تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مصادر التشريع .. أصول الفقه


*عبدالرحمن*
2018-03-09, 15:10
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن معرفة الفقه الإسلامي وأدلة الأحكام، ومعرفة فقهاء الإسلام الذين يرجع إليهم في هذا الباب من الأمور المهمة التي ينبغي لأهل العلم العناية بها وإيضاحها للناس؛ لأن الله سبحانه خلق الثقلين لعبادته، ولا يمكن أن تعرف هذه العبادة إلا بمعرفة الفقه الإسلامي وأدلته، وأحكام الإسلام وأدلته، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة العلماء الذين يعتمد عليهم في هذا الباب من أئمة الحديث والفقه الإسلامي.

فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، ومن أسباب السعادة للعبد، ومن علامات النجاة والفوز أن يفقه في دين الله، وأن يكون فقيها في الإسلام، بصيراً بدين الله على ما جاء في كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام.

والعلماء قد بين الله شأنهم ورفع قدرهم، وهم أهل العلم بالله وبشريعته، والعاملون بما جاء عن الله وعن نبيه عليه الصلاة والسلام، وهم علماء الهدى، ومصابيح الدجى وهم العاملون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين قال فيهم جل وعلا: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة آل عمران الآية 18.

وقال فيهم جل وعلا: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ سورة المجادلة الآية 11.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) رواه البخاري في العلم برقم 69 ومسلم في الزكاة برقم 1719

اخوة الاسلام

هذه الموسوعه الشامله ليست ك مثيلتها الغرض النشر فقط

بل وارحب بكل من لاديه استفسار او سؤال وسوف ابذل قصاري

جهدي لتوضيحه او احضاره من كبار العلماء والائمة

......


الفقه الإسلامي تعريفه وأصوله وفروعه

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2132684

الفقه وأصوله القسم المجمل

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2132996

واخيرا

اسالكم الدعاء بظهر الغيب

*عبدالرحمن*
2018-03-09, 15:16
تخريج حديث : (إنما أجازي العباد على قدر عقولهم) .

السؤال:

وقفت على حديث قدسي أعجبني ، ضعفه ابن الجوزي وغيره، فهل حسنه أو أخذ به بعض أهل العلم قديما أو حديثا ؟ لقد روي الحديث (مقطوعا) عن زيد بن أسلم التابعي الجليل ، فهل تصح نسبته إليه، وهل كان زيد بن أسلم يحدث عن بني إسرائيل ؟ قال أبو نعيم في " حلية الأولياء " :

" حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدثنا محمد بن بكار ، حدثنا أبو مسعر ، عن زيد بن أسلم : " أن نبيا ، من الأنبياء أمر قومه أن يقرضوا ربهم عز وجل ، فقال رجل منهم : يا رب ، ليس عندي إلا تبن حماري ، فإن كان لك حمار علفته من تبن حماري هذا ، قال : فكان يدعو بذلك في صلاته ، قال : فنهاه نبيه عن ذلك ، فأوحى الله عز وجل إليه لأي شيء نهيته ؟ قد كان يضحكني في اليوم كذا وكذا مرة "

قال الشيخ رحمه الله : وزادني غيره من رواية متصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا ، فقال : " دعه فإني أجازي العباد على قدر عقولهم " . ولقد وجدت هذه الزيادة المذكورة في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه سلم عن طريق جابر بن عبد الله رواه البيهقي في " شعب الإيمان " ـ لكن لا أدري ما درجة صحته ـ ، و هو: أخبرنا أبو سعد الماليني (وغيره) قال : سمعت أحمد بن بشير ، يقول : نا الأعمش

عن سلمة بن كهيل ، عن عطاء ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعبد رجل في صومعة ، فمطرت السماء ، فأعشبت الأرض فرأى حمارا يرعى ، فقال : رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري ، فبلغ ذلك نبيا من أنبياء بني إسرائيل ، فأراد أن يدعو عليه ، فأوحى الله تعالى إليه : إنما أجازي العباد على قدر عقولهم " لفظ حديث الماليني ، تفرد به أحمد بن بشير الكوفي ، هذا والله أعلم . وروى البيهقي الحديث موقوفا عن جابر رضي الله عنه .

الجواب :

الحمد لله

روى البيهقي في "الشعب" (4319) ، وابن شاهين في " الترغيب " (259) ، وابن عدي في "الكامل" (1/269) ، والخطيب في "التاريخ" (5/22) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1/174) كلهم من طريق أَحْمَدَ بْن بَشِيرٍ، قال: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْل ٍ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( تَعَبَّدَ رَجُلٌ فِي صَوْمَعَةٍ ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ ، فَأَعْشَبْتِ الْأَرْضُ ، فَرَأَى حِمَارًا يَرْعَى فَقَالَ: يا رَبِّ لَوْ كَانَ لَكَ حِمَارٌ لِرَعِيَّتُهُ مَعَ حِمَارِي، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: إِنَّمَا أُجَازِي الْعِبَادَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ ) .

وهذا إسناد ضعيف ، أحمد بن بشير هذا قال عثمان الدارمي : متروك ، وقال النسائي: ليس بذاك القوى. وقال أبو زرعة: صدوق. وقال الدارقطني: ضعيف، يعتبر بحديثه .

"ميزان الاعتدال" (1 /85) .

وقال ابن عدي عقب روايته : " هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لا يَرْوِيهِ بَهَذَا الإِسْنَادِ غَيْرُ أَحْمَدَ بْنِ بَشِيرٍ " .

وقال ابن القيسراني في "ذخيرة الحفاظ" (2/ 1154):

" أحمد مَتْرُوك الحَدِيث ، وَهَذَا أحد مَا أنكر عَلَيْهِ ".

وقال الألباني في "الضعيفة" (6876) " حديث منكر " .

وقد رواه البيهقي في "الشعب" (4318) من طريق أحمد بن بشير هذا بسنده المتقدم ، إلا أنه أوقفه على جابر ولم يرفعه .

قال الألباني :

" هذا يعني: أن أحمد بن بشير كان يضطرب في ضبطه وإسناده ، فتارة يرفعه - كما تقدم -، وتارة يوقفه ، وهذا مما يؤكد ضعف حفظه الذي أشار إليه النسائي ، وغيره ممن ضعفه صراحة كالدارقطني .

واذا عرفت هذا؛ فالحديث بالوقف أشبه، ثم هو كأنه من الإسرائيليات التي كان بعض الصحابة يتلقاها عن أهل الكتاب، وموقفنا منها مع قول نبينا صلى الله عليه وسلم:

( فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم ... ) رواه البخاري " .

انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (14/ 879) .

وقال أبو نعيم في "الحلية" (3/ 222):

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، ثَنَا أَبُو مِسْعَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: " أَنَّ نَبِيًّا، مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَمَرَ قَوْمَهُ أَنْ يُقْرِضُوا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَبِّ لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا تِبْنُ حِمَارِي ، فَإِنْ كَانَ لَكَ حِمَارٌ عَلَفْتُهُ مِنْ تِبْنِ حِمَارِي هَذَا، قَالَ: فَكَانَ يَدْعُو بِذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ قَالَ: فَنَهَاهُ نَبِيُّهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَوْحَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ لِأَيِّ شَيْءٍ نَهَيْتَهُ؟ قَدْ كَانَ يُضْحِكُنِي فِي الْيَوْمِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً ".

وهذا مقطوع من قول زيد بن أسلم ، وهو تابعي ، والإسناد إليه رجاله كلهم ثقات ، إلا أنا لم نجد ترجمة لأبي مسعر راويه عن زيد .

ولو ثبت عن زيد فربما يكون أخذه عن أهل الكتاب ، فقد كان يروي عن كعب الأحبار ، ووهب الذماري ، وكان لهما علم من الكتب المتقدمة .

قال ابن أبي حاتم : " وهب الذمارى سكن ذمار وقد قرأ الكتب، روى عنه زيد بن أسلم. سمعت أبى يقول ذلك ".
"الجرح والتعديل" (9 /23) .

وانظر: "المعرفة والتاريخ" (3/ 408).

والخلاصة :

أن هذا الحديث لا يصح مرفوعا ، والظاهر أنه من أحاديث أهل الكتاب .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-09, 15:20
حكم التلفيق بين أقوال أهل العلم .

السؤال

برجاء شرح معنى التلفيق بين أقوال أهل العلم ، وبيان حكمه في الدين

الجواب :

الحمد لله

المقصود بالتلفيق بين أقوال العلماء أن يفعل الإنسان فعلا يكون باطلا أو محرما على مذاهب العلماء وأقوالهم ، غير أنه يمكن أن يحكم له بالصحة إذا تم أخذ قول كل عالم على حدة ، فهذا العالم يصحح هذا الجزء من الفعل ، والآخر يصحح جزأه الآخر ، وإن كان كل واحد منهما يحكم ببطلان الفعل باعتبار مجموعه .

مثال ذلك : رجل توضأ ولمس امرأة أجنبية وخرج منه دم من جرح في يده .

فهذا الوضوء باطل عند الشافعية والحنفية ، أما الشافعية فلأن لمس المرأة الأجنبية ناقض للوضوء عندهم ، وأما الحنفية فلأن خروج الدم ناقض للوضوء عندهم .

ولكن يمكن تلفيق قول من المذهبين يحكم بصحة هذا الوضوء ، فالشافعية يرون أن خروج الدم غير ناقض للوضوء ، والحنفية يرون أن مس المرأة غير ناقض للوضوء ، فعلى هذين القولين يكون الوضوء صحيحا ، وإن كان كل مذهب منهما يحكم ببطلان هذا الوضوء .

انظر : " الموسوعة الفقهية " (13/286-293) .

وقد اختلف العلماء في حكم التلفيق ، والصحيح أنه جائز إلا إذا ترتب عليه مفسدة فإنه يمنع حينئذ .
جاء في " قرارات مجمع الفقه الإسلامي " في دورة مؤتمره الثامن المنعقد من 1 إلى 7 محرم 1414 هـ :

" حقيقة التلفيق في تقليد المذاهب هي أن يأتي المقلد في مسألة واحدة ذات فرعين مترابطين فأكثر بكيفية لا يقول بها مجتهد ممن قلدهم في تلك المسألة.

ويكون التلفيق ممنوعًا في الأحوال التالية:

أ - إذا أدى إلى الأخذ بالرخص لمجرد الهوى ، أو الإخلال بأحد الضوابط المبينة في مسألة الأخذ بالرخص .

ب- إذا أدى إلى نقض حكم القضاء .

ج - إذا أدى إلى نقض ما عمل به تقليدًا في واقعة واحدة .

د - إذا أدى إلى مخالفة الإجماع أو ما يستلزمه .

هـ - إذا أدى إلى حالة مركبة لا يقرها أحد من المجتهدين " .

انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (8/ 438) بترقيم الشاملة .

وإذا اجتهد العالم في حكمٍ ما وتوصل باجتهاده إلى حكم ملفق من مذاهب شتى فإن هذا يكون جائزا ، لأنه توصل إلى هذا الحكم بالنظر في الأدلة ولم يقلد أحدا من العلماء ، ولم يقصد التلفيق بين أقوالهم ، ومثال ذلك : مسألة الوضوء المتقدمة في أول الجواب .

فمن ذهب إلى صحة ذلك الوضوء اجتهادا فلا حرج عليه ، ولا يكون ذلك ممنوعا .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-09, 15:24
الموقف من اختلاف العلماء

السؤال

إذا كانت هناك مسألة ما ، وفيها أكثر من فتوى شرعية ، فتوى تقول بالتحليل ، وفتوى تقول بالتحريم ، وفتوى ما بين بين ، فالمسلم أي شيء يختار ، وخاصة في الأمور المستحدثة ، والتي يدخل فيها القياس ، والاجتهاد ، والتي لا نص فيها ، مثل : فوائد البنوك ، أو أياً كانت المسميات التي يسمونها ، بالاستمثار ، أو العائد الاستثماري .
وما موقف ما يقول إنها فتوى عالم ، وهو المسؤول عنها ، وإنها معلقة في رقبته ؟

وما موقف من يتتبع رخص العلماء ، وتسهيلات العلماء ورخصهم ؟

ويقولون إنهم هم هؤلاء أهل العلم والذكر وهذه فتواهم وهم أعلم منا بذلك ، وقد تكون فتواهم معارضة لفتوى شيوخ وعلماء آخرين في نفس الدولة أو في دول أخرى ، فأي منهم نتبع ؟ وكيف لنا السبيل أن نعرف الصحيح وغير الصحيح ؟ مع العلم أن عامة الناس ليس لديهم العلم الكافي للحكم على صحة هذه الفتوى التي تصدر من عالم أو مفتي ويعارضها علماء آخرون .

الجواب

الحمد لله

قبل الجواب على هذا السؤال الهام ، لا بد أولاً من بيان الشروط التي يجب أن تتوفر في المفتي حتى يكون من أهل العلم الذين تعتبر أقوالهم ، ويعد خلافه خلافا بين العلماء ، وهي شروط كثيرة ، ترجع في النهاية إلى شرطين اثنين وهما :

1. العلم . لأن المفتي سوف يخبر عن حكم الله تعالى ، ولا يمكن أن يخبر عن حكم الله وهو جاهل به .

2. العدالة . بأن يكون مستقيما في أحواله ، ورعا عفيفا عن كل ما يخدش الأمانة . وأجمع العلماء على أن الفاسق لا تقبل منه الفتوى ، ولو كان من أهل العلم . كما صرح بذلك الخطيب البغدادي .

فمن توفر فيه هذان الشرطان فهو العالم الذي يعتبر قوله ، وأما من لم يتوفر فيه هذان الشرطان فليس هو من أهل العلم الذين تعتبر أقوالهم ، فلا عبرة بقول من عُرف بالجهل أو بعدم العدالة .

الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه للشيخ ابن عثيمين ص: 23 .

فما هو موقف المسلم من اختلاف العلماء الذين سبقت صفتهم ؟

إذا كان المسلم عنده من العلم ما يستطيع به أن يقارن بين أقوال العلماء بالأدلة ، والترجيح بينها ، ومعرفة الأصح والأرجح وجب عليه ذلك ، لأن الله تعالى أمر برد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة ، فقال : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) النساء/59. فيرد المسائل المختلف فيها للكتاب والسنة ، فما ظهر له رجحانه بالدليل أخذ به ، لأن الواجب هو اتباع الدليل ، وأقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة .

وأما إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء ، فهذا عليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به ، قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء/43 . وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه .

فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم ، وهذا كما أن الإنسان إذا أصيب بمرض – عافانا الله جميعا – فإنه يبحث عن أوثق الأطباء وأعلمهم ويذهب إليه لأنه يكون أقرب إلى الصواب من غيره ، فأمور الدين أولى بالاحتياط من أمور الدنيا .

ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل ، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى .

بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً ، وأشد خشية لله تعالى .

الخلاف بين العلماء للشيخ ابن عثيمين 26 . لقاء منوع من الشيخ صالح الفوزان ص: 25، 26 .

وهل يليق – يا أخي - بالعاقل أن يحتاط لبدنه ويذهب إلى أمهر الأطباء مهما كان بعيدا ، وينفق على ذلك الكثير من الأموال ، ثم يتهاون في أمر دينه ؟! ولا يكون له هَمٌّ إلا أن يتبع هواه ويأخذ بأسهل فتوى ولو خالفت الحق ؟! بل إن من الناس – والعياذ بالله – من يسأل عالماً ، فإذا لم توافق فتواه هواه سأل آخر ، وهكذا حتى يصل إلى شخص يفتيه بما يهوى وما يريد ‍‍!!

وما من عالم من العلماء إلا وله مسائل اجتهد فيها ولم يوفق إلى معرفة الصواب ، وهو في ذلك معذور وله أجر على اجتهاده ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ) البخاري (7352) ومسلم (1716) .

فلا يجوز لمسلم أن يتتبع زلات العلماء وأخطاءهم ، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله ، ولهذا قال العلماء : من تتبع ما اختلف فيه العلماء ، وأخذ بالرخص من أقاويلهم ، تزندق ، أو كاد .اهـ . إغاثة اللهفان 1/228 . والزندقة هي النفاق .

نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ، ويوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح .

والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-09, 15:31
لماذا يذكر بعض العلماء أحاديث ضعيفة
في كتبهم ، ويستشهدون بها ؟

السؤال:

لقد نظرت في كتاب " مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب " لابن الجوزي ووجدت حديثا ضعيفا فيه ، سؤالي هو لماذا يستشهد ابن الجوزي في كتابته بأحاديث ضعيفة ؟

الجواب:

الحمد لله

هناك أسباب عديدة تجعل العالم يذكر بعض الأحاديث الضعيفة .

فمن ذلك :

أن يكون الحديث في فضائل الأعمال ، وليس في الاعتقاد أو الحلال والحرام ، وقد ذهب كثير من العلماء إلى جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعما
.
ومنها : أن يذكر العالم الحديث ويحتج به ؛ لأنه صحيح عنده ، وقد يكون ضعيفا عند غيره .

ومنها : أن يذكر العالم الحديث الضعيف ليستشهد به ويقوي به حديثا ضعيفا آخر في معناه ، فيكون مقصوده من رواية الحديثين ضعيفي الإسناد: تقوية أحدهما بالآخر .

ومنها : أن يكون الحديث الضعيف بمعنى حديث ثابت ذكره العالم ، فيكون تعويله على الثابت دون الضعيف ، وإنما يذكر الضعيف شاهدا ، خاصة إذا كان الثابت حسنا لم يبلغ مبلغ الصحيح .

وحيث إننا لا ندري عن أي حديث يتكلم السائل ، فقد يكون عذر ابن الجوزي رحمه الله أحد الأعذار السابقة .
وعلى كل حال ، فالعالم يجتهد في اختيار الأدلة التي يذكرها والأحاديث التي يستشهد بها ، فإن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ) رواه البخاري (7352) ، ومسلم (1716)

والله تعالى أعلم .

السؤال

ما موقف العلماء من الحديث الضعيف سنده ، ولكن متن الحديث فيه حث على فضيلة أو دعاء . نريد إجابة على ذلك

الجواب

الحمد لله

اختلف العلماء في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فذهب بعضهم إلى جواز العمل به ولكن بشروط ، وذهب آخرون إلى منع العمل به .

ولخص الحافظ ابن حجر رحمه الله شروط جواز العمل بالحديث الضعيف ، وهي :

1- أن يكون الضعف غير شديد ، فلا يعمل بحديث انفرد به أحدٌ من الكذابين أو المتهمين بالكذب أو من فحش غلطه .

2- أن يندرج تحت أصل معمول به .

3- ألا يعتقد عند العمل به ثبوته ، بل يعتقد الاحتياط .

وليس معنى العمل بالحديث الضعيف أننا نستحب عبادة لمجرد ورود حديث ضعيف بها ، فإن هذا لم يقل به أحد من العلماء –كما سيأتي في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية- بل المعنى أنه إذا ثبت استحباب عبادة معينة بدليل شرعي صحيح كقيام الليل مثلا ، ثم جاء حديث ضعيف في فضل قيام الليل فإنه لا بأس من العمل بهذا الحديث الضعيف حينئذ ، ومعنى العمل به روايته لترغيب الناس في هذه العبادة مع رجاء الفاعل لها أن ينال هذا الثواب الوارد في الحديث الضعيف ، لأن العمل بالحديث الضعيف في هذه الحال لا يترتب عليه محظور شرعي كالقول باستحباب عبادة لم تثبت في الشرع ، بل إن حصل له هذا الثواب وإلا فلا ضرر عليه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى" ( 1 / 250 ) :

ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب ، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروى حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً

ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع .. فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب ، ولكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا المجهول حاله اهـ .

وقال أبو بكر بن العربي بعدم جواز العمل بالحديث الضعيف مطلقاً لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها .. انظر في ذلك تدريب الراوي ( 1/252 ) .

وهذا القول هو الذي اختاره العلامة الألباني رحمه الله ، وانظر مقدمة كتاب "صحيح الترغيب والترهيب" (1/47-67) .

وفيما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثبت عنه من الأحاديث في فضائل الأعمال وغيرها غُنية عن العمل بالحديث الضعيف .

فعلى المسلم أن يحرص على معرفة الحديث الصحيح من الضعيف ويكتفي بالعمل بالصحيح .

والله تعالى أعلم .
.

*عبدالرحمن*
2018-03-09, 15:38
المقصود بـجملة " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان "

السؤال:

هل هناك ما يعرف بـ " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان " , فهل هناك ما يثبت ذلك من الكتاب والسنَّة النبوية ؟

. أفيدونا ، أفادكم الله , وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله

مسألة " اختلاف – أو تغيُّر - الفتوى باختلاف الزمان والمكان " : لنا معها وقفات :

1. يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب والسنَّة : غير قابلة للتغيير ، مهما اختلف الزمان ، والمكان ، فتحريم الخمر ، والزنا ، والربا ، وعقوق الوالدين ، وما يشبه ذلك من الأحكام : لن يكون حلالاً في زمان ، أو في مكان ؛ لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص الوحي ، ولاكتمال التشريع بها .

2. اتخذ بعض أهل الأهواء من تلك الجملة مطية لهم للعبث بالأحكام الشرعية الثابتة بنصوص الوحي المطهَّر ، ولتمييع الدين من خلال تطبيقها على أحكام قد أجمع أهل العلم على حكمها منذ الصدر الأول ، ولا يسلم لهم الاستدلال بها ، فهي لا تخدم أغراضهم ، وإنما نص الجملة في " الفتوى " ، لا في " الأحكام الشرعية " ، وبينهما فرق كبير ، فالأول في مسائل الاجتهاد ، وما كان بحسب الواقع ، فاختلاف الواقع والزمان له تأثير في الفتوى باحتمال تغيرها .

قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :

وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان ، وتطور الأحوال ، وتجدد الحوادث ؛ فإنه ما من قضية ، كائنة ما كانت ، إلا وحكمها في كتاب الله تعالى ، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، نصّاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك ، علِم ذلك مَن علمهُ ، وجهله من جهله ، وليس معنى ما ذكره العلماء من " تغير الفتوى بتغير الأحوال " : ما ظنه من قَلَّ نصيبهم - أو عُدم - من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها ، حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إراداتهم الشهوانية البهيمية ، وأغراضهم الدنيوية

وتصوراتهم الخاطئة الوبية ، ولهذا تجدهم يحامون عليها ، ويجعلون النصوص تابعة لها ، منقادة إليها ، مهما أمكنهم ، فيحرفون لذلك الكلِم عن مواضعه ، وحينئذ معنى " تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان " : مراد العلماء منه : ما كان مستصْحَبة فيه الأصول الشرعية ، والعلل المرعية ، والمصالح التي جنسها مراد لله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم .

" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 12 / 288 ، 289 ) .

3. القول بتغير الأحكام الشرعية الثابتة بالوحي يعني تجويز تحريف الدِّين ، وتبديل أحكامه ، والقول بذلك يعني تجويز النسخ بعد كمال التشريع ، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وليُعلم أن الإجماع نفسه لا يمكن أن ينسخ حكماً ثابتاً في الشرع إلا أن يكون مستنده النص ، فإن لم يكن كذلك – وهو غير واقع في حقيقة الأمر - : كان القول به تجويزا لتبديل الشريعة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن " الإجماع " يدل على نص ناسخ ، فوجدنا من ذُكر عنهم : أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخاً ! فإن كانوا أرادوا ذلك : فهذا قول يجوِّز تبديل المسلمين دينَهم بعد نبيِّهم ، كما تقول النصارى مِن : أن المسيح سوَّغ لعلمائهم أن يحرِّموا ما رأوا تحريمه مصلحة ، ويحلوا ما رأوا تحليله مصلحة ، وليس هذا دين المسلمين ، ولا كان الصحابة يسوِّغون ذلك لأنفسهم ، ومَن اعتقد في الصحابة أنهم كانوا يستحلون ذلك : فإنه يستتاب ، كما يستتاب أمثاله ، ولكن يجوز أن يجتهد الحاكم ، والمفتي ، فيصيب ، فيكون له أجران ، ويخطئ ، فيكون له أجر واحد .

" مجموع الفتاوى " ( 33 / 94 ) .

وهذا من أعظم خصائص الشريعة وأحكامها القطعية .

قال الإمام الشاطبي رحمه الله في بيان ميزات أحكام التشريع القطعية - :

الثبوت من غير زوال ، فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخاً ، ولا تخصيصاً لعمومها ، ولا تقييداً لإطلاقها ، ولا رفعاً لحكم من أحكامها ، لا بحسب عموم المكلفين ، ولا بحسب خصوص بعضهم ، ولا بحسب زمان دون زمان ، ولا حال دون حال ، بل ما أثبت سبباً : فهو سبب أبداً لا يرتفع ، وما كان شرطاً : فهو أبداً شرط ، وما كان واجباً : فهو واجب أبداً ، أو مندوباً : فمندوب ، وهكذا جميع الأحكام ، فلا زوال لها ، ولا تبدل ، ولو فُرض بقاء التكليف إلى غير نهاية : لكانت أحكامها كذلك .

" الموافقات " ( 1 / 109 ، 110 ) .

4. ضابط فهم هذه العبارة في أمرين :

أ. التغير في الفتوى ، لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله .

ب. التغير سببه اختلاف الزمان ، والمكان ، والعادات ، من بلد لآخر .

وقد جمعهما الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله :

" فصل ، في تغير الفتوى ، واختلافها ، بحسب تغير الأزمنة ، والأمكنة ، والأحوال ، والنيات ، والعوائد " ، والعوائد : جمع عادة ، وهو فصل نفيس ، ذكر فيه – رحمه الله – أمثلة كثيرة

فلتنظر في " إعلام الموقعين " ( 3 / 3 فما بعدها ) .

ونضرب على ذلك أمثلة ، منها :

1. اللُّقَطة ، فإنها تختلف من بلد لآخر ، ومن زمان لآخر ، في تحديد قيمة ما يجوز التقاطه ، وتملكه من غير تعريف ، فيختلف الأمر في البلد نفسه ، فالمدينة غير القرية ، ويختلف باختلاف البلدان ، والأزمنة .

2. زكاة الفطر ، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها طعاماً ، بمقدار صاع ، وقد نص الحديث على " الشعير " ، و " التمر " ، و " الإقط " ، وهي الآن ليست أطعمة في كثير من البلدان ، فالشعير صار طعاماً للبهائم ، والتمر صار من الكماليات ، والإقط لا يكاد يأكله إلا القليل ، وعليه : فيفتي العلماء في كل بلد بحسب طعامهم الدارج عندهم ، فبعضهم يفتي بإخراج الأرز ، وآخر يفتي بإخراجها ذرة ، وهكذا .

فالحكم الشرعي ثابت ولا شك ، وهو وجوب زكاة الفطر ، وثابت من حيث المقدار ، ويبقى الاختلاف والتغير في نوع الطعام المُخرَج .

والأمثلة كثيرة جدّاً ، في الطلاق ، والنكاح ، والأيمان ، وغيرها من أبواب الشرع .

قال القرافي رحمه الله :

فمهما تجدد في العُرف : اعتبره ، ومهما سقط : أسقطه ، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك ، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك : لا تُجْرِه على عرف بلدك ، واسأله عن عرف بلده ، وأَجْرِه عليه ، وأفته به دون عرف بلدك ، ودون المقرر في كتبك ، فهذا هو الحق الواضح .

والجمود على المنقولات أبداً : ضلال في الدِّين ، وجهل بمقاصد علماء المسلمين ، والسلف الماضين ، وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق ، والعتاق ، وجميع الصرائح والكنايات ، فقد يصير الصريح كناية فيفتقر إلى النية ، وقد تصير الكناية صريحا فتستغني عن النية .

" الفروق " ( 1 / 321 ) .

وقد أثنى ابن القيم رحمه الله على هذا الفقه الدقيق فقال – بعد أن نقل ما سبق - :

وهذا محض الفقه ، ومَن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عُرفهم ، وعوائدهم ، وأزمنتهم ، وأحوالهم ، وقرائن أحوالهم : فقد ضلَّ ، وأضل ، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية مَن طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم ، وعوائدهم ، وأزمنتهم ، وطبائعهم ، بما في كتابٍ من كتب الطب على أبدانهم ، بل هذا الطبيب الجاهل ، وهذا المفتي الجاهل : أضر ما يكونان على أديان الناس ، وأبدانهم ، والله المستعان .

