المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السيرة النبوية.. سؤال وجواب


*عبدالرحمن*
2018-02-17, 02:45
اخوة الاسلام

السلام عليكم و رحمه الله و بركاتة

اهلا و مرحبا بكم في سلسلة جديدة

السيرة النبوية.. سؤال وجواب

إن معرفة النبي هي أحد الأصول الثلاثة التي يجب على المسلم معرفتها
وسيسأل عنها في قبره عندما يقال له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟

فماذا تعرف أيها المسلم عن سيرة نبيك ؟ وعن أخلاقه ؟ وعن صفاته ؟

وما نوع معرفتك به ؟ أهي معرفة اتباع واقتداء ؟

أم مجرد معلومات لا تجاوز مسامعك !

قال الله تعالى ï´؟ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ï´¾

فالمعرفة به ليس مجرد قراءة لسيرته واطلاع على أخباره فحسب
ولكنها معرفة تستوجب اتباعه وتصديقه في كل ماجاء به .
وأن يكون شعار المؤمن " إن كان قال فقد صدق".

لقد كان كفار قريش يعرفون النبي بأنه صادق وأمين ويلقبونه بذلك
ولكن تلك المعرفة لم تنفعهم شيئًا لأنهم كذبوه ولم يتبعوا ما جاء به.

قال ابن كثير :

" قال - الله سبحانه - منكرًا على الكافرين من قريش: {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون} أي: أفَهُم لا يعرفون محمدًا وصدقه وأمانته وصيانته التي نشأ بها فيهم، أفيقدرون على إنكار ذلك والمباهتة فيه؟ ولهذا قال جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه، للنجاشي ملك الحبشة: أيها الملك، إن الله بعث إلينا رسولًا نعرف نسبه وصدقه وأمانته. وهكذا قال المغيرة بن شعبة لنائب كسرى حين بارزهم. وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حرب لملك الروم هرقل، حين سأله وأصحابه عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه وصدقه وأمانته، وكانوا بعد كفارًا لم يسلموا، ومع هذا ما أمكنهم إلا الصدق فاعترفوا بذلك ." [تفسير ابن كثير ظ¥/ ظ¤ظ¨ظ¤]

كذلك لم ينتفع أهل الكتاب بمجرد معرفتهم بالنبي
لأنهم عاندوا واستكبروا ولم يؤمنوا به ولم يتبعوه.

أما المسلمون فإنهم ينبغي أن يعرفوا النبي أكثر من غيرهم وأن تكون معرفة
اتباع وانتفاع وطاعة ( وإن تُطِيعُوه تهتدوا ).

والذي يتأمل في كتاب الله يجد بأنه لم يذكر تفاصيل حياة النبي صلى الله عليه وسلم وولادته ونشأته ولم يذكر زوجاته ولا أولاده ؛ وترك هذه التفاصيل من السيرة ليقوم الصحابة بروايتها ونشرها.

وإنما بيّن منهجه صلى الله عليه وسلم وحياته في الدعوة وعبادته وصبره وخلقه وعلمه وحكمته واجتهاده.
والله يريد لنا معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة حقيقة نابعة عن إيمان واتباع وطاعة واقتداء .

كيف نعرف نبينا ؟

يجب أن نتعرف على أخلاقه ومنهجه في الدعوة كما بينها القرآن
وأن نحفظ أحاديثه ونقرأ سيرته ونوقره ونصلي عليه .

ادعوكم اخوه الاسلام لمعرفه
سيرته الطيبه من خلال هذا الموضوع

الذي لا يليق ان يكون احصاء بمكانه حبيب الرحمن

محمد صلي الله عليه وسلم فما
هو إلا طريق من طرق المعرفه

فإن أحسنت فمن الله وإن أسأت
أو أخطأت فمن نفسي والشيطان

واخيرا

اسالكم الدعاء بظهر الغيب

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 02:50
السؤال :

كيف نرد على من يقول أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان مجرد رجلا عاديا قبل أن يأتيه الوحي ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

النبي صلى الله عليه وسلم بشر من البشر ، إلا أن الله تعالى تفضل عليه وحباه ، واجتباه واصطفاه ، كما اصطفى من قبله من الرسل عليهم السلام ، قال تعالى : (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا) الإسراء/ 94 .

وقال عز وجل : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) الكهف/110 .

وروى البخاري (401) ، ومسلم (572) عن ابن مسعود عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال : ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ) .

وروى أبو داود (4659) عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِنَّمَا أَنَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُونَ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وحاصلُ ذلك التماثل في الصفة البشرية : أن النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني آدم ، ليس مَلَكَا ، فضلا عن أن يكون إلها ، أو فيه شيء من صفات الألوهية وخصائصها ، أو أن له شيئا من مقامها ؛ جل الله أن يكون له شريك ، أو شبيه ، أو ند ، أو نظير ؛ وإنما هو خلق من خلق الله ، وبشر من بني آدم ، أكرمه الله بالنبوة ، وشرفه بذلك المقام .

ثانيا :

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة كغيره من الناس ، بل كان متميزا عنهم في كثير من الأشياء التي فضله الله بها ، وخصه بها ؛ قال الحافظ صلاح الدين العلائي رحمه الله : " كيف ، وقد حماه الله تعالى قبل النبوة ، من كثير من الأشياء المباحة ، التي تنقص من منصب متعاطيها" انتهى من "فتاوى العلائي" (76) .

فمن ذلك :

- أن الله تعالى عصمه قبل الرسالة من السجود للأصنام وعبادتها ، كما كان يصنع قومه .

- وقد عصمه الله جل جلاله ـ كذلك ـ من شرب الخمر حتى قبل النبوة . قال الحافظ العلائي رحمه الله : " الذي ينبغي القطع به : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يشرب شيئا من الأنبذة المسكرة ، حال إباحتها ، ولا يوجد هذا أصلا منقولا ، بسند صحيح ، ولا ضعيف .."
.
انتهى من "فتاوى العلائي" (75) .

- أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم عليه حجر قبل أن يبعث ، فروى مسلم (2277) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ ؛ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ ) .

- أن جبريل عليه السلام شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو صغير، واستخرج منه حظ الشيطان .

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً ، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ . ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ لَأَمَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ ، يَعْنِي ظِئْرَهُ ، فَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ ، قَالَ أَنَسٌ : وَقَدْ كُنْتُ أَرى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ " رواه مسلم (162) .

- روى البخاري (364) ، ومسلم عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ ، فَقَالَ لَهُ العَبَّاسُ عَمُّهُ : يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الحِجَارَةِ، قَالَ: فَحَلَّهُ ، فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .

وروى أحمد (23800) عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، وَذَكَرَ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ: " فَهَدَمَتْهَا قُرَيْشٌ وَجَعَلُوا يَبْنُونَهَا بِحِجَارَةِ الْوَادِي تَحْمِلُهَا قُرَيْشٌ عَلَى رِقَابِهَا، فَرَفَعُوهَا فِي السَّمَاءِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ حِجَارَةً مِنْ أَجْيَادٍ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّمِرَةُ، فَذَهَبَ يَضَعُ النَّمِرَةَ عَلَى عَاتِقِهِ فَتُرَى عَوْرَتُهُ مِنْ صِغَرِ النَّمِرَةِ، فَنُودِيَ: " يَا مُحَمَّدُ، خَمِّرْ عَوْرَتَكَ " فَلَمْ يُرَ عُرْيَانًا بَعْدَ ذَلِكَ).

قال محققو المسند : " إسناده قوي " .

وروى الطيالسي في "مسنده" (2781) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (نُهِيتُ عَنِ التَّعَرِّي)- وَذَاكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ " .

وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6784) .

- وروى الترمذي (3620) وحسنه، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 24) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:

" خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ ، فَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ، مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا ، فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ ، وَلَا يَلْتَفِتُ ، قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ حَتَّى جَاءَ ، فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، هَذَا يَبْعَثُهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ؟ قَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَمُرَّ بِشَجَرَةٍ وَلَا حَجَرٍ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا، وَلَا يَسْجُدَانِ إِلَّا لِنَبِيٍّ ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ ، خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فِي أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ , ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ ، وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الْإِبِلِ قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ ، فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَيْهِ، عَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ ، فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ "
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

- أنه صلى الله عليه وسلم كان قبل البعثة لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ، فروى البخاري (3) ، ومسلم (160) عن عائشة رضي الله عنها قال : " كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ " .

فكيف يقال بعد ذلك أنه كان إنسانا عاديا ، كغيره من الناس ؟!

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 02:53
السؤال:

هل يعتبر فعل و قول الرسول صلى الله عليه و سلم قبل البعثة
سنة مثلا زواجه من خديجة رضي الله عنها ؟

الجواب :

الحمد لله :

الأصل في أفعال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل البعثة أنها خارجة عن السنة التشريعية ، وأنه لا يلزمنا متابعته والائتساء به فيها ، إلا ما جاء به شرعه ـ بعد البعثة ـ بمشروعيتها ، إما على جهة الوجوب أو الاستحباب ، من نحو ( الوفاء بالوعد ، وإعانة الملهوف ، وإكرام الضيف، والإعانة على نوائب الحق ، ونحو ذلك ) فيلزمنا الاقتداء به فيه ؛ لأنه صار شريعة لنا بعد نبوته، لا لمجرد أنه عليه الصلاة والسلام فعله قبل النبوة ، وعلى هذا فيوجد في أفعاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل البعثة ما لا يلزم اتباعه فيه ، إما لأنه لم يثبت في حقنا تشريعه ، وإما لورود ما ينسخه ويعارضه بعد البعثة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والأمور التي جرت قبل النبوة لا تذكر للأخذ والتشريع كفعله بعد النبوة , لأن المسلمين أجمعوا على أن الذي فرض على العباد من الإيمان به صلى الله عليه وسلم ، والعمل بما جاء به ، إنما ذلك لما كان بعد النبوة .

ولهذا كان عندهم : من ترك الجمعة والجماعة ، وتخلى في الغيران والكهوف والجبال ، حيث لا جمعة ولا جماعة ، وزعم أنه يقتدي بالنبي صلى الله عليه لكونه كان متحنثا في غار حراء قبل النبوة ، فترك ما شرع له من العبادات الشرعية التي أمر الله بها ورسوله ، واقتدى بما كان يفعل قبل النبوة ـ كان مخطئا ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أكرمه الله بالنبوة ، لم يكن يفعل ما فعله قبل ذلك ، من حيث التحنث في غار حراء أو نحو ذلك .

ولم يكن أحد من أصحابه صلوات الله عليه من بعده ، يأتي لغار حراء، ولا يتخلفون عن الجمعة والجماعة في الأماكن المنقطعة ، ولا عمل أحد منهم خلوة أربعينية ، كما يفعله بعض المتأخرين ، بل كانوا يعبدون الله بالعبادات الشرعية التي شرعها لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ا.هـ من مجموع الفتاوى ( 18 / 10 ) .

وأما المحدِّثون فإنهم يعتنون بذكر ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في كل وقت ، ولو كان قبل البعثة ، فهي تدخل في السنة على تعريف المحدثين ، الذين يعتبرون كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ، فيروونه في كتبهم بناء على ذلك .

انظر : أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام ، للدكتور محمد العروسي ( 149 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 02:58
السؤال

: هل صحيحٌ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلّق بعض أزواجه ؟ فقد ذكر العلامة محبّ الدين الطبري

أن رسول الله تزوج في المجموع 23 امرأةً أو 21 امرأةً ، منذ ذلك الحين

كان قد طلّق 6، 7 أو 9 ،وفقاً للروايات المختلفة . "السمط الثمين" (230-231) ، " خلاصة سير سيد البشر " ( 632-636) ، ذُكِرت إحدى النساء التي طلقها رسول الله في "صحيح البخاري" كذلك في الحديث (5254-5257)، وكان اسمها أميمة بنت نعمان بن شراحيل .

هل يمكنكم إعطائي بعض التفاصيل أكثر حول ذلك ؟ وهل كل زوجات النبي محمد "أمهات المؤمنين" ؟

ماذا عن زوجات الأنبياء الآخرين ما هو وضعهم أو مكانتهم حسب الإسلام؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

من المجمع عليه أن أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم هي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، ولم يتزوج غيرها حتى توفيت رضي الله عنها.

ومن المتفق عليه أيضا أنه توفي صلى الله عليه وسلم وعنده تسع نسوة.

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ( كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ، لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ ... ) رواه مسلم (1462).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" أما قوله: ( تسع نسوة ) : فهن اللاتي توفي عنهن صلى الله عليه وسلم وهن؛ عائشة، وحفصة، وسودة، وزينب، وأم سلمة، وأم حبيبة، وميمونة، وجويرية، وصفية ، رضي الله عنهن " انتهى، من "شرح صحيح مسلم" (10 / 47).

ومن المتفق عليه أيضا : أنه تزوج زينب بنت خزيمة ، وتوفيت في حياته صلى الله عليه وسلم.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى في "المقدمات الممهدات" (3 / 358):

" فهؤلاء أزواجه اللواتي لم يُختلف فيهن، فحصل العلم بنقل التواتر بهن، وهن إحدى عشرة امرأة، منهن ست من قريش: خديجة، وسودة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وأم حبيبة .

وأربع من العرب: زينب بنت خزيمة، وزينب بنت جحش، وجويرية، وميمونة؛ وواحدة من بني إسرائيل: وهي صفية.

توفي منهن اثنتان في حياته: خديجة أول نسائه، وزينب بنت خزيمة. وتوفي صلّى اللّه عليه وسلّم عن التسع الباقيات " انتهى.

وقد وردت روايات عدة تشير إلى النبي صلى الله عليه تزوج غير هؤلاء ، لكن طلق بعضهن ، ولم يدخل ببعضهن؛ لكن هذه الروايات أغلبها لا يصح؛ حيث قال الذهبي رحمه الله تعالى بعد أن ذكر جملة من هذه الروايات:

" هذا ونحوه إنما أوردته للتعجب لا للتقرير " انتهى، من "سير أعلام النبلاء" (سيرة2 / 495).

وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" وأما اللواتي اختلف فيهن ممن ابتنى بها وفارقها ، أو عقد عليها ولم يدخل بها، أو خطبها ولم يتم له العقد منها، فقد اختلف فيهن، وفي أسباب فراقهن اختلافًا كثيرًا ، يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن " انتهى، من "الاستيعاب" (1 / 46).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" فهؤلاء نساؤه المعروفات اللاتي دخل بهن، وأما من خطبها ولم يتزوجها، ومن وهبت نفسها له ولم يتزوجها، فنحو أربع أو خمس .

وقال بعضهم: هن ثلاثون امرأة، وأهل العلم بسيرته وأحواله صلى الله عليه وسلم لا يعرفون هذا، بل ينكرونه " انتهى، من "زاد المعاد" (1 / 110).

ومّما صح؛ أنه صلى الله عليه وسلم تزوج أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ ، وتعرف بابنة الجون، ثم طلقها بسبب منها؛ لأنها استعاذت بالله منه، فسرّحها أدبا مع الله تعالى، فقال لها: ( لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الحَقِي بِأَهْلِكِ )، وقد أورد البخاري رحمه الله تعالى قصتها في صحيحه ، في روايات يكمّل بعضها البعض.

فعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ( أَنَّ ابْنَةَ الجَوْنِ، لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الحَقِي بِأَهْلِكِ ) رواه البخاري (5254).

وعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ: لَهُ الشَّوْطُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ، فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْلِسُوا هَا هُنَا! وَدَخَلَ، وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ، فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ، وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَبِي نَفْسَكِ لِي، قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ المَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟ قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: يَا أَبَا أُسَيْدٍ! اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ، وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا ) رواه البخاري (5255).

وعَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَبِي أُسَيْدٍ، قَالاَ: ( تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ ) رواه البخاري (5256).

وورد أيضا : أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بأخت الأشعث بن قيس، فتوفي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخيّرها، فلم تدخل في عداد زوجاته.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ قُتَيْلَةَ أُخْتَ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُخَيِّرَهَا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ ) رواه البزار "كشف الأستار" (2444).

قال الحافظ ابن حجر:

" وأخرجه البزار من وجه آخر عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس موصولا، وصححه ابن خزيمة والضياء من طريقه في المختارة" انتهى. "التلخيص الحبير" (3 / 292).

