوطي في أول " الإتقان " فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } " [ فصّلت / 13 ] ! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وناشده الرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال : " كيف وقد علمتم أن محمَّداً إذا قال شيئاً لم يكذب ؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب " وقد أخرج ذلك البيهقي في " الدلائل " وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه .

ثامناً:

وأما قولك : " وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله " : لا نعرف ما الأمر الذي أمر الله تعالى نبيَّه ولم يفعله ! وقد وصفه ربه تعالى بالعبودية ، وأثنى عليه ، وهو أعلم الناس بربه ، وأتقاهم وأخشاهم له ، فأي أمرٍ يمكن أن يخالفه ؟! إن هذا إلا اختلاق .

تاسعاً:

وقولك : " وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ " : قول باطل ، فالسحر الذي جرى له صلى الله عليه وسلم لم تعلمه أنت حتى أعلمك به النبي صلى الله عليه وسلم ! ولم يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حتى أذن الله تعالى له بالإخبار به ! فهو من جملة العوارض التي تصيب الإنسان

وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بشر ، وقد ردَّ بعض أهل البدع من المنتسبين للإسلام هذا الحديث ، وظنوه مخالفاً لكونه معصوماً صلى الله عليه وسلم ، ومحطاًّ لقدر النبوة ، وقد كفانا العلماء الأثبات مئونة الرد على أولئك قديماً ، وعليكم حديثاً .

قال النووي – رحمه الله – :

قال الإمام المازري : وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسببٍ آخر ، فزعم أنه يحط منصب النبوة ، ويشكك فيها ، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع ! وهذا الذي ادَّعاه هؤلاء المبتدعة : باطل ؛ لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه ، وصحته ، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ ، والمعجزة شاهدة بذلك

وتجويز ما قام الدليل بخلافه : باطل ، فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ، ولا كان مفضَّلا من أجلها ، وهو مما يعرض للبشر : فغير بعيد أن يخيَّل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له ، وقد قيل : إنه إنما كان يتخيل إليه أنه وطىء زوجاته وليس بواطئ ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام ، فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له ، وقيل : إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما يتخيله فتكون اعتقاداته على السداد .

قال القاضي عياض : وقد جاءت روايات هذا الحديث مبيِّنة أن السحر إنما تسلَّط على جسده وظواهر جوارحه ، لا على عقله ، وقلبه ، واعتقاده ، ويكون معنى قوله في الحديث " حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن "

ويروى : " يُخيل إليه " أي : يظهر له من نشاطه ، ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنى منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ، ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور ، وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله ، ونحوه : فمحمول على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل ، وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة ، ولا طعناً لأهل الضلالة .

" شرح مسلم " ( 14 / 174 ، 175 ) .

وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله - :

قد أنكر هذا طائفة من الناس ، وقالوا : لا يجوز هذا عليه ، وظنُّوه نقصاً وعيباً ، وليس الأمر كما زعموا ، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع ، وهو مرض من الأمراض ، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما ، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن ، وذلك أشد ما يكون من السحر .

" زاد المعاد " ( 4 / 113 ) .

ثم نسألك ، إن كنت جاداً في الحوار : أيهما أشد على صاحبه ، وأدل على نزول قدره ، جريان هذا السحر ، الذي هو مرض من الأمراض ، تسبب فيه هذا اليهودي ، أو تسلّط اليهود على عيسى ابن مريم النبيّ عندنا ، والإله أو ابن الإله عندكم ، حتى صلبوه وقتلوه وسط شماتة الأعداء وإهانتهم :

( وكان المارة يهزون رؤوسهم ويشتمونه ، ويقولون : ... إن كنت ابن الله ، فخلص نفسك ، وانزل عن الصليب . وكان رؤساء الكهنة ، ومعلمو الشريعة والشيوخ يستهزئون به ، فيقولون : خلَّصَ غيره ، ولا يقدر أن يخلص نفسه ؟! هو ملك إسرائيل ، فلينزل الآن عن الصليب لنؤمن به ؛ توكَلَ على الله وقال : أنا ابن الله ، فلينقذه الله إن كان راضيا عنه . وعيره اللصان المصلوبان معه أيضا ، فقالا مثل هذا الكلام .)

(وعند الظهر خيم على الأرض كلها ظلام حتى الساعة الثالثة , ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم : إلهي ، إلهي ، لماذا تركتني ؟!! ) [ متى : 27/38-47 ] وأيضا :

[ مرقس : 15/29-35]

راجع جواب السؤال رقم (12615)

ونحن نقول : حاشا لأنبياء الله الكرام ، محمد وأخيه عيسى وإخوانهم جميعاً عليهم السلام من هذا الإفك والبهتان ومن كل ذلة وهوان "

عاشراً:

وأما قولك : " وكيف يكون أبوا خير الله مشركين ، وماتا مشركين ؟ " :

فهذا من العجائب ، وما دخل كونه أفضل الخلق بكون والديه مشركين ؟! وهل الرب تعالى اصطفاه هو أم اصطفاه واصطفى أهله وأقرباءه ؟! وها هو إبراهيم عليه السلام قد توفي والده على الشرك ، فلم يُنقص ذلك من رتبته ومنزلته ، وهو أبو الأنبياء ، صلى الله عليه وسلم ، وها هو نوح عليه السلام تموت زوجته وابنه على الكفر ، وها هو لوط عليه السلام تُهلك زوجته وهي على الكفر ، فكان ماذا ؟ .

ثم انظروا، ما تقوله كتبكم المقدسة عندكم، وعند اليهود عن مريم البتول عليها السلام ، بل وعن أنبياء الله أنفسهم ، لتعلم أيها السائل أي الفريقين أصدق قيلاً، وأهدى سبيلاً؟!

حادي عشر:

وأما قولك : " ؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف ، أو بالمال يبيعه "

فقد سبق أن ناقشنا ذلك في موقعنا، فنرجو مراجعة جواب السؤالين (43087) و (100521)

فإذا انتهيت من مراجعة هذين الجوابين ، فمن الحسن أن تتأمل هذه النصوص من كتبكم ، لعلك أن يكون لك رأي آخر :

1. قال المسيح عليه السلام : " لا تظنوا أني جئتُ لألقي سلاماً على الأرض ، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً ، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه ، والابنة ضد أمها ، والكنة ضد حماتها ، وأعداء الإنسان أهل بيته . من أحب أبا أو أماً أكثر مني فلا يستحقني ، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني ، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني ، من وجد حياته يضيعها ، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها " .

" إنجيل متى ، الإصحاح العاشر ، فقرة 35 وما بعدها .

2. قال المسيح عليه السلام : " من له سيف : فليأخذه ، ومن ليس له : فليبع ثوبه ، ويشتري سيفاً " .

" لوقا " ( 22 / 36 ، 37 ) .

3. ويقول المسيح عليه السلام : " أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم : فأتوا بهم إلى هنا ، واذبحوهم قدامي " .

" لوقا " ( 11 ) .

ج. واسمع لعقلاء من غير المسلمين من الكتَّاب والأدباء والتاريخيين ماذا يقولون :

1. قال توماس كارليل في كتابه " الأبطال وعبادة البطولة "

: " إن اتهامه - أي : محمد صلى الله عليه وسلم - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته : سخفٌ غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يُشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس ، أو يستجيبوا له ، فإذا آمن به مَن يقدرون على حرب خصومهم : فقد آمنوا به طائعين مصدقين ، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها " .

انظر : " حقائق الإسلام وأباطيل خصومه " لعباس لعقاد ( ص 227 ) .

2. ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب "

وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عصور الفتوحات من بعده - : " قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفرض بالقوة ، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف ، بل انتشر بالدعوة وحدها ، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول ، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند

التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل - ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها ، ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط ، وسترى في فصل آخر سرعة الدعوة فيها ، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليوناً في الوقت الحاضر " .

فهل تبين لك مدى بُعد التهمة عن الإسلام ؟! هل تبين لك مدى تضليل الأحبار والرهبان ووسائل الإعلام لك ؟ .

د. وكأني بك تريد تنزيه دينك عن انتشاره بالسيف ! وكأني بك تريد إقناع الناس بما يحمله أهل دينك من الرحمة والرأفة ! وكل ذلك غير صحيح ، وإليكَ أمثلة من واقعكم :

1. الملِك " أولاف " ذبَح كلَّ مَن رفض اعتناق النصرانية في " النرويج " ، قطع أيديهم ، وأرجلهم ، ونفاهم ، وشرَّدهم ، حتى انفردت النصرانية بالبلاد .

2. وفي الجبل الأسود بالبلقان قاد الأسقف الحاكم " دانيال بيتر وفتش " عملية ذبح غير المسيحيين ليلة عيد الميلاد .

3. وفي الحبشة قضى الملك سيف أرعد ( 1342 – 1370 م ) بإعدام كل من أبى الدخول في النصرانية ، أو نفيهم من البلاد .

4. ثم نجد أن النصرانية - وليس الإسلام - هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا .

5. ثم نجد النصرانية هي التي اقتلعت الشعب الفلسطيني من أرضه لتسليمها إلى أعداء المسيح ومحمد - عليهما السلام - على السواء .

6. من الذي أشعل الحروب العالمية ؟ لقد قُتل في الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين ، وفي الثانية حوالي 70 مليوناً ! .

7. وكم قُتل من البشر بالقنابل الذرية التي ألقيت على مدينتي " نجازاكي " و " هيروشيما " في اليابان ؟ .

8. وترى النصرانية في حربها الصليبية عندما حاصرت بيت المقدس وشددت الحصار ورأى أهلها أنهم مغلوبين فطلبوا من قائد الحملة " طنكرد " الأمان على أنفسهم وأموالهم ، فأعطاهم الأمان على أن يلجأوا إلى المسجد الأقصى رافعين راية الأمان ، فامتلاء المسجد الأقصى بالشيوخ والأطفال والنساء

وذُبحوا كالنعاج ، وسالت دماؤهم في المعبد حتى ارتفعت الدماء إلى ركبة الفارس ، وعجَّت شوارعنا بالجماجم المحطمة ، والأذرع ، والأرجل المقطعة ، والأجسام المشوهة ، ويذكر المؤرخون أن الذين قُتلوا في داخل المسجد الأقصى فقط سبعين ألفاً ، ولا ينكر مؤرخو الفرنج هذه الفضائح .

9. وعصرنا اليوم خير شاهد على ذلك ، لقد قصفوا أفغانستان ، ثم تحولوا إلى العراق ليدمروها ، فقصفوا ، وقتلوا ، وعاثوا في الأرض فساداً ، وقد قال كبيرهم : إن الله أمره بدخول العراق !! فأين وصايا المسيح التي يدعونها ويتشدقون بها ؟! .

10. ألم يقف " اللورد اللنبي " ممثل الحلفاء : إنجلترا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، ورومانيا ، وأميركا في بيت المقدس في سنة 1918 حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلاً : " اليوم انتهت الحروب الصليبية " ؟! .

11. ألم يقف الفرنسي " غورو " ممثل الحلفاء أيضاً - وقد دخل دمشق - أمام قبر البطل المسلم " صلاح الدين الأيوبي " قائلاً : " لقد عدنا يا صلاح الدين " ؟! .

12. وهل هدمت الديار ، وسفكت الدماء ، واغتصبت الأعراض في البوسنة والهرسك إلا باسم الصليب ؟ .

13. بل أين هؤلاء مما حدث في الشيشان - ومازال يحدث - ؟ وفي إفريقيا ؟ وإندونيسيا ؟ وغيرها ؟ وهل يستطيع هؤلاء إنكار أن ما حدث في كوسوفا كان حربا صليبية ؟ ألم يقل بوش في حربه الأخيرة " ستكون حربا صليبية " ؟! .

ومثل هذه الفظائع لم يقع في جهاد المسلمين لأعدائهم ، فما كانوا يقتلون النساء ، ولا الأطفال ، ولا الدهماء من الناس ، ويجدر أن نذكر بوصية أبي بكر الصدِّيق حيث قال لأسامة بن زيد وجنده :

" لا تخونوا ، ولا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تمثِّلوا ، ولا تقتلوا طفلاً ، ولا شيخاً كبيراً ، ولا امرأة ، ولا تعزقوا نخلاً ، ولا تحرقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة ، ولا بقرة ، ولا بعيراً إلا للأكل ، وإذا مررتم بقوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع : فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له " .

ينظر : " موسوعة شبهات النصارى حول الإسلام " ، " السيرة النبوية " للشيخ محمد أبو شهبة.

وأما كلامك عن المال : فإن هذا يجب أن يُستحيى من ذِكره ، فالعالم كله يعرف من الذي يذهب إلى الدول الفقيرة وبيده اليمنى خبزة ، وبالأخرى نسخة من الإنجيل ! وكل العالم يعرف من يحمل بيده حبة الدواء وحفنة الدولارات ، وبيده الأخرى نسخة من الإنجيل ! .

وأخيراً:

لعلنا أن نكون قد أظهرنا لك خطأ ما ذكرتَه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولعلك علمت أنك ضحية إعلام مزوَّر ، جعلك تسيء إلى من لا يستحق الإساءة ، وتسكت عمن يستحق البيان والفضح

واعلم أن الإسلام دين الأدلة والبراهين ، وليس دين الادعاءات والتزوير ، فأدرك نفسك ، والتحق بركب الأنبياء والصالحين ، واحرص على أن لا تموت إلا على الدين الذي كان يعتقده الأنبياء والمرسلون ، وهو التوحيد ، واحرص على أن تكون ضمن قافلة أتباع خير الأديان وخاتمتها .

نسأل الله تعالى أن يهديك ، ويشرح صدرك للإسلام ، ونسأله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه ، ويريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه .

والله الموفق

*عبدالرحمن*
2018-04-03, 16:08
السؤال :

في سورة الجن ، الآية (رقم/3) : ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) يكررها النصارى تشكيكا في ديننا ، كيف نرد عليهم ردا مفحما ؟ هل المتحدث هنا هم الجن جهلا منهم ؟ أم المقصود بقوله ( جد ) ضد الهزل ؟

الجواب :

الحمد لله

هذه الآية من سورة " الجن " ذات الوقع المؤثر في النفوس ، تحكي حديثا صدر عن الجن الذين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا بالقرآن ، وأسلموا.

قال الله تعالى : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا . وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا . وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ) الجن/1-4 .
وظاهر جداً من سياق الآيات : أن الجن أعلنوا إيمانهم بوحدانية الله ، ورفضهم لما يقوله المشركون من نسبة الصاحبة والولد إلى الله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

والجد في الآية معناه : العظمة والجلال ، وليس معناه "أبو الأب" كما فهم هؤلاء المفترون .
قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (1/364) :

" الجيم والدال أصولٌ ثلاثة : الأوَّل العظمة ، والثاني : الحَظ ، والثالث : القَطْع .

فالأوّل : العظمة : قال الله جلّ ثناؤُه إخباراً عمّن قال : ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ) الجن/3 .

ويقال : " جَدَّ الرجُل في عَينِي " أي : عَظُم ، قال أنسُ بنُ مالكٍ : ( كان الرجلُ إذا قرأ سورةَ البقرة وآلِ عِمرانَ جَدَّ فينا ) أي : عَظُم في صُدورِنا .

والثاني : الغِنَى والحظُّ : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه : ( لا يَنْفَع ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) يريد : لا ينفَعُ ذا الغنى منك غِناه ، إنّما ينفعه العملُ بطاعتك .

والثالث : يقال : جَدَدت الشيءَ جَدّاً ، وهو مجدودٌ وجَديد ، أي : مقطوع " انتهى .

وانظر : "لسان العرب" (3/107) .

فتفسير عبارة الجن التي حكاها الله عنهم : ( وأنه تعالى جد ربنا ) كتفسير دعاء استفتاح الصلاة أيضا : ( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، تَبَارَكَ اسْمُكَ ، وَتَعَالَى جَدُّكَ ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ )

رواه مسلم موقوفا عن عمر (399) .

والمقصود في كل منهما : تعالت وارتفعت عظمة الله تعالى ، وكبرياؤه ، وعزته ، ونحو ذلك من المعاني التي فيها تعظيم الله تعالى وإجلاله .

لذلك حكى ابن الجوزي في "زاد المسير" (8/378) الأقوال في تفسير الآية ، فقال :

" للمفسرين في معنى : ( تعالى جَدُّ ربِّنا ) سبعة أقوال : أحدها : قدرة ربنا ، قاله ابن عباس . والثاني : غنى ربنا ، قاله الحسن . والثالث : جلال ربنا ، قاله مجاهد وعكرمة . والرابع : عظمة ربنا ، قاله قتادة . والخامس : أمر ربنا ، قاله السُّدِّي . والسادس : ارتفاعُ ذِكْرِه وعظمته ، قاله مقاتل . والسابع : مُلك ربنا وثناؤه وسلطانه ، قاله أبو عبيدة " انتهى .
وهذه المعاني كلها متقاربة وتدل على عظمة الله تعالى وكبريائه .

والمعنى الإجمالي منها في الآية : هو التعبير عن الشعور باستعلاء الله سبحانه وبعظمته وجلاله عن أن يتخذ صاحبة ، أي : زوجة ، وولداً ، بنين أو بنات!

وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله ، جاءته من صهر مع الجن! فكذبت الجن هذه الخرافة الأسطورية .

قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (14/222) :

"التعالي : شدة العلوّ .

والجَدّ : العظمة والجلال ، وهذا تمهيد وتوطئة لقوله : (ما اتخذ صاحبة ولا ولَداً) ، لأن اتخاذ الصاحبة للافتقار إليها لأنسها وعونها والالتذاذ بصحبتها ، وكل ذلك من آثار الاحتياج ، والله تعالى الغني المطلق ، وتعالى جَدّه بغناه المطلق ، والولد يرغب فيه للاستعانة والأنس به . . . وكل ذلك من الافتقار والانتقاص" انتهى .

وقال السعدي في تفسيره (ص 1055) :

"(وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، (مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا) فعلموا من جَدِّ الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى" انتهى

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

ما معنى قولنا في دعاء الاستفتاح للصلاة : ( وتعالى جدك ) ؟

الجواب :

" معنى ذلك : تعالى كبرياؤك وعظمتك ، كما قال سبحانه في سورة الجن - عن الجن - أنهم قالوا : ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) " انتهى .

"فتاوى الشيخ ابن باز" (11/74) .