" إعلام الموقعين " ( 3 / 78 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-09, 15:42
هل ثبت أن إبليس دخل الجنة عن طريق الحية
ليوسوس لآدم وحواء عليهما السلام ؟

السؤال

وقع بين يدي كتاب مترجم إلى البنجالية اسمه " قصص الأنبياء " ووجدت فيه بعض التساؤلات . فقد ذكر فيه مثلاً أن الطاووس والثعبان ساعدا إبليس ضد أبينا آدم وأمّنا حواء قبل أن ينزلا إلى الأرض ، فما صحة ذلك ؟ لقد بحثت عن هذه القصة فوجدت كلاماً لابن عباس شبيهاً بهذا .

الجواب :

الحمد لله

ذكر غير واحد من المفسرين أن إبليس لما أراد أن يدخل الجنة ، ليستزل آدم وحواء عليهما السلام ، فدَخل في جوف الحية ، فلما دخلت الحية الجنة ، خرج إبليس من جوفها .

وقيل : إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض أيُّها يحمله ، حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم وزوجته ، فكلّ الدواب أبى ذلك عليه ، حتى كلّم الحية ، فقال لها : أمنعك من ابن آدم ، فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتِني الجنة . فجعلته بين نابين من أنيابها ، ثم دخلت به ، فكلمهما من فيها .

وقيل : إن الْحَيَّةَ كَانَتْ خَادِمَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْجَنَّةِ ، فَخَانَتْهُ بِأَنْ مَكَّنَتْ عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ نَفْسِهَا ، وَأَظْهَرَتِ الْعَدَاوَةَ لَهُ هُنَاكَ ، فَلَمَّا أُهْبِطُوا تَأَكَّدَتِ الْعَدَاوَةُ ، وَجُعِلَ رِزْقُهَا التُّرَابَ ، وَقِيلَ لَهَا : أَنْتِ عَدُوُّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ أَعْدَاؤُكِ ، وَحَيْثُ لَقِيَكِ مِنْهُمْ أَحَدٌ شَدَخَ رَأْسَكِ .

انظر : " تفسير عبد الرزاق " (2/75) ، " تفسير الطبري " (1/526) ، (1/530) ، " تفسير ابن عطية " (1/128) ، " تفسير ابن كثير " (1/236) ، " تفسير القرطبي " (1/313) .

وهذا كله من الإسرائيليات التي لم يثبت منها شيء عن المعصوم .

قال ابن كثير رحمه الله :

" ذكر المفسرون من السلف كالسدي بأسانيده ، وأبي العالية ، ووهب بن منبه وغيرهم ، هاهنا أخبارا إسرائيلية عن قصة الحية ، وإبليس ، وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنة ووسوسته "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (1/236) .

وقال المطهر بن طاهر المقدسي رحمه الله :

" زعم القصاص وأهل الكتاب مراجعات كثيرة وعجائب في هذه القصة ، وأن إبليس عرض نفسه على دواب الأرض كلها فأبت ذلك ، حتى كلم الحية وقال : أمنعك من ابن آدم وأنت في ذمتي إن أدخلتني الجنة ، فجعلته في فمها أو بين نابيها ، وكانت الحية من أحسن الدواب وخزان الجنة ، فكلّمهما من فيها ... وفيما قص الله تعالى في القرآن كفاية عن زيادة رواية غيره "

انتهى مختصرا من " البدء والتاريخ " (2/95-96) .

انظر جواب السؤال رقم : (111596) .

ومثل هذه الإسرائيليات لا يوثق بها ، ولا يعول عليها ، ولا يحتج بها ، ونكتفي بما ورد في الكتاب المجيد لا نزيد عليه ، قال تعالى : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ) طه/120 .

ولا نعلم شيئا من ذلك يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وإنما هو شيء يروى عن وهب بن منبه وأبي العالية ومحمد بن قيس والسدي وغيرهم ممن أخذ ذلك عن أهل الكتاب .

وأما ما رواه الطبري في " تفسيره " (1/530) :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ليث بن أبي سُليم ، عن طاوس اليماني ، عن ابن عباس ، قال : " إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض أيُّها يحمله حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم وزوجته ، فكلّ الدواب أبى ذلك عليه ، حتى كلّم الحية ... " الحديث ، وفيه : قال ابن عباس : " اقتلوها حيث وَجَدتُموها ، أخفروا ذمَّةَ عدوّ الله فيها " .

فهذا إسناد ضعيف جدا ، ليث بن أبي سليم ، قال الحافظ في التقريب (ص 464) : " صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك " .

وابن حميد ، هو محمد بن حميد الرازي ، كذبه أبو زرعة وإسحاق الكوسج ، وجاء عن غير واحد أنه كان يسرق الحديث . وقال النسائي : ليس بثقة .

انظر : " ميزان الاعتدال " (3/530) .

وروى ابن أبي حاتم في " تفسيره " (5/1450) عَنِ السُّدِّيِّ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " فَآتَاهُمَا إِبْلِيسُ فَقَالَ : ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ) ، فَلَمْ يُصَدِّقَاهُ حَتَّى دَخَلَ فِي جَوْفِ الْحَيَّةِ فَكَلَّمَهُمَا " وهذا إسناد ضعيف ، لجهالة الراوي عن ابن عباس .

والخلاصة :
أن مثل هذا مما لا يعول عليه ، لأنه متلقى عن الإسرائيليات ، وأحاديث أهل الكتاب ، وما يروى فيه عن ابن عباس لا يصح عنه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-09, 15:44
السؤال

ما موقفنا من الإسرائيليات ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ الشنقيطي :

ومن المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات في واحدة منها يجب تصديقه وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه ، وفي واحدة يجب تكذيبه وهي إذا ما دل القرآن والسنة على كذبه ، وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق … وهي ما إذا لم يثبت في كتابٍ ولا سنَّة صدقه ولا كذبه .

وبهذا التحقيق تعلم أن القصص المخالفة للقرآن والسنة الصحيحة التي توجه بأيدي بعضهم زاعمين أنها في الكتب المنزلة يجب تكذيبهم فيها لمخالفتها نصوص الوحي الصحيح التي لم تحرف ولم تبدل والعلم عند الله تعالى .

" أضواء البيان " ( 4 / 203 ، 204 ).

*عبدالرحمن*
2018-03-09, 15:51
أقوال العلماء في خصائص مذهب المالكية

السؤال

هل المذهب المالكي هو الأدق والأقرب للسنة والسلف بسبب أعمال أهل المدينة . وهل هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

المذهب المالكي هو المدرسة التي اتخذت أقوال الإمام مالك بن أنس (ت179هـ) مردا للعمل والفتيا والتقليد ، وجعلت أصوله وفروعه مناط الدرس والاتباع ، مع قدر من الاجتهاد والتصحيح والتوجيه لأئمة المذهب المجتهدين ، شأن غيره من المذاهب المتبوعة في ذلك .

وقد انتشر هذا المذهب في الآفاق بفضل الله أولا ، ثم بفضل جهود تلامذة الإمام مالك رحمه الله ، الذي أطبق الناس في زمانه على إمامته والرجوع إليه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانيا :

من أشكل الدراسات وأدقها الخوض في مقارنة المذاهب الفقهية الأربعة ، وتقرير أحقية أحدها بالصواب أكثر من غيره من المذاهب ، وذلك لأسباب عدة ، من أهمها :

السبب الأول :

الاختلاف في فهم المذهب نفسه ، وتقرير أصوله ، وتخريج فروعه على تلك الأصول ، فإذا كان فقهاء المذهب الواحد يختلفون في بعض المسائل ، في تحديد قول إمامهم في مسألة معينة ، فكيف سيكون الحال في غير أتباع المذهب من أهل العلم ؟! وهذا السبب – وإن كان محصورا في إطار ضيق في بعض المسائل – غير أنه لا ينكر تأثيره في الوجهة العامة .

السبب الثاني :

الاختلاف بين الفقهاء في تحديد الصواب في كثير من مسائل الفقه ، وقضايا الشريعة ، خاصة وأنها مسائل اجتهادية في معظمها ، فمن يدعي أن مذهبا معينا أقرب إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسوف يكون مدار الأمر على ما يراه هو راجحا ، ولا يلزم أن يكون ذلك هو الراجح في نفس الأمر .

السبب الثالث :

تعدد جوانب الأفضلية وتوزعها في المذاهب الأربعة ، الأمر الذي يتعذر معه الجزم بأن مذهبا معينا أفضل من غيره ؛ فإن المذاهب الأخرى قد تشتمل على جانب التفضيل نفسه محل الدراسة ، كما قد تشتمل على غيره من جهات التفضيل . خاصة وأن المذاهب محل الدراسة تغطي مئات الآلاف من المسائل والأحكام ، فمن المتعذر الحكم بأفضلية مطلقة لمذهب في جميع تلك المسائل ، وغاية ما هنالك محاولة المقارنة في بعض الأبواب ، كالأحوال الشخصية ونحو ذلك .

ثالثا :

وأما ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه القضية فخلاصته التركيز على مذهب أهل المدينة ، وليس على مذهب المالكية ، فمذهب المالكية دخلته الكثير من الاختيارات الفقهية التي أخذ بها أتباع مالك من فقهاء مصر والمغرب ، وكانت تخالف حقيقة ما يذهب إليه فقهاء المدينة المنورة .

وهذا لا يعني نفي ما تميز به مذهب المالكية من خصائص عظيمة وجليلة ، مثل : التوسع في مصادر التشريع لتشمل العرف والاستصلاح وشرع من قبلنا وغيرها ، والمرونة الناتجة عن اعتماد هذه المصادر ، الأمر الذي جعل للمذهب صلاحية ظاهرة للحكم والتقنين ، بل وأثبتت الدراسات المتخصصة استقاء القوانين الفرنسية من المذهب المالكي في معظم فروعه ومواده . ينظر كتاب " المقارنات التشريعية "، لمخلوف منياوي، ولسيد عبد الله حسين .

ولكن المقصود فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأنه متجه أكثر إلى مذهب أهل المدينة ، ومالك أعلم الناس به ولا شك ، ولكن الاختيارات المتأخرة لفقهاء المالكية فيها بعض المخالفة ، كما قرر ذلك ابن تيمية نفسه رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (20/327).

ونحن ننقل هنا بعض ما قاله العلماء المحققون من خصائص مذهب الإمام مالك رحمه الله ، مقارنا بغيره من المذاهب ، ليس على سبيل الجزم بالأفضلية ، وإنما على سبيل تحصيل صورة مجملة ، وتشكيل علامة أولية للأمر المقصود .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن صحة أصول مذهب أهل المدينة ، ومنزلة مالك المنسوب إليه مذهبهم في الإمامة والديانة ؛ وضبطه علوم الشريعة عند أئمة علماء الأمصار وأهل الثقة والخبرة من سائر الأعصار ؟

فأجاب رضي الله عنه :

مذهب أهل المدينة النبوية في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم : أصح مذاهب أهل المدائن الإسلامية شرقا وغربا ؛ في الأصول والفروع . وهذه الأعصار الثلاثة هي أعصار القرون الثلاثة المفضلة ؛ التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين - عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( خير أمتي القرن الذين يلونني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته ) .

وفي القرون التي أثنى عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان مذهب أهل المدينة أصح مذاهب أهل المدائن ؛ فإنهم كانوا يتأسون بأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من سائر الأمصار ، وكان غيرهم من أهل الأمصار دونهم في العلم بالسنة النبوية واتباعها ، حتى إنهم لا يفتقرون إلى نوع من سياسة الملوك ، وأن افتقار العلماء ومقاصد العباد أكثر من افتقار أهل المدينة ؛ حيث كانوا أغنى من غيرهم عن ذلك كله ، بما كان عندهم من الآثار النبوية التي يفتقر إلى العلم بها واتباعها كل أحد .

ولهذا لم يذهب أحد من علماء المسلمين إلى أن إجماع أهل مدينة من المدائن حجة يجب اتباعها غير المدينة ، لا في تلك الأعصار ، ولا فيما بعدها ، لا إجماع أهل مكة ، ولا الشام ، ولا العراق ، ولا غير ذلك من أمصار المسلمين .

والتحقيق في " مسألة إجماع أهل المدينة " أن منه ما هو متفق عليه بين المسلمين ؛ ومنه ما هو قول جمهور أئمة المسلمين ؛ ومنه ما لا يقول به إلا بعضهم .

وذلك أن إجماع أهل المدينة على أربع مراتب .

" الأولى " ما يجري مجرى النقل عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم . مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد ؛ وكترك صدقة الخضراوات والأحباس ، فهذا مما هو حجة باتفاق العلماء .

" المرتبة الثانية " العمل القديم بالمدينة ، قبل مقتل عثمان بن عفان ، فهذا حجة في مذهب مالك ، وهو المنصوص عن الشافعي . قال في رواية يونس بن عبد الأعلى : إذا رأيت قدماء أهل المدينة على شيء ، فلا تتوقف في قلبك ريبا أنه الحق . وكذا ظاهر مذهب أحمد أن ما سنه الخلفاء الراشدون فهو حجة يجب اتباعها .

والمحكي عن أبي حنيفة يقتضي أن قول الخلفاء الراشدين حجة ، وما يعلم لأهل المدينة عمل قديم على عهد الخلفاء الراشدين ، مخالف لسنة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم .

و" المرتبة الثالثة " إذا تعارض في المسألة دليلان ، كحديثين وقياسين ، جهل أيهما أرجح ، وأحدهما يعمل به أهل المدينة ؛ ففيه نزاع . فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة . ومذهب أبي حنيفة أنه لا يرجح بعمل أهل المدينة . ولأصحاب أحمد وجهان . فهذه مذاهب جمهور الأئمة توافق مذهب مالك في الترجيح لأقوال أهل المدينة .

وأما " المرتبة الرابعة " فهي العمل المتأخر بالمدينة ، فهذا هل هو حجة شرعية يجب اتباعه ، أم لا ؟ فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعية . هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم . وهو قول المحققين من أصحاب مالك ، كما ذكر ذلك الفاضل عبد الوهاب في كتابه " أصول الفقه ". ولم أر في كلام مالك ما يوجب جعل هذا حجة ، وهو في الموطأ إنما يذكر الأصل المجمع عليه عندهم ، فهو يحكي مذهبهم

وتارة يقول : الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا ، يصير إلى الإجماع القديم ، وتارة لا يذكر . ولو كان مالك يعتقد أن العمل المتأخر حجة - يجب على جميع الأمة اتباعها وإن خالفت النصوص - لوجب عليه أن يلزم الناس بذلك حد الإمكان ، كما يجب عليه أن يلزمهم اتباع الحديث والسنة الثابتة التي لا تعارض فيها وبالإجماع . وقد عرض عليه الرشيد أو غيره أن يحمل الناس على موطئه فامتنع من ذلك .

وإذا تبين أن إجماع أهل المدينة تفاوت فيه مذاهب جمهور الأئمة ، علم بذلك أن قولهم : أصح أقوال أهل الأمصار رواية ورأيا ، وأنه تارة يكون حجة قاطعة ، وتارة حجة قوية ، وتارة مرجحا للدليل ، إذ ليست هذه الخاصية لشيء من أمصار المسلمين .

ومما يوضح الأمر في ذلك : أن سائر أمصار المسلمين - غير الكوفة - كانوا منقادين لعلم أهل المدينة ، لا يعدون أنفسهم أكفاءهم في العلم ، كأهل الشام ومصر مثل الأوزاعي من الشاميين ، ومثل الليث بن سعد من المصريين ، وأن تعظيمهم لعمل أهل المدينة واتباعهم لمذاهبهم القديمة ظاهر بين . وكذلك علماء أهل البصرة كأيوب وحماد بن زيد ؛ وعبد الرحمن بن مهدي ؛ وأمثالهم . ولهذا ظهر مذهب أهل المدينة في هذه الأمصار .

إذا تبين ذلك ؛ فلا ريب عند أحد أن مالكا رضي الله عنه أقوم الناس بمذهب أهل المدينة رواية ورأيا ؛ فإنه لم يكن في عصره ولا بعده أقوم بذلك منه ، كان له من المكانة عند أهل الإسلام - الخاص منهم والعام - ما لا يخفى على من له بالعلم أدنى إلمام .

والناس كلهم مع مالك وأهل المدينة : إما موافق ؛ وإما منازع .

فالموافق لهم عضد ونصير ، والمنازع لهم معظم لهم ، مبجل لهم ، عارف بمقدارهم .

وما تجد من يستخف بأقوالهم ومذاهبهم إلا من ليس معدودا من أئمة العلم ، وذلك لعلمهم أن مالكا هو القائم بمذهب أهل المدينة ، وهو أظهر عند الخاصة والعامة من رجحان مذهب أهل المدينة على سائر الأمصار ؛ فإن موطأه مشحون : إما بحديث أهل المدينة ؛ وإما بما اجتمع عليه أهل المدينة : إما قديما؛ وإما حديثا . وإما مسألة تنازع فيها أهل المدينة وغيرهم ، فيختار فيها قولا ويقول : هذا أحسن ما سمعت .

ولسنا ننكر أن من الناس من أنكر على مالك مخالفته أولا لأحاديثهم في بعض المسائل .

فيقال : مثل هذا في قول مالك قليل جدا ، وما من عالم إلا وله ما يرد عليه .

ثم من تدبر أصول الإسلام وقواعد الشريعة : وجد أصول مالك وأهل المدينة أصح الأصول والقواعد ، وقد ذكر ذلك الشافعي وأحمد وغيرهما ، حتى إن الشافعي لما ناظر محمد بن الحسن حين رجح محمد لصاحبه على صاحب الشافعي فقال له الشافعي : بالإنصاف أو بالمكابرة ؟ قال له : بالإنصاف . فقال : ناشدتك الله صاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم ؟ فقال : بل صاحبكم . فقال : صاحبنا أعلم بسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أم صاحبكم ؟ فقال : بل صاحبكم . فقال : صاحبنا أعلم بأقوال أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أم صاحبكم ؟ فقال : بل صاحبكم . فقال: ما بقي بيننا وبينكم إلا القياس ؛ ونحن نقول بالقياس ، ولكن من كان بالأصول أعلم كان قياسه أصح .

لكن جملة مذاهب أهل المدينة النبوية راجحة في الجملة على مذاهب أهل المغرب والمشرق وذلك يظهر بقواعد جامعة –

وهنا أطال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديث عن أبواب الفقه وقواعده التي كان الصواب فيها حليف مذاهب أهل المدينة النبوية ، ثم قال -:

وهذا باب يطول استقصاؤه ؛ وقد ذكرنا من ذلك ما شاء الله من القواعد الكبار في القواعد الفقهية وغير ذلك ؛ وإنما هذا جواب فتيا ، نبهنا فيه تنبيها على جمل يعرف بها بعض فضائل أهل المدينة النبوية ؛ فإن معرفة هذا من الدين ، لا سيما إذا جهل الناس مقدار علمهم ودينهم ، فبيان هذا يشبه بيان علم الصحابة ودينهم ، إذا جهل ذلك من جهله ، فكما أن بيان السنة وفضائل الصحابة وتقديمهم الصديق والفاروق من أعظم أمور الدين عند ظهور بدع الرافضة ونحوهم ، فكذلك بيان السنة ، ومذاهب أهل المدينة ، وترجيح ذلك على غيرها من مذاهب أهل الأمصار ؛ أعظم أمور الدين عند ظهور بدع الجهال المتبعين للظن وما تهوى الأنفس "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/294-396) .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا ، في تقرير ذلك ، والإشارة إلى أنه ربما اختلف قول أصحاب الإمام ، عن قول مالك نفسه :

"وَأَمَّا الْحَدِيثُ : فَأَكْثَرُهُ نَجِدُ مَالِكًا قَدْ قَالَ بِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، كَمَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ رَوَوْا عَنْ مَالِكٍ الرَّفْعَ مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ؛ لَكِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ هَمّ الَّذِينَ قَالُوا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُدَوَّنَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْلُهَا مَسَائِلُ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ الَّتِي فَرَّعَهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهَا أَسَدٌ ابْنَ الْقَاسِمِ ، فَأَجَابَهُ بِالنَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ ، وَتَارَةً بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ . ثُمَّ أَصْلُهَا فِي رِوَايَةِ سحنون ، فَلِهَذَا يَقَعُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَيْلِ إلَى أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .

ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمَّا انْتَشَرَ مَذْهَبُ مَالِكٍ بِالْأَنْدَلُسِ ، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَامِلَ الْأَنْدَلُسِ ، وَالْوُلَاةُ يَسْتَشِيرُونَهُ : فَكَانُوا يَأْمُرُونَ الْقُضَاةَ أَنْ لَا يَقْضُوا إلَّا بِرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ ، ثُمَّ رِوَايَةِ غَيْرِهِ ، فَانْتَشَرَتْ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِأَجْلِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَقَدْ تَكُونُ مَرْجُوحَةً فِي الْمَذْهَبِ وَعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالسُّنَّةِ ، حَتَّى صَارُوا يَتْرُكُونَ رِوَايَةَ الْمُوَطَّأِ الَّذِي هُوَ مُتَوَاتِرٌ عَنْ مَالِكٍ ، وَمَا زَالَ يُحَدِّثُ بِهِ إلَى أَنْ مَاتَ ، لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ ؛ فَمِثْلُ هَذَا إنْ كَانَ فِيهِ عَيْبٌ : فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ نَقَلَ ذَلِكَ ، لَا عَلَى مَالِكٍ .

وَيُمْكِنُ الْمُتَّبِعُ لِمَذْهَبِهِ أَنْ يَتْبَعَ السُّنَّةَ فِي عَامَّةِ الْأُمُورِ؛ إذْ قَلَّ مِنْ سُنَّةٍ إلَّا وَلَهُ قَوْلٌ يُوَافِقُهَا ، بِخِلَافِ كَثِيرٍ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يُخَالِفُونَ السُّنَّةَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/327-328) .

ويقول الذهبي رحمه الله :

" بكل حال : فإلى فقه مالك المنتهى ، فعامة آرائه مسددة ، ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل ، ومراعاة المقاصد ، لكفاه . ومذهبه قد ملأ المغرب والأندلس ، وكثيرا من بلاد مصر ، وبعض الشام ، واليمن ، والسودان ، وبالبصرة ، وبغداد ، والكوفة ، وبعض خراسان...وها نحن نبين أن مالكا رحمه الله هو ذلك [ أولاهم بالتقليد ] ؛ لجمعه أدوات الإمامة ، وكونه أعلم القوم .

قال الشافعي : العلم يدور على ثلاثة : مالك ، والليث ، وابن عيينة . وقال ابن معين : مالك من حجج الله على خلقه . وقال أسد بن الفرات : إذا أردت الله والدار الآخرة ، فعليك بمالك "

انتهى من " سير أعلام النبلاء " (8/91)

ويقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله :

" تنمو فروع المذهب ، وتتسق آثار التفكير فيه بخصب أصوله ، وتعدد المصادر فيه ، وسعة مدى التفكير الذي يفتحه لأنفسهم القائمون على المذهب من بعد الإمام ، وتعدد الأجواء الفكرية التي يجتهدون فيها . وقد كان هذا كله في المذهب المالكي ، فمناهجه خصبة ومتعددة ، وتلاميذ الإمام ومن بعدهم قد وسعوا مدى تفكيرهم في تطبيق أصول إمامهم . وكثرت الأقطار التي أخذ فيها بالمذهب المالكي وتباينت أحوالها . وكان من فقهاء هذا المذهب من جمع بين الفقه العميق والفلسفة والحكمة... وإن تخالف الأقاليم وتباينها وتباعدها

مع كثرة أسباب الاجتهاد ، وخصب المناهج سبب في كثرة الأقوال في المذاهب . وكانت تلك الكثرة في الأقوال جنابا خصيبا يجد فيه الباحث في الفقه المالكي ثمرات متنوعة ، وألوانا من المنازع الفقهية صالحة ، وتوافق البيئات المختلفة ، وتوائم الأقطار المتباينة في أعرافها وعاداتها ، وخصوصا أن العرف والعادة كان لهما مقام في الاستنباط في الفقه المالكي . وكان المفتى بهذا بين يديه آراء مختلفة يتخير من بينها ، إذا لم يفتح لنفسه باب الاجتهاد مع التمسك بالأصول المقررة في المذهب "

انتهى باختصار من " تاريخ المذاهب الإسلامية " (ص/404).

ويقول الدكتور عبد الكريم زيدان رحمه الله :

" جماع أصول مذهب مالك - بناء على ما صرح به أو أشار إليه أو استنبطه فقهاء المذهب من الفروع المنقولة عنه ، والآراء المدونة في موطئه – هي – أي هذه الأصول – كما صرح بها الإمام القرافي المالكي : الكتاب ، السنة ، الإجماع ، إجماع أهل المدينة ، القياس ، قول الصحابي ، المصلحة المرسلة ، العرف والعادات ، سد الذرائع ، الاستحسان ، الاستصحاب .

ومن هذه الأصول يتبين لنا خصوبة المذهب وسعته ، وإمكان تخريج الأحكام على أصوله الملائمة لكل عصر ومكان ، لا سيما على أصل المصلحة المرسلة الذي سيطر على جميع فقه مالك في كل المسائل التي لا نص فيها ، حتى قرن اسم المصالح المرسلة بمذهب مالك . كما أنه يتبين لنا من كثرة هذه الأصول مقام الإمام مالك في فقه الرأي ، فقد اشتهر به على خلاف المعهود من فقهاء مدرسة الحجاز ، وأكثر من الأخذ بهذا الأصل حتى صار قوام اجتهاده بالرأي يقوم على أساس المصلحة . وربما أخذ بالقياس أو المصلحة وترك خبر الآحاد بناء على أن مخالفة الخبر للمصلحة ، أو للقياس الثابت المبني على قواعد الشريعة - دليل على ضعف الخبر وعدم صحته ، ومن ذلك عدم أخذه بخبر المصراة لمخالفته – في نظره – للقياس القطعي المبني على قواعد الشريعة الثابتة "

انتهى من " المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية " (ص137-138).

ومن المراجع المهمة في هذا الموضوع :

1. المذهب المالكي ، مدارسه ومؤلفاته ، خصائصه وسماته ، محمد المختار المامي .

2. مزايا وقضايا في المذهب المالكي ، محمد بن عبد الرحمن الحفظاوي ، من منشورات المجلس العلمي المحلي بالرشيدية – المغرب .

3. مفردات المذهب المالكي في العبادات ، عبد المجيد الصلاحين .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-09, 15:56
هل أجاز ابن حجر العسقلاني الاحتفال بالمولد النبوي

السؤال:

هل حقا أجاز ابن حجر العسقلاني الاحتفال بالمولد النبوي ، لأن كثيرا من المشايخ عندنا في الجزائر يستدلون بإجازة العسقلاني ، في جواز الاحتفال بالمولد ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الاحتفال بالمولد النبوي من البدع المحدثة ، وأول من أحدثه الخلفاء الفاطميون العبيديون ، وهم من الفرق المارقة الضالة ، ولم ينقل عن أحد من السلف في القرون الثلاثة الفاضلة أنه استحبَّه أو أجازه .

ثانيا :

الأصل في التشريع القرآن والسنة ، والعلماء ورثة الأنبياء ، وهم حاملو لواء العلم ، وقد وفق الله تعالى أهل العلم إلى الفقه في الدين ، كلٌّ بقدر ما يسر الله له، ولا يلزم أن يكون كل ما يقوله العالم حقا بالضرورة ، بل هو مجتهد : فإن أصاب فله أجران : أجر لاجتهاده ، وأجر لإصابته، وإن أخطأ فله أجر اجتهاده، وخطؤه معفو عنه .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" هذه هي القاعدة الشرعية في حق المجتهدين من أهل العلم : أن من اجتهد في طلب الحق ونظر في أدلته : فله أجران إن أصاب الحق ، وأجر واحد إن أخطأ الحق ، أجر الاجتهاد "

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (6/ 89) .

ثالثا :

قال السيوطي رحمه الله :

" سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد، فأجاب بما نصه :

أصل عمل المولد بدعة ، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن ، وتجنب ضدها : كان بدعة حسنة ؛ وإلا فلا .

قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت ، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ، ونجى موسى ؛ فنحن نصومه شكرا لله تعالى .

فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنّ به في يوم معين ، من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة .

والشكر لله يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ؛ وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ؟

وعلى هذا : فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك : لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة، وفيه ما فيه .

فهذا ما يتعلق بأصل عمله .

وأما ما يعمل فيه : فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم به الشكر لله تعالى ، من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة ، وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة .

وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك : فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم : لا بأس بإلحاقه به، وما كان حراما أو مكروها فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى "

انتهى من "الحاوي للفتاوي" (1/ 229) .

