تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حدود الله


*عبدالرحمن*
2018-02-26, 02:59
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال :

كيف نفرق بين الحدود إذا كانت راجعة لله أم للعبد ؟

وكيف نميز بينهما ؟

وما هي ضوابطها ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الحقوق الشرعية بصفة عامة على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: حق الله تعالى المحض ، كالإيمان به سبحانه، وإقامة العبادات المحضة كالصلاة والصيام والحج والعمرة.

القسم الثاني: حق العباد المحض كأداء الديون، ودفع الأثمان عند الشراء.

القسم الثالث: ما اختلف أهل العلم فيه هل يغلب فيه حق الله تعالى أم حق العباد ؛ كحد القذف؛ فهو من جهة أن فيه استهانة بأعراض الناس علناً : فهو حق لله تعالى ، ومن جهة أن المقذوف بالزنى قد اتهم في عرضه وأصابه بذلك الأذى ولحقه العار : فهو حق له.

مع ملاحظة أن كل حق للعبد ففيه حق لله تعالى ؛ فمثلا أداء الديون فإنه وإن كان حقا للعبد ففيه حق لله تعالى من جهة أنه سبحانه أمر بأداء الأمانات إلى أهلها ؛ قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) [النساء: 58] .

يقول القرافي رحمه الله تعالى في الفروق (1 / 140):

" فحق الله أمره ونهيه ، وحق العبد مصالحه .

والتكاليف على ثلاثة أقسام : حق الله تعالى فقط ؛ كالإيمان ، وتحريم الكفر .

وحق العباد فقط ، كالديون والأثمان .

وقسم اختلف فيه هل يغلب فيه حق الله ، أو حق العبد ؛ كحد القذف .

ونعني بحق العبد المحض : أنه لو أسقطه لسقط ، وإلا فما من حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى، وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه ؛ فيوجد حق الله تعالى دون حق العبد ، ولا يوجد حق العبد إلا وفيه حق الله تعالى" انتهى.

وقد بين القرافي الفرق بين حق الله تعالى وحق العبد ، ووضح الضابط في ذلك بقوله في الفروق (1 / 141): "وإنما يعرف ذلك بصحة الإسقاط :

فكل ما للعبد إسقاطه فهو الذي نعني به حق العبد .

وكل ما ليس له إسقاطه ، فهو الذي نعني بأنه حق الله تعالى .

وقد يوجد حق الله تعالى ، وهو ما ليس للعبد إسقاطه ، ويكون معه حق العبد؛ كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات؛ فإن الله تعالى إنما حرمها صونا لمال العبد عليه ، وصونا له عن الضياع بعقود الغرر والجهل ، فلا يحصل المعقود عليه ، أو يحصل دَنِيَّا ونزرا حقيرا ، فيضيع المال؛ فحجر الرب تعالى برحمته على عبده في تضييع ماله ، الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته، ولو رضي العبد بإسقاط حقه في ذلك لم يؤثر رضاه .

وكذلك حجر الرب تعالى على العبد في إلقاء ماله في البحر ، وتضييعه من غير مصلحة.

ولو رضي العبد بذلك لم يعتبر رضاه .

وكذلك تحريمه تعالى على المسكرات صونا لمصلحة عقل العبد عليه، وحرم السرقة صونا لماله، والزنا صونا لنسبه، والقذف صونا لعرضه، والقتل والجرح صونا لمهجته وأعضائه ومنافعها عليه، ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك ، لم يعتبر رضاه ، ولم ينفذ إسقاطه .

فهذه كلها ، وما يلحق بها من نظائرها ، مما هو مشتمل على مصالح العباد : حق لله تعالى؛ لأنها لا تسقط بالإسقاط ، وهي مشتملة على حقوق العباد ، لما فيها من مصالحهم ودرء مفاسدهم .

وأكثر الشريعة من هذا النوع ، كالرضا بولاية الفسقة وشهادة الأراذل ونحوها ، فتأمل ذلك بما ذكرته لك من النظائر تجده ، فحجر الرب تعالى على العبد في هذه المواطن لطفا به ورحمة له سبحانه وتعالى" انتهى.