فتبين من ذلك أن في الآية رداًّ على من نسب لله الصاحبة والولد ، كالمشركين والنصارى ، لأن ذلك يتنافى من عظمة الله وجلاله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-03, 16:15
السؤال

يسألني أحد زملاء العمل " لماذا أسلمت ؟ " فقلت له : إن هذا هو الطريق الذي كان يجب أن أسلكه ، لا أعرف أحيانًا ما يجب أن أقوله ، وعندما أحاول : أشعر أن ردي غير صحيح ، كيف أرد على مثل هذا السؤال ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نسأل الله تعالى أن يتقبل إسلامك ، وأن يثبتك على الحق ، ويهديك لما يحب ويرضى .

واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أنك سلكتِ الطريق الصحيح ، فالإسلام دين الفطرة ، ودين الأمن ، والسعادة ، يشعر بذلك كل من انتسب لهذا الدين العظيم ، وقد يشعر بذلك أكثر من كان غارقاً في ظلمات الجهل والضلال والكفر ، ويشعر الناطق بالشهادتين بشيء في قلبه لا يستطيع وصفه لأحدٍ ، ولذلك تغلب أكثرهم دموع الفرح والسعادة ، ولا شك أن الله تعالى قد جعل للإسلام طعماً ، وللإيمان حلاوة ، وهو ما نصَّت عليه نصوص شريعتنا ، ويشعر بذلك الطعم ، ويتذوق تلك الحلاوة من آمن بالله ربّاً وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً .

ثانياً:

إن الذي يكرمه الله تعالى بدخول الإسلام يجد من الأسباب لدخوله فيه ما لا يجده غيره ، ويرى فيه من الجوانب ما لا يراه غيره ، وما ذلك إلا لعظمة هذا الدين ، وكثرة جوانب الخير فيه ، وصلاحيته لجميع طبقات الناس وبيئاتهم وثقافاتهم ، ومن هنا فإن من يدخل في هذا الدين العظيم يذكر من الأسباب لإسلامه ما لا يذكره غيره غالباً

وكلها إجابات صحيحة تحكي واقعهم وواقع الإسلام ذاته ، ويمكنك الوقوف على بعض تلك الإجابات ، والاستفادة منها ، ونحن نفضل أن تذكري شعورك أنت ، والسبب الذي دفعك أنت للدخول في هذا الدين ، فهو تعبير عن واقعك الذي تعيشين ، وأنت أبلغ من يستطيع التعبير عنه .

ولا مانع من ذِكر بعض تلك الأسباب عند غيرك ممن دخل في الإسلام ؛ فقد يكون ثمة اشتراك في بعضها بينك وبينهم .
1. سئل أعرابي : لماذا أسلمتَ ؟ قال : لم أرَ شيئاً من قول ، أو فعل يستحسنه العقل ، وتستطيبه الفطرة : إلا وحثَّ عليه الإسلام ، وأمر به ، وأحلَّه رب العزة سبحانه ، ولم أجد شيئاً يستقبحه العقل ، وتستقذره الفطرة : إلا ونهى الله عنه ، وحرَّمه على عباده .

2. قال " روبرت ديكسن " رئيس جمعية المحامين الأمريكيين : جوابي لمن سألني لماذا أسلمت : هو : أن الإسلام دين التوحيد ، والسعادة ، والراحة النفسية ، والعيشة الهانئة ، إذا التزمت به ، وطبقت تعاليمه ، وهو دين العدل الإلهي .
3. قال " محمد أسد " - السياسي ، والمؤلف النمساوي - : لم يكن هناك شيء بعينه من تعاليم الإسلام هو الذي أخذ بمجامع قلبي، إنه المجموع المتكامل المتناسب والمتماسك من هذه التعاليم الروحية من جانب ، والتي ترسم برنامجاً عمليّاً للحياة من الجانب الآخر .

4. قالت الفرنسية المهتدية " سيلفي فوزي : لقد وجدت في الإسلام منهاج حياة يجيب عن كل التساؤلات ، وينظم للإنسان حياته وفق ما ينفعه ، ويتناسب مع فطرته ، ملبسه ، ومأكله ، وعمله ، ونظام زواجه ، اختياراته في الحياة ، علاقاته بالآخرين ، ومن ثم فلا عجب أن من يلتزم بالإسلام يستشعر الاطمئنان ، والأمان النفسي، الذي هو في رأيي أهم العناصر لاستمرار الحياة .

5. قالت أم عبد الملك – الأمريكية المسلمة - : أذهلني الإسلام الذي رفع من مقدار الوالدين .

6. قال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله - : إن أَحد فلاسفة الهنود درس تاريخ الأَديان كلها ، وبحث فيها بحثَ مستقلٍّ منصفٍ ، وأَطال البحث في النصرانية ؛ لما للدول المنسوبة إليها من الملك ، وسعة السلطان ، والتبريز في الفنون ، والصناعات ، ثم نظر في الإسلام ، فعرف أَنه الدين الحق

فأَسلم ، وأَلف كتاباً باللغة الإنجليزية سماه " لماذا أَسلمت " ، بيَّن فيه ما ظهر له من مزايا الإسلام على جميع الأَديان ، وكان أَهمها عنده : أَن الإسلام هو الدين الوحيد الذي له تاريخ صحيح محفوظ ، فالآخذ به يعلم أَنه هو الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله ، النبي الأمي العربي ، المدفون في المدينة المنورة من بلاد العرب

وقد كان من مثار العجب عنده أَن ترضى أُوربا لنفسها دينًا ترفع من تنسبه إليه عن مرتبة البشر ، فتجعله إلهاً وهي لا تعرف من تاريخه شيئًا يعتد به ، فإن هذه الأناجيل الأربعة على عدم ثبوت أَصلها ، وعدم الثقة بتأْريخها ، ومؤلفيها : لا تذكر من تاريخ المسيح إلا وقائع قليلة ، حدثت - كما تقول - في أَيام معدودة ، ولا يذكر فيها شيء يعتد به عن نشأَة هذا الرجل ، وتربيته ، وتعليمه ، وأَيام صباه ، وشبابه ، ولله في خلقه شئون .

" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 1 / 48 ) .

7. قال " يوسف خطَّاب " – المتحول من اليهودية إلى الإسلام – لما سئل لماذا أسلمت - : لأن الإسلام دين التوحيد ، قرأت عنه كثيراً ، وأخيراً اقتنعت بأنه هو السبيل للجنة .

والكلمات كثيرة ، ويجمعها أن الإسلام دين الفطرة ، والأمن ، والسعادة ، والأحكام الحكيمة ، والأخلاق الرفيعة ، ومن رام المقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان المحرَّفة ، أو الأنظمة والقوانين البشرية : فسيتبين له بجلاء أوجه الاختلاف ، وأنه ليس ثمة مجال للمقارنة أصلاً .

8. وتصف " ميري واتسون " –

الأمريكية الحاصلة على ثلاث درجات علمية ، وبعضها في علم اللاهوت لحظة تسلل نور الإيمان إلى قلبها فتقول : شعرت في ليلة - وأنا مستلقية على فراشي وكاد النوم يقارب جفوني - بشيء غريب استقر في قلبي ، فاعتدلت من فوري ، وقلت : يا رب أنا مؤمنة بك وحدك ، ونطقت بالشهادة ، وشعرت بعدها باطمئنان ، وراحة تعم كل بدني ، والحمد لله على الإسلام ، ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي .
انتهى

وننصحك – أختنا الفاضلة – بقراءة كتاب : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، للشيخ أبي الحسن الندوي ، وكتاب : الإسلام على مفترق الطرق ، والطريق إلى الإسلام ، وهما للأستاذ محمد أسد ، والثلاثة متوفرة باللغة الإنجليزية .
كما ننصحك بقراءة قصص واقعية لمن اهتدوا إلى الطريق المستقيم ، وأسلموا لله تعالى ، وفيها بيان : كيف اهتدوا ، وما هي خطواتهم الأولى نحو الهداية

ونسأل الله لك الثبات على الحق ، والتوفيق للعلم النافع ، والعمل الصالح .

والله الموفق

*عبدالرحمن*
2018-04-03, 16:21
السؤال

"]منذ أسبوعين وهذا السؤال يراودني ، ولم أفلح في الإجابة عليه ، ولكن بإذن الله ستكون الإجابة لديكم : ما الدليل على أن الله لا يكذب ، أو ما الدليل على أنه صادق دائما ، ولم ، ولن يكذب أبدا ؟ أعرف أنه سؤال غريب ، وقد استحيت لفترة من سؤال أحد فيه ، ولكن احترت في الإجابة عليه ، وأُصبت بنوع من الضيق حتى في أثناء الصلاة

الجواب

الحمد لله :

والله ما ندري ـ يا عبد الله ـ من أي أمريك نعجب ؛ أمن استرسالك وراء وساوس الشيطان ، حتى بلغ بك إلى حافة الهاوية ، لتسقط فيها ، أو تكاد ؟!! أم من استصعابك لهذا السؤال ، وعدم قدرتك على الإجابة عنه ؟!!

فماذا عرفت من دينك يا عبد الله ، إن جهلت هذا ؟!!

وماذا تظن بربك ، إن كنت تبحث في هذا ؟!!

يا عبد الله ، لقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، لما قال لها مولاها مَسْرُوقٍ : يَا أُمَّتَاهْ ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ ؟!!

فَقَالَتْ : لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ .. !!

وإذا كان شعر أم المؤمنين قد قف ، أي : قام من شدة فزعها ، لأجل من سألها هذا السؤال : هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ، يعني : وهو في الدنيا ، مع أن المؤمنين يرونه في الجنة ، وهو أعظم نعيمهم ، لا حرمنا الله منه ، فكيف بسؤالك يا عبد الله ؟!!

ألهذا الحد تركت قلبك فارغا ، حتى يتلاعب به الشيطان ، وينتهي به ذلك المنتهى ؟!!

هل سمعت يا عبد الله بما رواه مسلم في صحيحه (2268) عَنْ جَابِرٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ ؟!!

قَالَ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ !! ) .

فإذا كان مثل هذا المنام لعبا من الشيطان ، فبالله عليك ماذا كان يجيب النبي صلى الله عليه وسلم لو رأى راء في منامه ما رأيت ؟ فبالله عليك ماذا كان يقول لو كان ذلك اللعب في اليقظة ، لا في المنام ؟!!

لقد حُق لك ـ والله ـ أن يطول حياؤك ، بل وبكاؤك على نفسك ـ أن ظفر الشيطان منك بهذا !!

نعم ، نفهم أن الشيطان قد يتلاعب بمثل ذلك بالعبد ، لكنه لا يسترسل مع وحي الشيطان ، ويؤصل له ، ويبحث له عن أدلة ، وإنما إيمانه الراسخ يدفعه ، فالشيطان خبيث ، وكيده ضعيف : ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)(النساء: 67) .
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) متفق عليه .

أرأيت كيف كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال المعضل (!!) للعدو اللعين ؟!!

أن يستعيذ بالله من تلك الوساوس ، وأن ينتهي عن التفكير فيها ، والاسترسال وراءها ؛ لأن اللعين لا يحتاج بسؤاله هذا جوابا ، وهو يعلم أن سؤاله مغالطة محضة ، فالخالق لا يصلح أن يكون له خالق ، وإلا كان مخلوقا آخر من المخلوقين !!

وإنما هدفه التشكيك والزعزعة ، حتى يظفر بمن يموت وهو على تلك الحال ، إن استطاع .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، في شرحه للحديث السابق :

قَوْلُهُ : ( مَنْ خَلَقَ رَبّك فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) أَيْ عَنْ الِاسْتِرْسَال مَعَهُ فِي ذَلِكَ , بَلْ يَلْجَأ إِلَى اللَّه فِي دَفْعه , وَيَعْلَم أَنَّهُ يُرِيد إِفْسَاد دِينه وَعَقْله بِهَذِهِ الْوَسْوَسَة , فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِد فِي دَفْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا .

قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَجْه هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الشَّيْطَان إِذَا وَسْوَسَ بِذَلِكَ فَاسْتَعَاذَ الشَّخْص بِاللَّهِ مِنْهُ وَكَفّ عَنْ مُطَاوَلَته فِي ذَلِكَ اِنْدَفَعَ ... فَلَيْسَ لِوَسْوَسَتِهِ اِنْتِهَاء , بَلْ كُلَّمَا أُلْزِمَ حُجَّة زَاغَ إِلَى غَيْرهَا إِلَى أَنْ يُفْضِيَ بِالْمَرْءِ إِلَى الْحِيرَة , نَعُوذ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ... عَلَى أَنَّ قَوْله مَنْ خَلَقَ رَبّك كَلَام مُتَهَافِت يَنْقُض آخِرُهُ أَوَّلَهُ لِأَنَّ الْخَالِق يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون مَخْلُوقًا .

وَقَالَ الطِّيبِيُّ : إِنَّمَا أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالِاشْتِغَال بِأَمْر آخَر وَلَمْ يَأْمُر بِالتَّأَمُّلِ وَالِاحْتِجَاج لِأَنَّ الْعِلْم بِاسْتِغْنَاءِ اللَّه جَلَّ وَعَلَا عَنْ الْمُوجِد أَمْر ضَرُورِيّ لَا يَقْبَل الْمُنَاظَرَة , وَلِأَنَّ الِاسْتِرْسَال فِي الْفِكْر فِي ذَلِكَ لَا يَزِيد الْمَرْء إِلَّا حَيْرَة , وَمَنْ هَذَا حَاله فَلَا عِلَاج لَهُ إِلَّا الْمَلْجَأ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالِاعْتِصَام بِهِ .

وَفِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى ذَمّ كَثْرَة السُّؤَال عَمَّا لَا يَعْنِي الْمَرْء وَعَمَّا هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ , وَفِيهِ عِلْم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة لِإِخْبَارِهِ بِوُقُوعِ مَا سَيَقَعُ فَوَقَعَ . انتهى كلامه رحمه الله ، مختصرا .

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ، قد أمر بالانتهاء عن تلك الوساوس ، وعدم الخوض فيها ، فإن المؤمن ، إذا غُلب على شيء منها ، وألقاها العدو اللعين في صدره ؛ فإن إيمانه يُعظم ذلك البلاء ، أن يقع شيء منه في صدره .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : ( جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ : إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ؟!! قَالَ : وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟!! قَالُوا : نَعَمْ !!

قَالَ : ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ !! ) رواه مسلم (132) .

قال النووي رحمه الله :

مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلَام بِهِ هُوَ صَرِيح الْإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلًا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان اِسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك .

يا عبد الله : إن الحر من الرجال ، ومن له مقام بين الناس ، يأنف أن يكذب ، أو يُنسب إليه الكذب ، وقصة أبي سفيان مع هرقل في هذا مشهورة معروفة ، فكيف لو كان هذا الحر الكريم مؤمنا : إن الكذب مجانب للإيمان !!

فكيف لو كان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن توهم الظِّنة فيه ، وهو الصادق المصدوق ، تقشعر له الجلود ، وتقِفُّ الرؤوس !!

فكيف .. ؟!!

يا عبد الله ؛ إن أغلب الظن أنك أُتيت من أمرين اثنين ، تسلط الشيطان عليك بالوساوس لأجلهما :

فأما أولها : أنك أعرضت عن الانشغال بذكر الرحمن تبارك وتعالى ، ومطالعة آياته ، والعيش مع ما في كتابه الكريم من أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، والتعرف على عظمته وجلاله ، وجماله وكماله ، بما عرفك في كتابه ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

وأما الأمر الثاني ، وربما كان عقوبة من الله لك على الأمر الأول ، فهو : مصاحبتك لشياطين الإنس ، الذين يُظاهرون شياطين الجن ، وينصرونهم عليك .

وليس بالضروري من تلك المصاحبة أن يكون صديقا لك ، يذهب ويجيء معك ؛ بل ربما كانت تلك المصاحبة عن طريق شبكة الإنترنت ، حيث يجرك الفضول ، أو فراغ القلب إلى الدخول في بعض المنتديات الإلحادية : اللادينيين ، فأرسل الواحد منهم سهما من شبهته ، فاستقر في فؤادك ، فأورثك الداء الذي تشكوه !!

قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) .

عبد الله ؛ أقبل على قلبك فأصلحه ، وأقبل على ربك فتعرف عليه كما عرفك في كتابه ، وأقبل على كتابه فاتله وتدبره ، وعليك بذكره فاجعل لسانك رطبا منه ، فإنه حصنك :

( وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ .. !! ) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-03, 16:26
السؤال

هل يجوز لي القول : الحمد والشكر لله رب العالمين ، والشكر لوالدي ، عملا بقوله تعالى : ( أن اشكر لي ولوالديك الي المصير )

الجواب

الحمد للَّه

بر الوالدين من أعظم القربات ، وأولى الطاعات ، وهو حق معظم لهما في شريعة الإسلام ، حتى قرن الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع طاعته بطاعتهما ، وحقَّه بحقِّهما .

يقول الله سبحانه وتعالى :

( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) لقمان/14
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (5/171) : " قال العلماء : فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان فقال تعالى : { أن اشكر لي ولوالديك } لقمان : 14 .

...عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخط الوالدين " [ قال الألباني : حسن لغيره ] .

والتصريح بشكر الوالدين والاعتراف بفضلهما وقدرهما لا شك أنه داخل في معنى الآية ، ولكن لا ينبغي فهم الآية على ذلك فقط ، فيظن أن من قال "الشكر لوالدي" قد أدى ما عليه ، بل حقيقة الشكر أعظم وأعلى من ذلك ، بل المراد بالشكر ما هو أعم من ذلك ؛ أن يقوم العبد بحق ربه عليه بقلبه ولسانه وجوارحه ، وهكذا يقوم بحق والديه عليه من ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (2/244-246) :

" والشكر مبني على خمس قواعد :

خضوع الشاكر للمشكور ، وحبه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه بها ، وأن لا يستعملها فيما يكره .

فهذه الخمس : هي أساس الشكر وبناؤه عليها ، فمتى عدم منها واحدة : اختل من قواعد الشكر قاعدة ، وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور .

والشكر يكون : بالقلب خضوعا واستكانة ، وباللسان ثناء واعترافا ، وبالجوارح طاعة وانقيادا " انتهى .

وفي تفسير هذه الآية ، يقول الشيخ السعدي رحمه الله : " ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: { وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ } أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه { بِوَالِدَيْهِ } وقلنا له: { اشْكُرْ لِي } بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي. { وَلِوَالِدَيْكَ } بالإحسان إليهما بالقول اللين

والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، [وإكرامهما] (5) وإجلالهما، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل.

فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن { إِلَيَّ الْمَصِيرُ } أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟ " انتهى [ التفسير 648 ] .

فلا حرج على من قرن شكر الله تعالى بشكر الوالدين ، وجمع بينهما في مقام واحد ، لكن لا ينبغي أن يلتزم ذلك دائما كما يلتزم الذكر الوارد بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-04-03, 16:30
ابدعت فوق سماء التفنن نتمنى من الله يفقك

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات

عفوا لما اري تعليقك غير الان

بارك الله فيكِ
وجزاكِ الله عني كل خير

... احترامي وتقديري ....