فيقال هنا:

الكلام على هذا المنقول عن الحافظ ابن حجر رحمه الله على ثلاثة مقامات :

الأول : أن فيه التصريح بأن عمل المولد لم يكن من فعل السلف الصالح ، فهو بذلك بدعة ، ولا يجوز إهمال هذا الكلام الذي صدَّر به ابن حجر فتواه .

الثاني : أنه قال : " وأما ما يعمل فيه : فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم به الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة " .
وحال الناس اليوم في الاحتفالات بالمولد النبوي وغيره من الاحتفالات المحدثة على : خلاف ما ضبط به الحافظ فتواه ، ومن اطلع على حال غالب الناس اليوم علم أن أكثر ما يفعل في هذه الموالد : هو من قبيل البدع والمنكرات ، بل فيه من فواحش الإثم والمخالفات ما الله به عليم !!

وقد روى البخاري (869) ، ومسلم (445) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ : ( لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) !!

فإذا كان هذا قول أم المؤمنين في أمر مشروع ، بلا خلاف ، وتغير حال الناس فيه ، فقالت ما قالت ؛ فكيف لو كان الأمر بأصله محدثا ، ثم طرأ عليه من عوارض الأحوال ، والبدع والمنكرات : ما هو ظاهر للعيان ؟!

وليتدبر اللبيب هنا ، ما قاله الإمام الشاطبي رحمه الله :

" إِذَا صَارَ الْمُكَلَّفُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَنَّتْ لَهُ يَتَّبِعُ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ، وَكُلَّ قَوْلٍ وَافَقَ فِيهَا هَوَاهُ؛ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ التَّقْوَى، وَتَمَادَى فِي مُتَابَعَةِ الْهَوَى، وَنَقَضَ مَا أَبْرَمَهُ الشَّارِعُ وَأَخَّرَ ما قدمه "

انتهى من "الموافقات" (3/ 123) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-09, 16:01
حكم الانتقال من مذهب إلى آخر بلا سبب؟

السؤال :

هل يمكن أن أصلى بطرق مختلفة ؟ مثلا في بعض الأحيان أصلى على طريقة الشافعية ، وأحيانا بطريقة الحنفية ، طريقة المالكية وطريقة الحنبلية ؟ هل يجوز أن نصلي بمثل هذا ؟

الجواب :

الحمد لله

اختلاف المذاهب في أنواع التعبدات ، ومنها : بعض أفعال الصلاة ، يمكن أن نجعله على قسمين :

القسم الأول : اختلاف بين المذاهب راجع لتنوع الصفات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية أداء هذا الفعل ، وكل مذهب التزم بصفة ما ، كالتشهد مثلا ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدة كيفيات .

ففعل المسلم في كل مرة لتشهد من هذه التشهدات لا بأس به ؛ إذا علم أنها كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقصد بهذا التنويع اتباع السنة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الْعِبَادَاتِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْوَاعٍ يُشْرَعُ فِعْلُهَا عَلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ لَا يُكْرَهُ مِنْهَا شَيْءٌ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْوَاعِ التَّشَهُّدَاتِ وَأَنْوَاعِ الِاسْتِفْتَاحِ وَمِثْلُ الْوِتْرِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ وَمِثْلُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَالْمُخَافَتَةِ وَأَنْوَاعِ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا وَالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ وَمِثْلُ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ وَتَرْكِهِ وَمِثْلُ إفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتِهَا."

انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/335) .

القسم الثاني : أن يكون الاختلاف بين المذاهب - في فعل ما - ليس راجعا لثبوت تنوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية أداء هذا الفعل ، وإنما هو راجع لاختلاف العلماء في فهم النصوص وكيفية الاستدلال .

و الحق في أمثال هذه المسائل واحد لا يتعدد .

قال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية ( 6/27 - 28 ):

" والناس متنازعون : هل يقال كل مجتهد مصيب ؟ أم المصيب واحد ؟

وفصل الخطاب : أنه إن أريد بالمصيب : المطيع لله ورسوله ؛ فكل مجتهد اتّقى الله ما استطاع فهو مطيع لله ورسوله ، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وهذا عاجز عن معرفة الحق في نفس الأمر ، فسقط عنه .

وإن عني بالمصيب : العالم بحكم الله في نفس الأمر ، فالمصيب ليس إلا واحدا ، فإن الحق في نفس الأمر واحد .

وهذا كالمجتهدين في القبلة ، إذا أفضى اجتهاد كل واحد منهم إلى جهة ، فكلّ منهم مطيع لله ورسوله ، والفرض ساقط عنه بصلاته إلى الجهة التي اعتقد أنها الكعبة ، ولكن العالم بالكعبة ، المصلّى إليها في نفس الأمر : واحد " ا.ه.

وحيث كان الحق واحدا ، فعلى المسلم أن يجتهد في معرفة حكم الله ورسوله قدر وسعه ، فإن لم يكن من أهل الاجتهاد ، إما دائما كما هو حال العوام ، وإما في مسألة معينة ، أو في حال معينة ، كما قد يعرض للمجتهد ، وعجز عن بلوغ الحق بنفسه : اتبع العالم الذي يثق في علمه ودينه .

ومن كان فرضه التقليد ، فالتزم بمذهب عالم يثق في علم علمائه ودينهم ؛ فلا يصح له أن يتركه وينتقل إلى مذهب آخر بلا سبب أو عذر شرعي .

ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (20 / 220 - 221 ) :

" سئل شيخ الإسلام أن يشرح ما ذكره نجم الدين بن حمدان‏:‏ من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بغير دليل ولا تقليد أو عذر آخر‏؟‏‏.‏

فأجاب‏:‏ هذا يراد به شيئان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك ، ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله ؛ فإنه يكون متبعا لهواه ، وعاملا بغير اجتهاد ولا تقليد ، فاعلا للمحرم بغير عذر شرعي ، فهذا منكر ‏.‏ وهذا المعنى هو الذي أورده الشيخ نجم الدين ، وقد نص الإمام أحمد وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبا أو حراما ثم يعتقده غير واجب ولا حرام بمجرد هواه ...

وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول ، إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها ، وإما بأن يرى أحد رجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر ، وهو أتقى لله فيما يقوله ، فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا ، فهذا يجوز بل يجب وقد نص الإمام أحمد على ذلك‏ " ا.ه.‏

وقد سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :

هل يجوز للمسلم أن ينتقل من مذهب لآخر ؟ مثل أن يتبع المذهب المالكي مرة ، والمذهب الحنبلي مرة أخرى ، ثم يعود إلى المالكي.

فأجابت :

" يجب على المسلم أن يعمل بما دل عليه الدليل ، من الكتاب والسنة ، سواء وافق المذهب الذي ينتسب إليه ، أو لم يوافقه ؛ لقول الله عز وجل: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) الآية من سورة النساء . ولا يجوز له أن ينتقل من مذهب إلى مذهب لمجرد هواه ؛ للآية المذكورة ، ولقوله سبحانه: ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) الآية من سورة الشورى .

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

بكر أبو زيد ، عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز "

انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 12 / 96 ) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

محمود العجرودى
2018-03-09, 17:08
بارك الله فيك أخى.

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 14:03
بارك الله فيك أخى.

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات

بارك الله فيك
وجزاك الله عني كل خير

... احترامي وتقديري ....

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 14:10
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

يعاني من الوسواس ويظن أنه لن يستطيع
الحصول على رخصة القيادة بسبب ذلك

السؤال:

أعاني من مرض الوسواس القهري.وبما أنني الأخ الأكبر فجميع مسؤليات البيت ملقاة على عاتقي ولكن تكمن المشكلة في أنني أحتاج إلى قيادة السيارة ولكن بسبب مرضي فأنا لا أستطيع الحصول على رخصة القيادة، ولا أعتقد أنه يمكنني الحصول عليها لما أعانيه من مشكلة في التركيز تمنعني من دراسة كتاب فحص القيادة

وإذا توقفت عن القيادة فإنني لن أتمكن حينها من حضور المحاضرات الإسلامية والكثير من الأعمال التي لا يمكن فعلها دون قيادة السيارة، فهل يوجد علي إثم إن قدت السيارة دون أن يكون لدي رخصة قيادة مع العلم أنني أقود السيارة بشكل ممتاز وأنا بحاجة ماسة للقيادة؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

ينبغي أن تراجع طبيباً نفسياً ثقة للنظر في حالتك ، مع الأخذ بالأسباب الشرعية في علاج هذا الوسواس ومقاومته .

وقولك: " لا أعتقد أنه يمكنني الحصول عليها لما أعانيه من مشكلة في التركيز تمنعني من دراسة كتاب فحص القيادة" . هو مجرد ظن ناشئ عن الوسواس الذي تعانيه، وعلاج الوسواس يكون بعدم الالتفات إليه .

وتعلم أسس وقواعد القيادة ليس بالأمر العسير الذي يجعلك تظن أنك لن تتمكن منه .

ثانيا :

يجب الالتزام بأنظمة الدولة التي تحقق المصلحة ولا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، ومن هذه الأنظمة أنظمة المرور .

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

" الأنظمة المرورية وضعت للمصلحة العامة للمسلمين والواجب على عموم السائقين أن يراعوا تلك الأنظمة؛ لأن في مراعاتها مصلحة للناس، وفي مخالفتها يحصل كثير من الحوادث والأذى للآخرين " انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/ 468) .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" لا يجوز لأي مسلم أو غير مسلم أن يخالف أنظمة الدولة في شأن المرور لما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى غيره، والدولة إنما وضعت ذلك حرصا منها على مصلحة الجميع ودفع الضرر عن المسلمين.

فلا يجوز لأي أحد أن يخالف ذلك، وللمسؤولين عقوبة من فعل ذلك بما يردعه، وأمثاله، لأن الله سبحانه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " انتهى .

"فتاوى إسلامية" (4/ 536) .

فالذي ينبغي أن تفعله هو عدم الالتفات إلى هذا الوسواس ، وأن تتوكل على الله تعالى وتعتمد عليه في طرد هذا الوسواس عنك .

ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 14:15
مصادر الوساوس وهل يؤاخذ المسلم عليها ؟

السؤال

هل توجد طريقة للتفريق بين الوسوسة التي من الشيطان وتلك التي من النفس ؟

وهل يمكن أن نعرف أيّاً منهما يأتي من الآخر ؟ وإذا كانت الوسوسة من النفس : فهل سيعاقب عليها الفرد حتى وإن كان يرفضها ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الوسواس الذي يصيب الإنسان ليس كله على درجة واحدة ، من حيث المرضية ، ومن حيث المصدر والأثر .

فالوسواس الذي يدعو الإنسان لسماع المحرمات أو رؤيتها أو اقتراف الفواحش وتزيينها له : له ثلاثة مصادر : النفس – وهي الأمَّارة بالسوء - ، وشياطين الجن ، وشياطين الإنس .

قال تعالى – في بيان المصدر الأول وهي النفس - : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق/16 .

وقال تعالى – في بيان المصدر الثاني وهم شياطين الجن - : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ ) طه/120 .

وقال تعالى – في بيان المصدر الثالث وهم شياطين الإنس - : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ . مَلِكِ النّاسِ . إِلَهِ النّاسِ . مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنّاسِ . الّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ . مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ ) سورة الناس .

أي أن هذه الوساوس تكون من الجن ومن بني آدم ..

وما يعرض للمسلم في وضوئه وصلاته فلا يدري كم توضأ ولا كم صلى : فمصدره من الشيطان ، فإن استعاذ بالله من الشيطان كفاه الله إياه ، وإن استسلم له واستجاب لأوامره تحكَّم فيه الشيطان ، وتحول من وسوسة عارضة إلى مرضٍ مهلك ، وهو ما يسمى " الوسواس القهري " وهذه الوساوس القهرية – كما يقول أحد المختصين - " علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى

وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها ، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها ، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً ، ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها ، وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو – لغير المتخصصين – عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً ، ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية " .

فوسوسة الشيطان تزول بالاستعاذة .

ووسوسة النفس تزل أيضاً بالاستعاذة ، وبتقوية الصلة بين العبد وربه بفعل الطاعات وترك المنكرات .

وأما الوسواس القهري فهو حالة مرضية كما سبق .

وفي الفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس معنى لطيف ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بعض العلماء ، قال :

وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان ، فقال : " ما كرهتْه نفسُك لنفسِك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه ، وما أحبَّته نفسُك لنفسِك فهو من نفسك فانْهَها عنه " . "

مجموع الفتاوى " ( 17 / 529 ، 530 ) .

أي أن النفس غالباً توسوس فيما يتعلق بالشهوات التي يرغب فيها الناس عادةً .

وذكر بعض العلماء فرقاً آخر مهمّاً، وهو أن وسوسة الشيطان هي بتزيين المعصية حتى يقع فيها المسلم فإن عجز الشيطان انتقل إلى معصية أخرى ، فإن عجز فإلى ثالثة وهكذا ، فهو لا يهمه الوقوع في معصية معينة بقدر ما يهمه أن يعصي هذا المسلم ربَّه ، يستوي في هذا فعل المنهي عنه وترك الواجب ، فكلها معاصٍ ، وأما وسوسة النفس فهي التي تحث صاحبها على معصية بعينها ، تحثه عليها وتكرر الطلب فيها .

ثانياً :

والمسلم لا يؤاخذ على وساوس النفس والشيطان ، ما لم يتكلم بها أو يعمل بها .

وهو مأمور بمدافعتها ، فإذا ما تهاون في مدافعتها واسترسل معها فإنه قد يؤاخذ على هذا التهاون .

فقد أُمر بعدم الالتفات لوساوس الشياطين ، وأن يبني على الأقل في الصلاة عند الشك فيها ، وأُمر بالاستعاذة من الشيطان والنفث عن يساره ثلاثاً إذا عرضت له وساوس الشيطان في الصلاة ، وأُمر بمصاحبة الأخيار والابتعاد عن الأشرار من الناس ، فمن فرَّط في شيء من هذا فوقع في حبائل نفسه الأمارة بالسوء أو الاستجابة لشياطين الجن والإنس فهو مؤاخذ .

وأما الوسواس القهري : فهو مرض – كما سبق- فلا يضير المسلم ، ولا يؤاخذه الله عليه ؛ لأنه خارج عن إرادته ، قال الله تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ) الطلاق/7 . وقال تعالى : ( فّاتَّقٍوا اللّهّ مّا اسًتّطّعًتٍمً ) التغابن/16 . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ )

رواه البخاري (4968) ومسلم (127) .

وعلى من ابتلي بمثل هذا الوسواس أن يداوم على قراءة القرآن والأذكار الشرعية صباحا ومساء ، وعليه أن يقوي إيمانه بالطاعات والبعد عن المنكرات ، كما عليه أن يشتغل بطلب العلم ، فإن الشيطان إن تمكن من العابد فلن يتمكن من العالم .

وقد يأتي الشيطان ويوسوس للمسلم أشياء منكرة في حق الله تعالى ، أو رسوله ، أو شريعته ، يكرهها المسلم ولا يرضاها ، فمدافعة هذه الوساوس وكراهيتها دليل على صحة الإيمان ، فينبغي أن يجاهد نفسه ، وأن لا يستجيب لداعي الشر .

قال ابن كثير رحمه الله :

في قوله ( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) أي : هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخصُ دفعَه ، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها : فهذا لا يكلَّف به الإنسان ، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان . "

تفسير ابن كثير " ( 1 / 343 ) .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

يخطر ببال الإنسان وساوس وخواطر وخصوصا في مجال التوحيد والإيمان ، فهل المسلم يؤاخذ بهذا الأمر ؟ .

فأجاب :

قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " – متفق عليه - وثبت أن الصحابة رضي الله عنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عما يخطر لهم من هذه الوساوس والمشار إليها في السؤال ، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله : " ذاك صريح الإيمان " –

رواه مسلم - وقال عليه الصلاة والسلام : " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسله " – متفق عليه - ، وفي رواية أخرى " فليستعذ بالله ولينته " رواه مسلم في صحيحه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 14:23
يعاني من وساوس الشيطان في ذات الله

السؤال

رجل يوسوس له الشيطان بوساوس عظيمة فيما يتعلق بالله - عز وجل - وهو خائف من ذلك جداً فماذا يفعل ؟.

الجواب

الحمد لله

ما ذكر من جهة مشكلة السائل التي يخاف من نتائجها , أقول له : أبشر بأنه لن يكون لها نتائج إلا النتائج الطيبة , لأن هذه وساوس يصول بها الشيطان على المؤمنين, ليزعزع العقيدة السليمة في قلوبهم, ويوقعهم في القلق النفسي والفكري ليكدر عليهم صفو الإيمان , بل صفو الحياة إن كانوا مؤمنين.

وليست حاله بأول حال تعرض لأهل الإيمان, ولا هي آخر حال, بل ستبقى ما دام في الدنيا مؤمن. ولقد كانت هذه الحال تعرض للصحابة رضي الله عنهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه : إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به , فقال : ( أو قد وجدتموه؟). قالوا : نعم , قال : ( ذاك صريح الإيمان) . رواه مسلم وفي الصحيحين عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال : إني أحدث نفسي بالشيء لأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به, فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة ). رواه أبو داود.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان : والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره . كما قالت الصحابة يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به. فقال ( ذاك صريح الإيمان ). وفي رواية ما يتعاظم أن يتكلم به. قال : ( الحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة). أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له, ودفعه عن القلوب هو من صريح الإيمان, كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه, فهذا عظيم الجهاد, إلى أن قال :

ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعباد من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم, لأنه (أي الغير) لم يسلك شرع الله ومنهاجه, بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه, وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة , فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى ) أ.هـ المقصود منه ذكره في ص 147 من الطبعة الهندية.

فأقول لهذا السائل : إذا تبين لك أن هذه الوساوس من الشيطان فجاهدها وكابدها , واعلم أنها لن تضرك أبداً مع قيامك بواجب المجاهدة والإعراض عنها, والانتهاء عن الانسياب وراءها, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم ). متفق عليه.

وأنت لو قيل لك : هل تعتقد ما توسوس به ؟ وهل تراه حقاً؟ وهل يمكنك أن تصف الله سبحانه به ؟ لقلت : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا , سبحانك هذا بهتان عظيم , ولأنكرت ذلك بقلبك ولسانك, وكنت أبعد الناس نفوراً عنه, إذن فهو مجرد وساوس وخطرات تعرض لقلبك , وشباك شرك من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم, ليرديك ويلبس عليك دينك .

ولذلك تجد الأشياء التافهة لا يلقي الشيطان في قلبك الشك فيها أو الطعن , فأنت تسمع مثلاً بوجود مدن مهمةٍ كبيرة مملوءة بالسكان والعمران في المشرق والمغرب ولم يخطر ببالك يوماً من الأيام الشك في وجودها أو عيبها بأنها خراب ودمار لا تصلح للسكنى , وليس فيها ساكن ونحو ذلك , إذا لا غرض للشيطان في تشكك الإنسان فيها ولكن الشيطان له غرض كبير في إفساد إيمان المؤمن , فهو يسعى بخيله ورجله ليطفئ نور العلم والهداية في قلبه , ويوقعه في ظلمة الشك الحيرة , والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا الدواء الناجع الذي فيه الشفاء

وهو قوله : ( فليستعذ بالله ولينته) . فإذا انتهى الإنسان عن ذلك واستمر في عبادة الله طلباً ورغبة فيما عند الله زال ذلك عنه بحول الله , فأعرض عن جميع التقديرات التي ترد على قلبك في هذا الباب وها أنت تعبد الله وتدعوه وتعظمه , ولو سمعت أحداً يصفه بما توسوس به لقتلته إن أمكنك , إذن فما توسوس به ليس حقيقة واقعة بل هو خواطر ووساوس لا أصل لها .

ونصيحة تتلخص فيما يأتي :

1. الاستعاذة بالله والانتهاء بالكلية عن هذه التقديرات كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

2. ذكر الله تعالى وضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس .

3. الانهماك الجدي في العبادة والعمل امتثالاً لأمر الله , وابتغاء لمرضاته ، فمتى التفت إلى العبادة التفاتاً كلياً بجدٍّ وواقعية نسيت الاشتغال بهذه الوساوس إن شاء الله .

4. كثرة اللجوء إلى الله والدعاء بمعافاتك من هذا الأمر .

وأسال الله تعالى لك العافية والسلامة من كل سوء ومكروه .
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 57 - 60 .

.....

الوسوسة وعلاجها

السؤال

إذا وسوست ولم أرد على زوجتي عندما تكلمني وذلك بسبب الوسوسة أو اعتقادي بأنها تسببت في الوسوسة هل يعتبر عدم ردي عليها طلاقاً ؟ وعندما أكلمها بعصبية وبانفعال هل يعتبر هذا طلاقاً ؟ .

الجواب

الحمد لله

عدم ردك على زوجتك لا يعتبر طلاقا ، وكذلك كلامك معها بعصبية وانفعال.

ومهما فكرت في الطلاق ، أو حدثتك نفسك به ، أو نويته وعزمت عليه ، فإن الطلاق لا يقع حتى تتلفظ به.

وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل تجاوز لأمتي ما وسوست به وحدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به " رواه البخاري 6664 ، ومسلم 127 .

والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به ).

بل إن المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به ، عند بعض أهل العلم ، ما لم يقصد الطلاق ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد ، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة ، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا طلاق في إغلاق " . فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة ، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق.) انتهى ، نقلا عن : فتاوى إسلامية ، 3/277

ونحن نوصيك بعدم الالتفات للوسواس ، والإعراض عنه ، ومخالفة ما يدعوك إليه ، فإن الوسواس من الشيطان ، ليحزن الذين آمنوا ، وخير علاج له ، هو الإكثار من ذكر الله تعالى ، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، والبعد عن المعاصي والمخالفات التي هي سبب تسلط إبليس على بني آدم ، قال الله تعالى: ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) النحل/ 99 .

ومما يحسن نقله هنا ، ما ذكره ابن حجر الهيتمي رحمه الله في علاج الوسوسة ، في كتابه " الفتاوى الفقهية الكبرى 1/149 ، وهذا نصه :

( وسئل نفع الله به عن داء الوسوسة هل له دواء ؟

فأجاب بقوله : له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية ، وإن كان في النفس من التردد ما كان - فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون , وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين بل وأقبح منهم , كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه صلى الله عليه وسلم بقوله : " اتقوا وسواس الماء الذي يقال له الولهان أي : لما فيه من شدة اللهو والمبالغة فيه كما بينت ذلك وما يتعلق به في شرح مشكاة الأنوار ,

وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته . فتأمل هذا الدواء النافع الذي علّمه من لا ينطق عن الهوى لأمته . واعلم أن من حُرمه فقد حُرم الخير كله ; لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا , واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يُخرجه من الإسلام . وهو لا يشعر ( أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) فاطر / 6 .

وجاء في طريق آخر فيمن ابتلي بالوسوسة فليقل : آمنت بالله وبرسله . ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وجد طريقته وشريعته سهلة واضحة بيضاء بينة سهلة لا حرج فيها ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج / 78 , ومن تأمل ذلك وآمن به حق إيمانه ذهب عنه داء الوسوسة والإصغاء إلى شيطانها . وفي كتاب ابن السني من طريق عائشة : رضي الله عنها " من بلي بهذا الوسواس فليقل : آمنا بالله وبرسله ثلاثا , فإن ذلك يذهبه عنه " .

وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا : دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني , وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأنه يقاتله , فيكون له ثواب المجاهد ; لأنه يحارب عدو الله , فإذا استشعر ذلك فر عنه , وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان وسلطه الله عليه محنة له ; ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون .

وفي مسلم بحديث رقم 2203 من طريق عثمان بن أبي العاص أنه قال: إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال : ذلك شيطان يقال له خنزب , فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا , ففعلت فأذهبه الله عني .

وبه تعلم صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تُسلط إلا على من استحكم عليه الجهل والخبل وصار لا تمييز له , وأما من كان على حقيقة العلم والعقل فإنه لا يخرج عن الاتباع ولا يميل إلى الابتداع . وأقبح المبتدعين الموسوسون ومن ثم قال مالك - رحمه الله - عن شيخه ربيعة - إمام أهل زمنه - : كان ربيعة أسرع الناس في أمرين في الاستبراء والوضوء , حتى لو كان غيره - قلت : ما فعل . ( لعله يقصد بقوله : ( ما فعل ) أي لم يتوضأ )

وكان ابن هرمز بطيء الاستبراء والوضوء , ويقول : مبتلى لا تقتدوا بي .

ونقل النووي - رحمه الله - عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسوسة في الوضوء , أو الصلاة أن يقول : لا إله إلا الله فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس ; أي : تأخر وبعد , ولا إله إلا الله - رأس الذكر وأنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه ... ) انتهى كلام ابن حجر الهيتمي رحمه الله.

ونسأل الله أن يذهب عنك ما تجد من الوسوسة ، وأن يزيدنا وإياك إيماناً وصلاحاً وتقى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 14:26
تطبيق قانون غير مذكور في القرآن والسنة

السؤال

هل كل قانون ليس مذكوراً في القرآن والسنة يكون تطبيقه كفر ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ الشنقيطي :

اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السموات والأرض وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك ، وإيضاح ذلك أن النظام قسمان : إداري وشرعي ، أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع : فهذا لا مانع منه ولا مخالف فيه من الصحابة فمَن بعدهم ، وقد عمل عمر – رضي الله عنه –

من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ككتابته أسماء الجند في ديوان من أجل الضبط ومعرفة من غاب ومن حضر كما قدمنا إيضاح المقصود منه في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على العاقلة التي تحمل دية الخطأ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك ولم يعلم بتخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك إلا بعد أن وصل تبوك صلى الله عليه وآله وسلم وكشرائه – أعني عمر رضي الله عنه –

دار صفوان بن أمية وجعله إياها سجناً في مكة المكرمة مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخذ سجناًلا هو ولا أبو بكر ، فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تفعل لإتقان الأمور ، كتنظيم شؤون الموظفين وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع ، فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس به ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة .

وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف وأنهما يلزم استوائهما في الميراث وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم وأن الطلاق ظلم للمرأة وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ونحو ذلك .

فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم : كفرٌ بخالق السموات والأرض ، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه مَن خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرِّع آخر علوّاً كبيراً ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/21

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ) يونس/59 ، وقد قدمنا جملة وافية من هذا النوع في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم … ) الآية .

" أضواء البيان " ( 4 / 93 ) .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 14:34
صديقه زائغ منحرف وهو يحبه ، فماذا يفعل معه ؟ وهل يستمر في علاقته به ؟

السؤال

لي صديق أحبه كثيرا كأخي ، وزاد تقديره لي بعد تحولي من فرقة بريلوي (جماعة صوفية بباكستان ) إلي منهج السلف وأخبرني بأشياء غريبة منها:

1- أنه لا يمكن له أن يكذب فكلما حاول الكذب يجد نفسه يتكلم الحقيقة

. 2- أنه قريب جدا من الله وله مع الله مقامات

. 3- ويذكر أن الله يقرِّه علي بعض الأمور لكن لا يخبرني كيف يحدث هذا

. 4- لديه قوة سرية . وبالنسبة لتدينه كما تناقشت معه فإنه : لا يؤمن بأحاديث كثيرة متعللا بأنها تتعارض مع القرآن ، مع أني قد بينت له أنه لا يوجد تعارض بين القران والحديث ، لكن اعتمد علي بعض الأحاديث التي يوهم ظاهرها أنها تتعارض ، كما أنه لا يعتقد بوجوب إطلاق اللحية ، ويعتقد أن الموسيقي حلال معتبرا أنها وسيلة للقرب من الله ، وصلاته متقطعة وخاصة صلاة الفجر

بل قد يقضي الليل في التهجد والتفكر ويترك صلاة الفجر ، كما أنه لا يعتقد بمجيء المهدي المنتظر ولا بنزول عيسي عليه السلام في آخر الزمان ، ويؤمن بخلق القرآن ، وبوجوده عندما تكلم الله به قبل أن ينزل إلي الأرض ، كما أنه يعطي دروس في التفسير دون الحصول علي إجازة ، أنا في قلق بخصوص عقيدته هل هو حظيرة الإسلام ؟ ادعوا الله أن يهديه ، كيف لي أن أساعده حتي ينجو في الآخرة ؟

أرجوا النصيحة فضيلة الشيخ ، هل أستمر في علاقتي معه وأكلمه ؟ فنيتي أن أصحح ضلالاته ، وأمر آخر : لا أدري لماذا أنا مرتبط بهذا الشخص ودائما يزعجني حين أصلي أو اقرأ القرآن واستمع للمحاضرات الإسلامية لكني دائما ملتزم الهدوء .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

حثنا الشرع على ضرورة اختيار الصاحب التقيّ ذي الخلق والدين ؛ الذي يعين على طاعة الله وينهى عن معصيته ، قال تعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) الزخرف / 67 .

وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ) رواه الترمذي ( 2395 ) وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) . رواه أبو داود (4833) ، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" وهذا معناه - والله أعلم - أن المرء يعتاد ما يراه من أفعال من صحبه ، والدينُ العادةُ ، فلهذا أمر ألا يصحب إلا من يرى منه ما يحل ويجمل فإن الخير عادة .

والمعنى في ذلك : ألا يخالط الإنسان من يحمله على غير ما يحمد من الأفعال والمذاهب ، وأما من يؤمن منه ذلك فلا حرج في صحبته "

انتهى من " بهجة المجالس " ( 2 / 751 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" النَّاسَ كَأَسْرَابِ الْقَطَا ؛ مَجْبُولُونَ عَلَى تَشَبُّهِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضِ . وَلِهَذَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ : لَهُ مِثْلُ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَالْوِزْرِ "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (28/ 150) .

ثانيا :

هذا الصاحب الذي تتحدث عنه على خلاف منهج أهل السنة والجماعة ، وهو إلى منهج غلاة الصوفية أقرب ، يدل على ذلك قوله : إن له مع الله مقامات ، وإنه لا يستطيع الكذب ، وإن الله يقره على بعض ما يقول ويفعل ، وإن له قوة خفية .
ولا داعي للخوض في هذه الأباطيل المذكورة وتفنيدها ، حيث إن السائل يقر ببطلانها ولا يعتقد أنها صحيحة .
ومثل هذا يحتاج إلى من ينصحه ويبين له خطأه ويرشده إلى الصواب .

وطريق ذلك شاق بلا شك ، ولكنه يحتاج إلى كثير من الحكمة والعلم ، مع مزيد من الصبر والاحتساب .

فلا بد من تعريفه أولا بمنهج أهل السنة والجماعة القائم على التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، واتباع السلف في فهم النصوص الشرعية وعدم الخروج عن ذلك ؛ لأن الخروج عنه انحراف عن الصراط المستقيم .

ثانيا :

يجب في مقام الولاية التي يدعيها صاحبك لنفسه أن يعرف أن للولاية علامات وأمارات لا بد من تحقيقها حتى يصح انتساب العبد إليها ، وأولياء الله تعالى حقا لا يرون لأنفسهم مقاما ، بل يتواضعون لله تعالى ، وينظرون إلى أنفسهم دائما بعين التقصير . وجدير بالمرء منا أن يتأسى بهم في ذلك .

وقد صح عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فيما رواه أحمد ( 322 ) عن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أن عمر لما طُعن فقال له : أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ ، صَاحَبْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَطَلْتَ صُحْبَتَهُ ، وَوُلِّيتَ أَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَوِيتَ وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ . فَقَالَ : " أَمَّا تَبْشِيرُكَ إِيَّايَ بِالْجَنَّةِ ، فَوَاللهِ لَوْ أَنَّ لِي الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِي قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ الْخَبَر َ، وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي أَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافًا ، لَا لِي وَلا عَلَيَّ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ " .

فهذا قول عمر رضي الله عنه وهو خير الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، هذا قوله عن نفسه وهو في آخر ساعات الدنيا ، فأين هذا ممن يدعي لنفسه المقامات العالية والأحوال السامية ؟!
وقد قال الله تعالى : ( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) النجم/ 32 .

ثالثا : ينبغي أن تنصح صاحبك بتعلم العلم الشرعي من مصادره الأصلية : من القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، وليستعن على فهم ذلك بأقوال أئمة الإسلام المشهود لهم بالعلم والفضل ، وهو كثير والحمد لله .
ودعواه أن السنة تعارض القرآن مما يدل على نقص علمه ، وأنه في حاجة إلى من يعلمه ، وقد أحسنت صنعا إذ بينت له ألا تعارض بين الكتاب والسنة .

وقد أضاف إلى ذلك تهاونه بالصلوات المكتوبات وسماعه الموسيقى واعتقاده أنها وسيلة للقرب من الله واعتقاده أن القرآن كلام الله مخلوق ؟!

فعليك بنصحه برفق وحكمة ، وإعانته على انتشاله من تلك الأوحال التي يتخبط فيها .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 14:37
القرآن مُنَزَّل من الله تعالى غير مخلوق

السؤال

هل لكم أن تخبرونا عن كتاب بالإنجليزية يتكلم على أن القرآن ليس مخلوقاً وما يجب أن نعتقده كمسلمين ؟.

الجواب

الحمد لله

الذي يجب علينا أن نَعْتَقِده نحن المسلمين ، هو ما جاءنا من الله عز وجل ، وما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أخْبَرنا الله عز وجل أنه يتكلم قال تعالى : ( ومن أصْدَق من الله حديثا ) النساء/87 وقال تعالى : ( ومن أصْدَق من الله قِيلاً ) النساء /122 .

ففي هاتين الآيتين إثبات أن الله يَتَكَلَّم ، وأنّ كلامَه صِدْقٌ ، وحَقٌ ، ليس فيه كَذِبٌ بِوَجْهٍ من الوجوه .

وقال تعالى : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ) المائدة /166 ففي هذه الآية أن الله يقول ، وأن قوله مَسْمُوع فيكون بصوت ، وأن قوله كَلِمَات وجمل ، والدليل على أنه بحرف قول الله تعالى : ( يا موسى إني أنا ربُّك ) طه/11-12 فإن هذه الكلمات حروف وهي من كلام الله .والدليل على أنه بصوت قوله تعالى : ( وناديناه من جانب الطور الأيمن وقرَّبناه نجياً ) مريم/52 ، والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت .

انظر شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ص 73 .

ولهذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام حقيقي متى وكيف شاء بما شاء بحرف وصوت لا يُمَاثِلُ أصوات المخلوقين ، والدليل على أنه لا يُمَاثِل أصْوَاتَ المَخْلُوقين ، قوله تعالى : ( ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السَمِيعُ البَصِير ) الشورى/11 ، فَعُرِفَ ابْتِداءً أن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، وأهل السنة والجماعة يَعْتَقِدون أن القرآن كلام الله ، ومن الأدلة على هذا الاعتقاد قول الله تعالى : ( وإنْ أحَدٌ من المشْرِكين استجارك فأجِرْه حتى يَسْمَع كلام الله ) التوبة /6 والمراد القرآن بالاتفاق ، وأضاف الكلام إلى نفسه فدل على أن القرآن كلامه .

وعقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود .

والأدلة على أنه منزل ما يأتي :

قول الله عز وجل : ( شَهْرُ رمضان الذي أنزل فيه القُرآن ) البقرة/185 ، وقوله تعالى : ( إنّا أنْزَلناه في ليلة القدر ) القدر /1 ، وقوله : ( وقُرْآناً فَرَقْنَاه لِتَقْرَأَه على الناس على مُكْثٍ ونَزَّلنَاه تَنْزِيلاً ) الإسراء /106 ، قوله : ( وإذا بَدَّلنا آية مكان آية والله أعلم بما يُنَزِّل قالوا إنما أنت مُفْتَرٍ بل أكثرهم لا يعلمون قل نَزَّله رُوح القُدُسِ من ربك بالحق ليُثَبِّت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ولقد نعلم أنهم يقولون إنّما يُعَلِّمُه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعْجَمِِي وهذا لسان عربي مبين ) النحل /101-103 . و الذي يبدل آية مكان آية هو الله سبحانه وتعالى .

والأدلة على أنه غير مخلوق قوله تعالى : ( ألا له الخلق والأمر ) فجعل الخلق شيئاً والأمر شيئا آخر

لأن العطف يقتضي المغايرة والقرآن من الأمر بدليل قوله تعالى : ( وكذلك أوْحَيْنَا إليك روحا من أمرنا

ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نَهْدِي به من نَشَاءُ من عبادنا ) الشورى /52 ، فإذا كان القرآن أمراً وهو قسيم للخلق ، صار غير مخلوق ، لأنه لو كان مخلوقاً ما صح التقسيم فهذا هو الدليل من القرآن .

والدليل العقلي أن نقول القرآن كلام الله والكلام ليس عينا قائمة بنفسها حتى يكون بائنا من الله ولو كان عينا قائمة بنفسها بائنة من الله لقلنا إنه مخلوق لكن الكلام صفة للمتكلم فإذا كان صفة للمتكلم به وكان من الله كان غير مخلوق لأن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة .
\
شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين 1/418-426 - 441

فيجب علينا أن نعتقد ذلك ونوقن به ، ولا نُحَرِّف آيات الله عز وجل عن مرادها ، فإنها صريحة الدلالة على أن القرآن مُنَزَّل من عند الله ، ولذلك قال الإمام الطحاوي رحمه الله : " وإنّ القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولاً ، وأنزله على رسوله وحياً ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية ، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذَمَّه الله وعَابَهُ وأوعده بسقر حيث قال تعالى : ( سأُصلِيه سَقَر ) المدثر/26 ، فلما أوْعَدَ بِسَقَر لمن قال ( إنْ هذا إلا قول البشر ) المدثر /25 عَلِمْنَا وأيْقَنَّا أنَه قولَ خالقِ البَشَر ولا يُشْبِه قول البشر .

أهـ شرح العقيدة الطحاوية 179.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 14:43
هل مشايخ الصّوفية متصلون بالله

السؤال:

ما هو مكان الصوفية في الإسلام ؟

ما صحة القول بأن هناك عبّاد وأولياء يتّصلون بالله ، بعض الناس يعتقدون بهذه الظاهرة وأنّ هناك ما يُثبت ذلك في الأديان المختلفة والأنحاء المختلفة في الأرض .

كيف تمكن رؤية الذين يدعون بأنهم صوفية أو تابعين للصوفيين ؟

الجواب:

الحمد لله

لم يعرف الإسلام اسم الصوفية في زمن الرسول وصحابته والتابعين حتى جاء جماعة من الزهاد لبسوا الصوف فأطلقوا هذا الاسم عليهم ، وقيل مأخوذ من كلمة صوفيا ومعناها الحكمة باليونانية وليست مأخوذة من الصفاء كما يدعي بعضهم لأن النسبة إلى الصفاء صفائي وليست صوفي .

وظهور هذا الاسم الجديد والطائفة التي تحمله زاد الفرقة في المسلمين ، وقد اختلف الصوفية الأوائل عن الصوفية المتأخرة التي انتشرت فيها البدع بشكل أكبر وعمّ فيهم الشرك الأصغر والأكبر وبدعهم مما حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. رواه الترمذي وقال حسن صحيح
وفيما يلي مقارنة بين معتقدات الصوفية وطقوسها وبين الإسلام المبني على القرآن والسنّة :\

الصوفية : لها طرق متعددة كالتيجانية والقادرية والنقشبندية والشاذلية والرفاعية وغيرها من الطرق التي يدعي أصحابه أنهم على الحق وغيرهم على الباطل والإسلام ينهى عن التفرق ويقول الله تعالى { ...ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون } ( سورة الروم الآيات 31-32).

الصوفية : عبدوا غير الله من الأنبياء والأولياء الأحياء والأموات فهم يقولون ( يا جيلاني ويا رفاعي ويا رسول الله غوثاً ومدد ، ويا رسول الله عليك المعتمد ) .

والله ينهى عن دعاء غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو ويعدّه شركاً إذ يقول { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك من الظالمين } سورة يونس ،آية 106 .

الصوفية : تعتقد أن هناك أبدالاً وأقطاباً وأولياء سلّم الله لهم تصريف الأمور وتدبيرها والله يحكي جواب المشركين حين يسألهم :{ ومن يدبر الأمر فسيقولون الله } سورة يونس : 31 . فمشركو العرب أعرف بالله من هؤلاء الصوفية .
والصوفية يلجأون لغير الله عند نزول المصائب والله يقول : { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } .

بعض الصوفية : يعتقد بوحدة الوجود فليس عندهم خالق ومخلوق فالكل خلق والكل إله .

الصوفية : تدعو إلى الزهد في الحياة وترك الأخذ بالأسباب وعدم الجهاد والله تعالى يقول { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا } ( سورة القصص ،آية 77).

{ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ( سورة الأنفال ،آية 60) .

الصوفية : تعطي مرتبة الإحسان إلى شيوخهم وتطلب من المريدين أن يتصورا شيخهم عندما يذكرون الله حتى في صلاتهم وكان بعضهم يضع صورة شيخه أمامه في الصلاة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". رواه مسلم .

الصوفية : تبيح الرقص والدف والمعازف ورفع الصوت بالذكر والله تعالى يقول { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } ( سورة الأنفال ، آية 3 ) .

ثم تراهم يذكرون بلفظ الجلالة : الله فقط فيقولون الله ، الله ، الله وهذه بدعة وكلام غير مفيد لمعنى شرعي بل يصلون إلى حدّ التلفظ بكلمة ( أهـ ، أهـ ) . أو هو ، هو . والإسلام والسنة أن يذكر المسلم ربّه بكلام مفيد صحيح يُؤجر عليه كقوله : سبحان الله والحمد له ولا إله إلا الله والله أكبر ونحو ذلك .

الصوفية تتغزل باسم النساء والصبيان في مجالس الذكر فيرددون اسم الحب والعشق والهوى وغيرها وكأنهم في مجلس طرب فيه الرقص وذكر الخمر مع التصفيق والصياح وكلّ هذا من عادة المشركين وعبادتهم قال الله تعالى : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } سورة الأنفال آية 35 .( المكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق ) .

بعض الصوفية يضرب نفسه بسيخ حديد قائلاً ( يا جداه ) فتأتيه الشياطين ليساعدوه على فعله لأنه استغاث بغير الله ، قال الله تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين } سورة الزخرف ، آية 36 .

الصوفية : تدعي الكشف وعلم الغيب والقرآن يكذبهم : قال عزّ وجلّ : { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } . ( سورة النمل آية 65 ) .

الصوفية : تزعم أن الله خلق الدنيا لأجل محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن يكذبهم قائلاً { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } (سورة الذرايات آية 56) .

وخاطب الله سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } سورة الحجر آية 99).

الصوفية : تزعم رؤية الله في الدنيا والقرآن يكذبهم حين قال على لسان موسى :{ رب أرني أنظر إليك قال لن تراني } (سورة الأعراف ، آية 143) .

الصوفية : تزعم أنها تأخذ العلم من الله مباشرة بدون واسطة الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة فهل هم أفضل من الصحابة ؟

الصوفية : تزعم أنها تأخذ العلم من الله مباشرة بدون واسطة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقولون : حدثني قلبي عن ربي .

الصوفية : تقيم الموالد والاجتماع باسم مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهم يخالفون تعاليمه حينما يرفعون أصواتهم في الذكر والأناشيد والقصائد التي فيها الشرك الصريح . وهل احتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمولده أو أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ والأئمة الأربعة وغيرهم فمن أعلم وأصحّ عبادة هؤلاء أم الصوفية .

الصوفية : تشد الرحال إلى القبور للتبرك بأهلها أو للطواف حولها أو الذبح عندها مخالفين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " متفق عليه .

الصوفية : تتعصب لشيوخها ولو خالفت قول الله ورسوله ، والله تعالى يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } سورة الحجرات آية 1 .

الصوفية : تستعمل الطلاسم والحروف والأرقام لعمل الاستخارة والتمائم والحجب وغير ذلك .

الصوفية : لا تتقيد بالصلوات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بل يبتدعون صلوات فيها التبرك الصريح والشّرك الفظيع الذي لا يرضاه الذي يصلون عليه .

أما السؤال عن صحة اتصال مشايخ الصوفية فهي صحيحة لكنها مع الشياطين وليس مع الله

فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا قال تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه } الأنعام (112) . وقال تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } الأنعام /121) .

وقال تعالى : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ) الشعراء 121/222) . فهذا هو الاتصال الذي يحدث حقيقة ، لا الاتصال الذين يزعمونه زوراً وبهتاناً من اتصالهم بالله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ، يُنظر معجم البدع : 346- 359

واختفاء بعض مشايخ الصوفية فجأة عن أنظار أتباعهم هو نتيجة لهذا الاتّصال مع الشياطين حتى لربما حملوهم إلى أماكن بعيدة وعادوا بهم في اليوم نفسه أو الليلة نفسها إضلالا للبشر من أتْباعهم .

ولذلك كانت القاعدة العظيمة أننا لا نزن الأشخاص بالخوارق التي تظهر على أيديهم وإنما بحسب بعدهم وقربهم والتزامهم بالكتاب والسنّة ، وأولياء الله حقّا لا يُشترط أن تظهر لهم خوارق بل هم الذين يعبدون الله بما شرع ولا يعبدونه بالبدع ، أولياء الله الذين ذكرهم ربنا في الحديث القدسي الذي

رواه البخاري في الصحيح 5/2384

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه " .

والله الموفق والهادي إلى طريق الصّواب .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 14:47
هل يهجر أهله الذين ينكرون السنة

السؤال

إذا كانت الأسرة تقول للإنسان أن يتبع القرآن فقط ولا يتبع الحديث هل يلقي عليهم السلام ويهنئهم بالعيد ليقلل الفتنة ولا يضايقهم .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

يجب على كل مسلم أن يؤمن بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كلها - إن صحت عنه - وألا يرد شيئاً منها ؛ لأن أحاديثه وسنته صلى الله عليه وسلم وحي من الله ، والذي يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد الوحي من الله .

قال تعالى : { والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى } النجم / 1 - 6 .

وقد أوجب الله تعالى على الناس طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وأمر بذلك في آيات كثيرة من القرآن نذكر منها :

قال الله تعالى : { قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } آل عمران / 32 .

وقال : { من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا } النساء / 80 .

وقال : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } النساء / 59 .

وقال : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون } النور / 56 .

وغير ذلك من الآيات الكثيرة .

ومنكر السنة كافر مرتد .

قال السيوطي رحمه الله في رسالته "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" :

اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام ، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة اهـ

وهؤلاء الذين يريدون الإكتفاء بالقرآن يسمون القرآنيين ، ومذهبهم هذا قديم حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه في أكثر من حديث كما سيأتي ضمن كلام شيخ الإسلام . ومن أوضح الأدلة على بطلان هذا المذهب أن القائلين به لا يعلمون به !!!

إذ كيف يصلي هؤلاء ؟ وكم صلاة يصلون في اليوم والليلة ؟ وما هي الأحوال التي تجب فيها الزكاة ؟ وما هو نصابها ؟ وما القدر الواجب إخراجها منها ؟ وكيف يحجون ويعتمرون ؟ وكم مرة يطوفون بالكعبة ؟ وكم مرة يسعون بين الصفا والمروة ؟ ...

وأحكام أخرى كثيرة لم يرد تفصيلها في القرآن ، وإنما ذكرها القرآن مجملة ، وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته .

فهل يترك هؤلاء العمل بهذه الأحكام بحجة أنها لم ترد في القرآن ؟

إن كان جوابهم نعم فقد حكموا على أنفسهم بالكفر لإنكارهم ما هو معلوم من الدين بالضرورة وأجمع المسلمون عليه إجماعاً قطعياً .

وإن كان جوابهم أنهم لا يتركون العمل بهذه الأحكام فقد حكموا ببطلان مذهبهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - بعد ذكره للآيات التي تحث على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم - ، قال :

فهذه النصوص توجب اتباع الرسول وإن لم نجد ما قاله منصوصا بعينه في الكتاب ، كما أن تلك الآيات توجب اتباع الكتاب وإن لم نجد ما في الكتاب منصوصاً بعينه في حديث الرسول غير الكتاب .

فعلينا أن نتبع الكتاب وعلينا أن نتبع الرسول ، واتباع أحدهما هو اتباع الآخر ؛ فإن الرسول بلَّغ الكتاب ، والكتاب أمر بطاعة الرسول ، ولا يختلف الكتاب والرسول ألبتة كما لا يخالف الكتاب بعضه بعضاً قال تعالى: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } ، والأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب اتباع الكتاب ، وفى وجوب اتباع سنته كقوله :

" لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أَمرت به أو نَهيت عنه ، فيقول : بيننا وبينكم هذا القرآن ، فما وجدنا فيه من حلال حلّلناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه ، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا وإنه مثل القرآن أو أعظم " ، هذا الحديث في السنن والمسانيد مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة جهات من حديث أبي ثعلبة وأبى رافع وأبي هريرة وغيرهم .

وفى صحيح مسلم عنه من حديث جابر أنه قال في خطبة الوداع : " وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده كتاب الله تعالى " ( وللحاكم : " كتاب الله وسنتي " صححه الألباني في صحيح الجامع 2937 ) ، وفى الصحيح عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قيل له : هل أوصى رسول الله ؟ قال : لا . قيل : فكيف كُتب على الناس الوصية ؟ قال : أوصى بكتاب الله " .

رواه مسلم ( 1634 )

وسنة رسول الله تفسر القرآن كما فسرت أعداد الصلوات وقدر القراءة فيها والجهر والمخافتة وكما فسرت فرائض الزكاة ونصبها وكما فسرت المناسك وقدر الطواف بالبيت والسعي ورمي الجمار ونحو ذلك .

وهذه السنة إذا ثبتت فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها وقد يكون من سنته ما يظن أنه مخالف لظاهر القرآن وزيادة عليه كالسنة المفسرة لنصاب السرقة والموجبة لرجم الزاني المحصن فهذه السنة أيضا مما يجب اتباعه عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر طوائف المسلمين .

" مجموع الفتاوى " ( 19 / 84 – 86 ) بتصرف يسير فيما بين القوسين .

فالذي جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم حق كما أن القرآن حق .

ثانياً :

وأنت – يا أخي – ينبغي عليك ألا تهجر أهلك ، وعليك أن تعاملهم بالحسنى ، وأن تجتهد معهم بالدعوة إلى اتباع السنة والرضى بها .

قال تعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } النحل /125 .

وقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ { 14 } وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } لقمان / 14 - 15 .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 15:00
بعض الأدلة من الكتاب والسنة على حجية الإجماع .

السؤال:

ما هي الأدلة من القرآن والأحاديث النبوية على أن إجماع العلماء يستخدم كدليل في التشريع الإسلامي ؟

الجواب :

الحمد لله

الإجماع الصحيح أحد مصادر التشريع الإسلامي ، فإذا ثبت الإجماع فهو حجة شرعية ملزمة ، لا يجوز لأحد مخالفته .

وقد دل على حجية الإجماع أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية .

فمن أدلة القرآن الكريم :

- قوله تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء/ 115 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً تَحْرُم مُخَالَفَتُهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ ، بَعْدَ التَّرَوِّي وَالْفِكْرِ الطَّوِيلِ ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الِاسْتِنْبَاطَاتِ وَأَقْوَاهَا " .

انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 413) .

ووجه الدلالة من الآية : أن الله تعالى توعد من اتبع غير سبيل المؤمنين بالعذاب ؛ فدل ذلك على وجوب اتباع سبيل المؤمنين ، وهو ما أجمعوا عليه .

- وقال تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) البقرة/ 143
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ الْخِيَارُ وَقَدْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَأَقَامَ شَهَادَتَهُمْ مَقَامَ شَهَادَةِ الرَّسُولِ ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ : وَجَبَتْ وَجَبَتْ ، ثُمَّ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ : وَجَبَتْ وَجَبَتْ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَوْلُك وَجَبَتْ وَجَبَتْ ؟ قَالَ : ( هَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْت : وَجَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ ، وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا شَرًّا فَقُلْت : وَجَبَتْ لَهَا النَّارُ . أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ) .

فَإِذَا كَانَ الرَّبُّ قَدْ جَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ لَمْ يَشْهَدُوا بِبَاطِلِ ، فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِشَيْءٍ فَقَدْ أَمَرَ بِهِ، وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَقَدْ نَهَى عَنْهُ ، وَلَوْ كَانُوا يَشْهَدُونَ بِبَاطِلٍ أَوْ خَطَأٍ لَمْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ، بَلْ زَكَّاهُمْ اللَّهُ فِي شَهَادَتِهِمْ كَمَا زَكَّى الْأَنْبِيَاءَ فِيمَا يُبَلِّغُونَ عَنْهُ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ عَلَيْهِ إلَّا الْحَقَّ ، وَكَذَلِكَ الْأُمَّةُ لَا تَشْهَدُ عَلَى اللَّهِ إلَّا بِحَقٍّ ، وَقَالَ تَعَالَى : ( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ ) وَالْأُمَّةُ مُنِيبَةٌ إلَى اللَّهِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهَا " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (19 /177-178) .

- قوله تعالى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) النساء/ 59 .
فقوله : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ ) يدل على أن ما أجمعوا عليه لا يجب رده إلى الكتاب والسنة اكتفاء بالإجماع المنعقد .

ومن الأدلة من السنة على حجية الإجماع :

-ما رواه الترمذي (2167) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

ورواه ابن أبي عاصم في " السنة " (83) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَجَارَ أُمَّتِي أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ ) " .

وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (1786) .

وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث بملازمة جماعة المسلمين ، ونهى عن مخالفتهم ومفارقتهم ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ) وروى البخاري (7143) ، ومسلم (1849) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ) رواه أبو داود (4758) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

" وأمْرُ رسول الله بلزوم جماعة المسلمين مما يُحتج به في أن إجماع المسلمين - إن شاء الله - لازمٌ " انتهى من

"الرسالة" (1/ 403) .

وقال ابن قدامة رحمه الله :

" وهذه الأخبار لم تزل ظاهرة مشهورة في الصحابة والتابعين ، لم يدفعها أحد من السلف والخلف. وهي وإن لم تتواتر آحادها، حصل لنا بمجموعها العلم الضروري: أن النبي صلى الله عليه وسلم عظم شأن هذه الأمة ، وبين عصمتها عن الخطأ " .

انتهى من "روضة الناظر" (1/ 387) .

فهذا بعض ما احتج به أهل العلم من أدلة الكتاب والسنة على أن الإجماع حجة شرعية .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" إجماع الأمة على شيء إما أن يكون حقا وإما أن يكون باطلا ، فإن كان حقا فهو حجة ، وإن كان باطلا فكيف يجوز أن تجمع هذه الأمة التي هي أكرم الأمم على الله منذ عهد نبيها إلى قيام الساعة على أمر باطل لا يرضى به الله ؟ ! هذا من أكبر المحال " .

انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (11/ 63) .

والله تعالى أعلم .

..........................

السؤال

ما هي مصادر التشريع الإسلامي ؟

الجواب

الحمد لله

مصادر الدين الأصلية التي ترجع إليها جميع العقائد والمقاصد والأحكام تتمثل في الوحيين : الكتاب والسنة . وذلك مقتضى ربانية الدين الإسلامي ، أن أركانه مبنية على نصوص معصومة منزلة من السماء ، تتمثل في آيات القرآن الكريم ، ونصوص السنة النبوية الصحيحة .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

" ولا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما سواهما تبع لهما " انتهى.

"جماع العلم" (11) .

ثم استنبط العلماء من هذين المصدرين أصولا أخرى يمكن بناء الأحكام عليها ، أطلق عليها بعض العلماء - تجوزا - اسم " مصادر الشريعة " أو " مصادر التشريع الإسلامي" ، وهي : الإجماع والقياس .
\
قال الإمام الشافعي رحمه الله :

" وليس لأحد أبداً أن يقول في شيء : حَلَّ ولا حَرُم إلا من جهة العلم ، وجهة العلم : الخبر في الكتاب أو السنة ، أو الإجماع ، أو القياس " انتهى .

"الرسالة" (39) .

وقال ابن تيمية رحمه الله :

"إذا قلنا الكتاب والسنة والإجماع ، فمدلول الثلاثة واحد ، فإن كل ما في الكتاب فالرسول موافق له ، والأمة مجمعة عليه من حيث الجملة ، فليس في المؤمنين إلا من يوجب اتباع الكتاب ، وكذلك كل ما سنَّه الرسول صلى الله عليه وسلم فالقرآن يأمر باتباعه فيه ، والمؤمنون مجمعون على ذلك ، وكذلك كل ما أجمع عليه المسلمون ، فإنه لا يكون إلا حقا موافقا لما في الكتاب والسنة" انتهى .

"مجموع الفتاوى" (7/40).

