المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقصود بقاعدة " سد الذرائع "


*عبدالرحمن*
2018-03-01, 04:14
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

سد الذرائع

أولاً :

الذرائع جمع ذريعة ، وهي في اللغة : الوسيلة إلى الشي

ويقصد بها في اصطلاح الفقهاء والأصوليين : ما كان ظاهره الإباحة ، لكنه يفضي ويؤول إلى المفسدة أو الوقوع في الحرام .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَالذَّرِيعَةُ : مَا كَانَ وَسِيلَةً وَطَرِيقًا إلَى الشَّيْءِ ، لَكِنْ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ : عِبَارَةً عَمَّا أَفَضْت إلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ ، وَلَوْ تَجَرَّدَتْ عَنْ ذَلِكَ الْإِفْضَاءِ : لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَفْسَدَةٌ .

وَلِهَذَا قِيلَ : الذَّرِيعَةُ الْفِعْلُ الَّذِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ إلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ " .

انتهى من " الفتاوى الكبرى " لابن تيمية (6/172) .

وقال الشاطبي رحمه الله :

" حَقِيقَتَهَا : التَّوَسُّلُ بِمَا هُوَ مَصْلَحَةٌ ، إِلَى مَفْسَدَةٍ "

انتهى من " الموافقات " (5/183) .

وعليه ، فالمقصود بقولهم : " سد الذرائع " ، أي : سد الطرق المؤدية إلى الفساد ، وقطع الأسباب الموصلة إليه ، وحسم مادة الفساد ، من أصلها .

قال القرافي رحمه الله :

" سَدُّ الذَّرَائِعِ ، وَمَعْنَاهُ : حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ ؛ دَفْعًا لَهَا ، فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ ، وَسِيلَةً لِلْمَفْسَدَةِ : مَنَعَ الإمام مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ "

انتهى من " الفروق " (2/32) .

ثانياً :

دل على العمل بقاعدة : " سد الذرائع " أدلة من الكتاب ، والسنة .

وممن أطال في ذكر تلك الأدلة : شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتليمذه ابن القيم رحمهما الله ، بل عدّ ابن القيم رحمه الله باب : " سد الذرائع " : ربع الدين .

فمن تلك الأدلة :

1. قوله تعالى : ( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) النور / 31 ، فمنع النساء من الضرب بالأرجل ، وإن كان جائزا في نفسه ؛ لئلا يكون سبباً إلى سماع الرجال صوت الخلخال ، فيثير ذلك دواعي الشهوة لديهم .

2. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين ، مع كونه مصلحة ؛ لئلا يكون ذريعة إلى تنفير الناس عنه ، وقولهم : إن محمدا يقتل أصحابه ، فإن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ، ممن دخل فيه ، ومن لم يدخل فيه ، ومفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتلهم ، ومصلحة التأليف أعظم من مصلحة القتل .

وللاطلاع على غير ذلك من الأدلة ، ينظر : " الفتاوى الكبرى " لابن تيمية (6/174 - 180) ، و" إعلام الموقعين " لابن القيم (3/126) ، فقد ذكرا رحمهما الله من الشواهد والنصوص ما يدل على اعتبار قاعدة : " سد الذرائع " .

هذا ، وقد اتفق العلماء رحمهم الله على العمل بقاعدة : " سد الذرائع " ، في الجملة .

قال الشيخ مصطفى مخدوم حفظه الله :

" وبتحرير محل الخلاف يتضح لنا : أن أصل سد الذرائع متفق عليه ، ومعمول به في الجملة ، وإنما وقع الخلاف في بعض أنواعه ، وفي بعض الفروع الفقهية التي تتفاوت فيها قوة وقوع المفسدة ، وظهور القصد إليها
.
قال الإمام القرافي رحمه الله :

" فليس سد الذرائع خاصاً بمالك رحمه الله ، بل قال بها هو أكثر من غيره ، وأصل سدها مجمع عليه " .

وقال أيضاً : " وإنما النزاع في ذرائع خاصة ، وهي بيوع الآجال ونحوها " .

وقال الإمام الشاطبي رحمه الله :

" قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة ، وإنما الخلاف في أمر آخر " .....

" انتهى من " قواعد الوسائل " (ص/371-372) .

*عبدالرحمن*
2018-03-01, 04:16
ثالثاً :

الذرائع من جهة ما يجب سده ، وما لا يجب سده ، قد قسمها أهل العلم رحمهم الله ، إلى ثلاثة أقسام .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

" وَقد تقرر فِي الْأُصُول ، أَن الذرائع ثَلَاثَة أَقسَام : وَاسِطَة وطرفان .

1. طرف يجب سَده إِجْمَاعًا ، كسب الْأَصْنَام إِذا كَانَ عابدوها يسبون الله مجازاة على سبّ أصنامهم ؛ فسب الْأَصْنَام فِي حد ذَاته مُبَاح ، فَإِذا كَانَ ذَرِيعَة لسب الله : مُنِع بِنَصّ قَوْله تَعَالَى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ، وكحفر الْآبَار فِي طَرِيق الْمُسلمين ؛ فإنه ذَرِيعَة لترديهم فِيهَا .

