المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكمُ الثورات الشعبية / للشيخ محمد علي فركوس حفظه الله.


ابو اكرام فتحون
2018-03-16, 20:02
بسم الله الرحمن الرحيم

حكمُ الثورات الشعبية
لريحانة الجزائر شيخنا الهمام
محمد علي فركوس حفظه الله.

يظهر -جليًّا- حكمُ الثورات الشعبية على النحو التالي:

* إذا كانت الثورة ضدَّ العدوِّ المعتدي الكافر الذي يريد أن يحتلَّ الأرض ويستعمرَ البلاد، فهذا جهادُ دفعٍ وهو فرضُ عينٍ يجب على أهل البلد جميعًا أن يخرجوا لقتاله، ولا يحلُّ لأحدٍ أن يتخلَّى عن واجبه في مقاتلته؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣].

* وإذا كانت الثورة بالخروج على طاعة الإمام الحاكم المسلم والتمرُّد عليه بالسلاح مصحوبًا بالامتناع عن أداء الحقوق المتعلِّقة بمصلحة الجماعة أو الأفراد، بأن يكونَ القصد من وراء الخروج عزْل الإمام وخلْعه؛ فإنَّ صنف الخارجين بهذا الاعتبار هم: البغاة.

* أمَّا إذا كانت الثورة بالخروج عن طاعة الإمام الحاكم المسلم باستخدام العنف والسلاح طلبًا لحظوظ النفس من المال والرئاسة ونحوها بما يستتبع الثورة من مَفَاسِدَ ومَهَالِكَ فإنَّ الخروج بهذا المعنى يُعَدُّ: محارَبةً، ويكون للمحارِبين حكمٌ مغايِرٌ للباغين -كما تقدّم-.

* أمَّا إذا كانت الثورة صادرةً من طائفتين مسلمتين وجرى بينهما القتال لعصبيةٍ أو لحظوظ الدنيا من غير منازَعة أولي الأمر؛ كان كلٌّ من الطائفتين باغيًا، ويجري عليه حُكْم الباغي.

* أمَّا إذا كانت الثورة بالخروج عن طاعة الإمام الحاكم المسلم لمجرَّد عصبيةٍ جاهليةٍ، أو للمطالبة بإقصاء الشريعة وإحلال التشريعات الوضعية محلَّها، أو بمنع حقٍّ شرعيٍّ ثابتٍ بلا تأويلٍ، وإنما عنادًا ومكابرةً ونحو ذلك؛ فهؤلاء ليسوا من أهل البغي أو الحرابة، وإنما هم من أهل الردَّة يقاتلهم الإمام الحاكم المسلم إلى أن يرجعوا إلى الحقِّ.
* هذا، أمَّا المسيرات والاعتصامات بالساحات والمظاهرات -إن كانت ذات طابعٍ سياسيٍّ أو اجتماعيٍّ مصحوبةً بالعنف والقوَّة واستعمال السلاح-؛ فإنَّ هذه الأشكال من المظاهر الاحتجاجية تُعدُّ خروجًا أو ثورةً بالمعنى الأوَّل السالف البيان، سواء كان أصحابُها يرمون من وراء الثورة إلى عزْل الإمام الحاكم المسلم وخلْعه، أو لحظوظ النفس والرئاسة، إلا أنَّ الأوَّلين -من حيث صفتُهم- هم أهل بغيٍ، والآخرون أهل حرابةٍ.

* أمَّا إذا كانت المظاهرات سلميةً خاليةً من شغبٍ وعنفٍ وحملٍ للسلاح؛ فهي ثورةٌ بالمعنى الثاني الذي سبق تقريره لتقيُّدها بصفة السلم وصرفها عن المعنى المتبادر إلى الذهن لقرينةٍ، إلا أنها تُعَدُّ مخالَفةً منكرةً ليست من منهج الإسلام في السياسة والحكم، ولا من عمل المسلمين ولا من وسائل النهي عن المنكر البتَّةَ في النظام الإسلامي، بل هي من الأساليب المسموح بها في النظام الديمقراطي الذي يستند في حاكميَّته إلى الشعب دون مولاه عزَّ وجلَّ، مع احتمال تحوُّل الثورة السلمية إلى موجاتٍ من الفتن والمفاسد كما دلَّ عليه الواقع، ومن جهةٍ أخرى فإنَّ هذا النمط من الثورات في العالم الإسلامي إنما هو تقليدٌ للثورة الفرنسية وما توالت من بعدها من ثوراتٍ في أوربا في العصر الحديث، الأمرُ الذي يطوِّق الأمة بطوق التبعية الغربية العمياء ويفتح مجالاً لغزوها فكريًّا وروحيًّا وحضاريًّا.

