طاهر القلب
2018-02-21, 16:48
زَمَانُنَا وَ زَمَانُهُم ... بَسَاطَةٌ وَ تَعْقِيد
السَّلام عليكم ورَحمةُ الله وبرَكاتُه
تَحية طَيبة ...
اليَوم ليسَ كَالأمْس والأَمسُ غَيرُ الذِي قَبلَهُ مِن الأيَام, وهكذا تَعْقُبُ الأيام بعضها, يتَقَاربُ ليلها ونهارها ... وهذا الكائن الإنساني يَستقبل ويُودع, يُقْبِلُ ويُدْبِر, يَبْتَكِرُ ويُعَلِل, وهو في تَفَاعل دائمٍ وارتباطٍ قَائمٍ زمانًا ومكانًا مع محيطه الإنساني وبيئته الاجتماعية, تَحكُمهُ ظُروفُه الفَردِّية فِي نَفسِه والاجتماعية مع غيره, ويَصنَعُ بها لنفسه وُجُودًا وكَينُونَةً ذَاتية وغَير ذَاتية, فَيْلتَصِق وُجُودُه هَذا بتلك الأشياء التي يحتاجها, والتي تَحتاجه هِي, وهُو مَعهَا وبِها إنسَانٌ, وهَكذا يُمضِى ثَمَرةَ عُمره القَصِير في ترتيب أشياءه, فيُعيد ويُجدد ويَبتَكِر, وله حَاجَاتٌ وحَاجَات, أهَدافٌ وغَايَات, ومَطَامِع وزَلاَت, ثُمَّ إنَّ هَذه الحاجات الإنسانية ليست ثَابتة ولا مُستقِرة على مَذهَبٍ وَاحد, بدأً وانطلاقًا من بساطَة حَاجَة الطِفل لأُمه في عَلاقة الأُمُومة, وكذا حاجته للغذاء لطلب وجوده الذاتي منها, وانتهاء إلى أن تَتَعَقَد هَذه الحَاجَات البسيطة سواء في ذاته أو مع غيره, تتطور حاجة الغذاء إلى حاجات مُتَعَدِدة ومُتَنَوعة وكَثِيرة في نَفسِ ذَاتِ الوَقت لتلك الحَاجة, وكذا تَتَطَور حَاجته البسيطة لأُمه إلى حَاجَات أُخرى لِغيره, وهِي كَذلك مُتَعَدِدَة ومُتَنَوعة وكَثِيرة, وبالمُقَابِل هُنا تَبْرُزُ مُقَابل حَاجاته تِلك وَاجِبَات تَكُون عَلَيه ولغَيره, وهَذا ليَكُون هُو حَاجَة غَيره ومِن غَيره ...
عَلى العُمُوم أكثَرتُ التَفَلسُف الذِي لاَ أُجِيدُه ...
خُلاَصَةُ القَول أنَنَا فِي زَمَانِنَا هَذا أَكْثَرنَا وتَنَوعنَا وعَدَدْنَا حَاجَاتِنا فَكَثُرَت وتَنَوعَت وتَعَدَدَت وَاجباتنا, وقد عَقَّدْنَا (مِن التَعْقِيد) أُمُورَنَا ومُتَطَلبَاتِنا الاجتماعية, فَتَعَقَّدَت (مِن التَعْقِيد) عَلينَا حياتنا, وبِتنَا لاَ نُحَصِّل ولاَ نَصِل, نُريد ولاَ نَجِد, نَبحَثُ ولاَ حَدَث, نَقُول ولاَ نَفعَل, فإذَا بَادَرتَ أمرًا من أُمُورِك, فَعليكَ قَبْلاً أَنْ تُحَصِل أُمُورًا أُخرى وأُخرى, فتَدخُل في دَوامَة البَحث والتَحصِيل, أمرًا أمرًا, فَلاَ تَكَادُ تَمِيزُ البَسَاطَة في أَمْرٍ دُونَ أَنْ تَكُون خَلفَهُ وحَولَهُ وخِلاَلَهُ أُمُورٌ أُخرى .. فَمَثَلاً : شَابٌ أَرَادَ الزَواج ... بِهذَا الأمر البسيط ... فلنَنْظُر إلى تَكَالِيف هَذا الأمر فِي زَمَانِنَا هَذَا - ليسَ التَكالِيف المَادِية وإنْ كَانَت مِنَها وفِيهَا - ثُمَّ قَارِن هَذِه الصُورة بِصُورة أُخرَى قَبلَهَا بِعَشرِ سِنِين مثلاً, ثُمَّ زِدْ عَلى ذَلك صُورًا أُخرى قَبلَ ذَلك, وأُنُظُر نَتيجَة التَعْقِيد الذِي أسَقَطَنَا أنفُسنَا فِي مَتَاهَاتِه ودَواهِيه ...
