تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التكليف >> أصول الفقه


*عبدالرحمن*
2018-03-11, 01:41
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


االحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فمن شأن المؤمن طلب العلم والتفقه في الدين، والتبصر، والعناية بكتاب الله والإقبال عليه وتدبره، والاستفادة منه والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتفقه فيها، والعمل بها وحفظ ما تيسر منها، فمن أعرض عن هذين الأصلين وغفل عنهما فذلك دليل وعلامة على أن الله سبحانه لم يرد به خيرا وذلك علامة الهلاك والدمار، وعلامة فساد القلب وانحرافه عن الهدى.

نسأل الله السلامة والعافية من كل ما يغضبه، فجدير بنا معشر المسلمين أن نتفقه في دين الله وأن نتعلم ما يجب علينا، وأن نحرص على العناية بكتاب الله تدبراً وتعقلاً وتلاوة، واستفادة، وعملا بذلك، وأن نعنى بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام حفظا وعملا وتفقها فيها، وأن نعنى أيضا بالسؤال عما أشكل علينا. فالإنسان يسأل عما أشكل عليه ويسأل من هو أعلم منه ليستفيد، عملا بقول الله سبحانه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ سورة النحل الآية 43.

وعليه أن يحضر حلقات العلم ليستفيد، ويتذاكر مع إخوانه الذين يرجو أن يكون عندهم علم حتى يستفيد من علمهم، وحتى يضم ما لديهم من العلوم النافعة إلى ما لديه من العلم، فيحصل له بذلك خير كثير، ويحصل له بذلك الفقه في الدين، ويحصل له بذلك البعد عن صفات المعرضين والغافلين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين رواه البخاري في العلم برقم 69، ومسلم في الزكاة برقم 1719.

وبما ذكرنا يعرف المؤمن فضل فقهاء الإسلام، وأنهم قد أوتوا خيرا كثيرا، وقد فازوا بحظ عظيم، من أسباب السعادة وطرق الهداية؛ لأن العلم النافع من أسباب الهداية، ومن حرم العلم حرم خيراً كثيراً، ومن رزق العلم النافع فقد رزق أسباب السعادة إذا عمل بذلك واتقى الله في ذلك.

ومن المواضيع السابقه


الفقه الإسلامي تعريفه وأصوله وفروعه

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2132684

الفقه وأصوله القسم المجمل

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2132996

واخيرا

اسالكم الدعاء بظهر الغيب

*عبدالرحمن*
2018-03-11, 01:47
لا تريد أن تتعلم لكي لا يكون العلم حجة عليها، وتسأل : هل يعذر الجاهل مطلقا

السؤال :

عندي سؤال يؤرقني من التفكير بخصوص جهل الناس بأحكام الدين والفقه ، فأنا دائما أستمع فتاوى ومحاضرات للشيوخ في فراغي ، وتعلمت الكثير من الأمور ، لكن عندما علمت أن الإنسان يعذر بالجهل اشتعل قلبي نارا ، فعندما أعلم أنا بالحلال والحرام ، مثل نمص الحاجب ، وثم تغريني الحياة ، واستمر بالنمص ، وأنا أعلم بأنه حرام فأنا آثمة جدا ، بينما غيري لا تعلم ، ومستمرة بالنمص ، وليس عليها إثم

إذن لماذا أنا أتعلم فقه الأحكام إذا كان الأمر هكذا ، فأن أظل على جهلي وأنا غير آثمة أفضل من أن أعلم الحكم ثم أضعف وأقوم به وأتحمل الإثم ؟ شعرت بالظلم لأنني أتعلم ، وأبحث ، وأتعب لأتعلم ، وألتزم ، وأطبق ، ثم يأتي إنسان جاهل غير عارف بأحكام الإسلام ليعيش سعيدا بدون ذنب ، ولا تأنيب ضمير، أليس من المفروض أن يكون طلب العلم فريضة يجب تعلمها ، والعمل بها

وتركها يعاقب عليه حتى يحاسب الناس على جهلها بالدين ؟

ولماذا أنا أعاقب على ضعفي في التطبيق ، وحتى لا أحصل على مساواة مع الإنسان الجاهل الراكض وراء الدنيا ووراء أهوائه ، برغم تطور الحياة ، وتطور وسائل أخذ العلم ، لكنه أصلا يستمتع في الدنيا بجهله ، ولم يخطر بباله الدين ، فلماذا لا يأثم لعدم بحثه عن الأحكام، وأنا أأثم لعلمي بالأحكام ؟

هذا الشيء جعلني أبتعد عن الأخذ بالعلم ، وعن البحث عن الأحكام ، والبقاء على جهلي أفضل ؛ لأني شعرت بعدم العدل .

الجواب :

الحمد لله

أولا:

العلم منه ما هو فرض عين يأثم الإنسان بتركه، وهو علم ما تصح به عقيدته وعبادته ومعاملته، فعلى فرض أنه عذر بجهله في وقوعه في مخالفة شرعية، فإنه يأثم لتفريطه في تعلم ما يجب عليه.

وفي الموسوعة الفقهية (13/ 5): "

تعلم العلم تعتريه الأحكام الآتية: قد يكون التعلم فرض عين، وهو تعلم ما لا بد منه للمسلم، لإقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى، أو معاشرة عباده.

فقد فرض على كل مكلف ومكلفة - بعد تعلمه ما تصح به عقيدته من أصول الدين - تعلم ما تصح به العبادات والمعاملات ، من الوضوء والغسل والصلاة والصوم، وأحكام الزكاة، والحج لمن وجب عليه، وإخلاص النية في العبادات لله.

ويجب تعلم أحكام البيوع على التجار ، ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات، وكذا أهل الحرف .

وكل من اشتغل بشيء يفرض عليه تعلم حكمه ليمتنع عن الحرام فيه.

وقد يكون التعلم فرض كفاية، وهو تعلم كل علم لا يستغنى عنه في قيام أمور الدنيا ، كالطب والحساب والنحو واللغة والكلام والقراءات وأسانيد الحديث ونحو ذلك ... " انتهى.

ومما يدل على أن الإنسان قد يعذر بجهله في أمر ما، ويأثم ويعاقب على تفريطه في تعلم الواجب: ما روى عبد الرزاق في مصنفه (13644) أَنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ، وَأَعْتَقَ مَنْ صَلَّى مِنْ رَقِيقِهِ وَصَامَ، وَكَانَتْ لَهُ نُوبِيَّةٌ قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ ، وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ لَمْ تَفْقَهْ، فَلَمْ يُرَعْ إِلَّا حَبَلُهَا، وَكَانَتْ ثَيِّبًا، فَذَهَبَ إِلَى عُمَرَ فَزِعًا فَحَدَّثَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «لَأَنْتَ الرَّجُلُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ» .

فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَسَأَلَهَا فَقَالَ: «حَبِلْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ مِنْ مَرْغُوشٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَإِذَا هِيَ تَسْتَهِلًّ بِذَلِكَ لَا تَكْتُمُهُ !!

فَصَادَفَ عِنْدَهُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ، وَكَانَ عُثْمَانُ جَالِسًا، فَاضْطَجَعَ فَقَالَ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: «قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَدُّ»، فَقَالَ: أَشِرْ عَلَيَّ، يَا عُثْمَانُ. فَقَالَ: قَدْ أَشَارَ عَلَيْكَ أَخَوَاكَ. قَالَ: أَشِرْ عَلَيَّ أَنْتَ. قَالَ عُثْمَانُ: «أُرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ، وَلَيْسَ الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ» .

فَأَمَرَ بِهَا فَجُلِدَتْ مِائَةً، ثُمَّ غَرَّبَهَا، ثُمَّ قَالَ: «صَدَقَتْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ».

فعذرها عمر لجهلها ولم يرجمها، وجلدها تعزيرا لتفريطها في التعلم.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" كل إنسان فعل شيئاً محرماً جاهلاً به فإنه ليس عليه إثم، ولا يترتب عليه عقوبة؛ لأن الله تعالى أرحم من أن يعذب من لم يتعمد مخالفته ومعصيته.

ولكن يبقى النظر إذا فرط الإنسان في طلب الحق، بأن كان متهاوناً، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث، فهذا قد يكون آثماً، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق، وقد يكون غير معذور في هذه الحال، وقد يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة، وليس عنده من ينبهه من العلماء، ففي هذه الحال يكون معذوراً .

ولهذا كان القول الراجح أنه لو عاش أحدٌ في البادية بعيداً عن المدن، وكان لا يصوم رمضان ظناً منه أنه ليس بواجب، أو كان يجامع زوجته في رمضان ظناً منه أن الجماع حلال، فإنه ليس عليه قضاء؛ لأنه جاهل، ومن شرط التكليف بالشريعة أن تبلغ المكلف فيعلمها.

فالخلاصة إذاً: أن الإنسان يعذر بالجهل، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق"

انتهى من لقاء الباب المفتوح (39/ 9).

ثانيا:

العذر بالجهل ليس على إطلاقه، فمن تمكن من العلم وأعرض، لم يكن معذورا، ولهذا يقول الفقهاء: إن كان مثله يجهل ذلك فهو معذور، وإن كان مثله لا يجهله فليس معذورا؛ لأنه إذا علم أمثاله الحكم في الواقعة، وجهله هو، كان دليلا على تفريطه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"العذر لا يكون عذرا إلا مع العجز عن إزالته ، وإلا ، فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيها لم يكن معذورا "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/280) .

وقال في كشاف القناع (2/ 256):

" (فإن جحد) المسلم الحر المكلف (وجوبها) أي الزكاة (جهلا به - ومثله يجهله - كقريب عهد بإسلام، أو نشوئه ببادية بعيدة) بحيث (يخفى عليه) وجوب الزكاة (عُرّف ذلك) أي وجوبها، ليرجع عن الخطأ ولم يحكم بكفره لأنه معذور (ونهي عن المعاودة) لجحد وجوبها لزوال عذره (فإن أصر) على جحد الوجوب بعد أن عرف (أو كان عالما بوجوبها: كفر) إجماعا لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع الأمة، ولو أخرجها " انتهى.

وقال القرافي رحمه الله في الفروق (4/ 264):

" واعلم أن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليس عذرا للداعي عند الله تعالى؛ لأن القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه، لا يكون حجة للجاهل؛ فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله ، وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ثم يعملوا بها ؛ فالعلم والعمل بها واجبان، فمن ترك التعلم والعمل ، وبقي جاهلا : فقد عصى معصيتين لتركه واجبين، وإن علم ولم يعمل فقد عصى معصية واحدة بترك العمل، ومن علم وعمل فقد نجا" انتهى.

وقال السيوطي رحمه الله في الأشباه والنظائر (ص200):

" كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس، لم يقبل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك، كتحريم الزنا، والقتل، والسرقة والخمر، والكلام في الصلاة، والأكل في الصوم، والقتل بالشهادة إذا رجعا، وقالا: تعمدنا ، ولم نعلم أنه يقتل بشهادتنا، ووطء المغصوبة، والمرهونة بدون إذن الراهن، فإن كان بإذنه قُبل مطلقا ; لأن ذلك يخفى على العوام" انتهى.

فتبين بهذا أن الجاهل ليس معذورا بإطلاق، فلا يعذر إذا تمكن من العلم وأعرض أو فرط، وقد يعذر، لكن يأثم بتقصيره في التعلم.

ولو كان الجاهل معذورا مطلقا، لكان الجهل للإنسان خيرا له من العلم كما ذكرت.

وهذا ما نبه عليه الشافعي رحمه الله.

قال الزركشي في المنثور في القواعد (2/ 16):

" إعذار الجاهل من باب التخفيف، لا من حيث جهله. ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه : لو عذر الجاهل، لأجل جهله لكان الجهل (خيرا) من العلم (إذ) كان يحط عن العبد أعباء التكليف (ويريح) قلبه (من) ضروب التعنيف، فلا (حجة) للعبد في جهله (بالحكم) بعد التبليغ والتمكين، (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)" انتهى.

فدعي الوساوس ، وتلاعب الشيطان بك ، يا أمة الله ؛ واطلبي العلم، واعلمي أنه شرف ورفعة في الدنيا والآخرة، واحذري الإعراض والتفريط في تعلم ما وجب عليك ، فإنك تأثمين بذلك، ولا تعذرين معه بالجهل.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-11, 01:53
الفرق بين المسائل الظاهرة والمعلومة من الدين بالضرورة

السؤال :

أرجو المساعدة في فهم هذه المسألة: سمعت شيخا يقول : إن هناك فرقا بين المسائل الظاهرة وبين المعلوم من الدين بالضرورة ، فالأولى هي الأمور التي انتشر علمها عند أكثر الناس ، أما المعلوم من الدين بالضرورة فهي الأمور التي يعلمها كل المسلمين ، ولا يجهلها أحد يعيش بينهم ، إلا حديث العهد بالإسلام

فهل هذا التفريق صحيح ؟

وهل قال به أحد السلف ؟

أم أن المعنى واحد وهو أن ما انتشر علمه عند أكثر الناس هو من المسائل الظاهرة ، وهو أيضا المعلوم من الدين بالضرورة، وهو الذي يكفر من أنكره حتى لو لم يعلم الحكم إن كان يعيش بين المسلمين ؛ لأنه مقصر لم يبحث عن الحكم؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

المعلوم من الدين بالضرورة : هو ما يعرفه العلماء والعامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال، ومن غير قبول للتشكيك ، وذلك كوجوب الصلوات الخمس ، وتحريم الخمر والزنا، فالتحق بالضروريات، لذلك.

قال الجلال المحلي: " وهو ما يعرف منه الخواص والعوام من غير قبول للتشكيك فالتحق بالضروريات كوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزنا والخمر" .

انتهى من شرحه على جمع الجوامع (2/238).

وقال المرداوي رحمه الله :

" ومعنى كونه معلوماً بالضرورة أن يستوي خاصة أهل الدين وعامتهم ، في معرفته ، حتى يصير كالمعلوم بالعلم الضروري ، في عدم تطرق الشك إليه ، لا أنه يستقل العقل بإدراكه ، فيكون علماً ضرورياً .

كأعداد الصلوات ، وركعاتها ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، وزمانها ، وتحريم الزنا ، والخمر ، والسرقة ، ونحوها "

انتهى من "التحبير شرح التحرير" (4/1680).

وقال ابن حجر الهيتمي: " وقوله: فما القدر المعلوم من الدين بالضرورة ؟

جوابه : أنه قد سبق ضابطه، وهو أن يكون قطعياً مشهوراً بحيث لا يخفى على العامة المخالطين للعلماء، بأن يعرفوه بداهة من غير افتقار إلى نظر واستدلال، ولذلك مثل منها في الاعتقادي:

وحدانية الله تعالى ، وتفرُّده بالألوهية وتنزهه عن الشريك وسمات الحادثات كالألوان، وتفرده باستحقاق العبودية على العالمين، وبإيجاد الخلق، وحياته وعِلْمه وقدرته وإرادته ، وإنزاله الكتب ، وإرساله للرسل ، وأنَّ له عباداً مكرمين وهم الملائكة ، وأنه يحيي الموتى ويحشرهم إلى دار الثواب والعقاب

وأن المؤمنين مُخلَّدون في الجنة ، والكافرين مُخلَّدون في النار ، وأن العالَم حادث، وأنه تعالى محيط بالجزئيات كالكليات ، وغير ذلك من كل خبر نص عليه القرآن ، والسنة المتواترة نصَّاً لا يحتمل التأويل ، أو اجتمعتْ الأمة على أن ذلك هو معناه ، وعُلِم من الدين بالضرورة .

ومنها في العملي: وجوب الوضوء والغسل من الجنابة والتيمم وانتقاض الطهارة بنحو البول ، وحصول الجنابة بنحو الجماع والحيض ، ووجوب الصلوات الخمس وعدد ركعاتها ، ووجوب نحو الركوع والسجود فيها ، وبطلانُها بتعمدُّ نحو الحدث ، ووجوب الجمعة بشروطها ، ووجوب الزكاة في الأنعام والزرع والنقود ...

فالاعتقادي بأقسامه السابقة ، والعملي بأقسامه الثلاثة ؛ يعني ما قلنا : إنه واجب أو حلال أو حرام، معلوم من الدين بالضرورة ، من حيثُ أصل كل منها ، وإن وقع خلاف في بعض تفاصيل صور من العملي .

فمنْ أنكر واحداً منها بالكلية ، أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع ، كصلاة سادسة ، اعتقد أنَّ وجوبَها كوجوب الخمس، فخرج نحو الوتر، أو أنكر مشروعية السنن الراتبة ، أو صلاة العيدين أو أنكر بقية الصلاة ، زاعماً أنها لم ترد إلا مُجْملة كَفَر"

انتهى من "الفتاوى الحديثية" ، ص141

*عبدالرحمن*
2018-03-11, 01:56
ثانيا:

أما المسائل الظاهرة ، فهذا يعبر به بعض أهل العلم عما لا يعذر فيه الإنسان بالجهل، ولا يخرج كلامهم وأمثلتهم عن المسائل المعلومة بالضرورة .

لكن قد تكون المسألة ظاهرة منصوصا عليها، وليست من المعلوم بالضرورة الذي لا يقبل التشكيك، ولكن يستوي الحكم في ذلك، فيكفر منكرها ، كما يكفر منكر المعلوم بالضرورة.

قال المرداوي في تتمة كلامه السابق:

" وإن لم يكن معلوماً من الدين بالضرورة ، ولكن منصوص عليه مشهور عند الخاصة والعامة، فيشارك القسم الذي قبله في كونه منصوصاً ، ومشهوراً ، ويخالفه من حيث إنه لم ينته إلى كونه ضرورياً في الدين: فيكفر به جاحده أيضاً .
وإن لم يكن منصوصاً عليه؛ لكنه بلغ ، مع كونه مجمعاً عليه

في الشهرة : مبلغ المنصوص ، بحيث تعرفه الخاصة والعامة : فهذا أيضاً يكفر منكره ، في أصح قولي العلماء ، حكاها الأستاذ أبو إسحاق وغيره ؛ لأنه يتضمن تكذيبُهم تكذيبَ الصادق .

وقيل : لا يكفر لعدم التصريح بالتكذيب.

وإن لم يكن منصوصاً عليه ، ولا بلغ في الشهرة مبلغ المنصوص ؛ بل هو خفي ، لا يعرفه إلا الخواص ، كإنكار استحقاق بنت الابن السدس مع البنت ، وتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالاتها ، أو إفساد الحج بالوطء قبل الوقوف بعرفة ، ونحوه : فهذا لا يكفر جاحده ولا منكره، لعذر الخفاء ، خلافاً لبعض الفقهاء في قوله : إنه يكفر ؛ لتكذيبه الأمة . ورُد : بأنه لم يكذبهم صريحاً ، إذا فرض أنه لم يكن مشهوراً ، فهو مما يخفى على مثله .

فهذا تحقيق هذه المسألة وتحريرها ، وقد حرره أئمة الشافعية" .

انتهى من " التحبير شرح التحرير " (4/1680).

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

يستعمل عبارة "المسائل الظاهرة" وكثيرا ما يقرنها ب: المتواترة، أو بالمجمع عليها، فتكون بذلك مساوية للمعلوم من الدين بالضرورة.

ومن ذلك قوله: " ولهذا يكفر جاحد الأحكام الظاهرة المجمع عليها وإن كان عاميا، دون الخفية"

انتهى من " المستدرك على مجموع الفتاوى " (2/ 254).

وقوله: " وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ: كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَوْ جَحْدِ تَحْرِيمِ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ: كَالْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالزِّنَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. أَوْ جَحْدِ حِلِّ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ: كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالنِّكَاحِ ؛ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ ، يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ ، وَإِلَّا قُتِلَ .

وَإِنْ أَضْمَرَ ذَلِكَ كَانَ زِنْدِيقًا مُنَافِقًا لَا يُسْتَتَابُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ بَلْ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ"

انتهى من " مجموع الفتاوى " (11/405).

وسيأتي عن النووي رحمه الله أن من المسائل ما هو مجمع عليه ، لكن لا يعلمه إلا الخاصة، ككون القاتل عمدا لا يرث، فهذا لا يعتبر من المسائل الظاهرة ؛ فضلا عن أن يكون من المعلوم بالضرورة .

فالحاصل أن المسائل أنواع:

1-المسائل المعلومة بالضرورة، وهي المسائل المجمع عليها التي يعلمها العامة والخاصة، ولا تقبل التشكيك، وهذه لا تكون إلا ظاهرة.

2-وهناك مسائل ظاهرة مجمع عليها، لكنها تقبل التشكيك، فلم تنته إلى كونها ضرورية في الدين. وهذه والتي قبلها يكفر منكرها.

3-وهناك مسائل مجمع عليها، وليست ظاهرة، ولا معلومة بالضرورة، أو ليست متواترة، وهذه لا يكفر منكرها.
وقد نبه على هذا غير واحد.

قال النووي رحمه الله:

" أطلق الإمام الرافعي القول بتكفير جاحد المجمع عليه، وليس هو على إطلاقه، بل من جحد مجمعاً عليه ، فيه نص، وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام ، كالصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو تحريم الخمر أو الزنا ونحو ذلك فهو كافر.

ومن جحد مجمعاً عليه لا يعرفه إلا الخواص ، كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب، وتحريم نكاح المعتدة، وكما إذا أجمع أهل عصر على حكم حادثة فليس بكافر؛ للعذر، بل يعرف الصواب ليعتقده.

ومن جحد مجمعا عليه ظاهرا لا نص فيه : فَفِي الْحُكْمِ بِتَكْفِيرِهِ خِلَافٌ يَأْتِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - بَيَانُهُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ "

انتهى من "روضة الطالبين" (2/ 146).

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله:

" فالمسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع ، كوجوب الصلاة مثلاً، وتارة لا يصحبها التواتر .
فالقسم الأول : يكفر جاحده لمخالفته التواتر، لا لمخالفته الإجماع .

والقسم الثاني لا يكفر به" ا

نتهى من "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (4/84).

*عبدالرحمن*
2018-03-11, 01:58
وقال القرافي رحمه الله:

" ولا يعتقد أن جاحد ما أجمع عليه يكفر على الإطلاق، بل لابد أن يكون المجمع عليه مشتهراً في الدين حتى صار ضرورياً، فكم من المسائل المجمع عليها إجماعاً لا يعلمه إلا خواص الفقهاء، فجحد مثل هذه المسائل التي يخفى الإجماع فيها ليس كفراً" .

انتهى من " الفروق " (4/ 259).

ثالثا:

ينبغي أن يعلم أن المعلوم بالضرورة- وأحرى المسائل الظاهرة فقط- يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وأحوال الناس، فما يكون معلوما بالضرورة في زمان أو مكان ولكثير من الناس، قد لا يكون معلوما بالضرورة في زمان أو مكان أو لبعض الناس.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

" فكون الشيء معلوما من الدين ضرورة أمر إضافي ، فحديث العهد بالإسلام ، ومن نشأ ببادية بعيدة : قد لا يعلم هذا بالكلية ، فضلا عن كونه يعلمه بالضرورة . وكثير من العلماء يعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد للسهو ، وقضى بالدية على العاقلة ، وقضى أن الولد للفراش ، وغير ذلك مما يعلمه الخاصة بالضرورة ، وأكثر الناس لا يعلمه ألبتة"

انتهى من " مجموع الفتاوى " (13/118).

وقال رحمه الله:

" وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ يَنْشَأُ فِي الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ الَّذِي يَنْدَرِسُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ عُلُومِ النُّبُوَّاتِ ، حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُبَلِّغُ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ، فَلَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا يَبْعَثُ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ ، وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ مَنْ يُبَلِّغُهُ ذَلِكَ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ .

وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ ، وَكَانَ حَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ ، فَأَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ : فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : ( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَعْرِفُونَ فِيهِ صَلَاةً وَلَا زَكَاةً وَلَا صَوْمًا وَلَا حَجًّا إلَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ الْكَبِيرَةُ يَقُولُ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ صَلَاةً وَلَا زَكَاةً وَلَا حَجًّا. فَقَالَ: وَلَا صَوْمَ يُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ" .

انتهى من " مجموع الفتاوى " (11/407).

وقد قال مثل هذا في الشرك والاستغاثة بغير الله، ولا شك أن تحريمها من أظهر الأمور المعلومة بالضرورة.

قال رحمه الله : " علم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحدا من الأموات ، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم ،

لا بلفظ الاستغاثة ولا يغيرها ، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ، ولا لغير ميت، ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله .

لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين : لم يمكن تكفيرهم بذلك ، حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، مما يخالفه.

ولهذا ما بينت هذه المسألة قط ، لمن يعرف أصل الإسلام ، إلا تفطن وقال: هذا أصل دين الإسلام "

انتهى من "الرد على البكري" (2/ 731).

وسئل رحمه الله:

" ما تقول السادة العلماء أئمة الدين -رضي الله عنهم أجمعين- في قومٍ يُعظِّمون المشايخ، بكون أنهم يستغيثون بهم في الشدائد، ويتضرَّعون إليهم، ويزورون قبورَهم ويُقبِّلونها ويتبرَّكون بترابها، ويُوقِدون المصابيح طولَ الليل، ويتخذون لها مواسم يقدمون عليها من البعد يسمونها ليلةَ المَحْيَا، فيجعلونها كالعيد عندهم، وينذرون لها النذور، ويُصلُّون عندها".

فأجاب: " الحمد لله رب العالمين. من استغاث بميِّتٍ أو غائب من البشر بحيثُ يدعوهُ في الشدائدِ والكُرُبات، ويَطلُب منه قضاءَ الحوائج، فيقول: يا سيِّدي الشيخ فلان! أنا في حسبك وجِوارِك؟ أو يقول عند هجوم العدوِّ عليه: يا سيِّدي فلان! يَستوحِيْه ويَستغيثُ به؟ أو يقول ذلك عند مرضِه وفقرِه وغيرِ ذلك من حاجاتِه-: فإن هذا ضالٌّ جاهلٌ ، مشركٌ عاصٍ لله باتفاقِ المسلمين، فإنهم متفقون على أن الميت لا يُدعَى ولا يُطلَب منه شيء، سواءٌ كان نبيًّا أو شيخًا أو غيرَ ذلك".
إلى أن قال: " وهذا الشركُ : إذا قامت على الإنسان الحجةُ فيه ولم يَنتهِ، وَجَبَ قتلُه ، كقتلِ أمثالِه من المشركين، ولم يُدفَنْ في مقابرِ المسلمين، ولم يُصَلَّ عليه.

وإمَّا إذا كان جاهلاً لم يَبلُغْه العلمُ، ولم يَعرِف حقيقةَ الشرك الذي قاتلَ عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المشركين، فإنه لا يُحكَم بكُفْرِه، ولاسِيَّما وقد كَثُر هذا الشركُ في المنتسبين إلى الإسلام.

ومن اعتقدَ مثلَ هذا قُربةً وطاعةً ، فإنه ضَالٌّ باتفاقِ المسلمين، وهو بعد قيامِ الحجة كافر.

والواجبُ على المسلمين عمومًا ، وعلى وُلاةِ الأمور خصوصًا : النهيُ عن هذه الأمور، والزَّجْرُ عنها بكلِّ طريق، وعقوبةُ مَن لم ينتهِ عن ذلك العقوبةَ الشرعيةَ، والله أعلم" .

انتهى من " جامع الرسائل لابن تيمية "، جمع عزير شمس (3/ 145- 151).

فسواء قيل إن مسائل الشرك من المسائل الظاهرة ، أو من المعلومة بالضرورة، فإن شيخ الإسلام يعذر فيهما الجاهل الذي لم يبلغه العلم، خلافا لما ظنه من ينسب له التفريق في العذر بين المسائل الظاهرة والخافية .

ولأجل ذلك ، نعود فننبه إلى وجوب إقامة الحجة الرسالية ، على الشخص المعين ، قبل الحكم بكفره وردته ، وترتيب ما ينبني على ذلك من الآثار .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فتجب إقامة الحجة قبل التكفير، وذلك في كل المسائل التي يمكن أن يجهلها الناس، فلا نقسم المسائل إلى مسائل ظاهرة ومسائل خفية؛ لأن الظهور والخفاء أمر نسبي، قد تكون المسألة ظاهرة عندي وخفية عند غيري، فلابد إذاً من إقامة الحجة وعدم التسرع في التكفير؛ لأن إخراج رجل من ملة الإسلام ليس بالأمر الهين، وهناك موانع تمنع من تكفير الشخص وإن قال أو فعل ما هو كفر"

انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (48/16) .


والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-11, 02:05
التحذير من التكفير بغير بيِّنة .

السؤال:

كفّرني صهري ، بناءً على فهم محدد عنده : أن كل جاهل مرتكب للشرك لا يمكن أن يكون مسلماً ، على أني شخصياً لا أرتكب الشرك - والعياذ بالله - لكني أعذر الآخرين بالجهل ، وهو أمر لا نقاش فيه بالنسبة له ، فكل جاهل- حسب وجهة نظره - يمكنه التعلم ، وبالتالي لا عذر له. ويقول بما أني لا أكفّرهم ففي توحيدي دخن ، وعليه فإني خارج دائرة الإسلام . فهل هذا صحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

لا يجوز التساهل في تكفير المسلم أو تفسيقه ؛ لما في ذلك من الافتراء على الله ، والافتراء على عباده المسلمين ، ولا يجوز تكفير المسلم أو تفسيقه إلا إذا جاء بما يوجب ذلك قولا أو فعلا بدلالة الكتاب والسنة .

وكذا لا يجوز تكفيره أو تفسيقه ، إلا بعد استيفاء شروط التكفير أو التفسيق ، وانتفاء موانعه .

ومن الشروط : أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً .

ومن الموانع : أن يكون متأولا ، أو عنده بعض الشُّبَه التي يظنها أدلة ، أو كان بحيث لا يستطيع فهم الحجة الشرعية على وجهها ، فالتكفير لا يكون إلا بتحقق تعمد المخالفة وارتفاع الجهالة .

انظر جواب السؤال رقم : (85102) لمعرفة ضوابط التكفير .

ثانياً :

الصواب في مسألة العذر بالجهل : أن المسلم الذي ثبت إسلامه ، لا يزول عنه إسلامه بمجرد الشبهة ، بل لا يزول عنه إلا بيقين ، وبتحقق قيام الحجة عليه ، وانقطاع عذره بها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا فَيُطْلَقُ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ صَاحِبِهِ وَيُقَالُ مَنْ قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ ، لَكِنَّ الشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي قَالَهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (23/ 345) .

ومن موانع التكفير ، وأعذار المخالف ، أيا ما كانت مخالفته : فرعية أو شرعية ، فقهية أو عقدية : الجهل ؛ فمن عمل عملا ، وهو يجهل أن الله حرم ذلك العمل عليه : لم يؤاخذ بما عمله ، ولم تترتب عليه آثار ذلك العمل ، حتى يُعَرَّف ، وتقام عليه الحجة ، وتتبين له المحجة . قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التوبة/115 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" هَذَا مَعَ أَنِّي دَائِمًا وَمَنْ جَالَسَنِي يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنِّي : أَنِّي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إلَى تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَمَعْصِيَةٍ ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً وَفَاسِقًا أُخْرَى وَعَاصِيًا أُخْرَى وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا : وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ . وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَتَنَازَعُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ لَا بِكُفْرِ وَلَا بِفِسْقِ وَلَا مَعْصِيَةٍ "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (3/229) .

وقال أيضا :

" وَإِذَا عُرِفَ هَذَا ، فَتَكْفِيرُ " الْمُعَيَّنِ " مِنْ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ وَأَمْثَالِهِمْ - بِحَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْكُفَّارِ - لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَقُومَ عَلَى أَحَدِهِمْ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ لَا رَيْبَ أَنَّهَا كُفْرٌ. وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي تَكْفِيرِ جَمِيعِ " الْمُعَيَّنِينَ " مَعَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْبِدْعَةِ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ وَبَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ يَكُونُ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ مَا لَيْسَ فِي بَعْضٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ . وَمَنْ ثَبَتَ إيمَانُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ ."

انتهى من " مجموع الفتاوى " (12/501) .

وقال أيضا ، في شأن بعض ما يقع فيه الجهال من أمور شرك العبادة :

" وهذا الشركُ إذا قامت على الإنسان الحجةُ فيه ولم يَنتهِ، وَجَبَ قتلُه كقتلِ أمثالِه من المشركين، ولم يُدفَنْ في مقابرِ المسلمين، ولم يُصَلَّ عليه . وإمَّا إذا كان جاهلاً لم يَبلُغْه العلمُ، ولم يَعرِف حقيقةَ الشرك الذي قاتلَ عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المشركين، فإنه لا يُحكَم بكُفْرِه، ولاسِيَّما وقد كَثُر هذا الشركُ في المنتسبين إلى الإسلام، ومن اعتقدَ مثلَ هذا قُربةً وطاعةً فإنه ضَالٌّ باتفاقِ المسلمين، وهو بعد قيامِ الحجة كافر."

انتهى من " جامع المسائل " (3/151) .

ونصوص شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا السياق : كثيرة جدا ، لا يستع المقام لجمعها .

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :

" وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم ، الذي على عبد القادر ، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي ، وأمثالهما ، لأجل جهلهم ، وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ، أو لم يكفر ويقاتل ؟ (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ )"

انتهى من " الدرر السنية " (1/104) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" إذا قلنا : هذا كفر : فلا نحكم على كل فاعل أن يكون كافراً ؛ لأنه قد يكون معذوراً ، أو يشتبه عليه الحق ، أو يكون مضطراً ارتكب هذا للضرورة ، فنصبر حتى نتبين حال هذا المرء ، فإذا تبين حاله وأن الرجل عنده علم ، ولكنه تجرأ على ما يصل به إلى الكفر ؛ كفَّرناه "

انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (6/ 37) [بترقيم الشاملة ] .

والقول بأن كل جاهل يمكنه التعلم قول غير صحيح ، لأن الجهل أصناف ، فهذا جاهل لا يعلم ، ولا يتمكن من العلم بسبب كبر سنه أو ضعف عقله ، وهذا جاهل بسبب تأويل عرض له ، وهذا جاهل بسبب شبهة ، وهذا جاهل بسبب حديث سمعه ، وهذا جاهل بسبب فهم فاسد ، وهذا جاهل بسبب شيخ جاهل يثق به ، إلى غير ذلك ، وعامة هؤلاء جهلة معذورن ، بخلاف الجاهل المعاند فإنه لا يعذر .

ومن الدراسات الجيدة النافعة في هذه المسألة المهمة ، كتاب : " إشكالية العذر بالجهل في البحث العقدي " ، للشيخ الفاضل سلطان العميري ، وهو مطبوع متداول ، ومتاح على شبكة الإنترنت أيضا .

ثانيا :

قول من قال : " من لم يكفر الكافر ، فهو كافر " ؛ ليس على إطلاقه ، وليس هذا نصا لكتاب الله ، ولا سنة رسوله ، ولا إجماعا ثابتا للمسلمين ، واجب العصمة .

ولا شك أن إطلاقه ، على ما جاء في السؤال : باطل ، لا يشك في بطلانه من كانت له أدنى معرفة بالشرع المطهر .
وما زال العلماء يخلتفون في شأن الساحر : هل هو كافر ، أو ليس بكافر ، ولم نسمع أحدا من أهل العلم والدين ، ممن يقول بكفر الساحر ، قال : إن من لم يكفر الساحر ، فهو كافر !!

وما زال الناس يختلفون في " تارك الصلاة كسلا " ، ولم نرَ ولم نسمعْ أحدا ممن قال بكفر تارك الصلاة ، قديما أو حديثا ، يقول : إن من لم يكفر تارك الصلاة فهو كافر.

وهكذا الشأن في أمر عذر الجاهل ، فمن قال : إن الجاهل معذور بجهله ، لا يقول إن ما فعله صواب ، مقبول ، بل يقول إنه فعله خطأ ، أو كفر ، بحسب حاله ، وإن كان نفس الفاعل لا يحكم عليه بتكفير أو تفسيق إلا بعد البيان ، وقيام الحجة الرسالية عليه .

وأما مراد أهل العلم ، أو من أطلق نحوا من هذه العبارة منهم ؛ إنما مرادهم بذلك : من لم يكفر الكافر الأصلي الذي يدين بغير ملة الإسلام ، أو من صحح مذهب أهل الضلال المخالفين لما هو معلوم من الدين بالضرورة ، الواقعين في كفر لا اختلاف فيه ، من غير تأويل ، أو جهل يعذورن فيه ، على ما سبق بيانه من حكم الجاهل .

وهذه طائفة من أقوال العلم ، يتضح بها ما قررناه هنا :

قال القاضي عياض رحمه الله :

" ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة الإسلام من الملل ، أو وقف فيهم ، أو شك أو صحح مذهبهم ، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده ، واعتقد إبطال كل مذهب سواه : فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك "

انتهى من " الشفا " (851) ط . دبي .

وقد قال قبل ذلك ـ أيضا ـ في إبطال قول من لم يكفر العوام والبله من اليهود والنصارى ، ونحوهم ؛ قال :
" وقائل هذا كله كافر ، بالإجماع على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود ، وكل من فارق دين المسلمين ، أو وقف في تكفيرهم ، أو شك .

قال القاضي أبو بكر لأن التوقيف ، والإجماع : اتفقا على كفرهم ؛ فمن وقف في ذلك فقد كذب النص ، والتوقيف أو شك فيه ؛ والتكذيب ، أو الشك فيه : لا يقع إلا من كافر "

انتهى من " الشفا " (846) .

فقد بين أن مناط التكفير هنا : هو من لم يكفر المشركين ، ومن دان بغير ملة الإسلام ، ممن دل " التوقيف " ـ يعني : النص ـ أو الإجماع على كفره .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ بَعْدَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنْ يَكُونَ مُسْلِمٌ إلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَلَيْسَ بِمُسْلِمِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَرِّمْ التَّدَيُّنَ - بَعْدَ مَبْعَثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؛ بَلْ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ وَيُبْغِضْهُمْ ، فَلَيْسَ بِمُسْلِمِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ."

انتهى من " مجموع الفتاوى " (27/464) .

وقال أيضا عن زنادقة " الحلولية " و" الاتحادية "
:
" وَأَقْوَالُ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أَقْوَالِ النَّصَارَى وَفِيهَا مِنْ التَّنَاقُضِ مِنْ جِنْسِ مَا فِي أَقْوَالِ النَّصَارَى؛ وَلِهَذَا يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ تَارَةً وَبِالِاتِّحَادِ أُخْرَى وَبِالْوَحْدَةِ تَارَةً فَإِنَّهُ مَذْهَبٌ مُتَنَاقِضٌ فِي نَفْسِهِ؛ وَلِهَذَا يَلْبِسُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ .

فَهَذَا كُلُّهُ كُفْرٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِإِجْمَاعِ كُلِّ مُسْلِمٍ ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِ هَؤُلَاءِ ، بَعْدَ مَعْرِفَةِ قَوْلِهِمْ ، وَمَعْرِفَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ : فَهُوَ كَافِر، كَمَنْ يَشُكُّ فِي كُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ" .

انتهى من " الفتاوى " (2/368) ، وينظر أيضا قوله في " الدروز " وعقيدتهم وحكمهم : (35/162) .

وقال الشيخ منصور البهوتي ، رحمه الله :

" (أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ) أَيْ تَدَيَّنَ (بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى) وَالْيَهُودِ (أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ) فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران/ 85 "

انتهى من " كشاف القناع " (6/170) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" ومن لم يكفر الكافر : فهو مثله ، إذا أقيمت عليه الحجة ، وأبين له الدليل ، فأصر على عدم التكفير، كمن لا يكفر اليهود أوالنصارى أو الشيوعيين أو نحوهم ممن كفره لا يلتبس على من له أدنى بصيرة وعلم"

انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (7/415) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" من كفِّره الله : يجب علينا أن نُكفره ، ومن لم يكفره الله : حرم علينا أن نكفره .

ومن ظننا أن فعله كفر : فإنه لا يحل أن نكفره بمجرد الظن ، حتى يقوم دليلٌ واضح على كفره " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (8/ 2) [ بترقيم الشاملة ] .

وقد نبه على نحو مما ذكرناه هنا أيضا : جمع من أهل العلم ، كالشيخ عبد العزيز الراجحي ، حفظه الله ، في " شرح تطهير الاعتقاد " للصنعاني ، والشيخ صالح آل الشيخ ، والشيخ ناصر العقل ، كلاهما في " شرح الطحاوية " .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-11, 02:11
حول مسألة العذر بالجهل .

السؤال :

يوجد لدي بعض الأقارب من الصوفية ، وهم يتبعون ما يقول لهم شيخهم فهم يعتقدون أنه من أهل العلم ، وهم يقومون بأفعال تندرج تحت الشرك الأكبر ، ولكنهم يفعلونها بناءً على تأويلات خاصة بهم ، وهم لا يعرفون اللغة العربية ، ولكنهم يملكون ترجمة معاني القرآن بلغتهم الأم

ولكن لا يقرؤونه . وقد قرأت أنّ المسلم لا يعذر بالشرك الأكبر ، إن كان يستطيع قراءة القرآن - إذا كان يستطيع الوصول إلى القرآن في البيئة التي يعيش بها - ، أو إذا كان يستطيع الوصول إلى العلماء وسؤالهم ، والرجوع إليهم .

فهل يجب علي تكفيرهم ؟

أم هل يجب علي الحذر من تكفيرهم ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

الواجب على المسلم : تحقيق التوحيد ، واتباع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، وتجنب البدع وأهلها ، والطرق الصوفية من أهلها ، فالواجب تنكب طريقهم والبعد عن مسالكهم .

ثانياً :

لا يجوز التساهل في تكفير المسلم أو تفسيقه ؛ لما في ذلك من الافتراء على الله والافتراء على عباده المسلمين ، ولا يجوز تكفير المسلم أو تفسيقه إلا إذا جاء بما يوجب ذلك قولا أو فعلا بدلالة الكتاب والسنة .

وكذا لا يجوز تكفيره أو تفسيقه ، إلا بعد استيفاء شروط التكفير أو التفسيق ، وانتفاء موانعه
.
ومن الشروط : أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً .

ومن الموانع : أن يكون متأولا ، أو عنده بعض الشبه التي يظنها أدلة ، أو كان بحيث لا يستطيع فهم الحجة الشرعية على وجهها ، فالتكفير لا يكون إلا بتحقق تعمد المخالفة وارتفاع الجهالة .

انظر جواب السؤال رقم : (85102) لمعرفة ضوابط التكفير .

ثالثاً :

الصواب في مسألة الجاهل وعذره : أن المسلم الذي ثبت إسلامه ، لا يزول عنه بمجرد الشبهة ، بل لا يزول عنه إلا بيقين ، وتحقق قيام الحجة الرسالية عليه ، وينقطع عذره بها .

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :

" وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم ، الذي على عبد القادر ، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي ، وأمثالهما ، لأجل جهلهم ، وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ، أو لم يكفر ويقاتل؟ (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ )"

انتهى من " الدرر السنية " (1/104) .

ومن المعلوم أن الأصل في هؤلاء الأعاجم أنهم ينشؤون في بلاد ومجتمعات : الغالب عليها الجهل بكثير من أحكام الإسلام وشرائعه ، وخاصة منها ما يتعلق بأمور السنن ، ومقتضياته التوحيد ، وإنما يؤمنون إيماناً كلياً مجملاً ، ويجهلون كثيرا من هذه التفاصيل .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَالتَّكْفِيرُ هُوَ مِنْ الْوَعِيدِ ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ تَكْذِيبًا لِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةِ بَعِيدَةٍ .

وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ مَا يَجْحَدُهُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ .

وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَا يَسْمَعُ تِلْكَ النُّصُوصَ أَوْ سَمِعَهَا وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ عَارَضَهَا عِنْدَهُ مُعَارِضٌ آخَرُ أَوْجَبَ تَأْوِيلَهَا ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا .

وَكُنْت دَائِمًا أَذْكُرُ الْحَدِيثَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ: ( إذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ، ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ ، فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ : مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت؟ قَالَ خَشْيَتُك: فَغَفَرَ لَهُ).

فَهَذَا رَجُلٌ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي إعَادَتِهِ إذَا ذُرِّيَ ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَادُ ، وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، لَكِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ ، وَكَانَ مُؤْمِنًا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ .

وَالْمُتَأَوِّلُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْحَرِيصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْلَى بِالْمَغْفِرَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا"

. انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/231) .

وقال أيضا :

" وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ يَنْشَأُ فِي الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ الَّذِي يَنْدَرِسُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ عُلُومِ النُّبُوَّاتِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُبَلِّغُ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ فَلَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا يَبْعَثُ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ مَنْ يُبَلِّغُهُ ذَلِكَ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ ؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَكَانَ حَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَأَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/407) .

وليس مجرد معرفتهم بترجمة القرآن كافياً ، بل ولا حتى تمكنهم من قراءة القراءة بلغته ؛ فكم ممن يتكلم العربية ، ويعرف طرائقها ، ثم لا يتبين له من نصوص القرآن والسنة ما يدل على خطأ ما هو عليه ، أو بطلانه ، أو أن ذلك من الشرك أو لا ؟

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قال الغزالي في كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة : والذي ينبغي الاحتراز منه : التكفير ما وجد إليه سبيلا ؛ فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة ، أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد "

انتهى من "فتح الباري" (12/300) .

والواجب على السائل هنا : أن يجتهد في دعوة أقاربه ، ومعارفه ، وتبليغهم التوحيد والسنة ، والصبر على أذاهم ، أو إعراضهم ، أو جفوتهم ، فإن ذلك أعظم مقام يقومه العبد في الناس ؛ قال الله تعالى :

( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فصلت/33-36

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-12, 15:46
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

إذا ظهر على الصبي شيء من علامات
البلوغ ، تعلق به التكليف .

السؤال :

أنا ولد في الرابعة عشرة من عمري ، وقد رأيت واحدة من أمارات البلوغ وقد علمت أن صحائف أعمالي تفتح من الآن وأحاسب على تصرفاتي ، لكن أسرتي لم يصدقوني ، ولم يعاملوني وفقا لما أخبرتهم ، فعلى سبيل المثال إنهم لا يزالون يرسلونني بحاجة إلى الجهة المختصة بالنساء في المسجد ، و بنات عمي أيضا لا يرتدين الحجاب أمامي ؛ لأنهن لا يصدقنني أنني قد بلغت ، وهن مصرات على مصافحتي عند السلام وإذا امتنعت يغضبن علي ، إنهن مسلمات ملتزمات ؛ لكنهن لا يصدقنني أنني محاسب على أعمالي ، ولذا لدي سؤالان .

الأول : هل طاعة والدي أهم من رؤية المرأة بدون حجاب؟ وكيف يمكن أن أقول لبنات عمي أنني قد بلغت من غير إساءة الأدب معهن ؟

الثاني : ليتكم تتكرموا بإعطائي الأحاديث حول علامات البلوغ .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

يحصل البلوغ بواحد من أمور ثلاثة بالنسبة للذكور وهي :

1 - الاحتلام .

2- نبات الشعر الخشن حول العانة .

3- بلوغ خمس عشرة سنة .

فإذا وجد واحد من هذه الأمور الثلاثة صار الإنسان بالغا ، والمرأة تزيد على ذلك بأمر رابع وهو الحيض .

وتوضيح هذا الامرفي الاجوبه التاليه
منتدي الحلقه الاسلامي

ثالثا :

يلزم ببلوغ الصبي الحلم التقيد بأحكام الشريعة التي تخصه ، فلا يصافح النساء ولا ينظر إليهن ولا يختلي بامرأة ؛ لأنه صار مكلفا ، يحرم عليه ما يحرم على الرجال البالغين لأنه منهم .

ولا يجوز الاستهانة بهذا الأمر ، ويجب الحزم فيه ، فيجب عليك الامتناع عن الذهاب إلى مصلى النساء ، والامتناع عن مصافحة الأجنبيات والنظر إليهن ، ومنهن بنات عمك ، وإن كرهن ذلك منك ؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ويمكنك الاستعانة بأختك مثلا أو غيرها من حريم بيتك لتوضيح الموقف الشرعي أمام بنات عمك ، وحيث أخذت الأمر مأخذ الجد فإنهن لا شك سيتفهمن الأمر على جليته .

وكذا لو أمرك والدك أو والدتك بالدخول على النساء أو مصافحتهن فلا يجوز لك طاعتهما ، إنما تكون الطاعة في المعروف ، أما في المعصية فلا طاعة لأحد .

ولا حرج عليك أن تبين لهما أنك قد بلغت مبلغ الرجال ، فيحرم عليك ما يحرم على الرجال ، ويكون ذلك ببيان شرعي بأدب ولطف .

أو تستعين على ذلك بأحد من قرابتك .

وتوضيح هذا الامرفي الاجوبه التاليه
منتدي الحلقه الاسلامي


رابعا :

الغلام في سن الرابعة عشر إذا لم يكن قد بلغ فقد راهق البلوغ ، فمثله لا يجوز أن يطلع على عورات النساء ، ولا بد للنساء أن يفهمن ذلك ، فيتحجبن عمن قارب البلوغ .

قال تعالى : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ) النور/ 31

قال ابن كثير رحمه الله :

" قوله تعالى : ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ ) يَعْنِي لِصِغَرِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَعَوْرَاتِهِنَّ مِنْ كَلَامِهِنَّ الرَّخِيمِ وَتَعَطُّفِهِنَّ فِي الْمِشْيَةِ وحركاتهن وسكناتهن، فإذا كَانَ الطِّفْلُ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ : فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهِ عَلَى النِّسَاءِ ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مُرَاهِقًا، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، بِحَيْثُ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيَدْرِيهِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّوْهَاءِ وَالْحَسْنَاءِ ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ "

انتهى من " تفسير ابن كثير" (6/ 45-46) .

وقِيلَ للإمام أحمد رحمه الله : مَتَى تُغَطِّي الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا مِنْ الْغُلَامِ؟ قَالَ: " إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ ".

انتهى من "المغني" (7/ 100) .

على أن بلوغ خمسة عشر عاما : معناه أنه أتم الأربعة عشرة ، وشرع في العام الخامس عشر ، وهذا كثيرا ما يكون منطبقا على من يقول إن عمره : أربعة عشر عاما ، فإنه إذا كان قد أكمل الأربعة عشرة ، فقد حصلت له هذه العلامة من علامات البلوغ .

كما أن الأعوام المعتبرة : هي الأعوام الهجرية ، لا الميلادية ، وهي سوف تكون أقل مما لو كان الحساب بالأعوام الميلادية .

وضبط البلوغ في حقك بأنك قد بلغت هذه السن : ينفعك في دفع الحرج عنك في الحديث مع أسرتك ، أو أقاربك ، فإن بلوغ السن لا حرج فيه ولا حياء .

فيجب على بنات عمك أن يَعِين الحكم الشرعي ، فلا يجوز لهن أن ينكشفن عليك أو يصافحنك لبلوغك الحلم ، كما يجب عليك عدم طاعتهن في معصية الله بمصافحتهن أو الذهاب إلى مصلى النساء .

ويجب على والدك إدراك ذلك ، وعليك أخذ هذا الأمر بقوة ، فإن الله لا يستحيي من الحق ، ولا بأس من التصريح عند الحاجة بالبلوغ وأنه لا يجوز لك مصافحة النساء ولا الدخول عليهن .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-12, 15:49
متى تحتجب الفتاة ؟

السؤال

إذا بدأ شعر جسم الفتاة ينمو فهل يجب عليها أن ترتدي الحجاب الكامل ؟.

الجواب

الحمد لله

لا يعتبر الشخص مكلفاً إلا بعد البلوغ ، أما قبل البلوغ فلا تكليف عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ : عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ ) رواه أبو داود (4402) ، وعلى هذا فيجب على الفتاة أن ترتدي الحجاب الكامل إذا بلغت , وللبلوغ ثلاث علامات مشتركة بين الذكر والأنثى :

1- الاحتلام .

2- نبات الشعر الخشن حول العانة .

3- بلوغ خمس عشرة سنة .

وتزيد الأنثى بأمر رابع وهو :

4- الحيض .

فإذا حصل للفتاة إحدى علامات البلوغ هذه وجب عليها الإتيان بجميع الواجبات واجتناب جميع المحرمات ، ومن الواجبات ارتداء الحجاب .

ولكن ينبغي لولي أمر الفتاة أن يُعوِّدها على الالتزام بالواجبات واجتناب المحرمات قبل البلوغ , حتى تنشأ على ذلك , فلا يشق عليها الالتزام بها بعد البلوغ ، وهذا من الأصول التربوية المقررة في الشريعة .

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين , واضربوهم عليها وهم أبناء عشر , وفرقوا بينهم في المضاجع " رواه أبو داود (495) وأحمد (2/187) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .

وجاء هذا المعنى من حديث سبرة بن معبد عند أبي داود (494) والترمذي (407) وقال : حسن صحيح . والحديث صححه الألباني في "الإرواء" (247) .

وروى البخاري (1960) ومسلم (1136) في " صحيحيهما " من حديث الرُّبيع بنت معوذ في ذكر صيام عاشوراء عندما فرض صيامه على المسلمين , وفيه : فكنا بعد ذلك نصومه _ يعني عاشوراء _ ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم ، إن شاء الله , ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن _ وهو الصوف _ , فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار .

وفي رواية لمسلم : فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم .

قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (8/14) : ( في هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات , ولكنهم ليسوا مكلفين ) ا.هـ

وقال ابن القيم في "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص :162) : ( والصبي وإن لم يكن مكلفا فوليه مكلف ، لا يحل له تمكينه من المحرم , فإنه يعتاده ويعسر فطامه عنه ) ا.هـ

وإذا قاربت الفتاة البلوغ فإنه يُخشى أن يكون عدم ارتدائها الحجاب سبباً لفتنة الشباب بها ، وفتنتها بهم .

ولذلك ينبغي لوليها في هذه الحال أن يلزمها بالحجاب ، سداً للذريعة ومنعاً للمفسدة .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-12, 15:52
هل نبات أي شعر حول العانة يحصل به البلوغ

السؤال:

عندي بنت بلغت 11 سنة , لقد علمت بأن الإنبات من علامات البلوغ ، فهل مجرد نبات القليل والضعيف من الشعر حول الفرج تصبح البنت مكلفة ، بحيث يجب عليها الحجاب أو بنبات الكثير والخشن تصبح مكلفة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

بلوغ سن التكليف له علامات أخرى سوى نبات الشعر ، ولا يشترط أن تتحقق العلامات جميعا ؛ بل متى وجد في الصبي أو الصبية علامة واحدة منها ، فقد صار مكلفا مسؤولا عن تصرفاته .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ويحصُلُ البلوغُ بواحدٍ مِن أمورٍ ثلاثةٍ بالنسبة للذُّكورِ وهي:

1 ـ تمامُ خمس عشرة سَنَةً.

2 ـ إنباتُ العَانةِ.

3 ـ إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً.

فإذا وُجِدَ واحدٌ مِن هذه الأمورِ الثلاثةِ صارَ الإِنسانُ بالغاً. والمرأةُ تزيدُ على ذلك بأمرٍ رابعٍ وهو الحيضُ، فإذا حاضت ولو لعشرِ سنوات فهي بالغة " .

انتهى." الشرح الممتع" (4/224).

ثانيا :

الشعر الذي يحصل البلوغ بنباته هو الشعر الذي ينبت حول العانة : ذكر الغلام ، أو فرج البنت ، وأما شعر اللحية والشارب فلا يحصل البلوغ بنباته .

ثم إنه ليس كل شعر ينبت حول العانة يحصل به البلوغ ، بل المعتبر فيه : أن يكون شعرا كثيفا يحتاج إلى حلقه بالموس ونحوه ، وأما الشعر الخفيف الذي لا يحتاج إلى حلق ، فلا يحصل به البلوغ .

قال ابن قدامة رحمه الله :

" وَأَمَّا الْإِنْبَاتُ فَهُوَ أَنْ يَنْبُتَ الشَّعْرُ الْخَشِنُ حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ ، أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ ، الَّذِي اسْتَحَقَّ أَخْذَهُ بِالْمُوسَى ، وَأَمَّا الزَّغَبُ الضَّعِيفُ ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ .

"المغني" (9/392) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في علامات البلوغ :

" أن ينبت حول قُبُله شعر خشن ـ سواء كان ذكراً أو أنثى ـ أي : قوي صلب ، احترازاً من الشعر الناعم الخفيف ، فهذا يحصل حتى لابن عشر أو أقل ، لكن الشعر الخشن القوي الصلب، هذا علامة البلوغ ، فلو نبتت لحيته ولم تنبت عانته فليس ببالغ ، فالعبرة هي نبات العانة "

انتهى . "الشرح الممتع" (9/289) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-12, 15:56
هل نزول المذي ونبات شعر الإبط من علامات البلوغ ؟

السؤال:

هل نزول المذي يدل على البلوغ ؟ وهل شعر الإبط يدل على البلوغ أيضا أم لا ؟

الجواب :

الحمد لله :

بلوغ سن التكليف يحصل بواحدة من ثلاث علامات بالنسبة للذكر ، وتزيد الأنثى بعلامة رابعة وهي الحيض .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ويحصُلُ البلوغُ بواحدٍ مِن أمورٍ ثلاثةٍ بالنسبة للذُّكورِ وهي :

1 ـ تمامُ خمس عشرة سَنَةً .

2 ـ إنباتُ العَانةِ .

3 ـ إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً .

فإذا وُجِدَ واحدٌ مِن هذه الأمورِ الثلاثةِ صارَ الإِنسانُ بالغاً .

والمرأةُ تزيدُ على ذلك بأمرٍ رابعٍ وهو الحيضُ ، فإذا حاضت ولو لعشرِ سنوات فهي بالغة "

انتهى من " الشرح الممتع" (4/224).

فإذا أنزل الصبي أو الجارية منياً بلذة ، سواء كان في اليقظة أو المنام : حكمنا ببلوغه ؛ لما سيأتي من أدلة الكتاب والسنة وإجماع العلماء .

قال الماوردي رحمه الله :

" فأما الاحتلام فإنما كان بلوغاً ؛ لقول الله تعالى: ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا ) النور/ 59 .

ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( رفع القلم عن ثلاثة ) وذكر منها : ( الصبي حتى يحتلم ).
والاحتلام تعريفه : هو إنزال المني الدافق من رجل أو امرأة ، من نوم أو جماع أو غيرهما "

انتهى من " الحاوي" (6/343) وينظر : " المغني" (4/297) .

وبهذا يُعلم أن نزول المذي لا يحصل به البلوغ ؛ لعدم الدليل ، والأصل عدم التكليف ، حتى يثبت دليل ناقل عن الأصل .
جاء في " مطالب أولي النهى" (3/404) بعد أن ذَكر علامات البلوغ ـــ ومنها المني ــ قال رحمه الله: " ( ولا اعتبار ) ؛ أي : لا يحصل بلوغ ، بغير ما ذُكر.. " انتهى.

ثانياً :

نبات الشعر الخشن حو العانة : ذكر الغلام ، أو فرج الجارية علامة من علامات البلوغ ؛ لما رواه عطية القرظي رضي الله عنه قال : " عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ ، فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ ، فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ ، فَخُلِّيَ سَبِيلِي " رواه الترمذي (1584) وصححه الشيخ الألباني .

قال ابن قدامة رحمه الله :

" وأما الإنبات ، فهو أن ينبت الشعر الخشن حول ذكر الرجل , أو فرج المرأة , الذي استحق أخذه بالموسى , وأما الزغب الضعيف , فلا اعتبار به , فإنه يثبت في حق الصغير.."

انتهى من "المغني" (9/392).

وأما غير شعر القُبلِ ، كشعر اللحية أو الشارب أو الإبط ، فلا حكم له ، ولو كثر ؛ لأن الشرع إنما علق الحكم بنبات شعر القُبلِ ، ولو كان غير شعر القُبل ... معتبراً ، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليكشف عن عورات بني قريظة ، اكتفاء بما ظهر من الشعر في غير موضع العورة .

جاء في " مطالب أولي النهى" (3/404) : " ( ولا اعتبار ) ؛ أي : لا يحصل بلوغ بغير ما ذُكر ( بغلظ صوت ، وفرق أنف ، ونهود ثدي ، وشعر إبط ، و ) شعر ( لحية ) وغيرها " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-12, 16:00
هل يجوز للأب إجبار ابنته على العمل في مكان مختلط؟

السؤال

هل يمكن للوالد إجبار ابنته على العمل في وسط مختلط ؟.

الجواب

الحمد لله

العمل في الأماكن المختلطة لا يسلم من الوقوع في الحرام ، نظرا أو خلوة أو ميلاً قلبياً ، ولهذا أفتى العلماء بتحريمه مراعاة لغالب الحال

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (12/156) :

( الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة ، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا ، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء ، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك ) انتهى.

وبناء على ذلك فليس للأب أن يجبر ابنته على العمل المختلط ، وإذا أجبرها على ذلك لم تجب طاعته ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف"

رواه البخاري 7257 ، ومسلم1840 .

وعلى البنت أن تبين لأبيها مخاطر العمل المختلط وحرمته ، وأن تذكره بواجبه في حفظ أهله ووقايتهم من النار ، وذلك بالأسلوب الحكيم والموعظة الحسنة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-12, 16:06
والداها يرفضان لبسها للنقاب بحجة أنها صغيرة

السؤال

أنا طالبة لدي 14 سنة ، وفي الصف الثاني الثانوي إن شاء الله ولكنني ، أرتدي حجابا بحيث يستر جسدي كله ، وفضفاض ولأغطي باللحاف أو الخمار كل صدري ونحري ولكن لا ينكشف مني إلا الوجه والكفان تطبيقا لما قاله بعض العلماء من أنهما ليسا بعورة بسبب هذه الإشكالية التي وقعت بين العلماء على قضية الحجاب ولكنني أحاول جاهدة أن أفعل أحسن من ذلك فحاولت تكرارا ومرارا أن أقنع أبي وأمي بأن أرتدي النقاب

ولكن دون جدوى فهم يقولون لي بأنني مازلت صغيرة ولم أبلغ إلا من سنتين فقط فماذا أفعل هل أطيعهما وهما يتحملان وزري وإثمي وذنبي ويحملانه أمام الله وأنا لا إثم علي أم أعصيهما تقربا لله علما بأنني إذا فعلت ذلك قد يحدث لي العديد من المشكلات التي لا حصر لها معها وما يترتب عليه من غضب من قبلهما نحوي وأنت تعلم يا سماحة الشيخ فماذا أفعل ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

ستر المرأة وجهها عن الأجانب ، واجب ، في أصح قولي العلماء

التوضيح بالتفصيل في الجواب التالي
منتدي الحلقه الاسلامي

ثانيا :

لا يجوز للفتاة أن تطيع والدها أو أمها في ترك ستر الوجه ، وقد اقتنعت بوجوب ستره ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

كما لا يجوز للأب أن يأمر ابنته بكشف الوجه ، ولو كان يرى أن النقاب مستحب ، لأنها مكلفة بما علمت واقتنعت ، وستسأل عن ذلك ، لا عن قناعة والدها ورأيه ، فحيث تركت النقاب كانت عاصية لربها ، فماذا يفيدها طاعتها لأبيها حينئذ .

