تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خيركم من تعلم القرآن وعلمه


*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:08
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا أحمد ه سبحانه جعل كتابه للمؤمنين هدى وأصلي على من جُعل القرآنُ ربيع قلبه ونور صدره ثم اهتدى أما بعد :

https://a.top4top.net/p_797eoxhk1.jpg (https://up.top4top.net/)

الحديث عن القرآن حديث عظيم

لأنه حديث عن كتاب عظيم وما كتبت عن القرآن يوماً أو تحدثت عنه إلا أجتمع لي أمران الفرح والخجل فأفرح لأني أتكلم عن كلام الله وأخجل لأني مثلي يتكلم عن هذا الكلام ولكني أحمده عز وجل أن أذن لمثلي أن يتكلم عن كلامه .

ولو أراد المرء أن يُسهب في الحديث عن كلام الله لفني العمر ولم ينته من الحديث بعد ولكن لعلي أتكلم عن كيف يتأثر المسلم بالقرآن .

صح عن عثمان رضي الله عنه وأرضاه أنه قال

" لو سلمت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم "

ذلك أن القرآن كلام الله وكلامه صفة من صفاته .

تأمل –أولاً- في كرامة القرآن لأهله جاء

عند الترمذي رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يجيء القرآن يوم القرآن فيقول : يارب حله فيُلبس تاج الكرامة ثم يقول : يارب زده فيُلبس حلة الكرامة ثم يقول يارب ارض عنه فيرضى عنه " حديث حسن .

فمن لي بمثلك يا صاحب القرآن نلت تاج الكرامة
وحلتها وفزت بالرضى من الرحمن .

إن العيش مع القرآن عيش كريم

ونعمة يتفضل بها الله على من شاء من خلقه وحياة تعجز العبارات أن تعبر عنها ولذا كان حريٌ بالمؤمن الناصح لنفسه أن يجاهد نفسه للعيش الحقيقي مع القرآن تأمل في حال السلف وكيف كانت حياتهم مع القرآن وقارن بين حالنا وحالهم عند التلاوة .

قيل لبعض السلف :

إذا قرأت القرآن تُحدث نفسك بشيء؟ فقال : أوَ شيء أحب إلي من القرآن حتى أحدث به نفسي ؟

لقد كانوا يعلمون أن القرآن ليس مثل كلام البشر فهم على يقين بصدق أخباره
ونفاذ وعده ووعيده كان لأسلوبه المعجز أثره في نفوسهم ولذا تلذذوا به وآثروه على حديث الناس

انظر إلى حال رسول الله عليه الصلاة والسلام

كان يحب أن يتلوا القرآن ويسمعه من غيره ومن ورائه أبو بكر وعمر كانت تُسمع أصوات بكائهم من وراء الصفوف ما الذي يجعلهم يبكون وهم الرجال الأبطال ,هل سألنا أنفسنا هذا السؤال أما الجواب فتأمله معي في هذه الآيات يقول سبحانه مادحاً خيرة خلقه وأصفيائه من أوليائه( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) (مريم:58) فالبكاء ترجمة حقيقية لتأثر القلب والعيش الحقيقي مع القرآن

اختي في الله \ اخي في الله

أريدكم كلما قرأتم القرآن أو استمعتم إليه استحضروا أنه كلام الله الذي خلقكم ورزقكم وأنعم عليكم تفكررو في كل آية بل وكل كلمة من كلماته وسيحدث في نفسكم العجب

ولعلي بهذا الموضوع أن أضع بين ايديكم طريف تصلوا به إلى التأثر والانتفاع بتلاوتكم

اخوة الاسلام

هذه الموسوعه الشامله ليست ك مثيلتها
الغرض النشر فقط

بل وارحب بكل من لاديه استفسار او سؤال وسوف ابذل قصاري

جهدي لتوضيحه او احضاره من كبار العلماء والائمة

واخيرا

أسألكم الدعاء بظهر الغيب

أحكام المصاحف

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133487

فضائل القرآن

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133636

تفسير القرآن

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133238

.

*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:13
الإعجاز العددي في سورة الكوثر .

السؤال :

ما صحة هذا الإعجـاز العددي في سورة الكوثر ؟

فسورة الكوثر هي أقصر سور القرآن ، وعدد كلمات هذه السورة 10 كلمات ، الآية الأولى تضّمنت من الحروف الهجائية 10 أحرف ، والآية الثانية تضّمنت من الحروف الهجائية 10 أحرف ، والآية الثالثة تضّمنت من الحروف الهجائية 10 أحرف ، أكثر الحروف تكراًرا في السورة هو الألف وتكّرر فيها 10 مّرات

الحروف التي ورد كل منها مّرة واحدة في سورة الكوثر عددها 10 ، جميع آيات السورةُ ختمت بحرف الّراء ، وترتيبه الهجائي رقم 10 ، وسور القرآن التي تنتهي بحرف الّراء عددها 10 سور آخرها الكوثر ، فما هي حقيقة الرقم 10 داخل السورة ؟

إنه اليوم العاشر من ذي الحجة فقوله تعالى : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ، وهو يوم النحر ،ى سبحان الله كل هذا في أقصر سورة في القرآن الكريم ، مكونة من سطر ، فما بالكم بالسور الأكبر ، وصدق الله إذ يقول : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) البقرة/23 ، سقانا الله وإياكم من نهر الكوثر شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا

الجواب :

الحمد لله

أولًا: يمكننا أن نجمل القول في شأن ما يذكر حول "الإعجاز العددي" في القرآن الكريم ، في نقاط ، أهمها :

1- أن البحث في العدد وأسراره له سلف من فعل الصحابة والأئمة، وهو - وإن كان قليلًا - إلا أنه لم يكن متكلفًا، ودلالة الآيات عليه ظاهرة .

2- ظهر التكلف فيما سمي متأخرًا بالإعجاز العددي، وبدا هذا التكلف عند من تزعم هذا الأمر، واتخذته بعض الفرق الباطنية ذريعة وسندًا لآرائهم وضلالاتهم .

3- افتقر هذا النوع من الدراسات إلى المنهجية العلمية، ووقع الخبط والخلط فيه ظاهرًا بين من يدعون البحث فيه، ولا أدل على ذلك من تخطئة بعضهم بعضًا ، في قضايا كثيرة ، لعل من أشهرها : قضية الحادي عشر من سبتمبر، وعلاقة سورة التوبة بها !.

4- لم ينتبه من تكلم في الإعجاز عمومًا إلى كون القرآن كتاب هداية، بالمقام الأول ، والحكم الأعظم منه. وإن شئت فارجع إلى كتاب الشيخ مساعد الطيار في الإعجاز ففيه إشارات نفيسة .

5- الإعجاز العددي ليس من متين العلم، وإنما هو من باب اللطائف والملح ، التي تذكر ، إن كان له وجه قريب ، واحتمال سائغ ، وليس ينبني عليها شيء ، أي شيء ، من أصل في الدين ، أو فرع ، سواء ثبتت ، أو لم تثبت.

وأخيرًا

"بدراسة كثير من الكتب التي اهتمت بهذا اللون، فيمكننا أن نقرر أن هذه الفكرة تقوم باعتماد شروط توجيهية حينًا، وانتقائية حينًا آخر، من أجل إثبات صحة وجهة نظر بشكل يسوق القارئ إلى النتائج المحددة سلفًا .

وقد أدت هذه الشروط التوجيهية أحيانًا إلى الخروج على ما هو ثابت بإجماع الأمة، كمخالفة الرسم العثماني للمصاحف، وإلى اعتماد رسم بعض الكلمات ، كما وردت في أحد المصاحف ، دون الأخذ بعين الاعتبار رسمها في المصاحف الأخرى .

وأدت كذلك إلى مخالفة مبادئ اللغة العربية ، من حيث تحديد مرادفات الكلمات وأضدادها، إلى آخر التخبط والاختلاف الذي جر إليه زعم وجود الإعجاز العددي بهذه الصورة المعاصرة، ولذا ننصح بالابتعاد عنه" .

ثانيًا:

بخصوص ما ذكرت، فإنه قد وقع الخلط والخبط فيه، وظهر المنهج الانتقائي في هذه المسألة، ليؤيد زعم هؤلاء .

ومما ظهر في هذا الذي عرضته ، يقال :

1- لِمَ حذف هذا القائل ، المكرر في العد، وهل يقع الإعجاز في عد غير المكرر فقط ؟

2- لِم لَمْ يفرق بين الهمزة والألف في العد ؟

فعدد حروف الآية الأولى ، مع حذف المكرر (11) أحد عشر حرفًا (الهمزة - الألف - ن - ع - و - ي - ك - ل - و - ث - ر).

وانظر في مسألة الهمزة: "مسائل في الرسم والنطق" د. غانم الحمد(ص56).

3- زعم العاد أن ترتيب الراء هو العاشر في حروف الهجاء، ليس هكذا مطلقا ؛ فإن الترتيب القديم (الأبجدي) يقع فيه حرف الراء رقم (20)، وهو: (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت).

وأما على الترتيب الألفبائي الحديث، فإن حرف الراء يقع العاشر .

فلم اعتبر الإعجاز في العد الحديث ، دون القديم ؟!

4- نعم، قد يقال إن من اللطائف أن عدد الكلمات الظاهرة في السورة عشر كلمات، وهذا يوافق اليوم العاشر من شهر الحج، وهذا من لطائف الآية .

لكنه أن يبنى على ذلك قصورا وعلالي ، ويضخم القول فيه بتكلف واعتساف : فهذا هو أحد أخطر مزالق هذا الاتجاه . وليس من متين العلم ، ولا محقق القول .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:16
كلمة حول الإعجاز العددي في القرآن
واستعمال التقويم الشمسي

السؤال

قرأت مؤخرا عن بعض " معجزات " القرآن الكريم ، التي شملت العديد من الأشياء مثل المراحل الثلاثة للجنين ، ومدارات الكواكب ، .. الخ ، إلا أن إحداها تحدثت عن أن كلمة " يوم " وردت في القرآن 365 مرة ، وأن كلمة " قمر " تكررت 12 مرة

وقد نسيت عدد المرات التي تكرر ذكر كلمة " أيام " في القرآن ، وقد قام أحد الأصدقاء بطباعة التقويم الإسلامي ( الهجري ) لكنه لم يكن يتكون من 365 يوماً ، فما معنى ذلك حول التقويم الإسلامي ؟ أيعني ذلك أنه غير دقيق ؟

أم أن الله علم أن أغلب العالم سيستخدمون التقويم الميلادي وأنه إشارة إلى صحة هذا التقويم الأخير ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

شُغف كثير من الناس بأنواع من الإعجازات في القرآن الكريم ، ومن هذه الأنواع " الإعجاز العددي " فنشروا في الصحف والمجلات وشبكات الإنترنت قوائم بألفاظ تكررت مرات تتناسب مع لفظها ، أو تساوى عددها مع ما يضادها ، كما زعموا في تكرار لفظة " يوم " ( 365 ) مرة ، ولفظ " شهر " ( 12 ) مرة ، وهكذا فعلوا في ألفاظ أخرى نحو " الملائكة والشياطين " و " الدنيا والآخرة " إلخ .

وقد ظنَّ كثيرٌ من الناس صحة هذه التكرارات وظنوا أن هذا من إعجاز القرآن ، ولم يفرقوا بين " اللطيفة " و " الإعجاز " ، فتأليف كتابٍ يحتوي على عدد معيَّن من ألفاظٍ معيَّنة أمرٌ يستطيعه كل أحدٍ ، فأين الإعجاز في هذا ؟ والإعجاز الذي في كتاب الله تعالى ليس هو مثل هذه اللطائف ، بل هو أمر أعمق وأجل من هذا بكثير ، وهو الذي أعجز فصحاء العرب وبلغاءهم أن يأتوا بمثل القرآن أو بعشر سورٍ مثله أو بسورة واحدة ، وليس مثل هذه اللطائف التي يمكن لأي كاتب أن يفعلها – بل وأكثر منها – في كتاب يؤلفه ، فلينتبه لهذا .

وليُعلم أنه قد جرَّ هذا الفعل بعض أولئك إلى ما هو أكثر من مجرد الإحصائيات ، فراح بعضهم يحدد بتلك الأرقام " زوال دولة إسرائيل " وتعدى آخر إلى " تحديد يوم القيامة " ، ومن آخر ما افتروه على كتاب الله تعالى ما نشروه من أن القرآن فيه إشارة إلى " تفجيرات أبراج نيويورك " ! من خلال رقم آية التوبة وسورتها وجزئها ، وكل ذلك من العبث في كتاب الله تعالى ، والذي كان سببه الجهل بحقيقة إعجاز كتاب الله تعالى .

ثانياً :

بالتدقيق في إحصائيات أولئك الذين نشروا تلك الأرقام وُجد أنهم لم يصيبوا في عدِّهم لبعض الألفاظ ، ووجدت الانتقائية من بعضهم في عدِّ الكلمة بالطريقة التي يهواها ، وكل هذا من أجل أن يصلوا إلى أمرٍ أرادوه وظنوه في كتاب الله تعالى .

قال الشيخ الدكتور خالد السبت :

قدَّم الدكتور " أشرف عبد الرزاق قطنة " دراسة نقدية على الإعجاز العددي في القرآن الكريم ، وأخرجه في كتاب بعنوان : " رسم المصحف والإعجاز العددي ، دراسة نقدية في كتب الإعجاز العددي في القرآن الكريم

" وخلص في خاتمة الكتاب الذي استعرض فيه ثلاثة كتب هي (1) كتاب " إعجاز الرقم 19 " لمؤلفه باسم جرار ، (2) كتاب " الإعجاز العددي في القرآن " لعبد الرزاق نوفل ، (3) كتاب " المعجزة " لمؤلفه عدنان الرفاعي ، وخلص المؤلف إلى نتيجة عبَّر عنها بقوله :

" وصلت بنتيجة دراستي إلى أن فكرة الإعجاز العددي " كما عرضتها هذه الكتب " غير صحيحة على الإطلاق

وأن هذه الكتب تقوم باعتماد شروط توجيهية حيناً وانتقائية حيناً آخر ، من أجل إثبات صحة وجهة نظر بشكل يسوق القارئ إلى النتائج المحددة سلفاً

وقد أدت هذه الشروط التوجيهية أحياناً إلى الخروج على ما هو ثابت بإجماع الأمة ، كمخالفة الرسم العثماني للمصاحف

وهذا ما لا يجوز أبداً ، وإلى اعتماد رسم بعض الكلمات كما وردت في أحد المصاحف دون الأخذ بعين الاعتبار رسمها في المصاحف الأخرى ، وأدت كذلك إلى مخالفة مبادئ اللغة العربية من حيث تحديد مرادفات الكلمات وأضدادها .

( ص 197 ) دمشق ، منار للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1420هـ / 1999 .

وقد ذكر الدكتور فهد الرومي أمثله على اختيار الدكتور عبد الرزاق نوفل الانتقائي للكلمات حتى يستقيم له التوازن العددي ، ومن ذلك قوله : إن لفظ اليوم ورد في القرآن ( 365 ) مرة بعدد أيام السنة ، وقد جمع لإثبات هذا لفظي " اليوم "

" يوماً " وترك " يومكم " و " يومهم " و " يومئذ " ؛ لأنه لو فعل لاختلف الحساب عليه ! وكذلك الحال في لفظ " الاستعاذة " من الشيطان ذكر أنه تكرر ( 11 ) مرة ، يدخلون في الإحصاء كلمتي " أعوذ " و " فاستعذ " دون " عذت " و " يعوذون " و " أعيذها " و " معاذ الله " .

انظر : " اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر " ( 2 / 699 ، 700 ) بيروت ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثانية 1414هـ .

وبهذا الكلام العلمي المتين يتبيَّن الجواب عن كلمة " يوم " وعددها في القرآن الكريم ، والذي جاء في السؤال .

ثالثاً :

وأما الحساب الذي يذكره الله تعالى في كتابه الكريم فهو الحساب الدقيق الذي لا يختلف على مدى السنوات ، وهو الحساب القمري .

وفي قوله تعالى : ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ) الكهف/25 ذكر بعض العلماء أن عدد ( 300 ) هو للحساب الشمسي ، وأن عدد ( 309 ) هو للحساب القمري ! وقد ردَّ على هذا القول الشيخ محمد بن صالح العثيمين

وبيَّن في ردِّه أن الحساب عند الله تعالى هو الحساب القمري لا الشمسي .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" ( وَازْدَادُوا تِسْعاً ) ازدادوا على الثلاث مائة تسع سنين ، فكان مكثُهم ثلاث مائة وتسع سنين ، قد يقول قائل : " لماذا لم يقل مائة وتسع سنين ؟ "

فالجواب : هذا بمعنى هذا ، لكن القرآن العظيم أبلغ كتاب ، فمن أجل تناسب رؤوس الآيات قال : ( ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ) ، وليس كما قال بعضهم بأن السنين الثلاثمائة بالشمسية ، وازدادوا تسعاً بالقمرية

فإنه لا يمكن أن نشهد على الله بأنه أراد هذا ، مَن الذي يشهد على الله أنه أراد هذا المعنى ؟ حتى لو وافق أن ثلاث مائة سنين شمسية هي ثلاث مائة وتسع سنين بالقمرية فلا يمكن أن نشهد على الله بهذا ؛ لأن الحساب عند الله تعالى واحد .

وما هي العلامات التي يكون بها الحساب عند الله ؟

الجواب : هي الأهلَّة ، ولهذا نقول : إن القول بأن " ثلاث مائة سنين " شمسية ، ( وازدادوا تسعاً ) قمرية قول ضعيف .

أولاً : لأنه لا يمكن أن نشهد على الله أنه أراد هذا .

ثانياً : أن عدة الشهور والسنوات عند الله بالأهلة ، قال تعالى : ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) يونس/5 ، وقال تعالى : ( يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) البقرة/189 " انتهى .

" تفسير سورة الكهف " .

والحساب بالقمر والأهلة هو المعروف عند الأنبياء وأقوامهم ، ولم يُعرف الحساب بالشمس إلا عند جهلة أتباع الديانات ، وللأسف وافقهم كثير من المسلمين اليوم .

قال الدكتور خالد السبت – في معرض رده على من استدل بآية ( لا يزال بنيانهم .. ) في سورة التوبة على تفجيرات أمريكا - :

" الخامس : أن مبنى هذه الارتباطات على الحساب الشمسي ، وهو حساب متوارث عن أُمم وثنية ، ولم يكن معتبراً لدى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وإنما الحساب المعتبر في الشرع هو الحساب بالقمر والأهلة

وهو الأدق والأضبط ، ومما يدل على أن المعروف في شرائع الأنبياء هو الحساب بالقمر والأهلة حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أُنْزِلَتْ صُحُفُ ‏‏إِبْرَاهِيمَ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏‏فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ

وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) أخرجه أحمد ( 4 / 107 ) ، والبيهقي في " السنن " ( 9 / 188 ) ، وسنده حسن ، وذكره الألباني في " الصحيحة " ( 1575 )

. وهذا لا يعرف إلا إذا كان الحساب بالقمر والأهلة ، ويدل عليه أيضا الحديث المخرج في الصحيحين ‏عَنْ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏‏قَالَ : ‏ قَدِمَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏الْمَدِينَةَ ‏فَرَأَى ‏‏الْيَهُودَ ‏‏تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ :‏ ‏مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ

هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ ‏‏بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏‏مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ ‏‏مُوسَى ... الحديث , أخرجه البخاري ( 2004 ) ومسلم ( 1130 ) ، وقد صرَّح الحافظ رحمه الله أنهم كانوا لا يعتبرون الحساب بالشمس -

انظر : " الفتح " ( 4 / 291 ) ، وانظر ( 7 / 323 ) - .

وقال ابن القيم رحمه الله - تعليقا على قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ) يونس/5 ، وقوله تعالى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) يس/38 ، 39 :

" ولذلك كان الحساب القمري أشهر وأعرف عند الأمم وأبعد من الغلط ، وأصح للضبط من الحساب الشمسي ، ويشترك فيه الناس دون الحساب ، ولهذا قال تعالى : ( وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) يونس/5 ولم يقل ذلك في الشمس

ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره حكمة من الله ورحمة وحفظا لدينه لاشتراك الناس في هذا الحساب ، وتعذر الغلط والخطأ فيه ، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والتخليط ما دخل في دين أهل الكتاب "

انتهى من "مفتاح دار السعادة " ص 538 ، 539 .

وربما يُفهم من العبارة الأخيرة لابن القيم رحمه الله أن أهل الكتاب كانوا يعتمدون الحساب بالشمس ، وهذا قد صرح الحافظ ابن حجر رحمه الله بردِّه بعد أن نسبه لابن القيم - انظر : " الفتح " ( 7 / 323 ) – .

والواقع أنه لم يكن معتبراً في شرعهم وإنما وقع لهم بعد ذلك لدى جهلتهم " انتهى .

وفي فوائد قوله تعالى : ( يسئلونك عن الأهلة ... ) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ومنها : أن ميقات الأمم كلها الميقات الذي وضعه الله لهم - وهو الأهلة - فهو الميقات العالمي ؛ لقوله تعالى : ( مواقيت للناس ) ؛ وأما ما حدث أخيراً من التوقيت بالأشهر الإفرنجية :

فلا أصل له من محسوس ، ولا معقول ، ولا مشروع ؛ ولهذا تجد بعض الشهور ثمانية وعشرين يوماً ، وبعضها ثلاثين يوماً

وبعضها واحداً وثلاثين يوماً ، من غير أن يكون سبب معلوم أوجب هذا الفرق ؛ ثم إنه ليس لهذه الأشهر علامة حسيَّة يرجع الناس إليها في تحديد أوقاتهم ، بخلاف الأشهر الهلاليَّة فإن لها علامة حسيَّة يعرفها كل أحدٍ " انتهى .

" تفسير البقرة " ( 2 / 371 ) .

وقال القرطبي رحمه الله تعليقاً على قوله تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ) التوبة/36 :

" هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام في العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهراً ؛ لأنها مختلفة الأعداد ، منها ما يزيد على ثلاثين

ومنها ما ينقص ، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص ، والذي ينقص ليس يتعين له شهر وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج " انتهى .

" تفسير القرطبي " ( 8 / 133 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:20
حكم توزيع الآيات القرآنية
بين القراء، لكل قارئ آية

السؤال

: أنا أعمل في مونتاج الفيديوهات ، وأريد أن أجمع عدة أصوات لقراء في سورة واحدة مثلا أن يقرأ السديس الآية الأولى والمعيقلي الآية الثانية ، وهكذا ، فما حكم هذا ؟ وهل هذا جائز ؟ أم لا ؟

الجواب :

الحمد لله

مما يجب ألا يخفى على المسلم أن القرآن الكريم أنزل ليتدبر فيعمل بما فيه.

قال الله تعالى:( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ص /29.

وقال الله تعالى:( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) محمد /24 .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" ... المقصود من القراءة فهمه وتدبره، والفقه فيه والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه، كما قال بعض السلف: " نزل القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا " .

ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب.

وأما من حفظه ، ولم يفهمه ، ولم يعمل بما فيه، فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم.

قالوا: ولأن الإيمان أفضل الأعمال، وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر الإيمان

وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر، فيفعلها البر والفاجر، والمؤمن والمنافق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن، كمثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مر ) ".

انتهى من "زاد المعاد" (1 / 327).

والصورة التي تريد عملها ، وهي أن تكون كل آية بصوت قارئ معيّن ، وإن كنا لا نعلم دليلا على تحريمها بخصوصها ؛ إلّا أننا نرى أن فيها من المحاذير ما هو خليق بمنعها ، والنهي عنها .

فمن ذلك : أنها تجعل السامع يلتفت وينجذب إلى الصوت واللحن بصورة أكثر .

ثم لا يكاد يستمع له في آية ، حتى تنتقل به إلى صوت آخر ، وقارئ جديد .

فتكون مراعاته للأصوات ، ومن ثم : المقارنة بين القراء ، وحسن أصواتهم ، وجودة أدائهم = يكون ذلك هو شغله بهذا السماع ، ومن شأن ذلك أن يصرفه عن تدبر معاني القرآن الكريم .

ولأجل ما يظهر لنا من محاذير في هذا التنويع ، حتى ليوشك أن يقرب بتلاوة القرآن من اللعب والعبث ، أو التكلف الزائد الذي لا يحتاج إليه لأجل ذلك كله نحن نرى ألا تفعل ذلك ، وتتخير للناس الصوت ، أو التسجيل المناسب .

فإن كنت لا بد فاعلا ، فاجعل لكل قارئ تسجيلا مستقلا ، تسجل له القرآن كله ، أو سورة كاملة ، أو نحو ذلك مما يعتاده الناس ، ولا يزالون يفعلونه .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:23
هل يجوز أن يقال: "سورة كذا "
أو : "السورة التي يذكر فيها كذا " ؟

السؤال :

ما صحة تحرج بعض صحابة والتابعين من أمثال عبد الله بن عمر ، والحجاج ثقفي من تسمية بعض السور كالبقرة ؟

الجواب :

الحمد لله

ثبت عن بعض السلف كراهة أن يقال في تسمية السورة باسمها المباشر، كأن يقال: سورة البقرة، سورة آل عمران، ونحو ذلك، ورأى هؤلاء أن يقال: السورة التي تذكر فيها البقرة، وهكذا .

وقد روى البخاري عن الأعمش، قال:

" سمعت الحجاج، يقول على المنبر: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، والسورة التي يذكر فيها النساء .

قال: فذكرت ذلك لإبراهيم ، فقال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع ابن مسعود رضي الله عنه حين رمى جمرة العقبة، فاستبطن الوادي ، حتى إذا حاذى بالشجرة اعترضها، فرمى بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ثم قال: من ها هنا ، والذي لا إله غيره ، قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم "

رواه البخاري(1750).

وبوب البخاري في صحيحه بابًا فقال: " باب من لم ير بأسا أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا " ، وأورد فيه عدة أحاديث (5040 - 5042)، منها:

1- عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ).

2- عن حديث المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد القاري ، أنهما سمعا عمر بن الخطاب، يقول: " سمعت هشام بن حكيم بن حزام، يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة ، فانتظرته حتى سلم ، فلببته فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقلت له: كذبت فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة ، التي سمعتك فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده ، فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وإنك أقرأتني سورة الفرقان، فقال: (يا هشام اقرأها) فقرأها القراءة التي سمعته

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هكذا أنزلت) ، ثم قال: (اقرأ يا عمر) فقرأتها التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هكذا أنزلت) ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه).

3- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: " سمع النبي صلى الله عليه وسلم قارئا يقرأ من الليل في المسجد، فقال: ( يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا وكذا).

قال ابن حجر: " أشار بذلك إلى الرد على من كره ذلك وقال لا يقال إلا السورة التي يذكر فيها كذا " انتهى من فتح الباري"(9/ 87).

وقال الإمام النووي: " يجوز أن يقول : سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء، وسورة العنكبوت، وكذلك الباقي، ولا كراهةَ في ذلك .

وقال بعض السلف: يُكره ذلك، وإنما يُقال: السورة التي تُذكر فيها البقرة، والتي يُذكر فيها النساء، وكذلك الباقي .

والصواب الأوّل، وهو قولُ جماهير علماء المسلمين من سلف الأمة وخلفها، والأحاديثُ فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم " انتهى من "الأذكار"(109).

ولا يصح في هذه المسألة حديث مرفوع، وإنما هو اجتهاد لبعض السلف ، خالفه من هو أولى وأكثر ، مع دلالة السنة الصحيحة على خلافه أيضا .

وأما الحديث الوارد عن أنس بن مالك مرفوعًا: ( لا تقولوا: سورة البقرة، ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذا القرآن كله، ولكن قولوا: السورة التي يذكر فيها البقرة، والتي يذكر فيها آل عمران، وكذا القرآن كله) : فلا يصح، قال ابن كثير: " هذا حديث غريب لا يصح رفعه، وعيسى بن ميمون هذا هو أبو سلمة الخواص، وهو ضعيف الرواية، لا يحتج به "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/ 156) .

وشرع ابن كثير في إيراد بعض الأحاديث التي ثبت فيها إطلاق سورة البقرة ، سورة آل عمران ، ونحو ذلك .

وقال السيوطي عن الحديث السابق: " وإسناده ضعيف، بل ادعى ابن الجوزي أنه موضوع، وقال البيهقي: إنما يعرف موقوفًا على ابن عمر، ثم أخرجه عنه بسند صحيح.

وقد صح إطلاق سورة البقرة وغيرها عنه صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: (هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة ومن ثم لم يكرهه الجمهور) "

انتهى من "الإتقان" (1/ 187)، "معترك الأقران" (2/ 276).

وقال الشيخ أبو شهبة: " والصحيح جواز أن يقال سورة البقرة: وآل عمران والنساء، والأعراف، وهكذا بدون كراهة، ولا يشترط أن يقال السورة التي يذكر فيها البقرة، وهكذا سائر السور "

انتهى من "المدخل لدراسة القرآن" (318).

والخلاصة :

أن الصحيح جواز أن يقال سورة البقرة: وآل عمران والنساء، والأعراف، وهكذا بدون كراهة

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:27
الرد على شبهة : انصراف العرب عن الإتيان
بمثل القرآن لانشغالهم وليس لعجزهم عن ذلك.

السؤال :

في كتاب "الزمرد" لابن الراوندي ذكر فيه أن العرب عجزوا عن الإتيان بمثل هذا القرآن بسبب انشغالهم بالقتال ، أرجو الرد علي هذه الشبهة ، مع وضع أدلة قاطعة علي نبوة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم ، مع استخدام ألفاظ سهلة .

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

سنقدم بين يدي الجواب ملخصًا، لإثبات أن القرآن من الله سبحانه، وقد قمنا بتلخيص هذه الأوجه، من كتاب النبأ العظيم، للدكتور محمد عبدالله دراز رحمه الله .

وقد أخبر القرآن عن مصدره، لكننا سننطلق في الإجابة عن هذا السؤال، بذكر الحجج التي يمكننا أن نصل عبرها للإيمان بأن الله تعالى هو مصدر هذا الكتاب المجيد .

الحجة الأولى: حجة الإقرار .

لقد أقر محمد صلى الله عليه وسلم أن القرآن الذي جاء به ليس من كلامه، وإنما هو وحي أوحاه الله إليه، ونحن نعلم أنه لم يكن لينسب هذا الكلام الذي عجز العرب عن مجاراته ليستجلب مزيدًا من الأتباع، فقد جاء الأمر في القرآن باتباعه، ونعلم أيضًا أن شواهد أحواله، ومعرفتنا بصدقه قبل البعثة، أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله .

الحجة الثانية: أمية النبي صلى الله عليه وسلم .

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ممن يرجع بنفسه لكتب العلم ودواوينه، ومن المتفق عليه : كونه صلى الله عليه وسلم لم يكن يمارس القراءة والكتابة قبل بعثته.

ولا يمكن أن يكون القرآن من استنباط النبي بالذكاء الفطري الذي كان يتمتع به، لأن القرآن قد احتوى على ما لا يمكن أن يستنبط بالعقل ولا بالتفكير، وفيه أيضًا ما لا يدرك بالوجدان ولا بالشعور، كالوقائع التاريخية، والحقائق الدينية الغيبية، والتي جاءت في القرآن بصورة مفصلة، والإخبار بالأمور المستقبلية، والتي وقعت كما أخبر .

الحجة الثالثة: عدم أخذ القرآن عن معلم .

لا يمكن أن يكون القرآن قد أخذ عن معلم، لأن قوم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من الجهل بحيث لا يمكن أن يكون أحدهم معلمًا لمحمد .

ولو فرضنا أن فيهم من يصلح لذلك، فلِمَ لم يأخذوا عنه ، كما أخذ محمد ، بدلًا من مقارعته بالسيوف ؟!

ومن المستحيل أن يكون القرآن قد أخذ عن اليهود والنصارى، ولينظر قائل تلك المقالة إلى حديث القرآن عن أهل الكتاب، وذكره لهم، وكيف يصور القرآن علومهم بأنها الجهالات، وعقائدهم بأنها الخرافات، وأعمالهم بأنها الجرائم والمنكرات .

وفي القرآن ما لا يوجد في كتب أهل الكتاب، كقصة هود وشعيب عليهما السلام، فمن أين أتى بها ؟!

ولا يمكن أن يكون القرآن قد أُخذ عن شعر بعض العرب، كأمية بن أبي الصلت وغيره، لأن القرآن نفى أن يكون شعرًا، ولأن في الشعر ما لا يوجد في القرآن، كوصف الخمر، ونحوها، ولأن العرب لم يدع أحد منهم أن القرآن مسروق أو منحول من الشعر الموجود في ذلك العصر ، أيًا كان قائله .

الحجة الرابعة: التحدي وعجز العرب .

لقد تحدى القرآن العرب، وكرر التحدي عليهم أن يأتوا بمثل القرآن، وظل يتدرج بهم إلى أن وصل أن يأتوا بسور من مثل القرآن، فعجزوا .

أفإن كان القرآن من كلام محمد، فلم عجزت العرب عنه ؟!

إن أحدًا منهم لم يستطع أن يجاريه، ولا أن يطعن في عربيته، ولذا: فإن أي طعن يوجه للقرآن من جهة عربيته ، من طاعن متأخر عن أبي جهل، وأبي لهب ، وأضرابهما : فاعلم أنه باطل في ذاته؛ إذ لو كان صحيحًا لما غفل عنه هؤلاء الأعداء، وهم أبصر الناس باللغة، وأحرصهم على الطعن في القرآن .

الحجة الخامسة: ظاهرة الوحي .

لم يكن الوحي حالة اختيارية تعتري محمدًا صلى الله عليه، بل كان حالة غير اختيارية، وهذا - لمن يؤمن بالغيب - دليل على كون القرآن من عند الله، فقوة الوحي قوة خارجية، لأنها تتصل بنفس محمد حينًا بعد حين، وهي قوة عالمة، وهي قوة أعلى من قوته، لأنها تحدث آثارًا في بدنه، وهي قوة خيرة معصومة، لا توحي إليه إلا الحق، فماذا عسى أن تكون تلك القوة إن لم تكن قوة ملك كريم ؟!

ولم يكن الوحي يعكس شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي أكثر الأوقات لا يذكر عنه شيئًا، وتأمل - مثلًا -: حين مات عمه أبو طالب، وزوجته خديجة، وحزن لذلك حزنًا شديدًا، ومع ذلك لم يشر الوحي إلى ذلك .

بل نجد في الوحي آيات اللوم والعتاب له عليه الصلاة والسلام .

الحجة السادسة: إعجاز القرآن .

لقد جاء القرآن نموذجًا لا يبارى في الأدب العربي، إنه المثل الأعلى لما يمكن أن يسمى أدبًا بوجه عام، فلغته تأخذ بالقلوب، وتفحم بالحجة، وتجلب السرور الهادئ لا الصاخب .

1- لغة القرآن مادة صوتية، تبعد عن طراوة لغة أهل الحضر، وخشونة لغة أهل البادية، إنها تجمع بين رقة الأولى، وجزالة الثانية .

2- إنها ترتيب في مقاطع الكلمات ، في نظام أكثر تماسكًا من النثر، وأقل نظمًا من الشعر .

3-كلماته منتقاة، لا توصف بالغريب إلا نادرًا، تمتاز بالإيجاز العجيب، والنقاء في التعبير .

4- إنه أسلوب يجمع بين العقل والعاطفة على رغم ما بينهما من تباعد .

5- وهو في وحدة سوره، وترتيبها، وتناسق أجزائها : آية ؛ وأي آية ! .

ثانيًا:

لا يصح القول : إن العرب انصرفت هممهم عن معارضة القرآن، لأمور:

1- لأن الأسباب الباعثة على المعارضة كانت موفورة متضافرة، سيما مع استثارة حميتهم، والدعوة التي تكررت لهذه المعارضة، ولهي أهون عليهم مما قاموا به .

2- أن العرب قعدوا حتى عن تجربة المعارضة، ولم يشرع منهم إلا أقلهم عددًا، وأسفههم رأيًا، إذًا: فلقد كانوا في غنى بهذا العلم الضروري عن طلب الدليل عليه بالمحاولات والتجارب .

لقد كان القرآن نفسه مثار عجبهم وإعجابهم، ولقد كانوا يخرون سجدًا لسماعه .

يقول الدكتور دراز: " الشبهة الثالثة : شبهة القائل بأن عدم معارضة العرب لأسلوب القرآن ، ربما كان بسبب انصرافهم ، لا بسبب عجزهم:

فإن قال لنا: نعم، قد علمتُ أنه لم يأتِ أحد بشيء في معارضة القرآن، ولكن ليس كل ما لم يفعله الناس ، يكون خارجًا عن حدود قدرتهم، فربما ترك الإنسان فعلًا هو من جنس أفعاله الاختيارية :

لعدم قيام الأسباب التي من شأنها أن تبعث عليه .

أو لأن صارفًا إلهيًّا ثبط همته ، وصرف إرادته عنه ، مع توافر الأسباب الداعية إليه .

أو لأن عارضًا فجائيًّا عطَّل آلاته ، وعاق قدرته عن إحداث ذلك الفعل ، بعد توجه إرادته نحوه .

فعلى الفرضين الأولين : يكون عدم معارضة القرآن : قلة اكتراث بشأنه ، لا عجزًا عن الإتيان بمثله، وعلى الفرض الأخير يكون تركه عجزًا عنه حقًّا، لكن ليس لمانع فيه من جهة علو طبقته عن مستوى القدرة البشرية، بل لمانع خارجي ، هو حماية القدرة العليا له، وصيانتها إياه عن معارضة المعارضين، ولو أزيل هذا المانع لجاء الناس بمثله.

= قلنا له:

هذه الفروض كلها لا تنطبق على موضوعنا بحال :

أما الأول: فإن الأسباب الباعثة على المعارضة ، كانت موفورة متضافرة، وأي شيء أقوى في استثارة حمية خصمك من ذلك التقريع البليغ المتكرر الذي توجهه إليه ، معلنًا فيه عجزه عن مضاهاة عملك؟

إن هذا التحدي كافٍ وحده في إثارة حفيظة الجبان ، وإشعال همته للدفاع عن نفسه بما تبلغه طاقته ؛ فكيف لو كان الذي تتحداه مجبولًا على الأنفة والحمية؟ وكيف لو كان العمل الذي تتحداه به هو صناعته التي بها يفاخر، والتي هو فيها المدرب الماهر؟ وكيف لو كنت مع ذلك ترميه بسفاهة الرأي وضلال الطريق؟ وكيف لو كنت تبتغي من وراء هذه الحرب الجدلية هدم عقائده، ومحو عوائده وقطع الصلة بين ماضيه ومستقبله؟

وأما الثاني: فإن هذه الأسباب قد رأيناها آتت بالفعل ثمراتها، وأيقظت همم المعارضين إلى أبعد حدودها. حتى كان أمر محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والقرآن هو شغلهم الشاغل، وهمهم الناصب، فلم يَدَعُوا وسيلة من الوسائل لمقاومته ، باللطف ، أو بالعنف ؛ إلا استنبطوها ، وتذرعوا بها:

أيخادعونه عن دينه ليلين لهم ، ويركن قليلًا إلى دينهم ؟

أم يساومونه بالمال والملك ليكف عن دعوته ؟

أم يتواصون بمقاطعته، وبحبس الزاد عنه وعن عشيرته الأقربين، حتى يموتوا جوعًا أو يُسلموه ؟

أم يمنعون صوت القرآن أن يخرج من دور المسلمين ، خشية أن يسمعه أحد من أبنائهم ؟

أم يلقون فيه الشبهات والمطاعن ؟

أم يتهمون صاحبه بالسحر والجنون، ليصدوا عنه من لا يعرفه من القبائل القادمة في المواسم؟

أم يمكرون به ، ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه ؟

أم يخاطرون بمهجهم وأموالهم وأهليهم في محاربته ؟

= أفكان هذا كله تشاغلًا عن القرآن ، وقلة عناية بشأنه ؟!

ثم لماذا كل هذا ، وهو قد دلهم على أن الطريق الوحيد لإسكاته : هو أن يجيئوه بكلام مثل الذي جاءهم به؟

ألم يكن ذلك أقرب إليهم ، وأبقى عليهم ، لو كان أمره في يدهم؟

ولكنهم طرقوا الأبواب كلها ؛ إلا هذا الباب، وكان القتل والأسر والفقر والذل ؛ كل أولئك أهون عليهم من ركوب هذا الطريق الوعر ، الذي دلهم عليه !!

فأي شيء يكون العجز ؛ إن لم يكن هذا هو العجز ؟!

لا ريب أن هذه الحملات كلها لم تكن موجهة إلى شخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، فقد كانوا من قبلُ تعطفهم عليهم أرحامهم، وتحببهم إليهم مكارم أخلاقهم.

كما أنها لم تكن موجهة إلى القرآن في الصدور ، ولا في داخل البيوت؛ فقد قبلوا منهم أن يعبد كل امرئ ربه في بيته كيف يشاء.

إنما كانت مصوبة إلى هدف واحد، ومقاومة لخطر واحد، هو إعلان هذا القرآن ، ونشره بين العرب !!

ولا يهجسنَّ في رُوعك أنهم ما نقموا من الإعلان بالقرآن ، إلا أنه دعوة جديدة ، إلى دين جديد فحسب !!

كلا ؛ فقد كان في العرب حنفاء ، من فحول الخطباء والشعراء؛ كقُس بن ساعدة، وأمية بن أبي الصلت، وغيرهما، وكانت خطبهم وأشعارهم مشحونة بالدعوة إلى ما دعا إليه القرآن من دين الفطرة ؛ فما بالهم قد أهمهم من أمر محمد وقرآنه ما لم يعنهم من أمر غيره؟

ما ذاك إلا أنهم وجدوا له شأنًا آخر ، لا يشبه شأن الناس .

وأنهم أحسوا في قرآنه قوةً غلّابة ، وتيارًا جارفًا ، يريد أن يبسط سلطانه ، حيث يصل صدى صوته .

وأنهم لم يجدوا سبيلًا لمقاومته ، عن طريق المعارضة الكلامية التي هي هجيراهم، والتي هي الطريق المباشر الذي تحداهم به، فلا جرم كان الطريق الوحيد عندهم لمقاومته : هو الحيلولة بمختلف الوسائل بين هذا القرآن وبين الناس ، مهما كلفهم ذلك من تضحية !!

وكذلك فعلوا، وكذلك مضت السنة فيمن بعدهم من أعداء القرآن ، إلى يومنا هذا !!

وأما الثالث: فإنه لو كان عجزهم عن مضاهاة القرآن لعارضٍ أصابهم ، حال بينهم وبين شيء في مقدورهم = لما استبان لهم ذلك العجز إلا بعد أن يبسطوا ألسنتهم إليه، ويجربوا قدرتهم عليه؛ لأنه ما كان لامرئ أن يحس بزوال قدرته عن شيء كان يقدر عليه ، كقدرته على القيام والقعود، إلا بعد محاولة وتجربة ؟!

ونحن قد علمنا أنهم قعدوا عن هذه التجربة، ولم يشرع منهم في هذه المحاولة ، إلا أقلهم عددًا، وأسفههم رأيًا.

فكان ذلك آية على يأسهم الطبيعي من أنفسهم، وعلى شعورهم بأن عجزهم عنهم عجز فطري عتيد، كعجزهم عن إزالة الجبال، وعن تناول النجوم من السماء، وأنهم كانوا في غنى بهذا العلم الضروري ، عن طلب الدليل عليه بالمحاولات والتجارب !!

على أنهم لو كانوا لم يعرفوا عجزهم عنه ، بادئ ذي بدء، وإنما أدركهم العجز بعد شعورهم بأنه في مستوى كلامهم، لكان عجبهم إذًا من أنفسهم: كيف عَيُوا به ، وهو منهم على طرف الثُّمام؟ ولجعلوا يتساءلون فيما بينهم : أي داء أصابنا ، فعقد ألسنتنا عن معارضة هذا الكلام ، الذي هو ككل كلام؟

أو لرجعوا إلى بيانهم القديم ، قبل أن يصيبهم العجز ؛ فجاءوا بشيء منه في محاذاته !!

ولكنهم لم يجيئوا فيه بقديم ، ولا جديد !!

وكان القرآن - نفسه - هو مثار عجبهم ، وإعجابهم ؛ حتى إنهم كانوا يخرون سُجَّدًا لسماعه ، من قبل أن تمضي مهلة يوازنون فيها بينه وبين كلامهم !!

بل إن منهم من كان يغلبه هذا الشعور ، فيفيض على لسانه اعترافًا صحيحًا: "ما هذا بقول بشر".
\
انتهى، من النبأ العظيم: (114 - 118).

لا يصح القول أن العرب انصرفت هممهم عن معارضة القرآن، لأمور:

1- أن الأسباب الباعثة على المعارضة كانت موفورة متضافرة، وخاصة مع استثارة حميتهم، والدعوة التي تكررت لهذه المعارضة، وهي أهون عليهم مما قاموا به.

2- أن العرب قعدوا حتى عن تجربة المعارضة، ولم يحاول ذلك إلا السفهاء منهم ؛ لعلم عقلائهم الضروري بعجزهم المطبق عن كل ذلك .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:31
كلام الإمام الشافعي عن سورة العصر، وكفايتها

السؤال :

هل صح أن الإمام الشافعي رحمه الله قال : " لو نزلت هذه السورة يعني سورة العصر لكفت للناس " ؟

وفي أي كتاب ذكر هذا القول ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

نقلت هذه الكلمة عن الإمام الشافعي رضي الله عنه، ونقلها غير واحد من أهل العلم، انظر: "تفسير الإمام الشافعي" (3/ 1461)، "مجموع الفتاوى" (28/ 152)، "تفسير ابن كثير" (1/ 203) ، "التحرير والتنوير" (30/ 528).

ولهذه الكلمة عدة روايات تؤدي إلى معنى واحد، ومن هذه الروايات:

1- " لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم"

2- " لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم " .

ثانيًا:

افتتحت السورة بقسم اللَّه بالعصر ، وهو الزمان الذي ينتهي إليه عمر الإنسان ، المشتمل على العجائب والعبر الدالة على قدرة اللَّه وحكمته = على أن جنس الإنسان في خسارة ونقصان إلا من اتصف بالأوصاف الأربعة، وهي: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي مع الآخرين بالحق، والتواصي بالصبر.

انظر: "التفسير المنير" (30/ 390) ؛ "أسماء سور القرآن وفضائلها"، منيرة الدوسري (ص 592).

ثالثًا:

يقول ابن القيم رحمه الله : " فإنه سبحانه قسَّم نوع الإنسان فيها قسمين: خاسرًا ورابحًا، فالرابح من نصح نفسه بالإيمان والعمل الصالح، ونصح الخلق بالوصية بالحق ، المتضمنة لتعليمه وإرشاده، والوصية بالصبر المتضمنة لصبره هو أيضًا، فتضمنت السورة النصيحتين ، والتكميلين ، وغاية كمال القوتين، بأخصر لفظ وأوجزه وأهذبه وأحسنه ديباجةً وألطفه موقعًا.

أما النصيحتان : فنصيحة العبد نفسه، ونصيحته أخاه ؛ بالوصية بالحق ، والصبر عليه.

وأما التكميلان : فهو تكميله نفسه ، وتكميله أخاه.

وأما كمال القوتين فإن النفس لها قوتان: قوة العلم والنظر، وكمالها بالإيمان، وقوة الإرادة والحب والعمل، وكمالها بالعمل الصالح، ولا يتم ذلك لها إلا بالصبر.

فصار ههنا ستة أمور:

ثلاثة يفعلها في نفسه ، ويأمر بها غيره : تكميل قوته العلمية بالإيمان، والعملية بالأعمال الصالحة، والدوام على ذلك بالصبر عليه .

وأمره لغيره بهذه الثلاثة، فيكون مؤتمرًا بها ، آمرًا بها ، متصفًا بها ، معلِّمًا لها ، داعيًا إليها .

فهذا هو الرابح كل الربح، وما فاته من الربح بحسبه وحصل له نوع من الخسران، والله المستعان وعليه التكلان "

انتهى من " الكلام على مسألة السماع" (279).

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:42
نبذة عن رسم المصحف.

السؤال:

ماذا يقصد علماء رسم القرآن مثل أبي عمرو الداني في كتابه المقنع عند ذكره لسورة الأنعام بقوله: "وفيها في مصاحف أهل الكوفة "لئن أنجينا من هذه" ، بياء من غير تاء ، وفي سائر المصاحف : "لئن انجيتنا" بالياء والتاء" ، عند قوله تعالى : " قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ" ففي مصحف أو قراءات الكوفيين ليست هناك ياء في كلمة " أَنجَانَا" ، فماذا يعني بذلك؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا: نبذة عن رسم المصحف :

روى الإمام البخاري في صحيحه: (4987): عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان، قدم على عثمان رضي الله عنهم وكان يغازي أهل الشأم في فتح أرمينية، وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة، قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: «أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك» .

فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف "، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: «إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم» ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف، أن يحرق".

وفي هذه الرواية : ما يشير إلى شيء من تاريخ رسم المصاحف، وأن هذا الرسم نشأ في عهد أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وقد اعتمد هذا الرسم على مجموعة من القواعد التي كانت متبعة آنذاك، وكان الرسم فرعًا عن المحفوظ في الصدور .

وفي هذا الأثر ما يدل على :

"أن هذا الرسمَ الذي كان متعارفاً بينهم ، كان فيه اختلافٌ يدخل في اختلاف التنوع في طريقة الرسمِ، وقد طلب منهم عثمان رضي الله عنه أن يكتبوه على الرسم الموافق للغة قريش، فقال: «وإذا اختلفتم أنتم وزيد، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه بلسانها نزل»، والذي يدل على هذا المثال المذكور في اختلافهم مع زيد رضي الله عنه، فقد أراد زيد أن يكتب (التابوة)، وأراد القرشيون الذين معه أن يكتبوها (التابوت)، فدلَّ على أن القرشيين يفتحون التاء، ويقفون عليها بالتاء، والأنصار يربطون التاء، ويقفون عليها بالهاء، فكتبت بالرسم الموافق للغة قريش، وهذا من اختلاف الرسم كما ترى.
\
ويقوم (رسم المصحف) على مجموعة من القواعد التي استنبطها العلماء من رسم الصحابة، وهذه القواعد:

1- الحذف، مثل حذف الألف في مواطن كثيرة (يأيها)، وقد حُذِفت الألف بعد الياء.

2- الزيادة، مثل زيادة الألف في مواطن، مثل زيادتها في كلمة (مائة) و (مائتين).

3- الهمز، مثل (يؤمنون، بئس، سأل)، وهي من أوسع أبواب الضبط وأشكلها.

4- البدل، مثل كتابة الواو في «الصلوة» بدلاً عن الألف (الصلاة).

5- الوصل والفصل، ويقع له أمثلة كثيرة في ألفاظ متغايرة، مثل لفظة (إنما) تكتب مفصولة وموصولة، ففي قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآَتٍ} [الأنعام: 134] كُتِبت مفصولة، وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [الذاريات: 5] كُتِبت موصولة.
6- ما فيه قراءتان، وكتب على إحداهما، مثل قراءة سكارى بالألف ودونها في قوله تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 2]، فهي تحتمل الألف وعدمها.

وقد توزع القراءات في المصاحف، مثل قراءة (أوصى) وقراءة (ووصى)، وما فيه قراءتان فيه تفاصيل تُعرف من كتب القراءات والرسم.

ويمكن الرجوع إلى ما كتبه السيوطي (ت911هـ) في النوع السادس والسبعين (في مرسوم الخط وآداب كتابته)، فقد أتى بأمثلة كثيرة على كل قاعدة من هذه القواعد. كما أن هذه القواعد مفصلة بالأمثلة في كتب الرسم"

انتهى من كتاب: المحرر في علوم القرآن، د. مساعد الطيار: (226).

وقد أرسل عثمان رضي الله عنه عددًا من المصاحف إلى الأمصار، ووقع خلاف بين العلماء في عدد المصاحف، والصحيح أنها ستة: المصحف الذي استكتبه عثمان لنفسه، والمصحف المدني الذي كان عند زيد بن ثابت، والمصحف المكي، والمصحف الكوفي، والمصحف البصري، والمصحف الشامي، وهذه المصاحف هي التي نقل العلماء عنها، وحكوا ما فيها من الرسم .

أما ما عدا ذلك كالمصحف المنسوب للبحرين أو لليمن، فلم يُنقل عنه أبدًا، مما يشير إلى عدم وجودهما أصلًا.

وهذه المصاحف الستة التي نسخها عثمان رضي الله عنه هي الأصل الذي يُعتمدُ في حكاية المرسوم، وكل ما حكاه علماء الرسم المتقدمون؛ فهو عن هذه المصاحف، أو عن مصاحف أخذت رسومها عن هذه المصاحف الأصيلة، ثم صار هؤلاء الأعلام حجة فيما نقلوه، وعمدةً فيما أثبتوه.

وألّف عدد من العلماء بعد عصر تدوين العلوم الإسلامية كتبا خاصة لوصف طريقة كتابة الكلمات في المصاحف العثمانية، لعل من أشهرها في زماننا كتاب (المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار) لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني الأندلسي المتوفى سنة 444 هـ. وهو مطبوع عدة طبعات .

ويمكن التعرف على هذه الكتب مع بحوث وافية عن الرسم في كتاب: رسم المصحف للشيخ د. غانم قدوري الحمد .

ثانيًا: بيان كلام الإمام الداني الوارد في السؤال :

ذكر الإمام الداني رحمه الله أن المصاحف اختلفت في رسم "هاتين الآيتين من الهجاء: {لئن أنجيتنا} [فـ] كتبوه في مصاحف أهل المدينة، ومكة والشام، والبصرة بياء وتاء ونون، على ثلاثة أحرف بين الجيم والألف، ... وكتبوا في مصاحف أهل الكوفة: {لئن أنجينا} على حرفين بين الجيم والألف"، انظر: مختصر التبيين لهجاء التنزيل: (3/ 490).

وهذا هو نفس ما جاء في كتاب " المقنع" لأبي عمرو الداني ، وأشار إليه السائل في سؤاله .

قال أبو عمرو رحمه الله :

" حدثنا الخاقاني قال حدثنا أحمد قال حدثنا علي قال قال أبو عبيد اختلفت مصاحف أهل العراق والكوفة والبصرة في خمسة أحرف: كتب الكوفيون في الأنعام " لئن أنجينا " بغير تاء .. "

. انتهى، من "المقنع" (116) .
\
وقال أيضا :

" وفي الأنعام ، في بعض المصاحف ... ( لّئن أنجيتنا ) ، بالياء والتاء والنون ، وفي بعضها ( أنجينا ) ، بالياء والنون ..

" انتهى ، من "المقنع" (97) .

وهذا الخلاف المذكور : إنما هو خلاف في "رسم المصحف" ، وكتابته ؛ فكتاب "المقنع" : خاص بذلك ، كما هو واضح من مجرد اسمه : " المقنع في رسم مصاحف الأمصار " .

وأما قول السائل :

" ففي مصحف أو قراءات الكوفيين ليست هناك ياء في كلمة " أَنجَانَا" فماذا يعني بذلك؟ " ؛ ففيه خلط واضح بين " رسم المصحف " ، وقراءات القراء ، أو : طرق الأداء .

فاختلاف المصاحف في رسمها ، هو المذكور أولا .

وأما اختلاف القراء ، فله بابه ، وهو الذي يقال عنه : إنه ليس فيه "ياء" ؛ فإن قراء الأمصار ، لم يقرأ أحد منهم هنا بالياء .

قال ابن مهران في المبسوط: (195 - 196): "قرأ أبو جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب {لئن أنجيتنا من هذه} [63] بالتاء.

وقرأ عاصم وحمزة وخلف {لئن أنجانا} بالألف من غير تاء، وعاصم يفتحه، والآخرون يكسرون"، ومقصوده بالكسر: الإمالة .

والإمالة: تقريب الألف نحو الياء، والفتحة التي قبلها نحو الكسرة [ولذلك رسمت الكلمة بالياء]

انظر: الكتاب، لسيبويه: (2/ 310)، والشافية الكافية: (4/ 1970)

وقد قال الإمام ابن الجزري رحمه الله في النشر: (2/ 259)، "(واختلفوا) في: (أنجيتنا) فقرأ الكوفيون (أنجانا) بألف بعد الجيم من غير ياء، ولا تاء، وكذا هو في مصاحفهم، وهم في الإمالة على أصولهم، وقرأ الباقون بالياء والتاء من غير ألف، وكذا هو في مصاحفهم" .

وقال الأهوازي :

" حمزة، والكسائي: «لئن أنجانا من هذه» بألف ممالة.
عاصم وحده: بألف مفخّمة.
الباقون: «لئن أنجيتنا» بالتاء ، من غير ألف .

"الوجيز في شرح القراءات" ، للأهوازي(173) .

وقد فصل ابن زنجلة رحمه الله سبب الخلاف في "قراءة" هذا الحرف ، فقال :

" قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لَئِن أنجانا من هَذِه} بِغَيْر تَاء ، على لفظ الْخَبَر عَن غَائِب ؛ بِمَعْنى : لَئِن أنجانا الله ؛ وحجتهم : أَنَّهَا فِي مصاحفهم بِغَيْر تَاء .

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَئِن أنجيتنا} ، بِالتَّاءِ على الْخطاب لله ، أَي لَئِن أنجيتنا يَا رَبنَا .

وحجتهم مَا فِي يُونُس {لَئِن أنجيتنا من هَذِه} ، وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ ؛ فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ"

انتهى ، من "حجة القراءات" لابن زنجلة (255) .

والحاصل :

أن هناك فرقا بين اختلاف العلماء في رسم هذا الحرف ، من المصحف ، وكتابته ، على النحو السابق . واختلافهم في قراءته ، وطريقة أدائه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:45
رسم الاسم المقصور، والألف الخنجرية في القرآن الكريم

السؤال :

لماذا بعض الكلمات لها ألفٌ خنجريةٌ فوقها متباينةً من الألف الكاملة ؟ كيف يمكنني التمييز بين الكلمات التي يجب أن يكون فيها ألفٌ خنجريةٌ والكلمات التي لا يوجد فيها؟ إذا قرأناها فلفظيّاً في كلتا الحالتين يكون الصوت نفسه ، بملاحظة الألف المقصورة ، لماذا بعض الكلماتٌ لها ألفٌ مقصورة ؟

أليس من الأسهل استعمال الألف العاديّة ؟

أرى العديد من هذه الحالات في القرآن ، وفي حال افتراض أن جميع نسخ القرآن قد فُقِدت، كيف يستطيع حفظة القرآن أن يعرفوا متى يستعملوا الألف الخنجرية؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

سبق في جواب السؤال السابق نبذة من تاريخ الرسم

ثانيًا:

الاسم المقصور: هو الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة .

يقول الشاطبي: " المقصور عند النحويين : هو الاسم المعرب ، الذي قَصَره [ = منعه ] عن ظهور الإعراب فيه : كون آخره ألفًا .

أو : قُصِر عن لحاقه بالممدود " .

" ويدرك من كلام العرب بوجهين:

أحدهما: جهة السماع والنقل .

والثاني: جهة القياس". المقاصد الشافية: (6/ 403).

وللمقصور قواعد تراجع في مظانها من كتب النحو والصرف .

ثالثا :

وأما عن رسم هذه الألف ياءً، فلا بد أن تعلم أن في الكتابة العربية عددا من الحالات التي لا يطابق الخط فيها اللفظ، لا في الوقف ولا في الوصل، بسبب رسم عدد من الأصوات بحروف غير حروفها المخصصة لها في الأبجدية، فترسم الألف ياءً في آخر عدد من الكلمات ، إذا لم يتصل بها شيء من الضمائر، وذلك في عدد من المواضع، منها:

1- في كل كلمة على ثلاثة أحرف، إذا كان حرفها الثالث ألفًا منقلبة من ياء، اسمًا كانت الكلمة أو فعلًا، فالاسم نحو: الهدى، والمدى والفتى، والفعل نحو: قضى، ورمى، وسعى .

2- وترسم ياءً في آخر كل كلمة كانت ألفها رابعة فصاعدًا، كمستشفى، ومصطفى .

انظر: الكتابة العربية، د. غانم قدوري: (141 – 142).

واختلف العلماء في سبب الخروج عن الأصل في رسم الألف ياءً، فعللها بعض العلماء على مراد الإمالة، وعللها بعضهم بكتابتها على الأصل، لأن من الألفات ما أصله الياء، مثل ألف رمى، إذ نقول: رميت، ويرمي، ورميٌ .

قال ابن الجزري رحمه الله : " والإمالة أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء:

كثيرًا، وهو المحض، ويقال له: الإضجاع، ويقال له: البطح، وربما قيل له الكسر أيضًا .

وقليلًا، وهوبين اللفظين، ويقال له أيضًا : التقليل ، والتلطيف ، وبين بين .

فهي بهذا الاعتبار تنقسم إلى قسمين: إمالة شديدة، وإمالة متوسطة، وكلاهما جائز في القراءة، جار في لغة العرب"، النشر: (2/ 30).

ورجح الدكتور غانم الحمد التعليل بالأصل ، على التعليل بالإمالة، لأسباب:

أ- أن المصاحف كتبت على لغة قريش، وهم قلب بلاد الحجاز، والفتح لغتهم .

ب- شيوع الفتح في قراءة قراء الحجاز .

3- ليس جميع ما رسم من الألفات بالياء تجوز فيه الإمالة .

وينظر: الميسر في علم رسم المصحف، د. غانم الحمد: (227 – 229) .

ثالثًا:

أما الألف الخنجرية، فهي ألف يشار بها للمد، وتوضع في مواضع حذف الألف، وهي كثيرة جدًا في المصحف، وهناك صعوبة في ذكر الكلمات التي وقع فيها حذف هذه الألف .

ولعلماء الرسم فيها كلام كثير، وضبط ليس هذا موضعه .

انظر: الميسر في علم الرسم: (106).

ورسمت هذه الألف في المصاحف في الكتبة الأولى بالألف الممدودة في بعض المواضع، وبالألف المقدرة في بعض المواضع، وليس لذلك تعليل في اللغة، ولا قاعدة مطردة.

انظر: القراءات المتواترة، واثرها في الرسم: (105).

وخلاصة الأمر:

أن هذه الألف رسمت في المصحف لئلا يقع القارئ في اللبس، وكانت أحيانًا ترسم على الألف المقصورة، ثم تركت تخففًا بعد ذلك

ملخص الجواب :

في الكتابة العربية عدد من الحالات التي لا يطابق الخط فيها اللفظ، لا في الوقف ولا في الوصل، بسبب رسم عدد من الأصوات بحروف غير حروفها المخصصة لها في الأبجدية، ومنه رسم الألف ياءً في آخر الاسم المقصور، إشارة إلى الأصل أو الغمالة .

وأما الألف الخنجرية فرسمت في المصحف لئلا يقع القارئ في اللبس، وكانت أحيانًا ترسم على الألف المقصورة، ثم تركت تخففًا بعد ذلك

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:50
أسلوب الطباق في القرآن الكريم

السؤال :

ما الحكمة من ذكر المتضادات في القرآن ، مثلا في سورة الواقعة في قوله تعالى:( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) ، وفي سورة الحشر (خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا) ؟

الجواب

الحمد لله

أولًا:

فإن قوله تعالى: ( خافضة رافعة ) في وصف يوم القيامة، مما يسميه العلماء "الطِّباق"، وقد تكلم العلماء عنها في مصنفات علوم القرآن، انظر، البرهان في علوم القرآن: (3/ 455)، الإتقان: (3/ 325).

وهو أن يجمع بين متضادين مع مراعاة التقابل، وهو نوع من المحسنات، التي تزين الكلام وتجمله .

يقول الطاهر ابن عاشور: " وفي قوله: (خافضة رافعة) : مُحَسِّن الطباق ، مع الإغراب بثبوت الضدين لشيء واحد "، التحرير والتنوير: (27/ 382).

والعنصر الجماليُّ في الطباق : هو ما فيه من التلاؤم بينه وبين تداعي الأفكار في الأذهان، باعتبار أنّ المتقابلات أقرب تخاطراً إلى الأذهان من المتشابهات والمتخالفات، انظر: البلاغة العربية: (2/ 374).

ففي الآية الكريمة أن القيامة تخفض وترفع في زمنٍ واحد، ويقع منها الفعلان معًا .

قال الزمخشري:

" خافِضَةٌ رافِعَةٌ على: هي خافضة رافعة، ترفع أقواما وتضع آخرين:

إما وصفا لها بالشدّة، لأنّ الواقعات العظام كذلك ؛ يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس .

وإما لأنّ الأشقياء يُحطُّون إلى الدركات، والسعداء يرفعون إلى الدرجات .

وإما أنها تزلزل الأشياء ، وتزيلها عن مقارّها، فتخفض بعضا وترفع بعضا ؛ حيث تسقط السماء كِسَفا ، وتنتثر الكواكب وتنكدر ، وتسير الجبال ، فتمرّ في الجوّ مرّ السحاب " . انتهى، من "الكشاف" (4/456) .

ثانيًا:

أما قوله تعالى:

(لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) [سورة الحشر/21].

فإنه: " لما حذر المسلمين من الوقوع في مهواة نسيان الله التي وقع فيها الفاسقون، وتوعد الدين نسوا الله بالنار، وبين حالهم بأن الشيطان سول لهم الكفر. وكان القرآن دالا على مسالك الخير ومحذرا من مسالك الشر، وما وقع الفاسقون في الهلكة إلا من جراء إهمالهم التدبر فيه، وذلك من نسيانهم الله تعالى =

انتقل الكلام إلى التنويه بالقرآن ، وهَديِه البين الذي لا يصرف الناس عنه إلا أهواؤهم ومكابرتهم، وكان إعراضهم عنه أصل استمرار ضلالهم وشركهم .

ضرب لهم هذا المثل تعجيبا من تصلبهم في الضلال "، التحرير والتنوير: (28/ 116).

والمعنى: لو كان الجبل في موضع هؤلاء الذين نسوا الله ، وأعرضوا عن فهم القرآن ، ولم يتعظوا بمواعظه : لاتعظ الجبل ، وتصدع صخره وتربه ، من شدة تأثره بخشية الله.

والخشوع: التطأطؤ والركوع، أي لرأيته ينزل أعلاه إلى الأرض، والتصدع: التشقق، أي لتزلزل وتشقق من خوفه الله تعالى.

وليس في هذا الموضع طباق كما في الموضع السابق .

والله أعلم .

ملخص الجواب :

العنصر الجماليُّ في الطباق هو ما فيه من التلاؤم بينه وبين تداعي الأفكار في الأذهان، باعتبار أنّ المتقابلات أقرب تخاطراً إلى الأذهان من المتشابهات والمتخالفات .

*عبدالرحمن*
2018-03-08, 15:54
حفظ القرآن من غير ضبط للحركات .

السؤال :

هل يجوز حفظ القرآن من دون الحركات ؛ لأنني أريد أن أحفظ سور من كتاب الله الحكيم ، ولكنني أحفظ الآيات ، ولكن أخطأ في الحركات ؟

الجواب

الحمد لله

أولا : نشكر لك حرصك على حفظ سور من القرآن الكريم ، والذي ننصحك به أن تكثر من ذلك ما استطعت حتى تختم القرآن الكريم كله ، فإن ذلك من خير الأعمال وأفضل الطاعات ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري .

وحتى تتجنب الخطأ في تلاوة القرآن الكريم فإنه ينبغي أن تحفظ القرآن مع أحد المشايخ أو طلبة العلم الذين سبقوك إلى إتقان تلاوة القرآن الكريم ، فتلك خير وسيلة لتعلم التلاوة الصحيحة .

فإن لم يمكن ذلك ، بأن لم تجد أحداً أو لغير ذلك من الأسباب فقد يسر الله ذلك بأجهزة الكمبيوتر والهواتف الآن ، فتسمع المقطع الذي تريد حفظه من أحد مشايخ القراءة الكبار كالحصري أو المنشاوي أو عبد الباسط تسمعه عدة مرات ، ثم بعد ذلك تحفظه .

والأفضل للمبتدئ أن يعتمد على المصحف المعلم للشيخ الحصري رحمه الله .

ثانيا :

الواجب على من أراد أن يقرأ القرآن الكريم أو يحفظه أن يقرأه قراءةً صحيحة بحروفه وحركاته ، فلا يجوز له أن يبدل حرفا مكان حرف ، ولا حركة مكان أخرى ، لأن في هذا الإبدال تحريفا لكلام الله تعالى .

والذي يخطئ في قراءة كلام الله تعالى إما أن يكون مقصرًا متهاونا ، بأن يكون في إمكانه أن يتعلم القراءة الصحيحة ، أو يقرأ القراءة الصحيحة ولكنه يهمل ولا يهتم بذلك ، ويستمر على خطئه ، فهذا آثم .

وإما أن يكون غير مقصر ، كأن يكون أعجميا ، لا يستقيم لسانه ، أو يكون مبتدئا في تلاوة القرآن الكريم وحفظه ، أو ليس عنده من يعلمه .. ونحو ذلك من الأعذار .. فهذا لا حرج عليه ، بل له أجران ، أجر على تلاوته ، وأجر على المشقة التي تصيبه.

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما حكم من يقرأ القرآن وهو يخطئ في التشكيل ؟ هل يؤجر على ذلك ؟

فأجاب :

" يشرع للمؤمن أن يجتهد في القراءة ويتحرى الصواب ، ويقرأ على من هو أعلم منه حتى يستفيد ويستدرك أخطاءه ، وهو مأجور ومثاب وله أجره مرتين إذا اجتهد وتحرى الحق ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجره مرتين ) متفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها ، وهذا لفظ مسلم " ا

نتهى، من "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز" (9/416).

وسئل رحمه الله :

ما رأي سماحتكم في رجل يقرأ القرآن الكريم وهو لا يحسن القراءة ، بسبب أنه لم يحصل على قسط وافر من التعليم ، وهو في قراءته يلحن لحنا جليا ، بحيث يتغير مع قراءته المعنى ، ويحتج بحديث عائشة رضي الله عنها : (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به ) الحديث ؟

فأجاب :

" عليه أن يجتهد ويحرص على أن يقرأه على من هو أعلم منه ، ولا يدع القراءة ؛ لأن التعلم يزيده خيرا ، والحديث المذكور حجة له ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق ويتتعتع فيه له أجران ) رواه مسلم .

ومعنى يتتعتع : قلة العلم بالقراءة ، وهكذا قوله : وهو عليه شاق ، معناه قلة علمه بالقراءة ، فعليه أن يجتهد ويحرص على تعلم القراءة على من هو أعلم منه ، وفي ذلك فضل عظيم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) خرجه البخاري في صحيحه ، فخيار المسلمين هم أهل القرآن تعلما وتعليما ، وعملا ودعوة وتوجيها .

والمقصود من العلم والتعلم هو العمل، وخير الناس من تعلم القرآن وعمل به وعلمه الناس، ويقول عليه الصلاة والسلام: ( اقرءوا هذا القرآن ؛ فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة ) رواه مسلم في صحيحه . ويقول عليه الصلاة والسلام : ( القرآن حجة لك أو عليك ) ، خرجه مسلم أيضا في صحيحه ، والمعنى أنه حجة لك إن عملت به ، أو حجة عليك إن لم تعمل به "

انتهى، من " مجموع فتاوى عبد العزيز بن باز " (7/186).

وسئلت اللجنة الدائمة في الفتوى رقم (9550) عن رجل يقرأ القرآن ويلحن فيه ، فأجابت :

إذا كان القارئ مبتدئا بحفظ القرآن ، ويعالج ضبطه فلا إثم عليه ، بل له أجر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران » رواه البخاري ومسلم " انتهى.

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

هل تجوز قراءة القرآن بدون معلم ، علما بأننا بحثنا في المدينة التي أسكن فيها ولم أجد من يعلمنا أحكام القرآن أو حفظ القرآن ؟

فأجاب رحمه الله تعالى

: " إن من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة ، ومن تمام حفظه لكتابه العزيز ، أن قيض للمسلمين هذه المصاحف التي كتب فيها القرآن وطبع على وجه معرب تمام الإعراب ، في الحركات والسكنات والمدات وغير ذلك ، وهذا داخل في قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) .

فإذا كان الإنسان باستطاعته أن يقرأ القرآن من هذه الصحف المعربة المشكولة - ولو شق عليه ذلك ولو تتعتع فيه - فإنه يجوز له أن يفعل ، وإن لم يكن له قارئ يقرئه ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) .

فأنت أخي السائل اقرأ القرآن وتهجه حرفا حرفا وكلمة كلمة ، مع إتقان الحركات والسكنات ، وهذا كافٍ ، وفيه خير عظيم ، ولك مع المشقة أجران ، كما قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .

وأما قراءة القرآن على وجه التجويد المعروف فإن ذلك ليس بواجب ؛ لأن التجويد إنما يراد به تحسين القراءة فقط ، وليس أمرا واجبا حتما يأثم الإنسان بتركه ؛ بل الواجب الحتم أن يقيم الحركات والسكنات ويبرز الحروف "

انتهى، من "فتاوى نور على الدرب" (5/2) بترقيم الشاملة.

والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

محمود العجرودى
2018-03-09, 10:33
الحمد لله رب العالمين.

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 01:36
الحمد لله رب العالمين.

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات

قال الله تعالي لئن شكرتم لأزيدنكم

قال فيه ابن كثير في التفسير: لئن شكرتم لأزيدنكم ـ أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، ولئن كفرتم أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها إن عذابي لشديد، وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها. اهـ.

وقال الشوكاني في فتح القدير: فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه في رزقه، ومن شكر الله على ما أقدره عليه من طاعته زاده من طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو ذلك. انتهى.

ومن شكر النعم أن يعرف ربه في حاليه بؤسه ورخائه، فيحمده على رخائه وعلى هين ابتلائه، وأنه لم يصبه بما هو أعظم من أرزائه، ويستقيم على طاعته في كلتا الحالتين، فإن الله جلت قدرته يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء، قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}.

وعلى المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا ويشكره ويحمده إذ لم يبتله ببلاء أعظم لينال أجر الصابرين الشاكرين، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.

ومزيد الله لمن أنعم عليه في الرخاء واضح، وأما مزيده للمبتلى فبزيادة النعمة عليه فيزيده عافية ويهون عليه المصائب.

والله أعلم.

https://d.top4top.net/p_795sbakq1.gif (https://up.top4top.net/)
.

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 06:13
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

الإعجاز العلمي والتطور الذي وصل إليه الجن

السؤال :

الإعجاز العلمي في القرآن يعد أنه معجزة لاستحالة توصل أي أحد في زمن الرسول إلى علوم الفضاء والكون وغيرها ، ولكن ألم يكن الجن متطورا علميا ومتوسعا في علوم الفضاء والكون من خلال الآية :( وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ) فدلت هذه الآية على أنهم كانت لديهم القدرة على رؤية السماء

ورؤية الشمس وهي تجري ، ومن خلال دراساتهم يمكنهم التوصل إلى أن السماوات والأرض ، كانتا رتقا ، وغيرها من علوم الفضاء ، مما دل على إمكانية تواصلهم لعلوم الفضاء قبل عصر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد وجدوا على الأرض قبل الإنسان بكثير ، فآمل أن توضح لي أن الإعجاز العلمي لا يمكن للجن أن يتوصل إليه قبل عصر الرسول .
الجواب

الحمد لله

أولًا:

القرآن الكريم أنزله الله لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولما نزل القرآن الكريم فهمه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بأنفسهم، أو ببيان الرسول لهم .

ولم يأت شيء في القرآن لم يكن واضحًا أو غير مفهوم عند الصحابة رضوان الله عليهم .

وقصارى الأمر: أن يُكتشف ما دل القرآن عليه، بشرط أن يوافق اللغة، وألا يكون مناقضًا لتفسير السلف، مع شروط أخرى لا بد أن تتوفر في القائم بتفسير القرآن بالتفسير العلمي، أو بالمكتشفات التجريبية بمعنى أدق .

ثانيًا:

إن كثيرًا من الخلل : إنما دخل على أصحاب التفسير العلمي بسبب جهلهم بالتفسير تارة، وباللغة تارة أخرى، وبطريقة حمل المكتشف أو القضية العلمية على الآية، إلى غير ذلك من الأسباب، وعليه؛ فلا يصح التسليم بكل ما جاء في أقوال المنشغلين بشأن الإعجاز العلمي، بل في بعض أقوالهم وبحوثهم ما هو حق نافع ، وفيها ما هو باطل ، أو متكلف، يتعذر حمل النص القرآني عليه إلا بكثير من الاعتساف .

وهو ، في أحواله كلها : جهد ، واجتهاد بشري : يخضع للخطأ والصواب ، كغيره من ألوان العلوم والانشغالات .

ثالثًا:

في الآية الكريمة أن الجن بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله؛ لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا في مدة إنزال القرآن على رسوله، فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف واحد منه، لئلا يشتبه الأمر. وهذا من رحمة الله بعباده، وحفظه لشرعه، وتأييده لكتابه ولرسوله؛ ولهذا قال: ( إنهم عن السمع لمعزولون) سورة الشعراء/212 ، كما قال تعالى مخبرا عن الجن: ( وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا * وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) الجن/8-10.

ولم يرد في الكتاب والسنة عن أحوال الجن وأخبارهم ما يجعلنا نجزم بهذه الأمور التي ذكرت في السؤال .

وما ذكر من أنه كانت لهم دراسات ، أو أنه ينبغي أن يكونوا قد وصلوا إلى ذلك ، من علومهم ... هو مجرد وهم ، وخيال ، أراد صاحبه أن يعود بعلوم الإنس في زمانهم ذلك ، إلى أحوال الجن ، وعلومهم منذ كانوا !!

وهذا لا خبر عندنا يدل عليه ، ولا شيء من التاريخ يصدقه ... إلا التخيل المحض ..

والجن : الغالب فيهم : الجهل ، والظلم .. وقلة المعارف ؛ إلا ما شاء الله من ذلك .

وليس إذا أقدرهم الله على أمر ، فقعدوا يستمعون زمانا ، أو يسترقون السمع = ليس ذلك مما يوجب أنه كانت لهم علوم ، ومعارف ، ودراسات ... فهيهات ؛ هيهات !!

ولا يصح لنا أن نجزم بثبوت ذلك ولا نفيه، بل علينا أن نتوقف في هذا الأمر إثباتًا ونفيًا، والله أعلم .

ولا تتوقف صحة النبوة – والحمد لله – على مثل هذه القضايا، فإن دلائل النبوة أكثر من أن تحصى، وراجعي هذه الإجابات الاتيه

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 06:27
: طالبة نصرانية تطالبنا بالأدلة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

السؤال:

ما الدليل على صحة نبوة رسولكم ؟

وما الدليل على أنه رسولٌ من عند الله ؟ .

أرجو التحدث فى هذا الموضوع بالأدلة وليس بالعاطفة الإيمانية .

الجواب :

الحمد لله

بما أنك طالبة جامعية فإننا سنستغني عن كثير من التفصيلات ظنّاً منّا أننا نخاطب مثقفة عاقلة يكفيها الإشارات والإجمالات ، ولو كان السائل عاميّاً لاحتمل أن تكون الإجابة غير هذه ؛ لاختلاف العقول والثقافات ، والمؤمَّل منكِ أن تخلِّي عقلك قبل الإجابة من حكمٍ سابق على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنها غير صحيحة ولا ثابتة ، وأن تتعاملي مع المادة المقروءة بعقلية طالبة العلم الباحثة عن الحق من غير رواسب سابقة ولا حكم آنف .

وسنذكر لك الأدلة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكلنا أمل أن تنتفعي بها ويهديك الله تعالى للحق الذين نظن أنك تنشدينه بسؤالك هذا .

ومن الأدلة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم :

1. إخباره بالغيوب المستقبلة .

ومن أمثلته : أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم قد أخبر الناس أن الروم غُلبت من قبل الفرس وأنهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين – وهي من ثلاث إلى تسع - ، وقد انتظر الكفار اكتمال المدة ليروا صدق النبي صلى الله عليه وسلم من عدمه فجاء الأمر كما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربِّه عز وجل ، وهي حادثة تاريخية لا يمكن إنكارها ، بالإضافة إلى إخبار الله تعالى عنها في القرآن الكريم .

2. المباهلة – وهي الدعاء باللعنة بتضرع واجتهاد - .

وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من وفد نصارى نجران المباهلة في عيسى عليه السلام وأنه عبدٌ نبي ليس إلهاً ولا ابن إله ! فأبوا أن يباهلوه خوفاً من عاقبة كذبهم على الله وعلماً منهم بصدق النبي محمد صلى الله وسلم الذي يجدونه عندهم في التوراة والإنجيل أنه نبي آخر الزمان ، فقد " جاء " العاقب " و " السيد " صاحبا " نجران " إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه ، فقال أحدهما : لا تفعل ! فوالله لئن كان نبيّاً فلاعنّا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا " ، وهي حادثة تاريخية - أيضاً - يمكن للباحث في التاريخ أن يتأكد من صحتها ، بالإضافة إلى أن الله تعالى قد ذكرها في القرآن الكريم .

3. الإسراء والمعراج .

وهي حادثة عجيبة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حيث أسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم عُرج به إلى السماء فرأى فيها عجباً ، وقد استغرقت الرحلة جزء يسيراً من الليل ، فلمّا أعلن النبي صلى الله عليه وسلم للناس ما حصل معه كانت فرصة للمشركين لتكذيبه والطعن في نبوته ورسالته ، وكل المشركين يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن رأى من قبل بيت المقدس فكانت فرصتهم في سؤاله عن أوصاف بيت المقدس ! فجلاَّه له ربُّه تعالى فرآه رأي العين فصار يصفه لهم وهم في غاية الدهشة من ذلك .

4. انشقاق القمر .

وهي حادثة تاريخية – أيضاً – وهي مدونة في القرآن الكريم ، فقد طلب الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية رأي العين ، فانشق القمر أمامهم شقين فصار كل شق في جهة فقال لهم النبي صلى الله عليه سلم ( اشْهَدُوا ) ، ومن المعلوم أن طلب آية عظيمة ثم حصولها لهم بعد ذلك من الله تعالى فيه أعظم دليل على صحة النبوة والرسالة للمطلوب منه ذلك .

5. ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة الإنجيل بوصف النبوة والرسالة الخاتمتين ، والبشارة به .

06 وفوق ذلك كله نقول لك أيتها السائلة : إن أعظم دليل على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : هو هذا القرآن العظيم ، الذي : ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) ؛ ولهذا فقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا القرآن هو أعظم آية تدل على صدقه ، وأعظم معجزة جاء بها نبي من أنبياء الله ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين :

روى البخاري (49891) ومسلم (152) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

وينظر جواب السؤال رقم (13804) .

وننصحك بأن تراجعي في هذا الصدد كتابا مهما لمؤلف فرنسي اسمه : موريس بوكاي ؛ وهذا الكتاب اسمه : "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة" ، وهو كتاب مترجم بالعربية .

والأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة ، وقد اكتفينا بما ذكرناه لما نعلمه أن العاقل يكفيه دليل أو دليلان ، وإننا لنظن أن لو كنتِ في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لما وسعك إلا الإيمان بصدق نبوته إذا كان أخبركِ بوصف بيت المقدس وهو لم يره من قبل مع عدم توفر وسائل الاتصال في ذاك الزمان ، أو كنتِ رأيتِ القمر قد انشق شقين وكنتِ من الطالبين لآية تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، هكذا نظن بالعقلاء من أمثالك

وقد رأينا الكثير الكثير من المثقفين والعلماء والمشاهير والسياسيين من أدرك نفسه قبل الموت ونظر وتأمل وعلم صدق هذا النبي فلم يسعه إلا الإيمان به وبرسالته التي تدعو إلى توحيد الله تعالى والشهادة له بالوحدانية وأنه لا شريك له ، وندعوك إلى قراءة كتاب كتبه صاحبه وقد اعتراه بعض الشك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ! فنظر وتأمل ودعا الله تعالى بإخلاص وصدق فكانت نجاته من الشكوك عظيمة فأبى إلا أن يكتب تجربته ويسوق الأدلة الوافية على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم –

ومنه استفدنا في جوابنا - وهو الآن من العلماء العالِمين بالقرآن الكريم والذابين عن الإسلام بقوة وعلم ، وهو الأستاذ الدكتور فاضل السامرائي وفقه الله ، وأما كتابه فهو بعنوان " نبوة محمَّد من الشك إلى اليقين " ، وتجدينه على هذا الرابط :

ونسأل الله تعالى أن يهديك ويوفقك لما فيه نجاتك وسعادتك .

والله أعلم

رابط الكتاب

https://up.top4top.net/downloadf-799ns79i1-zip.html
.

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 06:39
الأدلة على صحة دين الإسلام

السؤال :

أريد أن أكون مسلماً حقيقاً لذا أضع هذا السؤال: ما الداعي للإلتزام بالإسلام ؟ ب

عبارة أخرى ، هب أني كنت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يدعو إلى هذا الدين ، فما الذي يدفعني إلى تصديق رسالته وما جاء به من كتاب وسنة؟ كما أني لا أفهم التحدي القرآني " فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين.."

فالذي أفهمه أن مَن أتى بكتاب ما في فنٍ ما فإنه يشبه كتاباً أخر في نفس الفن ، وإن خالفه في بعض الجزئيات ، فما وجه الإعجاز في القرآن ؟ قد يبدوا غريباً أن يصدر هذا السؤال من شخص مسلم ، ولكن الله أعلم بنيتي .

الجواب :

الحمد لله

إن الأدلة على صحة دين الإسلام ، وصدق نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تكاد تنحصر ؛ وهذه الأدلة كافية لإقناع كل منصف عاقل باحث عن الحق بتجرد وإخلاص ، ويمكن إجمال بعض من هذه البراهين فيما يلي :

أولاً : دلالة الفطرة : فإن دعوة الإسلام هي الموافقة للفطرة السوية ، وإلى ذلك أشار قول الله عز وجل : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الروم/30 .
وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ) .

أخرجه البخاري (1358) ، ومسلم (2658) .

وقوله ( تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ) أي كما تولد البهيمة مجتمعة الأعضاء وسليمة من النقص ، وما يحدث لها من قطع الأذن أو غيرها فيكون بعد ولادتها .

وهكذا كل إنسان يولد مفطور على الإسلام ، وأي انحراف عن الإسلام فهو خروج عن الفطرة ولا شك ، ولذلك فإننا لا نجد شيئًا من تعاليم الإسلام يخالف الفطرة قط ، بل كل الأحكام العقدية والعملية موافقة للفطرة السليمة السوية ، أما ما سوى الإسلام من أديان واعتقادات فتشتمل على ما يخالف الفطرة ، وهذا أمر ظاهر بيّن عند التأمل والتدبر .

ثانيًا : البراهين العقلية :

أكثرت نصوص الشرع من مخاطبة العقل ، وتوجيهه إلى النظر في الحجج والبراهين العقلية ، ومن دعوة أصحاب العقول وأولي الألباب إلى تدبر الدلائل القطعية على صحة الإسلام .

قال الله تعالى : ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ص/29
.
قال القاضي عياض في وجوه إعجاز القرآن :

" جمع فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجاج العقليات ، والرد على فرق الأمم ببراهين قوية وأدلة بينة ، سهلة الألفاظ موجزة المقاصد ، رام المتحذلقون بعدُ أن ينصبوا أدلة مثلها ، فلم يقدروا عليها "

انتهى من " الشفا " (1/390) .

فلم تشتمل نصوص الوحي على شيء تحيله العقول أو ترفضه ، ولم تأت بمسألة تخالف بداهة عقلية أو تناقض قياسًا عقليًا ؛ بل ما جاء أهل الباطل بقياس لباطلهم إلا رده بالحق والبيان العقلي الواضح .

قال الله تعالى: ( وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ) الفرقان /33.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" أخبر سبحانه أن الكفار لا يأتونه بقياس عقلي لباطلهم إلا جاءه الله بالحق ، وجاءه من البيان والدليل وضرب المثل بما هو أحسن تفسيرًا ، وكشفًا وإيضاحًا للحق من قياسهم "

انتهى من مجموع الفتاوى (4/106) .

ومن الأمثلة على الأدلة العقلية في القرآن قوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء /82 .

جاء في تفسير القرطبي :

" إنه ليس من متكلم يتكلم كلامًا كثيرًا إلا وُجد في كلامه اختلاف كثير ، إما في الوصف واللفظ ؛ وإما في جودة المعنى ، وإما في التناقض ، وإما في الكذب ، فأنزل الله عز وجل القرآن وأمرهم بتدبره ؛ لأنهم لا يجدون فيه اختلافًا في وصف ولا ردًا له في معنى ، ولا تناقضًا ولا كذبًا فيما يخبرون به من الغيوب وما يُسرّون "

انتهى من "الجامع لأحكام القرآن " (5/290) .

وقال ابن كثير :

" أي: لو كان مفتعلاً مختلقًا ، كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم ( لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) أي : اضطرابًا وتضادًّا كثيرًا ؛ أي : وهذا سالم من الاختلاف ، فهو من عند الله "

انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (1/802) .

ثالثًا : المعجزات ودلائل النبوة :

إن الله تعالى قد أيد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالعديد من المعجزات والخوارق والآيات الحسية التي تدل على صدق نبوته وصحة رسالته كانشقاق القمر له ، وتسبيح الطعام والحصى بين يديه ، ونبوع الماء من بين أصابعه ، وتكثيره للطعام ونحو ذلك من معجزات وآيات رآها وعاينها جمع غفير ، ونقلت إلينا بالأسانيد الصحيحة التي وصلت إلى حد التواتر المعنوي الذي يفيد اليقين .

ومن ذلك ما صح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود أنه قال : " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ ، فَقَالَ : ( اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ ) فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ : ( حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنْ اللَّهِ ) ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ ) .

أخرجه البخاري (3579) .

رابعًا : النبوءات :

ويُقصد بالنبوءات هنا : ما أخبر به الوحي من أمور وأحداث تقع في المستقبل سواء في حياته النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو بعد مماته .

وما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الأمور المستقبلية إلا وقع كما أخبر تمامًا ، وهذا دليل على أن الله عز وجل قد أوحى إليه وأطلعه على أشياء من علم الغيب الذي لا يمكن الوصول إليه إلا بالوحي، ومن ذلك:

ما رواه أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى ) .

أخرجه البخاري (7118) ، ومسلم (2902) .

وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر تمامًا في سنة 654هـ ، أي بعد وفاته بما يقرب من 644 سنة ، وقد ذكر ذلك المؤرخون ومنهم العلامة أبو شامة المقدسي في كتابه " ذيل الروضتين "، وهو من العلماء الذين عاصروا هذه الواقعة التاريخية

وكذلك الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (13/219) حيث قال

: " ثم دخلت سنة أربع وخمسين وستمائة فيها كان ظهور النار من أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى ، كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه ، وقد بسط القول في ذلك الشيخ الإمام العلامة الحافظ شهاب الدين أبو شامة المقدسي في كتابه الذيل وشرحه ، واستحضره من كتب كثيرة وردت متواترة إلى دمشق من الحجاز بصفة أمر هذه النار التي شوهدت معاينة، وكيفية خروجها وأمرها .
\
وملخص ما أورده أبو شامة أنه قال : وجاء إلى دمشق كتب من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، بخروج نار عندهم في خامس جمادى الآخرة من هذه السنة ، وكتبت الكتب في خامس رجب ، والنار بحالها ، ووصلت الكتب إلينا في عاشر شعبان ثم قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ورد إلى مدينة دمشق في أوائل شعبان من سنة أربع وخمسين وستمائة كتب من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيها شرح أمر عظيم حدث بها فيه تصديق لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى ) فأخبرني من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب .
قال : وكنا في بيوتنا تلك الليالي ، وكان في دار كل واحد منا سراج ، ولم يكن لها حر ولفح على عظمها ، إنما كانت آية من آيات الله عز وجل " انتهى .

خامسًا : الشمائل والصفات : من أكبر الأدلة على صدق نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو شخصيته نفسها ، وما تحلى به من مكارم الأخلاق وحسن الخصال وجميل الخلال وعظيم الصفات ، حيث بلغ النبي صلى الله عليه وسلم درجة من الكمال البشري في حسن الصفات والأخلاق لا يمكن أن تكون إلا لنبي مرسل من عند الله ، فما وُجد خلق حميد إلا دعا له وأمر به وحث عليه وعمل به ، وما من خلق ذميم إلا نهى عنه وحذر منه

وكان أبعد الناس عنه ؛ حتى بلغ اعتناؤه بالخلق درجة تعليل رسالته وبعثته بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارمها ، والعمل على إصلاح ما أفسدته الجاهلية منها ، فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ) .

أخرجه أحمد (8739) وقال الهيثمي في " المجمع ": " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ".

وصحح العجلوني سنده في " كشف الخفا "، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (2349) .

والمعجزة دليل على صدق الرسول ، فإنه يقول للناس إنه مرسل من الله تعالى ، فيتحداه بعضهم أن يبرهن على ذلك ، فيؤيده الله عز وجل بالمعجزة ، وهي الأمر الخارق للعادة ، وقد تحصل له المعجزة من غير أن يتحداه أحد أو يكذبه ، فتكون تثبيتاً لأتباعه.

سادسًا : جوهر الدعوة :

فأصل دعوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تتلخص في بناء معتقدات صحيحة على أسس شرعية وعقلية سليمة ، فهي دعوة إلى الإيمان بالله وتوحيده في إلهيته وربوبيته ، فلا يستحق العبادة إلا إله واحد وهو الله سبحانه ؛ لأنه رب هذا الكون وخالقه ومالكه ومدبّر شؤونه ومصرّف أموره والحاكم فيه بأمره ، والذي يملك الضرّ والنفع ، والذي يملك رزق كل المخلوقات ، ولا يشاركه في ذلك أحد ، ولا يكافئه أو يماثله أحد ، فهو منزه سبحانه عن الشركاء والأنداد والأقران والأكفاء .

قال الله تعالى: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) الإخلاص/ 1-4 .

وقال سبحانه : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) الكهف/110.

فدعوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دعوة تهدم الشرك بكل أشكاله ، وتخلص الثقلين من كل ما عبد بالباطل ؛ فلا عبادة للأحجار والكواكب والقبور ، ولا للمال والشهوات والأهواء والسلاطين وطواغيت الأرض .

إنها دعوة جاءت لتحرّر البشرية من عبادة العباد ، وتخرجها من ذلّ الوثنيات وظلم الطواغيت ، وتخلصّها من أسر الشهوات والأهواء الجائرة .

إن هذه الدعوة المباركة تعد امتدادًا وتقريرًا لكل الرسالات الربانية السابقة الداعية للتوحيد ؛ ولذلك دعا الإسلام إلى الإيمان بالأنبياء والرسل جميعًا ، مع توقيرهم وتعظيمهم ، والإيمان بما أنزل عليهم من الكتب ، ودعوة كهذه لا ريب أنها الحق .

سابعًا : البشارات :

فقد جاءت كتب الأنبياء مبشرة بدين الإسلام وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم أخبرنا بوجود بشارات واضحة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل ، منها ما يصرّح باسمه ورسمه .

فقد قال الله تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) الأعراف/ 157 .

وقال سبحانه: ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) الصف/6 .

ولا يزال في كتب اليهود والنصارى ـ التوراة والإنجيل ـ بشارات تنبئ بقدومه وتبشّر برسالته وتعطي بعض أوصافه ، على الرغم من محاولات الطمس والتحريف المستمرة لهذه البشارات ، ومن ذلك ما جاء في جاء في سفر التثنية الإصحاح (33) العدد (2) :

" جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبال فاران.." .

جاء في "معجم البلدان" (3/301) :

" فاران: بعد الألف راء وآخره نون كلمة عبرانية معربة ، وهي من أسماء مكة ذكرها في التوراة ، قيل : هو اسم لجبال مكة .

قال ابن ماكولا أبو بكر نصر بن القاسم بن قضاعة القضاعي الفاراني الإسكندراني : سمعت أن ذلك نسبته إلى جبال فاران وهي جبال الحجاز .

وفي التوراة : " جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من فاران ".

مجيئه من سيناء تكليمه لموسى عليه السلام ، وإشراقه من ساعير وهي جبال فلسطين هو إنزاله الإنجيل على عيسى عليه السلام ، واستعلانه من جبال فاران : إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى .

ثامنًا : القرآن الكريم :

وهو أعظم المعجزات وأجل الآيات وأظهر البينات ، وهو حجة الله البالغة على خلقه إلى يوم القيامة ، وقد اشتمل على وجوه متعددة من الإعجاز مثل : الإعجاز البياني ، والإعجاز العلمي ، والإعجاز التشريعي ، والإخبار بالأمور المستقبلية والغيبية .

أما عن المقصود بقوله تعالى : ( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ) الطور /34 ، فهو رد على من زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم تقوَّل القرآن من نفسه ، فتحداهم القرآن أن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين في زعمهم ؛ لأن لازم هذا الادعاء أن هذا في مقدور البشر ، فلو كان ذلك صحيحا ، فما الذي يمنعهم من الإتيان بمثله وهم أرباب الفصاحة وأساطين البلاغة ؟

وقد تحدى الله الكفار أن يأتوا بمثله فعجزوا، كما أخبر القرآن : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الإسراء/88.

وتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين َ) هود/13.

وتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) البقرة/23 .

أما وجه الإعجاز الذي وقع به التحدي فقد اختلف فيه العلماء على أقوال أظهرها كما قال الألوسي : " أن القرآن بجملته وأبعاضه حتى أقصر سورة منه معجز بالنظر إلى نظمه وبلاغته ، وإخباره عن الغيب ، وموافقته لقضية العقل ودقيق المعنى ، وقد تظهر كلها في آية ، وقد يستتر البعض كالإخبار عن الغيب ، ولا ضير ولا عيب ، فما يبقى كاف وفي الغرض واف" .

انتهى من "روح المعاني " ( 1/29) .

ويندرج تحت كل من البراهين الإجمالية السابقة العديد من الأدلة التفصيلية ما لا يتسع المقام لسردها ، ويحسن أن تراجع في مظانها ، ويُنصح كل مسلم أن يطلب علم الكتاب والسنة ، وأن يدرس كتب العقيدة الصحيحة ، وأن يتعلم أمور دينه ليحسن إسلامه ويعبد ربه على بصيرة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 06:45
حكم من ينكر وجود الناسخ والمنسوخ في نصوص الوحي

السؤال :

هل الناسخ والمنسوخ الذي بمعنى (رفع الحكم الشرعي المتقدم بخطاب متأخر) عقيدة لابد من الإيمان بها ، أم أن المسألة خلافية ، وبذلك لا يكفر منكرها ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

ثبت بالأدلة القاطعة أن النسخ وقع في الشرائع ، ومن أوضح النصوص دلالة على ذلك:

قول الله تعالى:

( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة (106).

وقول الله تعالى:

( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ، قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) النحل (101 – 102).

قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:

" وإذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكم أخرى، ( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ): يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدِّل ويغير من أحكامه، ( قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ) يقول: قال المشركون بالله، المكذبو رسوله، لرسوله: (إِنَّمَا أَنْتَ) يا محمد (مُفْتَرٍ)، أي: مكذب، تتخرص بتقوّل الباطل على الله .

يقول الله تعالى: بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد: إنما أنت مفتر. جهال بأنّ الذي تأتيهم به من عند الله، ناسخه ومنسوخه، لا يعلمون حقيقة صحته.

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ) قال أهل التأويل... "

انتهى. "تفسير الطبري" (14 / 362).

وقال الله تعالى:

( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) يونس (15 – 16).

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ) الآية.

أمر الله تعالى: في هذه الآية الكريمة نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: إنه ما يكون له أن يبدل شيئا من القرآن من تلقاء نفسه .

ويفهم من قوله: ( مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ) أن الله تعالى يبدل منه ما شاء بما شاء. وصرح بهذا المفهوم في مواضع أخر كقوله: ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ) الآية، وقوله: ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) الآية، وقوله: ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ) "

انتهى. "أضواء البيان" (2 / 563).

وقد ثبت وقوع النسخ في أمور عدة؛ ومن ذلك:

قول الله تعالى:

( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ، الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال (65 - 66).

قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:

" وهذه الآية، أعني قوله: ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ )، وإن كان مخرجها مخرج الخبر، فإن معناها الأمر. يدلّ على ذلك قوله: ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ) فلم يكن التخفيف إلا بعد التثقيل. ولو كان ثبوت العشرة منهم ، للمئة من عدوهم ، كان غير فرض عليهم قبل التخفيف، وكان ندبًا = لم يكن للتخفيف وجه؛ لأن التخفيف إنما هو ترخيص في ترك الواحد من المسلمين الثبوت للعشرة من العدو، وإذا لم يكن التشديد قد كان له متقدّما، لم يكن للترخيص وجه، إذ كان المفهوم من الترخيص إنما هو بعد التشديد.

وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن حكم قوله: ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا )، ناسخ لحكم قوله: ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ... "

انتهى. "تفسير الطبري" (11 / 268 - 269).

وكقوله تعالى:

( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المجادلة (12 – 13).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: يساره فيما بينه وبينه، أن يقدم بين يدي ذلك صدقة تطهره وتزكيه وتؤهله لأن يصلح لهذا المقام؛ ولهذا قال: ( ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ) ...

ثم قال: ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ) أي: أخفتم من استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول، ( فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) فنسخ وجوب ذلك عنهم "

انتهى. "تفسير ابن كثير" (8 / 49 - 50).

وكما روى الإمام مسلم (977): عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بريدة بْن الحصيب، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا. وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ. وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا ).

ثانيا :

القول بجواز النسخ عقلا ، ووقوعه شرعا ، هو قول عامة الأمم ، ولم يخالف في هذا إلا طوائف من اليهود ، ونسب إلى أبي مسلم الأصفهاني المعتزلي (254-322ه) .

وقيل : إن خلاف أبي مسلم الأصفهاني هو خلاف لفظي ، وليس حقيقيا .

قال القاضى أبو بكر ابن العربى :

" لقد أجمع المسلمون على جواز النسخ ووقوعه فعلا ؛ خلافا لليهود الذين أنكروه ...

والآيات القرآنية فى جواز النسخ عديدة " انتهى، من "الناسخ والمنسوخ" لابن العربى (ص 3 ).

وقال الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (3/74) :

"لا خلاف بين المسلمين في جواز النسخ عقلاً وشرعاً ، ولا في وقوعه فعلاً .

ومن ذكر عنه خلاف في ذلك كأبي مسلم الأصفهاني - فإنه إنما يعني أن النسخ تخصيص لزمن الحكم بالخطاب الجديد" انتهى .

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/379) :

"والمسلمون كلهم متفقون على جواز النسخ في أحكام الله تعالى، لما له في ذلك من الحكم البالغة، وكلهم قال بوقوعه.

وقال أبو مسلم الأصبهاني المفسر: لم يقع شيء من ذلك في القرآن، وقوله هذا ضعيف مردود مرذول. وقد تعسف في الأجوبة عما وقع من النسخ" انتهى .

وقال الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/432) :

"وقد اتفق علماء الإسلام على جواز النسخ ، ووقوعه .

ولم يخالف في ذلك إلا أبو مسلم الأصفهاني محمد بن بحر ، فقيل : إن خلافه لفظي" انتهى .

وقال الألوسي في "روح المعاني" (1/352) :

"واتفقت أهل الشرائع على جواز النسخ ، ووقوعه .

وخالفت اليهود غير العيسوية في جوازه ، وقالوا : يمتنع عقلا .

وأبو مسلم الأصفهاني في وقوعه ، فقال : إنه وإن جاز عقلا ؛ لكنه لم يقع " .

وينظر أيضا : "الإحكام" للآمدي (3/127) .

وقال أبو جعفر النحاس رحمه الله تعالى:

" فتكلم العلماء من الصحابة والتابعين في الناسخ والمنسوخ، ثم اختلف المتأخرون فيه، فمنهم من جرى على سنن المتقدمين ، فوُفِّق.

ومنهم من خالف ذلك ، فاجتنب.

فمن المتأخرين من قال: ليس في كتاب الله جلّ وعز ناسخ ولا منسوخ، وكابر العيان واتبع غير سبيل المؤمنين "

انتهى. "الناسخ والمنسوخ" (1 / 400).

وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" انعقد إجماع العلماء على هذا إلا أنه قد شذ من لا يلتفت إليه ..."

.انتهى. "نواسخ القرآن" (1 / 119).

وإذا تبين أن المسألة بهذا الوضوح ، من حيث انعقاد اجماع العلماء عليها إلا من شذ ، ومن حيث دلالة الكتاب والسنة عليها ، فإنه لا يجوز لمسلم أن يخالف في هذا ، وأن يذهب إلى إنكار النسخ وعدم وقوعه ، فإن هذا اتباع لغير سبيل المؤمنين ، فيشمله الوعيد الوارد في قوله تعالى :

قال الله تعالى:

( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء (115).

ثالثا:

قد ظهر في هذا العصر عدد من الكتاب ينفون وقوع النسخ، وأوّلوا النصوص الدالة على النسخ، وشبهتم التي أظهروها في صنيعهم هذا : أن إثبات النسخ يلزم منه نسبة بعض صفات النقص إلى الله تعالى ، كما أن فيه إبطالا للقرآن على زعمهم، ولذا نفوا وقوع النسخ بحجة التنزيه لله تعالى والدفاع عن كتابه.

وهذا القول هو من جنس مقالات من حرف صفات الله تعالى بحجة التنزيه لله تعالى عن صفات النقص .

وهذه المقالات التي فيها رد لنصوص الوحي ، وخروج عما أجمع عليه أهل العلم ، وتلقته الأمة بالقبول = هي في حقيقتها كفر ، لخروجها عن سبيل المؤمنين .

إلا أنه لا يحكم على القائلين به بالكفر لما يظهرونه من التأويل والمقاصد التي تنفي عنهم صفة تعمد المشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفة سبيل المؤمنين.

فبسبب ما عند هؤلاء من الجهل والشبهة والتأويل : لا يحكم عليهم بالكفر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن يكون الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم، أنا لو وافقتكم كنت كافراً؛ لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم.

وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق له"

انتهى، من "الرد على البكري" (383 - 385).

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" أن المتأولين من أهل القبلة الذين ضلوا وأخطأوا في فهم ما جاء به الكتاب والسنة ، مع إيمانهم بالرسول واعتقادهم صدقه في كل ما قال ، وأن ما قاله كله حق ، والتزموا ذلك : لكنهم أخطأوا في بعض المسائل الخبرية أو العملية = فهؤلاء قد دلّ الكتاب والسنة على عدم خروجهم من الدين ، وعدم الحكم لهم بأحكام الكافرين .

وأجمع الصحابة رضي الله عنهم والتابعون ومن بعدهم أئمة السلف على ذلك "

انتهى. من "الإرشاد" ضمن "المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي" (12 / 558).

ونفاة النسخ هؤلاء ، وإن لم يحكم عليهم بالكفر : إلا أنهم لا يقرون على قولهم ، بل يجب التحذير منهم ، وبيان بطلان قولهم نصحية للإسلام والمسلمين.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 06:53
ضوابط التأويل الذي لا يكفر به المتأول وفوائد في المسألة

السؤال:

في موقعكم المبارك فصلتم تفصيلا جيِّدا بفتاوى متعددة بخصوص العذر بالجهل وكيفية إقامة الحجة ، لكن لم أجد ضابطا بيِّناً بخصوص ضابط المتأول على الموقع ، وقرأت في المسألة لكن أجد تناقضاً في تطبيق ما قرأت للعلماء الذي بينوا الضابط

فمثلا : بعض العلماء قالوا : إذا كان تأولهم تحتمله اللغة نعذرهم به أما إذا لم تحمله اللغة لا نعذرهم به ونكفرهم ، ولما تجد تطبيقهم لها على الأشاعرة الذين يقولون بدل " استوى " استولى في الرد عليهم يُقال : هذا لا تحتمله اللغة ، مع ذلك لا يحكم بكفر من أنكر علو الله ، مع أن شيخ الإسلام نقل عن أبي حنيفة تكفيره لمن أنكر علو الله .

ونريد إيضاحاً بخصوص تكفير العلماء لكثير من الفرق كالجهمية والقدرية .

وهل ثبت عن أحد من العلماء أنه كفر الأشاعرة ؟

الجواب :

الحمد لله

هذه مسألة جليلة القدر ، وسيكون البحث فيها في نقاط محددة :

1. لا فرق بين العذر بالتأويل والعذر بالجهل في الدين ، بل إن المتأول أولى بالعذر من الجاهل ؛ لأنه لا يجهل ما هو عليه بل يعتقده حقّاً ويستدل له وينافح عنه ، ولا فرق في كون هذا الأمر عذراً في المسائل العملية أو العلمية .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:

" إن المتأوِّل الذي قصد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفر ، بل ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية ، وأما مسائل العقائد : فكثير من الناس كفَّر المخطئين فيها ، وهذا القول لا يُعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا عن أحد من أئمة المسلمين ، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع "

انتهى من " منهاج السنَّة " ( 5 / 239 ).

2. ولا يعني هذا عدم استحقاقهم للحد - كما حُدَّ قدامة بن مظعون لما تأول في شرب الخمر - ولا يعني عدم استحقاقه للتعزير والذم ، بل ولا وصف اعتقاده بالضلال أو الكفر - كما سيأتي تفصيله - بل قد يصل الأمر لقتالهم ؛ لأن المقصود من ذلك تنفير الناس من بدعته وحماية الدين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -

: " وهذا الذي ذكرتُه فيما تركه المسلم من واجب أو فعله من محرم بتأويل اجتهاد أو تقليد : واضح عندي ، وحاله فيه أحسن من حال الكافر المتأول ، وهذا لا يمنع أن أقاتل الباغي المتأول ، وأجلد الشارب المتأول ، ونحو ذلك ؛ فإن التأويل لا يرفع عقوبة الدنيا مطلقا ؛ إذ الغرض بالعقوبة دفع فساد الاعتداء " .

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 22 / 14 ) .

وقال - رحمه الله -

: " وأما من أظهر ما فيه مضرة : فإنه تدفع مضرته ولو بعقابه ، وإن كان مسلماً فاسقاً أو عاصياً ، أو عدلاً مجتهداً مخطئاً ، بل صالحا أو عالما ، سواء في ذلك المقدور عليه والممتنع ... وكذلك يعاقب من دعا إلى بدعة تضر الناس في دينهم ؛ وإن كان قد يكون معذوراً فيها في نفس الأمر لاجتهاد أو تقليد "

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 10 / 375 ) .

3. ليس كل تأويل يكون سائغاً في الشرع ؛ فلا تأويل في الشهادتين ووحدانية الله تعالى وثبوت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، والبعث والجنة والنار ، وتسمية هذا تأويلاً ابتداء غير مقبول ، بل هي باطنية وزندقة تعود على الدين بالإبطال .

قال أبو حامد الغزالي - رحمه الله -

: " ولا بد من التنبه لقاعدة أخرى وهي : أن المخالف قد يخالف نصّاً متواتراً ويزعم أنه مؤول ، ولكن ذكر تأويله لا انقداح له أصلا في اللسان ، لا على بُعد ولا على قرب ، فذلك كفر وصاحبه مكذِّب ولو زعم أنه مؤول ، ومثاله : ما رأيته في كلام بعض الباطنية أن الله تعالى واحد بمعنى أنه يعطي الوحدة ويخلقها ، وعالِم بمعنى أنه يعطي العلم لغيره ويخلقه , وموجود بمعنى أنه يوجد غيره , وأما أن يكون واحدا في نفسه وموجوداً وعالماً على معنى اتصافه به : فلا , وهذا كفر صراح ؛ لأن حمل الوحدة على إيجاد الوحدة ليس من التأويل في شيء ، ولا تحتمله لغة العرب أصلا .... فأمثلة هذه المقالات تكذيبات عَبَّر عنها بالتأويلات "

انتهى من " فيصل التفرقة " ( ص 66 ، 67 ) .


وقال ابن الوزير - رحمه الله -

: " وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع ، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله ، كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى ، بل جميع القرآن والشرائع والمعاد الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار " .

انتهى من " إيثار الحق على الخلق " ( ص 377 ) .

4. والتأويل السائغ هو ما لا يعود على الدين بالإبطال ، ويكون مقبولا في لغة العرب ، ويكون صاحبه قاله قاصداً أن يصيب الحق ، وقاله وفق قواعد العلم ، ومثل هؤلاء لهم أعذار في وقوعهم في التأويل ، وهي نفسها الأعذار التي ذكرها العلماء في أسباب الاختلاف في المسائل العملية .

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -

: " وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها ، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده ، أو لم يتمكن من فهمها ، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها ، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ : فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان ، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية ، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام "
.
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 23 / 346 ) .

وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -

: " قال العلماء : كل متأول معذور بتأويله : ليس بآثم ، إذا كان تأويله سائغا في لسان العرب ، وكان له وجه في العلم "

انتهى من " فتح الباري " ( 12 / 304 ) .

5. وثمة حديث صحيح يدل على عدم كفر المتأولين في الاعتقاد إذا كان تأويلهم ليس يعود على الدين بالإبطال ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ ) رواه ابن ماجه ( 3992 ) وصححه الألباني .

قال أبو سليمان الخطابي - رحمه الله

- : " قوله ( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ) فيه دلالة على أن هذه الفرق كلها غير خارجين من الدين ؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم كلهم من أمته ، وفيه : أن المتأول لا يخرج من الملة وإن أخطأ في تأوله "

انتهى من " معالم السنن " الخطابي (4/295) ، وانظر " السنن الكبرى للبيهقي " ( 10 / 208 ) .

