المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القضاء والقدر


*عبدالرحمن*
2018-02-26, 03:52
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

القضاء والقدر

الإيمان بالقضاء والقدر هو السعادة، وهو ركن الإفادة من هذه الدنيا والاستفادة، منه تنشرح الصدور، ويعلوها الفرح والحبور، وتنزاح عنها الأحزان والكدور، فما أحلاها من حياة عندما يسلِّم العبد زمام أموره لخالقه، فيرضى بما قسم له، ويسلِّم لما قدّر عليه، فتراه يحكي عبداً مستسلماً لمولاه، الذي خلقه وأنشأه وسواه، وبنعمه وفضله رباه وغذاه، فيسعد في الدنيا ويؤجر في الأخرى.

ولا يتم ذلك إلا لمن فهم القضاء والقدر، وعرف أسراره، وعلم حكمه على فهم سلف الأمة، فهم على علم أقدموا، وعن فهم كفوا وأحجموا، فلابد من الوقوف حيث وقفوا، وقصر الأفهام على ما فهموا.

القضاء والقدر لغة وشرعا :-

القضاء لغة فهو:

الحكم، والقدر: هو التقدير.

فالقدر:

هو ما قدره الله سبحانه من أمور خلقه في علمه.

والقضاء:

هو ما حكم به الله سبحانه من أمور خلقه وأوجده في الواقع.

وعلى هذا فالإيمان بالقضاء والقدر معناه: الإيمان بعلم الله الأزلي، والإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة سبحانه

@ حكم الخوض فى مسائل القدر :-

الأصل أن المؤمن يؤمن بقضاء الله وقدره ويمسك لسانه عن الخوض فى دقائق القدر , ويضع نصب عينيه عدل الله ورحمته . بهذا ينجو من أمواج هذا البحر العميق .

وقبل أن نسبح فى هذا المحيط العظيم أذكر بأن اعظم الأخطار فى مسائل الإعتقاد أن تنظر إليها من جانب واحد دون الإمساك بخيوطها جميعها .

@ مراتب القدر وأركانه :-

الإيمان بالقدر يقوم على أربعة اركان تسمى مراتب القدر أو اركانه , وهى المدخل لفهم باب القدر ولا يتم الإيمان به إلا بتحقيقها كلها , فبعضها مرتبط ببعض , فمن أقر بها جميعا اكتمل إيمانه بالقدر ومن انتتقص واحداً منها أو أكثر اختل إيمانه بالقدر ,
وهذه الأركان هى :-

1) العلم 2) الكتابة
3) المشيئة 4) الخلق

المرتبة الأولى : العلم :-

وهو الإيمان بأن الله عالم بكل شئ جملة وتفصيلاً , ازلاً وأبداً , سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله , أو بأفعال عباده , فعلمه محيط بما كان , وما سيكون ومالم يكن لو كان كيف كان يكون , ويعلم الموجود والمعدوم والممكن والمستحيل , وقد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم , فعلم أرزاقهم وآجالهم , واقوالهم واعمالهم , وجميع حركاتهم وسكناتهم ,,اهل الجنة , وأهل النار .

والأدلة على هذه المرتبة من القرآن الكريم والسنة المطهرة كثيرة جداً منها .

1) قوله تعالى ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ )) ( الحشر / 22 )

أى عالم ما غاب من الإحساس و ما حضر , وقيل عالم السر والعلانية , وقيل ما كان وما يكون وقيل الآخرة والدنيا
وقوله تعالى ((أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا )) ( الطلاق /12)

2) وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : « سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم عن أولاد المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين » (البخاري) .

المرتبة الثانية : الكتابة :-

وهى الإيمان بأن الله كتب ما سبق به علمه من مقادير الخلائق إلى يوم القيامة فى اللوح المحفوظ .
وقد اجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث على أن كل كائن إلى يوم القيامة فهو مكتوب فى ام الكتاب التى هى اللوح المحفوظ .

والأدلة على هذه المرتبة كثيرة من الكتاب والسنة منها .

أولا : الأدلة من الكتاب :

1) قوله تعالى :- { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (الأنعام/38) .

2) وقوله جل وعلا :- { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (يونس / 61) .

3) وقوله تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } (الحج / 70) .

ثانيا : الأدلة من السنة :

1) روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس وجعل ينكت بمخصرته ثم قال : « ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة ، فقالوا : يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا ؟ فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة فسيصير لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة فسيصير لعمل أهل الشقاء ثم قرأ ».

2) وروى مسلم عن جابر بن عبد الله قال : « جاء سراقة بن مالك بن جعثم فقال : يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن ، فيم العمل اليوم ، أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ، أم فيما نستقبل ؟ قال : " لا ، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير " ، قال : ففيم العمل ؟ قال : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله » .

3) وروى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : « كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال لي : يا غلام إني معلمك كلمات احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك . رفعت الأقلام وجفت الصحف » .

قوله ( صلى الله عليه وسلم ) (رفعت الأقلام وجفت الصحف) يعنى : على اللوح المحفوظ , فهذا اللوح المحفوظ ليس فيه محو ولا إثبات للتغير .

فاللوح المحفوظ كتب اللله فيه ما سيكون إلى يوم القيامة , وما هو كائن , حتى لو أن كتاباً آخر مُحى فيه شئ واثبت آخر لكان هذا موجوداً فى اللوح المحفوظ أن يُمحى من كتاب فلان كذا وكذا ولا محو ولا لإثبات فى الللوح المحفوظ , رفعت الأقلام وجفت الصحف .

ويتبع هذه الكتابة الأولى – وهى الكتابة فى اللوح المحفوظ – كتابات وتقديرات أخر :-

1) التقدير يوم القبضتين :-

قال صلى الله عليه وسلم (( إن الله عز وجل حلق آدم , ثم أخذ الخلق من ظهره , وقال هؤلاء فى الجنة ولا أبالى , وهؤلاء فى النار ولا أبالى )) فقال قائل : يا رسول الله فعلى ماذا نعمل ؟ قال صلى الله عليه وسلم (( على مواقع القدر )) وفى رواية (( أخذ قبضة بيمينه فقال :- هؤلاء فى الجنة ولا أبالى واخذ قبضة بشماله وقال هؤلاء فى النار ولا أبالى ))

فلا يبالى الله عز وجل بطاعة الطائعين , ولا معصية العاصين ولا يزيد فى ملكه طاعة طائع , ولا ينقص من ملكه معصية عاصٍ , ولو أن أول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك فى ملكه شيئاً لأنه هو الذى قدر ذلك , وهو الذى جعله كذلك سبحانه وتعالى ولكنهم مأمورين بالأخذ بالأسباب وبين النبى صلى الله عليه وسلم أن وجود القدر السابق لا يعنى ترك العمل , لأن الله عز وجل كتب المقادير بأسبابها فقال (( هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون )) وقال (( وهؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون )) رواه الترمذى وصححه الشيخ الألبانى رحمه الله
وليس هذا أمرأ مكتوباً بلا أسباب فلذا عليك أن تأخذ بالأسباب لأن الله عز وجل خلق لك قدرة وإرادة يقع بها فعلك ولكن ذلك لا يعنى الخروج عن القدر .

وهذه المسألة هى التى حيرت البشرية و جوابها فى هذا الحديث الذى لا يتجاوز السطر أن الناس تعمل , وكل ميسر لما خلق له , فالإنسان ليس مُيسراً فقط , ولا مخيرا ً فقط , لأن كلمة " مسير " يعنى إنه لا اختيار له كالسيارة يقودها صاحبها ويوجهها وكونه مخيراً يعنى إنه لا سلطان لأحد عليه , فكلا الأمرين باطل .

إنما يُجمع بين الأمرين فالإنسان له أختيار ومشيئة وجعل الله وقدر له قدرة فلا يلزمنا أحد بأحدى إجابتين كلاهما خطأ , فيقول لك الإنسان مسير أم مخير ؟ وكأنه يقول 5+ 5 = 9 أم 11 فنقول كلتى الإجابيتين خطأ , والصواب ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم (( اعملوا فكل ميسر لما خلق له )) فكلمة (( اعملوا )) قالها ما إثبات القدر , فإثبات القدر لا يعنى ترك العمل , فقال ( اعملوا )) فأثبت العمل (( فكل ميسر لما خلق له )) فكلمة (( لما خلق له )) لا تعنى أنه يدخله بغير عمل غلا أن بعض اهل الجنة يدخلهم الله جل وعلا الجنة بلا عمل عملوه ولا خير قدموه , وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء , ولكن النار لا يدخلها أحد غلا بعمله ولا يدخلها أحد غلا بعدل الله سبحانه .

2) التقدير العمرى :-

وهو تقدير كل ما يجرى على العبد فى حياته إلى نهاية أجله , وكتابة شقاوته أو سعادته .

وقد دل على ذلك حديث الصادق المصدوق فى الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعاً (0 إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوماً , ثم يكون علقة مثل ذلك , ثم يكون مضغة مثل ذلك , ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات , يكتب رزقه وأجله , وعمله , وشقى أم سعيد )) رواه البخارى ومسلم وابن ماجه .

3) التقدير السنوى :-

وذلك فى ليلة القدر من كل سنة , ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى ((فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )) الدخان / 4
فكل أمور السنة تقدر تقديراً أخر فى ليلة القدر وهذه كتابات وتقديرات قد تكون منسوخة – أى منقوله – من اللوح المحفوظ فكتب الله عز وجل ما يشاء فى ليلة القدر :- من يحج ومن يموت ومن يغزو ........الخ

4 ) التقدير اليومى :-

قال تعالى ((كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ )) الرحمن / 29
(( من شأنه أن يغفر ذنباً , ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويخفض أخرين )) حسنه الألبانى

المرتبة الثالثة :- المشيئة :-

وهذه المرتبة تقتضى الإيمان بمشيئة الله النافذة , وقدرته الشاملة , فما شاء كان , ومالم يشأ لم يكن , وأنه لا حركة , ولا سكون , ولا هداية , ولا إضلال إلا بمشيئته .

والنصوص الدالة على هذا الأصل كثيرة جداً من الكتاب والسنة :-

1- قال تعالى ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) التكوير / 29

ومشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة يجتمعان فيما كان وما سيكون ويفترقان فيما لم يكن , ولا هو كائن , فما شاء الله كونه فهو كائن بقدرته لا محالة ومالم يشأ كونه فإنه لا يكون , لعدم مشيئته له لا لعدم قدرته عليه .

قال تعالى ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ )) البقرة / 253
فعدم اقتتالهم ليس لعدم قدرة الله ولكن لعدم مشيئته ذلك

@ الإرادة مردافة للمشيئة .

وهى تنقسم إلى قسمين : _

إرادة شرعية وإرادة كونية قدرية

1) فالإرادة الكونية القدرية :-

بها تكون الأشياء , وتقع كقوله تعالى ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) يس /82

وهذه تشمل كل الموجودات , خيرها وشرها , ما الله منها وما أبغض , وما مدحه وما ذمه , يشمل كل شئ وجد بإرادة الله سبحانه اراد وجود غبليس وأبى لهب وفرعون ووجود الشر , وهو يبغض كل ذلك .

كما أنه الذى أراد وجود الملائكة , والأنبياء والمؤمنين , وكل الخير , ويحب ذلك فخلق ما يرضاه وما لا يرضاه , وما أراده شرعاً , ومن نهى عنه شرعاً , وخلق كلا لحكمة يعلمها فلو سأل سائل :-

فلماذا خلق الله عز وجل مالا يحب ؟

فنقول : خلق هذه الأشياء لحكمة يعلمها , وقد يُطلع بعض خلقه على بعض حكمه .

قال النبى صلى الله عليه وسلم فى بيان حكمة وقوع الذنوب المكروهة لله عز وجل من عباده (( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ) رواه مسلم

فهنا يظهر آثار الأسماء والصفات , فالله عز وجل يجب أن يغفر عز وجل فكيف يغفر لمن يوجد منه الذنب ؟ وإنما الأمر مرتبط بوجود الذنوب وهذا يقاس عليه ما تراه , فظهور آثار الرحمة , وظهور أثار شدة العقاب , وظهور اثار العزة , وظهور أنه ذو انتقام عز وجل وإنما ينتقم من المجرمين , ولا ينتقم من المؤمنين الذى اطاعوه عز وجل , وهذا بعض معانى حكمته عز وجل وهى كثيرة جداً فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فيكثر بيان أنواع من الحكم الكونية , كما يكثر بيان أنواع من الحكم الشرعية , ولكن لا يحيط علماً بحكمته عز وجل إلا هو .

2) الإرادة الشرعية :-

وهذه الغرادة تشمل كل ما يحبه الله ويرضاه فقط , سواء أوجد أم لم يوجد (( والله يريد أن يتوب عليكم )) النساء /27
وهذه الإرادة ليست غرادة كونية وإنما هى إرادة شرعية , فمن الناس من يتوب, ومنهم من لا يتوب , والله يريد التوبة من الجميع شرعاً ولا يريدها كوناً إلا من بعضهم فالتوبة التى حدثت من بعضهم متعلقة بإرادة الله الكونية , التى هى متعلقة بكل ما يوجد مما يحبه ومما لا يحبه , والتوبة عمل يحبه عز وجل .

المرتبة الرابعة :- الخلق :-

وهذه المرتبة تقتضى الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله بذواتها وصفاتها وحركاتها وبأن كل من سوى الله مخلوق موجد من العدم , كائن بعد أن لم يكن .

والأدلة على هذه المرتبة لا تكاد تحصر منها :- قوله تعالى (( الله خالق كل شئ )) الزمر / 62

وكذلك أفعال العباد هة من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً , وهى من العباد فعلاً وكسباً , فالله هو الخالق لفعالهم , وهم الفاعلون لها

اخوة الاسلام

ادعوكم لمعرفه المزيد بالتفصيل
واسالكم الدعاء بظهر الغيب

*عبدالرحمن*
2018-02-26, 04:00
السؤال

هل توضح لي نظرة الإسلام للقضاء والقدر، وماذا يجب علي اعتقاده في هذا الشأن ؟.

الجواب

الحمد لله

فالكلام على نظرة الإسلام للقضاء والقدر قد يطول قليلاً وحرصاً على الفائدة فسنبدأ بمختصر مهم في هذا الباب ثم نتبعه ببعض الشرح الذي يسمح به المقام سائلين الله النفع والقبول :

اعلم وفقك الله أن حقيقة الإيمان بالقضاء هي : التصديق الجازم بأن كل ما يقع في هذا الكون فهو بتقدير الله تعالى .

وأن الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان وأنه لا يتم إيمان أحد إلا به ففي صحيح مسلم ( 8 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه بلغه أن بعض الناس ينكر القدر فقال : " إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني براء منهم وأنهم برآء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر ( أي : يحلف بالله ) لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر"

ثم اعلم أن الإيمان بالقدر لا يصح حتى تؤمن بمراتب القدر الأربع وهي :

1) الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلا من الأزل والقدم فلا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض .

2) الإيمان بأن الله كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة .

3) الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة فلا يكون في هذا الكون شيء من الخير والشر إلا بمشيئته سبحانه .

4) الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله فهو خالق الخلق وخالق صفاتهم وأفعالهم كما قال سبحانه : ( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء ) الأنعام/102

ومن لوازم صحة الإيمان بالقدر أن تؤمن :

- بأن للعبد مشيئة واختياراً بها تتحقق أفعاله كما قال تعالى : ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) التكوير/28 وقال : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) البقرة/286

- وأن مشيئة العبد وقدرته غير خارجة عن قدرة الله ومشيئته فهو الذي منح العبد ذلك وجعله قادراً على التمييز والاختيار كما قال تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) التكوير/29

- وأن القدر سر الله في خلقه فما بينه لنا علمناه وآمنا به وما غاب عنا سلمنا به وآمنا ، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة وأفهامنا الضعيفة بل نؤمن بعدل الله التام وحكمته البالغة وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده .

وبعد فهذا مجمل اعتقاد السلف الصالح في هذا الباب العظيم وسنذكر فيما يلي تفصيلاً لبعض ما تقدم من القضايا فنقول سائلين الله العون والتسديد :

أولاً : معنى القضاء والقدر في اللغة :

القضاء لغة : هو إحكام الشيء وإتمام الأمر ، وأما القدر فهو في اللغة: بمعنى التقدير .

ثانيا : تعريف القضاء والقدر في الشرع :

القدَر : هو تقدير الله تعالى الأشياء في القِدَم ، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة ، وكتابته سبحانه لذلك ، ومشيئته له ، ووقوعها على حسب ما قدرها ، وخَلْقُه لها .

ثالثاً : هل هناك فرق بين القضاء والقدر؟ :

من العلماء من فرق بينهما ، ولعل الأقرب أنه لا فرق بين ( القضاء ) و ( القدر ) في المعنى فكلٌ منهما يدل على معنى الآخر ، ولا يوجد دليل واضح في الكتاب والسنة يدل على التفريق بينهما ، وقد وقع الاتفاق على أن أحدهما يصح أن يطلق على الآخر ، مع ملاحظة أن لفظ القدر أكثر وروداً في نصوص الكتاب والسنة التي تدل على وجوب الإيمان بهذا الركن . والله أعلم .

رابعاً : منزلة الإيمان بالقدر من الدين :

الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي وردت في قوله صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " رواه مسلم ( 8 ) وقد ورد ذكر القدر في القرآن في قوله تعالى : ( إنا كل شئ خلقناه بقدر ) القمر/49 . وقوله تعالى: ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) الأحزاب/38 .

خامساً : مراتب الإيمان بالقدر:

اعلم وفقك الله لرضاه أن الإيمان بالقدر لا يتم حتى تؤمن بهذه المراتب الأربع وهي :

أ ـ مرتبة العلم : وهي الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وأن الله قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم ، وعلم ما هم عاملون بعلمه القديم وأدلة هذا كثيرة منها قوله تعالى : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) الحشر/22 ، وقوله تعالى : ( وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) الطلاق/12 .

ب ـ مرتبة الكتابة : وهي الإيمان بأن الله كتب مقادير جميع الخلائق في اللوح المحفوظ . ودليل هذا قوله تعالى : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحج/70 .

وقوله صلى الله عليه وسلم : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة " رواه مسلم ( 2653 ) .

ج ـ مرتبة الإرادة والمشيئة : وهي الإيمان بأن كل ما يجري في هذا الكون فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى ؛ فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فلا يخرج عن إرادته شيء .

والدليل قوله تعالى : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّه ُ) الكهف/23 ،24 وقوله تعالى : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/29 .

د ـ مرتبة الخلق : وهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء ، ومن ذلك أفعال العباد ، فلا يقع في هذا الكون شيء إلا وهو خالقه ، لقوله تعالى: ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) الزمر/62 . وقوله تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون ) الصافات/96 .

وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يصنع كل صانع وصنعته " أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد( 25 ) وابن أبي عاصم في السنة ( 257و 358 ) وصححه الألباني في الصحيحة ( 1637) .

قال الشيح ابن سعدي ـ رحمه الله ـ : " إن الله كما أنه الذي خلقهم ـ أي الناس ـ ، فإنه خلق ما به يفعلون من قدرتهم وإرادتهم ؛ ثم هم فعلوا الأفعال المتنوعة : من طاعة ومعصية ، بقدرتهم وإرادتهم اللتين خلقها الله ) ( الدرة البهية شرح القصيدة التائية ص 18 )

التحذير من الخوض بالعقل في مسائل القدر :

الإيمان بالقدر هو المحك الحقيقي لمدى الإيمان بالله تعالى على الوجه الصحيح ، وهو الاختبار القوي لمدى معرفة الإنسان بربه تعالى ، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله ، وبما يجب له من صفات الجلال والكمال ، وذلك لأن القدر فيه من التساؤلات والاستفهامات الكثيرة لمن أطلق لعقله المحدود العنان فيها ، وقد كثر الاختلاف حول القدر ، وتوسع الناس في الجدل والتأويل لآيات القرآن الواردة بذكره

بل وأصبح أعداء الإسلام في كل زمن يثيرون البلبلة في عقيدة المسلمين عن طريق الكلام في القدر ، ودس الشبهات حوله ، ومن ثم أصبح لا يثبت على الإيمان الصحيح واليقين القاطع إلا من عرف الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، مسلِّماً الأمر لله ، مطمئن النفس ، واثقاً بربه تعالى ، فلا تجد الشكوك والشبهات إلى نفسه سبيلاً ، وهذا ولا شك أكبر دليل على أهمية الإيمان به من بين بقية الأركان

وأن العقل لا يمكنه الاستقلال بمعرفة القدر فالقدر سر الله في خلقه فما كشفه الله لنا في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم علمناه وصدقناه وآمنا به، وما سكت عنه ربنا آمنا به وبعدله التام وحكمته البالغة ، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون . والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه .

يراجع ( أعلام السنة المنشورة 147 ) ( القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للشيخ الدكتور / عبد الرحمن المحمود ) و ( الإيمان بالقضاء والقدر للشيخ / محمد الحمد )

*عبدالرحمن*
2018-02-26, 04:11
السؤال:

في باب القضاء والقدر وللتفريق بينهما ، قال أهل العلم : إن فيهما خلاف ، فمنهم من فسر القضاء بالقدر، ومنهم من قال : إن القضاء غير القدر، فسؤالي : هل هناك قول يرجح أحدهما على الآخر ؟ وإن كان هناك ترجيح فما هو الدليل عليه ؟ وأيهما أسبق القضاء أم القدر؟

الجواب :

الحمد لله

ذهب بعض العلماء إلى أن القضاء والقدر مترادفان .

وهذا موافق لقول بعض أئمة اللغة الذين فسروا القدر بالقضاء .

جاء في "القاموس" المحيط للفيروزآبادي (ص 591) :

" القدر : القضاء والحكم" انتهى .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما الفرق بين القضاء والقدر ؟

فأجاب " القضاء والقدر، هو شيء واحد، الشيء الذي قضاه الله سابقاً ، وقدره سابقاً، يقال لهذا القضاء ، ويقال له القدر "

انتهى من موقع الشيخ

https://www.binbaz.org.sa/noor/1480

وذهب آخرون من العلماء إلى التفريق بينهما .

فذهب بعضهم إلى أن القضاء سابق على القدر .

فالقضاء هو ما علمه الله وحكم به في الأزل ، والقدر هو وجود المخلوقات موافقة لهذا العلم والحكم .

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/477) : " قال العلماء : القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل ، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله " انتهى .

وقال في موضع آخر (11/149) : "القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل ، والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل" انتهى .

وقال الجرجاني في "التعريفات" (ص174) :

"القدر : خروج الممكنات من العدم إلى الوجود ، واحدا بعد واحد ، مطابقا للقضاء .

والقضاء في الأزل، والقدر فيما لا يزال .

والفرق بين القدر والقضاء : هو أن القضاء وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ مجتمعة، والقدر وجودها متفرقة في الأعيان بعد حصول شرائطها" انتهى .

ورأى فريق آخر من العلماء عكس هذا القول ، فجعلوا القدر سابقا على القضاء ، فالقدر هو الحكم السابق الأزلي ، والقضاء هو الخلق .