*عبدالرحمن*
2018-04-04, 18:09
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

تسلط الشيطان عليه بالشهوات المحرمة
والشبهات الباطلة !!

السؤال

في رمضان الماضي مارستُ العادة السرية حوالى 4 أيام في نهار رمضان ، وأكلتُ بعدها لتأكدي من فساد صيامي ، والأكثر من ذلك أنني أصبحتُ وفي رمضان الحالي أمارسها بعد الإفطار ، لا أعرف كيف أصبر في نهار رمضان وأفعلها في ليله ، وصرت أسمع الغناء كذلك في رمضان .

كانت تأتيني بعض الوساوس والشبهات التى تدور في ذهني دون أن أسمعها من أحد ، ولكنني أتجاهلها ؛ ليقيني بأن هذا هو الدين الحق ؛ لما قرأت عنه في الإعجاز العلمي , وأحاديث صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بينما لا توجد بشارات أو إعجاز في الأديان الأخرى

ولم نسمع مطلقاً بذلك إلا في الإسلام , ولكن دون جدوى ، أحياناً أسمع حديثاً ما ، وعقلي لايصدقه ، ويرفضه ، كالحديث الذي يخبر أن الجنة تفتح أبوابها كل يوم إثنين وخميس ، فقلت في نفسي كيف ذلك ؟! هناك بعض الدول البعيدة عنا والتى تختلف معنا في الأيام ، فمثلا اليوم عندنا الإثنين ، وفي نيوزيلندا وتلك البلاد قد يكون عندهم الثلاثاء ، أعني عدم توافق الزمن ، وهكذا , عقلي أجده يفكر في أشياء وحده من هذا النوع .

آسف جدّاً على الإطالة ، إفادتي فيما يجب عليَّ فعله ، وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

أما حكم العادة السرية : فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها محرمة ، وقد بيَّنا ذلك في جواب السؤال رقم ( 329 ) ، لذا فالواجب عليك التوبة والاستغفار من هذه الفعلة ، والكف عنها ، وعدم الرجوع لفعلها .

ثانياً :

قد اتفق الأئمة الأربعة على أن من فعل ذلك فقد بطل صومه ، ووجب عليه القضاء .

سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

في رمضان السابق وأنا صائم وقعت في العادة السرية ، فماذا يجب عليَّ ؟ .

فأجاب فضيلته :

عليك أن تتوب إلى الله من هذه العادة ؛ لأنها محرمة على أصح القولين لأهل العلم ؛ لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذالِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج

فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الذين لا يستطيعون الباءة إلى الصوم ، والصوم فيه نوع من المشقة بلا شك ، ولو كانت العادة السرية جائزة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها ؛ لأنها أهون على الشباب

ولأن فيها شيئاً من المتعة ، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل عن الأسهل إلى الأشق لو كان الأسهل جائزاً ؛ لأنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، فعدول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيسر في هذه المسألة يدل على أنه ليس بجائز .

أما بالنسبة لعمله إياها وهو صائم في رمضان : فإنه يزداد إثماً ؛ لأنه بذلك أفسد صومه ، فعليه أن يتوب إلى الله توبتين ، توبة من عمل العادة السرية ، وتوبة لإفساد صومه ، وعليه أن يقضي هذا اليوم الذي أفسده .

" فتاوى الشيخ العثيمين " ( 19 / السؤال 191 ) .

ولم يكن لك أن تأكل بعد أن أفسدتَ صيامك بالعادة السرية ، وليس لمن أبطل صومه بفعل مباحٍ في الأصل كالجماع ، أو فعل محرَّم كالاستمناء أن يأكل ويشرب ؛ بل يجب عليه الإمساك بقية يومه ، وإن كان إمساكه لا يعدُّ صياماً ، وإنما الذي يجوز له الأكل والشرب والجماع هو من أفطر برخصة من الشرع ، وبعذر شرعي .

سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :

إذا أفطر الإنسان لعذرٍ وزال العذر في نفس النهار فهل يواصل الفطر أم يمسك ؟ .

فأجاب :

الجواب : أنه لا يلزمه الإمساك ؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع ، فحرمة هذا اليوم غير ثابتة في حق هذا الرجل ، ولكن عليه أن يقضيه ، وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعاً ، ليس بصحيح ، ومثال ذلك : رجل رأى غريقاً في الماء ، وقال : إن شربت أمكنني إنقاذه ، وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه ، فنقول : اشرب وأنقذه ، فإذا شرب وأنقذه فهل يأكل بقية يومه ؟ نعم ، يأكل بقية يومه ؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بمقتضى الشرع ، فلا يلزمه الإمساك .

ولهذا لو كان عندنا إنسان مريض ، هل نقول لهذا المريض : لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب إلا إذا عطشت ؟ لا ؛ لأن هذا المريض أبيح له الفطر ، فكلُّ مَن أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي : فإنه لا يلزمه الإمساك ، والعكس بالعكس ، لو أن رجلاً أفطر بدون عذر ، وجاء يستفتينا : أنا أفطرت وفسد صومي هل يلزمني الإمساك أو لا يلزمني ؟ قلنا : يلزمك الإمساك ؛ لأنه لا يحل لك أن تفطر ، فقد انتهكت حرمة اليوم بدون إذن من الشرع ، فنلزمك بالبقاء على الإمساك ، وعليك القضاء ؛ لأنك أفسدت صوماً واجباً شرعت فيه .

" فتاوى ابن عثيمين " ( 19 / السؤال رقم 57 ) .

ثالثاً :

أما سماعك الغناء : فهو فعل محرَّم

ربعاً :

أما عن الشبهات التي تطرأ على قلبك أخي الفاضل : فاعلم أنها من مكائد الشيطان ، واعلم أن مثل هذه الشبهات لا تطرأ على صاحب العلم واليقين ، فكن من أهلهما ، واحرص على زيادتهما لترى أنه لا مكان للشبهات عند أصحابهما .
واجعل في صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم خير أسوة لك ، فعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة – كما جاء في الصحيحين –

هل استشكلوا ذلك ؟ هل قالوا كيف ذلك وهنا ثلث ليل وهناك في أقصى الأرض نهار في الوقت نفسه ؟

لم يكن من ذلك شيء ؛ لما عندهم من علم بالكتاب والسنَّة ، ويقين بصدق نبيهم ، وأن ما قاله وحي من ربه تعالى ، فماذا فعلوا ؟ سارعوا إلى الدعاء والصلاة في ثلث الليل الآخر ، وهذا هو المطلوب من كل مسلم ، أن يسلِّم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، ويستجيب لأوامره ، وإلا كان مشابهاً للكفار الذين أنكروا إسراءه لبيت المقدس ، ومعراجه للسماء في جزء من الليل ، ومن كان مصدِّقاً لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم : كان مشابهاً للصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه .

وعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الدجال يمكث في الأرض أربعين يوماً ، يوم كسنَة ، ويوم كشهر ، ويوم كأسبوع ، وسائر أيامه كأيامكم – كما رواه مسلم - ، فماذا فعل الصحابة رضي الله عنهم ؟ هل توقفوا ؟

هل استشكلوا ؟ هل ردوا الخبر ؟ كل ذلك لم يكن ، وإنما سألوا عن صلاتهم في اليوم الذي يكون كسنَة !! وهذا هو موقف أهل العلم واليقين من الأخبار الصادقة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وما ذكرته من أن الجنة تفتح أبوابها يوم الاثنين والخميس : هو حديث صحيح ، رواه مسلم وغيره ، فهل علمتَ ماذا حوى من علم وتوجيه للمسلمين ؟ اقرأ الحديث وتمعن فيه جيداً :

روى مسلم في صحيحه (2565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) .

انظر في الحديث وما حوى من عظم الشرك وخطره ، وانظر إلى عظم القطيعة والشحناء بين المسلمين ، ثم انظر لنفسك تترك ذلك كله لتستشكل ما استشكلت ، وليس الأمر عجزاً عن الرد ، بل هو لتأصيل موقف المسلم من صحيح السنَّة ، وموقفه مما يطرأ على قلبه من الشبهات ، ومعرفة سبب ذلك ، وكيف يدفعه .

واعلم أنك لو تراجع نفسك في اعتقادك بربك تعالى فإنك ستجد نفسك تؤمن بما هو أعظم وأعلى من ذلك بكثير ، فأنت تؤمن أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لكل خلقه في اللحظة نفسها ، وأنت تؤمن أن الله تعالى يسمع كلام خلقه على اختلاف لغاتهم في اللحظة نفسها ، فأين هذا مما يجيء به الشيطان للمسلم من استعظامه لبعض صفات الرب تعالى ، أو لبعض الأحكام ؟! .

وقد رأينا للإمام ابن القيم كلاماً متيناً حول هذا الموضوع بعينه ، نرجو أن يكون كافياً لكل أحدٍ يقرؤه في قطع كل شبهة ترد على القلب مما ليس أساس من العلم ، وفي كلامه رحمه الله بيان أسباب ورود الشبهات ، وطريقة دفعها .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

وقوله – أي : علي بن أبي طالب رضي الله عنه - " ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة " : هذا لضعف علمه ، وقلة بصيرته ، إذا وردت على قلبه أدنى شبهة : قدحت فيه الشك والريب ، بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبَه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ، ولا قدحت فيه شكّاً لأنه قد رسخ في العلم ، فلا تستفزه الشبهات ، بل إذا وردت عليه : ردها حَرَسُ العلم ، وجيشه ، مغلولةً ، مغلوبةً

والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له ، فمتى باشر القلب حقيقة العلم : لم تؤثر تلك الشبهة فيه ، بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها ، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه : قدحت فيه الشك بأول وهلة ، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكّاً مرتاباً

والقلب يتوارده جيشان من الباطل : جيش شهوات الغي ، وجيش شبهات الباطل ، فأيما قلب صغا إليها ، وركن إليها : تشرَّبها ، وامتلأ بها ، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها ، فإن أُشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات ، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه ، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه .

وقال لي شيخ الاسلام رضي الله عنه

– أي : ابن تيمية - وقد جعلت أُورد عليه إيراداً بعد إيراد - : لا تجعل قلبَك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها : صار مقرّاً للشبهات ، أو كما قال ، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .

وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها ؛ فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ، وأكثر الناس أصحاب حُسن ظاهر ، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس : فيعتقد صحتها ، وأما صاحب العلم واليقين : فإنه لا يغتر بذلك ، بل يجاوز نظره إلى باطنها ، وماتحت لباسها ، فينكشف له حقيقتها ، ومثال هذا : الدرهم الزائف ، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظراً إلى ما عليه من لباس الفضة ، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك ، فيطَّلع على زيفه .

" مفتاح دار السعادة " ( 1 / 139 ، 140 ) .

ونسأل الله تعالى أن يهديك لما يحب ويرضى ، وأن يوفقك لكل خير ، وأن يثبت قلبك على الإيمان ، وأن يزيدك هدى وعلماً وتوفيقاً .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-04-04, 18:12
: أخفى إسلامه ودُفن في مقابر
الكفار فهل يكون كافراً ؟

السؤال

لنفرض أن هناك نصرانيّاً قد أسلم ولم يخبر أهله ، فبعد فترة توفي ، ولكن أهله لا يعرفون أنه قد أسلم فسيصلون عليه في الكنيسة ويدفنونه على الطريقة النصرانية ، أريد أن أعرف ما حكم هذا ؟

هل يموت على الإسلام أم على الكفر ؟.

الجواب

الحمد لله

اعلم أخي الكريم ـ أولا ـ أن الفقهاء اتفقوا على أنه لا يجوز أن يدفن المسلم في مقابر الكفار ، ولا الكافر في مقابر المسلمين ، إلا لضرورة [ انظر : الموسوعة الفقهية : 21/20 ، أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية ، د عبد الله السحيباني ، ص :231-232] .

وإذا مات المسلم في بلاد الكفار ، فإنه يجب على وليه ، أو من علم به من المسلمين ، أن ينقله إلى بلاد المسلمين حتى يدفن فيها .

وهذا النقل والتحويل إلى بلاد الإسلام حسب الاستطاعة ، فإن تعذر نقله فيدفن في بلاد الكفار ، لكن في غير مقابرهم .

[ انظر : أحكام المقابر ص : 225-226] .

قال شيخ الإسلام رحمه الله : " وهذا آكد من التمييز بينهم حال الحياة ، بلبس الغيار ونحوه ؛ فإن مقابر المسلمين فيها الرحمة ، ومقابر الكفار فيها العذاب " [الاختيارات ص 94] .

ثانيا : الصورة التي سألت عنها ، وهي حالة تتكرر لكثير من المسلمين المستضعفين في بلاد الكفر ، الذين لا يتمكنون من الهجرة إلى بلد يعلنون فيه إسلامهم ، ويأمنون فيه على دينهم وأنفسهم ، ولا يستطيعون ـ أيضا ـ إظهار إسلامهم في البلاد التي يعيشون فيها ، إما خشية على أنفسهم من بطش أقربائهم بهم ، كما هو الحال في سؤالك ، أو لغير ذلك من الأسباب ؛ فهؤلاء يبعثون على نياتهم ، وحكم في الآخرة حكم ما عندهم من الإيمان والعمل الصالح ، وليس حكم الأرض التي ماتوا فيها ، أو القبر الذي دفنوا فيه ؛ عَنْ جَابِر بنِ عَبْدِ الله قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ) رواه مسلم (2878)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلامِ اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ .

رواه أبو داود ( 3201 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله - :

" اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلامِ ) الحياة ذكر معها الإسلام ، وهو الاستسلام الظاهر ، ومع الموت ذكر الإيمان ؛ لأن الإيمان أفضل ، ومحله القلب ، والمدار على ما في القلب عند الموت وفي يوم القيامة "

" شرح رياض الصالحين " ( 2 / 1200 ) .

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما يقول بعض الناس : إن لله ملائكة ينقلون من مقابر المسلمين إلى مقابر اليهود والنصارى ، وينقلون من مقابر اليهود والنصارى إلى مقابر المسلمين ؛ ومقصودهم : أن من ختم بشر في علم الله ، وقد مات في الظاهر مسلما ، أو كان كتابيا وختم له بخير ، فمات مسلما في علم الله ، وفي الظاهر مات كافرا ، فهؤلاء ينقلون ؛ فهل ورد في ذلك خبر أم لا ؟ وهل لذلك حجة ؟ أم لا ؟

فقال رحمه الله : أما الأجساد فإنها لا تنقل من القبور ، لكن نعلم أن بعض من يكون ظاهره الإسلام ، ويكون منافقا : إما يهوديا أو نصرانيا أو مرتدا .. ، فمن كان كذلك فإنه يكون يوم القيامة مع نظرائه ، كما قال تعالى : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) أي أشباههم ونظراءهم . وقد يكون بعض من مات ، وظاهره الكفر ، قد آمن بالله قبل أن يغرغر ، ولم يكن عنده مؤمن ، وكتم عن أهله ذلك ؛ إما لأجل ميراث أو لغير ذلك ، فيكون مع المؤمنين ، وإن كان مقبورا مع الكفار .

وأما الأثر في نقل الملائكة فما سمعت في ذلك أثرا . انتهى من الفتاوى الكبرى (3/27) بتصرف يسير .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-04, 18:14
الجواب عن سؤال أهل الإلحاد
" هل يستطيع الله أن يخلق
صخرة لا يمكنه رفعها ؟ "

السؤال

هذا السؤال قد يُطرح من قبل أحد دعاة التنصير : " هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يمكنه رفعها ؟ " كيف نرد على ذلك ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا السؤال – وأمثاله – فيه مغالطة كبيرة ، ويحاول كثير من الملحدين أن يستعمله في حواراته مع المسلمين ، وهم يريدون الإلزام للمجيب فإن قال : لا يستطيع . قالوا : كيف يكون إلها وهو عاجز عن الخلق ؟! وإن قال : يستطيع . قالوا : كيف يكون إلهاً وهو عاجز عن الحمل والرفع لهذه الصخرة ؟!

والجواب :

أن هذا السؤال غير صحيح في الأصل ، فقدرة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيلات ؛ فكيف يكون إلهاً وهو عاجز عن رفع " صخرتهم " ومن صفات الله تعالى القدرة ؟! وهل سيوجد في صفات المخلوقات ما هو أعظم من صفات خالقها ؟!

وقد أجاب الأستاذ سعد رستم عن هذا السؤال بجواب علمي رصين ننقله بنصه ، إذ قال :

قدرة الله - التي هي بلا شك مطلقة وغير محدودة - إنما تتعلق بالممكنات العقلية لا بالمستحيلات العقلية ، فالقدرة مهما كانت مطلقة ولا حدود لها تبقى في دائرة ممكنات الوجود ، ولا تتعلق بالمستحيلات ، وليس هذا بتحديد لها ، ولتوضيح هذه النقطة نضرب بعض الأمثلة :

نسأل جميع هؤلاء الأساقفة واللاهوتيين : هل يستطيع الله تعالى أن يخلق إلـهاً آخر مثله ؟ إن قالوا : نعم . قلنا لهم : هذا المخلوق كيف يكون إلـهاً وهو مخلوق ؟ وكيف يكون مثل الله مع أنه حادث في حين أن الله أزلي قديم ؟ في الحقيقة إن عبارة " خلق إله " سفسطة وتناقض عقلي لأن الشيء بمجرد أن يُخلَق فهو ليس بإله ، فسؤالنا هذا بمثابة سؤالنا هل يستطيع الله تعالى أن يخلق " إلـها غير إله " ؟! وبديهي أن الجواب لا بد أن يكون : إن قدرة الله لا تتعلق بذلك ؛ لأن كون الشيء إلـهاً وغير إله تناقض عقلي مستحيل الوجود ، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيلات .

مثال آخر : نسألهم أيضاً : هل يستطيع الله تعالى أن يخرِج أحداً حقيقة من تحت سلطانه ؟

إن أجابوا بالإيجاب حددوا نفوذ الله تعالى وسلطانه ، وإن أجابوا بالنفي - وهو الصحيح - وافقونا بأن قدرة الله المطلقة لا تتعلق بالمستحيلات ؛ لأنه مستحيل عقلاً أن يخرج أي مخلوق من سلطان ونفوذ خالقه وموجِده .

مثال ثالث : سألني مرة أحد الملحدين فقال : " هل يستطيع ربكم أن يخلق صخرة هائلة تكون من الضخامة بحيث يعجز هو نفسه عن تحريكها " ؟ وأضاف متهكِّماً : " إن قلت لي نعم يستطيع : فقد أثبت لربك العجز عن تحريك صخرة ، وهذا دليل على أنه ليس بإلهٍ ، وإن قلت لي : كلا ، لا يستطيع ، اعترفت بأنه لا يقدر على كل شيء ، و بالتالي فهو ليس بإلهٍ " ! .