وقال ابن تيمية - رحمه الله -

: " وكذلك سائر الثنتين وسبعين فرقة ، من كان منهم منافقاً : فهو كافر في الباطن ، ومن لم يكن منافقاً ، بل كان مؤمناً بالله ورسوله في الباطن : لم يكن كافراً في الباطن ، وإن أخطأ في التأويل ، كائناً ما كان خطؤه ... .

ومن قال : إن الثنتين والسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة : فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة ؛ فليس فيهم من كفَّر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة ، وإنما يكفِّر بعضهم بعضا ببعض المقالات "

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 7 / 218 ، 218 ) .

6. من حكم من العلماء على أهل البدع - غير المكفرة - بالكفر فإنما يريد الكفر غير المخرج من الملة .

قال الإمام البيهقي - رحمه الله -

:" والذي روينا عن الشافعي وغيره من الأئمة من تكفير هؤلاء المبتدعة فإنما أرادوا به كفراً دون كفر "

انتهى من " سنن البيهقي الكبرى " ( 10 / 207 ) .

وقال الإمام البغوي - رحمه الله -

: " وأجاز الشافعي شهادة أهل البدع والصلاة خلفهم مع الكراهية ، على الإطلاق ، فهذا القول منه دليل على أنه إن أطلق على بعضهم اسم الكفر في موضع : أراد به كفراً دون كفر ، كما قال الله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) المائدة/ 44 "

انتهى من " شرح السنة " ( 1 / 228 ) .

وقد يريد الإمام بلفظ الكفر : التحذير من الاعتقاد .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -

: " قد يُنقل عن أحدهم أنه كفَّر من قال بعض الأقوال ويكون مقصوده أن هذا القول كفر ليُحذر ، ولا يلزم إذا كان القول كفراً ، أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل ؛ فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه وذلك له شروط وموانع "

انتهى من " منهاج السنَّة النبوية " ( 5 / 240 ) .

7. وأما اختلاف أقوال الأئمة على أهل البدع المكفرة بين الكفر وعدمه فراجع إلى التفصيل بين النوع والعين ، فهم يحكمون على الاعتقاد نفسه بالكفر ، لكنهم لا يطبقونه على من اعتقده بعينه إلا بعد تحقيق شروط وانتفاء موانع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

" ولكن المقصود هنا أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بين النوع والعين ، ولهذا حكى طائفة عنهم الخلاف في ذلك ، ولم يفهموا غور قولهم ، فطائفة تحكي عن أحمد في تكفير أهل البدع روايتين مطلقا ، حتى تجعل الخلاف في تكفير المرجئة والشيعة المفضِّلة لعلي ، وربما رجحت التكفير والتخليد في النار ، وليس هذا مذهب أحمد ولا غيره من أئمة الإسلام ، بل لا يختلف قوله أنه لا يكفر المرجئة الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل ، ولا يكفر من يفضل عليّاً على عثمان ، بل نصوصه صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم ، وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته ؛ لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرة بيِّنة

ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق ، وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم وأنه يدور على التعطيل ، وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة ، لكن ما كان يكفر أعيانهم ، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به ، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط ، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه ، ومع هذا : فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية : أن القرآن مخلوق

وأن الله لا يُرى في الآخرة وغير ذلك ، ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم ، ويكفرون من لم يجبهم حتى إنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية أن القرآن مخلوق وغير ذلك ، ولا يولون متوليا ، ولا يعطون رزقا من بيت المال إلا لمن يقول ذلك ، ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله تعالى ترحم عليهم ، واستغفر لهم ، لعلمه بأنهم لم يتبين لهم أنهم مكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا جاحدون لما جاء به ، ولكن تأولوا فأخطأوا وقلدوا من قال لهم ذلك .

وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد حين قال القرآن مخلوق : كفرت بالله العظيم ، بيَّن له أن هذا القول كُفر ، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك ، لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها ، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله ، وقد صرح في كتبه بقبول شهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم "

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 23 / 348 ، 349 ) .

8. وأما الكلام عن الأشعرية تحديداً : فلا شك أن لهم شبهاً في اعتقادهم المخالف لاعتقاد السلف ، وصار لهم رؤوس من أهل العلم يرجعون إليهم ويقلدونهم ، وهم ليسوا على درجة واحدة من الاعتقاد بل هم مدارس ومنهاج ، وأقربهم للقرون الثلاثة أقربهم للحق ، وبتطبيق التفصيل الذي ذكرناه سابقا على الأشعرية يعلم أن من تكلم في حقهم بشيء من التكفير ، فإنما مراده ما وقع في عقائدهم من قضايا الكفر ، لا أنه حكم بذلك على أعيانهم

أو أنه أطلق القول ، ومراده به : كفر دون كفر ، فليست الطائفة من الفرق الخارجة من الإسلام ، وليس أفرادها كفارا ؛ بل هم من أهل العذر بالتأويل فيما يقررون من مسائل وعقائد .

وقد قال الشيخ العثيمين رحمه الله :

" ولا أعلم أحداً كفَّر الأشاعرة " انتهى من " ثمرات التدوين " ( مسألة رقم 9 ) للدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي .
9. ويمكننا تلخيص الحكم الشرعي من الفرق المبتدعة بما قاله الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في كلام علمي متين ، حيث قال :

فمن جحد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو جحد بعضه غير متأول من أهل البدع فهو كافر ؛ لأنه كذَّب الله ورسوله واستكبر على الحق وعانده .

أ. فكل مبتدع من جهمي وقدري وخارجي ورافضي ونحوهم : عرف أن بدعته مناقضة لما جاء به الكتاب والسنة ، ثم أصر عليها ونصرها : فهو كافر بالله العظيم ، مشاق لله ورسوله من بعد ما تبين له الهدى .

ب. ومن كان من أهل البدع مؤمناً بالله ورسوله ظاهراً وباطناً ، معظماً لله ورسوله ملتزماً ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنه خالف الحق وأخطأ في بعض المقالات ، وأخطأ في تأويله من غير كفر وجحد للهدى الذي تبين له : لم يكن كافرا ً، ولكنه يكون فاسقاً مبتدعاً ، أو مبتدعاً ضالاًّ ، أو معفوّاً عنه لخفاء المقالة وقوة اجتهاده في طلب الحق الذي لم يظفر به .

ولهذا كان الخوارج والمعتزلة والقدرية ونحوهم من أهل البدع أقساماً متنوعة :

أ. منهم من هو كافر بلا ريب كغلاة الجهمية الذين نفوا الأسماء والصفات ، وقد عرفوا أن بدعتهم مخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء مكذبون للرسول عالمون بذلك .

ب. ومنهم من هو مبتدع ضال فاسق كالخوارج المتأولين والمعتزلة الذين ليس عندهم تكذيب للرسول ، ولكنهم ضلوا ببدعتهم ، وظنوا أن ما هم عليه هو الحق ، ولهذا اتفق الصحابة رضي الله عنهم في الحكم على بدعة الخوارج ومروقهم ، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة فيهم ، واتفقوا - أيضاً - على عدم خروجهم من الإسلام مع أنهم استحلوا دماء المسلمين وأنكروا الشفاعة في أهل الكبائر وكثيراً من الأصول الدينية ، ولكن تأويلهم منع من تكفيرهم .

ج. ومن أهل البدع من هو دون هؤلاء ككثير من القدرية وكالكلابية والأشعرية ، فهؤلاء مبتدعة ضالون في الأصول التي خالفوا فيها الكتاب والسنة ، وهي معروفة مشهورة ، وهم في بدعهم مراتب بحسب بُعدهم عن الحق وقربهم ، وبحسب بغيهم على أهل الحق بالتكفير والتفسيق والتبديع ، وبحسب قدرتهم على الوصول إلى الحق واجتهادهم فيه وضد ذلك ، وتفصيل القول فيه يطول جدّاً "

انتهى من " توضيح الكافية الشافية " ( 156 - 158 ) .

نرجو بما ذكرناه سابقا أن تكون المسألة قد اتضحت لك ، ونسأل الله لنا ولك التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 07:00
النسخ في القرآن ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين .

السؤال

أعلم أنّ النسخ قد جاء ذكره في القرآن ، وعادة ما نستدل على النسخ بالآية : "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها" ، ولكن كيف لنا التأكد من أنّ المقصود بالآية هنا الآيات القرآنية وليس الآيات الكوينة أو المعجزات بما أنّ المعنى محتمل ؟ وهل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد النسخ ؟ وكيف يمكن معرفة الناسخ من المنسوخ ؟

وكم عدد الآيات التي نسخت ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

النسخ في الاصطلاح : رفع حكم دليل شرعي ، أو لفظه ، بدليل من الكتاب أو السنة .

والنسخ ثابت في الكتاب والسنَّة ، قال الله تعالى : ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٍ) البقرة / 106 .

والمقصود بالنسخ في هذه الآية الكريمة هو نسخ الآيات القرآنية ، لا نسخ الآيات الكونية والمعجزات الربانية ، ويدل على ذلك عدة أمور:

1- أن هذا هو الذي عليه أهل العلم قاطبة ، ولا نعلم أحدا قال بأن النسخ في الآية إنما هو للآيات الكونية أو المعجزات .
قال ابن الجوزي رحمه الله :

" بَابُ إِثْبَاتِ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا :

انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا إِلا أَنَّهُ قَدْ شَذَّ مَنْ لا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ فَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ. وَهَؤُلاءِ خَالَفُوا نَصَّ الْكِتَابِ، وَإِجْمَاعَ الأُمَّةِ قَالَ الله عزوجل: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا) " انتهى من " نواسخ القرآن " (ص 15) .

وانظر "تفسير ابن كثير" (1/ 375) ، "زاد المسير" (1/ 98) ، "تفسير القرطبي" (2/61)

2- قوله تعالى : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) النحل/ 101 ، قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا) الْبَقَرَةِ/106 .

"تفسير ابن كثير" (4/ 603)

والآية الأولى ظاهرة في كون المراد بالنسخ الآيات القرآنية ، بدلالة قوله تعالى بعدها: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) النحل/ .102

3- الآيات الكونية والمعجزات الربانية لا يدخلها النسخ ، إنما يكون النسخ في الأمر والنهي ، والحلال والحرام ، قال ابن جرير الطبري رحمه الله : " يعني جل ثناؤه بقوله: (ما ننسخ من آية): ما ننقل من حكم آية ، إلى غيره فنبدله ونغيره ، وذلك أن يحول الحلال حراما، والحرام حلالا والمباح محظورا، والمحظور مباحا. ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة. فأما الأخبار، فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ " .

انتهى من "تفسير الطبري" (2 /472) .

وقال ابن عبد البر رحمه الله :

" النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ إِنَّمَا يَكُونان فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا فِي الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ الْبَتَّةَ بِحَالٍ " .

انتهى من "التمهيد" (3/ 215) .

4- إنكار النسخ لا يعرف إلا عن اليهود ، قال الشوكاني رحمه الله :

" أَمَّا جَوَازُ النسخ : فَلَمْ يُحْكَ الْخِلَافُ فِيهِ إِلَّا عَنِ الْيَهُودِ، وَلَيْسَ بِنَا إِلَى نَصْبِ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ حَاجَةٌ، وَلَا هَذِهِ بِأَوَّلِ مَسْأَلَةٍ خَالَفُوا فِيهَا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، حَتَّى يَذْكُرَ خلافهم في هذه المسألة "

انتهى من "إرشاد الفحول" (2/ 52) .

ثانيا :

ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على وقوع النسخ في القرآن الكريم والسنة النبوية:

- فروى مسلم (1452) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ " .

قال النووي رحمه الله :

" مَعْنَاهُ : أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا ، حَتَى إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَيَجْعَلُهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ، فَلَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى " .

انتهى من "شرح النووي على مسلم" (10/ 29) .

- وروى مسلم (977) عَنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كنت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا).

قال النووي رحمه الله :

" قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَجْمَعُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَسْخِ نَهْيِ الرِّجَالِ عَنْ زِيَارَتِهَا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ زيارتها سُنَّةٌ لَهُمْ "

انتهى من "شرح النووي على مسلم" (7/ 46) .

ثالثا :

لمعرفة الناسخ والمنسوخ عدة طرق ، منها :

- النصُّ الصريح الصحيح الدال على النسخ كالحديث السابق ،

- إجماع الأمة على النسخ ، ولا تجتمع الأمة على ضلالة .

- تصريح الصحابي بالنسخ ، كما في حديث عائشة المتقدم .

- معرفة التاريخ ، فالمتأخر ينسخ المتقدم - يعني عند تعذر الجمع بين الدليلين .

وانظر :

- "مقدمة ابن الصلاح" (ص 277) .

- "دراسات في علوم القرآن" - محمد بكر إسماعيل (ص256)

رابعا :

معرفة الناسخ والمنسوخ من المسائل التي قد يختلف فيها أهل العلم ، وقد حصر السيوطي رحمه الله الآيات المنسوخة في عشرين آية ذكرها في "الإتقان" (3/ 77) ، وقد اختلف العلماء في بعض هذه الآيات ، هل هي منسوخة أم لا ؟

وانظر " تكملة أضواء البيان" (9/ 195) .

فعدد الآيات المنسوخة محل اجتهاد واختلاف بين العلماء .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 07:08
نسخ التلاوة في القرآن الكريم

السؤال

أعرف أن آيات من القرآن قد نسخت بآيات أخرى ، بعض الآيات نسخت نسخ تلاوة ، كآية الرجم مثلا ، أريد أن أعرف كم آية في القرآن نسخت نسخ تلاوة ؟ قرأت حديثا ورد في صحيح مسلم ، أن سورا كاملة نسخت نسخ تلاوة ، كانت تلك السور طويلة ، ربما في طول سورة التوبة . ( رجاء النظر في صحيح مسلم : كتاب الزكاة

باب لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب أحب أن يكون له واديا آخر ) . أريد أيضا أن أعرف هل تحدي الكفار في أن يأتوا بمثل القرآن متضمن للآيات المنسوخة ؟

أسأل لأن الآية المذكورة في حديث صحيح مسلم لا تبدو لي كآية من القرآن إطلاقا !

الجواب

الحمد لله

أولا :

ذهب جماهير الأصوليين والفقهاء والمحدثين والمفسرين إلى جواز وقوع نسخ التلاوة والرسم مع بقاء الحكم الشرعي المتضمن في الآية ثابتا .

واستدلوا على ذلك بما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم من نصوص تدل على ذلك ، ونحن نذكر هنا بعض ما وقفنا عليه من الأمثلة المنقولة :

1- نسخ تلاوة آية الرجم .

دليله قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه – وهو يخطب الناس على المنبر - :

( إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِى كِتَابِ اللَّهِ . فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ . وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ )

رواه البخاري (6830) ومسلم (1691) .

يقول أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي رحمه الله :

" وقول عمر : ( كان مما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم آية الرَّجم ، فقرأناها ، ووعيناها ، وعقلناها ) ، هذا نصٌّ من عمر رضى الله عنه على أنَّ هذا كان قرآنًا يُتلى . وفي آخره ما يدلُّ على أنَّه نُسخً كَونُها من القرآن ، وبقي حُكْمُها معمولاً به ، وهو الرَّجم . وقال ذ

ك عمر بمحضرِ الصحابة رضى الله عنهم ، وفي مَعْدن الوحي ، وشاعت هذه الخطبة في المسلمين ، وتناقلها الرُّكبان ، ولم يسمع في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئًا مِمَّا قاله عمر ، ولا راجعه في حياته ولا بعد موته ، فكان ذلك إجماعًا منهم على صحة هذا النوع من النسخ ، وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ، ولا يلتفت لخلاف من تأخر زمانه ، وقل علمه في ذلك ، وقد بيَّنا في الأصول : أن النسخ على ثلاثة أضرب : نسخ التلاوة ، ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة ، ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم " انتهى.

"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (5/85)

2- نسخ تلاوة آية : ( لا ترغبوا عن آبائكم ، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) .

دليله قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه – في تكملة الحديث السابق - : ( ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : " أَنْ لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ " )

رواه البخاري (6830) ومسلم (1691) .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : ( ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ) أي : مما نسخت تلاوته ، قوله : ( لا ترغبوا عن آبائكم ) ، أي : لا تنتسبوا إلى غيرهم " انتهى.

"فتح الباري" (12/148) .

3- نسخ تلاوة آية : ( ألا بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) .

دليله ما رواه قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه : ( أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لِحْيَانَ ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا ، وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ ، فَأَمَدَّهُمُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ . قَالَ أَنَسٌ : كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِى لِحْيَانَ .

قَالَ قَتَادَةُ : وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا : " أَلاَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِىَ عَنَّا وَأَرْضَانَا " ، ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ ) انتهى.

رواه البخاري (3064) .

4- نسخ تلاوة سورة طويلة ، ذُكر أن مِن آياتها : ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ) .

دليله عن أبي الأسود رحمه الله قال : ( بَعَثَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ ، فَقَالَ :

أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ ، فَاتْلُوهُ ، وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا ، غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا : " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ " ، وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِيتُهَا ، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ) فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )

رواه مسلم (1050)

يقول الحافظ ابن حجر في معرض الحديث عن إحدى الروايات التي تذكر هذه الآية ( لو كان لابن آدم...) : " وهذا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عن الله تعالى على أنه من القرآن، ويحتمل أن يكون من الأحاديث

القدسية، والله أعلم ، وعلى الأول فهو مما نسخت تلاوته جزما ، وإن كان حكمه مستمرا . ويؤيد هذا الاحتمال ما أخرج أبو عبيد في "فضائل القرآن" من حديث أبي موسى قال : " قرأت سورة نحو براءة فغبت وحفظت منها : ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا" الحديث ، ومن حديث جابر : " كنا نقرأ لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب إليه مثله "

انتهى. "فتح الباري" (11/258) .

يقول أبو العباس القرطبي رحمه الله :

" قوله : ( كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها ) وهذا ضرب من النسخ ، فإن النسخ على مانقله علماؤنا على ثلاثة أضرب : أحدها : نسخ الحكم وبقاء التلاوة . والثاني : عكسه ، وهو نسخ التلاوة وبقاء الحكم . والثالث : نسخ الحكم والتلاوة ، وهو كرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى ، فإنهما رُفِعَ حُكْمَهُما وتلاوتُهما . وهذا النسخ هو الذي ذكر الله تعالى حيث قال : ( مَا نَنْسخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا ) ، على قراءة من قرأها بضم النون ، وكسر السين ، وكذلك قوله تعالى : ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إلا ما شاء الله )

وهاتان السورتان مما شاء الله تعالى أن يُنْسِيَه بعد أن أنزله ، وهذا لأن الله تعالى فعال لما يريد ، قادر على ما يشاء ؛ إذ كل ذلك ممكن .

ولا يتوهم متوهم من هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء ، فإن ذلك باطل ؛ بدليل قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزْلَنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفتي المصحف ، من غير زيادة ولا نقصان ، كما قررناه في أصول الفقه " انتهى.

"المفهم" (3/93-94)

ويقول السيوطي رحمه الله :

" هذا من المنسوخ تلاوة الذي أشير إليه بقوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) ، فكان الله ينسيه الناس بعد أن حفظوه ، ويمحوه من قلوبهم ، وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، إذ لا نسخ بعده " انتهى.

"الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج" (3/129)

5- وأشياء آخرى متفرقة :

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها وبقي حكمها أو لم يبق ، مثل ...حديث أبي بن كعب : ( كانت الأحزاب قدر البقرة ) ، وحديث حذيفة : (ما يقرءون ربعها) يعني براءة ، وكلها أحاديث صحيحة .
وقد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه " كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله ، ويقول : إن منه قرآنا قد رفع " .

وليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب ؛ لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.

"فتح الباري" (9/65)

ثانيا :

يجب الإيمان بأن لله الحكمة البالغة في هذا الشأن ، فهو سبحانه منزه عن العبث ، وله في خلقه وأمره حكم عالية رفيعة ، قد نعلمها ، وقد لا نعلمها ، ولكن العلماء يحاولون دائما تلمس الحكم وتأملها استجابة لأمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في آياته عز وجل .

يقول الزرقاني رحمه الله –

في معرض الجواب عن الشبه التي يذكرها بعضهم في نسخ التلاوة دون الحكم - :

" يقولون : إن الآية دليل على الحكم ، فلو نسخت دونه لأشعر نسخها بارتفاع الحكم ، وفي ذلك ما فيه من التلبيس على المكلف والتوريط له في اعتقاد فاسد .

وندفع هذه الشبهة بان تلك اللوازم الباطلة ، تحصل لو لم ينصب الشارع دليلا على نسخ التلاوة وعلى إبقاء الحكم ، أما وقد نصب الدليل على نسخ التلاوة وحدها ، وعلى إبقاء الحكم وتقرير استمراره ، كما في رجم الزناة المحصنين ، فلا تلبيس من الشارع على عبده ولا توريط .

يقولون : إن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم عبث لا يليق بالشارع الحكيم ؛ لأنه من التصرفات التي لا تعقل لها فائدة ؟
وندفع هذه الشبهة بجوابين :

أحدهما : أن نسخ الآية مع بقاء الحكم ليس مجردا من الحكمة ، ولا خاليا من الفائدة حتى يكون عبثا ، بل فيه فائدة أي فائدة ، وهي حصر القرآن في دائرة محدودة تيسر على الأمة حفظه واستظهاره ، وتسهل على سواد الأمة التحقق فيه وعرفانه ، وذلك سور محكم وسياج منيع يحمي القرآن من أيدي المتلاعبين فيه بالزيادة أو النقص ؛ لأن الكلام إذا شاع وذاع وملأ البقاع ثم حاول أحد تحريفه سرعان ما يعرف

وشد ما يقابل بالإنكار ، وبذلك يبقى الأصل سليما من التغيير والتبديل ، مصداقا لقوله سبحانه : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) والخلاصة أن حكمة الله قضت أن تنزل بعض الآيات في أحكام شرعية عملية ، حتى إذا اشتهرت تلك الأحكام نسخ سبحانه هذه الآيات في تلاوتها فقط ، رجوعا بالقرآن إلى سيرته من الإجمال ، وطردا لعادته في عرض فروع الأحكام من الإقلال ، تيسيرا لحفظه ، وضمانا لصونه ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

ثانيهما : أنه على فرض عدم علمنا بحكمة ولا فائدة في هذا النوع من النسخ ، فإن عدم العلم بالشيء لا يصلح حجة على العلم بعدم ذلك الشيء ، وإلا فمتى كان الجهل طريقا من طرق العلم ، ثم إن الشأن في كل ما يصدر عن العليم الحكيم الرحمن الرحيم أن يصدر لحكمة أو لفائدة نؤمن بها ، وإن كنا لا نعلمها على التعيين ، وكم في الإسلام من أمور تعبدية استأثر الله بعلم حكمتها ، أو أطلع عليها بعض خاصته من المقربين منه ، والمحبوبين لديه ، وفوق كل ذي علم عليم ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .

ولا بدع في هذا ، فرب البيت قد يأمر أطفاله بما لا يدركون فائدته لنقص عقولهم ، على حين أنه في الواقع مفيد ، وهم يأتمرون بأمره ، وإن كانوا لا يدركون فائدته ، والرئيس قد يأمر مرؤوسيه بما يعجزون عن إدراك سره وحكمته ، على حين أن له في الواقع سرا وحكمة وهم ينفذون أمره ، وإن كانوا لا يفهمون سره وحكمته .

كذلك شأن الله مع خلقه فيما خفي عليهم من أسرار تشريعه ، وفيما لم يدركوا من فائدة نسخ التلاوة دون الحكم ، ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم " انتهى.

"مناهل العرفان" (2/156-158)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 07:11
لم ينفرد عمر بن الخطاب بمعرفة آية الرجم

السؤال

في صحيح البخاري في باب الأحكام أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (لولا أن يقول الناس عن آية الرجم لكتبتها بيدي) لماذا لا يعلم هذه الآية سوى عمر ؟ وكيف نحاجج من يسأل ذلك ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (6830) ومسلم (1691) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فخطب الجمعة ، وكان مما قال رضي الله عنه فقال : (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا ، وَعَقَلْنَاهَا ، وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ، أَوْ الِاعْتِرَافُ) . زاد أبو داود (4418) : (وَايْمُ اللَّهِ ، لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ : زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَكَتَبْتُهَا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه في عدة مواضع : (6829) و(6830) في كتاب الحدود . و(7626) في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، وليس فيها اللفظ الوارد في السؤال (لولا أن يقول الناس.......إلخ) .

وقد ذكرها البخاري في كتاب الأحكام معلقة ، بلا إسناد : قال عمر : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي .

ومثل هذا لا يقال فيه : رواه البخاري في صحيحه ، إلا أن يقال مع ذلك : إنه رواه معلقاً ، فيقال : رواه البخاري معلقاً .
وقد رواها أبو داود موصولةً وصححه الألباني كما سبق .

ثانياً :

يجاب على من يسألون: لماذا لم يعلم هذه الآية سوى عمر ؟

بأن يقال : لم ينفرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمعرفة هذه الآية ، فقد ورد عن جماعة من الصحابة إثباتها .

روى ابن ماجه (1944) عن عائشة رضي الله عنها قالت : (لقد نزلت آية الرجم ، وكانت في صحيفة تحت سريري) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .

وروى الإمام أحمد (1214) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إثباتها ، غير أن إسناده ضعيف .

وذكر الحافظ في "فتح الباري" أنه ورد إثبات هذه الآية عن أبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما .

وقد أثبت عمر رضي الله عنه هذه الآية على المنبر في خطبة الجمعة ، وكان حاضراً في تلك الخطبة علماء الصحابة وفقهاؤهم وكبراؤهم ، وأقروه على إثبات هذه الآية ، ولم ينكر عليه أحد منهم ، فكيف يقال بعد ذلك : إنها لم يعلمها غير عمر ؟!

ثالثاً :

آية الرجم مما يذكره العلماء في "أصول الفقه" من مبحث "النسخ" أنها مما نسخ لفظه وبقي حكمه ، فلم تَعُدْ أية من القرآن الكريم ، ولكن حكمها باقٍ لم ينسخ ، ولعل هذا هو السبب الذي جعل عمر رضي الله عنه لا يكتبها في المصحف ، لأنها لما نسخت تلاوتها لم تَعُدْ من القرآن فلا يجوز أن تكتب فيه .

وانظر : "المنتقي شرح الموطأ" حديث رقم (1560) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 07:17
علم المكي والمدني من سور القرآن الكريم

السؤال

ما الفرق بين السور المكية والسور المدنية ؟

الجواب

الحمد لله

عناية المسلمين بالقرآن الكريم عناية فائقة ، ولا يعرف كتاب على وجه الأرض نال من الدراسة والشرح والبيان ما ناله القرآن ، حتى أنشأ العلماء مئات العلوم المستقلة المتعلقة به ، كان من أهمها علم : " المكي والمدني ".

ويمكن أن نوجز ببيان هذا العلم من علوم القرآن الكريم في المسائل الآتية :

أولا : بيان معنى مصطلح : " المكي والمدني ".

هو اصطلاح أطلقه العلماء ليميزوا بين الآيات والسور التي نزلت في المرحلة المكية للدعوة الإسلامية ، وبين ما نزل في المرحلة المدنية ، فاشتهر بين أكثر أهل العلم هذا التقسيم ، وجعلوا مناطه ومداره على الزمان ، وليس على المكان :
فالمكي من الآيات والسور : ما نزل قبل الهجرة النبوية ، سواء كان في مكة أو ضواحيها.

والمدني من الآيات والسور : ما نزل بعد الهجرة النبوية ، سواء كان مكان نزوله المدينة ، أو مكة بعد فتحها ، أو أي مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم .

ثانيا : أهمية هذا العلم وفوائده .

1- معرفة الناسخ من المنسوخ : وهذه فائدة عظيمة مفيدة في فهم القرآن وبيانه ، فالنسخ – وهو إزالة حكم الآية بحكم جديد – واقع في القرآن ، ولتحديد الآية الناسخة لا بد من معرفة زمان نزولها ، هل هو قديم في بداية الإسلام ، أو متأخر ، فتكون الآية المدنية ناسخة للمكية ، إذا ثبت وقوع النسخ في حكمها .

2- معرفة تاريخ التشريع ومراحله ، وتلمس الحكمة في تدرج أحكامه وآياته ، حتى بلغت الكمال في آخر العهد النبوي ، ولا شك أن معرفة مراحل التشريع مفيدة جدا في فهم الشريعة ومقاصد القرآن وحكمته .

3- الوصول إلى الفهم الصحيح لآيات القرآن وسوره ، لأن معرفة تاريخ النزول وظرف الآيات يساعد كثيرا على فهمها واستجلاء مقاصدها ، فمن قطع النصوص عن سياقها الزماني أو المكاني فقد قطع على نفسه سبيل الحقيقة والفهم السليم .

4- ومن فوائده بيان عظيم عناية المسلمين بالقرآن الكريم ، حيث لم يحفظوا نصوصه فقط ، بل حفظوا ونقلوا الزمن الذي نزلت فيه ، ليكون ذلك شاهدا على الثقة المطلقة التي يمنحها المؤمنون لهذا الكتاب العظيم .

5- التذوق اللغوي لأساليب البيان العالية في القرآن الكريم ، فقد تميزت سور كل مرحلة مكية أو مدنية بأساليب بيانية تناسب ما تضمنته من معاني ومقاصد ، وكل هذه الأساليب لها من الرونق والبريق ما يأخذ الألباب ويدهش الأسماع ، ومعرفة المكي والمدني يساعد على هذا التذوق ويقربه للأذهان .

6- معرفة السيرة النبوية ، فقد استغرق تنزل القرآن الكريم ثلاثة وعشرين عاما ، رافق فيها جميع الأحداث التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان فهم " المكي والمدني " رافدا من روافد علم السيرة النبوية ، ومكملا لدراساته .
ثالثا : الفرق بين المكي والمدني .

تبين للعلماء – بعد تأمل السور المكية والسور المدنية – أن ثمة فرقا في الغالب بينهما من جهتين اثنتين : المضمون ، والأسلوب .
\
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع :

أ- أما من حيث الأسلوب فهو :

1- الغالب في المكي قوة الأسلوب ، وشدة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين معرضون مستكبرون ، ولا يليق بهم إلا ذلك ، أقرأ سورتي المدثر ، والقمر .

أما المدني : فالغالب في أسلوبه اللين ، وسهولة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون ، أقرا سورة المائدة
.
2- الغالب في المكي قصر الآيات ، وقوة المحاجة ؛ لأن غالب المخاطبين معاندون مشاقون ، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم ، أقرا سورة الطور .

أما المدني : فالغالب فيه طول الآيات ، وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة ؛ لأن حالهم تقتضي ذلك ، أقرأ آية الدين في سورة البقرة .

ب- وأما من حيث الموضوع فهو :

1- الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك .

أما المدني : فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات ؛ لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة ، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات.

2- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال ، ذلك حيث شرع الجهاد وظهر النفاق ، بخلاف القسم المكي " انتهى.

"أصول التفسير" (ص/13)

ويقول الدكتور مناع القطان رحمه الله :

" استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية ، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني ، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات التي يتناولها ، وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات :

ضوابط المكي ومميزاته الموضوعية :

1- كل سورة فيها سجدة فهي مكية .

2- كل سورة فيها لفظ " كلا " فهي مكية ، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن . وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة .

3- كل سورة فيها : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ، وليس فيها : ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواُ ) فهي مكية ، إلا سورة الحج ، ففي أواخرها
: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) ، ومع هذا فإن كثيرًا من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك
.
4- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية ، سوى البقرة .

5- كل سورة فيها آدم وإبليس فهي مكية ، سوى البقرة كذلك .

ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية
:
1- كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية .

2- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ، سوى العنكبوت ، فإنها مكية .

3- كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنية .

هذا من ناحية الضوابط ، أما من ناحية المميزات الموضوعية ، وخصائص الأسلوب ، فيمكن إجمالها فيما يأتي :

1- بيان العبادات ، والمعاملات ، والحدود ، ونظام الأسرة ، والمواريث ، وفضيلة الجهاد ، والصلات الاجتماعية ، والعلاقات الدولية في السلم والحرب ، وقواعد الحكم ، ومسائل التشريع .

2- مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ودعوتهم إلى الإسلام ، وبيان تحريفهم لكتب الله ، وتجنيهم على الحق ، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم .

3- الكشف عن سلوك المنافقين ، وتحليل نفسيتهم ، وإزاحة الستار عن خباياهم ، وبيان خطرهم على الدين .

4- طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها " انتهى.

"مباحث في علوم القرآن" (62-64)

وأخيرا :

من أراد التفصيل في هذا العلم ، والاطلاع على كلام العلماء وتعدادهم للسور المكية والمدنية، واختلافهم في بعضها ، وكذلك الجواب على الشبه الساقطة التي أوردها المستشرقون حول هذا الموضوع ، فنحيله إلى المراجع الآتية :

"البرهان في علوم القرآن" للزركشي (1/187-206)
"الإتقان في علوم القرآن" (1/34-59) ،
"مناهل العرفان في علوم القرآن" لمحمد عبد العظيم الزرقاني (1/135-167)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 07:24
حول النسخ في القرآن ، وترتيب سوره وآياته .

السؤال:

هل هناك آيات نسخت ، أي : مسحت من القرآن ، ووضع محلها آية أخرى ؟

وهل هناك كتاب يتكلم عن الآيات والسور ، يعني : إذا الآيات كانت رتَّبها الصحابة أو الرسول أو الله ، واسم السور ، وهكذا ؟ .

الجواب:

الحمد لله

أولاً :

النسخ في اللغة : الرفع والإزالة ، وفي الاصطلاح : رفع حكم دليل شرعي ، أو لفظه ، بدليل من الكتاب أو السنة .
والنسخ ثابت في الكتاب والسنَّة وفي إجماع أهل السنَّة ، وفيه حِكَم عظيمة ، وغالباً ما يكون الناسخ تخفيفاً على المسلمين ، أو تكثيراً للأجور .

قال الله تعالى : ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) البقرة / 106 - 107 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :

النسخ : هو النقل ، فحقيقة النسخ : نقل المكلفين من حكم مشروع ، إلى حكم آخر ، أو إلى إسقاطه ، وكان اليهود ينكرون النسخ ، ويزعمون أنه لا يجوز ، وهو مذكور عندهم في التوراة ، فإنكارهم له كفر ، وهوى محض .

فأخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ ، وأنه ما ينسخ من آية ( أَوْ نُنْسِهَا ) أي : نُنسها العباد ، فنزيلها من قلوبهم : ( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ) وأنفع لكم ، ( أَوْ مِثْلِهَا ) .

فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول ؛ لأن فضله تعالى يزداد ، خصوصاً على هذه الأمة ، التي سهل عليها دينها غاية التسهيل .

وأخبر أن من قدح في النسخ : فقد قدح في ملكه ، وقدرته ، فقال : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) .

فإذا كان مالكاً لكم ، متصرفاً فيكم ، تصرف المالك البر الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه : فكما أنه لا حجر عليه في تقدير ما يقدره على عباده من أنواع التقادير : كذلك لا يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من الأحكام ، فالعبد مدبَّر ، مسخَّر تحت أوامر ربه الدينية والقدرية ، فما له والاعتراض ؟ .

وهو أيضاً ولي عباده ، ونصيرهم ، فيتولاهم في تحصيل منافعهم ، وينصرهم في دفع مضارهم ، فمن ولايته لهم : أن يشرع لهم من الأحكام ما تقتضيه حكمته ، ورحمته بهم .

ومَن تأمل ما وقع في القرآن والسنَّة من النسخ : عرف بذلك حكمة الله ، ورحمته عباده ، وإيصالهم إلى مصالحهم ، من حيث لا يشعرون بلطفه .

" تفسير السعدي " ( ص 61 ) .

ثانياً:

بمعرفة أنواع النسخ يتبين للأخ السائل جواب سؤاله وزيادة ، والنسخ أنواع ، وهي :

1. نسخ التلاوة والحكم ، كنسخ العشر الرضعات التي كانت تحرم الرضيع على المرضعة ، فنسخ لفظها ، وحكمها .

2. نسخ التلاوة دون الحكم ، كنسخ آية الخمس رضعات التي تحرِّم الرضيع على المرضع ، وكآية رجم الزاني والزانية
.
3. ونسخ الحكم دون التلاوة ، كنسخ آية ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) ، وكنسخ تحريم الفرار من الزحف إذا كان العدو عشرة أضعاف المسلمين فما دون ، فنسخ ضعف عدد المسلمين .

قال ابن عطية – رحمه الله - :

والنسخ التام : أن تنسخ التلاوة والحكم ، وذلك كثير ، وقد تنسخ التلاوة دون الحكم ، وقد ينسخ الحكم دون التلاوة ، والتلاوة والحكم حكمان ، فجائز نسخ أحدهما دون الآخر .

" المحرر الوجيز " ( 1/131 ) .

وقال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني – رحمه الله - :

النسخ الواقع في القرآن يتنوع إلى أنوع ثلاثة نسخ التلاوة والحكم معاً ، ونسخ الحكم دون التلاوة ، ونسخ التلاوة دون الحكم .

1. نسخ الحكم والتلاوة جميعاً ، فقد أجمع عليه القائلون بالنسخ من المسلمين ، ويدل على وقوعه سمعاً : ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قال : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " وهو حديث صحيح [ رواه مسلم ( 1452 ) ] ، وإذا كان موقوفاً على عائشة رضي الله عنها : فإن له حكم المرفوع ؛ لأن مثله لا يقال بالرأي

بل لا بد فيه من توقيف ، وأنت خبير بأن جملة " عشر رضعات معلومات يحرِّمن " ليس لها وجود في المصحف حتى تتلى ، وليس العمل بما تفيده من الحكم باقياً ، وإذن يثبت وقوع نسخ التلاوة والحكم جميعاً ، وإذا ثبت وقوعه ثبت جوازه ؛ لأن الوقوع أول دليل على الجواز ، وبطل مذهب المانعين لجوازه شرعاً ، كأبي مسلم [ الأصفهاني ، أصولي معتزلي ] وأضرابه .

2. نسخ الحكم دون التلاوة ، فيدل على وقوعه آيات كثيرة : منها : أن آية تقديم الصدقة أمام مناجاة الرسول وهي قوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) منسوخة بقوله سبحانه ( ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله ) على معنى أن حكم الآية الأولى منسوخ بحكم الآية الثانية ، مع أن تلاوة كلتيهما باقية .

ومنها : أن قول سبحانه ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) منسوخ بقوله سبحانه ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) على معنى أن حكم تلك منسوخ بحكم هذه ، مع بقاء التلاوة في كلتيهما كما ترى .

3. نسخ التلاوة دون الحكم ، فيدل على وقوعه ما صحت روايته عن عمر بن الخطاب ، وأبي بن كعب أنهما قالا : ( كان فيما أنزل من القرآن " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبتة " ) ، وأنت تعلم أن هذه الآية لم يعد لها وجود بين دفتي المصحف ، ولا على ألسنة القراء ، مع أن حكمها باقٍ على إحكامه لم ينسخ .

ويدل على وقوعه أيضاً :

ما صح عن أبي بن كعب أنه قال :

" كانت " سورة الأحزاب " توازي " سورة البقرة " ، أو أكثر " [ رواه أبو داود الطيالسي في مسنده ( رقم 540 ) ، وعبد الرزاق في " المصنف " ( رقم 5990 ) ، والنسائي في " السنن الكبرى " ( رقم 7150 ) ، وإسناده صحيح ] ، مع أن هذا القدر الكبير الذي نسخت تلاوته لا يخلو في الغالب من أحكام اعتقادية لا تقبل النسخ .

ويدل على وقوعه أيضاً : الآية الناسخة في الرضاع ، وقد سبق ذكرها في النوع الأول .

ويدل على وقوعه أيضاً : ما صح عن أبي موسى الأشعري أنهم كانوا يقرؤون سورة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طول " سورة براءة " ، وأنها نسيت إلا آية منها ، وهي : " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب" [

رواه أحمد ( 19280 ) ، وإسناده صحيح ، وصححه محققو المسند ]

" مناهل العرفان " ( 2 / 154 ، 155 ) .

ثالثاً:

أما بخصوص ترتيب الآيات : فالإجماع قائم على أنه ترتيبها في السورة الواحدة توقيفي ، ولا دخل لاجتهاد الصحابة فيه .

وأما ترتيب السور : فقد وقع خلاف بين العلماء فيه ، والجمهور على أنه كان باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم ، مع التسليم بوجود ترتيب لبعض تلك السور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

وانظر في بيان المسألتين : جواب السؤال رقم : ( 3214 ) .

وأما تسمية السور : فبعضها قد سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعضها كان باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم .
سئل علماء اللجنة الدائمة :

مَن هو الذي سمَّى سور القرآن الكريم ، هل هو الرسول صلى الله عليه وسلم أم ماذا ؟ .

فأجابوا :

لا نعلم نصّاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على تسمية السور جميعها ، ولكن ورد في بعض الأحاديث الصحيحة تسمية بعضها من النبي صلى الله عليه وسلم ، كالبقرة ، وآل عمران ، أما بقية السور : فالأظهر أن تسميتها وقعت من الصحابة رضي الله عنهم .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 16 ) .

وكل ما سبق من مسائل تجده في الكتب التي عنيت بعلوم القرآن ، كالإتقان للسيوطي ، والبرهان للزركشي ، ومناهل العرفان للزرقاني .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 07:32
كانت سورة الأحزاب تعدل سورة البقرة ، ثم نسخ أكثرها

السؤال :

هناك حديث في مسند أحمد يقول بأن 200 آية من سورة الأحزاب قد نُسخت ، فهل هذا صحيح ؟

صحيح ابن حبان - محققا (10/ 274) ذِكْرُ الْأَمْرِ بِالرَّجْمِ لِلْمُحْصِنِينَ إِذَا زَنَيَا قَصْدَ التنكيل بهما . 4429 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُكْرَمٍ بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْأَبَّارُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: " لَقِيتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ ، وَيَقُولُ إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنَ الْقُرْآنِ فَلَا تَجْعَلُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ

قَالَ أُبَيٌّ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَ لَنَا، فَنَحْنُ نَقُولُ : كَمْ تَعُدُّونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ مِنْ آيَةٍ ؟ قَالَ قُلْتُ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ ، قَالَ أُبَيٌّ : وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ كَانَتْ لَتَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلَقَدْ قَرَأْنَا فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ : الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى عبد الله بن الإمام أحمد في " زوائد المسند " (21207) ، وعبد الرزاق في " المصنف " (5990) ، وابن حبان في "صحيحه" (4428) ، والحاكم في "المستدرك" (8068) ، والبيهقي في "السنن" (16911) ، وابن حزم في "المحلى" (12/175) من طريق عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ : قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: " كَأَيِّنْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ أَوْ كَأَيِّنْ تَعُدُّهَا؟ " قَالَ: قُلْتُ لَهُ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً ، فَقَالَ: قَطُّ ، لَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُعَادِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، وَلَقَدْ قَرَأْنَا فِيهَا : ( الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

قال ابن حزم رحمه الله :

" هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ كَالشَّمْسِ ، لَا مَغْمَزَ فِيهِ " انتهى .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أنه قد كَانَ فِيهَا قُرْآنٌ ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهُ وَحُكْمُهُ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/335) .

وله شاهد يرويه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند" (21206) : حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَاد ٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: " كَمْ تَقْرَءُونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ ، قَالَ : بِضْعًا وَسَبْعِينَ آيَةً ، قَالَ: لَقَدْ قَرَأْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الْبَقَرَةِ ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَإِنَّ فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ " .
ويزيد بن أبي زياد ضعيف ، لكن لا بأس به في الشواهد .

فهذا يدل على أن سورة الأحزاب كانت سورة كبيرة كسورة البقرة ، ولكن نسخ معظمها.

وقد تقدم معنا في جواب السؤال رقم : (105746) : أن النسخ الواقع في القرآن يتنوع إلى أنواع ثلاثة : نسخ التلاوة والحكم معاً ، ونسخ الحكم دون التلاوة ، ونسخ التلاوة دون الحكم .

وهذا النسخ الحاصل في سورة الأحزاب لهذا القدر الكبير من الآيات ، منه ما كان من قبيل نسخ التلاوة دون الحكم كآية الرجم ، ومنه ما كان من قبيل نسخ التلاوة والحكم معا - كما تقدم في كلام ابن كثير .

قال الزرقاني رحمه الله :

" وأما نسخ التلاوة دون الحكم : فيدل على وقوعه ما صحت روايته عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب أنهما قالا : كان فيما أنزل من القرآن : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبتة ) .

وأنت تعلم أن هذه الآية لم يعد لها وجود بين دفتي المصحف ، ولا على ألسنة القراء ، مع أن حكمها باق على إحكامه لم يُنْسَخْ .

ويدل على وقوعه أيضا ما صح عن أبي بن كعب أنه قال : " كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة أو أكثر " ... " انتهى .

ثانيا :

ما ذُكر في الأثر أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول إن المعوذتين ليستا من القرآن ، فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال :
أولا :
أنه لا يصح عنه ، قال ابن حزم رحمه الله :

" كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَأُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ تَكُنْ فِي مُصْحَفِهِ : فَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ ؛ وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَفِيهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ "

انتهى من "المحلى" (1/ 32) .

وقال النووي رحمه الله :

" أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالْفَاتِحَةَ وَسَائِرَ السُّوَرِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ ، وَأَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْهُ كَفَرَ ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ بَاطِلٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْهُ "

انتهى من "المجموع" (3/ 396).

ثانيا :

أنه إنما أنكر إثباتهما في المصحف ، ولم ينكر كونهما من القرآن .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَقَدْ تَأَوَّلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي كِتَابِ الِانْتِصَارِ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مَا حُكِيَ عَنِ ابن مَسْعُود فَقَالَ: لم يُنكر بن مَسْعُودٍ كَوْنَهُمَا مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ إِثْبَاتَهُمَا فِي الْمُصْحَفِ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ لَا يَكْتُبَ فِي الْمُصْحَفِ شَيْئًا إِلَّا إِنْ كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي كِتَابَتِهِ فِيهِ ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ . قَالَ : فَهَذَا تَأْوِيلٌ مِنْهُ ، وَلَيْسَ جَحْدًا لِكَوْنِهِمَا قُرْآنًا .

وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ ؛ إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَدْفَعُ ذَلِكَ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا : " وَيَقُولُ إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ " نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ لَفْظِ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى الْمُصْحَفِ ، فَيَتَمَشَّى التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ "

انتهى من "فتح الباري" (8/ 743) .

ثالثا :

أنه كان ينكر أولا قرآنيتهما ، فلما تبين له أنهما من القرآن أثبتهما في مصحفه ورجع عن قوله الأول ، قال الزرقاني رحمه الله :

" يحتمل أن إنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين ، على فرض صحته , كان قبل علمه بذلك ، فلما تبين له قرآنيتهما ، بعدما تم التواتر ، وانعقد الإجماع على قرآنيتهما : كان في مقدمة من آمن بأنهما من القرآن.

قال بعضهم: يحتمل أن ابن مسعود لم يسمع المعوذتين من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تتواترا عنده ، فتوقف في أمرهما، وإنما لم ينكر ذلك عليه لأنه كان بصدد البحث والنظر ، والواجب عليه التثبت في هذا الأمر . أهـــ .

ولعل هذا الجواب هو الذي تستريح إليه النفس ، لأن قراءة عاصم عن ابن مسعود ثبت فيها المعوذتان ، وهي صحيحة ونقلها عن ابن مسعود صحيح ، وكذلك إنكار ابن مسعود للمعوذتين جاء من طريق : صححه ابن حجر. إذاَ فليحمل هذا الإنكار على أولى حالات ابن مسعود جمعا بين الروايتين "

انتهى من"مناهل العرفان" (1/ 275-276) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-10, 07:38
وجوه نسخ الآيات القرآنية

السؤال

ما الذي يعنيه هذا الحديث , وفي ترجمته " نسخت آية من القرآن " ؟

. حديث رقم ( 57 ) كتاب رقم ( 52 ) صحيح البخاري الجزء الرابع : حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرُ الْحَوْضِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ فَلَمَّا قَدِمُوا قَالَ لَهُمْ خَالِي أَتَقَدَّمُكُمْ فَإِنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا فَتَقَدَّمَ فَأَمَّنُوهُ فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ

فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا رَجُلًا أَعْرَجَ صَعِدَ الْجَبَلَ - قَالَ هَمَّامٌ : فَأُرَاهُ آخَرَ مَعَهُ - فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ فَكُنَّا نَقْرَأُ " أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا " ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ وَبَنِي عُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

الجواب :

الحمد لله

ليس في هذا الحديث عند أهل السنَّة إشكال بفضل الله ؛ لأنهم يؤمنون أنه هناك آيات قرآنية أنزلها الله تعالى على نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم نسخت – والنسخ هو الرفع والإزالة – ، وهذا النسخ للآيات القرآنية له وجوه أربعة :

1. آيات حفظها الصحابة رضي الله عنهم وتلوها قرآناً ، ثم نسخها الله تعالى تلاوة وحكماً ، ولم تُرفع من قلوبهم وحفظهم ، لكنهم لا يرددونها على أنها قرآن .

ومثاله : ما ذكره الأخ السائل في الحديث ، ومثاله : الآية التي فيها التحريم بعشر رضعات .

2. آيات حفظها الصحابة رضي الله عنهم وتلوها قرآناً ، ثم نسخها الله تعالى تلاوة وحكماً ، ورفعت من قلوبهم وحفظهم .
ومثاله : ما رُفع من الآيات في سورة الأحزاب والتي كانت تعادل في طولها سورة " البقرة " .

قال السيوطي - رحمه الله -

: " هذا من المنسوخ تلاوة الذي أشير إليه بقوله تعالى ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا ) ، فكان الله ينسيه الناس بعد أن حفظوه ، ويمحوه من قلوبهم ، وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، إذ لا نسخ بعده "
\
انتهى من " الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج " ( 3 / 129 ) .

3. آيات رُفع لفظها وبقي حكمها .

ومثاله : آية الرجم " الشيخ والشيخة إذا زنيا ...
" .
4. وجه رابع أخير وهو ما رُفع حكمها وبقي لفظها قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة .

ومثاله : ما نزل من آيات في إباحة الخمر مثل قوله تعالى ( وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) النحل/ 67 .

وفي الحديث الذي ذكره الأخ السائل بيان أن جملة " بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ " كانت قرآناً يُتلى ثم رُفعت ورفعها يعني أنها لم تعُد قرآناً ، وهي مما حفظه الصحابة وبقي في قلوبهم – وهو الوجه الأول السابق ذِكره - وهذه رواية أخرى للحديث فيها لفظ يوضح ذلك .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ غَدَاةً عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .

قَالَ أَنَسٌ : أُنْزِلَ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنٌ قَرَأْنَاهُ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ " بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ " .

رواه البخاري ( 2659 ) .

وقد ذكر هذه الوجوه الأربعة كلها أئمة الإسلام ، وبعضهم يجعلها وجوهاً ثلاثة جاعلاً الوجهين الأولين وجهاً واحداً ، ومن هؤلاء الإمام ابن عبد البر رحمه الله ، في كتابه " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " ( 4 / 273 – 277 ) .
والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-11, 16:10
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

إشكالات توهَّم السائل أنها تدل على أن القرآن غير محفوظ
السؤال :

قرأت حديثاً يقول فيه عمر رضي الله عنه : " كنت أقرأ ( فامْضوا إلى ذكر الله ) بدلاً من ( فاسعوا ) في سورة الجمعة " . " الدر المنثور ، الجزء السادس ، صفحة 219 . وقرأت أحاديث أخرى تفيد بأن القرآن ليس كاملاً ، مثل : حديث عمر في السقيفة حيث قال : " كان القرآن 102700 حرفاً " . " الإتقان " للسيوطي ، ص 88 .

وقوله : " لا يدّعيّن أحدٌ أن القرآن مكتمل لأنه قد فُقد معظمه " . تفسير " الدر المنثور " للسيوطي ، المجلد الأول ص 104 . وقول أبيّ بن كعب أن لديه في مصحفه سورتين زائدتين ، " الخلع " و " الحفد " . " الإتقان " للسيوطي المجلد الثاني ص 66 .

أمّا سيد أنور شاه كشميري فقد قال : " إن تحليلي مبني على ما في " صحيح البخاري " من أن القرآن قد حُرفت فيه بعض الكلمات قصداً أو من دون قصد ، وذلك بشهادة عثمان رضي الله عنه . " فيض الباري " ، المجلد الثالث ، ص 395 ، تحت فصل " الشهادات " . أما عثمان فقد نقل عنه السيوطي في " إتقانه "

في المجلد الأول صفحة 174 أنه قال : " هناك بعض الأخطاء في المصحف الذي لدينا اليوم " . أما هشام بن عروة فيقول : سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) و ( والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ) و ( إنَّ هذان لساحران ) فقالت : " يا ابن أختي ! هذا عمل الكُتَّاب ، أخطؤوا في الكِتاب " . " الإتقان " المجلد الأول ، ص 183 ، 184

وقد قال عنه جلال الدين السيوطي أنه " صحيح على شرط الشيخين " . وورد كذلك في " الدر المنثور " في المجلد الخامس ، ص 180 ، و " الإتقان " المجلد الثاني ، ص 25 " أن سورة الأحزاب كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم 200 آية ، ثم نقصت إلى ما هي عليه بعد جمع عثمان للمصحف . حديث عائشة : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " . رواه مسلم في كتاب الرضاع

. فكيف يمكننا القول بعد كل هذا إن القرآن محفوظ ؟ .

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

قراءة عمر رضي الله عنه لآية سورة الجمعة ( فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ الله ) قد رواها الإمام البخاري عنه في صحيحه معلَّقة بصيغة الجزم ، ورواها مسندةً الإمامُ ابن جرير الطبري بإسناد صحيح ، وهي ليست موافقة لرسم المصحف العثماني ، وليست قراءة سبعية ، وقد ذهب بعض العلماء إلى عدِّها وجهاً تُقرأ به الآية

وقال آخرون إنها قراءة تفسيرية ، وأنه أراد تفسير " السعي " في الآية وأنه ليس " المشي بسرعة " ، وقد وُجد في مصاحف بعض الصحابة مثل هذا فكانوا يفسرون بعض ألفاظ الآية بشرح تفسيري لها ، ويرويها بعض تلامذتهم على أنها قراءة للآية ، وإن كان الأظهر في هذه أنها قراءة لعمر رضي الله عنه ، كان يقرأ بها الآية ، وصح إسنادها إليه ؛ لكن ذلك لا يعني أنها بدل من الآية التي أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على إثباتها في مصحف عثمان ، وتواتر النقل بها بين المسلمين تواترا ضروريا قطعيا ، بل هي حرف كان يقرأ به عمر ، مع أنه لا ينكر ما سواه

وما أثبت في المصحف هو حرف آخر في الآية ، وكل شاف واف ، لكن المثبت في المصاحف هو المقطوع بنقله وثبوته .

ثانياً:

وأما قولك " حديث عمر في السقيفة حيث قال : " كان القرآن 102700 حرفاً " . " الإتقان " للسيوطي ، ص 88 " : ففيه خطأ وتدليس ، أما الخطأ ففي كتابة عدد حروف حيث أن الوارد في عددها هو " مليون وسبعة وعشرون ألف حرف " ، وأما التدليس : فبذكرك للمتن بزيادة لفظة " كان " لتوهم وجود نقصان في القرآن ، وبذكرك للحديث بصيغة توهم أن السيوطي رحمه الله نقل هذا وأيَّده أو صححه ، وهو خلاف الواقع

بل إن الرواية عن عمر مكذوبة وقد تكلم السيوطي نفسه على إسنادها ناقلاً نقد الذهبي لها – وقد قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " ( 3 / 639 ) عن الحديث " خبر باطل " ووافقه ابن حجر العسقلاني في " لسان الميزان " ( 5 / 276 ) – ولم يكن ثمة حاجة لتفسير الحديث وهذه حاله ، وأما متنه : فغاية في النكارة ؛ فإن عدَّ حروف القرآن لم يثبت في حديث ، ولا كان من عمل الصحابة رضي الله عنهم .

قال السيوطي – رحمه الله -

: " وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعاً ( القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين ) رجاله ثقات إلا شيخ الطبراني محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس تكلم فيه الذهبي لهذا الحديث "

انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " ( 1 / 242 ، 243 ) .

وقال الشيخ الألباني – رحمه الله -

: " لوائح الوضع على حديثه ظاهرة ، فمثله لا يحتاج إلى كلام ينقل في تجريحه بأكثر مما أشار إليه الحافظ الذهبي ثم العسقلاني ؛ من روايته لمثل هذا الحديث وتفرده به ! "

انتهى من " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " ( 9 / 71 ) .

وفي أصل مسألة عد حروف القرآن قال السيوطي – رحمه الله –

: " وقد قال السخاوي : لا أعلم لعدد الكلمات والحروف من فائدة ؛ لأن ذلك إن أفاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه الزيادة والنقصان ، والقرآن لا يمكن فيه ذلك "

انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " ( 1 / 242 ) .

ثالثاً:

وأما قولك : " وقوله – أي : عمر بن الخطاب - : " لا يدّعيّن أحدٌ أن القرآن مكتمل لأنه قد فُقد معظمه " . تفسير " الدر المنثور " للسيوطي ، المجلد الأول ص 104 " : فالرد عليه : أنه لا أصل لهذه الجملة بهذا اللفظ في كتاب السيوطي " الإتقان " ولا في غيره من كتب المسلمين ، وأصل الجملة رواه سعيد بن منصور في " تفسيره "

قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال " لا يقولن أحدكم : أخذت القرآن كله ، وما يدريه ما كله ، قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن يقول : أخذنا ما ظهر منه " انتهى .

والمقصود من كلام ابن عمر رضي الله عنهما : أنه لا يستطيع أحد الجزم بإحاطته بحفظ كل ما نزل من القرآن ؛ لأنه ثمة آيات نزلت ثم رفعت ، وهو ما يسمى " نسخ التلاوة " ، وقد صرَّح ابن عمر بذلك بنفسه في قوله " كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله ؛ إنَّ منه قرآناً قد رُفع " كما في رواية " ابن الضرِّيس " عنه

ولذا فقد روى هذا الأثر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم وبوَّب عليه " باب ما رُفع من القرآن بعد نزوله ولم يثبت في المصاحف " ، وذكره السيوطي في كتابه " الإتقان " في " باب نسخ التلاوة " .

ولينظر – لمزيد بيان – جوابا السؤالين ( 110237 ) و ( 105746 ) .

*عبدالرحمن*
2018-03-11, 16:14
رابعاً:

وأما قولك " وقول أبيّ بن كعب أن لديه في مصحفة سورتين زائدتين ، " الخَلع " و " الحَفد " . " الإتقان " للسيوطي المجلد الثاني ص 66 " : فالمقصود بما يسمَّى سورة " الخلع " هو " بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم إنا نستعينك ونستغفرك . ونثني عليك ولا نكفرك . ونخلع ونترك من يفجُرك "

وأما ما يسمَّى سورة " الحفد " فهي " بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم إياك نعبد . ولك نصلي ونسجد . وإليك نسعى ونحفِد . نرجو رحمتك ونخشى عذابك . إن عذابك الجِدَّ بالكفار مُلحِق " .

ومعنى " وإليك نسعى ونحفِد " أي : نُسرع في طاعتك .

وأما الجواب عن كون السورتين كانتا في " مصحف أبيّ بن كعب " : فنعم يمكن أن يكون هذا ! لكن ليس على أساس أنهما من القرآن الذي استقر أمره بالعرضة الأخيرة ؛ فإن مصاحف الصحابة رضي الله عنهم كان فيها الشرح والفقه ، وكان فيها ما نُسخت تلاوته ، وهاتان السورتان كانتا مما نزل من القرآن ثم نسخت تلاوتهما

وبقي بعض الصحابة يقرؤهما في قنوته ؛ لما احتوتاه من دعاء وثناء على الله ، ومن رغب أن يعرف ما استقر عليه الأمر ، فليعلم أن ما في المصحف الذي جمعه الصدِّيق ثم عثمان رضي الله عنهما هو المحفوظ الثابت المحكم ، وليس فيه هاتان السورتان ، ولذا لم يقرأهما أحد في الصلاة ، ولا ذُكر تفسير لهما ، ولا نقلت قراءات لحروفهما ، وكونهما كانتا سورتين ثم نسختا هو قول السيوطي نفسه ! .

قال السيوطي – رحمه الله -

: " قال الحسين بن المنادي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " : " ومما رُفع رسمُه من القرآن ولم يُرفع من القلوب حفظه سورتا " القنوت في الوتر " وتُسمَّى سورتي الخلع والحفد "

انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " ( 2 / 68 ) .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -

: " ومثال نسخ الكتاب بالسنَّة : نسخ آية عشر رضعات تلاوة وحكماً بالسنة المتواترة ، ونسخ سورة " الخَلع " وسورة " الحَفد " تلاوة وحكماً بالسنة المتواترة ، وسورة الخلع وسورة الحفد : هما القنوت في الصبح عند المالكية ، وقد أوضح صاحب " الدر المنثور " – وهو السيوطي - وغيره تحقيق أنهما كانتا سورتين من كتاب الله ثم نُسختا "

انتهى من " أضواء البيان " ( 2 / 451 ) .

وقد نقل عن أبي بن كعب قراءتُه التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو ، وغيرهم ، وليس فيها سورتا " الحفد والخلع " ، كما أن مصحفه كان موافقًا لمصحف الجماعة ، قال أبو الحسن الأشعري : " قد رأيت مصحف أنسٍ بالبصرة عند قومٍ من ولدِه فوجدتُه مساويًا لمصحف الجماعة ، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خطُّ أنسٍ وإملاء أُبَي بن كعب " . انتهى .

وهذا كله على اعتبار صحة الرواية عن أبي بن كعب أنه عدَّ الدعاءين سورتين ، وإلا ففي ثبوت ذلك عنه نظر قوي ، فلم ينقل ذلك عنه بإسناد صحيح .

فخلاصة الجواب عن ذلك أن يقال : إما أنه لم يصح عن أبي بن كعب ، ومن ادعى ذلك فليذكر إسناده الصحيح إليه . أو يقال فيه ـ على افتراض صحته ـ : إنه من القرآن المنسوخ تلاوة ، الباقي لفظاً ، وبما أنه ثناء ودعاء ، فيصح القنوت به .
قال محمد بن عبد العظيم الزرقاني – رحمه الله - :

" قال صاحب " الانتصار " ما نصه : " إن كلام القنوت المروي أن " أبيّ بن كعب " أثبته في مصحفه : لم تقم الحجة بأنه قرآن منزَّل ، بل هو ضرب من الدعاء ، وأنه لو كان قرآناً لنُقل إلينا نقل القرآن وحصل العلم بصحته "

ثم قال :

" ويمكن أن يكون منه كلام كان قرآناً منزلاً ثم نسخ ، وأبيح الدعاء به وخلط بما ليس بقرآن .

ولم يصح ذلك عنه ، إنما روي عنه أنه أثبته في مصحفه ، وقد أثبت في مصحفه ما ليس بقرآن من دعاء أو تأويل ا.هـ.
وهذا الدعاء هو القنوت الذي أخذ به السادة الحنفية ، وبعضهم ذكر أن أبيّاً رضي الله عنه كتبه في مصحفه وسماه سورة " الخَلع والحَفد " لورود مادة هاتين الكلمتين فيه، وقد عرفت توجيه ذلك.

والخلاصة :

أن بعض الصحابة الذين كانوا يكتبون القرآن لأنفسهم في مصحف أو مصاحف خاصة بهم ربما كتبوا فيها ما ليس بقرآن مما يكون تأويلاً لبعض ما غمض عليهم من معاني القرآن ، أو مما يكون دعاء يجري مجرى أدعية القرآن في أنه يصح الإتيان به في الصلاة عند القنوت أو نحو ذلك ، وهم يعلمون أن ذلك كله ليس بقرآن ، ولكن ندرة أدوات الكتابة

وكونهم يكتبون القرآن لأنفسهم وحدهم دون غيرهم ، هوَّن عليهم ذلك ؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم اللبس واشتباه القرآن بغيره ، فظن بعض قصار النظر أن كل ما كتبوه فيها إنما كتبوه على أنه قرآن ، مع أن الحقيقة ليست كذلك ، إنما هي ما علمت "

انتهى من " مناهل العرفان في علوم القرآن " ( 1 / 271 ) .

وانظر مقالاً بعنوان " فيض الرب في الرد على من ادَّعى أن هناك سورتين زائدتين في مصحف أبيّ بن كعب " .

خامساً:

وأما قولك " أمّا سيد أنور شاه كشميري فقد قال : " إن تحليلي مبني على ما في " صحيح البخاري " من أن القرآن قد حُرفت فيه بعض الكلمات قصداً أو من دون قصد ، وذلك بشهادة عثمان رضي الله عنه . " فيض الباري " ، المجلد الثالث ، ص 395 ، تحت فصل " الشهادات " " : فنأسف أن نقول : إن هذا كذب لا أصل له لا عن سيد أنور ولا عن غيره من علماء المسلمين ! .

سادساً:

وأما قولك " أما عثمان فقد نقل عنه السيوطي في " إتقانه " في المجلد الأول صفحة 174 أنه قال : " هناك بعض الأخطاء في المصحف الذي لدينا اليوم " : فليس هذا نص كلامه ، ولم يثبت معناه عن عثمان رضي الله عنه ولا عن غيره من الصحابة ، ولو صحَّ فله معنى مستقيم

سابعاً:

وأما قولك " أما هشام بن عروة فيقول : سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) و ( والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ) و ( إنَّ هذان لساحران ) فقالت : " يا ابن أختي ! هذا عمل الكُتَّاب ، أخطؤوا في الكِتاب " . " الإتقان " المجلد الأول ، ص 183 ، 184 ، وقد قال عنه جلال الدين السيوطي أنه " صحيح على شرط الشيخين " : فالأثر غير صحيح عنها

ثامناً:

وأما قولك " وورد كذلك في " الدر المنثور " في المجلد الخامس ، ص 180 ، و " الإتقان " المجلد الثاني ، ص 25 " أن سورة الأحزاب كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم 200 آية ، ثم نقصت إلى ما هي عليه بعد جمع عثمان للمصحف " : ففي هذا اللفظ إيهام بالتحريف ! وأما اللفظ الصحيح فقد رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 10 / 273 ) ،

والحاكم في " مستدركه " ( 2 / 450 ) عَنْ زِرِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : " كَانَتْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ تُوَازِي سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَكَانَ فِيهَا : ( الشَّيْخُ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) " ورواه النسائي في " الكبرى " ( 4 / 271 ، 272 ) بمعناه ، وهو من أدلة نسخ التلاوة ، وقد مرَّ معنا فيما ذكرناه آنفاً وما أحلنا عليه ما يؤكد وقوع هذا النوع من النسخ .

تاسعاً:

وأما قولك " حديث عائشة : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " . رواه مسلم في كتاب الرضاع " : فهو صحيح ، وقد اشتمل هذا النقل على نوعين من أنواع النسخ ، الأول منهما : نسخ التلاوة والحكم وهو في الآية المنسوخة والتي فيها تحريم الرضاع بعشر رضعات ، والنوع الثاني : نسخ التلاوة دون الحكم وهو الآية المنسوخة والتي فيها تحريم الرضاع بخمس رضعات ، فمع رفعها وعدم وجودها إلا أنها اشتملت على الحكم الشرعي الصحيح الذي دلت عليه بالسنَّة المشرَّفة .

وغاية ما في قول عائشة رضي الله عنها " وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " على أنه قد تأخر نسخ هذه الآية حتى أنه لم يبلغ بعضهم هذا النسخ ، ولكن عدم وجود هذه الآية في أي نسخة من نسخ مصحف عثمان رضي الله عنه يدل على أنها ليست من القرآن في عرضته الأخيرة ، ولذا لا يُعرف لها لفظ فضلاً عن قراءة أو تفسير .

قال النووي – رحمه الله - : " وقولها " فتوفى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهن فيما يُقرأ " هو بضم الياء من يقرأ ، ومعناه : أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدّاً حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفى وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآناً متلواً لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده ، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى .

والنسخ ثلاثة أنواع ، أحدها : ما نُسخ حكمُه وتلاوته كعشر رضعات ، والثاني : ما نسخت تلاوته دون حكمة كخمس رضعات وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ، والثالث : ما نُسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر ومنه قوله تعالى ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم ) الآية "

انتهى من " شرح مسلم " ( 10 / 29 ) .

عاشراً:

وأما قولك " فكيف يمكننا القول بعد كل هذا إن القرآن محفوظ ؟ " : فالجواب عليه : نعم ! نقول ذلك وبكل اطمئنان وثقة : إن القرآن محفوظ بحفظ الله تعالى له ، وإن مَن شك في ذلك فهو من الكافرين ، ليس في قلبه من الإيمان مثقال ذرة .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-11, 16:25
حديث أكل الشاة صحيفة آية الرجم والرضاع في بيت عائشة لا يصح

السؤال :

هذا الحديث قام بنشره مسيحي في غرفة مناظرة جدلية ، وهو الحديث رقم : (1934) من كتاب سنن ابن ماجه " النكاح ". وهو يتعلق بماعز تأكل القرآن ، وقد تم نشره في غرفة مناظرات جدلية بين المسلمين والنصارى ، وأود أن أعرف القصة الكاملة لهذا الأمر وتاريخها ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الكلام على الحديث محل السؤال يحتاج إلى شيء من التفصيل الحديثي المتخصص ، ولا يكفي فيه الجواب العام أو التحليل الاجتهادي المحض ، لذلك نرجو من السائل الكريم الاستفادة والعناية بطريقة التخريج التي سنوردها لهذا الحديث ، وبها يتبين حاله إن شاء الله .

الحديث مدار جميع طرقه وألفاظه على الإسناد الآتي :

عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة رضي الله عنها من كلامها موقوفا عليها .
وقد أخذه عن عبد الله بن أبي بكر جماعة من الرواة ، وقد كانت روايتهم على الأوجه الآتية :

الوجه الأول : يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري ، ولفظه : ( نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ )

أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " (رقم/1452) وغيره ، ونلاحظ في هذه الرواية أنها لا تشتمل على شيء من قصة ماعز أو داجن تأكل شيئا من صحف القرآن الكريم .

الوجه الثاني : يرويه الإمام مالك رحمه الله ، ولفظه : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ )

رواه مالك في " الموطأ " (كتاب الرضاع/حديث رقم17) ومن طريقه الإمام مسلم (1452) وغيره ، ونلاحظ ههنا أن رواية الإمام مالك عن عبد الله بن أبي بكر لا تشتمل أيضا على شيء من قصة ماعز أو داجن تأكل شيئا من المصحف ، وإنما زاد فيه الجملة الأخيرة : ( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ )

الوجه الثالث : يرويه محمد بن إسحاق ، ولفظه : ( لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ ، وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرٌ ، فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي ، فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ ، وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا )

رواه الإمام أحمد في " المسند " (43/343)، وابن ماجة في " السنن " (رقم/1944) ولفظه : ( فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا )

وهو كما ترى يشتمل على لفظ زائد وغريب عما رواه الإمامان الكبيران يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس رحمهما الله ، وهو ما يقصده السائل بسؤاله ، ففي الحديث أن داجنا – وهي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم - دخلت فأكلت الصحيفة التي تشتمل على آية الرجم وآية رضعات الكبير .

وهذه المخالفة كافية لدى المحدثين في الحكم على لفظ محمد بن إسحاق بالضعف والرد والشذوذ ، فالحديث الشاذ عندهم هو الحديث الذي يخالف فيه الراوي الثقة ما رواه الثقات الأحفظ منه أو الأكثر عددا ، وهي قاعدة عقلية سليمة ، إذ كيف ينفرد راو بألفاظ للحديث نفسه الذي يرويه آخرون من رواته

وهم أكثر عددا ، أو أقوى حفظا وأعلى مرتبة ، أين كانوا عن تلك الزيادة أو المخالفة ، وهل من سبيل إلا نحو القاعدة لمعرفة مخالفات الرواة وغرائب حديثهم ومروياتهم ، وإذا لم يكن كذلك فكيف سيقنعنا ذلك المجادل بأن محمد بن إسحاق حفظ من حديث عائشة ما نسيه كل من يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس ، وهما أئمة هذا الشأن وأعلامه الكبار ، حتى قال سفيان الثوري رحمه الله : كان يحيى بن سعيد الأنصارى أجل عند أهل المدينة من الزهري ، وعده علي بن المديني أحد أصحاب صحة الحديث وثقاته ومن ليس فى النفس من حديثهم شيء ، وقال فيه أحمد بن حنبل : أثبت الناس ، وقال وهيب : قدمت المدينة فلم أر أحدا إلا وأنت تعرف وتنكر غير مالك ويحيى بن سعيد .

انظر : " تهذيب التهذيب " (11/223)

فكيف إذا علمنا أن محمد بن إسحاق منتقَدٌ لدى بعض علماء الحديث ، وقد عهدت عليه بعض الأخطاء في مروياته ، وعهد عليه المخالفة لرواية الأئمة الثقات ، فمثله لا تقبل مخالفته ولا تفرده بالغرائب عن غيره من الحفاظ الثقات .

قال حنبل بن إسحاق : سمعت أبا عبد الله يقول : ابن إسحاق ليس بحجة .

وقال عبد الله بن أحمد : لم يكن – يعني أحمد بن حنبل - يحتج به فى السنن .

وقال أيوب بن إسحاق : سألت أحمد بن حنبل ، فقلت : يا أبا عبد الله ! ابن إسحاق إذا تفرد بحديث تقبله ؟ قال : لا ، والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا من ذا .

وضعفه يحيى بن معين في إحدى الروايات عنه ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : اختلف الأئمة فيه ، وليس بحجة ، إنما يعتبر به .

انظر : " تهذيب التهذيب " (9/45)، وقد سبق الكلام على محمد بن إسحاق مفصلا في الفتوى رقم : (148009).

ومما يزيد الأمر وضوحا أيضا أن القاسم بن محمد تابع عبد الله بن أبي بكر في رواية الحديث من غير زيادة محمد بن إسحاق .

فروى الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (11/486) قال : حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا الحجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن القاسم بن محمد ، عن عمرة ، أن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ : أَنْ لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدُ : أَوْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ )

فالخلاصة

أن قصة الشاة التي أكلت صحيفة القرآن الكريم في بيت عائشة رضي الله عنها قصة ضعيفة لا تثبت .

يقول ابن قتيبة الدينوري رحمه الله :

" ألفاظ حديث مالك خلاف ألفاظ حديث محمد بن إسحاق ، ومالك أثبت عند أصحاب الحديث من محمد بن إسحاق "

انتهى من " تأويل مختلف الحديث " (ص/443)

وقال محققو مسند الإمام أحمد :

" إسناده ضعيف لتفرد ابن إسحاق - وهو محمد - وفي متنه نكارة "

انتهى من " طبعة مؤسسة الرسالة " (43/343)

ويقول الألوسي رحمه الله :

" وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن ، فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أن ذلك ضاع بأكل الداجن من غير نسخ ، كذا في الكشاف "

انتهى من " روح المعاني " (11/140)

ويقول ابن حزم رحمه الله :

" صح نسخ لفظها ، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها - كما قالت عائشة - رضي الله عنها فأكلها الداجن ، ولا حاجة بأحد إليها ، وهكذا القول في آية الرضاعة ولا فرق ، وبرهان هذا : أنهم قد حفظوها كما أوردنا ، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم .

فبيقين ندري أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر ... فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغها لبلغها ، ولو بلغها لحفظت ، ولو حفظت ما ضرها موته ، كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ فقط من القرآن "

انتهى من " المحلى " (12/177) .

ويقول الباقلاني رحمه الله :

" وليس على جديدِ الأرض أجهلُ ممن يظُنُ أن الرسولَ والصحابةَ كانوا جميعا يُهملون أمرَ القرآن ويعدِلون عن تحفُظه وإحرازِه ، ويعوِّلون على إثباته في رقعةٍ تُجعَلُ تحتَ سريرِ عائشةَ وحدَها ، وفي رقاعٍ ملقاةِ ممتهَنةٍ ، حتى دخلَ داجنُ الحي فأكلَها أو الشاةُ ضاع منهم وتفقَت ودرسَ أثرُه وانقطعَ خبره !

وما الذي كان تُرى يبعثُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على هذا التفريطِ والعجز والتواني ، وهو صاحبُ الشريعة ، والمأمورُ بحفظِه وصيانتِه ونصب الكَتَبةِ له ، ويَحضُرُه خَلْقٌ كثيرٌ متبتلون لهذا الباب ، ومنصوبون لكتبِ القرآن الذي يَنزِل ، وكتبِ العهودِ والصلح والأمانات وغير ذلك مما نزل ويَحدُثُ بالرسول خاصةً وبه حاجةٌ إلى إثباته ...

والرسولُ عليه السلامُ منصوبٌ للبيان وحِياطةِ القرآنِ وحفظِ الشريعةِ فقط ، لا حرفةَ له ولا شيءَ يقطعُه من أمورِ الدنيا غيرُ ذلك إلا بنَصَبٍ يعود بنُصرةِ الدين وتوكيدِه ، ويثبِتُ أمرَ القرآن ويُشِيدُه ، وكيف يجوزُ في العادةِ أن يذهبَ على هؤلاءِ وعلى سائرِ الصحابةِ آيةُ الرضاع والرجمِ فلا يحفظها ويذكرها إلا عائشةُ وحدَها ، لولا قلةُ التحصيلِ والذهابِ عن معرفةِ الضروراتِ ، وما عليه تركيبُ الفِطَرِ والعادات .

فقد بان بجملةِ ما وصفناه من حالِ الرسولِ والصحابةِ أنه لا يجوزُ أن يذهبَ عليهم شيءٌ من كتاب الله تعالى قلَّ أو كَثرُ ، وأنّ العادةَ تُوجِبُ أن يكونوا أقربَ الناسِ إلى حفظِه وحراستِه وما نزلَ منه وما وقع وتاريخهِ وأسبابهِ وناسخِه ومنسوخِه "

انتهى باختصار من " الانتصار للقرآن " (1/412-418)

وعلى كل حال فالواجب على المسلم دوام الوعي واليقظة ، فلا يصدق كل مدع ، ولا يتبع كل إشاعة أو خرافة أو قصة تحكى هنا أو هناك ، خاصة في غرف الحوار ومواقع المنتديات ، حيث يدخل إليها العالم والجاهل ، والصادق والكاذب ، والمخلص والمنافق الحاقد ، وهذا ما يقتضي التحري والتثبت دائما ، بسؤال أهل العلم

والتفتيش في كتب الإسلام الموثوقة ، وهي كثيرة منتشرة والحمد لله ، يقول الله عز وجل : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-11, 16:29
اختلاف العلماء في عدِّ البسملة آية
من الفاتحة لا يدخل في تحريف القرآن؟

السؤال :

القرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر ، من غير نقص ، ولا زيادة , ولا شك فيه ، ولا ريب , ولا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه , وهذا ما تعلمناه وتربينا عليه . سؤالي هو : كيف اختلف أهل العلم من السلف على أن البسملة آية من سورة الفاتحة ، أو أنها ليست بآية ؟ وهل هذا الخلاف معتبر ؟

وأنا هنا لا أبحث في أدلة هذا الفريق ، وذلك الفريق , ولا أبحث عن معلومات إضافية في هذه المسألة من ناحية فقهية , فلقد قرأت فيها الكثير والكثير من الأبحاث , ولكن بحثي وسؤالي هو : كيف نسوِّغ الاختلاف في آية من القرآن الكريم الذي نقل إلينا بالتواتر ، جمع عن جمع ، وهكذا ، على أنها آية ، أو ليست بآية؟

هل يجب أن لا يكون هناك خلاف في هذه المسألة ؟

. أرجو أن تنفِّسوا عنِّي كربة هذا الهم الذي أصابني من هذه المسألة .

الجواب :

الحمد لله

لم يختلف المسلمون في أن الله تعالى قد حفظ كتابه من الزيادة والنقصان ؛ تحقيقاً لقوله عز وجل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحِجر/ 9 .

وقد أجمع المسلمون على كفر كل من يخالف هذا فيزعم أن كتاب الله تعالى فيه ما ليس منه ، أو نقص منه ما أنزل الله فيه .

قال القاضي عياض رحمه الله :

"وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض ، المكتوب في المصحف بأيدى المسلمين ، مما جمعه الدفتان من أول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى آخر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنه كلام الله ، ووحيه المنزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن جميع ما فيه حق ، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك ، أو بدَّله بحرف آخر مكانه ، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه ، وأُجمع على أنه ليس من القرآن ، عامداً لكل هذا : أنه كافر" انتهى .

"الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/304 ، 305) .

وأما اختلاف العلماء في عد البسملة آية من القرآن أم لا؟ فلا يدخل في هذا ، لأن أئمة القراءات لم يختلفوا في قراءتها في أوائل السور ، وقد اتفق الصحابة رضي الله عنهم على إثباتها في أوائل السور إلا سورة التوبة ، وذلك في المصحف الذي كتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه وبعث به إلى الأمصار .

قال الشوكاني رحمه الله في الكلام عن البسملة :

واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها ، ولا من نفاها ؛ لاختلاف العلماء فيها ، بخلاف ما لو نفى حرفاً مُجمعاً عليه ، أو أثبت ما لم يقل به أحد : فإنه يكفر بالإجماع .

ولا خلاف أنها آية في أثناء سورة " النمل " ، ولا خلاف في إثباتها خطّاً في أوائل السور في المصحف ، إلا في أول سورة " التوبة " .

"نيل الأوطار" (2/215) .

وقد جعل بعض العلماء الاختلاف في عد البسملة آية من القرآن ، كاختلاف أئمة القراءات في بعض الكلمات والحروف ، فقد يثبت في بعض القراءات ما لا يثبت في غيرها .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

"اختلف العلماء في البسملة ، هل هي آية من أول كل سورة ، أو من الفاتحة فقط ، أو ليست آية مطلقاً ، أما قوله في سورة النمل : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : فهي آية من القرآن إجماعاً .

وأما سورة " براءة " : فليست البسملة آية منها اجماعاً ، واختُلف فيما سوى هذا ، فذكر بعض أهل الأصول أن البسملة ليست من القرآن ، وقال قوم : هي منه في الفاتحة فقط ، وقيل : هي آية من أول كل سورة ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى .

ومِن أحسن ما قيل في ذلك : الجمع بين الأقوال : بأن البسملة في بعض القراءات - كقراءة ابن كثير - آية من القرآن ، وفي بعض القرآءات : ليست آية ، ولا غرابة في هذا .

فقوله في سورة "الحديد" (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) لفظة (هُوَ) من القرآن في قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وليست من القرآن في قراءة نافع ، وابن عامر ؛ لأنهما قرءا ( فإن الله الغني الحميد ) ، وبعض المصاحف فيه لفظة (هُوَ) ، وبعضها ليست فيه .

وقوله : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ، (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) الآية ، فالواو من قوله ( وقالوا ) في هذه الآية من القرآن على قراءة السبعة غير ابن عامر ، وهي في قراءة ابن عامر ليست من القرآن لأنه قرأ (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) بغير واو ، وهي محذوفة في مصحف أهل الشام ، وقس على هذا .

وبه تعرف أنه لا إشكال في كون البسملة آية في بعض الحروف دون بعض ، وبذلك تتفق أقوال العلماء " انتهى .

" مذكرة في أصول الفقه " ( ص 66 ، 67 ) .

والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-14, 02:18
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

ما ذكره الله حكاية عن المنافقين في سورة
المنافقون هل باللفظ أم بالمعنى ؟

السؤال :

هل حكى الله عزوجل عن المنافقين في قوله : ( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) ، و(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) باللفظ أم بالمعنى؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

فإن القرآن كلام الله ، قاله سبحانه بحروفه ومعانيه ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ) التوبة/6 .

وفي القرآن أقوال لأقوام ذكرها الله عز وجل عنهم ، منهم المؤمنون كالأنبياء والصديقين ، ومنهم الكافرون ، كفرعون وقارون ، ومنهم المنافقون ، ومنهم الملائكة ، ومنهم الجن ، ومنهم الطير كالهدهد ، ومنهم النمل ، وغير ذلك .

والقصد من ذكر هذه الأقوال هو حكاية المعنى وليس اللفظ بعينه ، وقد يكون المنقول هو عين اللفظ ، وقد يكون المنقول حكاية المعنى إذا امتنع أن يكون هذا عين اللفظ ، كأن يكون المتكلم بغير لغة العرب ، وقد نص على ذلك غير واحد من أهل العلم :

قال زين الدين الرازي الحنفي في "أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل" (ص144) :" فإن قيل: كيف قال الله تعالى هنا حكاية عن السحرة الذين آمنوا وعن فرعون: (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى قول تعالى: (وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) ، ثم حكى عنهم هذا المعنى في سورة طه وسورة الشعراء بزيادة ونقصان في الألفاظ المنسوبة إليهم، وهذه الواقعة ما وقعت إلا مرة واحدة ، فكيف اختلفت عبارتهم فيها؟

قلنا: الجواب عنه أنهم إنما تكلموا بذاك بلغتهم ، لا باللغة العربية ، وحكى الله تعالى ذلك عنهم باللغة العربية مراراً ، لحكمة اقتضت التكرار والإعادة ، نبينها في سورة الشعراء إن شاء الله تعالى، فمرة حكاه مطابقاً للفظهم في الترجمة ، رعاية للفظ ، وبعد ذلك حكاه بالمعنى ، جرياً على عادة العرب في التفنن في الكلام ، والمخالفة بين أساليبه ؛ لئلا يُمَلَّ إذا تمحض تكراره ". انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "التسعينية" (2/464)

:" إن الحروف والأصوات التي سمعها موسى عبرية ، والتي ذكرها الله عنه في القرآن عربية ، فلو لم يكن الكلام إلّا مجرد الحروف والأصوات ، لم يكن بين الكلام الذي سمعه موسى ، والذي ذكره الله أنه سمعه : قدر مشترك أصلًا ، بل كان يكون الإخبار بأنه سمع هذه الأصوات التي لم يسمعها : كذب .

وكذلك سائر من حكى الله في القرآن أنه قال من الأمم المتقدمة الذين تكلموا بغير العربية ، فإنما تكلموا بلغتهم ، وقد حكى الله ذلك باللغة التي أنزل بها القرآن ، وهي العربية ، وكلام الله صدق ، فلو كان قولهم: مجرد الحروف والأصوات ، والحروف والأصوات التي قالوها ليست مثل هذه = لم تكن الحكاية عنهم مطلقًا ، بل كلامهم كان حروفًا ومعاني ، فحكى الله ذلك عنهم بلغة أخرى ، والحروف تابعة للمعاني ، والمعاني هي المقصود الأعظم ، كما يترجم كلام سائر المخلوقين ". انتهى

وقال ابن جماعة في "كشف المعاني" (1/173-174) :

" ما سبب اختلاف الألفاظ وزيادة المعاني ونقصها في بعض قصص آدم دون بعض، وكذلك في غير ذلك من القصص كقصة موسى مع فرعون، ونوح وهود وصالح مع قومهم وشبه ذلك ؟

جوابه: أما اختلاف الألفاظ فلأن المقصود المعاني، لأن الألفاظ الدالة عليها أولا، لم تكن باللسان العربي ، بل بألسنة المتخاطبين حالة وقوع ذلك المعنى ، فلما أُدِّيت تلك المعاني إلى هذه الأمة، أُدّيت بألفاظ عربية تدل على معانيها ، مع اختلاف الألفاظ واتحاد المعنى .

فلا فرق بين : ( أبى أن يكون مع الساجدين ) ، وبين : ( لم يكن مع الساجدين ) ، في دلالتها على معنى واحد ، وهو عدم السجود.

وكذلك : لا فرق في المعنى بين : مالك لا تسجد ، و: ( ما منعك أن تسجد ) ؛ لأن (لا) صلة، زائدة.

وأما زيادة المعاني ونقصها ، في بعض دون بعض : فلأن المعاني الواقعة في القصص فرقت في إيرادها ، فيذكر بعضها في مكان وبعض آخر في مكان آخر ، ولذلك عدة فوائد ذكرتها في كتاب (المُقْتَنَص في تكرار القصص) ". انتهى .

وقال الإسكافي في "درة التنزيل" (1/238) :" ما أخبر الله تعالى به ، من قصة موسى عليه السلام ، وبني اسرائيل ، وسائر الأنبياء صلوات الله عليهم ، وما حكاه من قولهم ، وقوله عز وجل لهم = لم يُقْصد إلى حكاية الألفاظ بأعيانها، وإنما قُصد إلى اقتصاص معانيها .

وكيف لا يكون كذلك ؛ واللغة التي خوطبوا بها غير العربية ؟!

فإذًا ، حكاية اللفظ زائلة ، وتبقى حكاية المعنى .

ومن قصد حكاية المعنى : كان مُخيرا بأن يؤديه بأي لفظ أراد ، وكيف شاء ". انتهى

ثانيا :

ما ذكره السائل الكريم ، فيما نقله الله عن المنافقين ، قال سبحانه : ( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) . المنافقون/7 ، 8 .

فهذه الأقوال التي نقلها الله عن المنافقين قالوها بألفاظها التي ذكرها الله عز وجل ، فقد ثبت في السنة ورود هذه الأقوال عنهم بألفاظها كما في صحيح البخاري (4900) ، وصحيح مسلم (2772) من حديث زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، قَالَ:

كُنْتُ فِي غَزَاةٍ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ، يَقُولُ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ ، وَلَئِنْ رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِهِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي أَوْ لِعُمَرَ ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا

فَكَذَّبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّقَهُ ، فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ ، فَجَلَسْتُ فِي البَيْتِ ، فَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَتَكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] فَبَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ فَقَالَ: « إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ » .

وكما في صحيح البخاري (4905) ، وصحيح مسلم (2584) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ ، رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ " ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ

كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ:" دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ " ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ، فَقَالَ: فَعَلُوهَا ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" دَعْهُ ، لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ".

ومما حكاه القرآن أيضا ، عن قائله ، بنفس لفظه : ما ذكره الله من قول الوليد بن المغيرة عن القرآن : ( فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ) المدثر/24 .

روى الحاكم في "المستدرك" (3872) من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ: يَا عَمُّ ، إِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا. قَالَ: لَمَ؟ قَالَ: لِيُعْطُوكَهُ فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتُعْرِضَ لِمَا قِبَلَهُ !!

قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا.

قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ ، أَوْ أَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ .

قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ ؟ َوَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي ، وَلَا أَعْلَمَ بِرَجَزٍ وَلَا بِقَصِيدَةٍ مِنِّي ، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا ، وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً ، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى ، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ " ، قَالَ: لَا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ.

قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّرَ ، فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ: " هَذَا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ؛ يَأْثُرُهُ مِنْ غَيْرِهِ .

فَنَزَلَتْ {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: 11] .

قال الحاكم : "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" ، وصححه الألباني في "صحيح السيرة" (ص159) .

والحاصل :

أن ما جاء في القرآن من حكاية لكلام الناس ، إما أن يكون معنى كلامهم ، وليس بنفس ألفاظه ، وهذا هو الغالب فيما ورد في القرآن من ذلك .

وقد يحكي نفس كلام القائلين ، بألفاظه ، أو بقريب منها ، كما وقع في سورة المنافقين .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-14, 02:24
الكلام على مصحف ابن مسعود رضي الله عنه

السؤال :

جاء في التذكرة في القراءات العشرة أن حفصًا قال لعاصم: أبو بكر (شعبة) يخالفني ، فقال: أقرأتك بما أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب ، وأقرأته بما أقرأني زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود. [ص16] فهل هذا يعني أن ابن مسعود رضي الله عنه تخلى عن مصحفه ، أم أن مصحفه لا يخالف مصحف عثمان إلا بما خالف فيه شعبة غيره ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

لقد اعتنى العلماء قديمًا بموضوع المصاحف العثمانية، والمصاحف الخاصة المنسوبة للصحابة، فتناولها أبو عبيد في فضائل القرآن، وأبو بكر الأنباري، وابن أبي داود، وابن أشته، وغيرهم.

وينبغي أن يعلم أن إجماع الأمة قد انعقد على الجمع الذي جمعه عثمان رضي الله عنه .

وقد عرضت شبهة لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه جعلته يخالف هذا الموقف العام .

والذي ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه : أنه تمسك بقراءته لا غير .

وأما ما ورد أنه أمر الناس أن يمسكوا مصاحفهم ونحو ذلك لا يثبت أمام النقد والتمحيص .

اخوة الاسلام

في اجابات الاسئله القادمه مزيد من التوضيح
اسره الحلقه المنتدي الاسلامي

وقد أفرد الدكتور محمد الطاسان هذه المسألة بالبيان في كتابيه:

1- المصاحف المنسوبة للصحابة، من إصدارات مكتبة التدمرية .

2- تحقيق موقف الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود من الجمع العثماني، من إصدارات كرسي القرآن الكريم وعلومه .

ثانيًا:

1- الروايات الصحيحة التي تخبر بما قاله ابن مسعود ، ليس فيها الأمر بغل المصاحف، كما سبق ، وهذه الروايات : هي التي أخرجها الشيخان .

2- الوجه الصحيح والمحفوظ عن ابن مسعود أنه أراد أن يستمسك بالقراءة، لأنه أخذها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3- ورد أيضا : رجوع ابن مسعود إلى رأي الجماعة .

انظر: المصاحف المنسوبة للصحابة: (381 - 397)، (573 - 584)، (670 - 689).

يقول الدكتور الجديع: " إنّ النّاس قبل المصحف الإمام كانت عندهم المصاحف الّتي انتسخوها لأنفسهم، وربّما كان مرجع النّاس في ذلك إلى من سمعوا منه من القرّاء من الصّحابة أو غيرهم،

فجائز عليها الاختلاف، سواء بسبب اختلاف الحروف الّتي بلغهم القرآن عليها، أم بسبب النّسخ، وصنيع عثمان إنّما قصد إلى توحيد المسلمين على مصحف واحد.

فحين كتبت المصاحف العثمانيّة جعلها أمير المؤمنين عثمان المرجع للمسلمين في مصاحفهم، وأمر بإزالة ما سواها ممّا كتب عن غيرها، فساء ذلك ابن مسعود، وأبى أن يسلّم مصحفه، وأفتى النّاس بالاحتفاظ بمصاحفهم، كما تدلّ على ذلك الأخبار عنه ...

وأمّا قضيّة تحريق المصاحف غير المصحف العثمانيّ، فإنّ امتناع ابن مسعود عن تسليم مصحفه، وأمره النّاس بإخفاء مصاحفهم الّتي نسخوها لأنفسهم قبل المصحف الإمام ... .

وكذلك الموقف من جهة أمير المؤمنين عثمان، فإنّه قصد بالجمع أن يجمع النّاس على مصحف واحد، ولا يتأتّى ذلك وهو يدعهم يحتفظون بما عندهم من القراءات والحروف ، ممّا لا يأتي على وفاقه.

والموقف العامّ من الصّحابة كان متّفقا مع رأيه، سوى ابن مسعود، وعابوا على ابن مسعود صنيعه.

قال مصعب بن سعد: أدركت أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين شقّق عثمان رضي الله عنه المصاحف؛ فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد .

وقال الزّهريّ: بلغني أنّ ذلك كره من مقالة ابن مسعود، كرهه رجال من أفاضل أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم .

وتقدّم أمر حذيفة لابن مسعود بأن يدفع مصحفه لمن كلّفه أمير المؤمنين بإزالة المصاحف بالكوفة، وامتنع ابن مسعود.

وهذا أبو الدّرداء، وهو سيّد أهل الشّام، وأحد من تنتهي إليهم قراءة ابن عامر، يبلغه صنيع ابن مسعود، فلا يرضاه:

قال علقمة بن يزيد النّخعيّ: قدمت الشّام، فلقيت أبا الدّرداء، فقال: كنّا نعدّ عبد الله حنّانا، فما باله يواثب الأمراء؟ .

ويبدو أنّ ابن مسعود صار في آخر أمره إلى موافقة الجماعة، وإن كان قد احتفظ بالقراءة على حرفه؛ لأنّه أدرك أنّ الاختلاف الّذي وقع بينه وبينهم، إنّما كان في الحرف أو في الحفظ، وليس هذا من قبيل اختلاف التّضادّ.

نقل أبو وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود، قال:

إنّي قد سمعت القراء؛ فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علّمتم، وإيّاكم والاختلاف والتّنطّع، فإنّما هو كقول أحدكم: هلمّ، وتعال" المقدمات الأساسية: (119 - 121)، بتصرف .

ملخص الجواب :

انعقد إجماع الأمة على الجمع الذي جمعه عثمان رضي الله عنه، وقد عرضت شبهة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه جعلته يخالف هذا الموقف العام، وما ثبت عنه أنه تمسك بقراءته لا غير، وما ورد أنه أمر الناس أن يمسكوا مصاحفهم ونحو ذلك لا يثبت أمام النقد والتمحيص

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-14, 02:29
السؤال

من الذي كتب القرآن وكيف تم تجميعه ؟

الجواب

الحمد لله

أولا : قد تكفل الله تعالى بحفظ هذا القرآن بنفسه فقال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 .

قال ابن جرير الطبري في تفسيره (14/8) :

يقول تعالى ذكره إنا نحن نزلنا الذكر وهو القرآن وإنا له لحافظون قال وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه اهـ

وقال السعدي في تفسيره (ص : 696) :

إنا نحن نزلنا الذكر أي : القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة ، وفيه يتذكر من أراد التذكر .

وإنا له لحافظون أي : في حال إنزاله وبعد إنزاله ، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه في قلوب أمته

وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ، ومعانيه من التبديل، فلا يحرف مُحَرِّف معنىً من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم اهـ

أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً ، على مدى ثلاث وعشرين سنة ، قال الله تعالى : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلا ) الإسراء/106 .

قال السعدي رحمه الله :

أي : وأنزلنا هذا القرآن مفرقًا، فارقًا بين الهدى والضلال، والحق والباطل .

( لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ) أي : على مهل ، ليتدبروه ويتفكروا في معانيه، ويستخرجوا علومه .

( وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا ) أي : شيئًا فشيئًا ، مفرقًا في ثلاث وعشرين سنة اهـ

تفسير السعدي (ص : 760) .

ثانيا :

كانت الكتابة قليلة في العرب ، وقد وصفهم الله بذلك في قوله : ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ) الجمعة / 2 ، فكانوا يحفظون القرآن في صدورهم ، وقليل منهم كان يكتب بعض آيات أو سور على الجلود والحجارة الرقاق ونحو ذلك .

ثالثا :

نهى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر عن كتابة شيءٍ سوى القرآن ونهاهم عن كتابة كلامه مؤقتا حتى تتوافر همم الصحابة على حفظ القرآن وكتابته ولا يختلط كلام النبي صلى الله عليه وسلم بكلام الله تعالى فيبقى القرآن محفوظاً من الزيادة فيه أو النقص .

رابعا :

وكَّل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة الأمناء الفقهاء حتى يكتبوا الوحي ، وهم ما عرفوا في تراجمهم بكتاب الوحي كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين .

خامساً :

أنزل القرآن على سبعة أحرف كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه . رواه البخاري ( 2287 ) ، ومسلم ( 818 ) وهي لغات العرب المشهود لها بالفصاحة .

سادساً :

بقي القرآن محفوظاً في صدور الحفاظ من الصحابة وعلى الجلود وغيرها إلى زمان الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وفي حروب الردة قتل كثير من حفاظ القرآن من الصحابة فخشي أبو بكر- رضي الله عنه - أن يذهب القرآن ويضيع في صدور الصحابة ، فاستشار كبار الصحابة لجمع القرآن كاملا في كتابٍ واحدٍ حتى يبقى محفوظاً من الضياع ، وأوكل المهمة إلى جبل الحفظ زيد بن ثابت رضي الله عنه فأخرج البخاري في " صحيحه " ( 4986 ) عن زَيْدَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ ،

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي ، فَقَالَ : إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ [أي : كثر] يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ . قُلْتُ : لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟

قَالَ عُمَرُ : هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ . قَالَ زَيْدٌ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ . قال زيد :

فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ . قُلْتُ : كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ : هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ . فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .

فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ...) حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ فَكَانَتْ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

العُسُب : جريد النخل ، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض .

واللخاف : الحجارة الرقاق .

وكان الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه يحفظ القرآن ولكن اتخذ منهجا في التثبت فكان لا يقبل أن يكتب آية إلا أن يُشهد على ذلك اثنين من الصحابة أنهما سمعاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

واستمر هذا المصحف بيد الخلفاء إلى زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وكان الصحابة رضي الله عنهم قد تفرقوا في البلاد وكانوا يقرؤون القرآن على حسب ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحرف السبعة ، فكان تلاميذهم يقرأ كل واحد منهم على حسب ما أقرأه شيخه .

وكان التلميذ إذا سمع قارئاً يقرأ بخلاف قراءته أنكر عليه وخطأه وهكذا حتى خشي بعض الصحابة أن تحدث فتنة بين التابعين ومن بعدهم فرأى أن يجمع الناس على حرف واحد وهو لغة قريش التي نزل القرآن عليها أولاً لرفع الخلاف وحسم الأمر فاستشار عثمان رضي الله عنه فوافق على هذا الرأي .

فروى البخاري في "صحيحه" (4988) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ

وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاثَةِ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ .

وبذلك انقطع الخلاف واتفقت الكلمة وبقي القرآن متواترا ومحفوظا في صدور الرجال إلى يوم القيامة وكان هذا من حفظ الله تعالى لكتابه مصداقاً لقوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الحجر / 9 .

والله اعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-14, 02:42
استشكال قول زيد بن ثابت فقدت آية
من الأحزاب حين نسخنا المصحف

السؤال:

هناك من يشككون في القرآن الكريم بدعوى أن جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن كاملا ، ويستدلون بـ : " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ : فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا

فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ " فكيف فاتتهم هذه الآية من قبل جمع أبي بكر , أثق بأن هذا القرآن الذي بين يدينا كامل ، فهم خير حفظةٍ للقرآن , ولكني لست على علم بملابسات هذا الموقف . أرجو الإفادة ، جزاك الله خيرا .

الجواب :

الحمد لله

الرواية المذكورة في السؤال رواها الإمام البخاري رحمه الله في " صحيحه "، كتاب " فضائل القرآن "، باب " جمع القرآن "، حديث رقم: (4988)، قال:

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ : فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا ، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ )

وقد استشكل بعض الناس – سواء من المسلمين أم من الطاعنين على القرآن – أن آية من كتاب الله لا يعرفها سوى صحابي واحد ، والفرض أن القرآن الكريم منقول إلينا بالتواتر ، كما أن فقد الآية يبعث على الشك فيما سواها .
والجواب على ذلك أمر سهل ميسور بحمد الله تعالى ، وذلك من وجوه عدة :

أولا :

لو تأملنا في كلام زيد بن ثابت رضي الله عنه لتبين لنا مراده ومقصده ، فهو رضي الله عنه حين يقول : " فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا " يدل على أنه رضي الله عنه يعرف الآية ويحفظها ، وإلا فكيف يفتقد شيئا لا يعرفه أصلا ، أو كيف يفتقد شيئا غفل عنه ونسيه ولم يخطر على باله ، وأكد على معرفته بالآية حين قال : ( قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا )

ثانيا :

معلوم أن زيد بن ثابت رضي الله عنه من كبار الحفاظ المتقنين الذين جمعوا القرآن حفظا في صدورهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثله أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبو الدرداء ، وأبو زيد الأنصاري ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد وردت فيهم الأحاديث والروايات الصحيحة التي تدل على أنهم من كبار الحفاظ ، وغيرهم أيضا من عشرات القراء الذين ورد أنهم قتلوا في حرب المرتدين ، مما يدل على توافر حفاظ آخرين كثيرين

ينظر : " المقدمات الأساسية في علوم القرآن " (ص/91-93).

فمن غير المعقول ، ومن المتعذر عادة أن آية من كتاب الله فاتت جميع القراء والحفاظ الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنهم ، ولا يعرفها سوى صحابي آخر لم يشتهر أنه من حفظة كتاب الله تعالى
.
ثالثا :

إذن فما الذي يريده زيد بن ثابت رضي الله عنه في قوله : " فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ "؟
يريد أنه وجدها مكتوبة عند خزيمة بن ثابت رضي الله عنه ، فقد كان شرط زيد بن ثابت في جمعه للقرآن أنه لا يثبت آية في المصحف حتى يتثبت أنها مكتوبة مدونة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الشهود الثقات ، ولا يعتمد على الحفظ فقط .

فبين زيد بن ثابت رضي الله عنه هنا أنه لم يقف على آية الأحزاب مكتوبة سوى عند صحابي واحد وهو خزيمة بن ثابت رضي الله عنه .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : ( لم أجدها مع أحد غيره ) أي : مكتوبة ، لِما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة ، ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من لم يتلقها من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة ، ولعلهم لما وجدها زيد عند أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد ، وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف عند ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم "

انتهى من " فتح الباري " (9/15)

وقال ابن حزم رحمه الله :

" أما افتقاد زيد بن ثابت الآية فليس ذلك على ما ظنه أهل الجهل ، وإنما معناه أنه لم يجدها مكتوبة إلا عند ذلك الرجل... بيان ما قلناه منصوص في هذا الحديث نفسه ، وذلك أن زيدا حكى أنه سمع هذه الآية من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت عند زيد أيضا "

انتهى باختصار من " الإحكام في أصول الأحكام " (6/265)

ويقول بدر الدين العيني رحمه الله :

" كيف ألحقها بالمصحف وشرط القرآن التواتر ؟

أجيب : بأنها كانت مسموعة عندهم من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسورتها وموضعها معلومة لهم ، ففقدوا كتابتها .

قيل : لمَّا كان القرآن متواترا ، فما هذا التتبع والنظر في العسب ؟

وأجيب : للاستظهار ، وقد كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليعلم هل فيها قراءة لغير قراءته من وجوهها أم لا .

قيل : شرط القرآن كونه متواترا ، فكيف أثبت فيه ما لم يجده مع أحد غيره ؟

وأجيب : بأن معناه لم يجده مكتوبا عند غيره ، وأيضا لا يلزم من عدم وجدانه أن لا يكون متواترا ، وأن لا يجد غيره ، أو الحفاظ نسوها ثم تذكروها "

انتهى من " عمدة القاري " (20/19)

رابعا :

مما يدل على شرط زيد بن ثابت في جمعه للقرآن أنه لا يثبت آية في المصحف حتى يتثبت أنها مكتوبة مدونة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الشهود الثقات ، قوله رضي الله عنه : " فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ "

وعن عروة بن الزبير رحمه الله قال :

" لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ يَوْمَئِذٍ فَرَقَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْقُرْآنِ أَنْ يَضِيعَ ، فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : اقْعُدُوا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاكْتُبَاهُ "

رواه ابن أبي داود في " المصاحف

" (51) قال : حدثنا عبد الله ، حدثنا أبو الطاهر ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه .

عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ :

( أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ : مَنْ كَانَ تَلَقَّى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِنَا بِهِ ، وَكَانُوا كَتَبُوا ذَلِكَ فِي الصُّحُفِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْعُسُبِ ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى يَشْهَدَ شَهِيدَانِ )
رواه ابن أبي داود في " المصاحف " (62)

يقول علم الدين السخاوي رحمه الله :

" معنى هذا الحديث : من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا فقد كان زيد جامعاً للقرآن "

انتهى من " جمال القراء وكمال الإقراء " (ص/161)

ويقول أبو شامة المقدسي رحمه الله :

" إنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم يكتبوا من حفظهم ؛ لأن قراءتهم كانت مختلفة ، لِما أبيح لهم من قراءة القرآن على سبعة أحرف "

انتهى من " المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز " (1/57)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا ، مع كون زيد كان يحفظه ، وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط .

وعند ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه .

ورجاله ثقات مع انقطاعه .

وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب .

أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن .

وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، لا من مجرد الحفظ .

قوله : ( وصدور الرجال ) أي : حيث لا أجد ذلك مكتوبا ، أو الواو بمعنى مع ، أي : أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدر "

انتهى من " فتح الباري " (9/14)

يقول الدكتور محمد حسن جبل :

" تصرح العبارة بشرط بالغ الأهمية ، وبالغ الاحتياط لكتاب الله ، حيث صارت عند التطبيق أحد الشروط المهمة ، أن يشهد شاهدان على ما يأتي به من عنده قرآن محفوظ في صدره ، أو في عريضة مكتوبة .

ومن الطبيعي أن تكون الشهادة على أن هذا الذي أتى به فلان هو من القرآن ، ولكن كيف يتأتى ذلك للشاهدين ؟
الإجابة : بأن يكون الشاهدان أنفسهما يحفظان من القرآن في صدريهما هذا الذي جاء به فلان مكتوبا ، أو محفوظا وله نسخة من المكتوب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبلغ من هذا أن يكون الشاهدان قد حضرا تنزيل هذا المجيء به ، وتسجيله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ويتلخص من هذا أن عناصر التوثيق كانت ثلاثة معا :

أ‌- أن يكون النص مكتوبا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ب‌-أن يكون النص محفوظا متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو عمن تلقي عنه مباشرة .

ت‌-أن يشهد شاهدان على الأمرين السابقين "

انتهى من " وثاقة نقل النص القرآني " (ص/179)

ويقول الزرقاني رحمه الله :

" وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة ، وضعها له أبو بكر وعمر فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ وحذر دقيق وتحريات شاملة فلم يكتف بما حفظ في قلبه ولا بما كتب بيده ولا بما سمع بأذنه.

بل جعل يتتبع ويستقصي آخذا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين :

أحدهما : ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والثاني : ما كان محفوظا في صدور الرجال ، وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم "

انتهى من " مناهل العرفان في علوم القرآن " (1/252)

خامسا :

ثم على فرض ثبوت أن آية الأحزاب لم يكن أحد يحفظها سوى خزيمة بن ثابت ، فقبول الصحابة لروايته لها ، وإجماعهم على قرآنيتها ، وإدخالها في المصحف المتفق عليه : دليل شرعي كاف على أنها من القرآن الكريم بدون شك ولا تردد ، فقد كان غرض أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما من جمع القرآن إثبات اليقين من كتاب الله ، ودرء الاختلاف والنزاع في آياته ، فقبولهم هذه الآية من خزيمة بن ثابت دليل على اطمئنانهم لقرآنيتها ، وذلك كاف في اطمئناننا نحن أيضا إلى ذلك .

سادسا :

ننبه أخيرا إلى أن فقد آية الأحزاب ثم الوقوف عليها عند خزيمة بن ثابت إنما حصل في جمع القرآن ونسخه زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وليس في عهد عثمان رضي الله عنه ، يدل على ذلك ثلاثة أدلة :

1- نص الإمام الدارقطني رحمه الله على أن الإسناد الذي رويت به هذه القصة من رواية ابن شهاب الزهري قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، أنه سمع زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول فقدت آية من الأحزاب....الخ.

وهذا الإسناد من الأسانيد التي رويت بها قصة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وأما رواية الزهري لقصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه فقد رواها الزهري عن أنس بن مالك مباشرة ، وليس عن زيد بن ثابت .

سئل الإمام الدارقطني عن حديث زيد بن ثابت ، عن أبي بكر الصديق في جمع القرآن ، فقال : هو حديث في جمع القرآن .

رواه الزهري ، عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت .

حدث به عن الزهري كذلك جماعة – وذكر جماعة منهم - اتفقوا على قول واحد .

ورواه عمارة بن غزية عن الزهري ، فجعل مكان ابن السباق خارجةَ بنَ زيد بن ثابت ، وجعل الحديث كله عنه .
وإنما روى الزهري ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، من هذا الحديث ألفاظا يسيرة ، وهي قوله : ( فقدت من سورة الأحزاب آية قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت
.
ضبطه عن الزهري كذلك إبراهيم بن سعد ، وشعيب بن أبي حمزة ، وعبيد الله بن أبي زياد...فأما رواية الزهري ، عن أنس من هذا فهو أن حذيفة قدم على عثمان فقال أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا ، كذلك قاله الحفاظ عن الزهري ، وكذلك قاله ابن وهب والليث عن يونس "

انتهى باختصار من " العلل الواردة في الأحاديث النبوية " (1/186-189)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الصحيح عن الزهري :

أن قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر : عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت .

وقصة حذيفة مع عثمان : عن أنس بن مالك .

وقصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب في رواية عبيد بن السباق : عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه "

انتهى باختصار من " فتح الباري " (9/11)

2- وذِكرُ الإمام البخاري رحمه الله كلام زيد بن ثابت عن فقد آية الأحزاب عقب قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ليس لأنه يرى أن فقد الآية وقع في عهد عثمان ، وإنما لأن الراوي عن الزهري - وهو إبراهيم بن سعد - هو الذي روى كلتا الروايتين ، فأوردهما على وجه التعاقب في الذكر فقط ، وليس على وجه تقرير كونهما في سياق واحد ، وذلك في باب " جمع القرآن "، حديث رقم: (4988)

يدل على ذلك أن البخاري رحمه الله روى حديث فقد آية الأحزاب عن رواة آخرين عن الزهري في موضعين آخرين في الصحيح ، وليس فيهما أي حديث عن قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ، وذلك في باب " غزوة أحد "، حديث رقم : (4049)، وفي باب : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر )، حديث رقم: (4784).