وفي الأخير أَخْتِمُ هذا الجوابَ بكلامٍ نفيسٍ للإمام ابنِ القيِّمِ ـ رحمه الله ـ في مَعْرِضِ بيانِه لشروطِ الإنكار حيث يقول ما نَصُّه: «إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم شَرَعَ لأمَّتِه إيجابَ إنكارِ المُنْكَرِ ليَحْصُلَ بإنكارِه مِنَ المعروف ما يُحِبُّه اللهُ ورسولُه، فإذا كان إنكارُ المُنْكَرِ يَسْتلزِمُ ما هو أَنْكَرُ منه وأَبْغَضُ إلى الله ورسولِه؛ فإنه لا يَسُوغُ إنكارُه وإِنْ كان اللهُ يُبْغِضُه ويَمْقُتُ أَهْلَه، وهذا كالإنكار على الملوك والوُلَاةِ بالخروج عليهم؛ فإنه أساسُ كُلِّ شرٍّ وفتنةٍ إلى آخِرِ الدهر، وقد استأذن الصحابةُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في قتال الأُمَراء الذين يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتها وقالوا: «أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟» فَقَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ»(١٠)، وقال: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ مَا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِ»(١١)، ومَنْ تَأمَّلَ ما جَرَى على الإسلام في الفِتَنِ الكِبَارِ والصِّغَارِ رآها مِنْ إضاعةِ هذا الأصلِ وعدَمِ الصبر على مُنْكَرٍ، فطَلَبَ إزالتَه؛ فتَوَلَّدَ منه ما هو أَكْبَرُ منه؛ فقَدْ كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يرى بمكَّةَ أَكْبَرَ المُنْكَرات ولا يستطيعُ تغييرَها، بل لَمَّا فَتَحَ اللهُ مكَّةَ وصارَتْ دارَ إسلامٍ عَزَمَ على تغييرِ البيتِ ورَدِّه على قواعدِ إبراهيم، ومَنَعَهُ مِنْ ذلك ـ مع قدرته عليه ـ خشيةُ وقوعِ ما هو أَعْظَمُ منه مِنْ عدَمِ احتمالِ قريشٍ لذلك؛ لقُرْبِ عَهْدِهم بالإسلام وكونِهم حديثِي عهدٍ بكفرٍ؛ ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأُمَرَاءِ باليد؛ لِمَا يَترتَّبُ عليه مِنْ وقوعِ ما هو أَعْظَمُ منه كما وُجِدَ سواءً»(١٢).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

:: الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله ::
للاطلاع من المصدر :
في بيان أصناف الخارجين على الحاكم وأحكام الثورات الشعبية
https://ferkous.com/home/?q=art-mois-64

messi20122013
2018-04-09, 16:03
جزاكم الله كل الخير

messi20122013
2018-04-11, 09:16
بارك الله فيك

أبو أنس ياسين
2018-08-02, 14:44
بارك الله فيك ونفع بك
وحفظَ شيخنا الحبيب أ.د محمد علي فركوس ومتّعه بالصحة والعافية.

walid-youcef
2018-08-11, 16:15
جزاك الله خيرا

سي يوسف مشرقي
2018-08-11, 18:48
جزاك الله خيرا...

Houssem 80
2018-08-20, 12:40
الم يأتينا منها الا الدم و الدمار

ابن الجزائر11
2018-08-20, 13:04
بارك الله فيك أخي على الموضوع النافع