ثانيا:

من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم أن أزواجه رضي الله عنهن يعتبرن أمهات للمؤمنين في المكانة والاحترام والتوقير وحرمة النكاح.

قال الله تعالى:

( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) الأحزاب /6.

وقال الله تعالى:

( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ) الأحزاب /53.

قال ابن كثير:

" وقوله: ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) أي: في الحرمة والاحترام، والإكرام والتوقير والإعظام، ولكن لا تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع " انتهى، من " تفسير ابن كثير" (6 / 380 - 381).

وأمهات المؤمنين هن إحدى عشرة امرأة ، وهن المشهورات من أزواجه صلى الله عليه وسلم ، توفي عن تسعه منهن ، وماتت اثنتان في حياته صلى الله عليه وسلم ، وهما خديجة وزينب بنت خزيمة .

أما من طلقها الرسول صلى الله عليه : فلا نعلم أحدا من أهل العلم ذكرهن بوصف " أمهات المؤمنين" ، ولا أن خصائص أمهات المؤمنين ثبتت لهن بمجرد ذلك .

قال القرطبي رحمه الله :

"فَأَمَّا زَوْجَاتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ فِي حَيَاتِهِ مِثْلُ الْكَلْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَهَلْ كَانَ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ نِكَاحُهُنَّ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْكَلْبِيَّةَ الَّتِي فَارَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَت بغيره وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إجماع" انتهى بتصرف يسير، من

"تفسير القرطبي" (17/211) .

وأمّا زوجات باقي الأنبياء عليهم السلام ، فلم يثبت ما يدل على أنه لهن هذه المكانة والخصيصة، وإنما فيهن الصالحات، بل قد وجد من بينهن من لم يسلمن لله تعالى ومتن على كفرهن وعصيانهن، وهما : امرأة نوح ، وامرأة لوط.

قال الله تعالى:

( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) التحريم /10.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 03:02
السؤال :

لدي استفسار بخصوص حديث من أحاديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام : لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة الجون ، ودنا منها ، قالت : أعوذ بالله منك . فقال : لقد عذت بعظيم , الحقي بأهلك . فما صحة هذا الحديث ؟ وما سبب تعوذها من الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تعلم بأنه رسول الله ؟

وهل الرسول صلى الله عليه وسلم طلقها مِن تعوذها فقط ، أم هناك حكم أخرى ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

هذه القصة صحيحة ، وردت في أحاديث عدة وسياقات يكمل بعضها بعضا :

فروى البخاري رحمه الله في صحيحه (5254) عن الإمام الأوزاعي قَالَ : سَأَلْتُ الزُّهْرِي أَي أَزْوَاجِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ ؟

قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : ( أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ . فَقَالَ لَهَا : لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ ، الْحَقِى بِأَهْلِكِ ) .

وروى البخاري أيضا في صحيحه (5255) عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ رضى الله عنه قَالَ :

( خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ الشَّوْطُ ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ ، فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اجْلِسُوا هَا هُنَا . وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِىَ بِالْجَوْنِيَّةِ ، فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتٍ أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ ، وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : هَبِي نَفْسَكِ لِي .

قَالَتْ : وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ . قَالَ : فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ . فَقَالَتْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ . فَقَالَ : قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ . ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : يَا أَبَا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا )

وروى أيضا رحمه الله (رقم/5256) عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِى أُسَيْدٍ قَالاَ : ( تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ ) ثياب من كتان بيض طوال.

وروى أيضا رحمه الله (رقم/5637) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضى الله عنه قَالَ :

( ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ، فَقَدِمَتْ فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَهَا ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا ، فَلَمَّا كَلَّمَهَا النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ. فَقَالَ : قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّى . فَقَالُوا لَهَا : أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَتْ : لاَ . قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ لِيَخْطُبَكِ . قَالَتْ : كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ . فَأَقْبَلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، ثُمَّ قَالَ : اسْقِنَا يَا سَهْلُ . فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا الْقَدَحِ فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ ، فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ . قَالَ : ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ ) ورواه مسلم أيضا (2007)، الأجم : الحصون .

ثانيا :

اختلف العلماء في اسم هذه المرأة على أقوال سبعة ، ولكن الراجح منها عند أكثرهم هو : " أميمة بنت النعمان بن شراحيل " كما تصرح رواية حديث أبي أسيد . وقيل اسمها أسماء .

ثالثا :

لماذا استعاذت المرأة الجونية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

يمكن توجيه ذلك ببعض الأجوبة الآتية :

1- قد يقال إنها لم تكن تَعرِفُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، بدليل الرواية الأخيرة من الروايات المذكورة أعلاه ، وفيها : (. فَقَالُوا لَهَا : أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَتْ : لاَ . قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ لِيَخْطُبَكِ . قَالَتْ : كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ )

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وقال غيره : يحتمل أنها لم تعرفه صلى الله عليه وسلم ، فخاطبته بذلك .

وسياق القصة من مجموع طرقها يأبى هذا الاحتمال .

نعم سيأتي في أواخر الأشربة من طريق أبي حازم ، عن سهل بن سعد – فذكر الرواية الأخيرة ، ثم قال : –

فإن كانت القصة واحدة فلا يكون قوله في حديث الباب : ( ألحقها بأهلها ) ، ولا قوله في حديث عائشة : ( الحقي بأهلك ) تطليقا ، ويتعين أنها لم تعرفه .

وإن كانت القصة متعددة – ولا مانع من ذلك – فلعل هذه المرأة هي الكلابية التي وقع فيها الاضطراب " انتهى.

"فتح الباري" (9/358)

2- ويذكر بعض أهل العلم أن سبب استعاذتها من النبي صلى الله عليه وسلم ما غرها به بعض أزواجه صلى الله عليه وسلم ، حيث أوهموها أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب هذه الكلمة ، فقالتها رغبة في التقرب إليه ، وهي لا تدري أن النبي صلى الله عليه وسلم سيعيذها من نفسه بالفراق إن سمعها منه .

جاء ذلك من طرق ثلاثة :

الطريق الأولى :

يرويها ابن سعد في "الطبقات" (8/143-148)، والحاكم في "المستدرك" (4/39)، من طريق محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف في الحديث .

والطريق الثانية :

يرويها ابن سعد في الطبقات (8/144) بسنده عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: (الجونية استعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لها : هو أحظى لك عنده . ولم تستعذ منه امرأة غيرها ، وإنما خدعت لما رؤي من جمالها وهيئتها ، ولقد ذكر لرسول الله من حملها على ما قالت لرسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهن صواحب يوسف ).

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 03:03
الطريق الثالثة :

رواها ابن سعد أيضا في "الطبقات" (8م145) قال : أخبرنا هشام بن محمد بن السائب ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن بن عباس قال : ( تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان ، وكانت من أجمل أهل زمانها وأشبهم ، قال فلما جعل رسول الله يتزوج الغرائب قالت عائشة : قد وضع يده في الغرائب يوشكن أن يصرفن وجهه عنا . وكان خطبها حين وفدت كندة عليه إلى أبيها ، فلما رآها نساء النبي صلى الله عليه وسلم حسدنها ، فقلن لها : إن أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه إذا دخل عليك . فلما دخل وألقى الستر مد يده إليها ، فقالت : أعوذ بالله منك . فقال: أمن عائذ الله ! الحقي بأهلك )

وروى أيضا قال : أخبرنا هشام بن محمد ، حدثني ابن الغسيل ، عن حمزة بن أبي أسيد الساعدي ، عن أبيه - وكان بدريا – قال : ( تزوج رسول الله أسماء بنت النعمان الجونية ، فأرسلني فجئت بها ، فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة : اخضبيها أنت وأنا أمشطها ، ففعلن ، ثم قالت لها إحداهما : إن النبي، صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول أعوذ بالله منك . فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها فقالت : أعوذ بالله منك .فقال بكمه على وجهه فاستتر به وقال : عذت معاذا ، ثلاث مرات . قال أبو أسيد ثم خرج علي فقال : يا أبا أسيد ألحقها بأهلها ومتعها برازقيتين ، يعني كرباستين ، فكانت تقول : دعوني الشقية ) .

وهذه الطرق قد يعضد بعضها بعضا ويستشهد بمجموعها على أن لذلك أصلا .

3- وذكر آخرون من أهل العلم أن سبب استعاذتها هو تكبرها ، حيث كانت جميلة وفي بيت من بيوت ملوك العرب ، وكانت ترغب عن الزواج بمن ليس بِمَلِك ، وهذا يؤيده ما جاء في الرواية المذكورة أعلاه ، وفيها : ( فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : هَبِي نَفْسَكِ لِي . قَالَتْ : وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ . قَالَ : فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ . فَقَالَتْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ . فَقَالَ : قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ . ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : يَا أَبَا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا )

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" ( السُّوقة ) قيل لهم ذلك لأن الملك يسوقهم فيساقون إليه ، ويصرفهم على مراده ، وأما أهل السوق فالواحد منهم سوقي . قال ابن المنير : هذا من بقية ما كان فيها من الجاهلية ، والسوقة عندهم من ليس بملك كائنا من كان ، فكأنها استبعدت أن يتزوج الملكة من ليس بملك ، وكان صلى الله عليه وسلم قد خير أن يكون ملكا نبيا ، فاختار أن يكون عبدا نبيا ، تواضعا منه صلى الله عليه وسلم لربه ، ولم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بكلامها ، معذرة لها لقرب عهدها بجاهليتها " انتهى.

"فتح الباري" (9/358)

هذا ما تحصَّل ذكرُه من أسباب جاءت بها الروايات وكلام أهل العلم ، وكله يدل على كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، حيث لم يكن يرضى أن يتزوج مَن يشعر أنها لا ترغبه ، وكان يأبى صلى الله عليه وسلم أن يصيب أحدا من المسلمين بأذى في نفسه أو ماله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 03:09
السؤال

: لدي بعض الأسئلة عن فتح مكة : ما هي أهداف فتح مكة ؟ كيف تم فتح مكة بلا قتال ؟

وكيف كان تنظيم الرسول صلى الله عليه وسلم لقوات جيشه ؟

وما هي توجيهاته صلى الله عليه وسلم لقوات جيشه ؟

وكيف قاد النبي صلى الله عليه وسلم الجيش أثناء تنفيذ الخطة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

الهدف من فتح مكة هو الهدف العام الذي تشترك فيه جميع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه ، وهو دعوة الناس إلى الإسلام ، ومنع الفتنة ، وإزالة الحواجز التي تصدهم عن دين رب العالمين .

قال الله تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة/193

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) رواه البخاري (25) ومسلم (22).

ثم كان هناك هدف خاص لفتح مكة؛ وهو نصرة النبي صلى الله عليه وسلم لحلفائه من خزاعة لما اعتدت عليهم قريش وحلفاؤها.

ففي السنة السادسة من الهجرة النبوية: عقد النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش صلحا -صلح الحديبية- لمدة عشر سنين، وخيروا القبائل والناس ؛ من شاء أن يدخل في حلف النبي صلى الله عليه وسلم دخل ، ومن شاء أن يدخل في حلف قريش فله ذلك.

روى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قالا - وهما يذكران صلح الحديبية - :

( هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهن النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ... وَكَانَ فِي شَرْطِهِمْ حِينَ كَتَبُوا الْكِتَابَ أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ، فَقَالُوا: نَحْنُ مَعَ عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ ... ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (31 / 212 - 218)، وحسنه محققو المسند.

وفي السنة الثامنة من الهجرة النبوية، هاجمت بنو بكر بمعونة قريش قبيلة خزاعة حليفة المسلمين فقتلوا منهم جماعة، وبهذا نقضت قريش وحلفاؤها صلح الحديبية، فسار النبي صلى الله عليه وسلم لنصرة حلفائه من خزاعة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وكان سبب ذلك أن قريشا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغزاهم ...

قال ابن إسحاق: وكان بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية، فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الإسلام، فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية الدِّيَلي من بني بكر ، في بني الدِّيَل ، حتى بيّتَ خزاعة [ بيتهم : يعني هاجهم ليلا ] ، على ماء لهم يقال له الوَتير، فأصاب منهم رجلا يقال له مُنبه، واستيقظت لهم خزاعة ، فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم يتركوا القتال .

وأمدت قريش بني بكر بالسلاح ، وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية .

فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال:

يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا

فانصر هداك الله نصرا أيدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا

إن قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا

هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا

وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذل وأقل عددا

قال ابن إسحاق: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نصرت يا عمرو بن سالم ) فكان ذلك ما هاج فتح مكة .

وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بعض الأبيات المذكورة في هذه القصة، وهو إسناد حسن موصول" انتهى من "فتح الباري" (7 / 519 - 520).

ثانيا:

باشر النبي صلى الله عليه وسلم كل أسباب القوة والنصر، امتثالا لقوله تعالى:

( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ) الأنفال (60).

- فأمر المسلمين بالتجهز، وأمر أهله بتجهيزه.

قال ابن هشام رحمه الله تعالى:

" وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأمر أهله أن يجهزوه، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها، وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي بنية: أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجهز، قال: فأين ترينه يريد؟ قالت: لا والله ما أدري. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجد والتهيؤ " انتهى. "سيرة ابن هشام" (4 / 39).

- وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إخفاء الأمر عن أهل مكة حتى يباغتهم ، وقد يسَّر الله له ما أراد ، فلم تشعر قريش بالأمر حتى نزل جيش المسلمين قريبا من مكة بمرّ الظهران.

نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه "المطالب العالية" (17 / 459) من مسند إسحاق بن راهويه بسنده عَنِ ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهما، قَالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ... فَنَزَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ ظهران، فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ النَّاسِ، فِيهِمْ أَلْفٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَسَبْعُمِائَةٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَلَا يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلُهُ )، وصححه الحافظ ابن حجر.

- أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالإفطار ليتقووا به في غزوتهم، لما اقتربوا من العدو، وكانوا في شهر رمضان.

روى مسلم (1120) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ ، فَكَانَتْ رُخْصَةً ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ : إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا ، وَكَانَتْ عَزْمَةً ، فَأَفْطَرْنَا) .

جاء في "عون المعبود شرح سنن أبي داود" :

"فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْفِطْر لِمَنْ وَصَلَ فِي سَفَره إِلَى مَوْضِع قَرِيب مِنْ الْعَدُوّ أَوْلَى ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ الْعَدُوّ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِع الَّذِي هُوَ مَظِنَّة مُلَاقَاة الْعَدُوّ , وَلِهَذَا كَانَ الْإِفْطَار أَوْلَى وَلَمْ يَتَحَتَّم . وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِقَاء الْعَدُوّ مُتَحَقِّقًا : فَالْإِفْطَار عَزِيمَة ، لِأَنَّ الصَّائِم يَضْعُف عَنْ مُنَازَلَة الْأَقْرَان ، وَلَا سِيَّمَا عِنْد غَلَيَان مَرَاجِل الضِّرَاب وَالطِّعَان , وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَة لِجُنُودِ الْمُحِقِّينَ وَإِدْخَال الْوَهْن عَلَى عَامَّة الْمُجَاهِدِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ" انتهى .

- لما اقترب من مكة بدأ يتخذ الإجراءات العسكرية التي ترعب قريشا وتقعدها عن القتال، فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بمر الظهران أمر أصحابه ليلا بإيقاد النيران، وهذا ما أرعب عيون قريش.

ورد عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2 / 135):

" ثم نزل مر الظهران عشاء، فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار، ولم يبلغ قريشا مسيره ، وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم، فبعثوا أبا سفيان بن حرب يتحسس الأخبار وقالوا: إن لقيت محمدا فخذ لنا منه أمانا، فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ، فلما رأوا العسكر أفزعهم " انتهى.

وكانت هذه المباغتة دافعا لأبي سفيان ليقدم على النبي صلى الله عليه وسلم ويعلن إسلامه، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم في مكان يرى منه قوة المسلمين وكثرة عددهم ، حتى يخبر بها أهل مكة فيوهن قوتهم وعزمهم.