كُل هَذَا بِعَكس القَنَاعَة, والتِي يَكُون مُنْطَلقُها البَسَاطَة فِي مَعانِي البَساطة لا التَعقِيد والتَقْيِيد ... وبالتَالي يَصِلُ الإنسان إلى السَعَادَة المَنْشُودَة فِي ظَاهِر حَياتِه, وفِي دَواخِل نَفْسِه, والتِي قَد لاَ يَجِدُها وَلَو أَنْفَقَ كل مَا في الأرض مِن كُنُوز, فَالسَعَادَة بِهذَا النَامُوس البسيط وَلِيدَةُ البَسَاطَة لا قُيُود التَعْقِيد ... فِي أحَدِ الأيَام جَالَسْتُ شيوخًا في حَارتِنا - ومِن عَادَتِي مُجَالَسَتُهُم – وكَانَ بَينهُم شَيخٌ أعرِفُه من صَمتِه وضَجْعَتِه, هَذا الشَيخ يَبْدُوا عليه مِن أَثَرِ هَذه الحَياة كُلُّ مَنَاحِي الحَياة, ففِي مَظْهَرُه الصَامِت تَاجٌ الوَقَار بَادٍ مُستَجْلِي, يَعلُوهُ بَهَاءُ حِكْمَةٍ قد صَقَلَتهَا التَجَارُب, وهو جَالِس غَيرَ بَعِيد في سَكِينَةٍ وهُدُوء, يَسمَعُ ولا يَنظُر, حَدِيثًا دَائِرًا بَينَنَا حَول مَصَاعِب الحَياة ... فقَال : "صَعَّبْتُم أُمُورَكُم فَصَعُبَتْ عَليكُم" وَهُو يُحَاكِم جِيلاً كَامِلاً بِهَاتِه العِبارَة البسيطة فِي كَلمَاتِها العَمِيقَة فِي دَلاَلاَتِها ... فالبَسَاطَةُ هِي الفِطْرَة التِي نَشَأنَا عَلَيهَا, فكَانَت هِي البِدَايَة ليَكُونَ التَعْقِيدُ هُو النِهَايَة ...
فَهَل يَعنِي هَذَا أنَّهُ انْتَهَى وُجُود البَساطَة فِي حَياتِنَا؟
والسَّلام
تذكر :
عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت:
((ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تُنتَهك حُرْمَة الله فينتقم لله بها)) .
(صحيح البخاري)
مِن سِلسِلَة فَنُّ الحَيَاة ... طاهر
السَّلام عليكم ورَحمةُ الله وبرَكاتُه
تَحية طَيبة ...
اليَوم ليسَ كَالأمْس والأَمسُ غَيرُ الذِي قَبلَهُ مِن الأيَام, وهكذا تَعْقُبُ الأيام بعضها, يتَقَاربُ ليلها ونهارها ... وهذا الكائن الإنساني يَستقبل ويُودع, يُقْبِلُ ويُدْبِر, يَبْتَكِرُ ويُعَلِل, وهو في تَفَاعل دائمٍ وارتباطٍ قَائمٍ زمانًا ومكانًا مع محيطه الإنساني وبيئته الاجتماعية, تَحكُمهُ ظُروفُه الفَردِّية فِي نَفسِه والاجتماعية مع غيره, ويَصنَعُ بها لنفسه وُجُودًا وكَينُونَةً ذَاتية وغَير ذَاتية, فَيْلتَصِق وُجُودُه هَذا بتلك الأشياء التي يحتاجها, والتي تَحتاجه هِي, وهُو مَعهَا وبِها إنسَانٌ, وهَكذا يُمضِى ثَمَرةَ عُمره القَصِير في ترتيب أشياءه, فيُعيد ويُجدد ويَبتَكِر, وله حَاجَاتٌ وحَاجَات, أهَدافٌ وغَايَات, ومَطَامِع وزَلاَت, ثُمَّ إنَّ هَذه الحاجات الإنسانية ليست ثَابتة ولا مُستقِرة على مَذهَبٍ وَاحد, بدأً وانطلاقًا من بساطَة حَاجَة الطِفل لأُمه في عَلاقة الأُمُومة, وكذا حاجته للغذاء لطلب وجوده الذاتي منها, وانتهاء إلى أن تَتَعَقَد هَذه الحَاجَات البسيطة سواء في ذاته أو مع غيره, تتطور حاجة الغذاء إلى حاجات مُتَعَدِدة ومُتَنَوعة وكَثِيرة في نَفسِ ذَاتِ الوَقت لتلك الحَاجة, وكذا تَتَطَور حَاجته البسيطة لأُمه إلى حَاجَات أُخرى لِغيره, وهِي كَذلك مُتَعَدِدَة ومُتَنَوعة وكَثِيرة, وبالمُقَابِل هُنا تَبْرُزُ مُقَابل حَاجاته تِلك وَاجِبَات تَكُون عَلَيه ولغَيره, وهَذا ليَكُون هُو حَاجَة غَيره ومِن غَيره ...