ثانيا :

أما بخصوص سؤال السائل عن الحدود فإن الحدود كلها كحد الزنى والسرقة والحرابة حق لله تعالى ، وقد نص على ذلك أهل العلم .

يقول ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 202) "الحقوق نوعان: حَقٌّ للَّه، وحَقٌّ لآدمي، فحق اللَّه لا مَدْخَلَ للصلح فيه ، كالحدود والزكَوَات والكفارات ونحوها ...

وأما حقوق الآدميين فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها " انتهى.

ويقول السرخسي: "فَأَما الْعُقُوبَات الْمَحْضَة : فَهِيَ الْحُدُود الَّتِي شرعت زواجر عَن ارْتِكَاب أَسبَابهَا المحصورة ، حَقًا لله تَعَالَى خَالِصا ؛ نَحْو حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر" انتهى من أصول السرخسي (2/ 294).

ولذلك فإن أهل العلم لم يعدوا القصاص من الحدود ، لأنه يقبل الإسقاط من قِبَل ولي الدم ، إن كان القصاص في القتل، ويقبل الإسقاط من قبل صاحب الحق ، إن كان القصاص في الأطراف والأعضاء.

يقول الكمال ابن الهمام الحنفي "الْحَدُّ لُغَةً: هُوَ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ الْحَدَّادُ لِلْبَوَّابِ.

وَفِي الشَّرِيعَةِ: هُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ، حَتَّى لَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ، وَلَا التَّعْزِيرُ ؛ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ" انتهى من فتح القدير للكمال ابن الهمام (5/ 212).

وأما حد القذف خاصة من بين الحدود : فقد اختلف فيه هل هو من حق الله تعالى ، أم من حق العبد ؟

يقول ابن حزم: "إما أن يكون الحد في القذف من حقوق الله تعالى، كالحد في الزنا، والحد في الخمر، والحد في السرقة، والحد في المحاربة .

وإما أن يكون من حقوق الناس، كالقصاص في الأعضاء، والجنايات على الأموال.

فإن كان الحد في القذف من حقوق الله تعالى كسائر الحدود، فلا يجوز لأحد عفو فيه؛ لأنه لا حق له فيه، ولا فرق بين من سرق مال إنسان، أو زنى بأمته وافترى عليه، أو بامرأة أكرهها، وسرق مالا من مالها، وافترى عليها، فلم يختلفوا في أنه ليس للرجل أن يعفو عن الزنا بأمته فيسقط عنه حد الزنا بذلك، ولا لهما أن يعفوا عمن سرق مالهما، أو قطع عليهما الطريق، فيسقط عنه حد السرقة بذلك، وحد المحاربة.

والمفرق بين القذف وبين ما ذكرنا: متحكم في الدين بلا دليل.

وإن كان الحد في القذف من حقوق الناس: فعفو الناس عن حقوقهم جائز" انتهى من المحلى بالآثار (12 / 255).

مع التنبيه على أنه من الأصول المهمة ، التي يجب معرفته والعناية به في هذا المقام وهو أن الحدود يشرع العفو عنها ، فيما بين الناس ، ويشرع لمن شهد بعض ذلك أن يستر على من ألم به ، ولا يفضحه ، ولا يجب عليه أن يشهد به عند ولي الأمر .

لكن متى شهد الشهود بذلك عند ولي الأمر ، وقامت البينة به عنده : حرم الشفاعة فيه ، ووجب على ولي الأمر أن يقيم حد الشرع على صاحبه، وقد سبق بيان هذا الأصل بالتفصيل في الفتوى رقم (226758).

والخلاصة : أن جميع الحدود هي حقوق لله تعالى ، ولم يختلف العلماء إلا في حد القذف .

هذا مع التذكير بما تقرر في اعتقاد كل مسلم : أن تشريع الأحكام ، وسن الشرائع والقوانين : هو حق الله تعالى على عباده ، تفرد به دونهم ، ولم يأذن لأحد من خلقه أن يشاركه في شرع ، أو أمر أو نهي ، كما لم يكن من عباده ، سبحانه ، من شركه في خلق العباد .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-26, 03:02
السؤال :

هل الحكم بغير الشريعة كفر أكبر أم كفر أصغر؟.