عَنْ هِشَامٍ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ( لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفَتْحِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، يَلْتَمِسُونَ الخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ

فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ؟ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ خَطْمِ الخَيْلِ، حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى المُسْلِمِينَ. فَحَبَسَهُ العَبَّاسُ، فَجَعَلَتِ القَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَان َ ) رواه البخاري (4280).

- وقد تحقق المقصود من ذلك ، فقد نقل ابن حجر رحمه الله تعالى في " المطالب العالية" (17/ 461 – 462) من "مسند إسحاق بن راهويه" بسنده عَنِ ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهما : ( فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ حَيْثُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّتِ الْقَبَائِلُ عَلَى راياتها، فكلما مرت راية، قَالَ: مَنْ هذه؟ فأقول: بني سُلَيْمٍ، فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِبَنِي سُلَيْمٍ، ثُمَّ تَمُرُّ أُخْرَى، فَيَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: مُزَيْنَةُ، فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِمُزَيْنَةَ

فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ كَتِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَضْرَاءُ، فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، لَا يُرَى مِنْهُمْ إلا الحدق، قال: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَا لِأَحَدٍ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْيَوْمَ لَعَظِيمٌ، فَقُلْتُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ! إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ: فنعم إذاً، فقلت:النَّجَاءُ إِلَى قَوْمِكَ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَاهُمْ بِمَكَّةَ، فَجَعَلَ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! هَذَا مُحَمَّدٌ، قَدْ أَتَاكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِه ... ثم قال : مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ، وَمَا يغني عَنَّا دَارُكَ، قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ) .

قال الحافظ ابن حجر:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 03:10
ثالثا:

لما اقترب النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وعلى بعد (22 كيلا) في مرّ الظهران عسكر النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه هناك، ونظمه استعدادا لدخول مكة.

فوزع الجيش على كتائب، كل كتيبة تمثل قبيلة، والنبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من المهاجرين والأنصار في كتيبة، كما مرّ في الحديثين السابقين.

ثم قسّم هذا الجيش لما قدم مكة؛ على الميمنة خالد بن الوليد، وعلي الميسرة الزبير بن العوام، والرجّالة والحسّر الذين لا دروع لهم بقيادة أبي عبيدة، والنبي صلى الله عليه وسلم في كتيبة.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلَا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ، فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَةٍ ) رواه مسلم (1780) .

وفي رواية أخرى لمسلم: ( كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ، وَبَطْنِ الْوَادِي ).

الْبَيَاذِقَةِ: هم الرجالة.

وأمر خالدا أن يدخل من أسفل مكة – المسفلة- ويغرز رايته عند أدنى البيوت، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم والزبير بمن معه من أعلى مكة وغرز رايته بالحجون.

عَنْ هِشَامٍ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ( وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالحَجُونِ.

قَالَ عُرْوَةُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ، قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدَا، فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ رَجُلاَنِ: حُبَيْشُ بْنُ الأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بْنُ جابِرٍ الفِهْرِيُّ ) رواه البخاري (4280).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" قوله ( وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ ) بالمدّ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدَا، أي بالقصر، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية أن خالدا دخل من أسفل مكة والنبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها، وكذا جزم ابن إسحاق: أن خالدا دخل من أسفل ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من

أعلاها وضربت له هناك قبة، وقد ساق ذلك موسى بن عقبة سياقا واضحا فقال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم، وأمره أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأمره أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه، وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم ، وأمره أن يدخل من أسفل مكة ، وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار ، في مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم أن يكفوا أيديهم ، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم " انتهى. "فتح الباري" (8/ 10).

رابعا:

وفتح مكة رغم أنه يعد أعظم الفتوح، ويعد حدثا فاصلا في تاريخ الإسلام والبشرية ، إلا أن قتلى هذا الفتح لم يتجاوز عشرات قليلة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وذكر ابن إسحاق أن أصحاب خالد لقوا ناسا من قريش، منهم سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية كانوا تجمعوا بالخندمة -مكان أسفل مكة- ليقاتلوا المسلمين، فناوشوهم شيئا من القتال، فقتل من خيل خالد مسلمة بن الميلاء الجهني، وقتل من المشركين اثنا عشر رجلا أو ثلاثة عشر وانهزموا ...

وعند موسى بن عقبة: واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة ، وقد تجمع بها بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناة وناس من هذيل ، ومن الأحابيش الذين استنصرت بهم قريش، فقاتلوا خالدا، فقاتلهم ، فانهزموا ، وقتل من بني بكر نحو عشرين رجلا ، ومن هذيل ثلاثة أو أربعة ، حتى انتهى بهم القتل إلى الجزورة ، إلى باب المسجد حتى دخلوا في الدور وارتفعت طائفة منهم على الجبال، وصاح أبو سفيان: من أغلق بابه وكف يده فهو آمن.

قال: ( ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البارقة، فقال: ما هذا وقد نهيت عن القتال؟ فقالوا: نظن أن خالدا قوتل وبدئ بالقتال ، فلم يكن له بد من أن يقاتل، ثم قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن لخالد بن الوليد: لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال؟ فقال: هم بدءونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت يدي ما استطعت. فقال: قضاء الله خير ) .

وذكر ابن سعد: أن عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلا، ومن هذيل خاصة أربعة، وقيل: مجموع من قتل منهم ثلاثة عشر رجلا " انتهى من "فتح الباري" (8 / 10 - 11).

وقلة القتلى مقارنة بعظمة هذا الفتح راجع إلى ثلاثة أمور:

الأمر الأول: الإجراءات الحربية التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم من استعداد وسرية في القدوم إلى مكة وكل ما سبق ذكره، كان لها بقدر الله تعالى أثرٌ عظيمٌ في دخول الرعب في قلوب أهل مكة وتوهين عزيمتهم للقتال، فلم يقم إلى القتال إلا القليل منهم ، كما أن هذه المباغتة لم تعطهم الفرصة للاستعداد للحرب.

الأمر الثاني: عظمة وحرمة المكان الذي وقع فيه القتال وهو الحرم المكي، فكان هذا حافزا إلى كف المسلمين لسيوفهم ما أمكنهم ذلك.

ولهذا لما قال سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: ( يَا أَبَا سُفْيَانَ! اليَوْمَ يَوْمُ المَلْحَمَةِ، اليَوْمَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ، ...

فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: مَا قَالَ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الكَعْبَةُ ) رواه البخاري (4280).

ولم يأذن فيه بعد التغلب عليها ، إلا لخزاعة ، تأخذ ثأرها من بني بكر، ولم يأذن لها إلا ساعة من نهار إلى العصر من يوم الفتح، ثم أمرهم بكف أيديهم عن القتل.

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: ( لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُفُّوا السِّلَاحَ ، إِلَّا خُزَاعَةَ عَنْ بَنِي بَكْرٍ. فَأَذِنَ لَهُمْ، حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ قَالَ: كُفُّوا السِّلَاحَ.

فَلَقِيَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرٍ، مِنْ غَدٍ، بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ، وَرَأَيْتُهُ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَ: إِنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ بِذُحُولِ [أي : ثار] الْجَاهِلِيَّةِ ) رواه أحمد في "المسند" (11 / 264 - 265)، وحسنه محققو المسند.

الأمر الثالث: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس والجنوح إلى السلم ما أمكن ذلك.

فقد أعطى الأمان لكل من يدخل بيته ، أو بيت أبي سفيان ، أو المسجد ، أو ألقى السلاح.

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابهُ فَهُوَ آمِنٌ ) رواه مسلم (1780).

وعند أبي داود (3022) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ .

قَالَ: فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ )، وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2 / 257).

وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم جنوده ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم، كما مر ذلك في كلام ابن حجر رحمه الله تعالى.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 03:15
السؤال :

لماذا أراد الرسول صلى الله عليه وسلم
طلاق أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما؟

وما الشئ الخطير الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يهم بتطليقها؟

الجواب :

الحمد لله

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ: ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ، ثُمَّ رَاجَعَهَا ) رواه أبو داود (2283) وابن ماجه (2016) والنسائي (3560) والحاكم في "المستدرك" (2 / 197) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9 / 278)، وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" (5 / 15).

وقد راجعها النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الوحي.

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( لَمَّا طَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ أُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَرَاجَعَهَا ) رواه الحاكم في "المستدرك" (2 / 196 – 197) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" (5 / 16).

وجاء في رواية أخرى سبب الأمر بمراجعتها؛ فروى الحاكم في "المستدرك" (4 / 15) عَنْ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ: ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا خَالَاهَا قُدَامَةُ وَعُثْمَانُ ابْنَا مَظْعُونٍ، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا طَلَّقَنِي عَنْ شِبَعٍ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَاجِعْ حَفْصَةَ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ ) وحسنه الألباني بمجموع طرقه في "السلسة الصحيحة" (5 / 17).

ثانيا:

أما سبب الطلاق، فلم يرد ببيانه حديث صحيح ؛ إلا أن بعض أهل العلم ربطوا هذا الطلاق بالحادثة الشهيرة حينما أسر النبي صلى الله عليه وسلم حديثا إلى بعض أزواجه فأخبرت به صاحبتها.

قال الله تعالى:

( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ) التحريم (3).

وقد ثبت أن التي أسر إليها النبي صلى الله عليه وسلم بحديثه هي أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، حتى قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ) يعني: حفصة من غير خلاف علمناه " انتهى. "زاد المسير" (8 / 307).

وقد استنبط بعض المفسرين طلاق حفصة من قوله تعالى : ( عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ )، حيث كلمة ( عَرَّفَ ) وردت في قراءة الكسائي الثابتة المتواترة : ( عَرَفَ ) مخففة.

قال الطبري رحمه الله تعالى :

وقوله: ( عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ). اختلفت القراء في قراءة ذلك؛ فقرأته عامة قراء الأمصار غير الكسائي: ( عَرَّفَ ) بتشديد الراء، بمعنى: عرَّف النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به.

وكان الكسائي يذكر عن الحسن البصري وأبي عبد الرحمن السلمي وقتادة، أنهم قرءوا ذلك: (عَرَفَ) بتخفيف الراء، بمعنى: عرف لحفصة بعض ذلك الفعل الذي فعلته من إفشائها سره، وقد استكتمها إياه، أي: غضب من ذلك عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجازاها عليه. من قول القائل لمن أساء إليه: لأعرفن لك يا فلان ما فعلت، بمعنى:لأجازينك عليه.

قالوا: وجازاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من فعلها بأن طلقها " انتهى. "تفسير الطبري" (23 / 91 - 92).

قال أبو علي الفارسي:

" وجه التخفيف ، لقول الكسائي ( عَرَفَ بَعْضَهُ ) أنه جازى عليه، لا يكون إلا كذلك، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون (عَرَّفَ) الذي معناه علم، أو الذي ذكرنا، فلا يجوز أن يكون من باب العلم، لأن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، إذا أظهره اللَّه على ما أسرّه إليها علم جميع ذلك، ولم يجز أن يعلم من ذلك - مع إظهار اللَّه إياه عليه - بعضه، ولكن يعلم جميعه .

فإذا لم يجز حمله على هذا الوجه، علمت أنه من المعنى الآخر، وهذا كما تقول لمن يسيء أو يحسن: أنا أعرف لأهل الإحسان، وأعرف لأهل الإساءة، أي: لا يخفى عليّ ذلك، ولا مقابلته بما يكون وفقا له " انتهى. "الحجة للقراء السبعة" (6 / 301).

وعلى هذا التفسير يكون سبب الطلاق هو إفشاء حفصة رضي الله عنها لسر النبي صلى الله عليه وسلم.

والخلاصة؛ أنه لا يوجد حديث صحيح صريح ينص على سبب تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين حفصة رضي الله عنها.

لكن لا يبعد أن يكون متعلقا بالسر الذي أسر إليها به، ويتقوى ذلك بقراءة الكسائي.

وقد تكون هناك أسباب أخرى من خصائص بيت النبوة انضمت إلى كل هذا.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" دل الحديث على جواز تطليق الرجل لزوجته، ولو أنها كانت صوامة قوامة، ولا يكون ذلك بطبيعة الحال إلا لعدم تمازجها وتطاوعها معه .

وقد يكون هناك أمور داخلية لا يمكن لغيرهما الاطلاع عليها " انتهى. "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (5 / 18).

ولعل في عدم إفصاح النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب طلاقه حفصة رضي الله عنها ما يشير إلى الأدب في هذا ، وأن الرجل إذا طلق امرأته فلا ينبغي له أن يفشي سرها ، ولا أن يصفها بما تكره ، فإن ذلك يكون من الغيبة .

وقد ذكر الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (2/52) : من الأمور التي ينبغي للزوج أن يراعيها في الطلاق : "أن لا يفشى سرها ، لا في الطلاق ولا عند النكاح ، فقد ورد في إفشاء سر النساء في الخبر الصحيح وعيد عظيم [رواه مسلم من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أعظم الخيانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم يفشي سرها)] .

ويروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة فقيل له : ما الذي يريبك فيها ؟

فقال : العاقل لا يهتك ستر امرأته !!

فلما طلقها قيل له : لم طلقتها ؟

فقال : مالي ولامرأة غيري ؟! " انتهى .

والنصيحة للسائلة الكريمة أن تكون عنايتها بمعرفة ما فيه العلم والعمل ، مما بين الله لنا في كتابه ، وعلى لسان رسوله ، وأن يتطلب من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه الأسوة ، والمعرفة بتفاصيل أحواله النافعة التي فيها لنا القدوة والأسوة .

وأما تفاصيل مثل ذلك : لماذا تزوج فلانة ، ولأي شيء طلق الأخرى ، أو هم بطلاقها ؟! فما المنفعة التي ترجى من تكلف البحث في ذلك ، ومعرفة أسرار هذه الخصوصيات ؟!

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 03:20
السؤال:

اليهودي واليهودية اللذان حكم عليهما الرسول صلى الله عليه وسلم بالرجم، بعد أن جاء إليه اليهود ، الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أنهما سيذهبان إلى النار الأبدية دون أن يحزن عليهما ، ويسألهما أن يصبحا مسلمين .

الجواب :

الحمد لله

لا يملك أحد دليلا يثبت به أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحزن لحال هذين اليهوديين المرجومين، أو لم يشفق عليهما، أو يتأسف لحالهما، بل الأدلة المتكاثرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة تدل على خلاف ذلك، وتدل على أن صاحب القلب الرحيم عليه الصلاة والسلام كاد يهلك نفسه "أسىً"، و "أسفًا"، و "حزنًا"، و"حسراتٍ"، بل "شقاءً" ؛ على إعراض المعرضين، واستكبار المعاندين، يرجو أن يأخذ بحُجَزهم عن النار، وهم يأبون إلا تقحمها.

وهذه المفردات البالغة الغاية في التعبير عن صدق رحمته عليه الصلاة والسلام، كلها وردت في القرآن الكريم.
تأمل معنا قول الله عز وجل: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) فاطر/ 8 .

يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله:

"جُمعت الحسرات - مع أن اسم الجنس صالح للدلالة على تكرار الأفراد - قصدا للتنبيه على إرادة أفراد كثيرة من جنس الحسرة ؛ لأن تلف النفس يكون عند تعاقب الحسرات ، الواحدة تلو الأخرى، لدوام المتحسر منه، فكل تحسر يترك حزازة وكمدا في النفس، حتى يبلغ إلى الحد الذي لا تطيقه النفس، فينفطر له القلب، فإنه قد علم في الطب أن الموت من شدة الألم ، كالضرب المبرح وقطع الأعضاء ، سببه اختلال حركة القلب من توارد الآلام عليه" .

انتهى من "التحرير والتنوير" (22/266).

ومثله قوله تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) الكهف/ 6.

وقوله سبحانه: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الشعراء/ 3.

وقول الله جل وعلا: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر/88

وقوله تعالى: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) النحل/ 127، وأيضا: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) النمل/ 70

وأيضا: (وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) لقمان/ 23.

وقوله سبحانه: (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ) الأنعام/ 35.

وهو أحد أوجه تفسير قوله جل وعلا: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) طه/ 2 .

ينظر : "أضواء البيان" للشنقيطي (4/4) ، "التحرير والتنوير" لابن عاشور" (16/185) .