قال الراغب الأصفهاني في "المفردات" (ص675)

"والقضاء من الله تعالى أخص من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير، فالقدر هو التقدير، والقضاء هو الفصل والقطع .
وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المُعَدِّ للكيل ، والقضاء بمنزلة الكيل ، ويشهد لذلك قوله تعالى: ( وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) ، وقوله: ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ) ، وقوله: ( وَقُضِيَ الأَمْرُ). أي فصل ، تنبيهًا أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه " انتهى .

ومن العلماء من اختار أنهما بمعنى واحد إذا افترقا ، فإذا اجتمعا في عبارة واحدة : صار لكل واحد منهما معنى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" القدر في اللغة ؛ بمعنى : التقدير؛ قال تعالى: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر: 49]، وقال تعالى: (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) [المرسلات: 23]. - وأما القضاء ؛ فهو في اللغة : الحكم.

ولهذا نقول : إن القضاء والقدر متباينان إن اجتمعا، ومترادفان إن تفرقا؛ على حد قول العلماء: هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا.

فإذا قيل: هذا قدر الله؛ فهو شامل للقضاء، أما إذا ذكرا جميعًا؛ فلكل واحد منهما معنى.

- فالتقدير: هو ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه.

- وأما القضاء؛ فهو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وعلى هذا يكون التقدير سابقًا.

فإن قال قائل: متى قلنا: إن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وإن القدر سابق عليه إذا اجتمعا؛ فإن هذا يعارض قوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2]؛ فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق؟

فالجواب على ذلك من أحد وجهين:

- إما أن نقول: إن هذا من باب الترتيب الذكري لا المعنوي، وإنما قدم الخلق على التقدير لتتناسب رؤوس الآيات.
ألم تر إلى أن موسى أفضل من هارون، لكن قدم هارون عليه في سورة طه في قوله تعالى عن السحرة: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) [طه: 70]؛ لتتناسب رؤوس الآيات
.
وهذا لا يدل على أن المتأخر في اللفظ متأخر في الرتبة.

-أو نقول : إن التقدير هنا بمعنى التسوية ؛ أي : خلقه على قدر معين ؛ كقوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [الأعلى: 2]؛ فيكون التقدير بمعنى التسوية.

وهذا المعنى أقرب من الأول؛ لأنه يطابق تمامًا لقوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى)؛ فلا إشكال

" انتهى، من "شرح العقيدة الواسطية" (2/189).

والخطب في هذه المسألة يسير جدا ، وليس وراءها كبير فائدة ، ولا تتعلق بعمل ولا اعتقاد ، وغاية ما فيها اختلاف في التعريف ، ولا دليل من الكتاب والسنة يفصل فيها ، والمهم هو الإيمان بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان ، والتصديق به .

قال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" (2/323) بعد أن ذكر أن القدر هو التقدير السابق وأن القضاء هو الخلق ، قال : "جماع القول في هذا الباب - أي القضاء والقدر - أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر ؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس ، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه" انتهى.

وسئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ : ما الفرق بين القضاء والقدر؟

فأجاب : " القضاء والقدر؛ من العلماء من يسوي بينهما، ويقول القضاء هو القدر، والقدر هو القضاء، ومنهم من يأتي بفرق ويقول: القدر أعم ، والقضاء أخص، فالقدر عمومًا والقضاء جزءٌ من القدر .

والكل واجب الإيمان به، بأن ما قدّر الله، وقضى الله لابد من الإيمان به والتصديق به " انتهى من موقع الشيخ على الانترنت

https://mufti.af.org.sa/node/3687

وقال الشيخ عبد الرحمن المحمود :

" لا فائدة من هذا الخلاف ؛ لأنه قد وقع الاتفاق على أن أحدهما يطلق على الآخر... فلا مشاحة من تعريف أحدهما بما يدل عليه الآخر " .

انتهى من " القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة " (ص 44) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-26, 04:14
السؤال

ما منزلة الصبر في الإسلام ؟

وعلى ماذا يصبر المسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان .. ولا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطؤه .. وما أخطأه لم يكن ليصيبه .. وأن كل شيء بقضاء الله وقدره كما قال سبحانه .. ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) القمر/49 .

الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد . والصبر صفة كريمة .. وعاقبته حميدة . والصابرون يأخذون أجرهم بغير حساب كما قال سبحانه : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الزمر / 10.

وكل ما يقع من المصائب والفتن في الأرض , أو في النفس , أو في المال, أو في الأهل , أو في غير ذلك .. فالله سبحانه قد علمه قبل وقوعه .. وكتبه في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) الحديد/22.

وما يصيب الإنسان من المصائب فهي خير له , علم ذلك أو لم يعلم لأن الله لا يقضي قضاءً إلا هو خير كما قال سبحانه ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) التوبة/51 .

وكل مصيبة تقع فهي بإذن الله ومن يؤمن بالله ولو شاء ما وقعت .. ولكن الله أذن بها وقدرها فوقعت كما قال سبحانه : ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم ) التغابن/11.

وإذا علم العبد أن المصائب كلها إنما بقضاء الله وقدره .. فيجب عليه الإيمان والتسليم والصبر.. والصبر جزاؤه الجنة كما قال سبحانه : ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً ) الإنسان/12.

والدعوة إلى الله رسالة عظيمة .. يتعرض من يقوم بها لكثير من الأذى والمصائب .. لذا أمر الله رسوله بالصبر كغيره من الأنبياء فقال ( فاصبر كما صبر ألوا العزم من الرسل ) الأحقاف/35.

وقد أرشد الله المؤمنين .. إذا حزبهم أمر .. أو وقعت لهم مصيبة أن يستعينوا على ذلك بالصبر , والصلاة , ليكشف الله همهم .. ويُعجل بفرجهم .. ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) البقرة / 153.

ويجب على المؤمن الصبر على أقدار الله .. والصبر على طاعة الله .. والصبر عن معاص الله .. ومن صبر أعطاه الله الأجر يوم القيامة بغير حساب كما قال سبحانه : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الزمر / 10 .

والمؤمن خاصة مأجور في حال السراء والضراء .. قال عليه الصلاة والسلام .. ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير , وليس ذلك لأحد إلاّ للمؤمن , إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) رواه مسلم برقم 2999.

وقد أرشدنا الله إلى ما نقوله عند المصيبة .. وبين أن للصابرين مقاماً كريماً عند ربهم فقال : ( وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) البقرة /155-157 .
من كتاب أصول الدين الإسلامي تأليف الشيخ محمد بن ابراهيم التويجري

*عبدالرحمن*
2018-02-26, 04:18
السؤال

هل يصح للمذنب أن يحتج على وقوعه في المعصية بأن هذا ما قدره الله عليه ؟.

الجواب

الحمد لله

قد يتعلل بعض المذنبين المقصرين على تقصيرهم وخطئهم بأن الله هو الذي قدر هذا عليهم؛ وعليه فلا ينبغي أن يلاموا على ذلك .

وهذا لا يصح منهم بحال ؛ فلا شك أن الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات ، أو فَعَلَ من المعاصي . باتفاق المسلمين والعقلاء .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "

وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين ، وسائر أهل الملل ، وسائر العقلاء ؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال ، وسائر أنواع الفساد في الأرض ، ويحتج بالقدر. ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه ، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه ، بل يتناقض ، وتناقض القول يدل على فساده ، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول

" مجموع الفتاوى ( 8/179)

وقد دل على فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات ؛ الشرع والعقل ، فمن الأدلة الشرعية :

1ـ قول الله- تعالى - : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا ءَابَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ ) الأنعام/39 ، فهؤلاء المشركون احتجوا بالقدر على شركهم ، ولو كان احتجاجهم مقبولاً صحيحاً ما أذاقهم الله بأسه . فمن احتج بالقدر على الذنوب والمعائب فيلزمه أن يصحح مذهب الكفار ، وينسب إلى الله الظلم تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً .

2ـ قال تعالى : ( رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء/165 ، فلو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لما انقطعت الحجة بإرسال الرسل ، بل كان إرسال الرسل لا فائدة له في الواقع .

3ـ أن الله أمر العبد ونهاه ، ولم يكلفه إلا ما يستطيع ، قال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 ، وقال سبحانه : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) البقرة/286

ولو كان العبد مجبراً على الفعل لكان مكلفاً بما لا يستطيع الخلاص منه ، وهذا باطل ، ولذلك إذا وقعت منه المعصية بجهل ، أو إكراه ، فلا إثم عليه لأنه معذور . ولو صح هذا الاحتجاج لم يكن هناك فرق بين المكره والجاهل ، وبين العامد المتعمد ، ومعلوم في الواقع ، وبدائه العقول أن هناك فرقا جليا بينهما .

4ـ أن القدر سر مكتوم ، لا يعلمه أحد من الخلق إلا بعد وقوعه ، وإرادة العبد لما يفعله سابقة لفعله ، فتكون إرادته للفعل غير مبنية على علم بقدر الله ، فادعاؤه أن الله قدر عليه كذا وكذا ادعاء باطل ؛ لأنه ادعاءٌ لعلم الغيب ، والغيب لا يعلمه إلا الله ، فحجته إذاً داحضة ؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه .

5ـ أنه يترتب على الاحتجاج بالقدر على الذنوب تعطيل الشرائع والحساب والمعاد والثواب والعقاب .

6- لو كان القدر حجة لأهل المعاصي لاحتج به أهل النار ، إذا عاينوها ، وظنوا أنهم مواقعوها ، كذلك إذا دخلوها ، وبدأ توبيخهم وتقريعهم ، لكن الواقع أنهم لم يحتجوا به ، بل إنهم يقولون كما قال الله عز وجل عنهم : ( رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل ) إبراهيم/44 . ويقولون : ( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) المؤمنون/106

وقالوا : ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك/10 . و ( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) المدثر/44 ، إلى غير ذلك مما يقولون .

ولو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لاحتجوا به ؛ فهم في بأمس الحاجة إلى ما ينقذهم من نار جهنم .

7- لو كان الاحتجاج بالقدر صحيحا لكان حجة لإبليس الذي قال : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) الأعراف/16 ، ولتساوى فرعون عدو الله ، مع موسى كليم الله عليه السلام .

8- ومما يرد هذا القول ، ويبين فساده : أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه في أمور دنياه حتى يدركه ، ولا تجد شخصا يترك ما يصلح أمور دنياه ويعمل بما يضره فيها بحجة القدر فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر ؟!

وإليك مثالاً يوضح ذلك : لو أن إنساناً أراد السفر إلى بلد ، وهذا البلد له طريقان ، أحدهما آمن مطمئن ، والآخر كله فوضى واضطراب ، وقتل ، وسلب ، فأيهما سيسلك ؟

لاشك أنه سيسلك الطريق الأول ، فلماذا لا يسلك في أمر الآخرة طريق الجنة دون طريق النار ؟

9 ـ ومما يمكن أن يُرد به على هذا المحتج ـ بناء على مذهبه ـ أن يقال له : لا تتزوج ، فإن كان الله قد قضى لك بولد فسيأتيك ، وإلا فلن يأتيك . ولا تأكل ولا تشرب ، فإن قدر الله لك شبعاً ورياً فسيكون ، وإلا فلن يكون . وإذا هاجمك سبع ضار فلا تفر منه ، فإن قدر الله لك النجاة فستنجو ، وإن لم يقدرها لك فلن ينفعك الفرار . وإذا مرضت فلا تتداو ، فإن قدر الله لك شفاءً شفيت ، وإلا فلن ينفعك الدواء .

فهل سيوافقنا على هذا القول أم لا ؟ فإن وافقنا علمنا فساد عقله ، وإن خالفنا علمنا فساد قوله ، وبطلان حجته .

10- المحتج بالقدر على المعاصي شبه نفسه بالمجانين ، والصبيان ، فهم غير مكلفين ، ولا مؤاخذين ، ولو عومل معاملتهم في أمور الدنيا لما رضي .

11- لو قبلنا هذا الاحتجاج الباطل لما كان هناك حاجة للاستغفار ، والتوبة ، والدعاء ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

12- لو كان القدر حجة على المعائب والذنوب لتعطلت مصالح الناس ، ولعمت الفوضى ، ولما كان هناك داع للحدود ، والتعزيرات ، والجزاءات ، لأن المسيىء سيحتج بالقدر ، ولما احتجنا لوضع عقوبات للظلمة ، وقطاع الطريق ، ولا إلى فتح المحاكم ، ونصب القضاء ، بحجة أن كل ما وقع إنما وقع بقدر الله ، وهذا لا يقول به عاقل .

13- أن هذا المحتج بالقدر الذي يقول : لا نؤاخذ ، لأن الله كتب ذلك علينا ، فكيف نؤاخذ بما كتب علينا ؟

فيقال له : إننا لا نؤاخذ على الكتابة السابقة ، إنما نؤاخذ بما فعلناه ، وكسبناه ، فلسنا مأمورين بما قدره الله لنا ، أو كتبه علينا ، وإنما نحن مأمورين بالقيام بما يأمرنا به ، فهناك فرق بين ما أريد بنا ، وما أريد منا ، فما أراده بنا طواه عنا ، وما أراده منا أمرنا بالقيام به .

وكون الله علم وقوع ذلك الفعل من القدم ثم كتبه لا حجة فيه لأن مقتضى علمه الشامل المحيط أن يعلم ما خلقه صانعون ، وليس في ذلك أي نوع من أنواع الجبر ، ومثال ذلك من الواقع ـ ولله المثل الأعلى ـ : لو أن مدرسا علم من حال بعض تلاميذه أنه لا ينجح هذا العام لشدة تفريطه وكسله ، ثم إن هذا الطالب لم ينجح كما علم بذلك الأستاذ فهل يقول عاقل بأن المدرس أجبره على هذا الفشل ، أو يصح للطالب أن يقال أنا لم أنجح لأن هذا المدرس قد علم أني لن أنجح ؟‍!

وبالجملة فإن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي ، أو ترك الطاعات احتجاج باطل في الشرع ، والعقل ، والواقع .

ومما تجدر الإشارة إليه أن احتجاج كثير من هؤلاء ليس ناتجاً عن قناعة وإيمان ، وإنما هو ناتج عن نوع هوى ومعاندة ، ولهذا قال بعض العلماء فيمن هذا شأنه : " أنت عند الطاعة قدري ، وعند المعصية جبري ، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به " ( مجموع الفتاوى 8/107 ) يعني أنه إذا فعل الطاعة نسب ذلك نفسه ، وأنكر أن يكون الله قدر ذلك له ، وإذا فعل المعصية احتج بالقدر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن المحتجين بالقدر : " هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى " ( مجموع الفتاوى 8 / 262 )

وعليه فلا يسوغ للعبد أن يحتج على معايبه ومعاصيه بالقدر .

وإنما يسوغ الاحتجاج بالقدر :عند المصائب التي تحل بالإنسان كالفقر ، والمرض ، وفقد القريب ، وتلف الزرع ، وخسارة المال ، وقتل الخطأ ، ونحو ذلك ؛ فهذا من تمام الرضا بالله رباً ، فالاحتجاج إنما يكون على المصائب ، لا المعائب ، " فالسعيد يستغفر من المعائب ، ويصبر على المصائب ، كما قال تعالى : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) والشقي يجزع عند المصائب ، ويحتج بالقدر على المعائب "

ويوضح ذلك المثال الآتي : لو أن رجلاً أسرع بسيارته وفرَّط في أسباب القيادة السليمة فتسبب في وقوع حادث ، فوبِّخ على ذلك ، وحوسب عليه فاحتج بالقدر ، لم يكن الاحتجاج منه مقبولاً ، بينما لو أن شخصا صُدِمت سيارته وهي في مكانها لم يتحرك بها ، فلامه شخص فاحتج بالقدر لكان احتجاجه مقبولا ، إلا أن يكون قد أخطأ في طريقة إيقافها .

فالمقصود أن ما كان من فعل العبد واختياره فإنه لا يصح له أن يحتج بالقدر ، وما كان خارجا عن اختياره وإرادته فيصح له أن يحتج عليه بالقدر .

ولهذا حَجَّ آدم موسى عليهما السلام كما في قوله صلى الله عليه وسلم في محاجتهما : " احتج آدم وموسى فقال له موسى : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، ثم تلومني على أمر قد قدّر علي قبل أن أخلق ؟ فحج آدمُ موسى" ( أي : غلبه في الحجة ) رواه مسلم ( 2652 ).

فآدم عليه السلام لم يحتج بالقدر على الذنب كما يظن ذلك من لم يتأمل في الحديث ، وموسى عليه السلام لم يلم آدم على الذنب ؛ لأنه يعلم أن آدم استغفر ربه وتاب ، فاجتباه ربه ، وتاب عليه ، وهداه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .

ولو أن موسى لام آدم على الذنب لأجابه : إنني أذنبت فتبت ، فتاب الله علي ، ولقال له : أنت يا موسى أيضاً قتلت نفساً ، وألقيت الألواح إلى غير ذلك ، إنما احتج موسى بالمصيبة فحجه آدم بالقدر . انظر الاحتجاج بالقدر لشيخ الإسلام ابن تيمية ( 18 – 22 )

" فما قُدِّر من المصائب يجب الاستسلام له ؛ فإنه من تمام الرضا بالله رباً ، أما الذنوب فليس لأحد أن يذنب ، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب ، فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب " شرح الطحاوية ( 147 ) .

تنبيه :

ذكر بعض العلماء أن ممن يسوغ له الاحتجاج بالقدر التائبُ من الذنب ، فلو لامه أحد على ذنب تاب منه لساغ له أن يحتج بالقدر .

فلو قيل لأحد التائبين : لم فعلت كذا وكذا ؟ ثم قال : هذا بقضاء الله وقدره ، وأنا تبت واستغفرت ، لقُبل منه ذلك الاحتجاج ، لأن الذنب في حقه صار مصيبة وهو لم يحتج على تفريطه بالقدر بل يحتج على المصيبة التي ألمت به وهي معصية الله ولا شك أن المعصية من المصائب ، كما أن الاحتجاج هنا بعد أن وقع الفعل وانتهى ، واعترف فاعله بعهدته وأقر بذنبه ، فلا يسوغ لأحد أن يلوم التائب من الذنب ، فالعبرة بكمال النهاية ، لا بنقص البداية .

والله أعلم .

يراجع ( أعلام السنة المنشورة 147 ) ( القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للشيخ الدكتور / عبد الرحمن المحمود ) و ( الإيمان بالقضاء والقدر للشيخ / محمد الحمد ) وتلخيص الشيخ سليمان الخراشي لعقيدة أهل السنة في القدر من هذين الكتابين في كتابه : ( تركي الحمد في ميزان أهل السنة ) .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-27, 02:01
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال

ما هي الأشياء التي يمكن أن تغير القدر وما قد كتبه الله لنا ؟.

الجواب

الحمد لله

لا يوجد شيء يغير القدَر ؛ لأن الله تعالى قال : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد / 22 ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفعت الأقلام وجفَّت الصحف " – رواه الترمذي ( 2516 ) وصححه من حديث ابن عباس - .

قال المباركفوري :

" رفعت الأقلام وجفت الصحف " أي : كُتب في اللوح المحفوظ ما كتب من التقديرات ، ولا يكتب بعد الفراغ منه شيء آخر .

" تحفة الأحوذي " ( 7 / 186 ) .

والكتابة نوعان : نوع لا يتبدل ولا يتغير وهو ما في اللوح المحفوظ ، ونوع يتغير ويتبدل وهو ما بأيدي الملائكة ، وما يستقر أمره أخيراً عندهم هو الذي قد كتب في اللوح المحفوظ ، وهو أحد معاني قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد / 39 ، ومن هذا يمكننا فهم ما جاء في السنة الصحيحة من كون صلة الرحم تزيد في الأجل أو تُبسط في الرزق ، أو ما جاء في أن الدعاء يرد القضاء ، ففي علم الله تعالى أن عبده يصل رحمه وأنه يدعوه فكتب له في اللوح المحفوظ سعةً في الرزق وزيادةً في الأجل .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية :

عن الرزق هل يزيد أو ينقص ؟ وهل هو ما أكل أو ما ملكه العبد ؟

فأجاب :

الرزق نوعان :

أحدهما : ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير ، والثاني : ما كتبه وأعلم به الملائكة ، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب ، فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقاً ، وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَن سرَّه أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصِل رحِمه " ، وكذلك عُمُر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين ، ومِن هذا الباب قول عمر : " اللهم إن كنت كتبتَني شقيّاً فامحني واكتبني سعيداً فإنك تمحو ما تشاء وتُثبت "

، ومن هذا الباب قوله تعالى عن نوح ( أنِ اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم إلى أجلٍ مسمَّى ) ، وشواهده كثيرة ، والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدَّره الله وكتبه ، فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه : ألهمه السعي والاكتساب ، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب ، وما قدره له بغير اكتساب كموت موروثه يأتيه به بغير اكتساب .

والسعي سعيان : سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزارعة والتجارة ، وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ومحو ذلك ، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .

" مجموع الفتاوى " ( 8 / 540 ، 541 ) .

*عبدالرحمن*
2018-02-27, 02:04
السؤال

الله عليم بكل شيء حتى الذي لم يحصل بعد ، ما رأي الإسلام في القضاء والقدر أو هل يمكن للرجل بأن يتحكم في القسمة والنصيب أم أنه شيء مكتوب ؟ مثلاً : إذا كان شخص يموت فإن بعض الناس يقولون موته في يد الله ومشيئته والبعض يحاول علاجه و إنقاذه من الموت ، هل هو مكتوب أم أن الرجل يمكن أن يكتب قدره بنفسه ؟ .

الجواب :

الحمد لله

كل شيء مكتوب ومقدر كما قال تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ، وقال تعالى : ( وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر ) . وفي الحديث الصحيح : ( أول ما خلق الله القلم قال له : اكتب قال : يا رب وما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) وفي الحديث الآخر : ( قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ) .

وهذا التقدير غائب عنا لا نعلمه ولا يجوز أن نتكل عليه وندع العمل والأخذ بالأسباب فلا تنافي بين الأمرين وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام فإن الله ما أنزل داء وإلا أنزل له شفاء أو دواء ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) ونحن لا نعلم عن المكتوب إلا بعد حصوله ، وقد جعل الله لنا إرادة وقدرة ومشيئة واختياراً لا نخرج عن قدرة الله ومشيئته ، والخلاصة أنه لا تعارض بين محاولة إنقاذ إنسان من الموت وبين قضاء الله المقدر والمكتوب والذي لا نعلمه إلا بعد حصوله

والله تعالى أعلم .

كتبه : د. سليمان الغصن .

*عبدالرحمن*
2018-02-27, 02:08
السؤال :

كيف ينظر الإسلام للقضاء والقدر ؟

الجواب :

الحمد لله

الإيمان بالقضاء والقدر أصل من أصول الإيمان وهو يعني أن الله عالم بكل شيء ،

خالق لكل شيء ،

وأنه لا يخرج شيء عن إرادته وتقديره ،

وكتب كل شيء عنده في اللوح المحفوظ ،

وذلك قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف عام ،

وأن ما في الكون خلق لله تعالى هم وأفعالهم ،

فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن

وما أصاب العبد لا يمكن أن يخطئه وما أخطأه لا يمكن أن يصيبه وأن العبد ليس بمجبور على فعل الطاعات أو المعاصي بل له إرادة تليق بحاله ولكنها تحت إرادة الخالق .

والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-02-27, 02:15
السؤال

أبي رحمه الله توفى يوم 27 من رمضان - أسكنه الله الجنة آمين - لم يتجاوز عمره السبعين عاما ، وأسئلتي في نفس الموضوع هي : أولا : هل لكل منا عمر محدد لا يتجاوزه ؟

ثانيا : هل يطيل الله العمر أو يقصره تبعا لصلاح أو فساد أفعال الإنسان ؟ ثالثا : اذا أهمل شخص جسده ولم يأخذ الدواء ، هل يحتمل أن يكون ذلك سببا أن يقصر الله عمره ؟

رابعا: إذا كان عمر كل منا محددا ، بغض النظر عن أفعالنا ، فلماذا نتعاطى الأدوية ؟

إذا كان العمر محددا ولن يموت الشخص قبل انتهاء أجله حتى ولو لم يأخذ الدواء .

الجواب

الحمد لله

الموت والأجل من قضاء الله وقدره الذي كتبه في اللوح المحفوظ عنده سبحانه قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة ، فلا يلحقه تغيير ولا تبديل ؛ فقد كتبه سبحانه بعلمه الذي لا يخطئ ، ومشيئته التي لا تتخلف .

يقول الله عز وجل :

( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المنافقون/10-11.

ويقول تبارك وتعالى :

( قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ . أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ . يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) نوح/2-4.

وذلك لا يعني أن الموت والأجل غير خاضعين لقانون السببية الذي خلقه الله في هذا الكون ، بل أَمْرُ الموت كسائر ما يقدَّر في هذه الدنيا مبنيٌّ على الأسباب المادية المكتوبة أيضا في اللوح المحفوظ .

فمن رغب أن يحفظ القرآن الكريم – مثلا – فلا بد أن يأخذ له أسبابه : من قراءة ، ومراجعة ، واستماع ، وتَكرار ، ونحو ذلك ، فإذا استكمل هذه الأسباب أتمَّ الحفظ ، وإن قَصَّرَ فيها لم يُتِمَّ ما أراد .

وعلم الله تعالى الأزلي محيطٌ بما سيكون من هذا الإنسان ، فهو سبحانه يعلم إن كان سيجتهد في الحفظ والتلاوة أو سيقصر في ذلك ، وأَمَرَ بِكَتبِ ذلك المعلوم الذي لا يخطئ في اللوح المحفوظ عنده سبحانه .

وكذلك الموت : له أسبابه المادية التي يعلمها جميع الناس ، كالسقوط من شاهق ، والجرح الغائر في المقاتل ، والأمراض الخطيرة ، ونحو ذلك .

كما له أسبابه المادية التي تؤخره وتؤجله : كحفظ الصحة ، والبعد عن أماكن الخطر ، ونحو ذلك .

وأيضا الأسباب المعنوية التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنها تزيد في العمر وتمد الأجل ، كالدعاء ، وصلة الرحم ، وبر الوالدين ، وأعمال البر كلها .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :

( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) . رواه البخاري (2067) ، ومسلم (2557)

وعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لاَ يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ ، وَلاَ يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلاَّ البِرُّ )

رواه الترمذي (رقم/2139) وقال : حسن غريب . وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (154)

فمن أتى بهذه الأسباب استحق زيادة العمر ، ومن نقص أسباب الحياة فقد عرَّض نفسه للموت ، وكل ذلك – سواء الأسباب أو المسببات – معلومة مكتوبة عند الله تعالى في ابتدائها وانتهائها ، لا تتغير لأنها معلومة لله على ما ستكون ، مهما غير العبد من أسبابه ، رفعت عنها الأقلام ، وجفت بها الصحف .

وهذا معنى قوله سبحانه :

( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) فاطر/11.

يقول ابن عباس في تفسير هذه الآية :

" ليس أحد قضيت له طول الحياة والعمر إلا هو بالغ ما قدرت له من العمر ، قد قضيت ذلك ، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت له ، لا يزاد عليه ، ليس أحد قضيت له أنه قصير العمر ببالغ العمر ، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له ، فذلك قوله : ( ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) ، يقول : كل ذلك في كتاب عنده " انتهى.

رواه البيهقي في "القضاء والقدر" (1/218)

يقول البيهقي رحمه الله :

" والمعنى في هذا أن الله جل ثناؤه قد كتب ما يصيب عبدا من عباده من البلاء والحرمان والموت وغير ذلك ، وأنه إن دعا الله تعالى أو أطاعه في صلة الرحم وغيرها ، لم يصبه ذلك البلاء ، ورزقه كثيرا ، وعمّره طويلا ، وكتب في أم الكتاب ما هو كائن من الأمرين " انتهى.

"القضاء والقدر" (1/211)

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
:
" إن الله أمر الملك أن يكتب أجلاً ، وقال : إن وصل رحمه زدته كذا وكذا ، والملك لا يعلم أيزداد أم لا ، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر ، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (8/517)

ويقول الشيخ ابن جبرين حفظه الله :

" اعلم : أن الآجال والأرزاق - كسائر الأشياء - مربوطة بقضاء الله وقدره ، فالله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ؛ ( ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) الأعراف/34.

فهذا أمر لا ريب فيه ولا شك ، ومع ذلك ، فهي أيضاً كغيرها : لها أسباب دينية ، وأسباب طبيعية مادية ، والأسباب تبع قضاء الله وقدره ، فمن الأسباب الدينية لطول العمر ، وسعة الرزق : لزوم التقوى والإحسان إلى الخلق ، لاسيما الأقارب .
كما ثبت في " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ( من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره - أي يطيل عمره - فليصل رحمه ) .

وذلك : أن الله يجازي العبد من جنس عمله ؛ فمن وصل رحمه : وصل الله أجله ورزقه ، وصلاً حقيقياً . وضده : من قطع رحمه ، قطعه الله : في أجله وفي رزقه .

قال تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ) الطلاق/2

ومن الأسباب الدينية لقطع طول العمر : البغي والظلم للعباد . فالباغي سريع المصرع ، والظالم لا يغفل الله عن عقوبته ، وقد يعاقبه عاجلاً بقصم العمر " انتهى.

نقلا عن موقعه على هذا الرابط :

http://www.ibn-jebreen.com/book.php?cat=1&book=69&toc=4468&page=4036&subid=29295

فالتداوي من الأسباب المادية المحسوسة التي تحفظ للإنسان عمره وصحته بإذن الله ، وإذا أهمل قد يؤدي إلى الضرر أو الوفاة ، وذلك لا يتعارض بأي وجه مع ما تقرره الآيات والأحاديث أن الأجل والعمر محدود ، فهو محدود بأسبابه ، وكل شيء عنده سبحانه وتعالى بمقدار ، فإن تداوى المرء وتعافى فطالت أيامه في هذه الدنيا فذلك بقدر الله ، وإن قصر أو ترك التداوي حتى قضى أجله فهو بقدر الله كذلك .

عَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا ، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ ، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا ؛ هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا ؟

قَالَ : ( هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ ) رواه الترمذي (2065) وابن ماجة (3437) ، وروي موقوفا . قال الترمذي : هذا أصح .

نسأل الله أن يتغمد والدك برحمته ، وأن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-27, 02:19
السؤال

هل قدَّر الله سبحانه لكل شخص من تكون زوجته ؟

وهل للمعصية والطاعة دور في تغيير القدر ؟ .

أنا أحب فتاة ذات دين وخلق ، ولكن هي لا تحبني ، فهل يجوز لي أن أدعو الله بأن يحببها فيَّ ويجعلها زوجتي في المستقبل ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

القدَر : هو تقدير الله تعالى الأشياء في القِدَم ، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة ، وكتابته سبحانه لذلك ، ومشيئته له ، ووقوعها على حسب ما قدرها ، وخَلْقُه لها .

والإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي لا يصح إيمان أحدٍ إلا به ، ويلزم فيه الإيمان بمراتب القدر الأربع وهي :

1. الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلا من الأزل والقدم فلا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض .

2. الإيمان بأن الله كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ ، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة .

3. الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة ؛ فلا يكون في هذا الكون شيء من الخير والشر إلا بمشيئته سبحانه .

4. الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله فهو خالق الخلق وخالق صفاتهم وأفعالهم .

وهذا التفصيل يبين لك أن الله تعالى قدَّر في الأزل من يكون أهلك ، ومن تكون زوجتك ، ومن يكون أبناؤك ، وكل ما كان ويكون في الكون فهو بتقدير الله تعالى ، قال تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر/49 .

ثانياً :

لا يعني هذا أن الإنسان يكون في الدنيا بلا إرادة ، كما لا يعني هذا أن لا يسعى الإنسان في أسباب سعادته وعافيته ، فكل شيء جعل الله له سبباً ، فمن أراد الولد فلا بدَّ له من الزواج ، ومن أراد السعادة في الآخرة فلا بدَّ أن يسعى لها سعيها ، وأن يأخذ في طريق الهداية ، ومن أراد المال والغنى فلا بدَّ أن يسعى للكد والتعب .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ .. ) متفق عليه .

ولم يُطلع الله تعالى أحداً على تفصيل ما سيحصل له من خير أو شر ، لذا فإن كل أحدٍ يسعى لجلب الخير لنفسه ودفع الأذى عن نفسه ، ولا يكون عاقلاً من يسير في طريق سريع عكس الاتجاه ثم يقول " لن يحصل معي إلا ما كُتب لي أو عليَّ " ولا يجلس أحدٌ في بيته ثم يقول " لن يأتيني إلا ما قدِّر لي من رزق " و لا يأكل أحد طعاماً فاسداً ثم يقول " لن يصيبني إلا ما كتب الله لي أو عليَّ " وهذه الأمور لو فعلها أحدٌ وقالها لعدَّ من المجانين ، وهو كذلك .

وفي خصوص الزواج فإن المسلم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حثَّه على التزوج بذات الدِّين ، وهذا يقتضي منه البحث والتحري عن صاحبة الدِّين ، ولا يقول عاقل إنني لن أسعى في هذا ؛ لأنه لو عرض عليه امرأة مجنونة أو دميمة أو كبيرة في السن أو ذات أخلاق سيئة فإنه لن يقبل بها زوجة ! ولن يدَّعي أنه سيتزوج بأول من يراها أو أول من تُعرض عليه ، وهذا يؤكد ما قلناه من أنه سيعرض عن بعض النساء ، ويتأمل في أخريات ويتردد في بعضهن وهكذا ، ولو اختار ، بعد النظر والتأمل والاستشارة والاستخارة ، امرأة تناسبه فليعلم أنه ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فليجعل رجاءه في ربه عز وجل أن يهيئ له من أمره رشدا ، وأن يقدر له أرشد الأمور بالنسبة إليه ، وأحبها إلى رب العزة تبارك وتعالى .

ثم عليه ، إذا وقع الأمر ، وقدر له ربه عطاءً أو منعا ، على ما وافق هواه أو خالفه ، أن يحسن الظن بربه عز وجل ، ويعلم أن الله لا تعالى لا يقضي لعبده المؤمن الصبار الشكور إلا قضاء الخير . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم ( 2999) .

ثالثاً :

أما بالنسبة لأثر الطاعة والمعصية على تغيير القدَر ، فلتعلم أن أما ما كان في اللوح المحفوظ فإنه لن يتغير ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( رُفعت الأَقْلاَم وَجَفَّت الصُّحُف ) - رواه الترمذي ( 2516 ) وصححه من حديث ابن عباس - ، وأما ما في أيدي الملائكة من صحف فإن الله تعالى قد يأمر ملائكته بتغييرها لطاعة يفعلها المسلم أو معصية يرتكبها ، ولا يكون في النهاية إلا ما كُتب أزلاً ، ويدل على ذلك قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد/39 .

وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على القيام ببعض الطاعات التي لها أثر في زيادة عمر الإنسان ، كصلة الرحِم ، وأخبر أن الدعاء يرد القضاء ، وهذا معناه : أن الله تعالى علِم أولاً أن عبده فلان سيأتي بهذه الطاعات فقدَّر له عمراً مديداً أو بركة في الرزق ، والعكس كذلك فقد يرتكب الإنسان معصية يُحرم بسببها الرزق ، ويكون الله تعالى قد علَم ذلك أزلاً فقدَّره وكتبه بحسب علمه ، ولم يجبر الله تعالى أحداً على طاعة ولا معصية .

وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا في حديث واحد :

عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلا الْبِرُّ وَلا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ ) . رواه ابن ماجه ( 4022 ) .

قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " ( رقم 33 ) :

سألت شيخنا أبا الفضل العراقي – رحمه الله – عن هذا الحديث ، فقال : هذا حديث حسن . انتهى

وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة.

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) رواه البخاري ( 5640 ) ومسلم ( 2557 ) .

وروى الطبري بإسناده ، عن أبي عثمان النهدي : أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت ويبكي : اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة

وكان أبو وائل شقيق بن سلمة التابعي مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . [ تفسير الطبري 7/398]

رابعاً :

حبُّك للفتاة ذات الخلق والدِّين يوجب عليك الحذر من أن تقع في مخالفات شرعية كمراسلتها أو محادثتها أو الخلوة بها ، ولا ننصحك أن تدعو الله تعالى أن يحببك لها ، بل ننصحك بالدعاء أن يرزقك الله تعالى زوجة صالحة ، وإذا رأيتَ من تنطبق عليها مواصفات المرأة الصالحة فتقدَّم لها واخطبها ، ولا داعي لتعيين امرأة بعينها فقد تبادلك المحبة ثم تقعان في مخالفات شرعية ، وقد لا يتيسر لكما أمر الزواج ، فدعاء الله تعالى بأن ييسر لك زوجة صالحة خير لك فيما نرى .

وحين تكون جادا في أمر الزواج، واستخره في شأنها ، وامض في خطبتك ، فإن تيسرالأمر فاستعن بالله تعالى وإلا ، فالنساء سواها كثير ؛ فاظفر منهن بذات الدين ؛ تربت يداك

نسأل الله تعالى أن يهديك لما فيه رضاه ، وأن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن يرزقك زوجة صالحة وذرية طيبة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-27, 02:22
السؤال

هل تعطيل الزواج للفتاة له علاقة بالقضاء والقدر ؟

أنا فتاة أخاف الله تعالى وأصلي وتعطل زواجي كان خُطّابي قليلين جدّاً وكلهم عيوب أكثرهم في الدين ، أسأل : هل تعطيل الزواج له ارتباط بقضاء الله وقدره أم أني ارتكبت ذنباً والله تعالى غاضب مني ؟

مع أني أخاف الله بشدة وأعطاني تعالى نصيباً من الجمال ، أريد راحة لبالي بسؤالكم ، ولكم جزيل الشكر والثواب .

الجواب

الحمد لله

دلَّ القرآن والسنَّة الصحيحة وإجماع سلف الأمة على وجوب الإيمان بالقدر , خيره وشره , وأنه من أصول الإيمان الستة التي لا يتم إيمان العبد إلا بها ، قال تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد/22 ، وقال تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر/49 .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في تعريف الإيمان : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) رواه مسلم ( 8 ) .

وكل ما يحصل في الكون إنما هو بقدر الله تعالى ، ويجب على من يؤمن بالقدر أن يؤمن أن الله تعالى علِم الأشياء قبل وقوعها ، ثم كتب ذلك في اللوح المحفوظ ، ثم شاء تعالى وجودها ، ثم خلقها ، وهذه هي مراتب القدر الأربعة المشهورة ، وعلى كل مرتبة أدلة ، وقد سبق بيان ذلك مفصَّلاً في جواب السؤال رقم ( 49004 ) فلينظر .

فالزواج وتقدمه وتأخره وتيسره وتعسره كل ذلك بقدر الله ، ولا يعني هذا أن المسلم لا يفعل الأسباب التي جعلها الله تعالى مؤدية إلى مسبباتها ، ولا يتنافى الأخذ بالأسباب مع كون الشيء مقدراً في الأزل ، فالمرء لا يدري ما كُتب له ، وهو مأمور بفعل الأسباب .

والمصائب التي يقدرها الله تعالى على العبد , تكون خيراً للمؤمن إذا صبر عليها واحتسب ولم يجزع , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .

وهذه المصائب قد تكون عقوبة على المعاصي , ولكن هذا ليس بلازم , فقد تكون لرفع درجات المؤمن , وزيادة حسناته إذا صبر ورضي ........ أو غير ذلك من الحكم العظيمة .

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

إذا ابتلي أحد بمرض أو بلاء سيئ في النفس أو المال ، فكيف يعرف أن ذلك الابتلاء امتحان أو غضب من عند الله ؟

فأجاب :

" الله عز وجل يبتلي عباده بالسراء والضراء , وبالشدة والرخاء ، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم , كما يفعل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والصلحاء من عباد الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ) ، وتارة يفعل ذلك سبحانه بسبب المعاصي والذنوب

فتكون العقوبة معجلة كما قال سبحانه : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) ، فالغالب على الإنسان التقصير وعدم القيام بالواجب ، فما أصابه فهو بسبب ذنوبه وتقصيره بأمر الله ، فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل رفعاً في الدرجات , وتعظيماً للأجور , وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب .

فالحاصل : أنه قد يكون البلاء لرفع الدرجات , وإعظام الأجور , كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار ، وقد يكون لتكفير السيئات كما في قوله تعالى : ( من يعمل سوءً يُجز به ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما أصاب المسلم من همٍّ ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفَّر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيراً يُصِب منه ) ،

وقد يكون ذلك عقوبة معجلة بسبب المعاصي وعدم المبادرة للتوبة كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة ) خرجه الترمذي وحسنه " انتهى

"مجموع فتاوى ومقالات" (4/370) .

وبما أنك تركت الزواج من هؤلاء الذين خطبوك من أجل الله وبسبب أنهم غير مستقيمين في الدين فسيعوضك الله تعالى خيراً منهم ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/2 ، 3 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه ) رواه الإمام أحمد ، وصححه الألباني في " حجاب المرأة المسلمة " ( 47 ) .

فعليك أن تُقبلي على الله بالدعاء والقربات ، ولا تجزعي ، واعلمي أن رحمة الله قريب من المحسنين .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 17:03
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

هل الإنسان مسير أو مخير

السؤال

هل قدرنا مكتوب ؟

البعض يقول بأنه لدينا الخيار في الطريق الذي نسلكه ولكن الذي سوف تجد في نهاية هذا الطريق هو ما قد قدره الله لك ، وقد قرأت أيضاً أن القدر ربما خلقه الجهم بن صفوان وليس الله .

أين يمكن أن أجد معلومات في القرآن ؟ إذا كانت الأقدار قد قُدرت فكم النسبة منها قد قدره الله ؟ هل صحيح أنه معلوم اليوم الذي ولد فيه الشخص الذي سيتزوجني ومتى وأين سيموت ؟

ماذا لو قابلت الشخص الذي من المفترض أن أتزوجه ولكن بطريقة ما اخترت الطريق الخطأ فهل سيعود لطريقي مرة أخرى أم أن هذا سيكون قدري وأن هذا عقابي فلن أحصل على هذا الرجل مرة أخرى في حياتي ؟.

الجواب

الحمد لله

الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في جواب جبريل عليه السلام حين سأل عن الإيمان : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".

والمراد بالقدر : تقدير الله تعالى للأشياء في القَدَم ، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده ، وعلى صفات مخصوصة ، وكتابته سبحانه لذلك ، ومشيئته له ، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها . [ القضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن المحمود ص 39 ] .

فالإيمان بالقدر يقوم على الإيمان بأربعة أمور :

الأول : العلم : أي أن الله علم ما الخلق عاملون ، بعلمه القديم .

الثاني : الكتابة : أي أن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ .

الثالث : المشيئة : أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فليس في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه .

الرابع : الخلق والتكوين : أي أن الله خالق كل شيء ، ومن ذلك أفعال العباد ، فهم يعملونها حقيقة ، وهو خالقهم وخالق أفعالهم .

فمن آمن بهذه الأمور الأربعة فقد آمن بالقدر.

وقد قرر القرآن هذه الأمور في آيات عدة ، منها قوله تعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام / 59 وقوله : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد / 22 وقوله : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/ 29 وقوله : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر / 49 وروى مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال : وعرشه على الماء ".

وبهذا يتبين لك أن القول بأن القدر خلقه الجهم بن صفوان ، قول لا أساس له من الصحة ، والقدر لا يُخلق ، بل الخلق داخل في الإيمان بالقدر. والجهم إنما غلا في إثبات القدر ، وزعم أن الناس مجبورون على أفعالهم لا اختيار لهم وهو قول باطل .

والذي عليه أهل السنة والجماعة أن العبد له مشيئة واختيار ، ولهذا يثاب ويعاقب ، ولكن مشيئته تابعة لمشيئة الله تعالى ، فلا يقع في الكون شئ لا يريده الله.

فما قاله البعض من أن لدينا الخيار في الطريق الذي نسلكه ولكن الذي سوف تجده في نهاية هذا الطريق قد قدره الله لك، قول صحيح . قال الله تعالى : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) الانسان / 3 , وقال : ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) البلد / 10

وقال : )وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر ) الكهف / 29

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا مذهب أهل السنة في أفعال العباد : ( والعباد فاعلون حقيقة ، والله خالق أفعالهم. والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم. وللعباد قدرة على أعمالهم ، ولهم إرادة ، والله خالق قدرتهم وإرادتهم ، كما قال تعالى " لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين" ) [الواسطية مع شرح هراس ص 65].

والزواج من جملة ما قدره الله تعالى ، والشخص الذي سيتزوجك ، قد علم الله من هو ، ومتى ولد وأين ومتى سيموت ، وكيف سيكون حاله معك ، إلى غير ذلك من التفاصيل ، كل ذلك قد علمه الله وكتبه في اللوح المحفوظ ، وهو واقع لا محالة كما قدر الله.

وإذا قدر الله لك الزواج من شخص ، لكنك اخترت غيره ، فإنك مهما طال الزمن ستتزوجين من ذلك الشخص ، وزواجك من غيره مقدر عليك أيضا، فليس شئ إلا بتقدير الله تعالى. فقد يكون مقدرا لامرأة أن تتزوج من فلان بن فلان ، فيتقدم لها فتأباه ، وترفضه ، وتتزوج من غيره ، فيموت عنها أو يطلقها ، ثم تقبل بالأول ، وكل ذلك مقدر . مقدر لها أن تتزوج بفلان بن فلان بعد رفضه أو بعد تجربة أو محنة أو غير ذلك.

وقد يقدر للمرأة أن رجلا صالحا يتقدم لها ، فترفضه ، فلا يعود لها أبدا ، بل تتزوج وتعيش مع غيره ممن هو أكثر أو أقل صلاحاً ، على ما قدره الله تعالى لها .

ولما كان الإنسان لا يدري ما قدر له ، كان سبيله أن يلتزم الشرع ، وأن يتقيد بالأمر والنهي ، وأن يستعين بالله تعالى ويستخيره في كل أمر مع ما يبذله من الأسباب الحسية والتي من أهمها استشارية أهل النصح ممن لهم خبرة .

فمتى ما تقدم الرجل الصالح لخطبة امرأة ، كان عليها أن تستخير الله تعالى ، وأن تقبل الزواج منه ، فإن تيسرت الأمور وسُهُلت ، كان هذا دليلا على أن الخير لها في الارتباط به.