قال صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف )

رواه البخاري (7257) ومسلم(1840) .

ثالثا :

ينبغي أن تجتهدي في نصح والديك ، وإقناعهما بأن لك الحرية في اختيار القول الذي ترينه صوابا ، سواء بمعرفة أدلته ، أو بتقليد من وثقت به من أهل العلم ، وأنه لا يجوز لك شرعا أن تدعي هذا القول لكونه يخالف رأي أبيك أو أمك ، وأن تركك لستر الوجه يعني الوقوع في الإثم والمعصية . سواء تركته مرة أو مرتين أو أكثر ، فكلما خرجت أمام الأجانب كاشفة ، أثمت بذلك .

ولعله قد ظهر لك من هذا الجواب أن المسألة ليست في إقناع والديك بوجوب النقاب ، فهذا قد يتحقق وقد لا يتحقق بناء على وضوح الأدلة وخفائها ، وسُبل الإقناع بها ، لكن المسألة التي ينبغي التركيز عليها هي أن الفتاة المكلفة لا يلزمها اتباع رأي أبيها ، ولا يجوز لها أن تدع ما اقتنعت به لأجل رأيه وقناعته ، ولا يجوز له أن يلزمها برأيه .
ولأن المسألة خلافية

والخلاف فيها معتبر بين أهل العلم ، فالواجب في مثل ذلك الترفق في الحديث مع الوالدين فيها ، والصبر عليهما ، وعدم حمل أمرهما على الإثم ومعصية الله عز وجل ، أو الرغبة عن شرعه ، فربما كانا مقتنعين بعدم الوجوب ، كما أنك مقتنعة بالوجوب ، ولأن من حقهما رعايتك وتربيتك ، فهما يريان منعك من أمر ليس واجبا : من حقهما .

والذي يظهر من سؤالك أن والديك لا يعترضان على أصل ستر الوجه ، ولكن ينظران إلى صغر سنك ، وهذا مما يسهل السبيل لإقناعهما ، فإنه إن كان ستر الوجه واجبا ، فإن الفتاة البالغة مطالبة به ، وتأثم بمخالفته ، ولا فرق بين أن يكون عمرها 14 سنة أو 20 سنة .

وأما المشاكل المتوقعة من إصرارك على رأيك ومخالفتك لوالديك ، فهي مشاكل معتادة ، تزول بمرور الوقت واعتياد الوالدين على رؤية النقاب ، والأمر يحتاج إلى صبر وتضحية ، وحسب المؤمنة أن يرضى عنها ربها وإن سخط الناس .
وبعض الآباء يخافون من ارتداء بناتهم النقاب في سن مبكرة ، خشية أن ينفروا منه بعد ذلك ويضطروا لخلعه ، ولهذا نقول : أظهري مدى قناعتك بالنقاب ، ورغبتك في ارتدائه ، وتمسكك به ، وبددي تلك المخاوف . وبعضهم يخاف عليها من أنها إن انتقبت لم يرها أحد كما ينبغي ، مما يؤثر على زواجها فيما بعد .

والخلاصة : أن الذي ننصحك به في هذه المشكلة : أن تتأني في التعامل مع والديك ، وأن توسطي من يقنعهما بذلك إن تيسر لك ، وتقدمي لهما بعض الأشرطة لأهل العلم الذين يبحثون ذلك ، ويقررون فيه ما تعتقدينه من الوجوب ، بشرط أن يكون محل ثقة عند والديك ، وإن غلب على ظنك أن مشاكل لبس النقاب ، مع أسرتك

أكثر مما تحتملينه ، فبإمكانك تأخير اللبس قليلا حتى يقتنعا ، أو تخف حدة توترهما ، مع التقليل من خروجك خارج البيت ، والاختلاط بالأجانب لأقصى ما يمكن ، وإن استطعت أن تلبسيه في الشارع ، حيث لا يريانك ، فهو طيب إن شاء الله .

*عبدالرحمن*
2018-03-12, 16:10
حكم تغطية الوجه بالأدلة التفصيلية

السؤال

أريد أن أعرف الآيات القرآنية التي تتناول تغطية المرأة لوجهها، فأنا أريد أن أقدمها لبعض الأخوات الآتي يرغبن في معرفة ما إذا كان تغطية الوجه واجبة أم أنها أفضل وليست واجبة ؟.

الجواب

الحمد لله

"اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دلَّ على وجوبه كتاب ربك تعالى وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، والاعتبار الصحيح والقياس المطرد .

أولاً : أدلة القران .

الدليل الأول /

قال الله تعالى : " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " سورة النور / 31

وجه الدلالة من الآية على وجوب الحجاب على المرأة ما يلي :

أ- أن الله تعالى أمرالمؤمنات بحفظ فروجهن ، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلة إليه ، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك ، وبالتالي إلى الوصول والاتصال ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر ... ـ ثم قال ـ والفرج يصدق ذلك أويكذبه " رواه البخاري (6612) ومسلم (2657)

فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به لأن الوسائل لها أحكام المقاصد .

ب - قوله تعالى : " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " والجيب هو فتحة الرأس والخمار ما تخمربه المرأة رأسها وتغطيه به ، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس ، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة .

ج ـ أن الله نهى عن إبداء الزينة مطلقاً إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال " إلا ماظهر منها " لم يقل إلا ما أظهرن منها ـ وقد فسر بعض السلف : كابن مسعود، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم قوله تعالى ( إلاماظهر منها ) بالرداء والثياب ، وما يبدو من أسافل الثياب (أي اطراف الأعضاء ) ـ . ثم نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى ، فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولايُمكن إخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة ( ومنه الوجه ) ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة .

د ـ أن الله تعالى يُرخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أُولي الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لاشهوة لهم وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين :

1- أن إبداء الزينة الباطنة لايحل لأحدٍ من الأجانب إلا لهذين الصنفين .

2- أن علة الحكم ومدارة على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها ، ولاريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجباً لئلا يفتتن به أُولو الإربة من الرجال .

هـ - قوله تعالى : ( ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن ) يعني لا تضرب المرأة برجلها ليُعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرِجْـل ، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه .

فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم إمرأة لايدري ماهي وما جمالها ؟ ولايدري أشابة هي أم عجوز ؟ ولايدري أشوهاء هي أم حسناء ؟ أو ينظر إلى وجه جميل ممتلىء شباباً ونضارة وحسناً وجمالاً وتجميلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها ؟

إن كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء .

الدليل الثاني /

قوله تعالى : ( وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة النور / 60

وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نفى الجناح وهو الإثم عن القواعد وهن العجاوز اللاتي لا يرجون نكاحاً لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج والزينة . وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم ولو كان الحكم شاملاً للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة .

ومن قوله تعالى ( غير متبرجات بزينة ) دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحها ونحو ذلك ، ومن سوى هذه فنادر والنادر لا حكم له .

الدليل الثالث /

قوله تعالى ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب / 59

قال ابن عباس رضي الله عنهما : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة " .

وتفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء : إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وقوله رضي الله عنه : ويبدين عيناً واحدة إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين .

والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة.

الدليل الرابع /

قوله تعالى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) الأحزاب / 55 .

قال ابن كثير رحمه الله : لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى : " ولايبدين زينتهن إلا لبعولتهن "

ثانياً : الأدلة من السنة على وجوب تغطية الوجه .

الدليل الأول /

قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لاتعلم " رواه أحمد . قال صاحب مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح .

وجه الدلالة منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة بشرط أن يكون نظره للخطبة ، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال ، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع ونحو ذلك .

فإن قيل : ليس في الحديث بيان ماينظر إليه ، فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر ؟

فالجواب : أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه ، وما سواه تبع لا يُقصد غالباً فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب .

الدليل الثاني :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحدنا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتلبسها أُختها من جلبابها " . رواه البخاري ومسلم .

فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لا تخرج المرأة إلا بجلباب وأنها عند عدمه لا يمكن أن تخرج . وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لابد من التستر والله أعلم .

الدليل الثالث :

ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحدٌ من الغلس . وقالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها " . وقد روى نحو هذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

والدلالة من هذا الحديث من وجهين :

أحدها : أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمهم على الله عز وجل .

الثاني : أن عائشة أم المؤمنين وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما وناهيك بهما علماً وفقهاً وبصيرة أخبرا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو رأى من النساء ما رأياه لمنعهن من المساجد وهذا في زمان القرون المفضلة فكيف بزماننا !!

الدليل الرابع :

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْه " رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه أمرٌ معلوم عند نساء الصحابة رضي الله عنهم ، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب . فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة ، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه .

الدليل الخامس :

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ " رواه أبو داوود (1562) .

ففي قولها " فإذا حاذونا "تعني الركبان " سدلت إحدانا جلبابها على وجهها " دليل على وجوب ستر الوجه لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذٍ لوجب بقاؤه مكشوفاً حتى مع مرور الركبان .

وبيان ذلك : أن كشف الوجه في الإحرام واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم والواجب لايعارضه إلا ما هو واجب فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عند الأجانب ما ساغ ترك الواجب من كشفه حال الإحرام وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن المرأة المحرمة تنهى عن النقاب والقفازين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .

هذه تسعة أدلة من الكتاب والسنة .

الدليل العاشر :

الاعتبار الصحيح والقياس المطرد الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة وهو إقرار المصالح ووسائلها والحث عليها ، وإنكار المفاسد ووسائلها والزجر عنها .

وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة ، وإن قدر أن فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد . فمن مفاسده :

1ـ الفتنة ، فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ويُبهيه ويظهره بالمظهر الفاتن . وهذا من أكبر دواعي الشر والفساد .

2ـ زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ومن مقتضيات فطرتها . فقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء فيقال ( أشد حياءً من العذراء في خدرها ) وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها وخروج عن الفطرة التي خلقت عليها .

3ـ افتتان الرجال بها لاسيما إذا كانت جميلة وحصل منها تملق وضحك ومداعبة كما يحصل من كثير من السافرات ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .

4ـ اختلاط النساء بالرجال فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياءٌ ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عريض ، فقد أخرج الترمذي (5272) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ . فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ " حسنه الألباني في صحيح الجامع ( 929 )

انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله من رسالة الحجاب بتصرف .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 06:47
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

حكم إمامة المسحور الذي لا يقدر على قراءة الفاتحة

السؤال: ‏

هل يجوز للشخص مسحور ‏أن يصلي إماما ، ‏‏وهو يعلم أنه مسحور ‏، ولا يستطيع أن ‏يقرأ سورة الفاتحة ؟

الجواب :

الحمد لله

يفرق في الأحكام الشرعية جميعها بين حالين للمسحور ؛ فمن غلب السحر على عقله فسلبه الإرادة والاختيار : فهذا غير مكلف أصلا .

وأما من لم يصل إلى هذه الدرجة ، وكان السحر يؤثر عليه بنوع من الحزن أو الكآبة ، أو يجعله بحيث لا يقدر على إتيان زوجته ونحو ذلك من أعراض السحر المعروفة ، لكن مع بقاء عقله وتفكيره واختياره : فهذا مكلف .

وعلى ذلك فالنوع الأول ، وهو المسحور الذي فقد عقله : حكمه حكم المجنون ، لا تكليف عليه ، ولا تصح إمامته ؛ لأن من شرط الإمامة العقل ؛ " فلا تصح إمامة المجنون "
.
يُنظر : " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني " (1 / 205).

وقد علل الفقهاء ذلك بأن " المجنون لا تصح منه نية ، وحينئذ : فيعيد من ائتم به أبدا" .

انتهى من " الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي " (1 / 326).

ولكن هذا المسحور لو كانت له أوقات يفيق فيها من أثر السحر فلا بأس بإمامته في أوقات إفاقته ، قياسا على ما ذكره الفقهاء رحمهم الله تعالى من أنه "لا بأس بإمامة المجنون حال إفاقته"

انتهى من " الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي " (1 / 326).

لكن بشرط أن يحسن قراءة الفاتحة ، وإقامة الصلاة : حال إفاقته .

فإن كان لا يحسن أن يقيم الفاتحة ، كما جاء في السؤال ، على وجه الدوام : فلا تصح إمامته لغيره مطلقا .

وأما النوع الثاني ، وهو المسحور الذي لم يؤثر السحر على عقله ولا إدراكه : فلا حرج في إمامته ، إذا استوفى شروط الإمامة الأخرى .

وإنما قلنا ذلك لأن القاعدة أن "من صحت صلاته صحت إمامته" انتهى من " سبل السلام " (1 / 373) ، " عون المعبود وحاشية ابن القيم " (2 / 214). وبعض الفقهاء يعبر عن هذه القاعدة بلفظ
"من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره"

انتهى من " نيل الأوطار " (2 / 31).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 06:53
فرَّقوا بين أختهم وزوجها وولدها بالإكراه تارة ، وبالسحر تارة ، حتى كرهت ولدها وهجرته إلى أن مات

السؤال:

عندي عمة كانت متزوجة ولها ولد ، أجبرها أعمامي وأبي على أن تطلب الطلاق من زوجها ؛ لأن أخته تطلقت من عمي لأنه لا ينجب ، وعندما رفضت أخذوها بالقوة ولم يتركوها تأخذ ابنها ، وعملوا لها عملا لكي لا تطلب ابنها ، وبالفعل كرهت ولدها ، ولا تحب حتى أن تسمع باسمه وتدعو عليه بالموت وبأـبشع الادعية

عندما كبر الولد كان يحاول مرات عديدة مقابلتها ولكنها ترمي عليه الأحذية ، وتتهرب وتدعي عليه ، وعندما تزوج ورزق بأولاد كان يحضرهم لها ، ولكنها أيضاً نفس الشي تدعو عليه وعلى أبنائه ، توفي ولدها امس بعمر ٣٣ فجأة ، أخبرناها فقالت : لما كان حيا لم أشعر به ، والآن مات ولا أشعر به ورفضت رؤيته قبل دفنه

أبي ندم على ما فعلوه بها ، حاول أن يكفر عن ذنبه ولكنه فشل ، هو اليوم من يقوم برعايتها فهي تعيش وحيدة ، طلب ممن قام بالعمل أن يبطله ولكن الرجل رفض وهو من أهلنا .

ماذا يجب على أبي لكي يكفر عن ذنبه ؟ وهل تؤاخذ عمتي على ما تقوم به وهل تأثم ؟

الجواب :

الحمد لله

ما فعله أعمامك ووالدك مع أختهم التي هي عمتك جرم كبير وإثم عظيم اشتمل على جملة من الفواحش والكبائر التي حرمها الله سبحانه ، ولعن فاعلها ، وغضب عليه ، وتوعده بالعذاب المهين في الدنيا والآخرة ، ومن هذه الفواحش
:
أولا :

إفساد ما بينها وبين زوجها وإجبارها على فراقه ، وهذا فعل محرم ورد فيه الوعيد الشديد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ [أي : أفسد] امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا )

رواه أبو داود (2175) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله :

- " فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة ، وهو من فعل السحرة ، وهو من أعظم فعل الشياطين . "

انتهى من مجموع الفتاوى " ( 23 / 363 ).

وقال الشيخ صالح الفوزان- وفقه الله :

- " وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها ، ويخببها عليه ؛ فقد جاء في الحديث : ( ملعون من خبَّب امرأة على زوجها ) ومعناه : أفسد أخلاقها عليه ، وتسبب في نشوزها عنه ، والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها ؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم

. " انتهى من " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 248 ، 249 ) .

ثانيا :

التفريق بين أختهم وولدها ، وهذا من أعظم الذنوب التي تدل على شقاء فاعلها وقسوة قلبه ، وذلك لأن تعلق الأم بولدها ورحمتها به وحنانها عليه فطرة فطر الله عليها جميع المخلوقات من بشر وحيوان ووحش وطير ، وأشد شيء على الأم أن يحال بينها وبين ولدها الذي هو فلذة كبدها وثمرة فؤادها ، وهذا لا يخص البشر وحدهم بل يشاركهم في ذلك البهائم العجماوات، ففي مسند أحمد (3835) ، و" الأدب المفرد " للبخاري (382) عَنْ عَبْدِ اللهِ

قَالَ: " نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا ، فَانْطَلَقَ إِنْسَانٌ إِلَى غَيْضَةٍ ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَيْضَ حُمَّرَةٍ [طائر كالعصفور] ، فَجَاءَتِ اَلْحُمَّرَةُ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُءُوسِ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ: ( أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ؟ ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : أَنَا أَصَبْتُ لَهَا بَيْضًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ارْدُدْهُ ) وفي رواية أخرى في المسند (3836) قَالَ: ( رُدَّهُ ، رَحْمَةً لَهَا ) صححه الألباني في " الأدب المفرد "

للبخاري مخرجا برقم (382).

وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفرق بين أم وولدها أن يفرق الله سبحانه بينه وبين أحبته يوم القيامة ، والجزاء من جنس العمل ، فقد أخرج الترمذي في سننه (1283) عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) حسنه الألباني في "

مشكاة المصابيح"(3361) .

ثالثا:

لجوؤهم إلى السحر للتفريق بين أختهم وولدها ، وهو ما يسمى بسحر الصرف ، والسحر يفرق بين الأحبة ، قال الله تعالى في تأثير السحر : (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) ، والسحر من كبائر الذنوب والموبقات حتى جرت عادة علماء الإسلام أن يدرجوه في كتب العقيدة ومسائل الإيمان ؛ لأنه كثيرا ما يستلزم الكفر بالله سبحانه والشرك به ، قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى :

" وجه إدخال السحر في أبواب التوحيد أن كثيرا من أقسامه لا يتأتى إلا بالشرك والتوسل بالأرواح الشيطانية ، إلى مقاصد الساحر ، فلا يتم للعبد توحيد حتى يدع السحر كله قليله وكثيره ، ولهذا قرنه الشارع بالشرك ، فالسحر يدخل في الشرك من جهتين : من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم وربما تقرب إليهم بما يحبون ليقوموا بخدمته ومطلوبه ، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في علمه وسلوك الطرق المفضية إلى ذلك ، وذلك من شعب الشرك والكفر

وفيه أيضا من التصرفات المحرمة والأفعال القبيحة كالقتل والتفريق بين المتحابين والصرف والعطف والسعي في تغيير العقول ، وهذا من أفظع المحرمات ، وذلك من الشرك ووسائله ولذلك تعين قتل الساحر لشدة مضرته وإفساده "

انتهى من " القول السديد شرح كتاب التوحيد " (1 / 109).

فالواجب على والدك وأعمامك أن يسارعوا بالتوبة إلى الله سبحانه من هذه الذنوب والآثام وأن يصلحوا ما أفسدوه في علاقتهم بأختهم وزوجها وابنها ، وأن يطلبوا الطرق الشرعية لعلاج أختهم من هذا السحر وذلك يكون برقيتها رقية شرعية وإفساد هذه الأشياء التي يظن أن السحرة قد عقدوا عليها للتأثير على المسحور

قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

" ومن العلاج أيضاً : إتلاف الشيء الذي يظن أنه عمل فيه السحر من صوف أو خيوط معقدة أو غير ذلك مما يظن أنه سبب السحر ، مع العناية من المسحور بالتعوذات الشرعية ومنها التعوذ " بكلمات الله التامات من شر ما خلق " ثلاث مرات صباحا ومساء ، وقراءة السور الثلاث– وهي " الإخلاص " و " الفلق " و " الناس " - بعد الصبح والمغرب ثلاث مرات ، وقراءة آية الكرسي بعد الصلاة

وعند النوم . ويستحب أن يقول صباحاً ومساء : " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ثلاث مرات ؛ لصحة ذلك كله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مع حسن الظن بالله والإيمان بأنه مسبب الأسباب وأنه هو الذي يشفي المريض إذا شاء"

انتهى من " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 7 / 80 ، 81 ) .

وأما ما كانت تفعله عمتك من نفورها من ولدها وهجرها له فإن كان هذا قد تم تحت تأثير السحر بدون اختيار وإرادة منها ، فإنها لا تؤاخذ على شيء من ذلك إن شاء الله ؛ لأنها لم تكن في وعيها وقت هذه التصرفات ، وإنما كانت مغلوبة عليها بتأثير السحر .

قال الشيخ الصادق الغرياني المفتي العام لدولة ليبيا : " إذا بلغت درجة السحر أن جعلت الإنسان مسلوب الإرادة ، فإن الله سبحانه لا يحاسبه على ما بدر منه حينئذ من أقوال وأفعال ، بخلاف المسحور الذي لم تصل حالته إلى درجة سلب الإرادة ، وبخلاف العاقل المختار الذي لم يفقد الإدراك ، فهذان محاسبان على أقوالهما وأفعالهما" انتهى من " موقع دار الإفتاء الليبية

نسأل الله تعالى أن يشفي عمتك وأن يتوب على والدك وأعمامك .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 06:59
إمامهم لا يحسن قراءة الفاتحة
فهل يصلون خلفه ثم يعيدون خشية الفتنة ؟

السؤال:

هل يجوز ترك صلاة الجماعة بسبب سوء قراءة الإمام للقرآن ؟

وخاصة أنه يلحن لحن الجلي في سورة الفاتحة . وإذا كانت لا تصح ! فهل نصلي خلفه ثم نعيد لوحدنا خشية الفتنة ؟

وهل نفعل نفس الشيء في صلاة السرية ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الأعيان ، لا يجوز التخلف عنها إلا لعذر

ثانيا :

من كان يلحن في الفاتحة لحنا يحيل المعنى ويغيره ، مثل أن يقرأ ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) بكسر الكاف ، أو كان يترك من حروفها حرفا أو يبدله بغيره لم يجز أن يأتم به في الصلاة إلا من هو مثله .

أما من كان يلحن لحنا لا يغير المعنى ، كأن يقرأ ( الحمدُ لله ربِّ العَالَمِين ) فينصب ( ربّ ) أو يرفعها فتجوز الصلاة خلفه ، والصلاة خلف من يقيمها ولا يلحن أولى وأكمل .

ثالثا :

يجب تعليم هذا الإمام وتنبيهه إلى أخطائه التي يقع فيها ؛ لأن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة .
فإن استجاب وأحسن القراءة فالحمد لله ، وإلا وجب إخبار الجهات المسئولة والسعي في إقالته وتعيين غيره ممن يحسن القراءة .

سئل علماء اللجنة الدائمة عن الصلاة خلف إمام لا يحسن القراءة ، وهل الأفضل الانفرادر، أم الصلاة خلفه ؟
فأجابوا : " إذا أردت أن تصلي فإنك تتحرى الصلاة خلف إمام يحسن القراءة ، وإذا علمت عن إمام أنه لا يحسن القراءة بمعنى أنه يلحن في الفاتحة لحنا يغير المعنى مثل قوله (إياك نعبد) بكسر الكاف و(أنعمت) بالضم أو الكسر فلا يجوز أن تصلي خلفه ، والواجب تنبيهه فإن أجاب فالحمد لله ، وإلا وجب عليك أن تبلغ عنه الجهة المختصة لإبداله بإمام أصلح منه "

انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (7 /348).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" إذا كان لحنه يحيل المعنى في الفاتحة أو غيرها فلا تجوز الصلاة خلفه ، ولكن يجب على أهل المسجد أن يرفعوا الأمر إلى المسؤولين عن المساجد بأن يتعدل هذا الإمام أو يبدل ، أما كونه إماما للمسلمين في أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهو لا يحسن ما يجب من القراءة : فلا يجوز أن يكون إماما ، ومن نصبه إماما فهو آثم آثم في حق الله ؛ لأنه ولى من ليس أهلا ، وآثم في حق المصلين ؛ لأنه إما أن يوقعهم في حرج في الصلاة خلفه ، أو يحرجهم إلى أن يطلبوا مسجدا آخر أبعد منه ويكون ذلك شاقا عليهم "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (182 /15) .

رابعا :

لا يصح أن تصلوا خلف هذا الإمام ثم تعيدوا الصلاة إذا كان يلحن في الفاتحة لحنا يغير المعنى ؛ لأن الصلاة خلفه مع لحنه هذا لا تجوز أصلا لا في السرية ولا في الجهرية ، ولأن صلاتكم خلفه إقرار منكم لإمامته ، فيغترّ بكم غيركم ، وهذا منكر يجب تغييره لا إقراره ، وإنما الواجب تعليمه ونصحه بالمعروف

فإن استجاب وإلا وجب إبلاغ الجهات المسئولة كما تقدم ، فإن لم يفلح شيء من ذلك في تغييره فالواجب عليكم إعلام الناس أن الصلاة خلفه لا تصح ، ثم تتركون الصلاة خلفه وتصلون في مسجد آخر غير هذا المسجد يكون إمامه قارئا يحسن القراءة في الفاتحة وغيرها .

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" وأما اعتزالكم المسجد فلا أرى له مبررا إلا إذا كان هذا الإمام يلحن لحنا يغير المعنى ، أو كان هذا الإمام فاسقا يرتكب شيئا من الكبائر " .

انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (80 /29) .

ولا يجوز لكم أن تتركوا صلاة الجماعة بالكلية وتصلوا في بيوتكم فرادى أو في جماعة ؛ لما تقدم من وجوب صلاة الجماعة في بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 07:01
من أحق الناس بالإمامة في الصلاة

السؤال

من أحق الناس بالإمامة في الصلاة ؟

حبذا لو احتوى الجواب على أدلة من القرآن والأحاديث .

السؤال الثاني :

أثناء قول الأذكار، هل يجوز قول "إلا الله"؟

وماذا يعني هذا الذكر؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

أحق الناس بالإمامة هو العالم بأحكام الصلاة والحافظ لكتاب الله .

عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنَّة " .

رواه الإمام مسلم (1530) .

وليس المراد بـ " الأقرأ " الأحسن قراءة بل المراد به الحافظ لكتاب الله ، ومما يدل عليه حديث عمرو بن سلمة قال : … فكنتُ أحفظ ذلك الكلام – أي : القرآن – وكأنما يقر في صدري ، … فلمَّا كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال : جئتكم والله من عند النَّبي صلى الله عليه وسلم حقا فقال صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا ، فنظروا ، فلم يكن أحد أكثر قرآناً منِّي لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين .

رواه البخاري ( 4051 ) .

وإنما قلنا إنه لا بدَّ أن يكون على علم بأحكام الصلاة ؛ لأنه قد يطرأ عليه طارئ مثل نقض الوضوء أو نقص ركعة فلا يحسن التصرف ، فيقع في أخطاء ويوقع غيره في نقص صلاتهم أو بطلانها .

والحديث السابق : استدل به بعض العلماء على تقديم الأفقه :

قال النووي :

وقال مالك والشافعي وأصحابهما : الأفقه مقدم على الأقرأ ؛ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط ، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه قالوا ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين مع أنه نص صلى الله عليه و سلم على أن غيره أقرأ منه ، وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه ، لكن في قوله: " فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنَّة " دليل على تقديم الأقرأ مطلقاً .

شرح مسلم (5/ 177) .

فالنووي وإن خالف إمامه الشافعي في الاستدلال بالحديث ، لكن كلامهم له اعتباره على أساس أنه ليس بين الصحابة من يحسن القراءة وهو جاهل بأحكام الشرع كما هو الحال في كثير من أهل زماننا .

وقال ابن قدامة :

وإن كان أحدهما أفقه في أحكام الصلاة والآخر أفقه في غير الصلاة : قُدِّم الأفقه في الصلاة .

" المغني " ( 2 / 19 ) .

وقالت اللجنة الدائمة :

... فإذا علم ذلك ، فلا تصح إمامة الجاهل إلا بمن هو مثله مع عدم وجود من يصلح للإمامة.

" فتاوى إسلامية " (1/ 264) .

ثانياً :

لم نفهم ما هو المراد من السؤال ، ولفظة " إلا الله " ليست ذكراً وحده ، ولم يأتِ في الشرع في أي ذِكرٍ من الأذكار وحده ، بل جاء مع غيره مثل " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير " وغيره من الأذكار الكثيرة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 07:05
هل يشترط لمن أراد الدخول في الإسلام
معرفة اسم الرسول صلى الله عليه وسلم؟

السؤال:

ما حكم من أراد دخول الإسلام وعلم أن هناك رسولاً للبشرية وآمن به إلا أنه لم يعرف اسمه؟ فهل يدخل الإسلام أم لا بد أولا من معرفة اسم الرسول؟ وهل يقبل منه معرفة الكنية أو اسم آخر غير محمد كأحمد أو الماحي؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

لا يدخل العبد في الإسلام حتى ينطق بالشهادتين ، إذا كان يقدر على النطق بهما ، ويقر بمعناهما ،

قال النووي رحمه الله :

" اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنِ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ دِينَ الْإِسْلَامِ اعْتِقَادًا جَازِمًا خَالِيًا مِنَ الشُّكُوكِ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَصْلًا، إِلَّا إِذَا عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ لِخَلَلٍ فِي لِسَانِهِ أَوْ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ ، لِمُعَاجَلَةِ الْمَنِيَّةِ ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ : فَإِنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا "

انتهى من "شرح النووي على مسلم" (1/ 149)

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" لا بد من النطق بالشهادتين، فلو أمكنه النطق ، ولكنه امتنع من النطق : لم يدخل في الإسلام حتى ينطق بالشهادتين، وهذا محل إجماع من أهل العلم، ثم مع النطق لا بد من اعتقاد معنى الشهادتين والصدق في ذلك "

انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز" (5/ 340)

فإن لم يقدر على النطق بهما ، كالأخرس : فيكون إسلامه بالكتابة إذا كان يستطيعها ، أو الإشارة بما يدل على صحة دخوله في الإسلام، عن رضا وقبول.

ثانيا :

يجب أن يذكر في الشهادة اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ويستوي في ذلك جميع أسمائه وكذلك : كنيته صلى الله عليه وسلم ، كمحمد ، وأحمد ، والماحي ، وأبي القاسم .... ونحو ذلك .

قال الحليمي رحمه الله :

" وإذا قال الكافر: لا إله إلا الله ، أحمد رسول الله ، فذلك وقوله : محمد رسول الله : سواء . قال الله عز وجل: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) . وتأويل اللفظين واحد ..
.
فلا فرق بين أحمد ومحمد .
وإن قال: أبو القاسم رسول الله ؛ فكذلك . والله أعلم." .

انتهى من " المنهاج في شعب الإيمان" للحليمي (1/140) .

ثالثا :

من علم أن هناك رسولا للبشرية أرسله الله للناس كافة ، ولم يعرف اسمه ، فآمن به : وشهد بذلك بلسانه فإنه يكون مسلما ، كما لو قال : أسلمت . أو : آمنت بالرسول الذي يؤمن به المسلمون ، وقد حكى الله تعالى عن فرعون أنه قال حين أدركه الغرق : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فرد الله تعالى عليه بقوله : (أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ) يونس/91 .

فدل ذلك على أنه لو قال هذه الكلمة ، قبل أن يدركه الغرق : لكانت مقبولة منه .

فإذا قال الكافر ما يدل على أنه دخل دين الإسلام ، وآمن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم : فإنه يقبل منه ، ويحكم بإسلامه ، ثم بعد ذلك يُعَلَّم الشهادتين على وجههما الأكمل .

بل لو اقتصر الكافر على قوله : "لا إله إلا الله" ، فإنه يحكم بإسلامه ، ثم يعلم الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، ويؤمر بها .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأحاديث التي فيها أمر الكافر بالشهادتين :

""فهذه الأدلة وأشباهها : تدل على أنه لا يتم الإسلام إلا بالشهادتين .

ولكن هناك نصوصاً أخرى تدل على أن الإنسان يدخل في الإسلام بالشهادة الأولى فقط، وهي لا إله إلاَّ الله، ومن ذلك حديث أسامة رضي الله عنه في قصة المشرك الذي أرهقه أسامة، فلما أرهقه قال: لا إله إلاَّ الله فقتله، فأَخبرَ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فقال: (أقتلته بعد أن قال: لا إله إلاَّ الله؟!)، قال: نعم، إنما قالها تعوُّذاً، أي: ليعوذ بها من القتل، فقال: (أقتلته بعد أن قال: لا إله إلاَّ الله؟!)، فما زال يكررها حتى قال أسامة: تمنيت لو لم أكن أسلمت بعد ؛ لأنه إذا أسلم فإن الإسلام يهدم ما قبله.

وهذا يدل على أنه بقوله: «لا إله إلاَّ الله» دخل في الإسلام، وَعَصَم دمه، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم حضر وفاة عمه أبي طالب، وكان يقول له: (يا عم قل: لا إله إلاَّ الله، كلمةً أحاجّ لك بها عند الله) ، ولم يذكر الشهادة الثانية، وهي شهادة أن محمداً رسول الله ...

والظاهر لي من الأدلة : أنه إذا شهد أن لا إله إلاَّ الله : فقد دخل في الإسلام، ثم يؤمر بشهادة أن محمداً رسول الله"

انتهى باختصار من "الشرح الممتع" (14/464- 466) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 07:11
كيف يُسْلِم الأخرس والألثغ ؟

السؤال:

إذا أراد الكافر أو المرتد أن يسلم وكان أخرسا أو ألثغا فكيف يسلم؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

توبة كل كافر وكل مرتد : النطق بالشهادتين ، فإذا نطق بالشهادتين ثبت له حكم الإسلام ظاهرا

قال ابن مفلح رحمه الله في "المبدع" (7/ 488):

" (وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ) وَكُلِّ كَافِرٍ (إِسْلَامُهُ ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَثْبُتُ بِهِ إِسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، فَكَذَا الْمُرْتَدُّ " انتهى .

ثانيا :

النطق بالشهادتين شرط في دخول الإسلام لمن يقدر على النطق بهما .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فَأَمَّا " الشَّهَادَتَانِ " إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ : فَهُوَ كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ كَافِرٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَجَمَاهِيرِ عُلَمَائِهَا " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/ 609)

ثالثا :

" (اللثغة): تحول اللِّسَان من حرف إِلَى حرف، و(لثغ) فلَان لثغا: تحول لِسَانه من حرف إِلَى حرف غَيره ، كَأَن يَجْعَل السِّين ثاء أَو الرَّاء غينا، فَهُوَ ألثغ وَهِي لثغاء .

"المعجم الوسيط" (2/ 815) .

وإذا أسلم الألثغ نطق بالشهادتين بحسب ما يقدر عليه ، ولا يضره قلب الراء غينا ، أو قلب السين شينا ، ونحو ذلك ، ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان ، قاصدا للنطق بالشهادتين ، على ما أمره الله ، ولا يكلفه الله ما لا طاقة له به ، قال تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) البقرة/286 ، وقال سبحانه وتعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ) الطلاق/7 .
وقال عز وجل : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن / 16.

قال السعدي رحمه الله :

" هذه الآية تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد أنه يسقط عنه ، وأنه إذا قدر على بعض المأمور وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما يقدر عليه ، ويسقط عنه ما يعجز عنه ، ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع ما لا يدخل تحت الحصر "

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 868) .

وروى البخاري (7288) ، ومسلم (1337) - واللفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ ) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" إذا عجز المكلف عن جملة المأمور به أتى بما يقدر عليه منه " .

انتهى من "مدارج السالكين" (1 /382) .

رابعا :

الخَرَسُ : ذَهَابُ الْكَلَامِ عِيّاً أَو خِلْقَةً ، وَهُوَ أَخْرَسُ، وهي خرساء .

"لسان العرب" (6/ 62) .

فالأخرس إذا أراد أن يسلم لم يشترط عليه نطقه بالشهادتين ، إذ كان عاجزا عنه .

ومثله : الأعجمي ، وكل من كان عاجزا عن النطق بالشهادتين ، أو غيرهما من الواجبات القوليه ، لم يكن عليه أن يتكلف ما لا طاقة له به .

قال ابن القيم رحمه الله :

" مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْكُلِّيَّةِ أَنَّهُ : " لَا وَاجِبَ مَعَ عَجْزٍ، وَلَا حَرَامَ مَعَ ضَرُورَةٍ " .

انتهى من" إعلام الموقعين" (2/ 17) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وأما الأخرس: فليس من شرط إيمانه نطق لسانه "

انتهى من "المسائل والأجوبة" (ص 131)

وقال القاضي عياض رحمه الله :

" ومذهب أهل السنة : أن المعرفة مرتبطة بالشهادتين ، لا تنفع إحداهما ولا تُنجى من النار دون الأخرى ، إلا لمن لم يقدر عليها من آفة بلسانه ، أو لم تمُهله المدة ليقولها حتى اخْتُرم "

انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(1/ 253-254) .

ويكون إسلامه بالكتابة إذا كان يستطيعها ، أو الإشارة بما يدل على صحة دخوله في الإسلام عن رضا وقبول .
روى أحمد (7906) ، وأبو داود (3284) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : "

أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ أَعْجَمِيَّةٍ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَلَيَّ عِتْقَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ : ( أَيْنَ اللهُ؟ ) فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ بِإِصْبَعِهَا السَّبَّابَةِ ، فَقَالَ لَهَا: ( مَنْ أَنَا؟ ) فَأَشَارَتْ بِإِصْبَعِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ وَإِلَى السَّمَاءِ، أَيْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: ( أَعْتِقْهَا ) .

حسنه الذهبي في "العلو" (ص16) ، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" .

قال الأبي رحمه الله في "جواهر الإكليل" (2/ 52) :

" ... النطق بها شرط في صحته ، إلا لعجز بخرس أو نحوه ، مع قيام القرينة على تصديقه ، فيحكم له بالإسلام، وتجري عليه أحكامه " انتهى .

وينظر: "الموسوعة الفقهية" (4/ 278) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 07:14
كيف يصلي الأصم الأبكم؟

السؤال:

لدي صديق لا يتحدث اللغة العربية ، وهو أصم وأبكم ، فلا يستطيع تلاوة القرآن . هل تجب عليه التلاوة في الصلاة ?

كيف يقوم بأداء الصلاة في هذه الحالة؟

الجواب :

الحمد لله :

القاعدة العامة في الشريعة : أن من عجز عن شيء من الواجبات سقط عنه ، ولزمه الإتيان بما يقدر عليه منها ؛ لقول الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) متفق عليه .

وعليه : فالأبكم والأخرس الذي لا يستطيع القراءة : يسقط عنه ما عجز عنه .

فإن كان يحسن أن يسبح أو يذكر الله ، فإنه يسبح ويذكر في مواضع القراءة .

وإن كان يعجز أيضا عن التسبيح ، فلا يعلمه ، ولا يمكنه أن يتعلم بدله : سقط عنه ، ولم يلزمه شيء بدلا من قراءته .

وإن كان يحسن التكبير في مواضعه : لزمه الإتيان به .

فإن كان يعجز عن القول مطلقا ، سقطت عنه جميع الواجبات والأركان القولية في الصلاة ، ويلزمه الإتيان بالواجبات والأركان الفعلية كالقيام والركوع والسجود .

فينوي الدخول في الصلاة بقلبه وهو قائم ، ثم يركع ويسجد ، دون قراءة للقرآن ، ولا تلاوة للأذكار.

وقد سئلت اللجنة الدائمة : كيف يصلي من لا يستطيع أن يتكلم ولا يسمع، أو يتكلم ولا يسمع؟

فقالوا : " يصلي على قدر استطاعته لقوله تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ، وقوله: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) ، وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) ، وقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة" (6/403) .

واختلف العلماء هل يلزمه مع ذلك تحريك لسانه وشفتيه وقت القراءة والأذكار؟

جاء في "الموسوعة الفقهية " (19/92) :

" مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ النُّطْقِ لِخَرَسٍ : تَسْقُطُ عَنْهُ الأْقْوَال ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .

وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ تَحْرِيكِ لِسَانِهِ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ.

فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : لاَ يَجِبُ عَلَى الأْخْرَسِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ ، وَإِنَّمَا يُحْرمُ لِلصَّلاَةِ بِقَلْبِهِ ؛ لأِنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ عَبَثٌ ، وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِهِ .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ عَلَى الأْخْرَسِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْه وَلَهَاتِهِ بِالتَّكْبِيرِ قَدْرَ إِمْكَانِهِ ، قَال فِي الْمَجْمُوعِ : وَهَكَذَا حُكْمُ تَشَهُّدِه ، وَسَلاَمِهِ ، وَسَائِرِ أَذْكَارِهِ ، قَال ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ كَالْمَرِيضِ .

لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَرَسِ الطَّارِئِ ، أَمَّا الْخَرَسُ الْخِلْقِيُّ فَلاَ يَجِبُ مَعَهُ تَحْرِيكُ شَيْءٍ" . انتهى.

وما ذهب إليه جمهور العلماء من سقوط التحريك هو الأقرب .

قال ابن قدامة المقدسي :

" فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ ، أَوْ عَاجِزًا عَنْ التَّكْبِيرِ بِكُلِّ لِسَانٍ : سَقَطَ عَنْهُ ... ولَمْ يَلْزَمْهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ فِي مَوْضِعِهِ كَالْقِرَاءَةِ ...؛ لِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ : عَبَثٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ ، فَلَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ ، كَالْعَبَثِ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ "

انتهى من "المغني" بتصرف (2/130).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :

" وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِرَاءَةَ ، وَلَا الذِّكْرَ ، أَوْ الْأَخْرَسُ : لَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ حَرَكَةً مُجَرَّدَةً ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ كَانَ أَقْرَبَ ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ يُنَافِي الْخُشُوعَ ، وَزِيَادَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ"

انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/ 336)

والحاصل :

أنه يأتي بما يستطيع من أركان الصلاة ، ويسقط عنه ما عجز عن عنه من التكبير وقراءة الفاتحة وأذكار الركوع والسجود والتشهد .

وهذا عام في جميع أحواله : فكل ما عجز عنه : لا يؤاخذ به .

قال الشيخ ابن عثيمين :

" الأصم الأبكم من فقد حاستين من حواسه ، وهما السمع والنطق ، ولكن بقي عليه النظر ، فما كان يدركه من دين الإسلام بالنظر ؛ فإنه لا يسقط عنه ، وما كان لا يدركه ؛ فإنه يسقط عنه .

أما ما كان طريقه السمع ، إذا كان لا يدركه بالإشارة : فإنه يسقط عنه .

وعلى هذا : فإذا كان لا يفهم شيئاً من الدين فإننا نقول : إذا كان أبواه مسلمين أو أبوه أو أمه فهو مسلم تبعاً لهما ، وإن كان بالغاً عاقلاً مستقلاً بنفسه فأمره إلى الله ، لكنه ما دام يعيش بين المسلمين ، فإننا نحكم له ظاهراً بالإسلام ، يُعلم بعض الأشياء بالإشارة .."

انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (11/22، بترقيم الشاملة آليا).

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 07:17
وجوب التكاليف على الأصم والأبكم

السؤال

هل الصم والبكم مكلفون وعليهم أداء الواجبات الشرعية ؟.

الجواب

الحمد لله

أوضح سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن الولد الأبكم والأصم إذا كان قد بلغ الحلم يعتبر مكلفاً بأنواع التكاليف من الصلاة وغيرها ، وأضاف أنه يعلم ما يلزمه بالكتابة والإشارة لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب التكاليف على من يبلغ الحلم وهو عاقل

ويحصل البلوغ بإكمال خمسة عشر عاماً أو بإنزال مني عن شهوة في الاحتلام أو غيره وبإنبات الشعر الخشن من حول الفرج وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض .

ودعا سماحته ولي أمر الأصم الأبكم إلى أن يؤدي عنه ما يلزمه من زكاة وغيرها من الحقوق المالية وعليه أن يعلمه ما يخفى عليه بالطرق الممكنة حتى يفهم ما أوجب الله عليه وما حرم عليه .

واستشهد سماحته بقول الله سبحانه : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن/16 ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وبين سماحته أن المكلف الذي لا يسمع أو لا ينطق أو قد أصيب بالصمم والبكم عليه أن يتقي الله ما استطاع بفعل الواجبات وترك المحرمات . إن عليه أن يتفقه في الدين حسب قدرته بالمشاهدة والكتابة والإشارة حتى يفهم المطلوب .

كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/9 ص/336.

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 07:21
من هو المكلف الملزم بالدخول في الإسلام، والعمل بشريعته ؟

السؤال:

1. من هو المكلف الملزم بدخول الإسلام والعمل بشرعيته؟ ٢.

هل يشترط للدخول في دين الإسلام لفظ: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

المكلف الملزم بالدخول في الإسلام والعمل بشريعته: هو العاقل البالغ ، الذي بلغته دعوة الإسلام ، وأقيمت عليه الحجة.
روى أبو داود (4403) والترمذي (1423) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ )

وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (4/36) :

" ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ فِي الإْنْسَانِ هُوَ الْبُلُوغُ ، وَلَيْسَ التَّمْيِيزَ ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ ، وَلاَ يُعَاقَبُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا ، أَوْ بِفِعْل شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الآْخِرَةِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ ) " انتهى .

وجاء فيها أيضا (30/ 264):

" أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَقْل هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ فِي الإْنْسَانِ، فَلاَ تَجِبُ عِبَادَةٌ مِنْ صَلاَةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى مَنْ لاَ عَقْل لَهُ كَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا بَالِغًا " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" ... فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ : قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إلَّا بَعْدَ إبْلَاغِ الرِّسَالَةِ، فَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ جُمْلَةً لَمْ يُعَذِّبْهُ رَأْسًا، وَمَنْ بَلَغَتْهُ جُمْلَةً دُونَ بَعْضِ التَّفْصِيلِ : لَمْ يُعَذِّبْهُ إلَّا عَلَى إنْكَارِ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية. وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) وَقَوْلِهِ: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي) الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) وَقَوْلِهِ: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/ 493)

ثانيا :

النطق بالشهادتين شرط في الدخول في الإسلام، لمن يقدر على النطق بهما .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فَأَمَّا " الشَّهَادَتَانِ " إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ : فَهُوَ كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ كَافِرٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَجَمَاهِيرِ عُلَمَائِهَا "
.
انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/ 609)

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 07:25
: ما هو مصير الخنثى يوم القيامة ؟

السؤال:

ما حكم المخنثين في الآخرة ، وهل سيدخلون الجنة ، وكيف ستكون هيئتهم أو شكلهم ؟

الجواب :

الحمد لله

الجنس البشري نوعان : ذكر وأنثى ، ولا ثالث لهما .

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ) النساء/ 1 .

وقال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) القيامة/ 36 – 39 .

والخنثى ليس بنوع ثالث، إنما مرده إلى أحد النوعين ، فهو في الحقيقة إما ذكر ، وإما أنثى ، وإنما أشكل حاله علينا.

قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) :

" حَصَرَ ذُرِّيَّتَهُمَا فِي نَوْعَيْنِ ، فَاقْتَضَى أَنَّ الْخُنْثَى لَيْسَ بِنَوْعٍ ، لَكِنْ لَهُ حَقِيقَةٌ تَرُدُّهُ إِلَى هَذَيْنَ النَّوْعَيْنِ وَهِيَ الْآدَمِيَّةُ ، فَيَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا "

انتهى من "تفسير القرطبي" (5/ 2) .

وقد أخبر الله تعالى أن الناس يوم القيامة فريقان اثنان لا ثالث لهما ، فقال عز وجل : (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) الشورى/ 7 .

وأخبر عن أهل الجنة أنهم قسمان : مؤمنين ومؤمنات ، ولا ثالث لهما .

كما أخبر عن أهل النفاق ، وأهل الكفر والإشراك أنهما قسمان ، ولا ثالث لهما ، فقال تعالى :

( لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) الفتح/ 5، 6 .

فعُلم بذلك أن مردّ الخلق جميعا إلى الذكورة والأنوثة ، وإلى الجنة والنار .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 07:31
تفسير قوله تعالى عن الأمانة
: ( وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) .

السؤال :

ما معنى الآية في سورة الأحزاب : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ) ؟

وهل صحيح أننا خيرنا بين خلافة الأرض وحرية الاختيار وعليه لم نوفق لاختيار الأنسب لنا ؟

وهل صحيح أن الأمانة عرضت علينا قبل أن نوجد ثم بعد أن أتينا إلى الوجود محي ذلك من ذاكرتنا ؟ هل يعني ذلك أنني سئلت ذلك وأجبت بنعم قبل أن أوجد في هذه الحياة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

قال الله عز وجل : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) الأحزاب / 72 .

فعرض الله تعالى طاعته وفرائضه وحدوده على السموات والأرض والجبال ، على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت ، وإن ضيعت عوقبت ، فأبت حملها إشفاقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها ، وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوما جهولا .
\
قال الواحدي :

" والأمانة في هذه الآية في قول جميعهم: الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب .."

انتهى من "التفسير البسيط" (18/302) .

وقال السعدي في تفسيره ( ص 674) :

" يعظم تعالى شأن الأمانة ، التي ائتمن الله عليها المكلفين ، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية ، كحال العلانية ، وأنه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة ، السماوات والأرض والجبال ، عرض تخيير لا تحتيم ، وأنك إن قمت بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلك الثواب، وإن لم تقومي بها، ولم تؤديها فعليك العقاب.

{فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} أي: خوفًا أن لا يقمن بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربهن ، ولا زهدًا في ثوابه ، وعرضها الله على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل. فانقسم الناس -بحسب قيامهم بها وعدمه- إلى ثلاثة أقسام:

منافقون ، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا، ومشركون ، تركوها ظاهرًا وباطنًا، ومؤمنون، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا.

فذكر الله تعالى أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة ، وما لهم من الثواب والعقاب فقال: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} .

فله الحمد تعالى ، حيث ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين، الدالين على تمام مغفرة الله، وسعة رحمته، وعموم جوده، مع أن المحكوم عليهم، كثير منهم، لم يستحق المغفرة والرحمة، لنفاقه وشركه" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" المراد بالأمانة هنا: كل ما كلف به الإنسان من العبادات والمعاملات فإنها أمانة، لأنه مؤتمن عليها وواجب عليه أداؤها، فالصلاة من الأمانة ، والزكاة من الأمانة، والصيام من الأمانة ، والحج من الأمانة، والجهاد من الأمانة ، وبر الوالدين من الأمانة، والوفاء بالعقود من الأمانة ، وهكذا جميع ما كلف به الإنسان فهو داخل في الأمانة "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (5/ 2) بترقيم الشاملة .

ثانيا :

قوله تعالى : ( وحملها الإنسان ) المقصود بالإنسان: آدم عليه السلام ، فقد روى الطبري في تفسيره (19/ 197) بسند صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ) قَالَ: " عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ: خُذْهَا بِمَا فِيهَا، فَإِنْ أَطَعْتَ غَفَرْتُ لَكَ، وَإِنْ عَصِيتَ عَذَّبْتُكَ، قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، فَمَا كَانَ إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى أَصَابَ الْخَطِيئَةَ " .

وكذا قال الضحاك بن مزاحم وجويبر وابن زيد وغيرهم .

انظر : "تفسير الطبري" (19/196-200) ، "تفسير ابن كثير" (6/488) ، "تفسير القرطبي" (14/257) .

فليس معنى الآية أن الله تعالى عرض علينا الأمانة قبل أن نوجد ونخلق ، ونحن في علم الغيب ، فاخترنا تحملها ، ثم لما خلقنا نسينا هذا التخيير ، الذي لم نوفق فيه ، فهذا غير صحيح ، لعدة أوجه :

أولا :

أنه قول لا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه .

ثانيا :

المراد بالإنسان في الآية هو آدم أبو البشر عليه السلام كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من السلف ، فليس كل الناس خيروا فاختاروا أجمعون تحملها ، وإنما اختار تحملها أبوهم ، وكانوا له في ذلك تبعا
.
ثالثا :

هذا الاختيار الحاصل هو في الحقيقة تشريف من الله تعالى ، وتوفيق منه لآدم عليه السلام وذريته ، لأن تحمل الأمانة والقيام بأعمال العبودية لله ، من صلاة وصيام وزكاة وذكر وبر وحسن خلق وغير ذلك : هو من باب الكرامة والتشريف والتوفيق ، وليس بسبب عدم التوفيق في الاختيار .

وقد قيل : إن الإنسان لم يخير ، وإنما أخبر الله تعالى أنه حملها ، ولم يخبر أنه خيره ، فحمّله الله إياها إكراما له وتشريفا، لكنه قصّر في تحملها، قال القرطبي رحمه الله :

" هَذَا الْعَرْضُ على السموات والأرض والجِبال عَرْضُ تَخْيِيرٍ لَا إِلْزَامٍ. وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِنْسَانِ إِلْزَامٌ "

انتهى من " تفسير القرطبي " (14/ 255) .

وقال ابن عاشور رحمه الله :

" وجُمْلَةُ : ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) ... ليست تَعْلِيلِيَّةً ؛ لأن تَحَمُّلَ الْأَمَانَةِ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ ، فَكَيْفَ يُعَلَّلُ بِأَنَّ حَمْلَهُ الْأَمَانَةَ مِنْ أَجْلِ ظُلْمِهِ وَجَهْلِهِ.

فَمَعْنَى (كانَ ظَلُوماً جَهُولًا) أَنَّهُ قَصَّرَ فِي الْوَفَاءِ بِحَقِّ مَا تَحَمَّلَهُ تقصيرا: بعضه عَن عَمْدٍ ، وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِوَصْفِ ظَلُومٍ، وَبَعْضُهُ عَنْ تَفْرِيطٍ فِي الْأَخْذِ بِأَسْبَابِ الْوَفَاءِ ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِكَوْنِهِ جَهُولًا، فَظَلُومٌ مُبَالَغَةٌ فِي الظُّلْمِ وَكَذَلِكَ جَهُولٌ مُبَالَغَةٌ فِي الْجَهْلِ.

وَالظُّلْمُ: الِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ وَأُرِيدُ بِهِ هُنَا الِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ بِتَحَمُّلِ الْأَمَانَةِ، وَهُوَ حَقُّ الْوَفَاءِ بِالْأَمَانَةِ.
وَالْجَهْلُ: انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِمَا يَتَعَيَّنُ عِلْمُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا انْتِفَاءُ عِلْمِ الْإِنْسَانِ بِمَوَاقِعِ الصَّوَابِ فِيمَا تَحَمَّلَ بِهِ، فَقَوْلُهُ: (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا) : مُؤْذِنٌ بِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ هُوَ عَلَيْهِ ، إِذِ التَّقْدِيرُ: وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ فَلَمْ يَفِ بِهَا إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، وَلَوْلَا هَذَا التَّقْدِيرُ لَمْ يَلْتَئِمِ الْكَلَامُ ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُحَمَّلِ الْأَمَانَةَ بِاخْتِيَارِهِ ، بَلْ فُطِرَ عَلَى تَحَمُّلِهَا.

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ ظَلُوماً جَهُولًا فِي فِطْرَتِهِ ، أَيْ فِي طَبْعِ الظُّلْمِ، وَالْجَهْلِ ؛ فَهُوَ مُعَرَّضٌ لَهُمَا ، مَا لَمْ يَعْصِمْهُ وَازِعُ الدِّينِ، فَكَانَ مِنْ ظُلْمِهِ وَجَهْلِهِ أَنْ أَضَاعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْأَمَانَةَ الَّتِي حَمَلَهَا "

انتهى من "التحرير والتنوير" (22/ 129) .

فليس المعنى أنه ظلوم جهول لأنه اختار تحمل الأمانة، بل لأنه لم يف بها .

وبكل حال :

فهذا تحمل تشريف وتوفيق وكرامة ، وليس هو من عدم التوفيق والخذلان ، ولكن من تحمل الأمانة فأداها فقد وفق حقا ورزق خيري الدنيا والآخرة ، ومن تحملها فلم يؤدها : فهذا هو المخذول غير الموفق .

فعدم التوفيق في عدم أداء الأمانة ، لا في تحملها .

والتوفيق كل التوفيق في تحملها وأدائها .

قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم ، وقلبه مؤمن بالله ورسوله ، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة ، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت"

انتهى من "تفسير ابن كثير" (4 /601) .

فالخلاصة :

أن تحمل الأمانة تحمل تشريف وتوفيق ، وإنما الخذلان في عدم أدائها ، لا في تحملها .
والذي عرضت عليه فقبلها وتحملها هو آدم عليه السلام ، ثم تحملتها ذريته من بعده.

والقول بأن الله تعالى أوجد الخلق كلهم في عالم الغيب قبل أن يخلقهم ، فعرض عليهم الأمانة ، فقبلوا تحملها جميعا ، ثم لما أوجدهم نسوا هذا العرض وهذا التحمل : قول غير صحيح ، ولا دليل عليه .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-15, 07:35
ما المقصود بالأمانة في قول الله تعالى :
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ)؟

السؤال

: ما هي الأمانة التي عرضها الله سبحانه وتعالي علي السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا .

الجواب :

الحمد لله

عرض الله تعالى طاعته وفرائضه وحدوده على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت ، وإن ضيعت عوقبت ، فأبت حملها إشفاقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها ، وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوما جهولا .

هذا هو تفسير قول الله عز وجل : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) الأحزاب / 72 .

وتفسير الأمانة بالتكاليف الشرعية هو قول ابن عباس والحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وابن زيد وأكثر المفسرين .

راجع : "تفسير الطبري" (20 /336- 340) – "تفسير ابن كثير" (6 / 488-489) – "الجامع لأحكام القرآن" (14 /252- 253) – "فتح القدير" (4/437) .

قال قتادة : الأمانة : الدين والفرائض والحدود .

وقيل : بل عنى بالأمانة في هذا الموضع : أمانات الناس .

وقال بعضهم : الغسل من الجنابة .

وقال زيد بن أسلم : الأمانة ثلاثة : الصلاة ، والصوم ، والاغتسال من الجنابة .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها ، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف ، وقبول الأوامر والنواهي بشرطها ، وهو أنه إن قام بذلك أثيب ، وإن تركها عُوقِبَ ، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه ، إلا مَنْ وفق اللَّهُ " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (6 / 489) .

وقال الطبري رحمه الله :

" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين قالوا: إنه عُنِي بالأمانة في هذا الموضع: جميع معاني الأمانات في الدين وأمانات الناس وذلك أن الله لم يخص بقوله : (عَرَضْنَا الأمَانَةَ) بعض معاني الأمانات لما وصفنا"

انتهى . "تفسير الطبري" (20 / 342) .

وقال القرطبي رحمه الله :

" الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور " انتهى .

"الجامع لأحكام القرآن" (14 / 252)

وقال السعدي رحمه الله :

" جميع ما أوجبه الله على عبده أمانة ، على العبد حفظها بالقيام التام بها ، وكذلك يدخل في ذلك أمانات الآدميين ، كأمانات الأموال والأسرار ونحوهما ، فعلى العبد مراعاة الأمرين ، وأداء الأمانتين ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) " انتهى .

"تفسير السعدي" (ص 547) .

وقال الشنقيطي رحمه الله :

" ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه عرض الأمانة ، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب على السماوات والأرض والجبال ، وأنهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها ، أي : خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك عذاب الله وسخطه ، وهذا العرض والإباء والإشفاق كله حق ، وقد خلق الله للسماوات والأرض والجبال إدراكا يعلمه هو جل وعلا ، ونحن لا بعلمه ، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها ، وأبت وأشفقت ، أي : خافت "

انتهى . "أضواء البيان" (36 / 139) .

والخلاصة :

أن الأمانة المذكورة في هذه الآية الكريمة ، والتي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملها الإنسان ، هي التكاليف الشرعية ، سواء في ذلك حقوق الله تعالى ، وحقوق عباده ، فمن أدى حق الله وحق عباده أثيب ، ومن فرط في حق الله وحق عباده استحق العقاب .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 16:18
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

لماذا يصوم المسلمون ؟

السؤال

أعيش في بريطانيا وكثيراً ما يسألني غير المسلمين لماذا يصوم المسلمون ؟ فماذا أقول لهم ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نصوم – نحن المسلمين- شهر رمضان لأن الله تعالى أمرنا بذلك ، بقوله سبحانه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183.

فنحن نتعبد لله تعالى بهذه العبادة المحبوبة إلى الله تعالى ، والتي أمرنا بها .

والمؤمن يبادر إلى امتثال أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عملاً بقوله تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) النور/51.

وقوله : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) الأحزاب /36.

ثانياً :

"من حكمة الله عز وجل ، أن الله نوع العبادات في التكليف ؛ ليختبر المكلف كيف يكون امتثاله لهذه الأنواع ، فهل يمتثل ويقبل ما يوافق طبعه ، أو يمتثل ما به رضا الله عز وجل ؟ فإذا تأملنا العبادات الخمس : الشهادة والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج وجدنا أن بعضها بدني محض ، وبعضها مالي محض ، وبعضها مركب ، حتى يتبين الشحيح من الجواد ، فربما يهون على بعض الناس أن يصلي ألف ركعة ، ولا يبذل درهما ، وربما يهون على بعض الناس أن يبذل ألف درهم ولا يصلي ركعة واحدة .

فجاءت الشريعة بالتقسيم والتنويع حتى يعرف من يمتثل تعبدا لله ، ومن يمتثل تبعا لهواه .

فالصلاة مثلا عبادة بدنية محضة وما يجب لها مما يحتاج إلى المال كماء الوضوء الذي يشتريه الإنسان ، والثياب لستر العورة تابع ، وليس داخلا في صلب العبادة .

والزكاة : مالية محضة ، وما تحتاج إليه من عمل بدني كإحصاء المال وحسابه ، ونقل الزكاة إلى الفقير والمستحق فهو تابع ، وليس داخلا في صلب العبادة .

والحج : مركب من مال وبدن إلا في أهل مكة فقد لا يحتاجون إلى المال ، لكن هذا شيء نادر ، أو قليل بالنسبة لغير أهل مكة .