وقال الدكتور عبد الكريم زيدان :

"المقصود بمصادر الفقه : أدلته التي يستند إليها ويقوم عليها ، وإن شئت قلت : المنابع التي يستقي منها ، ويسمي البعض هذه المصادر بـ " مصادر الشريعة " أو " مصادر التشريع الإسلامي "، ومهما كانت التسمية فإن مصادر الفقه ترجع كلها إلى وحي الله ، قرآناً كان الوحي أو سنة ، ولهذا فإننا نرجح تقسيم هذه المصادر إلى : مصادر أصلية ، وهي : الكتاب والسنة . ومصادر تبعية أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة ، كالإجماع والقياس " انتهى .

"المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية" (ص/153) .

أما غير هذه المصادر الأربعة : كقول الصحابي ، والاستحسان ، وسد الذرائع ، والاستصحاب ، والعرف ، وشرع من قبلنا ، والمصالح المرسلة ، وغيرها ، فقد اختلف العلماء في حجيتها وصحة الاستدلال بها ، وعلى القول بحجيتها – كلها أو بعضها – فهي تابعة للكتاب والسنة وراجعة إليهما .

والله أعلم .

......................

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 15:03
إذا انعقد الإجماع فلا يجوز لأحد مخالفته

السؤال :

هل اجتهاد علماء هذا العصر ينقض إجماع الصحابة ؟ .

الجواب :

الحمد لله

إذا انعقد الإجماع ، فهو حجة شرعية ، فالواجب اتباعه ، ولا يجوز الخروج عنه .

قال الإمام الشافعي : "وأمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به من أن إجماع المسلمين - إن شاء الله - لازم" انتهى .

"الرسالة" (ص403) .

وقال السرخسي رحمه الله :

"الإجماع موجب للعلم قطعاً بمنزلة النص ، فكما لا يجوز ترك العمل بالنص باعتبار رأي يعترض له : لا يجوز مخالفة الإجماع برأي يعترض له بعدما انعقد الإجماع بدليله" انتهى .

" أصول السرخسي " ( 1 / 308 ) .

وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في شرح كتابه "الأصول من علم الأصول" (صـ498) :

"لو أجمع الصحابة على قول ، فهذا الإجماع يمنع من حدوث خلاف ، فلا يمكن لمن بعدهم أن يخاف إجماعهم ، لأن الإجماع يمنع من حدوث الخلاف ، لأنه حجة" انتهى .

وقد تصل مخالفة الإجماع إلى الكفر ، وهذا إذا كان الإجماع قطعياً لا شبهة فيه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"كل ما أجمعوا عليه فلا بدَّ أن يكون فيه نصٌّ عن الرسول ، فكل مسألة يُقطع فيها بالإجماع وبانتفاء المنازع من المؤمنين : فإنها مما بيَّن الله فيه الهدى ، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر ، كما يكفر مخالف النص البيِّن ، وأما إذا كان يظن الإجماع ، ولا يقطع به : فهنا قد لا يقطع أيضاً بأنها مما تبين فيه الهدى من جهة الرسول ، ومخالف مثل هذا الإجماع قد لا يكفر ؛ بل قد يكون ظن الإجماع خطأ ، والصواب في خلاف هذا القول ، وهذا هو فصل الخطاب فيما يكفر به من مخالفة الإجماع ، وما لا يكفر" انتهى .

" مجموع الفتاوى " ( 7 / 39 ) .

وبهذا يتبين أنه متى ثبت الإجماع فهو حجة شرعية ، ملزمة لجميع المسلمين ، ولا يجوز لأحد الخروج عنه بدعوى الاجتهاد أو بغير ذلك من الدعاوى .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 15:20
لم يحرم الله على الناس شيئا من المحرم
الخبيث إلا عوضهم خيرا منه من الطيب المباح .

السؤال:

كثيرا ما نسمع عند تبين حكم أمر محرم عبارة : ما البديل ؟

مثال : الدخان لو بينا حكمه وحرمته ، قال : لك ما البديل ؛ فكيف نرد عليهم ؟

الجواب :

الحمد لله

الكلام على هذه المسألة على أصلين :

الأصل الأول :

أن من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث ؛ فقال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) الأعراف/ 157.

وقال تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... ) المائدة/ 4 .

قال بعض العلماء : " كل ما أحل الله تعالى ، فهو طيب نافع في البدن والدين، وكل ما حرمه، فهو خبيث ضار في البدن والدين "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (3 /488) .

وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) البقرة/ 172 .

فأمر سبحانه بالاكتفاء بالطيب والتنزه عن تناول الخبيث ، ثم أمر بشكره على ما طيّب لعباده وأحله لهم .

الأصل الثاني :

أن الله تعالى لم يحرم على الناس شيئا ، إلا عوضهم خيرا منه مما يغني عنه من الطيب المباح ، ومن شواهد ذلك :
ما رواه أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالَ :

( كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْفِطْرِ ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى).

رواه النسائي (1556) وغيره ، وصححه الألباني .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" وَمَنْ تَأَمَّلَ أَسْرَارَ الشَّرِيعَةِ وَتَدَبَّرَ حُكْمَهَا رَأَى ذَلِكَ ظَاهِرًا عَلَى صَفَحَاتِ أَوَامِرِهَا وَنَوَاهِيهَا ، بَادِيًا لِمَنْ نَظَرُهُ نَافِذٌ ؛ فَإِذَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا عَوَّضَهُمْ عَنْهُ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْهُ وَأَنْفَعُ ، وَأَبَاحَ لَهُمْ مِنْهُ مَا تَدْعُو حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ لِيُسَهِّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ ، كَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَأَبَاحَ لَهُمْ مِنْهُ الْعَرَايَا، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ النَّظَرَ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَأَبَاحَ لَهُمْ مِنْهُ نَظَرَ الْخَاطِبِ وَالْمُعَامِلِ وَالطَّبِيبِ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ الْمَالِ بِالْمُغَالَبَاتِ الْبَاطِلَةِ كَالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَغَيْرِهِمَا

وَأَبَاحَ لَهُمْ أَكْلَهُ بِالْمُغَالَبَاتِ النَّافِعَةِ كَالْمُسَابَقَةِ وَالنِّضَالِ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ لِبَاسَ الْحَرِيرِ ، وَأَبَاحَ لَهُمْ مِنْهُ الْيَسِيرَ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ كَسْبَ الْمَالِ بِرِبَا النَّسِيئَةِ ، وَأَبَاحَ لَهُمْ كَسْبَهُ بِالسَّلَمِ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي الصِّيَامِ وَطْءَ نِسَائِهِمْ وَعَوَّضَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ أَبَاحَهُ لَهُمْ لَيْلًا ؛ فَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ بِالنَّهَارِ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الزِّنَا وَعَوَّضَهُمْ بِأَخْذِ ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ وَرَابِعَةٍ وَمِنْ الْإِمَاءِ مَا شَاءُوا ؛ فَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ غَايَةَ التَّسْهِيلِ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الِاسْتِقْسَامَ بِالْأَزْلَامِ وَعَوَّضَهُمْ عَنْهُ بِالِاسْتِخَارَةِ وَدُعَائِهَا وَيَا بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ نِكَاحَ أَقَارِبِهِمْ وَأَبَاحَ لَهُمْ مِنْهُ بَنَاتَ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَطْءَ الْحَائِضِ وَسَمَحَ لَهُمْ فِي مُبَاشَرَتِهَا وَأَنْ يَصْنَعُوا بِهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْوَطْءَ

فَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ غَايَةَ السُّهُولَةِ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْكَذِبَ وَأَبَاحَ لَهُمْ الْمَعَارِيضَ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ مَنْ عُرْفِهَا إلَى الْكَذِبِ مَعَهَا أَلْبَتَّةَ ، وَأَشَارَ إلَى هَذَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: ( إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ ) وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخُيَلَاءَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَأَبَاحَهَا لَهُمْ فِي الْحَرْبِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ الْمُوَافِقَةِ لِمَقْصُودِ الْجِهَادِ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ ، وَعَوَّضَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْوُحُوشِ وَالطَّيْرِ عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَأَنْوَاعِهَا ، وَبِالْجُمْلَةِ : فَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ خَبِيثًا وَلَا ضَارًّا ، إلَّا أَبَاحَ لَهُمْ طَيِّبًا بِإِزَائِهِ ، أَنْفَعَ لَهُمْ مِنْهُ ، وَلَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ ، إلَّا وَأَعَانَهُمْ عَلَيْهِ ، فَوَسِعَتْهُمْ رَحْمَتُهُ ، وَوَسِعَهُمْ تَكْلِيفُهُ "

انتهى من "إعلام الموقعين" (2/ 113) .
وينظر أيضا : "أحكام أهل الذمة" (3/ 1239-1240) ، "روضة المحبين" (ص 8-9) .

والحاصل من ذلك :

أن من تطلعت نفسه إلى شيء من الخبائث أو المحرمات ، وجب له أن يمنعها عنه ، فإن في الطيبات ما يغنيها عنه ، ومن طلب أهله شيئا من ذلك ، وجب عليه أن يحيلهم على ما أباحه الله لعباده ، وليس المراد أنه كلما أظهر أهل الكفر والفسوق شيئا من الخبائث ، اجتهدنا في أن نظهر شيئا يضاهيه ، فبدلا من سيجارة النيكوتين ، نخترع لهم سيجارة "نعناع" ، وهكذا ؛ بل المراد من ذلك كله : أن لله تعالى الحجة على عباده ، وهو العليم الحكيم ؛ فما حرم عليهم شيئا ، إلا وقد أغناهم برحمته عنه ، وقطع حجتهم في طلبه
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُحِيلَهُمْ عَلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَقْضِيَ لَهُمْ فِي عِيدِ اللَّهِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَقْطَعُ اسْتِشْرَافَهُمْ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَنْ أَغْضَبَ أَهْلَهُ لِلَّهِ أَرْضَاهُ اللَّهُ وَأَرْضَاهُمْ " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/323).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 15:32
ما المقصود بمقولة "من أراد أن يستن فليستن بمن قد مات ، إذ الأحياء لا تؤمن عليهم الفتنة "

السؤال :

أرجو شرح هذه المقولة لابن مسعود رضي الله عنه وتطبيقها على واقعنا : "من أراد أن يستن فليستن بمن قد مات ، إذ الأحياء لا تؤمن عليهم الفتنة ".

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الأثر المشار إليه قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :

عن ( مَن كانَ مُسْتَنًّا ، فَلْيَسْتَنَّ بمن قد ماتَ ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ ، أولئك أصحابُ محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كانوا أفضلَ هذه الأمة : أبرَّها قلوبًا ، وأعمقَها علمًا ، وأقلَّها تكلُّفًا ، اختارهم الله لصحبة نبيِّه ، ولإقامة دِينه ، فاعرِفوا لهم فضلَهم ، واتبعُوهم على أثرهم ، وتمسَّكوا بما استَطَعْتُم من أخلاقِهم وسيَرِهم ، فإنهم كانوا على الهُدَى المستقيم ) .

والأثر رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/947ـ رقم 1810) ، وفي إسناده ضعف ، إلا أنه أثر مشهور متداول في مصنفات أهل السنة ، ومعناه صحيح مستقر عندهم .

فإن المراد به : أنه من كان سالكا طريقا إلى ربه ، فلا يسلك طريقا ابتدأه هو ، ولا يقلد في دينه من هو مثله من الأحياء ؛ لأنه الحي لا يدرى بم يختم الله به ، فيقلد في دينه رجلا ، إن كان اليوم على الهدى والسنة ، فلعله أن يختم له بغير ذلك . وإنما المأمون أن يتابع في سيره إلى ربه طريق السلف الصالح : أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين قد ماتوا ، ولم يعد يخشى عليهم من الفتنة .

قال الإمام نصر بن إبراهيم المقدسي رحمه الله

بعد ما روى هذا الأثر عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما :

" وهذا الذي ذكره ابن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم ، فقد أخبر الله تعالى عنهم بأكثر منه في غير موضع ، وأزال الشبه عنهم . وكذلك أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأمر بالرجوع إليهم ، والأخذ عنهم ، والعمل بقولهم ، مع علمه بما يكون في هذا الزمان من البدع ، واختلاف الأهواء ، ولم يأمر بأن يتمسك بغير كتاب الله ، وسنة نبيه ، وسنة أصحابه ، رضوان الله تعالى عليهم ، ونهانا عما ابتدع خارجا عن ذلك ، وعما جاوز ما كان عليه هو وأصحابه .

فواجب علينا قبول أمره فيما أمر ، وترك ما نهى عنه وزجر .

وعلى هذا الأمر كان العلماء والأئمة فيما سلف ، إلى أن حدث من البدع ما حدث "

انتهى من "الحجة على تارك المحجة" ، لنصر المقدسي (1/159) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ لِمَنْ تَدَبَّرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ: أَنَّ خَيْرَ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ - فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ فَضِيلَةٍ أَنَّ خَيْرَهَا -: الْقَرْنُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْخَلَفِ فِي كُلِّ فَضِيلَةٍ: مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَإِيمَانٍ وَعَقْلٍ وَدِينٍ وَبَيَانٍ وَعِبَادَةٍ وَأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْبَيَانِ لِكُلِّ مُشْكِلٍ. هَذَا لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مَنْ كَابَرَ الْمَعْلُومَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ؛ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .. "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/157) .

وقال الإمام الشاطبي رحمه الله :

" وَالْآثَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جَمِيعُهَا يَدُلُّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَالِاتِّبَاعِ لِطَرِيقِهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ طَرِيقُ النَّجَاةِ حَسْبَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْفِرَقِ فِي قَوْلِهِ: "مَا أَنَا عليه وأصحابي" " .

انتهى من "الاعتصام" (3/307) . وينظر : "مرقاة المفاتيح" ، للملا علي القاري (1/374) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-13, 03:18
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل يكره أن يقال : قوس قُزَح ؟

السؤال :

القوس الذي يظهر في السماء عند نزول المطر وتظهر فيه ألوان الطيف ، سمعت أنه يكره تسميته بقوس قزح ، لأن قزح هو الشيطان ، فهل هذا صحيح؟

الجواب :

الحمد لله

هذا القوس المعروف الذي يظهر عند سقوط المطر والشمس مشرقة ، فتظهر فيه ألوان الطيف نتيجة لانكسار وتحلل ضوء الشمس خلال قطرات المطر ، كره بعض العلماء أن يسمى "قوس قُزَح" .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تقولوا قوس قزح ، فإن قزح شيطان ، ولكن قولوا : قوس الله عز وجل ، فهو أمان لأهل الأرض) ولكنه حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يجوز أن ينسب إليه أو يحتج به .

انظر : "الموضوعات" لابن الجوزي (1/143-144) – "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (872) – "الفوائد المجموعة" (ص 462).

وقد ورد مثل ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

وانظر : "فيض القدير" (2/229) .

ونهى عن هذه التسمية غير واحد من أهل العلم .

وانظر : "الأذكار" للنووي (ص 368) - "مجموع الفتاوى" (35 / 183) – "زاد المعاد" (2 / 472) – "فيض القدير" (2 / 229) – "الفتاوى الحديثية" للهيتمي (ص 98) - "النهاية في غريب الأثر" (4 / 84) – "الفائق في غريب الحديث" (3 / 190)



وقد اختُلف في معنى (قُزَح) الذي تضاف إليه هذه القوس : فقيل : من القَزَح وهو الارتفاع ، وقيل : هو جمع قُزْحَة وهي الطريقة التي تتركب منها ألوان هذا القوس . وقيل : اسم الملَك الموكل بالسحاب . وقيل : اسم الشيطان ، وقيل : اسم لإله الرعد والخصب والمطر عند بعض أهل الكفر ، وقيل : اسم ملك من ملوك العجم .

وانظر : "النهاية" (4/84) – "لسان العرب" (2/563) – "القاموس المحيط" (302) .

ولم يثبت في النهي عن هذه التسمية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والقطع بأن (قُزَح) اسم لشيطان يحتاج إلى دليل يثبت ذلك .

قال الشيخ الألباني رحمه الله في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (2/264) :

‎"الظاهر أنه من الإسرائيليات التي تلقاها بعض الصحابة عن أهل الكتاب , وموقف المؤمن تجاهها معروف , وهو عدم التصديق ولا التكذيب , إلا إذا خالفت شرعا أو عقلا" انتهى .

وعلى هذا ، فمن قال "قوس قزح" وقصد بعض تلك المعاني الفاسدة التي قيلت في معناه ، فلا شك أنه يُنهى عن تلك التسمية ، وأما من أطلقها ولم يقصد شيئاً من ذلك ، وإنما قصد مجرد التسمية المعروفة عند الناس فلا حرج عليه ، ولكن الأولى ترك تلك التسمية ، من باب الاحتياط ، لا سيما وكثير من العلماء قد نصوا على كراهتها .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-13, 03:36
اتباع العلماء والأمراء

السؤال :

ما حكم اتباع العلماء أو الحكام في تحليل ما حرم الله أو العكس ؟

الجواب :

الحمد لله

" اتباع العلماء أو الحكام في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول :

أن يتابعهم في ذلك راضياً بقولهم ، مقدماً له ، ساخطاً لحكم الله ، فهو كافر ؛ لأنه كره ما أنزل الله ، وكراهة ما أنزل الله كفر ؛ لقوله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) محمد/9 ، ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر ، فكل من كره ما أنزل الله فهو كافر .

القسم الثاني :

أن يتابعهم في ذلك راضياً بحكم الله ، وعالماً بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد ، ولكن لهوى في نفسه تابعهم في ذلك ، فهذا لا يكفر ، ولكنه فاسق .

فإن قيل : لماذا لا يكفر ؟

أجيب : بأنه لم يرفض حكم الله ، ولكنه رضى به وخالفه لهوى في نفسه ، فهو كسائر أهل المعاصي .

القسم الثالث :

أن يتابعهم جاهلاً ، يظن أن ذلك حكم الله فينقسم قسمين :

الأول :

أن يمكنه معرفة الحق بنفسه فهو مفرط أو مقصر فهو آثم ، لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم .

الثاني :

أن يكون جاهلاً ولا يمكنه معرفة الحق بنفسه فيتابعهم بغرض التقليد يظن أن هذا هو الحق فلا شيء عليه ؛ لأنه فعل ما أُمر به وكان معذوراً بذلك ، ولذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أُفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه ) ، ولو قلنا بإثمه بخطأ غيره للزم من ذلك الحرج والمشقة ولم يثق الناس بأحدٍ لاحتمال خطئه "

انتهى .فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 475 ، 476) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-13, 03:39
: هل يجوز للحاكم أن يعطل بعض
الحدود في بعض الأوقات ؟

السؤال:

هل يجوز للحاكم المسلم تعطيل بعض الحدود في أوقات كما فعل عمر رضي الله عنه عندما أسقط حد السرقة عام الرمادة ؟

الجواب :

الحمد لله

" الواجب على المسلمين أن يقيموا فرائض الله في حدوده ، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو يخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر رجم الزاني المحصن قال : ( وإني أخاف إن طال بالناس زمان أن يقولوا : لا نجد الرجم في كتاب الله ؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل ) فبين أن هذا فريضة

ولا شك أنه فريضة ، لأن الله أمر به فقال : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) المائدة/38 ، وقال : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) النور/2

وقال : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا ) المائدة/33

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )

ولا يجوز أن تعطل هذه الحدود بأي حال من الأحوال ، وما روي عن عمر رضي الله عنه أنه أسقط الحد عام المجاعة فإن هذا يحتاج إلى شيئين :

الشيء الأول : صحة النقل ، فإننا نطالب من ادعى ذلك بصحة النقل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
الأمر الثاني : أن عمر رضي الله عنه إنما رفع الحد من أجل الشبهة القائمة ، فإن الناس في مجاعة

والإنسان قد يأخذ الشيء للضرورة إليه لا لتشبعٍ به ، ومعلوم أن المضطر إلى الطعام يجب على المسلمين إطعامه ؛ فخشي عمر رضي الله عنه أن يكون هذا السارق مضطراً إلى الطعام ومُنع منه ، فتحين الفرصة فسرق ، هذا هو اللائق بعمر رضي الله عنه إن صح الأثر المنسوب إليه في أنه أسقط أو رفع الحد : حد السارق عام المجاعة .

أما حكامنا اليوم فلا يوثق بدينهم ، يعني أكثرهم لا يوثق بدينه ، ولا يوثق بنصحه للأمة ، ولو فتح الباب لقال هؤلاء الحكام – وأعني بذلك بعضهم – لقالوا : إقامة الحد في هذا العصر لا يناسب ؛ لأن أعداءنا من الكفار يتهموننا بأننا همج ، وأننا وحوش ، وأننا نخالف ما يجب من مراعاة حقوق الإنسان ؛ ثم يرفع الحدود كلياً كما هو الواقع الآن في أكثر بلاد المسلمين مع الأسف ؛ حيث عطلت الحدود من أجل مراعاة أعداء الله .

ولهذا لما عطلت الحدود كثرت الجرائم وصار الناس – حتى الحكام الذين تابعوا الكفار في هذا الأمر – في حيرة ماذا يفعلون في هذه الجرائم " انتهى .

فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 483، 484) .

وبيان هذا : أن من شروط وجوب إقامة الحد على السارق : ألا يكون له شبهة في المال المسروق ، فعمر رضي الله عنه لم يقم الحد لأنه لم تتوفر فيه شروط وجوبه ، والذي يسرق في زمن المجاعة له شبهة في هذا المال ، فلم يسقط عمر رضي الله عنه الحد أو عطله بعد وجوبه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-13, 03:47
متى يكون الفعل خاصّاً بالنبي
صلى الله عليه وسلم دون أمَّته؟

السؤال

في بعض الأحيان يقول العلماء عن فعل فعَله الرسول عليه الصلاة والسلام إنه خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام ، مثل استماعه للجارية وهي تضرب على الدف ، فما الدليل والضابط في هذا الموضوع ؟ لأنه عندما نقول للمخالِف إن هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام يقول : فما الدليل إذاً ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

ينبغي أن يُعلم أن الأصل فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أنه تشريع للأمة ، ولا يجوز القول بأنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا بدليل صحيح يدل على ذلك ؛ لقوله تعالى : ( لقَدْ كاَنَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب/ 16 ، وعملاً بهذا الأصل ، كان الصحابة رضي الله عنهم يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما فعله ، ولم يكونوا يسألونه هل هذا الفعل خاص به أم لا ؟ ومما يدل على ذلك :

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : ( لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ ؟) فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا ، قَالَ : ( إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا ، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ فَلْيَنْظُرْ فِيهَا ، فَإِنْ رَأَى بِهَا خَبَثًا فَلْيُمِسَّهُ بِالْأَرْضِ ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا ) .
رواه أحمد ( 17 / 242 ، 243 ) وصححه محققو المسند .

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم غضب من بعض أصحابه لمَّا نسبوا فعلاً فعله صلى الله عليه وسلم للخصوصية .

فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا ، وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ ) ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا ! قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : ( وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّبِعُ ) .

رواه أبو داود ( 2389 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال ابن حزم رحمه الله :

"ولا يجوز أن يقال في شيء فعله عليه السلام أنه خصوص له إلا بنص في ذلك ؛ لأنه عليه السلام قد غضب على من قال ذلك ، وكل شيء أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حرام" انتهى .

" الإحكام في أصول الأحكام " ( 4 / 433 ) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

"الأصل : مشاركة أمته له في الأحكام ، إلا ما خصه الدليل ، ولذلك قالت أُمُّ سلمة رضي الله عنها : (اخرُجْ ولا تُكَلِّمْ أحدَاً حتى تَحْلِقَ رأسك وتنحر هَدْيك) ، وعلمت أن الناس سيتابعونه" انتهى .

" زاد المعاد " ( 3 / 307 ) .

وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله :

ما الذي يبيِّن أو يثبت أن هذا الشيء خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ .

فأجاب :

"الأصل : أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عام ، له ، وللأمة ، إلا ما دل الدليل على اختصاصه به صلى الله عليه وسلم ، فالخصوصية لا بد لها من دليل ؛ لقوله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب/ 21"

انتهى ." المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 5 / 369 ) .

ثانياً:

من الأحكام الخاصة به صلى الله عليه وسلم : التزوج من غير مهر ولا ولي ، والتزوج بأكثر من أربع ، ووصال الصوم لأكثر من يوم .

قال ابن حزم رحمه الله :

"فلا يحل لأحد بعد هذا أن يقول في شيء فعله عليه السلام إنه خصوص له ، إلا بنص ، مثل: النص الوارد في الواهبة بقوله تعالى : ( خالصةً لك من دون المؤمنين ) ، ومثل : وصاله عليه السلام في الصوم ، وقوله ناهياً لهم : ( إني لست كهيئتكم ) ، ومثل نومه عليه السلام وصلاته دون تجديد وضوء ، فسُئِل عليه السلام عن ذلك ، فقال : ( عيناي تنامان ، ولا ينام قلبي ) .

فما جاء فيه بيان كما ذكرنا : فهو خصوص ، وما لم يأت فيه نص كما قلنا : فلنا أن نتأسى به عليه السلام ، ولنا في ذلك الأجر الجزيل ، ولنا أن نترك غير راغبين عن ذلك ، فلا نأثم ، ولا نؤجر" انتهى .

" الإحكام في أصول الأحكام " ( 4 / 433 ) .

وأما حديث ضرب الجارية بالدف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم : فليس خاصّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وليس في الحديث ما يدل على الخصوصية .

عن بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ رضي الله عنه قال : خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي ، وَإِلاَّ فَلاَ ) فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ

فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا ، ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ ) .

رواه الترمذي ( 3690 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

وقال ابن القيم رحمه الله :

"حديث صحيح ، وله وجهان :

أحدها : أن يكون أباح لها الوفاء بالنذر المباح ؛ تطيباً لقلبها ؛ وجبراً ، وتأليفاً لها على زيادة الإيمان ، وقوته ، وفرحها بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والثاني : أن يكون هذا النذر قربة لما تضمنه من السرور والفرح بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم سالماً ، مؤيداً ، منصوراً على أعدائه ، قد أظهره الله ، وأظهر دينه ، وهذا من أفضل القُرَب ، فأُمرت بالوفاء به" انتهى .

" إعلام الموقعين عن رب العالمين " ( 4 / 320 ) .

وقال العراقي في "طرح التثريب" (6/56) :

"وقد يقترن بالضرب بالدف قصد جميل كجبر يتيمة في عرسها ، وإظهار السرور بسلامة من قد يعود نفعه على المسلمين ، ومن ذلك : ضرب هذه المرأة بالدف ، فهو مباح بلا شك" انتهى .

وقال زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (4/344) :

"وضرب الدف مباح في العرس والختان وغيرهما مما هو سبب لإظهار السرور كعيد وقدوم غائب .... وذكر حديث الجارية المتقدم" انتهى .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/93) تعقيباً على حديث الجارية : "وهذا نص في إباحة الغناء عند قدوم غائب تأكيداً للسرور" انتهى .

فأنت ترى هؤلاء العلماء أباحوا الضرب بالدف لقدوم غائب ، لا سيما إذا كان هذا الغائب كثير النفع للمسلمين .
ولكن تبقى هذه الإباحة مقيدة بالضرب بالدف فقط ، ولا تشمل غيره من الآلات الموسيقية ، ومقيدة بالأحوال التي وردت فيها فقط .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-13, 03:53
السنة النبوية الصحيحة وحي من الله

السؤال

أولا : أعتذر عن إثارة مثل هذا السؤال ، ولكي لا أترك مجالا للشك في نيتي ، أقول : إنني أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، وإنني راض تمام الرضى بالله عز وجل ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا .

أسأل عن السنة ، لأنه توجد روايات كثيرة لحديث واحد ، فمثلا نجد في صحيح البخاري حديثا ما بأسلوب مخالف لما هو عليه في صحيح مسلم ، فلماذا لا تكون السنة مثل القرآن العظيم ؟ ما الفرق بين السنة المطهرة والقرآن العظيم ؟

هل السنة النبوية الشريفة هي من الوحي الذي يتنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ، أم هي من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم ؟ هل هي من خصائص النبوة أم ماذا ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

لا بد أن يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم .

قال تعالى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ ) النجم/3-4

وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ )
رواه الترمذي (2664) وقال : حسن غريب من هذا الوجه ، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870)

وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم من ديننا الحنيف :

يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12) :

" كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " انتهى .

رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12) ، وعزاه الحافظ في الفتح (13/291) إلى البيهقي ، قال : " بسند صحيح " .