فإذا كانت هذه مشاعرَ نبينا صلى الله عليه وسلم تجاه المشركين الوثنيين عبدة الأصنام، الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات في مكة، وآذوه كل أنواع الأذى، وحاربوه وناصبوه العداء وقتلوا من المسلمين ما الله به عليم، ومع ذلك يرجو الله تعالى لهم الهداية وصلاح الحال، ويتقطع قلبه الشريف عليه الصلاة والسلام حسرة عليهم

وكأنه يبحث عن وسيلة يهدي بها قلوبهم، ويؤثِّر بها على عزائم إرادتهم الخفية، فذكره ربه عز وجل بأنه لا يملك لذلك سبيلا، فقال سبحانه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) القصص/ 56 ؛ فأنى يذهب بك الخيال ، وتتخطفك الوساوس والشبهات في ذلك المقام السني ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولذلك أيضا حضه القرآن الكريم على تجنب كل هذا الأسى القلبي الذي كان يصيبه
كي تستمر دعوته، ويترك شأن الله لله عز وجل.

يقول تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) المائدة/68 .

وقد بلغ من شفقته عليه الصلاة والسلام على المنافقين أنه حرص على الاستغفار لهم، والصلاة عليهم، رغم نهي الله عز وجل له، ولكنه عليه الصلاة والسلام تأول النهي تغليبا لجانب الرحمة والشفقة، كما ثبت عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّهُ قَالَ: " لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا؟ أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: ( أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ )

فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: ( إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا) ، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرًا، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةٌ: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) [التوبة: 84] إِلَى قَوْلِهِ (وَهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة: 84] قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ " رواه البخاري (1366) ، ومسلم (2400) .

ولكن من المعلوم أن الرواة لم ينقلوا كل شيء، ولم يتحدثوا بجميع التفاصيل المتعلقة بالحوادث والمجريات، وإنما كان الراوي يسوق الخبر مركزا على جانب خاص، ومسلطا الضوء على المقصد الذي يريد، كما وقع في حديث رجم هذين الزانيين، كانت الرواية متجهة بكليتها للحديث عن تحاكم اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنكارهم آية الرجم في التوراة، وكشفها بعد ذلك.

أما التفاصيل الأخرى – وهي الأكثر والأطول –، مثل حكاية هذين اليهوديين، وطريقة إثبات زناهما، وهيئة إقامة الحد عليهما، والآثار الاجتماعية والنفسية والتربوية الناتجة عن حادثتهما في المجتمع المدني، وغيرها من الأمور، كلها أغفلت في الرواية . كما سكت الرواة – كذلك – عن مشاعر النبي صلى الله عليه وسلم تجاههما .

فبأي شيء يجزم القائل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم تنله الشفقة عليهما ؟!

ألأجل أن الرواة قد سكتوا عن نقله ؟ فقد علمنا أن هذا لا يصلح دليلا .

أم لأجل ما علم من سيرته ، وخلقه صلى الله عليه وسلم ؟ وقد علمنا أنه الرحمة المهداة إلى الناس جميعا ، كما وصفه ربه : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء/107 .

ثم لأي شيء تطلب الأسى على هذا الشخص المعين ، أو في موقف معين ، وأنت لم تعلم شيئا عن عناده ، وعتوه واستكباره عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإصراره على كفره ؛ ومن المعلوم أن أهل المدينة ، خاصة : قد بلغتهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بين أظهرهم ، أعظم مما بلغت غيرهم ، وقامت عليهم الحجة به أعظم قيام ، وبانت لهم المحجة أعظم بيان ؛ فأي شيء تريد بعد ذلك من الدعوة يا عبد الله ؟!

وتأمل قول الله تعالى لنبيه : ( يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة/ 41

وقوله تعالى أيضا : (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) المائدة/68 ؛ لتعلم أين تذهب بك الوساوس بعيدا عن مقام الإنصاف ، وتوقير رسول الله صلى الله عليه وسلم حق توقيره ، وإجلاله حق إجلاله ، بل تبعد بك كثيرا عن مراد الله من نبيه، وأدبه له صلى الله عليه وسلم .

ثم تأمل ذلك المقام السني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكيف فرحه بنجاة نفس من النار :

روى البخاري (1356) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِه ِ، فَقَالَ لَهُ: (أَسْلِمْ)، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ) .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 03:27
السؤال :

أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" في كتاب "الجهاد والسير"، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ. فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ. أَوْ: هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟‏ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ . ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا فَقَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ. أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ.‏ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيْهِ: مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا)‏ فهل عرَّض النبي صلى الله عليه وسلم حياة سبعة من أصحابه للخطر ليحمي نفسه. فذلك لا يبدو عدلاً. لقد كان بإمكانهم الهروب أو الاختباء ، بما أنه يجوز الهرب من المعركة إن كان عدد العدو يفوق عدد المسلمين بشكل كبير. فما الحكمة من قرار النبي صلى الله عليه وسلم. لماذا هرب النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه من ساحة المعركة واختبأ في الكهف؟

الجواب :

الحمد لله

أسوأ ما يمكن أن يبلغه القارئ أو الباحث أن يمنح نفسه حق الحكم على النبي عليه الصلاة والسلام، أو على أحد من أصحابه، عبر مشهد يقرؤه في إحدى الروايات، دون أن يستحضر المشاهد قبله أو بعده، ودون أن يتفهم لحاقه وسباقه، حتى لو لم يكن مرويا ذلك السياق، فالواجب على الناقد أن يحاول تصوره، واستدعاءه، وجمع أجزاء المشهد المفترض حدوثها، وحينئذ يمكنه أن يشكل قراءة منصفة موضوعية.

فحين تقرأ حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ.

فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ. أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ.‏ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا فَقَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ. أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ.‏ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيْهِ: مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا)‏ رواه مسلم في "صحيحه" (رقم/1789) .

فأول ما ينبغي أن تستحضر أن النبي عليه الصلاة والسلام ليس في موقف المتهم بين أصحابه، ولا بين المسلمين جميعا، فهو عليه الصلاة والسلام رسول النور والهداية والرحمة للبشرية جميعها، وهداية البشرية كلها ، واستقامتها : مرهون بدعوته، ومصير حركة الأديان في العالم كله مرتبط بدينه، ولذلك ختم الله به الرسالات، ورفع مقامه وذكره في العالمين جميعا، وعصمه من الناس، وحماه بما قدّر عز وجل من الأسباب.

ولهذا كان أصحابه رضوان الله عليهم ، يود أحدهم لو فداه بنفسه وماله، لا يجد في ذلك ترددا ولا غضاضة؛ لأنه بحماية نبي الله، يحمي مشعل نور التوحيد والعدل والاستقامة والخير في أرجاء المعمورة.

وبمثل هذا الفداء والتضحية استمرت رسالة الإسلام، وتشكلت أمة المسلمين، وبلغت أعلى ذرى المجد في تحقيق الممكن من حياة العدل والعلم والسلام، كل ذلك بفضل هذه التضحيات الجليلة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
فليس بوارد على قلب مسلم، فضلا عن قلب صحابي جليل، يدافع مع النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة المنورة، أن يرى نبيه عليه الصلاة والسلام في غير مقام الكمال، أو يرى أن نفسه أولى بالحفظ والإيثار، من روحه الشريفة عليه الصلاة والسلام.

وفوق ذلك كله كان صلى الله عليه وسلم خير قدوة وخير مثال، فقد حمل السلاح وشارك أصحابَه في الدفاع عن حرمات المسلمين، ورد كيد الحاقدين الظالمين، وصيانة الأرواح والأعراض والأموال من تجبر جاهلية قريش واستكبارها في الأرض، وكان أصحابه من شجاعته يلوذون به إذا حمي الوطيس.

روى أحمد (1346) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : (كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم ، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْقَوْمِ مِنْهُ) وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند : إسناده صحيح .
ومعنى : " احْمَرَّ الْبَأْسُ" أي اشتدت الحرب .

وروى البخاري (2627) ومسلم (2307) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ : لَمْ تُرَاعُوا ، لَمْ تُرَاعُوا) .

قال النووي رحمه الله :

"فِيهِ فَوَائِد : مِنْهَا بَيَان شَجَاعَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِدَّة عَجَلَته فِي الْخُرُوج إِلَى الْعَدُوّ قَبْل النَّاس كُلّهمْ , وَبِحَيْثُ كَشَفَ الْحَال , وَرَجَعَ قَبْل وُصُول النَّاس" انتهى .

ومعنى : "فرس عري" أي ليس عليه سرج ، وهذا من كمال شجاعته صلى الله عليه وسلم ، فاستعجل النظر في الأمر المهم المقلق ، ولم ينتظر حتى تسرج له دابته.

وفي غزوة حنين حين فر أكثر الصحابة من المعركة ، جعل النبي صلى الله عليه وسلم يدفع بغلته تجاه العدو وهو يقول : (أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ) . قال البراء بن عازب رضي الله عنه : (فَمَا رُئِيَ مِنْ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ مِنْهُ) . رواه البخاري (3042) ومسلم (1776) .

ولكن مصاب المسلمين في أحد كان عظيما، فقد جرحت وجنته الشريفة، وسال دمه الطاهر، وكُسرت رَباعيّته في فمه المكرّم، فدافع وقاتل بنفسه عن أصحابه في أحلك الظروف وأشدها، وكان يتقدمهم بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام يحمي أرواحهم، ويحول دونهم ودون المعتدين من قريش، ولم يقعد آمنا في بيته أو خيمته في ذلك الموقف العصيب.

وما يستشكله هذا السائل إنما هو آخر مشهد من تلك الساعات المؤلمة العصيبة جدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه الكرام، فقد رهقته المقاتلة، وأضناه حمل السلاح، وجرحُه ينزف لا يجد له علاجا، ولا ما يرقؤه به، سقط في حفرة، ودخلت حلقات المغفر في وجهه غائرة لم يتمكن من انتزاعها، وهُشِّم الترس الحديدي على رأسه الشريف، وألقيت عليه الحجارة الكبيرة، حتى انتشرت إشاعة قتله عليه الصلاة والسلام من شدة ما لقي، وهو بأبي وأمي قد قارب سن الستين!!

يقول ابن هشام رحمه الله:

"قال ابن إسحاق: وانكشف المسلمون، فأصاب فيهم العدو، وكان يوم بلاء وتمحيص، أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة، حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَدُثَّ بالحجارة حتى وقع لشقه، فأصيبت رباعيته، وشج في وجهه، وكلمت شفته، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص.

قال ابن إسحاق: فحدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وشج في وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم وهو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم! فأنزل الله عز وجل في ذلك: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).
قال ابن هشام: وذكر ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه

عن أبي سعيد الخدري: أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله ابن شهاب الزهري شجه في جبهته، وأن ابن قَمِئَة جرح وجنته، فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون، وهم لا يعلمون، فأخذ علي بن أبي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما" انتهى من " سيرة ابن هشام" (2/ 79)


فلما بلغ برسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المبلغ الشديد، واجتمع عليه جماعة من المشركين يبغون قتله، وهو فيما أصابه، اجتمع إليه جماعة من أصحابه الكرام يفدونه بأرواحهم وأجسادهم، كما قال ابن حزم: "لحق المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكرَّ دونه نفر من المسلمين رضوان الله عليهم، كانوا سبعة، وقيل أكثر، حتى قُتلوا كلهم، وكان آخرهم عمارة بن يزيد بن السكن" انتهى من " جوامع السيرة" (ص: 127).

فأي ضير – والحال هذه – أن يطلب عليه الصلاة والسلام من أصحابه عونه ومساندته!
وأي جناية في تعاون المجاهدين في صد العدوان، والدفاع عن بعضهم بعضا، كما هو شأن جميع المقاتلين: يعين بعضهم بعضا، ويحمي بعضهم بعضا!

وهو في ذلك عليه الصلاة والسلام معتصم بحبل الله، واثق بعصمته، وآخذ بأسباب ذلك، فطلب من أصحابه عونه في ذلك، كي لا تموت دعوة الحق في مهدها، ولا ينتصر أهل الظلم والعدوان، بعد أن قطعوا الفيافي والقفار من مكة إلى المدينة، يبغون العدوان والتنكيل بالمؤمنين في مدينتهم المسالمة والآمنة، ليفتنوهم عن دينهم، ويلزموهم بآصار الشرك والجاهلية التي لا تلوي على خير ولا خلق ولا حق ولا دين.

هذا جزء يسير من المشهد المؤلم ، وهو كفيل في شرح السبب الذي حدا برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرِّف أصحابه ويكرِّمهم في ندبه لهم: (من يردهم عنا وله الجنة)، فقد كان من آثار ما أصابه عليه الصلاة والسلام – كما في "السيرة الحلبية" (2/322، 324)- أنه لم يتمكن من صعود صخرة يحتمي بها حتى أعانه طلحة رضي الله عنه، وصلى يومها بالمسلمين قاعدا .

وما لم يروه الرواة، ولم ينقله الناقلون، أفدح وأخطر فيما نحسب أو نظن؛ لما كانت عليه الحروب يومها من إصابات بدنية مؤلمة، لا يجدون لها تطبيبا. ولو تصور السائل تلك الآلام التي تحدثها السيوف والجروح، وافترض القاعدة العسكرية المعلومة، أن المقاتلين وقادتهم أدرى بظروف معركتهم من غيرهم، لم يتجرأ على توجيه العتب أو اللوم لطريقة توزيع مسؤولية الدفاع وهو يقرأ رواية واحدة مقطوعة عن سياقها، بل لو قرأ التاريخ كله لن يتمكن من تصور حقيقة ما جرى كما هو إدراك أصحاب الحكاية أنفسهم، وحينئذ سيدرك أن شكه وسؤاله لم يقع في محله الصحيح.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (ما أنصَفْنا أصحابَنا) ليس المقصود أنه عليه الصلاة ضحى بأصحابه من أجل نفسه. وإنما المراد معاتبة القرشيين اللذين لم يُقْدِما على الدفاع أيضا، فقد كان ينبغي أن يشارك الجميع في الدفاع والحماية، ولا يقتصر ذلك الواجب المهم على الأنصار الذين أقدموا تباعا، حتى استشهدوا السبعة.

وقال بعض العلماء: إن الضبط الأدق هو (ما أنصفَنا أصحابُنا)، يريد الصحابة الذين فروا وتركوه عليه الصلاة والسلام يواجه هذه الجراح ومحاولات القتل وحده.

قال القاضي عياض :

" وفي غزوة أحد ما أنصفنا أصحابنا، بالنصب مفعولين، كذا ضبطناه وبه يستقل معنى الكلام في الذين قاتلوا عنه من الأنصار فقتلوا دون غيرهم . "وبعض رواة كتاب مسلم ضبطه بالرفع على الفاعل، ووجهه : أن يرجع إلى الجملة فيمن فر عنه وتركه في النفر القليل . والله أعلم" انتهى من " مشارق الأنوار على صحاح الآثار" (2/ 16).

وقال الإمام النووي رحمه الله:

"معناه: ما أنصفت قريشٌ الأنصارَ؛ لكون القرشيين لم يخرجا للقتال، بل خرجت الأنصار واحدا بعد واحد" انتهى من "

شرح مسلم" (12/ 147)

وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله:

"وجه النصب: أن الأنصار لما خرجوا للقتال واحدا بعد واحد حتى قتلوا، ولم يخرج القرشيان، قال ذلك، أي: ما أنصفت قريش الأنصار.

ووجه الرفع: أن يكون المراد بالأصحاب الذين فروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أُفرد في النفر القليل، فقتلوا واحدا بعد واحد، فلم ينصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثبت معه" انتهى من "زاد المعاد" (3/183).