والجهاد في سبيل الله : مركب من مال وبدن ، ربما يستحق المال وربما يستحق البدن .

والتكليف أيضا ينقسم إلى : كف عن المحبوبات ، وإلى بذل للمحبوبات ، وهذا نوع من التكليف أيضا .

كف عن المحبوبات مثل : الصوم ، وبذل للمحبوبات كالزكاة ؛ لأن المال محبوب إلى النفس ، فلا يبذل المال المحبوب إلى النفس إلا لشيء أحب منه .

وكذلك الكف عن المحبوبات ، وربما يهون على المرء أن ينفق ألف درهم ، ولا يصوم يوما واحدا أو بالعكس"

اهـ قاله الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/190).

ثالثاً :

سئل الشيخ ابن عثيمين عن الحكمة من إيجاب الصوم ؟

فأجاب :

إذا قرأنا قول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة /183 ، عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم ، وهي التقوى والتعبد لله سبحانه وتعالى، والتقوى هي ترك المحارم وهو عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به وترك المحظور ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه البخاري (6057) .

وعلى هذا يتأكد على الصائم القيام بالواجبات وكذلك اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال ، فلا يغتاب الناس ولا يكذب ، ولا ينم بينهم ، ولا يبيع بيعا محرما ، ويجتنب جميع المحرمات ، وإذا فعل الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام . ولكن المؤسف أن كثيرا من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم ويوم فطرهم فهم على العادة التي هم عليها من ترك الواجبات وفعل المحرمات ، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم ، وهذه الأفعال لا تبطل الصوم ، ولكن تنقص من أجره ، وربما عند المعادلة ترجح على أجر الصوم فيضيع ثوابه اهـ .

"فتاوى أركان الإسلام" (ص 451) .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 16:22
الحكمة من مشروعية الصيام

السؤال

ما الحكمة من مشروعية الصيام ؟.

الجواب

الحمد لله

لا بد أولاً أن نعلم أن الله تعالى من أسمائه الحسنى ( الحكيم ) والحكيم مشتق من الحُكْم ومن الحِكْمة .

فالله تعالى له الحكم وحده ، وأحكامه سبحانه في غاية الحكمة والكمال والإتقان .

ثانياً :

أن الله تعالى لم يشرع حكماً من الأحكام إلا وله فيه حكم عظيمة ، قد نعلمها ، وقد لا تهتدي عقولنا إليها ، وقد نعلم بعضها ويخفى علينا الكثير منها .

ثالثاً :

قد ذكر الله تعالى الحكمة من مشروعية الصيام وفرضِه علينا في قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة / 183 .

فالصيام وسيلة لتحقيق التقوى ، والتقوى هي فعل ما أمر الله تعالى به ، وترك ما نهى عنه .

فالصيام من أعظم الأسباب التي تعين العبد على القيام بأوامر الدين .

وقد ذكر العلماء رحمهم الله بعض الحكم من مشروعية الصيام ، وكلها من خصال التقوى ، ولكن لا بأس من ذكرها ، ليتنبه الصائم لها ، ويحرص على تحقيقها .

فمن حكم الصوم :

1- أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى شُكْرِ النِّعْم , فالصيام هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ , وهذه مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْلاهَا , وَالامْتِنَاعُ عَنْهَا زَمَانًا مُعْتَبَرًا يُعَرِّفُ قَدْرَهَا , إذْ النِّعَمُ مَجْهُولَةٌ , فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ, فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ حَقِّهَا بِالشُّكْرِ .

2- أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى ترك المحرمات , لأَنَّهُ إذَا انْقَادَتْ النَفْسٌ لِلامْتِنَاعِ عَنْ الْحَلالِ طَمَعًا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى , وَخَوْفًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ , فَأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلامْتِنَاعِ عَنْ الْحَرَامِ , فَكَانَ الصَّوْمُ سَبَبًا لاتِّقَاءِ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى .

3- أَنَّ فِي الصَّوْمِ التغلب على الشَّهْوَةِ , لأَنَّ النَّفْسَ إذَا شَبِعَتْ تَمَنَّتْ الشَّهَوَاتِ , وَإِذَا جَاعَتْ امْتَنَعَتْ عَمَّا تَهْوَى , وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ : مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ; فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ , وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ , وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ , فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .

4- أَنَّ الصَّوْمَ مُوجِبٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ , فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ , ذَكَرَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ , فَتُسَارِعُ إلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ , وَالرَّحْمَةُ بِهِ , بِالإِحْسَانِ إلَيْهِ , فكان الصوم سبباً للعطف على المساكين .

5- فِي الصَّوْمِ قَهْرٌ لِلشَّيْطَانِ ، وإضعاف له , فتضعف وسوسته للإنسان ، فتقل منه المعاصي ، وذلك لأن ( الشَّيْطَان يَجْرِيَ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فبالصيام تضيق مجاري الشيطان فيضعف ، ويقل نفوذه .

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/246) :

ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب ، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاري الشياطين - الذي هو الدم - وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين ، فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات ، وترك المنكرات اهـ بتصرف .

6- أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى ، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه ، لعلمه باطلاع الله عليه .

7- وفي الصيام التزهيد في الدنيا وشهواتها ، والترغيب فيما عند الله تعالى .

8- تعويد المؤمن على الإكثار من الطاعات ، وذلك لأن الصائم في الغالب تكثر طاعته فيعتاد ذلك .

فهذه بعض الحكم من مشروعية الصيام ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتحقيقها ويعيننا على حسن عبادته.

والله أعلم .

انظر : تفسير السعدي (ص 116) ، حاشية ابن قاسم على الروض المربع (3/344) ، الموسوعة الفقهية (28/9) .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 16:25
القصاص بين البهائم يوم القيامة

السؤال

سمعت أن هناك قصاصاً بين الحيوانات يوم القيامة ، فهل هذا صحيح ؟ وإذا كان صحيحاً فكيف يحصل لها ذلك وهي غير مكلفة ؟.

الجواب

الحمد لله

جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي له شواهد وطرق كثيرة - قوله : ( يقضي الله بين خلقه الجن والإنس والبهائم ، وإنه ليقيد يومئذ الجماء من القرناء ، حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لأخرى قال الله : كونوا تراباً ، فعند ذلك يقول الكافر : " يا ليتني كنت تراباً " .

صححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 1966

ومن الطرق التي ذكرها للحديث :

- ( يقتص الخلق بعضهم من بعض ، حتى الجماء من القرناء ، وحتى الذّرة من الذرة )

- عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً ، وشاتان تقترنان ، فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : ما يضحكك يا رسول الله ! قال : " عجبت لها ، والذي نفسي بيده ، ليقادنّ لها يوم القيامة "

- ( يا أبا ذر ! هل تدري فيم تنتطحان ؟ قال : لا ، قال : لكن الله يدري ، وسيقضي بينهما )

قال النووي في شرح مسلم تحت حديث الترجمة :

( هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة ، وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين ، وكما يعاد الأطفال والمجانين ، ومن لم تبلغه الدعوة ، وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة ، قال الله تعالى : ( وإذا الوحوش حشرت ) ، وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع ، وجب حمله على ظاهره ، قال العلماء : وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب ، وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف ، إذ لا تكليف عليها ، بل هو قصاص مقابلة ، و( الجلحاء ) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها ، والله أعلم . انتهى .

ونقل عنه العلامة الشيخ علي القاري في المرقاة ( 4/761 ) أنه قال :

( فإن قيل : الشاة غير مكلفة ، فكيف يقتص منها ؟ قلنا : إن الله تعالى فعال لما يريد ، ولا يسأل عما يفعل ، والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع ، بل يقتص حق المظلوم من الظالم ) .

قال القاري : ( وهو وجه حسن وتوجيه مستحسن ... ، وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين ، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف ، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف ، والقوي والضعيف ؟)

انظر السلسلة الصحيحة ص 612.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 16:29
ضلال المعتزلة في الاعتماد على العقل

السؤال:

أعطت المعتزلة أهمية كبيرة للعقل كمصدر للعلم والمعرفة ، فما سبب اعتراض الكثير من السلمين على ذلك؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

الإسلام أعلى من شأن العقل، ورفع مكانته، وخاطبه بالتكاليف الشرعية، وجعله مناطا لها، وأمر بالتفكر والتذكر، وأثنى على أهله، كما قال سبحانه: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) البقرة/269 ، وقال تعالى: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الرعد/19، وقال تعالى: (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) إبراهيم/52، وقال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ص/29، وقال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) الزمر/18 .

قال الشاطبي رحمه الله: " مورد التكليف هو العقل، وذلك ثابت قطعًا بالاستقراء التام؛ حتى إذا فُقِدَ : ارتفع التكليف رأسًا، وعد فاقده كالبهيمة المهملة"

انتهى من "الموافقات "(3/209).

ودور العقل هو التفكر في النصوص ، وتدبر الوحي المعصوم، لا التحكم في النصوص، ولا محاكمتها.

وهذا من وسطية الإسلام، فلا هو يلغي العقل، كما تفعل الصوفية وأشبهاهها، ولا يجعله حكما على الوحي ، كما تفعل المعتزلة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان هذه الوسطية، وبيان منزلة العقل:

" ولما أعرض كثير من أرباب الكلام والحروف، وأرباب العمل والصوت ، عن القرآن والإيمان : تجدهم في العقل على طريق :

كثير من المتكلمة يجعلون العقل وحده أصل علمهم ، ويفردونه ، ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له . والمعقولات عندهم هي الأصول الكلية الأولية المستغنية بنفسها عن الإيمان والقرآن .

وكثير من المتصوفة يذمون العقل ويعيبونه ، ويرون أن الأحوال العالية والمقامات الرفيعة لا تحصل إلا مع عدمه، ويقرون من الأمور بما يكذب به صريح العقل . ويمدحون السكر والجنون والوله وأمورا من المعارف والأحوال التي لا تكون إلا مع زوال العقل والتمييز، كما يصدقون بأمور يعلم بالعقل الصريح بطلانها ممن لم يُعلم صدقه.

وكلا الطرفين مذموم ، بل العقل شرط في معرفة العلوم ، وكمال وصلاح الأعمال، وبه يكمل العلم والعمل ؛ لكنه ليس مستقلا بذلك ؛ بل هو غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين ؛ فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار.

وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها.

وإن عزل بالكلية : كانت الأقوال والأفعال مع عدمه : أموراً حيوانية قد يكون فيها محبة ووجد وذوق كما قد يحصل للبهيمة .

فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل : ناقصة ، والأقوال المخالفة للعقل باطلة . والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه، لم تأت بما يُعلم بالعقل امتناعه.

لكنِ المسرفون فيه قضوا بوجوب أشياء وجوازها وامتناعها ، لحجج عقلية بزعمهم اعتقدوها حقا، وهي باطل، وعارضوا بها النبوات وما جاءت به.

والمعرضون عنه صدقوا بأشياء باطلة ، ودخلوا في أحوال وأعمال فاسدة ، وخرجوا عن التمييز الذي فضل الله به بني آدم على غيرهم"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/338).

وينظر للفائدة : "منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد" عثمان علي حسن (1/157-182) .

ثانيا:

تبين بما سبق : أن ضلال المعتزلة إنما كان بمبالغتهم في تعظيم العقل ، حتى قدموه على نصوص الشرع ، وأدخلوه فيما ليس في حدوده ، ولا في طوقه ، ولا هو تحت سلطانه ، من التحكم في أمور الغيب ، والقضاء فيها بمجرد النظر العقلي .

وعامة أصول المعتزلة التي انحرفوا فيها عن منهج الكتاب والسنة، كان رائدهم فيها هو ما ظنوه معقولا ، كنفي الصفات ، والقول بالمنزلة بين المنزلتين ، وإنكار خلق أفعال العباد ، ونفي رؤية الله في الآخرة ، والزعم بأن القرآن مخلوق ، وغير ذلك من ضلالاتهم ، ولهذا أعرض أهل السنة والجماعة عنهم، وعلموا قبح معارضة الوحي بالأقيسة والخيالات التي يظن أصحابها أنها معقولات ، وإلا فالعقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح ، ولا تأتي الشريعة بشيء من محالات العقول ، لكن قد تأتي بما تحار فيه العقول.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وغيره كله حق يصدق بعضه بعضا، وهو موافق لفطرة الخلائق، وما جعل فيهم من العقول الصريحة، والقصود الصحيحة، لا يخالف العقل الصريح، ولا القصد الصحيح، ولا الفطرة المستقيمة، ولا النقل الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإنما يظن تعارضها : من صدق بباطل من النقول، أو فهم منه ما لم يدل عليه، أو اعتقد شيئا ظنه من العقليات وهو من الجهليات، أو من الكشوفات وهو من الكسوفات ، إن كان ذلك معارضا لمنقول صحيح، وإلا عارض بالعقل الصريح، أو الكشف الصحيح، ما يظنه منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون كذبا عليه، أو ما يظنه لفظا دالا على شيء ، ولا يكون دالا عليه "

انتهى ممن "الرسالة العرشية" (ص: 35).

وقال أيضا: " ما خالف العقل الصريح فهو باطلٌ . وليس في الكتاب والسنَّةِ والإجماع باطل ، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعضُ النَّاس ، أو يفهمون منها معنى باطلاً ، فالآفةُ منهم ، لا من الكتاب والسُّنَّة "

انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 11 / 490 ).

وقال ابن القيم رحمه الله :

"الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لم يخبروا بما تحيله العقول وتقطع باستحالته ، بل أخبارهم قسمان:

أحدهما : ما تشهد به العقول والفطر.

الثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها ، كالغيوب التي أخبروا بها عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر وتفاصيل الثواب

والعقاب ، ولا يكون خبرهم محالا في العقول أصلا ، وكل خبر يظن أن العقل يحيله ، فلا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون الخبر كذبا عليهم ، أو يكون ذلك العقل فاسدًا ، وهو شبهة خيالية ، يظن صاحبها أنها معقول صريح "

انتهى من "الروح" (ص 62) .

والحاصل أن العقل له دوره وأهميته، لكن من عارض به الوحي، وأقحمه في غير مجاله، ضل عن سواء السبيل.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 16:32
ما سبب ثقل الصلاة على نفوس كثير من الناس ؟

السؤال:

معظم المسلمين اليوم تجد أثقل عبادة عليهم في أدائها هي الصلاة , فأرجو منكم توضيح سبب ذلك .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الصلاة ركن من أركان الدين ، وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين ، وجاءت الوصاية بها وبالمحافظة عليها في مواضع كثيرة متعددة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة ، فإن صلحت صلح سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله .

ومع جلالة شأنها وعظم منزلتها نجد كثيرا من المسلمين يتهاون بشأنها : في طهارتها ، أو قيامها ، أو ركوعها ، أو سجودها ، أو خشوعها ، أو قراءتها وأذكارها ، أو أوقاتها .

وإنما يثقل أداء الصلاة على وجهها على كثير من الناس لأسباب متعددة ، منها :

- أنهم يرون فيها تكليفا ومشقة ، وعادة النفس أنها تنفر من التكليف والاستخدام وتحب الدعة والراحة ، بينما يراها المؤمنون المتقون رحمة ونعيما وقرة عين ، قال ابن القيم رحمه الله :

" لَا يَجِدُ المؤمن فِي أَوْرَادِ الْعِبَادَةِ كُلْفَةً، وَلَا تَصِيرُ تَكْلِيفًا فِي حَقِّهِ. فَإِنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحِبُّ الصَّادِقُ، وَيَأْتِي بِهِ فِي خِدْمَةِ مَحْبُوبِهِ: هُوَ أَسَرُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ، وَأَلَذُّهُ عِنْدَهُ، وَلَا يَرَى ذَلِكَ تَكْلِيفًا، لِمَا فِي التَّكْلِيفِ: مِنْ إِلْزَامِ الْمُكَلَّفِ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا سَمَّى أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ: وَصِيَّةً، وَعَهْدًا، وَمَوْعِظَةً، وَرَحْمَةً وَلَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهَا اسْمَ التَّكْلِيفِ إِلَّا فِي جَانِبِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة 286 "

انتهى من "مدارج السالكين" (3/ 157)

- وجوبها خمس مرات في كل يوم وليلة في أوقاتها ؛ فيرى البطالون أن في ذلك شدة عليهم ؛ لما اعتادوه وأحبوه من الدعة والراحة .

- تقديم الرغبات الدنيوية والشهوات النفسية على محبة الصلاة ، والقيام إليها ، وإتيانها مع المسلمين في الجماعات ، فتجد كثيرا من الناس يقدم النوم على القيام إلى الصلاة ، ومنهم من يقدم العمل ، بل منهم من يقدم اللعب عليها إذا تعارضت معه .

- تكالب الناس على الدنيا وانشغالهم بها ، ونسيان أمر الآخرة أو تأخيره .

- تغليب الأمانيّ على جانب الخوف من الله ، فيقول أحدهم إذا نُصح في أمر الصلاة : إن الله غفور رحيم ، وهو أرحم بنا من أمهاتنا ، فيدعوه ذلك إلى التهاون بأمور الدين وعدم المبالاة والتقصير ، وهذه من الأماني الكواذب ، وليس من حسن الرجاء في رحمة الله .

قال ابن القيم رحمه الله :

" مَنْ رَجَا شَيْئًا اسْتَلْزَمَ رَجَاؤُهُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: مَحَبَّةُ مَا يَرْجُوهُ.

الثَّانِي: خَوْفُهُ مِنْ فَوَاتِهِ.

الثَّالِثُ: سَعْيُهُ فِي تَحْصِيلِهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ.

وَأَمَّا رَجَاءٌ لَا يُقَارِنُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ : فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمَانِيِّ، وَالرَّجَاءُ شَيْءٌ وَالْأَمَانِيُّ شَيْءٌ آخَرُ، فَكُلُّ رَاجٍ خَائِفٌ، وَالسَّائِرُ عَلَى الطَّرِيقِ إِذَا خَافَ أَسْرَعَ السَّيْرَ مَخَافَةَ الْفَوَاتِ "

انتهى من "الجواب الكافي" (ص 39)

- ضعف الإيمان في قلوب كثير من الناس ، فالصلاة قرة عيون المؤمنين ، وهي ثقيلة على المنافقين ، فمن ثقلت عليه صلاته فقد أشبه المنافقين ، الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ ) رواه البخاري (657) ومسلم (651) .

فكل الصلوات ثقيلة على المنافقين ، وأثقلها عليهم : صلاة العشاء وصلاة الفجر ، فلا تثقل صلاة على أحد إلا لضعف إيمانه ، وما فيه من الشبه بالمنافقين .

- أصدقاء السوء ، وهؤلاء عقبة أمام كل خير ، وربما وجدت أحدهم وله همة إلى الصلاة ، فيبتلى بأهل الشر ، فلا يزالون به حتى يثبطوه عن أدائها ، ويثقلوا فعلها عليه .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 16:38
هل يشرع قصد ما فيه مشقة لزيادة الأجر ؟

السؤال

قرأت ( لا يؤجر المكلف على المشقة إذا قصدها ، وإنما يؤجر عليها إذا كانت مقارنة للفعل المكلف به ، وذلك أن المشقة ليست مقصودة لذاتها )

وأشكل علي حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ ، أَوْ قُلْتُ لَهُ لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ

قَالَ : مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ ) ، فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ترك شراء الدابة طلباً لزيادة الثواب .

الجواب

الحمد لله

قد علم من أصول الشريعة أن الشارع لا يقصد بالتكليف المشقة ، بل يريد ما فيه مصلحة المكلف في العاجلة والآجلة ، وقد يقتضي ذلك تكليفه بما فيه مشقة كالجهاد ، وحينئذ يزيد له الشارع في الأجر ، ترغيبا له في أداء العمل .
قال الله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185 ، وقال : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج/78 .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ) رواه البخاري (39) .

وقد رغب الشارع في قصد المساجد للصلاة ، ورتب عليه الثواب ، وجعل كل خطوة يخطوها المصلي إلى المسجد له بها حسنة ، فمن كان بيته بعيدا ومشى إلى المسجد كتب له ممشاه ، وزيد في أجره لما يلحقه من المشقة ، لكن هذا لا يدل على أن المشقة تقصد ابتداء ، لا من الشارع ولا من المكلف .

والحديث الذي ذكرت يدل على فضل المشي إلى المسجد ، وأن الماشي يؤجر على هذا ما لا يؤجره الراكب ، وقد ثبت هذا الفضل بنصوص أخر ، كالحديث الذي رواه مسلم (655) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : خَلَتْ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لَهُمْ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ ، قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ ، فَقَالَ : ( يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ ) .

والعلة في ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في البقاء في ديارهم البعيدة ، ليست إلحاق المشقة بهم ، ولا قصد المشقة ليثابوا عليها ، وإنما العلة هي كراهة أن تصير المدينة خالية إذا تحول الناس جميعا إلى قرب المسجد ، وقد جاء النص على ذلك ، فيما رواه البخاري (1887) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ ، وَقَالَ : ( يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ فَأَقَامُوا ) .
وقوله (تعرى المدينة) أي تصير خالية .

ومن فقه البخاري رحمه الله أنه ترجم للحديث بترجمتين ، الأولى في احتساب الآثار ، والثانية في كراهة النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة .

قال الحافظ في الفتح : " قَوْله : ( بَاب كَرَاهِيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تُعْرَى الْمَدِينَة ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث أَنَس فِي قِصَّة بَنِي سَلَمَة ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَيْهِ فِي " بَاب اِحْتِسَاب الْآثَار " فِي أَوَائِل صَلَاة الْجَمَاعَة . ( تَنْبِيه ) : تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ بِالتَّعْلِيلَيْنِ , فَتَرْجَمَ فِي الصَّلَاة بِاحْتِسَابِ الْآثَار لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَكَانَكُمْ تُكْتَب لَكُمْ آثَاركُمْ " وَتَرْجَمَ هُنَا بِمَا تَرَى لِقَوْلِ الرَّاوِي " فَكَرِهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَة " وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِقْتَصَرَ فِي مُخَاطَبَتهمْ عَلَى التَّعْلِيل الْمُتَعَلِّق بِهِمْ لِكَوْنِهِ أَدْعَى لَهُمْ إِلَى الْمُوَافَقَة " انتهى .

" فتح الباري " (4/99) .

فحصول المشقة والبعد ليس مقصودا ، لكن من كان بعيدا كتب له أجر ممشاه .

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :

" المشقة ليس للمكلف أن يقصدها في التكليف نظرا إلى عظم أجرها ، وله أن يقصد العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته ، من حيث هو عمل :

أما هذا الثاني ؛ فلأنه شأن التكليف في العمل كله ؛ لأنه إنما يقصد نفس العمل المترتب عليه الأجر ، وذلك هو قصد الشارع بوضع التكليف به ، وما جاء على موافقة قصد الشارع هو المطلوب .

وأما الأول ؛ فإن الأعمال بالنيات ، والمقاصد معتبرة في التصرفات كما يذكر في موضعه إن شاء الله ، فلا يصلح منها إلا ما وافق قصد الشارع ، فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة ، فقد خالف قصد الشارع ، من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة ، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل ، فالقصد إلى المشقة باطل ، فهو إذن من قبيل ما ينهى عنه ، وما ينهى عنه لا ثواب فيه ، بل فيه الإثم إن ارتفع النهي عنه إلى درجة التحريم ، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة قصد مناقض .

فإن قيل : هذا مخالف لما في " الصحيح " من حديث جابر رضي الله عنه قال : خلت البقاع حول المسجد ، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : " إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا إلى قرب المسجد " . قالوا : نعم يا رسول الله ، قد أردنا ذلك ، فقال : " بني سلمة ! دياركم تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم " .

في رواية : فقالوا : ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا . وفي رواية عن جابر رضي الله عنه ، قال : كانت ديارنا نائية عن المسجد ، فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقترب من المسجد ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إن لكم بكل خطوة درجة " .

وفي " رقائق ابن المبارك " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أنه كان في سفينة في البحر مرفوع شراعها ، فإذا رجل يقول : " يا أهل السفينة قفوا سبع مرار ، فقلنا : ألا ترى على أي حال نحن ؟ ثم قال في السابعة : " لقضاء قضاه الله على نفسه أنه من عطش لله نفسه في يوم حار من أيام الدنيا شديد الحر ، كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة ".

فكان أبو موسى رضي الله عنه يتتبع اليوم المعمعاني الشديد الحر فيصومه
.
وفي الشريعة من هذا ما يدل على أن قصد المكلف إلى التشديد على نفسه في العبادة ، وسائر التكاليف صحيح مثاب عليه ، فإن أولئك الذين أحبوا الانتقال أمرهم عليه الصلاة والسلام بالثبوت لأجل عظم الأجر بكثرة الخطا ، فكانوا كرجل له طريقان إلى العمل : أحدهما سهل ، والآخر صعب ، فأُمِرَ بالصعب ووُعِدَ على ذلك بالأجر ، بل جاء نهيهم عن ذلك إرشادا إلى كثرة الأجر .

وتأمل أحوال أصحاب الأحوال من الأولياء ، فإنهم ركبوا في التعبد إلى ربهم أعلى ما بلغته طاقتهم ، حتى كان من أصلهم الأخذ بعزائم العلم ، وترك الرخص جملة ، فهذا كله دليل على خلاف ما تقدم .

وفي "الصحيح" أيضا عن أبي بن كعب رضي الله عنه ، قال : كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة ، فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فتوجعنا له ، فقلنا له : يا فلان ! لو أنك اشتريت حمارا يقيك من الرمضاء ، ويقيك من هوام الأرض ؟ فقال : أما والله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال : فحملت به حتى أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، قال : فدعاه ، فقال له مثل

ذلك ، وذكر أنه يرجو له في أثره الأجر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن لك ما احتسبت " ، فالجواب أن نقول :
أولا: إن هذه أخبار آحاد في قضية واحدة لا ينتظم منها استقراء قطعي ، والظنيات لا تعارض القطعيات ، فإن ما نحن فيه من قبيل القطعيات .

ثانيا: إن هذه الأحاديث لا دليل فيها على قصد نفس المشقة ، فالحديث الأول قد جاء في "البخاري" ما يفسره ، فإنه زاد فيه : " وكره أن تعرى المدينة قِبَلَ ذلك ، لئلا تخلو ناحيتهم من حراستها " ، وقد روي عن مالك بن أنس أنه كان أولا نازلا بالعقيق ، ثم نزل إلى المدينة وقيل له عند نزوله العقيق : لم تنزل العقيق فإنه يشق بعده إلى المسجد ؟ فقال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويأتيه ، وأن بعض الأنصار أرادوا النقلة منه إلى قرب المسجد ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أما تحتسبون خطاكم " ، فقد فهم مالك أن قوله : " ألا تحتسبون خطاكم " ليس من جهة إدخال المشقة ، ولكن من جهة فضيلة المحل المنتقل عنه .

وأما حديث ابن المبارك فإنه حجة من عمل الصحابي إذا صح سنده عنه ، ومع ذلك فإنما فيه الإخبار بأن عظم الأجر ثابت لمن عظمت مشقة العبادة عليه ، كالوضوء عند الكريهات ، والظمأ والنصب في الجهاد ، فإذن اختيار أبي موسى رضي الله عنه للصوم في اليوم الحار كاختيار من اختار الجهاد على نوافل الصلاة والصدقة ونحو ذلك

لا أن فيه قصد التشديد على النفس ؛ ليحصل الأجر به ، وإنما فيه قصد الدخول في عبادة عظم أجرها ؛ لعظم مشقتها ، فالمشقة في هذا القصد تابعة لا متبوعة ، وكلامنا إنما هو فيما إذا كانت المشقة في القصد غير تابعة ، وكذلك حديث الأنصاري ليس فيه ما يدل على قصد التشديد ، وإنما فيه دليل على قصد الصبر على مشقة بعد المسجد ليعظم أجره ، وهكذا سائر ما في هذا المعنى .

وأما شأن أرباب الأحوال ، فمقاصدهم القيام بحق معبودهم ، مع اطراح النظر في حظوظ نفوسهم ، ولا يصح أن يقال : إنهم قصدوا مجرد التشديد على النفوس واحتمال المشقات ، لما تقدم من الدليل عليه ، ولما سيأتي بعدُ إن شاء الله .
ثالثا: إن ما اعتُرِض به معارَض بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرادوا التشديد بالتبتل ، حين قال أحدهم : أما أنا ، فأصوم ولا أفطر ، وقال الآخر : أما أنا ، فأقوم ولا أنام

وقال الآخر : أما أنا ، فلا آتي النساء ، فأنكر ذلك عليهم وأخبر عن نفسه أنه يفعل ذلك كله ، وقال : " من رغب من سنتي ، فليس مني " ، وفي الحديث : " وردَّ النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون ، ولو أذن له لاختصينا " ، وردَّ صلى الله عليه وسلم على من نذر أن يصوم قائما في الشمس ، فأمره بإتمام صيامه

ونهاه عن القيام في الشمس " ، وقال : " هلك المتنطعون " ، ونهيه عن التشديد شهير في الشريعة ، بحيث صار أصلا فيها قطعيا ، فإذا لم يكن من قصد الشارع التشديد على النفس ، كان قصد المكلف إليه مضادا لما قصد الشارع من التخفيف المعلوم المقطوع به ، فإذا خالف قصده قصد الشارع ، بطل ولم يصح ، وهذا واضح ، وبالله التوفيق "

انتهى ."الموافقات" (2/222-229) .

على أن الذي يترجح عندنا من الجواب عن أحاديث المشي إلى الصلاة ، كهذا الذي ذكره السائل ، وغيره مما أخبر فيه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ( أَعْظَم النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ ) رواه البخاري (651) ومسلم (662) ، ونحو ذلك

الذي يترجح أن نفسي المشي إلى الصلاة ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، هي عبادة في نفسها ، كما أن الطواف حول البيت عبادة مقصودة في نفسها ، والسعي بين الصفا والمروة عبادة مقصودة في نفسها .

ويدل على ذلك الأحاديث الكثيرة التي وردت في فضل المشي ، وتكثير الخطا إلى المساجد ، وتفضيل المسجد البعيد .
ولذلك قيد الفضل في المشي إلى الجمعة بترك الركوب : عن أَوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ

وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا ) رواه أبو داود (345) ، وصححه الألباني .

وفي حديث اختصام الملأ الأعلى : ( .. وَالْكَفَّارَاتُ : الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ ، وَالْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ .. ) رواه أحمد (3474) والترمذي (3233) ، وصححه الألباني .

قال ابن رجب رحمه الله "فتح الباري ، لابن رجب" (5/21) :

" وقد دلت هذه الأحاديث عَلَى أن المشي إلى المساجد يكتب لصاحبه أجرهُ ، وهذا مِمَّا تواترت السنن بِهِ " انتهى .

وإلى ذلك يشير الشاطبي رحمه الله فيما سبق ، بأن مثل هذه المشقة تابعة ، لا متبوعة ، والمقصود إنما هو هذا العمل ، الذي اتفق أن مشقته زائدة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 16:43
هل يقرأ الجن والملائكة القرآن ؟

السؤال :

هل يمكن للجن قراءة القرآن أم أنه حقيقة أنهم لا يستطيعون قراءة القرآن وإنما يذكرون الله فقط كالملائكة ؟ .

الجواب:

الحمد لله

أولاً:

خلق الله الجن والإنس لعبادته فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار ، والجن كلهم مكلفون كالإنس ، منهم المؤمن ومنهم الكافر ، والمطيع والعاصي ، ومقتضى هذا التكليف أن يقوموا بما أمرهم الله تعالى به من طلب العلم ، والصلاة ، ولا يمكن أن تكون منهم صلاة بغير قراءة قرآن

وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أن منهم مَن سمع القرآن مِن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأنهم آمنوا به وذهبوا إلى قومهم مبشرين ومنذرين به ، قال تعالى ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً ) الجن/ 1 ، 2 ، وقال تعالى ( وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ . قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ) الأحقاف/ 29 ، 30

وقد صحَّ في السنَّة النبويَّة ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم لطائفة من الجن يعلمهم الشرع ويقرأ عليهم كتاب الله ، فعن عَلْقَمَة قال : سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ : هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ ؟ قَالَ : لَا وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَقُلْنَا اسْتُطِيرَ أَوْ اغْتِيلَ ، قَالَ : فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ ، قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَقَالَ ( أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ ) رواه مسلم ( 450 ) ، وكل ذلك يدل على أن الجن مكلفون فمن دخل منهم في الإسلام فهم مأمورون بالصلاة وقراءة القرآن.

قال القرطبي – رحمه الله – في تفسير سورة " الرحمن " - :

هذه السورة و " الأحقاف " و " قل أوحي " دليل على أن الجن مخاطَبون مكلَّفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء ، مؤمنهم كمؤمنهم ، وكافرهم ككافرهم ، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك .

" تفسير القرطبي " ( 17 / 169 ) .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

وبالجملة : فهذا أمر معلوم باضطرار من دين الإسلام ، وهو يستلزم تكليف الجن بشرائع ، ووجوب اتباعهم لهم ، فأما شريعتنا : فأجمع المسلمون على أن محمَّداً صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الجن والإنس ، وأنه يجب على الجن طاعته كما يجب على الإنس .

" طريق الهجرتين " ( ص 616 ، 617 ) .

وقال – رحمه الله – أيضاً - :

الصواب الذي عليه جمهور أهل الإسلام : أنهم مأمورون منهيون مكلفون بالشريعة الإسلامية ، وأدلة القرآن والسنَّة على ذلك أكثر من أن تُحصر .

" طريق الهجرتين " ( ص 619 ) .

وقال نجم الدين الطوفي – رحمه الله - :

والدليل على تكليف الجن بالفروع : الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم أُرسل بالقرآن الكريم إلى الجن والإنس ، فجميع أوامره ونواهيه متوجهة إلى الجنسين ، وهي مشتملة على الأصول والفروع ، نحو ( آمِنُوا بِالله ) الحديد/ 7 ، ( وأقيموا الصلاة ) البقرة/ 43 ، وقد تضمن هذا الدليل على أن كفار الإنس مخاطبون بها ، وكذلك كفار الجن ؛ لتوجه القرآن بجميع ما فيه إلى مؤمني الجنسين وكفارهم .

" شرح مختصر الروضة " ( 1 / 218 ، 219 ) .

وبه يُعلم أن قراءة القرآن من قبَل الجن لا بدَّ منها لأداء ما أوجبه الله تعالى من تكليف بالصلاة ، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على طائفة منهم تعليماً لهم ، وهو أمر في استطاعتهم ، وليس هناك ما يدل على استحالته أو المنع منه .

قال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله - :

قال السُّبكي : وقد ورد في آثار كثيرة عن السلف أن جمعاً من الجن كانوا يقرؤون القرآن عليهم ويتعلمون العلم ، وبالجملة التكليف شرطه العلم ؛ فما علموه لزمهم ، وما لا فلا . انتهى كلام السبكي .

" الفتاوى الحديثية " ( ص 167 ) .

ثانياً:

قول السائل عن الملائكة الكرام إنهم لا يقرؤون القرآن وإنما يقومون بذِكر الله تعالى ، لا نعلم دليلا عليه ؛ والملائكة خلْق غير مكلَّف تكليفاً يثاب عليه ويُعاقب ، لا بصلاة ولا قراءة قرآن ، لكنهم خُلقوا لتنفيذ أوامر الله تعالى في الكون ، وليَعبدوه تعالى ، وإن تلاوة كلامه تعالى القرآن من العبادة ، فأي شيء يمنع تلاوتهم لكلامه تعالى ، وقد وجدنا اختلافاً بين العلماء في هذا ، فنفى بعضهم قراءة الملائكة للقرآن ولم يمنع منها آخرون .

قال السيوطي – رحمه الله - :

قال ابن الصلاح في " فتاويه " : قراءة القرآن كرامة أكرم الله بها البشر ، فقد ورد أن الملائكة لم يعطوا ذلك وأنها حريصة لذلك على استماعه من الإنس.

" الإتقان في علوم القرآن " ( 1 / 358 ) .

وقد ذكر ابن حجر الهيتمي أن بعض أهل العلم قد اعترض على ابن الصلاح رحمه الله وردَّ عليه قوله ، - وإن كان ظاهر كلامه أنه يوافق ابنَ الصلاح - ، حيث قال :

لكن اعترضه غير واحد ، وساقوا من القرآن والسنَّة ما يعارضه ، ومِن ثَمَّ صرح غير واحد بخلافه .

" الفتاوى الحديثية " ( ص 113 ) .

والذي يظهر : أنه ليس هناك ما يمنع من قراءة الملائكة للقرآن ، وقد ذكر بعض أهل العلم أن معنى قوله تعالى ( والتَّالِيَاتِ ذِكْراً ) أنهم الملائكة ، وهو قول مجاهد والسدي .

ومما يدل على ذلك : نزول جبريل عليه السلام بالقرآن تلاوة له على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومدراسته معه كل عام .
وليس قراءتهم له تكليفاً ، ولا لهم عليه أجر كما هو حال الإنس والجن ، لكنه من جملة ما يتقربون به لربهم عز وجل .
1. قال الطبري – رحمه الله - :

وقوله (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) يقول: فالقارئات كتاباً .

واختلف أهل التأويل في المعني بذلك ، فقال بعضهم : هم الملائكة .

... عن مجاهد ( فالتاليات ذكرا ) قال : الملائكة .

عن السدي ( فالتاليات ذكرا ) قال : هم الملائكة .

" تفسير الطبري " ( 21 / 8 ، 9 ) .

2. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :

قوله تعالى ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) البقرة/ 97 ، ظاهر هذه الآية أن جبريل ألقى القرآنَ في قلب النبي صلى الله عليه وسلم مِن غير سماع قراءة ، ونظيرها في ذلك قوله تعالى ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ ) الآية الشعراء/ 193 ، 194 ، ولكنه بيَّن في مواضع أُخَر أن معنى ذلك : أن الملَك يقرؤه عليه حتى يسمعه منه ، فتصل معانيه إلى قلبه بعد سماعه ، وذلك هو معنى تنزيله على قلبه ، وذلك كما في قوله تعالى ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) القيامة/ 16 – 19 ، وقوله ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) طه/ 114 .

" أضواء البيان " ( 1 / 42 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-18, 16:48
ما حالُ الطفلِ الذي لم يبلغْ في قبرِه إذا مات ؟

السؤال

إذا ماتَ صبيٌّ صغيرٌ لم يصِل إلى سِنِّ التكليفِ ، أي أنَّ عمرَه حوالي ما بين 10 إلى 11 سنةً ، ما هو مصيرُه في الحياةِ البرزخيةِ من النواحِي التاليةِ :

هل يتعرَّضُ لفتنةِ القبرِ ( سؤالِ منكَر ونكير ) ؟

هل يتعرَّض لعذابِ القبرِ ؟

هل بالفعلِ أنَّ هذا الطفلَ يشفعُ لأهلِه في دخولِ الجنةِ ؟

سمعتُ أنَّ نبيَّ اللهِ إبراهيمَ عليه السلام هو المسئولُ عن رعايةِ أطفالِ المسلمينَ الذين ماتوا في هذا السن ، والذي أعرفُه أنَّ سيدَنا إبراهيمَ موجودٌ في السماءِ السابعةِ ، فهل هذا يعني أنَّ الطفلَ الميِّتَ يعيشُ في السماءِ السابعةِ أم في القبرِ تحتَ الأرضِ ؟

وهل ضغطة القبرِ لا ينجو منها حتى الأطفالُ ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

ضمَّةُ القبرِ هي أوَّلُ ما يلاقيه الميتُ حين يوضعُ في قبرِه ، وقد جاءَ في النصوصِ ما يدلُّ على أنَّها عامةٌ لكل من يوضعُ في القبرِ ، ولا ينجو منها أحدٌ ، واللهُ المستعان .

روى أحمد (6/55، 98) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً ، فَلَو نَجَا أَو سَلِمَ أَحَدٌ مِنهَا لَنَجَا سَعدُ بنُ مُعاذ ) وقال الألباني في الصحيحة (1695) : وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه وشواهده صحيح بلا ريب ، فنسأل الله تعالى أن يهون علينا ضغطة القبر إنه نعم المجيب .

وعن أبي أيوب رضي الله عنه : أن صبيًا دُفنَ ، فقالَ صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ أَفْلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ القَبْرِ لأَفْلَتَ هَذَا الصَبِيُّ ) رواه الطبراني المعجم الكبير (4/121) وصححه الهيثمي (3/47) ، والألباني في السلسلة الصحيحة (2164) .

ثانيًا :

اختلفَ العلماءُ في الأطفالِ ، هل يسألون في قبورِهم ؟ على قولَين :

القولُ الأولُ : أنَّهم يُسألون ، وهو قول ُبعضِ المالكيةِ وبعض الحنابلة ، واختاره القرطبيُّ ، واختارَه أيضاً شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية كما نقلَه عنه في الفروع .

انظر : "الفروع" (2/216) ، "شرح الزرقاني" (2/85) .

قال ابنُ القيِّمِ رحمه الله في "الروح" (87-88) :

" وحجةُ من قالَ إنَّهم يُسأَلون :

أنَّه يُشرَعُ الصلاةُ عليهم ، والدعاءُ لهم ، وسؤالُ اللهِ أن يقيَهم عذابَ القبرِ وفتنةَ القبرِ .

كما ذُكر عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّه صلَّى على جنازةِ صبِيٍّ ، فسُمع مِن دُعائِه : اللهم قِهِ عذابَ القبرِ . رواه مالك (536) وابن أبي شيبة (6/105) .

واحتجُّوا بما رواه عليُّ بنُ معبد عن عائشةَ رضي الله عنها : أنَّه مُرَّ عليها بجنازة صبيٍّ صغيرٍ ، فبكت ، فقيلَ لها : ما يُبكيك يا أمَّ المؤمنين ؟ فقالت : هذا الصبيُّ ، بكيت له شفقةً عليه من ضمةِ القبرِ .

قالوا : واللهُ سبحانه يُكمِّل لهم عقولَهم ليعرِفوا بذلك منزلَهم ، ويُلهمون الجوابَ عما يُسأَلون عنه " انتهى .

القولُ الثاني : أنَّهم لا يُمتحنون ولا يُسأَلون في قبورِهم . وهو قولُ الشافعيةِ ، وبعضِ المالكية والحنابلة .

قالَ ابنُ مفلح في "الفروع" (2/216) :

" وهو قولُ القاضي ، وابنُ عقيل " انتهى .

أما حجَّةُ هذا القول ، فيوضِّحُها ابنُ القيم رحمه الله ، ويبدو أنَّه يميلُ إليها ، حيث يقولُ في "الروح" (87-88) :

" قالَ الآخرون :

السؤالُ إنَّما يكونُ لِمَن عَقَلَ الرسولَ والمرسِلَ ، فيُسأَل هل آمن بالرسولِ وأطاعَه أم لا ؟ فيُقال له : ما كنت تقولُ في هذا الرجلِ الذي بُعِثَ فيكم ؟

فأمَّا الطفلُ الذي لا تمييزَ له بوجهٍ ما ، فكيف يقالُ له : ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ الذي بُعِثَ فيكم ؟ ولو رُدَّ إليه عقلُه في القبرِ , فإنَّه لا يُسأَل عمَّا لم يتمكن من معرفتِه والعلمِ به ، ولا فائدةَ في هذا السؤالِ .

وأما حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه ، فليس المرادُ بعذابِ القبرِ فيه عقوبةَ الطفلِ على تركِ طاعةٍ أو فعلِ معصيةٍ قطعًا ، فإنَّ اللهَ لا يعذِّبُ أحدًا بلا ذنبٍ عمله .

بل عذابُ القبرِ : قد يُرادُ به الألمُ الذي يحصل للميتِ بسببٍ غيرِه ، وإن لم يكن عقوبةً على عَمَلٍ عَمِلَه ، ومنه قولُه صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الميتَ ليعذبُ ببكاءِ أهلِه عليه ) أي : يتألَّمُ بذلك ويتوجَّعُ منه ، لا أنّه يعاقَبُ بذنبِ الحيِّ .

ولا ريبَ أن في القبرِ من الآلامِ والهمومِ والحسراتِ ما قد يسرى أثرُه إلى الطفل ، فيتألَّمُ به ، فيُشرَعُ للمصلي عليه أن يسألَ اللهَ تعالى له أن يقيَه ذلك العذابَ ، والله أعلم " انتهى .

ثالثاً :

أما عن مكانِ من تُوُفِّيَ من الأطفالِ ، هل هم في السماءِ السابعةِ مع إبراهيمَ عليه السلام ، أم في قبورِهِم ؟

فالذي ورد في ذلك حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكثِرُ أن يَقُولَ لأَصحَابِهِ : هَل رَأَى أَحَدٌ مِنكُم مِن رُؤيَا ؟

قالَ : فَيَقُصُّ عَلَيه مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ .

وَإِنَّه قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ : إِنَّه أَتَانِي الليلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهما ابتَعَثَانِي ، وَإِنَّهُما قَالا لِي : انطَلِق ، وَإِنِّي انطَلَقتُ مَعَهُمَا . . . فذكر أشياء رآها ثم قال :

فانطَلَقنَا ، فَأتَينَا عَلَى رَوضَةٍ مُعتَمَّةٍ ، فِيهَا مِن كُلِّ لَونِ الرَّبِيعِ ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَي الرَّوضَةِ رَجُلٌ طَويلٌ لا أَكادُ أَرَى رَأسَهُ طُولًا فِي السَّماءِ ، وإِذَا حَولَ الرَّجُلِ مِن أَكثَرِ وِلدَانٍ رَأيتُهم قَطُّ ، . . . ثم كان مما عبره له الملكان :

وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الذي فِي الرَّوضَةِ فَإِنَّه إبراهيمُ ، وَأَمَّا الوِلدَانُ الذِينَ حَولَه فَكُلُّ مَولُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ ، فَقَالَ بَعضُ المُسلِمِين : يَا رَسُولَ اللهِ وَأَوْلادُ المُشْرِكِين ؟ فَقَالَ : وَأَوْلادُ المُشرِكِين . رواه البخاري (7047) .

فهذا الحديث يدل على أن من مات وهو قبل البلوغ يكون في الجنة في كفالة إبراهيم عليه السلام ، لا أنه يكون في السماء السابعة .

وانظر : "شرح مسلم للنووي" حديث رقم (2658) .

رابعاً :

جاءت الأحاديث المتكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شفاعة الصبيان في آبائهم يوم القيامة ، ومن ذلك :

عن أبي حسان قال : قلتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ : إنَّه قَدْ مَاتَ لِي ابنانِ ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ بِحَدِيْثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا ؟

قالَ : نَعَمْ ، صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ ، - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ هذا ، فَلا يَتَنَاهَى حتى يُدخِلَه اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ . رواه مسلم (2635) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-20, 16:26
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


الندم: ركن التوبة الأعظم.

السؤال:

قررت التوبة ، حيث تركت المعصية ، وعزمت على عدم العودة ، إلا أني لم أجد الندم في قلبي ، فكيف أحصل الندم ، حيث من الصعب تحقيقه ؛ لأن الندم ليس بفعل ، وليس في استطاعة المكلف ؛ لأنه انفعال لا فعل ، والانفعالات ليست بالاختيار، فما وجه التكليف بالندم ، وهو غير فعل للمكلف ، ولا مقدور عليه ؟ وهل ادعو الله أن يقدف الندم في قلبي ؟

الجواب :

الحمد لله

شروط التوبة الصحيحة هي:

1 - الإقلاع عن الذنب.

2 - الندم على ما فات.

3 - العزم على عدم العودة إليه.

وإذا كانت التوبة من مظالم العباد في مال أو عرض أو نفس ، فتزيد شرطا رابعا، هو: التحلل من صاحب الحق ، أو إعطاؤه حقه.

والندم شرط رئيسي أو هو ركن التوبة الأعظم ، ولهذا قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (النَّدَمُ تَوْبَةٌ) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

حتى قال بعض أهل العلم :

" يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ تَحَقُّقُ النَّدَمِ ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِقْلَاعَ عَن الذنوب ، وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ؛ فَهُمَا نَاشِئَانِ عَنِ النَّدَمِ لَا أَصْلَانِ مَعَهُ " .

انظر: "فتح الباري" (13/ 471) .

وقال القاري رحمه الله:

" (النَّدَمُ تَوْبَةٌ) إِذْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ الْأَرْكَانِ مِنَ الْقَلْعِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، وَتَدَارُكِ الْحُقُوقِ مَا أَمْكَنَ.... وَالْمُرَادُ النَّدَامَةُ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا مَعْصِيَةٌ لَا غَيْرَ ".

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (4/ 1637) .

ومعنى "الندم" هو الحزن ، أو شدة الحزن .

كما في "لسان العرب" (1/79) ، (6/4386) .

فإنه فسَّر "الندم" بالأسف ، ثم فسَّر الأسف بالحزن أو المبالغة في الحزن .

وفي كلام القاري السابق فسَّر الندم بأنه "الندامة -أي : الحزن - على فعل المعصية من حيث إنها معصية لا غير" .
ومعنى هذا : أن كل من حزن لكونه فعل المعصية ، فقد حصل منه الندم المقصود في التوبة .

فإذا كان هذا الندم صادقا فإن العاصي سوف يترك المعصية ، ويعزم على عدم فعلها مرة أخرى ، وبهذا تكمل التوبة وتتحقق شروطها كلها .

وعلى هذا ؛ فكل من ترك المعصية لكونها معصية لله تعالى – أي خوفا من الله وطاعة له- وكره وقوعه فيها ، ومعصيته لرب العالمين ، وأحب أن لو كان قد أطاع الله ، بدلا من معصيته ، وعزم على عدم فعلها : فقد حصل منه الندم قطعا ، وهو الذي حمله على ترك المعصية .

قال الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (4/4) :

"اعلم أن التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتئم من ثلاثة أمور مرتبة: علم، وحال، وفعل.

فالعلم الأول ، والحال الثاني ، والفعل الثالث.

والأول موجب للثاني ، والثاني موجب للثالث ، إيجاباً اقتضاه اطراد سنة الله في الملك والملكوت.

أما العل م، فهو معرفة عظم ضرر الذنوب ، وكونها حجاباً بين العبد وبين كل محبوب .

فإذا عرف ذلك معرفة محققة ، بيقين غالب على قلبه : ثار من هذه المعرفة تألم للقلب بسبب فوات المحبوب، فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه : تألَّم، فإن كان فواته بفعله ، تأسف على الفعل المُفَوِّت، فيسمى تألمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندماً .

فإذا غلب هذا الألم على القلب واستولى ، انبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمى إرادة وقصداً إلى فعل له تعلق بالحال والماضي وبالاستقبال .

أما تعلقه بالحال ، فبالترك للذنب الذي كان ملابساً .

وأما بالاستقبال ، فبالعزم على ترك الذنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر .
وأما بالماضي ، فبتلافي ما فات بالجبر والقضاء ، إن كان قابلاً للجبر .

... فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي ثلاثة معان مرتبة في الحصول، فيطلق اسم التوبة على مجموعها .

وكثيراً ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده ، ويجعل العلم كالسابق والمقدمة ، والترك كالثمرة والتابع المتأخر، وبهذا الاعتبار قال عليه الصلاة والسلام: (الندم توبة) إذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه وأثمره ، وعن عزم يتبعه ويتلوه، فيكون الندم محفوفاً بطرفيه ، أعني ثمرته ومُثْمِره" انتهى .

وقال أيضا (3/144) :

"والخوف إذا كان من فعل ماض أورث الندم ، والندم يورث العزم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الندم توبة)" انتهى .

وبهذا يتبين أن تركك للمعصية وعزمك على عدم العودة إليها دليل على حصول الندم في قلبك .

فدع عنك هذه الوساوس الشيطانية التي يريد الشيطان من ورائها أن يوهمك بأنك لم تتب ، أو أن التوبة مستحيلة ، أو أنك لن تقدر عليها ، فيوقعك ذلك في القنوط واليأس وتظن أن باب التوبة قد أغلق دونك .

نسأل الله تعالى أن يعيذنا جميعا من الشيطان الرجيم ، وأن يوفقنا للتوبة النصوح .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-20, 16:28
شاب فعل جميع المحرمات ويريد التوبة

السؤال

انا شاب فاسق وكافر اريد ان اتوب الى الله كنت افعل جميع المحرمات ولا اصلي والان اريد التوبه فارجوا من الشيخ ان يدلني على طريق التوبة ؟.

الجواب

الحمد لله

( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ )الزمر/53-54 .

لقد وصلني سؤالك وأعجبني فيه حرصك على التوبة والعودة إلى الله بالرغم من فعلك جميع المحرمات كما قلت وعلى رأس ذلك تركك للصلاة ، ومن المهم جداً أن تعلم أيها الشاب الحريص أن باب التوبة مفتوح بالنسبة لك وأن تتأمل جيداً ما هو مذكور في الآيتين السابقتين وأنا سأذكر لك خطوات عملية تبين لك بوضوح كيفية التوبة بإذن الله تعالى :

كلمة التوبة كلمة عظيمة ، لها مدلولات عميقة ، لا كما يظنها الكثيرون ، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب ، وتأمل قوله تعالى : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ) هود /3 تجد أن التوبة هي أمر زائد على الاستغفار .

ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط ، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث ، وهذا ذكر بعضها :

الأول : الإقلاع عن الذنب فوراً .

الثاني : الندم على ما فات .

الثالث : العزم على عدم العودة .

الرابع : إرجاع حقوق من ظلمهم ، أو طلب البراءة منهم .

ولا تنسى أموراً أخرى مهمة في التوبة النصوح ومنها :

الأول : أن يكون ترك الذنب لله لا لشيء آخر ، كعدم القدرة عليه أو على معاودته ، أو خوف كلام الناس مثلاً .

فلا يسمى تائباً من ترك الذنوب لأنها تؤثر على جاهه وسمعته بين الناس ، أو ربما طرد من وظيفته .

ولا يسمى تائباً من ترك الذنوب لحفظ صحته وقوته ، كمن ترك الزنا أو الفاحشة خشية الأمراض الفتاكة المعدية ، أو أنها تضعف جسمه وذاكرته .

ولا يسمى تائباً من ترك أخذ الرشوة لأنه خشي أن يكون معطيها من هيئة مكافحة الرشوة مثلاً .

ولا يسمى تائباً من ترك شرب الخمر وتعاطي المخدرات لإفلاسه .

وكذلك لا يسمى تائباً من عجز عن فعل معصية لأمر خارج عن إرادته ، كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق ، أو الزاني إذا فقد القدرة على الوقاع ، أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه ، بل لابد لمثل هذا من الندم والإقلاع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الندم توبة ) رواه أحمد وابن ماجه ، صحيح الجامع 6802 .

الثاني : أن تستشعر قبح الذنب وضرره .

وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية ، أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل .

وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء والفوائد أضراراً كثيرة للذنوب منها :

حرمان العلم - والوحشة في القلب - وتعسير الأمور - ووهن البدن - وحرمان الطاعة - ومحق البركة - وقلة التوفيق - وضيق الصدر - وتولد السيئات - واعتياد الذنوب - وهوان المذنب على الله - وهوانه على الناس - ولعنة البهائم له - ولباس الذل - والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة - ومنع إجابة الدعاء - والفساد في البر والبحر- وانعدام الغيرة - وذهاب الحياء - وزوال النعم - ونزول النقم - والرعب في قلب العاصي - والوقوع في أسر الشيطان - وسوء الخاتمة - وعذاب الآخرة .

وهذه المعرفة لأضرار الذنوب تجعلك تبتعد عن الذنوب بالكلية ، فإن بعض الناس قد يعدل عن معصية إلى معصية أخرى لأسباب منها :

أن يعتقد أن وزنها أخف .

لأن النفس تميل إليها أكثر ، والشهوة فيها أقوى .

لأن ظروف هذه المعصية متيسرة أكثر من غيرها ، بخلاف المعصية التي تحتاج إلى إعداد وتجهيز ، وأسبابها حاضرة متوافرة .

لأن قرناءه وخلطاؤه مقيمون على هذه المعصية ويصعب عليه أن يفارقهم .

لأن الشخص قد تجعل له المعصية المعينة جاهاً ومكانة بين أصحابه فيعز عليه أن يفقد هذه المكانة فيستمر في المعصية .

الثالث : أن تبادر إلى التوبة ، ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته ذنب يحتاج إلى توبة .

الرابع : استدرك ما فاتك من حق الله إن كان ممكناً ، كإخراج الزكاة التي منعتها في الماضي ولما فيها من حق الفقير كذلك .

الخامس : أن تفارق موضع المعصية إذا كان وجودك فيها قد يوقعك في المعصية مرة أخرى .

السادس : أن تفارق من أعانك على المعصية .

والله يقول : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) الزخرف /67 . وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة ، ولذلك عليك أيها التائب بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم ولا يستجرينك الشيطان فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم وأنت تعلم أنك ضعيف لا تقاوم .

وهناك حالات كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلاقات مع قرناء الماضي .

السابع : إتلاف المحرمات الموجودة عندك مثل المسكرات وآلات اللهو كالعود والمزمار ، أو الصور والأفلام المحرمة والقصص الماجنة والتماثيل ، وهكذا فينبغي تكسيرها وإتلافها أو إحراقها .

ومسألة خلع التائب على عتبة الاستقامة جميع ملابس الجاهلية لابد من حصولها ، وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سبباً في نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضلالهم بعد الهدى، نسأل الله الثبات .

الثامن : أن تختار من الرفقاء الصالحين من يعينك على نفسك ويكون بديلاً عن رفقاء السوء وأن تحرص على حلق الذكر ومجالس العلم وتملأ وقتك بما يفيد حتى لا يجد الشيطان لديك فراغاً ليذكرك بالماضي .

التاسع : أن تعمد إلى البدن الذي ربيت بالسحت فتصرف طاقته في طاعة الله وتتحرى الحلال حتى ينبت لك لحم طيب .

العاشر : الاستكثار من الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات

وإذا صدقت مع الله في التوبة فأبشر بانقلاب جميع سيئاتك السابقة إلى حسنات ، قال تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ، إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً )

أسأل الله أن ينفعك بهذه الكلمات ، وأن يهدي قلبك فقم الآن وتلفظ بالشهادتين وتطهر وصل كما أمرك الله ، وحافظ على الواجبات واترك المحرمات وسأكون سعيداً بمساعدتك حالما تحتاج إلى أي أمر آخر .

واسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى وأن يتوب علينا أجمعين أنه هو التواب الرحيم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-20, 16:33
الكلام على حديث ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) .

السؤال :

روى ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة . أرجو شرح هذا الحديث ؟

، وما المقصود بكلمة حديث حسن ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى ابن ماجة (4250) والطبراني في " المعجم الكبير " (10281) وأبو نعيم في " حلية الأولياء " (4/210) والبيهقي في " السنن " (20561) من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) ورجاله ثقات ، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ، فهو منقطع ، راجع "التهذيب" (5/65) .

لكنه ثابت لما له من الشواهد ، ومن ثَمّ حسنه من حسنه من العلماء ، وصححه من صححه منهم .

قال الحافظ في الفتح (13/471) : " سنده حسن " .

وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية " (1/ 87): رجاله كلهم ثقات " .

وقال السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص249): " رجاله ثقات ، بل حسنه شيخنا يعني لشواهده " .

وحسنه السيوطي في " الجامع الصغير " (3386) ، وكذا الألباني في "صحيح الجامع" (3008)، وصححه ابن باز في " مجموع الفتاوى " (10/314) .

وله شاهد من حديث عائشة رواه البيهقي (6640) وإسناده ضعيف .

وله شاهد آخر من حديث ابن عباس عند البيهقي في الشعب (6780) وإسناده واه .

وشاهد رابع من حديث أبي سعد الأنصاري عند أبي نعيم في الحلية (13/398) والطبراني في " الكبير " (775) وإسناده ضعيف .

ثانيا :

ورد الحديث في بعض طرقه ببعض الزيادات الضعيفة ، فمن ذلك رواية ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب ) فهذه الزيادة ضعيفة .

راجع "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (615) .

وكذا رواية ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه ، ومن آذى مسلما كان عليه من الأثم مثل منابت النخل ) فهذه الزيادة ضعيفة أيضا .

راجع "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (616) .

وكذا رواية ( الموت غنيمة ، والمعصية مصيبة ، والفقر راحة ، والغنى عقوبة ، والعقل هدية من الله ، والجهل ضلالة ، والظلم ندامة ، والطاعة قرة العين ، والبكاء من خشية الله النجاة من النار ، والضحك هلاك البدن ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ). فهذه الزيادة منكرة .

راجع "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (6526) .

أما رواية ( الندم توبة ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ) فرواية ثابتة .

راجع "صحيح الجامع الصغير" (6803) .

ثالثا :

معنى الحديث : أن العبد إذا أذنب ذنبا ثم تاب منه توبة نصوحا وأقلع عنه وندم واستغفر ولم يعد إليه تاب الله عليه ، وعامله معاملة من لم يذنب ، بل وبدل سيئاته حسنات وأحبه وجعله من عباده المتقين ؛ لأنه إنما تاب إلى ربه وأناب لمحبته لله وحرصه على رضاه وخوفه منه ، وتلك صفات المتقين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا زال الذنب زالت عقوباته وموجباته " .

انتهى من "شرح العمدة" (4/39) .

وقال أيضا :

" التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنَبَ لَهُ ، وَحِينَئِذٍ فَقَدَ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ؛ فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ ، فَكُلُّ مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتِ: كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (33/ 35) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ؛ فَمَنْ لَقِيَهُ تَائِبًا تَوْبَةً نَصُوحًا لَمْ يُعَذِّبْهُ مِمَّا تَابَ مِنْهُ ، وَهَكَذَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا إذَا تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ لَمْ تُسْقِطْ تَوْبَتُهُ عَنْهُ الْحَدَّ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ حُدُودِ اللَّهِ "

انتهى من "إعلام الموقعين" (3/ 115) .

وقال أيضا :

" وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَنْ تَابَ مِنَ الشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَالزِّنَى، أَنَّهُ يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ ، وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ لِكُلِّ تَائِبٍ مِنْ ذَنْبٍ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزُّمَر/ 53 .

فَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ ، وَلَكِنْ هَذَا فِي حَقِّ التَّائِبِينَ خَاصَّةً "

انتهى من "الجواب الكافي" (ص: 165) .