والخلاصة أن على الإنسان أن ينظر في شرع الله تعالى ويطبق أمر الله وإن كرهت نفسه ؛ ويترك ما نهى عنه ولو تعلقت به نفسه ، فإن الخير كله في امتثال الشرع ، قال الله : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) البقرة / 216 ، ولا ينظر إلى القدر من يحتج به على ترك الأوامر وفعل المحرمات وإنما ينظر إليه نظر الرضا بما قد لا يكون موافقاً لما يحبه من الأقدار المؤلمة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 17:07
لماذا يقدِّر الله لبعض الناس دخول النار

السؤال:

كثير ممن أعرف من الذين هم مهتمون بالإسلام يتساءلون كثيراً عن القضاء القدر ، السؤال الذي وجدته صعباً في إجابته وأريدكم أن تساعدوني فيه هو : لماذا يقدِّر الله لبعض الناس دخول النار ؟ أعرف أن الإنسان يرتكب أعمالا تدخله النار ، ولكن إذا كان الله خلقَنا وخلق أعمالَنا فلماذا إذن نعاقَب على ذلك ؟ جزاكم الله خيراً .

الجواب:

الحمد لله

إن تقدير الله تعالى لأحد أنه يدخل النار ليس يعني أنه قد أجبره على الكفر حتى يتحقق في الآخرة دخول ذلك الكافر النار ، وهذا ليس اعتقاداً صحيحاً بل الله تعالى منزَّه عنه ، وإنما الواقع أن الله تعالى قد علِم ما سيفعله خلقه في حياتهم الدنيوية ، وقد أمر عز وجل القلمَ أن يكتب ذلك العلم الذي سيحصل من خلقه ، ولم يُطلع الله تعالى على ذلك العلم ملَكاً مقرَّباً ولا نبيّاً مرسلاً ، فلا أحد يعلم ماذا كُتب له أو عليه في اللوح المحفوظ

وهو يدل على أن ما يحتج به بعضهم بالقدَر لا قيمة له ، فالعبد مكلَّف بالإيمان والعمل ، وسيجازيه ربُّه تعالى يوم القيامة على ما قدمت يداه لا على ما كتبه الله تعالى عليه في اللوح المحفوظ ، وقد أقام الله عز وجل الحجة على خلقه بإرساله الرسل مبشرين ومنذرين ، قال تعالى ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء/165 ، ولولا ذلك لكان لهم حجة على الله تعالى ، والله تعالى منزَّه – أصلاً –

أن يعاقب أحداً إلا على ما عمل بعد أن يقيم عليه الحجة ، ولذا كان الذين لم تصلهم الرسالات أو كانوا غير مكلفين عند إرسال الرسل يحتجون على الله تعالى يوم القيامة ، والله تعالى سيختبرهم في تلك الدار ، وأما في الدنيا : فإنه مَن جاءه البلاغ وهو مكلَّف : فليس له عند الله تعالى حجة يوم القيامة ، وهو تعالى قد أوضح له طريق الحق والضلال وخيَّره بين سلوك الطريق الأول وله الجنة ، أو الثاني وله النار ، ولم يُجبره على أن يسلك أحد الطريقين

قال تعالى ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً . أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا) الكهف/ 29 – 31 .

يا عبد الله ؛ إذا كنا نؤمن بأن الله قد قدر كل ما هو كائن ، وأن الله تعالى علمه ، وخلقه ؛ فإن التفكير الإيجابي حقا أن نفترض أن الله كتب علينا الهدى والصلاح ، وهذا قد كتبه علينا شرعا ، وأمرنا به ، وإذا كان لا بد لك من أن تفترض واحدا من أمرين ، وتستسلم له : فافترض أنه قد قدر عليك الخير ، وكتبه عليك ، وكتبك من أهل الجنة ، وهذا هو اللائق بحسن الظن بالله ، ورحمته التي سبقت غضبه ، ورضاه الذي غلب سخطه ؛ وامض على ذلك التقدير ، واعمل بعمل أهل الجنة ، فكل ميسر لما خلق له !!

يا عبد الله ؛ إن مثل القدر السابق ، كمثل الشمس التي لا غنى لنا عنها في حياتنا ، ولا خروج لنا عن ضوئها في سيرنا ، فنحن ننتفع بها ما دمنا فاهمين لذلك ، مقدرين له ؛ لكن متى جئنا إليها ، وهي واضحة بينة في وقت الظهيرة ، ودققنا النظر إليها : لم نستفد شيئا من تدقيقنا ذلك ، وأوشكت أن تخطف أبصارنا !!
وهكذا القدر ؛ لا غنى لك عن الإيمان به ، فهو أحد أركان الإيمان ، ولا خروج لك عنه ، فهو كالشمس المضيئة لنا ، أو كالسماء التي فوقنا ؛ ولكن متى دققت في ضوئها ، ولم تكتف بالسير فيه ، أضر ذلك بعينك حتى كاد أن يذهب بها !!

هذا هو اعتقاد المسلمين ، ولا مجال فيه لأحد أن يطعن عليه أو يستشكله ، ومن يفهم أركان القدَر لم يقع في شباك الوسوسة ولم يسلك طريق الانحراف ، وهذه المراتب هي : العلم ، ثم الكتابة ، ثم المشيئة ، ثم الخلق

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 17:12
الفرق بين الصبر والرضا

السؤال :

أواجه أذى من أهل زوجي ، أي أنهم يتكلموا عني كثيرا وربما يخرجون أسراري هداهم الله وغفر لهم وأنا بفضل الله أصبر على أذاهم وأحتسب ذلك عند الله ، ولكن بعض اﻷوقات أشعر بضيق شديد وأشعر أني لم أعد أتحمل وأتمنى لو لم أكن علمت هؤلاء الناس مع أن زوجي ولله الحمد يتقي الله في ولكنه مسافر وأنا أعيش مع أهله فلابد لي من المشاكل ، وسؤالي :

هل ضيقي وشعوري بعدم التحمل ينافي الصبر ؟

وكيف أصل لدرجة الرضا بحيث أرى ما أنا فيه هو نعمة من الله فقدره كله خير ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

قد أحسنت في صبرك على أذى أهل زوجك واحتسابك ذلك عند الله تعالى . وتلك درجة عالية من درجات الإيمان نسأل الله تعالى أن يجزيك عليها خيرا ، ويعوضك خيرا . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ) رواه الإمام أحمد (5002) ، والترمذي (5307) ، وصححه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (939) .

ثانيا :

هناك فرق بين الصبر والرضا ، فرق في التعريف ، وفرق في الحكم .
أما الحكم ، فالصبر واجب ، بحيث يأثم الإنسان إذا لم يصبر على ما أصابه من مكروه ، ويعرض نفسه بهذا لعقوبة الله تعالى .

وأما الرضا ، فهو درجة أعلى من الصبر ، وهي درجة السابقين بالخيرات ، ولذلك كانت مستحبة وليست واجبة ، فلا يأثم المسلم إذا لم يصل إليها ، غير أنه مطالب بمجاهدة نفسه والشيطان حتى يصل إلى تلك الدرجة العالية .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/682) :

" الرضا بالمصائب كالفقر والمرض والذل : مستحب في أحد قولي العلماء وليس بواجب ، وقد قيل : إنه واجب ، والصحيح أن الواجب هو الصبر" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فما يقع من المصائب يستحب الرضا به عند أكثر أهل العلم ولا يجب ، لكن يجب الصبر عليه "

انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2/92) .

وأما الفرق بين الصبر والرضا في التعريف ، فالصبر هو أن يمنع الإنسان نفسه من فعل شيء ، أو قول شيء يدل على كراهته لما قدره الله ، ولما نزل به من البلاء ، فالصابر يمسك لسانه عن الاعتراض على قدر الله ، وعن الشكوى لغير الله ، ويمسك جوارحه عن كل ما يدل على الجزع وعدم الصبر ، كاللطم وشق الثياب وكسر الأشياء وضرب رأسه في الحائط وما أشبه ذلك .

قال ابن القيم رحمه الله في " عدة الصابرين " (ص/231) :

" الصبر : حبس اللسان عن الشكوى الى غير الله ، والقلب عن التسخط ، والجوارح عن اللطم وشق الثياب ونحوها " انتهى .

وأما الرضا فهو صبر وزيادة ، فالراضي صابر ، ومع هذا الصبر فهو راضٍ بقضاء الله ، لا يتألم به .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"الصبر : يتألم الإنسان من المصيبة جدا ويحزن ، ولكنه يصبر ، لا ينطق بلسانه ، ولا يفعل بجوارحه ، قابض على قلبه ، موقفه أنه قال : ( اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها ) ، ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ...
الرضا : تصيبه المصيبة ، فيرضى بقضاء الله .

والفرق بين الرضا والصبر : أن الراضي لم يتألم قلبه بذلك أبدا ، فهو يسير مع القضاء ( إن إصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ) ، ولا يرى الفرق بين هذا وهذا بالنسبة لتقبله لما قدره الله عز وجل ، أي إن الراضي تكون المصيبة وعدمها عنده سواء "

انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (3/206) .

ثالثاً :

مجرد شعور الإنسان بالضيق وعدم التحمل ، وتمنيه أن ما وقع به من الشدة لم يكن وقع .. كل هذا لا ينافي الصبر ، مادام قد أمسك قلبه ولسانه وجوارحه عن كل ما يدل على الجزع ، وما دام لم يعترض على قضاء الله تعالى ، بل الصبر في الغالب لا يكون إلا مع هذا الضيق والمشقة والتعب .

وأما الراضي : فلا يجد ذلك الضيق والألم ؛ لأنه يعلم أن الله تعالى لن يختار له إلا ما هو خير ، فهو يتقلب فيما يختاره الله بنفس راضية مطمئنة .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"الصبر مثل اسمه مر مذاقته ... لكن عواقبه أحلى من العسل

فيرى الإنسان أن هذا الشيء ثقيل عليه ويكرهه ، لكنه يتحمله ويتصبر ، وليس وقوعه وعدمه سواء عنده ، بل يكره هذا ، ولكن إيمانه يحميه من السخط .

والرضا ، وهو أعلى من ذلك ، وهو أن يكون الأمران عنده سواء بالنسبة لقضاء الله وقدره ، وإن كان قد يحزن من المصيبة ؛ لأنه رجل يسبح في القضاء والقدر ، أينما ينزل به القضاء والقدر فهو نازل به على سهل أو جبل ، إن أصيب بنعمة ، أو أُصيب بضدها ، فالكل عنده سواء ، لا لأن قلبه ميت ، بل لتمام رضاه بربه سبحانه وتعالى يتقلب في تصرفات الرب عز وجل ، ولكنها عنده سواء ، إذ ينظر إليها باعتبارها قضاء لربه"

انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (10/692) .

رابعاً :

هناك درجة أعلى من الرضا وهي درجة الشكر ، بأن يشكر الإنسان الله تعالى على ما أصابه من بلاء وشدة ، فيرى أن ما أصابه كان نعمة من الله ولذلك يقوم بشكرها .

ويصل الإنسان إلى درجة الصبر ثم الرضا ثم الشكر بما يأتي :

1- أن ينظر إلى اختيار الله تعالى له ، وأن الله لن يختار له إلا الخير . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .

2- أن يتأمل فيما أصابه : فإنه سبب لتكفير ذنوبه ، حتى يلقى الله تعالى طاهرا من الخطايا ، قال صلى الله عليه وسلم : ( مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) رواه الترمذي ، وصححه الألباني في " سنن صحيح الترمذي " .

3- أن ينظر إلى ما أصابه وأن الله تعالى رفق به فيه ، فكم من الناس أصيب بما هو أشد من ذلك وأعظم ؟ قال ابن القيم في الفوائد (1/112-113) بعد أن ذكر الصبر والرضا : " عبودية العبد لربه في قضاء المصائب الصبر عليها ، ثم الرضا بها وهو أعلى منه ، ثم الشكر عليها وهو أعلى من الرضا ، وهذا إنما يتأتى منه ، إذا تمكن حبه من قلبه ، وعلم حسن اختياره له وبره به ولطفه به وإحسانه إليه بالمصيبة ، وإن كره المصيبة " انتهى .

4- أن ينظر إلى عواقب الابتلاء والشدة ، وأن الله يسوقه إليه بهذه الشدة التي تجعله يكثر من ذكر الله تعالى ودعائه والتضرع إليه .

5- أن ينظر إلى ثواب الصبر والرضا ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر: 10 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ) رواه الترمذي وصححه الألباني في " سنن صحيح الترمذي " . ورضا الله تعالى عن العبد أعظم من دخول الجنة ، قال الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/72 .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ . فَيَقُولُ : هَلْ رَضِيتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ . فَيَقُولُ : أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ! فَيَقُولُونَ : يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ) رواه البخاري (6549) ، ومسلم (2829) .

قال ابن القيم في " طريق الهجرتين " (1/417)

بعد أن ذكر نحوا من هذه الأسباب التي تعين العبد على الرضا بقضاء الله تعالى : " فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء ، فإن قويت أثمرت الرضا والشكر " انتهى .

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين الراضين الشاكرين .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 17:17
كلمات في أسباب المصائب والصبر عليها

السؤال

من المعلوم أن الصبر على أقدار الله عز وجل واحتساب أجرها عند الله من عقيدة المسلم ، وكذلك الرضا بالمقدور الذي قدَّره الله عز وجل منزلة من منازل المؤمنين الذين يتفاوتون فيها ، فهل هناك فرق بين المصيبة الحاصلة على الإنسان بتفريطه وتهاونه ، أم الكل سواء ، بمعنى آخر : إنسان فاته التعليم ، والجد ، والاجتهاد في طلب العلم ، وهو قادر عليه ثم بعد أن بلغ من العمر ما بلغ أخذ يتحسر ، بل ويصل به الحزن إلى درجة كبيرة ، ويقول : كيف فرطت أيام كانت الظروف مواتية ومتاحة لي ، ويرى بعض الإخوان أن هذا الحزن والتأفف فيه اعتراض على القدر ؛ لأنهم يقولون لو أراد الله لك ذلك لكان . أرجو التوضيح أكثر؟

الجواب

الحمد لله

1. المؤمن الموحد يعلم أن كل شيء إنما هو بقدَر الله تعالى ، وأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه ليس ثمة شيء يمكن أن يحجز قدر الله أن ينفذ في خلقه سبحانه وتعالى ، وبذا يطمئن قلب المؤمن الموحِّد ، ويعلم أن لا مجال للأسى والحزن أن يكونا في حياته ؛ لأن أمر الله سبق ، ومشيئته نفذت .

قال الله تعالى : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/ 22 ، 23 .
وقال تعالى : ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) التوبة/ 51 .

2. وإذا كان هذا هو حال المؤمن الموحد لم يكن في حياته ندم على ما فاته ، ولن يكون للتحسر و" لو " موضع في كلامه ، وهذا الذي قدَّره الله تعالى على عبده لا يخلو من حالين :

الأول : أن يكون بسبب معصية وقع فيها العبد ، فقدَّر الله عليه بسببها مصائب .
قال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) الشورى/ 30 .

والثاني : أن يكون ذلك ابتلاء من الله لرفع درجته ، وتكفير سيئاته .
فماذا يصنع المؤمن الموحِّد بعد أن يعلم هذا ويعتقده اعتقاداً جازماً ؟

الواجب عليه إن كانت المصيبة بسبب معصية فعلها ، أو آثام ارتكبها ، أو تفريط فيما ينبغي عليه ، أن يبادر إلى التوبة والاستغفار ، وأن يرجع إلى ربه ويئوب ، ويندم على ما اكتسبه ، ويُصلح ما بينه وبين خالقه ومولاه ، قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/ 82 .

وإن كانت المصيبة مجرد ابتلاء لرفع الدرجات وتكفير السيئات : فليس أمام المؤمن الموحِّد إلا الرضا بقدر الله ، واحتساب ما أصابه لربه تعالى ، راجياً الأجور ، طامعاً في تكفير الذنوب .

وفي كلا الحالين لن يكون قلب المؤمن الموحد إلا قويّاً مطمئنّاً ، ولن يصيبه الضعف والخور ، بل يبادر إلى الطاعة والعمل ، وإن كان عاصياً ترك معاصيه وعاد أفضل مما كان ، وإن كان طائعاً ازداد في طاعة خالقه ومولاه .

3. والشيطان يحاول إضعاف قلب المؤمن ، وإدخال الحزن والأسى على قلبه ، ويبذل جهده لقذف العجز في جوارحه ، وكل ذلك بقول " لو " على ما مضى مما فعله ، أو مما لم يفعله ، ومع هذا الشر والفساد كله : فهو يجعله يعيش في الأوهام والظنون الكاذبة ، ويقول " لو كان كذا لكان كذا " ! وما يدريه أن الأمر كذلك ؟

فانظر – رعاك الله – إلى ما يحدثه الشيطان من التحسر والحزن والتخرص والظن على قدر الله تعالى ، ومع ذلك كله فهو يضعفه عن العمل ، ويُعجزه عن الطاعة ، ويظل يندب حظه ويتحسر حتى يفوت عمره ! وقد أخبرنا الله تعالى أن هذا من فعل المنافقين ، وحذَّرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أن نسلك هذا الطريق .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) . رواه مسلم (6945) .

وانظر وتأمل هذا الحديث العظيم ، وفيه بيان الفرق بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف ، وفيه الحث على العمل وعدم العجز ، وكل ذلك مناسب تماماً للنهي عن التحسر بقول " لو " .

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -

عندما يقع الإنسان في مكروه أو تصيبه مصيبة فإنه لا يقول : " لو أني فعلت كذا ما حصل عليَّ هذا ! ، أو : لو أني لم أفعل لم يحصل كذا ! " ؛ لما في ذلك من الإشعار بعدم الصبر على ما فات مما لا يمكن استدراكه ؛ ولما يشعر به اللفظ من عدم الإيمان بالقضاء والقدر ؛ ولما في ذلك من إيلام النفس ، وتسليط الشيطان على الإنسان بالوساوس والهموم .
والواجب بعد نزول المصائب : التسليم للقدر ، والصبر على ما أصاب الإنسان ، مع عمل الأسباب الجالبة للخير ، والواقية من الشر والمكروه بدون تلوم .

وقد ذمَّ الله الذين قالوا هذه الكلمة عند المصيبة التي حلَّت بالمسلمين في وقعة أحد ، فقال تعالى : ( يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) ، هذه مقالة قالها بعض المنافقين يوم " أُحد " لمَّا حصل على المسلمين ما حصل من المصيبة ، قالوها يعارضون القدَر ، ويعتبون على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين خروجهم إلى العدو ، فردَّ الله عليهم بقوله تعالى : ( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) ، أي : هذا قدَر مقدَّر من الله لابد أن يقع ، ولا يمنع منه التحرز في البيوت والتلهف.

وقول " لو " بعد نزول المصيبة لا يفيد إلا التحسر ، والحزن ، وإيلام النفس ، والضعف ، مع تأثيره على العقيدة ، من حيث إنه يوحي بعدم التسليم للقدر

ثم ذكر سبحانه عن هؤلاء المنافقين مقالة أخرى ، وذلك في قوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ) ، وهذه من مقالات المنافقين يوم " أحُد " أيضاً ، ويروى أن عبد الله بن أبي كان يعارض القدر ويقول : لو سمعوا مشورتنا عليهم بالقعود وعدم الخروج : ما قُتلوا مع من قتل ، فردَّ الله عليهم بقوله : ( قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ ) ؛ أي : إذا كان القعود وعدم الخروج يسلَم به الشخص من القتل أو الموت : فينبغي أن لا تموتوا ، والموت لا بدَّ أن يأتي إليكم في أي مكان ؛ فادفعوه عن أنفسكم إن كنتم صادقين في دعواكم أن من أطاعكم سلِم من القتل ...
فقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى فعل الأسباب التي تنفع العبد في دنياه وآخرته مما شرعه الله تعالى لعباده من الأسباب الواجبة ، والمستحبة

والمباحة ، ويكون العبد في حال فعله السبب مستعيناً بالله ، ليتم له سببه وينفعه ؛ لأن الله تعالى هو الذي خلق السبب والمسبب ، والجمع بين فعل السبب والتوكل على الله توحيد ، ثم نهى عن العجز ، وهو ترك فعل الأسباب النافعة ، وهو ضد الحرص على ما ينفع ، فإذا حرص على ما ينفعه ، وبذل السبب ، ثم وقع خلاف ما أراد أو أصابه ما يكره : فلا يقل : لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ؛ لأن هذه الكلمة لا تجدي شيئاً ، وإنما تفتح عمل الشيطان ، وتبعث على التأسف ولوم القدر ، وذلك ينافي الصبر والرضى

والصبر واجب ، والإيمان بالقدر فرض ، ثم أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اللفظ النافع المتضمن للإيمان بالقدر ، وهو أن يقول : ( قدر الله وما شاء فعل ) ؛ لأن ما قدره الله لا بدَّ أن يكون ، والواجب التسليم للمقدور ، وما شاء الله فعل ؛ لأن أفعاله لا تصدر إلا عن حكمة .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " والعبد إذا فاته المقدور له حالتان : حالة عجز : وهي عمل الشيطان، فيلقيه العجز إلى " لو " ، ولا فائدة فيها ، بل هي مفتاح اللوم .

والحالة الثانية : النظر إلى المقدور وملاحظته ، وأنه لو قدر لم يفته ، ولم يغلبه عليه أحد ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما ينفعه حال حصول مطلوبه وحال فواته ، ونهاه عن قول " لو " ، وأخبره أنها تفتح عمل الشيطان ؛ لما فيها من التأسف على ما فات ، والتحسر والحزن ، ولوم القدر ، فيأثم بذلك ، وذلك من عمل الشيطان ، وليس هذا لمجرد لفظ " لو " ؛ بل لما قارنها من الأمور القائمة بقلبه المنافية لكمال الإيمان الفاتحة لعمل الشيطان ...

فهذا الحديث الذي رواه أبو هريرة لا يستغني عنه العبد ، وهو يتضمن إثبات القدر ، وإثبات الكسب ، والقيام بالعبودية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى هذا الحديث : " لا تعجز عن مأمور ، ولا تجزع من مقدور " .
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " ( ص 130 – 133 ) .

4. ومن فاته التعليم في الصغر : فليكن ندمه على تفريطه دافعاً له لاستثمار ما بقي من عمره ، لا أنه يضعف ويعجز ويترك التعلم ، ومن فاته الحج في شبابه : فليبادر في أول فرصة لكي يحج ولا ينبغي له أن يتوانى ويكس أكثر وأكثر ، وهكذا في طاعة وخير فاته ، فإنما عليه أن يؤمن بأنه قدر الله ، ولا ينبغي له أن يعجز ، وعليه أن يكون قويّاً ، ويحرص على ما ينفعه ، وإن كان ما فات بسبب معاصيه : فليفعل كل ما سبق ذكره ، ويضيف إليه : التوبة الصادقة من الذنوب والآثام ، وليسأل ربه تعالى أن يرزقه اعتقادا حسناً ، وأن يوفقه لما يحب ويرضى من القول والعمل .
على أننا ننبهك ـ أخي الكريم ـ إلى أن الخير والصلاح ، والهدى والفلاح ، في الجنة والآخرة ، ليس له باب واحد ، بل له أبواب كثيرة ؛ فمن عجز عن باب العلم ، فعنده من العلم أبواب ، يعوض بها ما فاته من العلم وفضله ، فإن كنت ذا مال ، فأنفق في سبيل الله ، وجاهد بمالك ، وإن ذا قوة ، فعندك الصوم فإنه لا عدل له ، وعندك الصلاة فإنها خير موضوع ، وعندك الحج والعمرة ، وعندك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعندك الذكر والتسبيح وتلاوة القرآن ... ، وعندك من الخير أبواب وأبواب ، وكل ميسر لما خلق له ، ولا يهلك على الله إلا هالك .