والحاصل:

أنه لا اختلاف بين الناس جميعا : أن القائد في المعركة له خصوصية ليست لغيره ، ويحاط بالحماية والوقاية والدفاع عنه ، ما لا يتوفر شيء منه البتة لغيره من الجنود ، وأن الوصول إلى القائد وأسره ، أو قتله : هو واحد من أكبر الضربات للجيش ، وأسباب هزيمته النفسية والعسكرية ؛ فكيف يقاس هذا بغيره ؟

فكيف إذا كان القائد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأبي هو وأمي ؟

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 03:30
و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و ولنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 15:38
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال :

سمعت في إحدى القنوات التلفزيونية من يقول " إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أسري به لم يكن فقط من مكان إلى مكان ، وإنما سافر من زمن إلى زمن ، وكان كلامه هذا عندما أراد أن يرد على الذين يقولون : إن المسجد الأقصى لم يكن موجودا، وأنه بني في عهد عبد الملك بن مروان ، أنا أريد الرد

أو التوضيح للقول الذي يقول : إن الرسول سافر من زمن إلى زمن، واعتبر هذا معجزة كبرى ، حيث إن الفيزيائيين لم يتوصلوا إلى الآن لطريقة للسفر عبر الزمن.

الجواب :

الحمد لله

أولا:

قد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء/1

ثم عرج به من هناك إلى السموات العلى، ثم عاد إلى بيت المقدس، فصلى فيه صلاة الصبح بالأنبياء، ثم رجع إلى مكة.

والقول بأنه لم يُسْرَ به من مكان إلى مكان: خطأ بيِّنٌ يرده القرآن والأحاديث الصحيحة المتواترة.

والقول بأن المسجد الأقصى لم يكن موجودا، خطأ أيضا، وهو تشكيك في الإسراء كله، وتشكيك في القرآن، ومخالفة للفظه الصريح.

وقد كان المسجد الأقصى موجودا قائما، وهو مبني من قديم، وقد جدد سليمان عليه السلام بناءه، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم لمشركي قريش لما قدحوا في رحلته صلى الله عليه وسلم إليه.

روى البخاري (3886) ومسلم (170) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ، قُمْتُ فِي الحِجْرِ، فَجَلاَ اللَّهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ).

وروى مسلم (172) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ»، قَالَ: " فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ).

وروى البخاري (3366) ومسلم (520) عن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ «المَسْجِدُ الأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ».

وروى النسائي (693) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِلَالًا ثَلَاثَةً: سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ: أَنْ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ؛ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "

والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.

وبناء سليمان عليه السلام كان تجديدا للبناء القديم، وكذلك إبراهيم عليه السلام إنما جدد بناء الكعبة.

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" الإشارة إلى أول البناء ، ووضع أساس المسجدين ؛ وليس أول من بنى الكعبة إبراهيم ، ولا أول من بنى بيت المقدس سليمان ، وفي الأنبياء والصالحين والبانين كثرة ، فالله أعلم بمن ابتدأ.

وقد روينا أن أول من بنى الكعبة : آدم ، ثم انتشر ولده في الأرض ، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس " انتهى من " كشف المشكل " (1/ 360).

وبنحو ذلك قال القرطبي ، ورجحه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (6/ 409) .

وأما عبد الملك بن مروان فإنما بنى مسجد قبة الصخرة سنة 72هـ، ولم يبن المسجد الأقصى. وينظر: جواب السؤال رقم (20903) .

وكون المسجد الأقصى كان موجودا زمن النبي صلى الله عليه وسلم هذا مما لا خلاف فيه، وقد كان قبلة المسلمين أول الأمر، فالعجب ممن يجهل ذلك ثم ينصرف عنه إلى الظنون والأوهام.

ثانيا:

الزمن مجرد دالة حسابية بين متغيرين، ولا يمكن فصله أو تجريده بحيث يمكن السفر عبره أو اختراقه، إلا إن أريد بالسفر عبر الزمان إمكانية السفر في الفضاء واختصار الزمن، فهذا لا يحيله العقل، وليس أن يكون السفر في الزمن نفسه، وهو ما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج، فإنه قطع المسافة الشاسعة في الزمن اليسير، وكان هذا أمرا معجزا، وقد يخترع الإنسان وسيلة تتخطى سرعة الضوء، لكنها لا تبلغ هذا الأمر المعجز، ولا تمكّن صاحبها من العروج إلى السموات ذات الأبواب التي لا تفتح إلا بالإذن كما جاء في الأحاديث.

وعلى كل، فمقاربة السرعة الضوء أو تخطيها هو ما تعتمد عليه فكرة السفر عبر الزمن في النظرية النسبية لأينشتاين، وأما أن يعود الإنسان إلى الماضي، فهذا لا يمكن.

والمقصود هنا أن الذي يجب الإيمان به: أن النبي صلى الله عليه وسلم عُرج به من بيت المقدس إلى السموات، وأنه مر بسماء سماء، حتى انتهى إلى السماء السابعة، إلى ما شاء الله بعدها، يستفتح له جبريل كل سماء فيُفتح له، ويرحَّب به.

وهذا متواتر في الأحاديث، ونسوق هنا حديثا واحدا مما جاء في ذلك.

روى مسلم (162) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»، قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ»، قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ»، قَالَ " ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟

قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: َ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟

قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا هُوَ قَدِ اُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57]

ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟

قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ "، قَالَ: " فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ "، قَالَ: " فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ

فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، قَالَ: " فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً "، قَالَ: " فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ).

وعند البخاري (3887) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: ( بَيْنَمَا أَنَا فِي الحَطِيمِ، - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الحِجْرِ - مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ: قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟

قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ البَغْلِ، وَفَوْقَ الحِمَارِ أَبْيَضَ، - فَقَالَ لَهُ الجَارُودُ: هُوَ البُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ - يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ...) الحديث.

فالحذر الحذر ممن يشكك في السنة، أو يتكلم في الدين بلا علم.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 15:42
السؤال :

يحتج الرافضة علينا بأن الرسول صل الله عليه وسلم توفي إلى صدر علي بن أبي طالب وليس بين سحر ونحر أم المؤمنين أمنا الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما وينقلون من كتاب مختصر تاريخ دمشق لأبن عساكر "لابن منظور "الجزء الثاني الصفحة 392 وها هو نص قد تفحصته من المكتبة الشاملة قبل أن أسأل: (عن أبي غطفان قال: سالت ابن عباس: أرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي ورأسه في حجر أحد؟

قال: توفي وهو إلى صدر علي. قالت: فإن عروة حدثني عن عائشة أنها قالت: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سحري ونحري. فقال ابن عباس: أيعقل! والله لتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنه لمسند إلى صدر علي، وهو الذي غسله، وأخي الفضل بن عباس وأبي أبى أن يحضر، وقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمرنا أن نستتر، فكان عند الستر.) يرجى الرد على الشبهة

الجواب :

الحمد لله

الثابت بالإسناد الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي على صدر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ( إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ: أَيْنَ أَنَا اليَوْمَ ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا ؟ اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ.

فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي، قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَدُفِنَ فِي بَيْتِي ) .

رواه البخاري (1389) ومسلم (2443).

وعن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ، قالت: ( دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَضِمْتُهُ، وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى. ثَلاَثًا، ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي ) رواه البخاري (4438).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" ما بين الحاقنة والذاقنة هو ما بين السحر والنحر، والمراد أنه مات ورأسه بين حنكها وصدرها صلى الله عليه وسلم ورضي عنها " انتهى. "فتح الباري" (8 / 139).

أما ما ذكره ابن منظور في "مختصر تاريخ دمشق" (2 / 392):

" عن أبي غطفان قال: سألت ابن عباس: أرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفي وهو إلى صدر علي. قلت: فإن عروة حدثني عن عائشة أنها قالت: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سحري ونحري ؟

فقال ابن عباس: أيعقل! والله لتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنه لمسند إلى صدر علي، وهو الذي غسله، وأخي الفضل بن عباس، وأبى أبي أن يحضر، وقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمرنا أن نستتر، فكان عند الستر " انتهى.

فذكره بغير إسناد، ولم نقف عليه في "تاريخ دمشق" لابن عساكر، لكن رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2 / 263)؛ قال:

أخبرنا محمد بن عمر، حدثني سليمان بن داود بن الحصين، عن أبيه، عن أبي غطفان، قال: سألت ابن عباس: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفي وهو لمستند إلى صدر علي. قلت: فإن عروة حدثني عن عائشة أنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري؟

فقال ابن عباس: أتعقل؟ والله لتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لمستند إلى صدر علي ، وهو الذي غسله وأخي الفضل بن عباس وأبى أبي أن يحضر وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نستتر، فكان عند الستر ".

ومحمد بن عمر هو الواقدي، وهو متروك الحديث ومتهم بالكذب.

وسليمان بن داود بن الحصين مجهول الحال.

فمثل هذا الحديث بهذا الإسناد الضعيف لا يقوى على معارضة حديث عائشة الذي اتفق أهل العلم على صحته.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" – الأثر- : ( توفي صلى الله عليه وسلم وإنه لمستند إلى صدر علي) .

موضوع.

أخرجه ابن سعد (2/ 263) : أخبرنا محمد بن عمر: حدثني سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن أبي غطفان قال:...

قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن عمر - وهو الواقدي -؛ كذاب.

وشيخه سليمان بن داود بن الحصين؛ لا يعرف؛ أورده ابن أبي حاتم – أي في كتابه الجرح والتعديل - ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

ثم رأيت الحافظ ابن حجر قال في "الفتح" (8/ 107) :

"لا يعرف حاله".

قلت: وإن مما يؤكد وضع الحديث؛ مخالفته لحديث عروة المذكور عن عائشة؛ فإن عروة وهو - ابن الزبير - من كبار التابعين وثقاتهم، وقد رواه عنه جمع من الثقات في "مسند الإمام أحمد"، و "صحيح البخاري"، و "مسلم".

وتابعه عندهما جماعة من الثقات عن عائشة رضي الله عنها، وكذلك في "المسند"، و "ابن سعد". فهو حديث مشهور عن عائشة رضي الله عنها؛ إن لم يكن متواتراً...

فمثل هذا الحديث المشهور عن عائشة يبعد جداً أن يخفى على ابن عباس رضي الله عنه!

فنفيه عن عائشة وإثباته لعلي رضي الله عنه؛ إنما هو من صنع الكذابين من الشيعة أو من يساندهم " انتهى. "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (10 / 710 - 711).

وقد وردت روايات أخرى ضعيفة بمثل ما في رواية ابن سعد السابقة، وقد بيّن الحافظ ابن حجر ضعفها، أثناء شرحه لحديث عائشة الذي سبق ذكره؛ قال رحمه الله تعالى:

" وهذا الحديث – أي حديث عائشة - يعارض ما أخرجه الحاكم وابن سعد من طرق، أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ورأسه في حجر علي؛ وكل طريق منها لا يخلو من شيعي، فلا يلتفت إليهم.

وقد رأيت بيان حال الأحاديث التي أشرت إليها دفعا لتوهم التعصب:

قال ابن سعد: "ذكر من قال توفي في حجر علي" وساق من حديث جابر: ( سأل كعب الأحبار عليا ما كان آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم؟

فقال: أسندته إلى صدري، فوضع رأسه على منكبي، فقال: الصلاة الصلاة .

فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء)، وفي سنده الواقدي وحرم بن عثمان، وهما متروكان.

وعن الواقدي عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ادعوا إلي أخي، فدعي له علي، فقال: ادن مني، قال: فلم يزل مستندا إلي وإنه ليكلمني حتى نزل به، وثقل في حجري فصحت: يا عباس أدركني فإني هالك، فجاء العباس، فكان جهدهما جميعا أن أضجعاه )، فيه انقطاع، مع الواقدي، وعبد الله: فيه لين.

وبه، عن أبيه، عن علي بن الحسين: ( قبض ورأسه في حجر علي )، فيه انقطاع.

وعن الواقدي عن أبي الحويرث عن أبيه عن الشعبي: ( مات ورأسه في حجر علي ) فيه الواقدي والانقطاع، وأبو الحويرث اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن الحارث المدني قال مالك: ليس بثقة، وأبوه لا يعرف حاله...

وأخرج الحاكم في "الإكليل": من طريق حبة العدني عن علي: ( أسندته إلى صدري فسالت نفسه )، وحبة ضعيف.

ومن حديث أم سلمة قالت: ( عليٌّ آخرهم عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم )، والحديث عن عائشة أثبت من هذا، ولعلها أرادت آخر الرجال به عهدا، ويمكن الجمع بأن يكون علي آخرهم عهدا به، وأنه لم يفارقه حتى مال، فلما مال ظن أنه مات، ثم أفاق بعد أن توجه، فأسندته عائشة بعده إلى صدرها، فقبض " انتهى. "فتح الباري" (8 / 139).

والحاصل: أن ما يذكره الشيعة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على صدر علي رضي الله عنه، كلها أخبار واهية لا يلتفت إليها، ولا تقوى على معارضة حديث عائشة رضي الله عنها، المتفق على صحته.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 15:47
السؤال:

يقال : إن العلماء يتساهلون في أحاديث السير ونحوها ، فما رأيكم في كتاب: "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية"؛ فإنه قد بيَّن فيه ضعف كثير من القصص والوقائع المشهورة ، التي يتناقلها الناس، بل حتى العلماء منهم؟

الجواب :

الحمد لله

لا بد أن نفرق في حديثنا عن الأحاديث الضعيفة في جناب
السيرة النبوية المطهرة بين مقامات ثلاثة:

المقام الأول:

أن علماء الحديث لا يختلفون في أن أبواب السير والمغازي من الأبواب التي يجوز "رواية" الأحاديث الضعيفة فيها، و"حكايتها"، و"نقلها" في الكتب والمجالس وحلق العلم والدرس، لا على سبيل الجزم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما على سبيل الحكاية والنقل والرواية.

يقول عباس الدُّوري:

"سمعت أحمد بن حنبل - وسئل وهو على باب أبي النضر هاشم بن القاسم فقيل له: يا أبا عبد الله! ما تقول في موسى بن عُبيدة الربَذَي، وفي محمد بن إسحاق -؟

فقال: أما محمد بن إسحاق فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث - كأنه يعني المغازي ونحوها - وأما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس، ولكنه حدث بأحاديث مناكير عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا. وقبض أبو الفضل على أصابع يديه الأربع من كل يد، ولم يضم الإبهام، وأرانا أبو الفضل يديه وأرانا أبو العباس" .

انتهى من "تاريخ ابن معين رواية الدوري" (3/60) .

ويقول الإمام الحاكم رحمه الله:

"وأنا بمشيئة الله أُجري الأخبار التي سقطت على الشيخين في كتاب الدعوات على مذهب أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي في قبولها، فإني سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري، يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، يقول: كان أبي يحكي، عن عبد الرحمن بن مهدي، يقول:

إذا روينا، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام : شددنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال، وإذا روينا في فضائل الأعمال ، والثواب والعقاب، والمباحات والدعوات : تساهلنا في الأسانيد" انتهى من "المستدرك على الصحيحين" (1/ 666) .

وقد عقد الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" (ص: 133) بابا بعنوان: "باب التشدد في أحاديث الأحكام، والتجوز في فضائل الأعمال. " .

قال : " قد ورد عن غير واحد من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلا عمن كان بريئا من التهمة ، بعيدا من الظِّنَّة ، وأما أحاديث الترغيب والمواعظ ونحو ذلك : فإنه يجوز كَتْبُها عن سائر المشايخ".
وأورد فيه بأسانيده:

سمعت سفيان الثوري، يقول: لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم، الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ.

قال: سمعت ابن عيينة، يقول: لا تسمعوا مِن بَقِيَّة ما كان في سُنة، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.
يقول: سمعت النوفلي يعني أبا عبد الله، يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال ، وما لا يضع حكما ولا يرفعه : تساهلنا في الأسانيد.

قال: سمعت أبا زكريا العنبري، يقول: الخبر إذا ورد لم يحرم حلالا، ولم يحل حراما، ولم يوجب حكما، وكان في ترغيب أو ترهيب، أو تشديد أو ترخيص : وجب الإغماض عنه ، والتساهل في رواته" انتهى باختصار من "الكفاية" .

ومن هنا امتلأت كتب العلماء والمحدثين في القديم والحديث بمثل هذه الروايات، التي لا يجدون فيها شذوذا أو نكارة تستوجب الرد والحذر، ولكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا يوردونها على سبيل جزم النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما لفضائل العمل، أو استرسال الأخبار، أو كل ما لا يترتب عليه تشريع أو اعتقاد.