الجواب :

الحمد لله

لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتحاكم إليه وتحكيم شرعه وحرّم الحكم بغيره كما يتضّح ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم ومنها ما تضمّنته سورة المائدة التي اشتملت على عدد من الآيات التي تتحدّث عن الحكم بما أنزل الله ومواضيعها تدور على ما يلي :

ـ الأمر بالحكم بما أنزل الله كما في قوله تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) آية 49

ـ التحذير من التحاكم إلى غير ما أنزل الله كما في قوله عز وجل : ( ولا تتبع أهواءهم ) آية 49

ـ التحذير من التنازل عن شيء من الشريعة مهما قلّ كما في قوله تعالى : ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) آية 49

ـ تحريم ابتغاء حكم الجاهلية كما جاء ذلك بصيغة الاستفهام الإنكاري في قوله عز وجل : ( أفحكم الجاهلية يبغون ) آية 50

ـ النصّ على أنه لا أحد أحسن من الله في الحكم كما قال عز وجلّ : ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) آية 50

ـ النصّ على أنّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وظالم وفاسق كما في قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) آية 44 وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) آية 45 وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) آية 47

ـ النصّ على أنّه يجب على المسلمين الحكم بما أنزل الله ولو كان المتحاكمون إليهم كفارا كما قال عز وجل : ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) آية 42

فالحكم بغير ما أنزل الله مناف للإيمان والتوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد ، وقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر بحسب الحال فيكون كفرا أكبر مخرجا من ملة الإسلام في حالات منها :

1 ـ من شرّع غير ما أنزل الله تعالى : فالتشريع حق خالص لله وحده لا شريك له ، من نازعه في شيء منه ، فهو مشرك ، لقوله تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } .

2 ـ أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ أحقية حكم الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في رواية لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله ـ تعالى ـ : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } حيث قال : ( من جحد ما أنزل الله فقد كفر ) .

3 ـ أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله ـ تعالى ـ سواء كان هذا التفضيل مطلقاً ، أو مقيداً في بعض المسائل قال تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون } .

4 ـ من ساوى بين حكم الله ـ تعالى ـ وبين حكم الطاغوت ، قال ـ عز وجل ـ: { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون } .

5 ـ أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله . أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ غير واجب ، وأنه مخيّر فيه ، فهذا كفر مناقض للإيمان . فأنزل الله عز وجل ـ: { يا أيُّها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } إلى قوله تعالى :{ إن أوتيتم هذا فخذوه } [ سورة المائدة الآية : 41] يقول ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروه ، فأنزل الله تعالى ـ: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } .

6 ـ من لم يحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ إباءً وامتناعاً فهو كافر خارج عن الملة . وإن لم يجحد أو يكذِّب حكم الله تعالى . ومما يمكن إلحاقه بالإباء والامتناع : الإعراض ، والصدود يقول ـ تعالى ـ {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً . وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدُّون عنك صدوداً }.

7 ـ من ضمن الحالات التي يكون الحكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ كفرا أكبر ، ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم عن تشريع القانون الوضعي وتحكيمه : وهو أعظمها ، وأشملها ، وأظهرها معاندة للشرع ، ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ورسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً ، وإمداداً ، وإرصاداً ، وتأصيلاً ، وتفريعاً ، وتشكيلاً ، وتنويعاً ، وحكماً ، وإلزاماً ، ومراجع مستمدات .

ومما سبق يمكن تلخيص بعض الحالات التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله شركا أكبر :

( 1 ) من شرّع غير ما أنزل الله

( 2 ) أن يجحد أو ينكر أحقيّة حكم الله ورسوله

( 3 ) تفضيل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى سواء كان التفضيل مطلقا أو مقيدا

( 4 ) من ساوى بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت

( 5 ) أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله أو أن يعتقد أنّ الحكم بما أنزل الله ليس بواجب أو أنه مخيّر فيه

( 6 ) الإباء والامتناع عن الحكم بما أنزل الله

وبالحديث عن مظاهر هذا القسم يتبين ويتوضّح فمن مظاهر ما يعدّ كفرا أكبر ما يلي :

1- تنحية الشريعة عن الحكم وإلغاء العمل بها كما فعل مصطفى كمال في تركيا وغيره وقد ألغى المذكور العمل بمجلة الأحكام العدلية المستمدّة من المذهب الحنفي وأحلّ بدلا من ذلك القانون الوضعي .