عَلى العُمُوم أكثَرتُ التَفَلسُف الذِي لاَ أُجِيدُه ...
خُلاَصَةُ القَول أنَنَا فِي زَمَانِنَا هَذا أَكْثَرنَا وتَنَوعنَا وعَدَدْنَا حَاجَاتِنا فَكَثُرَت وتَنَوعَت وتَعَدَدَت وَاجباتنا, وقد عَقَّدْنَا (مِن التَعْقِيد) أُمُورَنَا ومُتَطَلبَاتِنا الاجتماعية, فَتَعَقَّدَت (مِن التَعْقِيد) عَلينَا حياتنا, وبِتنَا لاَ نُحَصِّل ولاَ نَصِل, نُريد ولاَ نَجِد, نَبحَثُ ولاَ حَدَث, نَقُول ولاَ نَفعَل, فإذَا بَادَرتَ أمرًا من أُمُورِك, فَعليكَ قَبْلاً أَنْ تُحَصِل أُمُورًا أُخرى وأُخرى, فتَدخُل في دَوامَة البَحث والتَحصِيل, أمرًا أمرًا, فَلاَ تَكَادُ تَمِيزُ البَسَاطَة في أَمْرٍ دُونَ أَنْ تَكُون خَلفَهُ وحَولَهُ وخِلاَلَهُ أُمُورٌ أُخرى .. فَمَثَلاً : شَابٌ أَرَادَ الزَواج ... بِهذَا الأمر البسيط ... فلنَنْظُر إلى تَكَالِيف هَذا الأمر فِي زَمَانِنَا هَذَا - ليسَ التَكالِيف المَادِية وإنْ كَانَت مِنَها وفِيهَا - ثُمَّ قَارِن هَذِه الصُورة بِصُورة أُخرَى قَبلَهَا بِعَشرِ سِنِين مثلاً, ثُمَّ زِدْ عَلى ذَلك صُورًا أُخرى قَبلَ ذَلك, وأُنُظُر نَتيجَة التَعْقِيد الذِي أسَقَطَنَا أنفُسنَا فِي مَتَاهَاتِه ودَواهِيه ...
كُل هَذَا بِعَكس القَنَاعَة, والتِي يَكُون مُنْطَلقُها البَسَاطَة فِي مَعانِي البَساطة لا التَعقِيد والتَقْيِيد ... وبالتَالي يَصِلُ الإنسان إلى السَعَادَة المَنْشُودَة فِي ظَاهِر حَياتِه, وفِي دَواخِل نَفْسِه, والتِي قَد لاَ يَجِدُها وَلَو أَنْفَقَ كل مَا في الأرض مِن كُنُوز, فَالسَعَادَة بِهذَا النَامُوس البسيط وَلِيدَةُ البَسَاطَة لا قُيُود التَعْقِيد ... فِي أحَدِ الأيَام جَالَسْتُ شيوخًا في حَارتِنا - ومِن عَادَتِي مُجَالَسَتُهُم – وكَانَ بَينهُم شَيخٌ أعرِفُه من صَمتِه وضَجْعَتِه, هَذا الشَيخ يَبْدُوا عليه مِن أَثَرِ هَذه الحَياة كُلُّ مَنَاحِي الحَياة, ففِي مَظْهَرُه الصَامِت تَاجٌ الوَقَار بَادٍ مُستَجْلِي, يَعلُوهُ بَهَاءُ حِكْمَةٍ قد صَقَلَتهَا التَجَارُب, وهو جَالِس غَيرَ بَعِيد في سَكِينَةٍ وهُدُوء, يَسمَعُ ولا يَنظُر, حَدِيثًا دَائِرًا بَينَنَا حَول مَصَاعِب الحَياة ... فقَال : "صَعَّبْتُم أُمُورَكُم فَصَعُبَتْ عَليكُم" وَهُو يُحَاكِم جِيلاً كَامِلاً بِهَاتِه العِبارَة البسيطة فِي كَلمَاتِها العَمِيقَة فِي دَلاَلاَتِها ... فالبَسَاطَةُ هِي الفِطْرَة التِي نَشَأنَا عَلَيهَا, فكَانَت هِي البِدَايَة ليَكُونَ التَعْقِيدُ هُو النِهَايَة ...
فَهَل يَعنِي هَذَا أنَّهُ انْتَهَى وُجُود البَساطَة فِي حَياتِنَا؟
والسَّلام
تذكر :
عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت:
((ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تُنتَهك حُرْمَة الله فينتقم لله بها)) .
(صحيح البخاري)
مِن سِلسِلَة فَنُّ الحَيَاة ... طاهر