فأجبت هذا الملحد بكل بساطة : نعم ، لا يدخل ضمن قدرة الله أن يخلق صخرة يعجز عن تحريكها ؛ لأن كل ما يخلقه الله يقدر على تحريكه ، ولكن عدم إمكان تعلق قدرة الله تعالى بخلق مثل هذه الصخرة المفترضة ليس دليلا على عجزه بل - على العكس تماماً - هو دليل على كمال قدرته ! لأن سؤالك هذا بمثابة من يسأل :

هل يستطيع الله تعالى أن يكون عاجزاً عن شيء ممكن عقلا ؟ وبديهي أن الإجابة بالنفي لا تفيد تحديد قدرة الله بل تفيد تأكيد كمال قدرته تعالى وتمامها ؛ لأن عدم العجز عين القدرة وليس عجزاً ، تماماً كما أنه لو قلنا إن الله لا يمكن أن يجهل أو ينسى شيئاً ، لا يكون في قولنا هذا إثباتٌ لعجز فيه تعالى أو نقص ، بل يكون تأكيداً على كماله تعالى وكلية قدرته وعلمه .

" الأناجيل الأربعة ورسائل بولس ويوحنا تنفي ألوهية المسيح كما ينفيها القرآن "

للأستاذ " سعد رستم "

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-04, 18:17
: الحكمة مِن خَلْق البشر

السؤال

لما خُلق البشر ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

من عظيم صفات الله تعالى " الحكمة " ، ومن أعظم أسمائه تعالى " الحكيم " ، وينبغي أن يُعلم أنه ما خلق شيئاً عبثاً ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وإنما يخلق لِحِكَمٍ بالغة عظيمة ، ومصالح راجحة عميمة ، عَلِمَها من عَلِمها ، وجَهِلها من جهلها ، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم ، فبيَّن أنه لم يخلق البشر عبثاً ، ولم يخلق السموات والأرض عبثاً ، فقال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ

. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) المؤمنون/115،116 ، وقال سبحانه وتعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ) الأنبياء/16 ، وقال عز وجل : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) الدخان/38 ، 39 ، ويقول سبحانه وتعالى : ( حم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ) الأحقاف/1 – 3 .

وكما أن ثبوت الحكمة في خلق البشر ثابت من ناحية الشرع , فهو ثابت – أيضاً - من ناحية العقل ، فلا يمكن لعاقل إلا أن يسلِّم أنه قد خلقت الأشياء لحكَمٍ ، والإنسان العاقل ينزه نفسه عن فعل أشياء في حياته دون حكمة ، فكيف بالله تعالى أحكم الحاكمين ؟!

ولذا أثبت المؤمنون العقلاء الحكمة لله تعالى في خلقه ، ونفاها الكفار ، قال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ

السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران/190 ، 191 ، وقال تعالى – في بيان موقف الكفار من حكمة خلقه - : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ص/27 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السموات والأرض ، وأنه لم يخلقهما باطلاً ، أي : عبثاً ولعباً ، من غير فائدة ولا مصلحة .

( ذلك ظن الذين كفروا ) بربهم ، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله .

( فويل للذين كفروا من النار ) فإنها التي تأخذ الحق منهم ، وتبلغ منهم كل مبلغ ، وإنما خلق الله السموات والأرض بالحق وللحق ، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته ، وسعة سلطانه ، وأنه تعالى وحده المعبود ، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السموات والأرض ، وأن البعث حق ، وسيفصل الله بين أهل الخير والشر

ولا يظن الجاهل بحكمة الله ، أن يسوي الله بينهما في حكمه ، ولهذا قال : ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) هذا غير لائق بحِكمَتنا وحُكْمنا " انتهى .

" تفسير السعدي " ( ص 712 ) .

ثانياً :

ولم يخلق الله تعالى الإنسان ليأكل ويشرب ويتكاثر ، فيكون بذلك كالبهائم ، وقد كرَّم الله تعالى الإنسان ، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً ، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفوراً فجهلوا أو جحدوا الحكمة الحقيقية من خلقهم ، وصار كل هَمِّهِم التمتع بشهوات الدنيا , وحياة هؤلاء كحياة البهائم , بل هم أضل ، قال تعالى :

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) محمد/12 ، وقال تعالى : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) الحجر/3 , وقال تعالى : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف/179 .

ومن المعلوم عند عقلاء الناس أن الذي يصنع الشيء هو أدرى بالحكمة منه من غيره ، ولله المثل الأعلى فإنه هو الذي خلق البشر ، وهو أعلم بالحكمة من خلقه للناس ، وهذا لا يجادل فيه أحد في أمور الدنيا ، ثم إن الناس كلهم يجزمون أن أعضاءهم خُلقت لحكمة ، فهذه العين للنظر ، وهذه الأذن للسمع ، وهكذا ، أفيُعقل أن تكون أعضاؤه مخلوقةً لحكمة ، ويكون هو بذاته مخلوقاً عبثاً ؟! أو أنه لا يرضى أن يستجيب لمن خلقه عندما يخبره بالحكمة من خلقه ؟!

ثالثاً :

وقد بيَّن الله تعالى أنه خلق السموات والأرض ، والحياة والموت للابتلاء والاختبار ، ليبتلي الناس , مَنْ يطيعه ليثيبه ، ومَنْ يعصيه ليعاقبه ، قال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ) هود/ 7 ، وقال عز وجل : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/ 2 .

وبهذا الابتلاء تظهر آثار أسماء الله تعالى وصفاته ، مثل اسم الله تعالى " الرحمن " ، و " الغفور " و " الحكيم " و " التوَّاب " و " الرحيم " وغيرها من أسمائه الحسنى .

ومن أعظم الأوامر التي خلق الله البشر من أجلها – وهو من أعظم الابتلاءات - : الأمر بتوحيده عز وجل وعبادته وحده لا شريك له ، وقد نصَّ الله تعالى على هذه الحكمة في خلق البشر فقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" أي : إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي ، لا لاحتياجي إليهم ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : إلا ليعبدون ، أي : إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً ، وهذا اختيار ابن جرير ، وقال ابن جريج : إلا ليعرفون ، وقال الربيع بن أنس : إلا ليعبدون ، أي : إلا للعبادة " انتهى .

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 239 ) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ، ومعرفته بأسمائه وصفاته ، وأمرهم بذلك ، فمن انقاد ، وأدى ما أمر به ، فهو من المفلحين ، ومن أعرض عن ذلك ، فأولئك هم الخاسرون ، ولا بد أن يجمعهم في دار ، يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم ، ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء ، فقال : ( ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) أي : ولئن قلتَ لهؤلاء

وأخبرتهم بالبعث بعد الموت ، لم يصدقوك ، بل كذبوك أشد التكذيب ، وقدحوا فيما جئت به ، وقالوا : ( إن هذا إلا سحر مبين ) ألا وهو الحق المبين " انتهى .

" تفسير السعدي " ( ص 333 ) .

والله أعلم .

الفتاة السعيدة
2018-04-04, 18:22
شكرا.بارك.الله.فيك

*عبدالرحمن*
2018-04-04, 18:26
تحمَّل المسئولية فأصيب بالقلق والاكتئاب

السؤال

أولاً أنا شاب أبلغ من العمر 20 سنة ، أدرس في كلية الطب ، توفي والدي في الفترة الأخيرة ، وأصبح جُلّ المسؤوليات على عاتقي ، علماً بأن لي أخاً أكبر مني لكنه عاجز ، أصبت قبل أيام بحالات اضطراب نفسي ، وأصبحت أخاف من المرض والموت وتأتيني حالات بأني سأموت اليوم وما شابه ذلك من الأفكار الغريبة ، ذهبت إلى دكتور نفسي وقال لي : إنك تعانى من القلق والاكتئاب ، أعطاني دواء ولكن لم آخذه .

التزمت - والحمد لله - والتجأت إلى الله عز وجل ، والحمد لله أنا الآن أحسن بكثير مع قراء ة القرآن والصلاة في المسجد ، سؤالي هو : هل حالتي تتطلب الدواء أو لا ؟ وهل هذا من الشيطان أم مرض عضوي ؟.

الجواب

الحمد لله

لا غنى للمؤمن عن ربه عز وجل ، فهو – عز وجل – الذي يجلب النفع ويدفع الضر ، فلجوؤك إلى الله عز وجل هو الفعل الصحيح .

الموت حق ، وقد كتبه الله تعالى على كل نفسٍ ، كما قال عز وجل : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) آل عمران/185 ، ومهما بذل الإنسان من أسباب فإنها لن تدفع عنه قدر الله عز وجل وقضاءه ومنه الموت .

لا ينبغي للخوف أن يصد العبدَ عن الطاعة بل العكس هو الصواب ، فالخوف هو الذي يقوده للطاعة ويحثه على العبادة ، والخوف – كما يقول ابن قدامة – " سوط الله تعالى يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل ، لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى " .

وقد يؤدي الخوف بصاحبه إلى همٍّ وغمٍّ ومرض ، وقد يؤدي به إلى اليأس من رحمة الله تعالى ، وهنا يكون خوفه غير محمود بل مذموم .

وينبغي أن يُعلم أن كثيراً من الهموم والضغوط النفسية سببها عدم الرضا ، فقد لا نحصل على ما نريد ، وحتى لو حصلنا على ما نريد فقد لا يعطينا ذلك الرضا التام الذي كنا نأمله ، فالصورة التي كنا نتخيلها قبل الإنجاز كانت أبهى من الواقع .

وحتى بعد حصولنا على ما نريد فإننا نظل نعاني من قلق وشدة خوفا من زوال النعم ، فلا علاج لهذا إلا بالرضا بقدر الله تعالى والشكر على نعمه والصبر على ما يقدره الله تعالى من الشدائد والمصائب

وقد تكون حالتك بحاجة لطبيب ، لكن لتعلم أن أكثر أمراض الناس ليست أمراضاً عضوية بل هي نفسية تؤثر على الأعضاء .

يقول الدكتور الفاريز : لقد اتضح أن أربعة من كل خمسة مرضى ليس لعلتهم أساس عضوي البتة ، بل مرضهم ناشئ من الخوف ، والقلق ، والبغضاء والأثرة المستحكمة ، وعجز الشخص عن الملاءمة بين نفسه والحياة " .

فانظر كيف أن بكاء يعقوب عليه السلام على ابنه يوسف عليه السلام أفقده بصره ، وكيف أن الغم بلغ مداه بعائشة رضي الله عنه عندما تطاول عليها أهل الإفك فظلت تبكي حتى قالت : " ظننت أن الحزن فالق كبدي " متفق عليه .

قال الدكتور حسَّان شمسي باشا :

وفي حالات القلق يزداد إفراز مادة في الدم تدعى " الأدرينالين " ، فيرتفع ضغط الدم ، ويتسرع القلب ، ويشكو الإنسان من الخفقان ، أو يشعر وكأن شيئا ينسحب إلى الأسفل داخل صدره .

ويظن بقلبه الظنون ، ويهرع من طبيب إلى طبيب ، وما به من علة في قلبه ، ولا مرض في جسده إلا أنه يظل يشكو من ألم في معدته واضطراب في هضمه ، أو انتفاخ في بطنه ، واضطراب في بوله أو صداع في رأسه . اهـ

انتهى

فعليك بالإيمان والتقوى والمحافظة على الأذكار والأوراد الشرعيَّة فهي من أعظم أنواع العلاجات لإزالة ما يتكدر به الخاطر ، وما تحزن من أجله النفوس .

ومن الأدعية النبوية في هذا الباب :

1. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضَلَع الدين وغلبة الرجال " .

رواه البخاري ( 6008 ) .

ضَلع الدَّين : غلبته وثقله .

2. عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حزنٌ فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي : إلا أذهب الله همَّه وحزنه ، وأبدله مكانه فرجاً .

قال : فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال : بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها .

رواه أحمد ( 3704 ) .

والحديث : صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 199 ) .

3. عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له .

رواه الترمذي ( 3505 ) .

والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 3383 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-04, 18:30
معنى الإيمان بالله

السؤال

قرأت وسمعت كثيراً عن فضائل تحقيق الإيمان بالله تعالى ، وأريد منكم أن تفصلوا لي من معنى الإيمان بالله بما يساعدني على تحقيقه ، وعلى البعد عما يخالف منهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهج أصحابه ؟.

الجواب

الحمد لله

الإيمان بالله هو الاعتقاد الجازم بوجوده سبحانه وتعالى ، وربوبيته ، وألوهيته ، وأسمائه وصفاته .

الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور ، فمن آمن بها فهو المؤمن حقاًّ .

الأول: الإيمان بوجود الله تعالى

ووجود الله تعالى قد دل عليه العقل والفطرة ، فضلاً عن الأدلة الشرعية الكثيرة التي تدل على ذلك.

1 ـ أما دلالة الفطرة على وجوده: فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ) رواه البخاري (1358) ومسلم (2658) .

2 ـ وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى؛ فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من خالق أوجدها، إذ لا يمكن أن توجِدَ نفسها بنفسها ، ولا يمكن أن توجد صدفة .

فهي لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يَخلق نفسَه ، لأنه قبل وجوده معدوم، فكيف يكون خالقاً ؟!

ولا يمكن أن توجد صدفة ، لأن كل حادث لا بد له من محدث ، ولأن وجودها على هذا النظام البديع المحكم ، والتناسق المتآلف ، والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها ، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعاً باتاًّ أن يكون وجودها صدفة ، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده ، فكيف يكون منتظماً حال بقائه ؟!

وإذا لم يمكن أن تُوجِد هذه المخلوقات نفسَها بنفسها، ولا أن توجَد صدفة، تعين أن يكون لها موجِدٌ وهو الله رب العالمين .

وقـد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطور، حيث قال : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) الطور /35 .

يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق ، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى ، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات : ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون . أم خلقوا السمـوات والأرض بل لا يوقنـون . أم عندهـم خزائن ربك أم هم المسيطرون ) الطور /35-37 . وكان جبير يومئذ مشركاً قال : ( كاد قلبي أن يطير ، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي ) رواه البخاري في عدة مواضع .

ولنضرب مثلاً يوضح ذلك :

فإنه لو حدثك شخص عن قصر مشيد، أحاطت به الحدائق، وجرت بينها الأنهار، وملئ بالفُرُش والأَسِرّة، وزُيِّن بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته ، وقال لك : إن هذا القصر وما فيه من كمال قد أوجد نفسه ، أو وجد هكذا صدفة بدون موجد، لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه ، وعددت حديثه سفهاً من القول ، أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع بأرضه ، وسمائه ، وأفلاكه ، البديعُ الباهرُ ، المحكَم المتقَنُ قد أوجد نفسه ، أو وجد صدفة بدون موجد ؟!

وقد فهم هذا الدليل العقلي أعرابي يعيش في البادية ، وعَبَّر عنها بأسلوبه ، فلما سُئِل : بم عرفت ربك ؟ فقال : البعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا تدل على السميع البصير ؟!!

ثانياً: الإيمان بربوبيته تعالى

أي: بأنه وحده الرب لا شريك له ولا معين.

والرب : هو من له الخلق ، والملك ، والتدبير ، فلا خالق إلا الله ، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر للأمور إلا الله ، قال الله تعالى : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ) الأعراف /45 . وقال تعالى : ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ) يونس/31 . وقال تعالى : ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ) السجدة /5 . وقال : ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ) فاطر/13 .

وتأمل قول الله تعالى في سورة الفاتحة : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) الفاتحة /4 . وفي قراءة متواترة ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) وإذا جمعت بين القراءتين ظهر معنى بديع ، فالملك أبلغ من المالك في السلطة والسيطرة ، لكن الملك أحياناً يكون ملكاً بالاسم فقط لا بالتصرف ، أي أنه لا يملك شيئاً من الأمر ، وحينئذٍ يكون ملكاً ولكنه غير مالك ، فإذا اجتمع أن الله تعالى ملكٌ ومالكٌ تم بذلك الأمر ، بالملك والتدبير .

الثالث : الإيمان بألوهيته

أي : بأنه الإله الحق لا شريك له .

و(الإله) بمعنى (المألوه) أي : (المعبود) حباًّ وتعظيماً ، وهذا هو معنى (لا إله إلا الله) أي : لا معبودَ حقٌّ إلا الله . قال تعالى : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) البقرة /163 . وقال تعالى : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) آل عمران /18 .

وكل ما اتخذ إلهاً مع الله يعبد من دونه فألوهيته باطلة ، قـال الله تعـالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) الحج /62 .

وتسميتها آلهة لا يعطيها حق الألوهية . قال الله تعالى في ( اللات والعزى ومناة ) : ( إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) النجم/23 .

وقال تعالى عن يوسف عليه السلام أنه قال لصاحبي السجن : ( أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ - مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) يوسف /40 .

فلا يستحق أحد أن يعبد ، ويفرد بالعبادة إلا الله عز وجل ، لا يشاركه في هذا الحق أحدٌ ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولهذا كانت دعوة الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم هي الدعوة إلى قول ( لا إله إلا الله ) قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء /35 . وقال : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل/36 .

ولكن أبى ذلك المشركون ، واتخذوا من دون الله آلهة ، يعبدونهم مع الله سبحانه وتعالى ، ويستنصرون بهم ويستغيثون .

الرابع : الإيمان بأسمائه وصفاته

أي : إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ، ولا تمثيل . قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأعراف /180 .

فهذه الآية دليل على إثبات الأسماء الحسنى لله تعالى . وقال تعالى : ( وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الروم /27 . وهذه الآية دليل على إثبات صفات الكمال لله تعالى ، لأن ( المثل الأعلى ) أي : الوصف الأكمل . فالآيتان تثبتان الأسماء الحسنى والصفات العلى لله تعالى على سبيل العموم . وأما تفصيل ذلك في الكتاب والسنة فكثير .

وهذا الباب من أبواب العلم ، أعني : أسماء الله تعالى وصفاته من أكثر الأبواب التي حصل فيها النـزاع والشقاق بين أفراد الأمة ، فقد اختلفت الأمة في أسماء الله تعالى وصفاته فرقاً شتى .

وموقفنا من هذا الاختلاف هو ما أمر الله به في قوله : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) النساء /59 .

فنحن نرد هذا التنازع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مسترشدين في ذلك بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهذه الآيات والأحاديث ، فإنهم أعلم الأمة بمراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم . ولقد صدق عبد الله بن مسعود وهو يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( من كان منكم مستنا ، فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، قوم اختارهم الله لإقامة دينه ، وصحبة نبيه ، فاعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ) .