المقام الثاني:

أن ما سبق من التساهل في أسانيد السير والمغازي لا يعني إطلاقا أننا ننسب للنبي صلى الله عليه وسلم – على وجه الجزم - كلاما لم يثبت بالأسانيد الصحيحة أو الحسنة، سواء في الأحكام أو العقائد أو الفضائل أو السير والمغازي أو غيرها من أبواب العلم والدين، فالتساهل في المغازي والسير هو تساهل على مستوى "النقل" و "البحث العلمي" فحسب، وليس على مستوى جزم النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم.



https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-17, 15:53
المقام الثالث:

أما ما ورد عن طريق الكذابين والوضاعين وسُراق الحديث، وما اشتمل على نكارة أو شذوذ لا يصدر مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمثله لا يروى إلا على سبيل التحذير منه، ولا يحكى إلا على وجه التنبيه على غلطه، كي لا يُتخذ حجة للطعن على الدين، ولا يكون سببا في إفساد تصورات الناس الإجمالية عن أبواب الفضائل والسير والمغازي.

ومن هنا يمكننا تفصيل الحديث عن كتاب محمد عبد الله العوشن، بعنوان: "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية"، ومثله جميع الكتب التي تعتني بالسيرة النبوية تصحيحا وتضعيفا، كلها يشملها التأصيل الحديثي السابق:

فما كان في كتاب العوشن والباحثين الأفاضل الآخرين من مقاصد تسعى لإلغاء الروايات الضعيفة من كتب السيرة، بالكلية ، ومنع التحديث بها، وترك كتابتها، وعدم الاستئناس بالمناسب منها، كما يقول المؤلف العوشن في مقدمته "والهدف من ذلك تنقية السيرة من هذه الأخبار التي لم تثبت" انتهى من "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية" (ص3)- دار طيبة.

فهي مقاصد غير محررة ، نراها محل بحث ونظر، ولا تتسق مع مناهج المحدثين الأوائل، الذين نقلوا لنا هذه الروايات في كتبهم، واستأنسوا بها، وساقوها في حديثهم مساق الإحاطة والعناية.

وهكذا فالعلم باب واسع، لا يجوز لأحد حصره فيما يراه – برأيه – صحيحا، ويسوي بين الضعيف والمكذوب، فيتعامل معها بوزان واحد، ولا يفرق بين درجات الثبوت ودركات عدم الثبوت. وهو المزلق الذي وقع فيه كتاب العوشن.

أما ما يجده القارئ في هذا الكتاب وغيره من مقاصد موضوعية، تبحث في صحة "النسبة"، أي تركز بحثها في تحرير صدور ذلك القول أو الفعل المعين عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ولا تمانع الأصل الوجودي لهذه المرويات في كتب السيرة، بل تفرق بين الضعيف والموضوع، وتنتهج نهج العلماء الأوائل في "كتابة" الضعيف في السير والمغازي، فهذه مقاصد حسنة، عمل بها الأولون، ولا نراها بعيدة عن قواعد علوم الحديث ومناهج المحدثين.

خاصة حين تركز البحث في المكذوب من روايات السيرة، أو المنكرات التي تتناقض مع حقائق التاريخ وصحيح الأحاديث، وصريح القرآن الكريم، فمثل هذه المرويات حَرِيَّة أن تنتقد، وتتخصص فيها الدراسات والبحوث.

يقول الدكتور أكرم ضياء العمري:

"ينبغي ملاحظة منهج المحدثين عند التعامل مع الرواية التاريخية، فهم يتساهلون في رواية الأخبار التاريخية، كما نلاحظ عند ثقات المؤرخين، مثل محمد بن إسحاق، وخليفة بن خياط، والطبري، حيث يُكثرون مِن الأخبار المرسلة والمنقطعة. كما أن الطبري يكثر النقل عن رواة في غاية الضعف مثل هشام بن الكلبي، وسيف بن عمر التميمي، ونصر بن مزاحم، وغيرهم.

ولا شك أن عدم تمحيص المؤرخين للأخبار كما فعلوا في الحديث، واكتفاءهم بإلقاء العهدة على الرواة المذكورين في أسانيد الروايات ألقى عبئاً كبيراً على "المؤرخ المعاصر المسلم" لأنه يحتاج إلى بذل جهد ضخم للوصول إلى الروايات الصحيحة بعد فهم وتطبيق منهج المحدثين، وهو أمر لم يعد سهلاً ميسوراً كما كان بالنسبة لخليفة بن خياط، أو الطبري، بسبب تضلعهم في مناهج المحدثين، وطريق سبرهم للروايات وتمييزها، وعلى أية حال فنحن لا نبخس قدامى المؤرخين حقهم وفضلهم، فقد جمعوا لنا المادة الأولية بالأسانيد التي تمكننا من الحكم عليها ولو بعد جهد وعناء.

والآن ماذا بعد سبر الروايات وتمييز صحيحها من سقيمها؟

المطلوب اعتماد الروايات الصحيحة وتقديمها، ثم الحسنة، ثم ما يعتضد من الضعيف لبناء الصورة التاريخية لأحداث المجتمع الإسلامي في عصر صدر الإسلام ....

وعند التعارض يقدم الأقوى دائماً ...

أما الروايات الضعيفة التي لا تقوى أو تعتضد فيمكن الإفادة منها في إكمال الفراغ الذي لا تسده الروايات الصحيحة والحسنة، على ألا تتعلق بجانب عقدي أو شرعي، لأن القاعدة "التشدد فيما يتعلق بالعقيدة أو الشريعة" .

ولا يخفى أن عصر السيرة النبوية والخلافة الراشدة ملئ بالسوابق الفقهية، والخلفاء الراشدون كانوا يجتهدون في تسيير دفة الحياة وفق تعاليم الإسلام، فهم موضع اقتداء ومتابعة فيما استنبطوا من أحكام ونظم لأقضية استجدت بعد توسع الدولة الإسلامية على أثر الفتوح.

أما الروايات التاريخية المتعلقة بالعمران، كتخطيط المدن، وريازة الأبنية، وشق الترع ... أو المتعلقة بوصف ميادين القتال ، وأخبار المجاهدين الدالة على شجاعتهم وتضحيتهم : فلا بأس من التساهل فيها.

وقد تعقب ابن حجر العسقلاني إنكار بعض النقاد لخبر غريب فقال: "في طرق هذه القصة القوي والضعيف، ولا سبيل إلى رد الجميع، فإنه ينادي على من أطلقه بقلة الاطلاع، والإقدام على رد مالا يعلمه، لكن الأولى أن ينظر إلى ما اختلفت فيه بالزيادة والنقص، فيؤخذ بما اجتمعت عليه ، ويؤخذ من المختلف ما قوي، ويطرح ما ضعف وما اضطرب، فإن الاضطراب إذا بَعُد به الجمع بين المختلف، ولم يترجح شيء منه : التحق بالضعيف المردود" [العُجاب]

لا شك أن اشتراط الصحة الحديثية في كل رواية تاريخية نريد قبولها : فيه تعسف، لأن ما تنطبق عليه هذه الشروط لا يكفي لتغطية العصور المختلفة للتاريخ الإسلامي، مما يولد فجوات في تاريخنا، وإذا قارنا ذلك بتواريخ العالم ، فإنها كثيراً ما تعتمد على روايات مفردة أو مؤرخين مجهولين، بالإضافة إلى ذلك فهي مليئة بالفجوات ..

لذلك يكفي في الفترات اللاحقة : التوثق من عدالة المؤرخ ، وضبطه لقبول ما يسجله، مع استخدام قواعد النقد الحديثي في الترجيح عند التعارض بين المؤرخين" انتهى باختصار من " السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية" (1/ 39-45)

والله أعلم.

و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و ولنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 04:40
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال:

يقال : إن العلماء يتساهلون في أحاديث السير ونحوها ، فما رأيكم في كتاب: "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية"؛ فإنه قد بيَّن فيه ضعف كثير من القصص والوقائع المشهورة ، التي يتناقلها الناس، بل حتى العلماء منهم؟

الجواب :

الحمد لله

لا بد أن نفرق في حديثنا عن الأحاديث الضعيفة في جناب السيرة النبوية المطهرة بين مقامات ثلاثة:

المقام الأول:

أن علماء الحديث لا يختلفون في أن أبواب السير والمغازي من الأبواب التي يجوز "رواية" الأحاديث الضعيفة فيها، و"حكايتها"، و"نقلها" في الكتب والمجالس وحلق العلم والدرس، لا على سبيل الجزم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما على سبيل الحكاية والنقل والرواية.

يقول عباس الدُّوري:

"سمعت أحمد بن حنبل - وسئل وهو على باب أبي النضر هاشم بن القاسم فقيل له: يا أبا عبد الله! ما تقول في موسى بن عُبيدة الربَذَي، وفي محمد بن إسحاق -؟

فقال: أما محمد بن إسحاق فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث - كأنه يعني المغازي ونحوها - وأما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس، ولكنه حدث بأحاديث مناكير عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا. وقبض أبو الفضل على أصابع يديه الأربع من كل يد، ولم يضم الإبهام، وأرانا أبو الفضل يديه وأرانا أبو العباس" .

انتهى من "تاريخ ابن معين رواية الدوري" (3/60) .

ويقول الإمام الحاكم رحمه الله:

"وأنا بمشيئة الله أُجري الأخبار التي سقطت على الشيخين في كتاب الدعوات على مذهب أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي في قبولها، فإني سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري، يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، يقول: كان أبي يحكي، عن عبد الرحمن بن مهدي، يقول:

إذا روينا، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام : شددنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال، وإذا روينا في فضائل الأعمال ، والثواب والعقاب، والمباحات والدعوات : تساهلنا في الأسانيد"

انتهى من "المستدرك على الصحيحين" (1/ 666) .

وقد عقد الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" (ص: 133) بابا بعنوان: "باب التشدد في أحاديث الأحكام، والتجوز في فضائل الأعمال. "
.
قال : " قد ورد عن غير واحد من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلا عمن كان بريئا من التهمة ، بعيدا من الظِّنَّة ، وأما أحاديث الترغيب والمواعظ ونحو ذلك : فإنه يجوز كَتْبُها عن سائر المشايخ".
وأورد فيه بأسانيده:

سمعت سفيان الثوري، يقول: لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم، الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ.

قال: سمعت ابن عيينة، يقول: لا تسمعوا مِن بَقِيَّة ما كان في سُنة، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.
يقول: سمعت النوفلي يعني أبا عبد الله، يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال ، وما لا يضع حكما ولا يرفعه : تساهلنا في الأسانيد.

قال: سمعت أبا زكريا العنبري، يقول: الخبر إذا ورد لم يحرم حلالا، ولم يحل حراما، ولم يوجب حكما، وكان في ترغيب أو ترهيب، أو تشديد أو ترخيص : وجب الإغماض عنه ، والتساهل في رواته" انتهى باختصار من "الكفاية" .

ومن هنا امتلأت كتب العلماء والمحدثين في القديم والحديث بمثل هذه الروايات، التي لا يجدون فيها شذوذا أو نكارة تستوجب الرد والحذر، ولكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا يوردونها على سبيل جزم النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما لفضائل العمل، أو استرسال الأخبار، أو كل ما لا يترتب عليه تشريع أو اعتقاد.

المقام الثاني:

أن ما سبق من التساهل في أسانيد السير والمغازي لا يعني إطلاقا أننا ننسب للنبي صلى الله عليه وسلم – على وجه الجزم - كلاما لم يثبت بالأسانيد الصحيحة أو الحسنة، سواء في الأحكام أو العقائد أو الفضائل أو السير والمغازي أو غيرها من أبواب العلم والدين، فالتساهل في المغازي والسير هو تساهل على مستوى "النقل" و "البحث العلمي" فحسب، وليس على مستوى جزم النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

المقام الثالث:

أما ما ورد عن طريق الكذابين والوضاعين وسُراق الحديث، وما اشتمل على نكارة أو شذوذ لا يصدر مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمثله لا يروى إلا على سبيل التحذير منه، ولا يحكى إلا على وجه التنبيه على غلطه، كي لا يُتخذ حجة للطعن على الدين، ولا يكون سببا في إفساد تصورات الناس الإجمالية عن أبواب الفضائل والسير والمغازي.
ومن هنا يمكننا تفصيل الحديث عن كتاب محمد عبد الله العوشن، بعنوان: "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية"، ومثله جميع الكتب التي تعتني بالسيرة النبوية تصحيحا وتضعيفا، كلها يشملها التأصيل الحديثي السابق:

فما كان في كتاب العوشن والباحثين الأفاضل الآخرين من مقاصد تسعى لإلغاء الروايات الضعيفة من كتب السيرة، بالكلية ، ومنع التحديث بها، وترك كتابتها، وعدم الاستئناس بالمناسب منها، كما يقول المؤلف العوشن في مقدمته "والهدف من ذلك تنقية السيرة من هذه الأخبار التي لم تثبت" انتهى من "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية" (ص3)- دار طيبة.

فهي مقاصد غير محررة ، نراها محل بحث ونظر، ولا تتسق مع مناهج المحدثين الأوائل، الذين نقلوا لنا هذه الروايات في كتبهم، واستأنسوا بها، وساقوها في حديثهم مساق الإحاطة والعناية.

وهكذا فالعلم باب واسع، لا يجوز لأحد حصره فيما يراه – برأيه – صحيحا، ويسوي بين الضعيف والمكذوب، فيتعامل معها بوزان واحد، ولا يفرق بين درجات الثبوت ودركات عدم الثبوت. وهو المزلق الذي وقع فيه كتاب العوشن.

أما ما يجده القارئ في هذا الكتاب وغيره من مقاصد موضوعية، تبحث في صحة "النسبة"، أي تركز بحثها في تحرير صدور ذلك القول أو الفعل المعين عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ولا تمانع الأصل الوجودي لهذه المرويات في كتب السيرة، بل تفرق بين الضعيف والموضوع، وتنتهج نهج العلماء الأوائل في "كتابة" الضعيف في السير والمغازي، فهذه مقاصد حسنة، عمل بها الأولون، ولا نراها بعيدة عن قواعد علوم الحديث ومناهج المحدثين.

خاصة حين تركز البحث في المكذوب من روايات السيرة، أو المنكرات التي تتناقض مع حقائق التاريخ وصحيح الأحاديث، وصريح القرآن الكريم، فمثل هذه المرويات حَرِيَّة أن تنتقد، وتتخصص فيها الدراسات والبحوث.

يقول الدكتور أكرم ضياء العمري:

"ينبغي ملاحظة منهج المحدثين عند التعامل مع الرواية التاريخية، فهم يتساهلون في رواية الأخبار التاريخية، كما نلاحظ عند ثقات المؤرخين، مثل محمد بن إسحاق، وخليفة بن خياط، والطبري، حيث يُكثرون مِن الأخبار المرسلة والمنقطعة. كما أن الطبري يكثر النقل عن رواة في غاية الضعف مثل هشام بن الكلبي، وسيف بن عمر التميمي، ونصر بن مزاحم، وغيرهم.

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 04:42
ولا شك أن عدم تمحيص المؤرخين للأخبار كما فعلوا في الحديث، واكتفاءهم بإلقاء العهدة على الرواة المذكورين في أسانيد الروايات ألقى عبئاً كبيراً على "المؤرخ المعاصر المسلم" لأنه يحتاج إلى بذل جهد ضخم للوصول إلى الروايات الصحيحة بعد فهم وتطبيق منهج المحدثين، وهو أمر لم يعد سهلاً ميسوراً كما كان بالنسبة لخليفة بن خياط، أو الطبري، بسبب تضلعهم في مناهج المحدثين، وطريق سبرهم للروايات وتمييزها، وعلى أية حال فنحن لا نبخس قدامى المؤرخين حقهم وفضلهم، فقد جمعوا لنا المادة الأولية بالأسانيد التي تمكننا من الحكم عليها ولو بعد جهد وعناء.

والآن ماذا بعد سبر الروايات وتمييز صحيحها من سقيمها؟

المطلوب اعتماد الروايات الصحيحة وتقديمها، ثم الحسنة، ثم ما يعتضد من الضعيف لبناء الصورة التاريخية لأحداث المجتمع الإسلامي في عصر صدر الإسلام ....

وعند التعارض يقدم الأقوى دائماً ...