3- أن جميع العلماء الذين شرحوا هذا الحديث واستدلوا به إنما تكلموا عليه من جهة توضيح منهج زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكيف أنه كان يشترط كون الآية مكتوبة بشهادة الشهود إلى جانب الحفظ والضبط ، وهذا إجماع منهم على أن سياق الحديث إنما كان في عهد الصديق رضي الله عنه .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" وأما ما رواه الزُّهريُّ عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب ، وإلحاقهم إياها في سورتها ، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر ، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف ، كما جاء مصرحًا به في غير هذه الرواية عن الزهري , عن عبيد بن السباق , عن زيد بن ثابت .

والدليل على ذلك أنه قال : فألحقناها في سورتها من المصحف , وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية "

انتهى من " فضائل القرآن " لابن كثير (ص86)

والله أعلم

اخوة الاسلام

هكذا تم الايضاح
اسره الحلقه الاسلامي

*عبدالرحمن*
2018-03-14, 02:50
يسأل : كيف يقسّم القرآن ليختمه في كل أسبوع ؟

السؤال :

أريد أفضل طريقة لختم القرآن في كل أسبوع ، وكم كان يختم النبي القرآن في الشهر الواحد .

الجواب :

الحمد لله

أفضل طريقة لختم القرآن في أسبوع هي طريقة الصحابة رضي الله عنهم حيث كانوا يحزبون القرآن ، ليختموه في سبعة أيام ، ففي اليوم الأول يقرؤون أول ثلاث سور ، ثم الخمس التي تليها، ثم سبع ، ثم تسع ، ثم إحدى عشرة ، ثم ثلاث عشرة ، ثم المفصل من سورة (ق) إلى آخر الناس .

قال ابن قدامة :

" يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، لِيَكُونَ لَهُ خَتْمَةٌ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي النَّهَارِ فِي كُلِّ سَبْعَةٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سُبُعًا، لَا يَتْرُكُهُ نَظَرًا. وَقَالَ حَنْبَلٌ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَخْتِمُ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ. وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي سَبْعٍ، وَلَا تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَعَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا اللَّيْلَةَ. قَالَ إنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبِي مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَخْرُجَ حَتَّى أُتِمَّهُ»

قَالَ أَوْسٌ سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؛ قَالُوا: ثَلَاثٌ ، وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد" انتهى من "المغني" (2/127) .

قال الزركشي :

" بيانه: ثلاث: البقرة، وآل عمران، والنساء. وخمس: المائدة، والأنعام، والأعراف والأنفال، وبراءة. وسبع: يونس، وهود، ويوسف، والرعد، وإبراهيم، والحجر والنحل، وتسع: سبحان، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، والحج والمؤمنون، والنور، والفرقان. وإحدى عشرة: الشعراء، والنمل، والقصص، والعنكبوت، والروم، ولقمان، وآلم السجدة، والأحزاب، وسبأ، وفاطر، ويس. وثلاث عشرة: الصافات، وص، والزمر، وغافر، وحم السجدة، حم عسق، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، والقتال، والفتح، والحجرات، ثم بعد ذلك حزب المفصل- وأوله سورة (ق)، "

البرهان في علوم لقرآن" (1/247) .

ولم نقف على حديث يبين وِرْدَ النبي صلى الله عليه وسلم وفي كم كان يختم القرآن ؟ والوارد من ذلك إنما هو عن أصحابه رضي الله عنهم كما سبق بيانه ، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل صلاة الليل جدًّا ، فقد قرأ في ليلة واحدة سورة البقرة والنساء وآل عمران .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-14, 02:58
إذا قطع قراءة القرآن ثم رجع واستكملها ، فهل يعيد الاستعاذة ؟

السؤال :

إذا قاطعني أحد أفراد الأسرة وأنا أقرأ القرآن من المصحف فهل يتعين عليّ الاستعاذة من جديد أم أواصل من حيث توقفت؟

الجواب :

الحمد لله

من قطع القراءة لعذر، كعطاس، أو رد سلام، أو إجابة سائل ... ونحو ذلك ، وفي نيته أن يكمل القراءة بعد زوال العذر : فإنه تكفيه الاستعاذة الأولى، ولا يؤمر بإعادتها ، إلا إذا طال الوقت ، فإنه يعيدها .

قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2/326) :

" وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ فِي الْقِرَاءَةِ .

فَإِنْ قَطَعَهَا قَطْعَ تَرْكٍ وَإِهْمَالٍ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهَا: أَعَادَ التَّعَوُّذَ إذَا رَجَعَ إلَيْهَا.

وَإِنْ قَطَعَهَا بِعُذْرٍ ، عَازِمًا عَلَى إتْمَامِهَا إذَا زَالَ عُذْرُهُ : كَفَاهُ التَّعَوُّذُ الْأَوَّلُ " انتهى .

وقال الرحيبانى في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (1/599) :

"(وَإِنْ قَطَعَهَا) ، أَيْ: الْقِرَاءَةَ (قَطْعَ تَرْكٍ) وَإِهْمَالٍ، (ثُمَّ أَرَادَهَا : أَعَادَ التَّعَوُّذَ .

وَ) إنْ قَطَعَهَا (قَطْعًا لِعُذْرٍ، عَازِمًا عَلَى إتْمَامِهَا إذَا زَالَ) الْعُذْرُ، (كَتَنَاوُلِ شَيْءٍ) أَوْ إعْطَائِهِ، أَوْ أَجَابَ سَائِلًا ، أَوْ عَطَسَ ، وَنَحْوِهِ : (فَلَا) يُعِيدُ التَّعَوُّذَ؛ لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ" انتهى .

وهذا ما لم يطل الفصل ، فإن طال الفصل سُنَّ له أن يعيد التعوذ :

قال الزركشي رحمه الله :

" يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ، فَإِنْ قَطْعَهَا قَطْعَ تَرْكٍ ، وَأَرَادَ الْعَوْدَ : جَدَّدَ .

وَإِنْ قَطَعَهَا لَعُذْرٍ ، عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ : كَفَاهُ التَّعَوُّذُ الْأَوَّلُ ؛ مَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ " انتهى ، من البرهان في علوم القرآن (1/460) .

وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/281) :

"يكفيه التعوذ الواحد ، ما لم يقطع قراءته بكلام أو سكوت طويل .

فإن قطعها بواحد منهما : استأنف التعوذ .

وإن سجد لتلاوة ثم عاد إلى القراءة : لم يتعوذ ؛ لأنه ليس بفصل ، أو هو فصل يسير . ذكره المتولي" انتهى .

وأما إذا قطعها لسبب يتعلق بالقراءة، كسؤال أو تفسير الآيات التي يقرؤها ونحو ذلك، فلا يعيد:

قال ابن الجزري في النشر (1/259) :

" إِذَا قَطَعَ الْقَارِئُ الْقِرَاءَةَ لِعَارِضٍ مِنْ سُؤَالٍ [أي : دعاء] ، أَوْ كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ : لَمْ يُعِدِ الِاسْتِعَاذَةَ" انتهى .

ولو أعاد الاستعاذة إذا قطع القراءة بكلام لا علاقة له بالقراءة – كالسلام – لكان حسنا .

قال النووي في "التبيان" (ص 124) :

"إذا كان يقرأ ماشيا، فمر على قوم : يستحب أن يقطع القراءة ، ويسلم عليهم ، ثم يرجع إلى القراءة . ولو أعاد التعوذ كان حسنا" انتهى .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-09, 17:28
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


نزل القرآن على سبعة أحرف ، فكيف نزلت هذه الأحرف السبعة ؟

السؤال

عندي شبهة أتعبتني حول طريقة نزول الأحرف والقراءات القرآنية .

1- كيف نزلت الأحرف السبعة ؟ هل كان جبريل عليه السلام يكرر على مسمع النبي عليه الصلاة والسلام نفس الآية بعدة أحرف ( لهجات ) ، أم إنه قرأ الآية مرة واحدة ، والأحرف المختلفة نزلت بنوع آخر من أنواع الوحي ؟

2- كيف نزلت القراءات القرآنية ؟ هل بطريقة التكرار أم نوع وحي آخر ؟

وإذا كانت القراءات نزلت بطريقة تكرار نفس الآية على مسمع النبي ، فهذا يعني أن الآيات تكررت 7 مرات (عدد الأحرف السبعة) + عدد مرات اختلاف القراءات ؟

3- هل القراءات القرآنية التي نقرؤها اليوم هي أوجه مختلفة لحرف قرآني واحد ( حرف العرضة الأخيرة ) أم إنها باقية من جميع الأحرف الأخرى ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

نزل القرآن على حرف واحد أول الأمر ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستزيد جبريل عليه السلام حتى أقرأه على سبعة أحرف .

وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أُولَى الْقُرَّاءِ ، فَوَجَدْتُهُمْ مُتَقَارِبِينَ ، فَاقْرَءُوهُ كَمَا عُلِّمْتُمْ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَالِاخْتِلَافَ ، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ : هَلُمَّ وَتَعَالَ " رواه ابن أبي شيبة (6/ 127) .

ثانيا :

القراءات السبعة هي ـ جميعا ـ طرق متنوعة ، في أداء حرف واحد من هذه الأحرف السبعة ، وهو الحرف الذي كتب به المصحف العثماني الإمام ، الذي جمع عثمان رضي الله عنه عليه المسلمين

. فإنه لما بلغه اختلاف الناس ، وجاءه حذيفة رضي الله عنه وقال : أدرك الناس ، استشار الصحابة الموجودين في زمانه كعلي وطلحة والزبير وغيرهم

فأشاروا بجمع القرآن على حرف واحد حتى لا يختلف الناس ، فجمعه رضي الله عنه , وكَوَّن لجنة رباعية لهذا , يرأسهم زيد بن ثابت رضي الله عنه , فجمعوا القرآن على حرف واحد

وكتبه ووزعه في الأقاليم حتى يعتمده الناس ، وحتى ينقطع النزاع .

فالقراءات السبع أو القراءات العشر موجودة في نفس ما جمعه عثمان رضي الله عنه ، في زيادة حرف ، أو نقص حرف ، أو مد ، أو شكل للقرآن , كل هذا داخل في الحرف الواحد الذي جمعه عثمان رضي الله عنه .

قال ابن الجزري رحمه الله :

" ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَصَاحِفَ الْعُثْمَانِيَّةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ رَسْمُهَا مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَقَطْ

جَامِعَةٌ لِلْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِبْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، مُتَضَمِّنَةٌ لَهَا ، لَمْ تَتْرُكْ حَرْفًا مِنْهَا .

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ صَوَابُهُ ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَالْآثَارَ الْمَشْهُورَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَتَشْهَدُ لَهُ ... "

انتهى من " النشر في القراءات العشر " (1/31-32) .

وقال السيوطي رحمه الله :

" أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي فَضَائِلِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ : الْقِرَاءَةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ

هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي يَقْرَؤُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ .

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانَ جِبْرِيلُ يُعَارِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَرَّةً ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ مَرَّتَيْنِ ، فَيَرَوْنَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُنَا هَذِهِ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ .

وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ :

يُقَالُ إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ شَهِدَ الْعَرْضَةَ الْأَخِيرَةَ الَّتِي بُيِّنَ فِيهَا مَا نُسِخَ وَمَا بَقِيَ ، وكتبها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ ، وَكَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ بِهَا حَتَّى مَاتَ

وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي جَمْعِهِ وَوَلَّاهُ عُثْمَانُ كَتْبَ الْمَصَاحِفِ "

انتهى من " الإتقان " (1/177) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" القول المرضي عند علماء السلف ، الذي يدل عليه عامة الأحاديث وقراءات الصحابة : أن المصحف الذي جمع عثمان الناس عليه ، هو أحد الحروف السبعة وهو العرضة الأخيرة ، وأن الحروف الستة خارجة عن هذا المصحف

. وأن الحروف السبعة كانت تختلف الكلمة ، مع أن المعنى غير مختلف ولا متضاد "

انتهى من " الصارم المسلول " (ص 126) .

انظر إجابة السؤالين القادمين

، وينظر فوائد عديدة حول ذلك الأمر ، للشيخ الدكتور مساعد الطيار ، في كتابه : " المحرر في علوم القرآن " (ص 87) وما بعدها .

ثالثا :

طريقة تلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن من جبريل عليه السلام :

كان جبريل عليه السلام يقرأ ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينصت ، فإذا فرغ جبريل من قراءته ، ردد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ، وذلك القرآن كله بأحرفه .

روى البخاري (3219) ، ومسلم (819) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ) .

وروى البخاري (5044) ، ومسلم (448) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِهِ : ( لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) ، قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالوَحْيِ

وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ ، فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي فِي : ( لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ ) ، ( لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ) فَإِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ (

وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) " قَالَ : " إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ " ، قَالَ : " وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ " .

قال ابن كثير رحمه الله :

" يَعْنِي : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَانَ إِذَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ ، كُلَّمَا قَالَ جِبْرِيلُ آيَةً قَالَهَا مَعَهُ ، مِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ ، فَأَرْشَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مَا هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَخَفُّ فِي حَقِّهِ ؛ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِ .

فَقَالَ : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) أَيْ : أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ ، ثُمَّ تَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا ، ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) ، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :

( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) أَيْ : بَلْ أَنْصِتْ ، فَإِذَا فَرَغَ الْمَلَكُ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْكَ ، فَاقْرَأْهُ بَعْدَهُ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (5/319) .

قال ابن عثيمين رحمه الله :

" والقرآن الذي بين أيدينا هو كلام الله عز وجل تكلم به سبحانه وتعالى حقيقة ، كلاما سمعه جبريل ، ثم تلاه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم "

انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/631) .

وقال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله :

" مذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله تكلَّم به وألقاه إلى جبريل الروح الأمين ، فنزل به فأوحاه إلى محمد صلى الله عليه وسلم فألقاه على سمعه وقلبه " انتهى .

رابعا :

كان جبريل يأتيه تارة في صورة رجل ، وتارة يأتيه مثل صلصلة الجرس .

روى البخاري (2) ، ومسلم (2333) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ

وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ ) قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا " .

فكل ما نزل من القرآن بأحرفه السبعة فسبيله ما تقدم ، وكيفية ذلك على التفصيل لا يعلمها إلا الله ، إلا أن المقطوع به أن جبريل عليه السلام نزل بالقرآن كله بأحرفه كلها على محمد صلى الله عليه وسلم

فكان يقرأ عليه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينصت ويعي ، فإذا فرغ ردد ما سمعه منه .

ولا يلزم أن يكون ذلك التكرار حاصلا في كل آية ؛ فالظاهر أن تنوع الحروف إنما هو في مواضع وآيات ، معينة ، لا في كل آية ، ولا في كل موضع .

ثم لا نعلم ما وراء ذلك ، من كيفية إحصاء الأحرف السبعة ، وتكرارها ، وعرضها من النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام .

على أننا نعود إلى تنبيه القارئ الكريم ، إلى أن قضية " الكيفية " في تلقي هذه الأحرف : لا يتعلق بها كبير شيء ، ولا فيها ذلك الإشكال الذي ينبغي أن يحيره ، فالذي يعنينا أن القرآن نزل على سبعة أحرف

وأن مصحف عثمان ، هو في القول الظاهر عند أهل العلم : حرف واحد منها ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمع القرآن من جبريل

وجبريل قد سمعه من رب العالمين ، وهذا : حد ، كاف ، شاف ، في هذا المقام ، لا يترتب على ما رواءه عمل ، كبير ولا صغير .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-09, 17:32
نزول القرآن على سبعة أحرف

السؤال

قرأت أنه أثناء خلافة عثمان ، شُكلت لجنة يشرف عليها زيد بن ثابت لتتبع القرآن الكريم بكامله . لكن هذا النص "العثماني" لم يوفر قراءة موحدة

حيث أن اللغة العربية الأولى لم يكن فيها حروف علة ، كما أن بعض الأحرف الصحيحة لم يكن لها نفس الشكل . وقد أوجدت علامات جديدة للتفريق بين الأحرف المختلفة . لكن ذلك لم يوقف الطرق المتعددة لقراءة القرآن .

ففي النصف الأول من القرن الرابع/العاشر توصل إمامُ قراءِ القرآن في بغداد ، ابن مجاهد ، لحل لهذه المشكلة . فقد قال إن الكلمة "حرف" يمكن أن تحل مكان "قراءة"

. وقد أعلن عن سبع طرق للقراءة الصحيحة . لأنه حسب ما يراه ، فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل بسبعة أحرف ، تعني أن هناك سبع طرق موحاة لقراءة القرآن .

وفي هذه الأيام فإن القراءات المشهورة والمستخدمة هي : ورش ونافع وحفص عن عاصم .

أرجو أن تخبرني عن هذه الطرق المختلفة للقراءة . هل توجد أحاديث تتعلق بهذا ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

اعلم –وفقك الله – أنّ القرآن نزل على حرف واحد أول الأمر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يستزيد جبريل حتى أقرأه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ والدليل

على ذلك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أقرأني جبريل على حرف فراجعته فزادني فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى على سبعة أحرف " . رواه البخاري ( 3047 ) ومسلم ( 819 ) .

ثانياً :

ما معنى الأحرف ؟

أحسن الأقوال مما قيل في معناها أنها سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى واٍن اختلفت بالمعنى : فاختلافها من باب التنوع والتغاير لا من باب التضاد والتعارض .

ومعنى " حرف " في اللغة : الوجه ، قال تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) سورة الحج /11 .

ثالثاً : قال بعض العلماء : إن معنى الأحرف لغات العرب وهذا بعيد لحديث عمر بن الخطاب

قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه

فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ .

فقال : هكذا أنزلت . ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا أنزلت . إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه . رواه البخاري ( 2287 ) ومسلم ( 818 ) .

ومما هو معلوم أن " هشاماً " أسدي قرشي ، وأن " عمر " عدوي قرشي فكلاهما من قريش وليس لقريش إلا لغة واحدة ، فلو كان اختلاف الأحرف اختلافاً في اللغات لما اختلف القرشيان .

وقد ذكر العلماء قرابة أربعين قولاً في هذه المسألة ! ولعل الأرجح ما قد ذكرنا آنفاً . والله اعلم

رابعاً :

تبين أن الأحرف نزلت على ألفاظ متعددة كما بينه حديث عمر لأن إنكار عمر وقع على الحروف وليس على المعاني والخلاف بهذه الحروف ليس للتضاد ولكنه للتنوع كما قال ابن مسعود هو بمنزلة قول أحدكم هلمّ أقبل تعال .

خامساً :

أما تحديد القراءات السبعة فهي ليست من تحديد الكتاب والسنة ولكنها من اجتهاد ابن مجاهد رحمه الله فظن الناس أن الأحرف السبعة هي القراءات السبعة لاتفاقها في العدد

وإنما جاء العدد مصادفة واتفاقاً أو قصداً منه ليوافق ما ورد من كون الأحرف سبعة وقد ظن بعض الناس أن الأحرف هي القراءات وهذا خطأ

ولا يُعرف هذا عن أهل العلم . والقراءات السبعة هي إحدى الأحرف السبعة وهي الحرف الذي جمع عثمان عليه المسلمين .

سادساً :

لما نسخ عثمان المصحف نسخه على حرف واحد ولكنه ترك النقط والتشكيل ليتسع هذا الرسم لحمل ما يستطيع حمله من الأحرف الأخرى فجاء المصحف برسمه محتملاً لبعض الأحرف

فما احتمله جاءت به القراءة وما لم يحتمله نُسخ ، وذلك لأن الناس أنكر بعضهم على بعض عند اختلافهم في القراءة فجمعهم عثمان على نُسخه واحدة ليجمع شملهم .

سابعاً :

قولك إن مجاهداً ظن أن القراءة تحل محل الحرف فهذا غير صحيح .

كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه .

مجموعة الفتاوى / ج13 / 210

ثامناً :

وأما القرّاء السبعة فهم :

1- نافع المدني 2- ابن كثير المكي 3- عاصم الكوفي

4- حمزة الزيات الكوفي 5- الكسائي الكوفي 6- أبو عمرو بن العلاء البصري 7- عبد الله بن عامر الشامي

وأقواهم سنداً في القراءة : نافع وعاصم .

وأفصحهم : أبو عمرو والكسائي .

ويروي عن نافع : ورش وقالون .

ويروي عن عاصم : حفص وشعبة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-09, 17:39
الاحتجاج بالقراءة الشاذة

السؤال

نريد معرفة الأحكام المترتبة على القراءات الشاذة ، وهل هي كحديث الآحاد ؟

فمثلا قراءة ابن مسعود ( ثلاثة أيام متتابعة ) فهل نقول : إنه يجب أن يكون صوم كفارة اليمين متتابعا لأجل هذه القراءة ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

القراءة الصحيحة في الأشهر من أقوال العلماء هي : كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت المصحف العثماني ولو احتمالاً ، وصح إسنادها ، فإن اختل ركن من هذه الأركان كانت هذه القراءة شاذة .

قال ابن الجزري :

" كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً وصح إسنادها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها

بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها .

. ومتى اختل ركن من هذه الأركان أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم ، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف .. وهو مذهب السلف الذي لا يعرف من أحدهم خلافه " .

انتهى من " النشر في القراءات العشر" (1/9) .

ثانيا :

اختلف العلماء في الاحتجاج بالقراءة الشاذة على أقوال منها :

القول الأول : أنه يجوز الاحتجاج بالقراءة الشاذة في استنباط الأحكام الشرعية العملية ، إذا صح سندها .
وإلى هذا القول ذهب جمهور العلماء من الأحناف والحنابلة ، وهو رواية عن الإمامين مالك والشافعي .

انظر : " نهاية السول " للإسنوي (2/333) ، و" الإحكام " للآمدي (1/160) ، و" شرح الكوكب " لابن النجار (2/138) .

وهؤلاء قالوا : إن القراءة الشاذة تجري مجرى أحاديث الآحاد في العمل بها ، دون القطع بكونها قرآنا ؛ لأنها منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم

ولا يلزم من انتفاء قرآنيتها ، انتفاءُ كونها خبرًا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم جاز الاحتجاج بها .

قال ابن عبدالبر :

" الاحتجاج من القراءات بما ليس في مصحف عثمان ، إذا لم يكن في مصحف عثمان ما يدفعها ، جائز عند جمهور العلماء ، وهو عندهم يجري مجرى خبر الواحد في الاحتجاج به للعمل بما يقتضيه معناه ، دون القطع "

انتهى من " الاستذكار" ( 10/190 ) بتصرف .

القول الثاني : عدم الاحتجاج بالقراءة الشاذة إذا استقلت بإثبات حكم جديد ، أما إن كانت قراءة بيانية وصح سندها ولم يعارضها خبر أو قياس فيجوز الاحتجاج بها .

قال الزركشي في تحقيق مذهب الشافعي في المسألة :

" إما أن تكون القراءة الشاذة وردت لبيان حكم ، أو لابتدائه ، فإن وردت لبيان حكم

فهي عنده حجة ، كحديث عائشة في الرضاع وقراءة ابن مسعود : ( أيمانهما ) ، وقوله : ( لقبل عدتهن ) ، وإن وردت ابتداء حكم ، كقراءة ابن مسعود ( متتابعات ) فليس بحجة .."

انتهى من " البحر المحيط " (1/388) .

القول الثالث : عدم صحة الاحتجاج بالقراءة الشاذة مطلقًا وهو مذهب الإمام مالك ، وأحد قولي الإمام الشافعي وبعض أصحابه ، والآمدي وابن الحاجب وابن العربي وحكي رواية عن الإمام أحمد.

انظر : " المستصفى " للغزالي (1/194) ، و" الإحكام " للآمدي (1/160) ، و" مختصر ابن الحاجب " (2/19) ، و " مختصر الطوفي " ص46 ، و" شرح الكوكب المنير " لابن النجار (2/140) .

وهؤلاء قالوا : لا يجوز الاحتجاج بالقراءة الشاذة لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن ، وإذا لم تثبت قرآنًا لم تثبت خبرًا ، ومن ثم لا يصح الاحتجاج بها .

قال النووي : " مذهبنا أن القراءة الشاذة لا يحتج بها، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن

والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع ، وإذا لم يثبت قرآنًا لا يثبت خبرًا " انتهى .

"شرح صحيح مسلم" للنووي (2/420) .

وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه لا يشترط في الخبر وصف الراوي له بأنه خبر ، وإنما أخطأ الراوي في تسميته قرآنًا ولا يضر هذا ، بل نجعل القراءة كحديث آحاد صحيح يصح الاحتجاج به .

ورد المخالفون بأن القراءة الشاذة لم تنقل على أنها خبر وقرآن معًا حتى يقال : لا يلزم من انتفاء الأخص انتفاء الأعم ، ومن ثم فلا يلزم من انتفاء قرآنيته انتفاء خبريته

بل إنما نقل الأخص وهو القرآنية دون الأعم وهو الخبرية ، فبسقوط قرآنيته يسقط الاحتجاج به ، وقالوا : ويحتمل أنه مذهب للصحابي ثم نقله قرآنًا وبذلك تسقط حجيته
.
والأظهر - والله أعلم - مذهب الجمهور ، وهو جواز الاحتجاج بالقراءة الشاذة ؛ لأن الناقل لهذه القراءة قد ثبتت عدالته ، ولو نقلها خبرًا لوجب قبول خبره

ويَبعُد أن تكون هذه القراءة مجرد قول أو مذهب للصحابي ، لأنه من المحال أن يجعل مذهبه قرآنًا .

قال ابن قدامة :

" وقولهم : يجوز أن يكون مذهبًا له ، قلنا : لا يجوز ظن مثل هذا بالصحابة رضي الله عنهم ؛ فإن هذا افتراء على الله وكذب عظيم

إذ جعل رأيه ومذهبه الذي ليس هو عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم قرآنًا ، والصحابة رضي الله عنهم لا يجوز نسبة الكذب إليهم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا في غيره

فكيف يكذبون في جعل مذاهبهم قرآنًا، هذا باطل يقينًا "

انتهى من " روضة الناظر " (1/181) .

ثالثا :

بناء على هذا الخلاف في الاحتجاج بالقراءة الشاذة ، وقع الخلاف في وجوب التتابع في كفارة اليمين:

فذهب فريق من العلماء إلى وجوب التتابع اعتبارًا بقراءة ابن مسعود ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ، وقياسًا على التتابع في كفارة الظهار .

وذهب الفريق الآخر إلى عدم وجوب التتابع في كفارة اليمين ، لعدم وجود الدليل على اشتراط التتابع

وردوا استدلال الجمهور بالقراءة الشاذة لابن مسعود بأنها ليست حجة على مذهبهم كما أوضحنا

ومن جهة أخرى أنه قد ثبت نسخها بما يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " نزلت : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ثم سقطت متتابعات " .

أورده ابن حجر العسقلاني في " موافقة الخبر الخبر " (1/52) وصحّح إسناده .

قال القرطبي :

" قوله تعالى ( فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) قرأها ابن مسعود " متتابعات " فيقيد بها المطلق ، وبه قال أبو حنيفة والثوري ، وهو أحد قولي الشافعي واختاره المزني قياساً على الصوم في كفارة الظهار

واعتباراً بقراءة عبد الله ، وقال مالك والشافعي في قوله الآخر : يجزئه التفريق ؛ لأن التتابع صفة لا تجب إلا بنص أو قياس على منصوص وقد عُدِما " .

انتهى من " تفسير الجامع لأحكام القرآن " (6/283) .

وقال ابن حجر الهيتمي : " صح عن عائشة رضي الله عنها : ( كان فيما أنزل ثلاثة أيام متتابعات فسقطت متتابعات ) ، وهو ظاهر في النسخ

خلافًا لمن جعله ظاهرًا في وجوب التتابع الذي اختاره كثيرون ، وأطالوا في الاستدلال له بما أطال الأولون في رده "
.
انتهى من "تحفة المحتاج في شرح المنهاج " (4/296) .

وعلى كل حال فالأفضل أن يكون صيام كفارة اليمين متتابعاً ؛ احتياطُا وخروجًا من الخلاف ، وإبراءً للذمة بيقين .

جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (23/22) :

" الأفضل أن يكون صيام كفارة اليمين متتابعاً ، ولكن لو قطع التتابع فلا حرج في ذلك " انتهى .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" إن التتابع في صيام كفارة اليمين فيه خلاف بين العلماء ، والأحوط التتابع فيه ، مع العلم أنه لا يعدل إلى الصيام إلا عند العجز عن الإطعام أو الكسوة أو العتق " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-09, 17:44
لماذا وردت كلمة ( إبراهيم ) في سورة البقرة بدون ياء ، وفى باقي السور بالياء ؟

السؤال

لماذا وردت كلمة ( إبراهيم ) في سورة البقرة بدون ياء ، وفى باقي سور القران الكريم بالياء ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

جاءت كلمة ( إبراهيم ) في القرآن على شكلين من الرسم .

الأول : ( إبراهـم ) بدون ياء ، وهذا الرسم في سورة البقرة فقط ، وفي مصاحف العراق والشام فقط ، أما في باقي المصاحف فهي بالياء ، وعليها يكتب المغاربة مصاحفهم .

والثاني: ( إبراهيم ) بإثبات الياء ، وهذا في باقي سور القرآن .

وقد قرأ ابن عامر بخلف عن ابن ذكوان : ( إِبْرَاهَامَ ) بالألف في ثلاثة وثلاثين موضعا، خمسة عشر موضعا في البقرة ، وفي النساء ثلاثة مواضع ، وهي الأخير ملة إبراهيم حنيفا، واتخذ الله إبراهيم خليلا

وأوحينا إلى إبراهيم، وفي الأنعام موضع ، وهو الأخير ملة إبراهيم حنيفا، وفي التوبة موضعان ، وهما الأخيران وما كان استغفار إبراهيم لأبيه ، وإن إبراهيم لأواه

وفي إبراهيم موضع وإذ قال إبراهيم ، وفي النحل موضعان إن إبراهيم كان أمة، وملة إبراهيم حنيفا، وفي مريم ثلاثة مواضع في الكتاب إبراهيم، وعن آلهتي يا إبراهيم

ومن ذرية إبراهيم، وفي العنكبوت موضع، وهو الأخير ولما جاءت رسلنا إبراهيم، وفي الشورى موضع وما وصينا به إبراهيم، وفي الذاريات موضع حديث ضيف إبراهيم، وفي النجم موضع وإبراهيم الذي وفى

وفي الحديد موضع نوحا وإبراهيم، وفي الممتحنة موضع، وهو الأول أسوة حسنة في إبراهيم.

وقرأ بالياء في باقي المواضع .

وقرأ باقي القراء بالياء في جميع مواضع القرآن.

قال الأزهري : ومن قرأ : ( إبراهَامُ ) فهي لغة عِبْرانِية تركت على حالها ولم تُعَرَّب .

وقيل : إنهم كتبوا ما في البقرة بغير ياء ، فهذا يدل على أنه إبراهام ، وحذفت الألف من الخطّ ، كما حذفت من دراهم ، ونحو ذلك ، فيشبه أنّه قرأ إبراهام ، وما ثبت فيه مما يدلك على ذلك

. وقد روي أنّه سُمع ابن الزبير يقرأ : ( صحف إبراهام ) [الأعلى/ 19] بألف .

انظر: "معاني القرآن" للأزهري (1/175)

و"الحجة للقراء السبعة" لأبي علي الفارسي (2/226).

وقال أبو الحسن السلمي :

" كان أهل الشام يقرؤون ( إبراهام ) بألف في مواضع دون مواضع ، ثم تركوا القراءة بالألف وقرؤوا جميع القرآن بالياء ، قال أبو علي : وهي لغة أهل الشام قديما

كان قائلهم إذا لفظ إبراهيم في القرآن وغيره قال : إبراهام بألف ، وقال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي : دخلت بعض قرى الشام ، فرأيت بعضهم يقول لبعض : يا إبراهام فاعتبرت ذلك فوجدتهم ما يعرفون غيره " .

انتهى من "إبراز المعاني من حرز الأماني" لأبي شامة (ص: 344).

وقال يزيد بن أبي مالك : " هو إبراهام وإبراهيم ، مثل يعقوب وإسرائيل " ، قال : وكان سعيد بن عبد العزيز يشتد في ترك ذلك ، قال أبو مسهر

: وكان عبد الله بن عامر اليحصبي وعطية بن قيس يشتدان في ذلك أيضا ، قال أبو عبيد : يعني ألا يقرأ ( إبراهام ) في موضعه ، يقول : سمي باسمين كما سمي يعقوب وإسرائيل

قال أبو عبيد : وتتبعت اسمه في المصاحف فوجدته كتب في البقرة خاصة إبراهم بغير ياء ".

انتهى من " فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص 295).

ثانيا :

مع أن رسم المصحف العثماني : هو رسم توقيفي ، نقل على الهيئة التي كتبه بها الصحابة رضوان الله عليهم ، في المصحف العثماني "الأم" ؛

فقد اجتهد بعض أهل العلم في تلمس بعض العلل للمخالفة في رسم المصحف لهذه الكلمة في البقرة ، عن رسمها في بقية القرآن الكريم .

فقيل في توجيه رسم ذلك :

أولا :

لبيان أنها تُقرأ بالألف والياء . قال الإمام أبو داود سليمان بن نجاح الأندلسي : " ورسم كذلك - والله أعلم- لقراءتهم ذلك بألف بين الهاء والميم ".

انتهى من "مختصر التبيين لهجاء التنزيل" (2/ 206).

وقال الإمام السخاوي : وجه رسمه : التنبيه على قراءة ( إبراهام ) وحذف الألف منه اختصاراً .

انتهى من "فتح الوصيد" للسخاوي (1/114).

ثانيا:

لأن سورة البقرة معظمها يتكلم عن بني إسرائيل ، وقد كانوا ينطقونها ( إبراهام ) ، فهي كلمة عبرانية كما قال الأزهري ، فناسب ذلك كتابتها بدون ياء في هذه السورة .

ثالثا:

لأن ( إبراهيم وإبراهام ) لغتان (من لغات ست جاء) بهما القرآن الكريم، ( كجبريل وجبرائيل مثلا) وحذفت الألف في سورة البقرة لبيان ذلك .

رابعا :

لأنها كتبت في المصاحف الشامية بحذف الياء ، قال ابن الجزري في "النشر" (2/221): " ووجه خصوصية هذه المواضع أنها كتبت في المصاحف الشامية بحذف الياء منها خاصة

وكذلك رأيتها في المصحف المدني وكتبت في بعضها في سورة البقرة خاصة " انتهى .

وهذا الوجه في الواقع أقرب إلى رد ذلك إلى التوقيف ، منه إلى تعليل ما جاء به التوقيف .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-12-09, 17:48
هل يجب التقيد بعلامات الوقف التي في المصحف ؟

السؤال

منذ زمن كنت قد قرأت فتوى على موقعكم نقلتم فيها قولا أنه لا ينبغي للعوام ( أو لا يجوز للعوام) أن يقفوا في تلاوة القرآن إلا على العلامات الموجودة في المصاحف

, وسؤالي هو : أحيانا أقرأ القرآن ولا أكون أنظر في المصحف ,

فماذا أفعل في هذه الحالة وأنا لا أحفظ العلامات التي في المصحف ؟

و هل يحرم على العوام الوقوف على غير العلامات التي في المصحف ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

لا شك أن علم الوقف والابتداء علم جليل ؛ لأنه يعين على التدبر الذي هو المطلوب من كل قاريء للقرآن ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ص/29 .

ينظر جواب السؤال القادم

وإتقان هذا العلم يحتاج إلى معرفة عدة علوم .

قال المقريء الكبير ابن مجاهد :

" لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحوي عالم بالقراءات عالم بالتفسير والقصص وتخليص بعضها من بعض عالم باللغة التي نزل بها القرآن "

انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " (1/296) .

فالوقف في القرآن الكريم مبني على العلم بالمعنى ، ولذلك قد يختلف قراء القرآن الكريم في الوقف في بعض المواضع بناء على الاختلاف في المعنى ، أو يكون كل منهم نظر إلى معنى من معاني الآية . وهكذا .

ولذلك سبق أن ذكرنا أن الأفضل للعامي (الذي لا يعرف تفسير الآيات التي يقرأها) الأفضل له أن يلتزم بعلامات الوقف الموجودة بالمصحف .

ثانياً :

الالتزام بمواضع الوقف ليس واجباً ، وليست مخالفة تلك المواضع حراما ، إلا إذا قصد القارئ أن يقف على بعض المواضع التي يفسد بها المعنى ، وتؤدي إلى معنى قبيح ، وهذا لا يصدر من مؤمن بالله معظم للقرآن .

قال الشيخ المقريء عبد الفتاح المرصفي رحمه الله :

" ما قاله أئمتنا من أنه لا يجوز الوقف على كلمة كذا وكذا إنما يريدون بذلك الوقف الاختياري الذي يحسن في القراءة ويروق في التلاوة ولا يريدون به أنه حرام أو مكروه إذ ليس في القرآن الكريم وقف واجب يأثم القارى

بتركه أو حرام يأثم القارىء بفعله ، لأن الوصل والوقف لا يدلان على معنى حتى يختل بذهابهما ، وإنما يتصف الوقف بالحرمة إذا كان هناك سبب يؤدي إليها فيحرم حينئذ

كأن قصد القارىء الوقف من غير ضرورة على لفظ " إله " أو على لفظ " لا يستحي " أو على لفظ " لا يهدي " في قوله تعالى : ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ) المائدة / 73

, ( والله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحق ) الأحزاب / 53 , ( والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين ) الصف / 5 . وما شابه ذلك مما تقدم ذكره في الوقف القبيح إذ لا يفعل ذلك مسلم قلبه مطمئن بالإيمان .

وفي هذا المقام يقول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية :

وليسَ في القرآن مِنْ وقْفٍ وجَب ... ولا حرام غير ما له سَبَبْ "

انتهى من " هداية القاري إلى تجويد كلام الباري " للمرصفي (1/387) .

وبناء على هذا ، فلا حرج عليك أن تقرأ القرآن من حفظك وأنت لا تحفظ مواضع الوقوف وتقف في أي موضع من الآية لا يحصل به إخلال في المعنى أو إفساد المعنى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-09, 17:54
أهمية تعلم الوقف والابتداء في تلاوة القرآن الكريم

السؤال

عندما أستمع إلى بعض القرّاء أجد أن طريقة وقوفهم على بعض الآيات مختلفة ، فقد يقف قارئ ما في مكان محدد من الآية

في حين أن القارئ الآخر لا يقف في هذا المكان ، فأريد أن أعرف ما هي الطريقة الصحيحة في الوقف بين الآيات ؟

الجواب

الحمد لله

الوقف والابتداء في تلاوة القرآن الكريم من أدق العلوم التي تنبئ عن فهم القارئ لكتاب الله تعالى ، وتكشف من أسرار معاني الآيات الكريمة ما لا يحصى عددا ولا ينقضي عجبا .

ويتفاوت القراء ما بين حريص على العناية بهذا العلم الدقيق ، ومَن يغلب عليه الحرص على التغني بالقرآن الكريم من غير عناية بالالتفات إلى أسرار الوقف والابتداء .

وقد نعى الصحابي الجليل ابن عمر رضي الله عنهما على الصنف الثاني من القراء فقال :

( لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَأَحَدُنَا يُؤْتَى الإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَتَعَلَّمُ حَلاَلَهَا ، وَحَرَامَهَا ، وَآمِرَهَا ، وَزَاجِرَهَا ، وَمَا يَنْبَغِى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهَا كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ .

ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالاً يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الإِيمَانِ ، فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِى مَا آمِرُهُ ، وَلاَ زَاجِرُهُ ، وَلاَ مَا يَنْبَغِى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ

فَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ ) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4/84) ، والحاكم في "المستدرك" (1/91)

والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/120) جميعهم من طريق عبيد الله بن عمرو , عن زيد بن أبي أنيسة , عن القاسم بن عوف , قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول ... فذكره .

قال الحاكم رحمه الله :

" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولا أعرف له علة ، ولم يخرجاه " انتهى .

وقال الذهبي رحمه الله :

" على شرطهما ، ولا علة له " انتهى من " التلخيص " .

وصححه ابن منده في " الإيمان " (106) ، والهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/170)

ونضرب مثلا هنا على ضرورة مراعاة الوقف الحسن وتجنب الوقف القبيح الذي يقلب المعنى ويحرف الآية عن سياقها ، وذلك كالوقف على كلمة ( قالوا )

في قوله تعالى : ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) آل عمران/181 ، فتأمل بشاعة البداية بـ ( إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ) .

وكذلك تأمل تغير المعنى إذا وقف القارئ على قوله تعالى : ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ ) ، فالوقف هكذا يوهم أن الذين لم يستجيبوا لربهم لهم الحسنى أيضا

وهذا قلب تام للمعنى ، لذلك فالوقف الحسن أن يقرأ ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ) ويقف

ثم يبتدئ قوله عز وجل : ( وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) الرعد/18 .

وهكذا يوضح هذان المثالان أهمية تعلم الوقف والابتداء ، وأن هذا الفن يحتاج إلى فهم سليم لكتاب الله الحكيم ، ونظر دقيق في معاني الآيات الكريمة ، وقد لا يتيسر ذلك لعوام المسلمين

لذلك قام العلماء المشرفون على طباعة المصاحف الشريفة بوضع علامات الوقف الحسن الذي يفضل الوقوف عنده ، والوقف اللازم الذي يجب الالتزام به

والوقف الممنوع الذي يبين مواضع الآيات التي لا يجوز الوقوف عندها ، وبهذا يتمكن جميع المسلمين الالتزام

بها أثناء تلاوتهم في المصحف الشريف ، ويسهل عليهم معرفتها بدلا من التفتيش في بطون أمهات كتب علم " الوقف والابتداء " .

يقول الشيخ عبد الفتاح المرصفي رحمه الله :

" ينبغي لكل مَعْنيٍّ بتلاوة القرآن الكريم ، مجتهد في إيفائها حقها ومستحقها أن يُقبل عليها ويصرف همته إليها ، إذ لا يتحقق فهم كلام الله تعالى ولا يتم إدراك معناه إلا بذلك

فربما يقف القارىء قبل تمام المعنى ، ولا يصل ما وقف عليه بما بعده حتى ينتهي إلى ما يصح أن يقف عنده ، وعندئذ لا يفهم هو ما يقول ، ولا يفهمه السامع

بل ربما يفهم من هذا الوقف معنى آخر غير المعنى المراد ، وهذا فساد عظيم ، وخطر جسيم ، لا تصح به القراءة ، ولا توصف به التلاوة .

وقد أوجب المتقدمون من الرعيل الأول على القارىء معرفة الوقف والابتداء لما جاء في ذلك من الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين

فقد ثبت أن الإمام عليّاً رضي الله عنه لما سئل عن قوله تعالى : ( وَرَتِّلِ القرآن ) المزمل/4 ، فقال : الترتيل معناه تجويد الحروف ومعرفة الوقوف "

انتهى من "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" (1/365) .

ويقول الشيخ عبد الله الجديع :

" أذهب في حق عموم المسلمين اليوم إلى أن يأخذوا بما بين لهم في المصاحف من علامات الوقف ، وينبغي عليهم أن يلاحظوا ما ذكر من التعريف بتلك العلامات في أواخر المصاحف

ويستعمولها على الصورة التي بينت لهم ، فإن ذلك معين على تدبر القرآن وفهمه ، خاصة ما كان منه من الوقف اللازم ، فعليهم التزام الوقف عنده

وما كان من الممنوع فلا يوقف عنده إلا ما كان منه عند رؤوس الآي ، ويترك الوقف في موضع ليس فيه علامة وقف أصلا ، لا أستثني من هذا إلا من أوتي حظا من فهم القرآن

وعدة واقية من الخطإ في ضبط المعنى من أهل العلم والذكر ، فهؤلاء قد يستحسنون مواضع للوقف باجتهادهم في تدبر القرآن "

انتهى من "المقدمات الأساسية في علوم القرآن" (ص/452) .

ونصيحتنا هنا أن يحرص المتعلم على استماع تلاوة كبار القراء ، الذين يعتنون بالتلاوة والتجويد

والذين سجلت تلاوتهم للقرآن الكريم بإشراف لجان من العلماء وكبار القراء ، كالختمات الصوتية الصادرة عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، ونحوها .

كما نوصي بالقراءة في الكتب المتخصصة في هذا الجانب ، والتي من أهمها " المكتفى في الوقف والابتدا " لأبي عمرو الداني ، و " معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتدا " محمود خليل الحصري .

وانظر : " هداية القاري إلى تجويد كلام الباري " عبد الفتاح المرصفي (1/365-415) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-24, 19:11
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


علم المكي والمدني من سور القرآن الكريم

السؤال

ما الفرق بين السور المكية والسور المدنية ؟

الجواب

الحمد لله

عناية المسلمين بالقرآن الكريم عناية فائقة ، ولا يعرف كتاب على وجه الأرض نال من الدراسة والشرح والبيان ما ناله القرآن ، حتى أنشأ العلماء مئات العلوم المستقلة المتعلقة به ، كان من أهمها علم : " المكي والمدني ".

ويمكن أن نوجز ببيان هذا العلم من علوم القرآن الكريم في المسائل الآتية :

أولا : بيان معنى مصطلح : " المكي والمدني ".

هو اصطلاح أطلقه العلماء ليميزوا بين الآيات والسور التي نزلت في المرحلة المكية للدعوة الإسلامية ، وبين ما نزل في المرحلة المدنية ، فاشتهر بين أكثر أهل العلم هذا التقسيم

وجعلوا مناطه ومداره على الزمان ، وليس على المكان :

فالمكي من الآيات والسور : ما نزل قبل الهجرة النبوية ، سواء كان في مكة أو ضواحيها.

والمدني من الآيات والسور : ما نزل بعد الهجرة النبوية ، سواء كان مكان نزوله المدينة ، أو مكة بعد فتحها ، أو أي مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم .

ثانيا : أهمية هذا العلم وفوائده .

1- معرفة الناسخ من المنسوخ : وهذه فائدة عظيمة مفيدة في فهم القرآن وبيانه ، فالنسخ – وهو إزالة حكم الآية بحكم جديد – واقع في القرآن ، ولتحديد الآية الناسخة لا بد من معرفة زمان نزولها

هل هو قديم في بداية الإسلام ، أو متأخر ، فتكون الآية المدنية ناسخة للمكية ، إذا ثبت وقوع النسخ في حكمها .

2- معرفة تاريخ التشريع ومراحله ، وتلمس الحكمة في تدرج أحكامه وآياته ، حتى بلغت الكمال في آخر العهد النبوي ، ولا شك أن معرفة مراحل التشريع مفيدة جدا في فهم الشريعة ومقاصد القرآن وحكمته .

3- الوصول إلى الفهم الصحيح لآيات القرآن وسوره ، لأن معرفة تاريخ النزول وظرف الآيات يساعد كثيرا على فهمها واستجلاء مقاصدها

فمن قطع النصوص عن سياقها الزماني أو المكاني فقد قطع على نفسه سبيل الحقيقة والفهم السليم .

4- ومن فوائده بيان عظيم عناية المسلمين بالقرآن الكريم ، حيث لم يحفظوا نصوصه فقط ، بل حفظوا ونقلوا الزمن الذي نزلت فيه ، ليكون ذلك شاهدا على الثقة المطلقة التي يمنحها المؤمنون لهذا الكتاب العظيم .

5- التذوق اللغوي لأساليب البيان العالية في القرآن الكريم ، فقد تميزت سور كل مرحلة مكية أو مدنية بأساليب بيانية تناسب ما تضمنته من معاني ومقاصد

وكل هذه الأساليب لها من الرونق والبريق ما يأخذ الألباب ويدهش الأسماع ، ومعرفة المكي والمدني يساعد على هذا التذوق ويقربه للأذهان .

6- معرفة السيرة النبوية ، فقد استغرق تنزل القرآن الكريم ثلاثة وعشرين عاما ، رافق فيها جميع الأحداث التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان فهم " المكي والمدني

" رافدا من روافد علم السيرة النبوية ، ومكملا لدراساته .

ثالثا : الفرق بين المكي والمدني .

تبين للعلماء – بعد تأمل السور المكية والسور المدنية – أن ثمة فرقا في الغالب بينهما من جهتين اثنتين : المضمون ، والأسلوب .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع :

أ- أما من حيث الأسلوب فهو :

1- الغالب في المكي قوة الأسلوب ، وشدة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين معرضون مستكبرون ، ولا يليق بهم إلا ذلك ، أقرأ سورتي المدثر ، والقمر .

أما المدني : فالغالب في أسلوبه اللين ، وسهولة الخطاب

لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون ، أقرا سورة المائدة .

2- الغالب في المكي قصر الآيات ، وقوة المحاجة ؛ لأن غالب المخاطبين معاندون مشاقون ، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم ، أقرا سورة الطور .

أما المدني : فالغالب فيه طول الآيات ، وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة ؛ لأن حالهم تقتضي ذلك ، أقرأ آية الدين في سورة البقرة .

ب- وأما من حيث الموضوع فهو :

1- الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك .

أما المدني : فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات ؛ لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة ، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات.

2- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال ، ذلك حيث شرع الجهاد وظهر النفاق ، بخلاف القسم المكي " انتهى.

"أصول التفسير" (ص/13)

ويقول الدكتور مناع القطان رحمه الله :

" استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية ، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني ، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات التي يتناولها ، وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات :

ضوابط المكي ومميزاته الموضوعية :

1- كل سورة فيها سجدة فهي مكية .

2- كل سورة فيها لفظ " كلا " فهي مكية ، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن . وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة .

3- كل سورة فيها : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ، وليس فيها : ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواُ ) فهي مكية ، إلا سورة الحج

ففي أواخرها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) ، ومع هذا فإن كثيرًا من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك .

4- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية ، سوى البقرة .

5- كل سورة فيها آدم وإبليس فهي مكية ، سوى البقرة كذلك .

ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية :

1- كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية .

2- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ، سوى العنكبوت ، فإنها مكية .

3- كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنية .

هذا من ناحية الضوابط ، أما من ناحية المميزات الموضوعية ، وخصائص الأسلوب

فيمكن إجمالها فيما يأتي :

1- بيان العبادات ، والمعاملات ، والحدود ، ونظام الأسرة ، والمواريث ، وفضيلة الجهاد ، والصلات الاجتماعية ، والعلاقات الدولية في السلم والحرب ، وقواعد الحكم ، ومسائل التشريع .

2- مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ودعوتهم إلى الإسلام ، وبيان تحريفهم لكتب الله ، وتجنيهم على الحق ، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم .

3- الكشف عن سلوك المنافقين ، وتحليل نفسيتهم ، وإزاحة الستار عن خباياهم ، وبيان خطرهم على الدين .

4- طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها " انتهى.

"مباحث في علوم القرآن" (62-64)

وأخيرا :

من أراد التفصيل في هذا العلم ، والاطلاع على كلام العلماء وتعدادهم للسور المكية والمدنية، واختلافهم في بعضها ، وكذلك الجواب على الشبه الساقطة التي أوردها المستشرقون حول هذا الموضوع

فنحيله إلى المراجع الآتية :

"البرهان في علوم القرآن" للزركشي (1/187-206)

"الإتقان في علوم القرآن" (1/34-59)

"مناهل العرفان في علوم القرآن" لمحمد عبد العظيم الزرقاني (1/135-167)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-24, 19:16
ترتيب نزول السور المكية والمدنية

السؤال

نعلم أن التركيز في الفترة المكية كان منصبَّاً على تقوية إيمان المسلمين

وأريد أن أعرف تعاليم تلك الفترة والآيات التي نزلت آنذاك ، أريدها مرتبة ترتيباً زمنياً

الجواب

الحمد لله

أولا :

تقدم في جواب السؤال السابق الكلام بالتفصيل عن السور المكية والمدنية ، والفرق بينها ، وخصائص كل منها .

وبينا أن الغالب في السور المكية : تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك ، مع قوة الحجة ، وكثرة الأدلة وتوافرها واستفاضتها لتقرير التوحيد .

ويمكن إجمال مميزات وخصائص السور المكية فيما يلي :

- تأسيس العقيدة الإسلامية في النفوس بالدعوة إلى عبادة الله وحده والإيمان برسالة محمد صلي الله عليه وسلم وباليوم الأخر ، وإبطال المعتقدات الوثنية الجاهلية وعباده غير الله ، وإيراد الحجج والبراهين على ذلك .

- تشريع أصول كثير من العبادات والمعاملات والآداب والفضائل العامة .

- الاهتمام بتفصيل قصص الأنبياء والأمم السابقة ، وبيان ما دعا إليه الأنبياء السابقون من عقائد ، ومواقف أممهم منهم ، وما نزل بالمكذبين من عذاب دنيوي جزاء تكذبيهم .

- قصر السور والآيات ، مع قوة اللفظ وإيجاز العبارة وبلاغة المعنى ، ليناسب تحدي أهل الفصاحة واللسان من كفار قريش والعرب .

ثانيا :

ذكر غير واحد من أهل العلم ترتيب نزول سور القرآن المكية ، وكذلك المدنية .

فقال مجد الدين الفيروز آبادي رحمه الله :

" اتَّفقوا على أَنَّ أَوّل السُّور المكِّية اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ ، ثمَّ ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ ، ثمَّ سورة المزمِّل ، ثمَّ سورة المدَّثِّر ، ثمَّ سورة تبَّت ، ثم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ

ثم سَبِّحِ اسْمِ رَبِّكَ الأَعْلَى ، ثمَّ والليل إِذَا يغشى ، ثم وَالفَجْرِ ، ثم وَالضُّحَى ، ثمَّ أَلَمْ نَشْرَح ، وَزعمت الشِّيعة أَنَّهما واحدَة ، ثمَّ وَالعَصْرِ ، ثم وَالعَادِيَّاتْ ، ثم الكوثر ، ثم أَلهاكم ، ثم أَرأَيت

(ثم الكافرون) ، ثمَّ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ ، ثم الفلق ، ثم الناس ، ثم قل هو الله أَحد ، ثمَّ وَالنَّجْم ، ثم عَبَس ، ثم القَدر ، ثمَّ والشمس وَضُحَاهَا ، ثم البروج ، ثم وَالتِّينِ ، ثم لإِيلاَفِ

ثم القارعة ، ثم لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة ، ثم ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ، ثم وَالمُرْسِلاَتِ ، ثم ق والقرآن المجيد ، ثم لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد ، ثم والسماء والطارق ، ثم اقْتَرَبَتِ السَّاعَة ، ثم ص ، ثم الأَعراف

ثم قُلْ أُوْحِىَ ، ثم يس ، ثم الفرقان ، ثم الملائكة ، ثم مريم ، ثم طه ، ثم الواقعة ، ثم الشعراءُ ، ثم النمل ، ثم القَصَص ، ثم بني إِسرائيل ، ثم يونس ، ثم هود ، ثم يوسف ، ثم الحِجْر ، ثم الأَنعام

ثم الصَّافَّات ، ثم لقمان ، ثم سبأ ، (ثم الزمر) ، ثم المؤمن ، ثم (حَم السجدة) ، ثم (حَم عسق) ، ثم الزخرف ، ثم الدُّخَان ، ثم الجاثية ، ثم الأَحقاف ، ثم الذاريات ، ثم الغاشية ، ثم الكهف ، ثم النَّحل

ثم سورة نوح ، ثم سورة إِبراهيم ، ثم سورة الأَنبياءِ ، ثم قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون ، ثم (الم السَّجدة) ، ثم الطور ، ثم (تبارك الملك) ، ثم الحاقَّة ، ثم سأَل سائل

ثم عَمَّ يَتَسَآءَلُون ، ثم النازعات ، ثم إِذَا السماء انفطرت ، ثم إِذَا السماء انشقت ، ثم الرُّوم ، ثم العنكبوت ، ثم المطفِّفين .
فهذه خمس وثمانون سورة نزلت بمكة "

انتهى من " بصائر ذوي التمييز " (1/98-99) .

وذكر هذا الترتيب بتمامه الزركشي رحمه الله في

" البرهان في علوم القرآن " (1/193-194) إلا أنه قال آخره بعد ذكر سورة الروم :

" وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ ابن عباس : الْعَنْكَبُوتِ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ : الْمُؤْمِنُونَ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ .

فَهَذَا تَرْتِيبُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ ، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّتِ الرِّوَايَةُ مِنَ الثِّقَاتِ ، وَهِيَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً " انتهى .

وهو ما نقله الماورديّ وأَبو القاسم النِّيسابوريّ في تفسيرهما

كما في " البصائر " (1/97) .

وانظر " الإتقان " للسيوطي (1/43) .

أما السور المدنية : فذكروا أن أَوَّل ما نزل بالمدينة : سورة البقرة ، ثم سورة الأَنفال ، ثم سورة آل عمران ، ثم الأَحزاب ، ثم الممتحِنة ، ثم النساءُ ، ثم زلزلت ، ثم الحديد ، ثم سورة محمد صلَّى الله عليه وسلم

ثم الرعد ، ثم الرحمن ، ثم هَلْ أتى عَلَى الإنسان ثم الطلاق ، ثم لم يكن ، ثم الحشر ، ثم إِذا جاءَ نصر الله ، ثم النور ، ثم الحج ، ثم المنافقون

ثم المجادلة ، ثم الحجرات ، ثم التحريم ، ثم الجمعة ، ثم التغابن ، ثم الصف ، ثم الفتح ، ثم التوبة ، ثم المائدة .

قال الفيروز آبادي رحمه الله :

" فهذه جملة ما نزل بالمدينة . ولم نذكر الفاتحة لأَنَّه مختلَف فيها : قيل أُنزلت بمكة ، وقيل بالمدينة ؛ وقيل بكلٍّ مرة "

انتهى من " بصائر ذوي التمييز " (1/99) .

وروى أبو جعفر النحاس في " الناسخ والمنسوخ " عن أبي عَمْرِو بْن الْعَلَاءِ ، قال : سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ تَلْخِيصِ آيِ الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ مِنَ الْمَكِّيِّ فَقَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : " سُورَةُ الْأَنْعَامِ

نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، فَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ . وَمَا تَقَدَّمَ مِنَ السُّوَرِ مَدَنِيَّاتٌ . وَنَزَلَتْ بِمَكَّةَ : سُورَةُ الْأَعْرَافِ وَيُونُسَ وَهُودٍ وَيُوسُفَ وَالرَّعْدِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْحِجْرِ وَالنَّحْلِ

- سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ أُحُدٍ - وَسُورَة بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْحَجِّ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ :

هَذَانِ خَصْمَانِ إِلَى تَمَامِ الَآيَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بالمدينة - وسورة المؤمنين وَالْفَرْقَانِ وَسُورَةُ الشُّعَرَاءِ - سِوَى خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ أخراها نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ :

وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ إِلَى آخِرِهَا - وَسُورَةُ النَّمْلِ وَالْقَصَصِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ وَلُقْمَانَ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ -

وَسُورَةُ السَّجْدَةِ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ - وَسُورَةُ سَبَأٍ وَفَاطِرٍ وَيس وَالصَّافَّاتِ وَص وَالزَّمْرِ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ

: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا إِلَى تَمَامِ الثلاث آيات - والحواميم السبع وق والذاريات وَالطُّورُ وَالنَّجْمُ وَالْقَمَرُ وَالرَّحْمَنُ وَالْوَاقِعَةُ وَالصَّفُّ وَالتَّغَابُنُ - إِلَّا آيَاتٌ مِنْ آخِرِهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ -

وَالْمُلْكُ وَن وَالْحَاقَّةُ وَسَأَلَ وَسُورَةُ نُوحٍ وَالْجِنِّ وَالْمُزَّمِّلِ - إِلَّا آيَتَيْنِ : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ - وَالْمُدَّثِّرِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ ، إِلَّا إِذَا زُلْزِلَتِ وإذا

جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَإِنَّهُنَّ مَدَنِيَّاتٌ .

وَنَزَلَ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةٍ وَالنُّورِ وَالْأَحْزَابِ وَسُورَةُ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْحِ وَالْحُجُرَاتِ وَالْحَدِيدِ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى التَّحْرِيمِ " .

قال السيوطي رحمه الله :

" هَكَذَا أَخْرَجَهُ بِطُولِهِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَشْهُورِينَ "

انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " (1/39-40) .

وقد اختلف العلماء في سورتي الفلق والناس ، هل نزلتا بمكة أو المدينة ؟ على قولين ، وأصحهما : أنهما نزلتا بالمدينة ، يدل عليه حديث ابن عباس المتقدم آنفا .

قال ابن الجوزي رحمه الله في تفسير سورة الفلق :

" فيها قولان : أحدهما : أنها مدنية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال قتادة في آخرين .

والثاني : أنها مكية ، رواه كريب عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعطاء ، وعكرمة

وجابر . والأول أصح ، ويدل عليه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سحر وهو مع عائشة ، فنزلت عليه المعوذتان "

انتهى من " زاد المسير " (4/507) .

أما معرفة متى نزلت كل سورة على التحديد : فمتعذر ؛ لأنه لم يرد توقيف صحيح ، فيما نعلم ، بمثل ذلك .

والله أعلم .
.

*عبدالرحمن*
2018-12-24, 19:20
لا تشرع الاستعاذة ولا البسملة عند الاستدلال والاستشهاد بآية من القرآن .

السؤال

عند قراءة مقال أو نص يحوي آيات قرآنية ، هل تجب الاستعاذة والبسملة عند قراءة كل آية مستشهد بها في النص؟

أرى بعض المشايخ لا يأتي بهما عند الاستدلال بالآيات عند إلقاءه الدروس ، بل يذكر الآية مباشرة ، أرجو تبيين الحكم ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

المشروع عند تلاوة القرآن أن يبدأ التالي بالاستعاذة من الشيطان الرجيم

لقوله تعالى : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل/ 98 ، فإذا كانت التلاوة من أول السورة استعاذ وبسمل ، وإذا كانت أثناء السورة كفته الاستعاذة ، وإن أتى بالبسملة أيضا فلا بأس .

انظر جواب السؤال القادم

ثانيا :

لا تشرع الاستعاذة ولا البسملة عند إيراد الآية من القرآن على وجه الاستدلال والاحتجاج بها ، وإنما يقول : قال الله تعالى ، ونحو ذلك ؛ ليميز كلام الله عن غيره من الكلام ، وعلى ذلك دلت السنة الصحيحة المتواترة :

- فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : ( ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ يُغْفَرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ) فَبَدَّلُوا ، فَدَخَلُوا الْبَابَ يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ ، وَقَالُوا : حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ )

رواه البخاري (3403) ، ومسلم (3015) .

- وروى البخاري (4485) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ ،

وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) الآيَةَ
.
- وروى البخاري (3339) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ، هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ :

هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ لاَ ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ ، فَيَقُولُ لِنُوحٍ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ

: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) وَالوَسَطُ العَدْلُ .

- وروى البخاري (1648)، ومسلم (1278) عن عَاصِم قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَالَ :

" نَعَمْ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الجَاهِلِيَّةِ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ : ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا )

- وروى البخاري (3244) ، ومسلم (2824) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ ( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ

وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ) فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) .

- وروى مسلم (2825) عن سَهْل بْن سَعْدٍ قال: " شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ : (فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ

وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ".

- وروى الترمذي (2616) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، قَالَ : (لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ :

تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ) ثُمَّ قَالَ: ( أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ

) قَالَ : ثُمَّ تَلَا (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ) ، حَتَّى بَلَغَ (يَعْمَلُونَ).

قال السيوطي رحمه الله :

" الصواب الاقتصار على إيراد الآية من غير استعاذة ، اتباعا للوارد في ذلك ، فإن الباب باب اتباع ، والاستعاذة

المأمور بها في قوله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ) : إنما هي عند قراءة القرآن للتلاوة ، أما إيراد آية منه للاحتجاج والاستدلال على حكم : فلا "

انتهى، من "الحاوي" (1/ 353)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فإن قال قائل: لم يذكر في الحديث أنه استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد قال الله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)

فالجواب : أن هذه الآية لا يراد بها التلاوة ، وإنما يراد بها الاستدلال ، والآية الكريمة : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) يعني للتلاوة ، وأحاديث كثيرة من هذا النوع يُذكر فيها الاستشهاد بالآيات

ولا يذكر فيها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم .

فما قصد به الاستدلال : فإنه لا يتعوّذ فيه ، بخلاف ما قصد فيه التلاوة، والآية ظاهرة: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) .

وهذا يدل على أن المستدل والخطيب والكاتب : لا يستعيذ ولا يبسمل، وإنما يكتفي بــ " قال الله تعالى " ، أو ما أشبه ذلك، مما يميز القرآن الكريم عن غيره "

انتهى من " شرح الأربعين النووية " (ص 301) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-24, 19:29
حكم قراءة البسملة اثناء سورة التوبة

السؤال

هل يجب التلفظ بالبسملة ما لو قراءنا سورة التوبة من منتصفها؟

ولماذا ليس لهذه السورة بسملة في بدايتها؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

من آداب تلاوة القرآن أن يحافظ القارئ على البسملة إذا قرأ من أول السورة ، سوى سورة براءة .

قال الإمام النووي رحمه الله :

" وينبغي أن يحافظ على قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، سوى براءة فإن أكثر العلماء قالوا إنها آية حيث تكتب في المصحف ؛ وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة .

فإذا قرأها كان متيقنا قراءة الختمة أو السورة ، فإذا أخل بالبسملة كان تاركا لبعض القرآن عند الأكثرين .."

انتهى من "التبيان في آداب حملة القرآن" (100) .

وأما إذا قرأ من أثناء السورة : فلا يتأكد الإتيان بالبسملة ، وتكفيه الاستعاذة ، وإن أتى بالبسملة فلا بأس .

ثانياً:

سبب عدم ذكر البسملة في أول سورة التوبة أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوها في أولها في المصحف ، واقتدوا بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد أخرج الترمذي في السنن بسنده

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قلت لعثمان بن عفان : "ما حملكم أن عمدتم إلى "الأنفال" وهي من المثاني وإلى "براءة" وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر " بسم الله الرحمن الرحيم "

ووضعتموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد،

فكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: "ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا"، وإذا نزلت عليه الآية فيقول: "ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا"

وكانت "الأنفال" من أوائل ما أنزلت بالمدينة، وكانت "براءة" من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها،

فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال " انتهى من فتاوى "اللجنة الدائمة" (4/225)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"...والصحيح أنه لم يكن بينها وبين الأنفال بسملة؛ لأن البسملة آية من كتاب الله عز وجل، فإذا لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: ضعوا البسملة بين السورتين لم يضعوها بينهما

فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يعين ويقول: ضعوا البسملة، ولم يعين لهم بسملة بين سورة الأنفال

وسورة براءة فلم يكتبوها، ولكن بقي أن يقال: إذا كان لم يعين فلماذا يفصل بينها وبين سورة الأنفال؟ لماذا لم يجعلوهما سورة واحدة؟ نقول: نعم.

لم يجعلوهما سورة واحدة؛ لأنهم شكوا هل هي سورة واحدة مع الأنفال أو سورتين متباينتين؟ فقالوا: نجعل فاصلة بين السورتين، ولا نجعل بسملة، وهذا هو الصحيح في عدم ذكر البسملة بينها وبين سورة الأنفال"

انتهى من "لقاء الباب المفتوح" لقاء رقم(18)

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-12-24, 19:32
هل يسجد للتلاوة من قرأ بالمصحف المترجم ؟

السؤال

هل يجب السجود عند آية سجود التلاوة إذا كنت اقرأ في نسخة مترجمة للقرآن الكريم بالانجليزية ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الراجح من أقوال أهل العلم رحمهم الله : أن سجود التلاوة سنة وليس واجباً ، وهذا مذهب الجمهور .

قال النووي رحمه الله – في حكم سجود التلاوة - : " مَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ وَاجِبًا , وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ "

انتهى من " المجموع " (3/557) .

وقال ابن قدامة رحمه الله – مستدلاً لقول الجمهور - : " لمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ,

قَالَ : " قَرَأْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ k وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ , عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ : " قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ

, حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ , فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ , حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا , حَتَّى إذَا جَاءَتْ السَّجْدَةُ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , إنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ ,

فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ , وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ . وَفِي لَفْظٍ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إلَّا أَنْ نَشَاءَ ، فَقَرَأَهَا , وَلَمْ يَسْجُدْ , وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا وَهَذَا بِحَضْرَةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ , فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ , وَلَا نُقِلَ خِلَافُهُ "
.
انتهى من " المغني " (1/362) .

ثانياً :

المصحف المترجم إلى لغة غير العربية ، لا يُعد قرآناً ، وإنما يعد تفسيرا للقرآن الكريم ؛ فالقرآن هو اللفظ العربي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم

كما قال تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) يوسف/2 ، فإذا ترجم القرآن الكريم إلى لغة أخرى غير العربية ، فهذه الترجمة تعتبر تفسيرا للقرآن .

قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله : ( وتَرْجَمَتُهُ أَيْ : الْقُرْآنَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا لَا تُسَمَّى قُرْآنًا ، فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ ، وَتَكُونُ تِلْكَ التَّرْجَمَةُ عِبَارَةً عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ , وَتَفْسِيرًا لَهُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ لَا قُرْآنًا وَلَا مُعْجِزًا "

انتهى من " كشاف القناع " (1/341) .

وعليه ، فلا يشرع السجود لتلاوة آية سجدة بغير اللغة العربية ؛ لكون المقروء في هذه الحال ليس قرآناً .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-24, 19:38
ما الحكمة من مجيء آية الصلاة بين آيات الطلاق في سورة البقرة ؟

السؤال

في الآية رقم (237) من سورة البقرة نجد أن الله عز وجل وجهنا إلى بعض أحكام الطلاق ، ثم في الآية رقم (238) نجد أن الحديث عن أحكام الصلاة . فما الرابط بين هاتين الآيتين ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

معرفة وجه الربط بين الآيات والسور ، علم من العلوم ، يطلق عليه في اصطلاح أهل العلم بـ : ( علم المناسبات ) ، وهو علم تعرف به الحكمة من الترتيب في القرآن الكريم .

وقد تكلم في هذا العلم جمع من أهل العلم ، وألفوا فيه المؤلفات .

قال الحافظ السيوطي رحمه الله : " وعلم المناسبة : علم شريف ، قَلَّ اعتناء المفسرين به ؛ لدقته ، وممن أكثر فيه الإمام فخر الدين ، وقال في تفسيره : أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط "

انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " (2/288) .

ومن أشهر من ألف في هذا العلم : برهان الدين البقاعي رحمه الله في كتاب له اسمه " نظم الدرر في تناسب الآيات والسور " ، وكذلك السيوطي رحمه الله ألف كتاباً في هذا العلم : " تناسق الدرر في تناسب السور " .

ثانياً :

علم المناسبات ومعرفة الربط بين الآيات والسور ، علم اجتهادي ، فقد تكون بعض المناسبات التي يذكرها بعض أهل العلم قريبة ، ولها حظ من النظر

وبعضها قد يكون متكلفاً ؛ ولهذا فالجزم بأن تلك المناسبة مرادة للشارع غير صحيح ، مع جزمنا بأن هناك حكمة وعلة من وضع هذه الآية في ذلك الموضع

كما قال تعالى : ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) سورة هود/1 .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

" ... إن ترتيب الآيات توفيقي ليس للعقل فيه مجال ... ، ونعلم أنه لابد أن يكون هناك حكمة ، أو حِكَم ؛ لأن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم "

انتهى مختصراً من " تفسير القرآن لابن عثيمين " (3/177) .

ثالثاً :

أما وجه الربط بين الآيتين المذكورتين في السؤال ، وهما قوله تعالى : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ

وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) سورة البقرة : 237

وقوله تعالى في الآية التي تليها : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) سورة البقرة/238 .

فقد ذكر بعضهم أن بين الآيتين مناسبة :

قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" قوله : ( وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم ) البقرة/237

فإن الله دعانا إلى خلق حميد ، وهو العفو عن الحقوق ، ولما كان ذلك الخلق قد يعسر على النفس ؛ لما فيه من ترك ما تحبه من الملائم ، من مال وغيره كالانتقام من الظالم

وكان في طباع الأنفس الشح ، علمنا الله تعالى دواء هذا الداء ، بدواءين :

أحدهما : دنيوي عقلي ، وهو قوله : ( ولا تنسوا الفضل بينكم ) المذكر بأن العفو يقرب إليك البعيد ، ويصير العدو صديقا ، وإنك إن عفوت فيوشك أن تقترف ذنبا فيعفى عنك

إذا تعارف الناس الفضل بينهم ، بخلاف ما إذا أصبحوا لا يتنازلون عن الحق .

الدواء الثاني : أخروي روحاني ، وهو الصلاة التي وصفها الله تعالى في آية أخرى بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فلما كانت معينة على التقوى ومكارم الأخلاق ، حث الله على المحافظة عليها .

وقال بعضهم : لما ذكر حقوق الناس دلهم على المحافظة على حقوق الله .

وهو في الجملة مع الإشارة إلى أن في العناية بالصلوات أداء حق الشكر لله تعالى على ما وجه إلينا من عنايته

بأمورنا التي بها قوام نظامنا ، وقد أومأ إلى ذلك قوله في آخر الآية : ( كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) البقرة : 239 ، أي : من قوانين المعاملات النظامية "

انتهى من "التحرير والتنوير" (2/466) .

وقال الشيخ خالد السبت حفظه الله

: " لما بين الله عز وجل طرفاً من حقوق الخلق ، في هذه الأبواب التي غالباً ما تقع فيها المشاحة ، بين حق الخالق في أمر يعد رأساً في العبادات البدنية ، وهي الصلة بالله عز وجل .

المخلوقين أمر بالإحسان والتفضل ، وبين ما لهم وما عليهم ، ثم أرشدهم إلى أمر يحصل به حسن الصلة بالله عز وجل ، وهو الصلاة ، وهذا ما يسمى بعلم المناسبة ... ، وهذا المعنى له وجه من النظر محتمل ، والعلم عند الله "

انتهى من " تعليقات الشيخ خالد السبت على المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير " .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-29, 16:45
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


القرآن الكريم كتاب هداية وليس كتاب تفاصيل الأسماء أو العلوم الدنيوية

السؤال

سمعت نكتة من بعض الناس يتحدثون فيها عن شخص أوربي اسمه كوك ، سأل مسلما قائلا : أنتم تقولون أن كل شيء موجود في القرآن

فهل هذا صحيح . فأجابه : أن نعم ، فقال له : أنا اسمي كوك

هل اسمي موجود . فقال له الشخص المسلم : قِف ، فلما وقف ، قال له : ( وتركوك قائما ) وهو يقصد بها ترى : أي تبصر كوك - وهو اسم الشخص – قائما . فما هو حكم ذلك ؟

الجواب

الحمد لله

لا ينبغي أن تدفعنا العاطفة والحماسة لكتاب الله تعالى إلى الخروج به عن سياقه الذي أنزله الله عز وجل

فهو كتاب هداية للبشرية ، يخرجهم من ظلمات الشرك والهوى إلى أنوار التوحيد والاستقامة

ويهديهم لأحسن الهدي الذي به سعادتهم في الدنيا ونجاتهم في الآخرة . وقد جاء هذا الهدف واضحا في كتاب الله عز وجل ، في الكثير من الآيات الكريمات

منها قول الله عز وجل : ( الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) إبراهيم/1

وقوله سبحانه : ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) المائدة/16.

فمن راح يثبت للناس اشتمال هذا الكتاب الكريم على تفاصيل كل شيء في الدنيا ، بأسمائها وأوصافها

أو حتى بخصائصها التي تعرف بها ، أو مباحث العلوم الدنيوية جميعها ، كالطب والفلك والهندسة وغيرها ، فقد نسب إلى القرآن الكريم ما ليس فيه ، ولا يلائم مقاصده .

جاء في " تفسير الرازي مفاتيح الغيب " (20/ 258)

في تفسير قوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) النحل/89 قوله :
" العلوم التي ليست دينية : لا تعلق لها بهذه الآية

لأن من المعلوم بالضرورة أن الله تعالى إنما مدح القرآن بكونه مشتملا على علوم الدين ، فأما ما لا يكون من علوم الدين فلا التفات إليه " انتهى .

ويقول العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله :

" ومِن الناس مَن قال : إن القرآن قد حوى علوم الأكوان كلها ، وأن الشيخ محيي الدين بن العربي وقع عن حماره فرُضت رجله ، فلم يأذن للناس بحمله إلا بعد أن استخرج حادثة وقوعه ورض رجله من " سورة الفاتحة " .

وهذا القول لم يقل به أحد من الصحابة ، ولا علماء التابعين ، ولا غيرهم من علماء السلف الصالحين ، ولا يقبله أحد من الناس ، إلا من ينساق وراء كل ما يُسمع أو يقال ، يرون أن كل ما كتبه الميتون في كتبهم حق

وإن كان لا يقبله عقل ، ولا يهدي إليه نقل ، ولا تدل عليه اللغة ، بل قال أئمة السلف : إن القرآن لا يشتمل على جميع فروع أحكام العبادات الضرورية بدلالة النص ولا الفحوى

وإنما أثبت وجوب اتباع الرسول ، فصار دالا على كل ما ثبت في السنة ، وأثبت قواعد القياس الصحيح وقواعد أخرى ، فصار مشتملا على جميع فروعها وجزئياتها ، ولا يخرج شيء من الدين عنها "

انتهى من " تفسير المنار " (7/ 330) .

وبهذا تُعلَم أن الحادثة المذكورة في السؤال ليست من الجواب العلمي المبني على دليل ظاهر من القرآن الكريم ، وإنما هي أقرب إلى العبث ، وتحريف الكلم عن مواضعه

وهل يقول عاقل : إن القرآن يحتوي أسماء الناس جميعا ، التي ينطق بها العرب بلسانهم ؛ فضلا عن أن يكون اسما أعجميا ، من غير لسان العرب ؟!

لا شك أن من ادعى ذلك ، أو تكلفه ، فقد تكلف ما لا علم له به ، وأعظم على الله سبحانه وتعالى القول .

وإن صح أن قائلا قال ذلك ، أو نحوه ، من أهل العلم ، أو المنسوبين إليه ، فلا نظن أن يكون مراده بذلك : الاستدلال على وجهه

وإقامة الحجة على مقتضاها ، وإنما هو أقرب إلى الملاطفة ، والإسكات ، ولو من غير طريق الحجة المستقيمة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-29, 16:49
آخر آية نزلت من القرآن .

السؤال

ما هي آخر آية نزلت من القرآن ؟

الجواب

الحمد لله

اختلف أهل العلم في آخر آية نزلت من القرآن ، على أقوال متعددة ، تكلم فيها كلٌّ بما أداه إليه اجتهاده ، وليس في شيء من ذلك خبر عن المعصوم ، يمكن القطع به .

وأكثرهم على أن آخر آية نزولا هي قوله تعالى في سورة البقرة : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) البقرة/ 281.

قال الحافظ جلال الدين السيوطي - رحمه الله - :

" مَعْرِفَةُ آخِرِ مَا نَزَلَ ، فِيهِ اخْتِلَافٌ :

- فَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) وَآخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ .

- وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ : آيَةُ الرِّبَا " ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ .

وَالْمُرَادُ بها قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا ) .

- وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " آخِرُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) الْآيَةَ .

- وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ :

" آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) الْآيَةَ ، وَعَاشَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ تِسْعَ لَيَالٍ ، ثُمَّ مَاتَ لَيْلَةَ الَاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ " .

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ .

وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: " آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) الْآيَةَ.

- وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْفَضَائِلِ " عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ :

" آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الرِّبَا ، وَآيَةُ الدَّيْنِ " .

- وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ :

" آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ " .

- وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُبَيٍّ أَيْضًا قَالَ :

" آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالِلَّهِ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: " آخر آية نَزَلَتْ: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) "

انتهى من "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 101-103) .

وينظر : " تفسير ابن كثير" (2/ 168) .

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - :

" أصحّ الْأَقْوَالِ فِي آخِرِيَّةِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله)" انتهى من "فتح الباري" (8/ 317) .

وقال أبو بكر الباقلاني - رحمه الله - :

" اختلفت الصحابةُ ومَن بعدَهم في آخرِ ما أُنزل من القرآن ... "

- ثم ذكر الخلاف ثم قال - : " وليس في شيءٍ من الرواياتِ ما رُفع إلى النبي عليه السلام ، وإنّما هو خَبَر عن القائل به ، وقد يجوزُ أن يكونَ قالَ بضربٍ من الاجتهاد ، وتغليبِ الظنِّ وبظاهرِ الحال

وليسَ العلمُ بذلك أيضاً من فرائضِ الدين ، ولا هو مما نصّ الرسولُ على أمر فيه ، بيّنه وأشاعه وأذاعَه ، وقصدَ إلى إيجابه وإقامةِ الحجّة به ...

وقد يَحتمِلُ أن يكونَ كلُ قائلٍ ممن ذكرنا يقولُ إن ما حكمَ بأنَّ ما ذكره آخرُ ما نزل لأجل أنّه آخرُ ما سمعه مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم .. وقد سمع منه غيرُه شيئاً نزل بعدَ ذلك

وإن لم يسمعه هو لمفارقته له ، ونزولِ الوحي بقرآنٍ بعدَه .." ، ثم ذكر وجوها أخرى في توجيه ما ورد في ذلك من اختلاف الروايات .

ينظر : "الانتصار للقرآن" (1/ 243-247) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-29, 16:53
ما هي السورة أو السور التي أنزلت دفعة واحدة ؟

السؤال

ما هي سور القرآن التي نزلت جملة واحدة ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

نزل القرآن مفرقا في ثلاث وعشرين سنة ، منها ثلاث عشرة سنة بمكة ، وعشر سنوات بالمدينة ، وجاء التصريح بنزوله مفرَّقًا في قوله تعالى : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) الإسراء/106

أي : جعلنا نزوله مفرقًا كي تقرأه على الناس على مهل وتثبت، ونزَّلناه تنزيلًا بحسب الوقائع والأحداث .

ثانيا :

هناك من سور القرآن ما نزل جملة واحدة ، وأكثر ذلك من قصار السور ، كسورة الفاتحة والقدر والماعون وتبت والكوثر والفيل والنصر والكافرون والإخلاص والفلق والناس وغير ذلك

ومما ذكره العلماء من غير قصار السور مما نزل جملة واحدة : سورة الأنعام والأعراف والتوبة والكهف والفتح والصف والمرسلات ، على خلاف بينهم في ذلك .

قال الحافظ السيوطي رحمه الله :

" النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُفَرَّقًا وَمَا نَزَلَ جَمْعًا :

الْأَوَّلُ غَالِبُ الْقُرْآنِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي السُّوَرِ الْقِصَارِ: (اقْرَأْ) أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا إِلَى قَوْلِهِ: (مَا لَمْ يَعْلَمْ) ، وَالضُّحَى أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا إِلَى قَوْلِهِ: (فَتَرْضَى) .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الثَّانِي : سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْكَوْثَرِ وَتَبَّتْ وَلَمْ يَكُنْ وَالنَّصْرُ وَالْمُعَوِّذَتَانِ نَزَلَتَا مَعًا.

وَمِنْهُ فِي السُّوَرِ الطِّوَالِ الْمُرْسَلَاتُ؛ فَفِي الْمُسْتَدْرَكِ (2994) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:

" كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) ، فَأَخَذْتُهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ رَطْبٌ بِهَا" وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي .

وَمِنْهُ سُورَةُ الصَّفِّ .

وَمِنْهُ سُورَةُ الْأَنْعَامِ ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ بِمَكَّةَ لَيْلًا جُمْلَةً حَوْلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ " .

وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فتاويه: " الحديث الوارد في أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ ، وَلَمْ نَرَ لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحًا وَقَدْ رُوِيَ مَا يُخَالِفُهُ

فَرُوِيَ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، بَلْ نَزَلَتْ آيَاتٌ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ ، اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا فَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ . انتهى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .

انتهى باختصار من "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 136-137).

وروى الطبراني في الكبير (449) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ ، قَالَتْ: " نَزَلَتِ الْأَنْعَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً وَاحِدَةً " .

وحسنه الحافظ في "نتائج الأفكار" (3/227) .

وروى النحاس في "الناسخ والمنسوخ" (ص 415) بسند جيد عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ:

" سُورَةُ الْأَنْعَامِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهِيَ مَكِّيَّةٌ ، إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمُ ) إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ " .

- سورة الفتح ، روى البخاري (4177) عن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) .

- سورة التوبة ، روى البخاري (4364) عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: " آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ " .

ثم رواه البخاري أيضا (4605) بلفظ : " آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ ... " بدون كلمة " كاملة " .

وقد شكك بعض العلماء في صحة هذه اللفظة : (كاملة) وذهبوا إلى أن سورة براءة نزلت مفرقة .

قال بدر الدين العيني رحمه الله :

"قَوْله: (كَامِلَة) قَالَ الدَّاودِيّ: لفظ: كَامِلَة ، لَيْسَ بِشَيْء لِأَن بَرَاءَة نزلت شَيْئا بعد شَيْء ، قلت: وَلِهَذَا لم يذكر لفظ: كَامِلَة، فِي هَذَا الحَدِيث فِي التَّفْسِير، وَلَفظه هُنَاكَ: آخر سُورَة نزلت بَرَاءَة "

انتهى من "عمدة القاري" (18/18) .

ولكن جمهور العلماء على أنها نزلت دفعة واحدة كما ذكره الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (10/ 97).
- سورة الأعراف

قال في "تفسير المنار" (8/ 260):

" وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً مِثْلَهَا " يعني مثل سورة الأنعام .

- سورة الكهف ، قال في "التحرير والتنوير" (15/ 242):

" هِيَ مِنَ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً " .

وغالب ما يذكره العلماء من ذلك محله الاجتهاد والنظر ، والخلاف فيه معلوم .

والخلاصة :

أن نزول كثير من السور القصار جملة واحدة أمر ثابت ، كالفاتحة والقدر والماعون وتبت والكوثر والفيل والنصر والكافرون والإخلاص والفلق والناس .

وكذا الفتح والمرسلات .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-29, 16:57
من زاد في القرآن حرفا أو أنقص منه حرفا متعمدا فقد كفر .

السؤال

بعض الطلبة أثناء الامتحان يطلب منه الاستشهاد بآية كريمة ، ولكونه ينسى حرفا أو كلمة منها فإنه يتعمد وضع كلمة مكان الكلمة التي ينساها ؛ لأنه يريد أن ينجح

ويخشى الرسوب ، لكنه يقر أن ما وضعه هو تحريف ، ليس الهدف منه تحريف القرآن فعليا ، ولكن لخشيته من الرسوب فإنه يضع تلك الكلمة مكان الكلمة التي نسيها من القرآن .

هل يعتبرا هذا تحريفا للقرآن يخرج بمقتضاه الطالب من الإسلام ؟

الجواب

الحمد لله

تقدم أن من أخطأ في قراءة السورة ، أو نسي شيئا منها ، وهو في الصلاة ، فإنه يحاول تصحيح الخطأ

وتذكر المنسي . فإن لم يستطع فله أن يتجاوز الآية إلى التي تليها أو يترك هذه السورة ويستفتح سورة أخرى .

أما أن يزيد في القرآن ما ليس منه عامدا - سواء في الصلاة أو في غير الصلاة -: فهذا محرم أشد التحريم ، وقد نص أهل العلم على أن من نقص من القرآن حرفا أو بدله بحرف آخر أو زاد فيه حرفا فقد كفر .

قال القاضي عياض رحمه الله :

" أَجْمَع الْمُسْلِمُون أَنّ الْقُرْآن الْمَتْلُوّ فِي جَمِيع أَقْطَار الأَرْض الْمَكْتُوب فِي الْمُصْحَف بِأَيْدِي الْمُسْلِمِين مِمَّا جَمَعَه الدَّفَّتَان من أَوَّل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالمين ) إِلَى آخِر ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنَّه كَلَام اللَّه وَوَحْيُه المُنَزَّل

عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم ، وَأَنّ جَمِيع مَا فِيه حَقّ ، وَأَنّ من نَقَص مِنْه حَرْفًا قَاصِدًا لِذَلِك أَو بَدَّلَه بِحَرْف آخَر مَكَانَه أَو زَاد فِيه حَرْفًا مِمَّا لَم يَشْتَمِل

عَلَيْه المُصْحَف الَّذِي وَقَع الإِجْمَاع عَلَيْه وأُجْمِع عَلَى أَنَّه لَيْس مِن الْقُرْآن عَامِدًا لِكُلّ هَذَا : أَنَّه كَافِر " .

انتهى من"الشفا" (2/ 304-305)

وينظر : "التقرير والتحبير" لابن أمير الحاج (2/ 215) .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (35/ 214) :

" الْقُرْآنُ كَلاَمُ اللَّهِ الْمُعْجِزُ الْمُنَزَّل عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنْقُول بِالتَّوَاتُرِ، فَيَحْرُمُ تَعَمُّدُ اللَّحْنِ فِيهِ ، سَوَاءٌ أَغَيَّرَ الْمَعْنَى أَمْ لَمْ يُغَيِّرْ ؛ لأِنَّ أَلْفَاظَهُ تَوْقِيفِيَّةٌ نُقِلَتْ إِلَيْنَا بِالتَّوَاتُرِ

فَلاَ يَجُوزُ تَغْيِيرُ لَفْظٍ مِنْهُ بِتَغْيِيرِ الإْعْرَابِ أَوْ بِتَغْيِيرِ حُرُوفِهِ بِوَضَعِ حَرْفٍ مَكَانَ آخَرَ " انتهى .

وعلى ذلك : فلا يحل للطالب أن يكتب كلمة أو حرفا يعلم أنه ليس من القرآن ، أو ليس هذا موضعه من الآية

بل إما أن يجتهد في أن يتذكر ، أو يترك مكان المنسي منه بياضا . وبإمكانه أن يعتذر عن ذلك بنسيان موضع الكلمة ، وتحرجه من ذكر ما لم يتيقنه هنا .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-29, 17:03
التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي

السؤال

سمعت أنه لا يجوز تفسير القرآن ، اعتمادا علي رأي الإنسان الشخصي

فهل من الممكن أن تشرح لي المقصود بهذا ؟

الجواب

الحمد لله

المفسر عند تفسيره لآية من القرآن يسلك أحد مسلكين :

المسلك الأول : ينظر هل في القرآن ، أو في السنة النبوية ، أو في آثار السلف الصالح ما يفسر هذه الآية ؟ فإذا وجد في هذه المصادر تفسيرا لها ، اتبعه واكتفى به ، وهذا ما يسمى بـ " التفسير بالمأثور " وهو أنواع :

1 - تفسير القرآن بالقرآن ؛ فالقرآن يفسر بعضه بعضا .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " مقدمة في أصول التفسير " (ص/93) :

" فإن قال قائل : فما أحسن طرق التفسير ؟ فالجواب : إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن ، فما أجمل في مكان ، فإنه قد فسر في موضع آخر ، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر " انتهى .

ومن أمثلة ذلك :

ما رواه البخاري (4263) عن علقمة رحمه الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال

: " لَمَّا نَزَلَتْ : ( وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ) قَالَ أَصْحَابُهُ – ( يعني : أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ ؟ فَنَزَلَتْ : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) ".

لكن تفسير القرآن بالقرآن أحيانا يكون صريحا واضحا كما في المثال السابق ، فيكون حجة يجب اتباعه وعدم مخالفته ، وأحيانا يكون من اجتهاد المفسّر ، وفقهه

وجمعه بين الأشباه والنظائر ؛ ولا شك أن هذا أقل درجة من الأول ، فالمجتهد قد يخطئ ، وقد يصيب .

2- تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن ، فقد جاء صلى الله عليه وسلم مبلغا ومبينا لما في القرآن الكريم قال الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/ 44 .

ومثال ذلك :

ما رواه البخاري ( 4510 ) في تفسير قوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) البقرة/187 .

فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ، أَهُمَا الْخَيْطَانِ ؟ قَالَ : ( إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ ، ثُمَّ قَال : لاَ ، بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ ) .

ومتى بلغنا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لآية أو لفظة من القرآن : وجب علينا الالتزام به ، والوقوف عنده .

وقد يُفهم التفسير من سنته صلى الله عليه وسلم ؛ من خلال أفعاله وأقواله وتقريراته .

فالسنة جاءت مبينة للقرآن ؛ فالله تعالى أمرنا بالصلاة والزكاة والحج والحدود ... الخ ، والنبي صلى الله عليه وسلم من خلال سنته - من أفعال وأقوال - فصلّ لنا ما المقصود بهذه الألفاظ .

لكن إذا لم يجد المفسّر في السنة تفسيرا لآية ما ، نظر في أقوال الصحابة .

3- التفسير المأثور عن الصحابة رضوان الله عليهم :

وتفسيرهم مقدم على تفسير غيرهم ؛ لأن تفسيرهم إمّا أن يكونوا قد أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه قال :

" كان الرجل منَّا إذا تعلَّم عَشْر آياتٍ لم يجاوزهُنّ حتى يعرف معانيهُنَّ ، والعملَ بهنَّ " رواه الطبري في تفسيره (1/80) وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى .

وقد يكون تفسيرهم اجتهادا ورأيا ؛ فاجتهادهم مقدم على اجتهاد من بعدهم ؛ لأنهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، واطلعوا على أحوال نزول آيات القرآن ، كسبب النزول ومكانه

وعاصروا الواقع الذي نزل فيه القرآن ، وعرفوا أحوال أهله ، ولأنهم أفهم من غيرهم للغة التي نزل بها القرآن ، وأعمق علما ، وأقل تكلفا ، وأبعد من غيرهم عن الزيغ والزلل ، في علومهم ، وأعمالهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "

مقدمة في أصول التفسير " (ص/95) :

" وحينئذ ؛ إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ، رجعت في ذلك إلى أقوال الصحابة

فإنهم أدرى بذلك ؛ لما شاهدوه من القرآن ، والأحوال التي اختُصُّوا بها ، ولما لهم من الفهم التام ، والعلم الصحيح ، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم .. " انتهى .

وقول الصحابة في التفسير مقدم على قول غيرهم ، إلا إذا اختلفوا فهنا يجتهد المفسر في الترجيح بين أقوالهم .

4- التفسير بالمأثور عن التابعين :

إذا لم يجد المفسر في أقوال الصحابة ما يفسر به الآية ، فإنه ينظر في تفسير التابعين ؛ الذين تلقوا علومهم عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم في أحوالهم

وأقوالهم ، وأعمالهم ، وزمانهم - أيضا ، بطبيعة الحال - أقرب إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهديهم ، وعلومهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في

" مقدمة في أصول التفسير " (ص/102) :

" إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة ، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين ... " انتهى .

وقال رحمه الله – أيضاً - " (ص/37) :

" ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة ، كما قال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس ، أوقفه عند كل آية منه ، وأسأله عنها

ولهذا قال الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به ، ولهذا يعتمد على تفسيره : الشافعي والبخاري وغيرهما من أهل العلم" انتهى .

فإذا اتفق علماء التفسير من التابعين على قول في معنى آية ، فلا إشكال في لزوم الأخذ به ، وأما حين يختلفون ، فليس قول أحدهم حجة على قول الآخر

كما أن قول الواحد منهم ليس حجة مطلقا ، وإنما ينظر فيه وفي حجته ، ويستأنس به ، ويرجع إليه .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :

" ولا ريب أن التابعين يختلفون ؛ فالذين تلقوا عن الصحابة التفسير : هؤلاء لا يساويهم من لم يكن كذلك .

ومع هذا ، فإنهم إذا لم يسندوه عن الصحابي ، فإن قولهم ليس بحجة على من بعدهم إذا خالفهم ، لأنهم ليسوا بمنزلة الصحابة ، ولكن قولهم أقرب إلى الصواب

وكلما قرب الناس من عهد النبوة ، كانوا أقرب إلى الصواب ممن بعدهم .

وهذا شيء واضح ، لغلبة الأهواء فيما بعد ، ولكثرة الواسطات بينهم وبين عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، فبُعدهم هذا لا شك أنه يقلل من قيمة أقوالهم ، ومن هنا نعرف أن الرجوع إلى قول من سلف أمر له أهميته " .

انتهى من " شرح مقدمة التفسير " (ص /140) .

المسلك الثاني : أن يجتهد المفسّر - الذي له العلم بالتفسير - في استعمال فهمه لتفسير آية من القرآن ، ويكون في اجتهاده ملتزما السبيل الصحيح ومتقيدا بالضوابط والقواعد التفسيرية

؛ وهذا ما يسمى بـ " التفسير بالرأي أو بالاجتهاد " .

قال الزرقاني رحمه الله تعالى في كتابه " مناهل العرفان في علوم القرآن " (2/43) :

" فالتفسير بالرأي الجائز يجب أن يلاحظ فيه الاعتماد على ما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما ينير السبيل للمفسر برأيه ، وأن يكون صاحبه عارفا بقوانين اللغة

خبيرا بأساليبها ، وأن يكون بصيرا بقانون الشريعة ؛ حتى ينزل كلام الله على المعروف من تشريعه " انتهى .

وأما الذي لا يجوز من ذلك ؛ فهو التفسير بالرأي المذموم :

1- كأن يكون القائم بالتفسير ليس من أهله ، ويتكلم في بيان كلام الله بغير علم

وقد قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33

وقال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/168- 169 .

2- أو يتبع هواه ، وينتصر لبدعته ورأيه ، ولو بتحريف الكلم عن مواضعه ، وعدم مراعاة أصول الفهم ،

وعادات العرب في لغاتها ، وعادة الشرع في خطابه الخاص ؛ كما يفعله بعض المبتدعة من الرافضة وغيرهم ، حيث يفسرون بعض الآيات بخلاف ما تقتضيه القواعد الشرعية واللغوية .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :

" وتفسير القرآن بالرأي : تارة يفسره الإنسان بحسب مذهبه ، كما يفعله أهل الأهواء . فيقول المراد بكذا وكذا ، كذا وكذا ، مما ينطبق على مذهبه

وكذلك هؤلاء المتأخرون الذين فسروا القرآن بما وصلوا إليه من الأمور العلمية ، الفلكية أو الأرضية ، والقرآن لا يدل عليها ، فإنهم يكونون قد فسروا القرآن بآرائهم

إذا كان القرآن لا يدل عليه ، لا بمقتضى النص ولا بمقتضى اللغة ، فهذا هو رأيهم ، ولا يجوز أن يفسر القرآن بهذا .

وكذلك أيضاً لو لم يكن عند الإنسان فهم للمعنى اللغوي ، ولا للمعنى الشرعي الذي تفسر به الآية ، فإنه إذا قال قولا بلا علم

فيكون آثما ، كما لو أن أحداً من العامة فسر آية من القرآن الكريم على حسب فهمه ، من غير مستند - لا لغوي ولا شرعي- ، فإنه يكون حراماً عليه ذلك

لأن مفسر القرآن يشهد على الله بأنه أراد كذا ، وهذا أمر خطير

لأن الله حرّم علينا أن نقول عليه ما لا نعلم ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف ( 33 )

فأي إنسان يقول على الله ما لا يعلم ، في معنى كلامه أو في شيء من أحكامه ، فقد أخطأ خطأ عظيماً "

انتهى " شرح مقدمة التفسير " (ص/142) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-30, 16:47
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


إذا وُجدت " اللام " في اسم " إنّ " أو خبرها وجب كسرها .

السؤال

لماذا تُبع لفظا " يشهد " ، و "يعلم" بـ "إن" كما في الآية الأولى من سورة المنافقون ؟

فعلى حدّ علمي أن الفعل "شهد" ، و " علم " لا يمكن أن يُتبعا بـ "إن" ، وإنما بـ "أن" تماماً كقولنا "أشهد أن" ، كذلك الفعل " قال" لا يُتبع إلا بـ "إن" كما في الآية الحادية عشرة من سورة البقرة "قالوا إنما.." .

الجواب

الحمد لله

أولا :

قال الله تعالى : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) المنافقون/ 1 .

كُسرت الهمزة من (إن) لتعلق الفعل باللام ، ولولا ذلك لوجب فتحها .

قال ابن مالك رحمه الله في " الألفية " (ص: 21) :

وكسروا من بعد فعل ٍ علّقا ** باللام كاعلم إنّه لذو تقى .

قال ابن عثيمين رحمه الله في شرحه على الألفية :

" فإذا علق الفعل باللام وجب كسر الهمزة ؛ لأنه متى وجدت اللام في خبرها أو اسمها وجب كسرها بكل حال. مثاله: " اعلم إنه لذو تقى "

ولولا وجود اللام في قوله : (لذو) لوجب أن يقال : اعلم أنه ذو تقى

قال الله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) محمد / 19، لكن لما علق الفعل باللام كسرت الهمزة ، قال الله تعالى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) .

" انتهى من " شرح ألفية ابن مالك " لابن عثيمين (24/10) بترقيم الشاملة .

ثانيا :

إذا كان الكلام بعد فعل القول يحكي نَصَّ المَقُول بلفظه ، وَجَبَ كسْر همزة (إنّ) .

قال ابن مالك رحمه الله :

فاكسر في الابتدا، وفي بدء صله * وحيث "إن" ليمين مكمله

أو حكيت بالقول أو حلت محل * حال كزرته وإني ذو أمل

ومن ذلك قوله تعالى : (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ) مريم/ 30 .

وقول الشاعر:

تُعَيِّرُنا أنّا قليلٌ عديدُنا
** فقلت لها: إنّ الكرامَ قليلُ

وتفتح همزة ( أنّ ) بعد القول إذا لم تقصد الحكاية .

قال الأشموني رحمه الله :

" "أَوْ حُكِيَتْ بِالْقَوْلِ"، نحو: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ 4، فإن لم تحك بل أجري القول مجرى الظن وجب الفتح ، ومن ثم روي بالوجهين قوله "من الكامل":

أَتَقُولُ إِنَّكَ بِالْحَيَاةِ مُمَتَّعٌ ... "وقد استبحت دم امرئ مستسلم"

وراجع للفائدة إجابة السؤال القادم

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-30, 17:09
روايات مكذوبة تنسب إلى القرآن الكريم بعض الأخطاء اللغوية

السؤال

لقد وقعت على هذه الروايات في جمع المصحف العثماني : روي أن عثمان بعد مراجعة أول نسخة من القرآن قال : إنني أرى أخطاء لغوية فيه ، وإن العرب سوف يقرؤونه بالطريقة الصحيحة لأنه نزل على لسانهم . ثم قيل بعد ذلك

إن ابن الخطيب الذي ذكر لنا الرواية السابقة في كتابه " الفرقان " ذكر رواية أخرى عن عائشة ، أن واحدة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إن هناك ثلاثة أخطأ لغوية في القرآن

في مثل قوله تعالى : ( قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضهما......) وقوله تعالى : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم والآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )

وفي قوله تعالى : ( لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما )

وقد قرأت دحض هذه الشبهات في كتاب " قراءات القرآن " لأحمد علي الإمام ، ولكنني رأيت أن هذه القراءات قد وضعت من قبل المبشرين بالمسيحية

وإنني أريد منكم أن تلقوا بعض الضوء في تأكيد هذه الروايات . جزاكم الله خيرا.

الجواب

الحمد لله

لا يسعنا في الجواب على هذا السؤال أن نخفي عجبنا البالغ من استمراء هذه الشبهة على كثير من الباحثين والمثقفين ، بل ولا أن نخفي عجبنا من طروء هذه الشبهة أصلا

ليس من باب التسليم لعصمة القرآن الكريم بحفظ الله له فحسب ، وإنما لما نراه من وهاء هذه الشبهة وسقوطها في مقاييس العقل والحكمة والمنطق السليم .

ونحن نوجز بيان ذلك بالنقاط الآتية :

أولا :

إذا عرفنا أن القواعد الإعرابية والقضايا النحوية إنما هي مبنية تبعا لأساليب الكلام التي تنقل إلينا من عصور الاحتجاج ، ولا يختلف اللغويون في أن عصر الرسالة هو من عصور الاحتجاج

فكل كلمة تنقل إلينا نقلا صحيحا هي حجة لغوية صحيحة ، بل وقاعدة من قواعد النحو العربي .

ثانيا :

لتوضيح ذلك أيضا نقول : هل يجوز لباحث أن يأتي إلى بعض أبيات امرئ القيس التي تناقلها العلماء بالتسليم ، فيرى فيها خطأ نحويا أو لغويا في نظره ، فيحكم على امرئ القيس باللحن والخطأ ؟!!

ألا يكون في ذلك مصادرة لقواعد أصول النحو التي بني عليها ، وهدم لأسس هذا العلم نفسه ؟!!

فكيف إذا حكم أحد الجاهلين بخطأ القرآن الكريم لغويا أو نحويا وقد تناقله الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان في زمن الاحتجاج والكلام العربي الفصيح

بل وتناقله العلماء والنحاة وأهل الفصاحة والبيان من غير نكير بينهم ، اللهم إلا في بعض الوجوه والقراءات التي لم تنقل لبعض النحاة على وجه التواتر .

ألا يكون هذا الجاهل أولى بالنكير والتخطئة ممن يحكم بخطأ العرب الأقحاح الذين تستنبط قواعد اللغة من كلامهم وبيانهم ؟!!

ثالثا :

وإذا تأمل الناظر في الآيات التي ينسب إليها الخطأ جزم أنها تجري على قواعد النحو المشهورة ، وأنَّ توهُّمَ الخطأ فيها بعيد كل البعد :

يقول السيوطي رحمه الله :

" وقد تكلم أهل العربية على هذه الأحرف ووجهوها على أحسن توجيه :

أما قوله : ( إنَّ هذان لساحران ) ففيه أوجه :

أحدها : أنه جار على لغة من يجري المثنى بالألف في أحواله الثلاثة ، وهي لغة مشهورة لكنانة ، وقيل لبني الحارث .

الثاني : أن اسم ( إنَّ ) ضمير الشأن محذوفا ، والجملة ـ مبتدأ وخبر ـ خبر إن .

الثالث : كذلك ، إلا أن ساحران خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير لهما ساحران .

الرابع : أن ( إنَّ ) هنا بمعنى نعم .

الخامس : أن ( ها ) ضمير القصة اسم ( إنَّ ) وذان لساحران مبتدأ وخبر ، وتقدم رد هذا الوجه بانفصال ( إن ) ، واتصال ( ها ) في الرسم .

قلت – هو السيوطي - : وظهر لي وجه آخر ، وهو أن الإتيان بالألف لمناسبة ساحران يريدان ، كما نون سلاسلا لمناسبة وأغلالا ، و ( من سبإ ) لمناسبة بنبإ.

وأما قوله : ( والمقيمين الصلاة ) ففيه أيضا أوجه :

أحدها : أنه مقطوع إلى المدح ، بتقدير أمدح ؛ لأنه أبلغ .

الثاني : أنه معطوف على المجرور في ( يؤمنون بما أنزل إليك ) أي : ويؤمنون بالمقيمين الصلاة ، وهم الأنبياء ، وقيل الملائكة ، وقيل التقدير يؤمنون بدين المقيمين ، فيكون المراد بهم المسلمين ، وقيل بإجابة المقيمين .

الثالث : أنه معطوف على ( قبل ) ، أي : ومن قبل المقيمين ، فحذفت ( قبل ) وأقيم المضاف إليه مقامه .

الرابع : أنه معطوف على الكاف في ( قبلك ) .

الخامس : أنه معطوف على الكاف في ( إليك ).

السادس : أنه معطوف على الضمير في ( منهم )

حكى هذه الأوجه أبو البقاء .

*عبدالرحمن*
2018-12-30, 17:10
وأما قوله : ( والصابئون ) ففيه أيضا أوجه :

أحدها : أنه مبتدأ حذف خبره ، أي : والصابئون كذلك .

الثاني : أنه معطوف على محل إن مع اسمها ، فإن محلهما رفع بالابتداء .

الثالث : أنه معطوف على الفاعل في ( هادوا ) .

الرابع : أن ( إن ) بمعنى نعم ، فالذين آمنوا وما بعده في موضع رفع ( والصابئون )، عطف عليه .

الخامس : أنه على إجراء صيغة الجمع مجرى المفرد ، والنون حرف الإعراب .

حكى هذه الأوجه أبو البقاء "

انتهى من" الإتقان في علوم القرآن " (1247-1249) تحقيق مركز الدراسات القرآنية .

ونحن نعلم أن شرح هذه الأوجه الإعرابية يطول ، وقد لا يفهمها كثير من القراء لدقتها

ولكننا نقلناها ههنا كي يعلم الجاهلون الطاعنون في القرآن الكريم مدى جهلهم بعلوم النحو واللغة ، فيقفوا عند حدودهم ، ولا يتجاوزوا منطق العقل السليم .

رابعا :

أما الروايات الواردة عن بعض الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم في هذا الموضوع فهي كثيرة

جمعها الحافظ السيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن " (ص/1236-1257) وتكلم عليها كلاما مفصلا

ونحن نقتصر ههنا على تخريج ما ورد السؤال عنه ، وهو ما جاء عن عائشة وعثمان بن عفان رضي الله عنهما في هذا الشأن :

الأثر الأول : عن عائشة رضي الله عنها.

يرويه هشام بن عروة عن أبيه قال :

سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) المائدة/69

( والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ) النساء/162، و ( إنَّ هذان لساحران ) طه/63، فقالت : يا ابن أختي ! هذا عمل الكُتَّاب ، أخطؤوا في الكِتاب .

وقد رواه عن هشام بن عروة اثنان من الرواة الكوفيين :

1- أبو معاوية الضرير : رواه سعيد بن منصور في " السنن " (4/1507، رقم/769) وهذا لفظه، وأبو عبيد في " فضائل القرآن " (ص/229، رقم/556)

ومن طريقه أبو عمرو الداني في " المقنع " (ص/119)، وأخرجه ابن جرير الطبري في " جامع البيان " (9/395)، وابن أبي داود في " المصاحف " (ص/43).

2- علي بن مسهر الكوفي : كما جاء عند عمر بن شبة بسنده في " تاريخ المدينة " (3/1013-1014)

وهذا إسناد لا يقبل أن يروى بمثله هذا الأثر ، وعلته كلام النقاد في حديث هشام بن عروة نفسه في العراق ، فهو وإن كان إماما ثقة ، الأصل في حديثه الصحة والقبول

إلا أنه وقعت له بعض الأخطاء اليسيرة التي يتنبه لها العلماء من خلال التأمل في المتن ، والبحث عن المتابعات والشواهد

ولما كان في متن هذا الأثر نكارة ظاهرة ، ولم يرد من طريق أخرى متابعة له : أمكننا القول بوقوع الخطأ فيه .

يقول الإمام الذهبي رحمه الله :

" ولما قدم – يعني هشام بن عروة - العراقَ في آخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم ، في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجودها ، ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الثقات "

انتهى من" ميزان الاعتدال " (4/301)، وانظر تحقيق " سنن سعيد بن منصور " للدكتور سعد الحميد (2/659)

وينظر أيضا : تعليق الدكتور سعد الحميد ، حفظه الله ، على هذا الأثر ، في تخريجه لسنن سعيد بن منصور (4/507-514) .

فإن قال قائل : فكيف يروي البخاري رحمه الله ، وكذلك مسلم في صحيحيهما أحاديث هشام بن عروة من رواية العراقيين ، بل من رواية أبي معاوية أيضا

وأنتم ههنا تردونها ، وقد صحح السيوطي هذه الرواية في " الإتقان " (ص/1236) وقال : على شرط الشيخين ؟

فالجواب عن ذلك أننا نردها ههنا لما في المتن من نكارة ظاهرة

إذ من المستبعد ألا تكون عائشة رضي الله عنها قد سمعت هذه الآيات بهذا الإعراب من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتظن أن الخطأ وقع فيها من نساخ القرآن الكريم .

والنقاد إذا وجدوا نكارة مقطوعا بها في المتن بحثوا في السند عن العلة الخفية التي وقع بسببها هذا الضعف ، وهي هنا حديث هشام بن عروة في العراق .

الأثر الثاني : عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

رواه عنه جماعة من الرواة :

1-عكرمة مولى ابن عباس قال : ( لما كتبت المصاحف عُرضت على عثمان ، فوجد فيها حروفا من اللحن ، فقال : لا تغيروها ؛ فإن العرب ستغيرها - أو قال ستعربها بألسنتها

لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف ) رواه أبو عبيد في " فضائل القرآن " (2/103، رقم/562)، وابن أبي داود في " المصاحف " (1/235، رقم/110)

وعزاه السيوطي في " الإتقان " (ص/1239) لابن الأنباري في كتاب : " الرد على من خالف مصحف عثمان "، ولابن أشتة في كتاب : " المصاحف "، وهما كتابان مفقودان

. وهي رواية ضعيفة ؛ لأن رواية عكرمة عن عثمان بن عفان مرسلة ، كما هي عن أبي بكر وعلي بن أبي طالب وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، انظر " جامع التحصيل " (ص/239)

وقد صرح أبو عمرو الداني في " المقنع " (ص/115) بالانقطاع بين عكرمة وعثمان ، هذا وقد سمي عكرمة عند ابن أبي داود في " المصاحف " بالطائي ، وليس مولى ابن عباس ، ولم نقف له على ترجمة .