نسأل الله أن يوفقك ، ويهديك ، ويثبتك على الخير .

والله الموفق

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 17:21
: تفسير حديث
( لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين )

السؤال

أولا أود أن أشكرك على ما تقدمه من عمل وجهد على هذا الموقع ، فلقد استفدت منه كثيرا ، والحمد لله ، وجزاك الله خيرا . سؤالي يتعلق بحديث قرأته في تفسير ابن كثير ، في تفسيره للآية الواحدة والخمسين من سورة القلم ، والحديث يقول: ( نَعَمْ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْن ) وسؤالي هو : إذا كان الله عز وجل قد قدر لكل مخلوق ما سيكون ، وحفظ ذلك في اللوح المحفوظ ، وأن ما قدره سيحدث بكل تأكيد ، فكيف تتفوق العين الشريرة على القدر ؟

هل المقصود من هذا هو التأكيد على قوة العين الشريرة ؟ أرجو أن يكون السؤال واضحا . وجزاك الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه الإمام مسلم (2188) في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) .

وروى الترمذي (2059) عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت : (يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/409) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1252) .

وليس في هذا الحديث ما يدل على معارضة العين لقدر الله عز وجل ، بل هي من القدر ، وكل ما يصيب الناس من مصائب وابتلاءات إنما هي من أقدار الله ، ولكن الحديث جرى مجرى المبالغة في إثبات أثر العين ، كي يندفع ما في قلوب بعض الناس من الشك في تأثير العين على الإنسان ، ففي هذا الحديث إثبات أثر العين ، وتأكيد ذلك بأسلوب المبالغة في سرعة التأثير وقوته ، وفيه أيضا إثبات أن العين من قدر الله .

قال القرطبي رحمه الله :

"(ولو كان شيء سبق القدر لسبقته العين) : هذا تحقيق لإصابة العين ، ومبالغة فيه تجري مجرى التمثيل ، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء ، فإن القدر عبارة عن سابق علم الله تعالى ونفوذ مشيئته ، ولا راد لأمره ، ولا معقب لحكمه ، وإنما هذا خرج مخرج قولهم : لأطلبنك ولو تحت الثرى . أو : لو صعدت إلى السماء ، ونحوه مما يجري هذا المجرى ، وهو كثير" انتهى بتصرف يسير .

"المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (5/566) .

وقال ابن عبد البر رحمه الله :

"وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين ) دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له ، وأن العين لا تسبق القدر ، ولكنها من القدر" انتهى .

"التمهيد" (6/240) .

وقال أيضا رحمه الله :

"وفي قوله : ( لو سبق شيء القدر لسبقته العين ) دليل على أن الصحة والسقم قد علمهما الله تعالى ، وما علم فلا بد من كونه على ما علمه ، لا يتجاوز وقته ، ولكن النفس تسكن إلى العلاج والطب والرقى وكل سبب من أسباب قدر الله وعلمه" انتهى .

"الاستذكار" (8/403) .

وقال القاضي عياض رحمه الله :

"(لو سبق شيء القدر سبقته العين) : بيان أن لا شيء إلا ما قدره الله ، وأن كل شيء من عين وغيره إنما هو بقدر الله ومشيئته ، لكن فيه صحة أمر العين وقوة دائه" انتهى .

"إكمال المعلم" (7/85) .

قال النووي رحمه الله :

"(ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين) فيه إثبات القدر ، وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة ، ومعناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى ، ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى ، وسبق بها علمه ، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى" انتهى .

"شرح مسلم" (14/174) .

وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله :

"(لو سبق القدر شيء لسبقته العين) يقتضي أنه لا يسبق القدر شيء ... لكن لما كان تأثير العين تأثيرا متواليا بينا قال فيه صلى الله عليه وسلم هذا القول على معنى المبالغة فيه" انتهى .

"المنتقى شرح الموطأ" (7/258) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين ، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء ، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله ، وهو لا راد لأمره ، أشار إلى ذلك القرطبي ، وحاصله : لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين ، لكنها لا تسبق ، فكيف غيرها ؟!" انتهى .

"فتح الباري" (10/203-204) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 06:36
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

هل يحاسب من تسبب في قتل شخص مع أن الموت يكون بقدر الله ؟

السؤال:

من الأمور المسَلم بها أن كل شيء يحدث بقدر الله تعالي ، لدي سؤال يتعلق بوالدي والذي مات في حادث العام الماضي ؛ حيث صدمه رجلان كانا يستقلان دراجة نارية بسرعة فائقة ، وتوفي علي إثر هذا الصدام في المستشفي ، هذه الحادثة حدثت لأن الله تعالي قدرها . أود أن أعرف : هل سيحاسب هذان الرجلان اللذان صدما والدي أم لا، ولو أنهما سيحاسبان فلماذا ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

نسأل الله تعالى أن يثبتك على الرضى والإيمان بالقدر ، خيره وشره ، فهو من أعظم نعم الله على عبده .
وأما ما جرى لوالدك في هذا الحادث الأليم فهو قتل خطأ ، نتيجة السرعة الزائدة ؛ فعلى قائد الدراجة الناريَّة : الدِّيَة والكفَّارة ، مع الإثم ، فيما بينه وبين الله ، إذا كان مفرطا في تعديه للسرعة المقررة ؛ لقول الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) النساء/ 92 .

ثانيا :

وأما كون قائد الدراجة يحاسب على ذلك ، فمن المتقرِّر في الشريعة أنَّ جميعَ العباد محاسَبون على أعمالهم يومَ القيامة ، خيرِها وشرِّها ، وأنَّ الله تعالى سيجازيهم عليها بالثواب أو العقاب ؛ كما قال تعالى: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الأنبياء/ 47 .
لكن مَن تاب من عمله السيّء ، وصدقَ في توبته ؛ فإنَّ الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ؛ كما قال سبحانه: ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25 .

فقائد الدراجة الناريَّة إذا كان قد تعدى السرعة المسموح لمثلها بأن يقود بها ، أو التي يتمكن منها مثله من التحكم في دراجته ، بحيث تسبَّب ذلك في وقوع هذا الحادث ؛ فهو آثِمٌ على عدوانه ، وتسبُّبِه في قتل نفس مسلمة ؛ فإن تابَ وأنابَ تابَ الله عليه ، ويلزمه لقبول التوبة إضافة إلى الندم : العزم على عدم العود إلى هذا الفعل.

والكفَّارة الملزَم بها والتي أوجبَها الله تعالى عليه هي أيضًا : " توبة من الله على عباده ورحمة بهم ، وتكفير لِمَا عساه أن يحصل منهم من تقصير وعدم احتراز ، كما هو واقع كثيرًا للقاتل خطأ" .

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 192) ؛ كما قال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) ، إلى أن قال: ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/ 92 .

ثالثا :

لا تعارض بين أن يكون هذا الحادث حصل بقضاء الله وقدره ، فالعبد يحاسَب على عمله الذي باختياره ، وهو هنا تفريطه في السير بسرعة زائدة ، وكون الله علم هذا وقدره من الأزل : لا ينفي وقوع هذا العمل بفعل الإنسان، إما باختياره عن إرادة تامة لما يأتيه من المعاصي والمخالفات ، وإما بتركه الواجب عليه من الاحتياط والتحرز ، أو فعله ما لا يحق له ، كقيادته بالسرعة الزائدة ، أو سيره في طريق مخالف ، وكل هذا عمل العبد وسعيه وكسبه ، يُسْأل عنه في الدنيا ، ويحاسب عليه عند الله .

مع أن مثل هذا ليس قتلا متعمدا للنفس ، ولا يتعلق به شيء من أحكام القتل العمد ، الذي هو كبيرة عظيمة بنفسه ، ولا يعامل معاملته في الدنيا ، ولا يحاسب حسابه في الآخرة .

ومن أصول الإيمان بالقدر أنَّ الله تعالى جعلَ للعبد اختيارًا وقُدرة بهما يكون الفعل ؛ كما قال تعالى: ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) التكوير/ 28 ، وقال: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف/ 29 .

وجعلَ عملَ العبد كسبًا له ، ولم يكلِّفه بما لا يستطيع أو يطيق ؛ بل مدحَ المُحْسِن على إحسانه ، وذَمَّ المُسيءَ على إساءته .

كما قال تعالى : ( الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ) غافر/ 17 .
وقال: ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان/ 3 .
وقال: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/ 286 .

ولولا تقرر هذا الأصل : لبطل الأمر والنهي ، بل بطلت الشرائع والقوانين كلها ، وأوشك من شاء أن يفعل ما شاء ، لا وازع له ولا ضابط ولا مانع ، ولبطل الثواب والعقاب ، وفسد أمر الدنيا والآخرة .

فالعبد إنما يحاسب على عمله الذي عمله في الدنيا ، وكانت له القدرة عليه ، والاختيار له ، وكان بإمكانه أن يفعل ، لو شاء ، ولا يحاسب على قدر الله السابق فيه .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 06:39
ما الفائدة من صلاة الاستخارة بما أن الأمور مقدرة من قبل؟

السؤال :

بالنسبة لصلاة الاستخارة : يجول في خاطر الإنسان أحياناً : ما الفائدة من السؤال والدعاء والسعي ، ما دام أن قضاء الله هو الذي سيحدث ؟

الجواب :

الحمد لله

جعل الله تعالى الدعاء سبباً لحصول المطلوب ، ونيل المرغوب ، وقد أمر به الرب جل وعلا، فقال : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/60 .

إذا فهم هذا لم يبق هناك إشكال ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقدر الأمور بأسبابها ، فحصول الولد - مثلا – حين يكتب لابن آدم لا بد أن يسبقه الزواج والجماع كي يأتي بعده الولد ، فلا يمكن أن تقع النتائج دون أسبابها ، والكون كله مفطور على هذا النسق من ارتباط الأسباب والمسببات .

وهكذا الدعاء أو ( الاستخارة ) أيضا :

فقد كتب الله تعالى كثيرا من الأقدار معلقة بدعائه وسؤاله عز وجل ، فلا يقع المراد من غير سببه ، وهو الدعاء ، إلى جانب الأسباب الحسية ، وقد دلت الأحاديث النبوية على هذا التقرير بكل وضوح .

فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ بِالدُّعَاءِ )

. رواه الترمذي (3548) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3409)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (8/69) - :

" ومن قال : أنا لا أدعو ولا أسأل اتكالاً على القدر ، كان مخطئًا أيضًا ؛ لأن الله جعل الدعاء
والسؤال من الأسباب التي ينال بها مغفرته ورحمته وهداه ونصره ورزقه ، وإذا قدر للعبد خيرًا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء ، وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدره الله بأسباب ، يسوق المقادير إلى المواقيت ، فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب ، والله خالق الأسباب والمسببات .
فمحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل " انتهى .

وقال أيضا (8/287) : " قول بعضهم : إن الدعاء ليس هو إلا عبادة محضة ؛ لأن المقدور كائن ، دعا أو لم يدع .
فيقال له : إذا كان الله قد جعل الدعاء سببًا لنيل المطلوب المقدر ، فكيف يقع بدون الدعاء ! " انتهى .

وقال ابن القيم في "الجواب الكافي" (ص/4) :

" الدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء ، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل ، وهو سلاح المؤمن ، وله مع البلاء ثلاث مقامات :

أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .

الثاني : أن يكون أضعف من البلاء ، فيقوى عليه البلاء ، فيصاب به العبد ، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا .
الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه " انتهى باختصار .

وقال الشيخ ابن عثيمين – كما في "المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين" (1/157) - :
" الدعاء من الأسباب التي يحصل بها المدعو ، وهو في الواقع يرد القضاء ، ولا يرد القضاء إلا الدعاء ، يعني له جهتان ، فمثلاً : هذا المريض قد يدعو الله تعالى بالشفاء فيشفى ، فهنا لولا هذا الدعاء لبقي مريضاً ، لكن بالدعاء شُفي ، إلا أنا نقول : إن الله سبحانه وتعالى قد قضى بأن هذا المرض يشفى منه المريض بواسطة الدعاء ، فهذا هو المكتوب . يظن أنه لولا الدعاء لبقي المرض ، ولكنه في الحقيقة لا يرد القضاء ؛ لأن الأصل أن الدعاء مكتوب ، وأن الشفاء سيكون بهذا الدعاء ، هذا هو القدر الأصلي الذي كتب في الأزل ، وهكذا كل شيء مقرون بسبب ، فإن هذا السبب جعله تعالى سبباً يحصل به الشيء ، وقد كتب ذلك في الأزل قبل أن يحدث " انتهى .

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل الدعاء يرد القضاء ؟

فأجابوا : "شرع الله سبحانه الدعاء وأمر به ، فقال : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، وقال : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ، فإذا فعل العبد السبب المشروع ودعا فإن ذلك من القضاء ، فهو رد القضاء بقضاء إذا أراد الله ذلك ، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ) "

انتهى . "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/195) .

وسئلوا أيضا (24/243) :

هل يخفف الدعاء من المصائب ، وهل يلطف الله بنا نتيجة الدعاء ؟ كيف يكون ذلك والله سبحانه وتعالى ينزل المصائب على الناس على الرغم من أنهم يدعونه ؟

فأجابوا :

"الدعاء عبادة لله عز وجل ، وقد أمر الله بدعائه ، فقال تعالى : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) ، وقال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )

والدعاء يخفف المصائب أو يدفعها أو يدفع ما هو أعظم منها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يرد القدر إلا الدعاء ) ، والمصائب إذا وقعت تكفر الذنوب ، وترفع الدرجات ، وعلى المسلم إذا وقع في مصيبة أن يصبر عليها ويحتسب الأجر من الله عز وجل ، ولا يتضجر من القضاء والقدر " انتهى
.
فيتحصل من هذه النقول فهم المسألة إن شاء الله تعالى ، فالمسلم حين يأخذ أمر الاستخارة والدعاء على أنه سبب من أسباب حصول المطلوب ، فلن يفرط فيه ، ولن يحاول بلوغ مراده من غير طريقه ، فيكون الدعاء مصدر قوة وباب خير للعبد المسلم كما أراده الله تعالى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 06:43
إذا كان كل شيء بقدر فلماذا ندعو الله تعالى ؟

السؤال:

لماذا يجب علينا أن ندعو إذا كان الله يفعل ما يريد ، ويعطي من يريد ، حتى أولئك الذين لم يسألوه ، وماذا نفعل إن دعوناه فلم يستجب لنا ؛ لأننا بشر في النهاية ، وعدم إعطائنا ما نريد أمر يؤثر في النفس ... إن كل شيء بقدر ، سواء دعونا أم لم ندع ، فلماذا إذن لا نقتصر على العبادة دون أن نتعرض للطلب والدعاء . هل في هذا إشكال أو بأس ؟

الجواب :

الحمد لله

يمكننا أن نجيبك باختصار ووضوح بأننا ندعو الله تعالى رغم علمنا بأن كل شيء بقدر ، وأن كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ ، وذلك لأسباب ثلاثة رئيسية ، وكل سبب منها يحتمل الشرح والتطويل بمؤلف خاص :

أولا :

ندعو الله تعالى لأنه عز وجل يحب أن يرانا على بابه متذللين ، نسأله ونتضرع إليه ، فالسؤال والتضرع أحد مظاهر فقر الإنسان للغني الكامل عز وجل ، يرافقها الحب والتعظيم له سبحانه ، تماما كما يحب سبحانه منا أن نركع ونسجد لعظمته ، وأن نصوم امتثالا لأمره ، ونحوها من العبادات ، كذلك يحب منا سبحانه وتعالى أن نطلب منه حاجاتنا ، ونأوي إلى ركنه الشديد ، يقول الله عز وجل : ( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ) النساء/32 ، ويقول سبحانه : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الأعراف/55 ، ويقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر/15 .

ثانيا

: لا أحد يختلف معك أن كل شيء مقدر عند الله سبحانه ، ومكتوب في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، ولكن الذي فاتك أن تتعرف عليه في سؤالك : أن الله سبحانه وتعالى لم يكتب لك أنه يعطيك أو لا يعطيك فحسب ، بل إذا قدر لك العطاء ، فسيقدره مقرونا بسببه ، بمعنى أن الله إذا قدر لك الزواج مثلا ، فسيكون مكتوبا عنده أنك تبذل من الأسباب ما يوصلك لهذا الشيء المقدر .

ولو سألك أحدهم فقال لك : إذا كان الطعام والشراب مقدرا لي أيضا ، فلن أسعى لرزقي ، فما هو مكتوب علي سيأتيني لا محالة ، سواء سعيت له أم لا !! فبماذا تجيبه ؟!!

نظنك ستجيبه فتقول : إنك إذا أكلت أو شربت فذلك مقدر مكتوب عليك ، ولكنه مكتوب مع سببه ، وهو أنك ستقوم مثلا لتحضر الطعام أو تشتريه أو تعمل لتكسب الرزق لتحصيله ونحو ذلك من الأسباب ، كلها تؤدي إلى المسبب ، وكل ذلك بقدر الله سبحانه .

فالكتابة ليست للنتائج فحسب ، بل للأسباب أيضا ، فإذا لم تبذل السبب لن تتأتى النتيجة أبدا .
وهكذا أيضا جوابنا على سؤالك حول الدعاء ، فالدعاء أحد الأسباب التي أمرنا الله بها ، بل ورغبنا فيها وحثنا عليها ، وجعلها موصلة إلى مسببها ، كغيرها من الأسباب ، بل هو من أنفع الأسباب للمطالب الدينية والدنيوية .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الذين يظنون أن ما يحصل بالدعاء والأعمال الصالحة وغير ذلك من الخيرات : إن كان مقدرا حصل بدون ذلك ، وإن لم يكن مقدرا لم يحصل بذلك = هؤلاء كالذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ( أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب ؟ فقال : لا . اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له ) وفي السنن أنه ( قيل : يا رسول الله ؛ أرأيت أدوية نتداوى بها ، ورقى نسترقي بها ؛ وتقاة نتقيها ؛ هل ترد من قدر الله شيئا ؟ فقال : هي من قدر الله ) .

ولهذا قال من قال من العلماء : الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا تغيير في وجه العقل ؛ والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ..

والله سبحانه خلق الأسباب والمسببات ؛ وجعل هذا سببا لهذا .

فإذا قال القائل : إن كان هذا مقدرا حصل بدون السبب ، وإلا لم يحصل ؟!

جوابه : أنه مقدر بالسبب ، وليس مقدرا بدون السبب ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ؛ وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة . وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة ) " انتهى من " مجموع الفتاوى " (8/138-139) .

ويقول – أيضا - رحمه الله :

" الصواب أن الدعاء والتوكل والعمل الصالح سبب في حصول المدعو به من خير الدنيا والآخرة ، والمعاصي سبب ، وأن الحكم المعلق بالسبب قد يحتاج إلى وجود الشرط وانتفاء الموانع ، فإذا حصل ذلك ، حصل المسبب بلا ريب "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (14/ 143) .

ثالثا :

نحن ندعو الله عز وجل – رغم أن كل شيء بقدر – كي يمنحنا مزيدا من فضله ، وذلك أنه ثبت عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا . قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ، قَالَ : اللهُ أَكْثَرُ ) رواه أحمد في " المسند " (17/213) ، وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة ، وجود إسناده المنذري في " الترغيب والترهيب " ، وصححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد " (547) .

فتأمل كيف أن فقه الصحابة الكرام قادهم إلى العزم على الإكثار من الدعاء ، لما سمعوه من الفضل الجزيل مطلقا للدعاء ، سواء تحقق في الدنيا أم لا ، وسواء كُتب القدر بخلافه أم لا .

وقد سئل العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" أنكر بعضهم الدعاء ... محتجا بحديث ( فرغ ربك من ثلاث رزقك وأجلك وشقي أم سعيد) فهل هو كذلك ؟

فأجاب بقوله :

ليس الأمر كما زعم هذا المنكر ، ويلزمه إبطال الدعاء من أصله ، لأن كل ما سيقع لك قد فرغ منه ، وبذلك قال بعض المبتدعة ، فأبطلوا الدعاء من أصله ، وقالوا لا فائدة له ؛ لأنه إن سبق وصول المدعو به للداعي ، فالدعاء بوصوله عبث ، وإلا فهو عبث أيضا .

وردَّ عليهم أهل السنة بأن المطلوب من الدعاء التذلل والخضوع ؛ ولذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من لم يسأل الله يغضب عليه ) وفي بعض الآثار أن الله قال لموسى عليه الصلاة والسلام : ( يا موسى اسألني كل شيء حتى ملح عجينك ) .

على أن له فائدة ، وهي أن تلك المقدرات على قسمين :

منها ما أُبرم ، وهو المعبر عنه بما في أم الكتاب الذي لا يقبل تغييرا ولا تبديلا .

ومنها ما عُلق على فعل شيء ، وهو المعبر عنه باللوح المحفوظ القابل للتغيير والتبديل ، وأصل ذلك قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) [الرعد: 39] . فمن ذلك حديث أن زيارة الرحم تزيد في العمر
...
وكذلك الدعاء : قد يكون المدعو به معلقا على الدعاء ، فكان للدعاء فائدة أي فائدة .

على أن الدعاء لا يخيب أبدا ؛ لأنه إن كان بما علق على الدعاء ، فواضح وجود الفائدة فيه ، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يرد القضاء إلا الدعاء ) .

وإن كان بما لم يعلق على ذلك ، ففائدته الثواب ؛ لأن الدعاء من العبادة .

وأيضا : فيبدل الله الداعي بدل ما دعا به ، مما لم يقدر له ، بما هو مثل ذلك ، أو أفضل منه ، كما يليق بجوده وكرمه وسعة فضله وحلمه ، ومن ثم أطلق سبحانه وتعالى الاستجابة للدعاء ولم يقيدها بشيء ، فقال عز وجل : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [غافر: 60] ، وقال : ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) [البقرة: 186]

والفعل وإن كان في حيز الإثبات فلا عموم له ، لكنه في مقام الامتنان للعموم ، كما قالوا به في النكرة في سياق الامتنان ، إذ الفعل والنكرة المثبتة من واد واحد ، عموما وعدمه ، فتأمل ذلك كله ، فإنه ظهر لي بحمد الله ولا مزيد على حسنه وتحقيقه .

ثم رأيت بعضهم أشار لبعض ذلك فقال : لا ينكر الدعاء إلا كافر مكذب بالقرآن ؛ لأن الله تعالى تعبد عباده به في غير ما آية ، ووعدهم بالاستجابة على ما سبق في علمه من أحد ثلاثة أشياء على ما ورد في الحديث : استجابة ، أو ادخار ، أو تكفير عنه "

انتهى من " الفتاوى الحديثية " (ص/92) .