وكل من حاد عن طريق السلف في هذا الباب فقد أخطأ وضل واتبع غير سبيل المؤمنين واستحق الوعيد المذكور في قوله تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) النساء /115 .

والله تعالى قد اشترط للهداية أن يكون الإيمان بمثل ما آمن به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله تعالى : ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ) البقرة /137 .

فكل من بَعُدَ وحاد عن طريق السلف فقد نقص من هدايته بمقدار بعده عن طريق السلف .

وعلى هذا فالواجب في هذا الباب إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات ، وإجراء نصوص الكتاب والسنة على ظاهرها ، والإيمان بها كما آمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ، الذين هم أفضل هذه الأمة وأعلمها .

ولكن يجب أن يعلم أن هناك أربعة محاذير من وقع في واحد منها لم يحقق الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته كما يجب ، ولا يصح الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته إلا بانتفاء هذه المحاذير الأربعة وهي : التحريف ، والتعطيل ، والتمثيل ، والتكييف .

ولذلك قلنا في معنى الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته هو ( إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ) .

وهذا هو بيان هذه المحاذير الأربعة باختصار :

1- التحريف :

والمراد به تغيير معنى نصوص الكتاب والسنة من المعنى الحق الذي دلت عليه ، والذي هو إثبات الأسماء الحسنى والصفات العلى لله تعالى إلى معنى آخر لم يرده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .

مثال ذلك :

تحريفهم معنى صفة اليد الثابتة لله تعالى والواردة في كثير من النصوص بأن معناها النعمة أو القدرة .

2- التعطيل :

والمراد بالتعطيل نفي الأسماء الحسنى والصفات العلى أو بعضها عن الله تعالى .

فكل من نفى عن الله تعالى اسماً من أسمائه أو صفة من صفاته مما ثبت في الكتاب أو السنة فإنه لم يؤمن بأسماء الله تعالى وصفاته إيماناً صحيحاً .

3- التمثيل :

وهو تمثيل صفة الله تعالى بصفة المخلوق ، فيقال مثلاً : إن يد الله مثل يد المخلوق . أو إن الله تعالى يسمع مثل سمع المخلوق . أو إن الله تعالى استوى على العرش مثل استواء الإنسان على الكرسي . . . وهكذا .

ولا شك أن تمثيل صفات الله تعالى بصفات خلقه منكر وباطل ، قال الله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى /11 .

4- التكييف :

وهو تحديد الكيفية والحقيقة التي عليها صفات الله تعالى ، فيحاول الإنسان تقديراً بقلبه ، أو قولاً بلسانه أن يحدد كيفية صفة الله تعالى .

وهذا باطل قطعاً ، ولا يمكن للبشر العلم به ، قال الله تعالى : ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) طـه /110 .

فمن استكمل هذه الأمور الأربعة فقد آمن بالله تعالى إيماناً صحيحاً .

نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان يتوفانا عليه .

والله تعالى أعلم .

انظر : رسالة شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-04-04, 18:34
شكرا.بارك.الله.فيك

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات

اختي الفاضله

تواجدك حافز للمواصله
جعله الله لكِ في موازين حسناتك

بارك الله فيكِ
و في كل من يواصل معي النشر

تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال

*عبدالرحمن*
2018-04-05, 15:36
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

رحمة الله بعباده

السؤال

الله رحيم جداً ، فقد سمعت بأن الله يحبنا أكثر من محبة 70 أم لطفلها ، هل هذا صحيح ؟ أرجو الشرح .

الجواب

الحمد لله

الله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم وهو أرحم الراحمين الذي وسعت رحمته كل شيء ، قال تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف / 156

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة ، يرحم بها عباده يوم القيامة ) مسلم / 6908 .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي ، فإذا امرأة من السبي تبتغي ، إذا وجدت صبيا في السبي ، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ ، قلنا : لا ، والله ! وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله أرحم بعباده من هذه بولدها ) متفق عليه ، البخاري (5653) ومسلم (ا6912).

ومن رحمة الله بعباده إرسال الرسل وإنزال الكتب والشرائع لتستقيم حياتهم على سنن الرشاد بعيدا عن الضنك والعسر والضيق , قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء / 107

ورحمته تعالى هي التي تدخل عباده المؤمنين الجنة يوم القيامة ولن يدخل أحد الجنة بعمله كما قال عليه الصلاة والسلام : ( لن يُدخل أحداً عمله الجنة ) . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ( لا ، ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ، فسددوا وقاربوا ، ولا يتمنين أحدكم الموت ، : إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً ، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب ) رواه البخاري (5349) ومسلم (7042) .

وعلى المؤمن أن يبقى بين رجاء رحمة الله والخوف من عقابه ، فهو القائل : ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ، وأن عذابي هو العذاب الأليم ) الحجر / 49-50.

وأما قولك " بأن الله يحبنا أكثر من محبة سبعين أم لطفلها " فالله أعلم بذلك ، ويكفينا أنّ نعلم بأن رحمة الله وسعت كل شيء ، فاللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .

*عبدالرحمن*
2018-04-05, 15:42
تقلقه الوساوس والخطرات
ويريد أن يخشع في صلاته

السؤال

عندما أصلي أو أنوي فعل أمر طيب تخطر لي أفكار شيطانية. عندما أركز في الصلاة وأحاول أن أركز على معاني الكلمات تدخل الأفكار الشيطانية إلى عقلي وتكون لي اقتراحات سيئة عن كل شيء بما في ذلك الله. أشعر بالغضب من أجل ذلك. أعلم أنه لا أحد يقبل التوبة إلا الله وحده، ولكن بسبب أفكاري أشعر

أنه لا يوجد أسوأ من أن يخطر ببالي أفكار سيئة عن الله. أسأل الله المغفرة بعد الصلاة ولكني أشعر بالضيق لأني أريد أن أوقف هذه الأفكار السيئة ولكني لا أستطيع. هذه الأفكار تفقدني التمتع بالصلاة وتشعرني بأني مشؤوم. أرجو منكم نصحي .

الجواب

الحمد لله

الوساوس السيئة في الصلاة وغيرها من الشيطان ، وهو حريص على إضلال المسلم ، وحرمانه من الخير وإبعاده عنه ، وقد اشتكى أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الوسواس في الصلاة

فقال : إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي " رواه مسلم (2203)

والخشوع في الصلاة هو لبها ، فصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح ، وإن مما يعين على الخشوع " شيئان :

الأول : اجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله ويفعله ، وتدبر القراءة والذكر والدعاء ، واستحضار أنه مناجٍ لله تعالى كأنه يراه ، فإن المصلي إذا كان قائماً فإنما يناجي ربه ، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، ثم كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة كان انجذابه إليها أوكد ، وهذا يكون بحسب قوة الإيمان – والأسباب المقوية للإيمان كثيرة – ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة " . وفي حديث آخر أنه قال : " أرحنا يا بلال بالصلاة " ولم يقل أرحنا منها .

الثاني : الاجتهاد في دفع ما يُشغل القلب من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه ، وتدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة ، وهذا في كل عبدٍ بحسبه ، فإن كثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات والشهوات ، وتعلق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها ، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها " .

انتهى من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/605) .

وأما ما ذكرته من أن الوساوس بلغت بك مبلغاً عظيماً بحيث أصبحتَ توسوس في ذات الله بما لا يليق بالله ، فإن هذا من نزغات الشيطان ، وقد قال الله تعالى : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) فصلت /36.
وقد اشتكى بعض الصحابة من الوساوس التي تنغص عليهم ، فجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ " رواه مسلم (132) من حديث أبي هريرة .

قال النووي في شرح هذا الحديث : " قوله صلى الله عليه وسلم : ( ذَلِكَ صَرِيح الإِيمَان ) مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلام ( بهذه الوساوس ) هُوَ صَرِيح الإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الإِيمَان اِسْتِكْمَالا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك .

وَقِيلَ مَعْنَاهُ : أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يُوَسْوِس لِمَنْ أَيِسَ مِنْ إِغْوَائِهِ فَيُنَكِّد عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ إِغْوَائِهِ , وَأَمَّا الْكَافِر فَإِنَّهُ يَأْتِيه مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلا يَقْتَصِر فِي حَقّه عَلَى الْوَسْوَسَة بَلْ يَتَلَاعَب بِهِ كَيْف أَرَادَ . فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث : سَبَب الْوَسْوَسَة مَحْض الإِيمَان , أَوْ الْوَسْوَسَة عَلامَة مَحْض الإِيمَان " انتهى

إذاً " فكراهة ذلك وبغضه ، وفرار القلب منه ، هو صريح الإيمان ... والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره ، لابد له من ذلك ، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ، ولا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان { إن كيد الشيطان كان ضعيفاً } ، كلما أراد العبد توجهاً إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوسواس أمور أُخرى ، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق ، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه ، ولهذا قيل لبعض السلف : إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس ، فقال : صدقوا ، وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب "

انتهى من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/608)

* العلاج ..

1- إذا شعرت بهذه الوساوس فقل آمنت بالله ورسوله ، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرَأْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ " رواه أحمد (25671) وحسنه الألباني في الصحيحة 116

2- محاولة الإعراض عن التفكير في ذلك بقدر الإمكان والاشتغال بما يلهيك عنه .

وختاماً نوصيك بلزوم اللجوء إلى الله في كل حال ، وطلب العون منه ، والتبتل إليه ، وسؤاله الثبات حتى الممات ، وأن يختم لك بالصالحات ..

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-05, 15:46
حكم إطلاق لفظة نحن أبناء الله

السؤال

ما حكم من قال من المسلمين "نحن نؤمن أن كلنا أبناء الله" مستشهداً بالحديث الضعيف " الخلق كلهم عيال الله " . ؟.

الجواب

الحمد لله

فالحديث المذكور رواه البزار وأبو يعلى من حديث أنس ، ولفظه : " الخلق كلهم عيال الله ، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله". وهو حديث ضعيف جدا كما قال الألباني في ضعيف الجامع ( حديث رقم 2946).

ومن قال من المسلمين : نحن نؤمن بأننا جميعا أبناء الله ، وجب أن يُستفصل عن مراده قبل أن يُحكم عليه :

1- فإن أراد بالبنوة المعنى المجازي ، وهو كون الناس محتاجين مفتقرين إلى الله تعالى ، واستعمل هذه العبارة في غرض مشروع كالرد على النصارى القائلين بأن المسيح ابن الله ، فلا حرج عليه في إلزامه النصارى بهذا لإبطال عقيدتهم - مع عدم التسليم باستعماله مع غيرهم لما يورثه من لبس ومعانٍ باطلة –

وذلك لأن من وسائل إبطال اعتقاد النصارى في عيسى عليه السلام إيقافهم على عبارات وردت في كتابهم المقدس تثبت البنوة لغير عيسى بما يدل بصورة واضحة على أن معنى النبوة في كل نصوص الإنجيل ليس المراد به البنوة الحقيقة التي زعموها لعيسى بما أدخله القسيس بولس لحرفهم عن عقيدة التوحيد ، معتمداً على اللبس الذي توحيه كلمة ( الأب ) و ( الابن ) ومن هذه النصوص التي ترد عليهم ما جاء في إنجيل لوقا (20/36) قال عيسى عن المؤمنين به ( هم مثل الملائكة ، لا يموتون ، وهم أبناء الله لأنهم أبناء القيامة).

وكما في سفر أشعيا (43/6) ( ائت ببني من بعيد وبناتي من أقصى الأرض ) .

وكما في إنجيل يوحنا (1/12) ( وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه ، الذين ولدوا ليس من دم ولا مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله ).

وهكذا ما جاء في وصف الله بالأب ، كما في إنجيل متى (6/1) من كلام المسيح لتلاميذه ( وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات ) .

وفي إنجيل لوقا (11/2) ( متى صليتم فقولوا : أبانا الذي في السموات ).

وفي إنجيل يوحنا (20/17) ( إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم ).

فالنصارى لا يقولون بأن الملائكة وبني إسرائيل والحواريين أبناء الله حقيقة، كما لا يقولون بأن الله أب لهؤلاء حقيقة ، وإنما يحملون ذلك على المعنى المجازي ، أي أب لهم في النعمة والإحسان والحفظ والرعاية، وهم أبناؤه في العبادة والحاجة والافتقار .

وبهذا يبطل استدلالهم على بنوة عيسى لله بكونه وصف في الإنجيل بأنه ابن الله .

2- وإن أراد أن الناس جميعا أبناء الله كبنوة المسيح لله ، على نحو ما يعتقده النصارى ، فهذا كفر فوق كفر النصارى .
3- وإن أراد أن الجميع أبناء الله أو عياله فلا فرق بين المسلم والكافر ، وأراد بذلك عدم تكفير اليهود والنصارى وعباد الأوثان ، فهذه ردة منه عن الإسلام ؛ فإن من شك في كفر اليهود والنصارى أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً .

4- وإن أراد من ذلك تسويغ إطلاق لفظ " الأخ " على اليهودي والنصراني لأن الجميع عيال الله ، فهذا باطل ، فإنه لا أخوة بين المؤمنين والكافرين ، والحديث لم يصح ، ولو صح لما كان فيه مستند لهذا الإطلاق .

وينبغي الحذر من إطلاق الألفاظ الموهمة ، التي قد توقع الإنسان في المحظور ، وتدعو إلى إساءة الظن به لاسيما ما يتعلق منها بتوحيد الله تعالى ، وإفراده في أسمائه وصفاته إذ حق الله تعالى هو أولى ما يراعى ويجنب ما يخدشه

لاسيما وأن هذه اللفظة قد استعملها اليهود وساقها الله تعالى في القرآن عنهم في سياق الذم ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءاللّه وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِم يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ) المائدة / 18

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-05, 15:50
الأدلة على وجود الله
والحكمة من خلقه للعباد

السؤال

سألني صديقي وهو على غير الإسلام أن أثبت له وجود الله ، ولماذا وهبنا الحياة ، وما هو المقصود من وراء ذلك . لكن إجابتي لم تقنعه ، فأرجو أن تخبرني بالأمور التي يجب علي إخباره بها

الجواب

الحمد لله

أيها الأخ المسلم .. إنّ ما قمت به من الدعوة إلى الله ومحاولة إيضاح حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى وهو أمر يجلب السرور حقاً ، إن معرفة الله تتفق مع الفطر السليمة والعقول المستقيمة ,

وكم هم أولئك الذين إذا ظهرت لهم الحقيقة سرعان ما يسلم أحدهم , فلو أن كل واحد منا قام بواجبه تجاه دينه لحصل خير كثير , فهنيئاً لك

أيها الأخ المسلم أن تقوم بمهمة الأنبياء والمرسلين ، وبشراك بما أنت موعود به من الأجر العظيم الذي جاء على لسان نبيك صلى الله عليه وسلم حيث يقول ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) رواه البخاري3/ 134 ومسلم 4/1872، و( حمر النعم) هي الإبل الحمراء وهي أحسن أنواع الإبل .

ثانياً :

وأما عن أدلة وجود الله فهي واضحة لمن تأملها ولا تحتاج لكثرة بحث وطول نظر ، وعند التأمل نجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أنواع : الأدلة الفطرية ، والأدلة الحسية ، والأدلة الشرعية ، وسوف تتضح لك بإذن الله تعالى .

أولاً :

الأدلة الفطرية :

قال الشيخ ابن عثيمين :

دلالة الفطرة على وجود الله أقوى من كل دليل لمن لم تجتله الشياطين ، ولهذا قال الله تعالى ( فطرت الله التي فطر الناس عليها ) الروم/30 ، بعد قوله : ( فأقم وجهك للدين حنيفاً ) فالفطرة السليمة تشهد بوجود الله ولا يمكن أن يعدل عن هذه الفطرة إلا من اجتالته الشياطين ، ومن اجتالته الشياطين فقد يمنع هذا الدليل . انتهى من شرح السفارينية

فإن كل إنسان يحسّ من تلقاء نفسه أنّ له رباً وخالقاً ويشعر بالحاجة إليه وإذا وقع في ورطة عظيمة اتجهت يداه وعيناه وقلبه إلى السماء يطلب الغوث من ربه .

الأدلة الحسية :

وجود الحوادث الكونية ، وذلك أن العالم من حولنا لابد وأن تحصل فيه حوادث فمن أول تلك الحوادث حادثة الخلق ، خلق الأشياء ، كل الأشياء من شجر وحجر وبشر وأرض وسماء وبحار وأنهار ......

فإن قيل هذه الحوادث وغيرها كثير من الذي أوجدها وقام عليها ؟

فالجواب إما أن تكون وجدت هكذا صدفة من غير سبب يدعو لذلك فيكون حينها لا أحد يعلم كيف وجدت هذه الأشياء هذا احتمال ، وهناك احتمال آخر وهو أن تكون هذه الأشياء أوجدت نفسها وقامت بشؤونها , وهناك احتمال ثالث و هو أن لها موجداً أوجدها وخالقاً خلقها ، وعند النظر في هذه الاحتمالات الثلاث نجد أنه يتعذر

ويستحيل الأول والثاني فإذا تعذر الأول والثاني لزم أن يكون الثالث هو الصحيح الواضح وهو أن لها خالقاً خلقها وهو الله ، وهذا ما جاء ذكره في القرآن الكريم قال الله تعالى: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون ) الطور/35

ثم هذه المخلوقات العظيمة منذ متى وهي موجودة ؟ كل هذه السنين من الذي كتب لها البقاء في هذه الدنيا وأمدها بأسباب البقاء ؟

الجواب هو الله ، أعطى كل شيء ما يصلحه ويؤمن بقاءه ، ألا ترى ذلك النبات الأخضر الجميل إذا قطع الله عنه الماء هل يمكن أن يعيش ؟ كلا بل يكون حطاماً يابساً وكل شئ إذا تأملته وجدته متعلقاً بالله ، فلولا الله ما بقيت الأشياء .

ثم إصلاح الله لهذه الأشياء ، كل شيء لما يناسبه ؛ فالإبل مثلاً للركوب ، قال الله تعالى : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون (71 ) وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) يس/72 انظر إلى الإبل كيف خلقها الله قوية مستوية الظهر لكي تكون مهيئة للركوب وتحمل المشاق الصعبة التي لا يتحمله من الحيوانات غيرها .

وهكذا إذا قلبت طرفك في المخلوقات وجدتها متناسبة مع ما خلقت من أجله فسبحان الله تعالى .