2-يحيى بن يعمر : قال : رواه ابن أبي داود في " المصاحف " (1/233)، وابن أشتة في " المصاحف " كما ذكر ذلك السيوطي في " الإتقان " (ص/1240)

وهي رواية مرسلة أيضا ، إذ لا يبدو من ترجمة يحيى بن يعمر أنه أدرك عثمان بن عفان رضي الله عنه، انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " (11/305)

وقد حكم البخاري عليه بالانقطاع كما في " التاريخ الكبير " (5/170) ثم إن في السند اضطرابا ، فمرة يروى عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن فطيمة أو ابن أبي فطيمة ، وتارة بالعكس

فيروى عن ابن فطيمة عن يحيى بن يعمر ، كما في " تاريخ المدينة " (3/1013)، وقتادة يروي مرة عن نصر بن عاصم عن يحيى ، وتارة يروي عن يحيى مباشرة ولا يذكر نصرا

وقد يكون بينه وبين يحيى راويان كما في الموضع السابق من تاريخ المدينة ، وقد نبه على هذا الاختلاف الباقلاني في " الانتصار للقرآن " (2/136-137).

3-عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر : رواه ابن الأنباري في " الرد على من خالف مصحف عثمان

" كما ذكر ذلك السيوطي في " الإتقان " (ص/1240)

وعبد الأعلى ترجمته في " تهذيب التهذيب " (6/87)

وليس فيها توثيق له من أحد من أهل العلم .

4-قتادة : رواه ابن أبي داود في " المصاحف " ولفظه : ( أن عثمان رضي الله عنه لما رفع إليه المصحف قال : إن فيه لحنا ، وستقيمه العرب بألسنتها ) وفي السند إليه إبهام بقول أحد الرواة : حدثنا أصحابنا .

فيتحصل مما سبق أنه لا تصح أسانيد هذه الآثار ، وضعف أسانيدها يشكك في دقة متونها ، وعن مصدر هذه المتون .

خامسا :

وقد أجاب العلماء عن هذه الآثار بأجوبة أخرى ، نسردها ههنا موجزة ، ثم نتبعها بالنقول المطولة عن أهل العلم لمن أراد الفائدة :

1-اتفاق مصاحف الصحابة جميعهم على هذه الآيات ، واتفاق المسلمين على القراءة بها خلفا عن سلف ، دليل على عدم وقوع اللحن من الكاتب ، بل هكذا سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم .

2-توافر همم الصحابة والتابعين على نقل القرآن الكريم ، بل ونقل تفاصيل السنة النبوية، وخدمة هذا الدين بالمهج والأرواح والأموال

يقضي بتعذر وقوع أخطاء من كتاب القرآن الكريم ، ثم لا يصلحها أحد بعدهم إلى يومنا هذا .

3-غير ممكن أن يتولى عثمان رضي الله عنه نسخ القرآن ونشره في الآفاق ليرفع الخلاف بين القراء ، ثم يترك في هذه المصاحف خطأ سببه الكتاب ، ولا يأمر بإصلاحه ، التصديق بذلك مخالف لمقتضيات العقل السليم .

4-يمكن فهم كلام عثمان على أنه أراد باللحن : اللحن في التلاوة بسبب اشتباه الرسم على الناس في بعض الأحيان ، فطمأن أن سلامة ألسنة العرب ستصحح تلاوة من يخطئ في قراءة كلمات القرآن .

هذا تفسير أبي عمرو الداني للأثر .

5-كما يمكن فهم كلام عائشة على أنها ترى أن لو اختيرت القراءات الأخرى الموافقة للمشهور من قواعد اللغة العربية بين العامة لكان أفضل

فتخطئتها للكتاب بمعنى مخالفة القراءة المشهورة ، والوجه الفاشي في العرب من أعاريبها .

قال ابن جرير الطبري رحمه الله :

" في قراءة أبيّ بن كعب : ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ ) ، وكذلك هو في مصحفه فيما ذكروا ، فلو كان ذلك خطأ من الكاتب لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف

غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه ، بخلاف ما هو في مصحفنا ، وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبيّ في ذلك ما يدل على أنّ الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ

مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخطِّ لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمون من علَّموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن ، ولأصلحوه بألسنتهم ، ولقَّنوه الأمة تعليمًا على وجه الصواب .

وفي نقل المسلمين جميعًا ذلك قراءةً على ما هو به في الخط مرسومًا أدلُّ الدليل على صحة ذلك وصوابه ، وأن لا صنع في ذلك للكاتب "

انتهى من" جامع البيان " (9/397) .

وينظر أيضا : " الكشاف " ، للزمخشري (1/590) .

*عبدالرحمن*
2018-12-30, 17:11
ويقول أبو عمرو الداني رحمه الله :

" فإن قال قائل : فما تقول في الخبر الذي رويتموه عن يحيى بن يعمر وعكرمة مولى ابن عباس عن عثمان رضي الله عنه : إن المصاحف لما نّسخت عُرضت عليه فوجد فيها حروفا من اللحن فقال

: اتركوها فإن العرب ستقيمها أو ستعربها بلسانها . إذ يدل على خطأ في الرسم ؟

قلت : هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة ، ولا يصح به دليل ، من جهتين :

أحدهما : أنه مع تخليط في إسناده ، واضطراب في ألفاظه : مرسل ؛ لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئا ، ولا رأياه .

وأيضا : فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان رضي الله عنه ، لما فيه من الطعن عليه ، مع محلّه من الدين ، ومكانه من الإسلام ، وشدّة اجتهاده في بذل النصيحة ، واهتباله بما فيه الصلاح للأمة

فغير ممكن أن يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأتقياء الأبرار نظرا لهم ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم ،

ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنا وخطأ يتولى تغييره من يأتي بعده ممن لا شك أنه لا يدرك مداه ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده ، هذا ما لا يجوز لقائل أن يقوله ، ولا يحل لأحد أن يعتقده .

فإن قال :

فما وجه ذلك عندك لو صحّ عن عثمان رضي الله عنه ؟

قلت : وجهه أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد باللحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم ، إذ كان كثير منه لو تُلي على رسمه لانقلب بذلك معنى التلاوة ، وتغيرت ألفاظها

ألا ترى قوله ( أو لاأذبحنّه ) و ( لاأوضعوا ) و ( من نبأي المرسلين ) و ( سأوريكم ) و ( الربوا ) وشبهه مما زيدت الألف والياء والواو في رسمه ، لو تلاه تالٍ لا معرفة له بحقيقة الرسم على صورته في الخط..

. ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من أصله ، فأتى من اللحن بما لا خفاء به على من سمعه ، مع كون رسم ذلك كذلك جائزا مستعملا ، فأعلم عثمان رضي الله عنه إذ وقف على ذلك أن من فاته تمييز ذلك

وعزبت معرفته عنه ممن يأتي بعده ، سيأخذ ذلك عن العرب ، إذ هم الذين نزل القرآن بلغتهم ، فيعرِّفونه بحقيقة تلاوته ، ويدلّونه على صواب رسمه ، فهذا وجهه عندي . والله أعلم .

فإن قيل : فما معنى قول عثمان رضي الله عنه في آخر هذا الخبر : ( لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف ) ؟

قلت : معناه : أي توجد فيه مرسومة بتلك الصور المبنية على المعاني دون الألفاظ المخالفة لذلك ، إذ كانت قريش ومَن ولي نَسْخ المصاحف مِن غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة

وسلكوا فيها تلك الطريقة ، ولم تكن ثقيف وهذيل مع فصاحتهما يستعملان ذلك

فلو أنهما وليتا من أمر المصاحف ما وليه من تقدم من المهاجرين والأنصار لَرَسَمَتا جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللفظ ووجدها في المنطق دون المعاني والوجوه

إذ ذلك هو المعهود عندهما ، والذي جرى عليه استعمالها ، هذا تأويل قول عثمان عندي لو ثبت وجاء مجيء الحجّة وبالله التوفيق .

فإن قيل : فما تأويل الخبر الذي رويتموه أيضا عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن

عن قوله : ( إن هذين لسحران )، وعن : ( والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة )، وعن ( إن الذين ءامنوا والذين هادوا.. والصبئون ) فقالت : يا ابن أختي ! هذا عمل الكتّاب ، أخطئوا في الكتابة .

قلت : تأويله ظاهر ، وذلك أن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم تزاد فيها لمعنى وتنقص منها لآخر ، تأكيدا للبيان ، وطلبا للخفة

وإنما سألها فيه عن حروف من القراءة المختلفة الألفاظ ، المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي أذن الله عز وجل لنبيه عليه السلام ولأمته في القراءة بها

واللزوم على ما شاءت منها ، تيسيرا لها ، وتوسعة عليها ، وما هذا سبيله وتلك حاله ، فعن اللحن والخطأ والوهم والزلل بمعزل ، لفشوه في اللغة ، ووضحه في قياس العربية

وإذا كان الأمر في ذلك كذلك ، فليس ما قصدته فيه بداخل في معنى المرسوم ، ولا هو من سببه في شيء ، وإنما سمى عروة ذلك لحنا

وأطلقت عائشة على مرسومه كذلك الخطأ ، على جهة الاتساع في الأخبار ، وطريق المجاز في العبارة ، إذ كان ذلك مخالفا لمذهبهما ، وخارجا عن اختيارهما

وكان الأوجه والأولى عندهما ، والأكثر والأفشى لديهما ، لا على وجه الحقيقة والتحصيل والقطع ، لما بيناه قبل من جواز ذلك ، وفشوه في اللغة ، واستعمال مثله في قياس العربية

مع انعقاد الإجماع على تلاوته كذلك دون ما ذهبا إليه ، إلا ما كان من شذوذ أبي عمرو بن العلاء في ( إن هذين ) خاصة ، هذا الذي يحمل عليه هذا الخبر ويتأول فيه

دون أن يقطع به على أن أم المؤمنين رضي الله عنها مع عظم محلها وجليل قدرها واتساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لحَّنت الصحابة

وخطَّأت الكتبة، وموضعها من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر ، هذا ما لا يسوغ ولا يجوز .

وقد تأول بعض علمائنا قول أم المؤمنين : ( أخطأوا في الكتاب )، أي : أخطأوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه

لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز ، لأن ما لا يجوز مردود بإجماع ، وإن طالت مدة وقوعه ، وعظم قدر موقعه ، وتأول اللحن أنه القراءة واللغة

كقول عمر رضي الله عنه : ( أُبَيٌّ أقرؤنا ، وإنا لندع بعض لحنه ) أي قراءته ولغته ، وهذا بيِّنٌ ، والله الموفق "

انتهى من" المقنع " (118-119) .

ويقول السيوطي رحمه الله :

" هذه الآثار مشكلة جدا :

وكيف يظن بالصحابة أولا أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن وهم الفصحاء اللد !

ثم كيف يظن بهم ثانيا في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل ، وحفظوه ، وضبطوه ، وأتقنوه !

ثم كيف يظن بهم ثالثا اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته !

ثم كيف يظن بهم رابعا عدم تنبههم ورجوعهم عنه !

ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهى عن تغييره !

ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضي ذلك الخطأ ، وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف !!

هذا مما يستحيل عقلا وشرعا وعادة .

وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة :

أحدها : أن ذلك لا يصح عن عثمان ، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع ، ولأن عثمان جعل للناس إماما يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها ،

فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك ، وهم الخيار ، فكيف يقيمه غيرهم !!

وأيضا فإنه لم يكتب مصحفا واحدا بل كتب عدة مصاحف ، فإن قيل : إن اللحن وقع في جميعها فبعيد اتفاقها على ذلك

أو في بعضها : فهو اعتراف بصحة البعض ، ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف ، ولم تأت المصاحف قط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة ، وليس ذلك بلحن .

الوجه الثاني : على تقدير صحة الرواية إن ذلك محمول على الرمز ، والإشارة ، ومواضع الحذف ، نحو : الكتب ، والصبرين ، وما أشبه ذلك .

الثالث : أنه مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها ، كما كتبوا ( ولاأوضعوا )، و ( لاأذبحنه ) بألف بعد لا ، و ( جزاؤا الظالمين ) بواو وألف ، و ( بأييد ) بيائين ، فلو قرئ بظاهر الخط لكان لحنا .

وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشته في كتاب المصاحف .

وقال ابن الأنباري في كتاب " الرد على من خالف مصحف عثمان " في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك : لا تقوم بها حجة ؛ لأنها منقطعة غير متصلة

وما يشهد عقل بأن عثمان - وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته وقدوتهم - يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام ، فيتبين فيه خللا ، ويشاهد في خطه زللا فلا يصلحه

كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز ، ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده ، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه

والوقوف عند حكمه ، ومن زعم أن عثمان أراد بقوله أرى فيه لحنا ، أرى في خطه لحنا إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب فقد أبطل ولم يصب

لأن الخط منبئ عن النطق ، فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه ، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق

ومعلوم أنه كان مواصلا لدرس القرآن ، متقنا لألفاظه ، موافقا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي ، ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي

عن عبد الله بن مبارك ، حدثنا أبو وائل شيخ من أهل اليمن ، عن هانئ البربري ، مولى عثمان قال : كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف

فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها : ( لم يتسن )، وفيها : ( لا تبديل للخلق )، وفيها : ( فأمهل الكافرين )، قال : فدعا بالدواة فمحا أحد اللامين فكتب لخلق الله ، ومحى فأمهل

وكتب فمهل ، وكتب لم يتسنه ، ألحق فيها الهاء .

قال ابن الأنباري : فكيف يدعى عليه أنه رأى فسادا فأمضاه وهو يوقف على ما كتب ويرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين ليحكم بالحق ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده انتهى.

قلت ويؤيد هذا أيضا ما أخرجه ابن أشته في المصاحف قال : حدثنا الحسن بن عثمان ، أنبأنا الربيع بن بدر ، عن سوار بن شبيب قال : سألت ابن الزبير عن المصاحف

فقال : قام رجل إلى عمر فقال : يا أمير المؤمنين ! إن الناس قد اختلفوا في القرآن ! فكان عمر قد هم أن يجمع القرآن على قراءة واحدة

فطعن طعنته التي مات بها ، فلما كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجل فذكر له ، فجمع عثمان المصاحف ، ثم بعثني إلى عائشة ، فجئت بالصحف فعرضناها عليها حتى قومناها ، ثم أمر بسائرها فشققت .

فهذا يدل على أنهم ضبطوها وأتقنوها ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم.

ثم قال ابن اشته : أنبأنا محمد بن يعقوب ، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، أنبأنا أحمد بن مسعدة ، أنبأنا إسماعيل ، أخبرني الحارث بن عبد الرحمن

عن عبد الأعلى ابن عبد الله بن عامر قال : لما فرغ من المصحف أتي به عثمان فنظر فيه فقال : أحسنتم وأجملتم أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا .

فهذا الأثر لا إشكال فيه ، وبه يتضح معنى ما تقدم ، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته

فرأى فيه شيئا كتب على غير لسان قريش كما وقع لهم في : التابوة والتابوت فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش ، ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم

ولم يترك فيه شيئا ، ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرفها ، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان ، فلزم منه ما لزم من الإشكال ، فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك ، ولله الحمد.

وبعد فهذه الأجوبة لا يصلح منها شيء عن حديث عائشة :

أما الجواب بالتضعيف فلأن إسناده صحيح كما ترى .

وأما الجواب بالرمز وما بعده فلأن سؤال عروة عن الأحرف المذكور لا يطابقه .

فقد أجاب عنه ابن أشته وتبعه ابن جبارة في " شرح الرائية " بأن معنى قولها : ( أخطئوا )

أي : في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه ، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز . قال : والدليل على ذلك أن ما لا يجوز مردود بإجماع وإن طالت مدة وقوعه .

قال : وأما قول سعيد بن جبير لحن من الكاتب ، فيعني باللحن القراءة واللغة ، يعني أنها لغة الذي كتبها وقراءته ، وفيها قراءة أخرى.

ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال : ( إن هذان لساحران )، و ( إن هذين لساحران ) سواء لعلهم كتبوا الألف مكان الياء ، والواو في قوله : ( والصابئون ) مكان الياء .

قال ابن أشته : يعني أنه من إبدال حرف في الكتاب بحرف ، مثل : الصلوة ، والزكوة ، والحيوة.

وأقول : هذا الجواب إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء فيها والكتابة بخلافها ، وأما القراءة على مقتضى الرسم فلا "

انتهى من" الإتقان في علوم القرآن " (ص/1241-1247) .

وينظر أيضا : " مجموع الفتاوى "

لشيخ الإسلام ابن تيمية (15/252-255) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-30, 17:14
بيان سبب حذف حرف الياء من أواخر بعض الكلمات في القرآن مثل (يسر) و (قوم)

السؤال

لماذا يحذف القرآن حرف "الياء" من أواخر بعض الكلمات من مثل "يسرِ" "قومِ" "ربِ" ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

قال تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) الفجر/ 4 .

قرئ بإثبات الياء وصلا ووقفا ، وقرئ بحذفها وصلا ووقفا ، وقرئ بإثباتها وصلا وحذفها وقفا .

قال القرطبي رحمه الله :

" قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَيَعْقُوبُ" يَسْرِي" بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْحَالَيْنِ ، عَلَى الْأَصْلِ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَجْزُومَةٍ ، فَثَبَتَتْ فِيهَا الْيَاءُ ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو بِإِثْبَاتِهَا فِي الْوَصْلِ ، وَبِحَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ

وَرُوِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ مَرَّةً بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ، وَبِحَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ ، اتِّبَاعًا لِلْمُصْحَفِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَذْفِ الْيَاء

فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ الشَّامِ وَالْكُوفَةِ ، وَاخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، اتِّبَاعًا لِلْخَطِّ ، لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ يَاءٍ "

انتهى من "تفسير القرطبي" (20/ 42-43) .

وإنما حذفت الياء عند من قرأ بالحذف اتباعا لخط المصحف ، ومراعاة لرءوس الآي ، وقيل : اكتفاء بالكسرة قبلها ، وقيل في توجيه الحذف غير ذلك .

ينظر : "تفسير القرطبي" (20/ 43) .

ثانيا :

قال عز وجل : ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ) الأنعام/ 135 .

وقال عز وجل : ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) الأعراف/ 65 ، إلى غير ذلك من الآيات .

حذفت الياء من ( يا قوم ) اختصارا ، واكتفاء بالكسر قبلها .

ومثل ذلك حذف الياء من ( ربِّ ) .

قال تعالى : (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأعراف/ 151 .

فالحركات إذا أدت معنى الحرف وخاصة فيما يكون الاختصار فيه أنسب - كما في النداء والدعاء - اكتفي بالحركة وحذف الحرف .

قال ابن زنجلة رحمه الله في "حجة القراءات" (ص 353-354) .

" يَاء الْإِضَافَة تحذف فِي النداء كَمَا يحذف التَّنْوِين وَتبقى الكسرة تدل على الْيَاء كَمَا تَقول : رب اغْفِر لي

وَفِي التَّنْزِيل رب قد آتيتني من الْملك و يَا قوم وَالْأَصْل يَا قومِي ، فحذفت الْيَاء، وَإِنَّمَا تحذف فِي النداء لِأَن بَاب النداء بَاب التَّغْيِير والحذف " انتهى .

وينظر : "الدر المصون" (2/ 572) .

وقال القرطبي رحمه الله :

" قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا قَوْمِ) مُنَادَى مُضَافٌ وَحُذِفَتِ الْيَاءُ فِي" يَا قَوْمِ" لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَذْفٍ وَالْكَسْرَةُ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِينِ فَحَذَفْتَهَا كَمَا تَحْذِفُ التَّنْوِينَ مِنَ الْمُفْرَدِ

وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ إِثْبَاتُهَا سَاكِنَةً ، فَتَقُولُ " يَا قَوْمِي " ... وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتَهَا

وَإِنْ شِئْتَ أَلْحَقْتَ مَعَهَا هَاءً فَقُلْتَ : "يَا قَوْمِيَهْ " ، وَإِنْ شِئْتَ أَبْدَلْتَ مِنْهَا أَلِفًا ، لِأَنَّهَا أَخَفُّ فَقُلْتَ : " يَا قَوْمًا " ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ "يَا قَوْمُ" بِمَعْنَى يَا أَيُّهَا الْقَوْمُ "

انتهى باختصا من "تفسير القرطبي" (1/ 400) .

وراجع للفائدة إجابة السؤال السابق

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-30, 17:27
ترد عليه وساوس يظنها شبهات تتعلق بالقرآن الكريم

السؤال

وردت علي شبهة ، وهي أن القرآن من عند الله ، لكنه قد استرقته الجن من السماء ، ثم أوحته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغيرت فيه أشياء لا تؤثر في مظهره

لكن تغير معناه . أعلم أنها شبهة سخيفة ، لكنها لا تريد الذهاب عن رأسي . هل يمكن هذا عقلا ، أن يُضل الله الناس بإرادته وقصده ، ألا يكون هذا طعنا فيه ؟

الجواب

الحمد لله

الشبهة في اللغة العربية تعني الإشكال والالتباس ، بحيث يختلط الأمر على صاحب الشبهة فلا يدري الكشف والتوجيه .

" لسان العرب " (13/505) ، " تاج العروس " (36/413) .

وهذا شأن القضايا التي تشكل على العقل الموضوعي حقيقة ، وتحمل في طياتها بوادر التعارض أو تكتسي لباس الغموض والخفاء ، ويكفي أن تعرض القضية على بعض العقلاء لتقدير إشكالها وحاجتها إلى الجواب .

أما أن تطلق " الشبهة " على خواطر النفس ، ووساوس الشيطان ، فهذا من المزالق التي نربأ بالمسلمين أن يقعوا في حبالها ؛ لأن الخواطر والهواجس التي تتحدث بها النفس الأمارة كثيرة

فإذا ظن صاحبها أنها شبهات حقيقية غرق في أوهامها ، ولم يكد يتمكن من الخروج منها ، وظن نفسه في أمواج متلاطمة من سواد القلب وشبهات العقل ، وحقيقة الأمر أنه في وحل ضحل من الوهم والسراب .

هذا ما يمكننا أن نصف به سؤالك أخانا السائل ؛ فالجن لا تتمكن إلا من استراق الكلمة والكلمتين ، أما أن تسترق كتابا كاملا فهذا ليس بالأمر الممكن

وإذا كنت تقر بأن القرآن كلام الله تعالى ، فهذا يعني أنك تؤمن بأنه سبحانه القوي القادر الذي خلق الإنس والجن جميعا ، فلا يتمكن الجن من التصرف في خلقه بما يعارض حكمته ومشيئته عز وجل

. قال تعالى في سورة الجن : ( وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ) الآيات/8-9.

وهو سبحانه الذي قضى بحفظ القرآن وعصمته من التحريف والزيادة أو النقصان ، فقال عز وجل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 ، فكيف يقبل العقل أن يكون مثل هذا الكلام من تحريف الجن .

وهل هذه الوساوس إلا أعظم السب لرب العالمين ، ونسبة النقص والعيب إليه ، في قدرته ، وحكمته ، وشريعته ؟

وكيف ستوحي الجن إلى الرسول الكريم قولهم : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) الشعراء/193.

وقد كانت هذه الوساوس نزرا يسيرا مما أفاضت به عقول المشركين وقلوبهم ، قال تعالى : ( وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ . وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ . إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ . فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وما جاء به الرسول مناقض لمراد الشياطين غاية المناقضة ، فلم يحدث في الأرض أمر أعظم مناقضة لمراد الشياطين من إرسال محمد ، ونزول القرآن عليه ، فيمتنع أن تفعل الشياطين ما لا يريدون إلا نقيضه .

وهم - أيضا - ممنوعون من ذلك ، بحيث لا يصلح لهم ذلك ، ولا يتأتى منهم ؛ كما أن الساحر لا ينبغي له أن يكون نبيا ، والمعروف بالكذب والفجور لا ينبغي له - مع ذلك - أن يكون نبيا، ولا أن يكون حاكما

ولا شاهدا ، ولا مفتيا ; إذ الكذب والفجور يناقض مقصود الحكم والشهادة والفتيا ؛ فكذلك ما في طبع الشياطين من إرادة الكذب والفجور يناقض أن تتنزل

بهذا الكلام الذي هو في غاية الصدق والعدل، لم يشتمل على كذبة واحدة ولا ظلم لأحد " .

انتهى من " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (5/ 349) .

وقال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله :

" فأثبت تعالى أن القرآن كلامه وتنزيله , وأن جبريل عليه السلام رسول منه

مبلغ كلامه إلى الرسول البشري محمد صلى الله عليه وسلم , وهو مبلغ له إلى الناس . ثم نفى ما افتراه المشركون عليه فقال : ( وما تنزلت به الشياطين ) وقرر انتفاء ذلك بثلاثة أمور :

الأول : بعد الشياطين وأعمالهم عن القرآن , وبعده وبعد مقاصده منهم , فقال تعالى : ( وما ينبغي لهم )؛ لأن الشياطين مقاصدها الفساد والكفر والمعاصي والبغي والعتو والتمرد وغير ذلك من القبائح ,

والقرآن آت بصلاح الدنيا والآخرة , آمر بأصول الإيمان وشرائعه , مقرر لها مرغب فيها , زاجر عن الكفر والمعاصي ، ذام لها ، متوعد عليها ,

آمر بالمعروف ناه عن المنكر , ما من خير آجل ولا عاجل إلا وفيه الدلالة عليه والدعوة إليه والبيان له , وما من شر عاجل ولا آجل إلا وفيه النهي عنه والتحذير منه , فأين هذا من مقاصد الشياطين ؟!

الثاني : عجزهم عنه ، فقال تعالى : ( وما يستطيعون ) أي : لو انبغى لهم ما استطاعوه ؛ لأنه كلام رب العالمين ، ليس يشبه كلام شيء من المخلوقين , وليس في وسعهم الإتيان به

ولا بسورة من مثله : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الإسراء/ 88 .

الثالث : عزلهم عن السمع ، وطردهم عن مقاعده التي كانوا يقعدون من السماء قبل نزول القرآن

, فقال تعالى : ( إنهم عن السمع لمعزولون ) فبين تعالى - مع كونه لا ينبغي لهم - أنه لو انبغى ما استطاعوا الإتيان به أو بمثله ، لا من عند أنفسهم ، ولا نقلا عن غيرهم من الملائكة ,

نفى عنهم الأول بعدم الاستطاعة ، والثاني بعزلهم عن السمع وطردهم منه , قال الله عز وجل : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الحجر/9

إلى قوله : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ) الحجر/ 16-18

وقال تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) الصافات/ 6-10 ،

وقال تعالى : ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) الملك/ 5

.. وفي صحيح البخاري قالت عائشة رضي الله عنها : "

سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال : ( إنهم ليسوا بشيء ، قالوا : يا رسول الله إنهم يحدثون بالشيء يكون حقا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج ، فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة ) " .

انتهى باختصار من " معارج القبول بشرح سلم الوصول " (2/ 568-571) .

لذلك لا نرى الخوض في تفصيل الجواب عن هذه الهواجس التي ترد عليك ، بل ننصحك بالاجتهاد في الانصراف عنها ، وأول خطوة في سبيل تحقيق ذلك :

أن تعود عقلك وقلبك أخذ الأمور على ظاهر ما يبدو منها بحكم العقل والحواس ، فأنت حين ترى كتابا لمؤلف عالمي معروف مثلا ، من طباعة إحدى دور النشر المشهورة أيضا

فلا تتردد في نسبة الكتاب لصاحبه ، والقراءة فيه للانتفاع به ، فإذا سمحت لخواطر النفس وهواجس الوسواس بدأت تتشكك في كل شيء ، لعل دار النشر تكذب

أو لعل المؤلف شخصية وهمية ، وهكذا تفقد مسلمات العقول التي تتعامل بها في جميع شؤون الحياة .

والعلاج يبدأ من سهولة التصورات وبساطة التصديقات ، والثقة بتلقي أدوات المعرفة التي وهبنا الله إياها ، وعدم التعمق إلا في القضايا العلمية التي يطرحها العلماء والمفكرون والمثقفون للبحث والقراءة والمناقشة .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ كَذَا ، مَنْ خَلَقَ كَذَا ، حَتَّى يَقُولَ : مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) رواه البخاري (3276) ، ومسلم (134) .

يقول ابن القيم رحمه الله :

" العلم حين تخالط القلوب بشاشته ، فإنه يستخرج منها زبد الشبهات الباطلة ، فيطفو على وجه القلب ، كما يستخرج السيل من الوادي زبدا يعلو فوق الماء ، وأخبر سبحانه أنه رابٍ

يطفو ويعلو على الماء ، لا يستقر في أرض الوادي ، كذلك الشبهات الباطلة إذا أخرجها العلم ربت فوق القلوب وطفت ، فلا تستقر فيه ، بل تجفى وترمى

فيستقر في القلب ما ينفع صاحبه والناسَ من الهدى ودين الحق ، كما يستقر في الوادي الماء الصافي ، ويذهب الزبد جفاء "

انتهى من " مفتاح دار السعادة " (1/61) .

فالنصيحة لك أن تشتغل بالعمل الصالح والعلم النافع ، فتبحث عن باب خير يفتح الله عليك فيه ، وتجد في نفسك إقبالا عليه ، وإخلاصا وحبا له

فتستغرق فيه أيامك وأوقاتك ، وتجتنب عوائق الطريق التي تقطع على المرء نجاحه ، وتذكر أننا في ساعة الحساب بين يدي رب العباد ستغيب عنا كل هذه الخواطر والهواجس

وستبقى المقاصد العالية ، والأسئلة الكبيرة التي خلقنا لأجلها وسيسألنا عنها ، عن أركان الإسلام وأركان الإيمان ، وعن ما قدمناه من عمل صالح وخير للناس أجمعين .

وللمزيد من الاطلاع ننصح بمراجعة الفتوى القادمه

نسأل الله لنا ولك العفو والعافية .

*عبدالرحمن*
2018-12-30, 17:38
موقف المسلم مما يوجد من مقالات ومقاطع في الطعن بالقرآن الكريم ؟

السؤال

أنا في الرابعة عشرة من العمر ، وقد بدأت أدرك أن الإسلام هو الدين الصحيح حقّاً ، ومع هذا فإني أشعر بالأسى عندما أرى بعض الأشياء المناوئة للإسلام مثل بعض مقاطع الفيديو المعنون لها بـ " سبعون تناقضاً في القرآن "

إني لا أشاهد هذه المقاطع خشية على إيماني ، لكن مجرد رؤية ذلك العنوان يبعث تساؤلاً في نفسي مفاده " هل حقّاً هناك تناقضات في القرآن ؟

وماذا أفعل للتخلص من بعض الشكوك التي قد ترد على ذهني ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

يعجبنا فيك وأنت في هذا السن رجاحة عقلك حتى إنك فعلتَ شيئاً لم يفعله كثير من الكبار وهو تركك لمشاهدة تلك المقاطع المتحدثة عن القرآن بالباطل وذلك خشية على إيمانك

فنعْم ما فعلتَ وهذا هو موقف المسلم الواجب عليه اتخاذه تجاه عموم الشبهات التي تورد على السمع ويريد منها أصحابها أن تنفد إلى قلب المسلم لتشككه في دينه

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه " ينقدح الشك في القلب بأول عارض من شبهة "

وقد نصح شيخُ الإسلام ابن تيمية تلميذَه ابنَ القيم بقوله " لا تجعل قلبَك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها

ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته

وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها : صار مقرّاً للشبهات " فانتفع ابن القيم رحمه الله بهذه الوصية انتفاعاً عظيماً حتى قال " فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك " .

فخيرٌ للمسلم أن يبتعد عن الاطلاع على شبهات أعداء الإسلام ، لا لضعف في الإسلام بل لضعف المحل الذي تورَد عليه تلك الشبهات

وهو القلب ، وإلا فإن حجة الإسلام دامغة وهو صخرة إذا وقع على الباطل حطَّمه ، وإذا وقع عليه الباطل تحطَّم

وها هو مع كل ما يكيده له أعداؤه من الافتراءات في وسائل الإعلام جميعها ومع وجود الألوف من جنودهم في كل مكان لنشر الباطل والكذب عليه فإنه أسرع وأكثر الديانات انتشاراً ولله الفضل والمنَّة .

ثانياً:

اعلم – أخانا الفاضل – أن القرآن الكريم لو كان فيه ما يقولونه من تناقض واختلاف ، لرأيتَ البلغاء والفصحاء أو أصحاب المكر والكيد ، ممن شهدوا التنزيل

أول الناس إسراعاً لإظهار هذا والطعن فيه على القرآن ، ولكن لأنهم كانوا يحترمون عقولهم ، فلم يأتوا بما ليس تناقضاً ليصفوه بذلك ، ولا جاءوا بمواضع لنقدها وهي غاية في الفصاحة والبلاغة

وأما من جاء بعد أولئك من أهل الباطل فقد قلَّ علمهم ، وذهب حياؤهم ، فلا يهمهم أن يوصفوا بالغباء والجهل ، فكل غايتهم أن يرموا سهامهم المسمومة ، فلعلَّ بعضها أن يصيب ضعيف القلب وهذه غايتهم .

قال ابن قتيبة الدِّينَوري – رحمه الله - :

وقد اعترض كتابَ اللّه بالطعن ملحدون ولغوا فيه وهجروا ، واتبعوا ( ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ) آل عمران/ 7 بأفهام كليلة ، وأبصار عليلة ، ونظر مدخول

فحرّفوا الكلام عن مواضعه ، وعدلوه عن سبله ، ثم قضوا عليه بالتّناقض والاستحالة واللّحن وفساد النّظم والاختلاف ، وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضّعيف الغمر والحدث الغرّ

واعترضت بالشبه في القلوب وقدحت بالشكوك في الصدور ، ولو كان ما نحلوا إليه على تقريرهم و تأوّلهم : لسبق إلى الطعن به من لم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يحتجّ عليه بالقرآن

ويجعله العلَم لنبوّته ، والدليل على صدقه ويتحداه في موطن بعد موطن على أن يأتي بسورة من مثله ، وهم الفصحاء والبلغاء والخطباء والشعراء والمخصوصون من بين جميع الأنام بالألسنة الحداد واللّدد، في الخصام

مع اللّب والنّهى وأصالة الرّأي ، وقد وصفهم اللّه بذلك في غير موضع من الكتاب ، و كانوا مرّة يقولون : هو سحر ، ومرة يقولون : هو قول الكهنة

ومرة : أساطير الأولين ، ولم يحك اللّه تعالى عنهم - ولا بلغنا في شي ء من الروايات - أنهم جدبوه من الجهة التي جدبه منها الطاعنون .

فأحببت أن أنضح عن كتاب اللّه ، وأرمي من ورائه ، بالحجج النيّرة والبراهين البيّنة وأكشف للناس ما يلبسون .
فألفت هذا الكتاب جامعاً لـ " تأويل مشكل القرآن "

مستنبطاً ذلك من التفسير بزيادة في الشرح والإيضاح ، وحاملا ما لم أعلم فيه مقالا لإمام مطّلع على لغات العرب ، لأري به المعاند موضع المجاز وطريق الإمكان ، من غير أن أحكم فيه برأي ، أو أقضي عليه بتأويل .

" تأويل مشكل القرآن " ( ص 23 ) .

ثالثاً:

حتى يطمئن قلبك أكثر وأكثر فنرجو منك التأمل فيما تميَّز به القرآن حتى صار آية بيِّنة يشهد العقلاء على أنه ليس كلام البشر ، وهذه الأمور هي :

1. بلاغة القرآن التي سلبت عقول العرب الفصحاء البلغاء واتساق نظمه من أوله وآخره فلا تجد فيه آية وإلا وفيها من البلاغة ما يبهر العقول .

قال القاضي عياض – رحمه الله - :

وحكى الأصمعى أنه سمع كلام جارية فقال لها : قاتلك الله ما أفصحك ؟

فقالت : أو يعدُّ هذا فصاحة بعد قول الله تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) القصص/ 7

فجمع في آية واحدة بين أمريْن ونهييْن وخبريْن وبشارتيْن ؟! .

" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ( 1 / 263 ) .

2. ما جاء في القرآن من ذِكر وقائع ستحدثُ في المستقبل ، وقد حدثت بالفعل ، ومن ذلك قوله تعالى ( ألم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون َ . فِي بِضْعِ سِنِينَ ) الروم/ 1 - 4) .

وانظر أمثلة أخرى في جواب السؤال رقم ( 23475 ) .

3. ما جاء في القرآن من الإخبار عن الأمم السابقة بما لم يبلغه علم الناس يومئذ ، بخبر ، ولا للعرب فيه كتاب ، ولا يعرفه العرب

قال تعالى ( تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا ) هود/ 49 .

4. ما جاء في القرآن من ذِكر لحقائق في خلق الإنسان وفي البحار والفضاء ، مما صار مقطوعاً به الآن ، ومن أوضحه : مراحل خلق الجنين مما اكتشف تفاصيله العلم الحديث كما في كتاب الله

قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) الحج/ 5 .

رابعاً:

من أفضل ما تستعين به – بعد الله تعالى – لدفع تلك الشبهات هو طلب العلم ، وهو الصخرة التي ذكرناها في أول الجواب ، وهو الزجاجة المصمتة الصلبة الصافية في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

فمن تعلَّم العلمَ المؤصل المتين لا توقفه شبهة من تلك الشبهات ، إن شاء الله ، ولا يتوقف عندها ؛ بل يقذف بالحق الذي معه على باطلها ، فيدمغه ، فإذا هو زاهق .

قال ابن عبد البر – رحمه الله - :

وقال عبد الله بن وهب - صاحب مالك - : وكان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم ، فولع مني الشيطان في ذكر عيسى بن مريم كيف خلقه الله عز وجل ونحو هذا

فشكوت ذلك إلى شيخ فقال لي : ابن وهب ! قلت : نعم ، قال : اطلب العلم ، فكان سبب طلبي العلم .

" جامع بيان العلم وفضله " ( 1 / 26 ، 27 ) .

والنصيحة لك أن تبقى على ما أنت عليه من البُعد عن الاطلاع على شبهات أعداء الدِّين والبُعد عن محاورتهم ونقاشهم ، إلى أن يشتد عودُك إيماناً وعلْماً

ثم لك بعد ذلك أن تسلَّ سيفك للدفاع عن هذا الدين كما فعله أئمة العلم قديماً وحديثاً

لكن إن صادفك شيء من ذلك ، على الرغم منك ، ووقع في نفسك منه شيء ، دون قصد لتتبع ذلك ، فبادر بعرضه على عالمه ، واسأل من يكشف عنك غمته ؛ فإذا أنت مستريح منه ، بإذن الله .

وكل من أعطى القرآن حقَّه من التدبر علم أنه من عند الله ، وأنه ليس في كلامه تعالى اختلاف ولا تناقض ، قال تعالى ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) النساء/ 82

وهذا الاختلاف والتناقض هو الواقع حقا فيما في أيدي النصارى اليوم من الأناجيل ؛ فإن فيها من الاختلاف والتناقض الشي

الكثير ، كما بيَّنه الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه " إظهار الحق "

وإذا رزقك الله علماً في الشريعة وأردت الاطلاع على ما يتعلق بطعونات أعداء الإسلام على القرآن ، فلا تنظر في شبهاتهم ، بل انظر في كتب أهل السنَّة التي تنقل ذلك وتدفعه

وانظر في ذلك كتابين مهمين : الأول " تأويل مشكل القرآن " للإمام ابن قتيبة الدينوري ، والثاني كتاب " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " للعلامة محمد الأمين الشنقيطي .

ونسأل الله تعالى أن يثبِّت قلبك على دينه وأن يسددك ويهديك لما يحب ويرضى .

والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-31, 17:55
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

قراءة القرآن مع الإخلال بنطق بعض الحروف كالثاء والذال

السؤال

هل تجوز قراءة القرآن المجيد على طريقة أهل بعض البلاد غير العربية في نطق الحروف ؟

فمثلا هم يلفظون بالحرف (ث) وكأنه (س) ، والحرف (ذ) وكأنه (ز) إلى غير ذلك .

الجواب

الحمد لله

يجب قراءة القرآن الكريم بحروفه التي أنزله الله بها ، قراءةً عربية صحيحة

كما قال سبحانه : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) الشعراء/192-195 . وقال تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) يوسف/2 .

ولا يجوز لأحد أن يتعمد تبديل حرف منه بحرف ، مع قدرته على النطق بالحرف الصحيح ، وهذا من اللحن الجلي الذي يأثم صاحبه .

ومن وجد صعوبة في النطق بالحرف الصحيح - كأهل البلاد الذين لا توجد في لغتهم بعض الحروف العربية كالثاء والذال والخاء - فهؤلاء يلزمهم تعلم النطق الصحيح ، فإن عجزوا عنه فهم معذورون

لكن لا يُقتدى بهم في ذلك ، وينبغي دعوتهم إلى بذل الجهد في التعلم والتصحيح ، كما لا ينبغي تقديم أحدهم للإمامة ، إلا أن يؤم أمثاله ممن لا يحسن النطق .

قال ابن الجزري رحمه الله : " فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربي الفصيح

وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النبطي القبيح ، استغناءً بنفسه ، واستبداداً برأيه وحدْسه واتكالاً على ما ألِفَ من حفظه ، واستكباراً عن الرجوع إلى عالمٍ يوقفه على صحيح لفظه ، فإنه مقصر بلا شك ، وآثم بلا ريب

وغاش بلا مرية ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .

أما من كان لا يطاوعه لسانه ، أو لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه ، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها "

انتهى من "النشر في القراءات العشر" (1/299) .

وينبغي أن يُعلم أن الله تعالى قد يسر حفظ القرآن وتلاوته ، كما قال : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر ٍ) القمر/17 .

ولهذا نرى كثيراً من إخواننا في البلاد المشار إليها يجيدون النطق بالحروف إجادة لا تقل عن إجادة إخوانهم من أهل العربية ، فينبغي الاجتهاد في تعلم النطق الصحيح وتجويد القرآن وعدم اليأس من ذلك .

والله الموفق .

*عبدالرحمن*
2018-12-31, 18:06
هل في القرآن ما يدل على أن الإنجيل لم يحرف ؟

السؤال

سؤالي بخصوص الآيتين رقم 47 و 68 من سورة المائدة ، بعض المسيحيين يستخدم هاتين الآيتين ليستدل بهما على أن الإنجيل لم يُحرّف

لأن الله أمر باتباعه، فكيف نجلّي لهم الرؤية ونرفع هذه الشبهة ؟ جزاكم الله خيراً

الجواب

الحمد لله

تحدث القرآن الكريم في العديد من المواضع عن التوراة والإنجيل ، فهما من وحي الله عز وجل لاثنين من أولي العزم من الرسل ، وكانا كتاب نور وهداية للبشرية في زمانهما

والقرآن الكريم نفسه جاء مصدقا لهما ، ومؤمنا بهما ، ومهيمنا عليهما

كما قال سبحانه : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ .

مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) آل عمران/3-4. وقال عز وجل : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة/48

ويبقى التساؤل عن موقف القرآن الكريم من النسخ التي بين يدي اليهود والنصارى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، إن كانت هي النسخ الحقيقية المشتملة على كلام الله عز وجل ، أم إنها تغيرت وتبدلت .

وللجواب على هذا السؤال يمكننا تقسيم حديث القرآن الكريم عن هذين الكتابين المقدسين – من حيث مصداقية ما فيهما – إلى الأنواع الآتية :

النوع الأول :

آيات تثبت وقوع التحريف مطلقا لهذه الكتب ، ولا تقيد التحريف بشيء من أنواعه وصوره ، كما لا تذكر مقداره ونسبته ، وإنما تثبت الوقوع في هذا العمل المذموم .

ومن ذلك : قول الله سبحانه وتعالى : ( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة/75.

وقول الله عز وجل : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) المائدة/13.

النوع الثاني :

آيات صريحة في وقوع أحبار اليهود بكتمان بعض ما عندهم من الكتب المنزلة ، وإخفائها ، ومحاولة دفنها وطمس حقائقها .

ومن ذلك : قوله عز وجل : ( قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ) الأنعام/91.

وقول الله تعالى : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة/146.

قال الإمام ابن حزم رحمه الله :

" كيف يستحل مسلم إنكار تحريف التوراة والإنجيل وهو يسمع كلام الله عز وجل ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ

فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) الفتح/29.

وليس شيء من هذا فيما بأيدي اليهود والنصارى ، مما يدعون أنه التوراة والإنجيل "

انتهى من " الفصل في الملل " (1/160)

النوع الثالث :

آيات صريحة في الإخبار عن دخول قدر من الزيادة في كل هذه الكتب ، وأنه اختلط بها بعض ما ليس منها .

ومن ذلك : قول الله عز وجل : ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران/78.

وقوله سبحانه : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) البقرة/79.

قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ ، وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الكِتَابَ ، فَقَالُوا : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ) رواه البخاري في " صحيحه " (2685)

النوع الرابع :

آيات تقرر بقاء بعض الحق في هذه الكتب التي بأيديهم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل مثل هذا القدر من الحق الباقي في أيديهم

حجة عليهم، ودليلا على بطلان ما هم عليه. ومثل هذه الآيات هي المقصودة للسائل ، وهي التي اشتبه أمرها على من قال ما قال ، أو ظنها حجة على صحة كتبهم بجملتها ، حتى في زماننا

وهذا كله لا دلالة عليه في هذه الآيات وأمثالها .

ومن ذلك قول الله عز وجل : ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) المائدة/43، فأخبر عنها بأن فيها حكم الله .

وفي قوله سبحانه : ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ) المائدة/47 : أمر لأهل الإنجيل بالعمل بما فيه ، والحكم بما أنزل الله فيه .

ومثله أيضا قول الله جل وعلا : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) المائدة/68.

وحكى القرآن أن نسخ الكتب التي كانت في أيدي أحبار اليهود والنصارى اشتملت على ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم

وذلك في قول الله جل وعلا : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ) الأعراف/157.

وهكذا أيضا جاء في القرآن وفي السنة الصحيحة تصديق بعض ما ورد في تلك الكتب ، قال سبحانه : ( قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) آل عمران/93.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ . فَقَالُوا : نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ : كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ . فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا ، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ

فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ : ارْفَعْ يَدَكَ ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ . فَقَالُوا : صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ

فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ . فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ ) رواه البخاري (3635) ومسلم (1699)

وقد وكل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى علمائهم ورهبانهم

بدليل قوله : ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ) المائدة/44

ولم يتكفل سبحانه وتعالى بحفظه كما تكفل بحفظ القرآن ، وفي ذلك بعض الحكم

يمكن مراجعة الفتوى القادمه في السؤال القادم

*عبدالرحمن*
2018-12-31, 18:07
ومن مجموع ما سبق : نخلص بالآتي :

1. تشتمل نسخ التوراة والإنجيل على شيء من الحق ، الذي وصفته الآيات الكريمة بأنه ( حكم الله )، ودعا القرآن الكريم اليهود والنصارى إلى إقامة هذا الحق واتباعه ، وجعله حجة عليهم في باطلهم.

2. في هذين الكتابين كلام من كلام البشر ، نُسب إلى الله كذبا وزورا .

3. وقع في هذين الكتابين نقص ظاهر عن الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم السلام ، وذلك بسبب كتمان بعض الأحبار والرهبان شيئا مما استحفظهم الله عليه .

04 تضمن تحريف الكتب السابقة أمرين : التحريف اللفظي ، بزيادة أو نقصان عما كان فيه ، والتحريف المعنوي ، بصرف الحق الباقي في هذه الكتب بلفظه ، إلى معاني باطلة ، تناقض ما أراده الله لعباده ، ومنهم .

وبناء على ذلك كله :

فإذا احتج محتج بأن في القرآن آيات تدل على صحة ما في التوراة والإنجيل

فإننا لا نحتاج إلى الرد على كذبه وزعمه إلى أن نقول : إن كل كلمة في هذين الكتابين

: هي باطلة في نفسها ، لم ينزل الله بها سلطانا ؛ بل كل ما نحتاج إليه أن ندله على باقي الآيات التي تكتمل بها الصورة

فمتى تمسكت وصدقت بالآيات التي تقرر وجود الحق فيها ، فاضمم إليها الآيات الأخرى التي تذكر تحريفهم لكتبهم ، وكتمانهم لما فيها من الحق ، وزيادتهم أشياء فيها ، كتبوها بأيديهم ، ثم نسبوها إلى الله كذبا ، وزورا .

فأما المؤمن : فهو مؤمن بكل ما قال الله في كتابه .

وأما المبطل : فمتى كذب بشيء منه ، لم يحق له أن يحتج بغيره ، ولهذا أنبهم الله على مثل ذلك

فقال : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة/85

وإلا فليأتونا بآية واحدة : تمدح وتزكي ( كل ) ما بقي في أيدي الناس من هذه الكتب ، وتنفي عنه التحريف والكتمان .
ولن نطالبهم بعد ذلك بدليل على أن هذه الكتب لم يدخل فيها تغيير

عما كان عليه الحال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن من ادعى أن القرآن زكاها ، قد يقول له قائل : إنما زكى ما كان منها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم

فأين الدليل على أنها باقية على ما كان عليه الحال في ذلك العهد ، وهذا ما لا يمكنهم أن يقيموا دليلا عليه ، بل كثير من الدارسات النقدية للكتاب المقدس عندهم في الغرب ، تثبت عكس ذلك تماما .

يقول ابن حزم رحمه الله :

" إن كفار بني إسرائيل بدلوا التوراة والزبور فزادوا ونقصوا ، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) ( لا معقب لحكمه )، وبدل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا

وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) ... وقد قلنا آنفا إن الله تعالى أطلعهم على تبديل ما شاء رفعه من ذينك الكتابين

كما أطلق أيديهم على قتل من أراد كرامته بذلك من الأنبياء الذين قتلوهم بأنواع المثل

وكف أيديهم عما شاء إبقاءه من ذينك الكتابين حجة عليهم ، كما كف أيديهم الله تعالى عمن أراد أيضا كرامته بالنصر من أنبيائه الذين حال بين الناس وبين أذاهم "

انتهى باختصار من " الفصل في الملل والأهواء والنحل " (1/ 157)

ويقول رحمه الله أيضا :

" وأما قوله تعالى ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ) المائدة/47 فحق على ظاهره ؛ لأن الله تعالى أنزل فيه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ،

واتباع دينه ، ولا يكونون أبدا حاكمين بما أنزل الله تعالى فيه إلا باتباعهم دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنما أمرهم الله تعالى بالحكم بما أنزل في الإنجيل الذي ينتمون إليه

فهم أهله ، ولم يأمرهم قط تعالى بما يسمى إنجيلا وليس بإنجيل ، ولا أنزله الله تعالى كما هو قط ، والآية موافقة لقولنا ، وليس فيها أن الإنجيل لم يبدل ، لا بنص ولا بدليل

إنما فيه إلزام النصارى الذين يتسمون بأهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه ، وهم على خلاف ذلك "

ينظر " الفصل " (1/ 159)

وقد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية فصلا كاملا مطولا ، جعله المحققون بعنوان :

" فصل الرد عليهم في زعمهم أن الإسلام عظم إنجيلهم الذي بين أيديهم "، أطال فيه النفس جدا بالجواب عن هذه الشبهة

وبيان تواتر ما في القرآن والسنة من إثبات كفر اليهود والنصارى ومناقضتهم دين الأنبياء ، واشتمال كتبهم على كثير من الكفر والباطل .

فكان مما قاله رحمه الله :

" تصديق القرآن للتوراة والإنجيل مذكور في مواضع من القرآن ، وقد قال : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) [المائدة: 48] . فبين أنه أنزل هذا القرآن مهيمنا على ما بين يديه من الكتب

والمهيمن الشاهد المؤتمن الحاكم ، يشهد بما فيها من الحق ، وينفي ما حرف فيها ، ويحكم بإقرار ما أقره الله من أحكامها ، وينسخ ما نسخه الله منها ، وهو مؤتمن في ذلك عليها .

وأما قوله في سورة المائدة : ( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) [المائدة: 46 - 47] فهذا ثناء منه على المسيح والإنجيل ، وأمر للنصارى بالحكم بما أنزل فيه ; كما أثنى على موسى والتوراة بأعظم مما عظم به المسيح والإنجيل .

..فإذا كان ما ذكره من مدح موسى والتوراة ، لم يوجب ذلك مدح اليهود الذين كذبوا المسيح ومحمدا صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه ثناء على دين اليهود المبدل المنسوخ باتفاق المسلمين والنصارى

فكذلك أيضا ما ذكره من مدح المسيح والإنجيل : ليس فيه مدح النصارى الذين كذبوا محمدا ، وبدلوا أحكام التوراة والإنجيل ، واتبعوا المبدل المنسوخ .

ويقال : إن قولكم بتصديق [ القرآن للإنجيل ]:

إن أردتم أنه صدق التوراة والإنجيل والزبور التي أنزلها الله على أنبيائه ، فهذا لا ريب فيه .

وإن أرادوا بتصديقه كتبهم : أنه صدق ما هم عليه من العقائد والشرائع التي ابتدعوها بغير إذن من الله ، وخالفوا بها ما تقدمه من شرائع المسلمين

أو خالفوا بها الشرع الذي بعث به ، مثل القول بالتثليث والأقانيم ، والقول بالحلول والاتحاد بين اللاهوت والناسوت ، وقولهم : إن المسيح هو الله ، وابن الله

وما هم عليه من إنكار ما يجب الإيمان به من الإيمان بالله واليوم الآخر ، ومن تحليل ما حرمه الله ورسله كالخنزير وغيره : فقد كذبوا على محمد صلى الله عليه وسلم كذبا ظاهرا معلوما بالاضطرار من دينه .

وإنما صدق ما جاءت به الأنبياء قبله ، وأما ما أحدثوه وابتدعوه فلم يصدقه ; كما أنه لم يشرع لهم أن يستمروا على ما هم عليه من الشرع الأول

بل دعاهم وجميع الإنس والجن إلى الإيمان به ، وبما جاء به ، واتباع ما بعث به من الكتاب والحكمة

وحكم بكفر كل من لم يتبع كتابه المنزل عليه ، وأوجب مع خلودهم في عذاب الآخرة جهادهم في الدنيا ، حتى يكون الدين كله لله ، وحتى تكون كلمة الله هي العليا .

*عبدالرحمن*
2018-12-31, 18:07
وقد دعا أهل الكتاب من اليهود والنصارى عموما ، ثم كلا من الطائفتين خصوصا في غير موضع ، مع دعائه الناس كلهم أهل الكتاب وغيرهم

كقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ

عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [الأعراف157-158]

وقال تعالى يخاطب النصارى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ

وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا . لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ

فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ) [النساء: 171 - 173]

وقال تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) [المائدة: 17]

. وقال تعالى : ( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [المائدة: 14]

وقال تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) [المائدة: 77]

وقال تعالى : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) [التوبة: 29]

وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم لقتالهم بنفسه عام تبوك ، واستنفر لقتالهم جميع المؤمنين ، ولم يأذن لأحد من القادرين على الغزو في التخلف .

وإن أرادوا بذلك أنه صدق ألفاظ الكتب التي بأيدينا أي التوراة والإنجيل ، فهذا مما يسلمه لهم بعض المسلمين ، وينازعهم فيه أكثر المسلمين ، وإن كان أكثر ذلك مما يسلمه أكثر المسلمين .

فأما تحريف معاني الكتب بالتفسير والتأويل وتبديل أحكامها :

فجميع المسلمين واليهود والنصارى يشهدون عليهم بتحريفها وتبديلها ; كما يشهدون هم والمسلمون على اليهود بتحريف كثير من معاني التوراة وتبديل أحكامها ، وإن كانوا هم واليهود يقولون إن التوراة لم تحرف ألفاظها .

وحينئذ فليس شهادة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته للمسيح عليه السلام ولما أنزل عليه من الإنجيل في تثبيت ما عند النصارى ، بأعظم من شهادة المسيح عليه السلام

والحواريين وسائر من اتبعه لموسى ولما أنزل عليه من التوراة ، في تثبيت ما عند اليهود...

فكيف تكون شهادة محمد وأمته للإنجيل بأنه منزل من عند الله ، وللمسيح بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : مانعة من كفر النصارى ، مع تبديلهم شرع الإنجيل

وتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وشرع القرآن "

انتهى باختصار من " الجواب الصحيح " (2/268-386)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-31, 18:10
الحكمة من وقوع التحريف في الإنجيل

السؤال

لم سمح الله سبحانه وتعالى بتحريف الإنجيل ، مع أنه سبحانه قادر على حفظه ؟

وما هي التعاليم التي اتبعها المسلمون قبل مجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله :

أولا :

قد وكَّل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى علمائهم ورهبانهم

بدليل قوله : ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ) المائدة/44 .

ولم يتكفل سبحانه وتعالى بحفظه كما تكفل بحفظ القرآن ، وفي ذلك بعض الحِكَم :

1. أراد سبحانه وتعالى أن يبقى القرآن الكريم هو الكتاب الخالد ،

والشريعة الباقية إلى يوم القيامة ، قال تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) المائدة/48

فلم تكن ثمة حاجة لحفظ الكتب السابقة وتخليدها ، وخاصة أن عهد القرآن قريب من عهد الإنجيل ، فليس بينهما سوى ستمائة عام .

2. وليكون ذلك فتنة واختباراً للذين أوتوا الكتاب هل يقومون بدورهم في حفظ الكتاب ؟

وهل يؤمنون بما جاء فيه ؟

وهل يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، أم يصروا على عنادهم ، فيقوموا بالتحريف والكتمان والتزوير ؟!

3. وفي ذلك بلاء أيضا لكل أتباع الديانة النصرانية إلى يوم القيامة ، وهم يرون كتابهم الذي يؤمنون به لم يسلم من يد التحريف أو التشكيك أو الضياع

ويرون كتاب خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم محفوظا متواتراً لا يشك أحد في صحته ، فيكون ذلك داعيا لهم إلى الإيمان بالكتاب المبين - القرآن الكريم - .

ثانيا :

كان الناس في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم على الشرك والوثنية ، ولم يكن لأغلبهم دين متبع ، ولا شريعة محترمة ، اللهم إلا بعض من اتبعوا شريعة المسيح عليه السلام

مثل ورقة بن نوفل ، وبعض من كان حنيفا على دين إبراهيم ، يجتنب الشرك والأوثان والخمر والفواحش ويسجد لله الواحد رب العالمين ، مثل زيد بن عمرو بن نفيل الذي صح في البخاري ( 3614 )

أنه قال : ( إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) وكان يقول أيضا : ( يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ ! وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي . وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ

يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ : لَا تَقْتُلْهَا ، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا : إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا ) رواه البخاري ( 3616 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-12-31, 19:06
لماذا سميت المجموعة من الآيات القرآنية باسم " السورة " ؟

السؤال

ما هو السبب في تسمية مجموعة آيات القرآن سورة ؟

ومن أين أتت كلمة سورة ؟

الجواب

الحمد لله

تنوعت عبارات العلماء في معنى كلمة " سُورة " ، ومم اشتُقت ؟

فقال القرطبي رحمه الله في "تفسيره" (1/ 65-66) :

" مَعْنَى السُّورَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : الْإِبَانَةُ لَهَا مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى ، وَانْفِصَالِهَا عَنْهَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأنه يرتفع فيها من مَنْزِلَةٍ إلى مَنْزِلَةٍ . قَالَ النَّابِغَةُ :

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً ** تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ

أي : منزلة شرف ، ارتفعت إليها عن منزل الملوك .

وقيل : سميت لِشَرَفِهَا وَارْتِفَاعِهَا ، كَمَا يُقَالُ لِمَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ سُورٌ.

وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ قَارِئَهَا يشرف على ما لم يكن عنده ، كسور البناء بغير همزة .

وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ، لِأَنَّهَا قُطِعَتْ مِنَ الْقُرْآنِ على حد ، من قول العرب للبقية : سؤر، وجاء : أَسَآرِ النَّاسِ ، أَيْ : بَقَايَاهُمْ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْأَصْلُ : سُؤْرَةً ، بِالْهَمْزَةِ ، ثُمَّ خُفِّفَتْ ، فَأُبْدِلَتْ وَاوًا لانضمام مَا قَبْلَهَا.

وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَمَامِهَا وَكَمَالِهَا ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ لِلنَّاقَةِ التَّامَّةِ : سُورَةٌ .

وَجَمْعُ سُورَةٍ سُوَرٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ عَلَى سُورَاتٍ وَسُوَرَاتٍ " انتهى .

وذكره نحوه ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (1/ 16) .

وانظر :

" النكت في القرآن الكريم "(ص 354) - لأبي الحسن القيرواني .

" أحكام القرآن "(3/ 331) - لابن العربي .

" لسان العرب " (4/ 386) - لابن منظور .

" تهذيب اللغة "(13/ 36)- للأزهري .

" الصحاح " (2/ 690)- للجوهري .

فمؤدى المعنى المجموع من كلام العلماء المتقدم : أن السورة من القرآن هي مجموعة من الآيات الكريمة ، منفصلة عن غيرها من آيات القرآن ، محفوظة مصونة من الزيادة أو النقصان أو التبديل أو التحريف

وقارئ سور القرآن ينزل بتلاوته منازل الشرف والكرامة ، وينتقل بتلاوته سور القرآن من منزلة إلى منزلة

ويقال له يوم القيامة : ( اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ؛ فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ) رواه أبو داود (1464) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

والواقع أن أمر الاختلاف في الاشتقاق قريب ، وهي مسألة علمية يعرفها أهل اللغة

لكن بعد أن يستقر في علم المكلف من ذلك كله : أن تسمية مجموعة محددة من آيات القرآن : سورة ؛ تسمية شرعية توقيفية ، ثبتت في القرآن نفسه .

قال العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ، رحمه الله
:
" وَتَسْمِيَةُ الْقِطْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ عِدَّةِ آيَاتِ الْقُرْآنِ سُورَةٌ مِنْ مُصْطَلَحَاتِ الْقُرْآنِ ، وَشَاعَتْ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ حَتَّى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ ، فَالتَّحَدِّي لِلْعَرَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ ) [هود: 13]

وَقَوْلِهِ : ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) [الْبَقَرَة: 23] ، لَا يَكُونُ إِلَّا تَحَدِّيًا بِاسْمٍ مَعْلُوم المسمّى والمدار عِنْدَهُمْ وَقْتَ التَّحَدِّي ، فَإِنَّ آيَاتِ التَّحَدِّي نَزَلَتْ بَعْدَ السُّوَرِ الْأُوَلِ .

وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ سُورَةِ النُّورِ بِاسْمِ : سُورَةٍ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) [النُّور:1] أَيْ هَذِهِ سُورَةٌ . وَقَدْ زَادَتْهُ السُّنَّةُ بَيَانًا.

وَلَمْ تَكُنْ أَجْزَاءُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ مُسَمَّاةً سُوَرًا عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَلَا فِي الْإِسْلَامِ..".

وذكر الخلاف في اشتقاق السورة ، بنحو ما تقدم ، ثم قال :

" وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ حِينَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ أَنَّهُمْ تَرَدَّدُوا وَلَا اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ سُوَرِهِ ، وَأَنَّهَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً

رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَتِ الْآيَةُ يَقُولُ : ضَعُوهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا .

وَكَانَتِ السُّوَرُ مَعْلُومَةَ الْمَقَادِيرِ مُنْذُ زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَحْفُوظَةً عَنْهُ فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ ، وَفِي عَرْضِ الْقُرْآنِ ..."

انتهى من "التحرير والتنوير" (1/84-86) .

راجع للفائدة جواب السؤال القادم

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-31, 19:09
هل أسماء سور القرآن الكريم توقيفية؟

السؤال

متى وضعت أسماء سور القرآن في زمن نزول الوحي ، هل النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو من قام بتسمية تلك السور في حياته

أم الصحابة من بعده عند جمعهم للقرآن في المصحف خلال فترة حكم عمر وعثمان رضي الله عنهم ؟

الجواب

الحمد لله

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سَمَّى بعض سور القرآن ، كالفاتحة ، والبقرة ، وآل عمران ، والكهف .

واختلف العلماء ، هل أسماء سور القرآن الكريم كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أم أن بعضها ثبت اجتهاداً عن الصحابة رضي الله عنهم؟

فذهب أكثر العلماء إلى أن أسماء سور القرآن كلها توقيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله :

"لِسوَر القرآن أسماءٌ سمّاها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى .

"جامع البيان" (1/100) .

وقال الزركشي رحمه الله :

"ينبغي البحث عن تعداد الأسامي : هل هو توقيفي ، أو بما يظهر من المناسبات ؟

فإن كان الثاني فلن يعدم الفَطِنُ أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسمائها، وهو بعيد" انتهى .

"البرهان في علوم القرآن" (1/270) .

وقال السيوطي رحمه الله :

"وقد ثبتت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار ، ولولا خشية الإطالة لبينت ذلك" انتهى .

"الإتقان" (1/148) .

وقال الشيخ سليمان البجيرمي رحمه الله :

"أسماء السور بتوقيف من النبيّ صلى الله عليه وسلم

لأن أسماء السور وترتيبها وترتيب الآيات كل من هذه الثلاثة بتوقيف من النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أخبره جبريل عليه السلام بأنها هكذا في اللوح المحفوظ" انتهى باختصار .

"تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (2/163) .

وقال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :

"وأما أسماء السور فقد جُعلت لها من عهد نزول الوحي ، والمقصود من تسميتها تيسير المراجعة والمذاكرة" انتهى .

"التحرير والتنوير" (1/88) .

وهذا ما اختاره بعض المعاصرين الذين كتبوا في علوم القرآن ، مثل الدكتور فهد الرومي في "دراسات في علوم القرآن" (ص/118) ، والدكتور إبراهيم الهويمل في بحث "المختصر في أسماء السور" في "مجلة جامعة الإمام" (ع30، ص135) .

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بأن بعض أسماء سور القرآن الكريم كان بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم لها ، وبعضها كان باجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم .

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/16) :

"لا نعلم نصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على تسمية السور جميعها

ولكن ورد في بعض الأحاديث الصحيحة تسمية بعضها من النبي صلى الله عليه وسلم ، كالبقرة ، وآل عمران ، أما بقية السور فالأظهر أن تسميتها وقعت من الصحابة رضي الله عنهم" انتهى .

وهو الذي رجحته الدكتور منيرة الدوسري في رسالتها : "أسماء سور القرآن الكريم وفضائلها".

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-01-04, 17:56
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


الجواب على استشكال قول زيد بن ثابت فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف

السؤال

هناك من يشككون في القرآن الكريم بدعوى أن جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن كاملا ، ويستدلون بـ : " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ : فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ

حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا ، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ

" فكيف فاتتهم هذه الآية من قبل جمع أبي بكر , أثق بأن هذا القرآن الذي بين يدينا كامل ، فهم خير حفظةٍ للقرآن , ولكني لست على علم بملابسات هذا الموقف . أرجو الإفادة ، جزاك الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

الرواية المذكورة في السؤال رواها الإمام البخاري رحمه الله في " صحيحه "، كتاب " فضائل القرآن "، باب " جمع القرآن "، حديث رقم: (4988)، قال:

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ : فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا

فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ )

وقد استشكل بعض الناس – سواء من المسلمين أم من الطاعنين على القرآن –

أن آية من كتاب الله لا يعرفها سوى صحابي واحد ، والفرض أن القرآن الكريم منقول إلينا بالتواتر ، كما أن فقد الآية يبعث على الشك فيما سواها .

والجواب على ذلك أمر سهل ميسور بحمد الله تعالى ، وذلك من وجوه عدة :

أولا :

لو تأملنا في كلام زيد بن ثابت رضي الله عنه لتبين لنا مراده ومقصده ، فهو رضي الله عنه حين يقول : " فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ

قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا " يدل على أنه رضي الله عنه يعرف الآية ويحفظها

وإلا فكيف يفتقد شيئا لا يعرفه أصلا ، أو كيف يفتقد شيئا غفل عنه ونسيه ولم يخطر على باله ، وأكد على معرفته بالآية حين قال : ( قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا )

ثانيا :

معلوم أن زيد بن ثابت رضي الله عنه من كبار الحفاظ المتقنين الذين جمعوا القرآن حفظا في صدورهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثله أبي بن كعب

ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبو الدرداء ، وأبو زيد الأنصاري ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد وردت فيهم الأحاديث والروايات الصحيحة التي تدل على أنهم من كبار الحفاظ

وغيرهم أيضا من عشرات القراء الذين ورد أنهم قتلوا في حرب المرتدين ، مما يدل على توافر حفاظ آخرين كثيرين ، ينظر : " المقدمات الأساسية في علوم القرآن " (ص/91-93).

فمن غير المعقول ، ومن المتعذر عادة أن آية من كتاب الله فاتت جميع القراء والحفاظ الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنهم ، ولا يعرفها سوى صحابي آخر لم يشتهر أنه من حفظة كتاب الله تعالى .

ثالثا :

إذن فما الذي يريده زيد بن ثابت رضي الله عنه في قوله

: " فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ "؟

يريد أنه وجدها مكتوبة عند خزيمة بن ثابت رضي الله عنه

فقد كان شرط زيد بن ثابت في جمعه للقرآن أنه لا يثبت آية في المصحف حتى يتثبت أنها مكتوبة مدونة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الشهود الثقات ، ولا يعتمد على الحفظ فقط .

فبين زيد بن ثابت رضي الله عنه هنا أنه لم يقف على آية الأحزاب مكتوبة سوى عند صحابي واحد وهو خزيمة بن ثابت رضي الله عنه .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : ( لم أجدها مع أحد غيره ) أي : مكتوبة ، لِما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة ، ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من لم يتلقها من النبي صلى الله عليه وسلم

وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة ، ولعلهم لما وجدها زيد عند أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد ، وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف عند ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم "

انتهى من " فتح الباري " (9/15)

وقال ابن حزم رحمه الله :

" أما افتقاد زيد بن ثابت الآية فليس ذلك على ما ظنه أهل الجهل ، وإنما معناه أنه لم يجدها مكتوبة إلا عند ذلك الرجل... بيان ما قلناه منصوص في هذا الحديث نفسه

وذلك أن زيدا حكى أنه سمع هذه الآية من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت عند زيد أيضا "

انتهى باختصار من " الإحكام في أصول الأحكام " (6/265)

ويقول بدر الدين العيني رحمه الله
:
" كيف ألحقها بالمصحف وشرط القرآن التواتر ؟

أجيب : بأنها كانت مسموعة عندهم من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسورتها وموضعها معلومة لهم ، ففقدوا كتابتها .

قيل : لمَّا كان القرآن متواترا ، فما هذا التتبع والنظر في العسب ؟

وأجيب : للاستظهار ، وقد كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليعلم هل فيها قراءة لغير قراءته من وجوهها أم لا .

قيل : شرط القرآن كونه متواترا ، فكيف أثبت فيه ما لم يجده مع أحد غيره ؟

وأجيب : بأن معناه لم يجده مكتوبا عند غيره ، وأيضا لا يلزم من عدم وجدانه أن لا يكون متواترا ، وأن لا يجد غيره ، أو الحفاظ نسوها ثم تذكروها "

انتهى من " عمدة القاري " (20/19)

*عبدالرحمن*
2019-01-04, 17:57
رابعا :

مما يدل على شرط زيد بن ثابت في جمعه للقرآن أنه لا يثبت آية في المصحف حتى يتثبت أنها مكتوبة مدونة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الشهود الثقات

قوله رضي الله عنه : " فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ "

وعن عروة بن الزبير رحمه الله قال

: " لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ يَوْمَئِذٍ فَرَقَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْقُرْآنِ أَنْ يَضِيعَ ، فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : اقْعُدُوا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاكْتُبَاهُ "

رواه ابن أبي داود في " المصاحف " (51) قال : حدثنا عبد الله ، حدثنا أبو الطاهر ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه .

عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ :

( أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ : مَنْ كَانَ تَلَقَّى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِنَا بِهِ ، وَكَانُوا كَتَبُوا ذَلِكَ فِي الصُّحُفِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْعُسُبِ

وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى يَشْهَدَ شَهِيدَانِ )

رواه ابن أبي داود في " المصاحف " (62)

يقول علم الدين السخاوي رحمه الله :

" معنى هذا الحديث : من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا فقد كان زيد جامعاً للقرآن "

انتهى من " جمال القراء وكمال الإقراء " (ص/161)

ويقول أبو شامة المقدسي رحمه الله :

" إنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم يكتبوا من حفظهم ؛ لأن قراءتهم كانت مختلفة ، لِما أبيح لهم من قراءة القرآن على سبعة أحرف "

انتهى من " المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز " (1/57)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا ، مع كون زيد كان يحفظه ، وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط .

وعند ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه .

ورجاله ثقات مع انقطاعه .

وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب .

أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن
.
وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، لا من مجرد الحفظ .

قوله : ( وصدور الرجال ) أي : حيث لا أجد ذلك مكتوبا ، أو الواو بمعنى مع ، أي : أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدر "

انتهى من " فتح الباري " (9/14)

يقول الدكتور محمد حسن جبل :

" تصرح العبارة بشرط بالغ الأهمية ، وبالغ الاحتياط لكتاب الله ، حيث صارت عند التطبيق أحد الشروط المهمة ، أن يشهد شاهدان على ما يأتي به من عنده قرآن محفوظ في صدره ، أو في عريضة مكتوبة .

ومن الطبيعي أن تكون الشهادة على أن هذا الذي أتى به فلان هو من القرآن ، ولكن كيف يتأتى ذلك للشاهدين ؟
الإجابة : بأن يكون الشاهدان أنفسهما يحفظان من القرآن في صدريهما هذا الذي جاء به فلان مكتوبا ،

أو محفوظا وله نسخة من المكتوب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبلغ من هذا أن يكون الشاهدان قد حضرا تنزيل هذا المجيء به ، وتسجيله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ويتلخص من هذا أن عناصر التوثيق كانت ثلاثة معا :

أ‌- أن يكون النص مكتوبا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ب‌-أن يكون النص محفوظا متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو عمن تلقي عنه مباشرة .

ت‌-أن يشهد شاهدان على الأمرين السابقين "

انتهى من " وثاقة نقل النص القرآني " (ص/179)

ويقول الزرقاني رحمه الله :

" وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة ، وضعها له أبو بكر وعمر فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ وحذر دقيق وتحريات شاملة فلم يكتف بما حفظ في قلبه ولا بما كتب بيده ولا بما سمع بأذنه.

بل جعل يتتبع ويستقصي آخذا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين :

أحدهما : ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والثاني : ما كان محفوظا في صدور الرجال ، وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم "

انتهى من " مناهل العرفان في علوم القرآن " (1/252)




.

*عبدالرحمن*
2019-01-04, 17:58
خامسا :

ثم على فرض ثبوت أن آية الأحزاب لم يكن أحد يحفظها سوى خزيمة بن ثابت

فقبول الصحابة لروايته لها ، وإجماعهم على قرآنيتها ، وإدخالها في المصحف المتفق عليه : دليل شرعي كاف على أنها من القرآن الكريم بدون شك ولا تردد ، فقد كان غرض أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان

رضي الله عنهما من جمع القرآن إثبات اليقين من كتاب الله ، ودرء الاختلاف والنزاع في آياته ، فقبولهم هذه الآية من خزيمة بن ثابت دليل على اطمئنانهم لقرآنيتها ، وذلك كاف في اطمئناننا نحن أيضا إلى ذلك .

سادسا :

ننبه أخيرا إلى أن فقد آية الأحزاب ثم الوقوف عليها عند خزيمة بن ثابت إنما حصل في جمع القرآن ونسخه زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وليس في عهد عثمان رضي الله عنه ، يدل على ذلك ثلاثة أدلة :

1- نص الإمام الدارقطني رحمه الله على أن الإسناد الذي رويت به هذه القصة من رواية ابن شهاب الزهري قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، أنه سمع زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول فقدت آية من الأحزاب....الخ.

وهذا الإسناد من الأسانيد التي رويت بها قصة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

وأما رواية الزهري لقصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه فقد رواها الزهري عن أنس بن مالك مباشرة ، وليس عن زيد بن ثابت .

سئل الإمام الدارقطني عن حديث زيد بن ثابت ، عن أبي بكر الصديق في جمع القرآن ، فقال : هو حديث في جمع القرآن .

رواه الزهري ، عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت .

حدث به عن الزهري كذلك جماعة – وذكر جماعة منهم - اتفقوا على قول واحد .

ورواه عمارة بن غزية عن الزهري ، فجعل مكان ابن السباق خارجةَ بنَ زيد بن ثابت ، وجعل الحديث كله عنه .
وإنما روى الزهري

عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، من هذا الحديث ألفاظا يسيرة ، وهي قوله : ( فقدت من سورة الأحزاب آية قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت ) .

ضبطه عن الزهري كذلك إبراهيم بن سعد ، وشعيب بن أبي حمزة ، وعبيد الله بن أبي زياد...فأما رواية الزهري ، عن أنس من هذا فهو أن حذيفة قدم على عثمان فقال أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا

كذلك قاله الحفاظ عن الزهري ، وكذلك قاله ابن وهب والليث عن يونس "

انتهى باختصار من " العلل الواردة في الأحاديث النبوية " (1/186-189)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الصحيح عن الزهري :

أن قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر : عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت .\

وقصة حذيفة مع عثمان : عن أنس بن مالك .

وقصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب في رواية عبيد بن السباق : عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه "

انتهى باختصار من " فتح الباري " (9/11)

2- وذِكرُ الإمام البخاري رحمه الله كلام زيد بن ثابت عن فقد آية الأحزاب عقب قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ليس لأنه يرى أن فقد الآية وقع في عهد عثمان

وإنما لأن الراوي عن الزهري - وهو إبراهيم بن سعد - هو الذي روى كلتا الروايتين ، فأوردهما على وجه التعاقب في الذكر فقط ، وليس على وجه تقرير كونهما في سياق واحد ، وذلك في باب " جمع القرآن "، حديث رقم: (4988)

يدل على ذلك أن البخاري رحمه الله روى حديث فقد آية الأحزاب عن رواة آخرين عن الزهري في موضعين آخرين في الصحيح ، وليس فيهما أي حديث عن قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ، وذلك في باب "

غزوة أحد "، حديث رقم : (4049)، وفي باب : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر )، حديث رقم: (4784).

3- أن جميع العلماء الذين شرحوا هذا الحديث واستدلوا به إنما تكلموا عليه من جهة توضيح منهج زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه

وكيف أنه كان يشترط كون الآية مكتوبة بشهادة الشهود إلى جانب الحفظ والضبط ، وهذا إجماع منهم على أن سياق الحديث إنما كان في عهد الصديق رضي الله عنه .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" وأما ما رواه الزُّهريُّ عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب ، وإلحاقهم إياها في سورتها

فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر ، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف ، كما جاء مصرحًا به في غير هذه الرواية عن الزهري , عن عبيد بن السباق , عن زيد بن ثابت .

والدليل على ذلك أنه قال : فألحقناها في سورتها من المصحف , وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية "

انتهى من " فضائل القرآن " لابن كثير (ص86)

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-04, 18:00
هل " طه ويس " من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ؟

السؤال

أريد أن اعرف هل ( طه ويس ) من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وجزاكم الله خير

الجواب

الحمد لله

"طه" و "يس" ليسا من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هما من الحروف المقطعة التي افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم ، إشارةً إلى إعجاز القرآن الكريم

وأنه من نفس الحروف التي يتكلم بها العرب ، ومع هذا فقد عجزوا عن الإتيان بمثله ، مما يدل على أنه منزل من عند الله تعالى .

قال محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (4/3)

" في تفسير سورة (طه) : "

أظهر الأقوال فيه عندي أنه من الحروف المقطعة في أوائل السور

ويدل لذلك أن "الطاء" و "الهاء" المذكورتين في فاتحة هذه السورة ، جاءتا في مواضع أخر لا نزاع فيها في أنهما من الحروف المقطعة ، أما "الطاء" ففي فاتحة "الشعراء" "طسم" وفاتحة "النمل" طس "

. وفاتحة "القصص" وأما "الهاء" ففي فاتحة "مريم" في قوله تعالى : "كهيعص" " انتهى .

وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره (1/501)

"طه : من جملة الحروف المقطعة ، المفتتح بها كثير من السور ، وليست اسماً للنبي صلى الله عليه وسلم" انتهى .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:

" وليس طه وياسين من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في أصح قولي العلماء، بل هما من الحروف المقطعة في أوائل السور مثل ص وق ون ونحوها "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/54)

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-04, 18:06
أهمية تعلم الوقف والابتداء في تلاوة القرآن الكريم

السؤال

عندما أستمع إلى بعض القرّاء أجد أن طريقة وقوفهم على بعض الآيات مختلفة ، فقد يقف قارئ ما في مكان محدد من الآية

في حين أن القارئ الآخر لا يقف في هذا المكان ، فأريد أن أعرف ما هي الطريقة الصحيحة في الوقف بين الآيات ؟

الجواب

الحمد لله

الوقف والابتداء في تلاوة القرآن الكريم من أدق العلوم التي تنبئ عن فهم القارئ لكتاب الله تعالى ، وتكشف من أسرار معاني الآيات الكريمة ما لا يحصى عددا ولا ينقضي عجبا .

ويتفاوت القراء ما بين حريص على العناية بهذا العلم الدقيق ، ومَن يغلب عليه الحرص على التغني بالقرآن الكريم من غير عناية بالالتفات إلى أسرار الوقف والابتداء .

وقد نعى الصحابي الجليل ابن عمر رضي الله عنهما على الصنف الثاني من القراء فقال :

( لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَأَحَدُنَا يُؤْتَى الإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَتَعَلَّمُ حَلاَلَهَا ، وَحَرَامَهَا ، وَآمِرَهَا ، وَزَاجِرَهَا ، وَمَا يَنْبَغِى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهَا كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ .

ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالاً يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الإِيمَانِ ، فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِى مَا آمِرُهُ ، وَلاَ زَاجِرُهُ ، وَلاَ مَا يَنْبَغِى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ ، فَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ ) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4/84)

والحاكم في "المستدرك" (1/91) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/120) جميعهم من طريق عبيد الله بن عمرو , عن زيد بن أبي أنيسة , عن القاسم بن عوف , قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول ... فذكره .

قال الحاكم رحمه الله :

" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولا أعرف له علة ، ولم يخرجاه " انتهى .

وقال الذهبي رحمه الله :

" على شرطهما ، ولا علة له " انتهى من " التلخيص " .

وصححه ابن منده في " الإيمان " (106) ، والهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/170)

ونضرب مثلا هنا على ضرورة مراعاة الوقف الحسن وتجنب الوقف القبيح الذي يقلب المعنى ويحرف الآية عن سياقها ، وذلك كالوقف على كلمة ( قالوا )

في قوله تعالى : ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) آل عمران/181 ، فتأمل بشاعة البداية بـ ( إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ) .

وكذلك تأمل تغير المعنى إذا وقف القارئ على قوله تعالى : ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ ) ، فالوقف هكذا يوهم أن الذين لم يستجيبوا لربهم لهم الحسنى أيضا

وهذا قلب تام للمعنى ، لذلك فالوقف الحسن أن يقرأ ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ) ويقف

ثم يبتدئ قوله عز وجل : ( وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) الرعد/18 .

وهكذا يوضح هذان المثالان أهمية تعلم الوقف والابتداء ، وأن هذا الفن يحتاج إلى فهم سليم لكتاب الله الحكيم ، ونظر دقيق في معاني الآيات الكريمة ، وقد لا يتيسر ذلك لعوام المسلمين

لذلك قام العلماء المشرفون على طباعة المصاحف الشريفة بوضع علامات الوقف الحسن الذي يفضل الوقوف عنده ، والوقف اللازم الذي يجب الالتزام به

والوقف الممنوع الذي يبين مواضع الآيات التي لا يجوز الوقوف عندها

وبهذا يتمكن جميع المسلمين الالتزام بها أثناء تلاوتهم في المصحف الشريف ، ويسهل عليهم معرفتها بدلا من التفتيش في بطون أمهات كتب علم " الوقف والابتداء "
.
يقول الشيخ عبد الفتاح المرصفي رحمه الله :

" ينبغي لكل مَعْنيٍّ بتلاوة القرآن الكريم ، مجتهد في إيفائها حقها ومستحقها أن يُقبل عليها ويصرف همته إليها ، إذ لا يتحقق فهم كلام الله تعالى ولا يتم إدراك معناه إلا بذلك

فربما يقف القارىء قبل تمام المعنى ، ولا يصل ما وقف عليه بما بعده حتى ينتهي إلى ما يصح أن يقف عنده

وعندئذ لا يفهم هو ما يقول ، ولا يفهمه السامع ، بل ربما يفهم من هذا الوقف معنى آخر غير المعنى المراد ، وهذا فساد عظيم ، وخطر جسيم ، لا تصح به القراءة ، ولا توصف به التلاوة .

وقد أوجب المتقدمون من الرعيل الأول على القارىء معرفة الوقف والابتداء لما جاء في ذلك من الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين

فقد ثبت أن الإمام عليّاً رضي الله عنه لما سئل عن قوله تعالى : ( وَرَتِّلِ القرآن ) المزمل/4 ، فقال : الترتيل معناه تجويد الحروف ومعرفة الوقوف "

انتهى من "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" (1/365) .

ويقول الشيخ عبد الله الجديع :

" أذهب في حق عموم المسلمين اليوم إلى أن يأخذوا بما بين لهم في المصاحف من علامات الوقف ، وينبغي عليهم أن يلاحظوا ما ذكر من التعريف بتلك العلامات في أواخر المصاحف ، ويستعمولها على الصورة التي بينت لهم

فإن ذلك معين على تدبر القرآن وفهمه ، خاصة ما كان منه من الوقف اللازم

فعليهم التزام الوقف عنده ، وما كان من الممنوع فلا يوقف عنده إلا ما كان منه عند رؤوس الآي ، ويترك الوقف في موضع ليس فيه علامة وقف أصلا ، لا أستثني من هذا إلا من أوتي حظا من فهم القرآن

وعدة واقية من الخطإ في ضبط المعنى من أهل العلم والذكر ، فهؤلاء قد يستحسنون مواضع للوقف باجتهادهم في تدبر القرآن "

انتهى من "المقدمات الأساسية في علوم القرآن" (ص/452) .

ونصيحتنا هنا أن يحرص المتعلم على استماع تلاوة كبار القراء ، الذين يعتنون بالتلاوة والتجويد ، والذين سجلت تلاوتهم للقرآن الكريم بإشراف لجان من العلماء وكبار القراء

كالختمات الصوتية الصادرة عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، ونحوها .

كما نوصي بالقراءة في الكتب المتخصصة في هذا الجانب ، والتي من أهمها " المكتفى في الوقف والابتدا " لأبي عمرو الداني ، و " معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتدا " محمود خليل الحصري .

وانظر : " هداية القاري إلى تجويد كلام الباري " عبد الفتاح المرصفي (1/365-415) .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

بـــيِسَة
2019-01-04, 19:53
سلام

والله احسنت القول بارك الله فيك
تستحق كل التقدير اخي
جزاك الله خيرا على مجهوداتك التي تجعل من بعضنا
شخصية

تحياتي و كل احتراماتي

winernet123
2019-01-09, 15:36
جميييييييييييل

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 14:37
سلام

والله احسنت القول بارك الله فيك
تستحق كل التقدير اخي
جزاك الله خيرا على مجهوداتك التي تجعل من بعضنا
شخصية

تحياتي و كل احتراماتي

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اختي الفاضلة

اسعدني حضورك المميز مثلك
اسعدك الله بكل ما تتمني

و في انتظار المزيد من مرورك العطر

بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 14:38
جميييييييييييل

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 14:43
سورة الإسراء تسمى أيضا سورة بني إسرائيل

السؤال

هل صحيح أن سورة " الإسراء " يطلق عليها أيضًا سورة " بني إسرائيل "، ولماذا ؟

الجواب

الحمد لله

وردت تسمية سورة " الإسراء " بسورة " بني إسرائيل " في حديثين صحيحين موقوفين من كلام الصحابة رضوان الله عليهم :

الحديث الأول : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال في بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطه وَالْأَنْبِيَاءُ : ( هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي )

رواه البخاري (4994)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" ( مِنَ العِتَاقِ ) جمع عتيق وهو القديم ، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة ، وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث .
وقوله : ( هُنَّ مِن تِلَادِي ) أي : مما حفظ قديما ، والتلاد قديم الملك ، وهو بخلاف الطارف

ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن ، وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم "

انتهى من " فتح الباري " (8/388)

الحديث الثاني : عن عائشة رضي اللّه عنها قالت :

( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقرَأَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَالزُّمَر ) رواه الترمذي (3402) وقال : حديث حسن . وحسّنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/65)، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

بل قال أهل العلم إن تسمية السورة بسورة " بني إسرائيل " كانت هي الأشهر في عهد الصحابة والتابعين ، وذلك لأن سورة الإسراء افتتحت في أول آية منها بالحديث عن الإسراء إلى المسجد الأقصى

ثم في الآية الثانية مباشرة شرعت في ذكر مرحلة مهمة من مراحل قصة بني إسرائيل والإخبار عن إفسادهم في الأرض مما لم يذكر في سواها من قصص بني إسرائيل في القرآن الكريم

وذلك في قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

. وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا . ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا . وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ) الإسراء/1-3.

قال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" سميت في كثير من المصاحف سورة الإسراء ، وصرح الألوسي بأنها سميت بذلك ، إذ قد ذكر في أولها الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، واختصت بذكره ، وتسمى في عهد الصحابة سورة بني إسرائيل..

.ووجه ذلك أنها ذكر فيها من أحوال بني إسرائيل ما لم يذكر في غيرها ، وهو استيلاء قوم أولي بأس - الآشوريين - عليهم ، ثم استيلاء قوم آخرين وهم الروم عليهم ، وتسمى أيضا سورة سبحان ؛ لأنها افتتحت بهذه الكلمة "

انتهى من " التحرير والتنوير " (15/5)

وانظر جواب سال سابق بعنوان

هل أسماء سور القرآن الكريم توقيفية؟

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 14:47
هل يثاب من يستمع إلى القرآن دون أن يفهمه ؟

السؤال

هل يثاب المرء (المؤمن) إذا استمع للقرآن دون أن يفهم ما يستمع إليه مع علمه بأنه من القرآن ؟

أم إنه لا يثاب إلا من يعي ما يسمع ؟

أرجو أن تقدموا دليلا من القرآن والحديث الصحيح .

الجواب

الحمد لله

أولا :

أمر الله تعالى المؤمنين بالاستماع إلى القرآن ، والإنصات له ، أمرا عاما ، فقال سبحانه : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأعراف/204

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب الله يتلى، فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات، والفرق بين الاستماع والإنصات، أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه.

وأما الاستماع له، فهو أن يلقي سمعه، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب الله، فإنه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا، وإيمانا مستمرا متجددا،

وهدى متزايدا، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب الله حصول الرحمة عليهما، فدل ذلك على أن من تُلِيَ عليه الكتاب، فلم يستمع له وينصت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير.

ومن أوكد ما يؤمر به مستمع القرآن، أن يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية إذا قرأ إمامه، فإنه مأمور بالإنصات، حتى إن أكثر العلماء يقولون: إن اشتغاله بالإنصات، أولى من قراءته الفاتحة، وغيرها "

انتهى من " تفسير السعدي" (314) .

والمقصود الأعظم من الاستماع والإنصات : أن يتدبره السامع ، ليفهم معانيه ، ويعمل بما فيه. قال الإمام الطبري رحمه الله :

" يقول تعالى ذكره للمؤمنين به ، المصدقين بكتابه ، الذين القرآنُ لهم هدى ورحمة : ( إذا قرئ ) ، عليكم، أيها المؤمنون، (القرآن فاستمعوا له)

يقول: أصغوا له سمعكم، لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه = (وأنصتوا) ،إليه لتعقلوه وتتدبروه، ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه = (لعلكم ترحمون)

يقول: ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه، واعتباركم بعبره، واستعمالكم ما بينه لكم ربكم من فرائضه في آيه "

انتهى من "تفسير الطبري" (13/244) .

فإذا تحقق في هذا المقام : استماع العبد وإنصاته ، وتدبره لما يتلى عليه وتفهمه لمعانيه ، حصل بذلك خير الدنيا والآخرة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَبِهَذَا السَّمَاعِ هَدَى اللَّهُ الْعِبَادَ وَأَصْلَحَ لَهُمْ أَمْرَ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَبِهِ بُعِثَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَمَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ

. وَعَلَيْهِ كَانَ يَجْتَمِعُ السَّلَفُ كَمَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ اجْتَمَعُوا أَمَرُوا رَجُلًا مِنْهُمْ أَنْ يَقْرَأَ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ لِأَبِي مُوسَى: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأُ أَبُو مُوسَى وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (11/626) .

ثانيا :

إذا كان السماع الكامل هو ما تحقق معه الفهم والتدبر ، فلا شك أن من أتى بما يقدر عليه من ذلك ، فهو محمود بما أتى به ، معذور بما عجز عنه ، ولا ينبغي أن يكون ما عجز عنه عذرا في ترك ما يقدر عليه من الخير

فإن الميسور لا يسقط بالمعسور ؛ يعني : أن ما يمكن العبد الإتيان به ، من واجب أو مستحب ، لا يسقط عنه لأجل ما عجز عنه ؛ لقول الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 .

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

هل يثاب الإنسان الذي يقرأ القرآن ، ولو لم يفهم معانيه ؟

فأجاب :

" القرآن الكريم مبارك كما قال الله تعالى ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ، فالإنسان مأجور على قراءته ، سواء فهم معناه أم لم يفهم

ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يقرأ قرآناً مكلفاً بالعمل به بدون أن يفهم معناه ؛ فالإنسان لو أراد أن يتعلم الطب مثلاً ، ودرس كتب الطب ، فإنه لا يمكن أن يستفيد منها حتى يعرف معناها ، وتشرح له

بل هو يحرص كل الحرص على أن يفهم معناها من أجل أن يطبقها ، فما بالك بكتاب الله سبحانه وتعالى الذي هو شفاء لما في الصدور وموعظة للناس أن يقرأه الإنسان بدون تدبر وبدون فهم لمعناه

ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل ، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً .

فالإنسان مثاب ومأجور على قراءة القرآن سواء فهم معناه أم لم يفهم ، ولكن ينبغي له أن يحرص كل الحرص على فهم معناه ، وأن يتلقى هذا المعنى من العلماء الموثوقين في علمهم وأماناتهم

فإن لم يتيسر له عالم يفهمه المعنى فليرجع إلى كتب التفسير الموثوقة مثل تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير وغيرهما من التفاسير التي تعتني بالتفسير الأثري المروي عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم "

انتهى من"فتاوى نور على الدرب" شريط (85) وجه ( أ )

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 15:01
روايات مكذوبة تنسب إلى القرآن الكريم بعض الأخطاء اللغوية

السؤال

لقد وقعت على هذه الروايات في جمع المصحف العثماني : روي أن عثمان بعد مراجعة أول نسخة من القرآن قال : إنني أرى أخطاء لغوية فيه ، وإن العرب سوف يقرؤونه بالطريقة الصحيحة لأنه نزل على لسانهم

. ثم قيل بعد ذلك ، إن ابن الخطيب الذي ذكر لنا الرواية السابقة في كتابه " الفرقان " ذكر رواية أخرى عن عائشة ، أن واحدة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم قالت :

إن هناك ثلاثة أخطأ لغوية في القرآن ، في مثل قوله تعالى : ( قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضهما.....

.) وقوله تعالى : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم والآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) وفي قوله تعالى :

لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ) وقد قرأت دحض هذه الشبهات في كتاب

قراءات القرآن " لأحمد علي الإمام ، ولكنني رأيت أن هذه القراءات قد وضعت من قبل المبشرين بالمسيحية ، وإنني أريد منكم أن تلقوا بعض الضوء في تأكيد هذه الروايات . جزاكم الله خيرا.

الجواب

الحمد لله

لا يسعنا في الجواب على هذا السؤال أن نخفي عجبنا البالغ من استمراء هذه الشبهة على كثير من الباحثين والمثقفين ، بل ولا أن نخفي عجبنا من طروء

هذه الشبهة أصلا ، ليس من باب التسليم لعصمة القرآن الكريم بحفظ الله له فحسب ، وإنما لما نراه من وهاء هذه الشبهة وسقوطها في مقاييس العقل والحكمة والمنطق السليم .

ونحن نوجز بيان ذلك بالنقاط الآتية :

أولا :

إذا عرفنا أن القواعد الإعرابية والقضايا النحوية إنما هي مبنية تبعا لأساليب الكلام التي تنقل إلينا من عصور الاحتجاج ، ولا يختلف اللغويون في أن عصر الرسالة هو من عصور الاحتجاج

فكل كلمة تنقل إلينا نقلا صحيحا هي حجة لغوية صحيحة ، بل وقاعدة من قواعد النحو العربي .

ثانيا :

لتوضيح ذلك أيضا نقول : هل يجوز لباحث أن يأتي إلى بعض أبيات امرئ القيس التي تناقلها العلماء بالتسليم ، فيرى فيها خطأ نحويا أو لغويا في نظره ، فيحكم على امرئ القيس باللحن والخطأ ؟!!

ألا يكون في ذلك مصادرة لقواعد أصول النحو التي بني عليها ، وهدم لأسس هذا العلم نفسه ؟!!

فكيف إذا حكم أحد الجاهلين بخطأ القرآن الكريم لغويا أو نحويا وقد تناقله الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان في زمن الاحتجاج والكلام العربي الفصيح

بل وتناقله العلماء والنحاة وأهل الفصاحة والبيان من غير نكير بينهم ، اللهم إلا في بعض الوجوه والقراءات التي لم تنقل لبعض النحاة على وجه التواتر .

ألا يكون هذا الجاهل أولى بالنكير والتخطئة ممن يحكم بخطأ العرب الأقحاح الذين تستنبط قواعد اللغة من كلامهم وبيانهم ؟!!

ثالثا :

وإذا تأمل الناظر في الآيات التي ينسب إليها الخطأ جزم أنها تجري على قواعد النحو المشهورة ، وأنَّ توهُّمَ الخطأ فيها بعيد كل البعد :

يقول السيوطي رحمه الله :

" وقد تكلم أهل العربية على هذه الأحرف ووجهوها على أحسن توجيه :

أما قوله : ( إنَّ هذان لساحران ) ففيه أوجه :

أحدها : أنه جار على لغة من يجري المثنى بالألف في أحواله الثلاثة ، وهي لغة مشهورة لكنانة ، وقيل لبني الحارث .

الثاني : أن اسم ( إنَّ ) ضمير الشأن محذوفا ، والجملة ـ مبتدأ وخبر ـ خبر إن .

الثالث : كذلك ، إلا أن ساحران خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير لهما ساحران .

الرابع : أن ( إنَّ ) هنا بمعنى نعم .

الخامس : أن ( ها ) ضمير القصة اسم ( إنَّ ) وذان لساحران مبتدأ وخبر ، وتقدم رد هذا الوجه بانفصال ( إن ) ، واتصال ( ها ) في الرسم .

قلت – هو السيوطي - : وظهر لي وجه آخر ، وهو أن الإتيان بالألف لمناسبة ساحران يريدان ، كما نون سلاسلا لمناسبة وأغلالا ، و ( من سبإ ) لمناسبة بنبإ.

وأما قوله : ( والمقيمين الصلاة ) ففيه أيضا أوجه :

أحدها : أنه مقطوع إلى المدح ، بتقدير أمدح ؛ لأنه أبلغ .

الثاني : أنه معطوف على المجرور في ( يؤمنون بما أنزل إليك ) أي : ويؤمنون بالمقيمين الصلاة ، وهم الأنبياء ، وقيل الملائكة ، وقيل التقدير يؤمنون بدين المقيمين ، فيكون المراد بهم المسلمين ، وقيل بإجابة المقيمين .

الثالث : أنه معطوف على ( قبل ) ، أي : ومن قبل المقيمين ، فحذفت ( قبل ) وأقيم المضاف إليه مقامه .

الرابع : أنه معطوف على الكاف في ( قبلك ) .

الخامس : أنه معطوف على الكاف في ( إليك ).

السادس : أنه معطوف على الضمير في ( منهم )

حكى هذه الأوجه أبو البقاء .

وأما قوله : ( والصابئون ) ففيه أيضا أوجه :

أحدها : أنه مبتدأ حذف خبره ، أي : والصابئون كذلك .

الثاني : أنه معطوف على محل إن مع اسمها ، فإن محلهما رفع بالابتداء .

الثالث : أنه معطوف على الفاعل في ( هادوا ) .

الرابع : أن ( إن ) بمعنى نعم ، فالذين آمنوا وما بعده في موضع رفع ( والصابئون )، عطف عليه .

الخامس : أنه على إجراء صيغة الجمع مجرى المفرد ، والنون حرف الإعراب .

حكى هذه الأوجه أبو البقاء "

انتهى من" الإتقان في علوم القرآن " (1247-1249) تحقيق مركز الدراسات القرآنية .

ونحن نعلم أن شرح هذه الأوجه الإعرابية يطول ، وقد لا يفهمها كثير من القراء لدقتها

ولكننا نقلناها ههنا كي يعلم الجاهلون الطاعنون في القرآن الكريم مدى جهلهم بعلوم النحو واللغة ، فيقفوا عند حدودهم ، ولا يتجاوزوا منطق العقل السليم .

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 15:02
رابعا :

أما الروايات الواردة عن بعض الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم في هذا الموضوع فهي كثيرة ، جمعها الحافظ السيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن " (ص/1236-1257) وتكلم عليها كلاما مفصلا

ونحن نقتصر ههنا على تخريج ما ورد السؤال عنه ، وهو ما جاء عن عائشة وعثمان بن عفان رضي الله عنهما في هذا الشأن :

الأثر الأول : عن عائشة رضي الله عنها.

يرويه هشام بن عروة عن أبيه قال :

سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) المائدة/69، ( والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ) النساء/162

و ( إنَّ هذان لساحران ) طه/63، فقالت : يا ابن أختي ! هذا عمل الكُتَّاب ، أخطؤوا في الكِتاب .

وقد رواه عن هشام بن عروة اثنان من الرواة الكوفيين :

1- أبو معاوية الضرير : رواه سعيد بن منصور في " السنن " (4/1507، رقم/769) وهذا لفظه

وأبو عبيد في " فضائل القرآن " (ص/229، رقم/556)، ومن طريقه أبو عمرو الداني في " المقنع " (ص/119)، وأخرجه ابن جرير الطبري في " جامع البيان " (9/395)، وابن أبي داود في " المصاحف " (ص/43).

2- علي بن مسهر الكوفي : كما جاء عند عمر بن شبة بسنده في " تاريخ المدينة " (3/1013-1014)

وهذا إسناد لا يقبل أن يروى بمثله هذا الأثر ، وعلته كلام النقاد في حديث هشام بن عروة نفسه في العراق ، فهو وإن كان إماما ثقة ، الأصل في حديثه الصحة والقبول

إلا أنه وقعت له بعض الأخطاء اليسيرة التي يتنبه لها العلماء من خلال التأمل في المتن ، والبحث عن المتابعات

والشواهد ، ولما كان في متن هذا الأثر نكارة ظاهرة ، ولم يرد من طريق أخرى متابعة له : أمكننا القول بوقوع الخطأ فيه .

يقول الإمام الذهبي رحمه الله :

" ولما قدم – يعني هشام بن عروة - العراقَ في آخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم ، في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجودها ، ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الثقات "

انتهى من" ميزان الاعتدال " (4/301)

وانظر تحقيق " سنن سعيد بن منصور " للدكتور سعد الحميد (2/659)

وينظر أيضا : تعليق الدكتور سعد الحميد ، حفظه الله ، على هذا الأثر ، في تخريجه لسنن سعيد بن منصور (4/507-514) .

فإن قال قائل : فكيف يروي البخاري رحمه الله ، وكذلك مسلم في صحيحيهما أحاديث هشام بن عروة من رواية العراقيين

بل من رواية أبي معاوية أيضا ، وأنتم ههنا تردونها ، وقد صحح السيوطي هذه الرواية في " الإتقان " (ص/1236) وقال : على شرط الشيخين ؟

فالجواب عن ذلك أننا نردها ههنا لما في المتن من نكارة ظاهرة ، إذ من المستبعد ألا تكون عائشة رضي الله عنها قد سمعت هذه الآيات بهذا الإعراب من في رسول الله صلى الله عليه وسلم

وتظن أن الخطأ وقع فيها من نساخ القرآن الكريم .

والنقاد إذا وجدوا نكارة مقطوعا بها في المتن بحثوا في السند عن العلة الخفية التي وقع بسببها هذا الضعف ، وهي هنا حديث هشام بن عروة في العراق .

الأثر الثاني : عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

رواه عنه جماعة من الرواة :

1-عكرمة مولى ابن عباس قال : ( لما كتبت المصاحف عُرضت على عثمان ، فوجد فيها حروفا من اللحن ، فقال : لا تغيروها ؛ فإن العرب ستغيرها - أو قال ستعربها بألسنتها

- لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف ) رواه أبو عبيد في " فضائل القرآن " (2/103، رقم/562)، وابن أبي داود في " المصاحف " (1/235، رقم/110)،

وعزاه السيوطي في " الإتقان " (ص/1239) لابن الأنباري في كتاب : " الرد على من خالف مصحف عثمان "، ولابن أشتة في كتاب : " المصاحف "، وهما كتابان مفقودان

. وهي رواية ضعيفة

لأن رواية عكرمة عن عثمان بن عفان مرسلة ، كما هي عن أبي بكر وعلي بن أبي طالب وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، انظر " جامع التحصيل " (ص/239)، وقد صرح أبو عمرو الداني في " المقنع " (ص/115

) بالانقطاع بين عكرمة وعثمان ، هذا وقد سمي عكرمة عند ابن أبي داود في " المصاحف " بالطائي ، وليس مولى ابن عباس ، ولم نقف له على ترجمة .

2-يحيى بن يعمر : قال : رواه ابن أبي داود في " المصاحف " (1/233)، وابن أشتة في " المصاحف " كما ذكر ذلك السيوطي في " الإتقان " (ص/1240) وهي رواية مرسلة أيضا

إذ لا يبدو من ترجمة يحيى بن يعمر أنه أدرك عثمان بن عفان رضي الله عنه، انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " (11/305)، وقد حكم البخاري عليه بالانقطاع

كما في " التاريخ الكبير " (5/170) ثم إن في السند اضطرابا ، فمرة يروى عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن فطيمة أو ابن أبي فطيمة ، وتارة بالعكس

فيروى عن ابن فطيمة عن يحيى بن يعمر ، كما في " تاريخ المدينة " (3/1013)، وقتادة يروي مرة عن نصر بن عاصم عن يحيى ، وتارة يروي عن يحيى مباشرة ولا يذكر نصرا

وقد يكون بينه وبين يحيى راويان كما في الموضع السابق من تاريخ المدينة

وقد نبه على هذا الاختلاف الباقلاني في " الانتصار للقرآن " (2/136-137).

3-عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر : رواه ابن الأنباري في " الرد على من خالف مصحف عثمان

" كما ذكر ذلك السيوطي في " الإتقان " (ص/1240) وعبد الأعلى ترجمته في " تهذيب التهذيب " (6/87) وليس فيها توثيق له من أحد من أهل العلم .

4-قتادة : رواه ابن أبي داود في " المصاحف " ولفظه : ( أن عثمان رضي الله عنه لما رفع إليه المصحف قال : إن فيه لحنا ، وستقيمه العرب بألسنتها ) وفي السند إليه إبهام بقول أحد الرواة : حدثنا أصحابنا .

فيتحصل مما سبق أنه لا تصح أسانيد هذه الآثار ، وضعف أسانيدها يشكك في دقة متونها ، وعن مصدر هذه المتون .

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 15:02
خامسا :

وقد أجاب العلماء عن هذه الآثار بأجوبة أخرى ، نسردها ههنا موجزة ، ثم نتبعها بالنقول المطولة عن أهل العلم لمن أراد الفائدة :

1-اتفاق مصاحف الصحابة جميعهم على هذه الآيات ، واتفاق المسلمين على القراءة بها خلفا عن سلف ، دليل على عدم وقوع اللحن من الكاتب ، بل هكذا سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم .

2-توافر همم الصحابة والتابعين على نقل القرآن الكريم ، بل ونقل تفاصيل السنة النبوية، وخدمة هذا الدين بالمهج والأرواح والأموال

يقضي بتعذر وقوع أخطاء من كتاب القرآن الكريم ، ثم لا يصلحها أحد بعدهم إلى يومنا هذا .

3-غير ممكن أن يتولى عثمان رضي الله عنه نسخ القرآن ونشره في الآفاق ليرفع الخلاف بين القراء ، ثم يترك في هذه المصاحف خطأ سببه الكتاب ، ولا يأمر بإصلاحه ، التصديق بذلك مخالف لمقتضيات العقل السليم
.
4-يمكن فهم كلام عثمان على أنه أراد باللحن : اللحن في التلاوة بسبب اشتباه الرسم على الناس في بعض الأحيان ، فطمأن أن سلامة ألسنة العرب ستصحح تلاوة من يخطئ في قراءة كلمات القرآن

. هذا تفسير أبي عمرو الداني للأثر .

5-كما يمكن فهم كلام عائشة على أنها ترى أن لو اختيرت القراءات الأخرى الموافقة للمشهور

من قواعد اللغة العربية بين العامة لكان أفضل ، فتخطئتها للكتاب بمعنى مخالفة القراءة المشهورة ، والوجه الفاشي في العرب من أعاريبها .

قال ابن جرير الطبري رحمه الله :

" في قراءة أبيّ بن كعب : ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ ) ، وكذلك هو في مصحفه فيما ذكروا ، فلو كان ذلك خطأ من الكاتب لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف

غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه ، بخلاف ما هو في مصحفنا ، وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبيّ في ذلك ما يدل على أنّ الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ

مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخطِّ لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمون من علَّموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن

ولأصلحوه بألسنتهم ، ولقَّنوه الأمة تعليمًا على وجه الصواب
.
وفي نقل المسلمين جميعًا ذلك قراءةً على ما هو به في الخط مرسومًا أدلُّ الدليل على صحة ذلك وصوابه ، وأن لا صنع في ذلك للكاتب "

انتهى من" جامع البيان " (9/397) .

وينظر أيضا : " الكشاف " ، للزمخشري (1/590) .

ويقول أبو عمرو الداني رحمه الله :

" فإن قال قائل : فما تقول في الخبر الذي رويتموه عن يحيى بن يعمر وعكرمة مولى ابن عباس عن عثمان رضي الله عنه : إن المصاحف لما نّسخت عُرضت عليه فوجد فيها حروفا من اللحن فقال

اتركوها فإن العرب ستقيمها أو ستعربها بلسانها . إذ يدل على خطأ في الرسم ؟

قلت : هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة ، ولا يصح به دليل ، من جهتين :

أحدهما : أنه مع تخليط في إسناده ، واضطراب في ألفاظه : مرسل ؛ لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئا ، ولا رأياه .

وأيضا : فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان رضي الله عنه ، لما فيه من الطعن عليه

مع محلّه من الدين ، ومكانه من الإسلام ، وشدّة اجتهاده في بذل النصيحة ، واهتباله بما فيه الصلاح للأمة ، فغير ممكن أن يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأتقياء

الأبرار نظرا لهم ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم ، ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنا وخطأ يتولى تغييره من يأتي بعده ممن لا شك أنه لا يدرك مداه ولا يبلغ غايته

ولا غاية من شاهده ، هذا ما لا يجوز لقائل أن يقوله ، ولا يحل لأحد أن يعتقده .

فإن قال :

فما وجه ذلك عندك لو صحّ عن عثمان رضي الله عنه ؟

قلت : وجهه أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد باللحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم

إذ كان كثير منه لو تُلي على رسمه لانقلب بذلك معنى التلاوة ، وتغيرت ألفاظها ، ألا ترى قوله ( أو لاأذبحنّه ) و ( لاأوضعوا ) و ( من نبأي المرسلين ) و ( سأوريكم ) و ( الربوا ) وشبهه مما زيدت الألف والياء والواو في رسمه

لو تلاه تالٍ لا معرفة له بحقيقة الرسم على صورته في الخط... ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من أصله ، فأتى من اللحن بما لا خفاء به على من سمعه ، مع كون رسم ذلك كذلك جائزا مستعملا

فأعلم عثمان رضي الله عنه إذ وقف على ذلك أن من فاته تمييز ذلك ، وعزبت معرفته عنه ممن يأتي بعده

سيأخذ ذلك عن العرب ، إذ هم الذين نزل القرآن بلغتهم ، فيعرِّفونه بحقيقة تلاوته ، ويدلّونه على صواب رسمه ، فهذا وجهه عندي . والله أعلم .

فإن قيل : فما معنى قول عثمان رضي الله عنه في آخر هذا الخبر : ( لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف ) ؟

قلت : معناه : أي توجد فيه مرسومة بتلك الصور المبنية على المعاني دون الألفاظ المخالفة لذلك ، إذ كانت قريش ومَن ولي نَسْخ المصاحف مِن غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة

وسلكوا فيها تلك الطريقة ، ولم تكن ثقيف وهذيل مع فصاحتهما يستعملان ذلك ، فلو أنهما وليتا من أمر المصاحف ما وليه من تقدم من المهاجرين

والأنصار لَرَسَمَتا جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللفظ ووجدها في المنطق دون المعاني والوجوه

إذ ذلك هو المعهود عندهما ، والذي جرى عليه استعمالها ، هذا تأويل قول عثمان عندي لو ثبت وجاء مجيء الحجّة وبالله التوفيق .

فإن قيل : فما تأويل الخبر الذي رويتموه أيضا عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن

عن قوله : ( إن هذين لسحران )، وعن : ( والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة )، وعن ( إن الذين ءامنوا والذين هادوا.. والصبئون ) فقالت : يا ابن أختي ! هذا عمل الكتّاب ، أخطئوا في الكتابة .