والخلاصة :

أننا ندعو لأن الدعاء من أسباب حصول المطلوب ، تماما كما أن الأكل والشرب من أسباب الشبع ، والمسلم يأخذ بالسبب ويتوكل على الله سبحانه ، فضلا عما في الدعاء من ثواب وأجر جزيل .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 07:02
كلمات وأمثال فيها اعتراض على أفعال الله وطعن في حكمته وعدله

السؤال

: لماذا ربنا يعطي الذي ليس محتاجاً ، والمحتاج لحاجه لا تأتي له ؟ .

الجواب:

الحمد لله

أولاً:

أمر الله تعالى بحفظ اللسان ، وأن لا يتكلم العبد بالكلمة إلا وهو يعلم أنه ليس فيها إثم ، وأخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه الناس يُكبون في جهنم بحصائد ألسنتهم ، وما أكثر ما يخترع الناس أمثالاً ، أو تجري ألسنتهم بكلمات تكون فيها مهلكتهم ، إن لم يتداركهم ربهم تعالى برحمته .

وإن العبد الموفَّق ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يثيبه الله عليها أعظم الثواب ، وإن العبد المخذول ليتكلم بالكلمة لا يظن أنها تبلغ به شيئاً تهوي به في نار جهنم .

قال تعالى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/ 18 .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ) .

رواه البخاري ( 6113 ) .

وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ ) .

رواه البخاري ( 6109 ) .

وقال بعض السلف : " ما على وجه الأرض شيء أَحوج إلى طول حَبْس من اللسان " ! .

ثانياً:

مثل هذا الكلام القبيح يدرج في أمثال بعض البلاد ، وتتناقله الألسن ، دون أن يعي أحدهم أنه وقع بقوله في مخالفات شرعية ، تتعلق بصفات الله تعالى ، وأسمائه ، وأفعاله ، ففي هذا القول الوارد في السؤال اعتراض على أفعال الله تعالى ، وتقديراته ، وعلمه ، وحكمته ، وعدله .

ومن تلك الأمثال الدارجة " يعطي الحلَق للذي ليس له أُذُن ! " و " يعطي اللحم للذي ليس له أسنان " ، ويعنون به : الله تعالى .

وفي هذا الكلام ما لا يخفى من سوء الأدب مع الله تعالى ، وسوء الظن به ، فيقال فيه :

1. في كلام السوء هذا يعني أن الله تعالى أعطى النعمة من لا يستحقها ، وأن هناك مَن هو أولى بهذه النعمة مِن هذا المُعطَى ! وهذا من أعظم الطعن في حكمة الله ، وعدله .

وليس أحدٌ في غنى عن فضل الله وعطائه ، وقد قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر/ 15 .

والله تعالى يقدِّر ما يشاء لحكَم جليلة ، فمن أغناه الله فلحكمة ، ومن أفقره الله فلحكمة ، فهو يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لحكَمة ، قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة/من الآية 28 ، وقال تعالى : ( فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الحجرات/ 8 .

ولله خزائن السموات والأرض ، وما يهبه تعالى لخلقه : فهو بقدَرٍ معلومٍ ، قال تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) الحِجر/ 21 .

2. وما يظنه الإنسان القاصر في فهمه وإدراكه أن الخير له هو في غناه ، وسلطانه ، وجاهه : خطأ ، وقصور ، يتناسب مع طبيعة الإنسان القاصرة ، فقد يكون الخير في نزع تلك الأشياء منه ، كما قد يكون الذل خيراً له ! نعم ، فلربما ذلُّه قاده إلى إسلام بعد كفر ، أو طاعة بعد معصية ، كما أن المال ، والملك ، والجاه ، والعز قد يكون شرّاً له ، فيكون هذا المسكين يعترض على قدر الله وحكمته ، ويسعى لما فيه تلفه ، وهلاكه .

قال تعالى : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران/ 26 .

ومن تأمل حديث الأقرع والأبرص والأعمى : علم أن القَرَعَ والبَرَصَ كانا خيراً لصاحبيهما من المال الذي طلباه ، فلما طلب الأول شعراً حسناً فأُعطيه ، وطلب الثاني جلداً حسناً فأُعطيه ، بل وأُعطي كل واحد منهما مالاً وفيراً : كان ذلك سبباً في فتنتهما ، وسخط الله عليهما ، حيث أنكرا نعمة الله عليهما ، وبخلا بما أعُطيا من مال .

والحديث رواه البخاري ( 3277 ) ومسلم ( 2964 ) .

3. ثم إن الله تعالى هو المتفرد بالملك ، والخلق ، والرزق ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، ولم يحصل الاعتراض على هبة النعمة من الله إلا من المشركين وإخوانهم .

قال ابن كثير – رحمه الله – تعليقاً على آية ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ ) - :

أي : أنت المتصرف في خلقك ، الفعَّال لما تريد ، كما ردَّ تبارك وتعالى على من يتحكم عليه في أمره ، حيث قال : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) الزخرف / 31 ، قال الله تعالى ردّاً عليهم : ( أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) الآية ، الزخرف/ 32 ، أي : نحن نتصرف في خلقنا كما نريد ، بلا ممانع ، ولا مدافع ، ولنا الحكمة ، والحجة في ذلك ، وهكذا نعطي النبوة لمن نريد ، كما قال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) الأنعام/ 124 ، وقال تعالى : ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) .

" تفسير ابن كثير " ( 2 / 29 ) .

ولما ذكر الله تعالى اعتراض بعض الناس على مُلكٍ آتاه الله بعض خلقه : أرجع الله تعالى الأمر إلى علمه ، وحكمته ، وفضله ، وأن الأمر لا يرجع إلا إليه عز وجل ، وذلك في قوله تعالى : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة/ 247 .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

قوله تعالى : ( والله يؤتي ملكه من يشاء ) أي : يُعطي ملكَه من يشاء ، على حسب ما تقتضيه حكمته ، كما قال تعالى : ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ) آل عمران/ 26 .

قوله تعالى : ( والله واسع ) أي : ذو سعة في جميع صفاته : واسع في علمه ، وفضله ، وكرمه ، وقدرته ، وقوته ، وإحاطته بكل شيء ، وجميع صفاته وأفعاله .

و ( عليم ) أي : ذو علم بكل شيء ، ومنه : العلم بمن يستحق أن يكون ملِكاً ، أو غيرَه من الفضل الذي يؤتيه الله سبحانه وتعالى من يشاء .

" تفسير سورة البقرة " ( 3 / 213 ، 214 ) .

4. أن قائل مثل هذه العبارات وقع في الفتنة من حيث يشعر أو لا يشعر ، فالله تعالى جعل الناس بعضهم لبعض فتنة ، منهم الغني ، ومنهم الفقير ، ومنهم الشريف ، ومنهم الوضيع ، فمن رضي بما قسم الله ، ولم يسخطه : نجا من الفتنة ، ومن اعترض وسخط : فله السخط ، قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ) الفرقان/ من الآية 20 ، وقال تعالى : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الأنعام/ 53 .

قال القرطبي – رحمه الله - :

قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ) أي : إن الدنيا دار بلاء ، وامتحان ، فأراد سبحانه أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض على العموم في جميع الناس ، مؤمن ، وكافر ، فالصحيح فتنة للمريض ، والغني فتنة للفقير ، والفقير الصابر فتنة للغني ، ومعنى هذا أن كل واحد مختبر بصاحبه ؛ فالغني ممتحن بالفقير ، عليه أن يواسيه ولا يسخر منه ، والفقير ممتحن بالغني ، عليه ألا يحسده ، ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه ، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق ، كما قال الضحاك في معنى ( أَتَصْبِرُونَ ) : أي : على الحق .

وأصحاب البلايا يقولون : ِلمَ لمْ نُعَافَ ؟ والأعمى يقول : لمَ لمْ أُجعل كالبصير ؟ وهكذا صاحب كل آفة ، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس من الكفار في عصره ، وكذلك العلماء ، وحكام العدل ، ألا ترى إلى قولهم ( لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) الزخرف/ 31 ، فالفتنة : أن يَحسد المبتلى المعافى ، ويَحقر المعافى المبتلى ، والصبر : أن يحبس كلاهما نفسه ، هذا عن البطر ، وذاك عن الضجر. ( أَتَصْبِرُونَ ) محذوف الجواب ، يعني : أم لا تصبرون ؟ .

" تفسير القرطبي " ( 13 / 18 ) .

5. أن مثل هذه الكلمات الدارجة على الألسنة فيها سوء ظن بالله تعالى ، وهي فتنة لم يَنج منها كثير من الناس ، فيظن الواحد منهم أنه يستحق أكثر مما قدِّر له ، وأنه أولى بكثرة الخير والصرف عن السوء والشر من غيره ، وفي ذلك من الاعتراض على قدر الله تعالى ما يخلخل به المرء ركناً من أركان الإيمان ، وهو الإيمان بالقدر شرِّه وخيره ، وأنه كله من عند الله ، قدَّره ، وكتبه ، وشاءه ، ثم خلقه ، بحكمته تعالى ، وعدله .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

فأكثر الخلق ، بل كلهم ، إلا مَن شاء الله : يظنون باللهِ غيرَ الحقِّ ظنَّ السَّوْءِ ، فإن غالبَ بني آدم يعتقد أنه مبخوسُ الحق ، ناقصُ الحظ ، وأنه يستحق فوقَ ما أعطاهُ اللهُ ، ولِسان حاله يقول : ظلمني ربِّي ، ومنعني ما أستحقُه ، ونفسُه تشهدُ عليه بذلك ، وهو بلسانه يُنكره ، ولا يتجاسرُ على التصريح به ، ومَن فتَّش نفسَه ، وتغلغل في معرفة دفائِنها ، وطواياها : رأى ذلك فيها كامِناً كُمونَ النار في الزِّناد ، فاقدح زنادَ مَن شئت : يُنبئك شَرَارُه عما في زِناده ، ولو فتَّشت مَن فتشته : لرأيت عنده تعتُّباً على القدر ، وملامة له ، واقتراحاً عليه خلاف ما جرى به ، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا ، فمستقِلٌّ ، ومستكثِر ، وفَتِّشْ نفسَك هل أنت سالم مِن ذلك ؟ .

فَإنْ تَنجُ مِنْهَا تنج مِنْ ذِى عَظِيمَةٍ ... وَإلاَّ فَإنِّى لاَ إخَالُكَ نَاجِيَاً

فليعتنِ اللبيبُ الناصحُ لنفسه بهذا الموضعِ ، وليتُبْ إلى الله تعالى ، وليستغفِرْه كلَّ وقت من ظنه بربه ظن السَّوْءِ ، وليظنَّ السَّوْءَ بنفسه التي هي مأوى كل سوء ، ومنبعُ كل شرٍّ ، المركَّبة على الجهل ، والظلم ، فهي أولى بظن السَّوْءِ من أحكم الحاكمين ، وأعدلِ العادلين ، الراحمين ، الغنيِّ الحميد ، الذي له الغنى التام ، والحمدُ التام ، والحكمةُ التامة ، المنزّهُ عن كل سوءٍ في ذاته ، وصفاتِهِ ، وأفعالِه ، وأسمائه ، فذاتُه لها الكمالُ المطلقُ مِن كل وجه ، وصفاتُه كذلك ، وأفعالُه كذلك ، كُلُّها حِكمة ، ومصلحة ، ورحمة ، وعدل ، وأسماؤه كُلُّها حُسْنَى .

فَلا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ ظَنّ سَؤْءِ ... فَإنَّ اللهَ أَوْلَى بِالجَمِيلِ

وَلا تَظْنُنْ بِنَفْسِكَ قَطُّ خَيْراً ... وَكَيْفَ بِظَالِمٍ جَانٍ جَهُولِ

وَقُلْ يَا نَفْسُ مَأْوَى كُلِّ سُوءِ ... أَيُرجَى الخَيْرُ مِنْ مَيْتٍ بَخيلِ

وظُنَّ بِنَفّسِكَ السُّوآى تَجِدْهَا ... كَذَاكَ وخَيْرُهَا كَالمُسْتَحِيلِ

وَمَا بِكَ مِنْ تُقىً فِيهَا وَخَيْرٍ ... فَتِلْكَ مَوَاهِبُ الرَّبِّ الجَلِيلِ

وَلَيْسَ بِهَا وَلاَ مِنْهَا وَلَكِنْ ... مِنَ الرَّحْمن فَاشْكُرْ لِلدَّلِيلِ

" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 3 / 235 ، 236 ) .

وبنصيحة ابن القيم الرائعة نختم كلامنا ، فلعلَّ كلَّ واحدٍ منَّا أن يفتِّش نفسه ، ويتأمل في حالها ، ونرجو الله تعالى أن يصلح أحوالنا ، وأن يسدد أقولنا ، وأعمالنا .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 07:05
ترك الأخذ بالأسباب بحجة التوكل على الله

السؤال

بعض الصوفية يقول بترك الأخذ بالأسباب ، بحجة التوكل على الله والتسليم لقضائه وقدره ، فهل هذا الكلام صحيح ، وما هو المذهب الصحيح ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا الأمر مما عمت به البلوى ، واشتدت به المحنة ، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمة .

فأمة الإسلام مرت بأزمات كثيرة ، وفترات عسيرة ، وكانت تخرج منها بالتفكير المستنير ، والنظرة الثاقبة ، والتصور الصحيح ، فتبحث في الأسباب والمسببات ، وتنظر في العواقب والمقدمات ، ثم بعد ذلك تأخذ بالأسباب ، وتلج البيوت من الأبواب ، فتجتاز - بأمر الله - تلك الأزمات ، وتخرج من تلك النكبات ، فتعود لها عزتها ، ويرجع لها سالف مجدها ، هكذا كانت أمة الإسلام في عصورها الزاهية .

أما في هذه العصور المتأخرة التي غشت فيها غواشي الجهل ، وعصفت فيها أعاصير الإلحاد والتغريب ، وشاعت فيها البدع والضلالات ، فقد اختلط هذا الأمر على كثير من المسلمين ، فجعلوا من الإيمان بالقضاء والقدر تكأة للإخلاد في الأرض ، ومسوغاً لترك الحزم والجد والتفكير في معالي الأمور ، وسبل العزة والفلاح ، فآثروا ركوب السهل الوطيء الوبيء على ركوب الصعب الأشق المريء .

فكان المخرج لهم أن يتكل المرء على القدر ، وأن الله هو الفعال لما يريد ، وأن ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن ، فلتمض إرادته ، ولتكن مشيئئته ، وليجر قضاءه وقدره ، فلا حول لنا ولا طول ، ولا يد لنا في ذلك كله .

هكذا بكل يسر وسهولة ، استسلام للأقدار دون منازعة لها في فعل الأسباب المشروعة والمباحة .

فلا أمر بالمعروف ، ولا نهي عن المنكر ، ولا جهاد لأعداء الله ، ولا حرص على نشر العلم ورفع الجهل ، ولا محاربة للأفكار الهدامة والمبادئ المضللة ، كل ذلك بحجة أن الله شاء ذلك !

والحقيقة أن هذه مصيبة كبرى ، وضلالة عظمى ، أدت بالأمة إلى هوة سحيقة من التخلف والانحطاط ، وسببت لها تسلط الأعداء ، وجرت عليها ويلات إثر ويلات .

وإلا فالأخذ بالأسباب لا ينافي الإيمان بالقدر ، بل إنه من تمامه ، فالله عز وجل أراد بنا أشياء ، وأراد منا أشياء ، فما أراده بنا طواه عنا ، وما أراده منا أمرنا بالقيام به ، فقد أراد منا حمل الدعوة إلى الكفار وإن كان يعلم أنهم لن يؤمنوا ، وأراد منا قتالهم وإن كان يعلم أننا سُنهزم أمامهم ، وأراد منا أن نكون أمة واحدة وإن كان يعلم أننا سنتفرق ونختلف ، وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا وإن كان يعلم أن بأسنا سيكون بيننا شديداً وهكذا ...

فالخلط بين ما أريد بنا وما أريد منا هو الذي يُلبس الأمر ، ويوقع في المحذور .

صحيح أن الله عز وجل هو الفعال لما يريد ، الخالق لكل شيء ، الذي بيده ملكوت كل شيء ، الذي له مقاليد السموات والأرض ، ولكنه تبارك وتعلى جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها ، وقوانين ينتظم بها ، وإن كان هو عز وجل قادراًَ على خرق هذه النواميس وتلك القوانين ، وإن كان أيضاً لا يخرقها لكل أحد .

فالإيمان بأن الله قادر على نصر المؤمنين على الكافرين - لا يعني أنه سينصر المؤمنين وهم قاعدون عن الأخذ بالأسباب ، لأن النصر بدون الأخذ بالأسباب مستحيل ، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيل ولأنه منافٍ لحكمة الله ، وقدرته عز وجل متعلقة بحكمته .

فكون الله قادراً على الشيء لا يعني أن الفرد أو الجماعة أو الأمة قادرة عليه ، فقدرة الله صفة خاصة به ، وقدرة العبد صفة خاصة به ـ فالخلط بين قدرة الله والإيمان بها وقدرة العبد وقيامه بما أمره الله به هو الذي يحمل على القعود ، وهو الذي يخدر الأمم والشعوب .

وهذا ما لاحظه وألمح إليه أحد المستشرقين الألمان فقال وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم المتأخرة : ( طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله ، والرضا بقضائه وقدره ، والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار )

وكان لهذه الطاعة أُثران مختلفان ؛ ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دوراً كبيراً في الحروب ، وحققت نصراً متواصلاً ، لأنها دفعت في الجندي روح الفداء .

وفي العصور المتأخرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي ، فقذف به إلى الإنحدار ، وعزله وطواه عن تيار الأحداث العالمية . العلمانية للشيخ سفر الحوالي نقلاً عن باول شمتز في كتابه الإسلام قوة الغد العالمية ص 87

من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 144

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 07:08
هل يجوز أن نسأل الله رد القضاء

السؤال

ما صحة هذا العبارة التي يدعو بها بعض الناس :
( اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف بي ) ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا الدعاء يجري كثيراً على الألسنة ، وهو دعاء لا ينبغي ، لأنه شُرع لنا أن نسأل الله رد القضاء إذا كان فيه سوء .

ولهذا بوب الإمام البخاري رحمه الله باباً في صحيحه قال فيه : ( باب من تعوذ بالله من درك الشقاء ، وسوء القضاء ، وقوله تعالى : ( قل أعوذ برب الفلق ، من شر ما خلق ) الفلق/1-2

ثم ساق قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعوذوا بالله من جهد البلاء ، ودرك الشقاء وسوء القضاء )

البخاري 7/215 كتاب القدر .

من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 147

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 07:13
أنواع الكتابة القدرية: الأزلية والعمرية والحولية

السؤال:

عند تكوّن الإنسان في الرحم ليصبح في مرحلة الجنين ، ينزل الملك ويسأل الله تعالى عما إذا كان هذا الجنين سيصبح مسلمًا أم كافرًا ، فإذا ما نطق هذا الملك أنه سيكون كافرًا، فمهما يفعل هذا الشخص في حياته فلن يكون سوى كافر، ولن يهديه الله ، فهل يعني ذلك أن الجحيم قدرت له حتى قبل أن يولد؟ وهل نُخبر بذلك في عالم الأرواح ومع ذلك نختار هذه الحياة بسبب أطماعنا ؟

أرجو التوضيح بشأن إعلان الشخص كافر وهو في الرحم ، وبشأن العالم الذي سبق هذا العالم .

الجواب :

الحمد لله

أولا:

قد قدر الله عز وجل جميع الأشياء في الأزل ، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، كما قال سبحانه: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر/49 ، وروى مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ . قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ).

فعَلِم الله ما يكون عليه العباد ، من كفر وإيمان وغير ذلك ، وكتبه ، وشاءه ، وجاء الخلق موافقا لعلمه وكتابته ومشيئته .

وأما الكتابة في الرحم ، فهي كتابة بعد الكتابة الأولى، وتقدير آخر ، بعد التقدير السابق .

فالكتابة أنواع :

الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ ، وهي المذكورة في حديث عبد الله بن عمرو، وهي الكتابة في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض.

الثاني: الكتابة العمرية عند تخليق النطفة في الرحم ، فيكتب إذ ذاك ذكورتها أو أنوثتها ، والأجل والعمل والشقاوة والسعادة والرزق ، كما في حديث عبد الله بن مسعود: " حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ : ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتْبِ رِزْقِهِ ، وَأَجَلِهِ ، وَعَمَلِهِ ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ) رواه البخاري (3208) ، ومسلم (2643).

وعن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا قَالَ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ فَمَا الْأَجَلُ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) رواه البخاري (6595) ، ومسلم (2646).

قال ابن رجب رحمه الله بعد ذكر طائفة من أحاديث الباب ورواياته :

" وبكل حال، فهذه الكتابةُ التي تُكتب للجنين في بطن أمِّه غيرُ كتابة المقادير السابقة لخلق الخلائقِ المذكورة في قوله تعالى: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا).." ، ثم توسع في ذكر النصوص الواردة في الباب.

ينظر : "جامع العلوم والحكم" (1/174) وما بعدها .

وقال ابن القيم رحمه الله : " وهذا تقدير بعد التقدير الأول السابق على خلق السماوات والأرض، وبعد التقدير الذي وقع يوم استخراج الذرية بعد خلق أبيهم آدم .. "

انتهى، من " شفاء العليل (ص)22.

الثالث: الكتابة الحولية ، أو التقدير الحولي في ليلة القدر، يقدّر فيها كل ما يكون في السنة إلى مثله. قال تعالى: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) الدخان/1-5، وهذه هي ليلة القدر قطعا؛ لقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).

قال مجاهد: ليلة القدر ليلة الحكم. وقال سعيد بن جبير: يؤذن للحجّاج في ليلة القدر فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلا يغادر منهم أحد ، ولا يزاد فيهم ولا ينقص منهم.

وقال ابن علية حدثنا ربيعة بن كلثوم قال قال رجل للحسن وأنا أسمع أرأيت ليلة القدر في كل رمضان هي ؟ قال نعم والله الذي لا إله إلا هو ؛ إنها لفي كل رمضان ، وإنها لليلة القدر ؛ يفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يَقضي الله كل أجل وعمل ورزق إلى مثلها.

وذكر يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: يكتب من أمّ الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحجّاج ، يقال يحج فلان ويحج فلان.

وقال مقاتل: يقدر الله في ليلة القدر أمر السنة في بلاده وعباده إلى السنة القابلة.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: يقدر أمر السنة كلها في ليلة القدر .

ثانيا:

تبين بهذا أن الإيمان والكفر مكتوبان ، كما أن الرزق مكتوب، وعلى العبد أن يعمل ويجتهد ، دون تفكير أو نظر فيما قدر عليه ؛ فإنه لا يدري ما الذي سبق له به الكتاب ؛ فليحسن الظن بربه ، وليعظم الرجاء فيما عنده ، وليعمل على أنه قد كتب من أهل السعادة ، ومعلوم أن تلك المنازل لا تأتي إلا بعمل ؛ فليعمل لها .

والعجب ممن يجتهد في تحصيل رزقه مع أنه مكتوب، ثم هو يريد ألا يسعى في تحصيل الإيمان والطاعة ؛ بحجة أن ذلك مكتوب! والأمر فيهما واحد، والعاقل لا يدع العمل اعتمادا على أمر مغيّب لا يدري عنه شيئا.