أما الروايات الضعيفة التي لا تقوى أو تعتضد فيمكن الإفادة منها في إكمال الفراغ الذي لا تسده الروايات الصحيحة والحسنة، على ألا تتعلق بجانب عقدي أو شرعي، لأن القاعدة "التشدد فيما يتعلق بالعقيدة أو الشريعة" .

ولا يخفى أن عصر السيرة النبوية والخلافة الراشدة ملئ بالسوابق الفقهية، والخلفاء الراشدون كانوا يجتهدون في تسيير دفة الحياة وفق تعاليم الإسلام، فهم موضع اقتداء ومتابعة فيما استنبطوا من أحكام ونظم لأقضية استجدت بعد توسع الدولة الإسلامية على أثر الفتوح.

أما الروايات التاريخية المتعلقة بالعمران، كتخطيط المدن، وريازة الأبنية، وشق الترع ... أو المتعلقة بوصف ميادين القتال ، وأخبار المجاهدين الدالة على شجاعتهم وتضحيتهم : فلا بأس من التساهل فيها.

وقد تعقب ابن حجر العسقلاني إنكار بعض النقاد لخبر غريب فقال: "في طرق هذه القصة القوي والضعيف، ولا سبيل إلى رد الجميع، فإنه ينادي على من أطلقه بقلة الاطلاع، والإقدام على رد مالا يعلمه، لكن الأولى أن ينظر إلى ما اختلفت فيه بالزيادة والنقص، فيؤخذ بما اجتمعت عليه ، ويؤخذ من المختلف ما قوي، ويطرح ما ضعف وما اضطرب، فإن الاضطراب إذا بَعُد به الجمع بين المختلف، ولم يترجح شيء منه : التحق بالضعيف المردود" [العُجاب]

لا شك أن اشتراط الصحة الحديثية في كل رواية تاريخية نريد قبولها : فيه تعسف، لأن ما تنطبق عليه هذه الشروط لا يكفي لتغطية العصور المختلفة للتاريخ الإسلامي، مما يولد فجوات في تاريخنا، وإذا قارنا ذلك بتواريخ العالم ، فإنها كثيراً ما تعتمد على روايات مفردة أو مؤرخين مجهولين، بالإضافة إلى ذلك فهي مليئة بالفجوات ..

لذلك يكفي في الفترات اللاحقة : التوثق من عدالة المؤرخ ، وضبطه لقبول ما يسجله، مع استخدام قواعد النقد الحديثي في الترجيح عند التعارض بين المؤرخين" انتهى باختصار من " السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية" (1/ 39-45)

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 04:47
السؤال :

عندما ربط نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه، وقال لأصحابه إنه لم ير خبزاً أبيض قط. إذاً لماذا لم يطلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم ليعطوه الطعام أو المال.

ولماذا النبي صلى الله عليه وسلم فقير، والله تعالى لم يعطه مالا أو طعاما.

فإن كنت في ذلك الزمان لأنفقت كل ممتلكاتي للنبي صلى الله عليه وسلم ليصبح ثريا. لكن لماذا لم يطلب الصحابة فعل ذلك حتى لا يربط النبي صلى الله عليه وسلم الحجر؟

الجواب :

الحمد لله

ربط النبي صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه إنما كان زهدا وصبرا وتجلدا منه عليه الصلاة والسلام، واقترابا من أحوال جميع الناس، فقد كانت تمر عليه أيام الغنى، فيدخر في بيته قوت أهله لسنة كاملة، ويتمكن من الأُعطيات والهبات لأصحابه وغيرهم، ويوسع الله عليه ما يعينه على الصدقة والوقف وسد حاجات الدولة وحاجات المسلمين .

ولكنه عليه الصلاة والسلام كان يعلم أمته والعالمين أن المال مال الله، فلا ينبغي أن يتمكن من قلوب العباد، ولا أن يصير منتهى أملهم، وغاية مطلبهم، فكان عليه الصلاة والسلام ينفق في الخير ما يجد من مال وفير في أحيان كثيرة، فإذا فرغ ولم يَجِد تحمَّلَ شظفَ العيش، وتجلَّد بربط الحجر على بطنه، والاكتفاء بالميسور من التمر والماء، في صورة نموذجية سامية من سهولة العيش وعفويته، بعيدا عن هموم الرزق وأعباء النفقة، فمن عاش بهذا القلب وتلك السجية، عاش سعيدا ومات سعيدا، ورضي بما يقسم الله له بعد أن يأخذ بالأسباب ولا يقصر فيها، وقدوته في ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.

وقد صح في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ، قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ ، أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ، أَوْ عَبْدًا رَسُولًا؟ قَالَ جِبْرِيلُ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: " بَلْ عَبْدًا رَسُولًا " .

رواه أحمد في مسنده (7160) ، وقال محققوه : إسناده صحيح على شرط الشيخين .

وفي حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، قُلْتُ: لاَ يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا، أَوْ قَالَ ثَلاَثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ) رواه الترمذي في "السنن" (2347) وقال: حديث حسن. ثم عقبه بتضعيف أحد رواته.

كما رويت بعض الآثار توضح سبب ما كان يصيبه صلى الله عليه وسلم من تفاوت الفقر والغنى، وأن هذه الحال ، إنما كانت : " لكثرة من يغشاه، وأضيافه، وقوم يلزمونه لذلك، فلا يأكل طعاما قط إلا ومعه أصحابه وأهل الحاجة ، يشبعون في المسجد. فلما فتح الله عز وجل خيبر اتسع الناس بعض الاتساع، وفي الأمر بعض ضيق، والمعاش شديد، وهي بلاد لا زرع فيها، إنما طعام أهلها التمر، وعلى ذلك أقاموا" .

انظر: "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" (7/ 101)

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"الناس ثلاثة أصناف:

غني: وهو من ملك ما يفضل عن حاجته.

وفقير: وهو من لا يقدر على تمام كفايته.

وقسم ثالث: وهو من يملك وفق كفايته.

ولهذا كان في أكابر الأنبياء والمرسلين والسابقين الأولين من كان غنيا: كإبراهيم الخليل، وأيوب، وداود، وسليمان، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير، وأسعد بن زرارة، وأبي أيوب الأنصاري، وعبادة بن الصامت، ونحوهم ممن هو من أفضل الخلق من النبيين والصديقين.

وفيهم من كان فقيرا: كالمسيح عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا، وعلي بن أبي طالب، وأبي ذر الغفاري، ومصعب بن عمير، وسلمان الفارسي، ونحوهم ممن هو من أفضل الخلق من النبيين والصديقين.

وقد كان فيهم من اجتمع له الأمران: الغنى تارة، والفقر أخرى؛ وأتى بإحسان الأغنياء، وبصبر الفقراء: كنبينا صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 124)

وبهذا يمكنك أن تتفهم ما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة، كحديث أنه عليه الصلاة والسلام: (قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقًا) رواه البخاري (4101)، وحديث عدم إيقاد النار في بيته المكرم عليه الصلاة والسلام الشهر والشهرين، وحديث (أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا [يعني الجوع]) رواه مسلم (2038)، وحديث (وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ) رواه البخاري (5414)

كلها نفهمها في إطار حدوثها في بعض الفترات التي كانت تمر على النبي صلى الله عليه وسلم، وليست حالة دائمة، ولا صفة ملازمة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفقر، ويدعو ويقول: (اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا) رواه البخاري (6460)، فلم يودعه ربه عز وجل لسلطان الفقر، بل فتح عليه من خزائن المال، ولكنه كان أجود بها من الريح المرسلة، فكان ينفقها في بعض الأوقات ولا يدع لبيته شيئا، فتقع له مثل هذه الحوادث العارضة، خاصة بعد قريظة وخيبر، حيث اتسع حال المسلمين، وأصابوا من المال بفعل ما تعاقدوا عليه مع أهل خيبر.

والواقع الثابت في السيرة النبوية يدل على ذلك في عشرات الأدلة الشرعية، فلا بد من فهم ما وقع له عليه الصلاة والسلام من مواقف الجوع ، في هذا الإطار الظرفي المؤقت.

وقد كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم خير معين للنبي صلى الله عليه وسلم على هذه الشدة، فلم يضِنُّوا بأموالهم وطعامهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبياته، فكانوا يبعثون إليهم الهدايا مما يجدون من الطعام، وكانوا يهدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما وسع الله عليهم. وهكذا ورد في تلك الأحاديث – المعدودة – التي تحدثت عن الشدة التي أصابت النبي صلى الله عليه وسلم – اختيارا لا اضطرارا – ما يبين موقف الصحابة الكرام، وحرصهم على إعانته صلى الله عليه وسلم.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي «إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ، ثُمَّ الهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ»، فَقُلْتُ يَا خَالَةُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: " الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا) رواه البخاري (2567)

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا، إِنَّمَا هُوَ التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلَّا أَنْ نُؤْتَى بِاللُّحَيْمِ» رواه البخاري (6458)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ - أَوْ لَيْلَةٍ - فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟» قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ،، قَالَ: «وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا»، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ، قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ فُلَانٌ؟»

قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكَ، وَالْحَلُوبَ»، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ) رواه مسلم (2038)

وعن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي، فَقُلْتُ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ، قَالَ: فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، فَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ، قَالَ: فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَدْ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنَتْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ فِي نَفَرٍ مَعَكَ

فَصَاحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكُمْ سُورًا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ»، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَتَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ»، فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدَمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ، فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ لِي، فَأَخْرَجْتُ لَهُ عَجِينَتَنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعِي خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا» وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَتَنَا - أَوْ كَمَا قَالَ الضَّحَّاكُ: - لَتُخْبَزُ كَمَا هُوَ) رواه مسلم (2039)

وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: قَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ»، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ،

فَقَالَ: «أَلِطَعَامٍ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: «قُومُوا»، قَالَ: فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتْ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟» فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ

وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ»، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ»، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ) رواه مسلم (2040)

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 04:50
يقول الإمام الطبري رحمه الله:

"إن قال لنا قائل:

وما وجه هذه الأخبار ومعانيها، وقد علمت صحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يرفع ما أفاء الله عليه من النضير وفدك قوته وقوت عياله لسنة، ثم يسلف ما فضل عن ذلك في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله، وأنه قسم بين أنفس معدودين زهاء ألف بعير من خاصة حقه ، مما أفاء الله من أموال هوازن في اليوم الواحد، وأنه ساق في حجة الوداع مائة بدنة، فنحرها وأطعمها من حضر مكة من أهل المسكنة وغيرهم، وأنه كان يأمر للأعرابي يقدم عليه من البادية ، فيسلم ، بقطيع من الغنم.

هذا مع ما يكثر تعداده من عطاياه وفواضله التي لا يذكر مثلها عن من قبله من ملوك الأمم السالفة، مع كونه بين أرباب الأموال العظام، والأملاك الجسام، كأبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان رحمة الله عليهم، وأمثالهم في كثرة الأموال، وبذلهم له مهجهم وأولادهم وأموالهم، وخروج أحدهم من جميع ملكه إليه ، تقربا إلى الله تعالى ذكره بفعله ذلك، ثم مع إشراك الأنصار في أموالهم من قدم عليهم من المهاجرين، وبذلهم نفائسها في النفقة في ذات الله عز وجل

فكيف بإنفاقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم! وبه إليها الحاجة العظمى! ليرد بذلك جسيم ما نزل به من المجاعة، وحل به من عظيم الخموصة، إن هذا لمن أعجب العجب وأنكر النُّكر، لإحالة بعضه معنى بعض، ودفع بعضه صحة ما دل عليه البعض، إذ كان غير جائز اجتماع قشف المعيشة، وشظفها، والرخاء والسعة فيها في حال واحدة.

فهل عندك لذلك مخرج في الصحة فيصدق بجميعها، أم لا حقيقة لشيء من ذلك فندفعها، أم بعضها صحيح معناه، وبعضه مستحيل في الصحة مخرجه، فتدلنا على صحيح ذلك من سقيمه، لتحق الحق وتبطل الباطل؟

قيل له:

لا خبر فيما ذكرت أو لم أذكر ، يصح سنده بنقل الثقات العدول ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إلا وهو عندنا حق، والدينونة به للأمة لازمة، ولا شيء من ذلك يدفع شيئا منه، ولا ينقض شيء منه ، معنى شيء غيره، ونحن ذاكرو بيان ذلك بعلله وحججه، إن شاء الله ذلك، بعونه وتوفيقه.

فأما الخبر الذي روينا عن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يظل اليوم يلتوي من الجوع، لا يجد ما يملأ به بطنه من الدقل، وما أشبه ذلك من الأخبار، فإن ذلك كان يكون في الحين بعد الحين، من أجل أنَّ مَن كان منهم يومئذ ذا مال، كانت تستغرق نوائب الحقوق من النفقة على المهاجرين وأهل الحاجة والضعف من المسلمين، وعلى الضيفان ومن اعتراهم وقدم عليهم من وفود العرب، وفي الجهاد في سبيل الله عز وجل = كثرة ماله، وحتى يقل كثيره ، أو يذهب جميعه.

وكيف لا يكون ذلك كذلك ، وقد روينا عن عمر بن الخطاب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله فقال: هذا صدقة لله) فكيف يُستنكَر لمن كان هذا فعله، أن يملق صاحبه، ثم لا يكون له السبيل إلى سد عوزه ، ولا إرفاقه لما يغنيه عن غيره!

وعلى هذه الخليقة : كانت خلائق أتباعه وأصحابه رضوان الله عليهم. وذلك كالذي ذكر عن عثمان أنه جهز جيشا من ماله حتى لم يفقدوا حبلا ولا قتبا، وكالذي ذكر عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، فجاء بأربعة آلاف دينار صدقة منه تصدق بها.

فمعلوم أن - مَن كانت هذه أفعاله وخلائقه - أنه لا يخطئه أن تأتي عليه التارة من الزمان ، والحين من الأيام : مملقا لا شيء له، قد أسرع في ماله نوافل عطاياه، وفواضل نداه، إن احتاج له أخ أو خليل إلى بعض ما يحتاج إليه الآدميون، لم يكن له سبيل إلى مؤاساته لقلة ذات يده، إلى أن يثوب له مال، أو يتعين له مال.

فقد ثبت إذًا بما ذكرت ووصفت خطأ قول القائل: كيف يجوز أن يرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي على أوسق من شعير، وفي أصحابه من أهل الغنى والسعة من لا يُجهل موضعه! أم كيف يجوز أن يوصف بأنه كان يطوي الأيام ذوات العدد خميصا ، وأصحابه يمتهنون له أموالهم، ويبذلونها لمن هو دونه من أصحابه! فكيف له!

إذ كان صلى الله عليه وسلم معلوما جوده وكرمه وإيثاره ضيفانه والقادمين عليه من وفود العرب بما عنده من الأقوات والأموال على نفسه وأهله، واحتماله المشقة والصبر على الخموصة والمجاعة في ذات الله، وامتثال أصحابه وأتباعه في ذلك أخلاقه، ومن كان كذلك وأتباعه ؛ فمعلوم أنه غير مستنكر له ولأتباعه حال ضيق يحتاج ، هو وهم ، معها إلى الاستسلاف ، والاستقراض، وإلى طي الأيام على المجاعة والشدة.

فكان ما يكون من ضيق يصيبه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، أو من يصيبه ذاك منهم ومعيشته ، لهذه الأسباب التي وصفنا، وهذه الأحوال ، من أحواله وأحوال أصحابه ، عنيت بالأخبار التي رويت عنه من شده الحجر على بطنه هو وأصحابه، وعدمهم القوت وما يشبعهم الأيام المتتابعة. وتقول عائشة رحمة الله عليها: (لقد أتى علينا شهران ما يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مصباح) وما أشبه ذلك من الأخبار...