وقال أيضا :

" فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا محي أثر الذنب بالتوبة صار وجوده كعدمه فكأَنه لم يكن "

انتهى من "طريق الهجرتين" (ص: 231) .

وقال القاري رحمه الله :

" اعْلَمْ أَنَّ التَّوْبَةَ إِذَا وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُعْتَبَرَةِ ، فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَتَرَتُّبِ الْمَغْفِرَةِ عَلَيْهَا ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ) الشورى/ 25 ، وَلَا يَجُوزُ الْخُلْفُ فِي إِخْبَارِهِ وَوعْدِهِ "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (4/ 1637) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-20, 16:38
: من هو المحصن ؟

السؤال:

هل من ماتت زوجته يظل محصنا أو طلقها يبقى محصنا

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

المحصن : هو من تزوج وجامع زوجته في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران .

فشروط الإحصان إجمالاً :

1. التكليف : أي أن يكون الواطئ عاقلا بالغا .

2 .الحرية .

3 . الوطء في نكاح صحيح .

قال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (10/172) : " قوله ( والمحصن : من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح ) ويكفي تغييب الحشفة أو قدرها ( وهما بالغان عاقلان حران ) هذا المذهب بهذه الشروط " انتهى .

ثانياً :

لا يلزم في إقامة حد الرجم أن يكون - الرجل أو المرأة - متزوجاً حال فعل الزنا ، فمن طلق أو ماتت زوجته بعد الدخول بها ، فإنه محصن إذا توفرت فيه بقية الشروط ، وكذا من طلقت أو مات زوجها ، فإنها محصنة .

جاء في الموسوعة الفقهية (2/227) : " وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ , فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً ثُمَّ طَلَّقَ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا , وَزَنَى رُجِمَ " انتهى .

وقال الشيخ سيد سابق رحمه الله : " ولا يلزم بقاء الزواج لبقاء صفة الاحصان ، فلو تزوج مرة زواجا صحيحا ، ودخل بزوجته ، ثم انتهت العلاقة الزوجية ، ثم زنى وهو غير متزوج فإنه يرجم ، وكذلك المرأة إذا تزوجت ، ثم طلقت فزنت بعد طلاقها ، فإنها تعتبر محصنة وترجم "

انتهى من "فقه السنة" (2/410) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-20, 16:42
شروط الإحصان الذي يترتب عليه عقوبة الرجم في الزنا

السؤال

: ما حكم زنى الزوجة المعقودة القران ولم يدخل بها ؟

يعني أنها تزوجت ولا تزال في دار أبيها لم تقم عرساً والزوج لم يلمسها بعد ، أهو الرجم حتى الموت أو الجلد ؟

الجواب :

الحمد لله

الزنا كبيرة عظيمة ، وفاحشة منكرة ، تسلب صاحبها اسم الإيمان ، وتعرضه للعذاب والهوان ، إلا أن يتوب ، قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الإسراء/32 .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) رواه البخاري (2475) ومسلم (57) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ ) رواه أبو داود (4690) والترمذي (2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

وأخبر صلى الله عليه وسلم عن عذاب الزناة في القبر ، وأنهم يعذبون بالنار. رواه البخاري (1320) .

ولقبح هذه الجريمة جعل الله عقوبة من فعلها الرجم حتى الموت إن كان محصنا ، والجلد مائة جلدة إن لم يكن محصنا .
قال الله تعالى في بيان حد الزاني البكر - أي غير المحصن - : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2 .

أما المحصن فحده الرجم بالحجارة حتى الموت ، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (1690) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خُذُوا عَنِّي ، خُذُوا عَنِّي ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ) .

والثيب : هو المحصن ، رجلا كان أو امرأة .

والمحصن : هو الحر البالغ العاقل الذي وطئ في نكاح صحيح .

فلا يحصل الإحصان بمجرد عقد النكاح ولو حصلت معه خلوة ، بغير خلاف بين الفقهاء ، بل لابد من الوطء في القبل .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/41) : " الرجم لا يجب إلا على المحصن بإجماع أهل العلم ، وفي حديث عمر : ( أن الرجم حق على من زنى وقد أحصن ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : ذكر منها : أو زنا بعد إحصان ) .

وللإحصان شروط سبعة :

أحدها :

الوطء في القبل , ولا خلاف في اشتراطه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الثيب بالثيب جلد مائة والرجم) ، والثيابة تحصل بالوطء في القبل , فوجب اعتباره ، ولا خلاف في أن عقد النكاح الخالي عن الوطء , لا يحصل به إحصان ; سواء حصلت فيه خلوة , أو وطء دون الفرج , أو في الدبر , أو لم يحصل شيء من ذلك ; لأن هذا لا تصير به المرأة ثيبا , ولا تخرج به عن حد الأبكار , الذين حدهم جلد مائة وتغريب عام , بمقتضى الخبر ، ولا بد من أن يكون وطئا حصل به تغييب الحشفة في الفرج ; لأن ذلك حد الوطء الذي يتعلق به أحكام الوطء .

الثاني :

أن يكون في نكاح ; لأن النكاح يسمى إحصانا ; بدليل قول الله تعالى : ( والمحصنات من النساء ) ، يعني المتزوجات ، ولا خلاف بين أهل العلم , في أن الزنى , ووطء الشبهة , لا يصير به الواطئ محصنا ، ولا نعلم خلافا في أن التسري [ وطء الأمة ] لا يحصل به الإحصان لواحد منهما ; لكونه ليس بنكاح , ولا تثبت فيه أحكامه .

الثالث :

أن يكون النكاح صحيحا ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم عطاء , وقتادة , ومالك , والشافعي , وأصحاب الرأي .

الرابع :

الحرية وهي شرط في قول أهل العلم كلهم , إلا أبا ثور .

الشرط الخامس والسادس : البلوغ والعقل , فلو وطئ وهو صبي أو مجنون , ثم بلغ أو عقل , لم يكن محصنا ، هذا قول أكثر أهل العلم , ومذهب الشافعي .

الشرط السابع : أن يوجد الكمال فيهما جميعا حال الوطء , فيطأ الرجل العاقل الحر امرأة عاقلة حرة ، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه .

وقال مالك : إذا كان أحدهما كاملا صار محصنا , إلا الصبي إذا وطئ الكبيرة , لم يحصنها " انتهى مختصرا .

وينظر : "الموسوعة الفقهية" (2/224) .

وبهذا يُعلم أن الزوجة المعقود عليها إذا زنت قبل أن يطأها زوجها ، فعقوبتها الجلد ، لا الرجم ؛ لأنها لم تحصن بعد .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-20, 16:49
القصاص يوم القيامة

السؤال

هل يقتص الكافر المظلوم يوم القيامة من المسلم الظالم له ؟

وهل يقتص الكفار بعضهم من بعض ؟ وهل تقتص البهيمة من الإنسان ؟

الجواب

الحمد لله

العدل هو ميزان الحكم يوم القيامة ، وقد حرَّم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما ، وهو يعلم سبحانه أن قيام المظالم كائنٌ ولا شك في الدنيا ، بين الخلق كلهم : مؤمنهم وكافرهم ، إنسهم وجنهم ، عاقلهم وجاهلهم ، ولذلك رصد لهم يوما يُقيم فيه الحقوق بموازين الحق والقسط ، فينتصف فيه للمظلوم ، ويعاقب الظالم .

يقول الله عز وجل : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء/47

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، حَتَّى الْجَمَّاءُ مِنْ الْقَرْنَاءِ ، وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنْ الذَّرَّةِ ) رواه أحمد (2/363) وصححه محققو المسند ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1967)
فهو قصاص شامل وعام بين جميع الخلائق :

1- يقتص المؤمن المظلوم ممن ظلمه من الخلائق ، مؤمنهم وكافرهم ، إنسهم وجنهم .

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ ) رواه البخاري (2440)

2- ويقتص الكافر المظلوم أيضا ممن ظلمه من الخلائق : فيقتص من الكافر الظالم ، ويقتص من المسلم الظالم المعتدي ، لعموم حديث أبي هريرة السابق : ( يقتص الخلق بعضهم من بعض ) .

غير أن المسلم لا يعد ظالما للكافر إذا كان الكافر محاربا معتديا ، أما إذا كان ذميا أو معاهدا أو مؤتمنا ، فلا يجوز للمسلم أن يظلمه ولا أن يعتدي عليه ، بل جاء التشديد في أمره في كثير من الآيات والأحاديث ، يقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة/8

يقول البيضاوي في "تفسيره" (303) :

" لا يحمِلَنَّكم شدة بُغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم ، فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل ، كمُثلةٍ وقذفٍ وقتلِ نساءٍ وصِبيةٍ ونقضِ عهدٍ ، تشفياً مما في قلوبكم " انتهى .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه أبو داود (3052) وحسنه ابن حجر في "موافقة الخبر" (2/184) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) رواه البخاري (3166)

وعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا بِإِذْنٍ ، وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ ، وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ إِذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ ) رواه أبو داود (3050) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (882)

فهذه النصوص تدل على حرمة الاعتداء على الكافر ، وأن ذلك من الظلم الذي حرمه الله تعالى ، وللمظلوم حق عنده سبحانه .

ولذلك كان الصحابة والفقهاء يدركون أن حق الذمي محفوظ عند الله عز وجل ، فلا يجترئ أحد عليه إلا أخذه الله به .
روى القاضي أبو يوسف في "الخراج" (ص/18) أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتب إلى عُمَّالِه على الخراج :
" إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة ، شتاءً ولا صيفاً

ولا رزقاً يأكلونه ، ولا دابة يعملون عليها ، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم ، ولا تقمه على رجله في طلب درهم ، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج ، فإنا إنما أَمَرَنا الله أن نأخذ منهم العفو ، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني ، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتُك " انتهى .

3- وتقتص الدواب بعضُها من بعض : وهي وإن كانت غير مكلفة ، إلا أن قصاصها قصاص مقابلة واستحقاق ، كي يقام العدل الذي به تقوم السماوات والأرض .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ) رواه مسلم ( 2582 ) والجلحاء : التي لا قرن لها .

وروى أحمد في "المسند" (5/172) وحسنه المحققون ، وكذا الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" تحت حديث رقم (1967) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا ، وَشَاتَانِ تَقْتَرِنَانِ ، فَنَطَحَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَأَجْهَضَتْهَا ، قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهُ : مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : عَجِبْتُ لَهَا ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُقَادَنَّ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ . أي لَيُقْتَصَّنَّ لها )

يقول النووي في "شرح مسلم" (16/137) :

" وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف ، إذ لا تكليف عليها ، بل هو قصاص مقابلة " انتهى .
وجاء في "مرقاة المفاتيح" للشيخ علي القاري (4/761) :

" قال ابن الملك : ... فإن قيل : الشاة غير مكلفة ، فكيف يقتص منها ؟ قلنا : إن الله تعالى فعال لما يريد ، ولا يسأل عما يفعل ، والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع ، بل يقتص حق المظلوم من الظالم " . قال القاري : " وهو وجه حسن ، وتوجيه مستحسن ، .. وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين ، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف ، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف ، والقوي والضعيف ؟ " انتهى .

بل إن الدواب تقتص من بني آدم يوم القيامة :

يقول ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (2/141) :

" فهذا من الدليل على القصاص بين البهائم ، وبينها وبين بني آدم ، حتى الإنسان لو ضرب دابة بغير حق أو جوَّعها ، أو عطَّشها ، أو كلفها فوق طاقتها فإنها تقتص منه يوم القيامة بنظير ما ظلمها أو جوَّعها ، ويدل لذلك حديث الهرة ، وفي الصحيح : ( أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْمَرْأَةَ مُعَلَّقَةً فِي النَّارِ وَالْهِرَّةُ تَخْدِشُهَا فِي وَجْهِهَا وَصَدْرِهَا وَتُعَذِّبُهَا كَمَا عَذَّبَتْهَا فِي الدُّنْيَا بِالْحَبْسِ وَالْجُوعِ )

انظر : صحيح البخاري (745) ومسند أحمد (2/159) .

وهذا عام في سائر الحيوانات ... " انتهى .

وجاء في كتاب "بريقة محمودية" (4/126) لأبي سعيد محمد بن محمد الخادمي :

" ويجتنب كل الجهد من حق الحيوان ؛ لانسداد طرق التحليل والإرضاء في الآخرة والأولى ، فإن الفقهاء قالوا : العذاب فيه متعين ، وأمكن عفوه تعالى في نفسه ، لكن حكم شريعته يقتضي عدم العفو ، ولذا حكموا بتعيُّنِ العذاب ، وفي قاضي خان : ومن هذا قالوا : إن خصومة الدابة أشد من خصومة الآدمي على الآدمي " انتهى

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-20, 16:53
حشر الناس والدواب

السؤال

هل يمكن أن تخبرنا عن هيئة الناس عند البعث ؟

هل سيكونون بملابس أم لا ؟

وهل الحيوانات ستقوم بعد الموت أم لا ؟.

الجواب

الحمد لله

سمى الله تعالى يوم القيامة بيوم الجمع لأن الله يجمع فيه العباد إنسهم وجنهم قال تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) هود / 103 .

وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) الواقعة / 49-50 . وقال تعالى : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) مريم / 93-95 . وقال تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) الكهف / 47 .

ومما يدخل في هذا الحشر حشر البهائم ، يقول شيخ الإسلام :

وأما البهائم فجميعها يحشرها الله سبحانه كما دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) الأنعام / 38 . وقال تعالى : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) التكوير / 5 . وقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ) الشورى / 29 . وحرف ( إذا ) إنما يكون لما يأتي لا محالة والأحاديث في ذلك مشهورة

فإن الله عز وجل يوم القيامة يحشر البهائم ويقتص لبعضها من بعض ثم يقول لها : كوني ترابا فتصير ترابا ، فيقول الكافر حينئذ : ( يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً ) النبأ / 40 . ومن قال إنها لا تحيا فهو مخطئ في ذلك أقبح خطأ ، بل هو ضال أو كافر والله أعلم . اهـ

مجموع الفتاوى 4/248 .

روى أحمد (20534) عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا ، وَشَاتَانِ تَقْتَرِنَانِ ، فَنَطَحَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَأَجْهَضَتْهَا ، قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهُ : مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : عَجِبْتُ لَهَا ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُقَادَنَّ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ . أي لَيُقْتَصَّنَّ لها .

قال أحمد شاكر : إسناده حسن متصل اهـ .

وروى مسلم (2582) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) .

والجلحاء هي التي لا قرن لها .

قال النووي :

هَذَا تَصْرِيح بِحَشْرِ الْبَهَائِم يَوْم الْقِيَامَة ، وَإِعَادَتهَا يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يُعَاد أَهْل التَّكْلِيف مِنْ الآدَمِيِّينَ ، وَكَمَا يُعَاد الأَطْفَال وَالْمَجَانِين وَمَنْ لَمْ تَبْلُغهُ دَعْوَة ، وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة . قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( وَإِذَا الْوُحُوش حُشِرَتْ ) وَإِذَا وَرَدَ لَفْظ الشَّرْع ، وَلَمْ يَمْنَع مِنْ إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِره عَقْل وَلا شَرْع وَجَبَ حَمْله عَلَى ظَاهِره .

قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَيْسَ مِنْ شَرْط الْحَشْر وَالإِعَادَة فِي الْقِيَامَة الْمُجَازَاة وَالْعِقَاب وَالثَّوَاب، وَأَمَّا الْقِصَاص مِنْ الْقَرْنَاء لِلْجَلْحَاءِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ قِصَاص التَّكْلِيف إِذْ لا تَكْلِيف عَلَيْهَا , بَلْ هُوَ قِصَاص مُقَابَلَة . وَاَللَّه أَعْلَم اهـ .

ويحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا –أي غير مختونين- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا ) ثُمَّ قَرَأَ

: ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيَقُولُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ) رواه البخاري 3349 .

وعن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا ) قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ! فَقَالَ: ( الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ ) رواه البخاري 6527 .

وجاء في الحديث أن الإنسان يبعث في الثياب التي مات فيها عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا ) رواه أبو داود ( 3114 ) وصححه الألباني في السلسة الصحيحة 1671 .

ولعل هذا الحديث يشكل مع ما قبله من أن العباد يبعثون عراة ، فأجاب العلماء بأجوبة للتوفيق بين الأحاديث فمن أوجه الجمع :

1- أنهم يبعثون فيها ثم تبلى بعد القيام فإذا وافوا الموقف كانوا عراة .

2- أنهم يبعثون عراة ثم إذا كسي الأنبياء والصديقون ومن بعدهم كُسِيَ كلٌّ من جنس ما مات فيه من الثياب .

3- وحمل بعض العلماء هذا الحديث على الشهداء فإنهم هم الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا في ثيابهم التي ماتوا فيها . فيبعثون في ثيابهم تمييزاً لهم عن غيرهم .

4- أن المراد بالثياب الأعمال الصالحة كما قال تعالى : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) وقوله : ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) والمعنى يبعث المرء على ما مات عليه من عمل إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، يدل عليه حديث جَابِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقُولُ يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ) رواه مسلم 2878 وحديث ابْنَ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْه قال :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ ) رواه البخاري 7108 ، ومما يدل عليه حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلا تُحَنِّطُوهُ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا ) رواه البخاري 1265

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ ) رواه البخاري 237 ، ومن هنا استحب تلقين الميت لا إله إلا الله وذلك لتكون هذه الكلمة الطيبة آخر كلامه من الدنيا وعليها يبعث يوم القيامة .

انظر فتح الباري (11/383) .

ويحشر الناس في ذلك اليوم على أرض أخرى غير هذه الأرض ، ولها خصائص معينة بينتها السنة فعن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ ) قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ : لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَد . رواه البخاري 6521 .

والعفراء أي بيضاء تضرب إلى الحمرة قليلا وقيل بيضاء بياضا غير ناصع وقيل خالصة البيضاء .

وقرصة النقي هي القرصة من الدقيق النقي من الغش والنخال .

والله اعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 15:42
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

شرح حديث : ( مَنْ يتكفل لِي ألا يسأل الناس شيئا وأتكفل لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ )

السؤال :

أسأل عن حديث جاء في صحيح البخاري ، روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ( مَنْ يَكْفُلُ لِي أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ) فما الذي يعنيه الحديث ؟

هل سؤال الأب والأم للمساعدة أو المعلم أو الزميل أو صاحب المحل ، هل كل هؤلاء يدخلون ضمن الحديث ؟

الجواب :

الحمد لله

الحديث المذكور لم أجده في صحيح البخاري ، ولم أجد من عزاه إليه ، وفي معناه أحاديث ، منها :

ما رواه مسلم في صحيحه (1043) عن عوف بن مالك الأشجعي قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة ، فقال : ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) ، وكنا حديث عهد ببيعة ، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال : ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) ، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال: ( ألا تبايعون رسول الله ؟

) ، قال : فبسطنا أيدينا وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك ؟ قال : ( على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، والصلوات الخمس ، وتطيعوا ) وأسر كلمة خفية : ( ولا تسألوا الناس شيئاً ) ، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه ".

وظاهر هذا الحديث أنه عام في كل مسؤول ، لأن قوله صلى الله عليه وسلم : ( شيئا ) غير محدد ولا مخصص ، بل هو نكرة ، ومن المقرر في علم الأصول : أن النكرة في سياق النهي تفيد العموم .

قال النووي في " شرح مسلم " (7/132) :

" فيه التمسك بالعموم ؛ لأنهم نهوا عن السؤال فحملوه على عمومه ، وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرا والله أعلم " انتهى .

وترك سؤال الناس مطلقا ، أمر لا يطيقه كل الناس ، لذلك لم يبايع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصحابة عليه ، ولم يأمرهم به ، وقد استنبط بعض العلماء ذلك من إسراره صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة .

قال الأبي في " شرح مسلم " (2/173) :

" الذي يترجح أنها لا ترجع إلى التكليف ، وإلا لوقع بيانها لوجوب التبليغ عليه صلى الله عليه وسلم " انتهى .

قال العيني في " شرح سنن أبي داود " (6/393) :

" قوله : ( وأسر كلمة خفية ) يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم أسر النهي عن السؤال ، ليخص به بعضهم دون بعضه ولا يعمهم بذلك ؛ لأنه لا يمكن العموم ، إذ لا بد من السؤال ، ولا بد من التعفف ، ولا بد من الغنى ، ولا بد من الفقر ، وقد قضى الله تبارك وتعالى بذلك كله ، فلا بد أن ينقسم الخلق إلى الوجهين " انتهى .

وجاء في معنى حديث عوف بن مالك : حديثُ ثوبان رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسم قال : ( مَنْ يَتَقَبَّلُ – وفي رواية يتكفل - لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : أَنَا. قَالَ : ( لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا ) فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ ، فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَتَنَاوَلَهُ . رواه أبو داود (1450) وغيره ، وصححه الألباني .
فهذا ثوبان رضي الله عنه فهم عموم هذا الأمر ، فكان لا يسأل أحدا أن يناوله السوط .

قال الآبادي في " عون المعبود " (5/39) في شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( وأتكفل له بالجنة ) : " أي أوَّلا من غير سابقة عقوبة ، وفيه إشارة إلى بشارة حسن الخاتمة " انتهى .

وقيده بعض أهل العلم بطلب الحاجات من الناس ، أو طلب أموالهم ؛ قال السندي في حاشيته على النسائي (1/564) : " ( لا تسأل الناس شيئا ) أي من مالهم ، وإلا فطلب ماله عليهم لا يضر والله أعلم " انتهى .

فهذه الأحاديث عامة في كل مسؤول ، ومن أراد تحصيل ما فيها من الأجر العظيم ، وهو تكفل النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة ، فليترك سؤال الناس في القليل والكثير ، والجليل والحقير ، وليس ذلك واجبا ، ولكنه من الكمالات ، وليس كل الناس يستطيع فعله .

قال القرطبي في " المفهم " (3/86) :

" وأخذه صلى الله عليه وسلم على أصحابه في البيعة ألا يسألوا أحدا شيئا : حملٌ منه على مكارم الأخلاق ، والترفع عن تحمل منة الخلق ، وتعليم الصبر على مضض الحاجات ، والاستغناء عن الناس ، وعزة النفوس ، ولمَّا أخذهم بذلك التزموه في جميع الأشياء وفي كل الأحوال ، حتى فيما لا تلحق فيه منة ؛ طردا للباب ، وحسما للذرائع " انتهى .

إلا أن ذلك ـ أيضا ـ مقيد بغير حالة الضرورة ، فما لم يضطر المرء إلى سؤاله : لم يسأله ، وما دفعته الضرورة إليه ، فلا حرج عليه في سؤاله .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوقِ " مُحَرَّمَةً فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ وَفِي النَّهْيِ عَنْهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/182) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 15:48
امتحان أهل الفترة في الآخرة ؟

السؤال

سؤالي عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : أخرج الإمام أحمد بن حنبل في " مسنده " والبيهقي في كتاب " الاعتقاد " ـ وصححه ـ عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أربعة يمتحنون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئًا ، ورجل أحمق ، ورجل هرِم ، ورجل مات في فترة ، فأما الأصم

فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا ، وأما الأحمق فيقول : رب لقد جاء الإسلام والصبيان يقذفوني بالبعر ، وأما الهرِم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا ، وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ما أتاني لك رسول ، فيأخذ مواثيقهم ليطيعونه ، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار ، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً

ومن لم يدخلها يسحب إليها ) . استفساري : هل يوجد يوم القيامة امتحان ؟

وأنا الذي أعرفه أن يوم القيامة يوم الحساب فقط ، دون امتحان وابتلاء ؟ . والملاحظة الأخرى : امتحانهم يوم القيامة أن يدخلوا على النار هذا امتحان صعب جدًّا لا يخاطب العقل ؛ لأن العقل يدرك أن النار فيها خطورة ، وطبيعي الإنسان يخاف أن يدخلها بعكس امتحان في الدنيا الالتزام في تعاليم الدين الحنيفة .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

اختلف العلماء رحمهم الله في أهل الفترة – وهم من عاش في زمن لم يأتهم فيه رسول ، أو كانوا في مكان لم تصلهم فيه الدعوة – ومن في حكمهم – كأطفال المشركين - على أقوال ، وأرجح هذه الأقوال : أنهم يُمتحنون يوم القيامة ، فمن أطاع أمر الله نجا ، ومن عصاه هلك ، وقد جاءت في السنة النبوية أحاديث كثيرة يترجح هذا القول بها ، ومنها ما ذكره الأخ السائل في سؤاله ، وقد استوفاها الإمام ابن كثير في تفسيره

عند قوله تعالى ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء/من الآية 15 ، فلتنظر هناك لمن أراد الاستزادة والاستفادة ، ومجموع هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً ، ويشهد أن لهذا القول ما يؤيده من السنَّة النبوية ، وهذا هو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة .

قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :

أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح ، كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء ، ومنها ما هو حسن ، ومنها ما هو ضعيف يقوَى بالصحيح والحسن ، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط : أفادت الحجة عند الناظر فيها .

" تفسير ابن كثير " ( 5 / 58 ) .

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في سياق بيان الأقوال في المسألة - :

سابعها : أنهم يُمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار ، فمن دخلها : كانت عليه برداً وسلاماً ، ومن أَبَى : عُذِّب ، أخرجه البزار من حديث أنس ، وأبي سعيد ، وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل ، وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون ، ومن مات في الفترة من طرق صحيحة ، وحكى البيهقي في " كتاب الاعتقاد " أنه المذهب الصحيح .

" فتح الباري " ( 3 / 246 ) .

ثانياً:

وقد ردَّ هذا القول بعض أهل العلم – كالإمام ابن عبد البر – وقالوا : إن الآخرة دار جزاء ، وليست دار تكليف ، وليس ثمة أوامر ونواهي في الآخرة ، وأُجيب عن هذا الاعتراض بردود مجملة ، ومفصَّلة ، وقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمام ابن كثير – وغيرهما – ردوداً مجملة ، وردَّ الإمام ابن القيم ردّاً مفصلاً أوصل وجوه الرد إلى تسعة عشر وجهاً .

أ. أما الردود المجملة : فملخصها : وجود امتحان في القبر ، وفي عرصات القيامة ، وأما كون الآخرة ليست دار تكليف فنعم ، لكن بعد استقرار أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار .

1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار ، وأما عَرَصات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ ، فَيُقَالُ لِأَحَدِهِمْ : مَنْ رَبُّك ؟ وَمَا دِينُك ؟ وَمَنْ نَبِيُّك ؟ ، وقال تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ) الْآيَةَ ، وقد ثبت في الصحاح من غير وجه حديث تجلي الله لعباده في الموقف إذا قيل :

( لِيَتَّبِعْ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ؛ فَيَتَّبِعُ الْمُشْرِكُونَ آلِهَتَهُمْ وَيَبْقَى الْمُؤْمِنُونَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ الرَّبُّ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيُنْكِرُونَهُ ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا فَيَسْجُدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَتَبْقَى ظُهُورُ الْمُنَافِقِينَ كَقُرُونِ الْبَقَرِ يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ، وذكر قوله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ) الْآيَةَ .

" مجموع الفتاوى " ( 4 / 303 ، 304 ) .

2. وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله -

وقد ذكر الشيخ أبو عمر بن عبد البر النَّمَري بعض ما تقدم من أحاديث الامتحان ، ثم قال : وأحاديث هذا الباب ليست قوية ، ولا تقوم بها حجة ، وأهل العلم ينكرونها ؛ لأن الآخرة دار جزاء ، وليست دار عمل ، ولا ابتلاء ، فكيف يكلَّفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين ، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها ؟! .

وأجاب عن ذلك ببيان قوة الأحاديث الواردة في الباب ، كما نقلناه عنه سابقا ، ثم قال : وأما قوله : " إن الآخرة دار جزاء " : فلا شك أنها دار جزاء ، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار ، كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة مِن امتحان الأطفال ، وقد قال الله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ) ن/42 ، وقد ثبتت السنَّة في الصحاح وغيرها : أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة ، وأما المنافق : فلا يستطيع ذلك ، ويعود ظهره طبقاً واحداً ، كلما أراد السجود : خَرَّ لقفاه .

وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجاً منها : أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه ألا يسأل غير ما هو فيه ، ويتكرر ذلك مراراً ، ويقول الله تعالى : ( يا ابن آدم ، ما أغدرك ! ) ثم يأذن له في دخول الجنة .

وأما قوله : " وكيف يكلفهم دخول النار وليس ذلك في وسعهم ؟ " : فليس هذا بمانع من صحة الحديث ؛ فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط ، وهو جسر على جهنم أحدّ من السيف ، وأدق من الشعرة ، ويمرُّ المؤمنون عليه بحسب أعمالهم ، كالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل والرِّكاب ، ومنهم الساعي ، ومنهم الماشي ، ومنهم من يحبو حبواً ، ومنهم المكدوش على وجهه في النار ، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا ، بل هذا أطم ، وأعظم .

وأيضاً : فقد ثبتت السنَّة بأن الدجال يكون معه جنَّة ونار ، وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار ، فإنه يكون عليه برداً وسلاماً ، فهذا نظير ذلك .

وأيضاً : فإن الله تعالى قد أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم ، فقتل بعضهم بعضاً ، حتى قتلوا ـ فيما قيل ـ في غداة واحدة : سبعين ألفاً ، يقتل الرجل أباه ، وأخاه ، وهم في عمايةِ غمامةٍ أرسلها الله عليهم ، وذلك عقوبة لهم على عبادتهم العجل ، وهذا أيضاً شاق على النفوس جدّاً ، لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور ، والله أعلم . "

تفسير ابن كثير " ( 5 / 58 ) .

ب. وقد فصل ابن القيم رحمه الله وجوه الجواب السابقة ، كما أشرنا إليه ، وزاد فيها وجوها أخرى ، منها :
* أن موجب هذه الأحاديث هو الموافق للقرآن وقواعد الشرع ؛ فهي تفصيل لمَا أخبر به القرآن أنه لا يعذَّب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه ، وهؤلاء لم تُقَم عليهم حجة الله في الدنيا ، فلا بُدَّ أن يقيم حجته عليهم ، وأحق المواطن أن تُقام فيه الحجة : يوم يقوم الأشهاد ، وتُسمع الدعاوى ، وتُقام البينات ، ويَختصم الناس بين يدي الرب ، وينطق كلُّ أحدٍ بحجته ومعذرته ، فلا تنفع الظالمين معذرتهم ، وتنفع غيرهم .

* أنه قد صحَّ بذلك القول بها عن جماعة من الصحابة ، ولم يصح عنهم إلا هذا القول ، والقول بأنهم خدَم أهل الجنة : صح عن سلمان ، وفيه حديث مرفوع ، وأحاديث الامتحان : أكثر ، وأصح ، وأشهر .

* أن أمرهم بدخول النار ليس عقوبة لهم ، وكيف يعاقبهم على غير ذنب ؟ وإنما هو امتحان واختبار لهم ، هل يطيعونه أو يعصونه ، فلو أطاعوه ودخلوها : لم تضرهم ، وكانت عليهم برداً وسلاماً ، فلما عصوه وامتنعوا من دخولها :

استوجبوا عقوبةَ مخالفةِ أمرِه ، والملوك قد تمتحن مَن يُظهر طاعتهم هل هو منطوٍ عليها بباطنه ، فيأمرونه بأمرٍ شاقٍّ عليه في الظاهر ، هل يوطِّن نفسه عليه أم لا ، فإن أقدم عليه ووطن نفسه على فعله : أعفوه منه ، وإن امتنع وعصى : ألزموه به ، أو عاقبوه بما هو أشد منه .

وقد أمر الله سبحانه الخليل بذبح ولده ، ولم يكن مراده سوى توطين نفسه على الامتثال والتسليم ، وتقديم محبة الله على محبة الولد ، فلما فعل ذلك : رَفع عنه الأمر بالذبح .

وأما أن ذلك "ليس ذلك في وسع المخلوقين " فقد أجاب عنه ابن القيم من وجهين :

أحدهما : أنه في وسعهم ، وإن كان يشق عليهم ، وهؤلاء عبَّاد النار ، يتهافتون فيها ، ويُلقون أنفسهم فيها ؛ طاعةً للشيطان ، ولم يقولوا " ليس في وسعنا " ، مع تألمهم بها غاية الألم ، فعبَاد الرحمن إذا أمرهم أرحم الراحمين بطاعته باقتحامهم النار : كيف لا يكون في وسعهم ، وهو إنما يأمرهم بذلك لمصلحتهم ومنفعتهم ؟ .

الثاني : أنهم لو وطَّنوا أنفسهم على اتباع طاعته ومرضاته : لكانت عين نعيمهم ، ولم تضرَّهم شيئاً .

قال رحمه الله :

" فالسنَّة ، وأقوال الصحابة ، وموجب قواعد الشرع وأصوله : لا تُردُّ بمثل ذلك ، والله أعلم "

انظر : " أحكام أهل الذمة " ( 2 / 1148 – 1158 ) .

وهذا كلام متين ، فيه بيان المسألة وتجليتها ، ونسأل الله أن يرزقنا العلم النافع ، والعمل الصالح ، وأن يتوفانا على الإيمان .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 15:54
ما هو التنطع المذموم ؟

السؤال

ما معنى التنطع في الإسلام ؟

وهل تغطية الوجه وإعفاء اللحى والالتزام بجميع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ورفض كل ما هو مستحدث فى الدين يعد تشددا ؟ وما معنى أنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث الذي ورد في ذم التنطع جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ . قَالَهَا ثَلَاثًا ) رواه مسلم (2670)

وللعلماء في تفسير " التنطع " و " المتنطعين " عبارات كثيرة ، تتوافق ولا تتعارض ، وكلها تجتمع في معنى واحد ، يرجع إلى التكلف والتشدد فيما لا ينبغي وفي غير موضعه الصحيح. ومن هذه المعاني :

1- الغلو في العبادة والمعاملة ، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة ، والشريعة لم تأمر إلا بما فيه يسر وسماحة ، ونهت عن التشدد في الدين ، وصور الغلو التي أحدثها الناس في الدين وعدها العلماء من التنطع لا تكاد تحصى بعدد
.
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/220) :

" أي : المتعمقون ، الغالون ، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى .

2- الابتداع في الدين ، بتحريم ما لم يحرمه الله ورسوله ، واستحداث صور من العبادات والإلزامات لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/620) - :

" الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( هلك المتنطعون ) ، وقال : ( لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ، ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه

وكذلك الاحتفاء والعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة ، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم ، وأن يقوم قائما ولا يجلس ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروه فليجلس ، وليستظل ، وليتكلم ، وليتم صومه ) رواه البخاري . وهذا باب واسع " انتهى .

3- التقعر في الكلام ، والتشدق باللسان ، بتكلف الكلمات التي تميل قلوب الناس إليه ، حيث لا معنى ولا مضمون ، ولا فائدة ترجى من تشدقه وتقعره .

فقد أورد ابن أبي الدنيا هذا الحديث في رسالة " الغيبة والنميمة " في باب " ما جاء في ذم التقعر في الكلام " (ص/15) وروى فيه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ )

رواه أيضا أحمد في "المسند" (1/22) وحسنه محققو المسند .

وروى فيه أيضا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان )

قال ابن الأثير في "النهاية" (5/164) :

" المُتَنَطِّعون : هم المُتعَمِّقون المُغالون في الكلام ، المتكلِّمون بأقْصَى حُلوقهم . مأخوذ من النِّطَع ، وهو الغارُ الأعْلى من الفَم ، ثم استُعْمِل في كل تَعَمُّق قولاً وفعلا " انتهى .

4- الخوض فيما لا يعني ، والسؤال عما لا ينبغي ، وتكلف البحث فيما لا يغني .

قال الخطابي :

" المتنطع : المتعمق في الشيء ، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم ، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم "

انتهى . نقلا عن " عون المعبود " (12/235)

ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص/285) :

" المتنطع : هو المتعمق ، البحاث عما لا يعنيه ؛ فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات ، قد يوجب اعتقاد تحريمه ، أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات ، فقبول العافية فيه ، وترك البحث عنه والسؤال خير " انتهى بتصرف. ثم ذكر ابن رجب رحمه الله أمثلة لما ينبغي تجنب البحث فيه من تفاصيل أمور الغيب المجهولة والفروق الفقهية المتكلفة ، والتفريع على المسائل التي يندر وقوعها، ونحوها.

قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (1/416-418) :

" كذلك أيضاً من التشديد في العبادة ، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه ، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك .

ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى - ولا سيما في رمضان - حين يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض ، ويحتاج إلي الأكل والشرب ، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً ، فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث : هلك المتنطعون .
ومن ذلك ما يفعله بعض الطلبة المجتهدين في باب التوحيد ؛ حيث تجدهم إذا مرت بهم الآيات والأحاديث في صفات الرب عز وجل جعلوا ينقبون عنها

ويسألون أسئلة ما كلفوا بها ، ولا درج عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم ، فتجد الواحد ينقب عن أشياء ليست من الأمور التي كلف بها تنطعاً وتشدقاً ، فنحن نقول لهؤلاء : إن كان يسعكم ما وسع الصحابة رضي الله عنهم فأمسكوا ، وإن لم يسعكم فلا وسع الله عليكم ، وثقوا بأنكم ستقعون في شدة وفي حرج وفي قلق ...
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الطلبة من إدخال الاحتمالات العقلية في الدلائل اللفظية ؛ فتجده يقول : يحتمل كذا ويحتمل كذا ، حتى تضيع فائدة النص ، وحتى يبقى النص كله مرجوجاً لا يستفاد منه . هذا غلط . خذ بظاهر النصوص ودع عنك هذه الاحتمالات العقلية ، فإننا لو سلطنا الاحتمالات العقلية على الأدلة اللفظية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما بقى لنا حديث واحد أو آية واحدة يستدل بها الإنسان ، ولأورد عليها كل شيء ، وقد تكون هذه الأمور العقلية وهميات وخيالات من الشيطان ، يلقيها في قلب الإنسان حتى يزعزع عقيدته وإيمانه والعياذ بالله .

ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء ، حيث تجده مثلاً يتوضأ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر ، وهو في عافية من ذلك . أيضاً في الاغتسال من الجنابة ، تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال ، في إدخال الماء في أذنيه ، وفي إدخال الماء في منخريه .

وكل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( هلك المتنطعون . هلك المتنطعون . هلك المتنطعون )
فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث " انتهى باختصار .

ثانيا :

أما الالتزام بشعائر الدين الظاهرة ، والمحافظة على حدود الله ، وامتثال أوامره ، فهذا من واجبات الدين ، وسبيل دخول جنة رب العالمين ، ولا يعدها مِن التنطع إلا مَن يريد التحلل من الشريعة ، والطعن في الأحكام الثابتة ؛ فإن التنطع المذموم هو خروج عن قانون الشريعة وآدابها ، فكيف يكون التزامها ، والتمسك بها ، والعض عليها بالنواجذ تنطعا ؟!!
والحَكَمُ الفصل في ذلك هو الأدلة من الكتاب والسنة

فما جاءت به الأدلة الصحيحة الظاهرة بإيجاب شيء – كغطاء الوجه وإعفاء اللحية – ، أو تحريم شيء – كتحريم المعازف والاختلاط بالنساء ونحوه – فهذا لا يجوز وصفه بالتنطع والتشدد ، إذ يلزم منه اتهام النبي صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا بها - بأنه متنطع !! وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك.

أما ما لم تأت به النصوص ، وكان من أحد الأوجه الأربعة السابقة في تفسير التنطع ، فهذا هو ما ينبغي ذمه واجتنابه ، ولا يخلط بينه وبين أحكام الشريعة الظاهرة الثابتة .

ثالثا :

أما حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ) رواه البخاري (3367) ومسلم (2327)

فلا يعني بوجه من الوجوه التخلي عن الشريعة ، والتقصير في الواجبات ، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تحقيق العبودية لله بجميع لوازمها ، ولكن المراد بقوله ( بين أمرين ) أي من أمور الدنيا التي ليس للشرع فيها أمر أو نهي ، أو من الأمور التي يسع فيها الاختيار من السنن والمستحبات ، أما إذا جاء التكليف بالوجوب أو التحريم فيجب الوقوف عنده من غير تعد ولا تقصير .

يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/575) :

" قوله : ( بين أمرين ) أي : من أمور الدنيا ، يدل عليه قوله : ( ما لم يكن إثما ) ؛ لأن أمور الدين لا إثم فيها ، وقوله : ( ما لم يكن إثما ) أي : ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم ، فإنه حينئذ يختار الأشد . وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط : ( إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط ) " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 15:58
حديث : ( من اعتمد على عقله ضل )

السؤال

معنى الحديث : ( من اعتمد على ماله قلَّ , ومن اعتمد على عقله ضلَّ , ومن اعتمد على الله فلا يضل ) . فهل هذا يعني أن العقل لا يستخدم في الاجتهاد ؟ ومتى يستخدم العقل في الاجتهاد ؟.

الجواب

الحمد لله

حديث : ( من اعتمد على ماله قلَّ ومن اعتمد على عقله ضلَّ ومن اعتمد على الله فلا يضل )

لم نجده بعد الاطلاع والبحث منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ووجدناه في بعض الكتب منسوباً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .

والعقل في الإسلام له أهمية كبيرة ، وتكمن أهميته في أمور ، منها :

1. أنه شرط التكليف ، فمن شروط التكليف بالأوامر وترك النواهي أن يكون المكلَّف عاقلاً .

2. أن العقل هو إحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها والاهتمام بها ، وهي : الدين ، والنفس ، والعقل ، والعرض ، والمال ، ومن تشريعات حفظ العقل في الإسلام تحريم شرب الخمر والمخدرات .

3. أن استعمال الإنسان لعقله استعمالاً صحيحاً يجعله يفهم الآيات والأحاديث على وجهها الصحيح ، وإذا كان كافراً فإن الله تعالى جعل في دينه من الحجج والبراهين ما لا يخفى على عاقل ، لكن من لم يستخدم عقله لم ينتفع بهذه الحجج والبراهين ، لذا سيندم هؤلاء يوم القيامة وسيتمنون لو أنهم استخدموا عقولهم على وجهها الصحيح

قال تعالى : ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ . فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك/10،11، وليس في الإسلام شيء يخالف العقل الصريح ، بل العقل موافق لما جاء في الشرع ، وإنما ضلَّ أقوام حكَّموا عقولهم هم في نصوص الشرع فضلوا وأضلوا ، أما من استعمل عقله ليفهم ما جاء من نصوص وفق قواعد السلف ومنهجهم فهو المجتهد المأجور .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فيأخذ المسلمونَ جميعَ دينهم من الاعتقادات , والعبادات , وغير ذلك من كتاب الله , وسنَّةِ رسولِهِ , وما اتفق عليه سلف الأمّة وأئمتها ، وليس ذلك مخالفاً للعقل الصريح ؛ فإنّ ما خالف العقل الصريح فهو باطلٌ .

وليس في الكتاب والسنَّةِ والإجماع باطل ، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعضُ النَّاس , أو يفهمون منها معنى باطلاً , فالآفةُ منهم , لا من الكتاب والسُّنَّة ؛ فإن الله تعالى قال : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدى وَرَحْمَة وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِين ) " انتهى .

" مجموع الفتاوى " ( 11 / 490 ) .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 16:02
من هو المسكين الذي يُعطى فدية الصيام ؟
وكم وماذا يُعطى ؟

السؤال

يقول الله تعالى : ( ففدية طعام مسكين ) هل يشترط في هذا المسكين البلوغ والتكليف ؟

وهل لو أراد الإنسان أن يطعم ثلاثين مسكينا هل يدخل أبناء المسكين ومن يعول في العدد ؟

وهل يجزئ بدل الطعام مال ؟

وكيف يقدر هذا الإطعام ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

لا يجوز لأحدٍ يقدر على الصيام في رمضان وليس عنده عذر شرعي أن يفطر ، وليس كل من أفطر برخصة من الشرع يطعم مقابل كل يوم مسكينا ، وإنما الإطعام للشيخ الكبير والمريض مرضاً مزمناً لا يُرجى شفاؤه .

قال الله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) البقرة/184 .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ( هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ) رواه البخاري ( 4505 ) .

والمريض الذي لا يرجى شفاؤه حكمه حكم الشيخ الكبير .

قال ابن قدامة رحمه الله :

" وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ : يُفْطِرُ , وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ; لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ " انتهى .

" المغني " ( 4 / 396 ) .

ثانياً :

ولا يشترط في هذا المسكين أن يكون بالغاً ، بل يُعطى الصغير الذي يأكل الطعام باتفاق الأئمة ، وإنما اختلفوا في إعطائها للرضيع ، فذهب إلى جوازه جمهور العلماء ( منهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد ) لأنه مسكين فيدخل في عموم الآية ، وظاهر كلام الإمام مالك رحمه الله أنها لا تعطى للرضيع ، فإنه قال : يجوز الدفع إلى الفطيم ، واختاره الموفق ابن قدامة رحمه الله .

انظر : "المغني" (13/508) ، و"الإنصاف" (23/342) , و "الموسوعة الفقهية" (35/101– 103) .

ثالثاً :

وأبناء المسكين وزوجته وأهله الذين يجب عليه أن ينفق عليهم يدخلون في هذا العدد ، إذا كانوا لا يجدون كفايتهم ، ولا أحد ينفق عليهم غير هذا المسكين .

ولهذا يعطى المسكين من زكاة المال ما يكفيه ويكفي أهله .

قال في "الروض المربع" (3/311) :

" فيعطى الصنفان – أي : الفقراء والمساكين - تمام كفايتهما وعائلتهما منه " انتهى .

رابعاً :

وأما الذي يُطعم ومقداره : فيدفع إلى المسكين نصف صاع ( كيلو ونصف تقريباً ) من قوت البلد ، سواء كان أرزاً أم تمراً أم غير ذلك ، وإذا أعطي معه إداماً أو لحماً فهو أحسن .

فقد روى البخاري - معلقاً بصيغة الجزم عن أنس رضي الله عنه أنه كان بعد ما كبر وعجز عن الصوم يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا خبزا ولحما .

ولا يجوز أن يدفع قيمة الطعام مالاً .

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" والإطعام لا يكون بالنقود كما ذكرت ، وإنما يكون الإطعام بدفع الطعام الذي هو قوت البلد ؛ بأن تدفع عن كل يوم نصف الصاع من قوت البلد المعتاد ، ونصف الصاع يبلغ الكيلو والنصف تقريباً.

فعليك أن تدفع طعاماً من قوت البلد بهذا المقدار الذي ذكرنا عن كل يوم ، ولا تدفع النقود ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) البقرة/184 ؛ نص على الطعام " انتهى .

" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3/140) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-21, 16:06
لا يجوز إخراج نقود بدلا من الإطعام في فدية الصيام

السؤال

رجل كبير مريض لا يستطيع الصوم فهل يجزيء إخراج النقود عن الإطعام ؟.

الجواب

الحمد لله

" يجب علينا أن نعلم قاعدة مهمة ، وهي أن ما ذكره الله عز وجل بلفظ الإطعام أو الطعام وجب أن يكون طعاماً

وقد قال تعالى في الصوم : ( وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) وقال في كفارة اليمين : ( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَاٰنَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

وفي زكاة الفطر : فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام ، فما ذكر في النصوص بلفظ الطعام أو الإطعام فإنه لا يجزىء عنه الدراهم .

وعلى هذا فالكبير الذي كان فرضه الإطعام بدلاً عن الصوم لا يجزىء أن يخرج بدلاً عنه دراهم ، لو أخرج بقدر قيمة الطعام عشر مرات لم يجزئه ؛ لأنه عدول عما جاء به النص ، كذلك الفطرة لو أخرج قدر قيمتها عشر مرات لم يجزىء عن صاع من الحنطة ؛ لأن القيمة غير منصوص عليها . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .

وعلى هذا فنقول للأخ الذي لا يستطيع الصوم لكبره : أطعم عن كل يوم مسكيناً ، ولك في الإطعام صفتان :

الصفة الأولى : أن توزع عليهم في بيوتهم تعطي كل واحد ربع الصاع المعروف من الرز وتجعل معه ما يؤدمه .

الصفة الثانية : أن تصنع طعاماً وتدعو إليه عدد المساكين الذين يجب أن تطعمهم ، يعني يمكن إذا مضى عشرة أيام تصنع عشاء وتدعو عشرة من الفقراء يأكلون ، وكذلك في العشر الثانية ، والعشر الثالثة ، كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر وصار لا يستطيع الصوم يطعم ثلاثين فقيراً في آخر يوم من رمضان " انتهى .

"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/116) .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 15:55
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون

السؤال

هل تجب الزكاة في مال الصبي الصغير ، مع أنه غير مكلف ؟.

الجواب

الحمد لله

ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصبي الصغير والمجنون ، وهو مذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد ، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة :

1- قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) . فالزكاة واجبة في المال ، فهي عبادة مالية تجب متى توفرت شروطها ، كملك النصاب ، ومرور الحول .

2- قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن : ( أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ) رواه البخاري (1395) . فأوجب الزكاة في المال على الغني ، وهذا بعمومه يشمل الصبي الصغير والمجنون إن كان لهما مال .

3- ما رواه الترمذي (641) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : ( أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ ) وهو حديث ضعيف ، ضعفه النووي في المجموع (5/301) والألباني في ضعيف الترمذي . وقد ثبت ذلك من قول عمر رضي الله عنه ، رواه عنه البيهقي (4/178) وقال : إسناده صحيح . وأقره النووي على تصحيحه كما في "المجموع" .

4- وكذلك روي هذا عن على وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم .

وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الزكاة لا تجب في ماله ، كما لا تجب عليه سائر العبادات ؛ كالصلاة والصيام ، غير أنه أوجب عليه زكاة الزروع وزكاة الفطر .

وأجاب الجمهور عن هذا بأن عدم وجوب الصلاة والصيام على الصبي فلأنهما عبادات بدنية ، وبدن الصبي لا يتحملها ، أما الزكاة فهي حق مالي ، والحقوق المالية تجب على الصبي ، كما لو أتلف مال إنسان ، فإنه يجب عليه ضمانه من ماله ، وكنفقة الأقارب ، يجب عليه النفقة عليهم إذا توفرت شروط وجوب ذلك .

وقالوا أيضا : ليس هناك فرق بين وجوب زكاة الزروع وزكاة الفطر على الصبي ، وبين زكاة سائر الأموال كالذهب والفضة والنقود ، فكما وجبت الزكاة عليه في الزروع تجب عليه في سائر الأموال ، ولا فرق .

ويتولى ولي الصغير والمجنون إخراج الزكاة عنهما من مالهما ، كلما حال عليه الحول ، ولا ينتظر بلوغ الصبي .

قال ابن قدامة في المغني :

" إذا تقرر هذا – يعني وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون - فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما ; لأنها زكاة واجبة , فوجب إخراجها , كزكاة البالغ العاقل , والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه ; ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون , فكان على الولي أداؤه عنهما , كنفقة أقاربه " انتهى .

وقال النووي في المجموع (5/302) :

" الزكاة عندنا واجبة في مال الصبي والمجنون بلا خلاف ، ويجب على الولي إخراجها من مالهما كما يخرج من مالهما غرامة المتلفات ، ونفقة الأقارب وغير ذلك من الحقوق المتوجهة إليهما , فإن لم يخرج الولي الزكاة وجب على الصبي والمجنون بعد البلوغ والإفاقة إخراج زكاة ما مضى ; لأن الحق توجه إلى مالهما , لكن الولي عصى بالتأخير فلا يسقط ما توجه إليهما " انتهى .

وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس أن الزكاة واجبة على الصبي إلا أنه لا يخرجها حتى يبلغ ، وكلاهما ضعيف لا يصح . ضعفهما النووي في المجموع (5/301) .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

توفي رجل وخلف أموالا وأيتاما ، فهل تجب في هذه الأموال زكاة ؟ وإن كان كذلك فمن يخرجها ؟

فأجاب :

" تجب الزكاة في أموال اليتامى من النقود والعروض المعدة للتجارة وفي بهيمة الأنعام السائمة وفي الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة ، وعلى ولي الأيتام أن يخرجها في وقتها . . . ويعتبر الحول في أموالهم من حين توفي والدهم ، لأنها بموته دخلت ملكهم ، والله ولي التوفيق " انتهى .

فتاوى ابن باز (14/240) .

وسئل علماء اللجنة الدائمة :

هل تجب الزكاة في أموال اليتامى والمجانين ؟

فأجابوا :

" تجب الزكاة في أموال اليتامى والمجانين ، وهذا قول علي وابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة والحسن بن علي حكاه عنهم ابن المنذر ، ويجب على الولي إخراجها ، والذي يدل على وجوبها في أموالهم عموم أدلة إيجابها من الكتاب والسنة ، ولـمَّا بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وبين له ما يقول لهم كان مما قال له : ( أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) رواه الجماعة

ولفظة : (الأغنياء) تشمل : الصغير والمجنون ، كما شملهما لفظ الفقراء ، وروى الشافعي في مسنده عن يوسف بن ماهك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ابتغوا في أموال اليتامى لا تذهبها أولا تستهلكها الصدقة ) وهو مرسل . وروى مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :

اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة ، وقد قال ذلك عمر للناس وأمرهم ، وهذا يدل على أنه كان من الحكم المعمول به والمتفق على إجازته . وروى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال : كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة " انتهى .

فتاوى اللجنة الدائمة (9/410) .

وقد اختار أيضاً القول بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

كما في الشرح الممتع (6/14) .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 16:00
حكم طلاق السكران

السؤال

رجل كان يسكر فيضرب زوجته , ويطلقها مرات عدة شفهيا , كما كان يقول لها "أنت طالق بالثلاث " وهو ليس في وعيه , وبعد ذلك يصالحها , لكنه الآن تاب إلى ربه وأصبح يصلي وندم على ما كان يفعل فما حكم الشرع ؟

الجواب

الحمد لله

اختلف أهل العلم في طلاق السكران إذا كان سكره بتناول ما يحرم عليه من الخمر بأنواعها هل يقع أم لا ؟ على قولين :
القول الأول : أن طلاقه يقع ، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك ، وأحد القولين للشافعي وأحمد رحمهم الله .

قالوا : لأن عقله زال بسبب معصية ، فيقع طلاقه عقوبة عليه وزجرا له عن ارتكاب المعصية.

ينظر : "المغني" لابن قدامة (7/289). واستدلوا .

القول الثاني : لا يقع طلاقه ، وهو مذهب الظاهرية والقول الثاني للشافعي وأحمد ، واستقر عليه قول الإمام أحمد ، واستدلوا بأدلة ، منها :

1 - قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) النساء/43، فجعل سبحانه قول السكران غير معتبر ، لأنه لا يعلم ما يقول .

2 - وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يقر بالزنا ، فقال : (أشرب خمرا ؟) فقام رجل وشم فمه فلم يجد منه ريح خمر . رواه مسلم (1695) . وهذا يل على أنه لو كان شرب خمرا ، فلا يقبل إقراره ، فكذلك لا يقع طلاقه .

3- ولأنه قول عثمان بن عفان وابن عباس رضي الله عنهم ، وليس لهما مخالف من الصحابة.

قال الإمام البخاري رحمه الله :

وَقَالَ عُثْمَانُ : لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ .
قال ابن المنذر رحمه الله : هذا ثابت عن عثمان ، ولا نعلم أحدا من الصحابة خلافه .

4 - ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره .

5 - ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم .

6 - ولأن العقل شرط التكليف ولا يتوجه التكليف إلى من لا يفهمه .

وينظر : "مجلة البحوث الإسلامية" (32/252) ، "الموسوعة الفقهية" (29/18)، "الإنصاف" (8/433) .

والقول الثاني قد رجحه جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وأفتى به الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله .

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

هل يقع طلاق السكران ؟ وإن كان يقع فهل يحاسب على تصرفاته المتعدية الأخرى كالزنا والقتل والسرقة ؟ فإن كان كذلك فما الفرق بين الحالتين ؟

فأجاب : " اختلف العلماء في وقوع طلاق السكران ، فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع طلاقه كما يؤخذ بأفعاله ، ولا تكون معصيته عذراً له في إسقاط الطلاق ، كما أنها لا تكون عذراً له من مؤاخذته بأفعاله من قتل أو سرقة أو زنا ، أو غير ذلك .

وذهب بعض أهل العلم إلى أن طلاق السكران لا يقع ، وهذا هو المحفوظ عن الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه ؛ لأنه لا عقل له فلا يؤاخذ بأقواله التي تضر غيره ، والطلاق يضره ويضر غيره فلا يؤاخذ به ؛ لأن عقوبة السكران الجلد وليس من عقوبته إيقاع طلاقه ، وهكذا عتقه

وسائر تصرفاته الأخرى كالبيع والشراء والهبة ونحو ذلك فكلها باطلة .

أما أعماله وأفعاله : فإنه يؤخذ بها ، ولا يكون سكره عذراً له لا في الزنا ، ولا في السرقة ، ولا في القتل ، ولا في غير هذا ؛ لأن الفعل يؤخذ به الإنسان عاقلاً أو غير عاقل ، ولأن السكر قد يتخذ وسيلة إلى ما محرم الله من الأفعال المنكرة ، وقد يحتج به ، فتضيع أحكام هذه المعاصي ، ولهذا أجمع أهل العلم على أخذه بأفعاله .

أما القول : فالصحيح أنه لا يؤخذ به ، فإذا عُلم أنه طلق في السكر عند زوال العقل ، فإن الطلاق لا يقع ، وهكذا لو أعتق عبيده في حال السكر ، أو تصرف بأمواله في حال السكر ، فإنه لا يؤخذ بذلك ، وكذلك إذا باع أو اشترى ، وكذلك جميع التصرفات التي تتعلق بالعقل لا تقع ولا تثبت ؛ لأن ذلك من تصرفاته القولية كما بينا ، وهذا هو المعتمد وهو الذي نفتي به ، وهو أن طلاقه غير واقع متى ثبت سكره حين الطلاق ، وأنه لا عقل له .

وأما إذا كان غير آثم بأن سُقي شراباً لا يعلم أنه مسكر ، أو أجبر عليه ، وأسقي الشرب عمداً بالجبر والإكراه ، فإنه غير آثم ، ولا يقع طلاقه في هذه الحال عند الجميع ؛ لأن سكره ليس عن قصد ، فلا يؤخذ به ، بل هو مظلوم ، أو مغرور "
انتهى من "فتاوى الطلاق" ص (29).

وانظر : "الشرح الممتع" (10/433) ط المكتبة التوفيقية .

وبناء على ذلك ، فلا يقع الطلاق على زوجة المذكور ، ونحمد الله تعالى أن وفقه للتوبة ، وهداه للاستقامة ، ونسأل الله لنا وله الثبات .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 16:06
في ظل عرش الرحمن :
شاب نشأ في عبادة الله !!

السؤال:

عندي سؤال واستفسار عن معنى ( شاب نشأ في طاعة الله ) : أنا شاب ، وعمري الآن 22 سنة ، ولكن للأسف لم أكن من الذين نشؤوا في طاعة الله منذ أن بلغت عمر التكليف ، فأحيانا أصلي وأحيانا أترك الصلاة - عياذاً بالله -

ولكن نويت بإذن الله وتوفيقه أن أتوب وأرجع إلى الله - أطلب منكم الدعاء - وإذا تبت وأنا في هذا العمر وأحسنت التوبة هل يكتب الله لي ممن نشأؤوا على طاعة الله ؟

وكم عمر الذين يشملهم هذا الحديث ؟

. وأسأل الله أن يوفقكم ويحفظكم .

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

الحديث الذي يشير إليه الأخ السائل هو ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ - وفيه : - وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ... ) .

رواه البخاري ( 629 ) ومسلم ( 1031 ) .

ثانياً:

اختلف أهل اللغة ، وتبعهم الفقهاء ، في تحديد سن الشباب متى يبدأ ومتى ينتهي ، والأقرب : أن زمن " الشاب " يبدأ بالبلوغ ، وينتهي إلى الثلاثين ، أو اثنين وثلاثين ، ثم تبدأ مرحلة " الكهولة " .

قال ابن الأثير – رحمه الله - :

والكهل من الرجال : من زاد على الثلاثين سنة إلى الأربعين ، وقيل من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين .

" النهاية في غريب الحديث " ( 4 / 313 ) .

وقال الزبيدي – رحمه الله - :

الشَّبَابُ : الفَتَاءُ والحَدَاثَةُ كالشَّبِيبَة . وقد شَبَّ الغُلامُ يَشِبُّ شَبَاباً وشُبُوباً وشَبِيباً وأَشَبَّهُ اللهُ وأَشَبَّ اللهُ قَرْنَه بمَعْنىً والأَخِيرُ مَجَازٌ والقَرْنُ زِيَادَةٌ في الكَلاَمِ .

وقال مُحَمَّد بنُ حَبِيب : زَمَنُ الغُلُومِيَّة سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً مُنْذُ يُولَدُ إِلى أَن يَسْتَكْمِلَها ثم زَمَنُ الشَّبَابِيَّة مِنْهَا إِلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ إِحْدَى وخَمْسِينَ سنة ثم هُوَ شَيْخٌ إِلَى أَنْ يَمُوتَ .

وقيل : الشَّابُّ : البَالِغُ إِلَى أَنْ يُكَمِّل ثَلاَثِين
.
وقيل : ابنُ سِتَّ عَشَرَةَ إِلى اثْنَتَيْن وثَلاَثِين ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ . انتهى .

" تاج العروس من جواهر القاموس " ( 3 / 92 ) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -
:
الشاب ما بين الخمس عشرة سنة إلى الثلاثين .

" شرح رياض الصالحين " ( 1 / 462 ) .

ثالثاً:

اختلف شرَّاح الحديث في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ) على أقوال ، أشهرها : ثلاثة :

1. أن معناه : أن الشاب كان تربَّى على الطاعة ونما عليها في صغره ، ولم يأت سن الشباب عليه إلا وهو على خير ، فشغل شبابه بالطاعة ، وأفناه فيها .

قال المباركفوي - رحمه الله - :

( نَشَأَ) أي : نما وتربى .

( بعبادة الله ) أي : لا في معصية ، فجوزي بظل العرش ؛ لدوام حراسة نفسه عن مخالفة ربه .