وأهمية السنة في كونها مبيِّنةً لكتاب الله وشارحةً له أوَّلًا ، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله بعض الأحكام .
يقول الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44

يقول ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/190) :

" البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين :

الأول : بيان المجمل في الكتاب العزيز ، كالصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر الأحكام .
الثاني : زيادة حكم على حكم الكتاب ، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها " انتهى .

ثانيا :

لما كانت السنة القسمَ الثانيَ من أقسام الوحي ، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها ، ليحفظَ بها الدين من التحريف أو النقص أو الضياع .

يقول ابن حزم رحمه الله "الإحكام" (1/95) :

" قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9

وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) الأنبياء/45

فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ ، والذكر محفوظ بنصِّ القرآن ، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل ، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء ، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء ، فهو منقول إلينا كله ، فلله الحجة علينا أبدا " انتهى .

ثالثا :

وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي ، لا بد من التنبه إلى أن الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط ، وهو أن القرآن كلام الله تعالى ، نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى ، بل من وحيه فقط ، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها ، بل بالمعنى والمضمون .

ومِن فَهْمِ هذا الفرق ، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون ، وليس ذات الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم ، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملا ، وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها ، ومعناها ، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله ، وليس في ألفاظها وحروفها .

ومع ذلك فإن علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة ، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة ، ونقلوا لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها ، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ ، والحق والباطل .

وما يراه السائل الكريم من تعدد الروايات للحديث الواحد لا يعني أبدا التقصير في حفظ السنة ونقلها ، وإنما اختلفت الروايات لأسباب عديدة ، إذا تبينت ظهر الجواب واضحا ، فيقال :

رابعا :

أسباب تعدد الروايات :

1- تعدد الحادثة :

يقول ابن حزم رحمه الله في "الإحكام" (1/134) :

" وليس اختلاف الروايات عيبا في الحديث إذا كان المعنى واحدا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صحَّ عنه أنه إذا كان يُحَدِّث بحديثٍ كَرَّرَه ثلاث مرات ، فينقل كل إنسان بحسب ما سمع ، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحدا " انتهى .

2- الرواية بالمعنى :

وهو أكثر ما يسبب تعدد الروايات للحديث الواحد ، فإن المهم في نقل الحديث أداء مضمونه ومحتواه ، أما ألفاظه فليست تعبديةً كالقرآن .

مثاله : حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) : فقد روي بلفظ ( العمل بالنية ) ولفظ ( إنما الأعمال بالنية ) وآخر ( الأعمال بالنية ) ، وهذا التعدد سببه الرواية بالمعنى ، فإن مخرج الحديث واحد ، وهو يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر رضي الله عنه ، والملاحظ أن المعنى الذي يفهم من هذه الجمل واحد ، فأي ضرر في تعدد الروايات حينئذ ؟!

ولكي يطمئن العلماء أكثر إلى أن الراوي نقل المعنى الصحيح للحديث ، كانوا لا يقبلون الرواية بالمعنى إلا من عالم باللغة العربية ، ثم يقارنون رواية الراوي برواية غيره من الثقات ، فيتبين لهم الخطأ في النقل إن وقع ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، ليس هذا محلها .

3- اختصار الراوي للحديث :

أي أن يكون الراوي حافظا للحديث كله ، ولكن يكتفي بذكر جزء منه في حال ، ويذكره كاملا في حال أخرى .
مثاله : روايات حديث أبي هريرة في قصة نسيان النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين من صلاة الظهر ، فكلها جاءت عن أبي هريرة ، وهي قصة واحدة ، وذلك يدل على أن اختلاف الروايات سببه اختصار بعض الرواة .

انظر صحيح البخاري (714) (715) (1229)

4- الخطأ :

فقد يقع من أحد الرواة الخطأ ، فيروي الحديث على غير وجهه الذي يرويه الآخرون ، ويمكن معرفة الخطأ بمقارنة الروايات بعضها ببعض ، وهو ما قام به أهل العلم في كتب السنة والتخريج .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الجواب الصحيح" (3/39) :

" ولكن هذه الأمة حفظ الله تعالى لها ما أنزله ، قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 ، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط ، فإن الله يقيم له من الأمة من يبيِّنُه ، ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب ، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة

إذ كانوا آخر الأمم ، فلا نبي بعد نبيهم ، ولا كتاب بعد كتابهم ، وكانت الأمم قبلهم إذا بدَّلوا وغيَّروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم ، ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي ، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر " انتهى .

والسنة ، على الوجه الذي ذكرناه أولا ، من كونها وحيا من عند الله تعالى : يبين للناس ما نُزِّل إليهم في كتاب الله تعالى ، ويعلمهم من الأحكام ما يحتاجونه في دينهم ، ولو يأت تفصيله ، أو أصله في كتاب الله تعالى ، نقول : السنة على هذا الوجه هي من خصائص النبوة ؛ فهذه الوظيفة هي من أجل وظائف النبوة

وما زال الناس يرون السنة على هذا الوجه ، بما تحمله الكتب ، أو الروايات الشفهية من اختلاف في بعض الألفاظ ، أو تعدد لسياقات الحديث ، ولم يكن في ذلك ما يدعو للتشكك في منزلتها ، أو القلق من حفظها ، أو التردد والخلاف في حجيتها وحاجة الناس إليها ، على كثرة ما اختلف الناس وتنازعوا في المسائل العلمية والعملية.

يقول العلامة الشيخ عبد الغني عبد الخالق ـ رحمه الله ـ :

" لا نجد في كتب الغزالي والآمدي والبزدوي ، وجميع من اتبع طرقهم في التأليف من الأصوليين ، تصريحا ولا تلويحا بأن في هذه المسألة خلافا ، وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم ، وتتبعوا الاختلافات ، حتى الشاذة منها ، واعتنوا بالرد عليها أشد الاعتناء"

ثم نقل عن صاحب المُسَلَّم ، وشارحه : " أن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس : من علم الكلام ، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس ، لأنهما كثر التشغيب فيهما من الحمقى ، من الخوارج والروافض ( خذلهم الله تعالى ) ، وأما حجية الكتاب والسنة : فمتفق عليها عند الأمة ، ممن يدعي التدين كافة ، فلا حاجة إلى الذكر " انتهى .

انظر : حجية السنة ( 248-249) .

*عبدالرحمن*
2018-03-13, 04:02
حكم من يرد الحديث الصحيح

السؤال

هل يكفر من يرد الحديث الصحيح ؟

حد الإخوة يرد بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في الصحيح : البخاري ومسلم وغيرها... بحجة أنها تعارض القرآن ، فما حکم من يرد الحديث الصحيح ، هل يکفر ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع ، فقد كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن ، ومصداق ذلك قول الله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم/3-4.

وقد أوجب الله تعالى على المؤمنين التسليم التام لكلام النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه وحكمه ، حتى لقد أقسم بنفسه سبحانه أن من سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم رده ولم يقبل به : أنه ليس من الإيمان في شيء ، فقال عز وجل : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65.

ولذلك وقع الاتفاق بين أهل العلم على أنَّ مَن أنكر حجية السنة بشكل عام ، أو كذَّبَ حديث النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم – فهو كافر ، لم يحقق أدنى درجات الإسلام والاستسلام لله ورسوله .

قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله :

" من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ يُقرُّ بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر" انتهى.

وقال السيوطي رحمه الله :

" اعلموا رحمكم الله أنَّ مَن أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم - قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول - حجة كفر ، وخرج عن دائرة الإسلام ، وحشر مع اليهود والنصارى أو من شاء من فرق الكفرة " انتهى.

"مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" (ص/14)

وقال العلامة ابن الوزير رحمه الله :

" التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه حديثه كفر صريح " انتهى.

"العواصم والقواصم" (2/274)

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" :

" الذي ينكر العمل بالسنة يكون كافرا ؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين " انتهى.

"المجموعة الثانية" (3/194)


ثانيا :

أما مَن رَدَّ الحديث ولم يقبله ، مُنكِرًا أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا ليس كالقسم الأول ، ونحن ندرك أن أكثر أصحاب التيار " التنويري " الجديد ، هم الذين تصدوا للحكم على السنة النبوية من خلال آرائهم وتوجهاتهم ، وهؤلاء ـ في واقع الأمر ـ لم يأتوا بجديد ، وإنما هم امتداد لأهل البدع من قبلهم ، الذين حكى أهل العمل شبهاتهم ، وتولوا الردع عليها
.
ولهؤلاء ، وأمثالهم نقول :

المنهجية العلمية تقتضي النظر في أمور مهمة قبل رد الحديث وإنكار أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الشروط هي :

الشرط الأول :

المناقضة التامة بين ما ورد في الحديث وما ورد في القرآن الكريم من نص واضح الدلالة غير منسوخ ، ونحن نؤكد هنا على قيد " المناقضة التامة "، وليس مجرد تعارض ظاهري يبدو في ذهن الناظر العجل ، ولعل أولئك الذين يخوضون في إنكار الأحاديث يوافقوننا على هذا التقييد

لأن غالب التعارض الظاهري الذي يعرض في أذهان كثير من الناس لا حقيقة له ، وإنما هو ظنٌّ قائمٌ في ذهن المعترض ، يمكن بالتأمل وتلمس أوجه اللغة والمعاني الجواب عليه ، وبيان موافقته لأصول الشريعة ومقاصدها ، ومن تأمل كتاب العلامة ابن قتيبة الدينوري ، المسمى " مختلف الحديث "

عرف قدر المجازفة التي جازفها كثيرون في إنكارهم الأحاديث بدعوى عدم موافقتها للقرآن ، أو عدم تصديق العقل بما فيها ، ثم إذا ذكر ابن قتيبة تفسير العلماء الصحيح لهذه الأحاديث تبين أن لها أوجها صحيحة موافقة للشريعة ، وأن توهم المعارضة للقرآن إنما هو ظنون فاسدة .

إننا نسأل هؤلاء وأمثالهم ممن يتجرأ على رد السنة ، والطعن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، من غير منهجية علمية ، أو أصول نقدية مقبولة ، ومن غير أن يحكموا أصول العلم الذي يتحدثون فيه :

هل ترون أن مِن الممكن أن يناقض الحديثُ القرآن الكريم مناقضة تامة بحيث يجزم الناقد بأن هذا الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ونرى مع ذلك جميع علماء الإسلام ، من لدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، متوافقين على قبول هذا الحديث وشرحه وتفسيره والاستدلال به والعمل بما جاء فيه ؟!

ألا يقضي العقل السليم – الذي يزعمون التحاكم إليه – باحترام اتفاق أهل التخصص على أمر هو في صلب تخصصهم ؟!
هل يجرؤ أحد على تخطئة علماء الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات أو علوم التربية أو الاقتصاد مثلا إذا اتفقوا وتواردوا على أمر معين

خاصة إذا لم يكن المعترض عليهم من أهل العلم بذلك التخصص ، وإنما غاية أمره أن يكون قد قرأ بعض المقالات حوله ، أو شيئا من كتب : تبسيط العلوم ، أو : العلم لكل الناس ؟!

الشرط الثاني :

وجود حلقة من حلقات الضعف الإسنادي ، التي تتحمل الخطأ الوارد في المتن :

ونظن – كذلك – أن هذا الشرط منهجي قويم ، لا ينبغي أن يخالف فيه من يفهم شيئا في أصول النقد العلمي ، وذلك أن إنكار المتن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني وجود حلقة ضعيفة في السند هي التي أوهمتنا أن هذا الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ـ فعليا ـ ليس كذلك .

يقول الإمام الشافعي رحمه الله ، وهو من هو في منازل العلم والإيمان ، وهو أول من صنف في علم أصول الفقه :
" الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذلك ثبوته "

"اختلاف الحديث ـ ضمن الأم ـ (10/107) " .

ويقول :

" لا يُستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه ، إلا بصدق المُخْبِر ، إلا في الخاص القليل من الحديث " .

"الرسالة" : فقرة (1099) .

ويقول أيضا :

" المسلمون العدولُ : عدولٌ أصحاء الأمر فى أنفسهم ... ، وقولُهم عن خبر أنفسهم ، وتسميتُهم : على الصحة والسلامة ، حتى نستدل من فعلهم بما يخالف ذلك ، فنحترسَ منهم في الموضع الذي خالف فعلُهم فيه ما يجب عليهم "
.
"الرسالة" : فـ (1029-1030) ، وانظر : الأم (8/518-519) .

وبعد أن يحكي الإمام الشافعي رحمه الله بعض الأصول العلمية في هذا الباب ، وهو أمر تعرض له كثيرا في كتبه المختلفة ، يذكر لنا أن ما قرره ، مما نلقلنا بعضه هنا ، ليس اجتهادا فرديا ، أو مذهبا شخصيا له ، وإنما هي أصول أجمع عليها أهل العلم من قبله . يقول :

" فحكيت عامة معاني ما كتبت في صدر كتابي هذا ، لعدد من المتقدمين في العلم بالكتاب والسنة ، واختلاف الناس ، والقياس ، والمعقول ، فما خالف منهم واحدٌ واحدا ، وقالوا: هذا مذهبُ أهل العلم من أصحاب رسول الله ، والتابعين ، وتابعي التابعين ، ومذهبُنا ؛ فمن فارق هذا المذهب : كان عندنا مفارقَ سبيلِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهلِ العلم بعدَهم إلى اليوم ، وكان من أهل الجهالة

وقالوا معا : لا نرى إلا إجماع أهل العلم في البلدان على تجهيل من خالف هذا السبيل ، وجاوزوا ، أو أكثرهم ، فيمن يخالف هذا السبيل ، إلى ما لا أبالي أن لا أحكيه " !!

" اختلاف الحديث" ـ الأم ـ ( 10/21) ، وانظر نحوا من ذلك في : الرسالة : فـ (1236-1249) .

إن أول ما يجب على من رد حديثا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يبحث ويفسر من هو الراوي الذي أخطأ في نقله هذا الحديث ، فإذا لم يجد المُنكِرُ سببا إسناديا مقبولا لإنكاره الحديث فذلك علامة على خطأ منهجيٍّ ، وهو علامة أيضا على ضرورة مراجعة فهم الحديث والقرآن والمقاصد الشرعية .

فكيف إذا كان الحديث واردا بأصح الأسانيد على وجه الأرض ، بل كيف لو كان الحديث قد ورد بطرق كثيرة جدا – كما هو حال أكثر الأحاديث التي يردها " التنويريون " - ، وعن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم ؟!

الشرط الثالث :

نسبة الأمر كله إلى الاجتهاد المحتمل ، ونبذ أساليب الجزم والحسم واتهام المخالف والطعن في عقول المسلمين ، وهذا فيما إذا كان هناك وجه لهذا الاحتمال ، وكان من يتكلم في هذا مؤهلا ـ بأدوات البحث اللازمة ـ لإدراك ذلك والبحث فيه . فقد يبدو لأحد العلماء ضعف حديث معين لعلة معينة ، ولكنه لا يستعمل لغة الاتهام لكل من قبل الحديث .

فمن خالف هذه الشروط الثلاثة ، وأصر على إنكار الحديث وتكذيبه ، فهذا على خطر عظيم ، إذ لا يجوز للمسلم أن يتأول متهجما من غير شروط ولا ضوابط ، وإلا أثم ووقع في الحرج .

يقول الإمام أحمد رحمه الله :

" من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة " انتهى.

ويقول الحسن بن علي البربهاري :

" وإذا سمعت الرجل يطعن على الأثر ، أو يرد الآثار ، أو يريد غير الآثار : فاتّهمه على الإسلام ، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع .

وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن ، فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة ، فقمْ من عنده وودّعه " انتهى.

"شرح السنة" (113-119) باختصار.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" إن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه ، فإنه يجب الإيمان به ، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف ؛ لأنه الصادق المصدوق . فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به ، وإن لم يفهم معناه " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (3/41)

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 03:36
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

مصادر التشريع الإسلامي

السؤال

ما هي مصادر التشريع الإسلامي ؟

الجواب

الحمد لله

مصادر الدين الأصلية التي ترجع إليها جميع العقائد والمقاصد والأحكام تتمثل في الوحيين : الكتاب والسنة . وذلك مقتضى ربانية الدين الإسلامي ، أن أركانه مبنية على نصوص معصومة منزلة من السماء ، تتمثل في آيات القرآن الكريم ، ونصوص السنة النبوية الصحيحة .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

" ولا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما سواهما تبع لهما " انتهى.

"جماع العلم" (11) .

ثم استنبط العلماء من هذين المصدرين أصولا أخرى يمكن بناء الأحكام عليها ، أطلق عليها بعض العلماء - تجوزا - اسم " مصادر الشريعة " أو " مصادر التشريع الإسلامي" ، وهي : الإجماع والقياس .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

" وليس لأحد أبداً أن يقول في شيء : حَلَّ ولا حَرُم إلا من جهة العلم ، وجهة العلم : الخبر في الكتاب أو السنة ، أو الإجماع ، أو القياس " انتهى .

"الرسالة" (39) .

وقال ابن تيمية رحمه الله :

"إذا قلنا الكتاب والسنة والإجماع ، فمدلول الثلاثة واحد ، فإن كل ما في الكتاب فالرسول موافق له ، والأمة مجمعة عليه من حيث الجملة ، فليس في المؤمنين إلا من يوجب اتباع الكتاب ، وكذلك كل ما سنَّه الرسول صلى الله عليه وسلم فالقرآن يأمر باتباعه فيه ، والمؤمنون مجمعون على ذلك ، وكذلك كل ما أجمع عليه المسلمون ، فإنه لا يكون إلا حقا موافقا لما في الكتاب والسنة" انتهى .

"مجموع الفتاوى" (7/40).

وقال الدكتور عبد الكريم زيدان :

"المقصود بمصادر الفقه : أدلته التي يستند إليها ويقوم عليها ، وإن شئت قلت : المنابع التي يستقي منها ، ويسمي البعض هذه المصادر بـ " مصادر الشريعة " أو " مصادر التشريع الإسلامي "، ومهما كانت التسمية فإن مصادر الفقه ترجع كلها إلى وحي الله ، قرآناً كان الوحي أو سنة ، ولهذا فإننا نرجح تقسيم هذه المصادر إلى : مصادر أصلية ، وهي : الكتاب والسنة . ومصادر تبعية أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة ، كالإجماع والقياس " انتهى .

"المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية" (ص/153) .

أما غير هذه المصادر الأربعة : كقول الصحابي ، والاستحسان ، وسد الذرائع ، والاستصحاب ، والعرف ، وشرع من قبلنا ، والمصالح المرسلة ، وغيرها ، فقد اختلف العلماء في حجيتها وصحة الاستدلال بها ، وعلى القول بحجيتها – كلها أو بعضها – فهي تابعة للكتاب والسنة وراجعة إليهما .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 03:42
حكم تقليد الكفار ومعنى
" ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن "

السؤال

ما حكم الإسلام في مسألة تقليد الكفار في عاداتهم وتصرفاتهم ؟ وما ضوابط ذلك في الشريعة الإسلامية ؟

وهل كل تقليد لعمل من أعمال الكفار يعد تقليدا محرماً - علماً بأن هناك كثيرا من أعمال الكفار لا حرمة ولا ذم للشرع فيها ، ولا يقصد فاعلها مجرد التقليد للكفار ، وإنما وجدها حسنة ، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه : " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن " - ؟ .

أفيدونا أكرمكم الله ، مع تركيزي على أن تفصلوا لي في الإجابة ، وذكر الضوابط لهذه المسألة.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

ليس المسلمون بحاجة لتقليد أحدٍ من الأمم في شعائر الدين والعبادات ، فقد أكمل الله تعالى دينه ، وأتمَّ نعمته ، ورضي لنا الإسلام ديناً ، قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً ) المائدة/3

وقد نهى الشرعُ المسلمين عن تقليد الكفار وبخاصة اليهود والنصارى ، وهذا النهي ليس عامّاً في كل أمورهم ، بل هو فيما كان من أمور دينهم وشعائرهم وخصائصهم التي يتميزون بها .

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ اليَهُودَ والنَّصَارَى ؟ قَالَ : فَمَنْ ؟ ) رواه البخاري ( 1397 ) ومسلم ( 4822 ) .

ففي هذا الحديث نهيٌ عن تقليد اليهود والنصارى ، وذم من اتبعهم وسلك مسلكهم ، وقد أكد الشرع هذا النهي ؛ وذلك بوصف من يتشبه بالكفار بأنه منهم .

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبّه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود ( 3512 ) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 2691 )

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :

وهذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم . " اقتضاء الصراط المستقيم " ( 237 ) .

والمقلِّد للكفار يشعر بعقدة النقص ، ويتحلى بالانهزامية والتردي ، لذا يسارع إلى سد نقصه بتقليد من يعظمه ، ولو وقف هؤلاء على عظمة تشريعات الإسلام ، وعرفوا فساد تلك الحضارة التي يركضون خلفها لعلموا أنهم على خطأ ، وأنهم تركوا ما هو كمال وحق إلى ما هو نقص وفساد .

ثانياً :

وأوجه تقليدهم التي نهينا عنها كثيرة :

قال الشيخ صالح الفوزان :

ومن الأمور التي يجري تقليد الكفار فيها : تقليدهم في أمور العبادات، كتقليدهم في الأمور الشركية من البناء على القبور، وتشييد المشاهد عليها والغلو فيها. وقد قال صلى الله عليه وسلم " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " - البخاري ( 425 ) ، ومسلم ( 531 ) - ، وأخبر أنهم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه الصور ، وأنهم شرار الخلق - البخاري ( 417 ) ، ومسلم ( 528 ) - ، وقد وقع في هذه الأيام من الشرك الأكبر بسبب الغلو في القبور ما هو معلوم لدى الخاص والعام ؛ وسبب ذلك : تقليد اليهود والنصارى .

ومن ذلك : تقليدهم في الأعياد الشركية والبدعية كأعياد الموالد - كمولد الرسول صلى الله عليه وسلم - وأعياد موالد الرؤساء والملوك. وقد تسمى هذه الأعياد البدعية أو الشركية بالأيام أو الأسابيع – كاليوم الوطني للبلاد ، ويوم الأم وأسبوع النظافة – وغير ذلك من الأعياد اليومية والأسبوعية، وكلها وافدة على المسلمين من الكفار؛ وإلا فليس في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى. وما عداهما فهو بدعة وتقليد للكفار .

من خطبة " الحث على مخالفة الكفار "

وقد سبق النهي عن التشبه بالكفار في لباسهم الخاص بهم ، وفي ما اختصوا به من العادات كمشابهتهم في حلق اللحية .

ثالثاً :

وتحريم التشبه بالكفار إنما هو في عباداتهم وعاداتهم الخاصة بهم التي يتميزون بها ، دون ما يصنعونه ويخترعونه مما يمكن أن يُستفاد منه ، فلا حرج على المسلمين من مشاركتهم في هذا ، بل ينبغي للمسلمين أن يكونوا السباقين إليه والمبدعين فيه .

قال الشيخ ابن عثيمين :

وإذا قيل " تَشَبُّهٌ بالكفار " فلا يعني ذلك أن لا نستعمل شيئاً من صنائعهم : فإن ذلك لا يقوله أحد ، وقد كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده يلبسون ما يصنعه الكفار من اللباس ، ويستعملون ما يصنعونه من الأواني .

والتشبه بالكفار : هو التشبه بلباسهم ، وحلاهم ، وعاداتهم الخاصة ، وليس معناه أن لا نركب ما يركبون ، أو لا نلبس ما يلبسون ، لكن إذا كانوا يركبون على صفة معينة خاصة بهم فلا نركب على هذه الصفة ، وإذا كانوا يفصلون الثياب على صفة معينة خاصة بهم فلا نفصل على هذا التفصيل ، وإن كنا نركب مثل السيارة التي يركبونها ، ونفصل من نوع النسيج الذي يفصلون منه .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / السؤال 177 ) .

وقال :

مقياس التشبه أن يفعل المتشبِّه ما يختص به المتشبَّه به ، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم ، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً ، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى ، وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / السؤال 198 ) .

رابعاً :

في حضارة غير المسلمين النافع والضار ، فلا نترك النافع منها ونأخذ الضار ، وقد لخَّص هذا الموقف الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – فقال :

إن الموقف من الحضارة الغربية ينحصر في أربعة أقسام لا خامس لها :

الأول : ترك الحضارة نافعها وضارها .

الثاني : أخذها كلها ضارها ونافعها .

الثالث : أخذ ضارها دون نافعها .

الرابع : أخذ نافعها وترك ضارها .

فنجد الثلاثة الأولى باطلة بلا شك ، وواحداً فيها صحيحاً بلا شك وهو الأخير .

" أضواء البيان " ( 4 / 382 ) .

خامساً :

وأما قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن " ، فليس المراد منه التحسين العقلي المخالف للشرع ، فقد قال الإمام الشافعي - رحمه الله - : " من استحسن فقد شرع " ، وليس المراد منه التحسين الذي يراه واحد من الناس دون عامتهم ، ، بل هذا الكلام يمكن حمله على أحد معنين ، كلاهما صحيح :

1- أن المراد بذلك العمل بالعرف الذي لا يخالف الشرع .

2- أن المراد بذلك حجية الإجماع ، فإذا أجمع المسلمون على استحسان شيء فهذا الإجماع حجة ، فيكون هذا الشيء حسناً في حكم الله تعالى ، وهذا قد يدل عليه قوله : " ما رآه المسلمون حسناً "

انظر المبسوط للسرخسي (12/138) ، الفروسية لابن القيم (ص298)

هذا إذا اعتبرنا كلام ابن مسعود رضي الله عنه عاماً في جميع المسلمين ، مع أنه قد يظهر من سياق كلامه أنه يعني بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهم . ونص كلامه : ( إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ ) رواه أحمد ( 3418 ) وحسّنه الشيخ الألباني في " تخريج الطحاوية " ( 530 ) .

وعلى أي حال لا يصح الاستدلال بكلام ابن مسعود رضي الله عنه على استحسان ما حرمه الشرع كالتشبه بالمشركين .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 03:45
هل الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة

السؤال

هل هناك ذكر لمساواة المرأة بالرجل في القرآن الكريم ؟.

الحمد لله

أولا :

مصطلح - المساواة – الذي ينادي به كثير من المفكرين في الشرق والغرب في مجالات الحياة المتعددة مصطلح يقوم على اعوجاج وقلة إدراك لا سيما إن تحدث المتحدث ونسب المساواة للقرآن الكريم أو للدين الحنيف .

ومما يخطئ الناس في فهمه قولهم : الإسلام دين المساواة ، والصحيح أن يقولوا : الإسلام دين العدل .

قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى - :

وهنا يجب أن نعرف أن من الناس من يستعمل بدل العدل المساواة وهذا خطأ ، لا يقال : مساواة ؛ لأن المساواة تقتضي عدم التفريق بينهما ، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون : أي فرق بين الذكر والأنثى ؟ سووا بين الذكور والإناث ، حتى إن الشيوعية قالت : أي فرق بين الحاكم والمحكوم ؟ لا يمكن أن يكون لأحد سلطة على أحد حتى بين الوالد والولد ليس للوالد سلطة على الولد ، وهلمَّ جرّاً .

لكن إذا قلنا بالعدل وهو إعطاء كل أحدٍ ما يستحقه : زال هذا المحذور ، وصارت العبارة سليمة ، ولهذا لم يأت في القران أبداً : " إن الله يأمر بالتسوية " لكن جاء : { إن الله يأمر بالعدل } النحل/90 ، { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } النساء/58 ، وكذب على الإسلام مَن قال : إن دين الإسلام دين المساواة ، بل دين الإسلام دين العدل وهو الجمع بين المتساوين والتفريق بين المفترقين .

أما أنه دين مساواة فهذه لا يقولها مَن يعرف دين الإسلام ، بل الذي يدلك على بطلان هذه القاعدة أن أكثر ما جاء في القرآن هو نفي المساواة : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } الزمر/9 ، { قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور } الرعد/16 ، { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا } الحديد/10 ، { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } النساء/95 ، ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً إنما يأمر بالعدل

وكلمة العدل أيضا تجدونها مقبولة لدى النفوس فأنا أشعر أن لي فضلاً على هذا الرجل بالعلم ، أو بالمال ، أو بالورع ، أو ببذل المعروف ، ثم لا أرضى بأن يكون مساوياً لي أبداً . كل إنسان يعرف أن فيه غضاضة إذا قلنا بمساواة ذكر بأنثى . "

شرح العقيدة الواسطية " ( 1 / 180-181 ) .

وعليه : فالإسلام لم يساو بين الرجل والمرأة في الأمور التي لو ساوى بينهما لظلم أحدهما ؛ لأن المساواة في غير مكانها ظلم .