ولهذا وجه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه للعمل، حين سألوه عن الاتكال على القدر:

فقد روى البخاري (4949) ، ومسلم (2647) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ فَقَالَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ ) ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟

، قَالَ : ( اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ؛ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ، ثُمَّ قَرَأَ: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) الْآيَةَ " .

ثالثا:

ما كتبه الله في اللوح المحفوظ لا يتغير، وأما ما كتب في صحف الملائكة فقد يتغير،

رابعا:

قولك: (وهل نُخبر بذلك في عالم الأرواح ومع ذلك نختار هذه الحياة بسبب أطماعنا)

جوابه: أنه لم يثبت إخبارنا بهذا المصير ونحن في عالم الأرواح. ولكن استخرج الله أرواح بني آدم من ظهر آدم عليه السلام، وأخذ عليهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا .

وروي أيضا : أن الله مسح ظهر آدم ، واستخرج منه ذريته ، وميز بين أهل الجنة وأهل النار، كما روى أحمد (311) ، وأبو داود (4703) ، والترمذي (3075) : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ ) الْآيَةَ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ ، وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً ، فَقَالَ : خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ . ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً ، فَقَالَ : خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ ) .

فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ فَفِيمَ الْعَمَلُ ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ) .
والحديث قال عنه الشيخ الألباني رحمه الله : ضعيف ، "السلسلة الضعيفة" (3071) .

وينظر : "مختصر تلخيص الذهبي" لابن الملقن ، وحاشية المحققين (1/60-62) . وينظر أيضا : "التمهيد" لابن عبد البر (6/6) .

وأما الاختيار: فكل منا يعمل ما يعمل مختارا، لا يشعر بجبر أو اضطرار، فمن شاء آمن ، ومن شاء كفر، كما قال تعالى: ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف/29، وقال : ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) البلد/10 ، أي بينا له طريق الخير والشر.

ولهذا يحاسب الإنسان على عمله ، ويجازى به ؛ لأنه يعمله بإرادته واختياره : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/7-8 .

وأما (العالم الذي سبق هذا العالم) فقد قال بعض أهل العلم : إن هذه الأرض قد عمرت قبل آدم عليه السلام، إما من قِبل الجن أو من غيرهم من المخلوقات، لقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) البقرة/30، قالوا: علمت الملائكة أن الإنس يفسدون في الأرض لما رأوه ممن كان قبلهم، وهذا أحد الأقوال في تفسير الآية، وانظر السؤال رقم : (128573) .

وليس في هذه المسألة دليل ظاهر يعتمد عليه، فالأولى التوقف في ذلك؛ لأنه غيب لا يعلم إلا بالنص، ولا نص صريحا في ذلك.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 07:19
الحسد خلق ذميم وطبع لئيم
ولا يغيّر شيئا من قدر الله عز وجل .

السؤال:

هل الحسد يغير ما في الأرحام ؛ بمعنى أنه إذا كان المولود ذكرا ، يجعله الحسد أنثى ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الحسد هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها ، وهو من الأخلاق المذمومة والطبائع اللئيمة ومن كبائر الذنوب .

" والحاسد عدو النعم ، وهذا الشر هو من نفس الحاسد وطبعها ليس هو شيئا اكتسبته من غيرها ، بل هو من خبثها وشرها ، بخلاف السحر فإنه إنما يكون باكتساب أمور أخرى واستعانة بالأرواح الشيطانية "

انتهى من "بدائع الفوائد" (2 /458) .

ثانيا :

الحسد لا يغير من قدر الله تعالى شيئا ، ولا يرد القضاء إلا الدعاء ، فمن خشي من حسد الحاسد فإنه يمكنه التحصن منه ومن شره بالدعاء ، وحسن اللجوء إلى الله ، والتوكل عليه .

قال ابن عثيمين رحمه الله :

" الحسد من أخلاق اليهود ، ومن كبائر الذنوب ، ولا يغير شيئاً من قدر الله عز وجل ، بل هو حسرة على الحاسد رفعة للمحسود ، ولا سيما إذا بغى عليه الحاسد ، فإن الله تعالى ينتقم من الظالم "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (24/ 2) .

فالحسد لا يرد قضاء الله ، ومن خشي شيئا منه استعان عليه بالدعاء ، وهو الذي يرد القضاء على ما ذكرنا من معنى ذلك .

ثالثا :

يندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب :

أحدها : التعوذ بالله تعالى من شره .

الثاني : تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه ؛ فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره .

الثالث : الصبر على عدوه وأن لا يقاتله ولا يشكوه ولا يحدث نفسه بأذاه أصلا ؛ فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه ، والتوكل على الله .

الرابع : التوكل على الله من يتوكل على الله فهو حسبه ، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم ، وهو من أقوى الأسباب في ذلك .

الخامس : فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه ، فلا يلتفت إليه ولا يخافه ، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه . وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره .

السادس : الإقبال على الله والإخلاص له .

السابع : تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه .

الثامن : الصدقة والإحسان ما أمكنه ؛ فإن لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد
.
التاسع : وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها ، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله ، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه ، فكلما ازداد أذى وشرا وبغيا وحسدا ، ازددت إليه إحسانا ، وله نصيحة ، وعليه شفقة .

العاشر : وهو الجامع لذلك كله ، وعليه مدار هذه الأسباب ، وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب ، إلى المسبب العزيز الحكيم ، والعلم بأن هذه آلات بمنزلة حركات الرياح ، وهي بيد محركها وفاطرها وبارئها ، ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه .

"بدائع الفوائد" (2 /463-469) باختصار يسير .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 14:55
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

يفصل الله ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الملائكة
الكتبة ما هو كائن من أمره سبحانه في تلك السنة

السؤال :

ما معنى " لأن الله يقدر فيها الأرزاق وأمور العباد وتأخذ الملائكة صحائف الأقدار عاماً كاملاً من ليلة القدر إلى ليلة قدر أخرى ، فلا يبقى جليل ولا حقير إلا كتب الله أمره عاماً كاملاً " ، فعندما تأخذ الملائكة صحائف الأقدار ماذا تفعل بها هل تطلع عليها ؟

وهل تعرف الملائكة ما يحدث من الغيب هذه السنة وهو من اطلاع الله تعالى لها أو ماذا ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

قال الله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) الدخان/ 3، 4 ، أي : يأمر الله تعالى الكتبة من الملائكة بنسخ ما سيقع في تلك السنة من اللوح المحفوظ ، هكذا ورد عن بعض السلف ، ونقله المفسرون .

روى ابن أبي حاتم في تفسيره (18527) - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قَالَ: " يُكْتَبُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ أَوْ مَطَرٍ، حَتَّى يُكْتَبَ الْحَاجُّ ؛ يَحِجُّ فُلانٌ ، وَيَحِجُّ فَلانٌ " .
وروى الحاكم (3678) وصححه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : " إِنَّكَ لَتَرَى الرَّجُلَ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ، وَقَدْ وَقَعَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى" ، ثُمَّ قَرَأَ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ، يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ : يُفْرَقُ أَمْرُ الدُّنْيَا إِلَى مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ " .

قال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يُفْصَلُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى الْكَتَبَةِ أَمْرُ السَّنَةِ ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا إِلَى آخِرِهَا ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مَالِكٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَالضَّحَّاكِ ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ . وَقَوْلُهُ: (حَكِيمٌ) أَيْ: مُحْكَمٌ لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ " .

انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/ 246) ، ونحوه قاله الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (6/422) ، والشيخ ابن عثيمين في "فتاواه" (20/344) .

ثانيا :

لا يعلم الغيب إلا الله ، قال تعالى : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلمًا لجميع الخلق : إنه لا يعلم أحد الغيب إلا الله عز وجل ، فإنه المنفرد بذلك وحده ، لا شريك له "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 /207) .

لكن الله تعالى يُطلع من شاء من خلقه ، على ما يشاء من أمر غيبه ، قال تعالى :

( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) الجن/26،27 .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

" علم المغيبات من اختصاص الله تعالى فلا يعلمها أحد من خلقه ، لا جني ولا غيره ، إلا ما أوحى الله به إلى من شاء من ملائكته أو رسله "

انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1 /346).

ودل ما ذكر من نسخ الملائكة لما يحصل من أمور العام ، على أن الله تعالى يطلع الملائكة الكتبة على ما سيكون في هذه السنة ، ويأمرهم بنسخه من اللوح المحفوظ .

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَسُمِّيَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِمَا تكْتَبُ فِيهَا المَلَائِكَة مِنَ الْأَقْدَارِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ الَّتِي تَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، كَقَوْلِهِ تعالى : (فيها يفرق كل أمر حكيم) .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ ربهم من كل أمر) : وَمَعْنَاهُ: يُظْهِرُ لِلْمَلَائِكَةِ مَا سَيَكُونُ فِيهَا، وَيَأْمُرُهُمْ بِفِعْلِ مَا هُوَ مِنْ وَظِيفَتِهِمْ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَقْدِيرُهُ لَهُ "

انتهى من "شرح النووي على مسلم" (8/ 57) .

ثالثا :

ذكر بعض العلماء أن الله تعالى يأمر الملائكة الكتبة إذا انتهوا من كتابة ما سيكون في تلك السنة : يأمرهم بإعطاء كل ملك من الملائكة ما يخصه من تلك الصحف ، ولكنهم لم يذكروا دليلا على ذلك .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

"وإيضاح معنى الآية : أن الله تبارك وتعالى في كل ليلة قدر من السنة يبين للملائكة ويكتب لهم ، بالتفصيل والإيضاح جميع ما يقع في تلك السنة ، إلى ليلة القدر من السنة الجديدة .

فتبين في ذلك الآجال والأرزاق والفقر والغنى ، والخصب والجدب والصحة والمرض ، والحروب والزلازل ، وجميع ما يقع في تلك السنة ، كائناً ما كان .

قال الزمخشري في "الكشاف"

: ومعنى (يفرق) : يفصل ويكتب (كل أمر حكيم) من أرزاق العباد وآجالهم ، وجميع أمورهم فيها ، إلى الأخرى القابلة .
إلى أن قال : فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ، ونسخة الحروب إلى جبرائيل ، وكذلك الزلازل ، والصواعق والخسف ، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا ، وهو ملك عظيم ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت ا ه محل الغرض منه بلفظه .

ومرادنا بيان معنى الآية ، لا التزام صحة دفع النسخ المذكورة للملائكة المذكورين ، لأنا لم نعلم له مستنداً "

انتهى من "أضواء البيان" (7/271) .

وخلاصة الجواب :

أن الله تعالى يطلع بعض الملائكة (وهم الكتبة) على ما سيقع في تلك السنة من الأحداث ، ويأمرهم بنسخه من اللوح المحفوظ .

وأما ما زاد على ذلك من إعطاء كل ملك من الملائكة ما يخصه من تلك الصحف ، فلم يدل على ذلك دليل .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 14:59
الهداية من الله والأسباب من العباد

السؤال:

كيف نوفق بين قول الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّه ) و ( الله يهدي من يشاء ) ؟

فأنا أحاول جاهداً أن أكون على الفطرة التي فطرنا الله عليها ، وأن أطيعه بأن أؤمن بكل ما طلب منا أن نؤمن به ، ولكن بدأت تأتيني وساوس الشيطان حول هذا الأمر ؛ لذا أرجو الإجابة .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

التوفيق والهداية بيد الله عز وجل ، من شاء الله أن يهديه هداه ، ومن شاء أن يضله أضله ، قال الله تعالى : ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر/73 ، وقال جل وعلا : ( مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) الْأَنْعَامِ/59 ، وقال سبحانه : ( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) الْأَعْرَافِ/178 .

والمسلم يدعو في صلاته : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) الفاتحة/6 . لعلمه أن الهداية بيد الله تعالى ، ومع ذلك ؛ فالعبد مطالب بالأخذ بأسباب الهداية ، مُطالَب بالصبر والثبات والبدء بطريق الاستقامة ، فقد وهبه الله عز وجل عقلا منيرا ، وإرادة حرة ، يختار بها الخير من الشر ، والهدى من الضلال ، فإذا بذل الأسباب الحقيقية ، وحرص على أن يرزقه الله الهداية التامة جاءه التوفيق من الله تعالى . قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الْأَنْعَام/153 .

وقد أطال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان هذه المسألة التي تشكل على بعض الناس ، فقال :
" إذا كان الأمر راجعا إلى مشيئة الله تبارك وتعالى ، وأن الأمر كله بيده ، فما طريق الإنسان إذن ، وما حيلة الإنسان إذا كان الله تعالى قد قَدَّر عليه أن يضل ولا يهتدي ؟

فنقول : الجواب عن ذلك أن الله تبارك وتعالى إنما يهدي من كان أهلاً للهداية ، ويضل من كان أهلاً للضلالة ، ويقول الله تبارك وتعالى : ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) الصف/5 ، ويقول تعالى : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) المائدة/13 .

فبين الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه ، والعبد لا يدرى ما قَدَّر الله تعالى له ، لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور . فهو لا يدري هل قدر الله له أن يكون ضالا أم أن يكون مهتديا ؟
فما باله يسلك طريق الضلال ، ثم يحتج بأن الله تعالى قد أراد له ذلك !

أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول : إن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم .

أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة ، وقدريا عند الطاعة ! كلا ، لا يليق بالإنسان أن يكون جبريا عند الضلالة والمعصية ، فإذا ضل أو عصى الله قال : هذا أمر قد كُتب علي وقُدِّر علي ولا يمكنني أن أخرج عما قضى الله تعالى .
فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار ، وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق ، والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق ، ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً ، لا يجلس في بيته ويقول : إن قُدِر لي رزق فإنه يأتيني ، بل يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

فهذا الرزق أيضا مكتوب ، كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب ، فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لرزق الدنيا ، ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم !!

إن البابين واحد ، ليس بينهما فرق ، فكما أنك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك ، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك ، ومع ذلك فإن لك ما قُدِّر من الأجل لا يزيد ولا ينقص ، ولست تعتمد على هذا وتقول : أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قُدِّر الله لي أن يمتد الأجل امتد . بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس أن يُقَدِّر الله الشفاء على يديه .

فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفى العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا ؟

وقد سبق أن قلنا : إن القضاء سر مكتوم لا يمكن أن تعلم عنه .

فأنت الآن بين طريقين :

طريق يؤدى بك إلى السلامة وإلى الفوز والسعادة والكرامة .

وطريق يؤدى بك إلى الهلاك والندامة والمهانة .

وأنت الآن واقف بينهما ومخير ، ليس أمامك من يمنعك من سلوك طريق اليمين ، ولا من سلوك طريق الشمال ، إذا شئت ذهبت إلى هذا ، وإذا شئت ذهبت إلى هذا .

بهذا تبين لنا أن الإنسان يسير في عمله الاختياري سيراً اختيارياً ، وأنه كما يسير لعمل دنياه سيراً اختيارياً ، فكذلك أيضا هو في سيره إلى الآخرة يسير سيراً اختيارياً ، بل إن طرق الآخرة أبين بكثير من طرق الدنيا ؛ لأن مبين طرق الآخرة هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . فلا بد أن تكون طرق الآخرة أكثر بيانا وأجلى وضوحا من طرق الدنيا . ومع ذلك فإن الإنسان يسير في طرق الدنيا التي ليس ضامنا لنتائجها ، ولكنه يدع طرق الآخرة التي نتائجها مضمونة معلومة ؛ لأنها ثابتة بوعد الله ، والله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد .

بعد هذا نقول : إن أهل السنة والجماعة قرروا هذا ، وجعلوا عقيدتهم ومذهبهم أن الإنسان يفعل باختياره ، وأنه يقول كما يريد ، ولكن إرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته .

ثم يؤمن أهل السنة والجماعة بأن مشيئة الله تعالى تابعة لحكمته ، وأنه سبحانه وتعالى ليس مشيئته مطلقة مجردة ، ولكنها مشيئة تابعة لحكمته ؛ لأن من أسماء الله تعالى الحكيم ، والحكيم هو الحاكم المحكم الذي يحكم الأشياء كوناً وشرعاً ، ويحكمها عملاً وصنعاً ، والله تعالى بحكمته يقَدِّر الهداية لمن أرادها ، لمن يعلم سبحانه وتعالى أنه يريد الحق ، وأن قلبه على الاستقامة . ويقَدِّر الضلالة لمن لم يكن كذلك ، لمن إذا عرض عليه الإسلام يضيق صدره كأنما يصعد في السماء ، فإن حكمة الله تبارك وتعالى تأبى أن يكون هذا من المهتدين ، إلا أن يجدد الله له عزماً ويقلب إرادته إلى إرادة أخرى ، والله تعالى على كل شيء قدير ، ولكن حكمة الله تأبى إلا أن تكون الأسباب مربوطة بها مسبباتها "

انتهى باختصار من " رسالة في القضاء والقدر " (ص14-21) .

هكذا يفهم المسلم قضية الإيمان بالقضاء والقدر مع قضية العمل الذي كلف به الإنسان ، وترتب عليه سعادته أو شقاؤه ، فالهداية ودخول الجنة سببها العمل الصالح . قال الله تعالى عن أهل الجنة : ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الأعراف/43 ، وقال تعالى : ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) النحل/32 . والضلال ودخول النار سببه العمل بمعصية الله والإعراض عن طاعته ، قال الله تعالى عن أهل النار : ( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) يونس/52 ، وقال تعالى : ( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) السجدة/14 .

وحينئذ يضع المسلم خطوته الأولى في الطريق الصحيح ، فلا يضيع لحظة واحدة بغير عمل أو سعي في طريق الله عز وجل ، وفي الوقت نفسه ، يتواضع لربه ، ويدرك أنه عز وجل بيده مقاليد السماوات والأرض ، فيستشعر الفقر إليه دائما وأبدا ، والحاجة إلى توفيقه وتسديده .

نسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولكم الهداية وأن يوفقنا لكل خير .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 15:01
حكم مقولة " لعبة القدر"

السؤال :

ما حكم قول لعبة القدر ؟

حيث يوجد مسلسل بهذا الاسم ، وما حكم الناس الذين يستمعون إليه ؟

وهل هذا القول مخرج من الملة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

مقولة: " لعبة القدر"؛ هي في حقيقتها كلمة كفرية؛ لأن من المجمع عليه في دين الإسلام؛ أن الله هو الذي قدّر الأقدار كلها.

قال الله تعالى:

( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر /49.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )، كقوله: ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا )، وكقوله: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) أي: قدر قدرا، وهدى الخلائق إليه؛ ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها " انتهى. "تفسير ابن كثير" (7 / 482).

والله لا يقدّر شيئا إلا لحكمة؛ فهو الحكيم العليم؛ وقد نفى الله تعالى عن نفسه صفة اللعب.

قال الله تعالى:

( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ، لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ) الأنبياء /16 - 17.

وقال الله تعالى:

( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ص /27.

وقال الله تعالى:

( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) الدخان /38 - 39.

ومن المعلوم أن الإيمان بقدر السابق ، وعلمه المحيط : هو من أركان الإيمان التي لا يصح لأحد إيمانه إلا بها .

ففي صحيح مسلم ( 8 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه بلغه أن بعض الناس ينكر القدر فقال : " إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني براء منهم وأنهم برآء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر ( أي : يحلف بالله ) لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر" .

وفي صحيح مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ . قَالَ : رَبِّ ، وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) رواه أبو داود (4700) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

وينظر جواب السؤال رقم (49004) ورقم (34732).

والقدر هو "فعل الله " جل جلاله ، وهو سبحانه منزه عن اللعب والعبث ، بل أفعاله كلها حكمة ، وعدل ، ورحمة ، لا يخرج عن ذلك في شيء من قدره وفعله سبحانه : ( مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) هود/56

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز ، رحمه الله :

" قد ورد في صحيفة محلية خبر جاء فيه: " .. البالغ من العمر 13 ربيعا مزدهرا برحيق الصبا ، كان على موعد مع الحزن والأسى ، ولعبة القدر العمياء.." . ولكن القدر المترصد لمنصور لم يحكم لعبته الأزلية.. إلخ ... فما حكم الشرع في مثل هذا الكلام ؟

فأجاب :

" المشروع للمسلم عند وقوع المصائب المؤلمة الصبر والاحتساب، وأن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون قدر الله وما شاء فعل، وأن يتحمل الصبر ويحذر الجزع والأقوال المنكرة لقول الله سبحانه: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، لكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) خرجه الإمام مسلم في صحيحه.

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها ) .

ولا يجوز الجزع ، وإظهار السخط ، أو الكلام المنكر مثلما ذكر في السؤال (لعبة القدر العمياء)، وهكذا قوله: (ولكن القدر المترصد لمنصور لم يحكم لعبته الأزلية).

هذا الكلام وأشباهه : من المنكرات العظيمة ، بل من الكفر البواح ؛ لكونه اعتراضا على الله سبحانه ، وسبا لما سبق به علمه ، واستهزاء بذلك .

فعلى من قال ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه توبة صادقة . " . انتهى ، من "مجموع فتاوى ابن باز" (5/414) .

وسئل الشيخ صالح آل الشيخ ، حفظه الله :

" هل يجوز أن نَصِفَ القدر بالظلم؟ " .

فأجاب :

" لا يجوز ؛ لأنَّ القدر فعل الله - عز وجل - ، وتقديره ؛ فلا يوصف بالظلم : ( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) [الكهف:49]." انتهى. من "شرح الطحاوية" (739) .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 15:03
ثانيا:

الحكم على قول أنه كفر لا يلزم منه تكفير قائله.

بل لا بد للحكم بتكفير شخص معيّن من توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع : يقال : هي كفر ؛ قولا يطلق، كما دل على ذلك الدلائل الشرعية؛ فإن "الإيمان" من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله؛ ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم.

ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر ، حتى يثبت في حقه شروط التكفير، وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال؛ لقرب عهده بالإسلام؛ أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاما أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها...

فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة، كما قال الله تعالى: ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )، وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان " ا

نتهى. "مجموع الفتاوى" (35 / 165 - 166).

ومن أهم شروط تكفير قائل هذه الكلمة القبيحة، أن يكون قائلها عالما بقبحها، متعمدا لهذا المعنى القبيح.

قال ابن عبد البر:

" قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق، لا من جهله؛ وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين " انتهى. من "التمهيد" (18 / 42).

والملاحظ أن كثير من العوام يقولون مثل هذا الكلام وهم غير منتبهين لفساد معناه؛ فالبعض يظن أنه مجرد تعبير لبيان تداول الخير والشر، والفقر والغنى، والشقاء والسعادة، ولا يخطر على باله أن فيه إساءة إلى الله تعالى، وأنه مخالف لنصوص الوحي.

فالحاصل؛ أن كثيرا من عوام المسلمين يقول مثل هذه المقولة عن جهل وعدم تفحص لمعناها، ولا يقولها معاندة لنصوص الشرع.

فلذا يجب على المسلم أن ينصح غيره ممن يستعمل مثل هذه المقولة وأن يبين له خطورتها الشرعية.

ثالثا:

مشاهدة مثل هذا المسلسل، من الأمور المنهي عنها لاحتوائه على منكرات عدة.