2. وطرف لَا يجب سَده إِجْمَاعًا ، وَهُوَ مَا كَانَت الْمفْسدَة فِيهِ تعارضها مصلحَة عظمى أرجح مِنْهَا ؛ كغرس شجر الْعِنَب ، فإنه ذَرِيعَة إِلَى عصر الْخمر مِنْهُ ، وعصرها ذَرِيعَة لشربها ، إِلَّا أَن مصلحَة انْتِفَاع الْأمة بالعنب وَالزَّبِيب فِي أقطار الدُّنْيَا : أرجح من مفْسدَة عصر بعض الْأَفْرَاد للخمر مِنْهَا . فقد أجمع الْمُسلمُونَ على جَوَاز غرس شجر الْعِنَب ، إِلْغَاءً للمفسدة المرجوحة بِالْمَصْلَحَةِ الراجحة ... .

3. وواسطة هِيَ مَحل الْخلاف بَين الْعلمَاء ، كالبيوع الَّتِي يسميها الْمَالِكِيَّة : بُيُوع الْآجَال ، ويسميها الْحَنَابِلَة وَالشَّافِعِيَّة : بيع الْعينَة ، كَأَن يَبِيع سلْعَة بِثمن إِلَى أجل ، ثمَّ يَشْتَرِيهَا بِعَينهَا بِثمن أَكثر من الأول ، لأجلٍ أبعد من الأول . فكلتا البيعتين فِي حد ذَاتهَا يظْهر أَنَّهَا جَائِزَة ، لِأَنَّهَا بيع سلْعَة بِثمن إِلَى أجل مَعْلُوم ، وَمن هُنَا قَالَ الشَّافِعِي وَزيد بن أَرقم بِجَوَاز ذَلِك .

وَلكنه يحْتَمل أَن يكون ذَلِك ذَرِيعَة للربا ؛ لِأَن السّلْعَة الْخَارِجَة من الْيَد ، العائدة إِلَيْهَا : ملغاة ، فيؤول الْأَمر إِلَى أَنه عِنْد الْأَجَل الأول : دفع نَقْدا وَأخذ عِنْد الْأَجَل الثَّانِي أَكثر مِنْهُ ؛ وَهَذَا عين الرِّبَا . كَمَا أنكرته عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا على زيد بن أَرقم ، وبالمنع قَالَ مَالك وَأَصْحَابه وَأحمد وَأكْثر أَصْحَابه "

انتهى من " منهج التشريع الإسلامي وحكمته " للشيخ الشنقيطي (ص/27-28) .

وينظر – أيضاً – " الفروق " للقرافي رحمه الله (2/32) ، فقد ذكر تلك الأقسام التي ذكرها الشيخ الشنقيطي رحمه الله .

وقال الشاطبي رحمه الله :

" وَهُوَ مَا يَكُونُ أَدَاؤُهُ إِلَى الْمَفْسَدَةِ نَادِرًا ؛ فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ الْإِذْنِ ، لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ إِذَا كَانَتْ غَالِبَةً ؛ فَلَا اعْتِبَارَ بِالنُّدُورِ فِي انْخِرَامِهَا ، إِذْ لَا تُوجَدُ فِي الْعَادَةِ مَصْلَحَةٌ عَرِيَّةٌ عَنِ الْمَفْسَدَةِ جُمْلَةً ؛ إِلَّا أَنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا اعْتَبَرَ فِي مَجَارِي الشَّرْعِ غَلَبَةَ الْمَصْلَحَةِ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ نَدُورَ الْمَفْسَدَةِ؛ إِجْرَاءً لِلشَّرْعِيَّاتِ مَجْرَى الْعَادِيَّاتِ فِي الْوُجُودِ "

انتهى من " الموافقات " (3/68) .

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

" الذَّرِيعَةَ إلَى الْفَسَادِ يَجِبُ سَدُّهَا ، إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ ، وَلِهَذَا كَانَ النَّظَرُ الَّذِي يُفْضِي إلَى الْفِتْنَةِ مُحَرَّمًا ، إلَّا إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ ، مِثْلُ نَظَرِ الْخَاطِبِ ، وَالطَّبِيبِ ، وَغَيْرِهِمَا ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ لِلْحَاجَةِ ، لَكِنْ مَعَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ "
.
انتهى من " الفتاوى الكبرى " (1/287) .

وللاستزادة في مسألة : " سد الذرائع " ينظر كتاب : " سد الذرائع في الشريعة الإسلامية " للشيخ محمد هشام البرهاني رحمه الله ، وهو كتاب موسع ومفيد ، وينظر أيضاً " قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية " للشيخ الدكتور مصطفى بن كرامة الله مخدوم حفظه الله ، عند كلامه عن قاعدة : " سد الذرائع " ( ص363 وما بعدها ) .

والله أعلم .

walidsisou
2018-03-03, 19:08
الشكر لكم اخواني

*عبدالرحمن*
2018-03-06, 01:15
الشكر لكم اخواني

الجمد لله الذي بفضله تتم الصالحات

الشكر موصول بحضورك الراقي
وفي انتظار مرورك دائما

بارك الله فيك

messi20122013
2018-04-09, 16:04
جزاكم الله كل الخير