" تحفة الأحوذي " ( 7 / 58 ) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :

( شاب نشأ في عبادة ربه ) : ( نَشَأَ ) منذ الصغر وهو في العبادة ، فهذا صارت العبادة كأنها غريزة له ، فألفها وأحبَّها ، حتى إنه إذا انقطع يوماً من الأيام عن عبادة تأثر .

" شرح صحيح البخاري " ( 3 / 79 ) .

ويدل على هذا التأويل : أثر سلمان رضي الله عنه موقوفاً عليه : ( ورجلٌ أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله ) وهو بمعنى حديث أبي هريرة . وقد رواه سعيد بن منصور في " سننه "

كما قال ابن حجر ، وحسَّنه في " فتح الباري " ( 2 / 144 ) .

2. أن معناه : من كانت حسناته وطاعاته في شبابه أكثر من سيئات وذنوب من نشأ على غير طاعة ثم عبَد ربَّه آخر عمره .

قال أبو الوليد الباجي - رحمه الله - :

( وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ) يحتمل – والله أعلم – أن يريد به : أقل ذنوباًً وأكثر حسنات ممن نشأ في غير عبادة الله عز وجل ، ثم عبَده في آخر عمره وفي شيخوخته .

" المنتقى شرح الموطأ " ( 7 / 273 ) .

رابعاً:

أيها الأخ الكريم ؛ إذا قدر أنه قد فاتك شيء من هذا الفضل ، لأجل الزمان الذي انقضى قبل أن تفرغ للطاعة ، وتنشغل بها ؛ فإنك لا تزال شابّاً ؛ فأر ربَّك من نفسك خير ما عندك من همة تصرفها في طاعته وعبادته .

ثم إن في الحديث نفسه أموراً أخرى تستطيع أن تكون من أهلها ، فيظلك الرب تعالى تحت عرشه يوم القيامة ، فكن ممن يتعلق قلبه بالمساجد ، وكن من المتصدقين بالسر ، وكن من الذاكرين الله تعالى في الخلوة فتفيض عينك بالبكاء ، واجعل محبتك واجتماعك مع إخوان الطاعة ، واتخذ لك منهم صاحبا وخليلا ؛ تجتمعان على طاعة الله ، وتفترقان على محبته .

واحذر – أخي - من كيد الشيطان أن يصدك عن هذه الطاعات والأفعال الجليلة بحجة أنك لم تنشأ في شبابك على الطاعة .

فاحرص على الخير لنفسك ، ولا تترد في أن تبلي شبابك فيما يحب ربك تعالى منك .

وتأمل تلك الهمة العالية ، في الاستمتاع بالشباب ؛ همة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ :

جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ زَمَانٌ ، أَنْ تَمَلَّ ؛ اقْرَأْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ ) .

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!

قَالَ : ( اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ ) .

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!

قَالَ : ( اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ ) .

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!

قَالَ : ( اقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ ) .

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!

( فَأَبَى ) .

رواه أحمد (11/68) ط الرسالة ، وابن ماجة (1346) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة ، ومحققو "المسند" .

ونرجو منك التأمل في الكلام الآتي للشيخ العثيمين رحمه الله فهو منطبق على حالك .

سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

هناك شباب يعودون إلى الله في سن الخامسة والعشرين وفي سن الرابعة والعشرين ، يعني : يكون أثناء البلوغ في ضياع ، ويكون قد عصى الله سبحانه وتعالى وقد يكون تاركاً للصلاة ، فبعد هذا السن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويكون من عباد الله سبحانه وتعالى ، هل يكون داخلاً في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وهو الشاب الذي نشأ في طاعة الله ؟ .

فأجاب :

السن عندهم درجات ، سن الشباب ، وسن الكهولة ، وسن الشيخوخة ، وسن الهرم ، فيرجع إلى هذا ، فالذي في الخامسة والعشرين لا يزال في الشباب ، ولكن مع ذلك لو فرض أنه لم يستقم إلا بعد الثلاثين : فإن الله تعالى يقول في كتابه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/ 68 – 70 .

فهؤلاء الذين تابوا بعد أن كبروا وعملوا عملاً صالحاً يبدِّل الله سيئاتهم حسنات ، ويكتب لهم إن شاء الله ما يكتب لغيرهم ، وإذا قدِّر أنه لم يكن شابّاً : فقد فاتته خصلة من الخصال التي يستحق بها أن يظله الله عز وجل فلا تفته الخصال الأخرى .

" لقاء الباب المفتوح " ( 5 / السؤال رقم 25 ) .

نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن يجعلك من العاملين لدينه ، وأن يظلك تحت ظل عرشه .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 16:11
المراد بكلمة ( ظل ) في حديث
( سبعة يظلهم الله في ظله ... الحديث )

السؤال:

في الحديث الشريف ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ما هو الشيء الذي يسبب الظل ؟

هل هي الشمس ؟

وكلنا نعرف أن الشمس في السماء الدنيا ، والسماء الدنيا كحلقة في صحراء من السماء الثانية ، والسماوات السبع كحلقة في صحراء بالنسبة للعرش فما هو مسبب الظل ؟

وما هو ذلك الظل ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

من الأهوال التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة أن الشمس تدنو من الخلائق قدر ميل ، فقد روى مسلم (2864) عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ ) .

فالناس في ذلك اليوم أحوج ما يكونون لشيء يقيهم حر الشمس ، ولهذا يختص الله بعض خلقه فيظلهم تحت ظله .
روى البخاري (1423) ومسلم (1031) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ،

فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) .

قال النووي رحمه الله : " قَالَ الْقَاضِي : ظَاهِره أَنَّهُ فِي ظِلّه مِنْ الْحَرّ وَالشَّمْس , وَوَهَج الْمَوْقِف وَأَنْفَاس الْخَلْق " انتهى من " شرح النووي لمسلم " .

وروى أحمد (16707) عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي فِي ظِلِّ عَرْشِي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " .

وروى أحمد (16882) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " .

ثانياً :

اختلف العلماء رحمهم في معنى " الظل " في قوله عليه الصلاة والسلام : ( في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) ، فذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بالظل : ظل العرش ، فيحمل المطلق في الأحاديث على المقيد ، فكل حديث فيه إضافة الظل إلى الله تعالى ، فالمقصود به ما قيد في الأحاديث الأخرى بظل العرش.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) خرَّجه مسلم من حديث أبي اليسر الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وخرَّج الإمام أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من نفس عن غريمه ، أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة ) ، وهذا يدل على أن المراد بظل الله : ظل عرشه "

انتهى من " فتح الباري لابن رجب " ( 4 / 63 ) .

واختار آخرون أن المراد بالظل : شيء يخلقه تعالى في ذلك اليوم ، يظلل به من يشاء من عباده .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : " قوله : ( لا ظل إلا ظله ) يعني : إلا الظل الذي يخلقه ، وليس كما توهم بعض الناس أنه ظل ذات الرب عز وجل ، فإن هذا باطل ؛ لأنه يستلزم أن تكون الشمس حينئذ فوق الله عز وجل "

انتهى من " مجموع فتاوى " ( 8 / 497 ) .

وأقرب الأقوال – والعلم عند الله – القول الأول ، وهو الذي عليه أكثر الشرّاح .

وقد سئلت اللجنة الدائمة : ما المراد بالظل المذكور في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) الحديث .

فأجابت : " المراد بالظل في الحديث : هو ظل عرش الرحمن تبارك وتعالى ، كما جاء مفسرا في حديث سلمان رضي الله عنه في " سنن سعيد بن منصور " ، وفيه : ( سبعة يظلهم الله في ظل عرشه ) الحديث . حسن إسناده الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في (الفتح 2/ 144) ..... ، وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " ا

نتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء – المجموعة الثانية - " ( 2 / 487 ) .

ثالثاً :

الوارد في النصوص أنه يظلهم بظل العرش ، فليس لنا أن نتكلف في التشقيق والبحث عن لوازم ذلك : يلزم من ذلك : كذا ، أو يلزم منه كذا ، وعن أي شيء يكون الظل ؟ إلى آخر ما قد يطرأ على الأذهان في ذلك ، مما لا حاجة إليه ، ولا نفع يرتجى من ورائه ؛ وبحسب المسلم أن يصدق بالخبر الوارد في ذلك ، ويأخذ نفسه بالتزام الأعمال التي توجب له تلك الفضيلة الجليلة ، يوم تدنو الشمس من الرؤوس ، ولا ظل هناك ، إلا لمن يكرمه الله بتلك الكرامة .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 16:15
شاب من أهل الاستقامة
مقبل على الزواج ويرغب بنصائح

السؤال :

أنا طالب ، وموظف في نفس الوقت ، وأبلغ من العمر 21 عاماً , ولله الحمد ، محافظ على صلاتي ، وملتزم بأخلاقي ، وديني , ومقبل على الزواج ، فماذا تنصحونني ، بارك الله فيكم ؟

الجواب :

الحمد لله

أخي السائل

جزاك الله خيراً ، وبارك فيك , وزادك توفيقاً ، وعلماً ، وأدباً , ونبشرك بهذا الفضل العظيم الوارد في هذا الحديث ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ - وذكر منهم : - وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ...) رواه البخاري (629) ومسلم (1031) .

وأما ما نود قوله لك ، ونصحك به : فأمور متعددة :

1. الزواج – أخي السائل - راحة ، وطمأنينة ، وسكينة ، وهو خير متاع الدنيا ، وفيه من ذلك ما جعله الله آية للناس ، قال الله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21 .

وهو من أسباب سعادة المرء ، كما جاء في الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ ، مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ : الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ : الْمَرْأَةُ السُّوءُ ، وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ) رواه أحمد (1/168) ، وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب" (2/192) .

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (الدُّنْيَا مَتَاعٌ ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) رواه مسلم (1467) .

2. الزواج مكمل لدين المرء ، كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (مَن رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه الله على شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الثاني) رواه الطبراني في "الأوسط" (1/294) والحاكم في "مستدركه" (2/175) .

وفي رواية : (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدِّين فليتق الله فيما بقي) .

وانظر "السلسلة الصحيحة" (625) .

ومعنى الحديث : أن الزواج يعف المرء عن الزنا ، وبذا يكون أغلق على نفسه باباً من بابي الذنوب ، وهو باب الفرج ، وقد بقي الباب الآخر ، وهو اللسان ، فالحديث يُذَكِّره بنعمة ربه تعالى عليه باستكمال الشطر الأول ، ويأمره بتقوى الله في الشطر الآخر .

وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الفرج واللسان ، في أحاديث كثيرة ، ومنها فهم العلماء هذا الحديث ، ومنها : حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ تَوَكَّلَ لِي مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ) رواه البخاري (6109) .

(ما بين لَحييه) لسانه ، ولَحييه مثنى "لَحي" ، وهو العظم في جانب الفم .

(ما بين رجليه) فرجه .

لذا ؛ فاعلم عظيم نعمة الله تعالى عليك أن وفقك للزواج والعفة ، واتق الله تعالى في لسانك ، فاحفظه عن الغيبة ، والنميمة ، والشتم ، واللعن ، واستعمله فيما يقربك من الله تعالى ، بقراءة كتابه ، وبالتسبيح ، والأدعية ، والأذكار .

3. حتى تتم سعادتك بالزواج على أتم وجه : فلا بد من الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم قبل الزواج , وعند ه وبعده .

أ. أما قبل الزواج : فأن تحرص على اختيار ذات الدِّين , كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ : لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .

ولمعرفة صفات المرأة ذات الدِّين : انظر جواب السؤال رقم : (96584) .

ولا بأس أن تكون على قدر من الجمال ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ ؟ قال : (التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر ، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا وَلا فِي مَالِهِ بِمَا يَكرَهُ) رواه أحمد (2/251) ، وحسَّنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1838) .

وجاء في "شرح منتهى الإرادات" - من كتب الحنابلة - (2/621) : "ويسنُّ أيضاً : تَخَيُّرُ الجميلة ؛ لأنه أسكن لنفسه ، وأغض لبصره ، وأكمل لمودته ؛ ولذلك شرع النظر قبل النكاح" .

وأن تكون ودوداً ولوداً كما جاء في الحديث عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ) رواه أبو داود (2050) والنسائي (3227) وصححه الألباني في "سنن أبو داود" .

ب. وأما عند الزواج – ليلة العرس - : فعليك أن تحرص على أن تبتدئ حياتك الزوجية بغير معصية ربك تعالى ، فتحذر من منكرات الأعراس التي انتشرت عند كثير من المتزوجين , كاستخدام المعازف ، وآلات اللهو , واختلاط الرجال بالنساء , والمبالغة والإسراف في تكاليف العرس .

وأن تتحرى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة ، من ملاطفة الزوجة قبل الدخول , ووضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها ، وغيرها من الآداب الجليلة .

وللوقوف على جملة من الآداب المتعلقة بالزواج : انظر كتاب الشيخ الألباني رحمه الله " آداب الزفاف " .

ج. وأما بعد الزواج : فأن تحرص على الإحسان إلى زوجتك والرفق بها , وأداء حقها , وعدم أذيتها , وتعليمها ما تحتاجه من أمر دينها .

فعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع : (أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ) رواه الترمذي (1163) وصححه ، وابن ماجه (1851) وحسنه الألباني في "سنن أبو داود" .

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) رواه الترمذي ( 3895 ) وصححه الألباني في "سنن الترمذي" .

ونسأل الله سبحانه أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على أمر دينك ودنياك .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 16:18
لا تدل الآية الكريمة على أن سن
الأربعين هو حد الحساب والعقاب

السؤال:

قال الله تعالى : ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ) الأحقاف/15 إلى آخر الآية ، لماذا اختص الله هذا السن ؟

وهل هذا يدل أن الشباب لديهم فسحة من دينهم ؟

الجواب :

الحمد لله

اختصاص سن الأربعين بالذكر في هذه الآية الكريمة دليل على أنه سن استيفاء كمال العقل والفهم ، وذروة تمام نعمة الله على الإنسان في كمال القوى التي منحه الله إياها

وهي مرحلة زائدة على بلوغ الأشد الذي يتم ببلوغ الحلم ، يقول الله عز وجل : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الأحقاف/15

يقول الإمام القرطبي رحمه الله :

" ذكر عز وجل أن من بلغ أربعين فقد آن له أن يعلم مقدار نعم الله عليه وعلى والديه ويشكرها ، قال مالك : أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا ، ويخالطون الناس ، حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة ، فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس "

انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (7/276)

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" ( حتى إذا بلغ أشده ) أي : قوي وشب وارتجل ( وبلغ أربعين سنة ) أي : تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه ، ويقال : إنه لا يتغير غالبا عما يكون عليه ابن الأربعين ، وقال مسروق : إذا بلغت الأربعين فخذ حذرك ، ( قال رب أوزعني ) أي : ألهمني ( أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه

) أي : في المستقبل ( وأصلح لي في ذريتي ) أي : نسلي وعقبي ، ( إني تبت إليك وإني من المسلمين )، وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها "

انتهى باختصار من " تفسير القرآن العظيم " (7/280-281) .

ويقول الإمام الشوكاني رحمه الله :

" ( بلغ أشده ) قيل : بلغ عمره ثماني عشرة سنة ، وقيل : الأشد الحلم ، قاله الشعبي وابن زيد . وقال الحسن : هو بلوغ الأربعين ، والأول أولى ؛ لقوله : ( وبلغ أربعين سنة ) فإن هذا يفيد أن بلوغ الأربعين هو شيء وراء بلوغ الأشد ، قال المفسرون : لم يبعث الله نبيا قط إلا بعد أربعين سنة ، وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات "

انتهى من " فتح القدير " (5/22) .

والحاصل أن

سن الأربعين ليس هو حد الحساب والعقاب ، ولا تدل الآية بوجه من الوجوه أن الشباب في فسحة من دينهم ، فالبلوغ هو مناط التكليف وسن المحاسبة ، بدليل الحديث المشهور من قوله صلى الله عليه وسلم : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) رواه أبوداود (رقم/4403) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "

ولكن المقصود في الآية أن سن الأربعين هو سن تمام استواء البنية العقلية والجسمية ، فذلك أحرى أن يشكر نعمة الله تعالى عليه ، ويبذل عمره في طاعة الله .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 16:21
متى تحتجب الفتاة ؟

السؤال

إذا بدأ شعر جسم الفتاة ينمو فهل يجب عليها أن ترتدي الحجاب الكامل ؟.

الجواب

الحمد لله

لا يعتبر الشخص مكلفاً إلا بعد البلوغ ، أما قبل البلوغ فلا تكليف عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ : عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ ) رواه أبو داود (4402) ، وعلى هذا فيجب على الفتاة أن ترتدي الحجاب الكامل إذا بلغت , وللبلوغ ثلاث علامات مشتركة بين الذكر والأنثى :

1- الاحتلام .

2- نبات الشعر الخشن حول العانة .

3- بلوغ خمس عشرة سنة .

وتزيد الأنثى بأمر رابع وهو :

4- الحيض .

فإذا حصل للفتاة إحدى علامات البلوغ هذه وجب عليها الإتيان بجميع الواجبات واجتناب جميع المحرمات ، ومن الواجبات ارتداء الحجاب .

ولكن ينبغي لولي أمر الفتاة أن يُعوِّدها على الالتزام بالواجبات واجتناب المحرمات قبل البلوغ , حتى تنشأ على ذلك , فلا يشق عليها الالتزام بها بعد البلوغ ، وهذا من الأصول التربوية المقررة في الشريعة .

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين , واضربوهم عليها وهم أبناء عشر , وفرقوا بينهم في المضاجع " رواه أبو داود (495) وأحمد (2/187) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .

وجاء هذا المعنى من حديث سبرة بن معبد عند أبي داود (494) والترمذي (407) وقال : حسن صحيح . والحديث صححه الألباني في "الإرواء" (247) .

وروى البخاري (1960) ومسلم (1136) في " صحيحيهما " من حديث الرُّبيع بنت معوذ في ذكر صيام عاشوراء عندما فرض صيامه على المسلمين , وفيه : فكنا بعد ذلك نصومه _ يعني عاشوراء _ ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم ، إن شاء الله , ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن _ وهو الصوف _ , فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار .

وفي رواية لمسلم : فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم .

قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (8/14) : ( في هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات , ولكنهم ليسوا مكلفين ) ا.هـ

وقال ابن القيم في "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص :162) : ( والصبي وإن لم يكن مكلفا فوليه مكلف ، لا يحل له تمكينه من المحرم , فإنه يعتاده ويعسر فطامه عنه ) ا.هـ

وإذا قاربت الفتاة البلوغ فإنه يُخشى أن يكون عدم ارتدائها الحجاب سبباً لفتنة الشباب بها ، وفتنتها بهم .

ولذلك ينبغي لوليها في هذه الحال أن يلزمها بالحجاب ، سداً للذريعة ومنعاً للمفسدة .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 16:26
مس الجنُّ للإنس والأحكام المترتبة على المس

السؤال

هل يمكن أن يمس الجن الناس ؟

إذا كان ذلك ممكنا ، فكيف يمكن أن يتحمل الإنسان المسؤولية عن أعماله عند التلبس يوم القيامة ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نعم ، يمكن للجن أن يصيب الإنس بمس ، وقد ذكره الله تعالى في كتابه , في قوله : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) البقرة/275 .

اخوة الاسلام

لادينا موضوع شامل يتكلم عن هذا الامر

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2135246

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة ، قال الله تعالى : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) البقرة /275، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) " انتهى .

" مجموع الفتاوى " ( 24 / 276 ، 277 ) .

ثانياً :

المس نوع من المرض , فإذا كان الإنسان مع وجود هذا المرض عاقلاً وله اختيار فهو مؤاخذ بأقواله وأفعاله , أما إذا غلب عليه هذا المرض بحيث أفقده عقله واختياره فهو كالمجنون لا تكليف عليه . ولهذا يطلق في اللغة "المس" على "الجنون"

انظر : "لسان العرب" (6/217) .

غير أنه إذا اعتدى على أحد وقت جنونه , وأتلف ماله – مثلاً - فإنه يضمن هذا المال لصاحبه .

وانظر : "زاد العاد" (4/66-71) .

جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 16 / 106 ) :

" أجمع الفقهاء على أن الجنون كالإغماء والنوم , بل هو أشد منهما في فوات الاختيار وتبطل عبارات المغمى عليه , والنائم في التصرفات القولية , كالطلاق , والإسلام , والردة , والبيع , والشراء وغيرها من التصرفات القولية , فبطلانها بالجنون أولى ; لأن المجنون عديم العقل والتمييز والأهلية ,

واستدلوا لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام : ( رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ : عن النائمِ حتى يستيقظَ ، وعَن الصبِيِّ حَتى يَحتلمَ ، وعَن المجنونِ حتى يَعْقل ) - رواه أهل السنن بإسناد صحيح - ، ومثل ذلك كل تصرف قولي لما فيه من الضرر " انتهى .

وفي ( 16 / 107 ) :

" وأما بالنسبة لحقوق العباد كالضمان ونحوه : فلا يسقط ; لأنه ليس تكليفا له , بل هو تكليف للولي بأداء الحق المالي المستحق في مال المجنون , فإذا وقعت منه جرائم , أخذ بها ماليا لا بدنيا , وإذا أتلف مال إنسان وهو مجنون وجب عليه الضمان , وإذا قتل فلا قصاص وتجب دية القتيل " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 16:30
حكم الجهاد وأنواعه

السؤال

في هذا الوقت وهذا العمر ، هل الجهاد فرض على كل رجل قادر عليه ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الجهاد مراتب ، منها ما هو واجب على كل مكلف ، ومنها هو واجب على الكفاية ، إذا قام به بعض المكلفين سقط التكليف عن الباقين ، ومنها ما هو مستحب .

فجهاد النفس وجهاد الشيطان واجبان على كلِّ مكلف ، وجهاد المنافقين والكفار وأرباب الظلم والبدع والمنكرات واجب على الكفاية ، وقد يتعين جهاد الكفار باليد على كل قادر في حالات معينة يأتي ذكرها .

قال ابن القيم رحمه الله :

"إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب : جهاد النفس ، وجهاد الشيطان ، وجهاد الكفار ، وجهاد المنافقين .

فجهاد النفس أربع مراتب أيضاً :

إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين .

الثانية : أن يجاهدها على العمل به بعد علمه ، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .

الثالثة : أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله .

الرابعة : أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله .

فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين ، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلّمه فمن علِم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات .

وأما جهاد الشيطان فمرتبتان :

إحداهما : جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان .

الثانية : جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات .

فالجهاد الأول يكون بعده اليقين ، والثاني يكون بعده الصبر ، قال تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } السجدة/24 ، فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين ، فالصبر يدفع الشهوات ، والإرادات الفاسدة ، واليقين يدفع الشكوك والشبهات .

وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب :

بالقلب واللسان والمال والنفس .

وجهاد الكفار أخص باليد ، وجهاد المنافقين أخص باللسان .

وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب :

الأولى : باليد إذا قدر ، فإن عجز انتقل إلى اللسان ، فإن عجز جاهد بقبله .

فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد ، و " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " – رواه مسلم ( 1910) - " انتهى من " زاد المعاد ( 3 / 9 – 11 ) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

"الجهاد أقسام : بالنفس ، والمال ، والدعاء ، والتوجيه والإرشاد ، والإعانة على الخير من أي طريق ، وأعظم الجهاد : الجهاد بالنفس ، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه ، والدعوة كذلك من الجهاد ، فالجهاد بالنفس أعلاها ".

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 7 / 334 ، 335 ) .

ثانياً :

وجهاد الكفار باليد مرَّ في مراحل متنوعة بحسب الحال الذي كانت عليه أمة الإسلام :

قال ابن القيم رحمه الله :

"أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أول نبوته فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ ، ثم أنزل عليه( يا أيها المدثر قم فأنذر ) فنبأه بقوله { اقرأ } ، وأرسله بـ{ يا أيها المدثر} .

ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين ، ثم أنذر قومه ، ثم أنذر من حولهم من العرب ، ثم أنذر العرب قاطبة ، ثم أنذر العالمين ، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح .

ثم أُذن له في الهجرة ، وأذن له في القتال .

ثم أمره أن يقاتل مَن قاتله ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله .

ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله له .

ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام : أهل صلح وهدنة ، وأهل حرب ، وأهل ذمة" .

" زاد المعاد " ( 3 / 159 ) .

ثالثاً :

الجهاد باليد للكفار : فرض على الكفاية :

قال ابن قدامة رحمه الله :

" ( والجهاد فرض على الكفاية ، إذا قام به قوم ، سقط عن الباقين ) :

معنى فرض الكفاية ، الذي إن لم يقم به من يكفي ، أثم الناس كلهم ، وإن قام به من يكفي ، سقط عن سائر الناس . فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع ، كفرض الأعيان ، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له ، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات ، في قول عامة أهل العلم" .

" المغني " ( 9 / 163 ) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز :

"سبق أن بينَّا أكثر من مرة أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين ، وعلى جميع المسلمين أن يجاهدوا في نصر إخوانهم بالنفس والمال والسلاح والدعوة والمشورة ، فإذا خرج منهم من يكفي : سلم الجميع من الإثم ، وإذا تركوه كلهم أثموا جميعاً .

فعلى المسلمين في المملكة وإفريقيا والمغرب وغيرها أن يبذلوا طاقتهم ، والأقرب فالأقرب ، فإذا حصلت الكفاية من دولة أو دولتين أو ثلاث أو أكثر سقط عن الباقين ، وهم مستحقون للنصر والتأييد ، والواجب مساعدتهم ضد عدوهم ؛ لأنهم مظلومون ، والله أمر بالجهاد للجميع ، وعليهم أن يجاهدوا ضد أعداء الله حتى ينصروا إخوانهم ، وإذا تركوا ذلك أثموا ، وإذا قام به من يكفي : سقط الإثم عن الباقين ".

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 7 / 335 ) .

رابعاً :

ويكون جهاد الكفار باليد واجباً متعيناً في أربع حالات هي :

1- إذا حضر المسلم الجهاد.

2- إذا حضر العدو وحاصر البلد .

3- إذا استنفر الإمام الرعية يجب عليها أن تنفر .

4- إذا احتيج إلى ذلك الشخص ولا يسد أحد مسدَّه إلا هو .

يقول الشيخ ابن عثيمين :

"يجب الجهاد ويكون فرض عين إذا حضر الإنسان القتال وهذا هو المواضع الأول من المواضيع التي يتعين فيها الجهاد ؛ لقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} الأنفال/16 ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أن التولي يوم الزحف من الموبقات حيث قال: " اجتنبوا السبع الموبقات ، وذكر منها التولي يوم الزحف " متفق عليه إلا أن الله تعالى استثنى حالتين :

الأولى : أن يكون متحَرّفاً لقتال بمعنى أن يذهب لأجل أن يأتي بقوة أكثر.

الثانية : أن يكون منحازاً إلى فئة بحيث يذكر له أن فئة من المسلمين من الجانب الآخر تكاد تنهزم فيذهب من أجل أن يتحيز إليها تقوية لها ، وهذه الحالة يشترط فيها : أن لا يخاف على الفئة التي هو فيها ، فإن خيف على الفئة التي هو فيها فإنه لا يجوز أن يذهب إلى الفئة الأخرى ، فيكون في هذا الحالة فرض عين عليه لا يجوز له الانصراف عنه.

الثاني: إذا حصر بلده العدو فيجب عليه القتال دفاعاً عن البلد ، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال ؛ لأن العدو إذا حصر البلد فلا بد من الدفاع ؛ إذ إن العدو سيمنع الخروج من هذا البلد ، والدخول إليه ، وما يأتي لهم من الأرزاق ، وغير ذلك مما هو معروف ، ففي هذا الحال يجب أن يقاتل أهل البلد دفاعاً عن بلدهم .

الثالث : إذا قال الإمام انفروا ، والإمام هو ولي الأمر الأعلى في الدولة ، ولا يشترط أن يكون إماماً للمسلمين ؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: " اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي " ، فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام ، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً" .

انتهى من " الشرح الممتع " ( 8 /10 )

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-23, 16:33
هل تلبس المرأة الحجاب في الجنة أيضا ؟

السؤال

سمعت أن المرأة المسلمة ستكون بحجاب إسلامي في الجنة أيضاً ، أم إنها لن تكون قادرة على رؤية الرجال غير المحارم ، كنت أعرف أن النساء تلبس النقاب والحجاب الإسلامي في الدنيا فقط . من فضلكم أحتاج توضيحاً ، لأن شخصاً أخبرني بحديث يتعلق بهذه المسألة ؟

الجواب

الحمد لله

الجنة دار نعيم وليست دار تكليف ، وقد خلق الله فيها من النعيم ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قال الله تعالى : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/17

فلا ينبغي للمسلم أن يتكلف السؤال عن تفاصيل ما في الجنة ، مما قد يراه في الدنيا قيدا أو مشقة ، فالجنة عالم آخر ، ليس في الدنيا منه إلا الأسماء فقط ، وأما حقائق الأمور فتختلف تماما ، فمن التكلف أن ندقق النظر في كل ما يذكر في الجنة على مثال ما هو في الدنيا .

ومن أخص ما ورد في العلاقة بين الرجال والنساء غير المحارم غض البصر وقصر النظر عن حظوظ الآخرين من نعيم الجنة ، قول الله تعالى : ( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ) الرحمن/56 ، ولكنه في وصف الحور العين ، فهل فيه دلالة على لحوق الأمر باقي النساء ، هذا محل تردد .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" ( قاصرات الطرف ) أي غضيضات عن غير أزواجهن ، فلا يرين شيئا في الجنة أحسن من أزواجهن : قاله ابن عباس ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ، وابن زيد ، وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها : والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، ولا في الجنة شيئا أحب إلي منك ، فالحمد لله الذي جعلك لي وجعلني لك " انتهى.

"تفسير القرآن العظيم" (7/504)

وأما لبس الخمار أو غطاء الرأس فلم نقف فيه أيضا على خبر يبينه تفصيلا ، وإنما وردت إشارة إليه في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ - يَعْنِي سَوْطَهُ - خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا )

رواه البخاري ( حديث رقم/2796) .

قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله :

" النصيف : الخمار " انتهى.

"غريب الحديث" (2/166)

ولكن ذلك غيرُ كافٍ للجزم بأن نساء الجنة يغطين رؤوسهن لزاما ، لأسباب ثلاثة :

1- تفسير بعض العلماء لكلمة " نصيف " بأنه العصابة التي تلفها المرأة على استدارة رأسها ، وهذه لا تغطي الرأس ، وإنما تلبسها المرأة للتجمل والتزين .

2- سياق الحديث لا يسعف في الدلالة على ذلك ، إذ المقصود من الحديث بيان شدة جمال نساء أهل الجنة والحور العين ، حتى إن أدنى شيء تلبسه خير من متاع الدنيا كله ، وليس المقصود خصوص " النصيف " بعينه . وقد وردت رواية أخرى جاء فيها : ( ولتاجها على رأسها ) .

3- ثم إن هذا الذكر العرضي للنصيف لا يعني لبس جميع النساء له ، وفي جميع الأوقات والأماكن ، وأمام جميع الناس ، وإطلاق ذلك يحتاج دليلا خاصا ، ولا نجده .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : " وَلَنَصِيفُها " فسر في الحديث بالخِمار ، وهذا التفسير من قتيبة ، فقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر بدونه .

وقد وقع في رواية الطبراني : ( وَلَتاجُها على رأسها ) .

وحكى أبو عبيد الهروي أن " النصيف " : المِعجَر ، وهو ما تلويه المرأة على رأسها .

وقال الأزهري : هو كالعصابة تلفها المرأة على استدارة رأسها ، واعتجر الرجل بعمامته لفها على رأسه ، ورد طرفها على وجهه ، وشيئا منها تحت ذقنه " انتهى.

"فتح الباري" (11/442)

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-25, 15:32
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

كيف همّ يوسف بامرأة العزيز مع أنه عفيف

السؤال

ما تفسير الآية : ( ولقد همّت به وهمّ بها ) في سورة يوسف ، مع أن يوسف عليه السلام " عفيف " وقد رفض الانصياع لنزوة امرأة العزيز ، فكيف يهمّ بها ؟.

الجواب

الحمد لله

قال تعالى : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ ) يوسف/24

كان همها للمعصية ، أما يوسف عليه السلام فإنه لو لم ير برهان ربه لَهَمَّ بها - لطبع البشر - ولكنه لم يهم ؛ لوجود البرهان .

إذًا في الكلام تقديم وتأخير ، أي : لولا أن رأى برهان ربه لَهَمَّ بها .

قال أبو حاتم : كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة ، فلما أتيت على قوله : ( ولقد همت به وهم بها ) قال أبو عبيد : هذا على التقديم والتأخير ؛ كأنه أراد : ولقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها.

القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 9/165 .

وقال الشنقيطي في أضواء البيان [ 3/58 ] .

" الجواب عنه من وجهين :

الأول : أن المراد بِهَمِّ يوسف خاطر قلبي صرفه عنه وازع التقوى ، وقال بعضهم : هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى ، وهذا لا معصية فيه ؛ لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف ، كما في الحديث : أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما لا أملك ) يعني ميل القلب . أبو داود ، السنن ، رقم الحديث 2134 .

ومثل هذا ميل الصائم إلى الماء البارد والطعام مع أن تقواه تمنعه من الشرب والأكل وهو صائم .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( من هم بسيئة فلم يفعلها كتبت له حسنة كاملة ) أخرجه البخاري في صحيحه برقم 6491 ، ومسلم برقم 207 .

الجواب الثاني : أن يوسف عليه السلام لم يقع منه الهم أصلاً ، بل هو منفي عنه لوجود البرهان .

إلى أن قال : هذا الوجه الذي اختاره أبو حسان وغيره هو أجرى على قواعد اللغة العربية " اهـ .

ثم بدأ يستطرد الأدلة على ما رجحه ، وبناء على ما تقدم فإن معنى الآية والله أعلم أن يوسف عليه السلام لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، ولكنه لما رأى برهان ربه لم يهم بها ، ولم يحصل منه أصلاً .

وكذلك فإن مجرد الهم بالشيء دون فعله لا يعد خطيئة .

والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبيه الكريم .

*عبدالرحمن*
2018-03-25, 15:37
ظهرت علامات البلوغ على بناتها وهن في سن صغيرة

السؤال :

رزقني الله بطفلتين صحيحتين ، الأولى بدأت تظهر عليها بعض علامات البلوغ وهي في سن الخامسة ، فبدأ شعر الإبط بالظهور، وفي سن السادسة ظهر شعر العانة كاملاً ، وفي سن السابعة بدأ ثدياها بالبروز ، والآن هي في الثامنة . أما الصغرى فقد ظهر شعر الفرج عندما كانت في الثالثة ، وهي الآن في السادسة وقد ظهر شعر الإبط كذلك .

سؤالي هو:

هل يعني هذا أن بناتي بلغن سن التكليف وأنهن أصبحن مؤاخذات على أفعالهن ؟ إنهن ما زلن صغيرات ولا يفهمن شيئاً، وهذا أمر محزن .

الجواب :

الحمد لله

يعرف البلوغ بعلامات حددها أهل العلم ، ومن بين هذه العلامات : نبات الشعر في أماكن معينة من الجسم .
والشعر الذي يحصل البلوغ بنباته هو الشعر الذي ينبت حول العانة : ذكر الغلام ، أو فرج البنت ، وأما شعر الإبط ، واللحية ، والشارب : فلا يحصل البلوغ بمجرد نبات شيء منها .

ثم إنه ليس كل شعر ينبت حول العانة يحصل به البلوغ ، بل المعتبر فيه : أن يكون شعرا كثيفا يحتاج إلى حلقه بالموسى ونحوه ، وأما الشعر الخفيف الذي لا يحتاج إلى حلق ، فلا يحصل به البلوغ .

فإذا ظهر شيء من علامات البلوغ على ابنتيك ، على الحد السابق بيانه : فهذا يعني أن من ظهر عليها ذلك : قد بلغت حد التكليف والمسؤولية .
وليس في هذا شيء من الضرر عليك ، أو على ابنتيك ، إن شاء الله ؛ بل هذا شيء قدره الله عليهما ، فعلينا التكيف معه بحفظ حدود الله ، وعدم تعديها ، وتعظيم حرماته ، والواجب عليك أن تربي بناتك على ذلك الأمر ، وتعتني بمراقبتهما ونصحهما وتعليمهما وسؤال الله أن يحفظهما من الزلل وألا يكلفهما ما لا طاقة لهما به ، ولك الأجر بإذن الله في كل ذلك .

على أنه من المحتمل جدا : أن يكون هناك خلل ما في الهرمونات ، أو في الغدد المسببة لذلك في الجسم ، أورث ذلك الأمر ؛ فإن وجود مثل هذه العلامات في سن مبكر : يدعو للشك في الأمر ، ولذلك ننصحك بعرض ابنتيك على طبيب متخصص ، فلعلهما تحتاجان لمراقبة طبية .

وفقك الله ، وحفظ عليك ابنتيك ، وأنبتهما نباتا طيبا ، وأعانك على تربيتهما التربية الإسلامية الصحيحة .

والله أعلم .

اخوة الاسلام

وقد تقدم هذا الامر شرحه بالتفصيل

*عبدالرحمن*
2018-03-25, 15:40
الأحاديث الواردة في فضل طول العمر في الإسلام

السؤال

ما رأيكم في هذه الأحاديث ؟ 17555- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه - رفع الحديث – قال ‏:‏ (‏المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالده - أو لوالديه - ، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه

فإذا بلغ الحنث جرى عليه القلم ، أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا ، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمَّنه الله من البلايا الثلاثة ‏:‏ الجنون والجذام والبرص

فإذا بلغ الخمسين خفف الله حسابه ، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة بما يحب ، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفَّعه في أهل بيته ، وكان أسير الله في أرضه ، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئاً كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير ، فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه‏) 17556-

وفي رواية ‏:‏ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ (‏ما من مسلم يعمر في الإسلام . ‏فذكر نحوه وقال ‏:‏ ‏فإذا بلغ السبعين سنة في الإسلام أحبه الله وأحبه أهل السماء) 17557-

وفي رواية ‏:‏ (‏إذا بلغ سبعين سنة في الإسلام أحبه أهل السماء وأهل الأرض)‏ 17558- وفي رواية ‏:‏ (‏فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إلى الله بما يحب الله ، فإذا بلغ السبعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وكان أسير الله في أرضه ، وشفع في أهل بيته‏) رواها كلها أبو يعلى بأسانيد‏.‏ 17559-

ورواه أحمد موقوفاً باختصار وقال فيه ‏:‏ (‏فإذا بلغ الستين رزقه الله عز وجل إنابة يحبه عليها)‏ 17560- وروى بعده بسنده إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثله‏.‏ من "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " المجلد العاشر.

الجواب :

الحمد لله

الحديث الوارد بهذا المعنى جاء عن سبعة من الصحابة رضوان الله عليهم ، وهم : أنس بن مالك ، وعثمان بن عفان ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وشداد بن أوس ، وعبد الله بن أبي بكر الصديق ، وأشهر هذه الأحاديث حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقد جاء من طرق كثيرة ، روى بعضها الحافظ أبو يعلى في " المسند " (6/351) .

وبعد الاطلاع على كلام أهل العلم على هذه الأحاديث ، تبين أنها كلها ضعيفة ضعفا لا ينجبر ولا يتقوى بتعدد الطرق والأسانيد ، وأنها مثال على الأحاديث التي تكثر طرقها ولكن لا تزيدها إلا ضعفا بسبب وجود المجاهيل والمناكير في أسانيدها .

قال الإمام البيهقي رحمه الله :

"روي هذا من أوجه أخر عن أنس رضي الله عنه ، وروي عن عثمان وكل ذلك ضعيف" انتهى .

"الزهد" (646) .

وقال ابن الجوزي رحمه الله :

" هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.

" الموضوعات " (1/180) .

وقال الحافظ العراقي رحمه الله :

" موضوع قطعا " انتهى.

" القول المسدد " للحافظ ابن حجر (9) .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" هذا حديث غريب جدا ، وفيه نكارة شديدة " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (5/397) .

وضَعَّف الحديثَ محققو مسند الإمام أحمد من جميع طرقه (21/12) طبعة مؤسسة الرسالة .

وكذا ضعفه العلامة المعلمي اليماني في تعليقه على " الفوائد المجموعة " (ص/482) وقال :

" واعلم أن هذا الخبر يتضمن معذرة وفضيلة للمسنين وإن كانوا مفرطين أو مسرفين على أنفسهم ، فمن ثَمَّ أولع به الناس ، يحتاج إليه الرجل ليعذر عن نفسه ، أو عمن يتقرب إليه

فإما أن يقويه ، وإما أن يركب له إسناداً جديداً ، أو يلقنه من يقبل التلقين ، أو يدخله على غير ضابط من الصادقين ، أو يدلسه عن الكذابين ، أو على الأقل يرويه عنهم ، ساكتا عن بيان حاله " انتهى.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

" وجدت نفسي لا تطمئن لتصحيح هذا الحديث وَإِنْ كان معناه يوافق هوى النفس ؛ فقد بلغت الخامسة والسبعين ! أضف إلى ذلك أنه لا يلتقي مع قوله صلى الله عليه وسلم : ( أعذر الله إلى امرئ أُخِّرَ أجله حتى بلغ ستين سنة ) رواه البخاري وغيره . وهو مخرج مع بعض شواهده في " الصحيحة " برقم ( 1089 )

. قال الحافظ في " الفتح " ( 10 / 240 )

: " الإعذار : إزالة العذر . والمعنى : أنه لم يبق له اعتذار ، كأن يقول : لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به . .... وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له ؛ فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة ، والإقبال على الآخرة بالكلية " انتهى.

" السلسلة الضعيفة " (5983-5984) .

على أن الحديث ـ إن صح ـ فله معنى صحيح ، وهو أن يُحمل الحديث على أهل الاستقامة ، فهؤلاء يكرمهم الله تعالى بما جاء في هذا الحديث ، أما الفسقة الفجرة فلا يستحقون مثل هذا الإكرام .

قال الحافظ بن حجر :

"على أن للحديث عندي مخرجا لا يرد عليه شيء من هذا على تقدير الصحة وذلك أنه وإن كان لفظه عاما فهو مخصوص ببعض الناس دون بعض ، لأن عمومه يتناول الناس كلهم

وهو مخصوص قطعا بالمسلمين ، لأن الكفار لا يحميهم الله ، ولا يتجاوز عن سيئاتهم ، ولا يغفر ذنوبهم ، ولا يشفعهم ، وإذا تعين أن لفظة العام محمول على أمر خاص فيجوز أن يكون ذلك خاصا أيضا ببعض المسلمين دون بعض ، فيخص مثلا بغير الفاسق ، ويحمل على أهل الخير والصلاح

فلا مانع لمن كان بهذه الصفة أن يمن الله تعالى عليه بما ذكر في الخبر ، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه البيان والله المستعان" انتهى .

" القول المسدد " (22-24).

فائدة :

ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه صيد الخاطر" (ص/278) موعظة ، لاعتبار الإنسان بما يمر من زمانه ، وما يستقبل منه فقال :

"العاقل من فهم مقادير الزمان ؛ فإنه فيما قبل البلوغ صبي ، ليس على عمره عيار ....

فإذا بلغ فليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى ، وتعلم العلم ، فإذا رزق الأولاد ، فهو زمان الكسب للمعاملة ، فإذا بلغ الأربعين ، انتهى تمامه ، وقضى مناسك الأجل ، ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن .

كأن الفتى يرقى من العمر سلمًا ... إلى أن يجوز الأربعين وينحطُّ

فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة ، ويكون كل تلمحه لما بين يديه ، ويأخذ في الاستعداد للرحيل ، وإن كان الخطاب بهذا لابن عشرين ، إلا أن رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير .

فإذا بلغ الستين ؛ فقد أعذر الله إليه في الأجل ، وجاز من الزمن ، فليقبل بكليته على جمع زاده ، وتهيئة آلات السفر ، وليعتقد أن كل يومٍ يحيا فيه غنيمة ، ما هي في الحساب ، خصوصًا إذا قوي عليه الضعف وزاد .

وكلما علت سنه فينبغي أن يزيد اجتهاده .

فإذا دخل في عشر الثمانين ليس إلا الوداع ، وما بقي من العمر إلا أسف على تفريط ، أو تعبد على ضعف .

نسأل الله عز وجل يقظة تامة ، تصرف عنا رقاد الغفلات ، وعملًا صالحًا نأمن معه من الندم يوم الانتقال . والله الموفق " انتهى.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-25, 15:45
في معنى حديث " أن المرأة خلقت
من ضلع " وهل هي مجبرة

السؤال :

المرأة خلقت من ضلع ، فهل معنى الحديث أن المرأة مجبرة على الاعوجاج في أخلاقها ؛ لأنها خلقت من ضلع ؟

وهل معنى الحديث أنها لن تحاسب على بعض ذنوبها ، أم أنها ستحاسب كما يحاسب الرجل ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

من المعلوم من دين الله عز وجل بالضرورة : أن المرأة والرجل سواء في خطاب الشرع ، وأن الله تعالى وعد المؤمنين والمؤمنات بالجزاء العظيم سواء بسواء ، فقال سبحانه : ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) النساء/124

وقال عز وجل: ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) . الأحزاب/35 .

وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) . غافر/40

والأصل أن خطاب الشرع عام، يشمل الرجال والنساء، إلا ما كان خاصا بالنساء ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم عن النساء : ( إنما هن شقائق الرجال ). أخرجه البزار في مسنده (6418) ، وصححه ابن القطان في "الوهم والإيهام" (5/271) والشيخ الالباني في "السلسلة الصحيحة" (2863) . أي: أنهما سواء في الواجبات والمحرمات، إلا ما استُثني كسقوط وجوب الجهاد على النساء ، وسقوط وجوب الصلاة حال الحيض والنفاس ، وغير ذلك .

وإنما كان الخطاب غالبا في القرآن والسنة للرجال: من باب التغليب فقط، وليس من باب التخصيص. قال ابن العربي المالكي في "المسالك" (2/423) :" وقد روي ( أن النساء شقائق الرجال ) ؛ يعني: أن الخلقة فيهم واحدة، والحكم فيهم بالشريعة سواء ". انتهى .

وهذه مسألة أجمع عليها أهل العلم

قال الرجراجي في "رفع النقاب عن تنقيح الشهاب" (3/217) :

" انعقد الإجماع على أن النساء والرجال سواء في التكاليف الشرعية، إلا ما دل عليه الدليل ". انتهى

ثانيا :

جعل الله الإنسان قادرا على الاستجابة للشرع وأوامره ونواهيه ، وهذا هو مناط التكليف في هذه الدنيا: أن يكون عالما بالأمر الشرعي ، قادرا على تنفيذه .

فكل التكاليف الشرعية في مقدور العبد، ذكرا كان أو أنثى ، قال الله تعالى : ( وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ). المؤمنون/62 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، في "منهاج السنة النبوية.(5/110)

:" فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}الأعراف/32 ، وَقَوْلِهِ: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة/233

وَقَوْلِهِ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} الطلاق/7، وَأَمَرَ بِتَقْوَاهُ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ فَقَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن /16، وَقَدْ دَعَاهُ الْمُؤْمِنُونَ بِقَوْلِهِمْ: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} البقرة/286 فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. فَدَلَّتْ هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا مَا تَعْجِزُ عَنْهُ ". انتهى

ثالثا :

من المعلوم أن المرأة قد اختصها الله تعالى ببعض الصفات الخَلقية والخُلقية عن الرجل ، كما قال تبارك وتعالى : ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ) آل عمران /36 ، ولذا كانت هناك أحكام خاصة بالمرأة مثل سقوط وجوب الصلاة والصوم حال الحيض والنفاس مع وجوب قضاء الصيام ، دون الصلاة ، بعد الطهر، وعدم وجوب الجهاد ، وكذا عدم وجوب النفقة على زوجها .

ومنع الشرع من إعطائها الولاية على الرجال ، وجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل ، كل هذا وغيره من لدن حكيم خبير الذي قال : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) . الأعراف /54

ومن هذه الخصائص والصفات التي جعلها الله في المرأة دون الرجل: ما ذكره السائل الكريم ، وهو أنها خلقت من ضِلَعٍ .

وقد ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري في "صحيحه" (3331) ومسلم في "صحيحه" (1468) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ » .

ولفظ " مسلم " : ( إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا ، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا ) .

وقد اختلف أهل العلم في معنى (خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ) : هل هو مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ أَوْ مِنْ عِوَجٍ ؟

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (5/162) قوله: إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ يَحْتَمِلُ الحقيقة ؛ فقد رُوِيَ: أَنَّ آدَمَ نَامَ ، فَانْتُزِعَ ضِلَعٌ مِنْ أَضْلاَعِهِ الْيُسْرَى ، فَخُلِقَتْ مِنْهُ حَوَّاءُ ، فَلَمَّا أَفَاقَ ، وَجَدَهَا إلَى جَانِبِهِ ، فَلَمْ يَنْفرْ وَاسْتَأْنَسَ ؛ لأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ . فلذلك صَارَتِ الأضلاع الْيُسْرَى تَنْقُصُ عن الْيُمْنَى واحدًا .

ويَحْتَمِلُ الْمَجَازَ، والْمَعْنَى: خُلِقَتْ من شيء مُعْوَجٍّ صُلْبٍ ، فإن أَرَدْتَ تقويمها، كَسَرْتَهَا ، وإن تَمَتَّعْتَ بها على حالها، تَمَتَّعْتَ بشيء مُعْوَجٍّ فيما يُمْكِنُ أن يَصْلُحَ فيه ، فقد يَصْلُحُ الْمُعْوَجُّ في وَجْهٍ، والمَعْنى على اعْوِجَاجِهِ .. ". انتهى

وعلى كل؛ فالمعنى أن في المرأة اعوجاجا في الطبع والخُلق، ونقصا في العقل ، كالغيرة الشديدة والعاطفة الجياشة ، فينبغي على الرجل الرفق بها، وأن يعاملها بمقتضى هذا النقص .

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (4/680) وقوله:

" استوصوا بالنساء خيرًا ، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج " الحديث: فيه الحض على الرفق بهن ، ومداراتهن ، وألا يتقصّى عليهن في أخلاقهن ، وانحراف طباعهن ، لقوله: " إن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته استمتعت به ". انتهى

وقال ابن علان في "دليل الفالحين" (3/97) :

" (خلقت من ضلع لن تستقيم لك) أي: تدوم (على طريقة) ترضاها ، والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً كأن سائلاً يقول: ماذا ينشأ من كونها خلقت من ذلك؟ فقال: لن تستقيم (فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها) إقامة تامة مرضية لك (كسرتها) لأنه خلاف شأنها ". انتهى

وهذا النقص والعوج في غاية المناسبة لخلقتها، ولكونها سكنا لزوجها، وحاضنة لأطفالها ، قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (7/160) :" وقوله: (أعوج ما في الضلع أعلاه)، يعني به - صلى الله عليه وسلم - فيما أراه أن حنوها الذي يبدو منها؛ إنما هو عن عوج خلق فيها، وهو أعلا ما فيها من حيث الرفعة على ذلك ، فإن أعلا ما فيها الحنو، وذلك الحنو فيه عوج ". انتهى

رابعا :

ليس معنى ذلك أن المرأة مجبرة على أفعالها، وأخلاقها ، غير مختارة ، ولا حرة الإرادة في شيء من ذلك ، أو أن لها أن تتحجج بذلك في فعل الحرام، وارتكاب المخالفة ، بل هذا بيان لضعف خلقتها ، والنقص الحاصل لها في جانب معين ، من جوانب شخصيتها .

وأخص ما يظهر من عوجها ، ونقصان خلقتها : ما يتعلق بأمر زوجتها ، وعشرتها معه ؛ فلذلك نبه الحديث الرجل إلى ذلك ، كي يحسن التأتي لذلك الجانب من النقص ، ويتفطن لوجه الصلاح في عمله معه ، وعشرته لها .

ثم لم يقف الأمر عند ذلك ، ولا أرخى لها الشرع حبال العذر ، والتعلل بأصل الخلقة ، لتفعل ما شاءت من أمرها ، أو تعامل زوجها بما بدر منها ، أو غلب على طبعها . حتى حذرها من الاسترسال في ذلك العوج ، والتزيد من ذلك النقصان .

روى البخاري (29) ومسلم (884) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ ) قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: " يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ " .

وفي رواية أخرى ، بيان الجمع بين هذين الجانبين : النقص الذي تعذر به ، ويعفى عن نقصها ، والنقص الذي حذرها الشرع منه ، وبين سوء عاقبته ، وأن غلبة الطبع ليست عذرا ، بل هي مأمورة بالاستقامة على أمر الشرع فيه ، وذلك ممكن لها ، غير متعذر ، متى ما أصلحت من نفسها ، واستقامت على أمر ربها .

روى البخاري (304) ومسلم (80) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ) فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ

أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ )، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ( أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا ) .

وفي رواية جابر رضي الله عنه عند مسلم في "صحيحه" (885) قال : ( لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ) .

والحاصل :

أن نقصان خلقتها ، وضعفها ، وعوجها : إنما يكون لها عذار ، فيما عذرها الشرع فيه ، وتأديبا لزوجها ، والقيم على أمرها : أن يرفق بها ، ويستصلحها بحكمة ، وأناة ، ويصبر على ما جبلت عليه من ضعف ، ونقص .

وليس لذلك مدخل في عذرها في معصية ربها ، والتفريط في أمره ؛ بل الواجب على زوجها ، والقيم على أمرها : أن يؤدبها بأدب الشرع ، ويرعاها ، ويقف بها عند حدود الله .

قال ابن حجر في "الفتح" (9/254) :" فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا عَلَى الِاعْوِجَاجِ إِذَا تَعَدَّتْ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ، إِلَى تَعَاطِي الْمَعْصِيَةِ، بِمُبَاشَرَتِهَا، أَوْ تَرْكِ الْوَاجِبِ؛ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى اعْوِجَاجِهَا فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ ". انتهى .

وقال المظهري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (4/79) :" فإن أردتَ أن تكونَ المرأة مستقيمةً في الفعل والقول: لم يكنْ ، بل الطريقُ أن تَرضَى باعوجاجِ فعلِها وقولِها ، وتأخذَ منها حظَّك مع اعوجاجها .

والرِّضا باعوجاجِ فعلِها وقولِها : إنما يجوزُ إذا لم يكنْ فيه إثمٌ ومعصيةٌ ، فإذا كان فيه إثمٌ ومعصيةٌ؛ فلا يجوز الرِّضا به ، بل يجب زجرُها حتَّى تتركَ تلك المعصيةَ ". انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-25, 15:54
قول الشيخ العثيمين في مسألة " العذر بالجهل "

السؤال

ما قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " العذر بالجهل " في الشرك الأكبر ؟ فقد سمعت وقرأت له قولين مختلفين ، فقد ردَّ على سائل في " نور على الدرب " عندما سأله عن مسلمين يعبدون القبور قائلاً :

هذا جهل من السائل تسميته لهم بمسلمين ، وقولٌ آخر يقول فيه يبقى لهم حكم الإسلام لجهلهم ، وعدم وجود من ينبههم . فهل للشيخ قولان أحدهما قديم والآخر جديد تبين له الحق فيه ؟

وأي القولين هو الصحيح الذي تدعمه الأدلة الشرعية ؟

الجواب

الحمد لله

لم نستطع الوقوف على كلام الشيخ العثيمين رحمه الله الذي أشار السائل إلى وجوده في فتاوى " نور على الدرب " ، ووقفنا على كلامه في أكثر كتبه المطبوعة ، وفتاواه الصوتية ، ولم نجد تعارضاً ولا تناقضاً في كلامه ، وليس هناك تراجع عن شيء قاله .

ويمكننا تلخيص كلام الشيخ رحمه الله في مسألة العذر بالجهل في النقاط التالية :

1. الأصل عند الشيخ رحمه الله هو العذر بالجهل ، بل يرى أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بدليل على أن الجاهل ليس بمعذور ، ويرى أنه " لولا العذر بالجهل : لم يكن للرسل فائدة ، ولكان الناس يُلزمون بمقتضى الفطرة ، ولا حاجة لإرسال الرسل ! "
.
2. لا فرق في العذر بالجهل بين مسائل الاعتقاد ومسائل العمل .

3. لا فرق في العذر بالجهل بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية ؛ لأن الظهور والخفاء أمرٌ نسبي يختلف من بيئة لأخرى ، ومن شخص لآخر .

4. الكفر المخرج من الملة قد يكون بالاعتقاد أو القول أو الفعل أو الترك ، والشيخ لا يخالف في كون ذلك مخرجاً من الملة ، ولكن الخلاف في تنزيل وصف الكفر على الشخص المعيَّن ، فقد يكون معذوراً فلا يكون كافراً .

5. لا يكون الشخص الفاعل للكفر كافراً إذا كان جاهلاً ، ولا يعلم حكم الشرع في فعله ، أو سأل أحد العلماء فأفتاه بجواز فعله .

ويكون كافراً إذا أقيمت عليه الحجة ، وأزيل عنه الوهم والإشكال
.
6. ليس كل من يدَّعي الجهل يُقبل منه ، فقد يكون عنده تفريط في التعلم ، وتهاون في السؤال ، وقد يكون فيه عناد لا يقبل الحق ولا يسعى لطلبه : فكل هؤلاء غير معذورين عند الشيخ رحمه الله ، ويسستثنى من حال المقصِّرين : إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل محرم ، وليس عنده من ينبهه من العلماء ، ففي هذه الحال يكون معذوراً .

7. الجاهل من الكفار الأصليين : تطبَّق عليه أحكام الكفر في الدنيا وأمره إلى الله في الآخرة ، والصحيح أنه يُمتحن .
والجاهل من المنتسبين للإسلام ممن وقعوا في الكفر المخرج من الملة : تطبَّق عليهم أحكام الإسلام في الظاهر ، وأمرهم إلى الله في الآخرة .

8. ذكر الشيخ رحمه الله نصوصاً من القرآن والسنَّة وكلام أهل العلم على ما رجَّح في هذه المسألة ، وبيَّن أن هذا هو مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، خلافاً لمن فهم عنه غير ذلك .

وإلى ذكر تفصيل ما لخصناه من كلام الشيخ رحمه الله ، وقد نختصر فيما ننقله ، ومن أراد الفائدة مكتملة فليرجع إلى ما نحيله عليه .

1. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة ؟

فأجاب :

الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية ، وربما يكون اختلافاً لفظيّاً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين ، أي : إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر ، أو هذا الفعل كفر ، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات ، أو وجود بعض الموانع .

وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين :

الأول : أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام ، أو لا يدين بشيء ، ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه : فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا ، وأما في الآخرة : فأمره إلى الله تعالى ، والقول الراجح : أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل ، والله أعلم بما كانوا عاملين ، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله تعالى : ( ولا يظلم ربك أحداً ) .

وإنما قلنا : تُجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا - وهي أحكام الكفر - : لأنه لا يدين بالإسلام ، فلا يمكن أن يُعطى حكمه ، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة : لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه : " طريق الهجرتين " عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة .

النوع الثاني : أن يكون من شخص يدين بالإسلام ، ولكنه عاش على هذا المكفِّر ، ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام ، ولا نبَّهه أحدٌ على ذلك : فهذا تُجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً ، أما في الآخرة : فأمره إلى الله عز وجل ، وقد دلَّ على ذلك الكتاب ، والسنَّة ، وأقوال أهل العلم .

فمن أدلة الكتاب : قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) وقوله : ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ) . وقوله : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وقوله : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) وقوله : ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون )

وقوله : ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون . أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين . أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ) .

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان .

وأما السنة : ففي صحيح مسلم1/134 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني : أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) .

وأما كلام أهل العلم : فقال في " المغني " ( 8 / 131 ) :

" فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام ، والناشئ بغير دار الإسلام ، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم : لم يحكم بكفره " ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " ( 3 / 229 ) مجموع ابن قاسم : " إني دائماً - ومن جالسني يعلم ذلك مني - من أعظم الناس نهياً عن أن يُنسب معيَّن إلى تكفير ، وتفسيق ، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى

وعاصياً أخرى ، وإني أقرر أن الله تعالى قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية ، والمسائل العملية ، وما زال السلف يتنازعون في كثير من المسائل ، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ، ولا بفسق ، ولا بمعصية "

إلى أن قال : " وكنت أبيِّن أن ما نُقل عن السلف والأئمَّة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا : فهو أيضاً حقٌّ ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين " .

إلى أن قال : " والتكفير هو من الوعيد ، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة ، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص ، أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً " .

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ( 1 / 56 ) من " الدرر السنية "

: " وأما التكفير : فأنا أكفِّر مَن عرف دين الرسول ، ثم بعدما عرفه سبَّه ، ونهى الناس عنه ، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره " . وفي ( ص 66 ) : " وأما الكذب والبهتان فقولهم : إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله ، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر ، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم ، وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل ؟
! " .
وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب ، والسنة ، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله تعالى ، ولطفه ، ورأفته ، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه ، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله تعالى من الحقوق ، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل
.
فالأصل فيمن ينتسب للإسلام : بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي .... .
فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين :

الأمر الأول : دلالة الكتاب والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب .

الأمر الثاني : انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه ، وتنتفي الموانع .

ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) ، فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له ، ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها ؟ .

الجواب : الظاهر الثاني ؛ أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة ؛ ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه ، وربما لو كان عالماً ما زنى . .. .

والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً ، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً ، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة ، والاعتبار ، وأقوال أهل العلم .

" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / جواب السؤال 224 ) .

2. وسئل الشيخ رحمه الله :

قرأنا لك جواباً عن " العذر بالجهل " فيما يكفر ، ولكن نجد في كتاب " كشف الشبهات " للشيخ محمد بن عبد الوهاب عدم العذر بالجهل ، وكذلك في كتاب " التوحيد " له ، مع أنك ذكرت في جوابك أقوال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكذلك ابن تيمية في " الفتاوى " ، وابن قدامة في " المغني " ، نرجو التوضيح .

فأجاب :

شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد ذكر في رسائله أنه لا يكفِّر أحداً مع الجهل ، وإذا كان قد ذكر في " كشف الشبهات " أنه لا عذر بالجهل : فيحمَل على أن المراد بذلك الجهل الذي كان من صاحبه تفريط في عدم التعلم ، مثل أن يعرف أن هناك شيئاً يخالِف ما هو عليه ، ولكن يفرِّط ، ويتهاون : فحينئذٍ لا يُعذر بالجهل .