ومن أمثلة الأدلة الحسية :

النوازل التي تنزل لأسباب دالة على وجود الخالق مثل دعاء الله ثم استجابة الله للدعاء دليل على وجود الله قال الشيخ ابن عثيمين : لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يغيث الخلق ، قال اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، ثم نشأ السحاب ، وأمطر قبل أن ينزل من المنبر ، هذا يدل على وجود الخالق . انتهى من شرح السفارينية

الأدلة الشرعية :

وجود الشرائع , قال الشيخ ابن عثيمين :

جميع الشرائع دالة على وجود الخالق وعلى كمال علمه وحكمته ورحمته لأن هذه الشرائع لابد لها من مشرع والمشرع هو الله عز وجل . انتهى من شرح السفارينية

وأما سؤالك ، لماذا خلقنا الله ؟

فالجواب من أجل عبادته وشكره وذكره ، والقيام بما أمرنا به سبحانه ، وأنت تعلم أن الخلق فيهم الكافر وفيهم المسلم , وهذا لأن الله أراد أن يختبر العباد ويبتليهم هل يعبدونها من يعبدون غيره ، وذلك بعد أن أوضح الله السبيل لكل أحد ، قال الله تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) تبارك/2 وقال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات/56

نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى ، والمزيد المزيد من الدعوة والعمل للدين وصلى الله على النبي صلى الله عليه وسلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-05, 15:54
القرآن مُنَزَّل من الله تعالى غير مخلوق

السؤال

هل لكم أن تخبرونا عن كتاب بالإنجليزية يتكلم على أن القرآن ليس مخلوقاً وما يجب أن نعتقده كمسلمين ؟.

الجواب

الحمد لله

الذي يجب علينا أن نَعْتَقِده نحن المسلمين ، هو ما جاءنا من الله عز وجل ، وما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أخْبَرنا الله عز وجل أنه يتكلم قال تعالى : ( ومن أصْدَق من الله حديثا ) النساء/87 وقال تعالى : ( ومن أصْدَق من الله قِيلاً ) النساء /122 .

ففي هاتين الآيتين إثبات أن الله يَتَكَلَّم ، وأنّ كلامَه صِدْقٌ ، وحَقٌ ، ليس فيه كَذِبٌ بِوَجْهٍ من الوجوه .

وقال تعالى : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ) المائدة /166 ففي هذه الآية أن الله يقول ، وأن قوله مَسْمُوع فيكون بصوت ، وأن قوله كَلِمَات وجمل ، والدليل على أنه بحرف قول الله تعالى : ( يا موسى إني أنا ربُّك ) طه/11-12 فإن هذه الكلمات حروف وهي من كلام الله .والدليل على أنه بصوت قوله تعالى : ( وناديناه من جانب الطور الأيمن وقرَّبناه نجياً ) مريم/52 ، والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت .

انظر شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ص 73 .

ولهذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام حقيقي متى وكيف شاء بما شاء بحرف وصوت لا يُمَاثِلُ أصوات المخلوقين ، والدليل على أنه لا يُمَاثِل أصْوَاتَ المَخْلُوقين ، قوله تعالى : ( ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السَمِيعُ البَصِير ) الشورى/11 ، فَعُرِفَ ابْتِداءً أن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة

وأهل السنة والجماعة يَعْتَقِدون أن القرآن كلام الله ، ومن الأدلة على هذا الاعتقاد قول الله تعالى : ( وإنْ أحَدٌ من المشْرِكين استجارك فأجِرْه حتى يَسْمَع كلام الله ) التوبة /6 والمراد القرآن بالاتفاق ، وأضاف الكلام إلى نفسه فدل على أن القرآن كلامه .

وعقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود .

والأدلة على أنه منزل ما يأتي :

قول الله عز وجل : ( شَهْرُ رمضان الذي أنزل فيه القُرآن ) البقرة/185 ، وقوله تعالى : ( إنّا أنْزَلناه في ليلة القدر ) القدر /1 ، وقوله : ( وقُرْآناً فَرَقْنَاه لِتَقْرَأَه على الناس على مُكْثٍ ونَزَّلنَاه تَنْزِيلاً ) الإسراء /106

قوله : ( وإذا بَدَّلنا آية مكان آية والله أعلم بما يُنَزِّل قالوا إنما أنت مُفْتَرٍ بل أكثرهم لا يعلمون قل نَزَّله رُوح القُدُسِ من ربك بالحق ليُثَبِّت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ولقد نعلم أنهم يقولون إنّما يُعَلِّمُه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعْجَمِِي وهذا لسان عربي مبين ) النحل /101-103 . و الذي يبدل آية مكان آية هو الله سبحانه وتعالى .

والأدلة على أنه غير مخلوق قوله تعالى : ( ألا له الخلق والأمر ) فجعل الخلق شيئاً والأمر شيئا آخر

لأن العطف يقتضي المغايرة والقرآن من الأمر بدليل قوله تعالى : ( وكذلك أوْحَيْنَا إليك روحا من أمرنا

ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نَهْدِي به من نَشَاءُ من عبادنا ) الشورى /52 ، فإذا كان القرآن أمراً وهو قسيم للخلق ، صار غير مخلوق ، لأنه لو كان مخلوقاً ما صح التقسيم فهذا هو الدليل من القرآن .

والدليل العقلي أن نقول القرآن كلام الله والكلام ليس عينا قائمة بنفسها حتى يكون بائنا من الله ولو كان عينا قائمة بنفسها بائنة من الله لقلنا إنه مخلوق لكن الكلام صفة للمتكلم فإذا كان صفة للمتكلم به وكان من الله كان غير مخلوق لأن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة . شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين 1/418-426 - 441

فيجب علينا أن نعتقد ذلك ونوقن به ، ولا نُحَرِّف آيات الله عز وجل عن مرادها ، فإنها صريحة الدلالة على أن القرآن مُنَزَّل من عند الله ، ولذلك قال الإمام الطحاوي رحمه الله : " وإنّ القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولاً ، وأنزله على رسوله وحياً ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية

فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذَمَّه الله وعَابَهُ وأوعده بسقر حيث قال تعالى : ( سأُصلِيه سَقَر ) المدثر/26 ، فلما أوْعَدَ بِسَقَر لمن قال ( إنْ هذا إلا قول البشر ) المدثر /25 عَلِمْنَا وأيْقَنَّا أنَه قولَ خالقِ البَشَر ولا يُشْبِه قول البشر . أهـ شرح العقيدة الطحاوية 179.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-05, 15:57
شروط لا إله إلا الله

السؤال

أرجوا توضيح شروط لا إله إلا الله (العلم واليقين ...الخ) .

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ حافظ الحكمي في منظومته سلم الوصول :

العلم واليقين والقبـــــول ***** والانقيـاد فادر ما أقول

والصـدق والإخلاص والمحبة ***** وفقك الله لما أحبــــه

الشرط الأول : (العلم ) بمعناها المراد منها نفياً وإثباتاً المنافي للجهل بذلك ، قال الله تعالى : "فاعلم أنه لاإله إلا الله " وقال تعالى : " إلا من شهد بالحق " أي بلا إله إلا الله " وهم يعلمون " بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم . وفي الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " .

الشرط الثاني ( اليقين ) بأن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً ، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن ، فكيف إذا دخله الشك ، قال الله عز وجل : " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون " فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا ، أي لم يشكوا ، فأما المرتاب فهو من المنافقين .

وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " وفي رواية لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيُحجب عن الجنة ". وفيه عنه رضي الله عنه من حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه بنعليه

فقال " من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة " الحديث ، فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها ، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط .

الشرط الثالث (القبول ) لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه ، وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قَبِلها وانتقامه ممن ردها وأباها قال تعالى : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ، وقفوهم إنهم مسؤلون) إلى قوله ( إنهم كانوا إذا

قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ) فجعل الله علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول لا إله إلا الله ، وتكذيبهم من جاء بها ، فلم ينفوا ما نفته ولم يثبتوا ما أثبتته ، بل قالوا إنكاراًً واستكباراً ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيءٌ عجاب .

وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على ألهتكم إن هذا لشيءٌ يُراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) فكذبهم الله عز وجل ورد ذلك عليهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقال ( بل جاء بالحق وصدق المرسلين ) ... ثم قال في شأن من قبلها ( إلا عباد الله المخلصين . أولئك لهم رزقٌ معلوم .

فواكه وهم مكرمون . في جنات النعيم ) وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير . وأصاب منها طائفة أُخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تُنبت كلأً ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه مابعثني الله به فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذللك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلت به " .

الشرط الرابع ( الانقياد ) لما دلت عليه المنافي لترك ذلك ، قال الله عز وجل ( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) أي بلا إله إلا الله ( وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) ومعنى يُسلم وجهه أي ينقاد ، وهو محسن موحد ، ومن لم يسلم وجهه إلى الله ولم يك محسناً فإنه لم يستمسك بالعروة الوثقى

وهو المعني بقوله عز وجل بعد ذلك ( ومن كفر فلا يحزنك كفره ، إلينا مرجعهم فننبؤهم بما عملوا ) وفي حديث صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جِئت به" وهذا هو تمام الانقياد وغايته .

والخامس (الصدق ) فيها المنافي للكذب ، وهو أن يقولها صدقاً من قلبه يواطىء قلبه لسانه ، قال الله عز وجل ( الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) وقال في شأن المنافقين الذين قالوها كذباً ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين . يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون . في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون )

وفي الصحيحين من حديث معاذ بن جبل رضي لله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار".

والسادس( الإخلاص) وهوتصفية العمل عن جميع شوائب الشرك قال تبارك وتعالى : ( ألا لله الدين الخالص ) وقال ( قل الله أعبد مخلصاً له ديني ) وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه " ...

والسابع (المحبة ) لهذه الكلمه ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك ، قال الله تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ) فأخبر الله تعالى أن الذين آمنوا أشد حباً لله ؛ وذلك لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدا

كما فعل مدعوا محبته من المشركين الذين اتخذوا من دونه أنداداً يحبونهم كحبه ، وفي الصحيحين من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " .

والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد .

*عبدالرحمن*
2018-04-05, 16:01
يعاني من وساوس الشيطان في ذات الله

السؤال

رجل يوسوس له الشيطان بوساوس عظيمة فيما يتعلق بالله - عز وجل - وهو خائف من ذلك جداً فماذا يفعل ؟.

الجواب

الحمد لله

ما ذكر من جهة مشكلة السائل التي يخاف من نتائجها , أقول له : أبشر بأنه لن يكون لها نتائج إلا النتائج الطيبة , لأن هذه وساوس يصول بها الشيطان على المؤمنين, ليزعزع العقيدة السليمة في قلوبهم, ويوقعهم في القلق النفسي والفكري ليكدر عليهم صفو الإيمان , بل صفو الحياة إن كانوا مؤمنين.

وليست حاله بأول حال تعرض لأهل الإيمان, ولا هي آخر حال, بل ستبقى ما دام في الدنيا مؤمن. ولقد كانت هذه الحال تعرض للصحابة رضي الله عنهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه : إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ,

فقال : ( أو قد وجدتموه؟). قالوا : نعم , قال : ( ذاك صريح الإيمان) . رواه مسلم وفي الصحيحين عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال : إني أحدث نفسي بالشيء لأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به, فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة ). رواه أبو داود.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان : والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره . كما قالت الصحابة يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به. فقال ( ذاك صريح الإيمان ). وفي رواية ما يتعاظم أن يتكلم به.

قال : ( الحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة). أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له, ودفعه عن القلوب هو من صريح الإيمان, كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه, فهذا عظيم الجهاد, إلى أن قال : ( ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعباد من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم,

لأنه (أي الغير) لم يسلك شرع الله ومنهاجه, بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه, وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة , فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى ) أ.هـ المقصود منه ذكره في ص 147 من الطبعة الهندية.

فأقول لهذا السائل : إذا تبين لك أن هذه الوساوس من الشيطان فجاهدها وكابدها , واعلم أنها لن تضرك أبداً مع قيامك بواجب المجاهدة والإعراض عنها, والانتهاء عن الانسياب وراءها, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم ). متفق عليه.

وأنت لو قيل لك : هل تعتقد ما توسوس به ؟ وهل تراه حقاً؟ وهل يمكنك أن تصف الله سبحانه به ؟ لقلت : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا , سبحانك هذا بهتان عظيم , ولأنكرت ذلك بقلبك ولسانك, وكنت أبعد الناس نفوراً عنه, إذن فهو مجرد وساوس وخطرات تعرض لقلبك , وشباك شرك من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم, ليرديك ويلبس عليك دينك .

ولذلك تجد الأشياء التافهة لا يلقي الشيطان في قلبك الشك فيها أو الطعن , فأنت تسمع مثلاً بوجود مدن مهمةٍ كبيرة مملوءة بالسكان والعمران في المشرق والمغرب ولم يخطر ببالك يوماً من الأيام الشك في وجودها أو عيبها بأنها خراب ودمار لا تصلح للسكنى , وليس فيها ساكن ونحو ذلك ,

إذا لا غرض للشيطان في تشكك الإنسان فيها ولكن الشيطان له غرض كبير في إفساد إيمان المؤمن , فهو يسعى بخيله ورجله ليطفئ نور العلم والهداية في قلبه ,

ويوقعه في ظلمة الشك الحيرة , والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا الدواء الناجع الذي فيه الشفاء , وهو قوله : ( فليستعذ بالله ولينته) . فإذا انتهى الإنسان عن ذلك واستمر في عبادة الله طلباً ورغبة فيما عند الله زال ذلك عنه بحول الله , فأعرض عن جميع التقديرات التي ترد على قلبك في هذا الباب وها أنت تعبد الله وتدعوه وتعظمه , ولو سمعت أحداً يصفه بما توسوس به لقتلته إن أمكنك , إذن فما توسوس به ليس حقيقة واقعة بل هو خواطر ووساوس لا أصل لها .

ونصيحة تتلخص فيما يأتي :

1. الاستعاذة بالله والانتهاء بالكلية عن هذه التقديرات كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

2. ذكر الله تعالى وضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس .

3. الانهماك الجدي في العبادة والعمل امتثالاً لأمر الله , وابتغاء لمرضاته ، فمتى التفت إلى العبادة التفاتاً كلياً بجدٍّ وواقعية نسيت الاشتغال بهذه الوساوس إن شاء الله .

4. كثرة اللجوء إلى الله والدعاء بمعافاتك من هذا الأمر .

وأسال الله تعالى لك العافية والسلامة من كل سوء ومكروه .

مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 57 - 60 .

*عبدالرحمن*
2018-04-05, 16:04
الأدلة على علوّ الله تعالى على خلقه
وأنّه سبحانه فوق السموات

السؤال

بعض الناس يقولون أن الله فوق السموات ، وبعض العلماء يقولون أن الله ليس له مكان ، فما هو القول الصحيح في هذه المسألة ؟.

الجواب

الحمد لله

استدلّ أهل السنة على علو الله تعالى على خلقه علواً ذاتياً بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة :

أولا : فأما الكتاب فقد تنوعت دلالته على علو الله ، فتارة بذكر العلو، وتارة بذكر الفوقية ، وتارة بذكر نزول الأشياء من عنده ، وتارة بذكر صعودها إليه ، وتارة بكونه في السموات...

فالعلو مثل قوله : ( وهو العلي العظيم ) البقرة/255 ، ( سبح اسم ربك الأعلى ) الأعلى/1.

والفوقية: ( وهو القاهر فوق عباده ) الأنعام/18 ، ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) النحل/50.

ونزول الأشياء منه، مثل قوله : ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) السجدة/5 ، ( إنا نحن نزلنا الذكر ) الحجر/9 وما أشبه ذلك .

وصعود الأشياء إليه ، مثل قوله : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فاطر/10 ومثل قوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) المعارج/4.

كونه في السماء ، مثل قوله: ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) الملك /16.

ثانياً: وأما السنة فقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وإقراره :

فمما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر العلو والفوقية قوله ( سبحان ربي الأعلى ) كما كان يقول في سجوده وقوله في الحديث : ( والله فوق العرش ) .

(2) وأما الفعل ، فمثل رفع أصبعه إلى السماء ، وهو يخطب الناس في أكبر جمع ، وذلك في يوم عرفه، عام حجة الوداع فقال علية الصلاة والسلام ( ألا هل بلغت؟ ) . قالوا : نعم ( ألا هل بلغت؟ ) قالوا: نعم ( ألا هل بلغت؟ ) قالوا : نعم . وكان يقول : ( اللهم ! أشهد ) ، يشير إلى السماء بأصبعه ، ثم يُشير إلى الناس . ومن ذلك رفع يديه إلى السماء في الدعاء كما ورد في عشرات الأحاديث . وهذا إثبات للعلو بالفعل .

(3) وأما التقرير، كما جاء في حديث الجارية التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أين الله؟ قالت : في السماء. فقال : ( من أنا؟ ) قالت : رسول الله . فقال لصاحبها : ( أعتقها، فإنها مؤمنة ) .

فهذه جارية غير متعلمة كما هو الغالب على الجواري ، وهي أمة غير حرة ، لا تملك نفسها، تعلم أن ربها في السماء، وضُلّال بني آدم ينكرون أن الله في السماء ، ويقولون: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال بل يقولون : إنه في كل مكان !!.

ثالثاً: وأما دلالة الإجماع ، فقد أجمع السلف على أن الله تعالى بذاته في السماء ، كما نقل أقوالهم أهل العلم كالذهبي رحمه الله في كتابه : " العلوّ للعليّ الغفار " .

رابعاً: وأما دلالة العقل فنقول إن العلو صفة كمال باتفاق العقلاء ، وإذا كان صفة كمال، وجب أن يكون ثابتاً لله لأن كل صفة كمال مطلقة ، فهي ثابتة لله .

خامساً: وأما دلالة الفطرة: فأمر لا يمكن المنازعة فيها ولا المكابرة ، فكل إنسان مفطور على أن الله في السماء، ولهذا عندما يفجؤك الشيء الذي لا تستطيع دفعه ، وتتوجه إلى الله تعالى بدفعه، فإن قلبك ينصرف إلى السماء وليس إلى أيّ جهة أخرى ، بل العجيب أنّ الذين ينكرون علو الله على خلقه لا يرفعون أيديهم في الدعاء إلا إلى السماء .

وحتى فرعون وهو عدو الله لما أراد أن يجادل موسى في ربه قال لوزيره هامان : ( يا هامان ابن لي صرحاً لعلي ابلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى .. الآية ) . وهو في حقيقة أمره وفي نفسه يعلم بوجود الله تعالى حقّا كما قال عزّ وجلّ : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) .

فهذه عدّة من الأدلة على أن الله في السماء من الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة بل ومن كلام الكفار نسأل الله الهداية إلى الحق .