فالقرآن أمر المرأة أن تلبس غير الذي أمر به الرجل ، للفارق في فتنة كل من الجنسين بالآخر فالفتنة بالرجل أقل من الفتنة بالمرأة فكان لباسها غير لباسه ، إذ ليس من الحكمة أن يأمر المرأة أن تكشف من بدنها ما يكشف الرجل لاختلاف الفتنة في بدنها وبدنه – كما سنبينه - .

ثانياً :

هناك أمورٌ تختلف فيها المرأة عن الرجل في الشريعة الإسلامية ومنها :

1- القوامة :

قال الله تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } النساء/34 .

قال ابن كثير – رحمه الله تعالى - :

يقول تعالى { الرجال قوامون على النساء } أي : الرجل قيِّم على المرأة ، أي : هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت .

{ بما فضل الله بعضهم على بعض } أي : لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك المُلك الأعظم ، لقوله صلى الله عليه وسلم " لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ، وكذا منصب القضاء ، وغير ذلك .

{ وبما أنفقوا من أموالهم } أي : من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيِّماً عليها كما قال الله تعالى { وللرجال عليهن درجة } الآية .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { الرجال قوامون على النساء } يعنى أمراء عليهن أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. .

" تفسير ابن كثير " ( 1 / 490 ) .

2- الشهادة : إذ جعل القرءان شهادة الرجل بشهادة امرأتين .

قال الله تعالى :{ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } البقرة/282 .

قال ابن كثير :

وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما قال مسلم في صحيحه ….عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " يا معشر النساء تصدقن ، وأكثِرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار ، فقالت امرأة منهن جزلة : وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال : تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ، قالت يا رسول الله : ما نقصان العقل والدين ؟ قال : أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين " .

" تفسير ابن كثير " ( 1 / 336 ) .

وقد يوجد بعض النساء أعقل من بعض الرجال ولكن ليس هذا هو الأصل ولا الأكثر والشريعة مبناها على الأعم الأغلب .

وليس نقص عقل المرأة يعني أنها مجنونة ولكن تغلب عاطفتها عقلها في كثير من الأحيان ، وتحدث لها هذه الحالة أكثر مما يحدث عند الرجل ولا يُنكر هذا إلا مكابر .

3- المرأة ترث نصف الرجل :

قال الله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } النساء/11 .

قال القرطبي :

ولأن الله تعالى أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم .

" تفسير القرطبي " ( 5 / 164 ) .

ومن ذلك أن الرجل عليه نفقات أكثر مما على المرأة فيناسب أن يكون له من الميراث أكثر مما للمرأة .

4- اللباس :

فعورة المرأة تكون في بدنها كله وأقل ما قيل في عورتها أنها لا تكشف إلا الكفين والوجه . وقيل لا تكشف شيئا من ذلك .

قال تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيماً } الأحزاب/59 .

والرجل عورته من السرة إلى الركبة

قيل لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت منه ولا تحدثنا عن غيره وإن كان ثقة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما بين السرة إلى الركبة عورة " .

رواه الحاكم في المستدرك ( 6418 ) . وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 5583 ) .

والأمثلة على سبيل التوضيح لا الحصر ,

وهناك فوارق أخرى بين الجنسين منها :

أن الرجل يتزوج أربع نسوة ، والمرأة ليس لها إلا زوج واحد .

ومن ذلك : أن الرجل يملك الطلاق ويصح منه ، ولا يصح منها الطلاق ولا تملكه .

ومن ذلك : أن الرجل يتزوج من الكتابية ، والمرأة المسلمة لا تتزوج إلا مسلماً .

ومن ذلك : أن الرجل يسافر بلا زوجة أو أحد من محارمه ، ، والمرأة لا تسافر إلا مع محرم .

ومن ذلك : أن الصلاة في المسجد حتم على الرجال ، دون النساء ، وصلاة المرأة في بيتها أحب إلى الله .

وهي تلبس الحرير والذهب ، ولا يلبسه الرجل .

وكل ما ذُكر قائمٌ على اختلاف الرجل عن المرأة ؛ لأن الذكر ليس كالأنثى ، فقد قال الله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } آل عمران/36 ، فالذكر يفارق الأنثى في أمور كثيرة في قوته ، وفي بدنه ، وصلابته ، وخشونته ، والمرأة ناعمة لينة رقيقة .

ويختلف عنها في العقل إذ عُرف الرجل بقوة إدراكه وذاكرته بالنسبة إليها ، وهي أضعف منه ذاكرة وتنسى أكثر منه ، ويوجد بعض النساء أذكى من بعض الرجال وأقوى منهم ذاكرة ولكن هذا لا يُلغي الأصل والأكثر كما تقدم .

ومن ذلك أن الجهاد على الرجال ، والنساء ليس عليهن جهاد القتال ، وهذا من رحمة الله بهن ومن المراعاة لحالهن .

فحتم أن نقول : وليست أحكام الرجل كأحكام الأنثى .

ثالثاً :

سوّى الشرع بين المرأة والرجل في كثير من العبادات والمعاملات : فمن ذلك أنها تتوضأ كوضوء الرجل ، وتغتسل كغسله ، وتصلي كصلاته ، وتصوم كصيامه إلا أن تكون في حال حيض أو نفاس ، وتزكي كما أنه يزكي ، وتحج كحجه – وتخالفه في يسير من الأحكام - ويجوز البيع منها ويقبل ، وكذا لو تصدقت جاز منها ، ويجوز لها أن تعتق من عبيدها ما ملكت يمينها ، وغير ذلك كثير لأن النساء شقائق الرجال كما في الحديث :

عن عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما، قال: يغتسل ، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً ، قال: لا غسل عليه ، قالت أم سلمة : يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل ؟ قال : نعم ، إن النساء شقائق الرجال .

رواه الترمذي ( 113 ) وأحمد (25663) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " ( 98 ) .

فالخلاصة :

أن المرأة تماثل الرجل في أمور وتفارقه في أخرى وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق على الرجال والنساء سواء ، وما جاء من التفريق بين الجنسين ينظر إليه المسلم على أنه من رحمة الله وعلمه بخلقه ، وينظر إليه الكافر المكابر على أنه ظلم ، ويركب رأسه ليزعم المساواة بين الجنسين فليخبرنا كيف يحمل الرجل جنيناً ويرضعه ويركب رأسه وهو يرى ضعف المرأة وما ينزل عليها من الدم حال الدورة الشهرية ، وهكذا يظل راكباً رأسه حتى يتحطم على صخرة الواقع ، ويظلّ المسلم مطمئناً بالإيمان مستسلماً لأمر الله ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) الملك/14

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 03:48
الحكمة من التوجه للكعبة

السؤال

أرجو أن تتمكن من مساعدتي ، لقد أسلمت منذ عامين ، وعائلتي تجد أنه من الصعب عليها أن تقبل بالعبادات التي أمارسها ، وقد أثرت مشكلة مؤخراً بسبب الصلاة ، وأصررت على تأديتها ، وقد قبلتْ عائلتي أن أصلِّي ، والحمد لله ، بعد أن شاهد أفرادها أني أصبحت منزعجة وأصبت بالأرق لأني أعيش في بيت لا يُسمح أفراده لي بتأدية أركان الإسلام الأساسية ، وهم - ولله الحمد - يسألونني أسئلة ، منها :

" لماذا نتوجه – نحن المسلمين - إلى الكعبة ، إن كنا لا نعبدها ، حيث أننا نسجد في اتجاهها ؟

" ، وقد حاولت أن أشرح لهم أننا نسجد لله وليس للكعبة ، وأن الكعبة هي لأسباب التوحد ، ولأن ( الحرم ) هو أول بيت لله .

وسأكون مقدرة إذا ساعدتني في شرح المسألة بشكل مفصَّل ، حتى أحيط بها أنا شخصيّاً ، وأشرح ذلك لأفراد عائلتي ولغيرهم من الكفار ، كما أرجو منك أن تدعو بأن يهديهم الله الصراط المستقيم .

الجواب

الحمد لله

وبعد : فالحمد لله الذي هدانا للإسلام ، ونسأله أن يثبتنا عليه حتى نلقاه إنه سميع مجيب ، والحمد لله الذي وفقك أيتها الأخت المسلمة على الحرص على صلاتك ، وإظهار شعائر دينك ، ونسأل الله أن يهدي أهلك ويقر عينك بإسلامهم ..آمين

أما بالنسبة لتوجهنا ـ نحن المسلمين للكعبة ـ ؛ فاعلمي وفقك الله لهداه : أن هذا الكون ليس فيه إلا خالق ومخلوق ، وعابد ومعبود ، فالخالق والمعبود بحقٍّ هو الله وحده ، وما سواه فهو مخلوق عابدٌ إما طوعاً واختياراً - وهو حال أهل الإيمان - أو قهراً وهو حال أهل الكفر والعصيان ، وعبوديتهم لله هي خضوعهم لتصرفه بهم ، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ، فالله هو الذي أحياهم ومتى شاء أماتهم ، وإن شاء الله أمرضهم ، وإن شاء شفاهم ، ويُغنيهم سبحانه متى شاء ، ويفقرهم متى شاء ، فسبحانه وبحمده لا رب سواه ولا معبود إلا إيَّاه .

أما عباده المؤمنون فهم مختَبرون ممتحنون في هذه الدنيا القصيرة الفانية ، فإن نجحوا وأفلحوا في إثبات عبوديتهم لربهم وإظهار أعلى درجات الخضوع له سبحانه : عوَّضهم عن ذلك ـ بكرمه وفضله ـ جنات عظيمة ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

ومن أنواع هذه الامتحانات : أن يأمرهم بأشياء لا تستطيع عقولهم معرفة الحكمة منها إلا التسليم والطاعة وهذا ليتبين الصادق في دعوى الإيمان من الكاذب ، فهو سبحانه خالق العقل ، وهو الذي أمر بالأمر، فمن استجاب وخضع وقال : سمعت وأطعت وإن لم أفهم الحكمة والعلة ؛ لأني مقر ببشريتي وضعفي وعبوديتي لله ؛ والله سبحانه لا يُسأل عما يفعل : فهو المؤمن الذي يرجى له الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة .

وهذا هو حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري ( 1597 ) ومسلم ( 1270 ) في " صحيحيهما " عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال عن الحجر الأسود وهو يقبِّله : " والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبّلتك " ، فنحن المسلمين حين نصلِّي لجهة الكعبة نصلي إليها لأن الله أمرنا بذلك ، ولو أمرنا بالصلاة إلى غيرها لفعلْنا ولا بد ، وهكذا في كثير من العبادات فنصلي الظهر أربعاً والمغرب ثلاثاً والفجر ركعتين ؛ لأن الله أمرنا بذلك ، ونحن نطوف بالبيت سبعاً ، ونرمي الجمار سبعاً ولا يجوز لنا أن نزيد على ذلك بحال ، كل هذا لأن الله أمرنا بذلك .

وهكذا فمن كان يستشعر هذه المعاني وهو يؤدِّي مثل هذه العبادات فستزداد عبوديته لله ولا بد ، وهذا يزيده إيماناً وقرباً من ربِّه فيجد في قلبه لذةً عظيمةً وسعادةً غامرةً وراحةً بالغةً تجعله يشتاق إلى العبادة ويحبُّها ؛ لأنه يستشعر حين يؤدِّي العبادة أنَّه يؤدِّيها لله ولولا الله ما أداها ، فتصبح كلُّ عبادةٍ تقربه من ربه وتزيد في إيمانه حتى يلقى الله فيكرمه بما يُكرم به عباده الصالحين .

وأما مَن عاند واستكبر وقال لا أفعل حتى أفهم : فهذا فيه شبه من إبليس حين اعترض على الله فقال كما حكى الله عنه في القرآن { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } الإسراء/61 ، وهذا يكفي في بيان خطورة معاندة الشرع بالعقل ، بل إنَّ الله سبحانه جعل مِن أخصِّ صفات المؤمنين المتقين الإيمان بالغيب ، فقال سبحانه { ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } البقرة /2 ، 3 ، فجعل أول صفةٍ تميِّز المؤمنين عن غيرهم أنهم يؤمنون بما يغيب عن إدراكهم سواء كان هذا الإدراك بالحس أو بالعقل .

ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن صلاتنا تجاه الكعبة لا علاقة لها ببناء الكعبة ، إنما بمكانها ، وعليه : فلو فُرضَ هدمُها فإن الصلاة باقية لاتجاهها لا لبنائها .

ولذلك نجد المسلمين يصلون الآن في الطابق الثاني وفي السطح في حرم الله إلى جهة الكعبة ولو لم يكن البنيان أمامهم في المستوى وهكذا يفعل الملايين من المسلمين في العالم يصلُّون لاتجاه الكعبة وهم لا يرونها وهنا يتبين فارقٌ كبيرٌ بين تشريع الإسلام وبين فِعل المشركين الذين تزول عباداتهم لأصنامهم وأحجارهم وأشجارهم بزوالها ، فالمشرك إذا لم يَر معبوده وصنمه لم يتوجه إليه .

نسأل الله أن يرزقنا الإيمان الصادق ، وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه .. آمين.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 03:51
: تطبيق قانون غير مذكور في القرآن والسنة

السؤال

هل كل قانون ليس مذكوراً في القرآن والسنة يكون تطبيقه كفر ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ الشنقيطي :

اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السموات والأرض وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك ، وإيضاح ذلك أن النظام قسمان : إداري وشرعي ، أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع : فهذا لا مانع منه ولا مخالف فيه من الصحابة فمَن بعدهم ، وقد عمل عمر – رضي الله عنه

من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ككتابته أسماء الجند في ديوان من أجل الضبط ومعرفة من غاب ومن حضر كما قدمنا إيضاح المقصود منه في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على العاقلة التي تحمل دية الخطأ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك ولم يعلم بتخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك إلا بعد أن وصل تبوك صلى الله عليه وآله وسلم وكشرائه –

أعني عمر رضي الله عنه – دار صفوان بن أمية وجعله إياها سجناً في مكة المكرمة مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخذ سجناًلا هو ولا أبو بكر ، فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تفعل لإتقان الأمور ، كتنظيم شؤون الموظفين وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع ، فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس به ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة .

وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف وأنهما يلزم استوائهما في الميراث وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم وأن الطلاق ظلم للمرأة وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ونحو ذلك .

فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم : كفرٌ بخالق السموات والأرض ، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه مَن خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرِّع آخر علوّاً كبيراً ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/21

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ) يونس/59 ، وقد قدمنا جملة وافية من هذا النوع في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم … ) الآية .

" أضواء البيان " ( 4 / 93 ) .

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 03:54
لا يوجد في الإسلام علوم شرعية سرية خاصة بالأولياء

السؤال

ما هو حكم من يدعي أن أحكام القرآن للأنبياء والعامة وأن العلم اللدني الباطني الذي تلقاه الأولياء هو للخاصة من الأولياء ؟.

الجواب

الحمد لله

قال الشنقيطي :

قال القرطبي – رحمه الله في تفسيره – ما نصه : "

قال شيخنا أبو العباس : ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم هذه الأحكام الشرعية فقالوا هذه الأحكام الشرعية العامَّة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم وقالوا وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون أحكام الجزيئات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم عما كان عند موسى من تلك الفهم وقد جاء فيما ينقلون " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " .

قال شيخنا رضي الله عنه : وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب لأنه إنكار ما علم من الشرائع فإن الله تعالى قد أجرى سنته وأنفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه المبينون شرائعه وأحكامه اختارهم لذلك وخصهم بما هنالك

كما قال تعالى : ( الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير ) ، وقال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) الأنعام/124 وقال تعالى : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ) البقرة/ 213 إلى غير ذلك من الآيات ، وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي واليقين الضروري واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل فمن قال :

إن هناك طريقا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل بحيث يستغنى عن الرسل فهو كافر يقتل ولا يستتاب ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله فلا نبي بعده ولا رسول .

وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه وأن ما يقع فيه حكم الله تعالى وأنه يعمل بمقتضاه وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة فإن هذا نحو ما قاله عليه الصلاة والسلام : " إن روح القدس نفث في روعي . " الحديث ، انتهى من تفسير القرطبي .

وما ذكره في كلام شيخه المذكور من أن الزنديق لا يستتاب هو مذهب مالك ومن وافقه وقد بينا أقوال العلماء في ذلك وأدلتهم وما يرجحه الدليل في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " في سورة " آل عمران " .

" أضواء البيان " ( 4 / 174 ، 175 ) .

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 03:56
السؤال

كيف تطور علم الفقه ؟.

الجواب

الحمد لله

كان المسلمون يتلقون الأحكام الشرعية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم منه مباشرة ، وكان القرآن ينزل مرشدا وموجها ومفتيا كما قال تعالى : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة …) ، وموضحا لما أشكل على النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ، كما في قصة المرأة التي استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في ظهار زوجها لها فنزل بسبب ذلك صدر سورة المجادلة وهكذا.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث من أصحابه من يعلم المسلمين الجدد أحكام عباداتهم ويفتيهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفسح لهم المجال للاجتهاد في فهم النصوص الشرعية ؛ فربما أقرهم وربما صوَّبَهُم . وكان يفتي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عدد من الصحابة ذكر بعض أهل العلم أنهم 14 نفساً ، والحق أنهم أكثر من ذلك . فكان النبي صلى الله عليه السلام أمام الناس ومعلمهم ، وكان اللسان العربي إذ ذاك مستقيما فلم يكن في ذلك العهد المبارك اختلافات متباينة ، وبالتالي كان موت النبي صلى الله عليه وسلم يُعَدُّ خسارةً كبيرة للأمة بفقدها لقائدها وموجهها والقدوة الكاملة لها .

فعَنْ أَنَس ابن مالك قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ فَقَالا لَهَا مَا يُبْكِيكِ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا أَبْكِي أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ السَّمَاءِ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا." رواه مسلم (2454) . لكنه صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد اكتمل الدين .

ومن خصائص هذا الدين - الذي اكتمل بنيانه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم - أنه يحوي الخصائص التي تؤهله للبقاء والاستمرار مدى الدهر.

وبالتالي فقد بقي الدين والفقه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم ، فاقتدى الناس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بهديه وهدي الخلفاء الراشدين من بعده ، وكان أبو بكر -رضي الله عنه - يقضي بينهم ويفتيهم بما وجده في القرآن والحديث ،" فإن أعياه خرج فسأل المسلمين فقال : أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء ؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله فيه قضاء . فيقول أبوبكر : الحمدلله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا . فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به "

وهكذا فعل عمر رضي الله عنه من بعده .

ثم إن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا في الأمصار معلمين ومجاهدين بعد أن اتسعت رقعة البلاد الإسلامية ، وكان كل منهم يفتي بما بلغه من القرآن أو السنة أو بعملٍ رأى أبابكر أو عمر يفعلانه أو بما أداه إليه اجتهاده. والمفتون من الصحابة أكثر من المائة ، المكثرون منهم -كما يقول ابن القيم - سبعة ، وهم : عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبدالله بن مسعود ، وعائشة أم المؤمنين ، وزيد بن ثابت ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم جميعا .

وكان عمر رضي الله عنه ، وابنه ، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم بالمدينة ، وتخرج بهم عدة تلاميذ من أمثال : سالم بن عبد الله بن عمر ، ونافع وغيرهما وانتهى علمهم إلى الفقهاء السبعة ثم إلى الإمام مالك بن أنس الأصبحي.

وكان ابن مسعود ثم علي رضي الله عنهما بالكوفة وقد استفاد منهما عدة من التابعين ، أمثال : علقمة والأسود ومسروق وشريح القاضي و صلة بن زفر وأمم غيرهم حتى انتهى ذلك إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت.

وقد انتشر الفقه والعلم في الأمة عن أصحاب ابن مسعود ، وأصحاب زيد بن ثابت ، وأصحاب عبدالله بن عمر ، وأصحاب عبدالله بن عباس . وكان ذلك في الكوفة والمدينة ومكة على التوالي.وكان هؤلاء التابعون يُسْتَفْتَون وأكابر الصحابة حاضرون يُجَوِّزُون لهم ذلك .

فمثلا كان ابن عمر يقول عن سعيد ابن المسيب : إنه أحد المفتين أو المقتدى بهم .

وقال فيه : لو رآه النبي صلى الله عليه وسلم لَسُرَّ بِه.

ثم عن طريق هؤلاء انتشر العلم في الآفاق ، ثم دُوِّنت الأحاديث وكثر طلابها المشتغلون بحفظها وكتابتها وانتشر العلم في الأرض وكان الغالب على الناس الدين والورع ، وكان هذا يمنع من أن يتكلم أحدهم بغير علم أو أن ينصب نفسه لذلك وهو ليس له بأهل ، ثم كثر الخلاف ودخل في العلم من لو أمسك عنه لكان خيرا له فكان من حكمة الله تعالى أن يُضْبَطَ الدِّين ويُحْفَظ بأئمة مجمع على إمامتهم ودرايتهم وبلوغهم الغاية القصوى في مرتبة العلم بالأحكام والفتوى ، وأظهر الله ذكرهم ، ونشر في العالمين فضلهم ، وانثال عليهم الطلاب متعلمين متفهمين ودونت آراؤهم وكانت المذاهب الإسلامية السنية المتبعة للحق من الكتاب والسنة والنابذة للابتداع في الدين ، بحسب ما نقله التلاميذ من الأئمة الكبار ، فصارت مسائلُ وأحوالُ كلِ إمامٍ مذهباً متبعا .

والمشهور من هذه المذاهب اليوم إلا أربعة مذاهب منتشرة وهي : المذهب الحنفي ، والمذهب المالكي ، والمذهب الشافعي ، والمذهب الحنبلي . وهي مذاهب يتفق أصحابها في أكثر الأمور وأهمها من الدين ، والخلافات حصلت في فهمهم و ما وصل إليهم من الأدلة في بعض فرعيات المسائل وكلهم على خير رحمهم الله تعالى . ثم تطور كل مذهب منها بما يطول ذكره حتى وصل الأمر إلى ما الناس عليه اليوم من وجود كتب لكل مذهب يحوي مسائله وطرائق الاستنباط والاستدلال ، ووجد في الأئمة بحمد الله مجتهدون يستخرجون الأحكام في النوازل والمسائل العصرية والمستجدة بما آتاهم الله من الفقه والفهم مستعملين الاجتهاد والقياس وقواعد المصالح الشرعية وكلام العلماء السابقين وأصول الفقه الإسلامي .

فبقي الفقه غنياً بحمد الله ، مستوعباً لجميع مسائل الحياة التي يحتاجها المسلمون .

ولا يمكن أن يخلو عصر من العصور من قائم لله بالحجة يعرف الحق ويستنبطه ، وبعموم هؤلاء لا يمكن أن تجتمع الأمة على ضلاله . فنسأل الله أن يفقهنا في دينه ويرزقنا العلم والعمل الصالح . والله تعالى أعلم .

للاستزادة : يُراجع كتاب / الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي

وتاريخ الفقه الإسلامي لعمر بن سليمان الأشقر .

والله أعلم.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 03:59
السؤال

هل تجوز الفتوى بالتقليد ؟.

الجواب

الحمد لله

فيه أقوال :

قال ابن القيم :

أحدها : أنه لا يجوز الفتوى بالتقليد ؛ لأنه ليس بعلم ، والفتوى بغير علم حرام ، ولا خلاف بين الناس أن التقليد ليس بعلم ، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم ، وهذا قول أكثر الأصحاب وقول جمهور الشافعية .

والثاني : أن ذلك يجوز فيما يتعلق بنفسه ، فيجوز له أن يقلد غيره من العلماء إذا كانت الفتوى لنفسه ، ولا يجوز أن يقلد العالم فيما يفتي به غيره ، وهذا قول ابن بطة وغيره من أصحابنا ؛ قال القاضي : ذكر ابن بطة في مكاتباته إلى البرمكي : لا يجوز له أن يفتي بما سمع من يفتي ، وإنما يجوز أن يقلد لنفسه ، فأما أن يتقلد لغيره ويفتي به فلا .

والقول الثالث : أنه يجوز ذلك عند الحاجة وعدم العالم المجتهد ، وهو أصح الأقوال ، وعليه العمل ، قال القاضي : ذكر أبو حفص في تعاليقه قال : سمعت أبا علي الحسن بن عبد الله النجاد يقول : سمعت أبا الحسين بن بشران يقول : ما أعيب على رجل يحفظ عن أحمد خمس مسائل استند إلى بعض سواري المسجد يفتي بها .

" إعلام الموقعين " ( 1 / 37 ، 38 ) .

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:03
السؤال

ما حكم ما فُعل في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يطلع عليه ؟.

الجواب

الحمد لله

لعل الجزئيات إذا فُعلت ولا اطلع عليه لا تدخل في هذا ، أما الشيء الذي فشى فأصل حديث جابر : ( كنا نعزل والقرآن ينزل ) .

من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله .

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:05
الحديث الشريف

السؤال

لماذا يعتبر كلام النبي صلى الله عليه وسلم حجة ؟.

الجواب

الحمد لله

الحديث هو ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة .

والحديث أما أن يكون مؤكداً لما في القرآن كالأمر بالصلاة و الزكاة ونحوهما أو يكون مفصلاً لما أجمل في القرآن كعدد ركعات الصلوات , وأنصبة الزكاة وصفة الحج ونحو ذلك أو يكون مبيناً لحكم سكت عنه القرآن كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في الزواج .

وقد أنزل الله القرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمره ببيانه للناس بقوله : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) النحل/44 .

وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من ربه قال تعالى : ( ما ضل صاحبكم وما غوى ، وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) النجم/2-4 .

وقد بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده والكفر بما سواه مبشراً بالجنة ومنذراً بالنار : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ) الإسراء/105 .

والرسول صلى الله عليه وسلم حريص على هذه الأمة ما علم من خير إلا دل الأمة عليه وما علم من شر إلا وحذرها منه : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة/128 .

وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة إلى الناس كافة : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء/107 .

ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن ربه الوحي الذي أنزل عليه فقد وجبت طاعته , بل صارت طاعته طاعة لله : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) النساء/80 .

وطاعة الله ورسوله هي سبيل النجاة وطريق الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة : ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) الأحزاب/71 .

ومن هنا وجبت طاعة الله ورسوله على جميع الناس لأن فيها فلاحهم ونجاتهم : ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ) آل عمران/132 .

ومن عصى الله ورسوله فإنما يضر نفسه ولا يضر الله شيئاً : ( ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين ) النساء/14 .

وإذا حكم الله ورسوله في أمر فليس لأحد أن يختار أو يعترض بل تجب الطاعة والإيمان بالحق : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) الأحزاب/36 .

ولا يتم إيمان العبد إلا بمحبة الله ورسوله والمحبة تستلزم الطاعة ومن أراد أن يحبه الله ويغفر له ذنوبه فليتبع الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم , والله غفور رحيم ) آل عمران/31 .

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كلمات تردد بل هي عقيدة وسلوك تعني طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر أن لا يعبد الله إلا بما شرع .

ولما أكمل الله هذا الدين وبلغ الرسول رسالة ربه قبضه الله إلى جواره وترك الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) المائدة/3 .

وقد حفظ الصحابة رضي الله عنهم بفضل الله أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاء من بعدهم السلف الصالح فدونوها في كتب عرفت بالصحاح والسنن والمسانيد ومن أصحها صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربع ومسند الأمام أحمد وموطأ مالك وغيرها .

وقد أكمل الله هذا الدين وما علم الرسول صلى الله عليه وسلم من خير إلا دل الأمة عليه وما علم من شر إلا حذرها منه فمن أحدث في دين الله شيئاً من البدع , والخرافات كسؤال الموتى , والطواف على قبورهم ودعاء الجن والأولياء وغير ذلك مما لم يشرعه الله ورسوله فذلك كله مردود غير مقبول كما قال عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه مسلم/1718 .

من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:08
الحكم بما أنزل الله

السؤال

هل يعتبر عادلاً من حكم بغير ما أنزل الله بدون أن يظلم الناس ؟.

الجواب

الحمد لله

الأمة الإسلامية أمة واحدة ذات عقيدة واحدة وشريعة واحدة , ولما كان لا بد لكل رعية من راع ولكل أمة إمام يقودها إلى الخير ويدفع عنها الشر , لذا أوجب الإسلام نصب حاكم على الأمة يختاره المسلمون يحكمهم بكتاب الله , وسنة رسول الله صلى الله عله وسلم .