" دروس وفتاوى الحرم المكي " ( عام 1411هـ ، شريط 9 ، وجه أ ) .

3. وسئل الشيخ رحمه الله هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالتوحيد ؟

فأجاب :

العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) حتى قال عز وجل : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) ؛ ولقوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) ؛ ولقوله تعالى : (

وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار ) ، والنصوص في هذا كثيرة ، فمن كان جاهلاً : فإنه لا يؤاخذ بجهله في أي شيء كان من أمور الدين

ولكن يجب أن نعلم أن من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد ، أي : إنه يُذكر له الحق ، ولكنه لا يبحث عنه ، ولا يتبعه ، بل يكون على ما كان عليه أشياخه ، ومن يعظمهم ، ويتبعهم ، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور ؛ لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق

وهذا الذي يعظم من يعظم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله عنهم : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) ، وفي الآية الثانية : ( وإنا على آثارهم مقتدون ) ، فالمهم : أن الجهل الذي يُعذر به الإنسان بحيث لا يعلم عن الحق ، ولا يذكر له : هو رافع للإثم ، والحكم على صاحبه بما يقتضيه عمله

ثم إن كان ينتسب إلى المسلمين ، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله : فإنه يعتبر منهم ، وإن كان لا ينتسب إلى المسلمين : فإن حكمه حكم أهل الدين الذي ينتسب إليه في الدنيا ، وأما في الآخرة : فإن شأنه شأن أهل الفترة ، يكون أمره إلى الله عز وجل يوم القيامة ، وأصح الأقوال فيهم : أنهم يمتحنون بما شاء الله ، فمن أطاع

منهم دخل الجنة ، ومن عصى منهم دخل النار، ولكن ليعلم أننا اليوم في عصر لا يكاد مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، بواسطة وسائل الإعلام المتنوعة ، واختلاط الناس بعضهم ببعض ، وغالباً ما يكون الكفر عن عناد .

" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / جواب السؤال رقم 222 ) .

4. وسئل الشيخ رحمه الله :

ما حكم من يصف الذين يعذرون بالجهل بأنهم دخلوا مع المرجئة في مذهبهم ؟ .

فأجاب :

وأما العذر بالجهل : فهذا مقتضى عموم النصوص ، ولا يستطيع أحد أن يأتي بدليل يدل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل ، قال الله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء/ 15 ، وقال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء/ 165 ، ولولا العذر بالجهل

: لم يكن للرسل فائدة ، ولكان الناس يلزمون بمقتضى الفطرة ولا حاجة لإرسال الرسل ، فالعذر بالجهل هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة ، وقد نص على ذلك أئمة أهل العلم : كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، لكن قد يكون الإنسان مفرطاً في طلب العلم فيأثم من هذه الناحية

أي : أنه قد يتيسر له أن يتعلم ؛ لكن لا يهتم ، أو يقال له : هذا حرام ؛ ولكن لا يهتم ، فهنا يكون مقصراً من هذه الناحية ، ويأثم بذلك ، أما رجل عاش بين أناس يفعلون المعصية ولا يرون إلا أنها مباحة ثم نقول : هذا يأثم ، وهو لم تبلغه الرسالة : هذا بعيد ، ونحن في الحقيقة - يا إخواني- لسنا نحكم بمقتضى عواطفنا

إنما نحكم بما تقتضيه الشريعة ، والرب عز وجل يقول : ( إن رحمتي سبقت غضبي ) فكيف نؤاخذ إنساناً بجهله وهو لم يطرأ على باله أن هذا حرام ؟ بل إن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال : " نحن لا نكفر الذين وضعوا صنماً على قبر عبد القادر الجيلاني وعلى قبر البدوي لجهلهم وعدم تنبيههم " .

" لقاءات الباب المفتوح " ( 33 / السؤال رقم 12 ) .

5. وقال الشيخ رحمه الله :

ولكن يبقى النظر إذا فرَّط الإنسان في طلب الحق ، بأن كان متهاوناً ، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث : فهذا قد يكون آثماً ، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق ، وقد يكون غير معذور في هذه الحال ، وقد يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة ، وليس عنده من ينبهه من العلماء ،

ففي هذه الحال يكون معذوراً ، ولهذا كان القول الراجح : أنه لو عاش أحدٌ في البادية بعيداً عن المدن ، وكان لا يصوم رمضان ظنّاً منه أنه ليس بواجب ، أو كان يجامع زوجته في رمضان ظنّاً منه أن الجماع حلال : فإنه ليس عليه قضاء ؛ لأنه جاهل ، ومن شرط التكليف بالشريعة أن تبلغ المكلف فيعلمها .

فالخلاصة إذاً : أن الإنسان يعذر بالجهل ، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق .

" لقاءات الباب المفتوح " ( 39 / السؤال رقم 3 ) .

6. وسئل الشيخ رحمه الله :

ما رأي فضيلتكم بمن يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ثم يذبح لغير الله ، فهل يكون مسلماً ؟ مع العلم أنه نشأ في بلاد الإسلام ؟ .

الشيخ :

الذي يتقرب إلى غير الله بالذبح له : مشرك شركاً أكبر ، ولا ينفعه قول " لا إله إلا الله " ، ولا صلاة ، ولا غيرها ، اللهم إلا إذا كان ناشئاً في بلاد بعيدة ، لا يدرون عن هذا الحكم ، فهذا معذور بالجهل ، لكن يعلَّم ، كمن يعيش في بلاد بعيدة يذبحون لغير الله ، ويذبحون للقبور ، ويذبحون للأولياء ، وليس عندهم في هذا بأس ، ولا علموا أن هذا شرك أو حرام : فهذا يُعذر بجهله ، أما إنسان يقال له : هذا كفر ، فيقول : لا ، ولا أترك الذبح للولي : فهذا قامت عليه الحجة ، فيكون كافراً .

السائل :

فإذا نُصح وقيل له : إن هذا شرك ، فهل أُطلق عليه إنه " مشرك " و " كافر " ؟ .

الشيخ :

نعم ، مشرك ، كافر ، مرتد ، يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل .

السائل :

وهل هناك فرق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية ؟ .

الشيخ :

الخفية تُبيَّن ، مثل هذه المسألة ، لو فرضنا أنه يقول : أنا أعيش في قوم يذبحون للأولياء ، ولا أعلم أن هذا حرام : فهذه تكون خفية ؛ لأن الخفاء والظهور أمر نسبي ، قد يكون ظاهراً عندي ما هو خفيٌ عليك ، وظاهرٌ عندك ما هو خفيٌّ عليَّ .

السائل :

وكيف أقيم الحجة عليه ؟ وما هي الحجة التي أقيمها عليه ؟ .

الشيخ :

الحجة عليه ما جاء في قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ) الأنعام/ 162 ، 163 ، وقال تعالى : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) الكوثر/ 1 ، 2 ، فهذا دليل على أن النحر للتقرب والتعظيم عبادة ، ومن صرف عبادة لغير الله : فهو مشرك ....

فإذا بلغت الحجة وقيل له : هذا الفعل الذي تفعله شرك ، فَفَعَلَه : لم يُعذر .

السائل :

إذن يعرَّف ؟ .

الشيخ :

نعم ، لا بدَّ أن يُعرَّف .

السائل :

هناك شبهة وهي أنه يقال : إن فعله شرك وهو ليس بمشرك ! فكيف نرد ؟ .

الشيخ :

هذا صحيح ، ليس بمشرك إذا لم تقم عليه الحجة ، أليس الذي قال : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) قال كفراً ؟

ومع ذلك لم يكفر ؛ لأنه أخطأ من شدة الفرح ، وأليس المُكره يُكره على الكفر فيكفر ظاهراً لا في قلبه ، وقلبه مطمئن بالإيمان ؟ والعلماء الذين يقولون : " كلمة كفر دون صاحبها " ، هذا إذا لم تقم عليه الحجة ، ولم نعلم عن حاله

أما إذا علمنا عن حاله : فما الذي يبقى ؟ نقول : لا يكفر ؟

معناه : لا أحد يكون كافراً ؟ أي : لا يبقى أحد يكفر ، حتى المصلي الذي لا يصلي نقول : لا يكفر ؟ حتى ابن تيمية يقول : إذا بلغته الحجة : قامت عليه الحجة ... ولا يكفي مجرد بلوغ الحجة حتى يفهمها ؛ لأنه لو فرضنا أن إنساناً أعجميّاً وقرأنا عليه القرآن صباحا ومساء لكن لا يدري ما معناها : فهل قامت عليه الحجة ؟ قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) إبراهيم/4 .

" لقاءات الباب المفتوح " ( 48 / السؤال رقم 15 ) :

ونرجو أن يكون الأمر قد وضح ، وأن تكون قد تبيَّنتَ حقيقة كلام الشيخ العثيمين رحمه الله ، وأنه يرى أن الأصل هو العذر بالجهل ، ويتأكد هذا في حال من يسلم حديثاً ، أو من يعيش بعيداً عن أماكن العلم ، أو من يعيش بين قوم لم يخطر ببالهم أنهم يخالفون الشرع ، وهم في الواقع واقعون بأفعالهم في الشرك الأكبر .

والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 02:21
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

الجهل الذي يعذر صاحبه هو الجهل بالحكم لا بالعقوبة

السؤال

أعرف أن ترك الصلاة عمداً بسبب الكسل يعتبر كفراً أكبر والشخص الذي يفعل ذلك يعتبر كافراً إلا إذا كان لديه عذر الجهل ، ولكن ماذا يعنى عذر الجهل ؟ جهل أن الصلاة فرض ؟

أم الجهل بحقيقة أن ترك الصلاة عمداً كفر ؟

أرجوك وضح لي مع بعض الاقتباسات من علماء السلف .

الجواب

الحمد لله

الجهل الذي يعذر به صاحبه هو الجهل بالحكم ، فمن ترك واجباً وهو لا يعلم أنه واجب ، أو فعل محرماً وهو لا يعلم أنه محرم فهذا هو الجاهل الذي يعذر بجهله .

أما من علم أن هذا الفعل محرم ففعله وهو يجهل العقوبة المترتبة عليه ، فهذا لا يعتبر عذراً ، لأن صاحبه أقدم على المعصية وانتهك الحرمة وهو يعلم .

فمن زنى – مثلاً – وهو لا يدري أن الزنى حرام ، فلا شيء عليه ، ويعذر بجهله .

أما من علم أن الزنى حرام ولكنه جهل أن الزاني عليه الحد فهذا لا يعذر ، ويجب إقامة حد الزاني عليه ، إذا توفرت شروط إقامته .

وكذلك من ترك الصلاة وهو يجهل أنها فرض ، فهذا يعذر بجهله ولا يكفر ، أما من تركها وهو يعلم أن تركها حرام ولكن لا يعلم أن تركها كفر فهذا لا يعذر .

وهذه أدلة ما سبق مع أقوال أهل العلم :

‌أ. منْ كان جاهلاً بالحكم المنهيِّ عنه ، وفعله ، وكان في إتيانه حدٌّ أو كفارةٌ : فلا شيء عليه .

والدليل : قوله صلى الله عليه وسلم لمن اعترف على نفسه بالزنا " فهلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا ؟ ". رواه أبو داود ( 4428 ) ، والحديث أصله في الصحيحين .

قال ابن القيم - وصحَّحَ رواية أبي داود – فيه : أنَّ الحدَّ لا يجب على جاهلٍ بالتحريم ؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم سأله عن حكم الزنى ، فقال " أَتَيْتُ مِنْها حَرَاماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً . اهـ. "زاد المعاد " ( 5 / 33 ) .

‌ب. وإن كان عالماً بالتحريم ، جاهلاً بما يترتب عليه من حد أو كفارة أو غير ذلك : فيجب إقامةُ الحدِّ عليه لجرأته على فعل الحرام ، ويجب عليه إخراج الكفارة إن كان الذنب له كفارة .

والدليل : حديث " ماعز " - رضي الله عنه - واعترافه على نفسه بالزنى ، وفيه قوله " يَا قَوْمِ رُدُّوني إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ قَوْمي قَتَلُوني وَغَرُّوني مِنْ نَفْسِي " رواه أبو داود ( 4420 ) وجوّد إسنادَه الألبانيُّ رحمه الله في " الإرواء " ( 7 / 354 ) ، فهذا الصحابي رضي الله عنه كان عالماً بالتحريم جاهلاً بالعقوبة .

قال ابن القيم رحمه الله : وفيه : أنَّ الجهل بالعقوبة لا يُسقِط الحدَّ إن كان عالماً بالتحريم فإنَّ "ماعزاً" لم يعلم أنَّ عقوبته القتل ، ولم يُسقط هذا الجهلُ الحدَّ عنه. "

زاد المعاد " ( 5 / 34 ) .

وكذلك الصحابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان حيث كان عامداً عالماً بحرمته – كما قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 4 / 207 ) - بدليل قوله " هَلَكْتُ " ، وفي رواية " احْتَرَقْتُ " ، فقد أوجب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه الكفارة ولم يعذره بجهله بها ، رواه البخاري ( 1834 ) ومسلم ( 1111 ) .

وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -

فإن قال قائل : الرجل الذي جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أليس جاهلاً؟

فالجواب : هو جاهل بما يجب عليه ، وليس جاهلاً أنه حرام ، ولهذا يقول " هلكت " ، ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر ، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم ، ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل ، هل هو حرام أو ليس بحرام، ولهذا لو أن أحداً زنى جاهلاً بالتحريم، وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية، بأن يكون حديث عهد بالإسلام

أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنى محرّم فزنى فإنه لا حدّ عليه ، لكن لو كان يعلم أنّ الزنى حرام ، ولا يعلم أن حده الرجم ، أو أن حده الجلد والتغريب ، فإنه يحد لأنه انتهك الحرمة ، فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام ، هذا عذر." اهـ.

الشرح الممتع (6/417)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 02:26
المريض النفسي الذي مات
ما حكمه عند الله ؟ وكيف يمكن أن ننفعه ؟

السؤال:

أخي مريض نفسيا منذ 15 عاما ، وقد حاولنا علاجه طيلة هذه السنين ، وهو لا يصلي بسبب مرضه النفسي ، وقد صدمته سيارة عندما كان يقطع الخط السريع بجده رحمه الله .

السؤال :

هل يعتبر من المرفوع عنهم القلم ؟ وهل يدخل الجنة برحمة الله دون حساب بسبب مرضه النفسي ، ومعاناته من الوسوسة ، كذلك شدة الألم الناتج عن حادث دهسه ؟ وذلك لأن والدته في وضع نفسي سيء خاصة بعد موت أبيه قبله بأربعة أشهر ؟ وماذا يجب علينا نحن إخوانه تجاه أبي وأخي رحمهم الله جميعاً ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

نسأل الله أن يرحم أخاكم ويتجاوز عنه .

إذا كان مرضه النفسي شديدا في حال حياته ، وقد أثر على عقله وإدراكه ، فاختلت قواه العقلية التي يدرك بها الأشياء ، حتى صار لا يعرف ما ينفعه مما يضره ، فقد رُفع عنه قلم التكليف ، لأنه في حكم المجنون ، وعلى هذا : فتسقط عنه التكاليف الشرعية كالصلاة والصوم والحج وغير ذلك

ولا يحاسب عليها ولا يسأل عنها يوم القيامة .

أما إذا كان يعاني من اضطرابات نفسية لا تأثير لها على عقله وإدراكه ، بحيث إنه يميز بين الأشياء ، ويعرف المتضادات ، وما ينفعه وما يضره ، ويدرك وجوب الصلاة وعامة التكاليف الشرعية ، فهذا غير معذور في تركه الصلاة وغيرها من التكاليف .

أما إذا كانت هذه الاضطرابات النفسية تارة تشتد عليه فتفقده إدراكه ، وتارة تخف فيعي ويدرك ، فهو معذور في حال فقد الإدراك ، غير معذور في حال الوعي .

ثانيا :

هو معذور في فترة العذر فقط ، سواء طالت أم قصرت ، فإن كان قبل هذا المرض بالغا عاقلا ، فهو مكلف محاسب على تلك الفترة .

والله تعالى يجزيه خيرا ، إن شاء الله تعالى على فترة معاناته ومرضه وبلائه وهذا الحادث الذي أودى به ؛ لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ) رواه البخاري (5642) ، ومسلم (2573) .

ثالثا :

في حالة ما إذا كان قد أصابه ما أصابه ، من حين بلوغه إلى حين موته فهو في حكم المجنون كما سبق ، ويرجى له الجنة ؛ حيث ولد مسلما ومات مسلما ولم يقترف إثما يحاسب عليه لأن القلم مرفوع عنه .

رابعا :

لا نقطع لشخص معين بجنة أو نار إلا بنص من الشارع ، قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" لا تجوز الشهادة لمعين بجنة أو نار أو نحو ذلك ، إلا لمن شهد الله له بذلك في كتابه الكريم أو شهد له رسوله عليه الصلاة والسلام ، وهذا هو الذي ذكره أهل العلم من أهل السنة " .

خامسا :

يمكن نفع الميت المسلم بكثير من الأعمال ، منها : الدعاء والاستغفار له والصدقة بالمال والحج والعمرة عنه ، وكذلك قضاء ديونه سواء كانت حقا لله كأن يكون مات وعليه صوم ، أو كانت حقا للعباد كأن يكون مات وعليه دين لأحد .
وأفضل ذلك كله الدعاء والاستغفار له .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 02:32
ضوابط وأحكام حج البدل

السؤال

هناك في بلدنا بعض حملات الحج تقدم حج البدل , بحيث نعطيهم نقوداً - وهي تكلفة الحج - وسيقوم أناس من طلبة العلم بالحج بدلاً عنَّا , , فهل يجوز ذلك ؟

الجواب

الحمد لله

يتساهل كثيرون في حج البدل ، وحج البدل له ضوابط وشروط وأحكام ، سنذكر ما تيسر منها عسى الله أن ينفع بها :
1. لا يصح حج البدل في حجة الإسلام عن القادر الذي يستطيع الحج ببدنه .

قال ابن قدامة رحمه الله :

"لا يجوز أن يستنيب في الحج الواجب من يقدر على الحج بنفسه إجماعا ، قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الإسلام وهو قادر على أن يحج لا يجزئ عنه أن يحج غيره عنه" انتهى .

" المغني " ( 3 / 185 ) .

2. حج البدل يكون عن المريض مرضاً لا يرجى برؤه ، أو عن العاجز ببدنه ، أو عن الميت ، دون الفقير والعاجز بسبب ظرف سياسي أو أمني .

قال النووي رحمه الله :

"والجمهور على أن النيابة في الحج جائزة عن الميت والعاجز الميئوس من برئه ، واعتذر القاضي عياض عن مخالفة مذهبهم – أي : المالكية - لهذه الأحاديث في الصوم عن الميت والحج عنه بأنه مضطرب ، وهذا عذر باطل ، وليس في الحديث اضطراب ، ويكفى في صحته احتجاج مسلم به في صحيحه .

" شرح النووي على مسلم " ( 8 / 27 ) .

والحديث الذي أشار إليه النووي رحمه الله وذكر أن بعض المالكية حكم عليه بالاضطراب هو:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ : وَجَبَ أَجْرُكِ ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا ؟ قَالَ : صُومِي عَنْهَا ، قَالَتْ : إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ : حُجِّي عَنْهَا .

رواه مسلم ( 1149 ) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"واتفق من أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزى في الفرض إلا عن موت أو عضَب – أي : شلل - ، فلا يدخل المريض ؛ لأنه يرجى برؤه ، ولا المجنون ؛ لأنه ترجى إفاقته ، ولا المحبوس ؛ لأنه يرجى خلاصه ، ولا الفقير ؛ لأنه يمكن استغناؤه" انتهى .

" فتح الباري " ( 4 / 70 ) .

وسئل علماء اللجنة الدائمة :

هل يجوز للمسلم الذي أدى فرضه أن يحج عن أحد أقاربه في بلاد الصين لعدم تمكنه من الوصول لأداء فريضة الحج ؟

. فأجابوا :

"يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة عن نفسه أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنِّه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتًا ؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك ، أما إن كان من يراد الحج عنه لا يستطيع الحج لأمر عارض يرجى زواله كالمرض الذي يرجى برؤه ، وكالعذر السياسي ، وكعدم أمن الطريق ونحو ذلك : فإنه لا يجزئ الحج عنه" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 51 ) .

3. حج البدل لا يكون عن العاجز ماليّاً ؛ لأن الحج تسقط فرضيته عن الفقير ، إنما حج البدل عن العاجز ببدنه .
سئل علماء اللجنة الدائمة :

هل يجوز لأحد أن يعتمر أو يحج عن قريبه الذي يكون بعيداً عن مكة ، وليس لديه ما يصل به إليها ، مع أنه قادر بالطواف ؟

فأجابوا :

"قريبك المذكور لا يجب عليه الحج مادام لا يستطيع الحج ماليّاً ، ولا تصح النيابة عنه في الحج ولا في العمرة ؛ لأنه قادر على أداء كل منهما ببدنه لو حضر بنفسه في المشاعر ، وإنما تصح النيابة فيهما عن الميت ، والعاجز عن مباشرة ذلك ببدنه" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان

" فتاوى اللجنة الدائمة " (11/52) .

4. لا يجوز لأحدٍ أن يحج عن غيره إلا أن يكون قد حجَّ عن نفسه ، فإن فعل فتقع حجته عن نفسه لا عن غيره .
قال علماء اللجنة الدائمة :

"لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره قبل حجه عن نفسه ، والأصل في ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول : لبيك عن شبرمة ، قال : حججت عن نفسك ؟ قال : لا ، قال : حج عن نفسك ، ثم عن شبرمة" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الله بن غديان .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 50 ) .

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 02:38
5. يجوز للمرأة أن تحج عن الرجل ، كما يجوز للرجل أن يحج عن المرأة .

قال علماء اللجنة الدائمة :

"والنيابة في الحج جائزة ، إذا كان النائب قد حج عن نفسه ، وكذلك الحال فيما تدفعه للمرأة لتحج به عن أمك ، فإن نيابة المرأة في الحج عن المرأة وعن الرجل جائزة ؛ لورود الأدلة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك" انتهى .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 52 ) .

6. لا يجوز لأحدٍ أن يحج عن شخصين أو أكثر في حجة واحدة ، وله أن يعتمر عن نفسه – أو عن غيره – ويحج عن آخر .
قال علماء اللجنة الدائمة :

"تجوز النيابة في الحج عن الميت ، وعن الموجود الذي لا يستطيع الحج ، ولا يجوز للشخص أن يحج مرة واحدة ويجعلها لشخصين ، فالحج لا يجزئ إلا عن واحد ، وكذلك العمرة ، لكن لو حج عن شخص واعتمر عن آخر في سنة واحدة أجزأه إذا كان الحاج قد حج عن نفسه واعتمر عنها" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 58 ) .

7. لا يجوز لأحدٍ أن يكون قصده من الحج عن غيره أخذ المال ، وإنما يكون قصده الحج والوصول إلى تلك الأماكن المقدسة ، والإحسان إلى أخيه بالحج عنه .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

"النيابة في الحج جاءت بها السنَّة ؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سألته امرأة وقالت : (إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم) ، والاستنابة بالحج بعوض : إن كان الإنسان قصده العوض : فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله : من حج ليأكل فليس له في الآخرة من خلاق –

أي : نصيبٌ - وأما من أخذ ليحج : فلا بأس به ، فينبغي لمن أخذ النيابة أن ينوي الاستعانة بهذا الذي أخذ على الحج ، وأن ينوي أيضاً قضاء حاجة صاحبه ؛ لأن الذي استنابه محتاج ، ويفرح إذا وجد أحداً يقوم مقامه ، فينوي بذلك أنه أحسن إليه في قضاء الحج ، وتكون نيته طيبة" انتهى .

" لقاءات الباب المفتوح " ( 89 / السؤال 6 ) .

وقال رحمه الله :

"وإن من المؤسف أن كثيراً من الناس الذين يحجون عن غيرهم إنما يحجون من أجل كسب المال فقط ، وهذا حرام عليهم ؛ فإن العبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها الدنيا ، يقول الله تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ويقول تعالى : ( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ )

فلا يقبل الله تعالى من عبد عبادة لا يبتغي بها وجهه ، ولقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أماكن العبادة من التكسب للدنيا ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد ، فقولوا : لا أربح الله تجارتك ) ، فإذا كان هذا فيمن جعل موضع العبادة مكاناً للتكسب يدعى عليه أن لا يربح الله تجارته : فكيف بمن جعل العبادة نفسها غرضاً للتكسب الدنيوي كأن الحج سلعة

أو عمل حرفة لبناء بيت ، أو إقامة جدار ؟ تجد الذي تعرض عليه النيابة يكاسر ويماكس هذه دراهم قليلة ، هذه لا تكفي زد أنا أعطاني فلان كذا ، أو أعطي فلان حجة بكذا ، أو نحو هذا الكلام مما يقلب العبادة إلى حرفة وصناعة ، ولهذا صرح فقهاء الحنابلة رحمهم الله بأن تأجير الرجل ليحج عن غيره غير صحيح

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :

من حج ليأخذ المال ، فليس له في الآخرة من خلاق ، لكن إذا أخذ النيابة لغرض ديني مثل أن يقصد نفع أخيه بالحج عنه ، أو يقصد زيادة الطاعة والدعاء والذكر في المشاعر : فهذا لا بأس به ، وهي نية سليمة .

إن على الذين يأخذون النيابة في الحج أن يخلصوا النية لله تعالى ، وأن تكون نيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله وذكره ودعائه ، مع قضاء حاجة إخوانهم بالحج عنهم ، وأن يبتعدوا عن النية الدنيئة بقصد التكسب بالمال ، فإن لم يكن في نفوسهم إلا التكسب بالمال : فإنه لا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ ، ومتى أخذ النيابة بنية صالحة : فالمال الذي يأخذه كله له ، إلا أن يشترط عليه رد ما بقي" انتهى .

" الضياء اللامع من الخطب الجوامع " ( 2 / 477 ، 478 ) .

8. إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه سواء أوصى بذلك أو لم يوص .

قال علماء اللجنة الدائمة :

"إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه سواء أوصى بذلك أو لم يوص ، وإذا حج عنه غيره ممن يصح منه الحج وكان قد أدى فريضة الحج عن نفسه : صح حجه عنه ، وأجزأ في سقوط الفرض عنه" انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن منيع .

" فتاوى اللجنة الدائمة " (11/100) .

9. هل للذي يحج عن غيره أجر الحج كاملاً ويرجع كيوم ولدته أمه ؟ .

قال علماء اللجنة الدائمة :

"وأما تقويم حج المرء عن غيره هل هو كحجه عن نفسه أو أقل فضلاً أو أكثر : فذلك راجع إلى الله سبحانه " انتهى
.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن منيع .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 100 ) .

وقالوا :

"من حج أو اعتمر عن غيره بأجرة أو بدونها فثواب الحج والعمرة لمن ناب عنه ، ويرجى له أيضًا أجر عظيم على حسب إخلاصه ورغبته للخير ، وكل من وصل إلى المسجد الحرام وأكثر فيه من نوافل العبادات وأنواع القربات : فإنه يرجى له خير كثير إذا أخلص عمله لله" انتهى .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 77 ، 78 ) .

وقال الإمام ابن حزم رحمه الله :

عن داود أنه قال : قلت لسعيد بن المسيب : يا أبا محمد ، لأيهما الأجر أللحاج أم للمحجوج عنه ؟ فقال سعيد : إن الله تعالى واسع لهما جميعا .

قال ابن حزم : صدق سعيد رحمه الله .

" المحلى " ( 7 / 61 ) .

وما يفعله الموكَّل من أعمال خارج النسك كالصلاة في الحرم وقراءة القرآن وغيرها فأجرها له دون من وكَّله .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

"وثواب الأعمال المتعلقة بالنسك كلها لمن وكله ، أما مضاعفة الأجر بالصلاة والطواف الذي يتطوع به خارجا عن النسك وقراءة القرآن لمن حج لا للموكل" انتهى .

" الضياء اللامع من الخطب الجوامع " ( 2 / 478 ) .

10. الأفضل أن يحج الولد عن والديه ، والقريب عن قريبه ، فإن استأجر أجنبيّاً جاز .

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

توفيت والدتي وأنا صغير السن ، وقد أجَّرت على حجتها شخصاً موثوقاً به ، وأيضاً والدي توفي ، وقد سمعت من بعض أقاربي أنه حج .

هل يجوز أن أؤجر على حجة والدتي أم يلزمني أن أحج عنها أنا بنفسي ، وأيضاً والدي هل أقوم بحجة له وأنا سمعت أنه قد حج ؟

فأجاب :

"إن حججت عنهما بنفسك واجتهدت في إكمال حجك على الوجه الشرعي : فهو الأفضل ، وإن استأجرت من يحج عنهما من أهل الدين والأمانة : فلا بأس .

والأفضل أن تؤدي عنهما حجّاً وعمرة ، وهكذا من تستنيبه في ذلك يشرع لك أن تأمره أن يحج عنهما ويعتمر ، وهذا من برِّك لهما وإحسانك إليهما ، تقبل الله منا ومنك" انتهى .

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 16 / 408 ) .

11. لا يشترط لمن يُحج عنه أن يُعرف اسمه ، بل تكفي نية الحج عنه .

سئل علماء اللجنة الدائمة :

يوجد لدي حوالي أربعة أشخاص متوفين ما بين أعمام وأجداد ، ما بين رجال ونساء ، ولم أعرف أسماء البعض منهم ، وأريد أن أرسل لكل واحد منهم من يحج لهم على حسابي الخاص ؟ .

فأجابوا :

"إذا كان الأمر كما ذكر : فمن عرفتَ اسمه من الرجال والنساء: فلا إشكال فيه ، ومن لم تعرف اسمه : فإنه يجوز لك أن تنوي عن الرجال والنساء من الأعمام والأخوال على حسب ترتيب أعمارهم وأوصافهم ، وتكفي النية في ذلك ، وإن لم تعرف الاسم" انتهى .

" فتاوى اللجنة الدائمة " (11/172) .

12. لا يجوز لمن وُكِّل بالحج عن غيره أن يوكِّل غيره إلا برضا من وكَّله .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

"ولا يحل لمن أخذ النيابة أن يوكل غيره فيها لا بقليل ، ولا بكثير إلا برضا من صاحبها الذي أعطاه إياها" انتهى .

" الضياء اللامع من الخطب الجوامع " ( 2 / 478 ) .

13. هل تجوز الإنابة في حج النافلة ؟ .

في المسألة خلاف بين العلماء ، وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه لا تجوز النيابة إلا في حج الفريضة
.
قال الشيخ رحمه الله :

"إذا كان الرجل قد أدى الفريضة ، وأراد أن يوكل عنه من يحج أو يعتمر نافلة ، فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم ، فمنهم من أجازه ، ومنهم من منعه ، والأقرب عندي : المنع ، وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه أو يعتمر إذا كان ذلك نافلة ؛ لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه

وكما أنه لا يوكل الإنسان أحداً يصوم عنه - مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عنه وليه - ، كذلك في الحج ، والحج عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه ، وليست مالية يُقصد بها الغير ، وإذا كانت عبادة بدنية يقوم بها الإنسان ببدنه : فإنها لا تصح من غيره عنه إلا فيما وردت به السنة ، ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حج نفل ، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد : أعني أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في نفل حج أو عمره سواء كان قادراً أو غير قادر .

ونحن إذا قلنا بهذا القول صار في ذلك حث للأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم ؛ لأن بعض الناس تمضي عليه السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام ، فيفوته الحج على أساس أنه يوكل من يحج عنه" انتهى .

" فتاوى إسلامية " ( 2 / 192 ، 193 ) .

14. ينبغي تحري أهل الخير والصدق والأمانة والعلم بمناسك الحج لحج البدل .

قال علماء اللجنة الدائمة :

"ينبغي لمن يريد أن ينيب في الحج أن يتحرى فيمن يستنيبه أن يكون من أهل الدين والأمانة حتى يطمئن إلى قيامه بالواجب" انتهى .

" فتاوى اللجنة الدائمة " (11/53) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 02:45
حكم بيع سلَع ليست في ملك
البائع وطرق تصحيح المعاملة

السؤال

أنا أعيش في بلد أجنبي ، والوضع المادي ضعيف جدّاً ، والزوج لا يعمل ، فقررت أن أساعد زوجي فأصبحت أقدم خدماتي عبر النت لأي أخت ترغب في شراء منتجات من البلد التي أسكن بها ، تطلب بضاعة معينة ، أبحث عنها ، أرسل للمشترية صورة البضاعة ، إذا تم الموافقة أحسب لها ثمنها مع إيصالها إليها

وأطلب المال ، أشتري البضاعة ، ومن ثم أرسلها إلى المشترية ، كانت الأوضاع جيدة وسعيدة بعملي إلى أن جاء يوم وطلبتْ مني أخت تاجرة بضاعة - وهي أحضرت المواقع - ولما حسبتُ لها البضاعة وحوَّلتْ لي الفلوس - وكانوا 670 دولار أمريكي - ولما اشتريت البضاعة وأنتظر وصولها لم تصلني

وهنا المشكلة يعني : اشتريت البضاعة ولكن لم تحضر لبيتي ، ولما اتصلنا بالموقع الذي اشترينا منه البضاعة ما يرد أحد ، ولما بحثنا تبين أنها شركة وهمية ووقعنا ضحية نصب ، ينشئون مواقع لأجل سرقة الفلوس ، ولما أخبرت الأخت بما حدث ما صدقتني وقالت أني كذابة وحرامية

وأنا حلفت لها وقلت لها أول ما تسمح لي الظروف أجمع لك المبلغ من حساب زوجي وأبعثهم لك ، لكن الآن الموضوع له سنة أو أكثر ولم أستطع حتى الآن أن أجمع المبلغ . هل عليَّ إعادة المال لها مع العلم أن المال أخذته الشركة الوهمية والأخت تطالبني بالمال ؟ فما حكم الشرع ؟ . بارك الله فيك شيخنا .

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

لا شك أن المعاملة التي تسألين عن حكمها غير شرعية ، وهي مخالفة للشرع من حيث إنك تبيعين ما لا تملكين ، وتبيعين ما ليس عندك مما هو في غير مقدورك ضمانه وتسليمه للمشتري فصار بيع غرر ومعاملة قمار ، ويترتب على العمل بهذه المعاملة مجالات للخصومة والنزاع ، فقد تتفاجئين بارتفاع سعر البضاعة عما بعتِها به ، كما قد تكون البضاعة غير متوفرة ، وها هو محذور آخر قد ظهر في معاملتك وهو عدم وجود التاجر أصلاً ! لذا لم يجز لأحد بيع سلعة معينة ليست عنده في ملكه ، ولا حتى موصوفة في الذمة عند غيره – إلا ما استُثني من بيع السلَم - .

عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي ، أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ ؟ فَقَالَ : ( لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ) .

رواه الترمذي ( 1232 ) وأبو داود ( 3503 ) والنسائي ( 4613 ) وابن ماجه ( 2187 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ) .

رواه الترمذي ( 1234 ) وقال : حسن صحيح ، وأبو داود ( 3504 ) والنسائي ( 4611 ) .

قال ابن القيم – رحمه الله - : " فاتفق لفظُ الحديثين على نهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع ما ليس عنده ، فهذا هو المحفوظُ مِن لفظه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتضمن نوعاً مِن الغَرَرِ ؛ فإنه إذا باعه شيئاً معيَّناً ولَيس في ملكه ثم مضى لِيشتريه ، أو يسلمه له : كان متردداً بينَ الحصول وعدمه ، فكان غرراً يشبه القِمَار ،

فَنُهِىَ عنه " انتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 5 / 808 ) .

وقال – رحمه الله – أيضاً – في بيان أنواع بيع المعدوم - : " معدومٌ لا يُدرى يحصُل أو لا يحصُل ، ولا ثقة لبائعه بحصوله ، بل يكونُ المشتري منه على خطر ، فهذا الذي منع الشارعُ بيعَه ، لا لِكونه معدوماً بل لكونه غَرَراً ، فمنه صورةُ النهي التي تضمنها حديث حكيم بن حزام وابن عمرو رضي الله عنهما ؛ فإن البائعَ إذا باعَ ما ليس في مُلكه ولا له قُدرة على تسليمه ، ليذهب ويحصله ويسلِّمه إلى المشتري : كان ذلك شبيهاً بالقمار والمخاطرة مِن غير حاجة بهما إلى هذا العقدِ ، ولا تتوقَّفُ مصلحتُهما عليه " . ا

نتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 5 / 810 ) .

ولو كان شراؤكِ من تلك المواقع شرعيّاً صحيحاً لما جاز لكِ بيع البضاعة وهي في محلِّها من غير أن تحوزيها ، أي من قبل أن تضعي يدك عليها فعليا ، وتنقليها من مكان بيعها إلى مستودعك أو مكانك الخاص بك ، إن كانت مما ينقل ، وهذا سبب آخر يجعل معاملتكِ غير شرعية -
.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لِنَفْسِي لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ : لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ ) .

رواه أبو داود ( 3499 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – بعد أن ذكر الأحاديث الثلاثة السابقة - : " ومِن هذه الأحاديث وما جاء في معناها يتضح لطالب الحق أنه لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة ليست في ملكه ثم يذهب فيشتريها ، بل الواجب تأخير بيعها حتى يشتريها ويحوزها إلى ملكه

ويتضح أيضا أن ما يفعله كثير من الناس من بيع السلع وهي في محل البائع قبل نقلها إلى ملك المشتري أو إلى السوق أمر لا يجوز ؛ لما فيه من مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولما فيه من التلاعب بالمعاملات وعدم التقيد فيها بالشرع المطهر ، وفي ذلك من الفساد والشرور والعواقب الوخيمة ما لا يحصيه إلا الله عز وجل ، نسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق للتمسك بشرعه والحذر مما يخالفه " .

انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ( 19 / 52 ، 53 ) .

ثانياً:

وطريقة تصحيح معاملتكِ حتى تكون موافقة للشرع :

1. أن تعرضي البضاعة على الراغب بشرائها عرضاً يرفع الجهالة ويقطع الخصومة ، وتحددي سعرها الذي ستبيعينه به في حال تملكك لها ، ويَعِدُ المشتري بشرائها بالثمن نفسه ، على أن لا يكون هناك إلزام لك بالبيع ، ولا لهم بالشراء ، بل لكلٍّ من الطرفين الخيار في التعاقد أو عدمه ؛ فإذا ملكتِ السلعة ملكًا شرعيًّا ثم تعاقدتِ مع المشتري على البيع : أصبح العقد لازماً للطرفين ويأخذ أحكام البيع المعروفة ، ويسمى هذا " بيع المواعدة " .

2. أن تبيعي البضاعة للراغب بشرائها بعمولة مقطوعة أو بنسبة محددة على الثمن ، فتعرضين البضائع على الناس وتحددين مبلغاً مقطوعاً كعشرة دولارات – مثلاً – على كل صفقة ، أو نسبة 2 % - مثلاً – على فاتورة الشراء ، فيكون هذا المبلغ أو تلك النسبة لقاء جهدك وتعبك من المبلغ المدفوع لك لشراء البضاعة .

وكما يمكن أن تكوني سمسارة للمشترين فيمكن أن تكوني سمسارة كذلك للبائعين ، وانظري – في بيان ذلك –

وبخصوص المال المدفوع لك من قبَل تلك المرأة : فيجب عليكِ إرجاعه لها ؛ لأنه حق لها ، فأنت ترجعين على أصحاب الموقع بالمطالبة بمالك عن طريق الشرطة أو نحو ذلك ، وتلك المرأة ترجع عليك بالمطالبة بمالها ، وسواء تمكنت من الوصول إلى حقك من هذه الشركة الوهمية ، أو لم تتمكني

فإن ذلك لا يغير من استحقاق المرأة عندك شيئا ، بل حقها لازم في ذمتك على كل حال . وعسى أن تقدّر ظرفك فتصبر وتنتظر إلى ميسرة ، أو تسقط حقَّها وهو خيرٌ لها عند ربِّها ، قال تعالى ( وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة/ 280 .

ونسأل الله تعالى أن يكتب لك أجر إعانتك لزوجك وقيامه بتحمل أعباء الحياة معه ، ونسأله تعالى أن يرزقك رزقاً حسناً طيباً .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 02:52
من لم تبلغه الدعوة ، بسبب عاهة كالصمم
فإنه يمتحن يوم القيامة
ومن بلغته منهم لم يمتحن .

السؤال:

في الحديث النبوي الشريف قال عليه الصلاة والسلام : ( أربعةٌ يحتجون يومَ القيامةِ : رجلٌ أصمُّ لا يسمعُ شيئًا ......." سؤالي : ما الحكمة أن الأصم يمتحن يوم القيامة دون الأبكم والأعمى ، يعني الأصم يمكن أن تصله الدعوة عن طريق الكتابة أو ربما هناك طرق أخرى ؟ وهل من أقوال للعلماء على هذا الحديث ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده" (16301) عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ
\
لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ، مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا ) وحسنه محققو المسند ، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1434) وله شواهد متعددة ، ذكرها ابن كثير في تفسيره (5/50-53) .

والمقصود من ذكر الأصم والأحمق وغيرهما : ذكر من لم تقم عليه الحجة بسبب ما أصابه من عاهة أو غير ذلك ، فكل من أصابه شيء يمنع من إقامة الحجة عليه فإنه يكون معذورا ويمتحن يوم القيامة .

وقد جاء ذكر الأبكم مع الأصم في الحديث :

قال الحافظ السيوطي رحمه الله : " أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة قال: " إذا كان يوم القيامة ، جمع الله أهل الفترة ، والمعتوه ، والأصم ، والأبكم ، والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ، ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار، فيقولون: كيف ولم تأتنا رسل ؟

قال: وايم الله ، لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما، ثم يرسل إليهم ، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه ، قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم [وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا] الإسراء/ 15 ). إسناده صحيح على شرط الشيخين ، ومثله لا يقال من قبل الرأي ، فله حكم الرفع " .

انتهى من "الحاوي" (2/ 247) .

أما الأعمى : فحاله أهون منهما ، لأنه يسمع ويتكلم ويدرك إدراكا صحيحا ، ولا يكاد يحول عماه عن إقامة الحجة عليه .
وبكل حال : فمن حالت عاهته دون قيام الحجة عليه فهو معذور ، سواء كان أبكم أو أصم أو غير ذلك
.
ومن لم تحل عاهته دون قيام الحجة عليه فليس بمعذور.

ومن كانت عاهته تؤثر على إدراكه في أشياء دون أشياء فهو معذور فيما لا يدركه ، وغير معذور فما يدركه .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الأصم الأبكم ، هل هو مكلف مثل غيره من المسلمين؟

فأجاب :

" الأصم الأبكم من فقد حاستين من حواسه ، وهما السمع والنطق ، ولكن بقي عليه النظر، فما كان يدركه من دين الإسلام بالنظر؛ فإنه لا يسقط عنه، وما كان لا يدركه ؛ فإنه يسقط عنه ، أما ما كان طريقه السمع إذا كان لا يدركه بالإشارة فإنه يسقط عنه، وعلى هذا فإذا كان لا يفهم شيئاً من الدين فإننا نقول: إذا كان أبواه مسلمين أو أبوه أو أمه فهو مسلم تبعاً لهما، وإن كان بالغاً عاقلاً مستقلاً بنفسه فأمره إلى الله

لكنه ما دام يعيش بين المسلمين فإننا نحكم له ظاهراً بالإسلام ، يعلم بعض الأشياء بالإشارة ، وأنا أعرف الذين في معهد الصم والبكم في الرياض يعرفون بالإشارة أسرع من النطق ؛ لأن هناك أناساً يترجمون لهم بالإشارة فيفهمون منهم مباشرة " ا

نتهى من "لقاء الباب المفتوح" (11/ 22) بترقيم الشاملة .

فإذا وصلت الدعوة إلى الأبكم أو الأصم أو غيرهما عن طريق الكتابة أو الإشارة ، بحيث تكون الحجة قد أقيمت عليه ، وفهم ما يقال له ، وتبين له طريق الهدى من طريق الضلالة : فإنه لا يكون معذورا .

قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث التي فيها امتحان هؤلاء يوم القيامة :

" هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلْقُرْآنِ ، وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ ، فَهِيَ تَفْصِيلٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ حُجَّةُ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُقِيمَ حُجَّتَهُ عَلَيْهِمْ ، وَأَحَقُّ الْمَوَاطِنِ أَنْ تُقَامَ فِيهِ الْحُجَّةُ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ، وَتُسْمَعُ الدَّعَاوَى ، وَتُقَامُ الْبَيِّنَاتُ، وَيَخْتَصِمُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ ، وَيَنْطِقُ كُلُّ أَحَدٍ بِحُجَّتِهِ وَمَعْذِرَتِهِ ، فَلَا تَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَتَنْفَعُ غَيرهُمْ "

انتهى من "أحكام أهل الذمة" (2/ 1149) .

فالمعيار هو قيام الحجة ممن قامت عليه الحجة فلا عذر له ، ومن لم تقم عليه الحجة ، فإنه يكون معذورا .

ثانياً :

من كان من هؤلاء من أولاد المسلمين : فهم تبع لآبائهم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" حُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الطِّفْلِ إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد ، وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الَّذِي وُلِدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ ظَاهِرًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَهْلِ الدَّارِ كَمَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ لِلْأَطْفَالِ ، لَا لِأَجْلِ إيمَانٍ قَامَ بِهِ ، فَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَجَانِينُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 437) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 02:57
هل ثمة تناقض بين الخلق للعبادة والخلق للابتلاء ؟

السؤال :

قال الله في كتابه إنه ما خلقنا إلا لعبادته ، لكننا نجد أيضاً في مواضع أخرى من القرآن أنه خلقنا ليبتلينا ؛ أفلا يُعد هذا تناقضًا ؟

الجواب :

الحمد لله

ليس ثمة تناقض بين الخلق للعبادة ، والخلق للابتلاء :

فالعبادة ذاتها اختبار من الله تعالى لعباده ، فيعلم من يؤمن أو يكفر ، من يعصي أو يطيع ، فيجزي المحسن على إحسانه ، والمسيء على إساءته .

والابتلاء ـ أيضا ـ : حكمته أن يتبين حال العبد عند المصائب : أيصبر ، أم يجزع ؟ ويظهر حاله عند ابتلائه بالنعم ، والمصائب : أيشكر ، أم يكفر ؟!

ولعل سبب توهم السائل وجود التناقض بين الأمرين ظنه أن الابتلاء يقتصر على المصيبة ، فمن صبر نال المثوبة ، ومن جزع وكفر نال الإثم والعقوبة .

وهذا تصور مجتزأ لمعنى " الابتلاء "

والتصور الصحيح هو أن الابتلاء المقصود به هنا هو الاختبار ، فهو أعم من " المصيبة "، والاختبار يدخل في جميع شؤون ابن آدم وأعماله ، وفي تفاصيل حياته وأموره ، فحياته ابتلاء ، وصحته ابتلاء ، ومرضه ابتلاء ، وسعادته ابتلاء ، وماله ابتلاء ، ورزقه ابتلاء ، ومحيطه ابتلاء ، وعلمه ابتلا

، في كل ذلك اختبار من الله تعالى لسلوك هذا الإنسان ، إن كان سينحو ذات اليمين أو ذات الشمال ، في طاعة الرحمن أم في طاعة الشيطان ، لذلك كله يقول الله عز وجل : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور ) الملك/2 ، ويقول عز وجل : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) هود/7 ، ويقول سبحانه :

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون ) المائدة/48، وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) الأنعام/165.

كل هذه الآيات تدل على أن " الاختبار " هو السر في خلق الإنسان ، وهذا الاختبار يشمل تكليف العبادة أيضا ، فمن أدى العبادة – بمفهومها الشامل لكل خير – فقد فاز وربح ، ومن قصر خسر بقدر تقصيره .

يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :

" أخبر سبحانه عن خلق العالم ، والموت ، والحياة ، وتزيين الأرض بما عليها ، أنه للابتلاء والامتحان ، ليختبر خلقه أيهم أحسن عملا ، فيكون عمله موافقا لمحاب الرب تعالى ، فيوافق الغاية التي خلق هو لها ، وخلق لأجلها العالم ، وهي عبوديته المتضمنة لمحبته وطاعته ، وهي العمل الأحسن ، وهو مواقع محبته ورضاه "

انتهى من " روضة المحبين " (61) .

ويقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56 -:

" التحقيق - إن شاء الله - في معنى هذه الآية الكريمة ( إلا ليعبدون ) أي : إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم ، أي أختبرهم بالتكاليف ، ثم أجازيهم على أعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية ، لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله ، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملا ، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم .

قال تعالى في أول سورة الكهف : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا )

فتصريحه - جل وعلا - في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملا ، يفسر قوله : ( ليعبدون ). وخير ما يفسر به القرآن – القرآن .

ومعلوم أن نتيجة العمل المقصودة منه ، لا تتم إلا بجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، ولذا صرح تعالى بأن حكمة خلقهم أولا ، وبعثهم ثانيا : هو جزاء المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، وذلك في قوله تعالى في أول يونس : ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون )، وقوله في النجم: ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ).

وقد أنكر تعالى على الإنسان حسبانه وظنه أنه يترك سدى ، أي مهملا ، لم يؤمر ولم ينه ، وبين أنه ما نقله من طور إلى طور ، حتى أوجده ؛ إلا ليبعثه بعد الموت ، أي ويجازيه على عمله ، قال تعالى : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ) إلى قوله: ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) " .

انتهى من " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " (7/ 445) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 03:03
هل للحيوانات عقل ؟

السؤال:

هل للحيوانات عقل وفهم مثل الإنسان : فإن كانت الإجابة " لا "، فكيف فهم هدهد سيدنا سليمان عليه السلام سجود بلقيس للشمس ، وتعجب من ذلك ، إضافة إلى أن الله عز وجل أخبرنا أن الطيور والحيوانات تسجد ، وتصلي ، وتسبح ، وتنطق ، فكيف تفعل كل هذا وهي لا تملك فهما ولا عقلا . وإن كانت الإجابة " نعم "، فلماذا لم تصبح مكلفة مثل الإنسان ، طالما أن لديها عقلا مثله ، وما وجه تكريم الإنسان عن بقية الكائنات ؟

الجواب :

الحمد لله

يتفق جميع العلماء والعقلاء على أن الإدراك الذي ركبه الله عز وجل في الحيوانات ليس هو العقل الغريزي ، أو ما يسميه الفلاسفة " الهيولاني " الذي كان الفارق الحقيقي بين الإنسان والحيوان ، والذي أدخل الإنسان دائرة التكليف والمسؤولية .

وأما الحيوان ، فما وهبه الله سبحانه مما نراه في إدراكه طرق تدبير معيشته ، والخضوع لخالقه ، سماه القرآن الكريم " هداية "، وذلك في قول الله سبحانه : ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) طه/50. ويسميه العلماء في كتبهم " إدراك الحيوان "، أو " فطنة الحيوان "، أو " حيلة الحيوان "، ونحو ذلك من الأسماء.

يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :

" أُعطِيَت [يعني الحيوانات] من التمييز والإدراك ما تتم به مصلحتها ومصلحة من ذللت له ، وسلبت من الذهن والعقل ما ميز به عليها الإنسان ، وليظهر أيضا فضيلة التمييز والاختصاص "

انتهى من " مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة " (1/ 234) .

نعم ، سمى بعض العلماء هذه " الفطنة الحيوانية " عقلا ، كما فعل ابن العربي رحمه الله في كتابه "

أحكام القرآن " (3/472-473) .

لكن مثل هذا الوصف للحيوان بالعقل لا يقصد به على الإطلاق : "العقل الإنساني" الذي هو " ملكة حاصلة بالتجارب ، يستنبط بها المصالح والأغراض ، ويحصل به الوقوف على العواقب ، و[التمييز] بين الأمور الحسنة ، والقبيحة "

كما في " شرح التلويح " (2/312) .

وإنما يراد به ، ما سبق ذكره ، من أنه إدراك تدبير شؤون معاشها بالغريزة والحيلة ، وإدراك ما ألهمها الله سبحانه ، وركبه في طبيعة خلقها من أمور تهتدي بها إلى مصالحها ، وقوام عيشها .

هكذا ينبغي أن نفهم النصوص التي تتحدث عن " هداية الحيوان "، سواء في القرآن الكريم أم في السنة النبوية .
ولهذا لم يكن الحيوان مكلفا أبدا ، لأنه لا يملك العقل الذي ينمو ويدرك عواقب الأمور ، ويصبح هو المحرك للفعل الحيواني .

يقول السرخسي رحمه الله :

" [العقل] عبارة عن الاختيار الذي يبتني عليه المرء ما يأتي به وما يذر ، مما لا ينتهي إلى إدراكه سائر الحواس ، فإن الفعل أو الترك لا يعتبر إلا لحكمة وعاقبة حميدة ، ولهذا لا يعتبر من البهائم ، لخلوه عن هذا المعنى

والعاقبة الحميدة لا تتحقق فيما يأتي به الإنسان من فعل أو ترك له إلا بعد التأمل فيه بعقله ، فمتى ظهرت أفعاله على سنن أفعال العقلاء ، كان ذلك دليلا لنا على أنه عاقل مميز ، وأن فعله وقوله ليس يخلو عن حكمة وعاقبة حميدة "

انتهى من " أصول السرخسي " (1/ 347)

ويقول نجم الدين الطوفي رحمه الله :

" العقل قوة غريزية ، يدرَك بها الكليات وغيرها ، وهو يوجد بوجود الإنسان ، ثم يتزايد بتزايد البدن تزايدا تدريجيا خفيا عن الحس ، كتزايد الأجسام النباتية والحيوانية في النماء ، وضوء الصبح ، وظل الشمس ، ونحوها من المتزايدات الخفية ، فلا يمكن الوقوف على أول وقت يفهم فيه الخطاب ، فجعل الشرع بلوغه عَلَمًا ظاهرا على أهليته للتكليف ، وضابطا له "

انتهى من " شرح مختصر الروضة " (1/ 186)

أما ما وقع من الهدهد في قصته مع سليمان عليه السلام ، فقد قال بعض العلماء : إن هذه حالة متقدمة لا يقاس عليها ، ولا نظير لها في الحيوانات ، جعلها الله تعالى معجزة خاصة بنبي الله سليمان ، فلا يقاس عليها شأن سائر الحيوان .

قال ابن حزم رحمه الله :

" وقد علمنا بضرورة الحس أن الله تعالى إنما خص بالنطق - الذي هو التصرف ومعرفة الأشياء على ما هي عليه ، والتصرف في الصناعات على اختلافها - الإنسانَ خاصة ، وأضفنا إليهم بالخبر الصادق مجرد الجن ، وأضفنا إليهم بالخبر الصادق وببراهين أيضا ضرورية الملائكة .

وإنما شارك من ذكرنا سائر الحيوان في الحياة الخاصة ، وهي الحس ، والحركة الإرادية ، فعلمنا بضرورة العقل أن الله تعالى لا يخاطب بالشرائع إلا من يعقلها ، ويعرف المراد بها ، وبقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )

ووجدنا جميع الحيوان - حاشا الناس - يجري على رتبة واحدة في تصرفها في معايشها وتناسلها ، لا يجتنب منها واحد شيئا يفعله غيره . هذا الذي يدرك حسا فيما يعاشر الناس في منازلهم ، من المواشي والخيل والبغال والحمير والطير وغير ذلك ، وليس الناس في أحوالهم كذلك ، فصح أن البهائم غير مخاطبة بالشرائع .

فإن اعترض معترض بفعل النحل ، ونسج العنكبوت !

قيل له وبالله التوفيق :

إن هذه طبيعة ضرورية ؛ لأن العنكبوت لا يتصرف في غير تلك الصفة من النسج ، ولا توجد أبدا إلا كذلك .

وأما الإنسان فإنه يتصرف في عمل الديباج ، والوشي ، والقباطي ، وأنواع الأصباغ ، والدباغ ، والخرط ، والنقش ، وسائر الصناعات من الحرث والحصاد والطحن والطبخ والبناء والتجارات ، وفي أنواع العلوم من النجوم ، ومن الأغاني ، والطب ، والجبر ، والعبارة ، والعبادة ، وغير ذلك . ولا سبيل لشيء من الحيوان إلى التصرف في غير الشيء الذي اقتضاه له طبعه ، ولا إلى مفارقة تلك الكيفية .

فإن اعترض معترض بقول الله تعالى : ( عُلِّمنا مَنطِقَ الطَّير )، وبما ذكر الله تعالى من قول النملة : ( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ) الآية ، وقصة الهدهد .

قيل له وبالله تعالى التوفيق :

لم ندفع أن يكون للحيوان أصوات عند معاناة ما تقتضيه له الحياة من طلب الغذاء ، وعند الألم ، وعند المضاربة ، وطلب الفساد ، ودعاء أولادها ، وما أشبه ذلك ، فهذا هو الذي علمه الله تعالى سليمان رسوله عليه السلام ، وهذا الذي يوجد في أكثر الحيوان ، وليس هذا من تمييز دقائق العلوم والكلام

ولا من عمل وجوه الصناعات كلها في شيء ، وإنما عنى الله تعالى بمنطق الطير أصواتها التي ذكرنا ، لا تمييز العلوم ، والتصرف في الصناعات الذي من ادعاه لها أكذبه العيان ، والله تعالى لا يقول إلا الحق .

وأما قصة النملة والهدهد فهما معجزتان خاصتان لذلك النمل ، ولذلك الهدهد ، وآيتان لسليمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ككلام الذراع ، وحنين الجذع ، وتسبيح الطعام لمحمد صلى الله عليه وسلم ، آيات لنبوته عليه السلام ، وكذلك حياة عصا موسى عليه السلام آية لرسول الله موسى عليه السلام ؛ لأن هذا النطق شامل ولأنواع هذه الأشياء "

انتهى باختصار من " الفصل في الملل والأهواء والنحل " (1/69-71)

ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :

" العقل اسم يطلق بالاشتراك على أربعة معان :

فالأول : الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم ، وهو الذي استعد به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية ، وهو الذي أراده الحارث بن أسد المحاسبي حيث قال في حد العقل : إنه غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية . وكأنه نور يقذف في القلب به يستعد لإدراك الأشياء .

الثاني : هي العلوم التي تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز ، بجواز الجائزات ، واستحالة المستحيلات ، كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد ، وأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد ، وهو الذي عناه بعض المتكلمين حيث قال في حد العقل : إنه بعض العلوم الضرورية .

الثالث : علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال ، فإن من حنكته التجارب ، وهذبته المذاهب ، يقال : إنه عاقل في العادة ، ومن لا يتصف بهذه الصفة فيقال : إنه غبي غمر جاهل . فهذا نوع آخر من العلوم يسمى عقلا .

الرابع : أن تنتهي قوة تلك الغريزة إلى أن يعرف عواقب الأمور ، ويقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة ويقهرها ، فإذا حصلت هذه القوة سمى صاحبها عاقلا ، من حيث إن إقدامه وإحجامه ، بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب ، لا بحكم الشهوة العاجلة .

وهذه أيضا من خواص الإنسان التي بها يتميز عن سائر الحيوان .

فالأول هو الأس والمنبع ، والثاني هو الفرع الأقرب إليه ، والثالث فرع الأول والثاني ، إذ بقوة الغريزة والعلوم الضرورية تستفاد علوم التجارب ، والرابع هو الثمرة الأخيرة ، وهو الغاية القصوى فالأولان بالطبع والأخيران بالاكتساب "

انتهى من " إحياء علوم الدين " (1/85-86)

والخلاصة : أن العقل الذي هو مناط التكليف هو من خصائص الإنسان التي تميزه عن سائر الحيوان
.
وأن ما نشهده من سلوك الحيوانات تجاه إصلاح معاشها والتصرف بمحيطها إنما هو " هداية " غريزية ، أودعها الله الحيوان ، من غير تعقل قادر على تقبل العلوم وتطوير المهارات .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 03:08
أوجه البلاغة في آية سورة النور :
ليس على الأعمى حرج ..) الآية .

السؤال

من ضمن تعاريف البلاغة ، أن تستطيع إيصال المعنى المراد بأقل عدد من الكلمات في إيجاز ووضوح وقوة أسلوب لذلك هذا المنطلق على سبيل المثال يجعلني أتساءل حول البلاغة والبيان في قوله تعالى: "لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ

أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" ألم تكن هنالك طريقة أبسط لتوصيل المراد؟ ما الاعجاز البلاغي الموجود بالاية ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

نزل القرآن الكريم ، على أمة من العرب كانت الصناعة الرائجة في وقتهم ( صناعة البيان ) ومع ذلك فقد ظهر عجزهم مع توافر هممهم آنذاك على كراهية الرسول صلى الله عليه وسلم وكراهية ما جاء به، لقد جاء القرآن بما يعرفون ويفهمون، بيد أن واحدًا منهم لم يستطع أن يأتي بمثل القرآن، ولا بعشر سور مثله، بل ولا بسورة واحدة من القرآن .

وأمر آخر؛ أن واحدًا منهم لم يعترض على آية واحدة، فعاب أسلوبها، أو تنقص من فصاحتها، بل كانوا له مذعنين، ولبلاغته خاضعين .

يقول العلامة الشيخ محمد عبد الله دراز ، رحمه الله :

"ها نحن أولاء ندعو كل من يطلب الحق بإنصاف، أن ينظر معنا في القرآن من أي النواحي أحب: من ناحية أسلوبه، أو من ناحية علومه، أو من ناحية الأثر الذي أحدثه في العالم، وغيَّر به وجه التاريخ، أو من تلك النواحي مجتمعة = على أن يكون له الخيرة بعد ذلك أن ينظر إليه في حدود البيئة، والعصر الذي ظهر فيه، أو يفترض أنه ظهر في أرقى الأوساط والعصور التاريخية.

وسواء علينا أيضًا أن ينظر إلى شخصية الداعي الذي جاء به، أو يلتمس شخصًا خياليًّا تجمعت فيه مَرانات الأدباء، وسلطات الزعماء، ودراسات العلماء بكافة العلوم الإنسانية .