قلت : تأويله ظاهر ، وذلك أن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم تزاد فيها لمعنى وتنقص منها لآخر ، تأكيدا للبيان ، وطلبا للخفة ، وإنما سألها فيه عن حروف من القراءة المختلفة الألفاظ

المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي أذن الله عز وجل لنبيه عليه السلام ولأمته في القراءة بها ، واللزوم على ما شاءت منها ، تيسيرا لها ، وتوسعة عليها

وما هذا سبيله وتلك حاله ، فعن اللحن والخطأ والوهم والزلل بمعزل ، لفشوه في اللغة ، ووضحه في قياس العربية ، وإذا كان الأمر في ذلك كذلك ، فليس ما قصدته فيه بداخل في معنى المرسوم

ولا هو من سببه في شيء ، وإنما سمى عروة ذلك لحنا ، وأطلقت عائشة على مرسومه كذلك الخطأ ، على جهة الاتساع في الأخبار ، وطريق المجاز في العبارة

إذ كان ذلك مخالفا لمذهبهما ، وخارجا عن اختيارهما ، وكان الأوجه والأولى عندهما ، والأكثر والأفشى لديهما ، لا على وجه الحقيقة والتحصيل والقطع ، لما بيناه قبل من جواز ذلك ، وفشوه في اللغة ،

واستعمال مثله في قياس العربية ، مع انعقاد الإجماع على تلاوته كذلك دون ما ذهبا إليه

إلا ما كان من شذوذ أبي عمرو بن العلاء في ( إن هذين ) خاصة ، هذا الذي يحمل عليه هذا الخبر ويتأول فيه

دون أن يقطع به على أن أم المؤمنين رضي الله عنها مع عظم محلها وجليل قدرها واتساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لحَّنت الصحابة

وخطَّأت الكتبة، وموضعها من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر ، هذا ما لا يسوغ ولا يجوز .

وقد تأول بعض علمائنا قول أم المؤمنين : ( أخطأوا في الكتاب )، أي : أخطأوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه ، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز ، لأن ما لا يجوز مردود بإجماع ،

وإن طالت مدة وقوعه ، وعظم قدر موقعه ، وتأول اللحن أنه القراءة واللغة ، كقول عمر رضي الله عنه : ( أُبَيٌّ أقرؤنا ، وإنا لندع بعض لحنه ) أي قراءته ولغته ، وهذا بيِّنٌ ، والله الموفق "

انتهى من" المقنع " (118-119) .

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 15:03
ويقول السيوطي رحمه الله :

" هذه الآثار مشكلة جدا :

وكيف يظن بالصحابة أولا أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن وهم الفصحاء اللد !

ثم كيف يظن بهم ثانيا في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل ، وحفظوه ، وضبطوه ، وأتقنوه !
ثم كيف يظن بهم ثالثا اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته !

ثم كيف يظن بهم رابعا عدم تنبههم ورجوعهم عنه !

ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهى عن تغييره !

ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضي ذلك الخطأ ، وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف !!

هذا مما يستحيل عقلا وشرعا وعادة .

وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة :

أحدها : أن ذلك لا يصح عن عثمان ، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع

ولأن عثمان جعل للناس إماما يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها ، فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك ، وهم الخيار ، فكيف يقيمه غيرهم !!

وأيضا فإنه لم يكتب مصحفا واحدا بل كتب عدة مصاحف ، فإن قيل : إن اللحن وقع في جميعها فبعيد اتفاقها على ذلك ، أو في بعضها :

فهو اعتراف بصحة البعض ، ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف ، ولم تأت المصاحف قط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة ، وليس ذلك بلحن .

الوجه الثاني : على تقدير صحة الرواية إن ذلك محمول على الرمز ، والإشارة ، ومواضع الحذف ، نحو : الكتب ، والصبرين ، وما أشبه ذلك .

الثالث : أنه مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها ، كما كتبوا ( ولاأوضعوا )، و ( لاأذبحنه ) بألف بعد لا ، و ( جزاؤا الظالمين ) بواو وألف ، و ( بأييد ) بيائين ، فلو قرئ بظاهر الخط لكان لحنا .

وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشته في كتاب المصاحف .

وقال ابن الأنباري في كتاب " الرد على من خالف مصحف عثمان " في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك : لا تقوم بها حجة ؛ لأنها منقطعة غير متصلة ، وما يشهد عقل بأن عثمان -

وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته وقدوتهم - يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام ، فيتبين فيه خللا ، ويشاهد في خطه زللا فلا يصلحه ، كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز

ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده ، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه ، والوقوف عند حكمه ، ومن زعم أن عثمان أراد بقوله أرى فيه لحنا

أرى في خطه لحنا إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب فقد أبطل ولم يصب ؛ لأن الخط منبئ عن النطق ، فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه

ولم يكن عثمان ليؤخر فسادا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق ، ومعلوم أنه كان مواصلا لدرس القرآن ، متقنا لألفاظه ، موافقا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي

ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن عبد الله بن مبارك ، حدثنا أبو وائل شيخ من أهل اليمن ، عن هانئ البربري ، مولى عثمان قال : كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف

فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها : ( لم يتسن )، وفيها : ( لا تبديل للخلق )

وفيها : ( فأمهل الكافرين )، قال : فدعا بالدواة فمحا أحد اللامين فكتب لخلق الله ، ومحى فأمهل ، وكتب فمهل ، وكتب لم يتسنه ، ألحق فيها الهاء .

قال ابن الأنباري : فكيف يدعى عليه أنه رأى فسادا فأمضاه وهو يوقف على ما كتب ويرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين ليحكم بالحق ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده انتهى.

قلت ويؤيد هذا أيضا ما أخرجه ابن أشته في المصاحف قال : حدثنا الحسن بن عثمان ، أنبأنا الربيع بن بدر ، عن سوار بن شبيب قال : سألت ابن الزبير عن المصاحف

فقال : قام رجل إلى عمر فقال : يا أمير المؤمنين ! إن الناس قد اختلفوا في القرآن ! فكان عمر قد هم أن يجمع القرآن على قراءة واحدة ، فطعن طعنته التي مات بها ، فلما كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجل فذكر له

فجمع عثمان المصاحف ، ثم بعثني إلى عائشة ، فجئت بالصحف فعرضناها عليها حتى قومناها ، ثم أمر بسائرها فشققت .

فهذا يدل على أنهم ضبطوها وأتقنوها ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم.

ثم قال ابن اشته : أنبأنا محمد بن يعقوب ، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، أنبأنا أحمد بن مسعدة ، أنبأنا إسماعيل ، أخبرني الحارث بن عبد الرحمن

عن عبد الأعلى ابن عبد الله بن عامر قال : لما فرغ من المصحف أتي به عثمان فنظر فيه فقال : أحسنتم وأجملتم أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا .

فهذا الأثر لا إشكال فيه ، وبه يتضح معنى ما تقدم ، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته ، فرأى فيه شيئا كتب على غير لسان قريش كما وقع لهم في

: التابوة والتابوت فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش ، ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم ، ولم يترك فيه شيئا

ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرفها ، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان ، فلزم منه ما لزم من الإشكال ، فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك ، ولله الحمد.

وبعد فهذه الأجوبة لا يصلح منها شيء عن حديث عائشة :

أما الجواب بالتضعيف فلأن إسناده صحيح كما ترى .

وأما الجواب بالرمز وما بعده فلأن سؤال عروة عن الأحرف المذكور لا يطابقه .

فقد أجاب عنه ابن أشته وتبعه ابن جبارة في " شرح الرائية " بأن معنى قولها : ( أخطئوا ) أي : في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه

لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز . قال : والدليل على ذلك أن ما لا يجوز مردود بإجماع وإن طالت مدة وقوعه .

قال : وأما قول سعيد بن جبير لحن من الكاتب ، فيعني باللحن القراءة واللغة ، يعني أنها لغة الذي كتبها وقراءته ، وفيها قراءة أخرى.

ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال : ( إن هذان لساحران )، و ( إن هذين لساحران ) سواء لعلهم كتبوا الألف مكان الياء ، والواو في قوله : ( والصابئون ) مكان الياء .

قال ابن أشته : يعني أنه من إبدال حرف في الكتاب بحرف ، مثل : الصلوة ، والزكوة ، والحيوة.

وأقول : هذا الجواب إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء فيها والكتابة بخلافها ، وأما القراءة على مقتضى الرسم فلا "

انتهى من" الإتقان في علوم القرآن " (ص/1241-1247) .

وينظر أيضا : " مجموع الفتاوى "

لشيخ الإسلام ابن تيمية (15/252-255) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 15:13
حقائق القرآن ليست كأساطير الحضارات السابقة

السؤال

قال تعالى : ( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) القلم . وقال تعالى : ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً ) الفرقان .

وقال تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ) الأنفال .

فعلى ما يبدو من سياق هذه الآيات أن أصحاب مكة كانوا قد سمعوا بهذه الآيات من قبل ، وإلا لماذا كانوا يردون بهذا الرد ، بل إن هناك بعض المؤرخين من يقول إن حكايات وأساطير خلق الكون كانت حكايات ذائعة الصيت

وأن وصف القرآن لهذه الآيات والحقائق لا يختلف كثيراً عما ترويه الأساطير البابلية والسومرية .

وقد ذُكر في تفسير الجلالين عند تفسير قوله : ( قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) أن هذه العبارة قالها النضر بن الحارث ؛ لأنه كان تاجراً يسافر في الأمصار

وأنه اشترى كتباً تحتوي على الحكايات الفارسية ، وأنه كان يقص هذه القصص على أصحابه من أهل مكة ، وكان يقول : إن هذا القرآن ليس سوى قصص وخرافات وأكاذيب الأولين .

السؤال : كيف نستطيع أن ندحض ونفند هذه الادعاءات على ضوء الحقائق التاريخية ؟ أرجو تزويدي بشرح علمي يتوافق مع المنطق . وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله

ينبغي أن نعلم أولا ، حتى يكون بحثنا بحثا علميا جادا ، أن كلام كفار قريش لم يكن نقاشا جادا

ولم تكن رغبة صادقة في المعرفة والوصول إلى الحقيقة ، إنما كان مجرد محاولات للتكذيب

وصرف القلوب والأسماع عن القرآن ، كان محاولة لإغماض العيون عن ذلك النور الجديد الذي جاء ، كما قال الله عنهم : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) فصلت/26

والآيات في هذا كثيرة جدا ، وأحداث السيرة ترجمان واقعي لذلك ، لمن شاء أن يراجعها ويعلم ما فيها .

ومن هذا الباب كان اتهام الكفار القرآن الكريم بأنه من أساطير الأولين ، كما حكى الله عز وجل ذلك عنهم في آيات كثيرة

فقال سبحانه : ( حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) الأنعام/25

وقال عز وجل : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) الأنفال/3

وقال عزَّ مِن قائل : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) النحل/24، ونحو ذلك من الآيات .

وإذا كان هذا القائل ، أو غيره ، قد زعم أن القرآن أساطير الأولين ، وهو جاد في تهمته ، وعنده من العلم ما يمكنه من المطابقة بين الأمرين ، ليثبت أن القرآن مأخوذ من هذه الأساطير

فيقال له : القرآن قد تحداك ، وتحدى البشر جميعا أن تأتوا بشيء من مثله ؛ فهلا أخذتم من أساطير الأولين كما أخذ ، وأتيتم بقرآن مثله ، إن كنتم صادقين ؟!! ولا أدل على كذب كفار قريش من قولهم "

لو نشاء لقلنا مثل هذا " فما الذي أقعدهم عن الإتيان بسورة من مثل سور القرآن ، كما تحداهم الله بقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) سورة البقرة/23.


وهلا أتى النضر بن الحارث ، وهو صاحب الحكايات والأساطير الذي جاء بها ، هلا أتى بقرآن مثل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم

- أو بعشر سور ، أو بسورة مثل القرآن - ليثبت للناس انتصاره في تحدي القرآن ، وأن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كذب في دعواه إنه من عند الله ؟!!

فاعتبروا يا أولي الأبصار ، وتذكروا يا أولي الألباب !!

يقول العلامة الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله :

" وهنا يقال بالبديهة لمن يزعم في هذا المصدر أو ذاك ، أنه الأساس الذي بنى عليه القرآن أخباره

يقال : " إذا كان هذا المصدر صالحا بالفعل للأخذ عنه ، ألم يكن طبيعيا ، وفي متناول معارضيه أن يلجأوا إليه ، ويحطموا به طموح محمد ... ؟!!" .

انتهى من"مدخل إلى القرآن الكريم"

د. محمد عبد الله دراز (135)
.
ثانياً :

إن مجرد هذا القول من قريش هي دعوى خصم في مواجهة خصمه ، وما لم يقم الدليل البيِّن عليها : لن يكون لها أية قيمة في ميزان النقاش العلمي الصحيح

وفي القرآن الكريم ما يدل على تصديق ما سبق ، وأن كفار قريش لم يكونوا على علم بقصص القرآن الكريم ، وإنما أرادوا التهمة المجردة بالتكذيب .

تجد ذلك في قول الله تعالى : ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) هود/49.

وقوله عز وجل : ( وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ . مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ ) ص/6-7.

وقوله سبحانه وتعالى : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) النمل/76.

يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" إبطال لقول الذين كفروا : ( إن هذا إلا أساطير الأولين ) فإن القرآن وحي من عند الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فكل ما فيه فهو من آثار علم الله تعالى

فإذا أراد الله تعليم المسلمين شيئا مما يشتمل عليه القرآن فهو العلم الحق

ومن ذلك ما اشتمل عليه القرآن من تحقيق أمور الشرائع الماضية والأمم الغابرة مما خبطت فيه كتب بني إسرائيل خبطا من جراء ما طرأ على كتبهم من التشتت

والتلاشي وسوء النقل من لغة إلى لغة في عصور انحطاط الأمة الإسرائيلية " انتهى باختصار.

" التحرير والتنوير " (20/30)

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 15:14
ثالثا :

ليس يكفي لمن يريد أن يثبت دعواه ضد القرآن الكريم أن يأتي بحقيقة في القرآن ليقول إن هذه الحقيقة كانت معروفة قبل النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أن هذا الحدث التاريخي موجود عند أهل الكتاب

أو عند غيرهم من أهل الأخبار ؛ فلا يقول عاقل إن على القرآن أن يخالف حقائق العلم والعقل المعروفة في زمانه حتى يثبت للناس أنه قد أتى بكل جديد ، وليس مطلوبا منه أن يخترع تاريخا جديدا للخلق والناس

حتى يصدقوا أنه لم يتأثر بمعارف أهل التواريخ ؛ فهذا لا يقوله عاقل يعرف ما يقول .

يقول الأستاذ الدكتور عبد العظيم المطعني رحمه الله في مناقشة مثل هذه الشبهة :

" الاقتباس عملية فكرية لها ثلاثة أركان:

الأول: الشخص المُقتَبَس منه.

الثانى: الشخص المُقتَبِس (اسم فاعل).

الثالث: المادة المُقتَبَسَة نفسها (اسم مفعول).

والشخص المقُتَبَس منه سابق إلى الفكرة ، التى هى موضوع الاقتباس

أما المادة المقُتَبَسَة فلها طريقتان عند الشخص المُقِتَبس ، إحداهما: أن يأخذ المقتبس الفكرة بلفظها ومعناها كلها أو بعضها. والثانية: أن يأخذها بمعناها كلها أو بعضها كذلك ويعبر عنها بكلام من عنده.

والمقتبس فى عملية الاقتباس أسير المقتبس منه قطعاً ودائر فى فلكه ؛ إذ لا طريق له إلى معرفة ما اقتبس إلا ما ذكره المقتبس منه. فهو أصل ، والمقتبس فرع لا محالة.

وعلى هذا فإن المقتبس لابد له وهو يزاول عملية الاقتباس من موقفين لا ثالث لهما:

أحدهما: أن يأخذ الفكرة كلها بلفظها ومعناها ، أو بمعناها فقط.

وثانيهما: أن يأخذ جزءً من الفكرة باللفظ والمعنى ، أو بالمعنى فقط.

ويمتنع على المقتبس أن يزيد فى الفكرة المقتبسة أية زيادة غير موجودة فى الأصل

لأننا قلنا: إن المقتبس لا طريق له لمعرفة ما اقتبس إلا ما ورد عند المقتبس منه ، فكيف يزيد على الفكرة والحال أنه لا صلة له بمصادرها الأولى إلا عن طريق المقتبس منه.

إذا جرى الاقتباس على هذا النهج صدقت دعوى من يقول إن فلاناً اقتبس منى كذا.

أما إذا تشابه ما كتبه اثنان ، أحدهما سابق والثانى لاحق ، واختلف ما كتبه الثانى عما كتبه الأول مثل:

1- أن تكون الفكرة عند الثانى أبسط وأحكم ، ووجدنا فيها مالم نجده عند الأول.

2- أو أن يصحح الثانى أخطاء وردت عند الأول ، أو يعرض الوقائع عرضاً يختلف عن سابقه.

فى هذه الحال لا تصدق دعوى من يقول إن فلانا قد اقتبس منى كذا.

ورَدُّ هذه الدعوى مقبول من المدعى عليه ، لأن المقتبِس (اتهامًا) لما لم يدُر فى فلك المقتبَس منه (فرضاً) ؛ بل زاد عليه وخالفه فيما ذكر من وقائع ، فإن معنى ذلك أن الثانى تخطى ما كتبه الأول

حتى وصل إلى مصدر الوقائع نفسها ، واستقى منها ما استقى . فهو إذن ليس مقتبِساً ، وإنما مؤسس حقائق تلقاها من مصدرها الأصيل ، ولم ينقلها عن ناقل أو وسيط.

وسوف نطبق هذه الأسس التى تحكم عملية الاقتباس على ما ادعاه القوم هنا وننظر:

هل القرآن عندما اقتبس ، كما يدعون من التوراة ، كان خاضعاً لشرطى عملية الاقتباس وهما: نقل الفكرة كلها ، أو الاقتصار على نقل جزء منها

فيكون بذلك دائراً فى فلك التوراة ، وتصدق حينئذ دعوى القوم بأن القرآن (معظمه) مقتبس من التوراة ؟

أم إن القرآن لم يقف عند حدود ما ذكرته التوراة فى مواضع التشابه بينهما ؟ بل:

1 عرض الوقائع عرضاً يختلف عن عرض التوراة لها.

2 أضاف جديداً لم تعرفه التوراة فى المواضع المشتركة بينهما.

3 صحح أخطاء " خطيرة " وردت فى التوراة فى مواضع متعددة.

4 انفرد بذكر " مادة " خاصة به ليس لها مصدر سواه.

5 فى حالة اختلافه مع التوراة حول واقعة يكون الصحيح هو ما ذكره القرآن . والباطل ما جاء فى التوراة بشهادة العقل والعلم .

إذا كان الاحتمال الأول هو الواقع فالقرآن مقتبس من التوراة..

أما إذا كان الواقع هو الاحتمال الثانى فدعوى الاقتباس باطلة ويكون للقرآن فى هذه الحالة سلطانه الخاص به فى استقاء الحقائق وعرضها ، فلا اقتباس ، لا من توراة ولا من إنجيل ولا من غيرهما.

لا أظن أن القارئ يختلف معنا فى هذه الأسس التى قدمناها لصحة الاتهام بالاقتباس عموماً.

وما علينا بعد ذلك إلا أن نستعرض بعض صور التشابه بين التوراة والقرآن ، ونطبق عليها تلك الأسس المتقدمة

تاركين الحرية التامة للقارئ سواء كان مسلماً أو غير مسلم فى الحكم على ما سوف تسفر عنه المقارنة ؛ أنحن على صواب فى نفى الاقتباس عن القرآن ؟.

والمسألة بعد ذلك ليست مسألة اختلاف فى الرأى يصبح فيها كل فريق موصوفاً بالسلامة ، وأنه على الحق أو شعبة من حق.

وإنما المسألة مسألة مصير أبدى من ورائه عقيدة صحيحة توجب النجاة لصاحبها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أو عقيدة فاسدة تحل قومها دار البوار ، يوم يقدم الله إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباءً منثوراً" انتهى.
ثم طبق رحمه الله هذه القاعدة على بعض النماذج التي يتبين بها بطلان الدعوى .

فليراجع بحثه مطولا ، والذي نشر في كتاب "حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين" ص (139)

وما بعدها ، والذي نشرته وزارة الأوقاف المصرية . [ والكتاب يوجد على الموسوعة الشاملة بعنوان "شبهات المشككين" .

*عبدالرحمن*
2019-01-14, 15:15
ويقول الدكتور عبد المحسن المطيري – في معرض الرد على من زعم أن القرآن نقل من غيره -
:
" 1- لقد تكفل الله تعالى بالرد على هذه الشبهة : وبالسبر والتقسيم نقول : إن القرآن يمكن أن يأتي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن أربع طرق : من عند نفسه ، من عند شخص

من كتاب ، من الله تعالى , أما من عند نفسه فقد تقدم معنا الرد على هذه الشبهة بأكثر من عشرة أوجه . أما من عند شخص ؛ فمن هو هذا الشخص ؟ أكثر الطاعنين على أنهم نصارى أو يهود ،

فرد الله تعالى عليهم أن لسان أولئك القوم ولغتهم أعجمية ، ولكن لغة هذا القرآن عربي مبين ، فكيف للأعجمي أن يأتي بأعلى الفصاحة وذروة البلاغة في اللغة العربية

: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل/103.

أما من كتاب ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) العنكبوت/48. فلم يبق إلا أنه من الله تعالى .

2- العهد القديم لم يكن مترجما إلى اللغة العربية قبل الإسلام ، وقد نص على ذلك المستشرقون أنفسهم

فهذا (جوتين) يقول عن صحائف اليهود : إن تلك الصحائف مكتوبة بلغة أجنبية . وقد أشارت الموسوعة البريطانية إلى عدم وجود ترجمة عربية لأسفار اليهود قبل الإسلام

وأن أول ترجمة كانت في أوائل العصر العباسي , وكانت بأحرف عبرية
.
كيف إذن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم منها، لابد على المستشرقين أن يفتروا كذبة جديدة , وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم درس لغة التوراة فكان يترجمها للقرآن ؟!!.

3- ومن لطائف الاستدلال على أنه لم ينقل من غيره ما يذكره العلماء في فوائد أسباب النزول ؛ إذ يذكرون أن من فوائد أسباب النزول أن دلالته على إعجاز القرآن , وأنه من الله تعالى من ناحية الارتجال

فنزوله بعد الحادثة مباشرة يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين ، أو من كتب السابقين

فلو كان ينقل كتابه من كتب غيره , لكان إذا سأله سائل يتريث حتى يراجع الكتب التي عنده , وينظر ماذا تقول في هذه المسألة ثم يجيب ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ,

بل يسأله الرجل فيعطيه الجواب الموافق للصواب ، الذي لم يكن قرأه ولا عرفه إلا في هذه اللحظة التي نزل عليه فيها , وقد ذكرت في مبحث أدلة صدق النبي وقائع كثيرة تدل على هذا المعنى
.
4- من أوضح الأدلة على رد دعوى النقل من غيره : التحدي أن يأتي بمثله ، كما تقدم تفصيل هذا في الردود العامة .
5- لو كان القرآن مأخوذا من التوراة والإنجيل والكتب السابقة ,

لما استطاع محمد صلى الله عليه وسلم أن يتحدى الناس ويقدم على هذا الخطأ الفادح

لأن هذه الأصول المنقول عنها موجودة في متناول أيدي الجميع ، فلماذا يتحدى الناس بشيء موجود ، ألا يخشى أن يقوم بعض الناس بالرجوع إلى مراجعه والعمل مثل عمله فينكشف !

6- ثم هذه الأساطير والمراجع ليست خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم , بل هي كتب متداولة بيد الجميع , فلماذا لا تحضرون لنا هذه الكتب التي نقل منها ؟!

7- افتراض تعلم النبي صلى الله عليه وسلم من نصارى الشام ويهود المدينة وغيرهم لا يتفق مع الحقيقة التاريخية التي تحدثنا عن الحيرة والتردد في موقف المشركين من رسول الله في محاولتهم لتفسير ظاهرة الرسالة ؛

لأن مثل هذه العلاقة مع النصارى أو اليهود لا يمكن التستر عليها أمام أعداء الدعوة من المشركين وغيرهم الذين عاصروه وعرفوا أخباره وخبروا حياته العامة بما فيها من سفرات ورحلات .

8- وجود بعض الشرائع في القرآن التي تتفق مع ما في التوراة والإنجيل أو حتى ما عند العرب ليس في هذا دليل على أنه مأخوذ منها ، فالقرآن لم يأت لهدم كل شيء , بل لتصحيح الخطأ وإقرار الحق

فالصدق والشجاعة والكرم والحلم والرحمة والعزة كل هذه المعاني موجودة عند كفار مكة ومع هذا جاء الإسلام ولم يغير منها شيئا

بل باركها وحث عليها ، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ) ولم يقل : لأنشئها .

إذن ليس من الضروري لكتاب هداية من هذا القبيل ، أن يشجب كل الوضع الذي كانت الإنسانية عليه قبله حتى يثبت صحة نفسه ، فمن الطبيعي أن يقر القرآن بعض الشرائع ، سواء في الكتب السابقة السماوية ,

أو في عادات الناس وأعرافهم ، وأما الخطأ فإنه لا يقره ، وقد نص القرآن على هذا المعنى في مثل

قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) يونس/37.

9- كيف يمكن اعتبار التوراة والإنجيل من أهم مصادر القرآن مع أن القرآن خالفها في كثير من الأشياء ؛ ففي بعض الأحداث التاريخية نجد القرآن يذكرها بدقة متناهية , ويتمسك بها بإصرار

في الوقت الذي كان بإمكانه أن يتجاهل بعضها ، على الأقل تفاديا للاصطدام بالتوراة والإنجيل ، ففي قصة موسى يشير القرآن إلى أن التي كفلت موسى هي امرأة فرعون ، مع أن سفر الخروج يؤكد أنها كانت ابنته

كما أن القرآن يذكر غرق فرعون بشكل دقيق , لا يتجاهل حتى مسألة نجاة بدن فرعون من الغرق مع موته وهلاكه ، في الوقت الذي نجد التوراة تشير إلى غرق فرعون بشكل مبهم

ويتكرر نفس الموقف في قضية العجل ؛ حيث تذكر التوراة أن الذي صنعه هو هارون ، وفي قصة ولادة مريم للمسيح - عليهما السلام - وغيرها من القضايا .

10 - من المعلوم أن في القرآن ما لا وجود له في كتب اليهود والنصارى ، مثل : قصة هود وصالح وشعيب ، فكيف أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!

11- وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النصارى الذين خالطهم ؛ من أمثال سلمان وصهيب وورقة

فلِمَ لم يفضحوه عندما سب النصارى وكفرهم في كتابه في عدة آيات ، حتى إن سورة المائدة ، وهي من آخر السور نزولا , كانت من أكثر السور تكفيرا للنصارى .

12-من تناقضهم زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ القرآن من سلمان وصهيب النصرانيين وابن سلام اليهودي وغيرهم ممن أسلم من أهل الكتاب ، وحقيقة الأمر أن إسلام هؤلاء حجة عليهم

إذ لو كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ القرآن والشريعة من أهل الكتاب ، فلماذا يتركون الأصل ويذهبون إلى الفرع ؟

13- لقد شهد المنصفون من المستشرقين بضد ذلك :

يقول المستشرق الإنجليزي لايتنر : بقدر ما أعرف من دِينَيِ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد ليس اقتباساً , بل قد أوحى إليه ربه, ولا ريب بذلك .

ويقول هنري دي كاستري : ثبت إذن أن محمدا لم يقرأ كتابا مقدسا , ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه "

انتهى من كتاب " الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري " (الباب الثاني/الفصل الثاني/المبحث الأول/المطلب الثاني) (ص/46 بترقيم الشاملة)

وانظر كتاب " شوائب التفسير في القرن الرابع عشر الهجري " (شوائب التفسير في القصص القرآني)

على أن أهم الكتب التي تعرضت لهذه المسألة ، ودرستها دراسة علمية ـ في اللغة العربية ـ هي : كتاب "مدخل إلى القرآن الكريم" للعلامة الشيخ محمد عبد الله دراز رحمه الله

وأيضا : كتاب "الظاهرة القرآنية" للمفكر الجزائري الكبير الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله .

ويستفاد أيضا من كتاب : "دفاع عن القرآن الكريم ضد منتقديه" للفيلسوف الكبير الدكتور عبد الرحمن بدوي ، وقد ألفه بالفرنسية ، ثم ترجم إلى العربية ، وإن كانت ترجمته سقيمة ، لكن ينتفع به .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-01-16, 15:58
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل تحسين القراءة في الصلاة من الرياء ؟

وهل يترك الإمامة من يخاف من ذلك ؟

السؤال

فقد منَّ الله عليَّ بصوت حسن وتلاوة طيبة لكتابه العزيز ، وقد اقترح عليَّ أهل المسجد أن أكون إماماً لهم في صلاة التراويح ، علماً بأني أحفظ أكثر من نصف القرآن

وأسأل الله أن يتم عليَّ نعمته بحفظ كتابه ، وقد ترددت في البداية خوفاً من الرياء لكنِّي استخرت الله عز وجل ، ثم قبلت ، والآن أنا أؤم القوم في المسجد ولكني أخاف من الرياء وأن يحبط عملي

ودائما أسأل الله الإخلاص ، وتراني أحاول إتقان التلاوة عندما أؤم الناس لكي يخشعوا أما أنا فأتأثر بالآيات إذا قرأتها وحدي ، وعندما أكون إماماً أحاول أن أتأثر بها وأن أتفكر في معانيها لكني قلَّ ما أفعل

, وإن فعلت فأحاول أن لا أظهر ذلك أمام الناس . فماذا يجب أن تكون نيتي وأنا أؤم الناس ؟ وكيف أحقق الإخلاص وأتغلب على وسواس الرياء ؟ . وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

اعلم أخانا الفاضل أن للشيطان مداخل على الصالحين ليتركوا طاعاتهم وعباداتهم ، فليس كل ما تشعر به أنه رياء هو كذلك ، وودَّ الشيطان لو ظفر بهذا من مثلك ليترك أحدكم طاعته وعبادته فيحقق للشيطان مقصوده

وإنما يبحث المسلم عن قلبه فيرى سلامته من عدمه ، وينزه أفعاله أن تُصرف لغير الله ، فيحافظ على عبادته أن لا يقوم بها ، ويحافظ عليها أن لا يضيع أجرها عند ربه .

ثانياً:

ومما ينبغي عليك معرفته أن تحسين الصوت وإتقان التلاوة في الصلاة ليسمعها الناس ليست من باب الرياء والسمعة من جهة ، وهي كذلك من جهة أخرى :

1. فإذا كنتَ تقصد بحسن قراءتك حصول الخشوع لقلبك والبكاء لعينك ، أو من أجل أن يتأثر الناس : فعملك مشروع ، بل هو مرغَّب فيه ، ومما يدل على ذلك :

أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ) .

رواه البخاري ( 7089 ) .

قال النووي – رحمه الله -
:
وقوله ( يتغنى بالقرآن ) معناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون : يحسِّن صوته به

." شرح مسلم " ( 6 / 78 ) .

والحديث رواه أبو داود ( 1471 ) وفيه زيادة :

قَالَ عبد الجبار بن الورد – أحد رجال الإسناد - : فَقُلْتُ لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَرَأَيْتَ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ ؟ قَالَ : " يُحَسِّنُهُ مَا اسْتَطَاعَ " .

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - :

الذي يتحصل من الأدلة : أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب ، فإن لم يكن حسناً فليحسنه ما استطاع كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث ، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح .

" فتح الباري " ( 9 / 72 ) .

ب. عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ ) .

رواه أبو داود ( 1468 ) والنسائي ( 1015 ) وابن ماجه ( 1342 ) .

قال الإمام أبو بكر الآجُرِّي – رحمه الله - :

عن صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال : قلت له قول النبي صلى الله عليه وسلم ( زينوا القرآن بأصواتكم ) ما معناه ؟ قال : التزين : أن تحسِّنه .

" أخلاق أهل القرآن " ( ص 160 ) وصححه محققه عنه .

ومما يؤكِّد جواز التكلف من أجل تحسين القراءة وجمال الصوت :

ج. عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قِرَاَءَتَكَ الْبَارِحَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ ) فَقَالَ : لَوْ عُلِّمْتُ لحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيراً .

رواه البيهقي في " سننه " ( 3 / 12 ) وقال الألباني – في " صحيح أبي داود " ( 5 / 232 ) - : سنده جيد على شرط مسلم .

قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله - :

فدل على جواز تعاطي ذلك وتكلفه ، وقد كان أبو موسى كما قال عليه السلام قد أعطي صوتاً حسناً ، مع خشية تامة ورقة أهل اليمن الموصوفة ، فدل على أن هذا من الأمور الشرعية .

" تفسير ابن كثير " ( 1 / 63 ) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

قال العلماء : وفي هذا دليل على أن الإنسان لو حسَّن صوتَه بالقرآن لأجل أن يتلذذ السامع ويسر به : فإن ذلك لا بأس به ، ولا يعدُّ من الرياء ، بل هذا مما يدعو إلى الاستماع لكلام الله عز وجل حتى يسر الناس به .

" شرح رياض الصالحين " ( 4 / 662 ) .

2. وأما إن كنتَ تحسِّن صوتك في قراءتك للقرآن من أجل أن يمدحك الناس ، أو من أجل أن يقولوا : هذا قراءته جيدة : فيكون فعلك من باب الرياء والسمعة .

قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -
:
والرياء مأخوذ من الرؤية ، وذلك بأن يزيِّن العمل ويحسِّنه من أجل أن يراه الناس ويمدحوه ويثنوا عليه ، أو لغير ذلك من المقاصد ، فهذا يسمَّى رياء ؛ لأنه يقصد رؤية الناس له .

والفرق بين الرياء والسمعة : أن الرياء فيما يُرى من الأعمال التي ظاهرها لله وباطنها لغيره كالصلاة والصدقة ، أما السمعة : فهي لِمَا يُسْمَع من الأقوال التي ظاهرها لله والقصد منها لغير الله كالقراءة

والذكر والوعظ وغير ذلك من الأقوال ، وقصد المتكلِّم أن يَسمع النّاس كلامه فيثنوا عليه ، ويقولوا

: هو جيِّد في الكلام ، جيِّد في المحاورة ، جيِّد في الخُطْبة ، إنه حسن الصوت في القرآن إذا كان يحسِّن صوته بالقرآن لأجل ذلك ، فإذا كان يُلقي المحاضرات والندوات والدروس من أجل أن يمدحه النّاس : فهذا سُمعة .

" إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد " ( ص 646 )

*عبدالرحمن*
2019-01-16, 16:04
ثالثاً:

نختم معك سؤالك المهم بوصيتين جامعتين إحداهما لإمامٍ من السلف ، والأخرى لإمام معاصر ، ومع الوصية الثانية إجابة على مسائلك كلها ؛ حيث ورد لصاحبها سؤال مطابق لسؤالك .

أ. قال الإمام أبو بكر الآجُرِّي – رحمه الله - :

ينبغي لمن رزقه الله حسن الصوت بالقرآن أن يعلم أن الله قد خصه بخير عظيم ؛ فليعرف قدر ما خصه الله به ، وليقرأ لله ، لا للمخلوقين ، وليحذر من الميل إلى أن يستمع منه ليحظى به عند السامعين رغبة في الدنيا

والميل إلى حسن الثناء والجاه عند أبناء الدنيا ، والصلات بالملوك ، دون الصلات بعوام الناس

فمن مالت نفسه إلى ما نهيته عنه : خفت أن يكون حسن صوته فتنة عليه ، وإنما ينفعه حسن صوته إذا خشي الله عز وجل في السر والعلانية ، وكان مراده أن يستمع منه القرآن لينتبه أهل الغفلة عن غفلتهم

فيرغبوا فيما رغبهم الله عز وجل ، وينتهوا عما نهاهم ؛ فمن كانت هذه صفته انتفع بحسن صوته ، وانتفع به الناس.

" أخلاق أهل القرآن " ( ص 161 ) .

ب. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

ما هو السبيل في عدم الشعور بإتقان الصلاة والخشوع فيها ؛ حيث إنني أقوم إماماً لأهل الحي في الصلوات الخمس ولله الحمد ، ولكن كل محاولتي لحفظ القرآن وتجويد القراءة أثناء كل صلاتي :

أشعر أني أرائي الناس فيها ، خاصة الصلوات الجهرية ، حيث إنني أحسن من الصوت وإطالة القراءة حتى يخيل إليَّ أني أفعل ذلك من أجل إشعار الناس أني أهل للإمامة ، ما حكم ذلك ؟ .

فأجاب
:
عليك - يا أخي - أن تستمر في عملك هذا ، مع سؤال الله التوفيق للإخلاص ، والحرص على التعوذ بالله من الرياء ، وأبشر بالخير ، ودع عنك الوساوس التي يمليها الشيطان بأنك تقصد الرياء وتحسين صوتك

لأجل مدح الناس أو ليقولوا : إنك أهل للإمامة ، دع عنك هذه الوساوس ، وأبشر بالخير ، وأنت مأمور بتحسين الصوت في القراءة حتى ينتفع بك المأمومون ، ولا عليك شيء مما يخطر من الوساوس بل حاربها

حاربها بالتعوذ بالله من الشيطان ، وسؤال الله التوفيق والهداية والإعانة على الخير ، وأنت على خير عظيم ، واستمر في الإمامة ، وأحسن إلى إخوانك

واجتهد في تحسين الصوت ، فقد جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن - يجهر به - ) يعني : يحسِّن صوته بالقراءة ، فتحسين الصوت بالقراءة من

أعظم الأسباب للتدبر والتعقل ، وفهم المعنى ، والتلذذ بسماع القرآن ، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما أذِن الله لشيء ما أذن لنبيٍّ حسن الصوت بالقرآن يجهر به ) – رواه البخاري

يعني : ما استمع الله سبحانه لشيء كاستماعه لنبي ، وهو استماع يليق بالله لا يشابهه صفات المخلوقين ؛ فإن صفات الله سبحانه تليق به لا يشابهه أحد من خلقه جل وعلا

كما قال سبحانه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى/ 11

، ولكن يدلنا هذا على أن الله سبحانه يحب تحسين الصوت بالقراءة ، ويحب أن القراء يجتهدون في تحسين أصواتهم حتى ينتفعوا وحتى ينتفع من يستمع لقراءتهم ، وما يخطر ببالك من الرياء :

فهو من الشيطان ، فلا تلتفت إلى ذلك ، وحارب عدو الله بالاستعاذة بالله منه

والاستمرار بتحسين صوتك ، والإحسان في قراءتك ، مع الخشوع في ركوعك وسجودك وسائر أحوال الصلاة ، وأنت على خير إن شاء الله ، نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات على الحق .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 30 / 129 – 131 ) .

فقد تبين أن تحسين صوتك في القراءة أمر مرغَّب به محمود ، وتجنب فعل ذلك من أجل مدح الناس لك

ولتكن نيتك الاستجابة لأمر النبي صلى اله عليه وسلم بالتغني بالقرآن ، وبتزيينه بالصوت الحسن ، ولتكن نيتك أن يتأثر الناس بكلام الله ويخشعون بسماعه

وجاهد نفسك لتكون واحداً منهم في تأثير القرآن عليك ، واصرف عنك وسوسة الشيطان بترك الإمامة ، بل ابق فيها مع حسن النية والقصد .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-16, 16:09
مراحل جمع القرآن الكريم .

السؤال

أنا أسمع أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يقول إن يس قلب القران

كيف والقرآن لم يتم تجميعه فى عهد الرسول ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

حديث : ( يس قلب القرآن ) قد روي من عدة طرق ، كلها ضعيفة ، لا يصح منها شيء

وبعضها أضعف من بعض .

وَنَقَلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ مَجْهُولُ الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ .

"التلخيص الحبير" (2 /245)

وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي "علله" : حَدِيث لَا يَصح .

وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي "الْخُلَاصَة" : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَفِيه مَجْهُولَانِ .

"البدر المنير" (5 /194-195)

وراجع : "إرواء الغليل" (3/150-151)

"سلسلة الأحاديث الضعيفة" أرقام : (169) ، (5861) ، (5870) ، (6843)

ثانيا :

أما الاستشكال الوارد في السؤال – بغض النظر عن صحة هذا الحديث من ضعفه –

فيقال فيه : إن جمع القرآن يطلق ويقصد به حفظه في الصدور ؛ كما قال الله تعالى : ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) القيامة/ 17 قال ابن عباس رضي الله عنهما : " جمعه لك في صدرك " رواه البخاري (5) ومسلم (448) .

وروى البخاري (3810) ومسلم (2465) عن أنس رضي الله عنه قال : " جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ : مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ " .

فحفظه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحفظه الصحابة رضي الله عنهم ، والمؤمنون من بعدهم

وهذا أمر لم يتوقف على وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل لا يتأتى حفظ القرآن وجمعه من بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا إذا كان كله محفوظا مجموعا في حياته صلى الله عليه وسلم .

- ويطلق جمع القرآن ويقصد به جمعه في المصحف ، على الترتيب المعهود ، وهذا هو الذي تأخر إلى خلافة الصديق رضي الله عنه ، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .

روى البخاري (4679) أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ

: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ

الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ ، وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ ... الحديث ، وفيه : قال زيد :

" فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ ، وَكَانَتْ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ " .

وهناك جمع ثالث ثم في خلافة عثمان رضي الله عنه ، وهو جمع الناس على مصحف واحد ، وحرف واحد من الأحرف التي نزل بها القرآن ، واعتماد هذا المصحف العثماني الأم .

فإنه لما تنازع الناس في القرآن واختلفوا ، فهذا يقرأ بقراءة أبي بن كعب ، وهذا يقرأ بقراءة ابن مسعود ، استشار عثمان الصحابة رضي الله عنهم في جمع الناس على مصحف واحد .

فروى ابن أبي داود في "المصاحف" (1/77) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :

" يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرا في المصاحف وإحراق المصاحف ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعا ، فقال : ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول

: إن قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد أن يكون كفرا ، قلنا : فما ترى ؟

قال : نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد ، فلا تكون فرقة ، ولا يكون اختلاف ، قلنا : فنِعم ما رأيت قال :

فقيل : أي الناس أفصح ، وأي الناس أقرأ ؟ قالوا : أفصح الناس سعيد بن العاص ، وأقرؤهم زيد بن ثابت

فقال : ليكتب أحدهما ويمل الآخر ففعلا وجمع الناس على مصحف " قال علي : والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل .
وصححه الحافظ في "الفتح" (9/18)

فالجمع الذي حصل في عهد الصديق وفي عهد عثمان رضي الله عنهما هو جمع القرآن

في كتاب واحد ، وهو المصحف .

أما الجمع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حفظه في صدور المؤمنين ، كما قال الله تعالى : ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) العنكبوت/ 49

قال ابن كثير رحمه الله :

" أي : هذا القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق ، أمرًا ونهيًا وخبرًا ، يحفظه العلماء ، يَسَّره الله عليهم حفظًا وتلاوةً وتفسيرًا " انتهى
.
"تفسير ابن كثير" (6 /286)

فعلى فرض صحة الحديث يكون معناه أن سورة يس قلب القرآن الذي هو كلام الله المحفوظ في صدور الذين أوتوا العلم ، والذي جمع بعد ذلك في الصحف .

فالذي تأخر عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو جمع القرآن من الصحف والرقاع

وجعله كله في مصحف واحد ، كما هو المعهود الآن ، وليس أن شيئا منه كان ضائعا ، أو غير محفوظ

أو غير مجموع في الصدور ، حتى تم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن هذا أمر لا يمكن ؛ بل القرآن الذي جمعوه في المصحف ، هو نفسه القرآن المحفوظ في صدور الذين أوتوا العلم ، لا يزيد عنه ولا ينقص .

وقد روى مسلم (810) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ؟

قَالَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟

قَالَ قُلْتُ ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ : ( وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ) .

فقوله : ( أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ ) يقصد به القرآن المحفوظ المجموع في صدره .

ثالثا :

ليس المراد بالحديث المذكور ، على فرض صحته ، أنها قلب القرآن ، يعني : أنها وسطه من الناحية الكمية

فهذا غير مراد ، وهو خلاف الواقع أيضا ؛ وإنما المراد به أنه من السور التي جمعت خلاصة مقاصد القرآن الكريم ، ولباب معانيه ، فكأنها منه بمنزلة القلب من الجسد .

قال المباركفوري رحمه الله :

" قوله ( وقلب القرآن يس ) أي لبه وخالصه سورة يس . قال الغزالي : إن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر ، وهو مقرر فيها بأبلغ وجه ؛ فكانت قلب القرآن لذلك . واستحسنه الفخر الرازي .

قال الطيبي :

لاحتوائها مع قصرها على البراهين الساطعة ، والايات القاطعة ، والعلوم المكنونة ، والمعاني الدقيقة ، والمواعيد الفائقة ، والزواجر البالغة "

انتهى من " تحفة الأحوذي" (8/159) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-16, 16:14
هل يجوز ختم القرآن كل يوم ؟

وكيف نفهم ما ثبت من ختم السلف في أقل من ثلاث ؟

السؤال

هل يمكن أن أقرأ القرآن كاملاً في يوم واحد ؟

وهل يجوز ذلك ؟

فقد سمعت أنه لا يجوز قراءته كاملاً في أقل من ثلاثة أيام .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

قراءة كتاب الله تعالى من العبادات الجليلة في الإسلام ، وكيف لا تكون كذلك والمقروء هو كلام الله تعالى ؟!

ومع هذا الشرف الذي يحصل لقارئ القرآن فقد وعد الله تعالى القارئ بالثواب الجزيل في الدنيا والآخرة

ومن ذلك أنه يكون له هدى وشفاء ، وأن له بكل حرف عشر حسنات ، وأن القرآن يكون له شفيعاً يوم القيامة ، وغير ذلك من الثواب والأجور .

وانظر جواب السؤال القادم

ولهذا رأينا الصحابة الأجلاء والتابعين الفضلاء ومن تبعهم من سلف هذه الأمة يحرصون على قراءة كتاب ربهم تبارك تعالى ، ويجعلون لأنفسهم وِرداً منه كل يوم .

ومع حرصهم على قراءة كتاب ربهم فقد التزموا القدْر الذي لا يتجاوزون به الشرع ، ولا يقعون بسببه في مخالفة للهدي النبوي ، ولذا كان الأكثر على ختم القرآن كل سبعة أيام ، ومن وجد قوة فلا يختم في أقل من ثلاث

إلا في أحوال معينة يأتي ذِكرها .

وقد التزم أكثر السلف الختم على سبع اتباعاً لوصية النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص .

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ ) قُلْتُ : إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً ... حَتَّى قَالَ ( فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ) .

رواه البخاري ( 4767 ) ومسلم ( 1159 ) .

ولم يختموا في أقل من ثلاث لتنفير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك
.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ) .
رواه الترمذي ( 2949 ) وأبو داود ( 1390 ) وابن ماجه ( 1347 ) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .

وهو الذي فهمه الصحابة الأجلاء من الهدي النبوي ، وتبعهم على ذلك أئمة علم وهدى .

1. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " اقرؤوا القرآن في سبع ، ولا تقرؤوه في أقل من ثلاث " .

رواه سعيد بن منصور في " سننه " بإسناد صحيح كما قاله الحافظ ابن حجر في "

فتح الباري " ( 9 / 78 ) .

2. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث .

رواه أبو عبَيد في " فضائل القرآن " ( ص 89 ) وصححه ابن كثير في " فضائل القرآن " له ( ص 254 ) .

3. قال ابن كثير – رحمه الله - :

وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقلِّ من ثلاثٍ ، كما هو مذهبُ أبي عبيد ، وإسحاق بن راهويه ، وغيرهما من الخلف أيضاً .

" فضائل القرآن " ( ص 254 ) .

ومع عدم فقه من قرأ في أقل من ثلاث فإنه لا يستفيد – كذلك – معاني سامية عالية يستفيدها من قرأ القرآن بتدبر وطمأنينة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

قراءة القرآن على الوجه المأمور به : تورث القلب الإيمان العظيم ، وتزيده يقينا وطمأنينة وشفاء .

" مجموع الفتاوى " ( 7 / 283 ) .

ثانياً:

ما يُذكر في بعض كتب أهل العلم من ختمة بعضهم للقرآن أربعاً في النهار وأربعاً في الليل :

ينظر في أمر ثبوته عمن روي عنه ، لبعد وقوع ذلك جدا ؛ إذ الوقت لا يستوعب هذا أصلاً . ومثله ما يُزعم من أن بعضهم ختم القرآن بين المغرب والعشاء ! وغير ذلك مما لا يمكن تصديقه حتى مع السرعة في القراءة .

وأما قراءة القرآن – كاملاً - في يوم واحد : فممكنة واقعاً ، بل قد فعلها بعض الأئمة – كما روي عنهم – في ركعة واحدة .

قال النووي – رحمه الله - :

وأما الذين ختموا القرآن في ركعة : فلا يُحصون ؛ لكثرتهم ، فمنهم : عثمان بن عفان ، وتميم الداري ، وسعيد بن جبير .
"
الأذكار " ( ص 102 ) .

ولكن هل من فعل ذلك يكون مهتدياً بسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم أو يكون فَعَل ما يجوز له شرعاً ؟!

والجواب : أما من جعل ذلك ديدناً له ومنهجاً في حياته : فلا شك أنه يقع في مخالفة للشرع

ولا يكون فعله ذلك إلا مع تفريط بواجبات شرعية عليه - كالصلاة وتربية أولاده وصلة رحِمه وعِشرة أهله بالمعروف – أو تفريط في عمل يرتزق به .

وأما من فعل ذلك أحياناً بقصد مراجعة حفظه ، أو استثماراً لزمان فاضل – كشهر رمضان - ، أو بسبب أنه معتكف في مسجد ، أو لأنه منقطع للعبادة في فترة محددة في مكة –

مثلاً - : فلا يكون بذلك مخالفاً للشرع ، وعلى هذه الأعذار يُحمل ما روي عن بعض الأئمة من ختمهم للقرآن مرتين في اليوم أو مرة في اليوم ، لا أن ذلك كان منهجاً لهم في حياتهم .

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -
:
وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً ، وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأواخر كل ليلة ، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة ، وعن أبي حنيفة نحوه .
... .
وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك

فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر

أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان ، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة ، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره .

" لطائف المعارف " ( ص 171 ) .

وانظر جواب السؤال بعد القادم

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-16, 16:17
هل يجب قراءة القرآن بالتسلسل لمن أراد الختمة ؟

السؤال

في رمضان إذا أراد المرء أن يختم القرآن هل يجب قراءة القرآن بالتسلسل ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

يستحب الإكثار من تلاوة القرآن في رمضان ، فهو شهر القرآن ، قال الله تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) البقرة/185.

وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن . رواه البخاري (5) ومسلم (4268) .

وروى البخاري (4614) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن جبريل ( كان يعْرضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً ، فَعرضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ ) .

وهذا يدل على استحباب ختم القرآن ومدارسته في رمضان .

ولذلك كان السلف يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان ، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم .

" فكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع ليال دائما ، وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة .

وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليال ، وفي العشر الأواخر في كل ليلتين .

وكان الأسود رحمه الله يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر " انتهى من مجالس شهر رمضان للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ص 65 .

ثانياً :

الأفضل قراءة القرآن على ترتيب السور الوارد في المصحف ، وهو الترتيب الذي عرض به جبريل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته .

انظر : "التحبير في علم التفسير" للسيوطي ص 637 .

قال النووي رحمه الله في "التبيان" :

" قال العلماء رحمهم الله : الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف ، فيقرأ الفاتحة ، ثم البقرة ثم آل عمران ، ثم النساء إلى أن يختم بـ ( قُلْ أَعوذ بربِ النَّاس ) سواء قرأ في الصلاة أم خارجاً عنها

ويستحب أيضاً إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها السورة التي تليها ، ولو قرأ في الركعة الأولى : ( قُلْ أَعوذ بربِ النَّاس ) يقرأ في الثانية من البقرة .

ودليل هذا : أن ترتيب المصحف لحكمة ، فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه كصلاة الصبح يوم الجمعة ، يقرأ في الركعة الأولى :

( ألم تَنزيل ) وفي الثانية : ( هَلْ أتَى ) وصلاة العيدين (قاف) و (اقتربت) .

ولو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ التي قبلها ، أو خالف الموالاة فقرأ قبلها ما لا يليها جاز وكان تاركاً للأفضل ، وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفقٌ على منعه وذمِّه

؛ فإنه يُذهب بعض أنواع الإعجاز ، ويزيل حِكمة الترتيب " انتهى كلام النووي .

وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على عدم وجوب قراءة القرآن مرتباً .

روى البخاري (4993) عن يُوسُفُ بْنُ مَاهَكٍ قَالَ : إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ . قَالَتْ : لِمَ ؟ قَالَ : لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ

فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ . قَالَتْ : وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ ؟ إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلامِ نَزَلَ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ

وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ : لا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ . لَقَالُوا : لا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا ! وَلَوْ نَزَلَ : لا تَزْنُوا . لَقَالُوا

: لا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا ! لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ : ( بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلا وَأَنَا عِنْدَهُ .

قال الحافظ :

" اَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ هَذَا الْعِرَاقِيّ كَانَ مِمَّنْ يَأْخُذ بِقِرَاءَةِ اِبْن مَسْعُود ,

وَكَانَ اِبْن مَسْعُود لَمَّا حَضَرَ مُصْحَف عُثْمَان إِلَى الْكُوفَة لَمْ يُوَافِق عَلَى الرُّجُوع عَنْ قِرَاءَته وَلا عَلَى إِعْدَام مُصْحَفه . . . فَكَانَ تَأْلِيف مُصْحَفه مُغَايِرًا لِتَأْلِيفِ مُصْحَف عُثْمَان

. ( تأليف المصحف هو جمع سوره مرتبة) وَلا شَكّ أَنَّ تَأْلِيف الْمُصْحَف الْعُثْمَانِيّ أَكْثَر مُنَاسَبَة مِنْ غَيْره , فَلِهَذَا أَطْلَقَ الْعِرَاقِيّ أَنَّهُ غَيْر مُؤَلَّف . . .

قَالَ اِبْن بَطَّال : لا نَعْلَم أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِ تَرْتِيب السُّوَر فِي الْقِرَاءَة لا دَاخِل الصَّلاة وَلا خَارِجهَا

, بَلْ يَجُوز أَنْ يَقْرَأ الْكَهْف قَبْل الْبَقَرَة وَالْحَجّ قَبْل الْكَهْف مَثَلا , وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ السَّلَف مِنْ النَّهْي عَنْ قِرَاءَة الْقُرْآن مَنْكُوسًا فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَقْرَأ مِنْ آخِر السُّورَة إِلَى أَوَّلهَا ,

وَكَانَ جَمَاعَة يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فِي الْقَصِيدَة مِنْ الشِّعْر مُبَالَغَة فِي حِفْظهَا وَتَذْلِيلا لِلِسَانِهِ فِي سَرْدهَا , فَمَنَعَ السَّلَف ذَلِكَ فِي الْقُرْآن فَهُوَ حَرَام فِيهِ . وَقَالَ الْقَاضِي

عِيَاض : وَتَرْتِيب السُّوَر لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي التِّلاوَة وَلا فِي الصَّلاة وَلا فِي الدَّرْس وَلا فِي التَّعْلِيم فَلِذَلِكَ اِخْتَلَفَتْ الْمَصَاحِف , فَلَمَّا كُتِبَ مُصْحَف عُثْمَان رَتَّبُوهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الآن ,

فَلِذَلِكَ اِخْتَلَفَ تَرْتِيب مَصَاحِف الصَّحَابَة ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو كَلام اِبْن بَطَّال "

انتهى من فتح الباري ملخصا .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-16, 16:19
الاجتهاد في أكثر من ختمة للقرآن الكريم

السؤال

هل يجوز أن أبدأ بأكثر من ختمة في وقت واحد دون الانتهاء من الختمة الأولى ، يعني أن أبدأ بالثانية والأولى معا ، وأختمهما معا ؟؟ وجزاكم الله ألف خير.

الجواب

الحمد لله

القرآن الكريم كلام الله عز وجل ، وتلاوته من أفضل العبادات وأحب القربات ، وكلما أكثر المسلم من تلاوته وقراءته ناله من الأجر العظيم ، والثواب الجزيل .

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ ، وَلَامٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ )

رواه الترمذي (2910) وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".

وهذا الأجر يحصل لمن قرأ أي سورة من القرآن ، سواء كان ذلك أثناء ختمة مرتبة ، أو في صلاته ، أو في قراءة عارضة له ، لم يراع فيها ختمة معينة .

غير أن الأفضل للتالي أن يتابع ختمته من أول القرآن إلى آخره ، وبترتيب السور في المصحف

وألا يبدأ في ختمة حتى ينتهي من التي شرع فيها قبل ذلك ، وهذا هو هدي السلف في ذلك ، وهو الذي جاء فيه التوقيت في ختم القرآن في شهر أو أقل من ذلك .

ولا ينبغي له أن يخالف ذلك فيشرع في ختمة أخرى إلا لسبب يدعو إلى ذلك ؛ كأن تكون له ختمة في صلاته وختمة أخرى خارج الصلاة ، أو تكون له ختمة نظرا من المصحف وأخرى عن ظهر قلب ،

أو تكون له ختمة حدرا ، يراعي فيها الإكثار من التلاوة ، وأخرى للتدبر والتفقه لا يبالي أن يكون ما قرأ فيها قليلا أو كثيرا ، أو نحو ذلك من الوجوه المعتبرة .

ولقد يُخشى على من يشرع في ختمة أخرى ، بلا مسوغ مقبول ، أن يكون ذلك من استعجاله ، وعدم صبره حتى يتم المحصف إلى نهايته ، إضافة لما فيه من المخالفة لما هو معروف من هدي السلف في ذلك .

ويراجع لمعرفة هدي السلف في ختم القرآن

: " التبيان في آداب حملة القرآن"

للإمام النووي رحمه الله (75-82) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-16, 16:24
هل يجوز استعمال قواعد من اختراعنا لضبط حفظ القرآن ؟

السؤال

معلمة القرآن تقرأ لنا الآيات ، ثم تفسر لنا الآيات تفسيراً صحيحاً ، ثم في حالة وجود صعوبة عندنا في استرسال الآيات تقول لنا المعلمة " علامة ذهنية " تيسر لنا الاسترسال في الآيات ، مثال ذلك في سورة الإسراء (

وكان الإنسان عجولاً ) بعدها ( وجعلنا الليل والنهار ) فتقول : إن الجيم فى ( عجولاً ) يمكن أن تذكرنا بالجيم في ( وجعلنا ) ، ومثال : تقول في سورة القصص ( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) بعدها ( إن قارون )

فتقول كلمة يفترون يمكن أن تذكرنا بقارون ، ونحن على علم أن هذا ليس له علاقة بالتفسير وإنما هو علامة للاسترسال فقط ، فهل هذا بدعة أو لا يجوز ؟ . أرجو الرد للأهمية .

الجواب

الحمد لله

نرى أن هذا الأمر وما يشبهه لا يدخل في البدعة ، بل هي قواعد يُبدِع فيها العلماء والحفَّاظ للوصول بالطلاب إلى الحفظ المتقن بأيسر طريق وأسهل سبيل .

ومن هذا الباب جاءت الوصية من الحفَّاظ المتقنين – من خلال التجربة – لطلابهم الالتزام برسم مصحف واحد لا يتغير ؛ حتى تنطبع الآيات في ذهن الحافظ ، فهذه علامة ذهنية لكنها كتابية لا سمعية .

قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق – حفظه الله - :

القاعدة الخامسة : حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك .

مما يعين تماماً على الحفظ : أن يجعل الحافظُ لنفسه مصحفاً خاصّاً لا يغيِّره مطلقاً

وذلك أن الإنسان يحفظ بالنظر كما يحفظ بالسمع ، وذلك أن صور الآيات ومواضعها في المصحف تنطبع في الذهن مع كثرة القراءة والنظر في المصحف

فإذا غيَّر الحافظُ مصحفَه الذي يحفظ فيه أو حفظ من مصاحف شتى متغيرة مواضع الآيات : فإن حفظه يتشتت ، ويصعب عليه الحفظ جدّاً ، ولذلك : فالواجب أن يحافظ حافظ القرآن على رسم واحد للآيات لا يغيِّره .

" القواعد الذهبية في حفظ القرآن " .

وعدا عن رسم الصحف في ذهن الحافظ فإن المصحف الواحد قد يكون سبيلاً له لضبط الآيات المتشابهات .

مثال :

تكرر في كتاب الله تعالى في عدة آيات كلمتي " النفع " و " الضر " ، فما السبيل لضبط تلك الآيات من خلال اعتماد مصحف واحد ؟ .

قال بعض الحفَّاظ : في طبعة " مجمع الملك فهد " تتقدم دائماً كلمة ( نَفْعاً ) على ( ضرّاً ) في الوجه الأيمن ، و ( ضرّاً ) على ( نَفْعاً ) في الوجه الأيسر .

و " الوجه الأيمن " فيه حرف " النون " وهو كذلك في كلمة ( نـفعاً ) ، والوجه الأيسر فيه حرف " الراء " ، وهو كذلك في كلمة ( ضرّاً ) .

ولعل أجود مما ذكرته المدرِّسة الكريمة أن يتدرب الحافظ والمتعلم على ربط الآية بالتي قبلها والتي بعدها من خلال معاني الآيات ، وقد ألِّفت في ذلك مؤلفات مستقلة

وأشهرها : كتاب " نظم الدرر في تناسب الآيات والسور " ، لمؤلفه : برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي .

مثال :

قوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) النحل/ 90

فهي على علاقة بالتي قبلها وهي قوله تعالى ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) النحل/ 89 ، فإنها تفصيل لما أُجمل في الآية التي جاءت قبلها.

وهذا فرع من علم يطلق عليه " علم المناسبات " .

قال السيوطي – رحمه الله -
:
وقال ابن العربي في " سراج المريدين " : ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه " سورة البقرة "

ثم فتح الله لنا فيه ، فلما لم نجد له حملة ، ورأينا الخلق بأوصاف البطلة ختمنا عليه ، وجعلناه بيننا وبين الله ، ورددناه إليه .

" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 369 ) .

كما اعتنى العلماء والحفَّاظ بالآيات المتشابهات وذكروا قواعد لضبطها وحفظها ، ومن أعظم تلك القواعد ما يتعلق بمعاني الآيات .

مثال :

التفريق بين قوله تعالى ( قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) آل عمران/ 40 ، وقوله ( قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ) آل عمران/ 47 ، فإذا عرف الحافظ أن الآية الأولى في سياق قصة زكريا وله زوجة

فرَّق بينها وبين الآية الثانية وهي في مريم وليس لها زوج ، فكانت الآية الأولى فيها ( يفعل ) والثانية ( يخلق ) .
كما أوصى بعض العلماء والحفَّاظ بطريقة النحت لمعرفة خواتيم آيات متشابهة .

مثال :

جاء في سورة آل عمران قوله تعالى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) آل عمران/ 176

ثم بعدها قوله تعالى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) آل عمران/ 177

ثم بعدها قوله تعالى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) آل عمران/ 178

وكلها آيات متتالية ، فكيف ضبط بعضهم قاعدة لحفظ تلك الخواتيم ؟ لقد استعمل طريقة " النحت " فأخذ الحرف الأول من ( عظيم ) والأول من ( أليم ) والأول من ( مهين ) فصار معه كلمة " عام "

فإذا جاءت التسميع للآيات علم أن الآية الأولى تختم بكلمة ( عظيم ) والثانية بكلمة ( أليم ) والثالثة ) بكلمة ( مهين ) .

ومنهم من ربط بين الآية واسم السورة لضبط المتشابهات .

مثال
:
قال تعالى ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ) الإسراء/ 89

وقال تعالى ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ) الكهف/ 54

فكيف يمكن للحافظ أن يميِّز بين الآيتين ؟

يمكن ذلك من خلال قاعدة الربط بين الآية واسم سورتها ، فالأولى في " الإسراء " وفيها حرف السين فيقدم كلمة " الناس" ، والثانية في " الكهف " وفيها حرف الفاء فيقدم ( في هذا ) .

والخلاصة : أننا لا نرى حرجاً في استعمال قواعد لضبط الحفظ من خلال الضوابط اللفظية

وأما الربط من خلال تناسب المعاني ، فالواجب فيه عدم تعريض معنى الآيات للتحريف ، وعدم التكلف في التماس المناسبات بين الآيات أو السور .

قال السيوطي – رحمه الله -
:
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : المناسبة علم حسَنٌ ، لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام : أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره ، فإن وقع على أسباب مختلفة : لم يقع فيه ارتباط ، ومن ربط ذلك :

فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله حسَن الحديث فضلاً عن أحسنه ؛ فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنَة في أحكام مختلفة شرعت لأسباب مختلفة وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض .

" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 370 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-16, 16:27
الأدلة الشرعية على تكفل الله عز وجل بحفظ القرآن الكريم

السؤال

ما هي الأدلة على حفظ القرآن الكريم ، وهل قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )

قال فيه بعض المفسرين

: إن المحفوظ هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس القرآن الكريم ؟

الجواب

الحمد لله

الأدلة الواردة في القرآن الكريم التي تدل حفظه من الضياع أو الزيادة والنقصان هي :

1- قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9.

يقول الإمام الطبري رحمه الله :

" ( إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ ) وهو القرآن ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) قال : وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه ، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه

والهاء في قوله : ( لَهُ ) من ذكر الذكر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

عن قتادة : ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) قال : حفظه الله من أن يزيد فيه الشيطان باطلا ، أو ينقص منه حقا .

وقيل : الهاء في قوله ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، بمعنى: وإنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من أعدائه " انتهى باختصار.

" جامع البيان " (17/68)

والمعنى الأول هو الصحيح المناسب للسياق ، فقد جاء في الآيات التي قبل هذه الآية

قوله تعالى : ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ . لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ ) الحجر/6-8.

فالذكر المقصود بالآيات هو الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك هو القرآن الكريم .

ولذلك قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" المعنى الأول أَوْلى ، وهو ظاهر السياق " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (4/527)

2- يقول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) فصلت/41-42.

يقول الإمام الطبري رحمه الله :

" قوله : ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ) يقول تعالى ذكره : وإن هذا الذكر لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه، وحفظه من كل من أراد له تبديلا أو تحريفا أو تغييرا ، من إنسي وجني وشيطان مارد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) معناه : لا يستطيع ذو باطل تغييره بكيده ، وتبديل شيء من معانيه عما هو به ، وذلك هو الإتيان من بين يديه ، ولا إلحاق ما ليس منه فيه ، وذلك إتيانه من خلفه .

عن قتادة : الباطل : إبليس ، لا يستطيع أن ينقص منه حقا ، ولا يزيد فيه باطلا " انتهى باختصار وتصرف.

" جامع البيان " (21/479)

3- ويقول الله عز وجل : ( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) الكهف/27.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" يقول تعالى آمرًا رسوله عليه الصلاة والسلام بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس: ( لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) أي : لا مغير لها ، ولا محرِّف ، ولا مؤوّل " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (5/151)

ويقول العلامة السعدي رحمه الله :

" أي : اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها ، وتصديق أخباره ، وامتثال أوامره ونواهيه ، فإنه الكتاب الجليل ، الذي لا مبدل لكلماته ، أي : لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها

وبلوغها من الحسن فوق كل غاية ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) فلتمامها استحال عليها التغيير والتبديل ، فلو كانت ناقصة لعرض لها ذلك أو شيء منه ، وفي هذا تعظيم للقرآن ، وفي ضمنه الترغيب على الإقبال عليه " انتهى.

" تيسير الكريم الرحمن " (ص/479)

*عبدالرحمن*
2019-01-16, 16:29
4- ويقول سبحانه وتعالى : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ . بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ) العنكبوت/48-49.

دلت الآية الثانية على أن القرآن الكريم محفوظ في صدور العلماء ، وهو خبر من الله عز وجل ، وخبر الله لا يمكن أن يتخلف في زمان ولا في مكان .

5- ويقول جل وعلا : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) الحاقة/44-47.

وإذا كان هذا الوعيد في حق سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم

فكيف هو حال من يسعى في تحريف كتاب الله والتقول على الله فيه ما لم يقله ، وبهذا القياس يمكن الاستدلال بهذه الآية على أنه لا يستطيع بشر أن يزيد أو ينقص من كتاب الله شيئا ، فالعقوبة العاجلة له بالمرصاد.

عن نافع ، قال :

خطب الحجاج ، فقال : إن ابن الزبير يبدل كلام الله تعالى .

قال : فقال ابن عمر رضي الله عنهما : كذب الحجاج ؛ إن ابن الزبير لا يبدل كلام الله تعالى ولا يستطيع ذلك .

رواه البيهقي في " الأسماء والصفات " (1/596) بسند صحيح .

6- وقد وصف الله عز وجل هذا القرآن بعلو جانبه ، ورفعة منزلته

وعظيم مكانته ، وهذه الأوصاف كلها أوصاف حق وصدق ، يمكن الاستدلال بها على حفظ القرآن من التغيير والتبديل ، لأن تحقق هذه الأوصاف لا يكتمل إلا بحفظ القرآن وبقائه .

يقول الله عز وجل : ( حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الزخرف/1-3.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" قوله تعالى: ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) بين شرفه في الملأ الأعلى ، ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض ، فقال تعالى : ( وإنه ) أي : القرآن ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) أي : اللوح المحفوظ

قاله ابن عباس ، ومجاهد ، ( لدينا ) أي : عندنا ، قاله قتادة وغيره ، ( لعلي ) أي : ذو مكانة عظيمة وشرف وفضل ، قاله قتادة ( حكيم ) أي : محكم بريء من اللبس والزيغ . وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله

كما قال : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ . لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ .

تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الواقعة/77-80. وقال : ( كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ . فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ . بِأَيْدِي سَفَرَةٍ . كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) عبس/11-16" انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (7/218)

8- وقوله عز وجل : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) البقرة/2. ينفي عن القرآن الكريم كل ريب وشك ، والتغيير والتحريف من أعظم الريب المنفي الذي يستحق النفي .

9- عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ : ( أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا : .

...إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ ...)

رواه مسلم (رقم/2865)

يقول أبو العباس القرطبي رحمه الله :

" فلو غسلت المصاحف لما انغسل من الصدور ، ولما ذهب من الوجود ، ويشهد لذلك قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9" انتهى.

" المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم " (7/163)

ويقول الإمام النووي رحمه الله :

" قوله تعالى : ( لا يغسله الماء ) معناه : محفوظ في الصدور ، لا يتطرق إليه الذهاب ، بل يبقى على مر الأزمان " انتهى.

" شرح مسلم " (17/198)

وننبه هنا إلى أن هذه الأدلة إنما هي بحسب سؤال السائل ، أدلة من القرآن الكريم على تكفل الله بحفظه ، وأما الأدلة الواقعية على صدق هذا الخبر فلها محل آخر من البحث والجواب .

كما ننبه إلى أن معظم هذه الأدلة إنما تصدق في القرآن الكريم إذا استحضرنا أنه كتاب منزل إلى الناس كافة ، وأنه يحوي تشريعا صالحا لكل زمان ومكان ، بخلاف الكتب التي أنزلت على الأنبياء من قبل .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

karm thevest
2019-01-16, 22:10
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ونصلي ونسلم على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

سأنشر لكم بإذن الله السميع العليم عبر هذه الصفحة سلسلة كاملة و مميزة ومتجددة من دروس التجويد برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق

لفضيلة الشيخ محمد سفيان بوذراع التي يلقيها اسبوعيا في مسجد أنس بن مالك على طلبة المدرسة والمصلين رواد المسجد

فأرجوا أن تنتفعوا بها وتستفيدوا منها وتساهمو في نشرها فالدال على الخير كفاعله .. ولا تنسونا من خالص دعائكم


الدرس الأول
أحكام النون الساكنة والتنوين
https://www.dztu.be/watch?v=NXQZ3zlWp5I

الدرس الثاني
أحكام الميم الساكنة
https://www.dztu.be/watch?v=C-N33qYAuUM (https://www.dztu.be/watch?v=C-N33qYAuUM)


الدرس الثالث
حكم النون والميم المشددتين ومفهوم الغنة ومراتبها
https://www.dztu.be/watch?v=va0n7lYNamE


يتبع بإذن الله

Abdelhafid2
2019-01-17, 11:30
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا .

*عبدالرحمن*
2019-01-19, 17:06
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ونصلي ونسلم على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

سأنشر لكم بإذن الله السميع العليم عبر هذه الصفحة سلسلة كاملة و مميزة ومتجددة من دروس التجويد برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق

لفضيلة الشيخ محمد سفيان بوذراع التي يلقيها اسبوعيا في مسجد أنس بن مالك على طلبة المدرسة والمصلين رواد المسجد

فأرجوا أن تنتفعوا بها وتستفيدوا منها وتساهمو في نشرها فالدال على الخير كفاعله .. ولا تنسونا من خالص دعائكم


الدرس الأول
أحكام النون الساكنة والتنوين
https://www.dztu.be/watch?v=NXQZ3zlWp5I

الدرس الثاني
أحكام الميم الساكنة
https://www.dztu.be/watch?v=C-N33qYAuUM (https://www.dztu.be/watch?v=C-N33qYAuUM)


الدرس الثالث
حكم النون والميم المشددتين ومفهوم الغنة ومراتبها
https://www.dztu.be/watch?v=va0n7lYNamE


يتبع بإذن الله


الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخي الفاضل

فكرة رائعة و مشاركة تشكر عليها فالماذا حزفتها فانا بعد اذنك اعادتها

لكن هذا القسم للقراءة فا يمكنك نشرها بالفعل في القسم التالي من اجل تحقيق نظام المنتدي

https://www.djelfa.info/vb/forumdisplay.php?f=63

و اوعدك انشر رابط موضوعك هنا و كل ما تقدمه من جديد

*عبدالرحمن*
2019-01-19, 17:09
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا .

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

بارك الله فيك اخي الفاضل
و جزاك الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2019-01-19, 17:17
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


كيف يكون القرآن معجزة للأعاجم وهو عربي وهم لا يعرفون العربية ؟

السؤال

جاء القرآن معجزة من قبل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في آيات القرآن ، وفي حديث البخاري رقم ( 7274 ) ، لذلك أسأل

كيف كان القرآن معجزة للأعاجم الذين لا يعرفون العربية ، وقد كانوا يشكلون غالبية سكان العالم وقتها ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

الحديث المشار إليه في السؤال :

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نبي إِلاَّ قَدْ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الذي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

رواه البخاري ( 1044 ) ومسلم (152) .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – وقد ذكر احتمالات في معنى الحديث - :

وقيل : المراد أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم ، فلم يشاهدها إلا من حضرها

ومعجزه القرآن مستمرة إلى يوم القيامة ، وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته وأخباره بالمغيبات ، فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه .

وهذا أقوى المحتملات ، وتكميله في الذي بعده .

وقيل : المعنى أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار ، كناقة صالح وعصا موسى

ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة ، فيكون من يتبعه لأجلها أكثر ؛ لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده

والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمراً.

" فتح الباري " (9/70) .

ثانياً:

أما الجواب عن سؤال " كيف كان القرآن معجزة للأعاجم الأميين الذي يشكلون غالبية سكان العالم وقتها ؟

" : فليُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث في العرب ، وقد كانوا يتميزون بالفصاحة والبلاغة ، فجعل الله تعالى آية النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ما يتميز به قومه

ليقع الإعجاز والتحدي موقعه ، كما حصل في آية موسى عليه السلام " العصا " ليقبل ما جاء به السحرة من خداع ، وكما في آية عيسى عليه السلام " إبراء الأكمه والأبرص " حيث كان الطب منتشراً في زمانهم .

وأما بخصوص الأعاجم – قديماً وحديثاً –

وكيف كان القرآن معجزاً في حقهم ، وهل هم داخلون في التحدي به : فبيانه من وجوه :

1. ليس كل العرب على علم باللغة العربية وفصاحتها وبلاغتها ، كما لم يكن كل العجم على جهل باللغة العربية ، فيُعلم بذلك أن الإعجاز والتحدي هو للعالم منهم باللغة العربية

سواء كان يعلمها من الأصل كالعرب ، أو تعلمها فيما بعد كالعجم ، وبه يتبين أن حال العجم هو كحال العرب الجاهلين بلغتهم .

قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله - :

فإن قيل :

إحياء الموتى وقلب العصى وما ينزل منزلتها جلي لا يشك فيه من شاهده ، عام بالإضافة إلى كل العقلاء لا يبقى معه ريب لأحدهم بل يحصل لهم العلم القطعي بذلك

وليس كذلك ما ادعاه نبيكم من إعجاز القرآن ؛ إذ لا يحصل العلم بإعجازه لكل أحد ، بل إنما يحصل العلم بذلك عندكم ، وعلى زعمكم : للفصحاء من العرب ، وأما من ليس فصيحاً ، أو أعجميّاً لا يفقه لسان العرب :

فلا يحصل له العلم بإعجازه ؛ فإن الأعجمي لو كلف أن يتكلم بكلمة واحدة من لسان العرب لم يقدر على ذلك

فعدم قدرته على ذلك لا يدل على صدق المتحدَّى به ، وكذلك من ليس فصيحاً من العرب : لو كلف أن يأتي بكلام فصيح لم يقدر عليه ، فلا يكون ذلك معجزاً في حقه .

الجواب :

أن نقول : سنبين إن شاء الله وجوه إعجازه ، وأنها متعددة ، وأن منها ما يدركه الجفلا ويشترك في معرفة إعجازه أهل الحضارة والفلا ، فيكون هذا النوع كقلب العصى وإحياء الموتى

ولو سلمنا جدلاً أنه معجز من حيث بلاغته وأسلوبه المخالف لأساليب كلامهم فقط لقلنا : إن العلم بإعجازه وإحياء الموتى وقلب العصى لا يحصل لكل العقلا

على حد سواء ، ولا في زمانٍ واحدٍ ، بل يحصل ذلك لمن علم وجه إعجاز ذلك الشيء المعجز ، حين يعرف أنه مما ليس يدرك بحيلة بشرية ، ولا يتوصل إلى ذلك بالإطلاع على خاصية .

وقد لا يبعد أن تقوم شبهة عند جاهل بصناعة الطب والسحر ، تمنعه من تحصيل العلم بالإعجاز ، فيقول : لعل موسى اطلع من السحر على شيء لم يعلمه السحرة ولا اطلعت عليه

وكذلك عيسى : لعله وقع على خاصية بعض الأحجار ، أو بعض الموجودات ، فكان يفعل بها ما يظهر على يديه ، وهذه الشبهة إنما ممكن أن تظهر للجاهل بالطب والسحر

وأما العالم بالطب وبالسحر : فلا تكون هذه شبهة في حقه ؛ لعلمه الذي حصل له بالذوق والممارسة ، بأن الذي جاء به هذا مما ليس يدرك بحيلة صناعية ولا بالوقوف على خاصية ؛ بل هو صنع خالق البرية

وأنه أراد به التصديق لهذا المدعي ، والشهادة اليقينية ، فحصل من هذا : أن العلم بإعجاز إحياء الموتى وقلب العصى إنما يحصل أولاً للسحرة والأطباء ولا يحصل لكثير من الجهال بالطب والسحر الأغبياء

فكذلك إعجاز القرآن ، ولا فرق : حصل العلم به لمن يعلم لسان العرب بالذوق ، بضرورة الفرق الذي بينه وبين لسان العرب ، فعلم أنه ليس داخلا تحت مقدور العرب ، وإذا عجز عنه العرب الفصحاء ،

واللد البلغاء : فغيرهم أعجز ، كما أنا نقول : إذا عجز الأطباء عن إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فغير الأطباء أولى ، وإذا عجز السحرة عن قلب العصى ثعباناً : فغير السحرة أعجز وأعجز .

وقولهم " إنما يعجز عنه العرب لا العجم "

: معارض بأن يقال لهم : إنما يعجز عن إحياء الموتى الأطباء لا غيرهم ، وإنما يعجز عن قلب العصى السحرة لا غيرهم ، فبالذي ينفصلون به ننفصل

بل نزيد عليهم في الانفصال بوجوه ترفع الأشكال ، فإنا سنبدي وجوهاً في إعجاز القرآن يدركها كل إنسان ، عجميّاً كان أو عربيّاً ، مجوسيّاً كان أو كتابيّاً ، وسنبينها إن شاء الله إثر هذا .

فقد حصل من هذا الكلام كله العلم بأن محمَّداً صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن ، وتحدى به وهو معجزة ، وكل من جاء بالمعجزة وتحدى بها : فهو صادق ، فالنتيجة معلومة وهي أن محمَّداً صلى الله عليه وسلم صادق .

" الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن الإسلام " (ص326) .

2. وقال بعض أهل العلم : إن الإعجاز في كتاب الله تعالى ليس فقط في لفظه

بل في المعاني وترتيبها وطريقة عرضها ، فالإعجاز والتحدي للعرب : باللفظ ، ولغيرهم : في عدم قدرة أحد من أي أهل لسان كان أن يأتي بكلام يشبه ذلك بأي لغة .

*عبدالرحمن*
2019-01-19, 17:18
قال الجصاص – رحمه الله - :

قوله تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ) الآية فيه الدلالة على إعجاز القرآن ، فمن الناس من يقول : إعجازه في النظم على حياله ، وفي المعاني وترتيبها على حياله ، ويستدل على ذلك

: بتحديه في هذه الآية العرب والعجم ، والجن والإنس ، ومعلوم أن العجم لا يُتحدون من طريق النظم ، فوجب أن يكون التحدي لهم من جهة المعاني وترتيبها على هذا النظام ، دون نظم الألفاظ .

ومنهم من يأبى أن يكون إعجازه إلا من جهة نظم الألفاظ ، والبلاغة في العبارة ، فإنه يقول : إن إعجاز القرآن من وجوه كثيرة منها : حسن النظم

وجودة البلاغة في اللفظ والاختصار ، وجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة ، مع تعريه من أن يكون فيه لفظ مسخوط ومعنى مدخول ، ولا تناقض ولا اختلاف تضاد

وجميعه في هذه الوجوه جار على منهاج واحد ، وكلام العباد لا يخلو ـ إذا طال ـ من أن يكون فيه الألفاظ الساقطة ، والمعاني الفاسدة والتناقض في المعاني

وهذه المعاني التي ذكرنا من عيوب الكلام : موجودة في كلام الناس من أهل سائر اللغات ، لا يختص باللغة العربية دون غيرها ، فجائز أن يكون التحدي واقعاً للعجم بمثل هذه المعاني :

في الإتيان بها عارية مما يعيبها ويهجنها من الوجوه التي ذكرناها

ومن جهة أن الفصاحة لا تختص بها لغة العرب دون سائر اللغات وإن كانت لغة العرب أفصحها وقد علمنا أن القرآن في أعلى طبقات البلاغة فجائز أن يكون التحدي للعجم

واقعا بأن يأتوا بكلام في أعلى طبقات البلاغة بلغتهم التي يتكلمون بها .

" أحكام القرآن " ( 5 / 34 ، 35 ) .

3. وجوه الإعجاز في كتاب الله كثيرة ، وليس فقط النظم والبلاغة ، ولذا قال بعض أهل العلم إن الإعجاز في كتاب الله الذي يشترك فيه الجميع وليس العرب وحدهم

والذي تحدى الله تعالى به أن يُؤتى بمثله إنما ينطبق على هذه الوجوه ، ولذا تحدى الله تعالى به الجن مع الإنس أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، ومن هذه الوجوه : الإخبار المغيبات ووقت وقوعها – مثلاً - .

قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله - :

الوجه الثالث من وجوه إعجاز القرآن : ما تضمنه من الأخبار بالمغيبات قبل أن يحيط أحد من البشر بعلمها

وبوقوع كائنات قبل وجودها ، وذلك أمر لا يُتوصل إلى العلم به إلا من جهة الصادقين الذين يخبرون عن الله تعالى ، ونحن نذكر منها مواضع على شرط التقريب والاختصار تغني عن التطويل والإكثار .

فمن ذلك : قوله تعالى ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ) ؛ فهذه الآية من أوضح معجزاته صلى الله عليه وسلم ؛

وذلك أن الله تعالى وعده بأن يدخله المسجد الحرام هو وقومه في حالة أمن ، ويفتح عليهم مكة على أحسن حال فما زالوا ينتظرون ذلك حى بلغ وقته وصدق وعده فدخلوا كما وعدهم وفتحوه على ما أخبرهم .

" الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام " (337) .

وفي المسألة أقوال أخرى ، وما أوردناه آنفاً كافٍ ، وهو أقوى ما قيل فيها ، وخلاصته :

أن النبي صلى الله عليه وسلم عربي ، والقرآن عربي ، وقد بُعث وهو بين أظهر عربٍ فصحاء بلغاء

فكانت آيته العظمى هي كتاب الله تعالى ، فأعجزهم لفظه وعبارته وأسلوبه وبلاغته ، فعلم العقلاء من الفصحاء والبلغاء أن هذا ليس كلام البشر ، فآمنوا .

وأما من كان من غير أهل الفصاحة والبلاغة من العرب ، أو كان من الأعاجم : فإنه يُذكر لهؤلاء معاني القرآن ، وأحكامه ، ووجوه إعجازه الأخرى التي يمكنهم فهمها وإدراكها

فيحصل لهم من القناعة بحسب علمهم وفهمهم أن هذا ليس كلام البشر ، ولذا أسلم كثير من الأعاجم بسبب وقوفه على معنى آية كريمة ، ولا يمكن لهذا الأعجمي أن يفهم بلاغتها

لكنَّ معناها كان سبب إسلامه ، والقصص في ذلك متواترة ، وفي عصرنا منها الكثير ، وإنما أسلم أولئك بعد أن علموا أن ما في الآيات لا يمكن لبشر أن يأتي به ، وأنه لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم من الأجهزة

والاكتشافات ما يمكنه من إخبار الناس بتلك العلوم بواسطتها ، فسلَّموا أن الأمر من وحي السماء ، فأسلموا ، وبه نعلم مدى انطباق الحديث الذي أشار إليه السائل مع الواقع .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-19, 17:38
حكم جعل أصوات العصافير والرياح والموسيقى خلفية لتلاوة القرآن

السؤال

نرجو التفصيل في المسائل التالية ، جزاكم الله عنا خير الجزاء :

1 - ما حكم دمج صوت التلبية مثلاً (لبيك اللهم لبيك) مع تلاوة القرآن الكريم وهل هذا جائز؟

2 - ما حكم دمج المؤثرات الصوتية الطبيعية كأصوات الرياح والرعد وأصوات الطبيعة كأصوات العصافير مع تسجيلات تلاوة القرآن الكريم؟

3 - أرجو منكم الرد على ما يقوم به البعض هداهم الله من أهل التصوف من دمج الموسيقى مع تسجيلات القرآن الكريم؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن دمج صوت التلبية أو صوت الرياح والرعد والعصافير مع تلاوة القرآن الكريم ، أقل أحواله الكراهة ؛ لأن القرآن كلام الله ، فشأنه عظيم ،

وأمره كبير ، وهو أجلّ من أن يجعل معه غيره ، وقد أمر الله بالإنصات إليه ، وتدبر آياته

فقال تعالى : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204

وقال سبحانه : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ص/29

وقال عز وجل : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد/24 .

قال النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" (92) :

"ومما يُعْتنى به ويتأكد الأمر به : احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين ، فمن ذلك : اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة ، إلا كلاما يضطر إليه ، وليمتثل قول الله تعالى

: (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وليقتد بما رواه ابن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما : (أنه كان إذا قُرئ القرآنُ لا يتكلم حتى يُفرَغَ منه)" انتهى .

وهذه الأصوات والمؤثرات إن كان المقصود بها زيادة التحسين والتطريب ، فهذا ليس من المقاصد المعتبرة ، وكم أشغل هذا التحسين عن التدبر والتأمل والاتعاظ .

وإن كان المقصود هو جعل خلفية " تصويرية " تعين على التدبر - بزعمهم - فهذا مع منافاته لما ينبغي من تعظيم القرآن والإنصات إليه ، فيه إشكال آخر من جهة أن بعضهم يصوّر الأمور الغيبية

التي لا يمكن تصوّرها فضلا عن تصويرها صوتيا أو مرئيا ، وذلك كجعل بعضهم صوت العصافير عند ذكر الجنة ، ومعلوم أن الجنة فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر

فصوت طيور الجنة في الجنة غيبٌ لا نعلم صفته ولا مقدار حسنه وجماله ، ولا يمكن تمثيله بأصواتها في الدنيا ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه : "ليس في الجنة شئ

مما في الدنيا إلا الأسماء" رواه الضياء في المختارة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5410) ، وأورده في السلسلة الصحيحة (5/187) بلفظ : "ليس في الجنة شيء يشبه (ما) في الدنيا إلا الأسماء" .

وبالجملة : فالقرآن ينبغي أن ينزه عن هذه الأصوات المصاحبة لأن شأنه أعظم من ذلك .

ثانيا :

يحرم استعمال الموسيقى وسماعها

أدلة التحريم من الكتاب والسنة :

قال الله تعالى في سورة لقمان :

" ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله "

قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما : هو الغناء ، وقال مجاهد رحمه الله : اللهو الطبل ( تفسير الطبري 21/40 ) ، وقال الحسن البصري رحمه الله : نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير ( تفسير ابن كثير 3/451 )

وقال السعدي رحمه الله :

فدخل في هذا كل كلام محرم ، وكل لغو وباطل ، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر والعصيان ، ومن أقوال الرادين على الحق المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق

ومن غيبة ونميمة وكذب وشتم وسب ، ومن غناء ومزامير شيطان ، ومن الماجريات الملهية التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا (

تفسير السعدي 6/150 )

قال ابن القيم رحمه الله

: ( ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود ، قال أبو الصهباء : سألت ابن مسعود عن قوله تعالى : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث "

فقال : والله الذي لا إله غيره هو الغناء - يرددها ثلاث مرات - ، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء ، ولا تعارض بين تفسير لهو الحديث بالغناء وتفسيره بأخبار الأعاجم وملوكهم وملوك

الروم ونحو ذلك مما كان النضر بن الحارث يحدث به أهل مكة يشغلهم به عن القرآن ، وكلاهما لهو الحديث

ولهذا قال ابن عباس : لهو الحديث الباطل والغناء ، فمن الصحابة من ذكر هذا ومنهم من ذكر الآخر ومنهم من جمعهما ، والغناء أشد لهوا وأعظم ضررا من أحاديث الملوك وأخبارهم

فإنه رقية الزنا ومنبت النفاق وشرك الشيطان وخمرة العقل ، وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه ، فإن الآيات تضمنت ذم استبدال لهو الحديث بالقرآن ليضل عن سبيل الله

بغير علم ويتخذها هزوا ، وإذا يتلى عليه القرآن ولى مدبرا كأن لم يسمعه كأن في أذنيه وقراً ، هو الثقل والصمم

وإذا علم منه شيئا استهزأ به ، فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرا وإن وقع بعضه للمغنين ومستمعيهم فلهم حصة ونصيب من هذا الذم ) إغاثة اللهفان 1/258-259

وقال تعالى : " واستفزز من استطعت منهم بصوتك "

عن مجاهد رحمه الله قال : استنزل منهم من استطعت ، قال : وصوته الغناء والباطل ، قال ابن القيم رحمه الله : ( وهذه الإضافة إضافة تخصيص كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك

فكل متكلم في غير طاعة الله أو مصوت بيراع أو مزمار أو دف حرام أو طبل فذلك صوت الشيطان ، وكل ساع إلى معصية الله على قدميه فهو من رَجِله وكل راكب في معصيته فهو من خيالته

كذلك قال السلف كما ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس : رجله كل رجل مشت في معصية الله ) إغاثة اللهفان .

وقال تعالى : " أفمن هذا الحديث تعجبون ، وتضحكون ولا تبكون ، وأنتم سامدون "

قال عكرمة رحمه الله : عن ابن عباس السمود الغناء في لغة حِميَر ، يقال : اسمدي لنا أي غني ، وقال رحمه الله : كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا فنزلت هذه الآية ، وقال ابن كثير رحمه الله :

وقوله تعالى " وأنتم سامدون " قال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس قال : الغناء ، هي يمانية ، اسمد لنا غنِّ لنا ، وكذلك قال عكرمة . تفسير ابن كثير .

عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبيعوا القينات

ولا تشتروهن ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، في مثل هذا أنزلت هذه الآية : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " حسن .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف .. " الحديث ، ( رواه البخاري تعليقا برقم 5590

ووصله الطبراني والبيهقي ، وراجع السلسلة الصحيحة للألباني 91 ) ، قال ابن القيم رحمه الله : ( هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجا به وعلقه تعليقا مجزوما به

فقال : باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه ) ، وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين ؛ أولهما : قوله صلى الله عليه وسلم : " يستحلون "

فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة ، فيستحلها أولئك القوم . ثانيا :

قرن المعازف مع المقطوع حرمته وهو الزنا والخمر ، ولو لم تكن محرمة لما قرنها معها ( السلسلة الصحيحة للألباني 1/140-141 بتصرف )

قال شيخ الإسلام رحمه الله

فدل هذا الحديث على تحريم المعازف ، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة ، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها

. ( المجموع 11/535 )

وقال ابن القيم رحمه الله : ( وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وعمران بن حصين وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي

وعائشة أم المؤمنين وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سابط والغازي بن ربيعة ) ثم ذكرها في إغاثة اللهفان وهي تدل على التحريم .

*عبدالرحمن*
2019-01-19, 17:39
عن نافع رحمه الله قال

: " سمع ابن عمر مزمارا ، قال : فوضع إصبعيه على أذنيه ، ونأى عن الطريق ، وقال لي : يا نافع هل تسمع شيئا ؟ قال : فقلت : لا ، قال : فرفع إصبعيه من أذنيه

وقال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا ، فصنع مثل هذا " صحيح أبي داود ؛ وقد زعم قزم أن هذا الحديث ليس دليلا على التحريم

إذ لو كان كذلك لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنهما بسد أذنيه ، ولأمر ابن عمر نافعا كذلك ! فيجاب : بأنه لم يكن يستمع ، وإنما كان يسمع

وهناك فرق بين السامع والمستمع ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( أما ما لم يقصده الإنسان من الاستماع فلا يترتب عليه نهي ولا ذم باتفاق الأئمة ، ولهذا إنما يترتب الذم والمدح على الاستماع لا السماع

فالمستمع للقرآن يثاب عليه ، والسامع له من غير قصد ولا إرادة لا يثاب على ذلك ، إذ الأعمال بالنيات ، وكذلك ما ينهى عنه من الملاهي ، لو سمعه بدون قصد لم يضره ذلك ) المجموع 10 / 78 ؛

قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : والمستمع هو الذي يقصد السماع ، ولم يوجد هذا من ابن عمر رضي الله عنهما ، وإنما وجد منه السماع ، ولأن بالنبي صلى الله عليه وسلم حاجة إلى معرفة انقطاع الصوت

عنه لأنه عدل عن الطريق ، وسد أذنيه ، فلم يكن ليرجع إلى الطريق

ولا يرفع إصبعيه عن أذنيه حتى ينقطع الصوت عنه

فأبيح للحاجة . ( المغني 10 / 173 ) (

ولعل السماع المذكور في كلام الإمامين مكروه ، أبيح للحاجة كما سيأتي في قول الإمام مالك رحمه الله والله أعلم ) .

أقوال أئمة الإسلام :

قال القاسم رحمه الله : الغناء من الباطل ، وقال الحسن رحمه الله : إن كان في الوليمة لهو ، فلا دعوة لهم . الجامع للقيرواني ص 262-263 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام ، ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف

وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير ، .. ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا ) المجموع 11/576

قال الألباني رحمه الله : اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها . الصحيحة 1/145 .

قال ابن القيم رحمه الله : ( مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب ، وقوله فيه من أغلظ الأقوال ، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف ، حتى الضرب بالقضيب

وصرحوا بأنه معصية يوجب الفسق وترد بها الشهادة ، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا : أن السماع فسق والتلذذ به كفر ، هذا لفظهم ، ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه

قالوا : ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره

وقال أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي : ادخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض ، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض ) إغاثة اللهفان 1/425 .

وسئل الإمام مالك رحمه الله عن ضرب الطبل والمزمار ، ينالك سماعه وتجد له لذة في طريق أو مجلس ؟ قال : فليقم إذا التذ لذلك ، إلا أن يكون جلس لحاجة ، أو لا يقدر أن يقوم

وأما الطريق فليرجع أو يتقدم . ( الجامع للقيرواني 262 ) ، وقال رحمه الله : إنما يفعله عندنا الفساق ( تفسير القرطبي 14/55 )

قال ابن عبد البر رحمه الله :

من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشا وأخذا الأجرة على النياحة والغناء وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء وعلى الزمر واللعب الباطل كله .

( الكافي ) .

قال ابن القيم رحمه الله

في بيان مذهب الإمام الشافعي رحمه الله

: ( وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله ) ( إغاثة اللهفان 1/425 )

وقد عد صاحب كفاية الأخبار ، من الشافعية ، الملاهي من زمر وغيره منكرا ، ويجب على من حضر إنكاره ، وقال : ( ولا يسقط عنه الإنكار بحضور فقهاء السوء ، فإنهم مفسدون للشريعة

ولا بفقراء الرجس - يقصد الصوفية لأنهم يسمون أنفسهم بالفقراء - فإنهم جهلة أتباع كل ناعق ، لا يهتدون بنور العلم ويميلون مع كل ريح )

( كفاية الأخيار 2/128 ) .

قال ابن القيم رحمه الله :

( وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه : سألت أبي عن الغناء فقال : الغناء ينبت النفاق بالقلب ، لا يعجبني ، ثم ذكر قول مالك : إنما يفعله عندنا الفساق )

( إغاثة اللهفان ) ، وقال ابن قدامة - محقق المذهب الحنبلي - رحمه الله : ( الملاهي ثلاثة أضرب ؛ محرم ، وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها ،

والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها ، فمن أدام استماعها ردت شهادته )

( المغني 10/173 )

وقال رحمه الله

: ( وإذا دعي إلى وليمة فيها منكر ، كالخمر والزمر ، فأمكنه الإنكار ، حضر وأنكر ، لأنه يجمع بين واجبين ، وإن لم يمكنه لا يحضر )

( الكافي 3/118 ) .

قال الطبري رحمه الله

: ( فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليك بالسواد الأعظم "

ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية " ) ( تفسير القرطبي 14/56 ) . وقد كان لفظ الكراهة يستخدم لمعنى الحرمة في القرون المتقدمة ثم غلب عليه معنى التنزيه ، ويحمل هذا على التحريم لقوله : والمنع منه

فإنه لا يمنع عن أمر غير محرم ، ولذكره الحديثين وفيهما الزجر الشديد ، والقرطبي رحمه الله هو الذي نقل هذا الأثر ، وهو القائل بعد هذا : ( قال ابو الفرج وقال القفال من أصحابنا : لا تقبل شهادة المغني والرقاص

قلت : وإذا ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز ) ،

قال الشيخ الفوزان حفظه الله

: ( ما أباحه ابراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري من الغناء ليس هو كالغناء المعهود .. فحاشا هذين المذكورين أن يبيحا مثل هذا الغناء الذي هو غاية في الانحطاط ومنتى الرذالة ) الإعلام.

*عبدالرحمن*
2019-01-19, 17:40
وقال ابن تيمية رحمه الله :

( لا يجوز صنع آلات الملاهي )

( المجموع 22/140 )

وقال رحمه الله :

( آلات الملاهي ، مثل الطنبور ، يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء ، وهو مذهب مالك وأشهر الروايتين عند أحمد )

( المجموع 28/113 )

وقال : ( الوجه السادس : أنه ذكر ابن المنذر اتفاق العلماء على المنع من إجارة الغناء والنوح فقال : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية

كره ذلك الشعبي والنخعي ومالك وقال أبو ثور والنعمان - أبو حنيفة رحمه الله - ويعقوب ومحمد - تلميذي أبي حنيفة رحمهم الله -

: لا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح وبه نقول ) وقال : ( والمعازف خمر النفوس ، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل حميا الكؤوس )

( مجموع الفتاوى 10/417 ) .

وأخرج ابن أبي شيبة رحمه الله :

أن رجلا كسر طنبورا لرجل ، فخاصمه إلى شريح فلم يضمنه شيئا - أي لم يوجب عليه القيمة لأنه محرم لا قيمة له - .

( المصنف 5/395 ) .

وأفتى البغوي رحمه الله بتحريم بيع جميع آلات اللهو والباطل مثل الطنبور والمزمار والمعازف كلها

ثم قال : ( فإذا طمست الصور ، وغيرت آلات اللهو عن حالتها ، فيجوز بيع جواهرها وأصولها ، فضة كانت أو حديد أو خشبا أو غيرها )

( شرح السنة 8/28 ) .

استثناء حق

ويستثنى من ذلك الدف - بغير خلخال - في الأعياد والنكاح للنساء ، وقد دلت عليه الأدلة الصحيحة

قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح ، وأما الرجال

على عهده فلم يكن أحد على عهده يضرب بدف ولا يصفق بكف ، بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال : " التصفيق للنساء والتسبيح للرجال ، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء "

ولما كان الغناء والضرب بالدف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا ، ويسمون الرجال المغنين مخانيث - ما أكثرهم في هذا الزمان - وهذا مشهور في كلامهم

ومن هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها لما دخل عليها أبوها رضي الله عنه في أيام العيد وعندها جاريتان - أي صغيرتان - تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث - ولعل العاقل يدرك ما يقوله الناس في الحرب -

فقال أبو بكر رضي الله عنه : " أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم "

وكان رسول الله معرضا بوجهه عنهما مقبلا بوجهه الكريم إلى الحائط -

ولذلك قال بعض العلماء أن أبا بكر رضي الله عنه ما كان ليزجر احدا أو ينكر عليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولكنه ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منتبه لما يحصل والله أعلم - فقال :

" دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا أهل الإسلام " ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه ، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان -

فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر هذه التسمية ولم يبطلها حيث أنه قال " دعهما فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " ، فأشار ذلك أن السبب في إباحته هو كون الوقت عيدا

فيفهم من ذلك أن التحريم باق في غير العيد إلا ما استثني من عرس في أحاديث أخرى ، وقد فصل ذلك الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه النفيس تحريم آلات الطرب -

والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الجواري في الأعياد كما في الحديث : " ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة " ، وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك

والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع كما في الرؤية فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار ) ، فتبين أنه للنساء فقط

حتى أن الإمام أبا عبيد رحمه الله ، عرف الدف قائلا : فهو الذي يضرب به النساء . ( غريب الحديث 3/64 ) - فينبغي لبعضهم الخروج بالحجاب الشرعي - .

*عبدالرحمن*
2019-01-19, 17:40
استثناء باطل

استثنى بعضهم الطبل في الحرب ، وألحق به بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية ، ولا وجه لذلك البتة ، لأمور ؛ أولها : انه تخصيص لأحاديث التحريم بلا مخصص ، سوى مجرد الرأي والاستحسان وهو باطل

ثانيهما : أن المفترض على المسلمين في حالة الحرب ، أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم ، قال تعالى : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم

" واستعمال الموسيقى يفسد عليهم ذلك ، ويصرفهم عن ذكر ربهم ، ثالثا : أن استعمالها من عادة الكفار

فلا يجوز التشبه بهم ، لاسيما في ما حرمه الله تبارك تعالى علينا تحريما عاما كالموسيقى . ( الصحيحة 1/145 ) .

( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) صحيح

استدل بعضهم بحديث لعب الحبشة في مسجده صلى الله عليه وسلم في إباحة الغناء ! ترجم البخاري رحمه الله على هذا الحديث في صحيحه : ( باب الحراب والدرق يوم العيد ) ، قال النووي رحمه الله :

فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ، ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد . ( شرح مسلم ) ، ولكن كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : من تكلم في غير فنه أتى بمثل هذه العجائب .

واستدل بعضهم بحديث غناء الجاريتين ، وقد سبق الكلام عليه ، لكن نسوق كلام ابن القيم رحمه الله لأنه قيم : ( وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء

بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة والحروب ومكارم الأخلاق والشيم ، فأين هذا من هذا ، والعجيب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم

فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان ، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه التسمية ، ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين ولا مفسدة في إنشادهما ولاستماعهما

أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى ؟! فسبحان الله كيف ضلت العقول والأفهام ) ( مدارج السالكين 1/493 ) ، وقال ابن الجوزي رحمه الله :

وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت ،و لم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء ، قد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه وقد أخذ العلم عنها .

( تلبيس إبليس 229 ) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله

: ( واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب - حديث الجاريتين - على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة ، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها " وليستا بمغنيتين " ،

فنفت عنهما بطريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ .. فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل - أي الحديث - والله أعلم )

( فتح الباري 2/442-443 )

وقد تجرأ البعض بنسبة سماع الغناء إلى الصحابة والتابعين ، وأنهم لم يروا به بأسا !!

قال الفوزان حفظه الله

: ( نحن نطالبه بإبراز الأسانيد الصحيحة إلى هؤلاء الصحابة والتابعين بإثبات ما نسبه إليهم )

ثم قال : ( ذكر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن المبارك أنه قال : الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ) .

وقال بعضهم أن جميع الأحاديث التي تحرم الغناء مثخنة بالجراح ، لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه !!

قال ابن باز رحمه الله :

( إن الأحاديث الواردة في تحريم الغناء ليست مثخنة بالجراح كما زعمت ، بل منها ما هو في صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله

ومنها الحسن ومنها الضعيف ، وهي على كثرتها وتعدد مخارجها حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم الغناء والملاهي ) .

( وقد اتفق الأئمة على صحة أحاديث تحريم الغناء والمعازف إلا أبو حامد الغزالي ، والغزالي ما عرف علم الحديث ، وابن حزم ، وبين الألباني رحمه الله خطأه أوضح بيان

وابن حزم نفسه قال أنه لو صح منها شيء لقال به ، ولكن من في هذا الزمن ثبتت لديهم صحة ذلك لما تكاثر من كتب أهل العلم

وما تواتر عنهم من تصحيح هذه الأحاديث ، ولكنهم أعرضوا عنه ، فهم أشد من ابن حزم بكثير وليسوا مثله ، فهم ليسوا متأهلين ولا رجعوا لهم )

وقال بعضهم أن الغناء حرمه العلماء لأنه اقترن بمجالس الخمر والسهر الحرام !

قال الشوكاني رحمه الله : ( ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط وإلا لزم أن الزنا المصرح به في الأحاديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف ، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله .

وأيضا يلزم مثل قوله تعالى : " إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين

" أنه لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين

فإن قيل إن تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل آخر ، فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل آخر أيضا كما سلف ) ( نيل الأوطار 8/107) .

وقال بعضهم أن لهو الحديث ليس المقصود به الغناء ، وقد سبق الرد على ذلك

قال القرطبي رحمه الله :

( هذا - أي القول بأنه الغناء - أعلى ما قيل في هذه الآية وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أنه الغناء ) ثم ذكر من قال بهذا من الأئمة ، وذكر الأقوال الأخرى في ذلك ثم قال (

القول الأول أولى ما قيل في هذا الباب للحديث المرفوع وقول الصحابة والتابعين فيه )

( تفسير القرطبي )

وقال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر هذا التفسير :

( قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب المستدرك : ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند ) وقال في موضع آخر من كتابه :

( هو عندنا كحكم المرفوع ) ، وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم

فهم أعلم الأمة بمراد الله عز وجل في كتابه ، فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة

وقد شاهدوا التفسير من الرسول صلى الله عليه وسلم علما وعملا ، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة ، فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيلا ) ( إغاثة اللهفان ) .

وقال بعضهم أن الغناء طاعة إذا كان المقصود به التقوي على طاعة الله !!!

قال ابن القيم رحمه الله : ( ويا للعجب ، إي إيمان ونور وبصيرة وهدى ومعرفة تحصل باستماع أبيات بألحان وتوقيعات لعل أكثرها قيلت فيما هو محرم يبغضه الله ورسوله ويعاقب عليه ،

... فكيف يقع لمن له أدنى بصيرة وحياة قلب أن يتقرب إلى الله ويزداد إيمانا وقربا منه وكرامة عليه بالتذاذه بما هو بغيض إليه مقيت عنده يمقت قائله و الراضي به ) ( مدارج السالكين 1/485 )

. قال شيخ الإسلام في بيان حال من اعتاد سمعه الغناء :

( ولهذا يوجد من اعتاده واغتذى به لا يحن على سماع القرآن ، ولا يفرح به ، ولا يجد في سماع الآيات كما يجد في سماع الأبيات ، بل إذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية وألسن لاغية

وإذا سمعوا المكاء والتصدية خشعت الأصوات وسكنت الحركات وأصغت القلوب ) ( مجموع الفتاوى 11/557 وما بعده ) .

ويروج بعضهم للموسيقى والمعازف بأنها ترقق القلوب والشعور ، وتنمي العاطفة ، وهذا ليس صحيحا

فهي مثيرات للشهوات والأهواء ، ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم ، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم .

خاتمة

لعله تبين من هذا المختصر - للمنصفين - أن القول بالإباحة ليس قولا معتبرا ، وأنه ليس في هذه المسألة قولان ، فتجب النصيحة بالحسنى ثم يتدرج في الإنكار لمن استطاع

ولا تغتر بشهرة رجل في زمن أصبح أهل الدين فيه غرباء ، فإن من يقول بإباحة الغناء وآلات الطرب ، إنما ينصر هوى الناس اليوم - وكأن العوام يفتون وهو يوقع ! -

فإنهم إذا عرضت لهم مسألة نظروا في أقوال العلماء فيها ، ثم أخذوا الأيسر -

زعموا - ثم يبحثون عن أدلة ، بل شبهات تتأرجح بين الموقوذة والمتردية والنطيحة ! فكم شرع أمثال هؤلاء للناس بهذا التمويه أمورا باسم الشريعة الإسلامية يبرأ الإسلام منها .

فاحرص أخي أن تعرف إسلامك من كتاب ربك وسنة نبيك ، ولا تقل : قال فلان ؛ فإن الحق لا يعرف بالرجال ، بل اعرف الحق تعرف الرجال ، ولعل في هذا القدر كفاية لمن نبذ هواه وخضع لمولاه

ولعل ما سبق يشفي صدور قوم مؤمنين ، ويطير وسواس قوم موسوسين

ويفضح كل معرض عن الوحي ، متتبع للرخص ، ظن أنه أتى بما لم يأت به الأوائل فتقول على الله بغير علم ، وطلب الخروج من الفسق فوقع في البدعة - لا بارك الله فيه -

وقد كان خيرا له سبيل المؤمنين .

والله أعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الذي وضح سبيل المؤمنين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

ملخص رسالة الضرب بالنوى لمن أباح المعازف للهوى للشيخ سعد الدين بن محمد الكبي

وللاستزادة .. يمكن مراجعة :

كتاب الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان

وكتاب السماع لشيخ الإسلام ابن القيم

وكتاب تحريم آلات الطرب للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله .

وأما جعلها مع القرآن فهذا منكر عظيم شنيع ، لا يستريب أحد في تحريمه ومنعه ، ولا نظن أن يقدم عليه رجل يخاف الله تعالى ، إذ كيف يُجعل كلام الله كالغناء الذي تصحبه الآلات

وكيف يتلى أشرف الكلام على مزامير الشيطان ، نسأل الله العافية .

وفي "الفتاوى الهندية" (2/267)

: "إذا قرأ القرآن على ضرب الدف والقصب فقد كفر" انتهى.

قال أبو بكر الحصني الشافعي في كتابه "كفاية الأخيار" (ص 494) :

"وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر ، وإلقاء المصحف في القاذورات

والسحر الذي فيه عبادة الشمس ، وكذا الذبح للأصنام والسخرية باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده أو قراءة القرآن على ضرب الدف" انتهى .

وسبب ذلك ـ والله أعلم ـ : أن قراءة القرآن الذي هو كلام الله على أصوات الموسيقى إهانة للقرآن ، وإهانة القرآن كفر .
والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-19, 17:46
يسأله النصارى أين هي نسخ المصاحف التي نسخها عثمان رضي الله عنه

السؤال

يسألني النصارى أين توجد نسخ القرآن التي نسخها عثمان بن عفان ؟

فلا أستطيع إجابتهم .

الجواب

الحمد لله

هذا السؤال يحتمل أمرين :

الأول : أن يكون سؤال استفهام حقيقي عن مكان وجود المصاحف التي أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه بنسخها ، وبعث بها إلى أمصار المسلمين ليعتمدوها ويحرقوا ما سواها

فالجواب عن هذا الاستفهام أنه لم يثبت لدينا شيء عن مكان وجود هذه المصاحف اليوم ، ولا عن صحة ما تدعيه بعض المتاحف في العالم من احتوائها على بعض المصاحف العثمانية أو حتى مصحف عثمان الشخصي

" المصحف الإمام "، وإن كنا كذلك لا ننفي صحة هذه الاحتمالات ، فعالم المخطوطات عالم عميق عمق التاريخ

ومعقد بتعقيداته ، ولا يبعد أن تكون بعض المصاحف المسماة بالعثمانية اليوم هي فعلا تلك التي نسخت بأمر عثمان رضي الله عنه .