وقد بعث الله رسله لإقامة شرع الله والحكم بالحق والعدل . كما قال سبحانه : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) ص/26 .

ومهمة الحاكم حكم المسلمين بالكتاب والسنة وتطبيق العدل على الأمة كافة وإقامة الحدود ونشر الإسلام وحماية الأمة والجهاد في سبيل الله قال تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به ) النساء/58 .

والعدل أصل عظيم من أصول الإسلام , يتسع للمسلم وغيره : ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) المائدة/8 .

وحاكم المسلمين مسؤول عن رعيته يحكمهم بشرع الله ويتفقد أحوالهم ويأخذ بأيديهم إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة قال عليه الصلاة والسلام ( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته , فالأمير الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته ... الحديث ) رواه مسلم برقم 1829 .

والله خلق الناس وأنزل الوحي وبعث إليهم الرسل ليحكموهم بما أنزل الله ومن لم يحكم بما أنزل الله فقد كفر كما قال سبحانه : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) المائدة/44 .

والحاكم إذا حكم بكتاب الله , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وجبت طاعته وحرمت مخالفته , أو الخروج عليه قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) النساء/59 .

وإذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله أو أمر بمعصية الله , فلا سمع ولا طاعة .. قال عليه الصلاة والسلام : (على المرء المسلم السمع والطاعة , فيما أحب وكره , إلا أن يأمر بمعصية , فلا سمع ولا طاعة ) رواه مسلم/1839 .

والحاكم أمين على الأمة يجب عليه أن يحكمهم بشرع الله ويرفق بهم وينصح لهم , فإن لم يفعل وجب نصحه فإن لم يستجب اختار المسلمون حاكماً غيره من الأتقياء الأقوياء .

وللحاكم المسلم العادل فضل عظيم ومقام كريم يوم القيامة قال عليه الصلاة والسلام : ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين , الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) رواه مسلم/1827 .

والحاكم إذا ظلم رعيته أو غشها ولم ينصح لها حرم الله عليه الجنة قال عليه الصلاة والسلام : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) رواه مسلم/142 .

وقال عليه الصلاة والسلام : ( ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة ) رواه مسلم/ ( كتاب الإمارة/22 ) .

والإسلام منهج عام لجميع الأمة فينبغي بل يجب أن يستوي جميع الأفراد في التلقي منه والعمل به والدعوة إليه والجهاد من أجله .

وقد توعد الله كل من حارب دين الله أو وقف لمن يجهر بكلمة الحق في بيوت الله أن يخزيه في الدنيا ويعذبه في الآخرة كما قال سبحانه : ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) البقرة/114 .

وكل من فتن المسلمين في دينهم , أو آذاهم , أو خذلهم فهو في النار إن مات ولم يتب كما قال سبحانه : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ) البروج/10 .

والصدع بكلمة الحق واجب على كل مسلم في كل زمان ومكان وقد أمر الله رسوله ببيان الحق وتكفل بحفظه من عدوه فقال سبحانه : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ، إنا كفيناك المستهزئين ) الحجر/94-95 .

وأعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر .

والحاكم في الولايات العامة أو الخاصة مأجور إذا كان عالماً مجتهداً فإذا حكم فإن أصاب الحق فله أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة وإن أخطأ فله أجر واحد , أجر الاجتهاد كما قال عليه الصلاة السلام : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد , ثم أصاب فله أجران , وإذا حكم فاجتهد , ثم أخطأ فله أجر ) أخرجه مسلم/1716 .

من كتاب أصول الدين الإسلامي تأليف الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:11
هل يجوز للمسلم اختيار القول الأسهل من أقوال العلماء

السؤال

عندما يكون هناك خلاف بين العلماء حول مسألة ما, أسمع الكثيرين من الناس يقولون: "حسنا, بما أن في المسألة خلاف, فسأختار أسهل الآراء بالنسبة لي". فهل هذا الفهم صحيح؟

إذا كان الجواب بلا, فكيف يمكن للشخص أن يختار رأيا ليأخذ به في الأمور الخلافية؟.

الجواب

الحمد لله

ليس بصحيح أن يختار المسلم أسهل الأقوال ، لأنه بهذه الطريقة يتنصَّل من التكاليف الشرعية أو جُلِّها ، لأنَّ أغلب المسائل العلمية مختلفٌ فيها سوى الأركان ، وقديماً قالوا _ من تتبع الرخص فقد تزندق _ وعلى الشخص أن يختار من أقوال العلماء أرجحها من حيث الدليل إن كان أهلاً للنظر والموازنة ، وإن لم يكن فعليه أن يُقلِّد أوثق العلماء في نفسه علماً ، وديناً ، وورعاً .

الشيخ عبد الكريم الخضير

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:13
الموقف من خلاف الفقهاء

السؤال :

ما معنى هذه العبارة : ( هذه مسألة خلافية ، هذه مسألة اختلف فيها الفقهاء ... ) ، وما الموقف الصحيح منها ؟.

الجواب :

الحمد لله

لا نزاع في أن هناك من المسائل ما هي مسائل خلاف واجتهاد بين أهل العلم ، وكلام أهل العلم حول مسائل الخلاف والاجتهاد معروف قديماً وحديثاً لكنها تثار اليوم بصورة تخرجها من إطار البحث في مسائل الاجتهاد والخلاف :

* فهي في الأغلب تثار حول قضايا لها بُعدٌ اجتماعي أو فكري ، وليس المقصود الخلاف الفقهي البحت فكثير من المستغربين على سبيل المثال يثيرون مسائل تتعلق بالمرأة مما نقل فيها خلاف بين أهل العلم ، والدافع لذلك أبعد من مجرد الخلاف الفقهي ، بل هو تكأة للتغريب سرعان ما يتجاوزون المسألة محل الخلاف إلى ما لا خلاف في تحريمه ومنعه .

* أنها تثار من قِبل فئام من الناس ليسوا من أهل العلم والفقه ، ولا ممن يفقهون البحث في المسائل الشرعية ، إنما يتصدون من أقوال الفقهاء ما يتسق مع أهوائهم .

* أنها في الأغلب لا تقتصر على مناطها ، فالخلاف الفقهي يُتخذ ذريعة لتنزيله على دائرة أوسع .

ومما ينبغي تقريره في هذه العجالة :

- أن هناك فرقاً بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد ، فليست كل مسألة نُقِل فيها خلاف بين أهل العلم تُعَد من المسائل التي لا إنكار فيها ، بل ذلك في مسائل الاجتهاد . قال ابن القيم رحمه الله : ( وقولهم : إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح ، فإن الإنكار إما أن يتم توجيه إلى القول والفتوى أو العمل ، أما الأول : فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً شائعاً وجب إنكاره اتفاقاً ، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم ، والصواب ما عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه ، والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها كثيرة ) إعلام الموقعين ج3/288

- أن المرجع في ذلك كله إلى نصوص الكتاب والسنة فمتى صح الدليل وجب الرجوع إليه والأخذ به ، ولم يَسُغ اتباع القول الآخر بحجة الخلاف في المسألة ، وحين تُردُّ السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأجل أن هناك من خالف في هذه المسألة فهذا يلزم منه أن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره لا تكتسب شرعيتها إلا حين يتفق عليها الناس فمخالفة أحد لها أياً كان سبب ذلك ينزع عنها هذه الشرعية ويجعل الأمر واسعاً ، وهذا مسلك خطير يحتاج صاحبه إلى أن يراجع إيمانه .

- لابد من الاعتناء بتربية الناس على التسليم لله تبارك وتعالى وتعظيم نصوص الشرع ، وأخذ الدين بقوة ، والبعد عن تتبع الرخص وزلات العلماء .

- الحذر من الدخول في جدل فقهي مع أمثال هؤلاء حول هذه المسائل محل النقاش فهذا الذي يسعون إليه ويريدونه ، فمن الممكن والمقبول أن يبحث المرء المسألة ويناقشها مع طلبة للعلم يدركون اللغة العلمية الفقهية ، ويريدون الحق ويسعون إليه ، أما أولئك الذين يثيرون هذه المسائل فليسوا يجيدون فهم اللغة العلمية ، ولا يعون مقاصد الشريعة ، إنما هم رعاع متطفلون ، قادهم الهوى إلى الخوض في دين الله عز وجل .

بقلم محمد بن عبد الله الدويش
مجلة البيان العدد 153 ص28.

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:17
إدعاء ضعف الثقة بالسنة

السؤال :

بعض الناس يرفضون السنة بحجة أن هناك أحاديث ضعيفة وموضوعة كثيرة وأن الوضع وكثرة الوضاعين للحديث أضعف الثقة بالسنة الشريفة . فما رأيكم بهذه الحجة ؟.

الجواب :

الحمد لله


هذه مقولة عدد من الزنادقة والمنحرفين في القديم والحديث وممن قال بهذا في العصر الحديث صالح أبو بكر في كتاب الأضواء القرآنية وحسين أحمد أمين في كتاب دليل المسلم الحزين وأحمد أمين في كتاب فجر الإسلام وعبد الله النعيم في كتاب نحو تطوير التشريع الإسلامي ، وسعيد العشماوي في كتاب حقيقة الحجاب

وصالح الورداني في كتاب الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة ، وعبد الجواد ياسين في كتاب السلطة في الإسلام ، ونصر أبو زيد في كتاب الإمام الشافعي ، وزكريا عباس داود في كتاب تأملات في الحديث ، وحولة نهر في كتاب دراسات محمدية ، وموريس بوكاي في كتاب دراسة الكتب المقدسة ، ومرتضى العسكر في كتاب خمسون ومائة صحابي مختلق ، والدكتور مصطفى محمود في مقالاته عن الشفاعة .

ونقول صحيح أنه كان هناك وضاعون وكذابون لفّقوا أقوالاً ، ونسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الأمر لم يكن بهذه البساطة التي تخيلها أصحاب هذه الشبهة ، وأثاروا بها الوساوس في النفوس ، وقد جهلوا الحقائق التي سادت الحياة الإسلامية فيما يتعلق بالسنة النبوية ، فقد كان إلى جانب ذلك عدد وفير من الرواة الثقات المتقنين العدول ، وعدد وفير من العلماء الذين أحاطوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسياج قوي يعسر على الأفاكين اختراقه ، واستطاع هؤلاء المحدثون بسعة اطلاعهم

ونفاذ بصيرتهم أن يعرفوا الوضاعين ، وأن يقفوا على نواياهم ودافعهم ، وأن يضعوا أيديهم على كل ما نُسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الوضع والكذب فهؤلاء الوضاعون لم يُترك لهم الحبل على الغارب يعبثون في الحديث النبوي كما يشاؤون ، ولم يترك لهم المجال لأن يندسوا بين رواة الأحاديث النبوية الثقات العدول دون أن يُعرفوا .

وإلا فمن إذن الذي كشف كذب الكفرة والزنادقة وغلاة المبتدعين ؟.

ومَن الذي عرّف بالموضوع ، وبأسبابه ، وبأصنافه ، وبعلاماته ، وصنف فيه المصنقات المتعدة ؟.

إنهم حراس الدين خلفاء الله وجنوده في أرضه ، إنهم الجهابذة الذين قال فيهم هارون الرشيد لما أخذ زنديقاً فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق : لَم تضرب عنقي ؟ قال : لأريح العباد منك ، فقال : يا أمير المؤمنين أين أنت من ألف حديث - وفي رواية أربعة آلاف حديث - وضعتها فيكم ، أحرم فيها الحلال ، وأحلل فيها الحرام ، ما قال النبي منها حرفاً ؟ فقال له هارون الرشيد : أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ؟ فإنهما ينخلانها نخلاً فيخرجانها حرفاً حرفاً . تذكرة الحفاظ للذهبي 1/273 ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 174

يقول الأستاذ محمد أسد : ( فوجود الأحاديث الموضوعة إذن لا يمكن أن يكون دليلاً على ضعف نظام الحديث في مجموعه ، لأن تلك الأحاديث الموضوعة لم تَخْفَ قط على المحدثين كما يزعم بعض النقاد الأوروبيين عن سذاجة ، وتابعهم على ذلك بعض أدعياء من أبناء أمتنا الإسلامية ) . الإسلام على مفترق الطريق ص 96

ونختم هذه الشبهة بما ذكره الإمام ابن القيم الجوزية : قال الإمام أبو المظفر السمعاني : ( فإن قالوا : قد كثرت الآثار في أيدي الناس واختلطت عليهم ، قلنا : ما اختلطت إلا على الجاهلين بها ، فأما العلماء بها فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة الدراهم والدنانير ، فيميزون زيوفها ويأخذون خيارها ، ولئن دخل في أغمار الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث ، ورواته العلماء حتى إنهم عدّوا أغاليط من غلط في الإسناد والمتون ، بل تراهم يعدون على كل واحد منهم كم في حديث غلط ، وفي كل حرف حرّف ، وماذا صحّف

فإن لم تَرُج عليهم أغاليط الرواة في الأسانيد والمتون ، فكيف يروج عليهم وضع الزنادقة ، وتوليهم الأحاديث التي يرويها الناس حتى خفيت على أهلها ؟ وهو قول بعض الملاحدة ، وما يقول هذا إلا جاهل ضال مبتدع كذاب يريد أن يهجّن بهذه الدعوة الكاذبة صحاح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وآثاره الصادقة ، فيغالط جهال الناس بهذه الدعوى ، وما احتج مبتدع في رد آثار رسول الله صلى الله وسلم بحجة أوهن ولا أشد استحالة من هذه الحجة ، فصاحب هذه الدعوى يستحق أن يُسف في فِيهِ ، ويُنفى من بلد الإسلام . مختصر الصواعق المرسلة 2/561

مجلة البيان عدد153 ص26

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:19
هل نأخذ بالتدرج في تطبيق الأحكام

السؤال :

ما الفرق بين التدرج في تحريم الخمر ، والأمر بالجهاد ، حيث إننا مطالبون بآخر نهي في الخمر ، ومطالبون بالاستطاعة في الجهاد ؟.

الجواب :

الحمد لله

بعد اكتمال الدين واستقرار أحكام الشريعة بوفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن أحكام الإسلام تؤخذ بجملتها ، ولا يجوز التدرج في الانقياد لأحكامها ، كما كان ذلك في أول الإسلام ، فالخمر مثلاً يجب على كل مسلم أن يعتقد تحريم شربها ابتداءً ، ومن اعتقد غير ذلك - وهو عالم بتحريمها - فهو مرتد ؛ لجحده ما هو معلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام ، وبالأدلة الشرعية ، وإجماع أهل العلم .

وأما الأوامر الشرعية فإن التكليف بها في الإسلام منوط باستطاعة المكلف ، فلا يجب على المكلف من الأعمال ما لا يقدر عليه ، أو يسبب له مشقة وحرجاً ، وكل مسألة بحسبها ، فالجهاد مثلاً وجوبه على الشخص ، وكذلك وجوبه في الأحوال العامة ، كل ذلك على درجات حسب البواعث والأحوال ، ولا يقال إن هذا من باب التدرج في التشريع ، وقد قال تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " .

من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 238 - 239

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:22
هل يُعاقب تارك السنّة

السؤال

قال تعالى فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون :

هل يعاقبنا الله إذا تركنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟

ملاحظة : أي نوع من أنواع السنة سواء حلق اللحية أو عدم صلاة سنة الفجر .

الجواب

الحمد لله

1. لفظ "السنة" يراد به أمران :

أ . الطريقة والهدي ، وهو المراد بالأحاديث الكثيرة ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : " فمن رغب عن سنتي فليس مني " .

ب . ما يقصده الأصوليون والفقهاء بالمستحبّ ، وهو ما يثاب فاعله ، ولا يستحق العقاب تاركه ، وذلك مثل السنن الرواتب ، وصلاة الضحى ، وما أشبههما .

2. وعليه فلا عقوبة على تارك السنَّة بالمعنى الثاني ، وأما على المعنى الأول : فلا ، لأنها تنقسم إلى واجبات ونوافل .

3. وأما سنَّة الفجر والوتر فهما من السنن المؤكدة ، والتي لم يتركهما النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ولا في الحضر .

4. وأما إطلاق اللحية فهو من الواجبات لا من السنن التي اصطلح عليها الفقهاء ، ومن حلق لحيته فقد تشبه بالمجوس ، وخالف الفطرة ، وغيَّر خلق الله .

فتارك السنن الواجبة يُعاقب والذي يترك سنّة مستحبة لا يُعاقب لكن يفوته الأجر العظيم ويفوته تعويض واجباته الناقصة لأنّها تكمّل يوم القيامة من أجور السنن إن وجدت ، كما أنّ القيام بالسنن وسيلة لحفظ الواجبات من التضييع .

ويُطلق العلماء أيضا السنّة في مقابل البدعة ويقولون أهل السنّة في مقابل أصحاب الفرق الضالّة الكفار منهم كالجهمية , والمبتدعة غير الكفار كالأشاعرة وغيرهم ، والسنّة بهذا الاعتبار واجبة الاتّباع ، واقتفاء طريق أهل السنّة والسير في ركابهم واجب ومن فارقهم هلك ، قال الإمام مالك رحمه الله : السنة كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق .

وللمزيد يُراجع السؤال رقم 1189 ، وعن حكم حلق اللحية أنظر السؤال 3440 و 604 .

والله تعالى أعلم.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:25
الأدلة الشّرعية على حجيّة السنّة النبوية

السؤال

هل يجب علينا اتباع السنة أم القرآن فقط ؟

وهل المسلم ملزم باتّباع مذهب معيّن ؟

الجواب :

الحمد لله

السؤال الأول يبدو للمسلم الجادّ سؤالا عجيبا ومثيرا للدهشة فكيف يتحوّل الشيء البدهي المسلّم به والذي هو من أساسيات الدين ، كيف يتحوّل مجالا للتساؤل ؟

ولكن حيث أنّ التساؤل قد حصل فنقدّم مستعينين بالله هذا التأصيل العلمي الشرعي لمسألة حجية السنة ووجوب اتّباعها وأهميتها وحكم من رفضها وفي ذلك ردّ على المتشككين وعلى أتباع الطائفة الضّالة المتسمين بالقرآنيين - والقرآن منهم بريء- وهذا التأصيل نافع أيضا -إن شاء الله - لكل من يريد معرفة الحقّ في هذه القضية :

أدلة حجية السنّة :

أولا : دلالة القرآن الكريم على حجية السنة :

وذلك من وجوه :

الأول - قال الله تعالى : ( من يطع الرّسول فقد أطاع الله ) ، فجعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من طاعته .

ثم قرن طاعته بطاعة رسوله ، قال تعالى : ( يـا أيّها الّذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول ) .

الثاني - حذر الله عز وجل من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتوعد من عصاه بالخلود في النار ، قال تعالى : ( فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبُهم عـذاب ألـيم) .

الثالث - جعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان ، ومخالفته من علامات النفاق ، قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكمُّوك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مـمّا قضيت ويسلموا تسليماً ) .

الرابع :- أمر سبحانه وتعالى عباده بالاستجابة لله والرسول ، قال تعالى : ( يا أيّـُها الّذين أمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يُحييكم ..) .

الخامس : - ثم أمرهم سبحانه برد ما تنازعوا فيه إليه ، وذلك عند الاختلاف ، قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردّوُه إلى الله والرّسول ) .

ثانياً : دلالة السنة النبوية على حجية السنة :

وذلك من وجوه :

أحدها : ما رواه الترمذي عن أبي رافع وغيره رفعه ( أي : إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذي ط. شاكر رقم 2663

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر .. الحديث رواه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء

الثاني : ما رواه أبو داود أيضا في سننه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ، أنه قال : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، ثم أقبل علينا ، فوعظنا موعظة بليغة ) وفيها : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ، تمسكوا بـها ، وعضوا عليها بالنواجذ ..) في كتاب السنّة من صحيح أي داود

ثالثاً : دلالة الإجماع على حجية السنة :

قال الشافعي رحمه الله : ولا أعلم من الصحابة ولا من التابعين أحدا أُخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قبل خبره ، وانتهى إليه ، وأثبت ذلك سنة .. وصنع ذلك الذين بعد التابعين ، والذين لقيناهم ، كلهم يثبت الأخبار ويجعلها سنة ، يحمد من تبعها ، ويعاب من خالفها ، فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارق سبيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم بعدهم إلى اليوم ، وكان من أهل الجهالة .

رابعا: دلالة النظر الصحيح على حجية السنة :

كون النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله ، يقتضي تصديقه في كل ما يخبر به ، وطاعته في كل ما يأمر به ، ومن المُسلَّم به أنه قد أخبر وحكم بأمور زائدة على ما في القرآن الكريم ، فالتفريق بينها وبين القرآن ، في وجوب الالتزام بـها ، والاستجابة لها ، تفريق بما لا دليل عليه ، بل هو تفريق باطل ، فلزم أن يكون خبره صلى الله عليه وسلم واجب التصديق ، وكذا أمره واجب الـطـاعة .

حكم من أنكر حجية السنة أنه كافر لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة .

أما السؤال الثاني وهو هل المسلم ملزم باتّباع مذهب معيّن فالجواب : لا يلزم ذلك ، وكل عامي من المسلمين مذهبه مذهب مفتيه ، وعليه أن يسأل من يثق به من أهل العلم والفتوى وإذا كان الشّخص طالب علم يميّز بين الأدلة والأقوال فعليه أن يتبّع القول الراجح من أقوال أهل العلم بدليله الصحيح من الكتاب والسنّة .

هذا ويجوز للمسلم أن يتبع مذهبا معينا من المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة بشرط أنّه إذا عرف أنّ الحقّ في المسألة المعيّنة خلاف المذهب وجب عليه أن يخالف المذهب ويتّبع الحقّ ولو كان في مذهب آخر لأنّ المقصود هو اتّباع الحقّ الذي يُعرف بالكتاب والسنة ، والمذاهب الفقهية ما هي إلا طرق لمعرفة الأحكام الشرعية دالّة على أحكام الكتاب والسنّة وليست هي الكتاب والسنّة .

نسأل الله أن يرينا الحقّ حقّا ويرزقنا اتّباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وصلى الله على نبينا محمد .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:29
إطلاق الأحكام من حل وحرمة

السؤال :

كيف نجعل الأشياء حرام وحلال مثل (التدخين والتأمين والضرائب) مع أن الله وحده له الحق في أن يحلل ويحرم ؟

الجواب :

الحمد لله

قال الله تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ .. الآية ) 40 سورة يوسف ، وقال تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ(116) سورة النحل ، وقال تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ(59) سورة يونس .فالتحليل والتحريم لله وحده ، لأنه هو المشرع

ولا مشرع سواه ، وحين نقول أن الشيء الفلاني ، وغيرها ، حرام ، أو حلال ، فإنما نرجع في ذلك إلى الأدلة ، من كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فما وجدنا فيهما حراماً حرمناه ، وما وجدناه حلالاً حللناه ، ونستعين بأقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وتفسير السلف لنصوص القرآن والسنة ، وننظر في أقوال العلماء واجتهاداتهم .

ولا يحل لنا ، أن نحل ونحرم كما نشاء ، وحين تستجدّ أمور ، لا نجد عليها نصا من القرآن أو السنة ولا كلام علماء السلف ومن سبق من علماء أهل السنة والجماعة فإنّه لابدّ لنا من اللجوء إلى أهل العلم والذّكر الثقات الذين أمرنا الله بالرجوع إليهم كما في قوله تعالى : ( فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون ) ، وهؤلاء العلماء يقومون بالاجتهاد ، والنظر ، والقياس على النصوص الشرعية الموجودة ، آخذين بعين الاعتبار قواعد الضرورة والضرر والمصلحة الشرعية ، ومعتمدين على القواعد والأصول الشرعية العامة ،

كقوله تعالى : (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) سورة الأعراف 157 ، وكقوله عليه الصلاة والسلام (لا ضرر ولا ضرار ) رواه ابن ماجة 2331 ، مجتنبين الهوى والشهوة ، وكل خبيث ثبت ضرره ، فهو حرام ، وكل طيب نافع حلال . وإن لم يعلم ضرره ولا نفعه ، فهو على الأصل في الإباحة .

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-03-16, 04:34
هل السنّة تحكم في أمور الناس الدنيوية

السؤال:

هناك فرقة لا تقل خطراً عن الفرقة التي ترفض السنة تقول : إننا نقبل السنة كمصدر تشريعي فيما يتصل بالعبادات ، أما فيما يتصل بأمور الدنيا من تشريعات أو سلوك فلسنا ملزمين بشيء من السنّة فيها ، ويتعلقون بشبهة واهية ، وهي حادثة تأبير النخل . فما هو الردّ عليهم ؟

الجواب:

الحمد لله

قصة تأبير النخل حاصلها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة رأى أهلها يؤبّرون النخل ( أي يلقحون إناث النخل بطلع ذكورها ) فقال لهم : " لو لم تفعلوا لصلح " فتركوه فشاص ( أي فسد وصار حمله شيصاً وهو رديء التمر ) فمرّ بهم فقال : " ما لنخلكم ؟

" قالوا : قلتَ كذا وكذا قال : " أنتم أعلم بأمر دنياكم " . رواه مسلم 4358

هذا الخبر إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأمور الدنيوية التي لا صلة لها بالتشريع تحليلاً أو تحريماً أو صحة أو فساداً ، بل هي من الأمور التجريبية ، لا تدخل تحت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم كمبلّغ عن ربه ، بل هذا الحديث يدل على أن مثل هذه الأمور خاضعة للتجربة ، والرسول صلى الله عليه وسلم بهذا كان قدوة عملية لحثنا على أن الأمور الدنيوية البحتة التي لا علاقة لها بالتشريع ينبغي علينا أن نبذل الجهد في معرفة ما هو الأصلح من غيره

وأن نبحث ونستكشف بإجراء التجارب وتحليل المشاهدات وغيرها سائر ما ينفعنا في مجالات التطوير والتحسين في أمور الزراعة والصناعة والبناء وغيرها وأنّ الأمر الذي سكتت فيه الشّريعة فلم تأت فيه بحكم معيّن فالعمل فيه مباح لنا بحسب الضوابط الشّرعية العامة كقاعدة لا ضرر ولا ضرار وهكذا .

وشتان بين هذه الحادثة ومدلولاتها وبين أن يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا حلال أو حرام ، أو أن هذا الأمر موجب للعقوبة أو غير موجب ، أو أن هذا البيع صحيح أو غير صحيح ، إلى آخر ذلك في أمور الدنيا والدين لأن هذه الصور من صلب وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أوجب الله علينا طاعته في كل ما يبلغ عن ربه . الموسوعة الفقهية 1/45

والذين يحاولون حصر الدّين في الشّعائر التّعبدية فقط كالصلاة والصيام والحجّ ويريدون عزل الدّين عن التحكّم في مجالات الحياة المختلفة كالمجال الاجتماعي والاقتصادي والسّياسي ويقولون إنّ هذا من شأن البشر يفعلون فيه ما يريدون ويحكمون ويشرّعون ما يشتهون ويشاؤون هم كفرة مجرمون لا يريدون أن يجعلوا لشريعة الله سلطانا على حياة النّاس ولا يريدون أن يضبط الإسلام شؤون البشر مع أنّ الله أنزله حاكما ومنظّما وضابطا لا تصلح الحياة إلا به ولا تحصل السّعادة إلا بحكمه

والنّاس بدونه في تخبّط وضياع وظلم كما نشاهد اليوم في جميع المجتمعات التي لا تحكمها شريعة الله . نسأل أن يهدينا للحقّ ويفتح أبصارنا لمعرفته ويرزقنا قبوله واتّباعه ، وصلى الله على نبينا محمد .

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

مع جزء جديد من سلسلة
اصول الفقه

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

yahia1065
2018-03-17, 00:16
شكرا على المعلمات المفيدة

مراد العيداني
2018-03-19, 04:25
جزاكم الله طل الخير

الأصيــل
2018-03-30, 10:19
مشكور أخي على هذا المجهود وجعله في ميزان حسناتك

knovel
2018-05-16, 09:12
جزاك الله خيرا

*عبدالرحمن*
2019-09-19, 05:08
شكرا على المعلمات المفيدة

الحمد لله الذي بقدرته تتم الصالحات

الشكر موصول لحضورك الطيب مثلك

بارك الله فيك
و جزاك الله عنا كل خير

Ahmad Osman
2019-09-29, 13:44
جزاكم الله تعالى كل خير

ali1997
2019-10-04, 20:55
جزكم الله خير

*عبدالرحمن*
2020-09-13, 16:01
جزاكم الله طل الخير

الحمد لله الذي بقدرته تتم الصالحات

بارك الله فيك
و جزاك الله عنا كل خير