ثم نسأله:

هل يجد فيه إلا قوة شاذة، تغلب كل مغالب، وتتضاءل دونها قوة كل عالم، وكل زعيم، وكل شاعر وكاتب، ثم تنقضي الأجيال والأحقاب، ولا ينقضي ما فيه من عجائب، بل قد تنقضي الدنيا كلها ولما يُحِطِ الناس بتأويل كل ما فيه ( يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف: 53]"، النبأ العظيم: (108).

وإن غبي عن بعض الناس ذلك؛ فإن دواءه :

" أن يطيل النظر في أساليب العرب، وأن يستظهر على فهمها بدراسة طرف من علوم الأدب، حتى تستحكم عنده ملكة النقد البياني، ويستبين له طريق الحكم في مراتب الكلام وطبقاته، ثم ينظر في القرآن بعد ذلك.

وأنا له زعيم، بأن كل خطوة يخطوها في هذه السبيل ستزيده معرفة بقدره، وستحل عن نفسه عقدة من عقد الشك في أمره؛ إذ يرى هنالك أنه كلما ازداد بصيرة بأسرار اللغة، وإحسانًا في تصريف القول، وامتلاكًا لناصية البيان، ازداد بقدر ذلك هضمًا لنفسه، وإنكارًا لقوته، وخضوعًا بكليته أمام أسلوب القرآن !!

وهذا قد يبدو لك عجيبًا، أن يزداد شعور المرء بعجزه عن الصنعة، بقدر ما تتكامل فيها قوته ويتسع بها علمه ؟!!

ولكن لا عجب؛ فتلك سنة الله في آياته التي يصنعها بيديه: لا يزيدك العلم بها، والوقوف على أسرارها، إلا إذعانًا لعظمتها، وثقة بالعجز عنها. ولا كذلك صناعات الخلق، فإن فضل العلم بها، يمكنك منها، ويفتح لك الطريق إلى الزيادة عليها؛ ومن هنا: كان سحرة فرعون هم أول المؤمنين برب موسى وهارون" النبأ العظيم: (110).

ثانيًا:

البلاغة في الكلام هي : "مطابقته لمقتضى الحال، مع فصاحته"، انظر: عروس الأفراح: (1/ 90).

وعلى ذلك :

"فيشترط في الكلام البليغ شرطان:

الشرط الأول: أن يكون فصيح المفردات والجمل.

الشرط الثاني: أن يكون مطابقاً لمقتضى حال من يُخَاطبُ به.

ولمّا كانت أحوال المخاطبين مختلفة، وكانت كلُّ حالةٍ منها تحتاج طريقةً من الكلام تلائمها، كانت البلاغة في الكلام تستدعي انتقاء الطّريقة الأكثر ملاءمة لحالة المخاطب به، لبلُوغ الكلام من نفسه مبلغ التأثير الأمْثل المرجوّ... " .

ينظر : "البلاغة العربية"، لحبنكة (1/ 130) ، وفي بيان : الأحوال التي تستدعي اختلافاً في طرائق الكلام وأساليبه .

ونحن ندعوك لمطالعة كتاب ( النبأ العظيم ) لمؤلفه الشيخ محمد دراز رحمه الله، لتقف على طرف من بلاغة القرآن، وروعة أسلوبه وبيانه .

ثالثًا:

أما الآية التي سألت عنها، فإن الله سبحانه " يخبر عن منته على عباده، وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج؛ بل يسره غاية التيسير، فقال: ( لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ؛ أي: ليس على هؤلاء جناح، في ترك الأمور الواجبة، التي تتوقف على واحد منها، وذلك كالجهاد ونحوه، مما يتوقف على بصر الأعمى، أو سلامة الأعرج، أو صحة للمريض، ولهذا المعنى العام الذي ذكرناه،

أطلق الكلام في ذلك، ولم يقيد، كما قيد قوله: ( وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) أي: حرج (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أي: بيوت أولادكم، وهذا موافق للحديث الثابت: (أنت ومالك لأبيك)، والحديث الآخر: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) .

وليس المراد من قوله: (مِنْ بُيُوتِكُمْ) بيت الإنسان نفسه، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل، الذي ينزه عنه كلام الله، ولأنه نفى الحرج عما يظن أو يتوهم فيه الإثم من هؤلاء المذكورين، وأما بيت الإنسان نفسه فليس فيه أدنى توهم .

(أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ) : وهؤلاء معروفون .

(أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ) أي: البيوت التي أنتم متصرفون فيها بوكالة، أو ولاية ونحو ذلك ...

(أَوْ صَدِيقِكُمْ) وهذا الحرج المنفي عن الأكل من هذه البيوت: كل ذلك، إذا كان بدون إذن .

والحكمة فيه معلومة من السياق، فإن هؤلاء المسمَّيْن قد جرت العادة والعرف، بالمسامحة في الأكل منها، لأجل القرابة القريبة، أو التصرف التام، أو الصداقة .

فلو قدر في أحد من هؤلاء عدم المسامحة، والشح في الأكل المذكور: لم يجز الأكل، ولم يرتفع الحرج، نظرا للحكمة والمعنى.

وقوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا) فكل ذلك جائز، أكل أهل البيت الواحد جميعا، أو أكل كل واحد منهم وحده . وهذا نفي للحرج، لا نفي للفضيلة؛ وإلا فالأفضل الاجتماع على الطعام.

(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا) نكرة في سياق الشرط، يشمل بيت الإنسان وبيت غيره، سواء كان في البيت ساكن أم لا ؛ فإذا دخلها الإنسان: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي: فليسلم بعضكم على بعض، لأن المسلمين كأنهم شخص واحد، من تواددهم، وتراحمهم، وتعاطفهم .

فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت، من غير فرق بين بيت وبيت، والاستئذان تقدم أن فيه تفصيلا في أحكامه .

ثم مدح هذا السلام فقال: (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) أي: سلامكم بقولكم: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ، أو : (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ؛ إذ تدخلون البيوت، (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: قد شرعها لكم، وجعلها تحيتكم، (مُبَارَكَةً)، لاشتمالها على السلامة من النقص، وحصول الرحمة والبركة والنماء والزيادة، (طَيِّبَةً) لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله، الذي فيه طيب نفس للمحيا، ومحبة وجلب مودة.

لما بين لنا هذه الأحكام الجليلة : (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ) الدالات على أحكامه الشرعية وحكمها، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) عنه فتفهمونها، وتعقلونها بقلوبكم، ولتكونوا من أهل العقول والألباب الرزينة، فإن معرفة أحكامه الشرعية على وجهها، يزيد في العقل، وينمو به اللب، لكون معانيها أجل المعاني، وآدابها أجل الآداب، ولأن الجزاء من جنس العمل، فكلما استعمل عقله، للعقل عن ربه، وللتفكر في آياته التي دعاه إليها، زاده من ذلك...

" انتهى، من " تفسير الشيخ السعدي: (575).

رابعًا:

ونحن نعجز عن بيان بلاغة هذه الآية، وعظيم معانيها، غير أننا سنذكر لك طرفًا من لطائفها، فمن ذلك:

1- نص الله تعالى على نفي الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض بالتفصيل؛ لأن الحرج منفي عن الأعمى في التكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط فيه المشي والركوب، وعن المريض في التكليف الذي يؤثر المرض في إسقاطه كالصوم وشروط الصلاة والغزو.

ولكن المناسبة في ذكر هذه الرخصة عقب الاستئذان: أن المقصد الترخيص للأعمى أنه لا يتعين عليه استئذان لانتفاء السبب الموجبة.

ثم ذكر الأعرج والمريض إدماجا وإتماما لحكم الرخصة لهما للمناسبة بينهما وبين الأعمى.

2- وأما مناسبة عطف هذه الرخص على رخصة الأعمى، على تقدير أنه منفصل عنه: هو تعلق كليهما بالاستئذان، والدخول للبيوت، سواء كان لغرض الطعام فيها، أو كان للزيارة ونحوها، لاشتراك الكل في رفع الحرج .

وعلى تقدير أنه متصل به على قول الجمهور، فاقتران الجميع في الحكم: هو الرخصة للجميع في الأكل، فأذن الله للأعمى والأعرج والمريض أن يدخلوا البيوت للأكل، لأنهم محاويج لا يستطيعون التكسب، وكان التكسب زمانئذ بعمل الأبدان؛ فرخص لهؤلاء أن يدخلوا بيوت المسلمين لشبع بطونهم.

3- أنه نص على الصديق، وجعل في مرتبة القرابة، لما هو موقور في النفوس من محبة الصلة مع الأصدقاء.

5- أعيدت جملة: (ليس عليكم جناح) تأكيدا للأولى في قوله: (ولا على أنفسكم) إذ الجناح والحرج كالمترادفين. وحسَّنَ هذا التأكيدَ: بُعْدُ ما بين الحال وصاحبها، وهو واو الجماعة في قوله: (أن تأكلوا من بيوتكم)، ولأجل كونها تأكيدًا، فصلت بلا عطف.

6- وفي قوله سبحانه: (فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون).

تفريع على الإذن لهم في الأكل من هذه البيوت بأن ذكرهم بأدب الدخول المتقدم في قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) [النور: 27] لئلا يجعلوا القرابة والصداقة والمخالطة مبيحة لإسقاط الآداب، فإن واجب المرء أن يلازم الآداب مع القريب والبعيد، ولا يغرنه قول الناس: إذا استوى الحب سقط الأدب.

7- وفي قوله (فسلموا) ولم يذكر غيرها، لأن لفظ «السلام» يجمع معنيين: لأنه مشتق من السلامة فهو دعاء بالسلامة، وتأمين بالسلام، لأنه إذا دعا له بالسلامة، فهو مسالم له، فكان الخبر كناية عن التأمين .

وإذا تحقق الأمران: حصل خير كثير، لأن السلامة لا تجامع شيئا من الشر في ذات السالم، والأمان لا يجامع شيئا من الشر يأتي من قبل المعتدي، فكانت دعاء ترجى إجابته، وعهدا بالأمن يجب الوفاء به. وفي كلمة (عليكم) : معنى التمكن، أي السلامة مستقرة عليكم.

ولكون كلمة (السلام) جامعة لهذا المعنى، امتن الله على المسلمين بها، بأن جعلها من عند الله؛ إذ هو الذي علمها رسوله بالوحي.

8- وجملة (كذلك يبين الله لكم الآيات) تكرير للجملتين الواقعتين قبلها في آية الاستئذان؛ لأن في كل ما وقع قبل هذه الجملة بيانا لآيات القرآن، اتضحت به الأحكام التي تضمنتها، وهو بيان يرجى معه أن يحصل لكم الفهم، والعلم بما فيه كمال شأنكم.

يُنظر: التحرير والتنوير: (18/ 299 - 305).

وينظر أيضا ، للفائدة : "روائع البيان في تفسير آيات الأحكام" (2/ 226 - 228) .

خلاصة الجواب :

تضمن القرآن لأعلى درجات الفصاحة والبيان، ومن ذلك آيات سورة النور ؛ غير أن إدراكها ، والتمرس ببلاغة القرآن ، يحتاج دربة من القارئ ، وإلماما بطرائق العرب في بيانها ، ومعرفة بأساليب البلغاء، وأسرار جمالها .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 03:11
هل يجوز له أن يوكل من يفرق الزكاة عنه؟

السؤال :

شخص عنده أموال وقد وجبت فيها الزكاة ، فهل له أن يوكل شخصاً يقوم بتفريق الزكاة أم أنه يجب عليه أن يفرقها بنفسه ؟

الجواب :

الحمد لله

من وجبت عليه الزكاة جاز له أن يوكل ثقة يقوم مقامه في تفريق الزكاة ، إلا أن الأفضل أن يفرقها بنفسه ولا يوكل ؛ ليكون على يقين من أدائها .

جاء في "الإنصاف" (3/197) :

" يجوز التوكيل في دفع الزكاة . وهو صحيح . لكن يشترط فيه أن يكون ثقة , نص عليه [يعني الإمام أحمد] , وأن يكون مسلماً , على الصحيح من المذهب " انتهى .

وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/138) :

" له أن يوكل في صرف الزكاة التي له تفريقها بنفسه...وإنما جاز التوكيل في ذلك مع أنها عبادة ; لأنها تشبه قضاء الديون ; ولأنه قد تدعو الحاجة إلى الوكالة لغيبة المال وغير ذلك.... وتفريقه بنفسه أفضل من التوكيل بلا خلاف ; لأنه يكون على ثقة من تفريقه بخلاف الوكيل " انتهى .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

هل يجوز التوكيل في صرف زكاة الفطر وزكاة المال وفي قبضها ؟

فأجاب : "نعم ، يجوز التوكيل في صرف زكاة الفطر كما يجوز في زكاة المال ، لكن لابد أن تصل زكاة الفطر إلى يد الفقير قبل صلاة العيد ؛ لأنه وكيل عن صاحبها ، أما لو كان الجار قد وكله الفقير ، وقال : اقبض زكاة الفطر من جارك لي ، فإنه يجوز أن تبقى مع الوكيل ولو بعد صلاة العيد ، لأن قبض وكيل الفقير بمنزلة قبض الفقير"

انتهى من مجموع الفتاوى (18/310) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-28, 03:16
هل يجوز أخذ الأجر على عمل إضافي لم يحصل ؟

السؤال :

أنا موظف في شركة , وقد تلقيت وعداً من مديري المباشر بتحسين راتبي ، ولكنه يحتاج إلى وقت ، وعوضني بساعات عمل إضافية ؛ علما بأنني لا أعمل إضافي ؟ هل هذا الأجر عن العمل الإضافي حلال أم حرام ؟

علماً أن المدير المباشر هو المسئول عن طلب الزيادة ، و العمل الإضافي . وإذا كان حراماً ؛ لقد مرت تقريبا سبعة شهور لهذا الموضوع ؛ فما التصرف السليم ؟.

الجواب :

الحمد لله

يقول الله تعالى: ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ) النساء/58

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهَ رَعِيَّةً يَمُوتُ يومَ يَموتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلاَّ حرَّم اللهُ عَلَيهِ الجنةَ ) متفق عليه .

وقال أيضًا: ( كُلُّكُم رَاعٍ ، وكلُّكم مسئول عَن رَعِيَّتِهِ ) متفق عليه .

وهذا يشمل الموظف والمدير أو الرئيس ، فكل منهما راع فيما هو مكلف به من أموال الشركة، وهو مسئول عن ذلك يوم القيامة .

والشركة وإن كانت قد خولت للمدير المباشر صلاحية إقرار الأعمال الإضافية ، مع إعطاء الأجور عليها ، فهي لم تفعل ذلك إلا بالنظر إلى حاجتها إلى ذلك العمل الإضافي ، فإذا لم يكن هناك حاجة إلى عمل إضافي ، أو لم يكن هناك عمل إضافي من الأصل : فإن إعطاء المدير المباشر الموظفين الأجر ، بدون استحقاق ، غش وخيانة للأمانة ، فلا يجوز تقاضي هذه الأجور ؛ لأنها أجور على أعمال لم تتم .

وقد سئلت اللجنة الدائمة :

هل يجوز لي أخذ مكافأة خارج الدوام الرسمي ، إذا حضرت للعمل خلال الفترة المسائية ، وداومت الفترة المكلف بها ، حتى ولو لم يكن لدي عمل ؟

فأجابت اللجنة :

" إذا كنت تستطيع القيام بأعمال مكتبك الوظيفي وإنجازها خلال وقت الدوام الرسمي ، ولا يوجد عمل تقوم به أثناء تكليفك بالعمل خارج الدوام الرسمي ، فإنه لا يجوز لك قبول هذا العمل الإضافي ، ولا يحل لك أخذ المال الذي يصرف لك من طريقه ؛ لأن مكافأة العمل الإضافي خارج الدوام الرسمي تصرف لمن يؤدي عملا أثناءه ، ولا يستطيع أداءه أثناء عمله الرسمي ، وحيث إنك لم تؤد عملا أثناء تكليفك بالعمل الإضافي يبيح لك أخذ مكافأته : فإنه يجب عليك البعد عنه ، براءة للذمة ما دام الواقع كما ذكرت " انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/404 - 406)

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" أنا موظف حكومي ويتطلب العمل مني أحياناً عملا إضافيا , وقد قامت الدائرة التي أعمل فيها بتعميدي أنا وبعض وزملائي في العمل خارج وقت الدوام الرسمي ولمدة (45) يوماً , وقد كنت حريصاً على أن أحضر مع زملائي في العمل , ولكنهم لم يعلموني بذلك , ولما سألت أحدهم قال لي : لم يأت دورك بعد , حتى انتهت المدة المحددة , وصرف المبلغ لذلك العمل لي ولزملائي , وإنني في حيرة من أمري في هذا المبلغ أهو حلال أم حرام ؟

علماً أن رئيسي في العمل المباشر ورئيس الدائرة : راضون عني في العمل , حيث إنني في نظرهم موظف نشيط ، وقد يكون هذا المبلغ مكافأة لي على حرصي وعلى حسن عملي, حيث إن راتبي قليل , وإذا لم يكن هذا المبلغ حلالا فماذا أعمل به ؟

فأجاب الشيخ :

" هذا السؤال يقع كثيراً , وأنا أسألكم الآن : هل هذا حق أو باطل ؟ بمعنى : هل هذه المكافأة التي حصلت للإنسان على عمل معين ؛ هل قام بهذا العمل أم لا ؟

لم يقم بالعمل ؛ إذا لم يقم بالعمل صار أخذ المال بغير حق , وأخذ المال بغير حق هو أكل المال بالباطل تماماً , مع ما في ذلك من خيانة للأمانة , حتى ولو وافق الرئيس المباشر على مثل هذا العمل فهو خائن , والمال ليس ماله - أعني الرئيس المباشر - حتى يتصرف به كيف يشاء .

وإنني بهذه المناسبة أحذر الرؤساء والمدراء الذين يعملون مثل هذا العمل , وأقول :

اتقوا الله فيما وليتم عليه , واتقوا الله أيضاً فيمن تحت أيديكم من الموظفين , لا تطعموهم ما لا يحل لهم , ولا تخونوا الدولة بأن تعطوا من لا يستحق " . انتهى مختصرا .

"لقاء الباب المفتوح" (114/22)

فالواجب على المسلم أن يتقي الله ، وأن يحرص على أن يكون مطعمه ومشربه حلالاً ، فالمال الحرام لا يبارك الله فيه ولا يهنأ صاحبه به ، وقد روى مسلم (1015) عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ذَكَرَ الرَّجُلَ "يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ. وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ .

والمدير المباشر وإن كان هو المسئول عن طلب الزيادة والعمل الإضافي – كما يقول السائل – فهو مقيد باللوائح والأنظمة التي تنظم العمل بالشركة ، والتي يجب عليه أن يخضع لها هو وكل من تحته من الموظفين ، ما دام ذلك لا يخالف شرع الله .

ولا شك أن اللوائح في أي شركة تمنع من تحصيل أجور ودفع مرتبات على أعمال وهمية ، أو أعمال لم تتم . وإنما الواجب عليه ، والذي تسمح له الشركة : أن يسعى في زيادة راتبك ، وأن يعجل به ، ما دمت تستحق ذلك ، لا أن يعطيك أجرا على عمل لم تقم به .

فعلى المدير المباشر ومرؤوسيه جميعا مراعاة ذلك ، وعند خلافه : تجب التوبة والإقلاع عن هذه الخيانة ، كما يجب رد المال المحصل بهذا السبيل غير المستقيم إلى الشركة ؛ إذا أمكن له أن يفعل ذلك ، تحت أي بند من البنود المتاحة .

فإن لم يتيسر ذلك : فبإمكانه أن يصرفه في مصلحة العمل ، وأن يضعه في أي بند يحتاج إلى نفقة في الشركة .

فإن لم يتيسر له ذلك – وهو أمر مستبعد فيما يبدو لنا : فإنه يتصدق به على الفقراء والمساكين عن أصحابه .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

الأصيــل
2018-03-30, 10:13
بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك

الأصيــل
2018-03-30, 10:15
لو تسمحلي سؤال ..
هل أستطيع أن انشر مواضيعك في منتدى آخر ؟

messi20122013
2018-04-09, 15:59
جزاكم الله كل الخير

*عبدالرحمن*
2018-06-07, 21:29
بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك

لو تسمحلي سؤال ..
هل أستطيع أن انشر مواضيعك في منتدى آخر ؟

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اولا اسعدني حضورك الطيب مثلك

و يسعدني جدا نقل كل المواضيع الي منتديات او مواقع اخري فانا نفسي انقلها لكم حتي تعم الفائدة

قال رسول الله صلي الله عليه و سلم الدال علي الخير ك فعله

بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-06-07, 21:31
جزاكم الله كل الخير

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-06-07, 21:38
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://a.top4top.net/p_866vhcjc1.gif (https://up.top4top.net/)


سبب تكرار كلمة حرج وكلمة بيوتكم في آية سورة النور ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج.. )

السؤال

: يقول سبحانه وتعالى في سورة النور الآية /61:( لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تعقلون ).

0 سؤالي لماذا كرر الله سبحانه وتعالى كلمة حرج وكلمة بيوتكم مع أن البلاغة تتضمن القدرة على إيصال المعنى بوضوح بأقل عدد من الكلمات ؟

وقال أيضا في آية أخرى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . مع الملاحظة أن الله سبحانه لم يكرر كلمة حرج للضعفاء والمرضى . ارجو التوضيح لماذا كررها في الآية الأولى ولم يكررها في الآية الثانية ؟

هل من بلاغة في هاتين الآيتين حتى جعلتها تأتي بهذه الصيغة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

التكرار في القرآن الكريم جاء على طريقة العرب في البيان، فإن "للتكرار مواضع يحسن فيها، ومواضع يقبح فيها، فأكثر ما يقع التكرار في الألفاظ دون المعاني، وهو في المعاني دون الألفاظ أقلّ".

أما وجوده في القرآن " فحكمته التصرف في الكلام وإتيانه على ضروب؛ ليُعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك: مبتدأ به ومتكرر".

انظر : العمدة، لابن رشيق: (2/ 73)، والبرهان، للزركشي: (1/ 112).

والبلاغة ليست هي مجرد الإيجاز في الكلام ، كما ذكر في السؤال ؛ بل هي مراعاة الكلام لمقتضى الحال، فقد يقتضي الحال طول الكلام وبسطه، فتكون البلاغة في بسطه ، على طرائق البيان والفصاحة ، ومجاري لسان العرب . وقد يقتضي المقام إيجاز القول ، فتكون البلاغة في إيجازه ، مع بلوغ الغرض ، وإصابة المعنى ، وفصاحة اللفظ ، واستقامة النظم .

قال السبكي: " اعلم أن إخراج الكلام على مقتضى الحال، يكون تارة بالإيجاز والإطناب، وتارة بالمساواة، على خلاف في المساواة " عروس الأفراح: ( 1/ 575).

ثانيًا:

هذه الآية الكريمة تتحدث عن نفي الحرج عن هؤلاء الثلاثة: (الأعمى - الأعرج - المريض)، وحرج كل واحد من هؤلاء الثلاثة يختلف عن حرج الآخر، فلذلك وقع التكرار هنا .

قال العلامة ابن عاشور رحمه الله : " هذه الآية نفي للحرج عن هؤلاء الثلاثة ، فيما تجره ضرارتهم إليهم من الحرج من الأعمال ؛ فالحرج مرفوع عنهم في كل ما تضطرهم إليه أعذارهم، فتقتضي نيتهم الإتيان فيه بالإكمال ، ويقتضي العذر أن يقع منهم.

فالحرج منفي عن الأعمى في التكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط فيه المشي والركوب، وعن المريض في التكليف الذي يؤثر المرض في إسقاطه كالصوم وشروط الصلاة والغزو" التحرير والتنوير: (18/ 300).

و"المناسبة في ذكر هذه الرخصة عقب الاستئذان: أن المقصد الترخيص للأعمى أنه لا يتعين عليه استئذان لانتفاء السبب الموجبة، ثم ذكر الأعرج والمريض إدماجا ، وإتماما لحكم الرخصة لهما للمناسبة بينهما وبين الأعمى.

وقد أذن الله للأعمى والأعرج والمريض أن يدخلوا البيوت للأكل لأنهم محاويج ، لا يستطيعون التكسب ، وكان التكسب زمانئذ بعمل الأبدان ؛ فرخص لهؤلاء أن يدخلوا بيوت المسلمين لشبع بطونهم"، انظر: المصدر السابق .

ولم يقع هذا التكرار في الآية الأخرى لاشتراكهم في نفس الحكم، وهو نفي الحرج عنهم في النفقة والغزو .

ثالثًا:

أما تكرر كلمة (بيوت) في الآية الكريمة، فلعله - والله أعلم - لئلا يتوهم اشتراك الجميع في بيت واحد، فبيت كل واحد من الأصناف المذكورة مستقل عن بيت الآخر .

والخلاصة

نفى الله عز وجل الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض، وكرر الله ذكر الحرج، لأن الله تعالى أراد رفع التكليف عنهم كل بحسب المشقة التي تلحقه جراء الضر الذي أصابه، ونفى الله عنهم الحرج مجتمعين في أمر الجهاد، لأنهم اشتركوا في نفس المسألة .

وكرر الله ذكر البيوت لئلا يوهم اشتراك الجميع في بيت واحد، فلكل بيته، وكل منهم يجري على بيته ذكر الحكم .

والله أعلم

.......

أوجه البلاغة في آية سورة النور : ( ليس على الأعمى حرج ..) الآية .

السؤال

من ضمن تعاريف البلاغة ، أن تستطيع إيصال المعنى المراد بأقل عدد من الكلمات في إيجاز ووضوح وقوة أسلوب لذلك هذا المنطلق على سبيل المثال يجعلني أتساءل حول البلاغة والبيان في قوله تعالى: "لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" ألم تكن هنالك طريقة أبسط لتوصيل المراد؟ ما الاعجاز البلاغي الموجود بالاية ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

نزل القرآن الكريم ، على أمة من العرب كانت الصناعة الرائجة في وقتهم ( صناعة البيان ) ومع ذلك فقد ظهر عجزهم مع توافر هممهم آنذاك على كراهية الرسول صلى الله عليه وسلم وكراهية ما جاء به، لقد جاء القرآن بما يعرفون ويفهمون، بيد أن واحدًا منهم لم يستطع أن يأتي بمثل القرآن، ولا بعشر سور مثله، بل ولا بسورة واحدة من القرآن .

وأمر آخر؛ أن واحدًا منهم لم يعترض على آية واحدة، فعاب أسلوبها، أو تنقص من فصاحتها، بل كانوا له مذعنين، ولبلاغته خاضعين .

يقول العلامة الشيخ محمد عبد الله دراز ، رحمه الله :

"ها نحن أولاء ندعو كل من يطلب الحق بإنصاف، أن ينظر معنا في القرآن من أي النواحي أحب: من ناحية أسلوبه، أو من ناحية علومه، أو من ناحية الأثر الذي أحدثه في العالم، وغيَّر به وجه التاريخ، أو من تلك النواحي مجتمعة = على أن يكون له الخيرة بعد ذلك أن ينظر إليه في حدود البيئة، والعصر الذي ظهر فيه، أو يفترض أنه ظهر في أرقى الأوساط والعصور التاريخية.

وسواء علينا أيضًا أن ينظر إلى شخصية الداعي الذي جاء به، أو يلتمس شخصًا خياليًّا تجمعت فيه مَرانات الأدباء، وسلطات الزعماء، ودراسات العلماء بكافة العلوم الإنسانية .

ثم نسأله:

هل يجد فيه إلا قوة شاذة، تغلب كل مغالب، وتتضاءل دونها قوة كل عالم، وكل زعيم، وكل شاعر وكاتب، ثم تنقضي الأجيال والأحقاب، ولا ينقضي ما فيه من عجائب، بل قد تنقضي الدنيا كلها ولما يُحِطِ الناس بتأويل كل ما فيه ( يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف: 53]"، النبأ العظيم: (108).

وإن غبي عن بعض الناس ذلك؛ فإن دواءه :

" أن يطيل النظر في أساليب العرب، وأن يستظهر على فهمها بدراسة طرف من علوم الأدب، حتى تستحكم عنده ملكة النقد البياني، ويستبين له طريق الحكم في مراتب الكلام وطبقاته، ثم ينظر في القرآن بعد ذلك.

وأنا له زعيم، بأن كل خطوة يخطوها في هذه السبيل ستزيده معرفة بقدره، وستحل عن نفسه عقدة من عقد الشك في أمره؛ إذ يرى هنالك أنه كلما ازداد بصيرة بأسرار اللغة، وإحسانًا في تصريف القول، وامتلاكًا لناصية البيان، ازداد بقدر ذلك هضمًا لنفسه، وإنكارًا لقوته، وخضوعًا بكليته أمام أسلوب القرآن !!

وهذا قد يبدو لك عجيبًا، أن يزداد شعور المرء بعجزه عن الصنعة، بقدر ما تتكامل فيها قوته ويتسع بها علمه ؟!!

ولكن لا عجب؛ فتلك سنة الله في آياته التي يصنعها بيديه: لا يزيدك العلم بها، والوقوف على أسرارها، إلا إذعانًا لعظمتها، وثقة بالعجز عنها. ولا كذلك صناعات الخلق، فإن فضل العلم بها، يمكنك منها، ويفتح لك الطريق إلى الزيادة عليها؛ ومن هنا: كان سحرة فرعون هم أول المؤمنين برب موسى وهارون" النبأ العظيم: (110).

ثانيًا:

البلاغة في الكلام هي : "مطابقته لمقتضى الحال، مع فصاحته"، انظر: عروس الأفراح: (1/ 90).

وعلى ذلك :

"فيشترط في الكلام البليغ شرطان:

الشرط الأول: أن يكون فصيح المفردات والجمل.

الشرط الثاني: أن يكون مطابقاً لمقتضى حال من يُخَاطبُ به.

ولمّا كانت أحوال المخاطبين مختلفة، وكانت كلُّ حالةٍ منها تحتاج طريقةً من الكلام تلائمها، كانت البلاغة في الكلام تستدعي انتقاء الطّريقة الأكثر ملاءمة لحالة المخاطب به، لبلُوغ الكلام من نفسه مبلغ التأثير الأمْثل المرجوّ... " .

ينظر : "البلاغة العربية"، لحبنكة (1/ 130) ، وفي بيان : الأحوال التي تستدعي اختلافاً في طرائق الكلام وأساليبه .

ونحن ندعوك لمطالعة كتاب ( النبأ العظيم ) لمؤلفه الشيخ محمد دراز رحمه الله، لتقف على طرف من بلاغة القرآن، وروعة أسلوبه وبيانه .

ثالثًا:

أما الآية التي سألت عنها، فإن الله سبحانه " يخبر عن منته على عباده، وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج؛ بل يسره غاية التيسير، فقال: ( لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ؛ أي: ليس على هؤلاء جناح، في ترك الأمور الواجبة، التي تتوقف على واحد منها، وذلك كالجهاد ونحوه، مما يتوقف على بصر الأعمى، أو سلامة الأعرج، أو صحة للمريض، ولهذا المعنى العام الذي ذكرناه، أطلق الكلام في ذلك، ولم يقيد، كما قيد قوله: ( وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) أي: حرج (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أي: بيوت أولادكم، وهذا موافق للحديث الثابت: (أنت ومالك لأبيك)، والحديث الآخر: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) .

وليس المراد من قوله: (مِنْ بُيُوتِكُمْ) بيت الإنسان نفسه، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل، الذي ينزه عنه كلام الله، ولأنه نفى الحرج عما يظن أو يتوهم فيه الإثم من هؤلاء المذكورين، وأما بيت الإنسان نفسه فليس فيه أدنى توهم .

(أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ) : وهؤلاء معروفون .

(أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ) أي: البيوت التي أنتم متصرفون فيها بوكالة، أو ولاية ونحو ذلك ...

(أَوْ صَدِيقِكُمْ) وهذا الحرج المنفي عن الأكل من هذه البيوت: كل ذلك، إذا كان بدون إذن .

والحكمة فيه معلومة من السياق، فإن هؤلاء المسمَّيْن قد جرت العادة والعرف، بالمسامحة في الأكل منها، لأجل القرابة القريبة، أو التصرف التام، أو الصداقة .

فلو قدر في أحد من هؤلاء عدم المسامحة، والشح في الأكل المذكور: لم يجز الأكل، ولم يرتفع الحرج، نظرا للحكمة والمعنى.

وقوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا) فكل ذلك جائز، أكل أهل البيت الواحد جميعا، أو أكل كل واحد منهم وحده . وهذا نفي للحرج، لا نفي للفضيلة؛ وإلا فالأفضل الاجتماع على الطعام.

(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا) نكرة في سياق الشرط، يشمل بيت الإنسان وبيت غيره، سواء كان في البيت ساكن أم لا ؛ فإذا دخلها الإنسان: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي: فليسلم بعضكم على بعض، لأن المسلمين كأنهم شخص واحد، من تواددهم، وتراحمهم، وتعاطفهم .

فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت، من غير فرق بين بيت وبيت، والاستئذان تقدم أن فيه تفصيلا في أحكامه .

ثم مدح هذا السلام فقال: (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) أي: سلامكم بقولكم: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ، أو : (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ؛ إذ تدخلون البيوت، (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: قد شرعها لكم، وجعلها تحيتكم، (مُبَارَكَةً)، لاشتمالها على السلامة من النقص، وحصول الرحمة والبركة والنماء والزيادة، (طَيِّبَةً) لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله، الذي فيه طيب نفس للمحيا، ومحبة وجلب مودة.

لما بين لنا هذه الأحكام الجليلة : (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ) الدالات على أحكامه الشرعية وحكمها، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) عنه فتفهمونها، وتعقلونها بقلوبكم، ولتكونوا من أهل العقول والألباب الرزينة، فإن معرفة أحكامه الشرعية على وجهها، يزيد في العقل، وينمو به اللب، لكون معانيها أجل المعاني، وآدابها أجل الآداب، ولأن الجزاء من جنس العمل، فكلما استعمل عقله، للعقل عن ربه، وللتفكر في آياته التي دعاه إليها، زاده من ذلك... "

انتهى، من " تفسير الشيخ السعدي: (575).

رابعًا:

ونحن نعجز عن بيان بلاغة هذه الآية، وعظيم معانيها، غير أننا سنذكر لك طرفًا من لطائفها، فمن ذلك:

1- نص الله تعالى على نفي الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض بالتفصيل؛ لأن الحرج منفي عن الأعمى في التكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط فيه المشي والركوب، وعن المريض في التكليف الذي يؤثر المرض في إسقاطه كالصوم وشروط الصلاة والغزو.

ولكن المناسبة في ذكر هذه الرخصة عقب الاستئذان: أن المقصد الترخيص للأعمى أنه لا يتعين عليه استئذان لانتفاء السبب الموجبة.

ثم ذكر الأعرج والمريض إدماجا وإتماما لحكم الرخصة لهما للمناسبة بينهما وبين الأعمى.

2- وأما مناسبة عطف هذه الرخص على رخصة الأعمى، على تقدير أنه منفصل عنه: هو تعلق كليهما بالاستئذان، والدخول للبيوت، سواء كان لغرض الطعام فيها، أو كان للزيارة ونحوها، لاشتراك الكل في رفع الحرج .

وعلى تقدير أنه متصل به على قول الجمهور، فاقتران الجميع في الحكم: هو الرخصة للجميع في الأكل، فأذن الله للأعمى والأعرج والمريض أن يدخلوا البيوت للأكل، لأنهم محاويج لا يستطيعون التكسب، وكان التكسب زمانئذ بعمل الأبدان؛ فرخص لهؤلاء أن يدخلوا بيوت المسلمين لشبع بطونهم.

3- أنه نص على الصديق، وجعل في مرتبة القرابة، لما هو موقور في النفوس من محبة الصلة مع الأصدقاء.

5- أعيدت جملة: (ليس عليكم جناح) تأكيدا للأولى في قوله: (ولا على أنفسكم) إذ الجناح والحرج كالمترادفين. وحسَّنَ هذا التأكيدَ: بُعْدُ ما بين الحال وصاحبها، وهو واو الجماعة في قوله: (أن تأكلوا من بيوتكم)، ولأجل كونها تأكيدًا، فصلت بلا عطف.

6- وفي قوله سبحانه: (فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون).

تفريع على الإذن لهم في الأكل من هذه البيوت بأن ذكرهم بأدب الدخول المتقدم في قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) [النور: 27] لئلا يجعلوا القرابة والصداقة والمخالطة مبيحة لإسقاط الآداب، فإن واجب المرء أن يلازم الآداب مع القريب والبعيد، ولا يغرنه قول الناس: إذا استوى الحب سقط الأدب.

7- وفي قوله (فسلموا) ولم يذكر غيرها، لأن لفظ «السلام» يجمع معنيين: لأنه مشتق من السلامة فهو دعاء بالسلامة، وتأمين بالسلام، لأنه إذا دعا له بالسلامة، فهو مسالم له، فكان الخبر كناية عن التأمين .

وإذا تحقق الأمران: حصل خير كثير، لأن السلامة لا تجامع شيئا من الشر في ذات السالم، والأمان لا يجامع شيئا من الشر يأتي من قبل المعتدي، فكانت دعاء ترجى إجابته، وعهدا بالأمن يجب الوفاء به. وفي كلمة (عليكم) : معنى التمكن، أي السلامة مستقرة عليكم.

ولكون كلمة (السلام) جامعة لهذا المعنى، امتن الله على المسلمين بها، بأن جعلها من عند الله؛ إذ هو الذي علمها رسوله بالوحي.

8- وجملة (كذلك يبين الله لكم الآيات) تكرير للجملتين الواقعتين قبلها في آية الاستئذان؛ لأن في كل ما وقع قبل هذه الجملة بيانا لآيات القرآن، اتضحت به الأحكام التي تضمنتها، وهو بيان يرجى معه أن يحصل لكم الفهم، والعلم بما فيه كمال شأنكم.

يُنظر: التحرير والتنوير: (18/ 299 - 305).

وينظر أيضا ، للفائدة : "روائع البيان في تفسير آيات الأحكام" (2/ 226 - 228) .

خلاصة الجواب :

تضمن القرآن لأعلى درجات الفصاحة والبيان، ومن ذلك آيات سورة النور ؛ غير أن إدراكها ، والتمرس ببلاغة القرآن ، يحتاج دربة من القارئ ، وإلماما بطرائق العرب في بيانها ، ومعرفة بأساليب البلغاء، وأسرار جمالها .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-06-07, 21:43
حكم من لم يسمع بالإسلام من النصارى

السؤال:

ذكرتم في الفتوى أنّ من مات كافراً ، ولكنه لم يسمع بالإسلام ، ولم يقدر على معرفة الدين الصحيح بالرغم من محاولته ذلك ، فإنّه يُمتحن يوم القيامة ، فهل ينطبق ذلك أيضاً على الكفار الذين ذكرهم القرآن الكريم مثل : النصارى الذي يدعون ألوهية عيسى عليه السلام ؟

أرجو الإجابة حتى أتمكن من فهم معاني القرآن الكريم بشكل صحيح إن شاء الله تعالى .

الجواب :

الحمد لله

نعم ، هذا الحكم يشمل جميع الكفار الذين لم تبلغهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يسمعوا بها أصلا ، أو لم يسمعوا به سماعا صحيحا ، تقوم الحجة بمثله عليهم ، ولم يتمكنوا من الوصول إلى نور النبوة ، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده : أن جعل مناط العذاب والحجة على عباده : بلوغ رسالته إليهم ؛ فمن لم تبلغه رسالة الرسول ، لم يستحق العذاب ، قال الله تعالى : (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الإسراء/15

وقال تعالى : (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) ، وقال تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة .

وفي صحيح مسلم (153) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) .
فدل ذلك على أن من لم تبلغه رسالة الرسل ، فله حجة يجادل بها عن نفسه عند الله ، ويدفع بها عن نفسه العذاب .
ودل على أن من لم "يسمع" بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فليس من أهل النار ، الذين هم أهلها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَهُنَا أَصْلٌ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ ، وَهُوَ : أَنَّهُ قَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ إِلَّا مَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ :

قَالَ - تَعَالَى -: { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 13 - 15] ... وَقَالَ: { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } [الزمر: 71]

وَقَالَ - تَعَالَى -: { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130] وَقَالَ - تَعَالَى -: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [القصص: 59] ...

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ : فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُجَّةَ إِنَّمَا تَقُومُ بِالْقُرْآنِ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ ، كَقَوْلِهِ: { لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [الأنعام: 19] .
فَمَنْ بَلَغَهُ بَعْضُ الْقُرْآنِ دُونَ بَعْضٍ : قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِمَا بَلَغَهُ ، دُونَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ .

فَإِذَا اشْتَبَهَ مَعْنَى بَعْضِ الْآيَاتِ ، وَتَنَازَعَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ : وَجَبَ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ .

فَإِذَا اجْتَهَدَ النَّاسُ فِي فَهْمِ مَا أَرَادَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَالْمُصِيبُ لَهُ أَجْرَانِ ، وَالْمُخْطِئُ لَهُ أَجْرٌ .
فَلَا يُمْنَعُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَنَا ؛ فَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ جَمِيعُ نُصُوصِ الْكِتَابِ قَبْلَنَا : لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ إِلَّا بِمَا بَلَغَهُ ، وَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَعْنَاهُ مِنْهُ ، فَاجْتَهَدَ فِي مَعْرِفَتِهِ : فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ، وَخَطَؤه مَحْطُوطٌ عَنْهُ .
فَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ تَحْرِيفَ الْكِتَابِ ، لَفْظِهِ أَوْ مَعْنَاهُ ، وَعَرَفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ، فَعَانَدَهُ : فَهَذَا مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ .

وَكَذَلِكَ مَنْ فَرَّطَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ ، مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ ، مُشْتَغِلًا عَنْ ذَلِكَ بِدُنْيَاهُ .

وَعَلَى هَذَا :

فَإِذَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ قَدْ حَرَّفُوا بَعْضَ الْكِتَابِ ، وَفِيهِمْ آخَرُونَ لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ ، فَهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي اتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ : لَمْ يَجِبْ أَنْ يُجْعَلَ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُسْتَوْجِبِينَ لِلْوَعِيدِ .

وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ جَمِيعَ مَا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ ، بَلْ خَفِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا جَاءَ بِهِ ، أَوْ بَعْضُ مَعَانِيهِ ، فَاجْتَهَدَ : لَمْ يُعَاقَبْ عَلَى مَا لَمْ يَبْلُغْهُ ، وَقَدْ تُحْمَلُ أَخْبَارُ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ تُبَّعٍ ، وَالَّذِينَ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، كَابْنِ التَّيِّهَانِ وَغَيْرِهِ ، عَلَى هَذَا ؛ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُكَذِّبِينَ لِلْمَسِيحِ تَكْذِيبَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ .

وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ : هَلْ يُمْكِنُ مَعَ الِاجْتِهَادِ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ ، أَنْ لَا يُبَيَّنَ لِلنَّاظِرِ الْمُسْتَدِلِّ صِدْقُ الرَّسُولِ ، أَمْ لَا ؟

وَإِذَا لَمْ يتبينْ لَهُ ذَلِكَ : هَلْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ أَمْ لَا ؟ .

وَتَنَازَعَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْمُقَلِّدِ مِنْهُمْ أَيْضًا .

وَالْكَلَامُ فِي مَقَامَيْنِ:

الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فِي بَيَانِ خَطَأِ الْمُخَالِفِ لِلْحَقِّ وَضَلَالِهِ ؛ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، عَقْلِيَّةٍ وَسَمْعِيَّةٍ ، وَقَدْ يُعْرَفُ الْخَطَأُ فِي أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُخَالِفِينَ لِلْحَقِّ ، وَغَيْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، بِأَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنَ الدَّلَائِلِ.

وَالْمَقَامُ الثَّانِي: الْكَلَامُ فِي كُفْرِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمُ الْوَعِيدَ فِي الْآخِرَةِ.

فَهَذَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلنَّاسِ ، مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ ، مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، لَهُمُ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ :

قِيلَ: إنَّهُ يُعَذَّبُ فِي النَّارِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ ، وَإِنْ لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِ رَسُولٌ ، لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِالْعَقْلِ . وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ ، مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ.

وَقِيلَ: لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ بِالْعَقْلِ ؛ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعَذَّبَ مَنْ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ ، لَا بِالشَّرْعِ وَلَا بِالْعَقْلِ . وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يُجَوِّزُ تَعْذِيبَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَمَجَانِينِهِمْ . وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ ، كَالْجَهْمِ وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَعَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ : أنَّهُ لَا يُعَذَّبُ إِلَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الرِّسَالَةُ ، وَلَا يُعَذَّبُ إِلَّا مَنْ خَالَفَ الرُّسُلَ ; كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ؛ قَالَ - تَعَالَى - لِإِبْلِيسَ - : {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85] .

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ فَنَحْنُ فِيمَا نُنَاظِرُ فِيهِ أَهْلَ الْكِتَابِ: مُتَقَدِّمِيهِمْ وَمُتَأَخِّرِيهِمْ :

تَارَةً نَتَكَلَّمُ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ بَيَانُ مُخَالَفَتِهِمْ لِلْحَقِّ ، وَجَهْلِهِمْ وَضَلَالِهِمْ ، فَهَذَا تَنْبِيهٌ لِجَمِيعِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ .
وَتَارَةً نُبَيِّنُ كُفْرَهُمُ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَهَذَا أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ لَا يُتَكَلَّمُ فِيهِ إِلَّا بِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ .

كَمَا أَنَّا أَيْضًا لَا نَشْهَدُ بِالْإِيمَانِ وَالْجَنَّةِ ، إِلَّا لِمَنْ شَهِدَتْ لَهُ الرُّسُلُ .

وَمَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فِي الدُّنْيَا بِالرِّسَالَةِ ، كَالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ وَأَهْلِ الْفَتَرَاتِ : فَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ أَقْوَالٌ ؛ أَظْهَرُهَا مَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ : أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَنْ يَأْمُرُهُمْ بِطَاعَتِهِ، فَإِنْ أَطَاعُوهُ اسْتَحَقُّوا الثَّوَابَ ، وَإِنْ عَصَوْهُ اسْتَحَقُّوا الْعِقَابَ."

انتهى ، باختصار من "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/291-298) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-07, 21:46
قبح الشرك والظلم والفواحش ثابت قَبْل الشرع ، وعقاب من فعل ذلك لا يثبت إلا بعد بلوغ الشرع.

السؤال:

ما معنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" اسم الشرك يثبت قبل الرسالة ، لأنه يشرك بربه ويعدل به " ؟

الجواب :

الحمد لله

مراد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بذلك هو : بيان بطلان الشرك وذمه ، وأن من فعل الشرك فهو مشرك ، وفعله قبيح مذموم ، سواء قامت على المشرك الحجة بالبيان أو لم تقم ؛ فالشرك قبيح بكل حال ، قبل الرسالة وبعدها .

لكنه بيّن - أيضا - بعد ذلك : أن عذاب هذا المشرك مقيد بالبيان وقيام الحجة ، فلا يستحق العذاب إلا بعد مجيء الرسول وحصول البيان ، فإذا أشرك بعد البيان استحق العذاب ، وإذا كان شركه قبل أن يتبين له ما جاء به شرع الله : لم يستحق العذاب ، حتى تقام عليه الحجة .

فالكلام هنا على مقامين :

الأول : بيان ذم الشرك وقبحه وأنه شر كله ، وهذا وصف ذاتي له ، لا ينفك عنه ، سواء كان قبل قيام الحجة بإرسال الرسول وإنزال الكتاب ، أو كان بعد ذلك ، والمشرك : هو من وقع في هذا الأمر ، واتصف به ؛ فعدم قيام الحجة لا يغير الأسماء الشرعية .

المقام الثاني : أن المشرك لا يستحق العقوبة على شركه إلا بعد قيام الحجة عليه ، فلا يتعلق العذاب والثواب بمجرد ما تدركه العقول ؛ قال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/ 15 .

وقال عز وجل : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) التوبة/ 115 .

وأراد شيخ الإسلام رحمه الله ، ببيان ذلك : الرد على طائفتين :

أولاهما : المعتزلة ومن تابعهم على قولهم : إن المشركين يستحقون العذاب بما تدركه العقول ، وإن لم تقم عليهم الحجة بإرسال الرسول .

ثانيهما : الأشعرية ومن وافقهم على قولهم : إن الشرك والظلم ليس قبحهما ذاتيا ، متعلقا بهما في نفس الأمر ، وإنما يثبت قبحهما بعد الخطاب الشرعي ببيان هذا القبح ، وقيام الحجة به .

ثم بين أن مذهب أهل السنة وسط بين هذين : فالشرك والظلم والفحش كلها أمور مقبوحة مذمومة ، قبل قيام الحجة وبعد قيامها ، تدرك ذلك العقول الصحيحة , والفطر السوية ؛ إلا أن الله تعالى لا يعذب الخلق إلا بعد قيام الحجة عليهم ، وذلك بنص كتابه .

وهذا بيّن واضح في كلام شيخ الإسلام ، في مواضع من كتبه :

قال رحمه الله :

" وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَمَا بَعْدَهَا : فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ ؛ وَذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ : عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْأَفْعَالَ لَيْسَ فِيهَا حَسَنٌ وَقَبِيحٌ ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَإِنَّهُ سَمَّاهُمْ ظَالِمِينَ وَطَاغِينَ وَمُفْسِدِينَ ؛ لِقَوْلِهِ: ( اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى ) ، وَقَوْلِهِ : ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ ) ،

وَقَوْلِهِ : ( إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) ؛ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ : ظَالِمٌ ، وَطَاغٍ ، وَمُفْسِدٌ هُوَ وَقَوْمُهُ ، وَهَذِهِ أَسْمَاءُ ذَمٍّ للأَفْعَالِ ؛ وَالذَّمُّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ الْقَبِيحَةِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ تَكُونُ قَبِيحَةً مَذْمُومَةً قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ ، [ لكن ] لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ إلَّا بَعْدَ إتْيَانِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ ؛ لِقَوْلِهِ : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) .

وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ هُودَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ : ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ إنْ أَنْتُمْ إلَّا مُفْتَرُونَ ) ؛ فَجَعَلَهُمْ مُفْتَرِينَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ يُخَالِفُونَهُ ؛ لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ .

فَاسْمُ الْمُشْرِكِ : ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ ، وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى ، وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا قَبْلَ الرَّسُولِ ...
وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَهْلِ وَالْجَاهِلِيَّةِ ، يُقَالُ : جَاهِلِيَّة ، وَجَاهِل ، قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ .

وَأَمَّا التَّعْذِيبُ : فَلَا .

وَالتَّوَلِّي عَنْ الطَّاعَةِ ، كَقَوْلِهِ : ( فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) ؛ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الرَّسُولِ ، مِثْلَ قَوْلِهِ عَنْ فِرْعَوْنَ . ( فَكَذَّبَ وَعَصَى ) كَانَ هَذَا بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إلَيْهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى ) ، وَقَالَ : ( فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ) " .

" انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/ 37-38) .

وقال رحمه الله أيضا :

" الْجُمْهُورِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : عَلَى أَنَّ مَا كَانُوا فِيهِ قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ ، مِنْ الشِّرْكِ وَالْجَاهِلِيَّةِ : [ كان ] شَيْئًا قَبِيحًا ، وَكَانَ شَرًّا ؛ لَكِنْ : لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ إلَّا بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ .

وَلِهَذَا :

كَانَ لِلنَّاسِ فِي الشِّرْكِ وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ وَالْفَوَاحِشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ " ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ":

قِيلَ: إنَّ قُبْحَهُمَا مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ ، وَأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِمْ الرَّسُولُ ؛ كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَحَكَوْهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْسِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ .

وَقِيلَ: لَا قُبْحَ وَلَا حُسْنَ وَلَا شَرَّ فِيهِمَا قَبْلَ الْخِطَابِ ، وَإِنَّمَا الْقَبِيحُ : مَا قِيلَ فِيهِ : لَا تَفْعَلْ؛ وَالْحَسَنُ : مَا قِيلَ فِيهِ : افْعَلْ ، أَوْ : مَا أُذِنَ فِي فِعْلِهِ ، كَمَا تَقُولُهُ الْأَشْعَرِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ .

وَقِيلَ : إنَّ ذَلِكَ سَيْءٌ وَشَرٌّ وَقَبِيحٌ قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ؛ لَكِنَّ الْعُقُوبَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِمَجِيءِ الرَّسُولِ ؛ وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ السَّلَفِ ، وَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ؛ فَإِنَّ فِيهِمَا بَيَانَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ الْكُفَّارُ : هُوَ شَرٌّ وَقَبِيحٌ وَسَيْءٌ قَبْلَ الرُّسُلِ ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعُقُوبَةَ إلَّا بِالرَّسُولِ .

وَفِي الصحيح : أن حُذَيْفَةَ قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ: ( نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ) " انتهى من "مجموع الفتاوى" (11 /676-677) .

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله :

" عدم قيام الحجة : لا يغير الأسماء الشرعية ؛ بل يسمي ما سماه الشارع كفراً أو شركاً أو فسقاً : باسمه الشرعي ، ولا ينفيه عنه ؛ وإن لم يعاقب فاعله إذا لم تقم عليه الحجة ، ولم تبلغه الدعوة ، وفرق بين كون الذنب كفراً ، وبين تكفير فاعله " .

انتهى من"منهاج التأسيس" (ص 316) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-07, 21:54
هل ثمة تناقض بين الخلق للعبادة والخلق للابتلاء ؟

السؤال :

قال الله في كتابه إنه ما خلقنا إلا لعبادته ، لكننا نجد أيضاً في مواضع أخرى من القرآن أنه خلقنا ليبتلينا ؛ أفلا يُعد هذا تناقضًا ؟

الجواب :

الحمد لله

ليس ثمة تناقض بين الخلق للعبادة ، والخلق للابتلاء :

فالعبادة ذاتها اختبار من الله تعالى لعباده ، فيعلم من يؤمن أو يكفر ، من يعصي أو يطيع ، فيجزي المحسن على إحسانه ، والمسيء على إساءته .

والابتلاء ـ أيضا ـ : حكمته أن يتبين حال العبد عند المصائب : أيصبر ، أم يجزع ؟ ويظهر حاله عند ابتلائه بالنعم ، والمصائب : أيشكر ، أم يكفر ؟!

ولعل سبب توهم السائل وجود التناقض بين الأمرين ظنه أن الابتلاء يقتصر على المصيبة ، فمن صبر نال المثوبة ، ومن جزع وكفر نال الإثم والعقوبة .

وهذا تصور مجتزأ لمعنى " الابتلاء "

والتصور الصحيح هو أن الابتلاء المقصود به هنا هو الاختبار ، فهو أعم من " المصيبة "، والاختبار يدخل في جميع شؤون ابن آدم وأعماله ، وفي تفاصيل حياته وأموره ، فحياته ابتلاء ، وصحته ابتلاء ، ومرضه ابتلاء ، وسعادته ابتلاء ، وماله ابتلاء ، ورزقه ابتلاء ، ومحيطه ابتلاء ، وعلمه ابتلاء

في كل ذلك اختبار من الله تعالى لسلوك هذا الإنسان ، إن كان سينحو ذات اليمين أو ذات الشمال ، في طاعة الرحمن أم في طاعة الشيطان ، لذلك كله يقول الله عز وجل : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور ) الملك/2 ، ويقول عز وجل : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) هود/7 ، ويقول سبحانه : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون ) المائدة/48

وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) الأنعام/165.

كل هذه الآيات تدل على أن " الاختبار " هو السر في خلق الإنسان ، وهذا الاختبار يشمل تكليف العبادة أيضا ، فمن أدى العبادة – بمفهومها الشامل لكل خير – فقد فاز وربح ، ومن قصر خسر بقدر تقصيره .

يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :

" أخبر سبحانه عن خلق العالم ، والموت ، والحياة ، وتزيين الأرض بما عليها ، أنه للابتلاء والامتحان ، ليختبر خلقه أيهم أحسن عملا ، فيكون عمله موافقا لمحاب الرب تعالى ، فيوافق الغاية التي خلق هو لها ، وخلق لأجلها العالم ، وهي عبوديته المتضمنة لمحبته وطاعته ، وهي العمل الأحسن ، وهو مواقع محبته ورضاه "

انتهى من " روضة المحبين " (61) .

ويقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56 -:

" التحقيق - إن شاء الله - في معنى هذه الآية الكريمة ( إلا ليعبدون ) أي : إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم ، أي أختبرهم بالتكاليف ، ثم أجازيهم على أعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية ، لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله ، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملا ، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم .

قال تعالى في أول سورة الكهف : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا )

فتصريحه - جل وعلا - في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملا ، يفسر قوله : ( ليعبدون ). وخير ما يفسر به القرآن – القرآن .

ومعلوم أن نتيجة العمل المقصودة منه ، لا تتم إلا بجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، ولذا صرح تعالى بأن حكمة خلقهم أولا ، وبعثهم ثانيا : هو جزاء المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، وذلك في قوله تعالى في أول يونس : ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون )، وقوله في النجم: ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ).

وقد أنكر تعالى على الإنسان حسبانه وظنه أنه يترك سدى ، أي مهملا ، لم يؤمر ولم ينه ، وبين أنه ما نقله من طور إلى طور ، حتى أوجده ؛ إلا ليبعثه بعد الموت ، أي ويجازيه على عمله ، قال تعالى : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ) إلى قوله: ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) " .

انتهى من " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " (7/ 445) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-06-12, 20:28
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://a.top4top.net/p_866vhcjc1.gif (https://up.top4top.net/)


الإعاقة لا تمنع وجوب الصلاة

السؤال:

أخانا الأكبر عنده إعاقة بيده وقدمه ، وعنده خلل بنطقه الكلمات ، ولا يرغب بالزواج ؛ لأنه لا يستطيع إدارة شؤونه ، وبالأحرى شؤون غيره، فهل عليه صلاة وتكليف ؟

مع العلم بأننا نرغب في تعليمه الفاتحة والصلاة ، لكنه يرفض ، وهو فعلا صعب تعليمه الكلام، فهل عليه صلاة ؟ وهل له من الميراث ؟

الجواب:

الحمد لله

التكليف بالأحكام الشرعية (ومنها الصلاة) في الشريعة الإسلامية مبني على وجود العقل ، فإذا كان هذا الأخ عاقلا ولم تؤثر تلك الإعاقة على عقله فهو مكلف ، وإن كانت قد أثرت على عقله حتى فقد التمييز ، أو كان ضعيف التمييز ، كالصبي الصغير ، فإنه يكون غير مكلف ، ولا تلزمه الصلاة .

فإذا كان هذا الأخ مكلفا ، فالإعاقة تؤثر في إسقاط بعض الواجبات عنه ، وهي الواجبات التي لا يستطيع القيام بها ، فإن كان لا يستطيع الصلاة قائما ، صلى جالسا، وإن كان لا يستطيع الإتيان بالفاتحة كاملة صحيحة ، أتى بها على قدر استطاعته ... وهكذا .

جاء في "الموسوعة الفقهية" (10/ 79):

" إِذَا قَدَرَ الْمُصَلِّي عَلَى بَعْضِ الْفَاتِحَةِ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَالأْصْل فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَاعِدَةُ " الْمَيْسُورُ لاَ يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ " أَيْ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكُل لاَ يُسْقِطُ الْبَعْضَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَاعِدَةُ " مَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْعِبَادَةِ، فَمَا هُوَ جُزْءٌ مِنَ الْعِبَادَةِ - وَهُوَ عِبَادَةٌ مَشْرُوعَةٌ فِي نَفْسِهِ - فَيَجِبُ فِعْلُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ فِعْل الْجَمِيعِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ " انتهى .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

جدتي لا تحفظ إلا قليلا من القرآن الكريم، حيث إنها تخطئ في سورة (الفاتحة) ، وقد قال البعض من الناس في قريتنا: إذا لم تحفظي في صلاتك سورة (الفاتحة) فإن صلاتك غير صحيحة فهل هذا صحيح؟

فأجاب :

" صلاتها صحيحة ومعذورة، والحمد لله، الله يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ما دام أنها عالجت واجتهدت ولم تستطع فصلاتها صحيحة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للذي لا يستطيع [يعني : لا يستطيع قراءة الفاتحة] ، تقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر )

إذا كانت لا تستطيع عالجت نفسها ، وإذا لم تستطع، تسبح : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله . محل القراءة ويكفي، أما الذي يتعمد؛ وهو يستطيع لكن يتعمد، ما يقرأ الفاتحة فإنه لا تصح صلاته، لكن إذا كانت امرأة عجزت، أو رجلا عجز فالله يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/ 236-237) .

فاجتهدوا في تعليم أخيكم الفاتحة والصلاة ، وألزموه تعلمها برفق ، ويأتي بما يستطيع أن يأتي به ، ولو عجز عن النطق ببعض الأحرف أو خلط بينها فلا شيء عليه ، وصلاته صحيحة .

أما الميراث فله نصيبه من الميراث كاملا ، فليس العقل ولا صحة البدن شرطا في استحقاق الميراث ، بل كل مسلم له نصيبه من الميراث ولو كان مجنونا أو مريضا .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-06-12, 20:30
لا يتحكم بالبول وهو كبير جدّاً فهل يصوم ويصلي ؟

السؤال

والدي أصبح كبيراً في السن عمره – 105 سنوات – وهو شبه فاقد للذاكرة ، ولكن أحيانا يعرفنا وأحياننا لا يعرفنا ، وهو في السنوات الأخيرة لا يتحكم في البول ، ونقوم بتغيير ملابسه في اليوم أكثر من مرة ، فهل عليه صلاة مع عدم الطهارة ؟ وهل نجعله يصوم ؟.

الجواب

الحمد لله

يختلف حكم والدك تبعاً لحضور عقله وإدراكه ، فإن فقد عقله وذاكرته : فلا يؤمر بطهارة ولا بصلاة ولا بصيام ، وإن حضر عقله وذاكرته : فيؤمر بالتكاليف الشرعية بحسب الاستطاعة دون أن يشق على نفسه .

سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى - :

فاقد الذاكرة والمعتوه والصبي والمجنون هل يجب عليهم الصيام ؟ .