وللاطلاع على تفاصيل هذا الموضوع يمكن قراءة كتاب " أضواء على مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه ورحلته شرقا وغربا " للدكتورة سحر السيد عبد العزيز سالم ، طبع مؤسسة شباب الجامعة ، الإسكندرية ، 1991م.

يقول الشيخ الزرقاني رحمه الله :

" ليس بين أيدينا دليل قاطع على وجود المصاحف العثمانية الآن ، فضلا عن تعيين أمكنتها ، وقصارى ما علمناه أخيرا أن ابن الجزري رأى في زمانه مصحف أهل الشام ، ورأى في مصر مصحفا أيضا .

أما المصاحف الأثرية التي تحتويها خزائن الكتب والآثار في مصر ويقال عنها إنها مصاحف عثمانية

: فإننا نشك كثيرا في صحة هذه النسبة إلى عثمان رضي الله عنه ؛ لأن بها زركشة ونقوشا موضوعة كعلامات للفصل بين السور ، ولبيان أعشار القرآن

ومعلوم أن المصاحف العثمانية كانت خالية من كل هذا ، ومن النقط والشكل أيضا .

نعم إن المصحف المحفوظ في خزانة الآثار بالمسجد الحسيني والمنسوب إلى عثمان رضي الله عنه مكتوب بالخط الكوفي القديم

مع تجويف حروفه وسعة حجمه جدا ، ورسمه يوافق رسم المصحف المدني أو الشامي ، حيث رسم فيه كلمة : ( من يرتدد ) من سورة المائدة بدالين اثنين مع فك الإدغام ، وهي فيها بهذا الرسم .

فأكبر الظن أن هذا المصحف منقول من المصاحف العثمانية على رسم بعضها .

وكذلك المصحف المحفوظ بتلك الخزانة ، ويقال إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتبه بخطه

يلاحظ فيه أنه مكتوب بذلك الخط الكوفي القديم ، بيد أنه أصغر حجما ، وخطه أقل تجويفا من سابقه

ورسمه يوافق غير المدني والشامي من المصاحف العثمانية حيث رسمت فيه الكلمة السابقة : ( من يرتد ) بدال واحدة مع الإدغام ، وهي في غيرهما كذلك .

فمن الجائز أن يكون كاتبه عليا ، أو يكون قد أمر بكتابته في الكوفة .

" مناهل العرفان " (1/404-405)

ويقول الدكتور غانم القدوري :

" مسألة مصير المصاحف العثمانية الأصلية ، وهل من المحتمل أن يكون قد بقي منها شيء :

هي مسألة تاريخية كبيرة ، ليس من اليسير

هنا – الإلمام بكل جوانبها ، ونكتفي بالإشارة إلى أن العلماء قد رووا –

في وقت مبكر – ذهاب تلك المصاحف ، ولا شك أن من روى ذلك كانت روايته بقدر ما عرفه ، ولا ينفي أن تكون المصاحف العثمانية قد بقيت لعدة قرون بعد ذلك :

فبينما نجد الإمام مالك بن أنس (ت179هـ) يسأله ابن وهب عن مصحف عثمان رضي الله عنه ، فيقول : بأنه ذهب ، نجده يخرج لهم مصحفا قديما كان قد كتبه جده إذ كتب عثمان المصاحف .

ويُروى أن أبا عبيد قال : إنه رأى الإمام مصحف عثمان ، استخرج له من بعض خزائن الأمراء ، وأنه رأى فيه أثر دمه .

ويشير الداني (ت 444هـ) كثيرا إلى تتبعه بعض الحروف في المصاحف العتق ، فيقول – مثلا – إنه رأى مصحفا جامعا عتيقا كتب في أول خلافة هشام بن عبد الملك سنة عشر ومائة كان تاريخه في آخره .

كذلك يَروي ابن كثير (ت 774هـ) وابن الجزري (ت 833هـ) أنهما رأيا بعض المصاحف القديمة المكتوبة على الرق في جامع دمشق وفي مصر كذلك .

فهذه الروايات تشير إلى احتمال أن تكون المصاحف العثمانية الأصلية قد ظلت موجودة دهرا طويلا في المساجد الجامعة ، خاصة إذا تصورنا ما حظيت به تلك المصاحف من الرعاية والاحترام

فهي المصاحف الأئمة التي نسخ الناس عنها مصاحفهم في الأمصار بعد إجماع الأمة على المصاحف التي نسخت في خلافة عثمان رضي الله عنه .

ومن الملاحظ أن أئمة رواية الرسم كثيرا ما يقولون إنهم رأوا كلمة معينة في المصحف الإمام مصحف عثمان ، كالذي يروى عن أبي عبيد ، وعاصم الجحدري ، ويحيى بن الحارث

وأبي حاتم ، ولعل كلمة المصحف الإمام كانت تشمل جميع المصاحف التي كتبت بأمر عثمان رضي الله عنه في أي مصر من الأمصار ، وليس مصحف المدينة أو المصحف الخاص بالخليفة فحسب

وربما تشمل أيضا المصاحف الكبيرة التي كانت توضع في المساجد الجامعة للقراءة أو لنسخ المصاحف منها ، والتي نسخت من المصاحف العثمانية الأصلية

ولعل ذلك يفسر لنا أيضا ما يكتب في آخر بعض المصاحف من أنه بخط الخليفة عثمان ، أي بنفس الهجاء الذي كتبت عليه المصاحف التي نسخت في خلافة عثمان رضي الله عنه .

وتوجد الآن في مكتبات العالم مجموعة كبيرة من المصاحف القديمة ، أو قطع منها قد كتبت على الرق

وبالخط الكوفي القديم ، مجردة من النقط والشكل ، ومن كثير مما ألحق بالمصاحف من أسماء السور وعدد آيها وغير ذلك ، بحيث تبدو أقرب إلى الصورة التي كانت عليها المصاحف الأولى .

ويثار السؤال القديم مرة أخرى في الوقت الحاضر ، وهو : هل يمكن أن يكون واحد من هذه المصاحف القديمة الباقية أحد المصاحف العثمانية الأصلية ؟

إن أغلب الباحثين أَمْيَل إلى استبعاد ذلك

إذ من المتعذر اليوم العثور على مصحف كامل كتب في القرن الهجري الأول أو الثاني وعليه تاريخ نسخه أو اسم ناسخه ، وكذلك فإنها في الغالب غير مجردة تماما من العلامات التي أدخلت في وقت متأخر

إلى جانب أن إقرار ذلك يحتاج إلى أدلة تاريخية ومادية واضحة وقوية ، ودراسة متعددة الوجود ، وهو ما لم يتح للدارسين بعد القيام بها .

*عبدالرحمن*
2019-01-19, 17:48
ومهما كان الرأي في تلك المصاحف فإنها – دون شك – قديمة ترجع إلى القرون الهجرية الأولى

بل ربما إلى القرن الأول بالذات ، خاصة حين لا يظهر فيها أي أثر للإصلاحات التي أدخلت على الخط العربي في النصف الثاني من القرن الأول الهجري

إلا بعض العلامات النادرة أحيانا

فهي بذلك أقرب إلى الفترة التي يحتمل أن تكون المصاحف العثمانية موجودة فيها ، وربما نسخت منها أو من مصحف نسخ من أحدها ، وهي لذلك خير ما يمثل واقع الرسم الذي نسخت به المصاحف العثمانية .

وتملك مكتبات التراث الإسلامية في مصر خير مجموعة من تلك المصاحف القديمة

كذلك يروى أن أحد تلك المصاحف القديمة كان موجودا في الحرم النبوي في المدينة المنورة حتى الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، حيث نقله العثمانيون إلى الآستانة مع انسحابهم من أراضي الحجاز

ويقال إنه انتقل إلى ألمانيا .

ومنها مصحف محفوظ الآن في مدينة طشقند في تركستان الإسلامية في روسيا ، وقد قامت بنشره – في مطلع هذا القرن – جمعية الآثار القديمة الروسية ، وطبعت منه خمسين نسخة

ومع ذلك فإن الدراسات عن تلك المصاحف القديمة وعددها في مكتبات العالم لا تزال قليلة "

انتهى باختصار يسير.

" رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية " (ص/188-191)

الاحتمال الثاني الذي يحتمله هذا السؤال : أن يكون الغرض منه التشكيك في المصاحف الموجودة بين أيدينا اليوم : وهذا ما نستبعده عن السائل لظهور خطئه

فإن تواتر نقل القرآن الكريم عبر مئات الآلاف من الأسانيد المتصلة والكتب والمصاحف والمخطوطات أمر مشهور معروف ، ولو أنشئت المؤسسات العلمية الكبيرة لحصر هذه الأسانيد والمصاحف

والكتب وجمع أدلة تواتر القرآن الكريم لما أمكنها ذلك ، تماما كما لو أنشأنا مؤسسة بحثية لإثبات تواتر خبر وجود دولة كالصين مثلا في عالم الناس اليوم ، فهل يطلب عاقل القيام بذلك

وهل بالإمكان حصر جميع الأخبار ، والآثار ، والمشاهدات ، التي وقعت لكل إنسان رأى الصين ، أو جاءه شيء منها ، أو اتصل به خبرها بوجه ما ؟!!

ثم مع ذلك كله ، بل فوق ذلك كله : حفظ القرآن في الصدور ، ونقله شفاها ، شخصا عن شخص

وجيلا عن جيل ، وقرنا عن قرن ، من أول نزول الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى يوم الناس هذا ، لا يختلفون ولا يمترون فيه .

والمصاحف العثمانية إنما أخذت عن تواتر القرآن الكريم في عهد الصحابة رضوان الله عليهم وليست هي المصدر الأول لرواية القرآن ، فكيف نقلب المنهج اليوم وننفي تواتر القرآن بعدم وقوفنا على المصاحف العثمانية .

يقول العلامة الزرقاني رحمه الله:

" ثم إن عدم بقاء المصاحف العثمانية قاطبة لا يضرنا شيئا ، ما دام المعول عليه هو النقل والتلقي ثقة عن ثقة ، وإماما عن إمام ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك متواتر مستفيض على أكمل وجه في القرآن حتى الآن .

على أن المصاحف العثمانية نسخت على غرارها الآلاف المؤلفة في كل عصر ومصر ، مع المحافظة على الرسم العثماني " انتهى.

" مناهل العرفان " (1/405)

فقل لسائلك ، بدلا من أن تتحير :

أين عشر معشار ذلك كله ، وأدنى منه بكثير ، لشيء من كتبكم ، ودينكم ؟!

لقد ذكرنا سؤال هذا النصراني بقول الشاعر حافظ إبراهيم رحمه الله :

يا ساكِنَ البَيتِ الزُجا
جِ ، هَبِلتَ ، لا تَرمِ الحُصونا

أَرَأَيتَ قَبلَكَ عارِياً
يَبغي نِزالَ الدارِعينا

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-01-23, 14:00
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل كان ابن مسعود يجوِّز قراءة القرآن بالمعنى؟

السؤال

سمعت في إحدى القنوات الدينية عن حديث لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيما معناه

: أنه كان يعلِّم رجلاً القرآن ، وكان الرجل لا يستطيع أن ينطق كلمة (الأثيم) في قول الله تعالى (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) فبدَّلها له عبد الله بن مسعود بكلمة "الفاجر"

مع العلم بأن المشايخ في القناة أقروا أن الحديث صحيح ، والسؤال هو : كيف يكون ذلك في وجود قول الرسول (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

القرآن كلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم , ولا يمكن لأحدٍ أن يبدله ، لا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا غيره من باب أولى

وفي ذلك يقول تعالى : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِ

نْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يونس/15 .

قال ابن كثير رحمه الله :

أي : ليس هذا إليَّ ، إنما أنا عبد مأمور ، ورسولٌ مبلِّغ عن الله .

"تفسير ابن كثير" (4/253) .

وقال الزرقاني رحمه الله :

وليس بعد كلام الله ورسوله كلام ، كذلك أجمعت الأمة على أنه لا مدخل لبشر في نظم هذا القرآن

لا من ناحية أسلوبه ، ولا من ناحية ألفاظه ، بل ولا من ناحية قانون أدائه ، فمَن يخرج على هذا الإجماع ، ويتبع غير سبيل المؤمنين : يولِّه الله ما تولى ، ويصله جهنم ، وساءت مصيراً .

وها نحن أولاء قد رأينا القرآن في تلك الآية يمنع الرسول من محاولة ذلك منعاً باتّاً ، مشفوعاً بالوعيد الشديد

ومصحوباً بالعقاب الأليم ، فما يكون لابن مسعود ، ولا لأكبر من ابن مسعود بعد هذا أن يبدِّل لفظاً من ألفاظ القرآن بلفظٍ من تلقاء نفسه .

"مناهل العرفان في علوم القرآن" (1/188) .

ثانياً:

أما الأثر المذكور عن ابن مسعود : فقد أخرجه عنه : أبو عبيد وابن الأنباري وابن المنذر – كما قال السيوطي - عن عون بن عبد الله أن ابن مسعود أقرأ رجلاً : (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) فقال الرجل : "طعام اليتيم"

فرددها عليه ، فلم يستقم بها لسانه ، فقال : أتستطيع أن تقول : طعام الفاجر ؟ قال : نعم ، قال : فافعل .

وقد روي مثل ذلك أبي الدرداء رضي الله عنه ، أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه .

انظر : "الدر المنثور" للسيوطي (7/418) .

وقد أجاب العلماء عن هذا بأجوبة سديدة ترفع الإشكال الوارد في السؤال ، ومن تلك الأوجه :

1. أن هذا كان من ابن مسعود تقريباً للمتعلم ؛ ليفهم معنى الكلمة ، حتى يسهل عليه بعد ذلك نطقها نطقا صحيحاً .

قال القرطبي رحمه الله بعد أن ذكَر الأثرين عن ابن مسعود وأبي الدرداء :

ولا حجة في هذا للجهَّال من أهل الزيغ أنه يجوز إبدال الحرف من القرآن بغيره

لأن ذلك إنما كان من عبد الله تقريباً – (وفي نسخة تقريعاً) - للمتعلم ، وتوطئة منه له للرجوع إلى الصواب ، واستعمال الحق والتكلم بالحرف على إنزال الله ، وحكاية رسول الله صلى الله عليه وسلم .

"تفسير القرطبي" (16/149) .

2. أن يُحمل قول ابن مسعود على أنه جاءت قراءة تلك الكلمة على الوجهين ، وأن ابن مسعود سمع الوجهين من رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويؤيد هذا القول ثبوته عن أبي الدرداء أيضاً .

قال الزرقاني رحمه الله :

أما هذه الرواية المنسوبة إلى ابن مسعود من أنه أقرأ الرجل بكلمة "الفاجر" بدلاً من كلمة (الأثيم) في قول الله تعالى : (إن شجرت الزقوم طعام الأثيم) :

فتدل على أن ابن مسعود سمع الروايتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولما رأى الرجل قد تعسر عليه النطق بالأولى: أشار عليه أن يقرأ بالثانية ، وكلاهما منزَّل من عند الله .

"مناهل العرفان" (1/133) .

3. أن يُحمل هذا الفعل من الصحابييْن على أنه تفسير للآية ، وليس تغييراً للفظها ، وأنهما أرادا أن يفسرا للقارئ معنى (الأثيم) بأنه الفاجر.

قال أبو بكر الجصَّاص رحمه الله :

يجوز أن يكون أراد التفسير لا نص القراءة ، كما قال ابن مسعود للأعجمي الذي كان يلقنه (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) فكان يقول : "طعام اليتيم" ، فلما أعياه قال له : "طعام الفاجر" ، وإنما أراد إفهامه المعنى .

"أحكام القرآن" (5/337) .

وهذا الوجه الأخير هو المشهور عند العلماء حتى كان أبو حيان الأندلسي المفسر يحمل كل ما ورد عن بعض الصحابة من قراءةٍ مخالفةٍ لرسم المصحف المجمع عليه ، على أنها تفسير للآية وليست قرآناً .

وانظر : "تفسير البحر المحيط" (1/313) .

ولا يُظن بابن مسعود رضي الله عنه أن يتلفظ بقول من عنده ، ثم ينسبه لربه تعالى على أنه من القرآن الكريم ! وقد اشتد نكير العلماء على من اعتقد أن ذلك هو فعل أحد من الصحابة الأجلاء

أو من بعدهم من الأئمة ، وليس في دين الله تعالى ما يُسمى " القراءة بالمعنى "

وما يحاوله نفر من المستشرقين الكفار ، وفئام من الرافضة الزنادقة الطعن في ثبوت ألفاظ القرآن ثبوتاً قطعيّاً ، وأنه محفوظ من التبديل والتحريف : محاولات بائسة ، لا ترقى لمجرد سماعها ، ولا تثبت مع التحقيق العلمي .

قال القرطبي رحمه الله :

قال ابن الأنباري : وذهب بعض الزائغين إلى أن من قال : إن من قرأ بحرف يوافق معنى حرف من القرآنِ : فهو مصيب إذا لم يخالف ، ولم يأت بغير ما أراد الله

وقصد له ، واحتجوا بقول أنس هذا ، وهو قولٌ لا يعرَّج عليه ، ولا يلتفت إلى قائله ، لأنه لو قرىء بألفاظ القرآن إذا قاربت معانيها ، واشتملت على غايتها : لجاز أن يقرأ في موضع (الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين) :

"الشكر للباري ملك المخلوقين" ، ويتسع الأمر في هذا ، حتى يبطل لفظ جميع القرآن ، ويكون التالي له مفترياً على الله تعالى كاذباً على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا حجة لهم في قول ابن مسعود

: "نَزلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ ، إنما هو كقول أحدكم : هلم ، وتعال ، وأقبل" : لأن هذا الحديث يوجب أن القراءات المنقولة بالأسانيد الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفت ألفاظها

واتفقت معانيها ، كان ذلك فيها بمنزلة الخلاف في "هَلُمَّ" ، و "تعال" ، و "أقبل" ، فأما ما لم يَقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

وتابعوهم : فإن من أورد حرفاً منه في القرآن : بُهت ، ومال ، وخرج عن مذهب الصواب ، وحديثهم الذي جعلوه قاعدتهم في هذه الضلالة لا يصححه أهل العلم .

"تفسير القرطبي" (19/41 ، 42) .

وقول أنس المشار إليه في أول الكلام :هو ما رواه عنه الأعمش قال : قرأ أنس بن مالك "إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلاً" ، فقيل له : ( وَأَقْوَمُ قِيلاً ) فقال : أقوم ، وأصوب ، وأهيأ : سواء . انتهى .

وهذا الأثر عن أنس هو الحديث الذي قال عنه القرطبي في آخر كلامه المنقول عنه أنفاً : لا يصححه أهل العلم . فهذا الأثر لم يثبت عن أنس رضي الله عنه .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وأما من قال عن ابن مسعود أنه كان يجوز القراءة بالمعنى : فقد كذب عليه ، وإنما قال : "قد نظرت إلى القراء فرأيتُ قراءتهم متقاربة ، وإنما هو كقول أحدكم : أقبل ، وهلم ، وتعال ، فاقرؤوا كما علمتم" ، أو كما قال .

"مجموع الفتاوى" (13/397) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-23, 14:03
قراءة ابن عباس والشمس تجري لا مستقر لها

السؤال

قرأت في تفسير سورة " يس " في كتاب تفسير ابن كثير ( النسخة الإنجليزية ) أن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما قرآ الآية : ( والشمس تجري لا مستقر لها )

فهل هذه القراءة صحيحة ؟

وهل هناك اختلافات أخرى في آيات القرآن ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

هذه القراءة ينقلها بعض المفسرين في كتبهم ، ولم نقف عليها مسندة إلا عند أبي عبيد القاسم بن سلام بسنده في " فضائل القرآن " (رقم/548) قال : حدثنا مروان بن معاوية

عن محمد بن أبي حسان ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ : ( والشمس تجري لا مستقر لها ) .

ومحمد بن أبي حسان هذا : لم نقف على ترجمة له

إلا أن يكون هو محمد بن سعيد الشامي المصلوب بالزندقة ، فقد كان يسمى أحيانا : محمد بن أبي حسان . كما في " ميزان الاعتدال " (3/561)، فإن يكن هو فلا يخفى حكم هذا الإسناد بعد ذلك .

يقول القرطبي رحمه الله :

" وقرأ ابن مسعود وابن عباس : ( والشمس تجري لا مستقر لها ) أي : إنها تجري في الليل والنهار لا وقوف لها ولا قرار ، إلى أن يكورها الله يوم القيامة .

وقد احتج من خالف المصحف فقال : أنا أقرأ بقراءة ابن مسعود وابن عباس .

قال أبو بكر الأنباري : وهذا باطل مردود على من نقله ؛ لأن أبا عمرو روى عن مجاهد عن ابن عباس ، وابن كثير روى عن مجاهد عن ابن عباس :

( والشمس تجري لمستقر لها ) فهذان السندان عن ابن عباس اللذان يشهد بصحتهما الإجماع يبطلان ما روي بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة ، وما اتفقت عليه الأمة .

قلت : والأحاديث الثابتة التي ذكرناها ترد قوله ، فما أجرأه على كتاب الله ، قاتله الله " انتهى.

" الجامع لأحكام القرآن " (15/28-29)

ثانيا :

إن صحت هذه القراءة وأمثالها من القراءات الواردة عن بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، فإنها تحتمل أحوالا ثلاثة :

الأول :

أن تكون من القراءات القرآنية التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنها لم تنقل لنا نقلا متواترا ، ولم تبلغنا إلا من طريق آحاد الصحابة ، وآحاد الرواة

فهذه لها أحكامها وخصائصها التي بينها العلماء في مطولات الكتب ، ومعلوم أنه ليس في ذلك أي طعن على القرآن الكريم ، فأحرف القرآن الكثيرة التي نزل عليها

وأوجه القراءات التي يقرأ بها لا يلزم أن تنقل إلينا تامة كاملة ، بل يكفي أن تنقل الأمة إحدى هذه الأوجه – وهو ما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم في مصحف عثمان الإمام

لتحقيق الوعد بالحفظ الذي تكفل الله به للقرآن الكريم ، وإلا فمن المعلوم أن كثيرا من الأحرف لم تنقل إلينا

بل أمر عثمان رضي الله عنه بحرق كل ما خالف المصحف الإمام الذي أجمع عليه الصحابة ، وما ذلك إلا لأن حفظ القرآن الكريم يتحقق ببقاء أحد هذه الأحرف التي نزل عليها ، وهو ما تم بالفعل .

الثاني :

أن تكون من القراءات التفسيرية التي وردت عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم

فقد كان بعض الصحابة يدخل الكلمة والكلمتين بين آيات القرآن الكريم في مصحفه وقراءته لغرض التفسير والتوضيح ، وليس لدعوى النقل والإسناد ، وهذا ما يسميه العلماء بـ " القراءات التفسيرية للقرآن الكريم " .

الثالث :

أن تكون من القراءات المنسوخة ، وهي قراءات كثيرة ، ولكن هذا الصحابي المعين لم يعلم بوقوع النسخ لهذه القراءة ، فاستمر على تلاوتها ونقلها في مصحفه الخاص

ولكن المصحف الإمام الذي أجمع عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لا يشتمل على شيء من القراءات المنسوخة .

ينظر : " المقدمات الأساسية في علوم القرآن "

عبد الله الجديع (ص/162-168) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-23, 14:05
ما هو الترجيع في قراءة القرآن ؟

السؤال

قرأت في " زاد المعاد " عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن أنه كان يُرَجِّع . فما هو الترجيع ؟

وهل نفعل الترجيع عند تلاوتنا للقرآن ؟

الجواب

الحمد لله

الحديث الوارد في ترجيع النبي صلى الله عليه وسلم عند التلاوة هو ما يرويه عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه فيقول :

( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ - أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ

- قَالَ : فَرَجَّعَ فِيهَا . قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ . وَقَالَ : لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ : كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ ؟

قَالَ : آ آ آ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ )

رواه البخاري (7540)

والمقصود بالترجيع ههنا هو تحسين الصوت والتغني بالقرآن الكريم عند الإتيان بالمدود ، من خلال ترديد الصوت بالحلق وإشباع المد .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الترجيع : هو تقارب ضروب الحركات في القراءة ، وأصله الترديد ، وترجيع الصوت ترديده في الحلق .

وقد فسره كما سيأتي في حديث عبد الله بن مغفل المذكور في هذا الباب في كتاب التوحيد بقوله : ( أ ا أ ) بهمزة مفتوحة ، بعدها ألف ساكنة ، ثم همزة أخرى .

ثم قالوا : يحتمل أمرين :

أحدهما : أن ذلك حدث من هز الناقة .

والآخر : أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك .

وهذا الثاني أشبه بالسياق ، فإن في بعض طرقه : ( لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن ) أي : النغم .

وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع :

فأخرج الترمذي في " الشمائل " والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ : كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن .

والذي يظهر أن في الترجيع قدرا زائدا على الترتيل :

فعند ابن أبي داود من طريق أبي إسحاق ، عن علقمة قال : بِتُّ مع عبد الله بن مسعود في داره ، فنام ثم قام ، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله ، ويرتل ولا يرجع .

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة :

معنى الترجيع : تحسين التلاوة ، لا ترجيع الغناء ؛ لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة " انتهى.

" فتح الباري " (9/92)

وقال ابن القيم رحمه الله :

" إذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله : ( زينوا القرآن بأصواتكم ) ، وقوله : ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) ، وقوله : ( ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقران )

علمت أن هذا الترجيع منه صلى الله عليه وسلم كان اختيارا ، لا اضطرارا لهز الناقة له ، فإن هذا لو كان لأجل هز الناقة ، لما كان داخلا تحت الاختيار ، فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختيارا ليؤتسى به

وهو يرى هز الراحلة له حتى ينقطع صوته ، ثم يقول كان يرجع في قراءته ، فنسب الترجيع إلى فعله ، ولو كان من هز الراحلة لم يكن منه فعل يسمى ترجيعا " انتهى.

" زاد المعاد " (1/483-484)

وقال ابن بطال رحمه الله :

" ومعنى حديث ابن مغفل في هذا الباب التنبيه على أن القرآن أيضا رواية النبي رواية النبي عن ربه .

وفيه من الفقه : إجازة قراءة القرآن بالترجيع والألحان الملذة للقلوب ، بحسن الصوت ... ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبالغ في تزيين قراءته لسورة الفتح التي كان وعده الله فيها بفتح مكة ،

فأنجزه له ؛ ليستميل قلوب المشركين العتاة على الله لفهم ما يتلوه من إنجاز وعد الله له فيهم ، بإلذاذ أسماعهم بحسن الصوت المرجَّع فيه بنغم ثلاث ، في المدة الفارغة من التفصيل.

وقول معاوية : ( لولا أن يجتمع الناس إلي لرجعت كما رجَّع ابن مغفل ، يحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم ) يدل أن القراءة بالترجيع والألحان تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء والتفهم

ويستميلها ذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع الترجيع المشوب بلذة الحكمة المفهومة منه " انتهى.

" شرح صحيح البخاري " (10/537-538)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-23, 14:07
إذا نسي الإمام بعض آيات فكيف يأتي بها ليكون قد ختم القرآن؟

السؤال

إذا نسي الإمام آية أو شيئا من القرآن أثناء صلاة التراويح ، ثم تذكرها فيما بعد ، فماذا يفعل؟

هل يمكن أن يكون ختم القرآن في الصلاة مع أنه لم يقرأ هذه الآية؟

الجواب

الحمد لله

لا ينال القارئ ثواب ختم القرآن الكريم إلا إذا قرأه جميعاً ، ولم يترك منه شيئاً ، فلو أسقط آية ولم يقرأها لم يكن قد ختم القرآن الكريم .

حتى ذكر العلماء أنه ينبغي أن يأتي بالبسملة في أول كل سورة إلا سورة براءة ، ويعتني بذلك حتى يكون خاتما للقرآن .

قال النووي رحمه الله :

"وينبغي أن يحافظ على قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول كل سورة سوى براءة ، فإن أكثر العلماء قالوا : إنها آية ، حيث كتبت في المصحف

وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة ، فإن قرأها كان مثبتاً قراءة الختمة أو السورة ، وإذا أخل بالبسملة كان تاركاً بعض القرآن عند الأكثرين" انتهى .

"التبيان" (صـ 61 ، 62) .

وعلى هذا ، فلابد أن يأتي القارئ بما نسيه من الآيات حتى ينال ثواب الختمة .

وقد ذكر العلماء رحمهم الله طريقتين عند السلف ، في الإتيان بالآية أو الآيات التي نسيها الإمام في صلاة التراويح :

الأولى : أن يجمع كل هذه الآيات ويقرأها جميعاً في آخر ليلة من ليالي رمضان ، وهذا كان فعل الأئمة في مكة قديماً .

الثانية : أنه متى تذكر الآية التي نسيها رجع إليها [وهذا إذا كان لا يزال في القراءة في الصلاة] ثم يكمل بعدها من حيث انتهى ، وهذا روي عن علي رضي الله عنه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو يذكر أن الترتيب فيما شُرع فيه الترتيب يسقط بالنسيان ، قال :

"ومنها : إذا نسى بعض آيات السورة في قيام رمضان ، فإنه لا يعيدها ، ولا يعيد ما بعدها ، مع أنه لو تعمد تنكيس آيات السورة وقراءة المؤخر قبل المقدم لم يجز بالاتفاق ....

سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الإمام في شهر رمضان يدع الآيات من السورة ، ترى لمن خلفه أن يقرأها؟

قال : نعم ، ينبغي له أن يفعل ، قد كانوا بمكة يوكلون رجلاً يكتب ما ترك الإمام من الحروف وغيرها ، فإذا كان ليلة الختمة أعاده .

قال الأصحاب ـ كأبي محمد (ابن قدامة) ـ : وإنما استحب ذلك لتتم الختمة ، ويكمل الثواب.

فقد جعل أهل مكة وأحمد وأصحابه إعادة المنسي من الآيات وحده يكمل الختمة والثواب

وإن كان قد أخل بالترتيب هنا ، فإنه لم يقرأ تمام السورة ، وهذا مأثور عن علي أنه نسي آية من سورة ثم أثناء القراءة قرأها ، وعاد إلى موضعه ولم يشعر أحد أنه نسي إلا من كان حافظاً" انتهى .

"مجموع الفتاوى" (21/410 ، 411) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-23, 14:12
تحديد المفصلّ من القرآن وطواله وقصاره

السؤال

ما هو المفصل من القران الكريم ؟

ومن سماه هكذا ؟

ولماذا سمي به ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

المفصّل هو سور القرآن القصيرة التي كثر الفصل بينها بالبسملة ، سمي مفصلا لكثرة فواصله .

وقد اختلف في تحديده هل يبدأ من سورة ق أو من الحجرات ، واختلف كذلك في طواله وأوساطه وقصاره على أقوال :

جاء في "الموسوعة الفقهية" (33/ 48) :

" اختلفوا في المفصل : فذهب الحنفية إلى أن طوال المفصل من ( الحجرات ) إلى ( البروج ) , والأوساط منها إلى ( لم يكن ) , والقصار منها إلى آخر القرآن .

وعند المالكية : طوال المفصل من ( الحجرات ) إلى ( النازعات ) , وأوساطه من ( عبس ) إلى ( الضحى ) , وقصاره من ( الضحى ) إلى آخر القرآن .

وقال الشافعية

: طوال المفصل كالحجرات واقتربت والرحمن , وأوساطه كالشمس وضحاها والليل إذا يغشى , وقصاره كالعصر وقل هو الله أحد .

وذهب الحنابلة إلى أن أول المفصل سورة ق ؛ لحديث أوس بن حذيفة قال

: " سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن ؟

قالوا : ثلاث وخمس , وسبع , وتسع , وإحدى عشرة , وثلاث عشرة , وحزب المفصل وحده " [ رواه أبو داود (1395) وابن ماجه (1345) وحسنه إسناده ابن كثير في فضائل القرآن (83)

وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ] . قالوا : وهذا يقتضي أن أول المفصل السورة التاسعة والأربعون من أول البقرة لا من الفاتحة . وآخر طواله سورة عم , وأوساطه منها للضحى , وقصاره منها لآخر القرآن " انتهى .

وينظر : "فتح الباري" (2/249) ، الإتقان في علوم القرآن ، للسيوطي (1/180) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" أول المفصل من ق إلى آخر القرآن على الصحيح ، وسمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح " انتهى ، باختصار يسير من "فتح الباري" (2/259) ، وينظر أيضا : "فتح الباري" (9/43) .

ثانيا :

وأما أول تسمية ذلك بالمفصل : فقد كان هذا الاسم معلوما شائعا بين الصحابة ، وردت به أحاديث كثيرة منوعة عن عدد من الصحابة .

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ : قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ ؟

فَقَالَ : هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ ؟! لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ ؛ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ ، سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ .

رواه البخاري (775) ومسلم (822) .

والأحاديث التي ذكر فيها التسمية بالمفصل كثيرة جدا ، ومتنوعة ، في الصحيحين وغيرهما ، مما يرجح أن التسمية بذلك توقيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم

عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ .

فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( فَتَّانٌ ، فَتَّانٌ ، فَتَّانٌ ) ثَلَاثَ مِرَارٍ ، وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ . قَالَ عَمْرٌو ـ راوي الحديث ـ : لَا أَحْفَظُهُمَا .

رواه البخاري(701) ومسلم (465) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-23, 14:16
كيف يقرأ سورة البقرة في البيت ؟

وهل تجزئ القراءة من المسجل ؟

السؤال

قراءة سورة البقرة في البيت وطردها للشياطين :

هل يلزم قراءتها بصوت مرتفع ؟

وهل استخدام المسجل يؤدي الغرض ؟

وهل يجزئ قراءتها منفصلة ؟ .

الجواب

الحمد لله

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضل العظيم لسورة البقرة كاملة

ولبعض آياتها العظيمة مثل " آية الكرسي " و آخر آيتين منها ، ومما ذكره صلى الله عليه وسلم في فضلها أن الشياطين تفر من البيت الذي تُقرأ فيه هذه السورة ، وأنها نافعة في الوقاية من السحر وفي علاجه .

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفِر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ) رواه مسلم ( 780 ) .

قال النووي – رحمه الله - :

هكذا ضبطه الجمهور " ينفِر " ورواه بعض رواة مسلم " يفرُّ " وكلاهما صحيح .

" شرح مسلم " ( 6 / 69 ) .

عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة ) رواه مسلم ( 804 ) .

البَطَلة : السحرة .

ولا يشترط قراءتها بصوت مرتفع ، بل يكفي أن تُقرأ وتتلى في البيت ، ولو مع خفض الصوت ، كما لا يشترط أن تُقرأ دفعة واحدة ، بل يمكن أن تُقرأ على مراحل

ولا يشترط أن يكون القارئ واحداً من أهل البيت ، بل لو وزعت بينهم لجاز ، وإن كان الأفضل في كل ذلك أن تُقرأ دفعة واحدة ومن شخص واحد .

ولا يجوز أن يُعتد بقراءة الصوت الخارج من إذاعة أو شريط ، بل لا بدَّ من مباشرة القراءة من أهل البيت أنفسهم .

سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لو قرأ سورة " البقرة " لا يدخل الشيطان في بيته ، لكن لو كانت السورة مسجلة على شريط هل يحصل نفس الأمر ؟

فأجاب :

لا ، لا ، صوت الشريط ليس بشيء ، لا يفيد ؛ لأنه لا يقال " قرأ القرآن " ، يقال : " استمع إلى صوت قارئ سابق " ، ولهذا لو سجَّلنا أذان مؤذن فإذا جاء الوقت جعلناه في " الميكرفون " وتركناه يؤذن هل يُجزئ ؟

لا يجزئ ، ولو سجلنا خطبة مثيرة ، فلما جاء يوم الجمعة وضعنا هذا المسجل وفيه الشريط أمام " الميكرفون " فقال المسجل " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ثم أذَّن المؤذن ، ثم قام فخطب ، هل تُجزئ ؟ لا تُجزئ ، لماذا ؟

لأن هذا تسجيل صوتٍ ماضٍ ، كما لو أنك كتبته في ورقة أو وضعتَ مصحفاً في البيت ، هل يُجزئ عن القراءة ؟ لا يُجزئ .

" أسئلة الباب المفتوح " ( السؤال رقم 986 ) .

لكن إن لم يكن في أهل البيت من يستطيع أن يقرأ سورة البقرة ، ولم يكن هناك من يقرؤها لهم في البيت ، واستخدموا المسجل في قراءتها ، فالأظهر

إن شاء الله ، أنه يحصل لهم هذه الفضيلة في البيت : فرار الشيطان منه ؛ لاسيما إن كان من أهل البيت من يستمع القراءة من المسجل .

والله أعلم

هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟

السؤال : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ) . وسؤالي : هل يكفي أن يأتي الإنسان بالمسجل

ويضع فيه شريطا مسجلا عليه سورة البقرة ، ويقوم بتشغيله حتى يقرأ كامل السورة ؟ أو لا بد أن يقرأ الإنسان بنفسه أو من ينوب عنه السورة ؟

الجواب:

الحمد لله

الأظهر- والله أعلم- أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت

ولكن لا يلزم من فراره أن لا يعود بعد انتهاء القراءة، كما أنه يفر من سماع الأذان والإقامة ثم يعود حتى يخطر بين المرء وقلبه، ويقول له: اذكر كذا، واذكر كذا .

. كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع للمؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان دوما، وأن يحذر من مكائده ووساوسه وما يدعو إليه من الإثم، والله ولي التوفيق " انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (24/413) .

فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

فتاوى نور على الدرب

*عبدالرحمن*
2019-01-23, 14:20
يريد معاونة في " الإعجاز العلمي " في القرآن ليستعمله في دعوة الكفار

السؤال

أنا مؤمن - بلا شك - أن القرآن الكريم الذي بين أيدينا اليوم هو نفسه الذي كان أُنزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله تعالى قال في كتابه العزيز : ( إنّا نحن نزلنا الذِّكْر وإنّا له لحافظون )

. أقول ذلك لأن عندي بعض الأصدقاء الكفرة ، وأود أن أتكلم معهم في " فضائل الإسلام " ، على أمل أن يسلموا ، وإن أحد الأمور المهمة التي أريد طرحها لهم عن الإسلام هي عن معجزات القرآن الكريم

, مثل أن أقول لهم : إن القرآن الكريم الذي بين أيدنا هو نفسه الذي كان قبل 1429 سنة , فأقول لهم : إن القرآن الكريم يُثبت أنه لا يوجد تشابه بين بصمتين لأصبعين في العالم

, وأقول لهم أيضا الكثير من العلوم الحديثة التي تم اكتشافها ، مثل كروية الأرض ، أنه قد أثبتها القرآن الكريم ,

والكثير من المعجزات . فكيف لي أن أُثبت أصالة القرآن الكريم لأنني أشعر أن أحدهم سيجادل ويقول : إن أحداً ما قد أدخل على القرآن مثل تلك الحقائق ؟ . وجزاكم الله خيراً على الإجابة سلفاً .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

نشكر لك أخي السائل حرصك على الخير ، وعلى هداية الناس لهذا الدين العظيم ، ونبشرك أن ما تفعله هو من أجلِّ العبادات ، والطاعات ، وهو مما يميز هذه الأمة الخيِّرة ، أن جعلها الله تعالى آمرة بالمعروف

وناهية عن المنكر ، قال تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) آل عمران/ 110 .

فاستمر – بارك الله فيك – على نشر الخير في الأرض ، وابذل ما تستطيع من جهد لهداية من ضل عن الطريق .

وفي الوقت نفسه ننبهك إلى ضرورة طلب العلم ، والسعي في تحصيله ؛ لأن ما تقوم به هو من مهمات الأنبياء ، ولا بدَّ لمن قام بهذا الجهد أن يكون على دراية بما يتكلم به

وخاصة أنك تتكلم في شرع الله ، وهو ما ينبغي التأني فيه حتى تتقن العلوم الشرعية ، وخاصة المتعلقة بموضوع الدعوة ، وهو المسائل العلمية في الإعجاز القرآني .

ثانياً:

ينبغي أن نتنبه في سياق الكلام عن " الإعجاز العلمي " في القرآن الكريم إلى أمور منهجية مهمة :

1. القرآن الكريم كتاب هداية ، احتوى على ما يُصلح حال الفرد ، والأسرة ، والمجتمع ، والدولة ، وهو ليس كتاب " كيمياء " ، أو " جيولوجيا "

أو " طب " ، وما فيه من إشارات لعلوم الطبيعة لا ننكرها ، لكن لا نعطيها أكبر من حجمها .

وإعجاز القرآن في أصله هو إعجاز لغوي ، بياني ، ومن هنا فقد تحداهم النبي صلى الله عليهم بالإتيان بمثله ، فعجزوا ، مع أنهم أهل فصاحة ، وبيان .

2. ينبغي التفريق بين " النظريات " و " الحقائق " في هذا الباب ، فكثيراً ما يُخلط بينهما

فتُجعل النظريات حقائق ثابتة ، فيحمل المتحمسون آيات القرآن عليها ، ثم سرعان ما تُنقض بنظرية أخرى ! فيقع في قلب المسلم من الشك والريب ما يكون سببه جهل من تكلم في هذا العلم ، وخلط بين الأمور .

كما أنه توجد حقائق لا شك فيها ، لكن ليس من اللازم أن يكون في القرآن حديث عنها بنفسها ، ويأتي بعض المتحمسين ليتكلف حمل نصوص من القرآن أو السنة عليها ، وقد نهينا عن التكلف .

3. وللأخذ بما يقوله بعض العلماء المعاصرين بما تدل عليه بعض الآيات القرآنية من أوجه الإعجاز العلمي ينبغي مراعاة أمور :

أ. عدم الجزم بالنظريات العلمية على أنها حقائق علمية لا تقبل المناقشة .

ب. عدم الجزم بأن ما يقولونه هو تفسير للآية القرآنية ، ولا هو بالمرجح بين الأقوال المختلفة فيها .

ج. يجب مطابقة المعنى المذكور للغة العربية ؛ لأنها لغة القرآن .

د. أن يكون المتكلم في دلالة الآية من أصحاب العلم الشرعي .

هـ. أن لا يخالف المعنى المذكور آية ، أو حديثاً صحيحاً ، أو إجماعاً .

و. الابتعاد عن التكلف والتمحل في الاستنباط من الآية القرآنية .

انظر " التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين " للشيخ محمد الأمين ولد الشيخ .

ثالثاً:

وأما قولك في احتمال أن يزعم زاعم أنه ثمة من وضع هذه الأشياء في القرآن : فهو احتمال بعيد أن يلجأ إليه إنسان عاقل جاد في مناقشته ؛ لأن وجود هذا الاحتمال مرفوض حتى عند أعداء الدين

وهم يعلمون قطعاً أن ما تلاه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وما تلاه النبي على أصحابه : هو الذي بين أيدينا الآن ، ليس فيه حرف زائد

ولا ناقص ، فلو أدخل أحد حرفاً فيه : لانكشف أمره ، وافتُضح ، وقد تكفل الله تعالى بحفظه ، ولا نظن أنك قصدت أن أحداً من المتقدمين قد يكون هو الذي وضع مثل هذه الزيادات في القرآن ؛

فبالإضافة لما ذكرناه من حفظ الله له من التحريف : فقد كان المتقدمون في غفلة وبُعد عن العلم التجريبي هذا ، وعن اكتشافه بالأدوات والآلات المخترعة حديثاً .

ثم إن النسخ الخطية المكتوبة من قديم ، محفوظة في مكتبات العالم ، على صورة واحدة ، وكتب التفسير القديمة محفوظة في مكتبات المشرق والمغرب

والعرب والعجم ، وكلها تحتوي على تلك الآيات ، بصورة واحدة . والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ، عربهم وعجمهم ، علماؤهم وعامتهم ، يحفظون القرآن على هيئة واحدة

. فقد تواتر نقل القرآن تواترا قطعيا ، بما لم يتواتر به علم كتاب آخر ، ولا كلام آخر ، واللجوء إلى هذه السفسطة في الحوار ، يعني أنه لا فائدة منه ، ولا سبيل إلى الاقتناع بحقيقة

وبإمكان المناقش أن يرد عليها بنفس الرد في جميع ما يعتقده مخالفه من النصوص والكتب العلمية والدينية .

وانظر جواب السؤال القادم

ففيه تفصيل إثبات القرآن ، وعدم تعرضه للتحريف ، والتبديل .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-23, 14:23
الرد على من يحاول أن يثبت عدم صحة القرآن

السؤال

قرأت مؤخرا بحثاً كتبه باحثون ألمان عن صحة القرآن . بعض ما قالوه نوقش في مقال في مجلة أتلانتك الشهرية بعنوان "ما هو القرآن ؟ "

كتبه توبي ليستر نُشر في عدد يناير 1999 من تلك المجلة. لب القضية كان عن وجود نسخة قديمة جدا من القرآن في مسجد في اليمن يرى تحريفاً في القرآن الموجود .

في بعض المواضع الكتابة التي كانت توجد في هذه النسخة قد مُسحت وكُتب فوقها .

المقال يحاول أن يلقي الشبهة للمسلمين في نظرتهم للقرآن بأنه موثوق به تماماً ، وحاول أن يثبت أن القرآن عبارة عن كلام يتعرض للتغيير مثل أي كلام آخر.

أنا غير مسلمة ولكنني أعلم بأن القرآن له مكانة في الإسلام كمكانة المسيح في النصرانية .

بالنظر لهذا ، كيف تجيب على محاولة الذي يريد أن يفند صحة القرآن ؟

وهل يوجد لديك رد آخر على هذا الهجوم على صدق القرآن ؟.

الجواب

الحمد لله

1.إن ثبوت صحة ما في أيدينا من نسخ القرآن الكريم لم يثبت عندنا بدليل أو بدليلين ، بل ثبت بأدلة كثيرة متوافرة لا يقع عليها عاقل منصف إلا ويقطع أنه هو كما أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم .

2.وقد تعاقبت الأجيال جيلا بعد جيل تتلو كتاب الله وتتدارسه بينهم ، فيحفظونه ويكتبونه

لا يغيب عنهم حرف ، ولا يستطيع أحد تغيير حركة حرف منه ، ولم تكن الكتابة إلا وسيلة من وسائل حفظه وإلا فإن الأصل أن القرآن في صدورهم .

3.ولم يُنقل القرآن لنا وحده حتى يمكن تطرق التحريف المدَّعى إليه ، بل نقل تفسير آياته

ومعاني كلماته ، وأسباب نزوله ، وإعراب كلماته ، وشرح أحكامه ، فأنَّى لمثل هذه الرعاية لهذا الكتاب أن تتطرق إليه أيدي آثمة تحرِّف فيه حرفاً ، أو تزيد كلمة ، أو تسقط آية ؟

4.وإن تحدَّث القرآن عن أشياء غيبية مستقبلية ، أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ليبيِّن أنه من عند الله ، وأن البشر لو أرادوا كتابة كتاب فإنهم قد يبدعون في تصوير حادث

أو نقل موقف ، لكن أن يتحدث أحدهم عن أمر غيبي فليس له في هذا المجال إلا الخرص والكذب ، وأما القرآن فإنه أخبر عن هزيمة الروم من قبل الفرس ، وليس هناك وسائل اتصال تنقل لهم هذا الحدث

وأخبر في الآيات نفسها أنهم سيَغلبون فيما بعد في مدة معينة ، ولو أن ذلك لم يكن لكان للكفار أعظم مجال للطعن في القرآن .

5.ولو جئت إلى آية من كتاب الله تعالى فذهبت إلى أمريكا أو آسيا أو أدغال أفريقيا أو جئت إلى صحراء العرب أو إلى أي مكان يوجد فيه مسلمون لوجدت هذه الآية نفسها

في صدورهم جميعاً أو في كتبهم لم يتغير منها حرف .

فما قيمة نسخة مجهولة في ( اليمن ) لم نرها يمكن أن يحرِّف فيها أحد العابثين في هذا العصر آية أو كلمة ؟

وهل يقوم مثل هذا الكلام في سوق البحث والنظر ؟ وخاصة أن القوم يدَّعون البحث والإنصاف والعدل في القول .

فماذا يكون رد هؤلاء لو جئنا إلى كتاب من كتبهم الموثوقة لمؤلِّفين معروفين

ولهذا الكتاب نسخ كثيرة في العالم ، كلها على نسقٍ واحدٍ ، ثم ادَّعى مدَّعٍ وجود نسخة من هذا الكتاب في بلدٍ ما ، وفيها زيادات وتحريفات عما في نسخهم ، فهل يعتدون بها ؟

جوابهم هو جوابنا .

6.والنسخ المخطوطة عند المسلمين لا تثبت بهذا الشكل الساذج ، فعندنا خبراء يعرفون تاريخ الخط ، وعندنا قواعد يضبط فيها إثبات صحة هذه المخطوطة كوجود السماعات والقراءات عليها ، واسم وتوقيع من سمعها وقرأها .

ولا نظن أن هذا قد وجد في هذه النسخة المزعومة من اليمن أو من غيرها .

7.ويسرنا أن نختم ردنا بهذه القصة الحقيقية والتي حدثت في بغداد في العصر العباسي ، حيث أراد يهودي أن يعرف صدق الكتب المنسوبة لله من أهلها وهي التوراة عند اليهود ، والإنجيل عند النصارى ، والقرآن عند المسلمين .

فراح إلى التوراة فزاد فيها ونقص أشياء غير ظاهرة جداً ، ثم دفعه إلى ورَّاقٍ – كاتب – منهم وطلب نسخ هذه النسخة ، قال : فما هو إلا زمن يسير حتى صارت نسختى في معابد اليهود وبين كبار علمائهم .

ثم راح إلى الإنجيل فزاد فيه ونقص كما فعل في التوراة ، ودفعه إلى ورَّاقهم وطلب نسخه فنسخه ، قال : فما هو إلا زمن يسير حتى صار يقرأ في كنائسهم وتتناوله أيدي علمائهم .

ثم راح إلى القرآن فزاد فيه ونقص كما فعل في التوراة والإنجيل ، ودفعه إلى ورَّاق المسلمين لينسخه له .

فلما رجع إليه لاستلام نسخته ألقاه في وجهه وأعلمه أن هذا ليس قرآن المسلمين !

فعلم هذا الرجل من هذه التجربة أن القرآن هو كتاب الله بحق وأن ماعداه لا يعدو أن يكون من صنع البشر .

وإذا كان ورَّاق المسلمين قد علم تحريف هذه النسخة فهل يمكن أن تمشي هذه على علماء المسلمين ؟

وإذا أرادت السائلة تحويل هذه التجربة القديمة إلى واقع حالي فما عليها إلا أن تفعل فعل ذلك اليهودي الذي أسلم وتزيد وتنقص من هذه الكتب الثلاثة ولتر نتيجة تجربتها .

ولن نقول لها اعرضي نسختك من القرآن على ورَّاق ، بل سنقول اعرضيها على صبيان وأطفال المسلمين ليكشفوا لك خطأ نسختك !

وقد طبعت بعض الدول الإسلامية مصاحف فيها أخطاء كان مكتشفها من الأطفال الصغار قبل الكبار .

والله الهادي .

*عبدالرحمن*
2019-01-23, 14:25
كل القرآن فاضل، ولكن بعضه أفضل من بعض

السؤال

ما هي أهمية سور القرآن؟

الجواب

الحمد لله

أنزل الله سبحانه القرآن على نبيه ، وجعله سورا مجموعها 114 سورة ،

وبين هذه السور تفاضل كما جاءت الأحاديث الصحيحة بفضل سورة الفاتحة ، والإخلاص ، وسورة الكافرون ، والمعوذتين ، والزلزلة ، والأعلى

وسورة البقرة وآل عمران . أما بقيت القرآن فله مزية وفضل أيضا .

سميت السورة بذلك لأن السورة تتميز بموضوع تختص به ويكون فيها أحكام ومواعظ وآداب ولها أهميتها بحيث إن الذي يقرأها له أجر بحسب ما تضمنته تلك السور من مواعظ وأحكام تختص بها .

والله أعلم

سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله

*عبدالرحمن*
2019-01-23, 14:31
حكم التخاطب مع الغير أثناء قراءة القرآن

السؤال

هل يجوز التخاطب مع الغير أثناء قراءة القرآن ؟

الجواب

الحمد لله

"لا نعلم حرجاً في ذلك ، فلا نعلم حرجاً في أن يتكلم المسلم وهو يقرأ القرآن ، لكن كونه يستمر في قراءته ولا ينشغل بالكلام أولى ، حتى يحضر بقلبه للتدبر والتعقل ، فهذا أفضل إذا لم تدع الحاجة إلى الكلام .

أما إذا دعت الحاجة إلى الكلام فلا حرج إن شاء الله أن يتكلم ثم يرجع إلى قراءته

مثل أن يرد السلام على من سلم عليه ، مثل أن يجيب المؤذن إذا سمع الأذان وينصت له ؛ لأن هذه سنن ينبغي للمؤمن أن يأخذ بها ولا يتساهل فيها

فإذا سمع الأذان أنصت للأذان وأجاب المؤذن ثم عاد إلى قراءته ، وهذا هو الأفضل .

كذا إذا سلم عليه إنسان فيرد عليه السلام ، أو سمع عاطساً حمد الله يشمته ، أو جاءه إنسان يسأله حاجة فيعطيه ، فكل هذا لا بأس به .

أما إذا كان كلاماً ليس له حاجة فالأولى له تركه حتى يشتغل بالقراءة وحتى يتدبر ويتعقل ؛ لأن هذا هو المطلوب

فالله سبحانه وتعالى يقول

: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29

ومعلوم أن الكلام الذي ليس له حاجة يكون فيه شغل للقلب ، وفيه أيضاً إضعاف للتدبر ، فالأولى تركه" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله -

"فتاوى نور على الدرب" (1/335)

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:00
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


سمة الآيات المكية مخاطبة جميع الناس

السؤال

في كل موضع من القرآن يرد فيه كلمة عن " الحج " أو " مكة " أو " الكعبة " يكون المخاطبون هم الناس ، حتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقول : أيها الناس ! ما السر الذي يربط مكة بالناس

ففي كل التكاليف والخطابات يكون المخاطبون هم المؤمنون؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

النداء في القرآن الكريم بـ ( يا أيها الناس ) ورد في عشرين موضعا في القرآن الكريم

اثنان منها في سورة البقرة ، وأربعة في النساء ، وواحد في الأعراف ، وأربعة في يونس ، وأربعة في الحج ، وواحد في لقمان ، وثلاثة في فاطر ، وواحد في الحجرات .

والمتأمل في هذه الآيات جميعا يجد أنها تخاطب جميع الناس ، مؤمنهم وكافرهم ، صالحهم وفاسقهم ، تدعوهم إلى التأمل فيما ينفعهم في آخرتهم ، وتذكرهم بربوبية الله لهم

وفقرهم إليه سبحانه ، كي يكون ذلك دافعا إلى عبادته وحده لا شريك له ، وإخلاص الدين له

ولما كان المقصود من هذا الخطاب جميع الخلق ، ولم يكن محصورا بفئة معينة ، ناسب أن يكون بصيغة ( يا أيها الناس ) ، دون النداء بـ ( يا أيها الذين آمنوا ) .

وليس لذلك علاقة بذكر الكعبة أو مكة أو الحج خاصة ، بل إن معظم السور السابقة التي ورد فيها النداء بـ ( يا أيها الناس ) ليس فيها ذكر الكعبة أو مكة أو الحج مطلقا

فلا نرى أن هذا النداء قد خص عند ذكر الكعبة أو مكة دون سائر التكاليف الشرعية .

وقد ذكر بعض العلماء من الفروق بين السور المكية والسور المدنية ، أن الخطاب بـ (ياأيها الناس) يكون في السور المكية ، والخطاب بـ (ياأيها الذين آمنوا) يكون في السور المدنية .

وهذا هو الغالب ، فقد ورد في السور المكية كالبقرة والنساء الخطاب بـ (ياأيها الناس) ، وورد في بعض السور المكية كالحج الخطاب بـ (ياأيها الذين آمنوا) .

ثانياً :

أما ما جاء في القرآن الكريم من اقتران خطاب عموم " الناس " عند ذكر الحج ومناسكه فلعل سببه هو أن أول ما فرض الحج كان بنداء إبراهيم عليه السلام أهل الأرض جميعا ، يدعوهم إلى زيارة بيت الله الحرام والتنسك فيه

وذلك في قوله سبحانه وتعالى : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) الحج/27 .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" أي : ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه .

فَذُكر أنه قال : يا رب ، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم ؟ فقيل : ناد وعلينا البلاغ . فقام على مقامه ، وقيل : على الحِجْر ، وقيل : على الصفا ، وقيل : على أبي قُبَيس [جبل عند الكعبة]

وقال : يا أيها الناس ، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه . فيقال : إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض ، وأسمَعَ مَن في الأرحام والأصلا

وأجابه كل شيء سمعه من حَجَر ومَدَر وشجر

ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة : " لبيك اللهم لبيك ". هذا مضمون ما روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جُبَير ، وغير واحد من السلف ، والله أعلم .

أوردها ابن جَرير ، وابن أبي حاتم مُطَوّلة " انتهى .

" تفسير القرآن العظيم " (5/414) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:03
هل يجوز قراءة القرآن بدون فهم معناه

السؤال

هل يجوز قراءة القرآن دون فهم معانيه؟

الجواب

الحمد لله

"نعم ، يجوز أن يقرأ المؤمن والمؤمنة القرآن وإن لم يفهم المعنى ، لكن يشرع له التدبر والتعقل حتى يفهم ، ويراجع كتب التفسير إذا كان له فهم يستطيع به المراجعة

يراجع كتب التفسير وكتب اللغة العربية حتى يستفيد من ذلك ، ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه ، والمقصود أنه يتدبر ، لأن الله سبحانه وتعالى قال : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29 .

فالمؤمن يتدبر ، يعني : يعتني بالقراءة ويفكر في معناها ، ويتعقل معناها وبهذا يستفيد ، وإن لم يستفد المعنى كاملاً فقد يستفيد معاني كثيرة ، فيقرأ بتدبر وتعقل ، والمرأة كذلك

حتى يستفيد من كلام ربه ، وحتى يعرف مراده وحتى يعمل بذلك ، والله سبحانه يقول : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد/24 .

فربنا عز وجل حثنا وحرضنا على التعقل والتدبر بكلامه سبحانه ، فإذا قرأ المؤمن أو قرأت المؤمنة كتاب الله فمشروع لهما التدبر والتعقل والعناية بما يقرأ ؛ حتى يستفيد من كلام الله وحتى يعقل كلام الله

وحتى يعمل بما عرف من كلام الله ، ويستعين في ذلك بكتب التفسير التي ألفها العلماء مثل تفسير ابن كثير ، وتفسير ابن جرير ، وتفسير البغوي ، وتفسير الشوكاني ، وغيرها من التفاسير

ويستفيد من كتب اللغة العربية ، وهكذا يسأل أهل العلم المعروفين عنده بالعلم والفضل ، يسألهم عما قد يشكل عليه" انتهى .

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

"فتاوى نور على الدرب" (1/332) .

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:06
اختلاف العلماء في عدِّ البسملة آية من الفاتحة لا يدخل في تحريف القرآن؟

السؤال

القرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر ، من غير نقص ، ولا زيادة , ولا شك فيه ، ولا ريب , ولا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه , وهذا ما تعلمناه وتربينا عليه . سؤالي هو : كيف اختلف أهل العلم من السلف على أن البسملة

آية من سورة الفاتحة ، أو أنها ليست بآية ؟ وهل هذا الخلاف معتبر ؟ وأنا هنا لا أبحث في أدلة هذا الفريق ، وذلك الفريق , ولا أبحث عن معلومات إضافية في هذه المسألة من ناحية فقهية

, فلقد قرأت فيها الكثير والكثير من الأبحاث , ولكن بحثي وسؤالي هو : كيف نسوِّغ الاختلاف في آية من القرآن الكريم الذي نقل إلينا بالتواتر ، جمع عن جمع

وهكذا ، على أنها آية ، أو ليست بآية؟ هل يجب أن لا يكون هناك خلاف في هذه المسألة ؟

. أرجو أن تنفِّسوا عنِّي كربة هذا الهم الذي أصابني من هذه المسألة .

الجواب

الحمد لله

لم يختلف المسلمون في أن الله تعالى قد حفظ كتابه من الزيادة والنقصان ؛ تحقيقاً لقوله عز وجل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحِجر/ 9 .

وقد أجمع المسلمون على كفر كل من يخالف هذا فيزعم أن كتاب الله تعالى فيه ما ليس منه ، أو نقص منه ما أنزل الله فيه .

قال القاضي عياض رحمه الله :

"وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض ، المكتوب في المصحف بأيدى المسلمين ، مما جمعه الدفتان من أول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى آخر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنه كلام الله

ووحيه المنزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن جميع ما فيه حق ، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك ، أو بدَّله بحرف آخر مكانه

أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه ، وأُجمع على أنه ليس من القرآن ، عامداً لكل هذا : أنه كافر" انتهى .

"الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/304 ، 305) .

وأما اختلاف العلماء في عد البسملة آية من القرآن أم لا؟ فلا يدخل في هذا ، لأن أئمة القراءات لم يختلفوا في قراءتها في أوائل السور

وقد اتفق الصحابة رضي الله عنهم على إثباتها في أوائل السور إلا سورة التوبة ، وذلك في المصحف الذي كتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه وبعث به إلى الأمصار .

قال الشوكاني رحمه الله في الكلام عن البسملة :

واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها ، ولا من نفاها ؛ لاختلاف العلماء فيها ، بخلاف ما لو نفى حرفاً مُجمعاً عليه ، أو أثبت ما لم يقل به أحد : فإنه يكفر بالإجماع .

ولا خلاف أنها آية في أثناء سورة " النمل " ، ولا خلاف في إثباتها خطّاً في أوائل السور في المصحف ، إلا في أول سورة " التوبة " .

"نيل الأوطار" (2/215) .

وقد جعل بعض العلماء الاختلاف في عد البسملة آية من القرآن ، كاختلاف أئمة القراءات في بعض الكلمات والحروف ، فقد يثبت في بعض القراءات ما لا يثبت في غيرها .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

"اختلف العلماء في البسملة ، هل هي آية من أول كل سورة ، أو من الفاتحة فقط ، أو ليست آية مطلقاً ، أما قوله في سورة النمل : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : فهي آية من القرآن إجماعاً .

وأما سورة " براءة " : فليست البسملة آية منها اجماعاً ، واختُلف فيما سوى هذا ، فذكر بعض أهل الأصول أن البسملة ليست من القرآن

وقال قوم : هي منه في الفاتحة فقط ، وقيل : هي آية من أول كل سورة ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى .

ومِن أحسن ما قيل في ذلك : الجمع بين الأقوال : بأن البسملة في بعض القراءات - كقراءة ابن كثير - آية من القرآن ، وفي بعض القرآءات : ليست آية ، ولا غرابة في هذا .

فقوله في سورة "الحديد" (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) لفظة (هُوَ) من القرآن في قراءة ابن كثير

وأبي عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وليست من القرآن في قراءة نافع ، وابن عامر ؛ لأنهما قرءا ( فإن الله الغني الحميد ) ، وبعض المصاحف فيه لفظة (هُوَ) ، وبعضها ليست فيه .

وقوله : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ، (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) الآية ،

فالواو من قوله ( وقالوا ) في هذه الآية من القرآن على قراءة السبعة غير ابن عامر ، وهي في قراءة ابن عامر ليست من القرآن لأنه قرأ (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) بغير واو ، وهي محذوفة في مصحف أهل الشام ، وقس على هذا .

وبه تعرف أنه لا إشكال في كون البسملة آية في بعض الحروف دون بعض ، وبذلك تتفق أقوال العلماء " انتهى .

" مذكرة في أصول الفقه " ( ص 66 ، 67 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:10
هل يأثم من نسي ما حفظه من القرآن بسبب ضعف ذاكرته ؟

السؤال

ما حكم من حفِظ شيئاً من القرآن الكريم ، أو الأسماء الحسنى ، ثم نسيها ، أو نسي بعضاً منها بسبب ذاكرته الضعيفة

هل سيعذبه الله على ذلك ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

لا ينبغي للمسلم أن يقول " نسيتُ " فيما ضاع من ذاكرته في حفظه للقرآن ، بل " أُنسيتُ " أو " نُسِّيت " .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( بِئْسَمَا لأَحَدِهِمْ يَقُولُ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ ، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ

فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا ) . رواه البخاري ( 4744) ومسلم ( 790 ) .

وفي لفظ لمسلم : ( لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ ) .

وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم .

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : ( رَحِمَهُ اللَّهُ ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا ) . رواه البخاري ( 4751) ومسلم ( 788 ) .

قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله - :

قوله في آخر الحديث : ( بل هو نُسِّي ) ، وهذا اللفظ رويناه مشدَّدًا مبنيًّا لما لم يسم فاعله ، وقد سمعناه من بعض من لقيناه بالتخفيف ، وبه ضُبِط عن أبي بحر ، والتشديد لغيره ، ولكل منهما وجهٌ صحيح

فعلى التشديد يكون معناه : أنه عوقب بتكثير النسيان عليه ؛ لما تمادى في التفريط ، وعلى التخفيف يكون معناه : تُرِك غير مُلْتَفَتٍ إليه

ولا مُعْتَنىً به ، ولا مرحوم ، كما قال الله تعالى : ( نسوا الله فنسيهم ) ؛ أي : تركهم في العذاب ، أو تركهم من الرحمة .

" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 2 / 419 ) .

ثانياً:

وقد اختلف العلماء في حكم نسيان القرآن ممن كان حفظه ، وقد ذهب طائفة من الشافعية إلى أنه من الكبائر ! وقال بعضهم إنه من الذنوب .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

فإن نسيان القرآن من الذنوب .

" مجموع الفتاوى " ( 13 / 423 ) .

وقال الشيخ زكريا الأنصاري – رحمه الله - :

( ونسيانه كبيرة ) , وكذا نسيان شيء منه ؛ لخبر ( عُرضت عليَّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها )

وخبر ( من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة أجذم ) رواهما أبو داود ) ا.هـ .

وفي حاشية " الرملي " عليه :

قوله : ( ونسيانه كبيرة ) موضعه إذا كان نسيانه تهاوناً وتكاسلاً .

" أسنى المطالب " ( 1 / 64 ) .

والأظهر أن نسيان القرآن : ليس كبيرة ، بل ولا ذنبا، ولكنه مصيبة ، أو عقوبة ، والغالب أن يكون هذا بسبب إعراضه عن العمل به ، وعدم تعاهده

وقد أمِر بكلا الأمرين ، فلما لم يستجب للأمر عوقب بما فيه سلب لخيرٍ عظيم ، وقد يكون نسيانه له بسبب معاصٍ وذنوب ، فيأثم عليها ، ويعاقب بسلب القرآن منه ، وأما إن كان نسيانه لما حفِظَ بسبب ضعفٍ في ذاكرته :

فلا شيء عليه ، لكن عليه المداومة على تنشيطها بكثرة القراءة ، وبالقيام بما يحفظ ؛ فإنه من أعظم السبل للبقاء على ما يحفظ .

1. من قال إن نسيان القرآن مصيبة :

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

وأخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفاً قال : " ما مِن أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه ؛ لأن الله يقول : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) ، ونسيان القرآن من أعظم المصائب .

" فتح الباري " ( 9 / 86 ) .

2. من قال إنه عقوبة :

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله - :

مَن جمع القرآن : فقد علت رتبته ، ومرتبته ، وشرف في نفسه ، وقومه شرفاً عظيماً ، وكيف لا يكون ذلك و " من حفظ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين كتفيه " [ قاله عبد الله بن عمرو بن العاص

وانظر " السلسلة الضعيفة " ( 5118 ) ]، وقد صار ممن يقال فيه : " هو مِن أهلِ الله تعالى وخاصته " [ رواه ابن ماجه ( 215) وهو صحيح ] ، وإذا كان كذلك

فمِن المناسب تغليظ العقوبة على من أخلَّ بمزيته الدينية ، ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره

كما قال تعالى : ( يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ) ؛ لاسيما إذا كان ذلك الذنب مما يحط تلك المزية ويسقطها ؛ لترك معاهدة القرآن المؤدي به إلى الرجوع إلى الجهالة .

" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 2 / 419 ) .

وبكل حال : فهي مصيبة أو عقوبة ، لكن لا نجزم بالإثم لمجرد النسيان .

قال علماء اللجنة الدائمة :

فلا يليق بالحافظ له أن يغفل عن تلاوته ، ولا أن يفرط في تعاهده ، بل ينبغي أن يتخذ لنفسه منه ورداً يوميّاً يساعده على ضبطه ، ويحول دون نسيانه ؛ رجاء الأجر ، والاستفادة من أحكامه

عقيدة ، وعملاً ، ولكن مَن حفظ شيئاً مِن القرآن ثم نسيه عن شغل ، أو غفلة : ليس بآثم ، وما ورد من الوعيد في نسيان ما قد حفظ : لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 99 ) .

والظاهر أن من قال إن نسيان القرآن من الذنوب ، أو الكبائر : قد استدل بحديثين وردا في ذلك – كما نقلناه عن زكريا الأنصاري - ، لكن كلا الحديثين لا يصحان ، فلا يصلح الاستدلال بهما .

1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا ) .

رواه الترمذي ( 2916 ) وضعفه ، ونقل عن البخاري استغرابه ، وأبو داود ( 461 ) ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي " .

2. عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ ) .

رواه أبو داود ( 1474 ) وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود " .

والظاهر أن من قال إن النسيان كبيرة ، أو أنه ذنب : لم يرِد ما يكون بسبب ضعف الذاكرة ، بل ما كان النسيان بسبب التهاون ، والكسل ، كما صرَّح به الرملي الشافعي .

سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - :

نحن طلاب العلم نحفظ الكثير من الآيات على سبيل الاستشهاد ، وفي نهاية العام نكون قد نسينا الكثير منها ، فهل ندخل في حكم من يعذبون بسبب نسيان ما حفظوه ؟ .

فأجاب :

نسيان القرآن له سببان :

الأول : ما تقتضيه الطبيعة .

والثاني : الإعراض عن القرآن ، وعدم المبالاة به .

فالأول : لا يأثم به الإنسان ، ولا يعاقب عليه ، فقد وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى بالناس ، ونسي آية ، فلما انصرف ذكَّره بها أبيّ بن كعب ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :

( هلا كنت ذكرتنيها ) ، وسمع رسول الله قارئاً يقرأ ، فقال : ( يرحم الله فلاناً فقد ذكرني آية كنت أنسيتها ) .

وهذا يدل على أن النسيان الذي يكون بمقتضى الطبيعة : ليس فيه لوم على الإنسان .

أما ما سببه الإعراض ، وعدم المبالاة : فهذا قد يأثم به ، وبعض الناس يكيد له الشيطان ، ويوسوس له أن لا يحفظ القرآن لئلا ينساه ويقع في الإثم ! والله سبحانه وتعالى يقول

: ( فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) النساء/ 76 ، فليحفظ الإنسان القرآن ؛ لأنه خير ، وليؤمل عدم النسيان ، والله سبحانه عند ظن عبده به .

" كتاب العلم " ( 96 ، 97 ) .

وما سبق من الجواب هو في " نسيان القرآن " ، ولم نجد شيئاً من كلام العلماء في " نسيان أسماء الله الحسنى " ، وليسا سواءً .

وانظر أجوبة السؤالين القادمين

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:13
مشكلة نسيان القرآن

السؤال

عندما كنت صغيراً كنت أذهب لمدرسة داخلية وأحفظ القرآن ، تركت مدرسة التحفيظ بعد أن حفظت 4 أجزاء وذلك لاني لم أستطع التوفيق بين مدرسة التحفيظ والمدرسة العادية في نفس الوقت

كان عمري وقتها 12-13 عاما ولم أكن قد بلغت حينها.

فهل آثم الآن بعد 20 عاما وقد نسيت الأجزاء الأربعة التي حفظتها ؟

الناس قالوا لي أنه ذنب عظيم ويجب علي أن أراجعها مرة أخرى ، وأنا حائر فأرجو المساعدة.

الجواب

الحمد لله

لا شك أن النسيان فطري في الإنسان ، وما سميّ الإنسان إلا لنسْيه ، وهو يختلف عادة من شخص لآخر فيقلّ ويكثر بحسب ما فاوت الله بين العباد في قوّة الذاكرة .

والقرآن الكريم يتفلّت من الصدور إذا لم يبادر المسلم إلى المراجعة الدائمة والتعاهد المستمر لما يحفظه منه .

ولعل في ذلك حكماً منها الابتلاء والامتحان لقلوب العباد لكي يتميز الفرق بين القلب المتعلق بالقرآن المواظب على تلاوته والقلب الذي تعلّق به وقت الحفظ ثم فترت همته وانصرف عنه حتى نسيه .

ولعلّ من الحِكَم أيضا تقوية دافع المسلم إلى الإكثار من تلاوة القرآن الكريم لينال الآجر العظيم بكل حرف يتلوه ولو أنه حفظ فلم ينس لما احتاج إلى كثرة التلاوة فيفوت عليه أجر المراجعة والتعاهد

فخشية النسيان تدفعك إلى الحرص على التلاوة ليزيد أجرك عند ربك ، ولك بكل حرف تتلوه حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها .

ولقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تعاهد القرآن الكريم خشية النسيان وحذر من التهاون في ذلك كما جاء في أحاديث عديدة ، منها .

1- ما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ . البخاري 5031

والمعروف أن الإبل إذا ذهبت وتفلتت من صاحبها لا يقدر على الإمساك بها إلا بعد تعب ومشقة فكذلك صاحب القرآن إن لم يتعاهد حفظه بالتكرار والمراجعة انفلت منه واحتاج إلى مشقة كبيرة لاسترجاعه .

· قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/79) في شرحه لهذا الحديث : ما دام التعاهد موجوداً فالحفظ موجود ، كما أن البعير ما دام مشدوداً بالعقال فهو محفوظ

وخصّ الإبل الذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفوراً ، وفي تحصيلها بعد استكمان نفورها صعوبة .

2- وروى مسلم في صحيحه رقم (790و791) عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عُقُلها

3- وروى البخاري رحمه الله عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ . صحيح البخاري 5032

قال الحافظ في الفتح (9/81) : قال ابن بطال هذا حديث يوافق الآيتين : قوله تعالى إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً وقوله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر .

فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسّرّ له ، ومن أعرض عنه تفلّت منه .

وفي هذا حض على دوام مراجعة الحفظ وتكرار التلاوة خشية النسيان وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المثل لأنه أقرب في توضيح المقصود

كما أكد ذلك بالقسم ( فو الذي نفس محمد بيده ) تأكيداً على أهمية تعاهد القرآن ومراجعة الحفظ .

3ـ وأما ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها.

فهو حديث ضعيف ضعفه البخاري والترمذي وانظر تخريج مشكاة المصابيح للألباني رقم (720)

قال الإمام ابن المنادى رحمه الله في متشابه القرآن (ص 52) :

مازال السلف يرهبون نسيان القرآن بعد الحفظ لما في ذلك من النقص .

وقال السيوطي في الإتقان (1/106) :

ونسيانه كبيرة صرح به النووي في الروضة وغيرهما لحديث عُرضت علي ذنوب أمتي ..

ومن أعظم ما يٌعين على تذكّر القرآن وتثبيت حفظه : القيام به في الصلاة وتلاوته فيها وخصوصا قيام الليل وكان السّلف يتلونه في النهار ويقومون به في الليل .

فإذا كنت أيها الأخ السائل مجتهدا في مراجعة القرآن ومتعاهدا له فليس عليك إثم ولو حصل لك نسيان بعضه وإنما الذمّ واللوم على من فرّط وضيّع وأهمل وترك المراجعة والتعاهد نسأل الله المغفرة .

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا ، اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكّرنا منه ما نُسّينا إنك أنت السميع العليم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:16
معنى إحصاء أسماء الله تعالى الحسنى

السؤال

ما معنى من أحصاها دخل الجنة ؟

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .

والإحصاء المذكور في الحديث يتضمّن ما يلي :

1- حفظها .

2- معرفة معناها .

3- العمل بمقتضاها : فإذا علم أنّه الأحد فلا يُشرك معه غيره ، وإذا علم أنّه الرزّاق فلا يطلب الرّزق من غيره ، وإذا علم أنّه الرحيم ، فإنه يفعل من الطاعات ما هو سبب لهذه الرحمة ... وهكذا .

4- دعاؤه بها ، كما قال عزّ وجلّ : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف/180 . وذلك كأن يقول : يا رحمن ، ارحمني ، يا غفور ، اغفر لي ، يا توّاب ، تُبْ عليّ ونحو ذلك .

قال الشيح محمد بن صالح العثيمين :

" وليس معنى إحصائها أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ ولكن معنى ذلك :

أولاً : الإحاطة بها لفظاً .

ثانياً : فهمها معنى .

ثالثاً : التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان :

الوجه الأول : أن تدعو الله بها ؛ لقوله تعالى : ( فادعوه بها ) الأعراف/180 ، بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك

فتختار الاسم المناسب لمطلوبك ، فعند سؤال المغفرة تقول : يا غفور ، اغفر لي ، وليس من المناسب أن تقول : يا شديد العقاب ، اغفر لي ، بل هذا يشبه الاستهزاء ، بل تقول : أجرني من عقابك .

الوجه الثاني : أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء ، فمقتضى الرحيم الرحمة ، فاعمل العمل الصالح الذي يكون جالباً لرحمة الله

هذا هو معنى إحصائها ، فإذا كان كذلك فهو جدير لأن يكون ثمناً لدخول الجنة " انتهى .

"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/74) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:20
أوجه الاستعاذة والبسملة عند الانتقال بين أواسط السور

السؤال

ما هي أوجه قراءة البسملة بين أواسط السور : كالانتقال من وسط سورة البقرة ، ثم البسملة والانتقال إلى وسط سورة الحشر .

هل هناك وجه وصل البسملة بالمقطع الأول بالبسملة مع المقطع الثالث ، ما يسمى وصل الجميع ، وما هي الأوجه الأخرى ؟

الجواب

الحمد لله

لم نقف – بعد البحث والتفتيش – على كلام لعلماء التجويد والقراءات في هذه المسألة الدقيقة

في شروح الشاطبية ، والجزرية ، والدرر اللوامع وغيرها ، وهي مسألة أوجه الاستعاذة والبسملة عند الانتقال بين أواسط السور ، وحينئذ فلا يمكننا إجابة السائل بأسماء المصادر والمراجع

غير أن الذي وجدناه لدى بعض المعاصرين المتخصصين في التجويد ، هو النص على الانتقال بين أواسط السور من غير استعاذة ولا بسملة ، وإنما بسكتة يسيرة .

يقول الشيخ حسام الكيلاني :

" ولا حاجة إلى الاستعاذة والبسملة عند الانتقال من سورة إلى بعض آيات من سورة أخرى ليس من أولها " انتهى .
" البيان في أحكام تجويد القرآن " (ص/27) .

ويمكن الاستئناس بخطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بها ويعملها أصحابه لذلك القول

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها مجموعة من الآيات الواردة في سور عدة ، ولم يرد فيها ذكر الاستعاذة والبسملة .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ :

( عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ : إَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ ، نَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) ) رواه أبو داود (رقم/2118) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:23
تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

السؤال

ما تفسير قول الله تبارك وتعالى في سورة الرعد : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ؟

الجواب

الحمد لله

"الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر ، ومن شر إلى خير ، ومن رخاء إلى شدة

ومن شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فإذا كانوا في صلاح واستقامةَ وغَيّروا غَيَّر الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط

والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا ، قال سبحانه : (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) .

وقد يمهلهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون ، ثم يؤخذون على غرة

كما قال سبحانه : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني آيسون من كل خير ، نعوذ بالله من عذاب الله ونقمته

وقد يؤجلون إلى يوم القيامة فيكون عذابهم أشد ، كما قال سبحانه : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) والمعنى : أنهم يؤجلون ويمهلون إلى ما بعد الموت

فيكون ذلك أعظم في العقوبة وأشد نقمة .

وقد يكونون في شر وبلاء ومعاصٍ ثم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه ويندمون ويستقيمون على الطاعة فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة

ومن شدة وفقر إلى رخاء ونعمة واجتماع كلمة وصلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى ، وقد جاء في الآية الأخرى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا

عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فهذه الآية تبين لنا أنهم إذا كانوا في نعمة ورخاء وخير ثم غيروا بالمعاصي غير عليهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - وقد يمهلون كما تقدم

والعكس كذلك : إذا كانوا في سوء ومعاص ، أو كفر وضلال ثم تابوا وندموا واستقاموا على طاعة الله غيَّر الله حالهم من الحالة السيئة إلى الحالة الحسنة

غَيَّر تفرقهم إلى اجتماع ووئام ، وغَيَّر شدتهم إلى نعمة وعافية ورخاء ، وغَيَّر حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال الغيث ونبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (24/249-251) .

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:27
تفسير قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)

السؤال

قال الله تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) وهذا يعني أنه سبحانه ألزم نفسه بنفسه إطعام كل ما يدب على هذه الأرض من إنسان أو حيوان أو حشرات إلخ

فبماذا نفسر المجاعة التي تجتاح بعض بلدان قارة أفريقيا وغيرها؟

الجواب

الحمد لله

"الآية على ظاهرها ، وما يُقَدِّر الله سبحانه من الكوارث والمجاعات لا تضر إلا من تم أجله

وانقطع رزقه ، أما من كان قد بقي له حياة أو رزق فإن الله يسوق له رزقه من طرق كثيرة ، قد يعلمها وقد لا يعلمها ، لقوله سبحانه : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)

وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) .

وقد يعاقب الإنسان بالفقر وحرمان الرزق لأسباب فعلها من كسل وتعطيل للأسباب التي يقدر عليها ، أو لفعله المعاصي التي نهاه الله عنها ، كما قال الله سبحانه : (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ).

وقال عز وجل : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بإسناد جيد .

وقد يبتلى العبد بالفقر والمرض وغيرهما من المصائب لاختبار شكره وصبره

لقول الله سبحانه : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

وقوله عز وجل : (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) والمراد بالحسنات في هذه الآية : النعم

وبالسيئات : المصائب . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له

وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .

والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . وبالله التوفيق" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (24/241) .

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:32
حكم الرجوع إلى سورة الفاتحة وأوائل البقرة بعد ختم القرآن

السؤال

هناك بعض النساء يجتمعن لتدارس تفسير القرآن ، وعندما ينتهين من قراءة المصحف فإنهن يبدأن بالفاتحة ، وبداية سورة البقرة ، من أجل تبيين أن القراءة متواصلة ، وأن القرآن لا ينتهي ، فما رأيكم ؟

الجواب

الحمد لله

اختلف العلماء في حكم ما يعتاده كثير من القراء عند ختم المصحف من الشروع في ختمة جديدة ، وذلك بالرجوع إلى سورة الفاتحة وقراءتها مع الآيات الخمس الأول من سورة البقرة فقط ، فكان خلافهم على قولين اثنين :

القول الأول : مشروعية ذلك العمل، واستحبابه . وهو ما ذهب إليه القراء ونص عليه بعض العلماء ،

واستُدِل لهذا القول بأدلة ، منها :

الدليل الأول : حديث عن عبد الله بن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم :

أنه كان إذا قرأ : ( قل أعوذ برب الناس ) افتتح من الحمد ، ثم قرأ من البقرة إلى : ( وأولئك هم المفلحون ) ، ثم دعاء بدعاء الختمة ، ثم قام .

رواه الدارمي – كما عزاه إليه السيوطي في " الإتقان " (1/295) وقال بسند حسن -

والحافظ أبو عمرو الداني ، والحافظ أبو العلاء الهمذاني – كما نقل عنهما ابن الجزري في " النشر " (688-694) ، والحسن بن علي الجوهري في " فوائد منتقاة " (2/29) ، جميعهم من طريق :

العباس بن أحمد البرتي ، ثنا عبد الوهاب بن فليح المكي ، ثنا عبد الملك بن عبد الله بن شعوة

عن خاله وهب بن زمعة بن صالح ، عن زمعة بن صالح ، عن عبد الله بن كثير ، عن درباس مولى ابن عباس وعن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم به .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

" هذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان :

الأولى : أن مداره على زمعة بن صالح ، قال الذهبي في " الكاشف " : " ضعفه أحمد ، قرنه مسلم بآخر ". وقال الحافظ في "التقريب" : " ضعيف ، وحديثه عند مسلم مقرون " .

والأخرى : الاضطراب في إسناده عليه على وجهين : الأول : هذا : عن درباس وعن مجاهد ؛ قرنه معه.

الثاني : عن درباس وحده ؛ لم يذكر مجاهداً معه . وقد ساق ابن الجزري في "النشر" (2/ 420 - 425) الأسانيد بذلك .

وفي رواية له عن وهب بن زمعة بن صالح عن عبدالله بن كثير عن درباس عن عبدالله بن عباس ... به مرفوعاً ؛ لم يذكر في إسناده زمعة .

وقال عَقِبَه : "حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإسناده حسن ؛ إلا أن الحافظ أبا الشيخ الأصبهاني وأبا بكر الزينبي روياه عن وهب عن أبيه زمعة ... ، وهو الصواب " .

فأقول : هذا التصويب صواب ؛ لأنه عليه أكثر الروايات ، وعليه فلا وجه لتحسين إسناده ؛ لأن مداره على - زمعة بن صالح الضعيف - كما تقدم - .

وكيف يكون حسناً وفيه درباس مولى ابن عباس ، وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما قال أبو حاتم ، وتبعه الذهبي والعسقلاني - ؟!

نعم قد قُرِنَ به مجاهد في بعض الروايات - كما في رواية الجوهري وغيره - ، فإن كان محفوظاً ؛ فالعلة واحدة وهي زمعة . والله أعلم " انتهى.

" السلسلة الضعيفة " (رقم/6134)

الدليل الثاني : حديث مرفوع جاء فيه :

( قال رجل : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ . قَالَ : وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ ؟ قَالَ : الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ )

وقد روي هذا الحديث على وجهين :

1- مسندا متصلا : من طريق صالح المري ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن ابن عباس به. رواه عن صالح المري على هذا الوجه الهيثم بن الربيع – كما عند الترمذي (رقم/2948) -

وعمرو بن عاصم – كما عند البزار (2/213)-، وعاصم الكلابي ، وعمرو بن مرزوق ، وزيد بن الحباب في " المستدرك " (1/757)، وإبراهيم بن أبي سويد الذارع –

كما في " معجم الطبراني " (12/168)-

2- مرسلا من طريق صالح المري ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من غير ذكر ابن عباس . رواه عن صالح المري على هذا الوجه مسلم بن إبراهيم

كما عند الترمذي (رقم/2948). وإسحاق بن عيسى –

كما عند الدارمي (2/560) - ، وعبد الله بن معاوية الجمحي – كما في " النشر " لابن الجزري (ص/699)-، وقد رجح الترمذي رواية من أرسله فقال

: " هذا حديث غريب ، لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه وإسناده ليس بالقوي...وهذا – يعني المرسل - عندي أصح من حديث نصر بن علي عن الهيثم بن الربيع " انتهى.

وله شاهد مرفوع من حديث أبي هريرة يرويه الحاكم في " المستدرك " (1/758)

وفيه مقدام بن داود ضعيف الحديث، انظر: " لسان الميزان " (6/84)، وله شاهد آخر من رواية زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، أسنده أبو عمرو الداني – كما في " النشر " (ص/700) -.

وقد ضعف هذا الحديث جمع من أهل العلم ، منهم : راويه الإمام الترمذي ، والحافظ ابن حجر – كما في " الفتوحات الربانية " (3/248) - ، وكذا الشيخ الألباني في "

السلسلة الضعفة " (رقم/1834) .

الدليل الثالث : عمل السلف الصالحين ، ونقل هذه السنة من عادتهم .

قالابن الجزري رحمه الله :

" روى الحافظ أبو عمرو أيضا بإسناد صحيح عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرؤوا من أوله آيات . وهذا صريح في صحة ما اختاره القراء وذهب إليه السلف " انتهى.

" النشر " (2/449) (ص/703)

وقال الحافظ أبو عمرو الداني :

" لابن كثير – يعني المقرئ المشهور - في فعله هذا دلائل من آثار مروية ورد التوقيف فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخبار مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة والتابعين والخالفين " انتهى.

نقلا عن " النشر في القراءات العشر " لابن الجزري (ص/688)

الدليل الرابع : عمل المسلمين بهذه السنة في الأمصار عامة.

قال ابن الجزري رحمه الله :

" وصار العمل على هذا في أمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها ، وقراءة العرض وغيرها ، حتى لا يكاد أحد يختم ختمة إلا ويشرع في الأخرى ، سواء ختم ما شرع فيه أو لم يختمه ، نوى ختمها أو لم ينوه

بل جعل ذلك عندهم من سنة الختم ، ويسمون من يفعل هذا " الحال المرتحل "، أي الذي حل في قراءته آخر الختمة ، وارتحل إلى ختمة أخرى " انتهى.

" النشر " (ص/694) .

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:33
وقال النووي رحمه الله :

" يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة ؛ فقد استحبه السلف والخلف ، واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه ... " انتهى .

"التبيان في آداب حملة القرآن" (ص/110) .

وقال السيوطي رحمه الله :

" يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم لحديث الترمذي وغيره ... " انتهى.

" الإتقان " (1/295)

وانظر: " سنن القراء ومناهج المجودين " (ص/227)

القول الثاني : المنع وعدم الاستحباب ، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله .

ووجه ذلك القول عدم ورود ذلك الفعل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل في كل عام مرة

وعرضه مرتين في العام الذي توفي فيه ، ولم ينقل لنا أحد شيئا عن هذه السنة المتبعة اليوم .

قال ابن قدامة رحمه الله :

" قال أبو طالب : سألت أحمد إذا قرأ : ( قل أعوذ برب الناس ) يقرأ من البقرة شيئا ؟ قال : لا . فلم يستحب أن يصل ختمته بقراءة شيء ، ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه " انتهى.

" المغني " (1/838)

وجاء في " الفروع " (1/554) :

" ولا يقرأ الفاتحة وخمسا من البقرة نص عليه ، قال الآمدي : يعني قبل الدعاء ، وقيل يستحب " انتهى.

وقال ابن مفلح في " الآداب الشرعية " (2/316) :

" إذا فرغ من قراءة الناس لم يزد الفاتحة وخمسا من البقرة ، نص عليه ، وذلك إلى قوله : ( وأولئك هم المفلحون ) قال في الشرح : ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح ، وقيل : يجوز بعد الدعاء ، وقيل : يستحب .

قال القاضي بعد ذكره لمعنى هذا الخبر من حديث أنس رواه ابن أبي داود – يعني حديث الحال المرتحل - قال : وظاهر هذا أنه يستحب ذلك

والجواب أن المراد به الحث على تكرار الختم ختمة بعد ختمة ، وليس في هذا ما يدل على أن الدعاء لا يتعقب الختمة " انتهى.

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :

" وفَهِمَ بعضهم من هذا : أنه كلما فرغ من ختم القرآن ؛ قرأ فاتحة الكتاب ، وثلاث آيات من سورة البقرة ؛ لأنه حل بالفراغ ، وارتحل بالشروع !

وهذا لم يفعله أحد من الصحابة ، ولا التابعين ، ولا استحبه أحد من الأئمة ...

وقد جاء تفسير الحديث متصلا به : أن يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل . وهذا له معنيان : أحدهما : أنه كلما حل من سورة أو جزء ارتحل في غيره . والثاني : أنه كلما حل من ختمة ارتحل في أخرى " انتهى.

" إعلام الموقعين " (4/306)

والقول الثاني أظهر من حيث الأدلة ، إن شاء الله ، لعدم ثبوت دليل على استحباب مثل ذلك ، بل ظاهر السنة خلافه ، كما تقدم بيانه

وقد سبق اختيار هذا القول في جواب السؤال القادم

على أننا ننبه ـ هنا ـ إلى أن المسألة ، رغم ما رجحناه ، هي مسألة اجتهادية ، وليست من المسائل القطعية ؛ فمن صح عنده أن السلف كانوا يفعلون ذلك

أو اعتقد صحة الحديث الوارد فيه : فإنه لا يبدع ولا يضلل ؛ بل لا ينكر عليه .

وهكذا من ترجح عند القول الذي اخترناه ، فإنه لا ينكر عليه ؛ بل إن الإمام ابن الجزري ، رحمه الله ، وهو من القائلين بمشروعية ذلك ، يقول :

" وعلى كل تقدير فلا نقول : إن ذلك لازم كل قارئ ، بل نقول كما قال أئمتنا فارس بن أحمد وغيره : من فعله فحسن ، ومن لم يفعله فلا حرج عليه " انتهى.

" النشر " (ص/704)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-26, 16:38
الاحتفال بختم القرآن

السؤال

بعض النساء بعد ختمها لحفظ القرآن على شيختها تقوم بعمل احتفال بسيط وتقرأ فيه من نهاية المصحف ثم تصل ببدايته ( الفاتحة وخمس آيات من البقرة ) بغرض عدم قطع القراءة . فما حكم ذلك ؟.

الجواب

الحمد لله

والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد ....

فإن الاحتفال بمناسبة إتمام حفظ القرآن ليس بسنة ، فإنه لم يرد في ذلك شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام ولاعن أحدٍ من أصحابه ، ففعل ذلك على أنه من الدين بدعة

ولكن الناس يفعلونه على أنه عادة تعبيرا ً عن الفرح بنعمة حفظ القرآن ، كالاحتفال بقدوم الغائب ، أو الحصول على وظيفة ، أو مسكن . فإذا كان الاحتفال لإتمام حفظ القرآن على هذا الوجه فلا بأس به

وإذا تُلي شيءٌ من القرآن من أوله أو آخره دون تقيدٍ بسورةٍ معينة ولا صفةٍ معينة ، كوصل آخره بأوله كان ذلك حسناً . فإن تلاوة القرآن خير ما تعمر به المجالس

ويُذكر به المجتمعون . وأما الدعاء عند ختم تلاوة القرآن فقد صحَّ عن أنس رضي الله عنه أنه كان يجمع أهله عند ختم القرآن ويدعو بهم . فإذا دعا القارئ عند ختمه لتلاوة القرآن ، وأمَّن الحاضرون على دعائه كان حسناً .

وأمَّا تسمية المعلمة بشيخة فلا بأس به ، ولذلك تعلمين أيتها السائلة بارك الله فيك أن ما ذكرتِ من الاحتفال لا مانع فيه ، وأنه لا داعي إلى القراءة من نهاية المصحف

ثم وصله بأوله ، فإن التقيد بهذه الصفة يحتاج إلى دليل ، لأن تلاوة القرآن عبادة

والعبادة يجب التقيد فيها وفي صفتها بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).

كتبه فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك

وأما حديث الحال المرتحل الذي رواه الترمذي رحمه الله عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ

ولكن هذا الحديث ضعيف كما بيّن ذلك الترمذي رحمه الله بقوله بعدما ساقه : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ .

ولذلك قال ابن القيم رحمه الله : فِي الإِعْلامِ " ص 289 ج 2 " بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ :

فَهِمَ مِنْ هَذَا بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ خَتْمِ الْقُرْآنِ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَثَلاثَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لأَنَّهُ حَلَّ بِالْفَرَاغِ وَارْتَحَلَ بِالشُّرُوعِ ,

وَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلا التَّابِعِينَ وَلا اِسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنْ الأَئِمَّةِ ,

وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي كُلَّمَا حَلَّ مِنْ غَزَاةٍ اِرْتَحَلَ فِي أُخْرَى , أَوْ كُلَّمَا حَلَّ مِنْ عَمَلٍ اِرْتَحَلَ إِلَى غَيْرِهِ تَكَمُّلا لَهُ كَمَا كَمَّلَ الأَوَّلَ , وَأَمَّا هَذَا الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ فَلَيْسَ مُرَادَ الْحَدِيثِ قَطْعًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 15:47
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


أفضل العلوم وبيان شروط المفسر لكتاب الله .

السؤال

ماهي أفضل مراتب العلماء هل هو المفسر أم الفقيه وغيرهما؟ وماهي شروط المفسر؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

أفضل العلوم: العلم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته، وهو المسمى بأصول الدين، أو العقيدة، أو الفقه الأكبر؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، ولأنه يتعلق بتصحيح الأصل الذي ينبني عليه ما عداه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" العلم الأعلى هو العلم بالله نفسه؛ الذي هو في نفسه أعلى

الموجودات، والعلم به أعلى العلوم، وإرادة وجهه أعلى الإرادات، وذكره أعلى الأذكار، واسمه أعلى الأسماء؛ قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى • الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى •

وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى • وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى • فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى [الأعلى: 1 - 5] "

انتهى، من "شرح الأصفهانية" (109) .

وقال ابن رجب رحمه الله: " فأفضل العِلْم العِلْم بالله، وهو العِلْم بأسمائه وصفاته، وأفعاله التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته، والتبتل إِلَيْهِ والتوكل عليه، والرضا عنه، والاشتغال به دون خلقه.

ويتبع ذلك العِلْم بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك، والعلم بأوامر الله ونواهيه وشرائعه وأحكامه

وما يحبه من عباده من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وما يكرهه من عباده من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

ومن جمع هذه العلوم فهو من العلماء الربانيين، العلماء بالله، العلماء بأمر الله.

وهم أكمل ممن قصر علمه على العِلْم بالله دون العِلْم بأمره وبالعكس .

وشاهدُ هذا : النظر في حال الحسن وابن المسيب والثوري وأحمد وغيرهم من العلماء الربانيين، وحال مالك بن دينار والفضيل بن عياض ومعروف وبشر وغيرهم من العارفين.

فمن قايس بين الحالين ، عرف فضل العلماء بالله وبأمره ، على العلماء بالله فقط.

فما الظن بتفضيل العلماء بالله وبأمره ، على العلماء بأمره فقط، فإن هذا واضح لا خفاء به .

وإنما يظن بعض من لا علم له : تفضيل العُبّاد على العلماء؛ لأنهم تخيلوا أن العلماء هم العلماء بأمر الله فقط، وأن العباد هم العلماء بالله وحده، فرجحوا العالم بالله

على العالم بأمره، وهذا حق"

انتهى من "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 41).

وليس المراد بذلك العلم الفاضل : أن يتعلمه على طريقة المتكلمين ، وأوضاعهم ، والرد على من ضل أو أخطأ منهم ؛ فإن هذا لا يطلب من كل أحد ، بل هذا لا يتصدى له الخاصة ، ممن تأهل له .

وإنما المراد بذلك : العناية بعلم ما في كتاب الله وسنة رسوله من ذلك ، وتدبره ، وإحصائه ، والقيام الله به .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" العلم بالله ، وما يستحقه من الأسماء والصفات : لا ريب أنه مما يفضل الله به بعض الناس على بعض، أعظم مما يفضلهم بغير ذلك من أنواع العلم.

ولا ريب أن ذلك يتضمن من الحمد لله، والثناء عليه، وتعظيمه وتقديسه، وتسبيحه وتكبيره - ما يعلم به أن ذلك مما يحبه الله ورسوله."

انتهى، من "درء التعارض" (7/129) .

وقال أيضا :

" الآيات الخبرية تتضمن عملاً محبة لله وخوفاً منه وتوكلا عليه ورجاء رحمته وخوفاً من عذابه واعتباراً بما مضى وغير ذلك من أنواع العمل "

انتهى، من "بيان تلبيس الجهمية" (8/109) .

وقال رحمه الله أيضا :

" كما أن العلم بالله مقصود فمحبة الله أيضًا مقصودة فلا يكفي النفس مجرد أن تعرف الله دون أن تحبه وتعبده

وهذا أصل ملة إبراهيم الخليل إمام الحنفاء الذي اتخذه الله خليلاً وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنَّ الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً

وقد قال تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) [الذاريات 56] والعبادةُ تتضمَّن كمالَ المحبة له وكمال الذل له.

فلو قُدِّر أن الإنسان عَلِم كلَّ عِلْم ولم يكن مُحِبًّا لله عابدًا له كان شقيًّا معذَّبًا ولم يكن سعيدًا في الآخرة ولا ناجيًا من عذاب الله . "

انتهى، من " الرد على الشاذلي" (205) .

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 15:48
ثانيا :

من نظر إلى التفسير، وأنه يتعلق ببيان معاني كلام الله تعالى، وكلامه يشتمل على بيان العقائد والأحكام : جزم بأن التفسير أشرف العلوم على الإطلاق، فهو جامع للعلم بالله، والعلم بأمره

ولهذا قال الواحدي رحمه الله: " .. أم العلوم الشرعية، ومجمع الأحكام الدينية، كتاب الله المودع نصوص الأحكام وبيان الحلال والحرام، والمواعظ النافعة، والعبر الشافية، والحجج البالغة .

والعلم به : أشرف العلوم وأعزها، وأجلها وأمزها، لأن شرف العلوم بشرف المعلوم.

ولما كان كلام الله تعالى أشرف المعلومات، كان العلم بتفسيره وأسباب تنزيله ومعانيه وتأويله، أشرف العلوم.

ومن شرف هذا العلم وعزته في نفسه : أنه لا يجوز القول فيه بالعقل والتدبر، والرأي والتفكر، دون السماع والأخذ عمن شاهدوا التنزيل بالرواية والنقل.

والنبي صلى الله عليه وسلم ، فمن بعده من الصحابة والتابعين : قد شددوا في هذا ، حتى جعلوا المصيب فيه برأيه مخطئا"

انتهى من التفسير الوسيط (1/ 47).

ثالثا :

لا يخفى على البصير الموفق : فضل الفقه في دين الله جل جلاله ، ومعرفة أحكامه ، وحلاله وحرامه ، والرسوخ في ذلك كله ، وضبطه ، وتعليمه للعباد .

وقد الله تعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) التوبة/122

قال الخطيب البغدادي رحمه الله :

" فَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ أَوْجَبَ عَلَى إِحْدَاهُمَا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ، وَعَلَى الْأُخْرَى التَّفَقُّهَ فِي دِينِهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ جَمِيعُهُمْ إِلَى الْجِهَادِ فَتَنْدَرِسَ الشَّرِيعَةُ وَلَا يَتَوَفَّرُوا عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ فَيَغْلِبَ

الْكُفَّارُ عَلَى الْمِلَّةِ، فَحَرَسَ بَيْضَةَ الْإِسْلَامِ بْالْمُجَاهِدِينَ وَحَفَظَ شَرِيعَةَ الْإِيمَانِ بْالْمُتَعَلِّمِينَ وَأمَرَ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِمْ فِي النَّوَازِلِ وَمَسْأَلَتِهِمْ عَنِ الْحَوَادِثِ "

انتهى ، من "الفقيه والمتفقه" (1/69) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ) .

رواه البخاري (71) ومسلم (1037) .

ومنزلة الفقه في دين الله ليست بالمحل الذي يخفى على منصف عاقل .

وينظر للفائدة في ذلك ، كتاب : "الفقيه والمتفقه"

للخطيب البغدادي

وكتاب " مفتاح دار السعادة" لابن القيم .

على أننا نبه إلى أنه : ليس المعارضة بين شيء من ذلك ، من شأن البصير الموفق ، بل ولا المفاضلة إذا زهدته فيما يحتاج إليه من علم ذلك ؛ إنما عليه أن يطلب أول ما يطلب

ما يحتاج إليه من علم ذلك كله ، وما يصح به دينه ، وعبادته ، وعقيدته ، ويستقيم به هديه ، وخلقه .

ثم النفل والزيادة من ذلك ، على حسب ما يسره الله له ، وأهله لبلوغه ، وسهل عليه سبيله ، وفتح أبوابه له شيوخه وأساتذته .

قال إسحاق بن راهويه ، رحمه الله :

" ( طلب العلم واجب ) : لم يصح الخبر فيه . إلا أن معناه قائم ؛ يلزمه علم ما يحتاج إليه ، من وضوئه وصلاته وزكاته ، إن كان له مال، وكذلك الحج وغيره .

إنما يعني ( الواجب ) : أنها إذا وقعت ، فلا طاعة للأبوين في ذلك .

وأما من خرج يبتغي علماً : فلا بد له من الخروج بإذن الأبوين ، لأنه فضيلة ، ما لم تحل به البلية. والنوافل لا تُبتغَى إلا بإذن الآباء " انتهى

من "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه"

لإسحاق بن منصور الكوسج (9/4654) .

رابعا :

المفسّر لكتاب الله تعالى يلزم أن تتحقق فيه جملة من الشروط بينها أهل العلم، وقد جمعها الأستاذ أحمد محمد معبد رحمه الله في كتابه "نفحات من علوم القراآن".

قال في ص125 : " شروط المفسر لكتاب الله تعالى ، قد ذكرها العلماء في عدة شروط ، نختصرها لك فيما يأتي:-

أولا: صحة العقيدة- لأن صحة العقيدة لها أثر كبير في نفس صاحبها، وما يتأثر به الإنسان يظهر في كلامه منطوقا ومكتوبا.

ثانيا: التجرد عن الهوى، فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذاهبهم ، ولو كانت على غير حق.

ثالثا: أن يطلب تفسير القرآن بالقرآن، فإن بعض القرآن يفسر بعضه، فما أُجمل منه في موضع، فإنه قد فُصّل في موضع آخر، وما اختُصر منه في مكان ، فإنه قد بسط في مكان آخر .. وهكذا.

رابعا: أن يُطلب تفسير القرآن بالسنة النبوية، وذلك لأن السنة شارحة للقرآن وموضحة له، وقد ذكر القرآن الكريم أن أحكام الرسول صلّى الله عليه وسلم التي كان يحكم بها ، هي وحي من الوحي .

وقد بيّن ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ ) الآية.

ولهذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلم ألا إنّي أوتيت القرآن ومثله معه أي السنة.

خامسا: أقوال الصحابة، لأنهم أدرى بذلك ، من مشاهدتهم للعديد من القرائن والأحوال والحوادث عند نزول القرآن الكريم، ولما لهم من خصوصية الفهم التام ، والعلم الصحيح ، والعمل الصالح ، مع الإخلاص الكامل لله ولرسوله.

وقد روى الحاكم في المستدرك : أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم له حكم المرفوع .

ولأنهم هم الأمناء الأول على الرسالة الإسلامية ، وكان الواحد منهم إذا تعلم من النبي صلّى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزها ، حتى يعلم ما فيها من العلم والعمل.

وكما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما (أقام على حفظ سورة البقرة ثمان سنين) أخرجه في الموطأ. وذلك لفهم أمر الله تعالى في قوله جل وعلا: ( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ) .

سادسا: أقوال التابعين، فإذا لم يجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا في أقوال الصحابة. فإنه يرجع إلى أقوال التابعين .

وقد رجع كثير من الأئمة إلى أقوال التابعين كمجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة، والحسن البصري وغيرهم، ومن التابعين من تلقّى التفسير عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

سابعا: أن يكون عالما باللغة العربية وفروعها، لأن القرآن نزل بلغة العرب، ولا بدّ للمفسر من معرفة مفردات الألفاظ عند الشرح ، حتى لا يقول في كلام الله تعالى ما لا يجوز ولا يليق.

وقد قيل في هذا "لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب".

ثامنا: أن يكون عالما بأصول العلوم المتصلة بالقرآن وعلم التوحيد، حتى لا يؤول آيات الكتاب العزيز التي في حق الله تعالى وصفاته ، تأويلا يتجاوز به الحق والصواب .

كما يجب عليه أن يكون عالما بعلم الأصول، وأصول التفسير ، خاصة والناسخ والمنسوخ ، ونحو ذلك من العلوم التي تتعلق بالقرآن الكريم.

تاسعا: دقة الفهم- أو علم الموهبة- كما قال السيوطي في كتاب الإتقان، وهو الذي به يتمكن المفسر من ترجيح معنى على معنى آخر... " انتهى.

ونسأل الله أن يمن علينا وعليك بالعلم النافع والعمل الصالح.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 16:07
يسأل عما أسماه "تعديل تفسير القرآن"

السؤال

ما حكم تعديل تفسير القرآن. وما ضوابط هذا التعديل؟

الجواب

الحمد لله

لم يتبين لنا تحديد معنى "تعديل التفسير" الذي تقصده في سؤالك، فإن كنت تريد به تحقيق تفسير كلام الله بما لم يُسبق إليه المفسر

أو الاجتهاد في بيان كلام الله على الوجه المشتمل على إضافة جديدة

فهذا مبحث مناطه العلماء والمفسرون المتقنون، فكتاب الله لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، وما زال أهل العلم يستخرجون ما فيه من العلوم والفوائد على مر التاريخ.

يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله – بعد أن قرر قولا معاصرا في تفسير إحدى الآيات -:

"فالآية الكريمة يفهم منها ما ذكرنا، ومعلوم أنها لم يفسرها بذلك أحد من العلماء، بل عبارات المفسرين تدور

على أن الجند المذكور : الكفار الذين كذبوه صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم سوف يهزمهم، وأن ذلك تحقق يوم بدر أو يوم فتح مكة.

ولكن كتاب الله لا تزال تظهر غرائبه ، وعجائبه متجددة على مر الليالي والأيام، ففي كل حين تفهم منه أشياء لم تكن مفهومة من قبل .

ويدل لذلك حديث أبي جحيفة الثابت في الصحيح أنه لما سأل عليا رضي الله عنه: (هل خصَّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال له علي رضي الله عنه: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة

إلا فهما يعطيه الله رجلا في كتاب الله، وما في هذه الصحيفة) الحديث.

فقوله رضي الله عنه: إلا فهما يعطيه الله رجلا في كتاب الله، يدل على أن فهم كتاب الله تتجدد به العلوم والمعارف التي لم تكن عند عامة الناس، ولا مانع من حمل الآية على ما حملها عليه المفسرون

وما ذكرنا أيضا أنه يفهم منها ؛ لما تقرر عند العلماء من أن الآية إن كانت تحتمل معاني كلها صحيحة، تعين حملها على الجميع، كما حققه بأدلته الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرآن"

انتهى من "أضواء البيان" (2/258) .

غير أن ثمة مجموعة من القواعد والضوابط المهمة التي يجب على كل مشتغل بالتفسير مراعاتها، سواء كان عمله التفسيري اجتهادا جديدا، أم نقلا لما تقرر من قبل.

ومن تلك الضوابط:

أولا:

التزام ما أجمع عليه الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في بيان كلام الله تعالى، فإجماعهم حجة في فهم آيات الكتاب الحكيم، ولا يجوز للباحث عن "التعديل" أو "التجديد" في علوم التفسير

أن ينقض موارد الإجماع، أو يخالف الاتفاق، فقد قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115]. والمقصود بهذا الضابط:

عدم وقوع التناقض بين "التعديل"، وبين محل الإجماع، أما إذا لم يكن ثمة تناقض، وإنما أضاف التفسير الجديد بعدا آخر، أو احتمالا مكملا ومتمما لتفسير الآية ومعناها، فهذا لا بأس فيه، كما سيأتي مثاله.

ثانيا:

اقتفاء قواعد الدلالة اللغوية السليمة، بعيدا عن التكلف والتمحل في فهم النصوص، وبعيدا عن استعمال

مناهج البحث الطارئة على لغتنا العربية الأصيلة، التي يراد من ورائها هدم قوانين اللغة، وطمس جميع الخطوط التي تنظم قواعد الفهم فيها وعلوم الدلالات.

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 16:07
ثالثا:

مراعاة الأدلة الشرعية الأخرى التي تضبط علومنا وأعمالنا، كي لا تخرج المحاولات "التجديدية" – التعديلية- عن المدارك الشرعية، والمعارف الإسلامية، فضلا عن الثوابت والمحكمات.

يقول الدكتور مساعد الطيار حفظه الله:

"كتاب الله تعالى نزل بلسان عربي مبين، وعَلِمَهُ جيل السلف مجتمعين، فلا يمكن أن يقال: إن آية منه لم يقع لهم فيها الفهم الصحيح، ومن قال: إن آية لم يفهمها هؤلاء

فإنه قد زعم النقص في البيان الرباني والنبوي على حدٍّ سواء، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: 2]

ويقول: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الزخرف: 3]، ويقول: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 242]، ويقول: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الحديد: 17]،

ويقول: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) [النساء: 82]

ويقول: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]، ويقول: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَاتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ) [المؤمنون: 68]

ويقول: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) [ص: 29]، وغيرها من الآيات التي تدل على أن الله قد بيَّن كلامه بياناً واضحاً لا لبس فيه ولا إلغاز،

وأنه يسَّر للناس فهمَه كما قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر: 22]، وهذا التيسير لا يمكن أن يكون لجيل متأخر دون الجيل المتقدم من السلف.

إن معرفة تفسير السلف أصل أصيل من أصول التفسير، ومن ترك أقوالهم، أو ضعف نظره فيها، فإنه سيصاب بنقص في العلم، وقصور في الوصول إلى الحق في كثير من آيات القرآن.

وإن من استقرأ تاريخ السلف مع كتاب الله؛ وجد تمام عنايتهم بكتاب الله حفظاً وتفسيراً وتدبراً واستنباطاً، كيف لا؟!

وكتاب الله هو العصمة والنجاة، لذا لا تراه خفي على الصحابة شيء من معانيه، ولم يستفصلوا من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فبقي عليهم منه شيء غامضٌ لا يعرفونه.