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*جزائرية وافتخر*
2018-04-05, 20:12
http://www.fbimages.net/image/img_1423397628_915.gif

*عبدالرحمن*
2018-04-06, 05:34
https://www.fbimages.net/image/img_1423397628_915.gif

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

بارك اله فيكِ
وجزاكِ الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-04-06, 05:38
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


نصراني يسأل لماذا خلق الله البشر

السؤال :

وفقا للقرآن و/أو السنة، لماذا خلق الله البشر؟.

الجواب

الحمد لله

خلق الله الجن والبشر لعبادته وتوحيده ، وامتثال أمره واجتناب نواهيه

قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، أي يوحدونه فيفردونه بالعبادة دون غيره ، ومن شرط صحة عبادته الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم ، والإقتداء به لأنه هو القدوة والأسوة ، قال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) .

الشيخ عبد الكريم الخضير .

*عبدالرحمن*
2018-04-06, 05:41
الله مستو على عرشه وهو قريب منا بعلمه

السؤال :

يقول الله عز وجل في القرآن : "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة". فهل يدل ذلك على أن الله يتحكم في الأمور الدنيوية وهو جالس (مستو) على العرش؟

وعليه فكيف يكون الله أقرب إلينا من أوردتنا؟.

الجواب

الحمد لله

فقد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن الله سبحانه وتعالى فوق سمواته على عرشه وأنه العلي الأعلى ، وأنه فوق كل شيء ، وليس فوقه شيء ، قال تعالى : ( الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون )

وقال تعالى : ( ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر )

وقال تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ، وقال تعالى : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) . وقال عليه الصلاة والسلام : " وأنت الظاهر فليس فوقك شيء " . والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، ومع ذلك فقد أخبر الله سبحانه أنه مع عباده أينما كانوا : ( ألم تر أن الله يعلم ما في السموات

وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ) . بل قد جمع الله سبحانه بين ذكر علوّه على عرشه ومعيّته لعباده في آية واحدة وذلك في قوله تعالى : ( هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم ) . وليس معنى كونه معنا أنه مختلط بالخلق بل هو مع عباده بعلمه ، وهو فوق عرشه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم وأما قوله سبحانه : (

ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) ، فقد قال أكثر المفسرين أن المراد هو قربه سبحانه بملائكته الموكّلين بحفظ أعمال العباد . ومن قال المراد بقربه تعالى فسّره بقربه بعلمه ، كما قيل في المعيّة.

هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة يثبتون علوّ الله على خلقه ، ومعيّته لعباده ، وينزهونه تعالى عن الحلول في المخلوقات ، وأما المعطلة كالجهمية ومن تبعهم فإنهم ينفون علوّه بذاته فوق المخلوقات واستواءه على عرشه ويقولون أنه حالٌ في كل مكان ، نسأل الله تعالى الهداية للمسلمين .

الشيخ عبد الرحمن البراك

*عبدالرحمن*
2018-04-06, 05:45
شروط قبول الشهادتين

السؤال :

وسؤالي يتعلق بموضوع إحدى الخطب. فقد تكلم الإمام عن الكلمة. وقال بأن لها شروط, ذكر العلماء أنها 9 أو نحو ذلك، حتى يتمكن الإنسان من دخول الجنة. وقال إن مجرد التلفظ بالكلمات لا يكفي.

وكنت أرغب في معرفة هذه الشروط. وذكر بعضها، منها: أولا, العلم بالكلمة. ثانيا, اليقين. فهل تعلم عن ذلك شيئا؟ وهل يمكنك تقديم باقي الشروط؟ وسأقدر لك مساعدتك إن شاء الله.

الجواب :

الحمد لله

لعلك تعني بالكلمة كلمة التوحيد وهي الشهادتان ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، وهذا ما عناه الخطيب أيضا .

وللشهادتين عدة شروط ، وهي :

الأول : العلم

وهو العلم بمعناها المراد منها نفيا وإثباتا المنافي للجهل بذلك ، قال الله عز وجل : " فاعلم أنه لا إله إلا الله " ( محمد : 19 ) وقال تعالى : " إلا من شهد بالحق " ( الزخرف : 86 ) أي بلا إله إلا الله " وهم يعلمون " بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم . وفي الصحيح عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " .

الثاني : اليقين

وهو اليقين المنافي للشك بأن يكون قائلها مستيقنا بمدلول هذه الكلمة يقينا جازما ، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن ، فكيف إذا دخله الشك ، قال الله عز وجل : " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون " ( الحجرات : 15 ) ، فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا ، أي لم يشكوا ، فأما المرتاب فهو من المنافقين - والعياذ بالله - .

وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عنه الجنة " .

الثالث : القبول

وهو القبول بما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه ، قال تعالى في شأن من قبلها : " إلا عباد الله المخلصين ، أولئك لهم رزق معلوم ، فواكه وهم مكرمون ، في جنات النعيم " ( الصافات : 40 - 43 ) إلى آخر الآيات ، وقال تعالى : " من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون " ( النمل : 89 ) وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به "

الرابع : الانقياد

وهو الإنقياد لما دلت عليه ، المنافي لترك ذلك ، قال الله عز وجل : " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له " ( الزمر : 54 ) ، وقال تعالى : " وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ " ( النساء : 125 ) ، وقال تعالى : " ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى " ( لقمان : 22 ) أي بلا إله إلا الله " وإلى الله عاقبة الأمور " ومعنى يسلم وجهه أي ينقاد ، وهو محسن : موحد .

الخامس : الصدق

وهو الصدق فيها المنافي للكذب ، وهو أن يقولها صدقا من قلبه يواطئ قلبه لسانه ، قال الله عز وجل : " الم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " ( العنكبوت : 1-3 ) إلى آخر الآيات ، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار " .

السادس : الإخلاص

وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك ، قال الله تبارك وتعالى : " ألا لله الدين الخالص " ( الزمر : 3 ) ، وقال تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " ( البينة : 5 ) الآية ، وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه " .

السابع : المحبة

وهي المحبة لهذه الكلمة وما اقتضته ودلت عليه ، ولأهلها العاملين بها ، الملتزمين لشروطها ، وبغض ما ناقض ذلك ، قال الله عز وجل : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله " ( البقرة : 165 ) ، وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه ، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه ، وموالاة من والى الله ورسوله ومعاداة من عاداه ، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه . وكل هذه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار " ( أخرجاه من حديث أنس بن مالك ) .

وزاد بعضهم شرطا ثامنا وهو الكفر بما يعبد من دون الله ( الكفر بالطاغوت ) ، قال صلى الله عليه وسلم : " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز جل " رواه مسلم . فلا بد لعصمة الدم والمال مع قوله ( لا إله إلا الله ) من الكفر بما يعبد من دون الله كائنا من كان .

مختصر معارج القبول لمحمد بن سعيد القحطاني ص 119 - 122.

*عبدالرحمن*
2018-04-06, 05:47
ما معنى لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر

السؤال

هل الحديث لا تسبوا الوقت فإن الله هو الوقت يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟

وإذا كان صحيحا, فكيف تفسره؟ فقد أشكل علي هذا الموضوع.

الجواب

الحمد لله

الحديث ليس بهذا اللفظ " لا تسبوا الوقت فإن الله هو الوقت " ، وإنما هو بلفظ " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " ( وقد يكون اللفظ المذكور جاء بسبب طريقة ترجمة السؤال ) ، وقد رواه مسلم عن أبي هريرة ( 5827 ) ، وفي لفظ آخر: " لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر " ، وفي لفظ آخر : " لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر " ، وفي لفظ : " قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن يا خيبة الدهر فأنا الدهر أقلب الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما " .

و أما معنى الحديث فقد قال النووي :

قالوا: هو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون " يا خيبة الدهر " ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " أي : لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها ، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى .

ومعنى " فإن الله هو الدهر " أي : فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم .

" شرح مسلم " ( 15 / 3 ) .

وينبغي أن يعلم أنه ليس من أسماء الله اسم " الدهر " وإنما نسبته إلى الله تعالى نسبة خلق وتدبير ، أي : أنه خالق الدهر ، بدليل وجود بعض الألفاظ في نفس الحديث تدل على هذا مثل قوله تعالى : " بيدي الأمر أقلِّب ليلَه ونهارَه " فلا يمكن أن يكون في هذا الحديث المقلِّب - بكسر اللام - والمقلَّب - بفتح اللام - واحداً ، وإنما يوجد مقلِّب - بكسر اللام - وهو الله ، ومقلَّب - بفتح اللام - وهو الدهر ، الذي يتصرف الله فيه كيف شاء ومتى شاء .

انظر " فتاوى العقيدة " للشيخ ابن عثيمين ( 1 / 163 ) .

قال الحافظ ابن كثير - عند قول الله تعالى : { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر } [ الجاثية / 24 ] - :

قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا : " يا خيبة الدهر " فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل لأنه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار لأن الله تعالى هو الدهر الذي يصونه ويسندون إليه تلك الأفعال .

وهذا أحسن ما قيل في تفسيره ، وهو المراد . والله أعلم

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 152 ) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله عن حكم سب الدهر :

فأجاب قائلا:

سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام .

القسم الأول : أن يقصد الخبر المحض دون اللوم : فهذا جائز مثل أن يقول " تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده " وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر .

القسم الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر : فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا حيث نسب الحوادث إلى غير الله .

القسم الثالث : أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة : فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر ؛ لأنه ما سب الله مباشرة ، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً .

" فتاوى العقيدة " ( 1 / 197 ) .

ومن منكرات الألفاظ عند بعض الناس أنه يلعن الساعة أو اليوم الذي حدث فيه الشيء الفلاني ( مما يكرهه ) ونحو ذلك من ألفاظ السّباب فهو يأثم على اللعن والكلام القبيح وثانيا يأثم على لعن ما لا يستحقّ اللعن فما ذنب اليوم والسّاعة ؟ إنْ هي إلا ظروف تقع فيها الحوادث وهي مخلوقة ليس لها تدبير ولا ذنب ، وكذلك فإنّ سبّ الزمن يعود على خالق الزّمن ، فينبغي على المسلم أن ينزّه لسانه عن هذا الفحش والمنكر . والله المستعان .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-06, 05:52
الكفّار يسألون من خلق الله

السؤال :

عندما أقول للكفار بأن الله خلق كل شيء حينها يسألونني ومن خلق الله ؟

وكيف كان الله موجوداً منذ البداية ؟

كيف أرد على هذا ؟.

الجواب

1. هذا السؤال الموجَّه إليك من الكفار : باطل من أصله ، متناقض في نفسه !

ذلك لو أننا فرضنا - جدلا - أن هناك خالقاً لله تعالى ! فسيقول السائل : من خلق خالق الخالق ؟؟! ثم من خلق خالق خالق الخالق ؟؟! وهكذا يتسلسل إلى ما لا نهاية .

وهذا محال في العقول .

أما أن المخلوقات تنتهي إلى خالقٍ خلق كل شيء ، ولم يخلقه أحد ، بل هو الخالق لما سواه : فإن هذا هو الموافق للعقل والمنطق ، وهو الله سبحانه وتعالى .

2. أما من حيث الشرع والدين عندنا : فإن النبي صلى الله عليه وسلم ، قد أخبرنا عن هذا السؤال ، من أين مصدره ، وما هو علاجه والرد عليه :

= عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق اللهُ الخلقَ ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله " .

= وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول من خلق السماء ؟ من خلق الأرض ؟ فيقول : الله ، - ثم ذكر بمثله - وزاد : " ورسله " .

= وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول من خلق كذا وكذا ؟ حتى يقول له من خلق ربَّك ؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته " .

= وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي العبد الشيطان فيقول من خلق كذا وكذا ؟ ..".

رواها جميعاً الإمام مسلم ( 134 ) .

ففي هذه الأحاديث :

بيان مصدر هذا السؤال ، وهو : الشيطان .

وبيان علاجه ورده ، وهو :

1. أن ينتهي عن الانسياق وراء الخطرات وتلبيس الشيطان .

2. وأن يقول " آمنتُ بالله ورسله " .

3. وأن يستعيذ بالله من الشيطان .

وورد أيضا التفل عن الشِّمال ثلاثا وقراءة سورة قل هو الله أحد ( انظر كتاب "شكاوى وحلول " في زاوية الكتب من هذا الموقع )

3. أما عن وجود الله أولاً ، فعندنا في ذلك أخبار من نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومنها :

1. قوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء " . رواه مسلم ( 2713 ) .

2. قوله صلى الله عليه وسلم : " كان الله ولم يكن شيء غيره " ، وفي رواية " ولم يكن شيء قبله " . رواهما البخاري ، الأولى ( 3020 ) ، والثانية ( 6982 ) . بالإضافة لما في الكتاب العزيز من الآيات ، فالمؤمن يُؤمن ولا يشكّ والكافر يجحد والمنافق يشكّ ويرتاب ، نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقا ويقينا لاشكّ فيه والله الموفق .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-06, 05:57
من هو معبود المسلمين

السؤال:

من يعبد المسلمون ؟

الجواب:

الحمد لله

قبل الإجابة نريد أن نسجّل إعجابنا باهتمامك - أيتها السائلة على صغر سنك - بدين الإسلام ولعل الله أن يفتح لك باب خير عظيم من جراء هذا السؤال ويكتب لك هداية لم تكن بحسبانك قال تعالى : ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) سورة الأنعام 88 ، وقال : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ ) سورة الأنعام 125

أما بالنسبة للسؤال العظيم : من يعبد المسلمون ؟ فالجواب عليه من القرآن الكريم وهو كتاب الإسلام ومن كلام نبي الإسلام محمد عليه السلام الموحى إليه من ربه .

قال الله تعالى : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(3)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) سورة الفاتحة

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21) سورة البقرة

وقال : ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(102) سورة الأنعام

وقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا(23) سورة الإسراء

المسلمون يعبدون الله الذي عبده جميع الأنبياء : قال تعالى : ( أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(133) سورة البقرة

المسلمون يعبدون الله ويدعون غيرهم من أصحاب الأديان إلى عبادة الله وحده كما قال عزّ وجلّ : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(64) سورة آل عمران

الله وحده الذي دعا نوح عليه السلام قومه إلى عبادته ، قال تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(59) سورة الأعراف

الله وحده الذي نادى المسيح عليه السلام إلى عبادته كما قال تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ(72) سورة المائدة

وقال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ(116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117) سورة المائدة

ولما كلّم الله نبيه موسى عليه السلام قال له : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي(14) سورة طه
وأمر الله سبحانه تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بما يلي : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(104) سورة يونس

وهو وحده لا شريك له تعبده الملائكة ولا تعبد معه غيره كما قال تعالى : ( وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ(19) سورة الأنبياء

وكل معبود من دون الله فلا يضر ولا ينفع ولا يخلق ولا يرزق ، قال الله تعالى : ( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(76) سورة المائدة وقال تعالى : ( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(17) سورة العنكبوت

وبعد هذا الجواب نريد إكمال الموضوع بالسؤال التالي لماذا نعبد الله وحده لا شريك له والجواب :

أولا : لأنه لا يستحق العبادة في الكون أحد غيره لأنه هو الخالق الرازق الموجد من العدم الذي أمدنا بالنعم ، قال تعالى : ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ(17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ(18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ(20) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21) وَمِنْ ءايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ

إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ(22) وَمِنْ ءايَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ(23) وَمِنْ ءايَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(24) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ(25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ(26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سورة الروم

وقال تعالى : ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ(60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ(61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَ

عَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ(62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(64) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(65) سورة النمل

فهل هناك أحد غير الله يستحقّ العبادة ؟

ثانيا : إن الله لم يخلقنا إلا لعبادته فقال عزّ وجلّ : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ(56) سورة الذاريات

ثالثا : إنه لن ينجو أحد يوم القيامة إلا من كان يعبد الله حقّا ، وبعد الموت سيبعث الله العباد ليحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم فلا ينجو يومئذ إلا من كان يعبد الله وحده ويحشر البقية إلى جهنم وبئس المصير ، قال نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم : مجيبا أصحابه لما سألوه

: هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا قُلْنَا لا قَالَ فَإِنَّكُمْ لا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ

قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ فَيَقُولُونَ نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ

فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا قَالَ فَيَأْتِيهِمْ الْجَبَّارُ .. فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَلا يُكَلِّمُهُ إِلا الأَنْبِيَاءُ .. فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ) رواه البخاري رقم 6886 وهؤلاء المؤمنون هم أهل الجنة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون خالدين فيها إلى الأبد

نرجو أن تكون هذه القضية قد اتضّحت ، وبعد هذا لا نقول إلا كما قال الله تعالى ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا .. (15) سورة الإسراء ، والسلام على من اتبع الهدى .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-06, 06:03
شبهات لملحد ، حول الله جل جلاله .

السؤال:

الملحد ، إذا طلب دليلا على : أن الله يعلم ما في السرائر ، وأن الله لا يكذب ، وأن الله لم يلد ولم يولد ؛ كيف أجيبه ؟

أرجوكم ، أنجدوني من مسائله الخبيثة ، فإنا أخاف على ديني ، قبل أن أخاف عليه ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

لاشك أن الدليل العقلي الصحيح ، يوافق الدليل النقلي ، ويدل عليه ، ومن لم تنتكس فطرته ، ولم يرتد على عقبيه : يجد أن الكون كله يشهد بربوبية الرب تعالى ، وألوهيته ، وصدق رسوله ، وتمام رسالته ، وصحة كتابه ، وجلاله وعظمته ، قال ابن القيم رحمه الله :

" وَللَّه سُبْحَانَهُ فِي كل صنع من صنائعه ، وَأمر من شرائعه : حِكْمَة باهرة ، وَآيَة ظَاهِرَة ، تدل على وحدانيته ، وحكمته ، وغناه وقيوميته وَملكه ، لَا تنكرهَا إِلَّا الْعُقُول السخيفة ، وَلَا تنبو عَنْهَا إِلَّا الْفطر المنكوسة:

وَللَّه فِي كل تسكينة ** وتحريكة أبدا شَاهد

وَفِي كل شَيْء لَهُ آيَة ** تدل على أَنه وَاحِد " .

انتهى من "مفتاح دار السعادة" (2/ 66) .

" فَلَا ريب أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض من أعظم الْأَدِلَّة على وجود فاطرهما وَكَمَال قدرته وَعلمه وحكمته وانفراده بالربوبية والوحدانية ، وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يَدْعُو عباده إلى النّظر والفكر فِي مخلوقاته الْعِظَام ، لظُهُور أثر الدّلَالَة فِيهَا وبديع عجائب الصَّنْعَة وَالْحكمَة فِيهَا ، واتساع مجَال الْفِكر وَالنَّظَر فِي أرجائها "
.
انتهى من "مفتاح دار السعادة" (2/ 198) .