فأجاب :

إن الله سبحانه وتعالى أوجب على المرء العبادات إذا كان أهلاً للوجوب ، بأن يكون ذا عقل يدرك به الأشياء ، وأما من لا عقل له فإنه لا تلزمه العبادات ، وبهذا لا تلزم المجنون ، ولا تلزم الصغير الذي لا يميز ، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى ، ومثله المعتوه الذي أصيب بعقله على وجه لم يبلغ حد الجنون

ومثله أيضاً الكبير الذي بلغ فقدان الذاكرة ، كما قال هذا السائل ، فإنه لا يجب عليه صوم ولا صلاة ولا طهارة ؛ لأن فاقد الذاكرة هو بمنزلة الصبي الذي لم يميز ، فتسقط عنه التكاليف فلا يلزم بطهارة ، ولا يلزم بصلاة ، ولا يلزم أيضاً بصيام ، وأما الواجبات المالية فإنها تجب في ماله وإن كان في هذه الحال ، فالزكاة – مثلاً - يجب على من يتولى أمره أن يخرجها من مال هذا الرجل الذي بلغ هذا الحد ؛ لأن وجوب الزكاة يتعلق بالمال

كما قال الله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ، ولم يقل : " خذ منهم " ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ - رضي الله عنه - حينما بعثه إلى اليمن : " أعْلِمهم أن الله فرض عليهم صدقة في أموالهم ، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " ، فقال : " صدقة في أموالهم " فبيَّن أنها من المال ، وإن كانت تؤخذ من صاحب المال .

وعلى كل حال : الواجبات المالية لا تسقط عن شخص هذه حاله ، أما العبادات البدنية كالصلاة ، والطهارة ، والصوم : فإنها تسقط عن مثل هذا الرجل ؛ لأنه لا يعقل .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19/السؤال رقم 40 ) .

وسئل الشيخ - رحمه الله تعالى - :

ما حكم صيام من يعقل زمناً ويجن زمناً آخر ؟ أو يهذري يوماً ويصحو يوماً آخر ؟ .

فأجاب :

الحكم يدور مع علته ، ففي الأوقات التي يكون فيها صاحياً عاقلاً : يجب عليه الصوم ، وفي الأوقات التي يكون فيها مجنوناً مهذرياً : لا صوم عليه ، فلو فرض أنه يجن يوماً ويفيق يوماً ، أو يهذري يوماً ويصحو يوماً : ففي اليوم الذي يصحو فيه : يلزمه الصوم ، وفي اليوم الذي لا يصحو فيه : لا يلزمه الصوم .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19/السؤال رقم 43 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-12, 20:34
كيف يصلي الأصم الأبكم؟

السؤال:

لدي صديق لا يتحدث اللغة العربية ، وهو أصم وأبكم ، فلا يستطيع تلاوة القرآن . هل تجب عليه التلاوة في الصلاة ? كيف يقوم بأداء الصلاة في هذه الحالة؟

الجواب :

الحمد لله :

القاعدة العامة في الشريعة : أن من عجز عن شيء من الواجبات سقط عنه ، ولزمه الإتيان بما يقدر عليه منها ؛ لقول الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) متفق عليه .

وعليه : فالأبكم والأخرس الذي لا يستطيع القراءة : يسقط عنه ما عجز عنه .

فإن كان يحسن أن يسبح أو يذكر الله ، فإنه يسبح ويذكر في مواضع القراءة .

وإن كان يعجز أيضا عن التسبيح ، فلا يعلمه ، ولا يمكنه أن يتعلم بدله : سقط عنه ، ولم يلزمه شيء بدلا من قراءته .

وإن كان يحسن التكبير في مواضعه : لزمه الإتيان به .

فإن كان يعجز عن القول مطلقا ، سقطت عنه جميع الواجبات والأركان القولية في الصلاة ، ويلزمه الإتيان بالواجبات والأركان الفعلية كالقيام والركوع والسجود .

فينوي الدخول في الصلاة بقلبه وهو قائم ، ثم يركع ويسجد ، دون قراءة للقرآن ، ولا تلاوة للأذكار.

وقد سئلت اللجنة الدائمة : كيف يصلي من لا يستطيع أن يتكلم ولا يسمع، أو يتكلم ولا يسمع؟

فقالوا : " يصلي على قدر استطاعته لقوله تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ، وقوله: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) ، وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) ، وقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة" (6/403) .

واختلف العلماء هل يلزمه مع ذلك تحريك لسانه وشفتيه وقت القراءة والأذكار؟

جاء في "الموسوعة الفقهية " (19/92) : " مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ النُّطْقِ لِخَرَسٍ : تَسْقُطُ عَنْهُ الأْقْوَال ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .

وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ تَحْرِيكِ لِسَانِهِ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ.

فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : لاَ يَجِبُ عَلَى الأْخْرَسِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ ، وَإِنَّمَا يُحْرمُ لِلصَّلاَةِ بِقَلْبِهِ ؛ لأِنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ عَبَثٌ ، وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِهِ .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ عَلَى الأْخْرَسِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْه وَلَهَاتِهِ بِالتَّكْبِيرِ قَدْرَ إِمْكَانِهِ ، قَال فِي الْمَجْمُوعِ : وَهَكَذَا حُكْمُ تَشَهُّدِه ، وَسَلاَمِهِ ، وَسَائِرِ أَذْكَارِهِ ، قَال ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ كَالْمَرِيضِ .

لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَرَسِ الطَّارِئِ ، أَمَّا الْخَرَسُ الْخِلْقِيُّ فَلاَ يَجِبُ مَعَهُ تَحْرِيكُ شَيْءٍ" . انتهى.

وما ذهب إليه جمهور العلماء من سقوط التحريك هو الأقرب .

قال ابن قدامة المقدسي : " فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ ، أَوْ عَاجِزًا عَنْ التَّكْبِيرِ بِكُلِّ لِسَانٍ : سَقَطَ عَنْهُ ... ولَمْ يَلْزَمْهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ فِي مَوْضِعِهِ كَالْقِرَاءَةِ ...؛ لِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ : عَبَثٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ ، فَلَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ ، كَالْعَبَثِ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ "

انتهى من "المغني" بتصرف (2/130).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِرَاءَةَ ، وَلَا الذِّكْرَ ، أَوْ الْأَخْرَسُ : لَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ حَرَكَةً مُجَرَّدَةً ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ كَانَ أَقْرَبَ ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ يُنَافِي الْخُشُوعَ ، وَزِيَادَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/ 336)

والحاصل :

أنه يأتي بما يستطيع من أركان الصلاة ، ويسقط عنه ما عجز عن عنه من التكبير وقراءة الفاتحة وأذكار الركوع والسجود والتشهد .

وهذا عام في جميع أحواله : فكل ما عجز عنه : لا يؤاخذ به .

قال الشيخ ابن عثيمين :

" الأصم الأبكم من فقد حاستين من حواسه ، وهما السمع والنطق ، ولكن بقي عليه النظر ، فما كان يدركه من دين الإسلام بالنظر ؛ فإنه لا يسقط عنه ، وما كان لا يدركه ؛ فإنه يسقط عنه .

أما ما كان طريقه السمع ، إذا كان لا يدركه بالإشارة : فإنه يسقط عنه .

وعلى هذا : فإذا كان لا يفهم شيئاً من الدين فإننا نقول : إذا كان أبواه مسلمين أو أبوه أو أمه فهو مسلم تبعاً لهما ، وإن كان بالغاً عاقلاً مستقلاً بنفسه فأمره إلى الله ، لكنه ما دام يعيش بين المسلمين ، فإننا نحكم له ظاهراً بالإسلام ، يُعلم بعض الأشياء بالإشارة .."

انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (11/22، بترقيم الشاملة آليا).

والله أعلم

........

وجوب التكاليف على الأصم والأبكم

السؤال

هل الصم والبكم مكلفون وعليهم أداء الواجبات الشرعية ؟.

الجواب

الحمد لله

أوضح سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن الولد الأبكم والأصم إذا كان قد بلغ الحلم يعتبر مكلفاً بأنواع التكاليف من الصلاة وغيرها ، وأضاف أنه يعلم ما يلزمه بالكتابة والإشارة لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب التكاليف على من يبلغ الحلم وهو عاقل ، ويحصل البلوغ بإكمال خمسة عشر عاماً أو بإنزال مني عن شهوة في الاحتلام أو غيره وبإنبات الشعر الخشن من حول الفرج وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض .

ودعا سماحته ولي أمر الأصم الأبكم إلى أن يؤدي عنه ما يلزمه من زكاة وغيرها من الحقوق المالية وعليه أن يعلمه ما يخفى عليه بالطرق الممكنة حتى يفهم ما أوجب الله عليه وما حرم عليه .

واستشهد سماحته بقول الله سبحانه : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن/16 ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وبين سماحته أن المكلف الذي لا يسمع أو لا ينطق أو قد أصيب بالصمم والبكم عليه أن يتقي الله ما استطاع بفعل الواجبات وترك المحرمات . إن عليه أن يتفقه في الدين حسب قدرته بالمشاهدة والكتابة والإشارة حتى يفهم المطلوب .

كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/9 ص/336.

*عبدالرحمن*
2018-06-12, 20:39
السؤال:

هل نزول المذي يدل على البلوغ ؟ وهل شعر الإبط يدل على البلوغ أيضا أم لا ؟

الجواب :

الحمد لله :

بلوغ سن التكليف يحصل بواحدة من ثلاث علامات بالنسبة للذكر ، وتزيد الأنثى بعلامة رابعة وهي الحيض .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ويحصُلُ البلوغُ بواحدٍ مِن أمورٍ ثلاثةٍ بالنسبة للذُّكورِ وهي :

1 ـ تمامُ خمس عشرة سَنَةً .

2 ـ إنباتُ العَانةِ .

3 ـ إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً .

فإذا وُجِدَ واحدٌ مِن هذه الأمورِ الثلاثةِ صارَ الإِنسانُ بالغاً .

والمرأةُ تزيدُ على ذلك بأمرٍ رابعٍ وهو الحيضُ ، فإذا حاضت ولو لعشرِ سنوات فهي بالغة "

انتهى من " الشرح الممتع" (4/224).

فإذا أنزل الصبي أو الجارية منياً بلذة ، سواء كان في اليقظة أو المنام : حكمنا ببلوغه ؛ لما سيأتي من أدلة الكتاب والسنة وإجماع العلماء .

قال الماوردي رحمه الله :

" فأما الاحتلام فإنما كان بلوغاً ؛ لقول الله تعالى: ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا ) النور/ 59 .

ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( رفع القلم عن ثلاثة ) وذكر منها : ( الصبي حتى يحتلم ).

والاحتلام تعريفه : هو إنزال المني الدافق من رجل أو امرأة ، من نوم أو جماع أو غيرهما " انتهى من " الحاوي" (6/343) وينظر : " المغني" (4/297) .

وبهذا يُعلم أن نزول المذي لا يحصل به البلوغ ؛ لعدم الدليل ، والأصل عدم التكليف ، حتى يثبت دليل ناقل عن الأصل .
جاء في " مطالب أولي النهى" (3/404) بعد أن ذَكر علامات البلوغ ـــ ومنها المني ــ قال رحمه الله: " ( ولا اعتبار ) ؛ أي : لا يحصل بلوغ ، بغير ما ذُكر.. " انتهى.

ثانياً :
نبات الشعر الخشن حو العانة : ذكر الغلام ، أو فرج الجارية علامة من علامات البلوغ ؛ لما رواه عطية القرظي رضي الله عنه قال : " عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ ، فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ ، فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ ، فَخُلِّيَ سَبِيلِي " رواه الترمذي (1584) وصححه الشيخ الألباني .

قال ابن قدامة رحمه الله : " وأما الإنبات ، فهو أن ينبت الشعر الخشن حول ذكر الرجل , أو فرج المرأة , الذي استحق أخذه بالموسى , وأما الزغب الضعيف , فلا اعتبار به , فإنه يثبت في حق الصغير.."

انتهى من "المغني" (9/392). وللاستزادة ينظر جواب سؤال رقم : (138738).

وأما غير شعر القُبلِ ، كشعر اللحية أو الشارب أو الإبط ، فلا حكم له ، ولو كثر ؛ لأن الشرع إنما علق الحكم بنبات شعر القُبلِ ، ولو كان غير شعر القُبل ... معتبراً ، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليكشف عن عورات بني قريظة ، اكتفاء بما ظهر من الشعر في غير موضع العورة .

جاء في " مطالب أولي النهى" (3/404) : " ( ولا اعتبار ) ؛ أي : لا يحصل بلوغ بغير ما ذُكر ( بغلظ صوت ، وفرق أنف ، ونهود ثدي ، وشعر إبط ، و ) شعر ( لحية ) وغيرها " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-12, 20:44
حكم إعطاء الشريك راتبا مقابل إدارة الشركة

السؤال :

شخصان شريكان في مشروع تجاري وأحدهما يدير هذا المشروع فهل يجوز له أن يأخذ راتبا على إدارته للمشروع فضلا عن أن الربح يقسم مناصفة بينهما. وجزاكم الله خيرا

الجواب :

الحمد لله

يجوز لأحد الشركاء أن يتولى إدارة المشروع أو مهمة أخرى كالمحاسبة مثلا بعقد منفصل عن عقد الشركة ، مقابل أجرة ، ولا يجوز أن يكون هذا ضمن عقد الشركة لأنه قد يؤدي إلى ضمان رأس ماله وعدم تحمله الخسارة بقدر رأس ماله في حال وقوعها . ومعلوم أن الخسارة في الشركة تكون على قدر رأس المال ، وأن توزيع الأرباح يكون على ما يتفقان عليه .

وفي "المعايير الشرعية" ص 196 : "لا يجوز تخصيص أجر محدد في عقد الشركة لمن يستعان به من الشركاء في الإدارة أو في مهمات أخرى مثل المحاسبة ، ولكن يجوز زيادة نصيبه من الأرباح على حصته في الشركة .

يجوز تكليف أحد الشركاء بالمهمات المذكورة في البند [السابق] بعقد منفصل عن عقد الشركة بحيث يمكن عزله دون أن يترتب على ذلك تعديل عقد الشركة أو فسخه ، وحينئذ يجوز تخصيص أجر محدد له".

وجاء في تعليل ذلك ص 213 : " مستند عدم جواز تخصيص أجر محدد لمن يستعان به من الشركاء في الإدارة : أن هذا قد يؤدي إلى ضمان رأس ماله وعدم تحمل الخسارة بقدر رأس ماله في حال وقوعها.

مستند جواز تكليف أحد الشركاء بمهمات الإدارة بعقد منفصل وجواز تخصيص أجر له في هذه الحالة : أنه لا يمثل هنا صفة الشريك بل إنه أجير خاص " انتهى .

وقال في كشاف القناع : "ويجب على كل واحد من الشريكين أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه , من نشر الثوب وطيه , وختم الكيس وإحرازه , وقبض النقد ; لأن إطلاق الإذن يحمل على العرف وهو يقتضي أن هذه الأمور يتولاها بنفسه ، فإن استأجر من فَعَله بأجرةٍ غرمها من ماله ; لأنه بذلها عوضا عما يلزمه .

وما جرت العادة بأن يستنيب الشريك فيه , كالاستئجار للنداء على المتاع ونحوه فله أن يستأجر من مال الشركة من يفعله ; لأنه العرف . وليس له - أي الشريك - فعل ما جرت العادة أن لا يتولاه ليأخذ أجرته بلا شرط ; لأنه تبرع بما لا يلزمه فلم يستحق شيئا , وإذا استأجر أحدهما الآخر فيما لا يستحق أجرته إلا بعمل فيه , كنقل طعام بنفسه أو غلامه أو دابته جاز , كاستئجار داره أو أجنبي لذلك" انتهى .

ويستفاد منه أن الشريك يمكن أن يقوم بعمل لم تجر العادة بقيام الشريك به ، مقابل أجرة يشترطها ، وأن للشريك أن يستأجر شريكه في نقل طعام مثلا أو أن يستأجر داره ، وهذه عقود إجارة منفصلة عن الشركة .

فيلحق بذلك ما لو كان العمل مما يصعب على الشريكين القيام به - ولو كان في الأصل من مهام الشريكين كالإدارة - ، وقد رضيا باستئجار من يقوم به ، فلا حرج حينئذ أن يكون الأجير أحدَ الشركاء ، وذلك بعقد منفصل عن الشركة .

وقد سئل الدكتور عبد الله بن إبراهيم الناصر ، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود ، حفظه الله : أود الاستفسار من فضيلتكم حول مسألة شائعة في الشراكة بين كثير من الناس ، وصورتها أن : يشترك اثنان في رأس المال بحصة معلومة لكل شريك

ونسبة الربح تكون معلومة لكل منهما ، ونسبة الخسارة مقسمة بحسب حصة كل شريك من رأس المال ، لكن أحد الشريكين هو الذي يقوم بالعمل كله ، أو يكون هو بمثابة المدير لهذه الشركة ، وهذا الشريك المدير (الأجير في المصطلح الشرعي) يكون له راتب مقطوع مقابل إدارته لهذه الشركة

إضافة إلى حصته من الأرباح...فهل هذا الراتب المعلوم يعتبر بمثابة النفع الأكيد على رأس ماله من الشركة؟ وهل يدخل هذا في باب الربا أم لا؟ وهل يجوز أن يكون المرء شريكًا أجيرًا في نفس الوقت؟ علمًا أنني وجدت في كتب الفقه ما يدل على المنع من ذلك ، وجواز زيادة نسبة مقابل عمله لا راتبًا مقطوعًا

فهل يمكن أن تخرج كما خرجها بعض الباحثين المعاصرين على أن مثل هذه الشركة تعتبر شخصًا اعتباريًّا ، وفي هذه الحالة يجوز توظيف مدير لها براتب محدد معلوم وكأنه طرف ثالث ، حتى لو كان هذا المدير أحد المساهمين في الشركة؟ علمًا بأن هذه المسألة عمت بها البلوى ، وكثر بها التعامل بين كثير من المسلمين في هذه الأيام . أفتونا مأجورين .

فأجاب : "الصورة التي ذكرها السائل تعتبر من شركة العنان ، وصفتها أن يشترك شخصان فأكثر في شركة بينهم ، على أن المال والعمل منهم جميعًا ، أو أن المال منهم والعمل من بعضهم أو أحدهم ، وشركة العنان مما اتفق العلماء على صحتها وجواز العمل بها ، وكون أحد الشركاء يكون مديرًا للشركة مقابل مرتب مقطوع

فيجتمع فيه صفتا الأجير والشراكة ، فهذا مما لا بأس به شرعًا ؛ إذ لا يوجد نص شرعي يمنع من ذلك فيبقى الحكم على أصله وهو الإباحة ، كما أنه لا يوجد محذور شرعي من اجتماع عقدي الشركة والإجارة في شخص واحد ، ولا يدخل ذلك ضمن الربا المحرم ، ثم إن الحاجة تقتضي وجود مثل هذا الاستقلال بين صفتي الشريك والمدير ، إذ إن الشركاء في هذه الحالة بين أمور ثلاثة :

1- أن يكون المدير من غيرهم ، ولا شك أن المدير إذا كان منهم وله حصة في رأس مال الشركة يكون أكثر حرصًا من ذلك المدير الأجنبي .

2- أن يكون لهذا المدير الشريك حصة زائدة في الأرباح عن المبلغ الذي اشترك به وهذه الزيادة مقابلة لإدارته ، أي منع اجتماع صفتي الشريك والأجير وإبقاء صفة الشريك فقط ، وهذا الحال قد لا يرضى به الشريك المدير نفسه ، أو أن الشركاء لا يرضون به ، بل يرغبون أن يكون له مرتبًا مقطوعًا لا علاقة له بأرباح الشركة ، وذلك كسائر العاملين في الشركة من غير المدير .

3- أن يكون المدير أجيرًا في عمله شريكًا في ماله كسائر الشركاء ، فيأخذ أجره مقابل عمله ، وربحًا أو خسارة مقابل ماله الذي اشترك به ، أي اجتماع عقدي إجارة الأشخاص والشركة فيه ، وهذا ما رأينا جوازه ، وهو ما عليه العمل في أكثر الشركات المساهمة وغيرها من التي يكون [فيها]الفصل بين وظيفة المدير وصفة الشريك " انتهى من "فتاوى الإسلام اليوم".

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-06-18, 13:51
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


حكم من يعاني اضطرابا في الشخصية ويحصل له عدم إدراك أحيانا

السؤال:

هل القلم مرفوع عن شخص يعاني من اضطراب الشخصية المرتابة ، وبسبب الاكتئاب الشديد والأعراض الذهانية التي نتجت عن تفاقم حالته الصحية أصبح انطوائياً ، ولا يدري أو يفهم ما يحدث من حوله ، هل يأخذ هذا الشخص حكم المجنون ؟

مع العلم بأنّ هذا الشخص يؤدي الصلاة في المسجد ، ولكن بسبب سوء حالته أصبح يصلي في البيت ، وإذا كان يدخل في حكم المجنون فهل يقبل الله منه الصلاة والدعاء والعمل الصالح ؟

الجواب :

الحمد لله

قياس القدرات العقلية للمريض النفسي أو لمن يعاني من أية اضطرابات نفسية ليس مرجعه إلى المفتي أو الفقيه ، بل مرجعه إلى أطباء النفس المختصين الذين يملكون أدوات القياس ، بعد تشخيص الحالة وإجراء الاختبارات اللازمة لفهمها .
فالاكتئاب نفسه أنواع ودرجات ، والانطوائية أحد مظاهر المرض ، وليست هي المرض نفسه

فقد ينطوي العاقل على نفسه ، وقد ينطوي المجنون على نفسه ؛ ولهذا كله فليس من الصواب أن تجزم الفتوى الحكم على إنسان بالعقل أو الجنون من خلال بضع كلمات كتبت في السؤال ، بل لا بد من عرض المريض على الطبيب ، بل يمكن عرضه على لجنة من الأطباء لتقدير حالته ، ولكتابة التقرير الطبي الذي يصف ما يعاني منه ، وهذا التقرير تنبني عليه أمور كثيرة في تحديد أهلية الوجوب والأداء

والمسؤولية التكليفية والشرعية المترتبة عليه ، سواء في القوانين الشرعية أم في القوانين الوضعية ، خاصة في الإنسان الذي يشتبه أمره على من حوله ، حيث يستشعرون منه بعض التعقل ، وفي الوقت نفسه لا يلمسون منه فهم خطابهم ولا مجريات الأمور حولهم ، وهذا ما يسمى في الفقه بـ " المعتوه ".

يقول السمعاني رحمه الله :

" العته نوع جنون ، إلا أنه يعقل قليلا "

انتهى من " قواطع الأدلة في الأصول " (2/ 389) .

ويقول عبد العزيز البخاري الحنفي رحمه الله :

" العته آفة توجب خللا في العقل ، فيصير صاحبه مختلط الكلام ، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء ، وبعضه كلام المجانين ، وكذا سائر أموره .

فكما أن الجنون يشبه أول أحوال الصبا في عدم العقل ، يشبه العتهُ آخرَ أحوال الصبا في وجود أصل العقل ، مع تمكن خلل فيه ..
..
فيوضع عن المعتوه الخطاب ، كما يوضع عن الصبي ، فلا يجب عليه العبادات ، ولا يثبت في حقه العقوبات ، كما في حق الصبي ، وهو اختيار عامة المتأخرين " .

انتهى من " كشف الأسرار شرح أصول البزدوي " (4/274)

ويقول الدكتور عبدالكريم النملة رحمه الله :

" يوجد بين المجنون والمعتوه فروق إليك أهمها :

الفرق الأول : أن المعتوه له عقل ، ولكنه ضعيف عن إدراك وفهم الخطاب . أما المجنون فإنه لا عقل له .

الفرق الثاني : أن المعتوه قد يكون مميزا ، وقد يكون غير مميز ، بخلاف المجنون ، فلا يكون مميزا أبداً .

الفرق الثالث : المعتوه لا يصاحبه تهيج واضطراب ، بخلاف المجنون فقد يصاحبه تهيج واضطراب .

فالمعتوه غير مكلَّف مطلقا ، وهو مذهب الجمهور ، وهو الصحيح ؛ قياسا على المجنون ، وعلى الصبي غير المميز ، والجامع : ضعف العقل عن إدراك حقائق الأمور ، وعن فهم خطابات الشارع على ما هي عليه "

انتهى من " المهذب في أصول الفقه المقارن " (1/335) .

فإن أدى فاقد الإدراك – سواء كان معتوها أو مجنونا – العبادات : فإننا نرجو أن يكتب الله عز وجل له أجرها ، ويثيبه عليها ، كما تصح عبادة الصبي ويؤجر عليها ، بل صحح كثير من العلماء حج المجنون مثلا ، ونصوا على ثوابه ، وإن لم يجزئ عنه ، وكرم الله واسع ، وباب ثوابه وأجره لا ينفد .

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :

" هناك رجل ضعيف العقل ، ولكنه ليس مجنونا ، إلا أنه لا يستطيع التمييز بين أشياء كثيرة ، فهو لا يستطيع العد من الواحد إلى العشرة مثلا مهما حاولنا معه ، هل يجب على مثل هذا الرجل الصيام والصلاة وضبطها عليه ، حيث إنه يكلف ببعض الأعمال ، مما يؤدي إلى عطشه ، كالرعي ؟

فأجاب بقوله :

إذا كان يعقل أن الله أوجب عليه الصوم والصلاة ، يفهم أنه خلق ليعبد الله ، ويميز فيما يتعلق بماله في ضبط ماله والتصرفات في ماله ، فهذا من العقلاء ، يلزمه أن يؤدي ما أوجبه الله عليه من صلاة وغيرها .

أما إن كان عقله قد اختل ، وتبين خلل عقله ، وأنه من جملة المعتوهين الذين ليس لهم عقل يميزون به بين الحق والباطل ، أو بين الخير والشر ، وبين ماله ومال غيره ، ونحو ذلك ، فالعاقل بيِّنٌ ، إن كان عاقلا فعليه التكاليف ، وإن كان غير عاقل سقطت عنه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن الصغير حتى يبلغ ) .

فالذي يشبه المجنون ، بعدم ضبطه للأمور ، وعدم حسن التصرف لأن عقله مفقود ، فلا تكليف عليه "

انتهى من " فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر " (6/ 14) .

والخلاصة :

أن المصاب باضطراب الشخصية إذا شخَّص الطبيب حالته بأنه لا قدرة لديه على الإدراك وتمييز الأمور ، فلم يعد يفهم الخير من الشر ، والصواب من الخطأ ، فمثلُه رُفع عنه القلم حتى يشفى مما هو فيه ، قال عليه الصلاة والسلام : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) رواه أبوداود في " السنن " (رقم/4403) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

والفحص الطبي هو الأقدر على تحديد هذا الأمر في إنسان معين ، ولا يكفي السؤال عبر الإنترنت .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-18, 14:01
هل المصاب بالتوحد مكلَّف ؟

السؤال :

أرجو الإجابة على هذا السؤال المهم لأنه سيساعد الكثير من الآباء : هل هؤلاء الذين يعانون من التوحد ( الأوتزم ) يصنفون إسلامياً على أنهم مختلون عقلياً ؟

لأن التوحد عبارة عن عجز دائم في نمو الدماغ ، بحيث يؤثر على كيفية تواصل الشخص مع من حوله من الناس ، ويؤثر أيضاً على إدراكه للعالم من حوله ، فقد تراه مثلاً يعجز عن فهم البرتوكولات الاجتماعية والثقافية التي تعارف عليها البشر ، كما أن المصاب بهذا المرض يجد صعوبة في التعبير عن خلجات نفسه وعواطفه ، وقد يقرأ بطلاقة لكنه لا يفهم معنى كل كلمة خاصة الكلمات والعبارات الصعبة ، ويجد صعوبة في فهم الفكاهات والاستعارات اللفظية

ولا يدرك حقيقة وجود خطر في شيء ما من حوله ، وتجده إما مفرط الحساسية ، أو عديم الإحساس تجاه بعض الأصوات ، والمذاقات ، والروائح ، والألوان ، وقد تجده يكرر بعض الألفاظ ويدور في حلقة مفرغة ، والكثير الكثير من الأشياء التي تجعله إنساناً غير سوي ، مختلفاً عن غيره من البشر . وكل هذا بالطبع يلقي بظلاله على طريقة تعامله مع الشرع وأحكامه ، وفهم الحكمة من بعض الأمور في الدين .

الجواب :

الحمد لله

التوحد أو الذاتوية (Autism) أحد الاضطرابات التابعة لمجموعة من اضطرابات التطور المسماة باللغة الطبية " اضطرابات في الطيف الذاتوي " (Autism Spectrum Disorders - ASD)

" وهو اضطراب صحي يظهر في الطفولة الباكرة ، ويؤثر على تطور الطفل من خلال تأثيره على قدرة الطفل على التواصل والتفاعل مع الآخرين ، وتشير التقديرات إلى أن طفلاً واحداً يصاب بالتَّوَحُّد أو الذاتوية من كل مائة طفل في العالم .

يتدرج التَّوَحُّد أو الذاتوية من الاضطراب البسيط في التواصل أو في السلوك إلى حالات التَّوَحُّد أو الذاتوية الشديدة ، وفي هذه الحالات الشديدة ، يمكن أن يعجز الطفل تماماً عن التواصل أو التفاعل مع الآخرين ، لا يوجد شفاء من التَّوَحُّد أو الذاتوية ، ولكن المعالجة الباكرة يمكن أن تساعد الكثير من الأطفال على تحسين حياتهم "

ينظر " موسوعة الملك عبد العزيز العربية للمحتوى الصحي " على الرابط الآتي :

http://cutt.us/9jfo0

وبالرغم من اختلاف خطورة وأعراض مرض التوحد من حالة إلى أخرى ، إلا أن جميع اضطرابات الذاتوية تؤثر على قدرة الطفل على الاتصال مع المحيطين به ، وتطوير علاقات متبادلة معهم .

ولكن لما كان هذا التفاوت حاصلا في درجات المرض ، ومستويات تأثر الطفل به ، كان لا بد من التفصيل في دخوله دائرة التكليف ، فنقول :

أولا :

إذا كان مرض التوحد قد بلغ بالمصاب به حدا يوصف فيه بالتخلف العقلي ، أو يفقد معه التمييز والقدرة على الحكم على الأشياء من حوله ، فلا شك بسقوط التكليف عنه في هذه الحالة ، وأنه يرفع القلم عنه ؛ فالعقل مناط التكليف ومحوره ، فإذا فُقِد لمرض أو خلل أو عارض ، زال التكليف نفسه ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أبوداود في " السنن " (رقم/4403) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

يقول الآمدي رحمه الله :

" اتفق العقلاء على أن شرط المكلف أن يكون عاقلا فاهما للتكليف ; لأن التكليف وخطاب من لا عقل له ولا فهم محال ، كالجماد والبهيمة .

ومن وجد له أصل الفهم لأصل الخطاب ، دون تفاصيله من كونه أمرا ونهيا ، ومقتضيا للثواب والعقاب ، ومن كون الآمر به هو الله تعالى ، وأنه واجب الطاعة ، وكون المأمور به على صفة كذا وكذا ، كالمجنون والصبي الذي لا يميز ، فهو بالنظر إلى فهم التفاصيل كالجماد والبهيمة بالنظر إلى فهم أصل الخطاب ، ويتعذر تكليفه أيضا " .

انتهى من " الإحكام في أصول الأحكام " (1/150) .

ثانيا :

أما إذا لم تظهر أعراض التخلف العقلي على مريض التوحد ، وانحصرت العلة في العزلة ، أو النمطية ، أو ضعف الإحساس بالأشياء ، أو ضعف فهم اللغة وأساليبها ، ولم تخرج عن هذا الإطار ، ففي هذه الحالة يبقى التكليف الشرعي ، ويؤاخذ هذا العبد بأقواله وأفعاله في الدنيا والآخرة .

فالمرض في هذه الحالة لم يفقد المريض قدرته على تمييز الصواب من الخطأ ، والصلاح من الفساد ، والخير من الشر ، والمعروف من المنكر ، والإحسان من الجريمة ، وهذا القدر من " العقل "، و " التمييز "، هو مناط التكليف والسؤال بين يدي الله سبحانه ، فإذا كان مريض التوحد يدرك أن السرقة شر وفساد وجريمة ، ثم أقدم عليها ، فهو مسؤول عن ذلك كله .

ثالثا :

أما إذا اضطرب حال المريض ، فمرة يفقد قدراته الإدراكية ، وأخرى يسترجعها ويكون قادرا على تمييز تصرفاته وضبطها ، ففي هذه الحالة يحكم له بالتكليف حال إدراكه وتعقله ، ويسقط عنه التكليف حال طروء العلة به .

ومثل ذلك : لو أدرك أمرا معينا ، وغاب عنه إدراك أمر أو أمور ؛ فإنه يكلف بما أدركه ، ويسقط عنه التكليف فيما عجز عن إدراكه .

وهذا كله من مقتضى عدالة الشريعة المطلقة ، يدل عليه قول الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) القصص/59، وقال عز وجل : ( ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ) الأنعام/131.

وهذا التفاوت في التكليف ليس بمستنكر ، بل يقع حتى للإنسان السوي العاقل ، حيث يسقط عنه التكليف حال نومه أو نسيانه أو فقدان وعيه ، ونحوها من العوارض التي تؤثر في الأهلية ، والفقهاء تحدثوا عن الذي يُجن أحيانا ويُفيق أحيانا أخرى ، كما تحدثوا عن " العته " باعتباره علة تصيب العقل ، فتُفقده إدراكه في كثير من الأحيان .

والقاعدة في جميع هذه الصور : أن حال توافر العقل المدرِك يقع التكليف والمسؤولية ، وحال فقدانها يسقط التكليف ، وحال طروء الخلل عليها يحاسبه الله عز وجل بعدله المطلق .

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :

" مورد التكليف هو العقل ، وذلك ثابت قطعا بالاستقراء التام ؛ حتى إذا فقد ارتفع التكليف رأسا ، وعد فاقده كالبهيمة المهملة ، وهذا واضح في اعتبار تصديق العقل بالأدلة في لزوم التكليف "

انتهى من " الموافقات " (3/209) .

وجاء في كتاب " التقرير والتحبير " لابن أمير حاج الحنفي (2/ 176) تعريف " العته " بقوله :

" آفة ناشئة عن الذات ، توجب خللا في العقل ، فيصير صاحبه مختلط الكلام ، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء ، وبعضه كلام المجانين ، فلا تجب العبادات عليه ، كما لا يجب على الصبي العاقل أيضا ، كما هو اختيار عامة المتأخرين ، و[لا تجب] العقوبات [عليه]، كما لا تجب على الصبي العاقل أيضا ، بجامع وجود أصل العقل ، مع تمكن خلل فيه فيهما ، دفعا للحرج " انتهى.

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (المجموعة الثانية 5/ 21) - وقد سئلت عن فتاة تصاب من حين لآخر بنوبات الصرع الهستيري ، وتفكيرها محدود ، بمعنى : أنها تفكر وتتصرف بعقول الصغار – فكان الجواب :

" إذا كانت هذه الفتاة تعقل أحيانا : فيجب عليها أداء الواجبات الشرعية من صلاة وصيام وغيرها حال عقلها ، وأما في حال غياب عقلها فإنه لا يجب عليها شيء من التكاليف الشرعية ؛ لحديث : ( رفع القلم عن ثلاثة ) . . . وذكر منهم : ( وعن المجنون حتى يفيق ) .

ويجب على والديها الإحسان إليها ، والرأفة بها ، وتعليمها ما تحتاج إليه من أمور دينها ودنياها ، وأهم ذلك أمرها بالصلاة وتعليمها ما يلزم لها من الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر وهم مأجورون على ذلك " انتهى.

عبد العزيز بن باز – عبد العزيز آل الشيخ – بكر أبو زيد .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" هناك رجل ضعيف العقل ولكنه ليس مجنونا، إلا أنه لا يستطيع التمييز بين أشياء كثيرة ، فهو لا يستطيع العد من الواحد إلى العشرة مثلا مهما حاولنا معه ، هل يجب على مثل هذا الرجل الصيام والصلاة وضبطها عليه ، حيث إنه يكلف ببعض الأعمال ، مما يؤدي إلى عطشه كالرعي ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا " .

فأجاب رحمه الله :

" إذا كان يعقل أن الله أوجب عليه الصوم والصلاة ، يفهم أنه خلق ليعبد الله ويميز فيما يتعلق بماله في ضبط ماله والتصرفات في ماله ، فهذا من العقلاء يلزمه أن يؤدي ما أوجبه الله عليه من صلاة وغيرها .

أما إن كان عقله قد اختل ، وتبين خلل عقله ، وأنه من جملة المعتوهين الذين ليس لهم عقل يميزون به بين الحق والباطل ، أو بين الخير والشر ، وبين ماله ومال غيره ، ونحو ذلك .. سقطت عنه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن الصغير حتى يبلغ ) .

فالذي يشبه المجنون بعدم ضبطه للأمور ، وعدم حسن التصرف لأن عقله مفقود : فلا تكليف عليه."

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (6/14-15) .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله ، أيضا :

" إذا كان لدي أخ أصم وأبكم فهو لا يسمع ولا يتكلم كما هو معلوم ، وطبعا لا يعرف شيئا عن الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ، ولا يعرف شيئا عن أحكام الإسلام ، ولا يعرف شيئا من القرآن. كيف يكون التوجيه والحالة هذه ؟

فأجاب :

" هذا لا بد أن يفعل معه ما يعلم به عقله بالإشارة إذا كان بصيرا ، وينبغي أن يعلم الصلاة بالفعل؛ فيصلي عنده وليه أو غيره ، ويشار له أن يفعل هذا الفعل ، مع بيان الأوقات بالطريقة التي يفهمها ، أو بتعليمه الصلاة كل وقت بالفعل بعد أن يعلم أنه عاقل ، ويكتب له إن كان يعرف الكتابة حقيقة العقيدة الإسلامية ، وأركان الإسلام مع بيان معنى الشهادتين ، وهكذا بقية أحكام الشرع توضح له كتابة .

ومن ذلك أحكام الصلاة من الوضوء والغسل ومن الجنابة ، وبيان الأوقات ، وأركان الصلاة وواجباتها وما يشرع فيها ، وبيان السنن الراتبة ، وسنة الضحى والوتر إلى غير ذلك مما يحتاجه المكلف لعله يستفيد من الكتابة .

ومتى علم عقله بأي وسيلة : ثبت أنه من المكلفين إذا بلغ الحلم بإحدى علاماته المعلومة، ولزمته أحكام المكلفين حسب علمه وقدرته .

أما إن ظهر من حاله أنه لا يعقل : فلا حرج عليه ، لأنه غير مكلف ، كما جاء في الحديث الصحيح: « رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتى يبلغ ، والمعتوه حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ » "

انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (5/ 281) .

والخلاصة :

أن مريض التوحد لا يحكم عليه بحكم مطلق ، بل كل حالة بحسبها ، فإن لم يفقد قدراته العقلية التي يميز بها بين الخير والشر ، والصواب والخطأ ، فهو مكلف ، مؤاخذ على أقواله وأفعاله ، وحسابه عند ربه . أما إذا فقد تلك القدرات ، أو ضعفت واختلت ، سقط عنه التكليف شرعا ، ووجب على من حوله مراعاة ذلك في أمره ونهيه وتعليمه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-06-18, 14:14
الذي يحج عن غيره هل يأخذ مالاً؟

وهل يدعو لنفسه؟

وهل الأجر كاملاً؟

السؤال

في حالة الحج بالإنابة عن شخص ما ، هل ينصرف أجر الذِّكر والدعاء في الطواف والسعي ويوم عرفة للشخص المنيب أم للشخص الذي يقوم بالحج ؟ وهل يجوز للذي يحج عن غيره أن يدعو لنفسه ولأهله خلال الحج في الطواف أو السعي أو يوم عرفة أم لا ؟ وما هي الأعمال التي يمكن أن يقوم بها من يحج عن غيره خلال الحج ويكون ثوابها له ؟

وهل له أجر أم أن أجره المال الذي أخذه مقابل الحج فقط ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الحج بالإنابة ثابت في السنَّة الصحيحة عن المريض في بدنه العاجز عن الوصول لمكة لأداء المناسك ، وعن الميت الذي لم يحج ، بشرط أن يكون النائب حج عن نفسه أولاً .

ولا يجوز الحج عمن لا يستطيع الحج إذا كان عذره مؤقتا ويرجى زواله ، كامرأة لا يوجد محرم لها يسافر معها ، أو رجل ليس عنده إثبات شخصية ، أو رجل تمنعه دولته من السفر ، فهؤلاء يمكن أن تتغير أحوالهم ، وتتبدل ظروفهم إلى أن يستطيعوا القيام بالنسك بأنفسهم ، بخلاف العاجز في بدنه عجزاً مزمناً .

ثانياً :

لا يجوز لمن يحج عن غيره أن يكون قصده المال ، فليست العبادة عرضة للتجارة ، ولا من مجالات الربح ، والأفضل لمن أراد أن يحج عن غيره أن يتبرع بها كاملة من غير أن يأخذ مالاً ، وهذا له أجر عظيم ، وهو في أعلى المراتب ، كما يجوز أن يطلب من أهل من سيحج عنهم تكاليف السفر وأداء المناسك ، دون أن يستوفي زيادة على قدر تلك التكاليف ، إلا أن يعطوه شيئاً منهم عن طيب نفسٍ منهم ، وله أجر على فعله ذاك ، وهو في أوسط المراتب ، وأما من قصد بالحج عن غيره المال والدنيا : فلا ثواب له على عمله ذلك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"الحاجَّة عن الميت : إن كان قصدها الحج ، أو نفع الميت : كان لها في ذلك أجرٌ ، وثواب ، وإن كان ليس مقصودها إلا أخذ الأجرة : فما لَها في الآخرة مِن خلاق [أي : نصيب]" انتهى .

" مجموع الفتاوى " ( 26 / 18 ) .

وقال رحمه الله :

"الحاج عن الغير لأن يوفي دَيْنه : فقد اختلف فيها العلماء أيهما أفضل ، والأصح : أن الأفضل : الترك ؛ فإن كون الإنسان يحج لأجل أن يستفضل شيئاً من النفقة : ليس من أعمال السلف ، حتى قال الإمام أحمد : ما أعلم أحداً كان يحج عن أحدٍ بشيءٍ ، ولو كان هذا عملاً صالحاً : لكانوا إليه مبادرين ، والارتزاق بأعمال البر ليس من شأن الصالحين ، أعني: إذا كان إنما مقصوده بالعمل اكتساب المال .

وهذا المَدين يأخذ من الزكاة ما يوفي به دَيْنه خير له من أن يقصد أن يحج ليأخذ دراهم يوفي بها دَيْنه ، ولا يستحب للرجل أن يأخذ مالاً يحج به عن غيره إلا لأحد رجلين :

إما رجل يحب الحج ، ورؤية المشاعر ، وهو عاجز ، فيأخذ ما يقضي به وطره الصالح ، ويؤدي به عن أخيه فريضة الحج .
أو رجل يحب أن يُبرئ ذمَّة الميت عن الحج ، إما لصلة بينهما ، أو لرحمة عامة بالمؤمنين ، ونحو ذلك ، فيأخذ ما يأخذ ليؤدي به ذلك .

وجِماع هذا : أن المستحب أن يأخذ ليحج ، لا أن يحج ليأخذ ، وهذا في جميع الأرزاق المأخوذة على عمل صالح ، فمن ارتزق ليتعلم ، أو ليعلِّم ، أو ليجاهد : فحسن ... .

وأمَّا من اشتغل بصورة العمل الصالح لأن يرتزق : فهذا من أعمال الدنيا ، ففرق بين من يكون الدين مقصوده ، والدنيا وسيلة ، ومن تكون الدنيا مقصوده ، والدِّين وسيلة ، والأشبه : أن هذا ليس له في الآخرة مِن خلاق ، كما دلت عليه نصوص" انتهى .

" مجموع الفتاوى " ( 26 / 19 ، 20 ) .

وسئل الشيخ عبد العزيز باز رحمه الله :

هل الحج عن الآخرين مشروع على الإطلاق أم خاص بالقرابة ؟ ثم هل يجوز أخذ الأجرة على ذلك ؟ ثم إذا أخذ الأجرة على حجة عن غيره فهل له أجر في عمله هذا ؟ .

فأجاب :

"الحج عن الآخرين ليس خاصّاً بالقرابة ، بل يجوز للقرابة ، وغير القرابة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شبَّهه بالدَّيْن ، فدل ذلك على أنه يجوز للقرابة ، وغير القرابة .

وإذا أخذ المال وهو يقصد بذلك المشاهدة للمشاعر العظيمة ، ومشاركة إخوانه الحجاج ، والمشاركة في الخير : فهو على خير إن شاء الله ، وله أجر .

أما إذا كان لم يقصد إلا الدنيا : فليس له إلا الدنيا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) متفق على صحته" انتهى .

" مجموع فتاوى ابن باز " ( 16 / 423 ) .

ثالثاً :

إذا حج الإنسان عن غيره فإنَّ أجر المناسك من طواف وسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة وغيرها هو لمن جُعل الحج له ، وأما الصلاة والدعاء : فهما لمن قام بالحج إلا ركعتي الطواف فهما تابعتان للحج لأنهما من المناسك ، والأفضل أن يشرك معه في الدعاء من يحج عنه ، ويُرجى أن يكون للمحجوج عنه أجر تلك الصلاة والدعاء ؛ لأنه السبب في طاعة من قام بالحج .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

"الذي يحج عن غيره : إنما يجعل الحج وما يتعلق به للغير ، أما الدعاء : فهو لنفسه ، ولكن من الأحسن أن يشرك غيرَه ، أي : يشرك الذي حج عنه ، أو اعتمر ، بالدعاء ، فيقول : اللهم اغفر لمن كانت له هذه الحجة ، أو كانت له هذه العمرة ؛ اغفر له ولي ، وارحمنا ، ويدعو بما يشمل نفسه ، ومن أعطاه المال ليحج به ، أما بقية الأفعال كالطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمرات ، والمبيت بمنى ، وطواف الوداع : فكل هذا للذي حج عنه ، وليس له منه شيء" انتهى .

" اللقاء الشهري " ( 16 / 15 ) .

وسئل الشيخ رحمه الله : شخص حج عن غيره ولكنه ظل يدعو لنفسه في الحج دون غيره ؟ .

فأجاب :

"لا حرج في هذا ، يعني : لو أن الإنسان حج عن غيره ، ولكنه عند الميقات قال : " لبيك عن فلان " ونوى أن هذا النسك لفلان ، وكان في طوافه وسعيه ووقوفه بعرفة يدعو لنفسه : فحجه صحيح ؛ لأن الدعاء ليس شرطاً في صحة الحج ، ولكننا نرى أن الأولى : أن يدعو لنفسه ولأخيه ؛ لأن أخاه هو الذي تكفل بمؤونة الحج ، فلا يحرمه من الدعاء ، وأما النسك : فقد تم بدون دعاء" انتهى .

" لقاءات الباب المفتوح " ( 88 / السؤال رقم 9 ) .

رابعاً :

اختلف العلماء فيمن حجَّ عن غيره ، هل يأخذ أجر الحج عن غيره وعن نفسه ، ويرجع كيوم ولدته أمه أم أن هذا فقط للمحجوج عنه ؟ ولا شك أن هذا الخلاف هو فيمن حج عن غيره ولم يكن قصده بذلك تحصيل المال ، والذي ذكرناه عن الشيخين ابن باز والعثيمين أن له أجراً ، لكن ليس كأجر الحج عن نفسه –

فقد سئلوا عن الرجل الذي يحج بأجرة عن ميت ؛ سواء كان رجلا أو امرأة ، أو عن عاجز ، لكبر سنٍّ ، أو مرض لا يرجى برؤه ، هل هذا المؤجر له أجر من الله ؟ .

فأجابوا :

"مَن حجَّ أو اعتمر عن غيره بأجرة أو بدونها : فثواب الحج والعمرة لمن ناب عنه ، ويُرجى له أيضا أجر عظيم ، على حسب إخلاصه ورغبته للخير ، وكل من وصل إلى المسجد الحرام وأكثر فيه من نوافل العبادات وأنواع القربات : فإنه يُرجى له خيرٌ كثيرٌ إذا أخلص عمله لله" انتهى .

الشيخ عبد العزيز باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 77 ، 78 ) .

وخالف بعض العلماء في ذلك ، فقالوا بأن له ولمن حج عنه الأجر كاملاً ؛ لعموم حديث ( مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) متفق عليه ، وإذا كان ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ) كما صحَّ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : فأولى لمن قام بالفعل حقيقة أن يأخذ الأجر كاملاً .

وفضل الله تعالى واسع ، يعطي من يشاء بغير حساب .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-06-18, 14:18
حج عن غيره فهل له فضائل الحج؟

السؤال

إذا حج الشخص عن غيره ، فهل يناله ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : ( من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) ؟.

الجواب

الحمد لله

" يتوقف الجواب على هذا السؤال : هل هذا الرجل حج عن نفسه أو عن غيره ؟

الجواب :

أنه إنما حج عن غيره ، ولم يحج لنفسه ، فلا يدرك الأجر الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه إنما قام بالحج عن غيره ، لكنه إن شاء الله إذا قصد نفع أخيه ، وقضاء حاجته فإن الله تعالى يثيبه " انتهى .\

"فتاوى ابن عثيمين" (21/34) .

*عبدالرحمن*
2018-06-18, 14:21
السؤال

ما هي شروط وجوب الحج ؟.

الجواب

الحمد لله

ذكر العلماء رحمهم الله شروط وجوب الحج ، والتي إذا توفرت في شخص وجب عليه الحج ، ولا يجب الحج بدونها ، وهي خمسة : الإسلام ، العقل ، البلوغ ، الحرية ، الاستطاعة .

1- الإسلام .

وهذا الشأن في جميع العبادات ، وذلك لأن العبادة لا تصح من الكافر ، لقول الله تعالى : ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ) التوبة/54 .

وفي حديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليم وسلم إلى اليمن : ( إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ ) متفق عليه .

فالكافر يؤمر أولاً بالدخول في الإسلام ، فإذا أسلم أمرناه بالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر شرائع الإسلام .

2، 3 - العقل والبلوغ

لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ : عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) . رواه أبو داود (4403) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

فالصبي لا يجب عليه الحج ، لكن لو حج به وليه صح حجه وللصبي أجر الحج ، ولوليه أجر أيضاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما رفعت إليه امرأة صبيا وقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ، ولك أجر . رواه مسلم .

4- الحرية . فلا يجب الحج على العبد لأنه مشغول بحق سيده .

5- الاستطاعة (القدرة)

قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) آل عمران/97 .

وهذا يشمل الاستطاعة البدنية والاستطاعة المالية .

أما الاستطاعة البدنية فمعناها أن يكون صحيح البدن ويتحمل مشقة السفر إلى بيت الله الحرام .

وأما الاستطاعة المالية فمعناها أن يملك النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذهاباً , وإياباً .

قالت اللجنة الدائمة (11/30) :

الاستطاعة بالنسبة للحج أن يكون صحيح البدن وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة ذلك بحسب حاله ، وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً على أن يكون ذلك زائداً عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه ، وأن يكون مع المرأة زوج أو محرم لها حتى في سفرها للحج أو العمرة اهـ .

ويشترط أن تكون النفقة التي توصله إلى البيت الحرام فاضلةً عن حاجاته الأصلية ، ونفقاته الشرعية ، وقضاء ديونه .

والمراد بالديون حقوق الله كالكفارات وحقوق الآدميين .

فمن كان عليه دين ، وماله لا يتسع للحج وقضاء الدين فإنه يبدأ بقضاء الدين ولا يجب عليه الحج .

ويظن بعض الناس أن العلة هي عدم إذن الدائن ، فإذا استأذنه وأذن له فلا بأس .

وهذا الظن لا أصل له ، بل العلة هي انشغال الذمة ، ومعلوم أن الدائن لو أذن للمدين بالحج فإن ذمة المدين تبقى مشغولة بالدين ، ولا تبرأ ذمته بهذا الإذن ، ولذلك يقال المدين : اقض الدين أولاً ثم إن بقي معك ما تحج به وإلا فالحج غير واجب عليك .

وإذا مات المدين الذي منعه سداد الدين عن الحج فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيع ولا مفرط ، لأن الحج لم يجب عليه ، فكما أن الزكاة لا تجب على الفقير فكذلك الحج .

أما لو قَدَّم الحج على قضاء الدين ومات قبل قضائه فإنه يكون على خطر ، إذ إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين ، فكيف بغيره ؟!

والمراد بالنفقات الشرعية : النفقات التي يقرها الشرع كالنفقة على نفسه وأهله ، من غير إسراف ولا تبذير ، فإن كان متوسط الحال وأراد أن يظهر بمظهر الغني فاشترى سيارة ثمينة ليجاري بها الأغنياء ، وليس عنده مال يحج به ، وجب عليه أن يبيع السيارة ويحج من ثمنها ، ويشتري سيارة تناسب حاله .

لأن نفقته في ثمن هذه السيارة الثمينة ليست نفقة شرعية ، بل هو إسراف ينهى الشرع عنه .

والمعتبر في النفقة أن يكون عنده ما يكفيه وأهله إلى أن يعود .

ويكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك .

ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها ، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله .

سئلت اللجنة الدائمة (11/36) عن رجل له مبلغ من المال في بنك إسلامي وراتبه مع أرباح المال تكفيه بصورة معتدلة ، فهل يجب عليه الحج من رأس المال مع العلم أن ذلك سيؤثر على دخله الشهري ويرهقه مادياً ؟ فأجابت :

" إذا كانت حالتك كما ذكرت فلست مكلفاً بالحج لعدم الاستطاعة الشرعية ، قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) . وقال : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) " انتهى .

والمراد بالحاجات الأصلية : ما يحتاج إليه الإنسان في حياته كثيراً ، ويشق عليه الاستغناء عنه .

مثل : كتب العلم لطالب العلم ، فلا نقول له : بع كتبك وحج بثمنها ، لأنها من الحوائج الأصلية .

وكذلك السيارة التي يحتاج إليها ، لا نقول له بعها وحج بثمنها ، لكن لو كان عنده سيارتان وهو لا يحتاج إلا إلى واحدة فيجب عليه أن يبيع إحداهما ليحج بثمنها .

وكذلك الصانع لا يلزمه أن يبيع آلات الصنعة لأنه يحتاج إليها .

وكذلك السيارة التي يعمل عليها وينفق على نفسه وأهله من أجرتها ، لا يجب عليه بيعها ليحج .

ومن الحوائج الأصلية : الحاجة إلى النكاح .

فإذا احتاج إلى النكاح قدم النكاح على الحج وإلا قدم الحج .

انظر جواب السؤال (27120) .

إذاً فالمراد من الاستطاعة المالية أن يفضل عنده ما يكفيه للحج بعد قضاء الديون ، والنفقات الشرعية ، والحوائج الأصلية .

فمن كان مستطيعاً ببدنه وماله وجب عليه المبادرة بالحج .

ومن كان غير مستطيع ببدنه وماله ، أو كان مستطيعاً ببدنه ولكنه فقير لا مال له ، فلا يجب عليه الحج.

ومن كان مستطيعاً بماله ، غير أنه لا يستطيع ببدنه نظرنا :

فإن كان عجزه يرجى زواله كمريض يرجى شفاء مرضه فإنه ينتظر حتى يشفيه الله ثم يحج .

وإن كان عجزه لا يرجى زواله كمريض السرطان أو كبير السن الذي لا يستطيع الحج فهذا يجب عليه أن يقيم من يحج عنه ، ولا يسقط عنه الحج لعدم استطاعته ببدنه إذا كان مستطيعاً بماله .

والدليل على ذلك :

ما رواه البخاري (1513) أن امرأة قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .

فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على قولها إن الحج فرض على أبيها مع أنه لا يستطيع الحج ببدنه . ويشترط لوجوب الحج على المرأة أن يكون لها محرم ولا يحل لها أن تسافر للحج فرضاً كان أو نفلاً إلا مع ذي محرم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) رواه البخاري (1862) ومسلم (1341) .

والمحرم هو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة .

وزوج الأخت أو زوج الخالة أو العمة ليس من المحارم ، وبعض النساء تتساهل فتسافر مع أختها وزوج أختها ، أو مع خالتها وزوج خالتها ، وهذا حرام .

لأن زوج أختها ، أو زوج خالتها ليس من محارمها .

فلا يحل لها أن تسافر معه .

ويُخشى أن يكون حجها غير مبرور ، فإن الحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم ، وهذه آثمة في سفرها كله إلى أن تعود .

ويشترط في المحرم أن يكون عاقلاً بالغاً .

لأن المقصود من المحرم حفظ المرأة وصيانتها والصبي والمجنون لا يحصل منهما ذلك .

فإذا لم يوجد للمرأة محرم ، أو وجد ولكن امتنع من السفر معها ، فلا يجب عليها الحج .

وليس من شروط الوجوب على المرأة إذن زوجها ، بل يجب عليها الحج إذا توفرت شروط الوجوب ولو لم يأذن الزوج .

قالت اللجنة الدائمة (11/20) :

حج الفريضة واجب إذا توفرت شروط الاستطاعة ، وليس منها إذن الزوج ، ولا يجوز له أن يمنعها ، بل يشرع له أن يتعاون معها في أداء هذا الواجب اهـ .

وهذا في حج الفريضة أما النافلة فنقل ابن المنذر الإجماع على أن الزوج له منع زوجته من حج النافلة ، لأن حق الزوج واجب عليها فلا تفوته بما لا يجب عليها . المغني (5/35) .

انظر الشرح الممتع (7/5-28) .

*عبدالرحمن*
2018-06-18, 14:24
هل يقدم الحج أم الزواج ؟

السؤال

أيهما أولى للشخص ؛ أن يحج بما معه من مال أم يتزوج به ؟ لأن هذا الوقت وقت فتن يخاف فيه المرء على نفسه .

الجواب

الحمد لله

إذا كان الرجل يحتاج إلى الزواج ، ويشق عليه تأخيره فإنه يقدم الزواج على الحج .

أما إذا كان لا يحتاج إلى الزواج فإنه يقدم الحج .

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) :

وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ ( أي المشقة ) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ , لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ اهـ . وانظر أيضاً : "المجموع" (7/71) للنووي .

وسئل الشيخ ابن عثيمن رحمه الله :

هل يجوز تأجيل الحج إلى ما بعد الزواج للمستطيع ، وذلك لما يقابل الشباب في هذا الزمن من المغريات والفتن صغيرة كانت أم كبيرة ؟

فأجاب :

لا شك أن الزواج مع الشهوة والإلحاح أولى من الحج لأن الإنسان إذا كانت لديه شهوة ملحة فإن تزوجه حينئذٍ من ضروريات حياته ، فهو مثل الأكل والشرب ، ولهذا يجوز لمن احتاج إلى الزواج وليس عنده مال أن يدفع إليه من الزكاة ما يُزوج به ، كما يعطى الفقير ما يقتات به وما يلبسه ويستر به عورته من الزكاة .

وعلى هذا فنقول : إنه إذا كان محتاجاً إلى النكاح فإنه يقدم النكاح على الحج لأن الله سبحانه وتعالى اشترط في وجوب الحج الاستطاعة فقال : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) آل عمران / 97 .

أما من كان شاباً ولا يهمه أن يتزوج هذا العام أو الذي بعده فإنه يقدم الحج لأنه ليس في ضرورة إلى تقديم النكاح اهـ

فتاوى منار الإسلام (2/375) .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-09-20, 16:42
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل النساء مساويات للرجال في الثواب والعقاب

السؤال

بعض الناس يقولون : إن النساء ناقصات عقل ودين وميراث وشهادة

والبعض يقول : إن الله ساوى بينهم في الثواب والعقاب

فما رأيكم : هل هن ناقصات في شريعة الإسلام أم لا ؟.

الجواب

الحمد لله

الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم المرأة ، والرفع من شأنها

وإحلالها المكان اللائق بها ، رعاية لها ، وحفظاً لكرامتها

فأوجبت على وليها وزوجها الإنفاق عليها ، وحسن كفالتها ، ورعاية أمرها ، ومعاشرتها المعاشرة الحسنة

قال تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) سورة النساء / 19 .

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي )

رواه الترمذي 5/709 برقم ( 3895 ) .

وأعطى الإسلام للمرأة ما يناسبها من جميع الحقوق والتصرفات الشرعية

قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم ) سورة البقرة / 228 ، من مختلف أنواع المعاملات من البيع والشراء والصلح والوكالة والعارية والوديعة ... الخ .

وأوجب عليها ما يناسبها من العبادات والتكاليف ، مثل ما على الرجل من الطهارة والزكاة والصيام والصلاة والزكاة والصيام والحج ، ونحوها من العبادات .

ولكن الشريعة جعلت للمرأة في الميراث نصف ما للرجل ، لأنها ليست مكلفة بالنفقة على نفسها ولا بيتها ولا أولادها ، وإنما المكلف بذلك الرجل ، كما أن الرجل تعتريه النوائب في الضيافة والعقل والصلح على الأموال ونحو ذلك .

( و ( الضيافة ) هي ما ينفقه الرجل على ضيوفه ، و ( العقل ) هي الدية ، و ( الصلح على الأموال ) كما لو أصلح بين قبيلتين متنازعتين وغرم ما بينهما من أموال حتى يتم الصلح . )

كما أن شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد في بعض المواضع لأن المرأة يعتريها النسيان أكثر بسبب ما ركب في جبلتها بما يعتريها من العادة الشهرية والحمل والوضع وتربية الأولاد

كل ذلك قد يشغل بالها وينسيها ما كانت تذكره ، ولذلك دلت الأدلة الشرعية على أن تتحمل أختها معها الشهادة ، ليكون ذلك أضبط لها

وأحكم لأدائها ، على أن هناك من الأمور الخاصة بالنساء ما يكفي فيها شهادة المرأة الواحدة ، كمعرفة الرضاع ، وعيوب النكاح ونحوها .

والمرأة مساوية للرجل في الأجر ، والإثابة على الإيمان والعمل الصالح ، وبالاستمتاع بالحياة الطيبة في الدار الدنيا والأجر العظيم في الدار الآخرة

قال تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) سورة النحل / 97 .

فبذلك يُعرف أن المرأة لها حقوق وعليها واجبات ، كما أن الرجل له حقوق وعليه واجبات ، وهناك أمور تناسب الرجال جعلها الله سبحانه منوطة بالرجال ، كما أن هناك أموراً تلائم المرأة جعلها منوطة بالنساء .

وبالله التوفيق

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/7 .

و اخيرا

اسالكم الدعاء بظهر الغيب

Ahmad Osman
2019-09-29, 13:45
جزاكم الله تعالى كل خير