وكذا الحال بالتابعين، الذين هم أكثر طبقات السلف في التفسير، وعددهم فيه كثير، لقد سألوا عن التفسير، واستفصلوا فيما غمُض عليهم، ولهم في ذلك أقوال، ومن أشهرها ما رواه الطبري بسنده عن الشعبي

قال: والله ما من آية إلا سألت عنها، لكنها الرواية عن الله تعالى.

وروى بسنده عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية وأسأله عنها.

وبقي الحال كذلك في أتباع التابعين الذين كانوا أكثر طبقات السلف تدويناً للتفسير، وجمعاً لما روي عن الصحابة والتابعين، وفي عصرهم ظهر أول مدوَّن كاملٍ في التفسير

وكان لهم أقوال في التفسير، كما كان لهم اختيارات من أقوال من سبقهم، وهذا يعني أن من استقرأ تفسير السلف وجد أنهم قلَّما يتركون آية لا يتكلمون عنها، ويبينون ما فيها من المعاني

سواءٌ اتفقوا في تفسيرهم، أم كان اختلافهم فيه اختلاف تنوع، أو اختلاف تضادٍّ، والتضاد في تفسيرهم قليل.

لكن مما يحسن ذكره هنا أن يعرف المفسر المعاصر أن اجتهاده في التفسير سيكون في أمرين:

الأمر الأول: الاختيار من أقوال المفسرين السابقين.

الأمر الثاني: الإضافة على ما قاله السلف، ولكن يحرص على أن يكون مضيفاً لا ناقضاً ومبطلاً لأقوالهم.

ومثال هذه المسألة في جملة: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ)

من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج: 73]

فهذه الجملة واضحة المعنى من حيث التفسير، لكن المراد بيانه : هو ذلك المسلوب، ما هو؟

والمتقدمون يقولون: وإن يسلب الذباب الآلهة والأوثان شيئاً مما عليها من طيب أو طعام وما أشبهه، لا تقدر الآلهة أن تستنقذ ذلك منه، وقد ورد هذا المعنى

عن جماعة من السلف؛ منهم: عبد الله بن عباس، والسدي الكبير، وابن جريج، وعلى هذا المعنى سار المفسرون خلفاً.

وفي هذا العصر ظهر اكتشاف غريب في الذباب، وهو أنه إذا ابتلع شيئاً من الطعام، فإنه يتحول في جوفه إلى مواد أخرى لا يمكن استرجاعها إلى مادتها الأولية.

وهذا المعنى المذكور ينطبق على الوصف المذكور في الآية، وهو قوله تعالى: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) [الحج: 73]

لكن من الذي لا يستطيع استنقاذه عند من يذهب إلى هذا التفسير؟

سواء أقال: لا تستطيع الآلهة، أو قال: لا يستطيع الناس، فإن الوصف صحيح منطبق على معنى الجملة، لكن السياق في الآلهة وليس في الناس كما ترى.

وهذا القول - إذا قيل به على أنه احتمال ثانٍ - مما تحتمله الآية، فإنه يصح تفسير الآية به على أنه مثال آخر من أمثلة ما لا يستطيعون استنقاذه ، مما يأخذه الذباب، وليس بمبطل لقول السلف.

وتفسير السلف أولى ؛ لأن ما قالوه ظاهر لجميع الناس يدركونه بلا حاجة إلى مختبرات، بخلاف

القول المعاصر الذي لم يره إلا النادر من الناس، ولا يدركه تمام الإدراك إلا القلة منهم، فليس كل الناس عندهم مختبرات يمكنهم أن يروا تحوُّل مادة الطعام التي يأكلها الذباب.

ومع هذا الترجيح يبقى ما قاله المعاصرون قولاً صحيحاً محتملاً يمكن القول به .

لكن القاعدة السليمة في ذلك: أن تثق بمعرفة السلف وتفسيرهم لجميع القرآن، وأنهم لم يخرجوا عن الفهم الصحيح في تفسيرهم، ثم تعرف ما يمكن لمن جاء بعدهم عمله من الاختيار أو الزيادة المقبولة.

وهذا المثال التطبيقي هو المنهج لمن أراد أن يزيد على تفسير السلف، وأن يأتي بجديد من المعاني أو الاستنباطات، فهو لا يترك ما قالوه، ولا يجمد عنده فلا يأتي بجديد.

فإن كل من يقول بقول جديد في تفسير الآية عموماً، وفي التفسير العلمي (أو الإعجاز العلمي) خصوصاً،

فإنه يدخل من هذا الباب، وعليه أن يتبع الضوابط العلمية الصحيحة لمعرفة القول الصحيح من غيره، وستأتي هذه الضوابط.

الضابط الأول: أن يكون القول المفسَّر به صحيحاً في ذاته:

إن كل قول يقال في التفسير يمكن أن يُعلم صحيحه من خطئه، والقول الصحيح تُعلم صحتُه من وجوه:

1 - أن تدلَّ عليه لغة العرب، وذلك في تفسير الألفاظ أو الصيغ أو الأساليب.

وهذا يعني أن تفسير ألفاظ القرآن بمصطلحات علمية سابقة له، أو مصطلحات لاحقة ، لا يصحُّ البتة؛ لأن ألفاظه عربية، وتفسيرها يؤخذ من لسان العرب، ولغة القرآن

لا من هذه المصطلحات، كمن يفسر لفظ الأقطار في قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ) [الرحمن: 33]

بأنه القطر الهندسي، وهو الخط الهندسي المنصِّف للدائرة أو الشكل البيضاوي. والأقطار في اللغة جمع القُطْرُ بالضم، وهو الناحية والجانب، وهو المراد بآية سورة الرحمن.

2 - ألا يخالف مقطوعاً به في الشريعة.

فإن ما لا يوافق الشريعة ، لا يمكن أن تدل عليه آيات القرآن بحال، كمن يفسر العرش أو الكرسي بأحد الكواكب السيارة، وهذا مخالف لما ثبت في الشريعة من كون هذه المخلوقات [

أي : العرش والكرسي ] فوق السموات، وأنها أكبر منها بكثير.

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 16:08
الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث:

ويمكن معرفة ذلك بطرق، منها أن تدلَّ عليه بأي وجهٍ من وجوه الدلالة: مطابقةً أو تضمُّناً أو لزوماً

أو مثالاً لمعنى لفظ عام في الآية، أو جزءاً من معنى لفظ من الألفاظ، أو غير ذلك من الدلالات التي يذكرها العلماء من أصوليين وبلاغيين ولغويين ومفسرين.

وهذا الضابط مهمٌّ للغاية، إذ قد يصحُّ القول من جهة وجوده في الخارج، لكن يقع الخلل في صحة ربطه بالآية

وهذا مجال كبير للاختلاف، بل هو مجال تحقيق المناط في كثير من القضايا التي ثبتت صحتها من جهة الواقع، لكن يقع التنازع في كونها مُرادة في الآية، وهذا الاختلاف لا يصلح أن يكون محطّاً للانتقاص من الأطراف المختلفة.

الضابط الثالث: ألا يبطل قول السلف:

والمراد أن القول المعاصر المبني على العلوم الكونية أو التجريبية ، يُسقطُ قول السلف بالكلية، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الموضوع، وذكرت لك الأصل الأصيل في هذا، وهو مبني على أمور:

الأول: أن تعلم أن تفسير السلف شامل للقرآن كله، ولا يمكن أن يخرج الحق عنهم، أو يخفى عليهم فلا يدركونه، ويدركه المتأخرون.

والمعنى أن كل القرآن كان معلوماً لهم بوجه من الوجوه الصحيحة، وأن ما زاده المتأخرون من الوجوه لا يعني نقص علمهم بالقرآن؛ لأن موجب ذلك القول الذي ظهر للمتأخرين لم يكن موجوداً في عصرهم كي يقال بجهلهم به
.
وعلى هذا فإنه لا يوجد في القرآن ما لم يعلم السلف معناه، ولا يمتنع أن يظهر للمتأخرين وجوه صحيحة من التفسير؛ يجوز القول بها واعتمادها ، ما دامت لا تناقض قول السلف.

الثاني: أن العصمة لمجموعهم، وليست لفرد منهم، لذا يقع الاستدراك في التفسير فيما بينهم

فترى بعضهم يخطِّئ فهم الآخر، ويرد عليه، ولو كان لقول الواحد منهم عصمة ، لما قُبِل تخطيء من خطَّأ منهم، والعصمة للواحد منهم لم يَدَّعها أحد منهم.

الثالث: أن إضافة الأقوال الجديدة الصحيحة التي تحتملها الآية ممكن.

لكن المشكلة هنا إذا كان القول المعاصر مسقطاً لقول السلف بالكلية؛ لأنه يلزم منه أن آية من الآيات لم يُفهم معناها على مرِّ القرون ، حتى ظهر هذا المكتشَف العلمي المعاصر، وهذا اللازم ظاهر البطلان.

الضابط الرابع: ألا يقصر معنى الآية على ما ظهر له من التفسير الحادث:

وهذا الضابط يشير إلى الأسلوب التفسيري الذي يحسن بمن يريد بيان معنى جديد أن يسلكه

لأن الاقتصار على القول الجديد ، اقتصاراً يشعر بصحته وسقوط ما سبقه من الأقوال : يعتبر خطأ في طريقة التفسير.

وبعض هؤلاء لا يحرص على تفسير السلف، ولا على تفهُّمه ودرايته، بل أحسنهم حالاً من يرجع إلى تفاسير المتأخرين وينقل أقوالهم، حتى إنه ينقل أقوال المعاصرين من المفسرين على أنها أقوال المفسرين.

ولا شكَّ أن من يدرس التفسير على أصوله يعلم أن هذا الأسلوب فيه تقصير، لعدم الرجوع إلى تفسير الصحابة والتابعين وأتباعهم أولاً، ثم النظر فيمن وافقهم من المفسرين المتأخرين.

وإن التقصير في معرفة علومهم وأحوالهم كائن فينا نحن المسلمين ، في مجالات متعددة؛ كالتعبد والزهد والمتابعة وغيرها.

فإن قلت: لِمَ تُلزم بذكر أقوال السلف من المفسرين، وعمل الباحث المعاصر يقوم على إثبات ارتباط ذلك المكتشَف المعاصر بالآية؟

فالجواب: أني أطالب بأكثر من ذكر أقوالهم، وذلك بأن يتعرَّف المعاصر على أقوالهم ويفهمها على وجهها؛ لتتحصل له المعرفة بمرتبة القول الحادث على النحو الآتي:

الأول: أن يكون قوله المعاصر مناقضاً لما اتفقوا عليه، فيتوقف في ربطه بين قوله والآية، ولا يتعجل حتى يسأل أ

هل العلم ، ليبينوا له صواب قوله من خطئه، فلا يجترئ على مخالفة الإجماع الذي هو أصل من أصول الدين، فالأمة لا يمكن أن تجمع منذ سالف دهرها على خطأ، ثم يظهر الصواب لشخص في الزمان المتأخر.

الثاني: أن يعرف أقوالهم المختلفة، ويتأمل قوله بينها، هل يدخل في أحد الأقوال، فإن وجد قوله يندرج تحت قول من الأقوال أدرجه تحته، وبيَّن ما زاد على ذلك القول من تفاصيل عنده.

الثالث: أن يكون قوله ـ مع اختلافهم ـ قولاً جديداً، لا يدخل في أحد هذه الأقوال، فينظر إلى صحته في الواقع، ومدى احتمال الآية له، فيقول به على سبيل الإضافة.

وههنا ملحظ مهم قد أشرت إليه، وهو أنه قد يكون القول الذي يقوله صحيحا في ذاته، لكن الخطأ الذي يقع : في صحة دلالة الآية عليه، فتراه يتعسَّف في حمل الآية عليه، ويجعله تفسيراً لها، وهو ليس كذلك،

إذ لا يلزم أن يكون كل قول صحيح في هذه المكتشفات المعاصرة ، أن يوجد ما يشهد لها من الآية، فتفسَّر به، وهذا أمر مهم للغاية"

انتهى باختصار من "الإعجاز العلمي إلى أين" (ص109-159) .

والخلاصة : أن مراد السائل من "تعديل التفسير" إن كان هو التحرير والإضافة والتحقيق فهذا جهد كبير ومأجور، ولكن بشرط القيام به بحقه الذي هو الالتزام بقواعد التفسير وضوابطه المؤسسة لهذا العلم الكبير ،

ثم أن يكون القائم به من أهل العلم المؤهلين لذلك المقام ، والذين استكملوا أدواته ، لا الأدعياء الجهال ؛ فما أحراهم بالخطأ والزلل ، وما أحراهم بالوعيد فيمن فسر القرآن برأيه المجرد ، وأتبعه هواه .

ينظر للفائدة هذا الرابط

http://almunajjid.com/295

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 16:14
التعريف بكتاب زاد المسير في علم التفسير .

السؤال

لو سمحت نريد نبذة عن تفسير ابن الجوزي " زاد المسير في علم التفسير " ومكانته بين كتب التفاسير ، وهل صحيح أن فيه بعض الوهم في نسبة الأقوال ؟

الجواب

الحمد لله

أولًا: التعريف بالكتاب ومؤلفه

كتاب "زاد المسير في علم التفسير" للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي الواعظ، المتوفى (597ه)

يعد اختصارًا من كتاب آخر له ، أسماه "المغني في التفسير" انظر : زاد المسير: (4/ 511).

وكان الإمام ابن الجوزي علمًا في التفسير كما قال الموفق عبد اللطيف: "كان ابن الجوزي ... في التفسير من الأعيان" . انتهى ، من طبقات المفسرين، للداودي: (1/ 280).

وقد دفعه إلى تأليف هذا الكتاب ما ذكره هو عن نفسه في المقدمة قائلًا: "لمّا كان القرآن العزيز أشرف العلوم

كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، وإني نظرت في جملة من كتب التفسير

فوجدتها بين كبير قد يئس الحافظ منه، وصغير لا يستفاد كل المقصود منه، والمتوسّط منها قليل الفوائد

عديم الترتيب، وربما أهمل فيه المشكل، وشرح غير الغريب، فأتيتك بهذا المختصر اليسير، منطويا على العلم الغزير، ووسمته بـ "زاد المسير في علم التفسير".

وقد بالغت في اختصار لفظه، فاجتهد - وفّقك الله- في حفظه، والله المعين على تحقيقه، فما زال جائدا بتوفيقه"، (1/ 11).

ثانيًا: مميزات الكتاب، وقيمته بين الكتب

وقد أراد الإمام ابن الجوزي تحقيق عدة أمور بتأليف هذا الكتاب، من أهمها:

1- الوفاء بتفسير الآية، بحيث لا يحتاج الناظر في كتابه إلى مطالعة كتب أخرى .

2- ذكر أمور متعلقة بعلوم القرآن، كالناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، وغير ذلك .

3- انتقاء أحسن التفاسير، وأخذ الأصح والأحسن ، ونظمه في عبارة مختصرة .

4- الاعتناء بالقراءات وتوجيهها .

5- ترك الأسانيد .

وهو في هذا يتوافق مع كتاب آخر لإمام آخر، وهو كتاب: "النكت والعيون" للإمام الماوردي رحمه الله، غير أن كتاب ابن الجوزي أصح نقلًا، وأكثر تحريرًا .

وقد نبه الإمام ابن الجوزي في مقدمة كتابه على ما قد يقع للناظر في كتابه من وجود كلمة أو آية لم تفسر

فقال: "فإذا رأيت في فرش الآيات ما لم يذكر تفسيره، فهو لا يخلو من أمرين: إِما أن يكون قد سبق، وإِما أن يكون ظاهرا لا يحتاج إلى تفسير" (1/14).

وللكتاب قيمة علمية بين المشتغلين بعلم التفسير، وهو أحد الكتب التي كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعتمد عليها في استظهار أقوال الناس في التفسير .

والكتاب قد جمع ما يحتاج إليه طالب العلم من معرفة الأقوال في الآية، ومعرفة الناسخ والمنسوخ فيها، ومعرفة جملة من الأحكام، مع مراعاة قول الحنابلة في ذلك، ومعرفة ما في الآية من قصص

... مما لا يخلو منه تفسير، ومن كانت له عناية بمعرفة أقوال السلف في التفسير على وجه الإيجاز والسرعة، فإنه يمكنه الاعتماد على هذا التفسير .

يقول الدكتور عبدالله الجديع: "هذا الكتاب يعتمد على الأثر واللّغة وبعض الرّأي، ويسوق الأقوال في ذلك بأحسن سياقة وأخصرها، كما يعتني باختلاف القراءات وتوجيهها، حتّى الشّاذّة منها

كذلك يذكر أسباب النّزول والمكّيّ والمدنيّ، والنّسخ، وتوضيح المشكل، جميع ذلك بعبارة سهلة وعرض ممتع، ويقلّ جدّا أن يذكر شيئا غير معزوّ لأحد،

وإذا علّق بشيء من قبل نفسه أتى بأتمّ معنى وأخصر عبارة، غير أنّه لما قصد إليه من الاختصار فإنّه لا يذكر الأسانيد"، المقدمات الأساسية في علوم القرآن: (330).

ويقول الدكتور محمد بن عبد الرحمن عبد الله في مقدمة تحقيقه للكتاب: "زاد المسير في علم التفسير أحد أهم الكتب التي صنفها ابن الجوزي وقد نيفت على الثلاثمائة مصنف

بل هو من أهم كتب التفسير للقرآن الكريم، فقد عمد ابن الجوزي حين عقد النية على تأليفه إلى كتب الذين سبقوه في التفسير فقرأها وأشبعها دراسة، وإلى العلوم المساعدة للمفسر ، ليلم بموضوعه تمام الإلمام

ورأى من خلال هذه الدراسة لمؤلفات السلف أن المفسرين قبله قد وقعوا في كثير التطويل تارة،

والتقصير طورا، فاستفاد من الثغرات التي كانت في تفاسيرهم وألف تفسيره هذا مخلّصًا إياه من التطويل الممل، ومن الاختصار المخل".

ثالثًا: ما يؤخذ على الكتاب

ومع ذلك فإن الكتاب لا يخلو - كما هو حال البشر - من النقص والمؤاخذات، ومما يمكن أن نذكره في هذا المقام:
1- أن الإمام رحمه الله قد اضطرب في باب الأسماء والصفات

كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية قائلًا: " ... أن أبا الفرج نفسه متناقض في هذا الباب: لم يثبت على قدم النفي ولا على قدم الإثبات؛ بل له من الكلام في الإثبات نظمًا ونثرًا ما أثبت به كثيرًا من الصفات التي أنكرها ..

.. فهو في هذا الباب مثل كثير من الخائضين في هذا الباب من أنواع الناس ؛ يثبتون تارة ، وينفون أخرى ، في مواضع كثيرة من الصفات، كما هو حال أبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي"

مجموع الفتاوى: (4/ 169).

2- ذكره لبعض الأحاديث المنكرة دون تنبيه .

3- اقتصاره - غالبًا - على حكاية الأقوال دون ترجيح .

وهذه المؤاخذات لا تقلل من قيمة الكتاب، ولا تقلل من أهميته بين كتب التفسير .

بقي لنا أن نشير إلى أن الكتاب قد نشر عدة نشرات، من أهمها:

1- نشرة المكتب الإسلامي بتحقيق الأستاذ زهير الشاويش رحمه الله، وتعد من أهم نشرات الكتاب .

2- نشرة دار الفكر، وهي في ثمان مجلدات، وتتميز عن طبعة المكتب الإسلامي برجوعها إلى نسخة محفوظة في الأزهرية، وفيها زيادات على نسخة المكتب الإسلامي .

3- نشرة دار الكتاب العربي بتحقيق عبد الرزاق المهدي .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 16:16
هل يترك قراءة القرآن اكتفاءاً بقراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات؟

السؤال

إذا كانت قراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات تعادل ثواب قراءة القرآن فهل على المسلم إثم إذا ترك تلاوة القرآن اكتفاء بقراءة هذه السورة؟

الجواب

الحمد لله

"ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدين النصيحة) ثلاثا، فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) .

والنصيحة لكتاب الله تعالى تكون بتلاوته ، وتدبر آياته ، والاتعاظ بمواعظه

والوقوف عند حدوده ، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولا شك أن الاكتفاء بقراءة سورة الإخلاص دون سائر كتاب الله لا يتفق مع النصيحة لكتاب الله

ولا يتأتى لمن يكتفي بذلك النصح لنفسه بما يحصل له من تلاوة كتاب الله من الأجر والمثوبة، وزيادة الإيمان، ومعرفة الأحكام من الحلال والحرام، والواجب والمسنون والمكروه، والتأدب بآداب القرآن

والتخلق بأخلاقه، وكفى بانتقاص العبد هذه الأمور زاجرا عن ترك تلاوة كتاب الله، والرسول صلى الله عليه وسلم مع علمه بفضل هذه السورة

وإخباره بأنها تعدل ثلث القرآن ، وزيادة حرصه على عظم الأجر والثواب، لم يقتصر على تلاوة هذه السورة، بل كان يداوم على تلاوة سائر كتاب الله

وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21 .

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن منيع .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (4/29-30) .

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 16:19
عقيدة السلف في القرآن الكريم

السؤال

نود أن نعرف عقيدة السلف في القرآن الكريم؟

الجواب

الحمد لله

" عقيدة السلف في القرآن الكريم كعقيدتهم في سائر أسماء الله وصفاته ، وهي عقيدة مبنية على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

وكلنا يعلم أن الله سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بأنه كلامه ، وأنه منزل من عنده

قال تعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) التوبة/6

والمراد بلا ريب بكلام الله هنا القرآن الكريم ، وقال تعالى: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) النمل/76 ، فالقرآن كلام الله تعالى لفظاً ومعنىً

تكلم الله به حقيقة ، وألقاه إلى جبريل الأمين ، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين .

ويعتقد السلف أن القرآن منزل ، نزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم منجماً ، أي : مفرقاً ، في ثلاث وعشرين سنة حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل .

ثم إن النزول يكون ابتدائياً ، ويكون سببياً ، بمعنى : أن بعضه ينزل لسبب معين اقتضى نزوله

وبعضه ينزل بغير سبب ، وبعضه ينزل في حكاية حال مضت للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وبعضه ينزل في أحكام شرعية ابتدائية على حسب ما ذكره أهل العلم في هذا الباب .

ثم إن السلف يقولون : إن القرآن من عند الله ابتداءً وإليه يعود في آخر الزمان ، هذا قول السلف في القرآن الكريم .
ولا يخفى علينا أن الله تعالى وصف القرآن الكريم بأوصاف عظيمة ، وصفه بأنه حكيم

وبأنه كريم ، وبأنه عظيم ، وبأنه مجيد ، وهذه الأوصاف التي وصف الله بها كلامه تكون لمن تمسك بهذا الكتاب ، وعمل به ظاهراً وباطناً ، فإن الله تعالى يجعل له من المجد ، والعظمة ، والحكمة

والعزة ، والسلطان ، ما لا يكون لمن لم يتمسك بكتاب الله عز وجل ، ولهذا أدعو من هذا المنبر جميع المسلمين حكاما ًومحكومين ، علماء وعامة إلى التمسك بكتاب الله عز وجل ظاهراً وباطناً

حتى تكون لهم العزة ، والسعادة ، والمجد ، والظهور في مشارق الأرض ومغاربها " انتهى .

فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .

"فتاوى كبار علماء الأمة" ص (45) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 16:22
هل تغيير الراديو من القرآن إلى الأخبار يعتبر إعراضاً عن سماع القرآن ؟

السؤال

أثناء السير بالسيارة أو الجلوس بالمنزل كثيراً ما نسمع آيات القرآن الكريم تتلى

ولكن يكون الإنسان في حاجة إلى استماع شيء آخر مثل الأخبار أو قراءة الجريدة ، فهل إقفال الراديو أو غيره لغرض استماع الأخبار أو قراءة الصحف يعتبر إعراضاً عن ذكر الله ، وما هو الحل في مثل ذلك ؟

الجواب

الحمد لله

" لا حرج من سماع الأخبار وقراءة الصحف بدلاً من فتح الإذاعة على القرآن ؛ لأن كل شيء له وقته

ولا يتضمن ذلك الإعراض عن القرآن ولا هجره إذا كان للمؤمن أوقات أخرى يقرأ فيها القرآن أو يستمع فيها إذاعة القرآن.

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (4/103) .

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 16:24
حكم المساجلة بآيات القرآن الكريم

السؤال

ما حكم المساجلة بآيات القرآن الكريم من أجل تذكار آيات القرآن الكريم وملئ الوقت بشيء مفيد ، وليس المقصود امتهان آيات الله تعالى .

الجواب

الحمد لله

لا حرج في استعمال الوسائل المعينة على حفظ وإتقان القرآن الكريم ، كالمسابقات ، واختبار الحفاظ ، والعناية بالمتشابهات ، بل ذلك من الأمور المستحبة ، لما فيها من تثبيت الحفظ وتقويته والإعانة عليه .

ويدخل في ذلك ما يسمى بالمساجلات ، بأن تتلى على الحافظ آية ، ثم يطلب منه أن يأتي بآية تبدأ بالحرف الذي ختمت به تلك الآية .

والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 16:28
ما سر العدد 7 ومضاعفاته في القرآن الكريم والسنة النبوية؟

السؤال

ما سر العدد 7 ومضاعفاته في القرآن والحديث ؟

الجواب

الحمد لله

لا شك أن القرآن معجز ، وأن أوجه إعجازه كثيرة , فمنها : الإعجاز البياني , والإعجاز التشريعي ,

والإعجاز الغيبي , وغير ذلك , وأن تحديه للإنس والجن أن يأتوا بمثله ما زال موجودا

قال الله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء/88 .

وقد تعرض ابن القيم رحمه الله في كتابه "زاد المعاد في هدى خير العباد" (4/90) للعدد سبعة عند كلامه على حديث الصحيحين : (من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) فقال

: وأما خاصية السبع فإنها وقعت قَدَراً وشرعاً ، فخلق الله عز وجل السموات سبعا ، والأرضين سبعا ، والأيام سبعا ، والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار، وشرع الله لعباده الطواف سبعا

والسعي بين الصفا والمروة سبعا ، ورمي الجمار سبعا سبعا ، وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى،

وقال صلى الله عليه وسلم: (مروهم بالصلاة لسبع) وإذا صار للغلام سبعُ سنين خُيِّر بين أبويه في رواية ، وفى رواية أخرى : أبوه أحق به من أمه وفى ثالثة : أمه أحق به

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب ، وسخَّر الله الريح على قوم عاد سبع ليال ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع يوسف

-أي سبع سنوات من الجدب - ومَثَّل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا، والسنين التي زرعوها سبعا

وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفا .

ثم عَلَّق ابن القيم قائلا : فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره ، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه ، فإن العدد شفع ووتر، والشفع أول وثان ، والوتر كذلك ، فهذه أربعة مراتب

شفع أول وثان ، ووتر أول وثان ، ولا تجتمع هذه المراتب فى أقل من سبعة ، وهى عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة ، ثم قال :

والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقَدَره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره" انتهى .

وعلى هذا ؛ فالصواب التوقف عن الخوض في علة تخصيص هذا العدد بالذكر إلا بدليل صحيح صريح .

ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال القادم

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-29, 16:34
كلمة حول الإعجاز العددي في القرآن واستعمال التقويم الشمسي

السؤال

قرأت مؤخرا عن بعض " معجزات " القرآن الكريم ، التي شملت العديد من الأشياء مثل المراحل الثلاثة للجنين

ومدارات الكواكب ، .. الخ ، إلا أن إحداها تحدثت عن أن كلمة " يوم " وردت في القرآن 365 مرة ، وأن كلمة " قمر " تكررت 12 مرة ، وقد نسيت عدد المرات التي تكرر ذكر كلمة "

أيام " في القرآن ، وقد قام أحد الأصدقاء بطباعة التقويم الإسلامي ( الهجري ) لكنه لم يكن يتكون من 365 يوماً ، فما معنى ذلك حول التقويم الإسلامي ؟ أيعني ذلك أنه غير دقيق ؟

أم أن الله علم أن أغلب العالم سيستخدمون التقويم الميلادي وأنه إشارة إلى صحة هذا التقويم الأخير ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

شُغف كثير من الناس بأنواع من الإعجازات في القرآن الكريم ، ومن هذه الأنواع " الإعجاز العددي " فنشروا في الصحف والمجلات وشبكات الإنترنت قوائم بألفاظ تكررت مرات تتناسب مع لفظها

أو تساوى عددها مع ما يضادها ، كما زعموا في تكرار لفظة " يوم " ( 365 ) مرة ، ولفظ " شهر " ( 12 ) مرة

وهكذا فعلوا في ألفاظ أخرى نحو " الملائكة والشياطين " و " الدنيا والآخرة " إلخ .

وقد ظنَّ كثيرٌ من الناس صحة هذه التكرارات وظنوا أن هذا من إعجاز القرآن ، ولم يفرقوا بين " اللطيفة " و " الإعجاز " ، فتأليف كتابٍ يحتوي على عدد معيَّن من ألفاظٍ معيَّنة أمرٌ يستطيعه كل أحدٍ

فأين الإعجاز في هذا ؟

والإعجاز الذي في كتاب الله تعالى ليس هو مثل هذه اللطائف ، بل هو أمر أعمق وأجل من هذا بكثير

وهو الذي أعجز فصحاء العرب وبلغاءهم أن يأتوا بمثل القرآن أو بعشر سورٍ مثله أو بسورة واحدة ، وليس مثل هذه اللطائف التي يمكن لأي كاتب أن يفعلها – بل وأكثر منها – في كتاب يؤلفه ، فلينتبه لهذا .

وليُعلم أنه قد جرَّ هذا الفعل بعض أولئك إلى ما هو أكثر من مجرد الإحصائيات ، فراح بعضهم يحدد بتلك الأرقام " زوال دولة إسرائيل " وتعدى آخر إلى " تحديد يوم القيامة "

ومن آخر ما افتروه على كتاب الله تعالى ما نشروه من أن القرآن فيه إشارة إلى " تفجيرات أبراج نيويورك " ! من خلال رقم آية التوبة وسورتها وجزئها ، وكل ذلك من العبث في كتاب الله تعالى

والذي كان سببه الجهل بحقيقة إعجاز كتاب الله تعالى .

ثانياً :

بالتدقيق في إحصائيات أولئك الذين نشروا تلك الأرقام وُجد أنهم لم يصيبوا في عدِّهم لبعض الألفاظ ، ووجدت الانتقائية من بعضهم في عدِّ الكلمة بالطريقة التي يهواها

وكل هذا من أجل أن يصلوا إلى أمرٍ أرادوه وظنوه في كتاب الله تعالى .

قال الشيخ الدكتور خالد السبت :

قدَّم الدكتور " أشرف عبد الرزاق قطنة " دراسة نقدية على الإعجاز العددي في القرآن الكريم ، وأخرجه في كتاب بعنوان : " رسم المصحف والإعجاز العددي

دراسة نقدية في كتب الإعجاز العددي في القرآن الكريم " وخلص في خاتمة الكتاب الذي استعرض فيه ثلاثة كتب هي (1) كتاب " إعجاز الرقم 19 " لمؤلفه باسم جرار ، (2) كتاب

" الإعجاز العددي في القرآن " لعبد الرزاق نوفل ، (3) كتاب " المعجزة " لمؤلفه عدنان الرفاعي ، وخلص المؤلف إلى نتيجة عبَّر عنها بقوله :

" وصلت بنتيجة دراستي إلى أن فكرة الإعجاز العددي " كما عرضتها هذه الكتب " غير صحيحة على الإطلاق

وأن هذه الكتب تقوم باعتماد شروط توجيهية حيناً وانتقائية حيناً آخر ، من أجل إثبات صحة وجهة نظر بشكل يسوق القارئ إلى النتائج المحددة سلفاً

وقد أدت هذه الشروط التوجيهية أحياناً إلى الخروج على ما هو ثابت بإجماع الأمة ، كمخالفة الرسم العثماني للمصاحف ، وهذا ما لا يجوز أبداً ، وإلى اعتماد رسم بعض الكلمات

كما وردت في أحد المصاحف دون الأخذ بعين الاعتبار رسمها في المصاحف الأخرى ، وأدت كذلك إلى مخالفة مبادئ اللغة العربية من حيث تحديد مرادفات الكلمات وأضدادها .

( ص 197 ) دمشق ، منار للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1420هـ / 1999 .

وقد ذكر الدكتور فهد الرومي أمثله على اختيار الدكتور عبد الرزاق نوفل الانتقائي للكلمات حتى يستقيم له التوازن العددي ، ومن ذلك قوله : إن لفظ اليوم ورد في القرآن ( 365 ) مرة بعدد أيام السنة

وقد جمع لإثبات هذا لفظي " اليوم " ، " يوماً " وترك " يومكم " و " يومهم " و " يومئذ "

لأنه لو فعل لاختلف الحساب عليه ! وكذلك الحال في لفظ " الاستعاذة " من الشيطان ذكر أنه تكرر ( 11 ) مرة ، يدخلون في الإحصاء كلمتي " أعوذ " و " فاستعذ " دون " عذت " و " يعوذون " و " أعيذها " و " معاذ الله " .

انظر : " اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر " ( 2 / 699 ، 700 ) بيروت ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثانية 1414هـ .
وبهذا الكلام العلمي المتين يتبيَّن الجواب عن كلمة " يوم " وعددها في القرآن الكريم ، والذي جاء في السؤال .

ثالثاً :

وأما الحساب الذي يذكره الله تعالى في كتابه الكريم فهو الحساب الدقيق الذي لا يختلف على مدى السنوات ، وهو الحساب القمري .

وفي قوله تعالى : ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ) الكهف/25 ذكر بعض العلماء أن عدد ( 300 ) هو للحساب الشمسي

وأن عدد ( 309 ) هو للحساب القمري ! وقد ردَّ على هذا القول الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، وبيَّن في ردِّه أن الحساب عند الله تعالى هو الحساب القمري لا الشمسي .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" ( وَازْدَادُوا تِسْعاً ) ازدادوا على الثلاث مائة تسع سنين ، فكان مكثُهم ثلاث مائة وتسع سنين ، قد يقول قائل : " لماذا لم يقل مائة وتسع سنين ؟ "

فالجواب : هذا بمعنى هذا ، لكن القرآن العظيم أبلغ كتاب ، فمن أجل تناسب رؤوس الآيات قال : ( ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ) ، وليس كما قال بعضهم بأن السنين الثلاثمائة بالشمسية

وازدادوا تسعاً بالقمرية ؛ فإنه لا يمكن أن نشهد على الله بأنه أراد هذا

مَن الذي يشهد على الله أنه أراد هذا المعنى ؟ حتى لو وافق أن ثلاث مائة سنين شمسية هي ثلاث مائة وتسع سنين بالقمرية فلا يمكن أن نشهد على الله بهذا ؛ لأن الحساب عند الله تعالى واحد .

وما هي العلامات التي يكون بها الحساب عند الله ؟

الجواب : هي الأهلَّة ، ولهذا نقول : إن القول بأن " ثلاث مائة سنين " شمسية ، ( وازدادوا تسعاً ) قمرية قول ضعيف .

أولاً : لأنه لا يمكن أن نشهد على الله أنه أراد هذا .

ثانياً : أن عدة الشهور والسنوات عند الله بالأهلة ، قال تعالى : ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) يونس/5

وقال تعالى : ( يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) البقرة/189 " انتهى .

" تفسير سورة الكهف " .

والحساب بالقمر والأهلة هو المعروف عند الأنبياء وأقوامهم ، ولم يُعرف الحساب بالشمس إلا عند جهلة أتباع الديانات ، وللأسف وافقهم كثير من المسلمين اليوم .

قال الدكتور خالد السبت – في معرض رده على من استدل بآية ( لا يزال بنيانهم .. ) في سورة التوبة على تفجيرات أمريكا - :

" الخامس : أن مبنى هذه الارتباطات على الحساب الشمسي ، وهو حساب متوارث عن أُمم وثنية ، ولم يكن معتبراً لدى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

وإنما الحساب المعتبر في الشرع هو الحساب بالقمر والأهلة ، وهو الأدق والأضبط ، ومما يدل على أن المعروف في شرائع الأنبياء هو الحساب بالقمر والأهلة حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال : ( أُنْزِلَتْ صُحُفُ ‏‏إِبْرَاهِيمَ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏‏فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ

وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) أخرجه أحمد (4/107) ، والبيهقي في " السنن " (9/188) ، وسنده حسن ، وذكره الألباني في " الصحيحة " (1575 )

. وهذا لا يعرف إلا إذا كان الحساب بالقمر والأهلة ، ويدل عليه أيضا الحديث المخرج في الصحيحين ‏عَنْ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏‏قَالَ : ‏ قَدِمَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏الْمَدِينَةَ ‏فَرَأَى ‏‏الْيَهُودَ ‏‏تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ

فَقَالَ :‏ ‏مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ ‏‏بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏‏مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ ‏‏مُوسَى ... الحديث , أخرجه البخاري ( 2004 ) ومسلم ( 1130 ) ، وقد صرَّح الحافظ رحمه الله أنهم كانوا لا يعتبرون الحساب بالشمس

- انظر : " الفتح " (4/291) ، وانظر ( 7/323 ) - .

وقال ابن القيم رحمه الله - تعليقا على قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ) يونس/5

وقوله تعالى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) يس/38 ، 39 :

" ولذلك كان الحساب القمري أشهر وأعرف عند الأمم وأبعد من الغلط ، وأصح للضبط من الحساب الشمسي ، ويشترك فيه الناس دون الحساب

ولهذا قال تعالى : ( وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) يونس/5 ولم يقل ذلك في الشمس

ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره حكمة من الله ورحمة وحفظا لدينه لاشتراك الناس في هذا الحساب ، وتعذر الغلط والخطأ فيه

فلا يدخل في الدين من الاختلاف والتخليط ما دخل في دين أهل الكتاب "

انتهى من "مفتاح دار السعادة " ص 538 ، 539 .

وربما يُفهم من العبارة الأخيرة لابن القيم رحمه الله أن أهل الكتاب كانوا يعتمدون الحساب بالشمس ، وهذا قد صرح الحافظ ابن حجر رحمه الله بردِّه بعد أن نسبه لابن القيم -

انظر : " الفتح " (7/323 ) – .

والواقع أنه لم يكن معتبراً في شرعهم وإنما وقع لهم بعد ذلك لدى جهلتهم " انتهى .

وفي فوائد قوله تعالى : ( يسئلونك عن الأهلة ... ) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ومنها : أن ميقات الأمم كلها الميقات الذي وضعه الله لهم - وهو الأهلة - فهو الميقات العالمي ؛ لقوله تعالى : ( مواقيت للناس ) ؛ وأما ما حدث أخيراً من التوقيت بالأشهر الإفرنجية

: فلا أصل له من محسوس ، ولا معقول ، ولا مشروع ؛ ولهذا تجد بعض الشهور ثمانية وعشرين يوماً ، وبعضها ثلاثين يوماً ، وبعضها واحداً وثلاثين يوماً ، من غير أن يكون سبب معلوم أوجب هذا الفرق

ثم إنه ليس لهذه الأشهر علامة حسيَّة يرجع الناس إليها في تحديد أوقاتهم ، بخلاف الأشهر الهلاليَّة فإن لها علامة حسيَّة يعرفها كل أحدٍ " انتهى .

" تفسير البقرة " ( 2 / 371 ) .

وقال القرطبي رحمه الله تعليقاً على قوله تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ) التوبة/36 :

" هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام في العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهراً

لأنها مختلفة الأعداد ، منها ما يزيد على ثلاثين ، ومنها ما ينقص ، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين

وإن كان منها ما ينقص ، والذي ينقص ليس يتعين له شهر وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج " انتهى .

" تفسير القرطبي " ( 8 /133 ) .

والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-01-31, 14:41
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


يسأل عن إعادة تفسير القرآن والسنة ليناسب العصر

السؤال

يزعم الكثير من الناس أنه يجوز لهم تفسير القرآن والسنة لتناسب مجتمعاتنا اليوم ، وحجتهم في ذلك أن الزمان تغير، فنحن لم نعد نركب الخيل والجمال ، ولدينا وسائل تكنولوجيا متقدمة ، فكيف يكون الرد عليهم؟

الجواب

الحمد لله

دعوى تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية بما يتناسب مع عصرنا وزماننا تنطوي في داخلها على صواب وخطأ

وبعبارة أخرى تحتمل فهما صحيحا، وتحتمل فهما خاطئا، وذلك بحسب مراد السائل منها، وبحسب ما شحنت به هذه العبارة ونحوها من الأغراض الأصيلة أو المستوردة.

فإذا كان المقصود إعادة تفسير الثوابت والمحكمات بما يخرجها عن أصالتها وقطعيتها

ويقلب معانيها ومقاصدها إلى تفسير رغائبي مضطرب باضطراب آراء الناس وأفكارهم، فهذا مقصد باطل ولا شك، لا يتوقف عند إلغاء النص القرآني ونورانيته فحسب، بل يتجاوز إلى إلغاء العقل الذي نعي به ونعقل ما نقرأ

وما نسمع.

ذلك أن اللغة العاقلة التي ركبت في البشر جميعا – كل بحسب بيئته –

هي ناقل أمين للمقاصد والمعاني، وأساس حي للتواصل والتفاهم. وهذا شأن مستقر في عقول الناس وقلوبهم، من سمع منهم ثناء من أحد، أو قدحا، أو ذما، أو أمرا، أو نهيا، واضح العبارة، جلي الإشارة

فإن من الجنون أن يَعكِسَ فهمَه لتلك المقامات اللغوية، فيغير قراءتها بما يتناسب وبيئته، بزعمه ، فيجعل الثناء ذما، والأمر نهيا، والخبر خيالا، ونحو ذلك من الفهم المتردي في دركات الضياع الحقيقي!

فلماذا يلجأ هؤلاء لمثل هذا التصرف بالقرآن الكريم أو السنة المطهرة! وهم يعلمون أن مقاصد القرآن الأساسية نصيَّة واضحة، لا تنقضها أوهام الاحتمالات، ولا تغيرها اجتهادات المغرضين.

يقول الله عز وجل: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) الرعد/ 37.

وقال تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الزمر/ 27، 28 .

والعلم والهداية التي نزل بها القرآن الكريم والسنة المطهرة ، هي هداية الثوابت الكبرى

والمقاصد العليا، التي تعرف الإنسان بأسباب وجوده، وغاية خلقه، وحقيقة علاقته بخالقه جل وعلا، وما وراء الموت من بعث وحساب، وتبين للناس طريق الفضيلة

ونور الأخلاق والقيم النبيلة، ومقاصد الشريعة التي تحفظ على الناس ضروراتهم وحاجاتهم، وتسوق قصص الرسل والأنبياء الذين حملوا مشاعل الأنوار في حكاية البشرية كلها

وتضرب الأمثال بما قدموا من التضحيات، وما تعرضوا له من مواقف الأمم والشعوب، لتكون فيها العظة

والعبرة لجميع الأجيال، كي لا تضل البشرية عن غاية وجودها الذي يختصره قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/ 2 .

ومن حق جميع الناس أن يتساءلوا في هذا المقام: ما الذي سيتغير في هذه الثوابت العظمى مع تغير الزمان والمكان!
وكيف يمكن قلب هذه المقاصد الكلية لتناسب عصرنا وحاضرنا

وهي في مادتها وصورتها وحقيقتها قيم ثابتة أصيلة لا تبدلها الأزمان ، ولا الأمكنة، ولا الأحوال. بل كانت ثابتة مستقرة في شرائع جميع الرسل والأنبياء ، وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

"ومعنى ذلك أنَّ ما تضمنته النُّصوصُ الشَّرعيَّةُ من أوامر ونواه إنَّما كانت موجَّهةً إلى الناس الموجودين

في زمن نزول الوحي، أو كانت حالُهم تشبه حالَ مَن نزل عليهم القرآن؛ وأمَّا مَن جاء بعدَهم وعاش واقعًا غيرَ واقعهم فلا يشمله النَّصُّ الشَّرعيُّ.

فإذا تغيرت أوضاع الناس في مجمل حياتهم – كما هو الأمر في حياة الناس اليوم –

فإنَّ تلك الأحكامَ التي يتضمَّنها النَّصُّ ليست متعلِّقةً بهم أمرًا ونهيًا، ولهم أن يتديَّنوا فهمًا وتطبيقًا بخلافها؛ معتبرين أنَّ ذلك هو الدِّين الصَّحيح في حقِّهم، كما كانت تلك الأحكام هي الدِّين الصَّحيح في حقِّ المخاطبين زمنَ النُّزول.

يقولُ أحدُهم: موقفُ القرآن الكريم من المرأة كان موقفًا في عصر معيَّن، ووضعت تلك القواعدُ لعصر معيَّن

ومن الممكن جدًّا أنَّ مثلَ هذه الأشياء قد لا يَسمح العصر الذي نعيش فيه بتطبيقها. [حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص102]

وقال آخرُ: ونحنُ نعرف أنَّ النُّصوصَ القديمةَ ليست مقطوعةَ الصِّلة بالمجتمعات القديمة، وأنَّ نظامَ الحكم ومكانةَ المرأة وحقوقَ الإنسان وواجباته

وعلاقةَ الدِّين بالسُّلطة في هذه النُّصوص تعبير عن واقع قديم لم يعدّ موجودًا ولم نعدّ في حاجة إليه.

ويرى بعضُهم أنَّ ما فُرض من تفاصيل العبادات والمعاملات هو أثرٌ لمقتضيات البيئة الحجازيَّة البسيطة في عصر الرَّسول صلى الله عليه وسلم دون غيرها من البيئات [الإسلام بين الرسالة والتاريخ لعبد المجيد الشرفي ص61]؛

فالإنسانُ اليومَ في حلٍّ من تلك الفروض بمقتضى أوضاعه الجديدة، والخطاب القرآنيّ بصيغة (يا أيُّها النَّاس)، المقصود بالنَّاس هنا الجماعة الأولى التي كانت تحيطُ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، والتي سمعت القرآن من فَمه لأَوَّل مرَّة.

[الفكر الأصولي لأركون، ص30]

ويقولُ أحدُهم: كذلك من الملائم هنا إعادةُ النَّظَر ببعض التَّشريعات الفقهيَّة الملازمة لزمانها

والتي لا يمكن تصوُّر تطبيقها حاليًا بعد تطوُّر الفكر السِّياسيِّ العالميِّ، وعلى رأسها ما يعرف بـ [فقه أهل الذِّمَّة]... فلا مجالَ لإعمال مثل هذا الفقه المرتبط بظروف سالفة.

ويطالب بـ إعادة النَّظَر ببعض التَّشريعات الفقهيَّة الاقتصاديَّة التي كان تشريعُها ملازمًا لواقعها الاجتماعيِّ المختلف كليَّةً عن واقعنا المعاصر، ويأتي على رأسها ما يتعلَّق بعمليَّات البنوك التي تمثِّل عصبَ الاقتصاد المعاصر؛

مثل العوائد على رؤوس الأموال المقرضة والتي كان الهدفُ من تحريمها آنذاك حمايةَ الضُّعفاء والمحتاجين من أن تُسْتَغَلَّ حاجتُهم إلى الأموال لتمويل قُوتهم اليوميّ؛ فتتراكم عليهم الدُّيون ويستولي المقرضون على بيوتهم ومزارعهم.

وأحكامُ الحدود إنَّما أَمْلَتْها الظُّروفُ التي كان عليها المجتمعُ آنذاك؛ حيث كان المجتمعُ بدائيًّا ليس فيه دولةٌ تقوم على استتباب الأمن؛ وإنَّما يتواثب فيه الناس بعضُهم على بعضهم للانتقام؛ فتكون إقامةُ الحدود:

أقلَّ الحلول شرًّا، وأدناها مَضَرَّةً؛ لأنَّها على ما فيها من وحشية تمثِّل وقايةً لمجتمع تلك الفترة ممَّا هو أسوأُ وأعنفُ وأكثرُ فظاعةً.

[الإسلام والحرية الالتباس التاريخي، محمد الشرفي، ص89] .

والحجاب لم يَعُدْ ملائمًا للعصر بزعمهم ، ولا لمكانة المرأة وتحرُّرها، واقتحامها لكافَّة مجالات الحياة العامَّة من مدارس وجامعات ومعامل وإدارات

وتجارات. بل حتى العبادات قابلة للتَّغيير في هذا العصر؛ فطريقةُ العبادة التي التزمها المسلمون زمنَ نزول القرآن ليست ملزمةً لمن يأتي بعدهم إذا ما تغيَّرت ظروف الحياة؛ بل يمكنهم

أن يأتوا من هذه العبادات بما يلائم ظروفَهم الجديدةَ.

فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم - على سبيل المثال - يؤدِّي صلاتَه على نحو معين، إلا أنَّ ذلك لا يَعني أنَّ

المسلمين مضطَّرُّون في كلِّ الأماكن والأزمنة والظُّروف للالتزام بذلك النحو. [الإسلام بين الرسالة والتاريخ، عبد المجيد الشرفي (62-63)]

وبناءً على هذا المبدأ ستنتهي هذه القراءةُ إلى أن لا يكون للنُّصوص الشَّرعيَّة معنى ثابتٌ؛

فما يفهم عند أهل زمن على أنَّه مطلوبٌ يصبح عند غيرهم غيرَ مطلوب، وما يُفهم عندهم على أنَّه غير مطلوب يُفهم عند غيرهم على أنَّه مطلوب؛ نتيجةَ تَغَيُّر الثَّقافات بين الأزمان. .

[النصُّ، السُّلطة، الحقيقة، لنصر حامد أبو زيد، ص139]

وسببُ هذا الضَّلال في الفهم يرجع لنظرتهم لنصوص القرآن والسُّنَّة على أنَّها نصوصٌ بشريَّةٌ تعامَل كبقيَّة النُّصوص؛ فيجري عليها ما يجري على غيرها من النُّصوص، وتخضع لمقتضيات التاريخ وتغيُّراته.

ولذلك يقول نصر حامد أبو زيد: "إنَّ النَّصَّ القرآنيَّ - وإن كان نصًّا مقدَّسًا - إلَّا أنَّه لا يخرج عن كونه نصًّا؛ فلذلك يجب أن يَخضع لقواعد النَّقد الأدبيِّ كغيره من النُّصوص الأدبيَّة" .

[مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، نصر أبو زيد (24)]

ويقول أركون: " إنَّ القرآنَ ليس إلَّا نصًّا من جملة نصوص أخرى تحتوي على نفس مستوى التَّعقيد والمعاني الفوَّارة الغزيرة؛ كالتَّوراة والإنجيل والنُّصوص المؤسسة للبوذيَّة أو الهندوسيَّة

وكل نص تأسيسيّ من هذه النصوص الكبرى حظي بتوسُّعات تاريخيَّة معيَّنة، وقد يحظى بتوسُّعات أخرى في المستقبل ". [الفكر الأصولي لمحمد أركون (36)] .

وفي هذا من التَّلبيس ما فيه؛ فكيف يَستوي كتاب الله مع الكتب المحرَّفة، أو تلك التي اكتتبها بشر؟! وكيف يُقاس كلامُ ربِّ العالمين الذي علم ما كان وما سيكون على كلام الإنسان الذي لا يدرك من العلم إلَّا قليلاً؟!

إنَّ كلامَ الله لا يمكن حصرُه وتقييدُه بزمن معين؛ لأنَّ اللهَ أنزله ليكون دستورًا للنَّاس في كلِّ زمان ومكان

وهو يعلم ما يَصلح لعبيده ويناسبهم في جميع الأزمنة والأحوال، لا يخفى عليه شيء وهو السَّميع البصير. ونقول لهؤلاء: (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) [البقرة: 140]" .

انتهى من كتاب "بدعة إعادة فهم النص" ، للمشرف العام على الموقع الشيخ محمد صالح المنجد (ص51-56)

*عبدالرحمن*
2019-01-31, 14:42
ونرجو من السائل أن يراجع الكتاب بتمامه

في هذا الرابط http://almunajjid.com/295

أما إذا كان المقصود من الدعوى الواردة في السؤال مقام التجديد في تنزيل نصوص الوحي على المستجدات في زماننا، ومقام التحرك الحي بكل الجزئيات والتفاصيل التي تخدم مقاصد القرآن والسنة وثوابتهما

وتعظم شعائرهما ، وشعائر الشرع عامة ، وتحمل على الوقوف عند الأمر والنهي الشرعيين ، مع مراعاة تغير الزمان والمكان والحال في مسائل الاجتهاد والنظر المصلحي

فيما لم يأت بشأنه نص خاص ، وتفهم فلسفته ورسالته بما يعالج هموم الإنسان الحديث

ويمكنه من ترسيخ التشريعات التي هي مراد الله من عباده، فهذا مقصد صحيح كلنا نسعى إليه، ويقره جميع العلماء، ويجتهد في تحقيقه جميع المجتهدون في الأزمنة والعصور .

يبحثون - مثلا - عما يمكن تحقيقه وتنزيله من قيمة "الصدق" في متغيرات مجتمعهم، وما يمثله الإيمان بالغيب والبعث والنشور من فلسفة متكاملة تعالج هموم العصر وآفات الزمان

والأثر الكبير في تحقيق العدالة في شرائع الناس وأحكامهم ، إذا تبنت دساتيرهم وقوانينهم قواعد فقه العدالة والرحمة، ومقاصد الشريعة الخاتمة، وما تحت هذه الأمثلة وغيرها

من تفاصيل لا حصر لها، كلها مقاصد نبيلة، ومعان صحيحة، ندعو إليها جميعا، كما دعت إليها الشريعة الإسلامية نفسها، حين انطوت في داخلها على عوامل صلاحيتها لكل

زمان ومكان، بما يؤهلها لمناسبة العصور، ويعين المجتهدين فيها على فهم سنن "التغيير"، وعدم الجمود على قوالب عرفية، الأمر الذي لا يدرك حقيقته إلا من فهم علم "أصول الفقه"

و"قواعد التفسير"، وفلسفة "عقيدة الإسلام" .

وهذا النوع من "إعادة التفسير" ينضبط لدى العلماء والمفسرين والفقهاء بضوابط عديدة، من أهمها:

1. التزام معيار الإجماع، فما أجمع عليه العلماء يبقى ثابتا لا يتغير ولا يتبدل، وما اختلف فيه العلماء يقبل النظر والتأمل، ويشكل المساحة المتاحة للتجديد.

2. التزام قواعد اللغة العربية، من جهة معاني المفردات، وفهم السياق العربي كما فهمه الأولون الذين نزل القرآن بلغتهم، واجتناب كل ما يخالف ضوابط اللغة والفهم العربي السليم.

3. النظر في جميع الأدلة الشرعية المقارنة للنص المفسر، وتفسير القرآن في ضوء القرآن نفسه، وفي ضوء السنة المطهرة وأقوال الصحابة والتابعين، فمصادر التشريع –

كما يبينها الأصوليون – عديدة، لا بد للمفسر من الاستعانة بها كي ينتج عنده الفهم السليم، وكي ينضبط اجتهاده بالمنهج الصحيح، وإلا خرج اجتهاده عن القصد والعدل.

4. ومن أهم ضوابط هذا النوع من "إعادة التفسير" أن يقوم به المؤهلون، الذين يجمعون بين العلم والتقوى، والذين يشهد لهم أهل العلم بالمعرفة والتخصصية وإتقان علوم الآلات وعلوم المقاصد

مع صلاح الدين ، واستحضار الخوف من الله سبحانه. وبهذا ينسد الباب على المتسورين على حرمات القرآن الكريم، المقتحمين أبواب العلم بالجهل، المتشبعين بما لم يُعْطَوْا من علوم النقل والعقل.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-01-31, 14:48
نسخ التلاوة في القرآن الكريم

السؤال

أعرف أن آيات من القرآن قد نسخت بآيات أخرى ، بعض الآيات نسخت نسخ تلاوة ، كآية الرجم مثلا ، أريد أن أعرف كم آية في القرآن نسخت نسخ تلاوة ؟ قرأت حديثا ورد في صحيح مسلم

أن سورا كاملة نسخت نسخ تلاوة ، كانت تلك السور طويلة ، ربما في طول سورة التوبة . ( رجاء النظر في صحيح مسلم : كتاب الزكاة ، باب لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب أحب أن يكون له واديا آخر ) .

أريد أيضا أن أعرف هل تحدي الكفار في أن يأتوا بمثل القرآن متضمن للآيات المنسوخة ؟

أسأل لأن الآية المذكورة في حديث صحيح مسلم لا تبدو لي كآية من القرآن إطلاقا !

الجواب

الحمد لله

أولا :

ذهب جماهير الأصوليين والفقهاء والمحدثين والمفسرين إلى جواز وقوع نسخ التلاوة والرسم مع بقاء الحكم الشرعي المتضمن في الآية ثابتا .

واستدلوا على ذلك بما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم من نصوص تدل على ذلك ، ونحن نذكر هنا بعض ما وقفنا عليه من الأمثلة المنقولة :

1- نسخ تلاوة آية الرجم .

دليله قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه – وهو يخطب الناس على المنبر -
:
( إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا

رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِى كِتَابِ اللَّهِ . فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ .

وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ ) رواه البخاري (6830) ومسلم (1691) .

يقول أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي رحمه الله :

" وقول عمر : ( كان مما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم آية الرَّجم ، فقرأناها ، ووعيناها ، وعقلناها ) ، هذا نصٌّ من عمر رضى الله عنه على أنَّ هذا كان قرآنًا يُتلى

وفي آخره ما يدلُّ على أنَّه نُسخً كَونُها من القرآن ، وبقي حُكْمُها معمولاً به ، وهو الرَّجم . وقال ذلك عمر بمحضرِ الصحابة رضى الله عنهم

وفي مَعْدن الوحي ، وشاعت هذه الخطبة في المسلمين ، وتناقلها الرُّكبان ، ولم يسمع في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئًا مِمَّا قاله عمر ، ولا راجعه في حياته ولا بعد موته

فكان ذلك إجماعًا منهم على صحة هذا النوع من النسخ ، وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم

ولا يلتفت لخلاف من تأخر زمانه ، وقل علمه في ذلك ، وقد بيَّنا في الأصول : أن النسخ على ثلاثة أضرب : نسخ التلاوة ، ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة ، ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم " انتهى.

"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (5/85)

وانظر جواب السؤال القادم

2- نسخ تلاوة آية : ( لا ترغبوا عن آبائكم ، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) .

دليله قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه – في تكملة الحديث السابق - : ( ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : " أَنْ لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ

أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ " ) رواه البخاري (6830) ومسلم (1691) .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : ( ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ) أي : مما نسخت تلاوته ، قوله : ( لا ترغبوا عن آبائكم ) ، أي : لا تنتسبوا إلى غيرهم " انتهى.

"فتح الباري" (12/148) .

3- نسخ تلاوة آية : ( ألا بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) .

دليله ما رواه قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه : ( أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لِحْيَانَ ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا ، وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ ، فَأَمَدَّهُمُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ

. قَالَ أَنَسٌ : كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِى لِحْيَانَ .

قَالَ قَتَادَةُ : وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا : " أَلاَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِىَ عَنَّا وَأَرْضَانَا " ، ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ ) انتهى.

رواه البخاري (3064) .

4- نسخ تلاوة سورة طويلة ، ذُكر أن مِن آياتها : ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ) .

دليله عن أبي الأسود رحمه الله قال : ( بَعَثَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ ، فَقَالَ :

أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ ، فَاتْلُوهُ ، وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا ، غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا :

" لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ "

، وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِيتُهَا ، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ) فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم (1050)

يقول الحافظ ابن حجر في معرض الحديث عن إحدى الروايات التي تذكر هذه الآية ( لو كان لابن آدم.

..) : " وهذا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عن الله تعالى على أنه من القرآن، ويحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية، والله أعلم ، وعلى الأول فهو مما نسخت تلاوته جزما

وإن كان حكمه مستمرا . ويؤيد هذا الاحتمال ما أخرج أبو عبيد في "فضائل القرآن" من حديث أبي موسى قال :

" قرأت سورة نحو براءة فغبت وحفظت منها : ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا" الحديث ، ومن حديث جابر : " كنا نقرأ لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب إليه مثله "

انتهى. "فتح الباري" (11/258) .

يقول أبو العباس القرطبي رحمه الله :

" قوله : ( كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها ) وهذا ضرب من النسخ ، فإن النسخ على مانقله علماؤنا على ثلاثة أضرب : أحدها : نسخ الحكم وبقاء التلاوة . والثاني

: عكسه ، وهو نسخ التلاوة وبقاء الحكم . والثالث : نسخ الحكم والتلاوة ، وهو كرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى ، فإنهما رُفِعَ حُكْمَهُما وتلاوتُهما .

وهذا النسخ هو الذي ذكر الله تعالى حيث قال : ( مَا نَنْسخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا ) ، على قراءة من قرأها بضم النون ، وكسر السين ، وكذلك قوله تعالى : ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إلا ما شاء الله )

وهاتان السورتان مما شاء الله تعالى أن يُنْسِيَه بعد أن أنزله ، وهذا لأن الله تعالى فعال لما يريد ، قادر على ما يشاء ؛ إذ كل ذلك ممكن .

ولا يتوهم متوهم من هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء ، فإن ذلك باطل

بدليل قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزْلَنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )

وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفتي المصحف ، من غير زيادة ولا نقصان ، كما قررناه في أصول الفقه " انتهى.

"المفهم" (3/93-94)

*عبدالرحمن*
2019-01-31, 14:49
ويقول السيوطي رحمه الله :

" هذا من المنسوخ تلاوة الذي أشير إليه بقوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) ، فكان الله ينسيه الناس بعد أن حفظوه ، ويمحوه من قلوبهم ، وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، إذ لا نسخ بعده " انتهى.

"الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج" (3/129)

5- وأشياء آخرى متفرقة :

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها وبقي حكمها أو لم يبق ، مثل ...حديث أبي بن كعب : ( كانت الأحزاب قدر البقرة ) ، وحديث حذيفة : (ما يقرءون ربعها) يعني براءة

وكلها أحاديث صحيحة .

وقد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه " كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله ، ويقول : إن منه قرآنا قد رفع " .

وليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب ؛ لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.

"فتح الباري" (9/65)

ثانيا :

يجب الإيمان بأن لله الحكمة البالغة في هذا الشأن ، فهو سبحانه منزه عن العبث


وله في خلقه وأمره حكم عالية رفيعة ، قد نعلمها ، وقد لا نعلمها ، ولكن العلماء يحاولون دائما تلمس الحكم وتأملها استجابة لأمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في آياته عز وجل .

يقول الزرقاني رحمه الله – في معرض الجواب عن الشبه التي يذكرها بعضهم في نسخ التلاوة دون الحكم -

" يقولون : إن الآية دليل على الحكم ، فلو نسخت دونه لأشعر نسخها بارتفاع الحكم ، وفي ذلك ما فيه من التلبيس على المكلف والتوريط له في اعتقاد فاسد .

وندفع هذه الشبهة بان تلك اللوازم الباطلة ، تحصل لو لم ينصب الشارع دليلا على نسخ التلاوة وعلى إبقاء الحكم

أما وقد نصب الدليل على نسخ التلاوة وحدها ، وعلى إبقاء الحكم وتقرير استمراره ، كما في رجم الزناة المحصنين ، فلا تلبيس من الشارع على عبده ولا توريط .

يقولون : إن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم عبث لا يليق بالشارع الحكيم ؛ لأنه من التصرفات التي لا تعقل لها فائدة ؟
وندفع هذه الشبهة بجوابين :

أحدهما : أن نسخ الآية مع بقاء الحكم ليس مجردا من الحكمة ، ولا خاليا من الفائدة حتى يكون عبثا ، بل فيه فائدة أي فائدة ، وهي حصر القرآن في دائرة محدودة تيسر على الأمة حفظه واستظهاره

وتسهل على سواد الأمة التحقق فيه وعرفانه ، وذلك سور محكم وسياج منيع يحمي القرآن من أيدي المتلاعبين فيه بالزيادة أو النقص ؛ لأن الكلام إذا شاع وذاع وملأ البقاع ثم حاول أحد تحريفه سرعان ما يعرف

، وشد ما يقابل بالإنكار ، وبذلك يبقى الأصل سليما من التغيير والتبديل ، مصداقا لقوله سبحانه :

( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) والخلاصة أن حكمة الله قضت أن تنزل بعض الآيات في أحكام شرعية عملية ، حتى إذا اشتهرت تلك الأحكام نسخ سبحانه هذه الآيات في تلاوتها فقط

رجوعا بالقرآن إلى سيرته من الإجمال ، وطردا لعادته في عرض فروع الأحكام من الإقلال ، تيسيرا لحفظه ، وضمانا لصونه ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون
.
ثانيهما : أنه على فرض عدم علمنا بحكمة ولا فائدة في هذا النوع من النسخ ، فإن عدم العلم بالشيء لا يصلح حجة على العلم بعدم ذلك الشيء ، وإلا فمتى كان الجهل طريقا من طرق العلم

ثم إن الشأن في كل ما يصدر عن العليم الحكيم الرحمن الرحيم أن يصدر لحكمة أو لفائدة نؤمن بها ، وإن كنا لا نعلمها على التعيين ، وكم في الإسلام من أمور تعبدية استأثر الله بعلم حكمتها

أو أطلع عليها بعض خاصته من المقربين منه ، والمحبوبين لديه ، وفوق كل ذي علم عليم ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .

ولا بدع في هذا ، فرب البيت قد يأمر أطفاله بما لا يدركون فائدته لنقص عقولهم ، على حين أنه في الواقع مفيد ، وهم يأتمرون بأمره ، وإن كانوا لا يدركون فائدته

والرئيس قد يأمر مرؤوسيه بما يعجزون عن إدراك سره وحكمته ، على حين أن له في الواقع سرا وحكمة وهم ينفذون أمره ، وإن كانوا لا يفهمون سره وحكمته .

كذلك شأن الله مع خلقه فيما خفي عليهم من أسرار تشريعه ، وفيما لم يدركوا من فائدة نسخ التلاوة دون الحكم ، ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم " انتهى.

"مناهل العرفان" (2/156-158)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-31, 14:53
لم ينفرد عمر بن الخطاب بمعرفة آية الرجم

السؤال

في صحيح البخاري في باب الأحكام أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (لولا أن يقول الناس عن آية الرجم لكتبتها بيدي) لماذا لا يعلم هذه الآية سوى عمر ؟

وكيف نحاجج من يسأل ذلك ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (6830) ومسلم (1691) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فخطب الجمعة ، وكان مما قال رضي الله عنه فقال : (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ

فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا ، وَعَقَلْنَاهَا ، وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ

: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ

أَوْ الِاعْتِرَافُ) . زاد أبو داود (4418) : (وَايْمُ اللَّهِ ، لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ : زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَكَتَبْتُهَا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه في عدة مواضع : (6829) و(6830) في كتاب الحدود . و(7626) في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، وليس فيها اللفظ الوارد في السؤال (لولا أن يقول الناس.......إلخ) .

وقد ذكرها البخاري في كتاب الأحكام معلقة ، بلا إسناد : قال عمر : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي .

ومثل هذا لا يقال فيه : رواه البخاري في صحيحه ، إلا أن يقال مع ذلك : إنه رواه معلقاً ، فيقال : رواه البخاري معلقاً .
وقد رواها أبو داود موصولةً وصححه الألباني كما سبق .

ثانياً :

يجاب على من يسألون: لماذا لم يعلم هذه الآية سوى عمر ؟

بأن يقال : لم ينفرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمعرفة هذه الآية ، فقد ورد عن جماعة من الصحابة إثباتها .

روى ابن ماجه (1944) عن عائشة رضي الله عنها قالت : (لقد نزلت آية الرجم ، وكانت في صحيفة تحت سريري) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .

وروى الإمام أحمد (1214) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إثباتها ، غير أن إسناده ضعيف .

وذكر الحافظ في "فتح الباري" أنه ورد إثبات هذه الآية عن أبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما .

وقد أثبت عمر رضي الله عنه هذه الآية على المنبر في خطبة الجمعة

وكان حاضراً في تلك الخطبة علماء الصحابة وفقهاؤهم وكبراؤهم ، وأقروه على إثبات هذه الآية ، ولم ينكر عليه أحد منهم ، فكيف يقال بعد ذلك : إنها لم يعلمها غير عمر ؟!

ثالثاً :

آية الرجم مما يذكره العلماء في "أصول الفقه" من مبحث "النسخ" أنها مما نسخ لفظه وبقي حكمه ، فلم تَعُدْ أية من القرآن الكريم ، ولكن حكمها باقٍ لم ينسخ

ولعل هذا هو السبب الذي جعل عمر رضي الله عنه لا يكتبها في المصحف ، لأنها لما نسخت تلاوتها لم تَعُدْ من القرآن فلا يجوز أن تكتب فيه .

وانظر : "المنتقي شرح الموطأ" حديث رقم (1560) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-01-31, 14:57
علم المكي والمدني من سور القرآن الكريم

السؤال

ما الفرق بين السور المكية والسور المدنية ؟

الجواب

الحمد لله

عناية المسلمين بالقرآن الكريم عناية فائقة ، ولا يعرف كتاب على وجه الأرض نال من الدراسة والشرح والبيان ما ناله القرآن ، حتى أنشأ العلماء مئات العلوم المستقلة المتعلقة به ، كان من أهمها علم : " المكي والمدني ".

ويمكن أن نوجز ببيان هذا العلم من علوم القرآن الكريم في المسائل الآتية :

أولا : بيان معنى مصطلح : " المكي والمدني ".

هو اصطلاح أطلقه العلماء ليميزوا بين الآيات والسور التي نزلت في المرحلة المكية للدعوة الإسلامية ، وبين ما نزل في المرحلة المدنية ، فاشتهر بين أكثر أهل العلم هذا التقسيم

وجعلوا مناطه ومداره على الزمان ، وليس على المكان :

فالمكي من الآيات والسور : ما نزل قبل الهجرة النبوية ، سواء كان في مكة أو ضواحيها.

والمدني من الآيات والسور : ما نزل بعد الهجرة النبوية ، سواء كان مكان نزوله المدينة ، أو مكة بعد فتحها ، أو أي مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم .

ثانيا : أهمية هذا العلم وفوائده .

1- معرفة الناسخ من المنسوخ : وهذه فائدة عظيمة مفيدة في فهم القرآن وبيانه ، فالنسخ

وهو إزالة حكم الآية بحكم جديد – واقع في القرآن ، ولتحديد الآية الناسخة لا بد من معرفة زمان نزولها ، هل هو قديم في بداية الإسلام ، أو متأخر ، فتكون الآية المدنية ناسخة للمكية ، إذا ثبت وقوع النسخ في حكمها .

2- معرفة تاريخ التشريع ومراحله ، وتلمس الحكمة في تدرج أحكامه وآياته ، حتى بلغت الكمال في آخر العهد النبوي ، ولا شك أن معرفة مراحل التشريع مفيدة جدا في فهم الشريعة ومقاصد القرآن وحكمته .

3- الوصول إلى الفهم الصحيح لآيات القرآن وسوره ، لأن معرفة تاريخ النزول وظرف الآيات يساعد كثيرا على فهمها واستجلاء مقاصدها

فمن قطع النصوص عن سياقها الزماني أو المكاني فقد قطع على نفسه سبيل الحقيقة والفهم السليم .

4- ومن فوائده بيان عظيم عناية المسلمين بالقرآن الكريم ، حيث لم يحفظوا نصوصه فقط ، بل حفظوا ونقلوا الزمن الذي نزلت فيه ، ليكون ذلك شاهدا على الثقة المطلقة التي يمنحها المؤمنون لهذا الكتاب العظيم .

5- التذوق اللغوي لأساليب البيان العالية في القرآن الكريم ، فقد تميزت سور كل مرحلة مكية أو مدنية بأساليب بيانية تناسب ما تضمنته من معاني ومقاصد

وكل هذه الأساليب لها من الرونق والبريق ما يأخذ الألباب ويدهش الأسماع ، ومعرفة المكي والمدني يساعد على هذا التذوق ويقربه للأذهان .

6- معرفة السيرة النبوية ، فقد استغرق تنزل القرآن الكريم ثلاثة وعشرين عاما ، رافق فيها جميع الأحداث التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان فهم " المكي والمدني "

رافدا من روافد علم السيرة النبوية ، ومكملا لدراساته .

ثالثا : الفرق بين المكي والمدني .

تبين للعلماء – بعد تأمل السور المكية والسور المدنية – أن ثمة فرقا في الغالب بينهما من جهتين اثنتين : المضمون ، والأسلوب .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع :

أ- أما من حيث الأسلوب فهو :

1- الغالب في المكي قوة الأسلوب ، وشدة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين معرضون مستكبرون ، ولا يليق بهم إلا ذلك ، أقرأ سورتي المدثر ، والقمر .

أما المدني : فالغالب في أسلوبه اللين ، وسهولة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون

، أقرا سورة المائدة .

2- الغالب في المكي قصر الآيات ، وقوة المحاجة ؛ لأن غالب المخاطبين معاندون مشاقون ، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم ، أقرا سورة الطور
.
أما المدني : فالغالب فيه طول الآيات ، وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة ؛ لأن حالهم تقتضي ذلك ، أقرأ آية الدين في سورة البقرة .

ب- وأما من حيث الموضوع فهو :

1- الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك .

أما المدني : فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات ؛ لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة ، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات.

2- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال ، ذلك حيث شرع الجهاد وظهر النفاق ، بخلاف القسم المكي " انتهى.

"أصول التفسير" (ص/13)

ويقول الدكتور مناع القطان رحمه الله :

" استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية ، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني ، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات التي يتناولها ، وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات :

ضوابط المكي ومميزاته الموضوعية :

1- كل سورة فيها سجدة فهي مكية .

2- كل سورة فيها لفظ " كلا " فهي مكية ، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن . وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة .

3- كل سورة فيها : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ، وليس فيها : ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواُ ) فهي مكية ، إلا سورة الحج ، ففي أواخرها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) ، ومع هذا فإن كثيرًا من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك .

4- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية ، سوى البقرة .

5- كل سورة فيها آدم وإبليس فهي مكية ، سوى البقرة كذلك .

ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية :

1- كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية .

2- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ، سوى العنكبوت ، فإنها مكية .

3- كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنية .

هذا من ناحية الضوابط ، أما من ناحية المميزات الموضوعية ، وخصائص الأسلوب

فيمكن إجمالها فيما يأتي :

1- بيان العبادات ، والمعاملات ، والحدود ، ونظام الأسرة ، والمواريث ، وفضيلة الجهاد ، والصلات الاجتماعية ، والعلاقات الدولية في السلم والحرب ، وقواعد الحكم ، ومسائل التشريع .

2- مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ودعوتهم إلى الإسلام ، وبيان تحريفهم لكتب الله ، وتجنيهم على الحق ، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم .

3- الكشف عن سلوك المنافقين ، وتحليل نفسيتهم ، وإزاحة الستار عن خباياهم ، وبيان خطرهم على الدين .
4- طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها " انتهى.

"مباحث في علوم القرآن" (62-64)

وأخيرا :

من أراد التفصيل في هذا العلم ، والاطلاع على كلام العلماء وتعدادهم للسور المكية والمدنية

واختلافهم في بعضها ، وكذلك الجواب على الشبه الساقطة التي أوردها المستشرقون حول هذا الموضوع ، فنحيله إلى المراجع الآتية :

"البرهان في علوم القرآن" للزركشي (1/187-206) ، "الإتقان في علوم القرآن" (1/34-59)

"مناهل العرفان في علوم القرآن" لمحمد عبد العظيم الزرقاني (1/135-167)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-31, 15:04
أخوف آية في القرآن العظيم

السؤال

ما صحة هذا الكلام ، وما مدى صدقه ، فقد ذكر بمنتديات كثيرة ، واختلفنا بين مؤيد ومعارض ، ولم نجد مصدرا لصحة هذا الكلام...فالرجاء إفادتنا بأسرع وقت ممكن ، وجزاكم الله كل خير .

السؤال هو : أكثر آيات القرآن تخويفا للمؤمنين ، أتعلمون ما هي أخوف آية في القرآن ؟

أتعلمون أن أخوف آية في القرآن هي قوله تعالى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ) الفرقان/23، إنها حقا من أكثر آيات القرآن تخويفا للمؤمنين .. وتتحدث عن فئة من المسلمين تقوم بأعمال كجبال تهامة من حج ،

وصدقات ، وقراءة قرآن ، وأعمال بر كثيرة ، وقيام ليل ، ودعوة ، وصيام ، وغيرها من الأعمال .. وإذا بالله تعالى ينسف هذه الأعمال فيكون صاحبها من المفلسين ! وذلك لأن عنصر الإخلاص كان ينقص تلك الأعمال

فليس لصاحب تلك الأعمال إلا التعب والسهر والجوع ، ولا خلاص يوم القيامة من العذاب والفضيحة إلا بالإخلاص

ولا قبول للعمل إلا بالإخلاص . هذا ما يتم تناقله عبر المنتديات ، وكثيرون يعارضون هذا الكلام ، وأنه لا صحة له ، ولا مصدر يصدقه ، وآخرون يوافقونه . فما مدى صدقه ، رجاء الإفادة ، جزاكم الله كل خير .

الجواب

الحمد لله

أولا :

التعبد لله عز وجل مبني على الإخلاص والاتباع ، فهو أساس كل العبادات ، وهو مقصد جميع الأنبياء ، وعليه مدار الثواب والعقاب يوم القيامة ، فمن عمل صالحا يقصد به وجه الله تعالى

من غير التفات إلى حظوظ دنيوية عاجلة كان من الفائزين ، أما من راقب الجاه والمال والسمعة كان عمله وبالا عليه يوم القيامة .

يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/103) :

" وقوله تعالى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) ، هذا يوم القيامة ، حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر ، فأخبر أنه لا يتحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال - التي ظنوا أنها منجاة لهم

شيء ؛ وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي : إما الإخلاص فيها ، وإما المتابعة لشرع الله . فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية فهو باطل

. فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين ، وقد تجمعهما معا ، فتكون أبعد من القبول حينئذ ؛ كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ

رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ) البقرة/264 " انتهى مختصرا.

وقد اتفق أهل العلم على أن الرياء يحبط ثواب العمل المراءى به ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ) رواه مسلم (2985)

يقول النووي في "شرح مسلم" (18/116) :

" والمراد : أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه ، ويأثم به " انتهى.

فلا شك أن مثل هذا الوعيد مخوف للمسلم أشد التخويف ، ودافع له نحو مراقبة الإخلاص لله في قلبه ، وقطع كل أسباب المراءاة والتسميع ، وإلا فقد خسر أعماله التي راءى بها ولو كانت كأمثال الجبال .

وللنظر في تفصيلات الفقهاء حول موضوع إحباط الثواب بالرياء ينظر "إحياء علوم الدين" للغزالي (4/384)

أما حديث ثوبان رضي الله عنه المشهور ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا .

قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ .

قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) ، فهذا رواه ابن ماجه في سننه (رقم/4245) ، والروياني في "المسند" (1/425)

والطبراني في "الأوسط" (5/46) و"الصغير" (1/396) ، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/242) : " رواته ثقات " انتهى ، وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" : " إسناده صحيح " انتهى .

والذي يبدو من حال هؤلاء هو الجرأة على معاصي السر ، حين يستخفون من الناس ، مع إظهار الصلاح والاستقامة أمام الناس .

ثانيا :

أما الأعمال التي أخلص العبد فيها لله سبحانه ، ولم يقصد بها غير وجهه عز وجل ، فهذه يكتب الله له به الحسنات ، ويثيبه عليها في الجنة

ولا يحبطها وقوع الرياء في أعمال أخرى ، ولا ارتكابه المعاصي في أبواب أخرى ، فهو سبحانه لا يضيع أجر

المحسنين ، ولا يظلم مؤمنا حسنة عملها ، وقد قرر ذلك في قاعدة عامة في سورة الزلزلة فقال :

( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/7-8

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/321) - :

" صاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله على ذلك وإن كان مستحقا للعقوبة على كبيرته . وعند أهل السنة والجماعة يُتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصا لله موافقا لأمر الله

فمن اتقاه في عمل تقبله منه وإن كان عاصيا في غيره ، ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره " انتهى باختصار .

ثالثا :

في القرآن الكريم الكثير من آيات الترهيب التي تتضمن من المعاني الثقيلة العظيمة التي تحدث في قلوب المؤمنين من تقوى الله والخوف من عقابه ما يكون له أكبر الأثر في ارتقائهم مدارج السالكين

وفوزهم بأعلى درجات النعيم .

عن سفيان قال : " ما في القرآن آية أشد علي مِن ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) المائدة/68. " انتهى.

وعن ابن سيرين : " لم يكن شيء عندهم أخوف من هذه الآية : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) البقرة/8 " انتهى.

وعن أبي حنيفة : " أخوف آية في القرآن : ( وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) آل عمران/131 " انتهى.

وعن الشافعي قوله تعالى ( إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) العصر/2-3.

وقيل إن أخوف آية في القرآن : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) آل عمران/28

وقيل : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ ) الرحمن/31 ، وقيل : ( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) التكوير/26

وقيل : ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) النساء/123 ، وقيل : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) المؤمنون/115 ، وقيل : ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) البروج/12

وقيل : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) الجاثية/21

يمكن مراجعة هذه الأقوال في "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (2/430) وفي "الحاوي" له أيضا.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-01-31, 15:08
ترديد الإمام لبعض آيات الرحمة أو العذاب

السؤال

ما حكم ترديد الإمام لبعض آيات الرحمة أو العذاب ؟

الجواب

الحمد لله

"لا أعلم في هذا بأساً ، لقصد حث الناس على التدبر والخشوع والاستفادة

فقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه ردد قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) المائدة/118 ، رددها كثيراً عليه الصلاة والسلام .

فالحاصل : أنه إذا كان لقصدٍ صالحٍ لا لقصد الرياء ، فلا مانع من ذلك ، لكن إذا كان يرى أن ترديده لذلك قد يزعجهم ويحصل به أصوات مزعجة من البكاء فترك ذلك أولى ، حتى لا يحصل تشويش

أما إذا كان ترديد ذلك لا يترتب عليه إلا خشوع وتدبر وإقبال على الصلاة ، فهذا كله خير" انتهى

"مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/343، 344) .

*عبدالرحمن*
2019-01-31, 15:10
معنى التغني بالقرآن

السؤال

ما معنى التغني بالقرآن ؟

الجواب

الحمد لله

"جاء في السنة الصحيحة الحث على التغني بالقرآن ، يعني تحسين الصوت به ، وليس معناه أن يأتي به كالغناء ، وإنما المعنى تحسين الصوت بالتلاوة

ومنه الحديث الصحيح : (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ) وحديث : (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ، يَجْهَرُ بِهِ) ومعناه : تحسين الصوت بذلك كما تقدم .

ومعنى الحديث المتقدم : (ما أذن الله) أي : ما استمع الله (كإذنه) أي : استماعه

وهذا استماع يليق بالله لا يشابه صفات خلقه ، مثل سائر الصفات ، يقال في استماعه سبحانه وإذنه مثل ما يقال في بقية الصفات ، على الوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى

، لا شبيه له في شيء سبحانه وتعالى ، كما قال عز وجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى/11 ، والتغني : الجهر به مع تحسين الصوت والخشوع فيه ، حتى يحرك القلوب

لأن المقصود تحريك القلوب بهذا القرآن ، حتى تخشع ، وحتى تطمئن ، وحتى تستفيد ، ومن هذا قصة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لما مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ

فجعل يستمع له عليه الصلاة والسلام ، وقال : (لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ) فلما جاء أبو موسى أخبره النبي عليه الصلاة والسلام بذلك ، قال أبو موسى : لو علمت يا رسول الله أنك تستمع إليّ لحبرته لك تحبيراً

. ولم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك ، فدل على أن تحبير الصوت وتحسين الصوت والعناية بالقراءة أمر مطلوب ، ليخشع القارئ والمستمع ، ويستفيد هذا وهذا" انتهى
.
"مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/348- 350) .

*عبدالرحمن*
2019-01-31, 15:16
المحكم والمتشابه في القرآن الكريم

السؤال

ما معنى قول الله تعالى : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) الآية ، وماذا يفعل من لبس عليه بسبب تشابه القران ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ

فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران/7

المراد منه أن القرآن الكريم فيه المحكم والمتشابه ، والمحكم هو البيّن الواضح الذي لا يلتبس أمره

وهذا هو الغالب في القرآن ، فهو أمّ الكتاب وأصل الكتاب ، وأما المتشابه ، فهو الذي يشتبه أمره على بعض الناس دون بعض ، فيعلمه العلماء ولا يعلمه الجهال ، ومنه ما لا يعلمه إلا الله تعالى .

وأهل الحق يردون المتشابه إلى المحكم ، وأما أهل الزيغ فيتبعون المتشابه ، ويعارضون به المحكم ، ابتغاء الفتنة ، وجريا خلف التحريف والتضليل .

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/6) :

" يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، أي: بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد من الناس، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم

فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى. ومن عكس انعكس ؛ ولهذا قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ

أي: أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب ، لا من حيث المراد ...

فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة

وينزلوه عليها ، لاحتمال لفظه لما يصرفونه ، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه ؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم ، ولهذا قال: ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ أي: الإضلال لأتباعهم ، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن

وهذا حجة عليهم لا لهم ، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى هو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ، وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى : إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ [الزخرف : 59]

وبقوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ آل عمران : 59 ] وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله ، وعبد ، ورسول من رسل الله .

وقوله: وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ أي: تحريفه على ما يريدون " انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قسم الله تبارك وتعالى القرآن الكريم إلى قسمين : محكم ومتشابه ، والمراد بالمحكم هنا الواضح البين الذي لا يخفى على أحدٍ معناه مثل السماء والأرض والنجوم والجبال

والشجر والدواب وما أشبهها ، هذا محكم ؛ لأنه لا اشتباه في معناه، وأما المتشابهات فهي الآيات التي يشتبه معناها ويخفى على أكثر الناس ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم ، مثل بعض الآيات المجملة التي ليس فيها تفصيل

فتفصلها السنة مثل قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فإن إقامة الصلاة غير معلومة ، والمعلوم من هذه الآية وجوب إقامة الصلاة فقط ، لكن كيف الإقامة

هذا يعرف من دليل آخر ، والحكمة من أن القرآن نزل على هذين الوجهين الابتلاء والامتحان ؛ لأن من في قلبه زيغ يتبع المتشابه ، فيبقى في حيرةٍ من أمره

وأما الراسخون في العلم فإنهم يؤمنون به كله ، متشابهه ومحكمه ، ويعلمون أنه من عند الله وأنه لا تناقض فيه

. ومن أمثلة المتشابه : قول الله تبارك وتعالى (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) مع قوله ( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ) فيأتي الإنسان ويقول

: هذا متناقض كيف يقولون (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَاكُنَّا مُشْرِكِينَ) ثم يقال عنهم إنهم (لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) فيضرب الآيات بعضها ببعض ؛ ليوقع الناس في حيرة ، لكنّ الراسخين في العلم يقولون :

كله من عند الله ولا تناقض في كلام الله ، ويقولون : إن يوم القيامة يومٌ مقداره خمسون ألف سنة ، فتتغير الأحوال وتتبدل ، فتُنزّل هذه على حال وهذه على حال "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب".

وقال أيضا : " وأما أهل الضلال والزيغ فاتبعوا المتشابه وجعلوه مثاراً للشك والتشكيك فضلوا، وأضلوا وتوهموا بهذا المتشابه مالا يليق بالله عز وجل ولا بكتابه ولا برسوله.

مثال الأول : قوله تعالى: ( إنا نحن نحيي الموتى ). وقوله: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون

) ونحوهما مما أضاف الله فيه الشيء إلى نفسه بصفة الجمع ، فاتبع النصراني هذا المتشابه وادعى تعدد الآلهة وقال : إن الله ثالث ثلاثة ، وترك المحكم الدال على أن الله واحد

وأما الراسخون في العلم: فيحملون الجمع على التعظيم لتعدد صفات الله وعظمها، ويردون هذا المتشابه إلى المحكم في قوله تعالى: ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو ). ويقولون للنصراني: إن الدعوى التي ادعيت بما

وقع لك من الاشتباه قد كفّرك الله بها وكذبك فيها فاستمع إلى قوله تعالى:( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ) أي كفروا بقولهم : إن الله ثالث ثلاثة.

ومثال الثاني : قوله تعالى: لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( إنك لا تهدي من أحببت ) وقوله: (

وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) ففي الآيتين موهم تعارض ، فيتبعه من في قلبه زيغ ويظن بينهما تناقضاً وهو النفي في الأولى ، والإثبات في الثانية. فيقول: في القرآن تناقض.

وأما الراسخون في العلم فيقولون: لا تناقض في الآيتين فالمراد بالهداية في الآية الأولى هداية التوفيق ، وهذه لا يملكها إلا الله وحده فلا يملكها الرسول ولا غيره .

والمراد بها في الآية الثانية هداية الدلالة وهذه تكون من الله تعالى ، ومن غيره فتكون من الرسل وورثتهم من العلماء الربانيين ... "

انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (4/186

وهذه كلها أمثلة للمتشابهة النسبي الذي يخفى على بعض الناس ، ويعلمه الراسخون في العلم

وأما المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله فمثل حقيقة وكيفية صفات الله تعالى ، وحقيقة ما يكون عند الله تعالى من نعيم لأهل الجنة ، وعذاب لمن عصاه ؛ فهذا كله لا يعلمه إلا الله .

ثانيا :

من التبس عليه أمر شيء من المتشابه ، فليرده إلى المحكم ، إن كان من أهل العلم القادرين على الاستدلال والاستنباط ، وإلا فليسأل أهل العلم ، كما قال تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43

وليقل في كل حال : ( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ).

وقد عمد قوم من أهل الزيغ والزندقة قديما وحديثا إلى تتبع المتشابه من القرآن والسنة ، ابتغاء الفتنة والتشكيك ، وتصدى أهل العلم لذلك ، وألفوا مؤلفات نافعة في رد هذا التشكيك

ومن ذلك ما ألفه الإمام ابن قتيبة رحمه الله بعنوان : تأويل مختلف الحديث . وما ألفه الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله بعنوان : دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب .

فليس بحمد الله بين آيات الكتاب تناقض ولا اضطراب ، وليس بين السنة والقرآن تعارض ؛ لأن الأمر كله من عند الله

وقد قال سبحانه : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/82

ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والعلم النافع والعمل الصالح .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

cccamfree
2019-01-31, 21:02
رائع جدا اخى

*عبدالرحمن*
2019-02-02, 15:44
رائع جدا اخى

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2019-02-02, 15:50
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

أمثلة لتعسف بعض القراء في الوقف والابتداء

السؤال

هل يجوز للقارئ لهذه الآية : ( يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) ) . أن يقرأها هكذا..." ....... لمن الملك اليوم ... الملك اليوم لله الواحد القهار )؟

الجواب

الحمد لله

أولًا:

فإن الوقف والابتداء من علوم القرآن المجيد ، وهو من العلوم التي تحتل مكانة بارزة

قال ابن الأنباري : " ومن تمامِ مَعرفةِ القرءانِ معرفةُ الوقف والابتداء ، إذ لا يتأتى لأحدٍ معرفة معاني القرءان إلا بمعرفة الفواصل ، فهذا أدلُّ دليل على وجوبِ تعلُّمِه وتعلِيمه ".

انتهى من " منار الهدى" (ص 5 - 6).

ثانيًا:

إنَّ من العلوم المهمَّة لمن أراد أن يعرف الوقف والابتداء : علم التفسير ، وعلم النحو، وعلم القراءات؛ لأنَّ المعنى يُعرف بها، قال ابن مجاهد (ت324هـ): " لا يقوم بالتمام إلا نحوي عالم بالقراءة

عالم بالتفسير، عالم بالقصص وتلخيص بعضها من بعض ، عالم باللغة التي نزل بها القرآن»

انتهى من " القطع والائتناف " (ص94).

وإذا تأمَّلت هذه العلوم وجدتها ترجع إلى معرفة المعنى الذي هو أساس علم الوقف والابتداء، فمعرفة التفسير واختلافات المفسرين يُعرف بها المعنى ، فيعرف الواقف أين يقف بناءً على هذا التفسير أو ذاك.

ومن أشهر الأمثلة التي يُمثَّل بها في هذا المقام تفسير قوله تعالى: ( وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) آل عمران/ 7

فمن فسَّر التأويل بما تؤول إليه حقائق القرآن فإنه يقف على لفظ الجلالة ؛ لأن علم الحقائق مما يختصُّ به الله ، ومن ادعى علمه فقد كذب على الله.

ومن فسر التأويل بالتفسير جاز له أن يصل لفظ الجلالة بما بعده ، ويقف على لفظ (العلم) ؛ لأن الراسخين في العلم يعلمون تفسيره.

وأنت تلحظ في هذا المقام كيف اختلف الوقف باختلاف التفسير، وأصل ذلك راجع إلى المعنى المراد بالتأويل ، فالمعنى أولاً ، ثمَّ يجيء الوقف تبعاً للمعنى

انظر: " المحرر في علوم القرآن " د. مساعد الطيار: (253).

ثالثًا:

يقول الإمام ابن الجزري : " ليس كل ما يتعسفه بعض المُعْرِبين ، أو يتكلفه بعض القراء

أو يتأوله بعض أهل الأهواء ، مما يقتضي وقفا وابتداء : ينبغي أن يُتَعمد الوقفُ عليه ، بل ينبغي تحري المعنى الأتم ، والوقف الأوجه .

وذلك نحو الوقف على وارحمنا أنت، والابتداء مولانا فانصرنا على معنى النداء .

ونحو ثم جاءوك يحلفون ثم الابتداء بالله إن أردنا .

ونحو وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك ثم الابتداء بالله إن الشرك على معنى القسم.

... فإن ذلك وما أشبهه : تمحل ، وتحريف للكلم عن مواضعه ؛ يعرف أكثره بالسباق والسياق" .

انتهى بتصرف من "النشر" (1/ 231 - 232).

رابعًا:

وقد ذكر العلماء أن الوقف على السؤال في قوله تعالى: ( لمن الملك اليوم؟ )، جائز وحسن

قال الأشموني : " والجائز: هو ما يجوز الوقف عليه وتركه ، نحو: وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

فإنَّ واو العطف تقتضي عدم الوقف ، وتقديم المفعول على الفعل يقتضي الوقف ؛ فإن التقدير : ويوقنون بالآخرة؛ لأن الوقف عليه يفيد معنى .

وعلامته : أن يكون فاصلًا بين كلامين من متكلمين، وقد يكون الفصل من متكلم واحد كقوله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ الوقف جائز فلما لم يجبه أحد أجاب نفسه بقوله: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ "
.
انتهى من " منار الهدى" (1/ 28).

فالحاصل : أن الوقف على السؤال في قوله تعالى: لمن الملك اليوم؟ كاف، لأنه تمام السؤال

أما الابتداء بقوله: الملك اليوم لله الواحد القهار فغير حسن، لأنه مخالف لمقتضى البلاغة، إذ مقتضاها ألا يذكر المبتدأ في جواب السؤال
.
قال الأستاذ عبد الرحمن العليان ، حفظه الله :

"ونوع آخر من التكلف، وهو إعادة بعض جملة الاستفهام في الجواب

كقوله تعالى: يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، فالاستفهام في هذه الآية هو قوله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ، ثم أجاب الحقُّ - سبحانه- نفسه: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ .

فبعض الأئمة ربما قرأها هكذا (لمن الملك اليوم) ثم أعاد (الملك اليوم لله الواحد القهار) .

وهذا الفعل غلط من وجوه:

1- أن فيه استدراكا على كلام الله - تعالى-؛ فكأن هذا القارئَ أراد أن يجمِّلَ الجواب ويكمِّله بذلك، وما علم أن الأبلغ هو تقدير المبتدأ كما سيتضح.

2- أن كون الجواب كما ذكر الله -تعالى-: (لله الواحد القهار) أبلغ؛

وذلك من جهتين: من جهة أن تقدير الكلام المعلوم أولى من ذكره عند العرب، ومن جهة أن المقصود في جملة الجواب هو الخبر: (لله الواحد القهار)، وذكر المبتدأ قبله تطويل.

3- أن هذا الفعل تُبْطِلُهُ اللغة - وهذا هو الأهم -؛ وَيُخِلُّ بالنظم القرآني؛ فإن قوله (الملك اليوم) إما أن يتبع ما قبله أو يتبع ما بعده، أمّا أن يتبع ما قبله وما بعده في آن واحد : فإن هذا لا يصح.

وَيُبَيِّنُ ذلك أكثر: أن الكلمة في الجملة من اللغة العربيةِ لا تُعرَبُ إعرابَيْنِ اثنين في آنٍ وحد، فلا تكون حالا وصفة في وقت واحد، ولا تكون مبتدأ وخبرا في آن واحد، ولكن يجوز أن تحتمل أحد إعرابين،

فيقال: هذه الكلمة إما مبتدأ أو خبر، ومثاله: قوله تعالى: ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) البقرة/ 177، فبعض القراء نصب (البر) على أنه خبرُ ليسَ مقدمٌ، وبعضهم رَفَعَهُ على أنه اسمُ لَيْسَ .

فهنا يقال: (البر) إما أن تكون اسم ليس، وخبرها (أن تولوا)، أو تكون خبر ليس مقدم، واسمها (أَن تُوَلُّوا)، ولا يمكن أن يكون (البر) اسم ليس وخبرها في الوقت نفسه؛ فإن هذا تناقض.

فقوله ( لمن الملك اليوم ) ؛ (الملك) مبتدأ مؤخر لهذه الجملة ، فإذا أعاد القارئ وقال: (الملك اليوم لله الواحد القهار) فيلزم أن تكون (الملك) هنا مبتدأ لهذه الجملة، وهذا لا يصح". انتهى .

من مقال: " إضاءات لأئمة المساجد في الوقف والابتداء في القرآن الكريم "، للأستاذ: عبدالرحمن العليان، منشور بموقع الألوكة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-02-02, 15:57
السبب في عدم إيراد الطبري في تفسيره لرواية حفص عن عاصم

السؤال

لماذا لم تكن روايه حفص بن عاصم من مرويات العلامه الطبري في تفسيره ؟

فعلي سبيل المثال وليس الحصر ، الآيه 16 من سوره النازعات ، قد قال عنها الطبري: نزاعه خبر

فقد قرأها جميع القراء مرفوعة ، ولا تصح أن تقرأ منصوبة ، ولا يوجد قارئ قرأها بالنصب، علما بأنها قراءه حفص عن عاصم ؟

الجواب

الحمد لله

لم يورد الطبري رحمه الله رواية حفص عن عاصم في تفسيره ، والظاهر أنه لم يكن عنده سند بها، ولعل ذلك راجع إلى أن رواية شعبة عن عاصم كانت هي المشتهرة في وقت الطبري، دون رواية حفص.

قال الدكتور مساعد الطيار حفظه الله : " كنت قد طرحت في هذا الملتقى موضوعًا يتعلق بالقراءات عند ابن جرير ، وخلصت فيه إلى أن ابن جرير لا يردُّ قراءةً متواترةً ، وعللت ذلك الأمر...

واليوم ظهر لي أن ابن جرير الطبري لم يكن عنده سند بقراءة حفص عن عاصم... ".

ثم ذكر فائدة نفيسة تتعلق بطريقي عاصم ، " وهو أن طريق شعبة هو المقدم عند المتقدمين ، ولعل هذا يشير إلى عدم ورود سند حفص عند الطبري، وهذه الفائدة نصٌّ لابن مجاهد في كتاب السبعة ( ص : 71 ) ، قال فيه :

" وإلى قراءة عاصم ، صار بعض أهل الكوفة ، وليست بالغالبة عليهم ؛ لأن أضبط من أخذ عن عاصم أبو بكر بن عياش ـ فيما يقال ـ لأنه تعلمها منه تعلما خمسا خمسا .

وكان أهل الكوفة لا يأتمون في قراءة عاصم بأحد ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش

وكان أبو بكر لا يكاد يُمَكِّن من نفسه من أرادها منه ، فقلَّتْ بالكوفة من أجل ذلك ، وعَزَّ من يحسنها ، وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات " .

وإذا تأملت هذا النصَّ ظهر لك أن قراءة حفص عن عاصم في وقت الطبري (ت : 310) الذي كان في طبقة شيوخ ابن مجاهد ( ت : 324 ) لم يكن لها قبول كغيرها " .

ثم ذكر حفظه الله أمثلة تدل على أن الطبري لم يكن عنده سند حفص عن عاصم، منها:

" المثال الثاني : قوله تعالى (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) (مريم:25).

قال الطبري : (( واختلف القرأة في قراءة قوله : (تساقط):

فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والبصرة والكوفة ( تَسَّاقط ) بالتاء من تساقط وتشديد السين

بمعنى تتساقط عليك النخلة رطبا جنيا ، ثم تدغم إحدى التاءين في الأخرى فتشدد ، وكأن الذين قرؤوا ذلك كذلك وجهوا معنى الكلام إلى: وهزي إليك بجذع النخلة تسَّاقط النخلة عليك رطبا جنيَا .

وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة : ( تَسَاقط ) بالتاء وتخفيف السين ، ووجهوا معنى الكلام إلى مثل ما وجَّهه إليه مشددوها غير أنهم خالفوهم في القراءة .

وروي عن البراء بن عازب أنه قرأ ذلك : ( يَسَّاقط ) بالياء .

حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا يزيد ، عن جرير بن حازم ، عن أبي إسحاق ، قال سمعت البراء بن عازب يقرؤه كذلك .

وكأنه وجه معنى الكلام إلى : وهزي إليك بجذع النخلة يتساقط عليك رطبًا جنيًا .

وروي عن أبي نهيك أنه كان يقرؤه ( تُسقِط ) بضم التاء وإسقاط الألف .

حدثنا بذلك بن حميد قال ثنا يحيى بن واضح قال ثنا عبد المؤمن قال : سمعت أبا نهيك يقرؤه كذلك . وكأنه وجه معنى الكلام إلى : تسقط النخلة عليك رطبا جنيا .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن هذه القراءات الثلاث ؛ أعني : تَسَّاقط بالتاء وتشديد السين ، وبالتاء وتخفيف السين وبالياء وتشديد السين قراءات متقاربات المعاني

قد قرأ بكل واحدة منهن قراء أهل معرفة بالقرآن ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب الصواب فيه ... "

. تفسير الطبري ط : دار هجر (15 : 513 ـ 514).

وهذه القراءات ليس فيها ـ كما ترى ـ قراءة حفص عن عاصم ( تُساقِط ) بضم التاء وكسر القاف ، ولو كانت عنده لذكرها ، وهو كما رأيت ذكر قراءات شاذة ، والله أعلم .

المثال الثالث : ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْب) (القصص: 32).

قال الطبري : " واختلفت القراء في قراءة ذلك: فقرأته عامة قراء أهل الحجاز والبصرة ( من الرَّهَبِ ) بفتح الراء والهاء.
وقرأته عامة قراء الكوفة ( من الرُّهْب ) بضم الراء وتسكين الهاء.

والقول في ذلك : أنهما قراءتان متفقتا المعنى ، مشهورتان في قراء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب " تفسير الطبري ط : دار هجر ( 18 246).

ولم يذكر قراءة حفص بفتح الراء وتسكين الهاء ( من الرَّهْبِ ) ، ولو كانت عنده لذكرها ، والله أعلم " انتهى

وانظر للفائدة: جواب السؤال القادم

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-02-02, 16:00
أيهما أصح " تفسير ابن كثير " أو " تفسير الطبري " ؟

السؤال

أيهما أصح " تفسير ابن كثير " أو " تفسير الطبري " ؟.

الجواب

الحمد لله

كل واحد من هذين التفسيرين لعالم جليل من علماء أهل السنة ، ولا يزال العلماء ينصحون باقتنائهما

ولكل واحدٍ منهما ميزات تجعل طالب العلم لا يستطيع تفضيل واحدٍ منهما على الآخر ، وهذه بعض اللمحات عن التفسيرين :

1. " تفسير الطبري "

- ولد الإمام محمد بن جرير الطبري عام 224 هـ وتوفي عام 310 هـ عن ستة وثمانين عاماً في إقليم طبرستان .

- سمى تفسيره " جامع البيان في تأويل آي القرآن " .

- قال أبو حامد الإسفرايني : لو سافر مسافر إلى الصين من أجل تحصيله ما كان ذلك كثيراً في حقه .

" طبقات المفسرين " للداودي ( 2 / 106 ) .

وقال ابن خزيمة : نظرت فيه من أوله إلى آخره ، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير.

" سير أعلام النبلاء " ( 14 / 273 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وأما التفاسير التي في أيدي الناس : فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري ؛ فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة ، وليس فيه بدعة ، ولا ينقل عن المتهمين ، كمقاتل بن بكير والكلبي .

" مجموع الفتاوى " ( 13 / 358 ) .

وقال أيضاً في "مقدمة في أصول التفسير" (ص 39) عن تفسير ابن جرير :

من أجل التفاسير وأعظمها قدراً . انتهى .

- اعتمدَ أقوال ثلاث طبقات من طبقات مفسري السلف ، وهم الصحابة ، والتابعون ، وأتباع التابعين ، ويذكر أقوالهم بأسانيده إليهم ، وهذه ميزة عظيمة في كتابه

لا توجد في كثير من كتب التفسير الموجودة بين أيدينا ، غير أن هذه الميزة لا تتناسب مع عامة المسلمين الذين ليس لديهم القدرة على البحث في الأسانيد ومعرفة الصحيح من الضعيف

وإنما يريدون الوقوف على صحة السند أو ضعفه بكلام واضح بَيِّن مختصر .

- فإذا انتهى من عرضِ أقوالِهم : رجَّحَ ما يراه صوابًا ، ثمَّ يذكر مستندَه في الترجيحِ .

2. " تفسير ابن كثير "

- هو أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ، توفي في عام 774 هـ .

- سمى تفسيره " تفسير القرآن العظيم " .

- قال السيوطي رحمه الله في حق هذا التفسير : لم يؤلَّف على نمطه مثله .

" تذكرة الحفاظ " ( ص 534 ) .

- وتفسيره من التفسير بالمأثور – الآية والحديث - ، وشهرته تعقب شهرة الطبري عند المتأخرين .

- سهل العبارة ، جيد الصياغة ، ليس بالطويل الممل ، ولا بالقصير المخل .

- يفسِّر الآية بالآية ، ويسوق الآيات المتناسبة مع ما يفسره من الآيات ، ثم يسرد الأحاديث الواردة في موضوع الآية ، ويسوق بعض أسانيدها وبخاصة ما يرويه الإمام أحمد في مسنده ، وهو من حفظة المسند

ويتكلم على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً– غالباً – وهي ميزة عظيمة في تفسيره ، ثم يذكر أقوال السلف من الصحابة والتابعين ، ويوفق بين الأقوال ، ويستبعد الخلاف الشاذ .

قال عنه محمد بن جعفر الكتاني : إنه مشحون بالأحاديث والآثار بأسانيد مخرجيها مع الكلام عليها صحةً وضعفاً .

" الرسالة المستطرفة " ( ص 195 ) .

- نبَّه على الموقف الشرعي من الروايات الإسرائيلية ، ونبَّه على بعضها خلال تفسيره لبعض الآيات .

والخلاصة :

أنه لا غنى لطالب العلم عن الكتابين ، وأنه عند المفاضلة بينهما :

فإن تفسير ابن جرير لم يؤلَّف بعده مثله ، وهو زاد للعلماء وطلبة العلم ، لكنه لا يصلح لعامة الناس لعدم صلاحيتهم هم له ، وتفسير ابن كثير أقرب لأن يوصى به عوام الناس ، وفيه من الفوائد للعلماء وطلبة العلم الشيء الكثير .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-02-02, 16:02
ضرب الأمثلة من القرآن

السؤال

نسمع كثيراً من الناس يستخدمون الآيات القرآنية لضرب أمثلة أو ما شابه ذلك ، كقوله : (لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ) الغاشية/7 ، وقوله : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ) طه/55

ومن تلك الآيات القرآنية الكريمة التي لا يمكن التلفظ بها إلا لما يفيد وينفع ، لا للسخرية والاستهتار ، كالدارج على ألسنة بعض الناس ، وما نسمعه أو نقرأه ، فهل هذا جائز أم لا ؟

الجواب

الحمد لله

" لا بأس بالتمثيل بالقرآن ، إذا كان ذلك لغرض صحيح ، كأن يقول : هذا الشيء لا يسمن ولا يغني من جوع ، أو يقول : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ، إذا أراد التذكير بحالة الإنسان مع الأرض وأنه خُلق منها ويعود إليها

فالتمثيل بالقرآن إذا لم يكن على وجه السخرية والاستهزاء فلا بأس به ، أما إذا كان على وجه السخرية والاستهزاء - كما يقول السائل ، فهذا يعتبر ردة عن الإسلام ، لأن من استهزأ بالقرآن أو بشيء من ذكر الله عز وجل

فإنه يرتد عن دين الإسلام ، كما قال تعالى : (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) التوبة/65، 66 ، فيجب تعظيم القرآن واحترامه

ولا يمنع هذا أن الإنسان يتمثل به على وجه نزيه ، وعلى وجه طيب ، لا مانع من ذلك ، أما استعماله من باب السخرية والاستهزاء ، فهذا ردة عن الإسلام" انتهى.

والله تعالى أعلم .

"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/127) .

*عبدالرحمن*
2019-02-02, 16:09
التكبير من سورة الضحى إلى سورة الناس

السؤال

هل يجوز التهليل والتكبير من بعد سورة الضحى إلى سورة الناس ؟

وهل ثبت ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

اختلف العلماء في حكم التكبير بعد كل سورة ، من سورة الضحى إلى الناس ، فاستحبه الإمام أحمد ، وخالفه باقي الأئمة ؛ وعن الإمام أحمد رواية أخرى توافق قول الجمهور

والصحيح أنه لا يشرع التكبير ، ولم يثبت هذا في حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم ، كما لم يصح التكبير عن أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم، وإنما ثبت ذلك عن بعض قراء أهل مكة.

عن عكرمة بن سليمان قال : قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت ( وَالضُّحَى ) قال لي : كبِّر كبِّر عند خاتمة كل سورة حتى تختم ، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك

وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك ، وأخبره أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك .

رواه الحاكم في " المستدرك " ( 3 / 304 ) .

والحديث ضعيف ، في إسناده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقرئ ، قال أبو حاتم : ضعيف الحديث

لا أُحَدِّث عنه ، وقال العقيلي : منكر الحديث ، وقال الذهبي : هذا حديث غريب ، وهو مما أنكر على البزي ، قال أبو حاتم : هذا منكر ، وقال : وصحح له الحاكم حديث التكبير ، وهو منكر .

انظر : " الضعفاء " للعقيلي ( 1 / 127 )

و" ميزان الاعتدال " ( 1 / 144 ، 145 )

و " سير أعلام النبلاء" ( 12 / 51 ) كلاهما للإمام الذهبي .

قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :

" واستحب أحمد التكبير من أول سورة الضحى إلى أن يختم ، ذكره ابن تميم وغيره ، وهو قراءة أهل مكة ، أخذها البزي عن ابن كثير ، وأخذها ابن كثير عن مجاهد

وأخذها مجاهد عن ابن عباس ، وأخذها ابن عباس عن أبيّ بن كعب ، وأخذها أبيّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، روى ذلك جماعة منهم : البغوي في تفسيره ، والسبب في ذلك انقطاع الوحي

وهذا حديث غريب ، رواية أحمد بن محمد بن عبد الله البزي ، وهو ثبت في القراءة ، ضعيف في الحديث .
وقال أبو حاتم الرازي : هذا حديث منكر ...
.
وعنه – أي : عن الإمام أحمد - أيضاً : لا تكبير ، كما هو قول سائر القراء " انتهى .

" الآداب الشرعية " ( 2 / 295 ، 296 ) .

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

عن جماعة اجتمعوا في ختمة وهم يقرؤون لعاصم وأبى عمرو فإذا وصلوا إلى سورة الضحى لم يهللوا ولم يكبروا إلى آخر الختمة

ففعلهم ذلك هو الأفضل أم لا ؟ وهل الحديث الذي ورد في التهليل والتكبير صحيح بالتواتر أم لا ؟

فأجاب :

" الحمد لله ، نعم ، إذا قرؤوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل ، بل المشروع المسنون ؛ فإن هؤلاء الأئمة من القراء لم يكونوا يكبرون لا في أوائل السور ، ولا في أواخرها

فإن جاز لقائل أن يقول إن ابن كثير نقل التكبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : جاز لغيره أن يقول إن هؤلاء نقلوا تركه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ من الممتنع أن تكون قراءة الجمهور

التي نقلها أكثر من قراءة ابن كثير قد أضاعوا فيها ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن أهل التواتر لا يجوز عليهم كتمان ما تتوفر الهمم والدواعي إلى نقله

فمن جوَّز على جماهير القراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأهم بتكبير زائد فعصوا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتركوا ما أمرهم به : استحق العقوبة البليغة التي تردعه وأمثاله عن مثل ذلك ...
.
وأما التكبير : فمن قال إنه من القرآن : فإنه ضال باتفاق الأئمة

والواجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، فكيف مع هذا ينكر على من تركه ؟!

ومن جعل تارك التكبير مبتدعاً أو مخالفاً للسنَّة أو عاصياً : فإنه إلى الكفر أقرب منه إلى الإسلام ، والواجب عقوبته ؛ بل إن أصرَّ على ذلك بعد وضوح الحجة وجب قتله .