فالأدلة على إثبات الخالق ظاهرة متكاثرة ، ويكفي أن يقال :

هذه المخلوقات المتقنة الصنع : إما أن تكون خلقت نفسها ، أو وجدت من غير خالق ، أو خلقها خالق عليم قدير .
أما الاحتمال الأول والثاني فباطلان ، معلوم بطلانهما ببدائه العقول ؛ فلا يقول عاقل إن شيئا صنع نفسه ، وأوجدها من العدم ، أو أن شيئا صُنع من غير صانع ، ولأجل تقرر ذلك في الفطر ، قال الله تعالى : تعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) الطور/ 35 .

ثانيا :

إذا ثبت بالاضطرار وجود الخالق المدبر الحكيم العليم ، ثبت باللزوم أنه يعلم السرائر ويطلع على الخفايا ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، قال تعالى : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/ 14 ، قال السعدي رحمه الله :

" ثم قال - مستدلا بدليل عقلي على علمه -: ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ) فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه ، كيف لا يعلمه؟! "

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 876) .

وهذا دليل عقلي يجب التسليم به ؛ لأن العبد إذا أتقن شيئا ، أو صنع صناعة ، أو اخترع اختراعا : فبالضرورة أن يكون عالما بكل تفاصيله وخباياه ، لا يخفى عليه من أمره شيء ، لأنه صانعه ومبتكره ومكونه ، فما بالك بالله تعالى خالق الخلق من العدم ، وموجدهم على غير مثال سبق ؛ أليس أولى وأحرى أن يكون عالما بخلقه ، محيطا بهم .

ومما يدل على ذلك أيضا : أن الله تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بكثير من أمور الغيب التي لا يعلمها أحد من العالمين ، فظهر مصداق ما أخبر ، سواء في حياته أو بعد مماته ، بل أخبر نبيه ببعض ما يستسر به المشركون ، أو يكنونه في صدورهم .

روى البخاري (4817) ، ومسلم (2775) : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " اجْتَمَعَ عِنْدَ البَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ - أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ - كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ ) فصلت/ 22 الآيَةَ .

وينظر قصة أخرى في : "سيرة ابن هشام" (2/ 220) ، "سير أعلام النبلاء" (1/ 348) ، "البداية والنهاية" (5/210) .

ثالثا :

كيف يكذب الخلاق العليم العزيز الحكيم ؟! وما الذي يحمله على الكذب ويحوجه إليه ؟! ومن أبر من الله ، وأولى بالصدق منه جل جلاله ؟! (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) ؛ (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) ؟!

لقد كان أولى ما يظهر فيه نقص القول ، وتفاوته واضطرابه : هو كتابه الذي تحدى به الكفار : أن يأتوا بمثله ، أو بشيء منه ، أو أن يجدوا فيه تفاوتا ، أو تناقضا ؛ قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/ 82

قال الطبري رحمه الله :

" يعني : أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم يا محمد كتاب الله، فيعلموا حجّة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم، لاتِّساق معانيه، وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضًا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض "

انتهى من "تفسير الطبري" (8/ 567) .

فكل ما أخبر به من الصدق ، وكل ما جاء به من الحق ، ولم يستطع المعارضون له المخالفون لأمره أن يعثروا على قول يناقض قول ، أو خبر يخالف الحس والواقع ، بل كل ما جاء به جاء ما يدل على صدقه بالبرهان المبين والحجة البالغة .

ثم تأمل يا عبد الله ؛ هذا الحديث ، لتعلم أن القادر ، المالك : أبعد ما يكون عن الكذب :

روى مسلم (107) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وذلك لأن الملك لا يحتاج أن يكذب ، كلمته هي العليا بين الناس ، فلا حاجة إلى أن يكذب ، فإذا كذب صار يعدُ الناس ولكن لا يوفي ، يقول سأفعل كذا ولكن لا يفعل ، سأترك كذا ولكن لا يترك ، ويحدث الناس يلعب بعقولهم ويكذب عليهم ، فهذا والعياذ بالله داخل في هذا الوعيد ، لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم .
والكذب حرامٌ من الملك وغير الملك ، لكنه من الملك أعظم وأشد ؛ لأنه لا حاجة إلى أن يكذب ، كلمته بين الناس هي العليا فيجب عليه أن يكون صريحاً، إذا كان يريد الشيء ، يقول نعم ، يوافق عليه ويفعل ، وإذا كان لا يريده ، يقول لا ، يرفضه ولا يفعل ، الواحد من الرعية قد يحتاج إلى الكذب فيكذب، ولكن الملك لا يحتاج "

انتهى من "شرح رياض الصالحين" (3/ 551) .

ثالثا :

من الأدلة العقلية على أن الله تعالى لم يلد : أنه لا صاحبة له ، ومعلوم لدى كل ذي عقل أن الإنسان يلد إنسانا ، وأن البهيمة تدل بهيمة ، وأن الطائر يلد طائرا ، فالمولود يتولد من شيئين متناسبين ، فلا بد للمولود من أب وأم متناسبين .
قال تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الأنعام/ 101 .

قال الطبري رحمه الله :

" الولد إنما يكون من الذكر والأنثى ، ولا ينبغي أن يكون لله سبحانه صاحبة ، فيكون له ولد ، وذلك أنه هو الذي خلق كل شيء ، يقول: فإذا كان لا شيء إلا اللهُ خلقه ، فأنّى يكون لله ولد، ولم تكن له صاحبة فيكون له منها ولد؟ " .

انتهى من "تفسير الطبري" (11/ 11).

وقال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ: كَيْفَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ؟ أَيْ: وَالْوَلَدُ إِنَّمَا يَكُونُ مُتَوَلِّدًا عَنْ شَيْئَيْنِ مُتَنَاسِبَيْنِ ، وَاللَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ وَلَا يُشَابِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا صَاحِبَةَ لَهُ وَلَا وَلَدَ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/ 308) .

وقال ابن عاشور رحمه الله :

" مَنْ يُصْمَدُ إِلَيْهِ : لَا يَكُونُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَلِدَ لِأَنَّ طَلَبَ الْوَلَدِ لِقَصْدِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي إِقَامَة شؤون الْوَالِدِ وَتَدَارُكِ عَجْزِهِ ، وَلِذَلِكَ اسْتُدِلَّ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ : اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ، بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ الْغَنِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) يُونُس/ 68 ، فَبَعْدَ أَنْ أَبْطَلَتِ الْآيَةُ الْأَوْلَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ تَعَدُّدَ الْإِلَهِ بِالْأَصَالَةِ وَالِاسْتِقْلَالِ، أَبْطَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَعَدُّدَ الْإِلَهِ بِطَرِيقِ تَوَلُّدِ إِلَهٍ عَنْ إِلَهٍ ، لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مُسَاوٍ لِمَا تَوَلَّدَ عَنْهُ.

وَالتَّعَدُّدُ بِالتَّوَلُّدِ : مُسَاوٍ فِي الِاسْتِحَالَةِ لِتَعَدُّدِ الْإِلَهِ بِالْأَصَالَةِ ، لِتَسَاوِي مَا يَلْزَمُ عَلَى التَّعَدُّدِ فِي كِلَيْهِمَا مِنْ فَسَادِ الْأَكْوَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا ) الْأَنْبِيَاء/ 22 وَهُوَ بُرْهَانُ التَّمَانُعِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّدَ عَنِ اللَّهِ مَوْجُودٌ آخَرُ لَلَزِمَ انْفِصَالُ جُزْءٍ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلْأَحَدِيَّةِ ، لِأَن البنوّة لِلْإِلَهِ تَقْتَضِي إِلَهِيَّةَ الِابْنِ "

انتهى من "التحرير والتنوير" (30/ 618) .

رابعا :

أما كونه سبحانه لم يولد ، فمعلوم بالاضطرار أيضا ؛ لأنه لو كان له والد : لكان هذا الوالد إلها عظيما ، ولكان أولى من ولده بتدبير الملكوت ، وتسيير الأمور ، وهذا شأن الملك في الناس كلهم : أن الولد يرث الملك عن أبيه .

قال أبو سعيد الصنعاني رحمه الله :

" ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله جلّ ثناؤه لا يموت ولا يورث "

انتهى من "تفسير الطبري" (24/ 691) .

ولأنا لو أثبتنا له الوالد لنسبناه ، إلى العدم قبل أن يولد ، وهذا محال ؛ فإن من خلق من العدم : لا يكون إلها ، بل يكون الذي خلقه هو الإله ، وهنا يرد عليه نفس السؤال ، حتى ينتهي الأمر إلى السفسطة المحضة ، أو إبطال وجود الإله الخالق من أصله ، وقد تكلمنا عن هذا الفرض سابقا .

قال ابن عاشور رحمه الله :

" مَنْ يَكُونُ مَوْلُودًا مِثْلَ عِيسَى لَا يَكُونُ إِلَهًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِلَهُ مَوْلُودًا لَكَانَ وُجُودُهُ مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ لَا مَحَالَةَ ، وَذَلِكَ مُحَالٌ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ لَكَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى مَنْ يُخَصِّصُهُ بِالْوُجُودِ بَعْدَ الْعَدَمِ ، فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ جُمْلَةِ: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَالِدًا لِمَوْلُودٍ ، أَوْ مَوْلُودًا مِنْ وَالِدٍ بِالصَّرَاحَةِ. وَبَطَلَتْ إِلَهِيَّةُ كُلِّ مَوْلُودٍ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ، فَبَطَلَتِ الْعَقَائِدُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى تَوَلُّدِ الْإِلَهِ " .

انتهى من"التحرير والتنوير" (30/ 619) .

خامسا :

الذي ننصحك به ألا تشغل نفسك بشبهات الملاحدة وأباطيلهم ، فليس عليك من شأنهم شيء ، وإنما حوراهم والرد على شبهاتهم : للمتخصصين ، العارفين بمآخذ القول ، وكيفية الرد والنقاش والجدال .

وعليك بتلاوة القرآن وتدبره ، وصحبة أهل الخير ، الذين يحرصون عليه ، ويدعون إليه ، وهذه الصحبة من أعظم ما يثبت به الله عبده على دينه ، ويصرف عنه به السوء .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-06, 06:09
ما هي الحكمة الإلهية من تكريم
بني آدم على سائر الخلق ؟

السؤال:

ما الحكمة الإلهية من تكريم بني آدم على سائر الخلق ؟

وهل التكريم على جميع الخلق أم أكثرهم ؟

وإن كان على أكثرهم ، فمن الذين هم أكرم من بني آدم - جزاكم الله خيرًا - ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

يقول الله جل وعلا : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الإسراء/ 70

قال ابن كثير رحمه الله :

" يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَشْرِيفِهِ لِبَنِي آدَمَ ، وَتَكْرِيمِهِ إِيَّاهُمْ ، فِي خَلْقِهِ لَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْهَيْئَاتِ وَأَكْمَلِهَا كَمَا قَالَ : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) التِّينِ/ 4، أَيْ : يَمْشِي قَائِمًا مُنْتَصِبًا عَلَى رِجْلَيْهِ ، وَيَأْكُلُ بِيَدَيْهِ - وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ وَيَأْكُلُ بِفَمِهِ - وَجَعَلَ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَفُؤَادًا ، يَفْقَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ ، وَيَعْرِفُ مَنَافِعَهَا وَخَوَاصَّهَا وَمَضَارَّهَا فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ .

( وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ ) أَيْ : عَلَى الدَّوَابِّ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ ، وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَلَى السُّفُنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ .
( وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) أَيْ : مِنْ زُرُوعٍ وَثِمَارٍ ، وَلُحُومٍ وَأَلْبَانٍ ، مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الطُّعُومِ وَالْأَلْوَانِ ، الْمُشْتَهَاةِ اللَّذِيذَةِ ، وَالْمَنَاظِرِ الْحَسَنَةِ ، وَالْمَلَابِسِ الرَّفِيعَةِ مِنْ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ ، عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهَا وَأَلْوَانِهَا وَأَشْكَالِهَا ، مِمَّا يَصْنَعُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَيَجْلِبُهُ إِلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَقَالِيمِ وَالنَّوَاحِي .

( وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ) أَيْ : مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/ 97).

وينظر : "تفسير السعدي" (ص 463) .

ثانيا :

ينبغي أن يُعْلم : أن الله جل جلاله : هو المتفرد باختيار ما يختاره ، واصطفاء ما يصطفيه ، كما أنه المتفرد بخلق ذلك كله ، سواء بدا لنا حكمته في خلقه واصطفائه ، أو لم يبد ؛ فلله سبحانه الحكمة البالغة في خلقه وتدبيره .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالِاخْتِيَارِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } [القصص: 68] [الْقَصَصِ: 68] ... ؛ فَكَمَا أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ ، فَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالِاخْتِيَارِ مِنْهُ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْلُقَ ، وَلَا أَنْ يَخْتَارَ سِوَاهُ .

فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ اخْتِيَارِهِ ، وَمَحَالِّ رِضَاهُ ، وَمَا يَصْلُحُ لِلِاخْتِيَارِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ لَهُ ، وَغَيْرُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ..."

قال :

" وَإِذَا تَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ هَذَا الْخَلْقِ ، رَأَيْتَ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَالتَّخْصِيصَ فِيهِ : دَالًّا عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى ، وَوَحْدَانِيَّتِهِ ، وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، فَلَا شَرِيكَ لَهُ يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ ، وَيَخْتَارُ كَاخْتِيَارِهِ ، وَيُدَبِّرُ كَتَدْبِيرِهِ ، فَهَذَا الِاخْتِيَارُ وَالتَّدْبِيرُ وَالتَّخْصِيصُ ، الْمَشْهُودُ أَثَرُهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ رُبُوبِيَّتِه ِ، وَأَكْبَرِ شَوَاهِدِ وَحْدَانِيَّتِهِ ، وَصِفَاتِ كَمَالِهِ ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ .."

انتهى من "زاد المعاد" (1/40) وما بعدها .

ثالثا :

من حكمة الله جل جلاله في تكريم بني آدم ، والله أعلم : أنهم المحل الذي قبل أمانة الرحمن ، والتي هي تكليفه وامتثاله للأمر والنهي باختياره ؛ فبعد أن عرضها على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملها الإنسان ؛ أهله الله جل جلاله لهذا المقام السني ، فاجتباه ، واختاره واصطفاه ، وفضله على كثير ممن خلقه سواه .

ثم كان من مقتضى ذلك : أن فيهم صفوة خلقه ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، فيهم العلماء العاملون ، وفيهم المجاهدون ، وفيهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، وفيهم القائمون بأمر الله ، والدعوة إليه .

قال ابن القيم رحمه الله :

" خلق الله سبحانه عباده المؤمنين وخلق كل شيء لأجلهم، كما قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَأَسْبَغ َ عَلَيْكُمْ نِعمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً )

وكرمهم وفضلهم على كثير ممن خلق ، فقال : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَم وحملناهم فِى الْبِرِّ وَالْبَحْرِ وَرزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) وقال لصالحيهم وصفوتهم: ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآل إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين ) وقال لموسى : ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) ، واتخذ منهم الخليلين ، والخلة أعلى درجات المحبة ..
.
والله سبحانه لا يصطفى لنفسه إلا أعز الأشياء وأَشْرَفَهَا وأعظمها قيمة .

وإذا كان قد اختار العبد لنفسه ، وارتضاه لمعرفته ومحبته ، وبنى له داراً في جواره وقربه ، وجعل ملائكته خدَمه يسعون في مصالحه في يقظته ومنامه وحياته وموته ، ثم إنَّ العبد أبق عن سيده ومالكه ، معرضاً عن رضاه ، ثم لم يكفه ذلك حتى خامر عليه ، وصالح عدوه ووالاه من دونه ، وصار من جنده مؤثراً لمرضاته على مرضاة وليه ومالكه ، فقد باع نفسه- التي اشتراها منه إلهه ومالكه وجعل ثمنها جنته والنظر إلى وجهه- من عدوه وأبغض خلقه إليه ، واستبدل غضبه برضاه ولعنته برحمته ومحبته .

فأي مقت خلى هذا المخدوع عن نفسه لم يتعرض له من ربه ؟ قال تعالى : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْملائِكَةِ اسْجُدُوا لآدم فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُو، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدلاً ) "

انتهى من "طريق الهجرتين" (ص 240-241) .

ثانيا :

تكريم جنس بني آدم إنما هو على كثير ممن خلق الله ، وأفادت لفظة ( كثير ) أن هناك أجناسا لا يمكن القطع بتفضيل جنس الآدميين عليهم ، كالملائكة مثلا ، إذ لا يمكن القول بأن الآدمي الكافر أفضل عند الله من الملائكة .

فالملائكة أفضل من الكفار من بني آدم بلا شك ، وكذا مؤمنو الجن أفضل من كفار بني آدم وفساقهم .

قال ابن عاشور رحمه الله :

" وَلَا شَكَّ أَنَّ إِقْحَامَ لَفْظِ ( كَثِيرٍ ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا ) مُرَاد مِنْهُ التَّقْيِيد وَالِاحْتِرَازُ وَالتَّعْلِيمُ الَّذِي لَا غُرُورَ فِيهِ ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ ثَمَّ مَخْلُوقَاتٍ غَيْرَ مُفَضَّلٍ عَلَيْهَا بَنُو آدَمَ ، تَكُونُ مُسَاوِيَةً ، أَوْ أَفْضَلَ ؛ إِجْمَالًا أَوْ تَفْصِيلًا .
وَتَبْيِينُهُ يُتَلَقَّى مِنَ الشَّرِيعَةِ فِيمَا بَيَّنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا سَكَتَتْ فَلَا نَبْحَثُ عَنْهُ "

انتهى من "التحرير والتنوير" (15/ 166).

فتحصل من ذلك :

أن المرد في معرفة التفضيل إنما هو للشرع ، لا للعقل ، وما يقضي به .

ثم لا يظهر من التكلف في تشقيق السؤال في ذلك ثمرة ؛ بل على العبد أن يعلم أن لربه حكمة بالغة في خلقه ، كما له الحكمة البالغة في أمره ونهيه ، وأن يجعل همته مصروفة لمواقع رضى ربه منه ، فينشغل بها عما سواها .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-06, 06:11
و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

مع جزء اخر من سلسلة

اركان الايمان

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

knovel
2018-05-16, 09:10
جزاك الله خيرا

*عبدالرحمن*
2019-09-30, 04:32
جزاك الله خيرا

الحمد لله الذي برحمته تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
وجزاك الله عنا كل خير

Haniboumezrag
2019-09-30, 17:31
جزاك الله خيرا

Haniboumezrag
2019-09-30, 17:31
جزاك الله خيرا ونفع بكم وبارك فيكم