ملخص الجواب :

كثير من العوام يقولون مثل هذا الكلام وهم غير منتبهين لفساد معناه؛ فالبعض يظن أنه مجرد تعبير لبيان تداول الخير والشر، والفقر والغنى، والشقاء والسعادة، ولا يخطر على باله أن فيه إساءة إلى الله تعالى، وأنه مخالف لنصوص الوحي. فيقولها عن جهل وعدم تفحص لمعناها، ولا يقولها معاندة لنصوص الشرع.

فلذا يجب على المسلم أن ينصح غيره ممن يستعمل مثل هذه المقولة وأن يبين له خطورتها الشرعية.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 15:08
هل ننصحه بالسفر لبلاد الكفر ليتقوَّى
ماديّاً ويرجع لبلده المسلم ؟

السؤال

أنا أقيم في بلد عربي ، والحالة المعيشية لنا لا تمكننا من بناء أسرة في ظل الفساد الخلقي الحاصل عندنا ، إذ إنه من شبه المستحيلات أن نوفر مسكناً للزواج ، والاستقرار في وقت كثر فيه الفحش ، والعري ، والإباحيات ، وغلاء الأسعار ، والكثير من الشباب يهاجر إلى أوروبا أو أمريكا لمواصلة الدراسات العليا ، والعمل ، والزواج ، لتحسين ظروفنا المعيشية ، والعودة بعد تكوين أنفسنا ماديّاً ، ودراسيّاً للاستقرار في بلداننا ، أو في البلدان العربية . هل يعتبر هذا من عدم التوكل على الله ؟ أم أنه من باب الأخذ بالأسباب ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

يجب على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله تعالى قد قدَّر عليه رزقه في الأزل ، وأنه تعالى أمر ملائكته أن يكتبوا رزقه وهو في بطن أمه ، وعليه أن يعتقد أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقها الذي قدَّره الله لها ، كما تستوفي أجلها الذي كتبه الله لها ، وبذلك جاءت النصوص النبوية الواضحة كما سيأتي .

ثانياً :

ننبه في هذا السياق إلى أمور غاية في الأهمية ، منها :

1. ما قلناه آنفاً لا ينافي الأخذ بالأسباب في تحصيل الرزق ، والمسلم مأمور ببذل الأسباب التي تأتي له بالمال ، لكن لا ينبغي له الاتكال على هذه الأسباب وجعلها مسبِّبات للرزق ! .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"فالالتفات إلى الأسباب : شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً : نقصٌ في العقل ، والإعراض عن الأسباب المأمور بها : قدحٌ في الشرع ، فعلى العبد أن يكون قلبُه معتمداً على الله ، لا على سبب من الأسباب ، والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة ، فإن كانت الأسباب مقدورة له ، وهو مأمور بها : فعَلَها مع التوكل على الله ، كما يؤدي الفرائض ، وكما يجاهد العدو ، ويحمل السلاح ، ويلبس جنَّة الحرب (الدرع) ، ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمر به من الجهاد ، ومَنْ تَرَكَ الأسباب المأمور بها : فهو عاجز ، مفرِّط ، مذموم"

انتهى ." مجموع الفتاوى " ( 8 / 528 ، 529 ) .

2. لا يجوز للمسلم سلوك الطرق المحرَّمة في تحصيل المال .

3. لا ينبغي للمسلم أن يعيش مع همِّ الرزق ، وهمِّ تأمين المستقبل لأولاده – كما يقول كثيرون - ، وينذر حياته من أجل هذا الأمر ، ومثل هذا الأمر فيه مفسدتان :

أ. أنه يدل على خلل في اعتقاده بأن رزقه مكتوب لا ريب فيه .

ب. أنه قد يجعله يرتكب المحرَّمات من أجل تحصيل المال ، كأن يأخذ المال بالربا ، أو يعمل في أماكن لا يحل له العمل بها .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

هل يعتبر قول المرأة العاملة أو اعتقادها : ( أنها تعمل من أجل أن تؤمِّن مستقبلها ، ومستقبل أبنائها فيما لو طلقت أو توفي زوجها ، فهي لا تدري ما تأتي به الأيام من أمور ) : هل يعتبر هذا من القدح في عقيدة القضاء والقدر لدى المسلم ؟ .

فأجابوا :

"المسلم يؤمن بقضاء الله وقدره ، وأن الله كتب رزقه عند نفخ الروح فيه وهو في بطن أمه ، وأن رزقه آتيه لا محالة ؛ لما ثبت عن عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه - إلى قوله - : ثم يبعث الله ملكا بأربع كلمات ، فيكتُب عملَه وأجلَه ورزقَه وشقي أو سعيد ) الحديث – متفق عليه -

ولما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس اتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها ، وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل ودعوا ما حرم ) رواه ابن ماجه في " سننه " ( ج 2 ص 725 ) ، ورواه ابن حبان في " صحيحه "
.
واعتقاد ذلك والإيمان به لا ينافي أن يسعى الإنسان في طلب الرزق ، وبذل الأسباب المشروعة في ذلك ، مع عدم الاعتماد عليها ، والاعتقاد بأن الرازق ، والنافع ، والضار : هو الله وحده سبحانه .

وما يجري على ألسن بعض الناس من قوله : " أؤمِّن مستقبلي ، أو مستقبل أولادي " : فهذه الألفاظ التي يستعملها من يغلو في الاعتماد على النفس والمناصب والماديات وحدها.

فينبغي للمسلم أن يبتعد عن مثل هذه الألفاظ ، التي تقدح في كمال توكله على الله ، وفي كمال رجائه لله ، وخوفه منه ، وأن يلجأ إلى الله سبحانه ويتضرع بين يديه في الشدة والرخاء ، مع الأخذ بالأسباب المشروعة ، كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .

" فتاوى اللجنة الدائمة " 2 ( 2 / 505 – 507 ) .

ثالثاً :

السفر إلى بلاد الكفر فيه مخاطرة عظيمة على الدين والأخلاق ، والذي يعيش في تلك الديار قد يحصِّل مالاً ، لكن ذلك – في غالب الأحيان – سيكون على حساب شيء كثير من دينه وسلوكه ، وإن نجا هو من ذلك فلن تنجو أسرته من بنين وبنات بسهولة ، فهو يخاطر ويغامر ، ولكن للأسف يخاطر ويغامر بدينه ، وقلَّ من يسلم .

وبما أن الله تعالى جعل لكم باب رزق في بلاد عربية مسلمة : فأنتم في غنى عن المخاطرة ، فالتزم التقوى ، واحرص على الفضيلة ، ولا تلتفت لبناء دنيا على حساب دين ، ولا تعمِّر دنياك بخراب آخرتك .

واعلم أن كثيرين عضوا - ويعضون - أصابع الندم على ذهابهم لتلك البلاد ، وعدم قدرتهم على الرجوع لبلادهم ، إما فتنة بالحياة هناك والمال ، وإما بسبب عجزه وضعفه بسبب كبر أولاده ، وعدم القدرة على السيطرة عليهم ، فانظر إلى الهالك كيف هلك ولا تسلك طريقه ، وانظر إلى الناجي كيف نجا واحرص على المشي على طريقه .

سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

هل تجوز الهجرة إلى بلاد الكفر للعمل فيه ، وهل يجوز أخذ جنسية غير جنسية إسلامية ؟ .

فأجابوا :

"إذا أردت العمل وطلب الرزق : فعليك بالسفر إلى بلاد المسلمين لأجل ذلك ، وفيها غنية عن بلاد الكفار ؛ لما في السفر إلى بلاد الكفر من الخطر على العقيدة ، والدين ، والأخلاق ، ولا يجوز التجنس بجنسية الكفار ؛ لما في ذلك من الخضوع لهم ، والدخول تحت حكمهم" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 58 ) .

ونسأل الله تعالى أن يرزقك رزقاً حسناً ، وأن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن يثبتك على الحق ، وأن يجمع شملك مع أسرتك على طاعته .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 15:16
ما الحكمة من كتابة الله تعالى لمقادير الخلق
في اللوح المحفوظ وهو لا يضل ولا ينسى ؟

السؤال

: كنت في السابق ملحدة ، وكانت تأتيني بعض الشبَه ، ولم أكن أجد لها جواباً ، ومنها : لماذا كَتب الله كل شيء في اللوح المحفوظ مع أن الله لا يضل ولا ينسى ، فكيف هذا ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

يعتقد المسلم الذي آمن بالله تعالى ربّاً أنه تبارك وتعالى الحكيم في فعله ، وشرعه ، وحُكمه , ويعتقد المسلم أنه ثمة حكَماً جليلة في أفعاله ، وتشريعاته ، منها ما يُعرف , ومنها ما استأثر الله بعلمه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

الحمد لله رب العالمين ، قد أحاط ربنا سبحانه وتعالى بكل شيء علماً ، وقدرةً ، وحُكماً , ووسع كل شيء رحمةً ، وعلماً ، فما من ذرة في السموات والأرض ، ولا معنى من المعاني ، إلا وهو شاهد لله تعالى بتمام العلم والرحمة ، وكمال القدرة والحكمة , وما خلق الخلق باطلاً , ولا فعل شيئاً عبثاً ، بل هو الحكيم في أفعاله وأقواله ، سبحانه وتعالى ، ثم من حكمته ما أطلع بعض خلقه عليه ، ومنه ما استأثر سبحانه بعلمه .

" الفتاوى الكبرى " ( 8/197 ) . وينظر : " شفاء العليل " لابن القيم ( ص 190 ) .

وكثير من الحكَم والمقاصد استأثر الله بعلمها وحكمتها

ثانياً:

مما لا شك فيه : أن الله سبحانه وتعالى علِم ما يكون من الخلق ، فكتب ذلك في اللوح المحفوظ , فعلمه تعالى سابق على كتابته ، وقد ذكر العلماء أن القدر له أربع مراتب : العلم ، ثم الكتابة ، ثم المشيئة ، ثم الخلق –

فالمرتبة الثانية من مراتب القدَر : كتابة مقادير كل شيء ، فالمخلوقات مهما عظم شأنها ، أو دق : قد كتب الله ما يخصها في اللوح المحفوظ ، من خلق وإيجاد ونشأة وإعداد وإمداد ، إلى غير ذلك ، كما قال تعالى : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحج/ 70 ، وقال : ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) النمل/ 75 ، وقال تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) فاطر/ 11 ، والآيات في ذلك كثيرة .

وقد يقال في حكمة ذلك أمور ، منها :

1. إثبات علم الله السابق على تلك الكتابة ، وأنه علم لا يتبدل ، ولا يتغير ، وهو جواب موسى عليه السلام في حواره مع فرعون حيث سأل فرعون عن القرون السابقة ما حالهم هل هم في النار أم لا ، فأجابه موسى أن علم حالهم عند الله ، وهو في اللوح المحفوظ ، وأعلمه أن وجود ذلك العلم في اللوح هو مع اتصاف ربه تعالى بالاستغناء عنه ، وأنه سبحانه لا يتصف بالنسيان ، ولا بالخطأ ، كما هو حال البشر ، قال تعالى : ( قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى . قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى ) طـه/ 51 ، 52 .

2. تطمين العبد المسلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، ففيه التسليم لقضاء الله ، والرضى بقدره . قال الله تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد/22.

قال أبو حيان رحمه الله :

" ثم بين تعالى الحكمة في إعلامنا بذلك الذي فعله من تقدير ذلك ، وسبق قضائه به فقال : { لكيلا تأسوا } : أي تحزنوا ، { على ما فاتكم } ، لأن العبد إن أعلم ذلك سلم ، وعلم أن ما فاته لم يكن ليصيبه ، وما أصابه لم يكن ليخطئه ، فلذلك لا يحزن على فائت ، لأنه ليس بصدد ألا يفوته ، فهون عليه أمر حوادث الدنيا بذلك ، إذ قد وطن نفسه على هذه العقيدة " انتهى من "البحر المحيط" (10/238) .

وقد أشار صحابي جليل إلى هذه الحكمة ، فعَنْ أَبِي حَفْصَةَ قَالَ : قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي ) .

رواه أبو داود ( 4700 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

3. وفيه بيان لمشيئة الله النافذة التي لا راد لها ، ولا معقب لحكمه . وإليه الإشارة في حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) .

رواه الترمذي ( 2516 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

4. إثبات عظيم قدرة الله ، وكماله ، وإقامة الحجة على الخلق .

ومما لا شك فيه أن كتابة مقادير الخلائق ، وصفاتها ، وأحوالها ، صغيرها وكبيرها ، رطبها ويابسها : أمر عظيم ، وقد بيَّن الله تعالى أنه عليه يسير ؛ إثباتاً لعظيم صفاته ، وكمال جلاله ، قال تعالى : ( أَلمْ تَعْلمْ أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ ) الحج/ 70 ، وقال الله تعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) الأنعام/59 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" هذه الآية العظيمة من أعظم الآيات تفصيلا لعلمه المحيط ، وأنه شامل للغيوب كلها التي يطلع منها ما شاء من خلقه ، وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين ، فضلا عن غيرهم من العالمين ، وأنه يعلم ما في البراري والقفار من الحيوانات والأشجار ، والرمال والحصى والتراب ، وما في البحار من حيواناتها ومعادنها وصيدها ، وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها ، ويشتمل عليه ماؤها.

{ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ } من أشجار البر والبحر، والبلدان والقفر، والدنيا والآخرة { إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ } من حبوب الثمار والزروع ، وحبوب البذور التي يبذرها الخلق ؛ وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها أصناف النباتات .

{ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ } هذا عموم بعد خصوص .

{ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } وهو اللوح المحفوظ ، قد حواها واشتمل عليها ، وبعض هذا المذكور، يبهر عقول العقلاء ، ويذهل أفئدة النبلاء ، فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته في أوصافه كلها ، وأن الخلق -من أولهم إلى آخرهم- لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته لم يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك ، فتبارك الرب العظيم ، الواسع العليم ، الحميد المجيد ، الشهيد المحيط ، وجل مِنْ إله، لا يحصي أحد ثناء عليه ، بل كما أثنى على نفسه ، وفوق ما يثني عليه عباده . فهذه الآية دلت على علمه المحيط بجميع الأشياء ، وكتابه المحيط بجميع الحوادث " . انتهى . "تفسير السعدي" (259) .

5. ومن حكَم الكتابة في اللوح المحفوظ : تعليم الخلق الكتابة ، والتدوين ، وأنه إذا كان الخالق المتصف بصفات الجلال ، والكمال ، والمنزه عن الخطأ والنسيان قد كتب علمه ودوَّنه : فالإنسان صاحب النسيان والخطأ أولى بالكتابة .

قال القرطبي – رحمه الله – في تفسير آية سورة " طه " ( قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى ) - :

هذه الآية ونظائرها - مما تقدم ، ويأتي - تدل على تدوين العلوم ، وكتْبها ؛ لئلا تُنسى ، فإنَّ الحفظ قد تعتريه الآفات ، من الغلط ، والنسيان ، وقد لا يحفظ الإنسان ما يسمع ، فيقيده ؛ لئلا يذهب عنه ، وروِّينا بالإسناد المتصل عن قتادة أنه قيل له : أنكتب ما نسمع منك ؟ قال : وما يمنعك أن تكتب ، وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب ، فقال : ( عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى ) ... .

" تفسير القرطبي " ( 11 / 205 ، 206 ) .

وبعد ، فلتعلمي – أيتها الأخت السائلة – أنه لا ينبغي لك أن تشتغلي بالشبهات ، والانسياق وراءها ، ودين الله تعالى فيه من الآيات البينات ما لا يخفى على عاقل ، فانشغلي بطلب العلم ، وقراءة القرآن ، وتدبر آياته ، واقرئي كتب أهل العلم الراسخين ، ولا تنشغلي بالوساوس ، والشبهات ؛ فإنها مهلكات ، فإذا قوي إيمانكِ ، ورسخ علمكِ : صار قلبك أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا ، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ !!

واحمدي الله تعالى أن نجاك من الإلحاد ، واستعيني بالله ربك على ثبات دينكِ ، والفوز بمرضاته تعالى .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 15:21
الإلحاح في الدعاء ليس من الاعتراض على القدر

السؤال:

منذ فترة طويلة تكون لدي حلم ، وهو صعب المنال ، لكن إيماني بقدرة الله هو ما شجعني على السعي إليه بشتى الطرق .. وحتى هذه اللحظة لم يتحقق حلمي رغم دعائي المتكرر ، وفي كل الأوقات ، لأكثر من خمس سنين متواصلة لتحقيقه.. وقد حلمت منذ فترة حلما ، وقرأت تفسيره في كتاب : أنني ربما أتطلع لأمر ولن أناله... الآن لم يزل تعلقي بتحقيق حلمي موجودا ، ولم ولن أيأس من رحمة الله بي ، وأعلم أن التأخير فيه مصلحة لي.. لكنني أتساءل هل أنا ـ بذلك ـ أعترض على الله ؟

هل علي أن أستمر بالدعاء لتحقيق هذا الأمر لي؟ أم أنني من المفترض أن أسلم بتفسير الرؤيا وأتوقف عن الدعاء ، لأن هذا الأمر لن يتحقق ؟

أنا حائرة ولا أعلم إن كان تكراري للدعاء فيه تعدي وعدم إيمان بالقضاء ، وهل وجود أمل في قلبي أن رحمة الله واسعة ، وأن هذا الأمر سيتحقق ، وإن كان متأخرا ، فيه سوء أدب مع الله ؟

الجواب:

الحمد لله

نشكر لك في البداية همتك العالية ، وطموحك نحو تحقيق ما تحلمين به ، ونذكرك مع ذلك بأمور عدة :

الأمر الأول : ضرورة الأخذ بالأسباب ، فقد خلق الله الدنيا بنظام السبب والمسبب ، وأوجب على الناس العمل في هذه الدنيا ضمن هذا النظام ، فمن ألغى الأسباب فقد تعدى على شرع الله وقدره .

الأمر الثاني : الإلحاح في الدعاء مما يحبه الله ويرضاه ، وليس فيه اعتراض على القدر ، بل هو إصرار على بلوغ المراد ضمن الأسباب المشروعة ، والدعاء أحد هذه الأسباب ، فهو من قضاء الله وقدره ، وهو علامة العبودية ، وأمارة الإيمان .
قال ابن القيم : " ومن أنفع الأدوية : الإلحاح في الدعاء " انتهى

" الجواب الكافي " (ص/25) .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ : يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ) رواه البخاري (6340) ومسلم (2735)

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" في هذا الحديث أدب من آداب الدعاء , وهو أنه يلازم الطلب ، ولا ييأس من الإجابة ؛ لما في ذلك من الانقياد ، والاستسلام ، وإظهار الافتقار , حتى قال بعض السلف : لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة . وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر رفعه : ( من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة ) ، الحديث أخرجه الترمذي بسند لين ، وصححه الحاكم فوهم .

قال الداودي : يخشى على من خالف وقال قد دعوت فلم يستجب لي أن يحرم الإجابة ، وما قام مقامها من الادخار والتكفير انتهى ... وإلى ذلك أشار ابن الجوزي بقوله : اعلم أن دعاء المؤمن لا يرد ، غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة ، أو يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا ، فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه ، فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض " انتهى .

" فتح الباري " (11/141) .

الأمر الثالث ، وهو الأهم فيما نريد تنبيهك إليه :

إذا كان ما تدعين به من أمور الدنيا الفانية ، ومما قد يبتلى به الإنسان في حياته بفقد ، أو مرض أو فقر ونحو ذلك ، فلا نرى لك الحلم به كثيرا ، ولا التعلق القلبي العظيم بتحقيقه ، فقد خلق الله الدنيا ناقصة اللذات ، لا تصفو لأحد ، فلا تظني في قلبك أنها تصفو لك ، ولو بكثرة الدعاء ، وهذه لفتة دقيقة أشار إليها العلامة ابن الجوزي رحمه الله ، كي يستريح من يدعو ولا يستجاب له ، وكي لا يقع المسلم في التسخط في آخر المطاف ، بل يرضى بالقضاء ، ويحتسب أجره عند الله ، ويعلم أن ما عند الله خير وأبقى .

يقول ابن الجوزي رحمه الله :

" من الجهل أن يخفى على الإنسان مراد التكليف ، فإنه موضوع على عكس الأغراض ، فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض ، فإن دعا وسأل بلوغ غرض ، تعبد الله بالدعاء : فإن أعطي مراده ، شكر ، وإن لم ينل مراده فلا ينبغي أن يلح في الطلب ؛ لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض ، وليقل لنفسه : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) البقرة/216 ، ومن أعظم الجهل أن يمتعض في باطنه لانعكاس أغراضه

وربما اعترض في الباطن ، أو ربما قال : حصول غرضي لا يضر ، ودعائي لم يستجب ، وهذا كله دليل على جهله وقلة إيمانه وتسليمه للحكمة ، ومن الذي حصل له غرض ثم لم يكدر ؟! هذا آدم ، طاب عيشه في الجنة ، وأخرج منها ، ونوح سأل في ابنه فلم يعط مراده ، والخليل ابتلي بالنار ، وإسحاق بالذبح ، ويعقوب بفقد الولد ، ويوسف بمجاهدة الهوى ، وأيوب بالبلاء ، وداود وسليمان بالفتنة ، وجميع الأنبياء على هذا ، وأما ما لقي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الجوع والأذى وكدر العيش فمعلوم ، فالدنيا وضعت للبلاء ، فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه على الصبر ، وأن يعلم أن ما حصل من المراد فلطف ، وما لم يحصل فعلى أصل الخلق والجبلة للدنيا ، كما قيل:

طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوًا من الأقذاء والأكدَارِ " انتهى.

" صيد الخاطر " (ص/399) .

الأمر الرابع :

لا تعولي كثيرا على الرؤى والأحلام ، فهي ظنية الدلالة ، لا يعتمد في تأويلها على ما في الكتب ، ولا يقبل تأويلها من عابر غير عالم ولا بصير ، فكيف تبنين عليها قرارا وتتوقفين بسببها عن سعي ونجاح ، بل ننصحك بالتوكل على الله ، والإلحاح في الدعاء إذا كان في الأمر خير .

والخلاصة :

أن هذا الأمر الذي تحلمين به : إن كان مما يقربك من رضوان ربك وجنته ، ويباعدك من سخطه وناره : فلا تتركي الإلحاح في الدعاء به ، مع الأخذ بما تطيقينه من الأسباب لبلوغه ، وإن كان عرضا من الدنيا ، من رزق ، أو مال ، أو إنسان معين ، تريدين الزواج منه : فلا نرى لك أن تتعلقي به كل هذا التعلق ، سنين طوالا ؛ بل فوضي أمرك إلى الله ، وانشغلي بما ينفعك ، واسأليه أن يقدر لك الخير في أمرك كله .

والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

oum imane83
2018-03-07, 19:32
ربي يكتب لنا الخير حيث كان يرضينا

امام الرضا
2018-03-08, 12:23
بارك الله فيك ونفع الله بك

messi20122013
2018-04-11, 09:39
بارك الله فيك

falconpro
2018-08-13, 21:49
مشكور على الموضوع

Raoh
2018-08-20, 00:31
بــــارك الله فيك

~ابتسامة~
2018-08-22, 14:13
الحمدو لله

ابن الجزائر11
2018-08-23, 10:39
بارك الله فيك

Hamoudi.chemssou
2018-10-14, 22:02
بارك الله فيك

سي يوسف مشرقي
2018-10-18, 15:39
بارك الله فيك