ولو قدِّر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتكبير لبعض من أقرأه : كان غاية ذلك يدل على جوازه ، أو استحبابه ، فإنه لو كان واجباً : لما أهمله جمهور القراء ، ولم يتفق أئمة المسلمين

على عدم وجوبه ، ولم ينقل أحد من أئمة الدين أن التكبير واجب ، وإنما غاية من يقرأ بحرف ابن كثير أن يقول : إنه مستحب ، وهذا خلاف البسملة ، فإن قراءتها واجبة عند من يجعلها من القرآن

ومع هذا فالقراء يسوغون ترك قراءتها لمن لم ير الفصل بها ، فكيف لا يسوغ ترك التكبير لمن ليس داخلا في قراءته ؟ " انتهى .

" مجموع الفتاوى " ( 13/ 417 - 419 ) .

وقال – رحمه الله - :

" والتكبير المأثور عن ابن كثير ليس هو مسنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يسنده أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا البزي ، وخالف بذلك سائر من نقله

فإنهم إنما نقلوه اختياراً ممن هو دون النبي صلى الله عليه وسلم ، وانفرد هو برفعه ، وضعَّفه نقلة أهل العلم بالحديث والرجال من علماء القراءة وعلماء الحديث ، كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء " انتهى .

" مجموع الفتاوى " ( 17 / 130 ) .

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

بعض قراء القرآن يفصلون بين السورة والأخرى بقول " الله أكبر " دون بسملة ، هل يجوز ذلك ، وهل له دليل ؟

فأجاب :

هذا خلاف ما فعل الصحابة رضي الله عنهم من فصلهم بين كل سورة وأخرى بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وخلاف ما كان عليه أهل العلم من أنه لا يفصل بالتكبير في جميع سور القرآن .

غاية ما هناك أن بعض القراء استحب أن يكبر الإنسان عند ختم كل سورة من الضحى إلى آخر القرآن مع البسملة بين كل سورتين ، والصواب : أنه ليس بسنة ؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم

وعلى هذا فالمشروع أن تفصل بين كل سورة وأخرى بالبسملة " بسم الله الرحمن الرحيم " إلا في سورة " براءة " فإنه ليس بينها وبين الأنفال بسملة " انتهى .

" فتاوى إسلامية " ( 4 / 48 ) .

وقد ذكر الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله - في كتابه " بدع القراء " ( ص 27 ) سبعة أمور تتعلق بختم القرآن نذكر منها :
التكبير في آخر سورة الضحى إلى آخر سورة الناس داخل الصلاة أو خارجها
.
ثم قال :

" فهذه الأمور السبعة : لا يصح فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن صحابته رضي الله عنهم ، وعامة ما يُروى في بعضها مما لا تقوم به الحجة ، فالصحيح عدم شرعية شيء منها " انتهى .

وألَّف شيخ المقرئين في المدينة النبوية الشيخ إبراهيم الأخضر رسالة بعنوان " تكبير الختم بين القراء والمحدثين " ، وقد ذكر في خاتمة هذه الرسالة ما نصه :

" ومن خلال ما تقدم من بحث أحوال الروايات ، وتحقيق سندها ، وتراجم رجالها : لم نجد غير رواية البزي

- كما ذكر العلماء - ، وهي رواية تسلسلت بالضعفاء والمجروحين ، ولم تعضدها رواية أخرى من غير طريق البزي ، وذلك كما صرح كثير من علماء الروايات

على أن بعضاً من مشاهير القراء كابن مجاهد في كتابه " السبعة " لم يورد التكبير ، وكذلك أبو القاسم الهذلي في كتابه " الكامل " لم يورد التكبير أيضاً ، وهذا مما يدل على عدم ثبوت الرواية عندهما ، والله أعلم ... .

وبهذا فلا نثبت سنَّة بخبر كهذا ، بل الأفضل والأولى تركه سواء في رواية البزي أو رواية غيره من القراء ، وذلك صوناً لكتاب الله ، وتجريداً له عن كل ما ليس منه ممن يظن أنه سنَّة وهو ليس بسنَّة ، والحمد لله رب العالمين " انتهى .

ثانياً :

وقد ذُكر في سبب التكبير أسباب عديدة ، أشهرها أنه صلى الله عليه وسلم كان قد انقطع عنه الوحي مدة

فلما عاد بعد انقطاع نزل عليه بسورة الضحى ، وفيها ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) فكبَّر فرحاً بهذا ، وهذا لو صحَّ فإنه لا يدل على استحباب التكبير الذي قال به بعض القراء ، وذلك من وجوه :

1. أنه ليس فيه تكبير من بعد كل قراءة للسورة .

2. وليس فيه أنه كبَّر إلى سورة الناس .

3. وأنه كان التكبير مرة واحدة ولسبب مجيء الوحي بعد انقطاعه .

4. وأنه ليس في كل السور الأخرى ما في سورة الضحى من معاني .

على أن هذه الرواية لم يأتِ لها سند صحيح بل ولا ضعيف .

قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :

" وذكر القرَّاء في مناسبة التكبير من بعد سورة الضحى : أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتر تلك المدة ثم جاءه الملَك فأوحى إليه : ( وَالضُّحَى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ) السورة بتمامها : كبَّر فرَحاً ، وسروراً .

ولم يُروَ ذلك بإسناد يُحكم عليه بصحة أو ضعف ، فالله أعلم " انتهى .

" تفسير ابن كثير " ( 8 / 423 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2019-02-02, 16:14
مصحف التجويد الملون

السؤال

أود السؤال عن مصحف التجويد الذي يحتوي على الحروف الملونة التي تساعد على صحة نطق الحروف ومخارجها ؟

هل ما يحويه هذا المصحف من ألوان ومربعات ومسافات للوقفات يعتبر من البدع أم لا ؟

الجواب

الحمد لله

بعد الاطلاع على مصحف التجويد الملون ، تبين أنه لا محذور في استعمال هذه الألوان ، بل فيها تيسير تعلم التجويد ، على من لا يستطيع التلقي المباشر عن أهل الاختصاص .

وقد نشر موقع دار المعرفة صورة من اعتماد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر لهذا المصحف الذي استعملت فيه الألوان ، كما نقل موافقة شيخ قراء الديار الشامية الشيخ محمد كريم راجح ، وموافقة الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي

وهذا نص ما ورد في الموقع :

" وفيما يتعلّق بعملنا هذا، بيّن شيخ قرّاء الديار الشـاميّة محمد كريم راجح في 21 صفر1412 هـ

بأنّ هذا العمل ( مقبول وإذا لم ينفع لم يضر، ثمّ هو يُذكر ويدل، ولا يغني عن التلقّي من أفواه المشايخ )،

في حين بيّن الشيخ القارئ محي الدين الكردي في 18 صفر 1415هـ ( بأنّه قد يستفيد من هذا العمل البعيدُ عن التعلّم والكبير، فإنّهم لا يستطيعون التلقّي ).

وقد بيّن الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي عضو مجمّع الفقه الإسلامي بجدّة ورئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق في 18 محرم 1415 هـ ما يلي: (

يقول الله تعالى : ( ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكِر ) وفي هذا دلالة واضحة على أنّ كل ما يُيَسّر تلاوة القرآن المفروض شرعاً تدبّره وفهم معانيه وإدراكه، والعمل بما جاء فيه،

أمر واجب شرعاً على أولي العلم والفقه وتفسير كتاب الله ، وإذا كان ترتيل القرآن المجيد واجباً شرعاً على النحو المعروف في علم التجويد، فإنّ كل أسلوب يُسهّل على القارئ معرفة أحكام التجويد

والالتزام بها في التلاوة أمر جائز شرعاً، سواء أكانت حروف الطباعة بلون واحد أم بألوان مختلفة، والقراءة الناجحة هي التي ترتسم حروف كلماتها في الذهن، وهذه الطبعة للقرآن المجيد

بالألوان تتفق مع تيسير القرآن وترتيله، وتثبيت الأحكام في الذهن، فذلك أسلوب معاصر مرغوب فيه ولا ينافي المأثور والرسم المنقول، والله الموفق لدار المعرفة على هذا العمل المبرور" انتهى .

ولا وجه للحكم ببدعية هذه الألوان ، فقد كان علماء الضبط قديما من زمن التابعين يشكلون المصاحف وينقطونها باللون الأحمر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" لم يكن الصحابة ينقطون المصاحف ويشكلونها حيث كانوا عربا لا يلحنون ، فلم يحتاجوا إلى تقييدها بالنقط

وكان في اللفظ الواحد قراءتان يقرأ بالياء والتاء مثل يعملون ، وتعملون ، فلم يقيدوه بأحدهما ليمنعوه من الأخرى .
ثم إنه في زمن التابعين لما حدث اللحن صار بعض التابعين يشكل المصاحف وينقطها

وكانوا يعملون ذلك بالحمرة ، ويعملون الفتح بنقطة حمراء فوق الحرف ، والكسرة بنقطة حمراء تحته ، والضمة بنقطة حمراء أمامه ، ثم مدوا النقطة الحمراء ، وصاروا يعملون الشدة بقولك " شد " ويعملون المدة بقولك " مد "

وجعلوا علامة الهمزة تشبه العين ؛ لأن الهمزة أخت العين ، ثم خففوا ذلك وصارت علامة الشدة مثل رأس السين

وعلامة المدة مختصرة ، كما يختصر أهل الديوان ألفاظ العدد وغير ذلك ، كما يختصر المحدثون أخبرنا وحدثنا فيكتبون أول اللفظ وآخره على شكل ( أنا ) وعلى شكل ( ثنا ) وتنازع العلماء هل يكره تشكيل المصاحف

وتنقيطها على قولين معروفين ، وهما روايتان عن أحمد ، لكن لا نزاع بينهم أن المصحف إذا شكل ونقط وجب احترام الشكل والنقط ، كما يجب احترام الحرف)

انتهى من "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (12/101).

وقال الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد المطلق حفظه الله : " لا يدخل في الرسم العثماني الأمور التالية :

أولا : النقط التي تتميز بها الحروف فإنها إنما ألحقت بالحروف العربية في عصر التابعين وكانت الحروف قبل ذلك تكتب غير منقوطة . قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني المتوفى سنة 444 هـ: " باب ذكر من نقط المصاحف أولا من

التابعين ومن كره ذلك ومن ترخص فيه من العلماء: اختلفت الرواية لدينا فيمن ابتدأ بنقط المصاحف من التابعين فروينا أن المبتدئ بذلك كان أبا الأسود الدؤلي .

وروينا أن ابن سيرين كان عنده مصحف نقطه يحيى بن يعمر وأن يحيى أول من نقطها" [كتاب النقط المطبوع مع المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ص129 ].

ثانيا : الحركات والتنوين وأول من وضعها أبو الأسود الدؤلي وكانت نقطا ، وذلك أنه أراد أن يعمل كتابا في العربية يقوّم الناس به ما فسد من كلامهم إذ كان ذلك قد نشأ في خواص الناس وعوامهم فأحضر من يمسك المصحف

وأحضر صبغا يخالف لون المداد ، وقال للذي يمسك المصحف عليه: إذا فتحت فاي فاجعل نقطة فوق الحرف

وإذا كسرت فاي فاجعل نقطة تحت الحرف ، وإذا ضممت فاي فاجعل نقطة أمام الحرف

فإن أتبعت هذه الحروف غنّة يعني تنوينا ، فاجعل نقطتين حتى آتي على آخر المصحف . وقيل إن أول من فعل ذلك نصر بن عاصم الليثي . [كتاب النقط المطبوع مع المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ص129].

ثم إن الخليل بن أحمد طور ذلك حيث اخترع الحركات المأخوذة من الحروف . [الإتقان في علوم القرآن ص 219 ].

ثالثا : الهمزة والتشديد والرَّوْم والإشمام ، وأول من وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي .

رابعا : علامات التجويد وعلامات الوصل والوقف فإنها لم تكن في الرسم العثماني وإنما كتبت بعد الكتابة في علم التجويد "

انتهى من "كتابة القرآن الكريم بخط برايل للمكفوفين" منشور في مجلة البحوث الإسلامية (66/337).

والله أعلم .

زهرة الجنوووب
2019-02-02, 16:18
ما شاء الله

*عبدالرحمن*
2019-02-02, 16:19
متى يجب الإنصات لتلاوة القرآن ؟

السؤال

ما هو حكم إذا كنا جالسين في مجلس كبير يقرأ فيه القرآن ، وكنت أنا ورفيق لي منفصلين بحوار آخر عن الموجودين . إذا كنا في سيارة أو حافلة والسائق يستمع إلى القرآن أو يقرؤه ولم نكن مشاركين له فيما يقرأ

. إذا كنا في غرفة ما ، و يوجد من يصلي جهراً ، أو يقرأ القرآن جهرا . أو أي حالة أخرى في مكان يقرأ القرآن فيه ولم نكن نرغب أو نشارك فيما يقرأ

فهل يجب علينا أن ننصت حتى يفرغ القارئ ، و تنطبق علينا الآية الكريمة ؟

الجواب

الحمد للَّه

اختلف العلماء في حكم الإنصات لقراءة القرآن خارج الصلاة ، على قولين
:
القول الأول : الوجوب ، وهو مذهب الأحناف ، وبعضهم جعله وجوبا عينيا ، وآخرون قالوا وجوب كفائي ، واستدلوا بعموم قوله سبحانه وتعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأعراف/204

جاء في "الموسوعة الفقهية" (4/86) :

" الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم حين يقرأ خارج الصلاة واجبٌ إن لم يكن هناك عذرٌ مشروعٌ لترك الاستماع .
وقد اختلف الحنفيّة في هذا الوجوب ، هل هو وجوبٌ عينيٌّ ، أو وجوبٌ كفائيٌّ ؟

قال ابن عابدين : الأصل أنّ الاستماع للقرآن فرض كفايةٍ ، لأنّه لإقامة حقّه ، بأن يكون ملتفتاً إليه غير مضيّعٍ ، وذلك يحصل بإنصات البعض ، كما في ردّ السّلام .

ونقل الحمويّ عن أستاذه قاضي القضاة يحيى الشّهير بمنقاري زاده : أنّ له رسالةً حقّق فيها أنّ سماع القرآن فرضُ عينٍ .

نعم إنّ قوله تعالى في سورة الأعراف ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) قد نزلت لنسخ جواز الكلام أثناء الصّلاة ، إلاّ أنّ العبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب

ولفظها يعمّ قراءة القرآن في الصّلاة وفي غيرها " انتهى .

القول الثاني : الاستحباب والندب ، وحملوا الآية التي في سورة الأعراف في حال الصلاة فقط ، أما في غير الصلاة فالأمر على الندب والاستحباب ، وهذا قول جماهير أهل العلم .

يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (2/372) :

" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قوله : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأعراف/204 : يعني في الصلاة المفروضة . وكذا روي عن عبد الله بن المغفل

. وقال ابن جرير : حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال : رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان والقاص يقص فقلت

: ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود ؟ قال : فنظرا إلي ثم أقبلا على حديثهما .

قال : فأعدت ، فنظرا إلي وأقبلا على حديثهما . قال : فأعدت الثالثة ، قال : فنظرا إلي فقالا : إنما ذلك في الصلاة ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأعراف/204

وكذا رواه غير واحد عن مجاهد وقال عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد قال : لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم .

وكذا قال سعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم النخعي وقتادة والشعبي والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أن المراد بذلك في الصلاة .

وهذا اختيار ابن جرير : أن المراد من ذلك الإنصات في الصلاة وفي الخطبة كما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات خلف الإمام وحال الخطبة " انتهى .

ويظهر أن هذا القول هو القول الراجح ، لأن الوجوب يلزمه دليل صريح ، وإلا ألزمنا الناس بما فيه مشقة ظاهرة من غير دليل .

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في "لقاءات الباب المفتوح" ( لقاء رقم/197، سؤال رقم/26) :

كان مجموعة في السيارة يمشون ، وشغل أحدهم شريط قرآن ، فهل يجب على الجميع استماع هذا الشريط ، وهل يأثم من يتكلم والشريط شغال ؟

فكان الجواب :

قال الإمام أحمد رحمه الله في هذه الآية : هذا في الصلاة . وقال : أجمعوا على أن ذلك في الصلاة .

وعلى هذا فلو كنت بجوار شخص يقرأ القرآن ويجهر به ، وأنا أسبح وأهلل - ذكر خاص - فإنه لا يلزمني أن أستمع له ، وإنما ذلك في الصلاة فقط .

ولكني أقول للأخ الذي شغل المسجل : لا تشغل والناس غافلون ؛ لأن هذا أدنى ما نقول فيه أنه يشبه من قال الله فيهم : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) فصلت/26

فإذا رأيت إخوانك لا يريدون الاستماع ، إنما هم مشغولون بالحديث بينهم ، فلا تشغل المسجل ، وإذا كنت تشتاق لهذا فهناك سماعة صغيرة أدخلها في أذنك ، ويجعل الصوت له وحده " انتهى .

وجاء في "المنتقى من فتاوى الفوزان" (3/سؤال رقم 437)

" أقضي بعض الأوقات الساعات الطوال في المطبخ ، وذلك لإعداد الطعام لزوجي ، وحرصًا مني على الاستفادة من وقتي ؛ فإنني أستمع إلى القرآن الكريم ، سواء كان من الإذاعة

أو من المسجل ؛ فهل عملي هذا صحيح أم أنه لا ينبغي لي فعل ذلك ؛ لأن الله تعالى يقول :

( وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) ؟

الجواب : لا بأس باستماع القرآن الكريم من المذياع أو من المسجل والإنسان يشتغل ، ولا يتعارض هذا مع قوله

: ( فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ ) ؛ لأن الإنصات مطلوب حسب الإمكان ، والذي يشتغل ينصت للقرآن حسب استطاعته " انتهى .

واختيار القول بالاستحباب لا يعني التساهل وتعمد التغافل عن الإنصات لكلام الله سبحانه وتعالى حين يتلى ، فالحرص على الإنصات لا بد أن يكون أصلا ثابتا في حياة المسلم ، ولا ينصرف عنه إلا لشغل أو حاجة .

يقول النووي في "التبيان في آداب حملة القرآن" (92) :

" ومما يُعْتنى به ويتأكد الأمر به : احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين ، فمن ذلك : اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة ، إلا كلاما يضطر إليه

وليمتثل قول الله تعالى : ( وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) وليقتد بما رواه ابن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أنه كان إذا قُرئ القرآنُ لا يتكلم حتى يُفرَغَ منه ) " انتهى .

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/146،سؤال رقم 9):

" ليس من الآداب أن يتلى كتاب الله ولو بواسطة الشريط وأنت متغافل عنه " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-02-02, 16:22
حكم الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة في الصلاة

السؤال

ما حكم الاستعاذة قبل قراءة القرآن في الصلاة ؟

هل هي واجبة أم مستحبة ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ قبل قراءة الفاتحة في الصلاة . رواه أبو داود (775) وصححه الألباني .

ثانياً :

اختلف العلماء في حكم الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة في الصلاة فذهب بعضهم إلى الوجوب ، وذهب إليه عطاء والثوري والأوزاعي وداود ، نقله ابن حزم في "المحلى" (3/247-248) واختاره

وهو رواية عن أحمد اختارها ابن بطة كما في "الإنصاف" (2/119) ، واختار هذا القول من المتأخرين الشيخ الألباني رحمهم الله جميعا .

وذهب آخرون إلى الاستحباب فقط وليس الوجوب ، وهو قول جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المعتمد من مذهبه .

انظر : "تبيين الحقائق" (1/107)

"المجموع" (3/280-282)

"المغني" (1/283)

"الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (5/332) .

واستدل القائلون بالوجوب بقوله تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) النحل/98

قالوا : وفي الآية أمر بالاستعاذة ، والقاعدة أن الأمر يفيد الوجوب ما لم تأت قرينة – يعني دليل – آخر يدل على أن المقصود بالأمر الاستحباب .

قال ابن حزم في "المحلى" (2/279) :

" وأما قول أبي حنيفة والشافعي أن التعوذ ليس فرضا فخطأ

لأن الله تعالى يقول : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) ، ومن الخطأ أن يأمر الله تعالى بأمر ثم يقولَ قائل بغير برهان من قرآن ولا سنة : هذا الأمر ليس فرضا

لا سِيَّما أمره تعالى بالدعاء في أن يعيذنا من كيد الشيطان ، فهذا أمر مُتَيَقَّنٌ أنه فرض ؛ لأن اجتناب الشيطان والفرار منه وطلب النجاة منه لا يختلف اثنان في أنه فرض ، ثم وضع الله تعالى ذلك علينا عند قراءة القرآن " انتهى .

وأجاب الجمهور عن هذا الدليل بأنه قد جاءت بعض القرائن فصرفت الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب ، وهذه القرائن هي :

1- حديث المسيء صلاته : فقد عَلَّمَه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فقال له : ( إِذَا قُمتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّر ثُمَّ اقرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرآنِ ثُمَّ اركَع ..إلخ ) رواه البخاري ومسلم (397) ولم يذكر له الاستعاذة .

قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/208) :

" وإن تركه ناسيا أو جاهلا أو عامدا لم يكن عليه إعادة ولا سجود سهو ، وأكره له تركه عامدا ، وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها

وإنما منعني أن آمره أن يعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ رجلا ما يكفيه في الصلاة فقال

: ( كَبِّر ثُمَّ اقْرَأ ) قال : ولم يُروَ عنه أنه أمره بتعوذ ولا افتتاح ، فدل على أن افتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيارٌ ، وأن التعوذ مما لا يُفسِدُ الصلاةَ إن تركه " انتهى .

2- وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/6) :

" واحتجّ الجمهور بأنّ الأمر للنّدب ، وصرفه عن الوجوب إجماع السّلف على سنّيّته " انتهى .

وقد اختار القول بأنه سنة مستحبة وليست واجبة علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، والشيخ ابن عثيمين .

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/383) :

ما حكم من نسي الاستعاذة من الشيطان الرجيم وتذكر بعد انقضاء الصلاة ، أو ذكر أنه لم يقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو بالصلاة ؟

فأجابت :

" الاستعاذة سنة ، فلا يضر تركها في الصلاة عمدًا أو نسيانا " انتهى .

وسئل الشيخ ابن عثيمين : هل الاستعاذة في كل ركعة أو في الأولى فقط ؟

فأجاب :

" الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة .

واختلف العلماء - رحمهم الله - هل يستعيذ في كل ركعة ، أم في الركعة الأولى فقط ، بناء على القراءة في الصلاة : هل هي قراءة واحدة ، أم لكل ركعة قراءة منفردة ؟

والذي يظهر لي : أن قراءة الصلاة واحدة ، فتكون الاستعاذة في أول ركعة ، إلا إذا حدث ما يوجب الاستعاذة

كما لو انفتح عليه باب الوساوس ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً ، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم " انتهى .

"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/110) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-02-02, 16:29
هل في السنة دعاء بعد ختم القرآن ؟

السؤال

أرجو منكم إرسال دعاء ختم القرآن الكريم كما ورد في السنة النبوية .

الجواب

الحمد لله

ليس في السنة النبوية دعاء خاص بعد ختم القرآن الكريم

ولا حتى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو الأئمة المشهورين ، ومن أشهر ما ينسب في هذا الباب الدعاء المكتوب في آخر كثير من المصاحف منسوباً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ولا أصل له عنه .

انظر : "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/226) .

والدعاء بعد ختم القرآن إما أن يكون بعد ختمه في الصلاة ، أو خارجها ، ولا أصل للدعاء بعد الختمة في الصلاة ، وأما خارجها فقد ورد فعله عن أنس رضي الله عنه .

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان ؟ فأجاب :

" لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم

ولا عن الصحابة أيضا ، وغاية ما ورد في ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا . وهذا في غير الصلاة " انتهى .

"فتاوى أركان الإسلام" (ص 354) .

وللشيخ بكر أبو زيد رسالة نافعة في هذه المسألة ، ومما جاء في خاتمتها :

من مجموع السياقات في الفصلين السالفين نأتي إلى الخاتمة في مقامين :

المقام الأول : في مطلق الدعاء لختم القرآن :

والمتحصل في هذا ما يلي :

أولاً :

أن ما تقدم مرفوعا وهو في مطلق الدعاء لختم القرآن :

لا يثبت منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم , بل هو إما موضوع أو ضعيف لا ينجبر ،

ويكاد يحصل القطع بعدم وجود ما هو معتمد في الباب مرفوعاً

لأن العلماء الجامعين الذين كتبوا في علوم القرآن وأذكاره أمثال : النووي , وابن كثير , والقرطبي , والسيوطي , لم تخرج سياقاتهم عن بعض ما ذكر ، فلو كان لديهم في ذلك ما هو أعلى إسناداً لذكروه .

ثانياً :

أنه قد صح من فعل أنس بن مالك رضي الله عنه الدعاء عند ختم القرآن ، وجمع أهله وولده لذلك , وأنه قد قفاه (أي : تابعه) على ذلك جماعة من التابعين , كما في أثر مجاهد بن جبر رحمهم الله تعالى أجمعين .

ثالثاً :

أنه لم يتحصل الوقوف على شيء في مشروعية ذلك في منصوص الإمامين : أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى .

وأن المروي عن الإمام مالك رحمه الله : أنه ليس من عمل الناس ، وأن الختم ليس سنة للقيام في رمضان .

رابعاً :

أن استحباب الدعاء عقب الختم , هو في المروي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى , كما ينقله علماؤنا الحنابلة , وقرره بعض متأخري المذاهب الثلاثة .

المقام الثاني : في دعاء الختم في الصلاة :

وخلاصته فيما يلي :

أولاً :

أنه ليس فيما تقدم من المروي حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم قبل الركوع أو بعده لإمام أو منفرد .

ثانياً :

أن نهاية ما في الباب هو ما يذكره علماء المذهب من الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية حنبل والفضل والحربي عنه - والتي لم نقف على أسانيدها - : من جعل دعاء الختم في صلاة التراويح قبل الركوع .

وفي رواية عنه - لا يعرف مخرجها - : أنه سهل فيه في دعاء الوتر ...

انظر : " مرويات دعاء ختم القرآن " .

والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2019-02-04, 15:12
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


ما حكم سماع القران قبل النوم من مسجل أو غيره ؟

السؤال

ما حكم سماع القرآن أثناء النوم من مسجل أو غيره لتكون خاتمة المسلم على ذكر الله ؟.

الجواب

الحمد لله

لا حرج من أن يستمع المسلم قبل نومه للقرآن ، أو لمحاضرة ، أو لشيء مباح ، بل قد جاء في السنَّة الصحيحة أن من أذكار ما قبل النوم أدعية وقراءة آيات وسورٍ من القرآن .

قال البخاري :

باب التعوذ والقراءة عند المنام

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات ومسح بهما جسده . رواه البخاري ( 5960 ) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان

فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فذكر الحديث - فقال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدقك وهو كذوب ، ذاك شيطان "

. رواه البخاري ( 3101 ) .

وسماع القرآن قبل النوم وبعده - في رمضان وفي غيره – يورث طمأنينة للقلوب ، وانشراحاً للصدور ، قال تعالى : ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28 .

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : بعض الناس يقول لي : لا ينام إلا على سماع القرآن ، إذا كان كذلك فلا بأس إذا كان مضطجعاً ينتظر النوم ما عنده شغل

فيستمع هذا لا بأس به ، ومن استعان بسماع كلام الله على ما يريد الإنسان من الأمور المباحة ، لا بأس ليس هناك مانع . " لقاءات الباب المفتوح " ( 146 / سؤال رقم 9 ) .

وقال الشيخ عبد الله بن منيع – حفظه الله -

: لا يظهر لي بأس في ذلك ، وكونك أخذك النوم وأنت تستمع القرآن : لا تثريب عليك ، فالأمر باستماع القرآن حين يُتلى موجه إلى السامع العاقل

قال تعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأعراف/204 . "

مجموع فتاوى وبحوث الشيخ عبد الله المنيع " ( 1 / 266 ) .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-02-04, 15:15
أيما أفضل قراءة القرآن الجماعية أم الفردية ؟

السؤال

ما هي صورة مدارسة جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان للقرآن ؟

وهل يدل على أن الاجتماع أفضل من الانفراد على القرآن ؟

وهل هناك مزية لليل على النهار؟ نرجو التوضيح .

الجواب

الحمد لله

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

" أولاً :

أما كيفية المدارسة فلا أعلم عن كيفيتها.

ثانياً :

وأما هل المستحب أن يجتمع الناس على القرآن أو أن يقرأ كل إنسان بمفرده ؟

فهذه ترجع إلى الإنسان نفسه ، إن كان إذا اجتمع إلى إخوانه لتدارس القرآن صار أخشع لقلبه

وأنفع في العلم فالاجتماع أفضل ، يعني إذا كان الاجتماع صار هناك حضور قلب وخشوع وتدبر للقرآن ، وتساؤل فيما بينهم فهذا أفضل ، وإن كان الأمر بالعكس فالانفراد أفضل .

ثالثاًَ :

وأما مدارسة جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام فهو من أجل تثبيت القرآن بقلب النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما الفقرة الثالثة من السؤال وهي : هل هناك مزية لليل على النهار فهذا نعم ، لكن قد يكون للإنسان أعمال لا يستطيع معها أن يدرس القرآن في الليل

فيجعل أكثر دراسته في النهار ، فالإنسان ينظر ما هو أنفع له ، لعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام : احرص على ما ينفعك فما كان أنفع لك إذا لم يكن محظوراً شرعاً فهو أفضل "

انتهى مجموع الفتاوى 8/78

*عبدالرحمن*
2019-02-04, 15:23
هل الأفضل قراءة القرآن حفظاً أم من المصحف؟

السؤال

هل الأفضل أن أقرأ القرآن وأنا أنظر إلى المصحف ، أو أقرأ حفظاً ؟.

الجواب

الحمد لله

وأما في الصلاة ، فالأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب وذلك لأنه إذا قرأ من المصحف فإنه يحصل له عمل متكرر في حمل المصحف وإلقائه وفي تقليب الورق

وفي النظر إلى حروفه وكذلك يفوته وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر في حال القيام وربما يفوته التجافي في الركوع والسجود إذا جعل المصحف في إبطه ومن ثم رجحنا قراءة المصلي عن ظهر قلب على قراءته من المصحف .

هذا وبعض المأمومين نشاهدهم خلف الإمام يحملون المصحف يتابعون قراءة الإمام وهذا أمر لا ينبغي لما فيه من الأمور التي ذكرناها ولأنه لا حاجة بهم إلا أن يتابعوا الإمام .

نعم لو فرض أن الإمام ليس بجيد الحفظ وقال لأحد المأمومين : صلّ ورائي وتابعني في المصحف إذا أخطأت فإن هذا لا بأس به .

وأما خارج الصلاة ؛ فالأفضل في هذا أن يفعل الإنسان ما يزداد به خشوعه

فإن كان يزيد خشوعه بالقراءة من حفظه ، فهو أفضل ، وإن كان يزيد خشوعه بالقراءة من المصحف فهو أفضل

فإن استوى خشوعه في الحالين فالقراءة من المصحف أفضل ، لأنه يجمع بين القراءة والنظر ، ويحفظ بصره من الالتفات إلى ما يشغله عن القراءة والتدبر .

قال النووي في : " الأذكار " (ص 90-91) :

قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة من حفظه ، هكذا قال أصحابنا ، وهو مشهور عن السلف رضي الله عنهم ، وهذا ليس على إطلاقه

بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل وإن استويا فمن المصحف أفضل ، وهذا مراد السلف اهـ .

وقد رويت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث ضعيفة لا يصح الاستدلال بها في فضل النظر في المصحف . نذكرها للتنبيه على ضعفها ، منها :

حديث : (النظر في المصحف عبادة ، ونظر الولد إلى الوالدين عبادة ، والنظر إلى علي بن أبي طالب عبادة) . وهو حديث موضوع

كما قال الألباني في السلسلة الضعيفة (1/531).

وحديث : ( أعطوا أعينكم حظها من العبادة : النظر في المصحف ، والتفكر فيه ، والاعتبار عند عجائبه )

وهو موضوع كذلك [سلسلة الأحاديث الضعيفة 4/88].

وحيث : ( خمس من العبادة : قلة الطعام ، والقعود في المساجد ، والنظر إلى الكعبة ، والنظر في المصحف ، والنظر إلى وجه العالم ) .

وهو حديث ضعيف جدا [ضعيف الجامع الصغير رقم:2855 ].

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-02-04, 15:25
هل للأحجار الكريمة ذكر في القرآن ؟

السؤال

كم عدد الأحجار الكريمة التي تم ذكرها في القرآن ؟

وفي أي سورة ذُكرت ؟

وهل لهذه الأحجار أي أهمية روحانية ؟.

الجواب

الحمد لله

مقصود القرآن الأعظم هو دلالة الخلق على الله ، ليوحدوه ويعبدوه ، وليفوزوا بجنته ورضوانه ، وليس القرآن كتاب علوم أو طب أو فلك ، وإن اشتملت آياته على شيء من ذلك .

ولهذا فلا ينبغي للمسلم أن ينشغل عن الهدف الأعظم من تلاوة القرآن إلى البحث عن عدد الأحجار أو الأنهار أو أنواع الحيوانات المذكورة فيه .

وقد ورد ذكر بعض الأحجار الكريمة كالياقوت واللؤلؤ والمرجان

قال سبحانه : ( كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ) الرحمن / 58 .

وقال : ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ) الرحمن / 22 .

وقال : ( كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ) الواقعة / 23 .

وقال : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً ) الإنسان / 19 .

وليس لهذه الأحجار أهمية روحانية ، وإنما ذكرت في القرآن الكريم لبيان ما أنعم الله على عباده من البحار وما يستخرج منها

أو للتشبيه وتقريب الصورة ، فشبّه الحور العين بالياقوت والمرجان واللؤلؤ المكنون ، بجامع الصفاء في الياقوت ، والبياض في اللؤلؤ والمرجان .

وشبه الولدان باللؤلؤ المنثور دلالة على الجمال وحسن المنظر.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-02-04, 15:31
القرآن والطب

السؤال

سمعت في محاضرة بأن علماء الطب والدكاترة يدعون بأن العديد من الأدوية والعلاجات تم اكتشافها والوصول إليها عن طريق استنتاج حقائق من القرآن الكريم .

وعليه , فهذا هو سؤالي : هل الموجود بين أيدينا هو جميع ما يتعلق بالطب الذي ورد ذكره في القرآن الكريم ؟

أم أن القرآن يحتوي على المزيد الذي يمكننا الاستفادة منه ؟

أسأل عن ذلك بسبب طلب جاد تقدم به أحد أصدقائي، وهو هندوسي ويدعى "فيقنيش", حيث سأل عما إذا بقي في القرآن الكريم أمور لم تكتشف بعد تتعلق بالسيطرة على الأمراض القاتلة ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

أرسل الله تعالى محمَّداً صلى الله عليه وسلم بدين شامل لكل نواحي الحياة كما قال أبو ذر رضي الله عنه : " لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما " .

رواه أحمد ( 20399 ) انظر" مجمع الزوائد " ( 8 / 263 ) . قال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة .

فجاء الإسلام ليسد حاجات الناس في كل شؤون حياتهم .

ثانياً :

وما جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مكمِّل لما جاء في القرآن

وهذان المصدران هما المصدران الرئيسيان عند المسلمين ، وقد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ما أنزل داءً إلا وأنزل له دواء .

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ".

رواه البخاري في ( 5678 ) .

ثالثاً :

وما ذكره السائل عن بعض المسلمين من كون كثير من العلاجات اكتشفت عن طريق القرآن الكريم : فنقول إن هذا من الأمور المبالغ فيها .

فالقرآن الكريم ليس كتاب طبٍّ ولا كتاب ( جغرافيا ) ولا ( جيولوجيا ) كما يحلو لبعض المسلمين أن يقول ذلك أمام الغرب ، بل هو كتاب هداية للناس ومن أعظم معجزاته : بلاغته وقوة معانيه

وهو الأصل في إعجازه ، فقد أنزله الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في زمان بلغت الفصاحة والبلاغة فيه مبلغاً عظيماً فجاء هذا الكتاب ليعجز أولئك القوم فيما يتقنونه ليبيِّن لهم أنه من عند الله .

وهذا الأمر ليس بالمستغرب ولا بالمبتدع في هذا الدين ، فقد جاءت آيات موسى عليه السلام – العصا واليد – من جنس ما انتشر في زمانه وهو السحر

وكانت آيات عيسى عليه السلام – من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص – من جنس ما أتقنه قومه وانتشر عندهم وهو الطب .

لذا نقول : إن أعظم ما في القرآن الكريم هو فصاحته وبلاغته ، ولا زال العلماء إلى هذا الوقت يتبيَّن لهم ذلك بالتدبر والتفكر في آياته .

وهذا لا يعني أنه ليس فيه غير ذلك ، بل ذكر الله تعالى فيه بعض الآيات في بيان تركيب جسم الإنسان ، وتدرج خلقه ، وبعض مظاهر الطبيعة ، وغير ذلك .

أما بالنسبة لما يتعلق بالعلاج الذي ذكره السائل ، فإن القرآن الكريم شفاء للمؤمنين ، وهذا يشمل شفاء القلوب والأبدان ، وذكر الله تعالى فيه ( العسل ) وبيَّن أنه شفاء للناس

وذكر فيه أصل حفظ الصحة والوقاية من الأمراض ، فمن قال إن القرآن ذكر كثيراً من الأدوية بهذا المعنى فقد أصاب ، وأما غير ذلك فغير صحيح

بل هو من مبالغات بعض المسلمين ، فالقرآن الكريم ليس كتاب طب ، وقد جاءت أمراض لم تكن في سالف الأزمان ، فكيف يأتي علاجها – باعتبار ما قاله السائل – قبل مجيئها ؟ .

رابعاً :

أ. وهذه بعض الآيات الدالة على أن القرآن شفاء .

قال تعالى : وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين الإسراء / 82 .

قال ابن القيم رحمه الله :

قال الله تعالى : وننزل مِن القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين

والصحيح : أن مِن ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض ، وقال تعالى : يا أيها الناس قد جاءكم موعظة مِن ربكم وشفاء لما في الصدور .

فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة

وما كل أحدٍ يؤهل ولا يوفَّق للاستشفاء به ، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه : لم يقاومه الداء أبداً .

وكيف تقاوم الأدواءُ كلامَ ربِّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدَّعها ؟

أو على الأرض لقطَّعها ؟ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه فهماً في كتابه .

" زاد المعاد " ( 4 / 352 ) .

ب. والقرآن الكريم فيه علاج للنفوس والأرواح ، ومن صحَّ ذلك فيه : كان سبباً لطرد الآفات والأمراض من بدنه ، والقرآن بهذا الاعتبار شفاء وعلاج لكثير من الأمراض .

قال ابن القيم رحمه الله :

وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورا كثيرة ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية بل تصير الأدوية الحسية عندها بمنزلة أدوية الطرقية عند الأطباء

وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية ليس خارجا عنها ولكن الأسباب متنوعة فإن القلب متى اتصل برب العالمين خالق الداء والدواء ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء كانت له أدوية أخرى

غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه وقد علم أن الأرواح متى قويت وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه وفرحت

بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمعها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه أن يكون ذلك لها من أكبر

الأدوية وأن توجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس وأغلظهم حجابا وأكثفهم نفسا وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية .

" زاد المعاد " ( 4 / 12 ) .

*عبدالرحمن*
2019-02-04, 15:32
ج. وفي القرآن سورة الفاتحة وهي رقية للأمراض .

عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم

فلُدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء

لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء ؟ فقال بعضهم : نعم والله إني لأرقي ، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جُعلا فصالحوهم على قطيع

من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة ، قال : فأوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم : اقسموا

فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا

فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ، فقال : وما يدريك أنها رقية ؟ ثم قال : قد أصبتم ، اقسموا واضربوا لي معكم سهماً فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

رواه البخاري ( 2156 ) ومسلم ( 2201 ) .

قلبة : داء أو ألم يتقلب منه صاحبه .

قال ابن القيم رحمه الله عن سورة الفاتحة :

ومَن ساعده التوفيق ، وأُعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة وما اشتملت عليه من التوحيد ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال وإثبات الشرع والقدر

والمعاد وتجريد توحيد الربوبية والإلهية وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله والافتقار إليه في طلب

الهداية التي هي أصل سعادة الدارين وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحها ودفع مفاسدهما وأن العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها موقوفة على التحقيق بها

: أغنته عن كثير من الأدوية والرقى ، واستفتح بها من الخير أبوابه ودفع بها من الشر أسبابه .

" زاد المعاد " ( 4 / 347 ) .

د. وفي القرآن ذكر أصول حفظ الصحة .

وقال ابن القيم :

وأصول الطب ثلاثة : الحمية ، وحفظ الصحة ، واستفراغ المادة المضرة .

وقد جمعها الله تعالى له ولأمته في ثلاثة مواضع من كتابه :

فحمى المريض من استعمال الماء خشية من الضرر

فقال تعالى : وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً النساء / 43 والمائدة / 6 . فأباح التيمم للمريض حمية له كما أباحه للعادم .

وقال في حفظ الصحة : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر البقرة / 181 .

فأباح للمسافر الفطر في رمضان حفظاً لصحته لئلا يجتمع على قوته الصوم ومشقة السفر فيضعف القوة والصحة .

وقال في الاستفراغ في حلق الرأس للمُحرم : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك البقرة / 196 .

فأباح للمريض ومَن به أذى مِن رأسه وهو محرم أن يحلق رأسه ويستفرغ المواد الفاسدة والأبخرة الرديئة التي تولد عليه القمل ، كما حصل لكعب بن عجرة ، أو تولد عليه المرض .

وهذه الثلاثة هي قواعد الطب وأصوله ، فذكر من كل جنس منها شيئاً وصورة تنبيها بها على نعمته على عباده في أمثالها من حميتهم ، وحفظ صحتهم ، واستفراغ مواد أذاهم

رحمة لعباده ولطفا بهم ورأفة بهم وهو الرؤوف الرحيم .

" زاد المعاد " ( 1 / 164 ، 165 ) .

قال ابن القيم : وذاكرت مرة بعض رؤساء الطب بمصر ، فقال : والله لو سافرت إلى الغرب في معرفة هذه الفائدة لكان سفراً قليلاً أو كما قال

إغائة اللهفان 1 / 25

هـ - ذِكر العسل في القرآن وأنه شفاء للناس .

قال الله تعالى يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس النحل / 69 .

قال ابن القيم رحمه الله :

وأما هدية في الشراب فمن أكمل هدي يحفظ به الصحة فإنه كان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد ، وفي هذا من حفظ الصحة ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطباء

فإنَّ شُربَه ولعقَه على الريق يذيب البلغم ، ويغسل خمل المعدة ، ويجلو لزوجتها ، ويدفع عنها الفضلات ، ويسخنها باعتدال ، ويفتح سددها ، ويفعل مثل ذلك بالكبد والكلى والمثانة

وهو أنفع للمعدة من كل حلو دخلها ، وإنما يضر بالعَرَض لصاحب الصفراء لحدته وحدة الصفراء فربما هيَّجها

ودَفْع مضرته لهم بالخلِّ فيعود حينئذ لهم نافعاً جدّاً وشربه أنفع من كثير من الأشربة المتخذة من السكر أو أكثرها ، ولا سيما لمن لم يعتد هذه الأشربة

ولا ألفها طبعه فإنه إذا شربها لا تلائمه ملاءمة العسل ولا قريبا منه والمحكم في ذلك العادة فإنها تهدم أصولا وتبني أصولا .

وأما الشراب إذا جمع وصفي الحلاوة والبرودة فمن أنفع شيء للبدن ومن أكبر أسباب حفظ الصحة

وللأرواح والقوى والكبد والقلب عشق شديد له واستمداد منه وإذا كان فيه الوصفان حصلت به التغذية وتنفيذ الطعام إلى الأعضاء وإيصاله إليها أتم تنفيذ الطعام إلى الأعضاء وإيصاله إليها أتم تنفيذ .

" زاد المعاد " ( 4 / 224 ، 225 ) .

وقال رحمه الله :

والعسل فيه منافع عظيمة : فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها محلل للرطوبات أكلاً وطلاء ، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ومن كان مزاجه بارداً رطباً

وهو مغذٍّ ملين للطبيعة ، حافظ لقوى المعاجين ولما استودع فيه ، مُذهب لكيفيات الأدوية الكريهة ، منقٍّ للكبد والصدر ، مُدِّر للبول ، موافق للسعال الكائن عن البلغم ، وإذا شرب حارّاً بدهن الورد :

نفع من نهش الهوام وشرب الأفيون ، وإن شرب وحده ممزوجاً بماء : نفع من عضه الكلْب الكلِب ، وأكل الفُطُر القتَّال ، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر

وكذلك إن جعل فيه القثاء والخيار والقرع والباذنجان ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر ، ويحفظ جثة الموتى ، ويسمى الحافظ الأمين

وإذا لطخ به البدن المقمَّل والشَّعر : قتَل قمله وصئبانه وطوَّل الشعر وحسَّنه ونعَّمه ، وإن اكتحل به : جلا ظلمة البصر ، وإن استن به : بيض الأسنان وصقلها وحفظ صحتها وصحة اللثة

ويفتح أفواه العروق ، ويدرُّ الطمث ، ولعقه على الريق : يُذهب البلغم ، ويغسل خمل المعدة ، ويدفع الفضلات عنها ويسخنها تسخيناً معتدلاً ويفتح سددها

ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة وهو أقل ضرراً لسدد الكبد والطحال من كل حلو .

وهو مع هذا كله مأمون الغائلة ، قليل المضار مضر بالعَرَض للصفراويين ودفعها بالخل ونحوه فيعود حينئذ نافعاً له جدّاً .

وهو غذاء مع الأغذية ، ودواء مع الأدوية ، وشراب مع الأشربة ، وحلو مع الحلوى ، وطلاء مع الأطلية، ومفرح مع المفرحات ، فما خُلق لنا شيءٌ في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبا منه

ولم يكن معوَّل القدماء إلا عليه

وأكثر كتب القدماء لا ذِكر فيها للسكر البتة ولا يعرفونه فإنه حديث العهد حدث قريباً ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الريق ، وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحة لا يدركه إلا الفطن الفاضل .

" زاد المعاد " ( 4 / 33 ، 34 ) .

*عبدالرحمن*
2019-02-04, 15:35
معنى حديث قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن

السؤال

فيما يخص جوابك على السؤال رقم 4156 البند رقم 2 ، إذن فلن يكون هناك حاجة لتعلم القرآن بكامله , أو حتى لقراءته في شهر رمضان .. إلخ

كل ما تحتاج إليه هو أن تقرأ سورة الإخلاص. أظن أنك أخطأت. فسورة الإخلاص تعادل ثلث القرآن.

إنه من المدهش أن نعتقد أن قراءة سورة الإخلاص 3 مرات تمنحك بركة قراءة القرآن "بأكمله"، وإذن فلن تكون هناك فائدة من قراءة القرآن كاملا .

الجواب

الحمد لله

أولاً : هذه بعض الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي فيها أن سورة ( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن .

روى البخاري (6643) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ

وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا [أي يراها قليلة] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) .

وروى مسلم (811) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ؟ قَالُوا : وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ . قَالَ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .

وروى مسلم (812) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ دَخَلَ

فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ : إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنْ السَّمَاءِ ، فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .

ثانياً : فضل الله واسع ، فقد تفضَّل الله على الأمة ، وعوَّض قِصَر عمرها بمزيد من الأجر على أعمال يسيرة .

والعجيب أن بعض الناس بدلاً من أن يكون ذلك دافعاً له على الازدياد من الخير والحرص عليه تحوَّل هذا عنده إلى فتور وكسل عن أداء الطاعات ، أو تَعَجُّبٍ واستبعادٍ لهذا الفضل والثواب .

وأما معنى الحديث :

فهناك فرق بين الجزاء والإجزاء . والذي أوقع الأخ السائل في الإشكال هو عدم التفريق بينهما .

فالجزاء : هو الثواب الذي يعطيه الله تعالى على الطاعة .

والإجزاء : هو أن يسدَّ الشيء عن غيره ويجزئ عنه .

فقراءة قل هو الله أحد لها جزاء قراءة ثلث القرآن ، لا أنها تجزئ عن قراءة ثلث القرآن .

فمن نذر – مثلاً – أن يقرأ ثلث القرآن ، فلا يجزئه قراءة قل هو الله أحد لأنها تعدل ثلث القرآن في الجزاء والثواب لا في الإجزاء والإغناء عن قراءة ثلث القرآن .

ومثل هذا يقال في قراءتها ثلاث مرات ، فمن قرأها في صلاته ثلاث مرات لا تجزئه عن قراءة الفاتحة ، مع أنه يُعطى جزاء وأجر قراءة القرآن كاملاً ، لكن لا يعني هذا أنها أجزأته عن الفاتحة .

ومثل هذا في الشرع : ما أعطاه الشارع لمن صلَّى صلاة واحدة في الحرم المكي

وأنه له أجر مائة ألف صلاة ، فهل يفهم أحد من هذا الفضل الرباني أنه لا داعي للصلاة عشرات السنين لأنه صلَّى صلاة واحدة في الحرم تعدل مائة ألف صلاة ؟ .

بل هذا في الجزاء والثواب ، أما الإجزاء فشيء آخر .

ثم إنه لم يقل أحد من أهل العلم إنه ليس بنا حاجة لقراءة القرآن ، وأن قل هو الله أحد كافية عنه

ذلك أن القول الصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه السورة كان لها هذا الفضل لأن القرآن أُنزل على ثلاثة أقسام : ثلث منها للأحكام ، وثلث منها للوعد والوعيد ، وثلث منها للأسماء والصفات .

وهذه السورة جمعت الأسماء الصفات .

هذا قول أبي العباس بن سريج واستحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "

مجموع الفتاوى " ( 17 / 103 ) .

والمسلم لا غنى له عن الأمرين الآخرين وهما الأحكام والوعد والوعيد ، ولا يتم له معرفتهما إلا بالنظر في كتاب الله كاملاً ، ولا يمكن لمن يقف عند سورة " الصمد " أن يعرف هذين الأمرين .

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

والثواب أجناس مختلفة كما أن الأموال أجناس مختلفة من مطعوم ومشروب وملبوس ومسكون ونقد وغير ذلك ، وإذا ملك الرجل من أحد أجناس المال ما يعدل ألف دينار مثلا لم يلزم من ذلك أن يستغنيَ عن سائر أجناس المال

بل إذا كان عنده مال وهو طعام فهو محتاج إلى لباس ومسكن وغير ذلك ، وكذلك إن كان من جنس غير النقد فهو محتاج إلى غيره

وإن لم يكن معه إلا النقد فهو محتاج إلى جميع الأنواع التي يحتاج إلى أنواعها ومنافعها ، والفاتحة فيها من المنافع : ثناء ودعاء مما يحتاج الناس إليه ما لا تقوم قل هو الله أحد مقامه في ذلك

وإن كان أجرها عظيماً فذلك الأجر العظيم إنما ينتفع به صاحبه مع أجر فاتحة الكتاب ولهذا لو صلى بها وحدها بدون الفاتحة : لم تصح صلاته

ولو قدِّر أنه قرأ القرآن كله إلا الفاتحة : لم تصح صلاته لأن معاني الفاتحة فيها الحوائج الأصلية التي لابد للعباد منها

. " مجموع الفتاوى " ( 17 / 131 ) .

وقال رحمه الله :

فالقرآن يحتاج الناس إلى ما فيه من الأمر والنهي والقصص ، وإن كان التوحيد أعظم من ذلك، وإذا احتاج الإنسان إلى معرفة ما أُمر به وما نهي عنه من الأفعال أو احتاج إلى ما يؤمر به ويعتبر به من القصص والوعد والوعيد

: لم يسدَّ غيرُه مسدَّه ، فلا يسدُّ التوحيدُ مسدَّ هذا ، ولا تسدُّ القصص مسدَّ الأمر والنهي ولا الأمر والنهي مسدَّ القصص ، بل كل ما أنزل الله ينتفع به الناس ويحتاجون إليه .

فإذا قرأ الإنسان قل هو الله أحد : حصل له ثوابٌ بقدر ثواب ثلث القرآن لكن لا يجب أن يكون الثواب من جنس الثواب الحاصل ببقية القرآن

بل قد يحتاج إلى جنس الثواب الحاصل بالأمر والنهي والقصص ، فلا تسد قل هو الله أحد مسد ذلك ولا تقوم مقامه .

ثم قال رحمه الله :

فالمعارف التي تحصل بقراءة سائر القرآن لا تحصل بمجرد قراءة هذه السورة فيكون من قرأ القرآن كله أفضل ممن قرأها ثلاث مرات من هذه الجهة لتنوع الثواب

وإن كان قارئ قل هو الله أحد ثلاثاً يحصل له ثواب بقدر ذلك الثواب لكنه جنس واحد ليس فيه الأنواع التي يحتاج إليها العبد كمن معه ثلاثة آلاف دينار وآخر معه طعام ولباس ومساكن ونقد يعدل ثلاثة آلاف دينار

فإن هذا معه ما ينتفع به في جميع أموره وذاك محتاج إلى ما مع هذا

وإن كان ما معه يعدل ما مع هذا ، وكذلك لو كان معه طعام من أشرف الطعام يساوي ثلاثة آلاف دينار فإنه محتاج إلى لباس ومساكن وما يدفع به الضرر من السلاح والأدوية وغير ذلك مما لا يحصل بمجرد الطعام .

" مجموع الفتاوى " ( 17 / 137 – 139 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-02-04, 15:39
من الذي كتب القرآن وكيف تم تجميعه ؟

السؤال

من الذي كتب القرآن وكيف تم تجميعه ؟.

الجواب

الحمد لله

أولا : قد تكفل الله تعالى بحفظ هذا القرآن بنفسه فقال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 .

قال ابن جرير الطبري في تفسيره (14/8) :

يقول تعالى ذكره إنا نحن نزلنا الذكر وهو القرآن وإنا له لحافظون قال وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه اهـ

وقال السعدي في تفسيره (ص : 696) :

إنا نحن نزلنا الذكر أي : القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة ، وفيه يتذكر من أراد التذكر .

وإنا له لحافظون أي : في حال إنزاله وبعد إنزاله ، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه في قلوب أمته

وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ، ومعانيه من التبديل، فلا يحرف مُحَرِّف معنىً من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين

وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم اهـ

أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً ، على مدى ثلاث وعشرين سنة ، قال الله تعالى : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلا ) الإسراء/106 .

قال السعدي رحمه الله :

أي : وأنزلنا هذا القرآن مفرقًا، فارقًا بين الهدى والضلال، والحق والباطل .

( لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ) أي : على مهل ، ليتدبروه ويتفكروا في معانيه، ويستخرجوا علومه .

( وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا ) أي : شيئًا فشيئًا ، مفرقًا في ثلاث وعشرين سنة اهـ

تفسير السعدي (ص : 760) .

ثانيا :

كانت الكتابة قليلة في العرب ، وقد وصفهم الله بذلك في قوله : ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ) الجمعة / 2 ، فكانوا يحفظون القرآن في صدورهم

وقليل منهم كان يكتب بعض آيات أو سور على الجلود والحجارة الرقاق ونحو ذلك .

ثالثا :

نهى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر عن كتابة شيءٍ سوى القرآن ونهاهم عن كتابة كلامه مؤقتا حتى تتوافر همم الصحابة على حفظ القرآن وكتابته

ولا يختلط كلام النبي صلى الله عليه وسلم بكلام الله تعالى فيبقى القرآن محفوظاً من الزيادة فيه أو النقص .

رابعا :

وكَّل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة الأمناء الفقهاء حتى يكتبوا الوحي

وهم ما عرفوا في تراجمهم بكتاب الوحي كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين .

خامساً :

أنزل القرآن على سبعة أحرف كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه . رواه البخاري ( 2287 ) ، ومسلم ( 818 ) وهي لغات العرب المشهود لها بالفصاحة .

سادساً :

بقي القرآن محفوظاً في صدور الحفاظ من الصحابة وعلى الجلود وغيرها إلى زمان الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وفي حروب الردة قتل كثير من حفاظ القرآن من الصحابة فخشي أبو بكر- رضي الله عنه

- أن يذهب القرآن ويضيع في صدور الصحابة ، فاستشار كبار الصحابة لجمع القرآن كاملا في كتابٍ واحدٍ حتى يبقى محفوظاً من الضياع

وأوكل المهمة إلى جبل الحفظ زيد بن ثابت رضي الله عنه فأخرج البخاري في " صحيحه " ( 4986 ) عن زَيْدَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي ، فَقَالَ : إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ [أي : كثر] يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ

وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ . قُلْتُ : لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ عُمَرُ : هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ

وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ . قَالَ زَيْدٌ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ . قال زيد : فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ . قُلْتُ : كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ :

هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ . فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ

حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ...) حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ فَكَانَتْ الصُّحُفُ

عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

العُسُب : جريد النخل ، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض .

واللخاف : الحجارة الرقاق .

وكان الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه يحفظ القرآن ولكن اتخذ منهجا في التثبت فكان لا يقبل أن يكتب آية إلا أن يُشهد على ذلك اثنين من الصحابة أنهما سمعاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

واستمر هذا المصحف بيد الخلفاء إلى زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه

وكان الصحابة رضي الله عنهم قد تفرقوا في البلاد وكانوا يقرؤون القرآن على حسب ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحرف السبعة ، فكان تلاميذهم يقرأ كل واحد منهم على حسب ما أقرأه شيخه .

وكان التلميذ إذا سمع قارئاً يقرأ بخلاف قراءته أنكر عليه وخطأه وهكذا حتى خشي بعض الصحابة أن تحدث فتنة بين التابعين ومن بعدهم فرأى أن يجمع الناس على حرف واحد

وهو لغة قريش التي نزل القرآن عليها أولاً لرفع الخلاف وحسم الأمر فاستشار عثمان رضي الله عنه فوافق على هذا الرأي .

فروى البخاري في "صحيحه" (4988) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ

فِي الْقِرَاءَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ

ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ

الثَّلاثَةِ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ

إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ

حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ .

وبذلك انقطع الخلاف واتفقت الكلمة وبقي القرآن متواترا ومحفوظا في صدور الرجال إلى يوم القيامة وكان هذا من حفظ الله تعالى لكتابه مصداقاً لقوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الحجر / 9 .

والله اعلم .

*عبدالرحمن*
2019-02-04, 15:43
القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين

السؤال

أخبرني المزيد عن القرآن .

الجواب

الحمد لله

القرآن : هو كلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته .

وهذا التعريف للقرآن جامع مانع .

فقولنا " كلام الله " : خرج به : كلام البشر وغيرهم .

وقولنا " المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم " : خرج به : الذي أنزل على غيره كالإنجيل والتوراة والزبور .

وقولنا " المتعبد بتلاوته " : خرج به الأحاديث القدسية .

وهو نور ويقين ، وهو الحبل المتين ، وهو منهج الصالحين ، فيه أخبار الأولين من الأنبياء والصالحين وكيف أن من عصى أمرهم ذاق بأس الله وكان من الأذلين

وفيه آيات تحكي معجزات الله وقدرته في هذا الكون المتين ، وفيه بيان لأصل هذا الآدمي الذي كان من ماء مهين ، وفيه أحكام العقيدة التي يجب أن ينطوي عليها كل قلب مستكين

وفيه أحكام الشريعة التي تبين المباح من الحرام وتبين الباطل من الحق المبين ، وفيه بيان المعاد ومصير الآدمي إما إلى نار يخزى فيها فيكون من الصاغرين ، وإما إلى جنة ذات جنات وعيون وزروع ومقام أمين .

وفيه شفاء للصدور ، وفيه للأعمى تبصرة ونور ، قال الله تعالى : ( وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ) الإسراء / 82

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآيات :

يقول تعالى مخبراً عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد إنه ( شفاء ورحمة للمؤمنين )

أي : يذهب ما في القلوب من أمراض من شك ونفاق وشرك وزيغ وميل ، فالقرآن يشفي من ذلك كله ، وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه

وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة ، وأما الكافر الظالم نفسه بذلك فلا يزيده سماعه القرآن إلا بعداً وكفراً والآفة من الكافر لا من القرآن

قال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك يُنادون من مكان بعيد ) فصلت / 44

وقال تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون . وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) التوبة / 124 – 125 ،

والآيات في ذلك كثيرة .

قال قتادة - في قوله : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) - :

إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه ، ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ، أي : لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه فإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين .

" تفسير ابن كثير " ( 3 / 60 ) .

وقال الله تعالى : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) يونس / 57

وقال الله تعالى : ( ولو جعلناه قرءاناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) فصلت / 44 .

وفيه هداية الناس من الضلال إلى الحق قال الله تعالى : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) البقرة / 2

وقال الله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير ) الشورى / 9

وقال الله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم .

صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ) الشورى / 52 – 53 .

وفيه ما لا يستطيع عده جهد العادِّين ، فيجب على كل من أرد السعادتين في هذين الدارين أن يحتكم إليه ويعمل بأمره

يقول الإمام ابن حزم :

ولما تبين بالبراهين والمعجزات أن القرآن هو عهد الله إلينا والذي ألزمنا الإقرار به والعمل بما فيه ، وصح بنقل الكافة الذي لا مجال للشك فيه أن هذا القرآن هو المكتوب في المصاحف المشهورة في الآفاق كلها وجب الانقياد

لما فيه فكان هو الأصل المرجوع إليه لأننا وجدنا فيه : ( وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) الأنعام / 38

فما في القرآن من أمر أو نهي فواجب الوقوف عنده .

" الإحكام " ( 1 / 92 ) .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2019-02-04, 15:46
من الذي سمّى القرآن بهذا الاسم

السؤال

من الذي سمّى القرآن بهذا الاسم ؟

قرأت في مجلة أنه أبو بكر رضي الله عنه إلا أنني لا أعتقد أن هذا صحيح ، حيث أن الله سبحانه وتعالى قال في سورة الإنسان : " إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا " .

أخي العزيز : رجاءً أعطني صورة واضحة حول هذا الموضوع .

الجواب

الحمد لله

أيها الأخ السائل لقد أجبت نفسك بنفسك فإن الله هو الذي سمى كتابه بـ " القرآن "

. قال تعالى :

( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) البقرة / 185

وقال : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) النساء / 82

وقال : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأعراف / 204

وقال : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ) التوبة / 111

وقال : ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) يونس / 37

وقال : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) يوسف / 2

وقال : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ ) سورة يوسف / 3

وقال : ( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) الحِجْر / 87

وقال : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) النحل / 98

وقال : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) الإسراء / 9

وقال : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا ) الإسراء / 82

وقال : ( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الإسراء / 88

وقال : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) الإسراء / 106

وقال : ( مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) طه / 2

وقال : ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) طه / 114

وقال : ( طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ) النمل / 1

وقال : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) النمل / 6

وقال : ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) القصص / 85

وقال : ( يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) سورة يس

وقال : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) القمر / 40

وقال : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) الواقعة / 77

وقال : ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) الحشر / 21

وقال : ( أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) المزمل / 4

وقال : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ) البروج / 21

فهل بقي بعد ذلك شكّ في أنّ الله هو الذي سمّى كتابه الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم " القرآن " ؟؟ وليس أبو بكر رضي الله عنه ولا غيره .

والقرآن في اللغة العربية من القَرْء وهو الجمع والضمّ سمي بذلك لأنّه جمع السور بعضها إلى بعض وقيل لأنّه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلّة كلها ، وقيل لأنه جمع أنواع العلوم كلها .

( انظر الإتقان للسيوطي 1/162 - 163 )

وأخيرا نوصيك بالتثبّت وحسن الانتقاء لما تقرأ حتى لا تشوّش عليك المصادر غير الموثوقة من الكتب والمجلات فكرك وتشكّكك بالحقّ . وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح .

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

Om moncef
2019-02-05, 14:34
شكرا جزيلا لك علي هذ التوضيح*
بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2019-02-05, 14:51
شكرا جزيلا لك علي هذ التوضيح*
بارك الله فيك

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

الشكر موصول لحضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 15:34
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


الرد على من يحاول أن يثبت عدم صحة القرآن

السؤال

قرأت مؤخرا بحثاً كتبه باحثون ألمان عن صحة القرآن

. بعض ما قالوه نوقش في مقال في مجلة أتلانتك الشهرية بعنوان "ما هو القرآن ؟

" كتبه توبي ليستر نُشر في عدد يناير 1999 من تلك المجلة. لب القضية كان عن وجود نسخة قديمة جدا من القرآن في مسجد في اليمن يرى تحريفاً في القرآن الموجود .

في بعض المواضع الكتابة التي كانت توجد في هذه النسخة قد مُسحت وكُتب فوقها .

المقال يحاول أن يلقي الشبهة للمسلمين في نظرتهم للقرآن بأنه موثوق به تماماً ، وحاول أن يثبت أن القرآن عبارة عن كلام يتعرض للتغيير مثل أي كلام آخر.

أنا غير مسلمة ولكنني أعلم بأن القرآن له مكانة في الإسلام كمكانة المسيح في النصرانية .

بالنظر لهذا ، كيف تجيب على محاولة الذي يريد أن يفند صحة القرآن ؟ وهل يوجد لديك رد آخر على هذا الهجوم على صدق القرآن ؟.

الجواب

الحمد لله

1.إن ثبوت صحة ما في أيدينا من نسخ القرآن الكريم لم يثبت عندنا بدليل أو بدليلين ، بل ثبت بأدلة كثيرة متوافرة لا يقع عليها عاقل منصف إلا ويقطع أنه هو كما أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم .

2.وقد تعاقبت الأجيال جيلا بعد جيل تتلو كتاب الله وتتدارسه بينهم ، فيحفظونه ويكتبونه

لا يغيب عنهم حرف ، ولا يستطيع أحد تغيير حركة حرف منه ، ولم تكن الكتابة إلا وسيلة من وسائل حفظه وإلا فإن الأصل أن القرآن في صدورهم .

3.ولم يُنقل القرآن لنا وحده حتى يمكن تطرق التحريف المدَّعى إليه ، بل نقل تفسير آياته ، ومعاني كلماته ، وأسباب نزوله ، وإعراب كلماته

وشرح أحكامه ، فأنَّى لمثل هذه الرعاية لهذا الكتاب أن تتطرق إليه أيدي آثمة تحرِّف فيه حرفاً ، أو تزيد كلمة ، أو تسقط آية ؟

4.وإن تحدَّث القرآن عن أشياء غيبية مستقبلية ، أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ليبيِّن أنه من عند الله ، وأن البشر لو أرادوا كتابة كتاب فإنهم قد يبدعون في تصوير حادث

أو نقل موقف ، لكن أن يتحدث أحدهم عن أمر غيبي فليس له في هذا المجال إلا الخرص والكذب ، وأما القرآن فإنه أخبر عن هزيمة الروم من قبل الفرس

، وليس هناك وسائل اتصال تنقل لهم هذا الحدث ، وأخبر في الآيات نفسها أنهم سيَغلبون فيما بعد في مدة معينة ، ولو أن ذلك لم يكن لكان للكفار أعظم مجال للطعن في القرآن .

5.ولو جئت إلى آية من كتاب الله تعالى فذهبت إلى أمريكا أو آسيا أو أدغال أفريقيا أو جئت إلى صحراء العرب أو إلى أي مكان يوجد فيه مسلمون لوجدت هذه الآية نفسها في صدورهم جميعاً أو في كتبهم لم يتغير منها حرف .

فما قيمة نسخة مجهولة في ( اليمن ) لم نرها يمكن أن يحرِّف فيها أحد العابثين في هذا العصر آية أو كلمة ؟

وهل يقوم مثل هذا الكلام في سوق البحث والنظر ؟ وخاصة أن القوم يدَّعون البحث والإنصاف والعدل في القول .

فماذا يكون رد هؤلاء لو جئنا إلى كتاب من كتبهم الموثوقة لمؤلِّفين معروفين

ولهذا الكتاب نسخ كثيرة في العالم ، كلها على نسقٍ واحدٍ ، ثم ادَّعى مدَّعٍ وجود نسخة من هذا الكتاب في بلدٍ ما ، وفيها زيادات وتحريفات عما في نسخهم ، فهل يعتدون بها ؟

جوابهم هو جوابنا .

6.والنسخ المخطوطة عند المسلمين لا تثبت بهذا الشكل الساذج

فعندنا خبراء يعرفون تاريخ الخط ، وعندنا قواعد يضبط فيها إثبات صحة هذه المخطوطة كوجود السماعات والقراءات عليها ، واسم وتوقيع من سمعها وقرأها .

ولا نظن أن هذا قد وجد في هذه النسخة المزعومة من اليمن أو من غيرها .

7.ويسرنا أن نختم ردنا بهذه القصة الحقيقية والتي حدثت في بغداد في العصر العباسي ، حيث أراد يهودي أن يعرف صدق الكتب المنسوبة لله من أهلها وهي التوراة عند اليهود ، والإنجيل عند النصارى ، والقرآن عند المسلمين .

فراح إلى التوراة فزاد فيها ونقص أشياء غير ظاهرة جداً ، ثم دفعه إلى ورَّاقٍ – كاتب – منهم وطلب نسخ هذه النسخة ، قال : فما هو إلا زمن يسير حتى صارت نسختى في معابد اليهود وبين كبار علمائهم .

ثم راح إلى الإنجيل فزاد فيه ونقص كما فعل في التوراة ، ودفعه إلى ورَّاقهم وطلب نسخه فنسخه ، قال : فما هو إلا زمن يسير حتى صار يقرأ في كنائسهم وتتناوله أيدي علمائهم .

ثم راح إلى القرآن فزاد فيه ونقص كما فعل في التوراة والإنجيل ، ودفعه إلى ورَّاق المسلمين لينسخه له .

فلما رجع إليه لاستلام نسخته ألقاه في وجهه وأعلمه أن هذا ليس قرآن المسلمين !

فعلم هذا الرجل من هذه التجربة أن القرآن هو كتاب الله بحق وأن ماعداه لا يعدو أن يكون من صنع البشر .

وإذا كان ورَّاق المسلمين قد علم تحريف هذه النسخة فهل يمكن أن تمشي هذه على علماء المسلمين ؟

وإذا أرادت السائلة تحويل هذه التجربة القديمة إلى واقع حالي فما عليها إلا أن تفعل فعل ذلك اليهودي الذي أسلم وتزيد وتنقص من هذه الكتب الثلاثة ولتر نتيجة تجربتها .

ولن نقول لها اعرضي نسختك من القرآن على ورَّاق ، بل سنقول اعرضيها على صبيان وأطفال المسلمين ليكشفوا لك خطأ نسختك !

وقد طبعت بعض الدول الإسلامية مصاحف فيها أخطاء كان مكتشفها من الأطفال الصغار قبل الكبار .

والله الهادي .

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 15:37
نزول القرآن على سبعة أحرف

السؤال

قرأت أنه أثناء خلافة عثمان ، شُكلت لجنة يشرف عليها زيد بن ثابت لتتبع القرآن الكريم بكامله . لكن هذا النص "العثماني" لم يوفر قراءة موحدة

حيث أن اللغة العربية الأولى لم يكن فيها حروف علة ، كما أن بعض الأحرف الصحيحة لم يكن لها نفس الشكل . وقد أوجدت علامات جديدة للتفريق بين الأحرف المختلفة . لكن ذلك لم يوقف الطرق المتعددة لقراءة القرآن .

ففي النصف الأول من القرن الرابع/العاشر توصل إمامُ قراءِ القرآن في بغداد ، ابن مجاهد ، لحل لهذه المشكلة . فقد قال إن الكلمة "حرف" يمكن أن تحل مكان "قراءة" .

وقد أعلن عن سبع طرق للقراءة الصحيحة . لأنه حسب ما يراه ، فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل بسبعة أحرف ، تعني أن هناك سبع طرق موحاة لقراءة القرآن .

وفي هذه الأيام فإن القراءات المشهورة والمستخدمة هي : ورش ونافع وحفص عن عاصم .

أرجو أن تخبرني عن هذه الطرق المختلفة للقراءة . هل توجد أحاديث تتعلق بهذا ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

اعلم –وفقك الله – أنّ القرآن نزل على حرف واحد أول الأمر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يستزيد جبريل حتى أقرأه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ والدليل

على ذلك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أقرأني جبريل على حرف فراجعته فزادني فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى على سبعة أحرف " . رواه البخاري ( 3047 ) ومسلم ( 819 ) .

ثانياً :

ما معنى الأحرف ؟

أحسن الأقوال مما قيل في معناها أنها سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى واٍن اختلفت بالمعنى : فاختلافها من باب التنوع والتغاير لا من باب التضاد والتعارض .

ومعنى " حرف " في اللغة : الوجه ، قال تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) سورة الحج /11 .

ثالثاً : قال بعض العلماء : إن معنى الأحرف لغات العرب وهذا بعيد لحديث عمر بن الخطاب

قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته

بردائه فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ .

فقال : هكذا أنزلت . ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا أنزلت . إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه . رواه البخاري ( 2287 ) ومسلم ( 818 ) .

ومما هو معلوم أن " هشاماً " أسدي قرشي ، وأن " عمر " عدوي قرشي فكلاهما من قريش وليس لقريش إلا لغة واحدة ، فلو كان اختلاف الأحرف اختلافاً في اللغات لما اختلف القرشيان .

وقد ذكر العلماء قرابة أربعين قولاً في هذه المسألة ! ولعل الأرجح ما قد ذكرنا آنفاً . والله اعلم

رابعاً :

تبين أن الأحرف نزلت على ألفاظ متعددة كما بينه حديث عمر لأن إنكار عمر وقع على الحروف وليس على المعاني والخلاف بهذه الحروف ليس للتضاد ولكنه للتنوع كما قال ابن مسعود هو بمنزلة قول أحدكم هلمّ أقبل تعال .

خامساً :

أما تحديد القراءات السبعة فهي ليست من تحديد الكتاب والسنة ولكنها من اجتهاد ابن مجاهد رحمه الله فظن الناس أن الأحرف السبعة هي القراءات السبعة لاتفاقها في العدد ، وإنما جاء العدد مصادفة واتفاقاً

أو قصداً منه ليوافق ما ورد من كون الأحرف سبعة وقد ظن بعض الناس أن الأحرف هي القراءات وهذا خطأ ، ولا يُعرف هذا عن أهل العلم . والقراءات السبعة هي إحدى الأحرف السبعة وهي الحرف الذي جمع عثمان عليه المسلمين .

سادساً :

لما نسخ عثمان المصحف نسخه على حرف واحد ولكنه ترك النقط والتشكيل ليتسع هذا الرسم لحمل ما يستطيع حمله من الأحرف الأخرى فجاء المصحف برسمه محتملاً لبعض الأحرف

فما احتمله جاءت به القراءة وما لم يحتمله نُسخ ، وذلك لأن الناس أنكر بعضهم على بعض عند اختلافهم في القراءة فجمعهم عثمان على نُسخه واحدة ليجمع شملهم .

سابعاً :

قولك إن مجاهداً ظن أن القراءة تحل محل الحرف فهذا غير صحيح . كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه . مجموعة الفتاوى / ج13 / 210

ثامناً :

وأما القرّاء السبعة فهم :

1- نافع المدني 2- ابن كثير المكي 3- عاصم الكوفي

4- حمزة الزيات الكوفي 5- الكسائي الكوفي 6- أبو عمرو بن العلاء البصري 7- عبد الله بن عامر الشامي

وأقواهم سنداً في القراءة : نافع وعاصم .

وأفصحهم : أبو عمرو والكسائي .

ويروي عن نافع : ورش وقالون .

ويروي عن عاصم : حفص وشعبة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 15:47
الأدلة على أن القرآن كلام الله

السؤال

أكتب لك راجية أن تتمكن من مساعدتي في الخروج من هذه الورطة. أنا فتاة متمسكة وأبلغ من العمر 20 عاما. لقد انتقلت منذ 5 سنوات للعيش في كندا.

والداي لم يمارسا الشعائر الإسلامية البتة، لكن جدتي سعت في تعليمي أمور الإسلام. أنا مؤمنة بالله منذ نعومة أظفاري. لكني لم أكن أعرف كيفية تأدية الصلاة حتى وقت قريب،

وقد قررت أن أتعلم بنفسي حيث أنه لا يوجد حولي من يعلمني تلك الأمور. وقد تعرفت، بفضل الله، على كيفية الصلاة، كما أني بدأت أضع الحجاب. أما عن مشكلتي فهي أني بدأت أقابل شابا وقعت في حب

ه. إلا أنه، للأسف، غير مسلم، ولا يؤمن بأي ديانة أخرى. إنه يؤمن بالرب، وقد حاولت إقناعه بالدخول في الإسلام وأن يكون فردا من أتباع الدين الصحيح الوحيد

وإلا فلن يكون باستطاعتي الزواج منه (ونحن نعيش سويا منذ 3 سنوات). أما الأمر الذي لم أفلح في إقناعه به فهو أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله. إنه يطرح علي أسئلة من قبيل:

"كيف لك التأكد أن هذا هو كلام الرب؟ ماذا لو أن محمدا أتى به من عند نفسه وجعله يظهر وكأنه كلام الرب؟

" أرجو أن توضح لي كيف أقنعه بأن القرآن هو كلام الله وحده، وأن محمدا هو رسوله. أرجو المساعدة، فهو يقول دوما أنه لو حصل وتزوجنا، فإنه لن يجد بأسا في استمراري في ممارسة ديني.

إنه فخور لأني بدأت أضع الحجاب في مجتمع لا يشيع فيه هذا العمل. (فربما أكون واحدة من القلائل الآتي يضعن الحجاب هنا، وإيماني بالله هو الذي أعطاني القوة على ذلك).

أعلم أنه لن يجد غضاضة من تمسكي بديني، لكني أريده أن يسلم، فهو شخص جيد ولا يفعل ما يشين.

أنا أتألم حقا عندما استحضر فكرة أننا لن نكون مع بعض. وأسأل:

هل الزواج منه يعد معصية عظيمة؟ فهناك الكثيرات ممن يتزوجن بغير مسلمين، خصوصا عندما لا يوجد أي مسلم في المكان الذي أعيش فيه. فهل سأعاقب بشدة إن أنا تزوجت به؟.

الجواب

الحمد لله

فنحمد الله عز وجل أن حبب إليك الخير ، ونسأله أن يزيدك هدى وإيماناً ، وأن يهدي والديك للعمل بالإسلام ،والالتزام بأحكامه.. آمين .

وبعد : فأما بالنسبة للقرآن وما الذي يثبت أنه كتاب الله ،فهذه الشبهة قد طرحها الكفار الأوائل الذين أرسل إليهم النبي صلى اله عليه وسلم عنادا واستكبارا

فرد الله عليهم قولهم بأدلة كثيرة تبطل قولهم وتبين فساده منها : -

1-أن هذا القرآن تحدى الله الإنس والجن على أن يأتوا بمثله فعجزوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط ، فعجزوا ثم تحداهم أن يأتوا بمثل أصغر سورة من القرآن فلم يستطيعوا

مع أن الذين تحداهم كانوا أبلغ الخلق ، وأفصحهم ، والقرآن نزل بلغتهم ، ومع هذا أعلنوا عجزهم التام الكامل ، وبقي التحدي على مدار التاريخ

فلم يستطع أحد من الخلق أن يأتي بشيء من ذلك ، ولو كان هذا كلام بشر لاستطاع بعض الخلق أن يأتي بمثله أو قريبا منه .والأدلة على هذا التحدي من القرآن كثيرة منها

قوله تعالى : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الاسراء:88

وقال تعالى يتحداهم بأن يأتوا بعشر سور فقط :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ

وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) هود:13

قال تعالى يتحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة فقط : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا

بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة:23

2-أن البشر مهما كانوا من العلم والفهم فلابد أن يقع منهم الخطأ والسهو ، والنقص ، فلو كان القرآن ليس كلام الله لحصل فيه أنواع من الاختلاف والنقص

كما قال تعالى : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ، ولكنه سالم من أي نقص أو خطأ أو تعارض ، بل كله حكمة ورحمة وعدل ، ومن ظن فيه تعارضا فإنما أتي من عقله المريض

وفهمه الخاطئ ، ولو رجع إلى أهل العلم لبينوا له الصواب ، وكشفوا عنه الإشكال

كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز . لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت: 41،42

3-أن الله تكفل بحفظ هذا القرآن العظيم

كما قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر:9فكل حرف منه ينقله الآلاف عن الآلاف على مدار التاريخ لم يختلفوا في حرف واحد منه ، ولو حاول أي شخص أن يحرف فيه أو يزيد

أو بنقص فإنه يفتضح مباشرة لأن الله سبحانه هو الذي تكفل بحفظ القرآن بخلاف غيره من الكتب السماوية التي أنزلها الله لقوم النبي فقط وليس لجميع الخلق

فلم يتكفل بحفظها بل وكل حفظها إلى أتباع الأنبياء فلم يحفظوها بل دخلها التحريف والتغيير المفسد لكثير من معانيها

أما القرآن فقد أنزله الله لجميع الخلق على امتداد الزمن لأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة ، فصار القرآن محفوظا في الصدور ، ومحفوظا في االسطور ، وحوادث التاريخ تثبت ذلك .

فكم من شخص اجتهد في تحريف آيات القرآن وترويجها عند المسلمين فسرعان ما يفتضح أمره ، وينكشف زيفه ، حتى عند أطفال المسلمين .

ومما يدل دلالة قطعية على أن هذا القرآن ليس من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو وحي من الله أوحاه له :

4-الإعجاز العظيم الذي اشتمل عليه القرآن في التشريعات ، والأحكام ، والقصص ، والعقائد ، الذي لا يمكن أن يصدر عن أي مخلوق مهما بلغ من العقل والفهم

فمهما حاول الناس أن يسنوا تشريعات وقوانين لتنظيم حياتهم ، فلا يمكن أن تفلح ما دامت بعيدة عن توجيهات القرآن ، وبقدر هذا البعد بقدر ما يكون الفشل .

5-الإخبار بالأمور الغيبية الماضية والمستقبلية مما لا يمكن أن يستقل بشر مهما بلغ من العلم أن يخبر به خاصة في ذلك الزمن الذي يعتبر بدائيا من جهة التقنية والآلات الحديثة

فهناك أشياء كثيرة لم يتم اكتشافها إلا بعد تجارب طويلة مريرة بأحدث الأجهزة

والآلات ، قد أخبرنا الله عنها في القرآن ، وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم قبل ما يقرب من خمسة عشر قرنا ، كأحوال الجنين

ومراحل نموه ، وأحوال البحار ، وغير ذلك . مما جعل بعض الكافرين يقرون بأن هذا لايمكن أن يكون إلا من عند الله ومن أمثلة ذلك أطوار الجنين :

فمنذ 60 عاما فقط تأكد الباحثون من أن الإنسان لا يوجد دفعة واحدة إنما يمر بأطوار ومراحل طورا بعد طور ومرحلة بعد مرحلة وشكلا بعد شكل. منذ 60 عاما فقط وصل العلم إلى إحدى الحقائق القرآنية .

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 15:48
يقول الشيخ الزنداني:

"التقينا مرة مع أحد الأساتذة الأمريكان بروفيسور أمريكى من أكبر علماء أمريكا اسمه (بروفيسور مارشال جونسون ) فقلنا له :

ذكر في القرآن أن الإنسان خلق أطوارا فلما سمع هذا كان قاعدا فوقف وقال : أطوارا ؟! قلنا له : وكان ذلك في القرن السابع الميلادى ! جاء هذا الكتاب ليقول : الإنسان خلق أطوارا !! فقال

: هذا غير ممكن .. غير ممكن .. قلنا له : لماذا تحكم عليه بهذا ؟ هذا الكتاب يقول : ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ) ( الزمر) ويقول : ( مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ) ( نوح )

فقعد على الكرسي وهو يقول : بعد أن تأمل : أنا عندي الجواب : ليس هناك إلا ثلاث احتمالات : الأول : أن يكون عند محمد ميكروسكوبات ضخمة ..

تمكن بها من دراسة هذه الأشياء وعلم بها ما لم يعلمه الناس فذكر هذا الكلام ! الثاني : أن تكون وقعت صدفة .. وهذه جاءت صدفة الثالث :

أنه رسول من عند الله قلنا : نأخذ الأول : أما القول بأنه كان عنده ميكروسكوب وآلات أنت تعرف أن الميكروسكوب يحتاج إلى عدسات وهي تحتاج للزجاج وخبرة

فنية وتحتاج إلى آلات وهذه معلومات بعضها لا تأتي إلا بالميكروسكوبات الإلكترونية وتحتاج كهرباء والكهرباء تحتاج إلى علم وهذه العلوم لا تأتي إلا من جيل سابق ولا يستطيع جيل أن يحدث هذا دفعة

فلا بد أن للجيل الذي قبله كان له اشتغال بالعلوم ثم بعد ذلك انتقل إلى الجيل الذي بعده ثم هكذا ..

.أما أن يكون واحد فقط .. لا أحد من قبله ولا من بعده ولا في بلده ولا في البلاد المجاورة والرومان كذلك كانوا جهلة ما عندهم هذه الأجهزة والفرس والعرب كذلك ! واحد فقط لا غير هو الذي عنده كل هذه الأجهزة وعنده كل هذه

الصناعات وبعد ذلك ما أعطاها لأحد من بعده .. هذا كلام ما هو معقول ! قال :

هذا صحيح صعب. نقول : صدفة ..ما رأيك لو قلنا لم يذكر القرآن هذه الحقيقة في آية بل ذكرها في آيات ولم يذكرها في آية وآيات إجمالا بل أخذ يفصل كل طور :

قال الطور الأول يحدث فيه وفيه والطور الثاني كذا وكذا والطور الثالث .

. أيكون هذا صدفة ؟! فلما عرضنا التفاصيل والأطوار وما في كل طور قال : الصدفة كلام غلط !! هذا علم مقصود قلنا : ما في تفسير عندك : قال : لا تفسير إلا وحي من فوق !! " انتهى

وأما الأخبار الكثيرة في القرآن عن البحار فبعضها لم يكتشف إلا في العصور المتأخرة ، وكثير منها لا يزال مجهولا . فمثلاً هذه حقيقة تم الوصول إليها بعد إقامة مئات من المحطات البحرية .

. والتقاط الصور بالأقمار الصناعة .. والذي قال هذا الكلام هو ( البروفيسور شرايدر ) .. وهو من أكبر علماء البحار بألمانيا الغربية .. كان يقول : إذا تقدم العلم فلا بد أن يتراجع الدين .

. لكنه عندما سمع معاني آيات القرآن بهت وقال : إن هذا لا يمكن أن يكون كلام بشر .

. ويأتي ( البروفيسور دورجاروا ) أستاذ علم جيولوجيا البحار ليعطينا ما وصل إليه العلم في قوله تعالى

: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ )سورة النور : 40 .

. فيقول لقد كان الإنسان في الماضي لا يستطيع أن يغوص بدون استخدام الآلات أكثر من عشرين مترا ..

ولكننا نغوص الآن في أعماق البحار بواسطة المعدات الحديثة فنجد ظلاما شديدا على عمق مائتي متر .. الآية الكريمة تقول :( بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ) كما .

. أعطتنا اكتشافات أعماق البحار صورة لمعنى قوله تعالى : ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) فالمعروف أن ألوان الطيف سبعة ...منها الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والبرتقالي إلى آخرة ..

فإذا غصنا في أعماق البحر تختفي هذه الألوان واحدا بعد الآخر .

. واختفاء كل لون يعطي ظلمة .. فالأحمر يختفي أولا ثم البرتقالي ثم الأصفر ..

وآخر الألوان اختفاء هو اللون الأزرق على عمق مائتي متر .. كل لون يختفي يعطي جزءا من الظلمة حتى تصل إلى الظلمة الكاملة ..

أما قوله تعالى : ( مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ ) فقد ثبت علميا أن هناك فاصلا بين الجزء العميق من البحر والجزء العلوي .. وأن هذا الفاصل ملئ بالأمواج فكأن هناك أمواجا على حافة الجزء العميق المظلم

من البحر وهذه لا نراها وهناك أمواج على سطح البحر وهذه نراها .. فكأنها موج من فوقه موج ..

وهذه حقيقة علمية مؤكدة ولذلك قال البروفيسور دورجاروا عن هذه الآيات القرآنية : إن هذا لا يمكن أن يكون علما بشريا وينظر الأدلة المادية على وجود الله " محمد متولي الشعراوي)

والأمثلة على ذلك كثيرة جدا .

6-أن في القرآن بعض الآيات التي فيها معاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر بعض الأمور التي نبه الله عليها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبعضها قد يكون فيها

إحراج للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلو كان هذا القرآن من عند رسول الله ، لما احتاج إلى هذا

ولو كان كتم شيئا من القرآن لكتم بعض هذه الآيات المشتملة على العتاب له وتنبيهه على بعض ما كان الأولى به أن لا يفعله كما في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :

( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه)(الأحزاب: من الآية37) .

أيبقى بعد هذا شك عند ذي عقل أن هذا القرآن هو كلام الله ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أوحي إليه أكمل بلاغ وأتمه ؟‍!

ثم نقول لهذا الشخص جرب بنفسك قراءة ترجمة من تراجم القرآن الصحيحة وأعمل عقلك في تدبر هذه الأحكام والتشريعات

فلاشك أن أي عاقل عنده قدرة على التمييز سيلحظ فرقا كبيرا بين هذا الكلام ، وكلام أي مخلوق على وجه الأرض .

وأما علاقتِك بهذا بالشاب، فإن هذا الدين الشريف قد منع المرأة من مخالطة الرجال للنساء لحكم عظيمة جليلة، فالواجب عليك أن تقطعي صلتك به حتى يُسلِم ، ثم يتزوجك بعد ذلك زواجا شرعيا .

وأما حبك ، وتعلقك به ، فهذا ابتلاء من الله لك ، هل تقدمين محبة الله على محبة مخلوق من مخلوقاته ، أو تقدمين محبة هذا الشخص على محبة ربك العظيم الذي نهاك عن هذا الأمر

واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأول هذا الخير الذي ستجدينه بإذن الله أن يعوضك الله راحة وأنسا بمحبته سبحانه ، فتجتهدي في التقرب إلى الله بما يحبه فتزداد محبتك لربك

وتعلقك به ، ويضعف تعلقك بجميع المخلوقين .

وأما زواج المسلمة بالكافر فهو محرم بإجماع أهل العلم ، بل هو من الفواحش العظيمة التي نهى الله عنها في القرآن .

فننصحك بالصبر والتحمل ، والبعد التام عن كل ما قد يسبب لك الوقوع فيما يغضب ربك ، واعلمي أن الله جعل هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان لعباده المؤمنين

فمن صبر ، ومنع نفسه مما تشتهي رغبة في رضى الله عوضه الله في الجنة بمنه وكرمه من أنواع النعيم

ما لا يمكن أن يقارن بما ضحى به العبد من المتع الزائلة الفانية ،زيادة عما قد يجده في قلبه من السعادة والراحة بطاعة ربه .

ولعله إذا رأى تمسكك بدينك وأنك امتنعت عن لقائه والجلوس معه رغم محبتك له يعلم عظمة هذا الدين الذي يجعل أتباعه على أتم الاستعداد للتضحية بكل ما يحبون لإرضاء ربهم سبحانه

ويعلم أنهم يرجون عند ربهم خيرا عظيما يكرمهم به لأجل صبرهم على طاعته ، وامتناعهم عن حرماته فيكون ذلك سببا في إسلامه .

نسأل الله أن يهديه للإسلام ، وأن ييسر لك الخير ، ويصرف عنك الشر .. آمين .

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 15:55
سورة فيها لفظ الجلالة في كل آية

السؤال

ما هي السورة التي ذكر اسم الله في كل آية منها؟.

الجواب

الحمد لله

السورة هي : المجادلة.

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 15:58
لماذا لم يذكر القرآن قصة هاجر وزمزم

السؤال

لماذا لا يذكر القرآن عادة الختان وقصة هاجر ومعجزة بئر زمزم، بينما يذكر الكتاب المقدس ذلك؟.

الجواب

الحمد لله

كان من الأولى أن تسأل فتقول : لماذا لم يفصل القرآن في ذكر عدد الصلوات في اليوم والليلة ، وعدد كل صلاة ، وماذا يُقرأ فيها ، وما صفة الصلاة ... وهكذا الزكاة والحج والصيام وغيرها .

أخي السائل : إن الله جعل سنّة النبي عليه الصلاة والسلام مبيّنة ومفصلة لما أُجمل في القرآن

كما قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) . فهذه الأمور التي تذكرها بينتها السنة وكلاهما وحيٌ من عند الله : السنة والقرآن .

الشيخ سعد الحميد .

وإليك من السنة في قصة هاجر وزمزم ما يغنيك عن كل الأناجيل التي لا نعلم صحة ما فيها :

فقد روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قصة هاجر زوجة إبراهيم وأم ابنه إسماعيل فقال في الرّواية

: جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ

مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ إِذَنْ

لا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ

: ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ

وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ

جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ

فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا

فَقَالَتْ صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا

هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ

زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ

عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ

مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ وَلَكِنْ لا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ قَالُوا نَعَمْ

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الإنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ

وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ .. ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا

رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي قَالَ وَأُعِينُكَ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ

إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولانِ

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قَالَ فَجَعَلا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) صحيح البخاري 3113 .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 16:01
من ينظر في المصحف دون تحريك الشفتين هل يثاب على ذلك ؟

السؤال

: بعض الناس يأخذون المصحف ويطالعون فيه دون تحريك شفتيهم هل هذه الحالة ينطبق عليها اسم قراءة القرآن ؟

أم لابد من التلفظ بها والإسماع ، لكي يستحقوا بذلك ثواب قراءة القرآن ؟

وهل المرء يثاب على النظر في المصحف ؟ أفتونا جزاكم الله خيراًَ.

الجواب

الحمد لله

لا مانع من النظر في القرآن من دون قراءة للتدبر والتعقل وفهم المعنى ، لكن لا يعتبر قارئاً ولا يحصل له فضل القراءة إلا إذا تلفظ بالقرآن ولو لم يسمع من حوله

لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ) رواه مسلم .

ومراده صلى الله عليه وسلم بأصحابه : الذين يعملون به ، كما في الأحاديث الأخرى

وقال صلى الله عليه وسلم : (من قرأ حرفاً من القرآن فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ) خرجه الترمذي ، والدارمي بإسناد صحيح ، ولا يعتبر قارئاً إلا إذا تلفظ بذلك . والله ولي التوفيق .

كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/8 ص / 363

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 16:04
حكم تعليق الآيات على الجدران

السؤال

عند زيارة لبعض بيوت المسلمين أجد أن كثيراً منهم يقومون بتعليق لوحات على الجدران مكتوب عليها آيات من القرآن وأسماء الله الحسنى أو غير ذلك ؟

ما حكم الشريعة الإسلامية في هذا العمل ؟ .

الجواب

الحمد لله

إن تعليق اللوحات والخِرَق التي فيها آيات من القرآن في البيوت أو المدارس أو النوادي أو المحلات التجارية فيه عدد من المنكرات والمحاذير الشرعية ومنها :

1- أنّ تعليقها في الغالب هو للزينة وتجميل الجدران بنقوش الآيات والأذكار المزخرفة الملونة وفي هذا انحراف بالقرآن عما أنزل من أجله من الهداية والموعظة الحسنة والتعهد بتلاوته ونحو ذلك .

والقرآن لم ينزل لتزيين الحيطان وإنما نزل هدى للناس وبياناً .

2- أنّ عدداً من الناس يعلّقونها للتبرّك بها وهذا من البدع فإنّ التبرّك المشروع هو بتلاوة القرآن لا بتعليقه ووضعه على الأرفف وتحويله إلى لوحات ومجسّمات .

3- أن في ذلك مخالفة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم فإنهم لم يكونوا يفعلون ذلك والخير في اتباعهم لا في الابتداع ، بل التاريخ يشهد في بلاد الأندلس وتركيا

وغيرها أنّ الزخرفة وعمل هذه اللوحات والزّينات ونقش الآيات في جدران البيوت والمساجد لم يكن إلا في عصور ضعف المسلمين وهوانهم .

4- أن في التعليق ذريعة للشرك فإنّ بعض الناس يعتقد أنّ هذه اللوحات أو المعلّقات هي حروز تحمي البيت وأهله من الشرور

والآفات وهذا اعتقاد شركيٌّ محرّم فالذي يحمي فعلا هو الله جل وعلا ومن أسباب حمايته تلاوة القرآن والأذكار الشرعية بخشوع ويقين .

5- ما في الكتابة عليها من اتخاذ القرآن وسيلة لترويج التجارة فيها والزيادة في كسبها وينبغي أن يُصان القرآن عن أن يكون مجالا لذلك ، ومعلوم أنّ بعض هذه اللوحات في شرائها إسراف أو تبذير .

6- أنّ كثيرا من هذه اللوحات مطلية بالذّهب فتشتدّ حرمة استعمالها وتعليقها .

7- أنّ في بعض هذه اللوحات عبث واضح كالكتابات الملتوية المعقّدة التي لا يُنتفع بها لأنّها لا تكاد تُقرأ ، وبعضها مكتوب على هيئة طائر أو رَجُل ساجد ونحو ذلك من صور ذوات الأرواح المحرّمة .

8- أنّ في ذلك تعريض آيات القرآن وسوره للامتهان والأذى

فمثلا عند الانتقال من بيت إلى آخر توضع مع الأثاث المتراكم على اختلاف أنواعه كما وتوضع فوقها أشياء أخرى وكذلك يحدث عند تنزيلها لطلاء الجدران أو تنظيف البيت .

9- أنّ بعض المسلمين المقصّرين يعلّقونها إشعارا لأنفسهم بأنهم يقومون بأمور من الدّين ليخفّفوا من لوم ضمائرهم لهم مع أنّها لا تُغني عنهم شيئا .

وبالجملة فإنه ينبغي إغلاق باب الشر والسير على ما كان عليه أئمة الهدى في القرون الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنّ أهلها أفضل المسلمين في عقائدهم وسائر أحكام دينهم .

ثمّ إذا قال قائل بأننا لن نهينها ولن نجعلها زينة ولن نغالي فيها وإنما نريد بها تذكير الناس في المجالس

فالجواب على ذلك أننا إذا نظرنا في الواقع فهل سنجد أنّ ذلك هو الذي يحدث فعلا ؟ وهل يذكر الجالسون الله أو يقرؤون الآيات المعلقة إذا رفعوا رؤوسهم إليها ؟

إن الواقع لا يشهد بذلك بل يشهد بخلافه فكم من المجالس ذات الآيات المعلّقة يخالف الجالسون فيها ما هو معلّق فوق رؤوسهم ويكذبون ويغتابون ويسخرون ويفعلون المنكر ويقولونه

ولو فرضنا أنّ هناك من يستفيد منها فعلا فإنهم قلة قليلة لا تأثير لها في حكم هذه المسألة .

فينبغي على المسلمين أن يُقبلوا على كتاب الله يتلونه ويعملون بما فيه ، نسأل الله أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وصلى الله على نبينا محمد .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 16:08
مخالفة الترتيب في السور والآيات عند التلاوة

السؤال

سؤالي يتعلق بترتيب قراءة سور القرآن في الصلاة الجهرية أو السرية.

هل على المصلي أن يقرأ السور والآيات حسب الترتيب الذي وردت به في القرآن، بمعنى

قراءة سورة النصر في الركعة الأولى ثم سورة الكوثر في الركعة الثانية، وهل يجوز قراءة الآيات 50-60 من سورة البقرة (مثلا) في الركعة الأولى ثم قراءة الآيات 10-20 في الركعة الثانية؟

أرجو توضيح هذا الأمر وبيان السبب.

الجواب

الحمد لله

قراءة المتأخر قبل المتقدم من القرآن يسمى تنكيساً ، وهو أقسام :

تنكيس الحروف

تنكيس الكلمات

تنكيس الآيات

تنكيس السور

أما تنكيس الحروف ، فهو تقديم الحروف المتأخرة على المتقدمة في الكلمة الواحدة ، فيقرأ - مثلاً - بدلاً من رب : " بر " !

و"هذا لا شك في تحريمه ، وأن الصلاة تبطل به ؛ لأنه أخرج القرآن عن الوجه الذي تكلم الله به ، كما أن الغالب أن المعنى يختلف اختلافاً كثيراً ."

" الشرح الممتع لابن عثيمين " ( 3 / 110 ) .

أما تنكيس الكلمات ، فهو أن يقدم الكلمة اللاحقة على التي قبلها ، فيقرأ - مثلاً - بدلاً من قل هو الله أحد : " أحد الله هو قل " !

و "هذا أيضاً محرم بلا شك ؛ لأنه إخراج لكلام الله عن الوجه الذي تكلم الله به ."

" الشرح الممتع " ( 3 / 110 ) .

وأما تنكيس الآيات ، وهو قراءة الآية اللاحقة قبل الآية السابقة ، فيقرأ من شر الوسواس الخناس قبل إله الناس !

فقد قال عنه القاضي عياض رحمه الله :

ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالى على ما هي عليه الآن في المصحف , وهكذا نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم .

من " شرح النووي " ( 6 / 62 ) ، وكذا قال ابن العربي كما في " الفتح " ( 2 / 257 ).

وقال الشيخ ابن عثيمين :

تنكيس الآيات أيضاً محرم على القول الراجح ؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي ، ومعنى توقيفي : أنه بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .

" الشرح الممتع " ( 3 / 110 ) .

وأما تنكيس السور ، فهو قراء السورة اللاحقة قبل السابقة ، فيقرأ - مثلاً - " آل عمران " قبل " البقرة " .

حكمه :

من قال من العلماء إن ترتيب السور ليس توقيفياً : لم ير بذلك بأساً .

ومن رأى أن الترتيب توقيفي ، أو أن إجماع الصحابة على ترتيبه حجة : لم ير جواز ذلك .

والصحيح :

أن الترتيب ليس توقيفيّاً ، وإنما هو من اجتهاد بعض الصحابة .

وأنه لا إجماع على الترتيب بين الصحابة ، إذ كان مصحف " عبد الله بن مسعود " - مثلاً - على خلاف تلك المصاحف ترتيباً .

وفي السنة ما يؤيد الجواز :

أ. عن حذيفة قال : صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح بالبقرة ، فقلت

: يركع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يصلي بها في ركعة ، فمضى ، فقلت : يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها…… رواه مسلم ( 772 ) .

الشاهد في الحديث أنه قرأ النساء قبل آل عمران .

قال النووي :

قال القاضي عياض : فيه دليل لمن يقول إن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف ,

وإنه لم يكن ذلك من ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم بل وَكَله إلى أمته بعده . قال : وهذا قول مالك وجمهور العلماء , واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني ، قال ابن الباقلاني : هو أصح القولين مع احتمالهما .

قال : والذي نقوله : إن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ، ولا في الصلاة ، ولا في الدرس ، ولا في التلقين

والتعليم , وأنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نص ، ولا حدٌّ تحرم مخالفته ، ولذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان .

قال : واستجاز النبي صلى الله عليه وسلم والأمة بعده في جميع الأعصار ترك ترتيب السور في الصلاة والدرس والتلقين .

قال : وأما على قول من يقول من أهل العلم : إن ذلك بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم حدده لهم كما استقر في مصحف عثمان ، - وإنما اختلاف المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف والعرض الأخير -

فيتأول قراءته صلى الله عليه وسلم النساء أولا ثم آل عمران هنا على أنه كان قبل التوقيف والترتيب , وكانت هاتان السورتان هكذا في مصحف أبيّ .

قال : ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى ، وإنما يكره ذلك في ركعة ولمن يتلو في غير صلاة .

قال : وقد أباحه بعضهم .

وتأويل نهي السلف عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها .

قال : ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالى على ما هي عليه الآن في المصحف , وهكذا نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم . هذا آخر كلام القاضي عياض . والله أعلم .

" شرح مسلم " ( 6 / 61 ، 62 ) .

وقال السندي :

قوله ( ثم افتتح آل عمران ) مقتضاه عدم لزوم الترتيب بين السور في القراءة . " شرح النسائي " ( 3 / 226 ) .

ب. عن أنس بن مالك رضي الله عنه كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بـ قل هو الله أحد حتى يفرغ منها ثم يقرأ

سورة أخرى معها وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى فإما تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى فقال ما أنا بتاركها

إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتكم ، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ؟

وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة ؟ فقال إني أحبها فقال حبك إياها أدخلك الجنة . رواه البخاري معلقاً ، والترمذي من طريق البخاري ( 2901 ) .

والشاهد منه : قراءة الرجل سورة الإخلاص في صلاته قبل المتقدِّم عليها ، وقد أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم .

ج . وهو فعل عمر رضي الله عنه :

قال الإمام البخاري :

وقرأ الأحنف بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف أو يونس وذكر أنه صلى مع عمر رضي الله عنه الصبح بهما .

" باب الجمع بين السورتين في الركعة " من كتاب الأذان .

5 . أما القسم الأخير من السؤال ، فنقول :

يجوز قراءة الآية من (50 - 60 ) من البقرة في الأولى ثم القراءة من ( 1 - 20 )

من سورة البقرة في الركعة الثانية ؛ لأن المعنى يكون تاماً .

أما من (10-20) : ففيه انقطاع بالمعنى والأحسن تركه ، ولعلك ذكرت الأرقام على سبيل التمثيل ولا تقصد ذات الآيات

والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 16:10
أحكام المد في القرآن

السؤال

أرجو أن تخبرني ما هو تأثير الرمز "~" على معاني كلمات القرآن ؟

إذا لم يمد شخص الحرف الذي يقع تحت هذا الرمز فهل يغير هذا المعنى ؟

الجواب

الحمد لله

تستخدم هذه العلامة " ~ " للدلالة على مواضع المد الزائد على المد الطبيعي ، فتستخدم في المد اللازم مثل " الطآمّة " وتمد بمقدار ست حركات تقدر الحركة تقريبا بمقدار قبض الإصبع أو بسطه .

وتستخدم في المد المتصل مثل " سوآء علينا " ويمد من أربع حركات إلى ست حركات .

وتستخدم في الكتابة بدلا عن الهمزة التي تأتي بعدها ألف مثل (آمن ، آذاننا ، آدم) وأصلها (ءامن ، ءاذاننا ، ءادم) .

وليس لهذه الإشارة تأثير على معاني الكلمات ، وإنما هي دلالة على بعض المدود كما سبق .

والمد الذي هو فوق المد الطبيعي لا يتغير المعنى عند الإتيان به ، ولكن على الإنسان أن يحافظ على سنة القراءة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمد في قراءته

. والله اعلم .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 16:15
نسخ آية حبس الزانية في البيت

السؤال

أريد أن أعرف معنى الآية الخامسة عشر من سورة النساء التي تقول بحبس المرأة الزانية في البيت حتى الموت أو يحدث فرج بطريقة ما . هل يعنى هذا معاقبة الزانية بذلك أو سجنها بقية عمرها ؟

وما معنى أن الله سيجعل لها طريقاً ؟

أريد أن أتوصل لفهمٍ أحسن للإسلام بواسطة المسلمين أنفسهم . وشكراً على إتاحة الوقت .

الجواب

الحمد لله

قال الله تعالى في سورة النساء : ( وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا (15)

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية :

كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت ولهذا قال: "واللاتي يأتين الفاحشة" يعني الزنا "من نسائكم فاستشهدوا

عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا"

فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك. قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم وكذا رُوِيَ عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن

وعطاء الخراساني وأبي صالح وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك أنها منسوخة وهو أمر متفق عليه -

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي

أثر عليه وكرب لذلك وتغير وجهه فأنزل الله عز وجل عليه ذات يوم فلما سرى عنه قال:

"خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة". وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة عن الحسن عن حطان عن

عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية :

هذه أول عقوبات الزناة ، وكان هذا في ابتداء الإسلام ..

قاله ابن عباس والحسن . زاد ابن زيد: وأنهم منعوا من النكاح حتى يموتوا عقوبة لهم حين طلبوا النكاح من غير وجهه .. غير أن ذلك الحكم كان ممدودا إلى غاية ..

وهي قوله عليه السلام في حديث عبادة بن الصامت: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) ..

وقد قال بعض العلماء : أن الأذى والتعيير باق مع الجلد ، لأنهما لا يتعارضان بل يحملان على شخص واحد . وأما الحبس فمنسوخ بإجماع .. والله أعلم .

ولإتمام الفائدة يحسن معرفة تفسير الآية التي تليها أيضا في سورة النساء وهي قوله تعالى : وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :

" وقوله تعالى "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما" أي واللذان يفعلان الفاحشة فآذوهما قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغيرهما :

أي بالشتم والتعيير والضرب بالنعال وكان الحكم كذلك حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم وقال عكرمة وعطاء والحسن وعبد الله بن كثير: نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا ..

وقوله "فإن تابا وأصلحا" أي أقلعا ونزعا عما كان عليه وصلحت أعمالهما وحسنت "فأعرضوا عنهما"

أي لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له "إن الله كان توابا رحيما"

وقد ثبت في الصحيحين "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها" أي لا يعيرها بما صنعت بعد الحد الذي هو كفارة لما صنعت . "

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 16:19
مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم

السؤال

ما هي الآيات في القرآن التي ينبغي أن نسجد عندها ؟

الجواب

الحمد لله

مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعاً فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان

رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم والدار قطني وحسنه المنذري والنووي وهي :

1- ( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ) (الأعراف/206 ) .

2- ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال). ( الرعد/15) .

3- ( ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ) (النحل/49) .

4- ( قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ) (الإسراء/107 ) .

5- ( إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً ) ( مريم/58 ) .

6- ( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ) (الحج/18 ) .

7- ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) (الحج/77 )

8- ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) . ( الفرقان/60 ) .

9- ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ) (النمل/25 ) .

10- ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ) (السجدة/15 ) .

11- ( وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب ) (ص/24) .

12- ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) (فصلت/37) .

13- ( فاسجدوا لله واعبدوا ) (النجم/63) .

14- ( وإذا قرء عليهم القرآن لا يسجدون ) (الانشقاق/21 ) .

15- ( كلا لا تطعه واسجد واقترب ) (العلق/19 ) .

فقه السنة 1/186-188

قال الألباني في تمام المنة 269 معلقا :

" كلا ليس بحسن ، لأن فيه مجهولين ، فقد قال الحافظ في التلخيص بعد أن نقل تحسين المنذري والنووي للحديث : وضعفه عبد الحق وابن القطان وفيه عبد الله بن منين وهو مجهول

والراوي عنه الحارث بن سعيد العتقي وهو لا يعرف أيضاً وقال ابن ماكولا : ليس له غير هذا الحديث " .

ولذلك اختار الطحاوي أن ليس في الحج سجدة ثانية قرب آخرها وهو مذهب ابن حزم في المحلى قال :

" لأنه لم يصح فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجمع عليها وصح عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي الدرداء السجود فيها "

ثم ذهب ابن حزم إلى مشروعية السجود في السجدات الأخرى المذكورة في الكتاب وذكر أن العشر الأولى متفق على مشروعية السجود فيها عند العلماء وكذلك حكى الاتفاق عليها الطحاوي

في شرح المعاني (1/211) إلا أنه جعل سجدة (فصلت) بدل سجدة (ص)

ثم أخرجا كلاهما بأسانيد صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سجد في (ص) (والنجم) والانشقاق ) و (اقرأ) وهذه الثلاث الأخيرة من المفصل التي أشير إليها في حديث عمرو المذكور آنفا .

وبالجملة فالحديث مع ضعف إسناده قد شهد له اتفاق الأمة على العمل بغالبه

ومجيء الأحاديث الصحيحة شاهدة لبقيته إلا سجدة الحج الثانية فلم يوجد ما يشهد لها من السنة والاتفاق ، إلا أن عمل بعض الصحابة على السجود فيها قد يستأنس بذلك على مشروعيتها ولا سيما ولا يعرف لهم مخالف.

والخلاصة أنّ السجود للتلاوة في الخمسة عشر موضعا المذكورة

والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-02-06, 16:23
الوصايا العشر

السؤال

هل يوجد في القرآن شيء شبيه بالوصايا العشرة الموجودة في الإنجيل ؟

الجواب

الحمد لله

شكرا لك على توجيه هذا السؤال الذي يظهر منه الاهتمام بالقرآن الكريم ونقدّم لك جواب سؤالك بكلّ سرور :

في القرآن الكريم آيات أطلق عليها بعض العلماء آيات الوصايا العشر نظرا لاشتمالها على عشر وصايا عظيمة من الله للبشرية ، وهذه الآيات في موضعين من القرآن الكريم :

الأول في سورة الأنعام في قول الله تعالى : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ

مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)

وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)

وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام

والموضع الثاني في سورة الإسراء ويكاد أن يكون شرحا للموضع الأول

قال الله تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا

فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)

وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا (28)

وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)

إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً(32)

وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34)

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(35)

وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37)

كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) .

ولعلك أيها السّائل بعد تمعّنك في هذه الآيات يكون لك موقف من القرآن أجود بكثير من ذي قبل

وأن يكون ذلك فاتحة لتغيّر جذري في حياتك ، وسبيلاً كريماً لاعتناق دين الإسلام ونتمنى لك التوفيق دائما ، والسلام على من اتّبع الهدى .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2019-10-16, 15:31
و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

مع جذء اخر من

سلسله خيركم من تعلم القرآن وعلمه

و من لاديه استفسار بهذا الجزء يريد التاكيد عليه يتقدم به

و اسال الله ان يجمعني بكم
دائما علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد

yacine1635
2019-11-22, 10:14
شكرا لك
اللهم اجعلها في ميزان حسناتك

أحمد من تونس
2020-02-22, 09:08
وخيرنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من علمنا القرآن

king boubaker
2020-02-22, 18:52
شكرا لك أخي