2- إلغاء المحاكم الشرعية

3- فرض القانون الوضعي للحكم بين الناس كالقانون الإيطالي أو الفرنسي أو الألماني وغيرها أو المزج بينها وبين الشريعة كما فعل جنكيز خان بكتاب الياسق الذي جمعه من مصادر متعددة ونصّ العلماء على كفره .

4- تقليص دور المحاكم الشرعية وحصرها في النّطاق المدني بزعمهم كالنكاح والطّلاق والميراث

5- إنشاء محاكم غير شرعية .

6- طرح الشريعة للاستفتاء عليها في البرلمان وهذا يدلّ على أنّ تطبيقها عنده متوقّف على رأي غالبية الأعضاء

7- جعل الشريعة مصدرا ثانويا أو مصدرا رئيسا مع مصادر أخرى جاهلية بل وحتى قولهم الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع هو كفر أكبر لأن ذلك يفيد تجويز الأخذ من مصادر أخرى

8- النصّ في الأنظمة على الرجوع إلى القانون الدولي أو النصّ في الاتفاقيّات على أنه في حال التنازع يُرجع إلى المحكمة أو القانون الجاهلي الفلاني

9- النصّ في التعليقات العامة أو الخاصة على الطعن في الشريعة كوصفها بأنها جامدة أو ناقصة أو متخلّفة أو أنّ العمل بها لا يتناسب مع هذا الزمان أو إظهار الإعجاب بالقوانين الجاهلية .

وأما متى يكون الحكم بما أنزل الله كفرا أصغر لا يُخرج عن الملّة ؟

فالجواب أنّ الحاكم أو القاضي يكون حكمه بغير ما أنزل الله كفرا أصغر غير مخرج عن الملّة إذا حكم في واقعة ما بغير ما أنزل الله معصية أو هوى أو شهوة أو محاباة لشخص أو لأجل رشوة ونحو ذلك مع اعتقاده بوجوب الحكم بما أنزل الله وأنّ ما فعله إثم وحرام ومعصية .

أمّا بالنسبة للمحكوم بالقوانين الجاهلية فإن تحاكم إليها عن رضى واختيار فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملّة وأماّ إن لجأ إليها إكراها واضطرارا فلا يكفر لأنه مكره وكذلك لو لجأ إليها لتحصيل حقّ شرعي لا يحصل عليه إلا بواسطتها مع اعتقاده بأنها من الطاغوت .
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد ..

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-02-26, 03:09
السؤال

هل تشريع الأحكام الوضعية ، ووضع دستور للحكم به بدلا من شرع الله أمر مختلف فيه بين أهل العلم ، وكلا القولين من أقوال أهل السنة ؟

حيث دار نقاش بين إخوة في : هل هذا العمل كفر مخرج من الملة أم هو معصية ؟

نرجو البيان والتوضيح . وهل يحق للمقلد أخذ أي القولين أم لا ؟

وهل للعلامة ابن العثيمين قول في آخر حياته يقول إن التشريع معصية خلافا لقوله الأول أنه كفر أكبر ؟ .

الجواب

الحمد الله

أولا :

تشريع الأحكام الوضعية المخالفة لحكم الله ورسوله في الدماء والأعراض والأموال ، كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام ، لا شك في ذلك ولا ريب ، ولا خلاف فيه بين علماء الإسلام ، فإن هذا التشريع منازعة لله تعالى في حكمه ، ومضادة له في شرعه ، وقد قال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) الشورى/21 .

وقال سبحانه في طاعة من أباح الميتة: ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) الأنعام/121 .

وقال سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) النساء/60، 61 .

وإذا كان هذا حكم الله فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت ، فكيف بالطاغوت نفسه الذي يشرع من دون الله .
وكيف لا يكون التشريع المخالف لشرع الله كفرا ، وهو لابد يتضمن تحليل الحرام ، وتحريم الحلال ، أو إعطاء المشرعين الحق في ذلك ، فلهم أن يحلوا ما شاءوا ، وأن يحرموا ما أرادوا ، وما اتفق عليه أغلبيتهم كان واجب التنفيذ ، يعاقب ويجرّم من يخالفه ، وهذا غاية الكفر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه ، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/267).

وقال ابن كثير رحمه الله :

" فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين

" انتهى من "البداية والنهاية" (13/139).

و(الياسا) ويقال : (الياسق) هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم إليها .
ولاشك أن من باشر التشريع بنفسه كان أعظم كفرا وضلالا ممن تحاكم إليه .

وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

" ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا يشرك في حكمه أحدا) ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ـ

هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) ، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) ، وقوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي ما يعبدون إلا شيطانا، أي وذلك باتباع تشريعه. ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركا

في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم...) الآية. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله...) الآية ، فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا.
ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) .

وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم" .

إلى أن قال : " وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض. كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث. وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك.

فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم ـ كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ،(قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)

" انتهى من "أضواء البيان" في تفسير قوله تعالى : (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف/26.

ثانيا :

المستفيض عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو تصريحه بأن تشريع القوانين المخالفة لما أنزل الله كفر أكبر ، وقد ذكر هذا في مواضع من كتبه ، كشرح كتاب التوحيد ، وشرح الأصول الثلاثة ، وشرح السياسة الشرعية ، وفتاواه المطبوعة في العقيدة ، ولقاءات الباب المفتوح ، وكلامه في هذه المواضع متفق يجري على قاعدة واحدة ، وهي أن التشريع ووضع القوانين المخالفة لشريعة الله من الكفر الأكبر

وأما الحاكم بغير ما أنزل الله فهو الذي قد يكون كافراً أو ظالماً أو فاسقاً حسب الجرم الذي ارتكبه ، ولا نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر ، ولو كان للشيخ قول آخر لذاع وانتشر ، ولصرح الشيخ برجوعه عن قوله الأول ، وسعى في منع نشره ، ومن ظن أن أحدا من أهل العلم يرجع عن أمر يتبين له خطؤه ، ثم يستمر في نشر القول الخطأ حتى يموت دون إنكار له ، أو وصية بحذفه ، فقد أساء به الظن ، وقدح في دينه وأمانته ، فإن القول الباطل لا يجوز نشره ولا السكوت عليه ، لا سيما إذا كان متعلقا بمسألة كبيرة كهذه .

ومن كلامه رحمه الله في هذه المسألة : ما جاء في "شرح الأصول الثلاثة" : " من لم يحكم بما أَنزل الله استخفافا به، أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه ، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية ، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه

" انتهى من "مجمع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (6/161).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-26, 03:12
السؤال

تارك الحكم بما أنزل الله إذا جعل القضاء عامة بالقوانين الوضعية هل يكفر ؟

وهل يفرق بينه وبين من يقضي بالشرع ثم يحكـم في بعض القضايا بما يخالف الشرع لهوى أو رشوة ونحو ذلك ؟.

الجواب

الحمد لله

أي نعم، التفرقة واجبة، فرق بين من نبذ حكم الله جل وعلا واطرحه واستعاض به حكم القوانين وحكم الرجال, فإن هذا يكون كفراً مخرجاً من الملة الإسلامية، وأما من كان ملتزماً بالدين الإسلامي إلا أنه عاص ظالم بحيث أنه يتبع هواه في بعض الأحكام ويتبع مصلحة دنيوية مع إقراره بأنه ظالم في هذا، فإن هذا لا يكون كفراً مخرجاً من الملة.

ومن يرى أن الحكم بالقوانين مثل الحكم في الشرع ويستحله فإنه يكفر أيضاً كفراً مخرجاً من الملة، ولو في قضية واحدة.

الشيخ عبد الله الغنيمان.