وأما الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لم يشبع شبعتين في يوم حتى لحق بالله تعالى، وأنه لم يشبع هو وأهله من خبز الشعير حتى قبضه الله، وما أشبه ذلك من الأخبار، فإن ذلك لم يكن منه صلى الله عليه وسلم في كل أحواله لعوز ولا لضيق، وكيف يكون ذلك كذلك، وقد كان الله تعالى ذكره أفاء عليه من قبل وفاته بلاد العرب كلها

ونقل إليه الخرج من بعض بلاد العجم كأيلة والبحرين وهجر. ولكن ذلك كان بعضه لما وصفت من إيثاره نصيب حقوق الله تعالى بماله، وبعضه كراهة منه الشبع وكثرة الأكل، فإنه كان يكره ذلك، وبترك ذلك كان يؤدب أصحابه، وبذلك جاءت الآثار عنه، وإن كان في إسناد بعضه بعض ما فيه" انتهى باختصار من "تهذيب الآثار مسند عمر" (2/ 712-716)

ويقول الإمام النووي رحمه الله:

"وقوله: (ينفق على أهله نفقة سنة) أي: يعزل لهم نفقة سنة، ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة في وجوه الخير، فلا تتم عليه السنة. ولهذا توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير استدانه لأهله، ولم يشبع ثلاثة أيام تباعا. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بكثرة جوعه صلى الله عليه وسلم وجوع عياله" انتهى من "شرح مسلم" (12/70)

ويقول ابن حجر رحمه الله:

"ومع كونه صلى الله عليه وسلم كان يحتبس قوت سنة لعياله، فكان في طول السنة ربما استجره منهم لمن يَرِدُ عليه، ويعوضهم عنه، ولذلك مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير اقترضه قوتا لأهله" انتهى من "فتح الباري" (9/503)

والخلاصة :

أن عامة الأحاديث التي وصفت ما أصابه صلى الله عليه وسلم من ضيق الحال في بعض الأحيان ، إنما كانت عن رضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإيثار منه لهذه الحال .

ثم قد ورد فيها نفسها أيضا ما قدمه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لتجاوز تلك الأزمات، وأنه هذه المقامات المتنوعة في حياته صلى الله عليه وسلم مظاهر كمال وجلال، وليست نقصا بوجه من الوجوه.

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم آثر لنفسه هذه الحال ، واختارها ، لما خيره ربه ، ورضي به ، وكان مع ربه ، ومع أصحابه عليها . فما تكلفك في أمر غبت عنه ، لا تدري : لو كنت فيه ، ما كان يقضي فيك رب العالمين ؟!

أو تريد أن تعيب المهاجرين والأنصار ، لتمدح نفسك ؟!

أو فاتتهم فضيلة ، ومقام صدق ، وأدركته أنت ؟!

فالله الله في نفسك ، ودينك ، وقلبك يا عبد الله .

والله الله ، في مقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسابقتهم ، وبذلهم ، وغنائهم !!

قال جُبَيْرِ بْن نُفَيْرٍ رحمه الله :

( جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ يَوْمًا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: طُوبَى لِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللهِ لَوَدِدْنَا أَنَّا رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، وَشَهِدْنَا مَا شَهِدْتَ، فَاسْتُغْضِبَ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ، مَا قَالَ إِلَّا خَيْرًا، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا يَحْمِلُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَتَمَنَّى مَحْضَرًا غَيَّبَهُ اللهُ عَنْهُ، لَا يَدْرِي لَوْ شَهِدَهُ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ فِيهِ، وَاللهِ لَقَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَامٌ كَبَّهُمُ اللهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ لَمْ يُجِيبُوهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، أَوَلَا تَحْمَدُونَ اللهَ إِذْ أَخْرَجَكُمْ لَا تَعْرِفُونَ إِلَّا رَبَّكُمْ، مُصَدِّقِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ، قَدْ كُفِيتُمُ الْبَلَاءَ بِغَيْرِكُمْ ؟!

وَاللهِ لَقَدْ بَعَثَ اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بُعِثَ عَلَيْهَا فِيهِ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ دِينًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ كَافِرًا، وَقَدْ فَتَحَ اللهُ قُفْلَ قَلْبِهِ لِلْإِيمَانِ، يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ دَخَلَ النَّارَ، فَلَا تَقَرُّ عَيْنُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ "، وَأَنَّهَا لَلَّتِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74] ) .

رواه أحمد في مسنده (23810) ط الرسالة ، وصححه الألباني .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 04:55
السؤال :

أعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان له ضفائر ، ولكن أريد أن أعرف كيف كان يقوم
بتضفير شعره ، فعلى سبيل المثال هل كان يعقص شعره من الخلف ويقوم بتضفيرها ؟

الجواب:

الحمد لله

روى البخاري (3551) ، ومسلم (2337) عن الْبَرَاء قال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ " .

وفي رواية لمسلم : " مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ " .

وروى البخاري (5903) ، ومسلم (2338) عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ " .
وروى أبو داود (4187) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ، وَدُونَ الْجُمَّةِ " .
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

قال المناوي رحمه الله :

" قال أبو شامة: وقد دلت صحاح الأخبار على أن شعره إلى أنصاف أذنيه ، وفي رواية يبلغ شحمة أذنيه ، وفي أخرى بين أذنيه وعاتقه ، وفي أخرى يضرب منكبيه، ولم يبلغنا في طوله أكثر من ذلك ، وهذا الاختلاف باعتبار اختلاف أحواله، فروى في هذه الأحوال المتعددة، بعدما كان حلقه في حج أو عمرة " .
انتهى من " فيض القدير "(5/ 74).

وروى أبو داود (4191) عن أُمّ هَانِئٍ رضي الله عنها قالت : " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ " .
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

والغدائر: الضفائر .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وما دل عليه الحديث من كون شعره صلى الله عليه وسلم كان إلى قرب منكبيه كان غالب أحواله ، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ، ويتخذ منه عقائص وضفائر ، وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهد شعره فيها، وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه " ا

نتهى باختصار من "فتح الباري" (10/360) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" وَكَانَ شَعَرُهُ صلى الله عليه وسلم فَوْقَ الْجُمَّةِ ، وَدُونَ الْوَفْرَةِ، وَكَانَتْ جُمَّتُهُ تَضْرِبُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ ، وَإِذَا طَالَ جَعَلَهُ غَدَائِرَ أَرْبَعًا، قَالَتْ أم هانئ: ( قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَدْمَةً وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ ) ، وَالْغَدَائِرُ الضَّفَائِرُ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ "

انتهى من " زاد المعاد " (1/ 170) .

وقال القاري رحمه الله:

" الضَّفْرُ: فَتْلُ الشَّعَرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنَ الضَّفِيرَةِ، وَهِيَ النَّسْجُ، وَمِنْهُ ضَفْرُ الشَّعَرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ " انتهى من " مرقاة المفاتيح " (3/ 1184) .

وقال في " لسان العرب " (4/ 490):

" كلُّ خُصْلة مِنْ خُصَل الشَعْرِ تُضْفَر عَلَى حِدَة: ضَفِيرةٌ، وجمعُها ضَفائِرُ " انتهى .

فالحاصل :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طال شعره لسفر أو غيره: ضفره أربع ضفائر ، وذلك على عادة العرب، وذلك بردّه إلى الخلف ، ثم يجعله خصالا، ثم ينسج بعضها على بعض فَتْلا، حتى تصير أربع ضفائر .

على أن الواجب أن ننتبه إلى أن تطويل الشعر ليس ـ في نفسه ـ من السنة التي يؤجر عليها المسلم ؛ إذ هو من أمور العادات ، وقد أطال النبي صلى الله عليه وسلم شَعره وحَلَقَه ، ولم يجعل في تطويله أجراً ، ولا في حلقه إثماً ، إلا أنه أمر بإكرامه ، ولم يخرج بذلك عن عادات العرب وأحوالهم .

فإذا قدر أن العرف تغير في زمان ، أو مكان ، فصار تطويل الشعر خاصا بالنساء ، فلا يجوز للرجال إطالته في ذلك المكان ، وإذا صار ذلك علامة على الفساق ، أو السفهاء ، لم يكن لذوي المروءات والهيئات أن يعملوا عملهم ، أو يتحلوا بشعارهم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 04:58
السؤال :

طلب زوجي أن أضفر شعر رأسه ، وسألته عن حكم ذلك في الإسلام ، فأورد أقوالا
لبعض العلماء حول تضفير شعر الرجال

فهل ذلك صحيح ؟

أنا أسأل عن ذلك ليس لأني لا أصدقه ، لكني أريد أن أعرف هل هناك رأي آخر ؟

لأن الأمر غريب بالنسبة لي

الجواب

الحمد لله

تطويل الشعر ليس من السنة التي يؤجر عليها المسلم ؛ إذ هو من أمور العادات ، وقد أطال النبي صلى الله عليه وسلم شَعره وحَلَقَه ، ولم يجعل في تطويله أجراً ، ولا في حلقه إثماً ، إلا أنه أمر بإكرامه .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن كان له شعر فليكرمه ) . رواه أبو داود (4163) وحسَّنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/368) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أرجِّل رأسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض . رواه البخاري (291) .

والترجيل هو تسريح الشعر .

وكان شعره صلى الله عليه وسلم يصل إلى شحمة أذنيه ، وإلى ما بين أذنيه وعاتقه ، وكان يضرب منكبيه ، وكان – إذا طال شعره - يجعله أربع ضفائر .

فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب شعرُه منكبيه . رواه البخاري (5563) ومسلم (2338) .

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أذنيه وعاتقه . رواه البخاري (5565) ومسلم (2338) .

وفي رواية عند مسلم : ( كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه ) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة . رواه الترمذي (1755) وأبو داود (4187) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

الوفرة : شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن .

الجُمَّة : شعر الرأس إذا سقط على المنكبين .

وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر . رواه الترمذي (1781) وأبو داود (4191) وابن ماجه (3631) . والحديث : حسَّنه ابن حجر في "فتح الباري" ، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (23) .

والغدائر هي الضفائر .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وما دل عليه الحديث من كون شعره صلى الله عليه وسلم كان إلى قرب منكبيه كان غالب أحواله ، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص وضفائر كما أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أم هانئ قالت‏ :‏ ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر ) وفي لفظ : ( أربع ضفائر ) وفي رواية ابن ماجه : ( أربع غدائر يعني ضفائر )‏ وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهده شعره فيها وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه " انتهى باختصار . "فتح الباري" (10/360) .

وهذا الأمر كان في عرف ذلك الزمان مقبولاً ومتعارفاً عليه ، فإذا اختلف العرف وكان المسلم في مكان لم يعتد أهله عليه ، أو نظروا إلى فاعله على أنه متشبه بأهل الفسق ؛ ، فلا ينبغي فعله .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" إطالة شعر الرأس لا بأس به ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يقرب أحيانا إلى منكبيه ، فهو على الأصل ، لا بأس به ، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف ، فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم ؛ فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر حيث إنه لدى الناس وعاداتهم وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة ! فالمسألة إذاً بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم ؛ فلا بأس به ، أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضعة ؛ فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها ، ولا يرِد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أشرف الناس وأعظمهم جاها - كان يتخذ الشعر لأننا نرى في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبد ، وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة .

"فتاوى نور على الدرب" .

فما قاله زوجكِ من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان له أربع ضفائر : صحيح ، ولكن لا يعني ذلك أنه سنة يثاب الإنسان عليها ، بل يراعي في ذلك عادات الناس ، وما تعارفوا عليه ، وقد اختلف العرف الآن في أكثر البلاد عما كان عليه الأمر قديماً .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا لهم الجمم والوفرات – جمع جمة ووفرة وسبق بيان معانيها - ، وأضْربَ عنها أهل الصلاح والستر والعلم ، حتى صار ذلك علامة من علاماتهم ، وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء ! وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من تشبه بقوم فهو منهم - أو حشر معهم – ) فقيل : مَن تشبه بهم في أفعالهم ، وقيل : من تشبه بهم في هيئاتهم ، وحسبك بهذا ، فهو مجمل في الاقتداء بهدي الصالحين على أي حال كانوا ، والشعر والحلق لا يغنيان يوم القيامة شيئاً ، وإنما المجازاة على النيات والأعمال ، فرب محلوق خيرٌ من ذي شعْرٍ ، وربَّ ذي شعرٍ رجلاً صالحاً . "التمهيد" (6/80) .

والخلاصة : أنه ينبغي اتباع العرف والعادة في ذلك ، حتى لا يعرض المسلم نفسه للسخرية واغتياب الناس له .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 05:03
السؤال :

قرأت أن أحد الصحابة كان يربط شعره إلى مؤخرة رأسه ، فجاء
صحابي آخر وهو في الصلاة فحل الرباط ،

فهل يجوز للرجال أن يربطوا شعورهم إلى الوراء ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاًُ :

الحديث المقصود في السؤال هو ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : مَا لَكَ وَرَأْسِي ؟! فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ) رواه مسلم (رقم/492) .

قال المناوي رحمه الله :

"(معقوص) أي : مجموع شعره عليه (مثل الذي يصلي وهو مكتوف) أي : مشدود اليدين إلى كتفيه في الكراهة ؛ لأن شعره إذا لم يكن منتشرا لا يسقط على الأرض ، فلا يصير في معنى الشاهد بجميع أجزائه ، كما أن يدي المكتوف لا يقعان على الأرض في السجود . قال أبو شامة : وهذا محمول على العقص بعد الضفر كما تفعل النساء" انتهى .

"فيض القدير" (3/6) .

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (26/109-110):

"اتفق الفقهاء على كراهة عقص الشعر في الصلاة ، والعقص هو شد ضفيرة الشعر حول الرأس كما تفعله النساء ، أو يجمع الشعر فيعقد في مؤخرة الرأس ، وهو مكروه كراهة تنزيه ، فلو صلى كذلك فصلاته صحيحة ...

والحكمة في النهي عنه أن الشعر يسجد مع المصلي ، ولهذا مثَّله في الحديث بالذي يصلي وهو مكتوف .

والجمهور على أن النهي شامل لكل مَن صلى كذلك , سواء تعمده للصلاة أم كان كذلك قبل الصلاة وفعلها لمعنى آخر وصلى على حاله بغير ضرورة ، ويدل له إطلاق الأحاديث الصحيحة وهو ظاهر المنقول عن الصحابة .

وقال مالك : النهي مختص بمن فعل ذلك للصلاة" انتهى .

ثانياً :

أما عن حكم تطويل الشعر وعقصه – أي : ربطه إلى الخلف فقد سبق الكلام عليه بالتفصيل في السؤال السابق

وذكرنا فيه كلام ابن عبد البر رحمه الله أن إطالة الشعر في عصره صارت من علامات السفهاء، وأعرض عنها أهل العلم والصلاح . وهذا هو ما تعارف عليه الناس في عامة البلاد الإسلامية .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"ليس من السنة – إطالة الشعر - ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه حيث إن الناس في ذلك الوقت يتخذونه ، ولهذا لما رأى صبياً قد حَلَقَ بعض رأسه قال : (احلقه كله أو اتركه كله) ، ولو كان الشعر مما ينبغي اتخاذه لقال : أبقه .

وعلى هذا فنقول : اتخاذ الشعر ليس من السنة ، لكن إن كان الناس يعتادون ذلك فافعل ، وإلاَّ فافعل ما يعتاده الناس ؛ لأن السنة قد تكون سنة بعينها ، وقد تكون سنة بجنسها : فمثلاً : الألبسة إذا لم تكن محرمة ، والهيئات إذا لم تكن محرمة ، السنة فيها اتباع ما عليه الناس ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها اتباعاً لعادة الناس ، فنقول الآن : جرت عادة الناس ألا يُتَخَّذ الشعر ؛ ولذلك علماؤنا الكبار

أول من نذكر من العلماء الكبار شيخنا عبد الرحمن بن السعدي وكذلك شيخنا عبد العزيز بن باز وكذلك المشايخ الآخرون كالشيخ محمد بن إبراهيم وإخوانه وغيرهم من كبار العلماء لا يتخذون الشعر ؛ لأنهم لا يرون أن هذا سنة ، ونحن نعلم أنهم لو رأوا أن هذا سنة لكانوا من أشد الناس تحرِّياً لاتباع السنة . فالصواب : أنه تَبَعٌ لعادة الناس ، إن كنت في مكان يعتاد الناس فيه اتخاذ الشعر فاتخذه وإلا فلا " انتهى.

" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/126، سؤال رقم/16).

وعلى هذا ، فيرجع في إطالة الرجل شعره إلى ما تعارف عليه الناس ، ففي المجتمعات التي لا يطيل فيها الرجال شعورهم لا ينبغي إطالته ، وعقده من الخلف أشد قبحاً ، إذ فيه تشبه بالنساء والفساق .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 05:05
السؤال:

هل ورد في الحديث : أن جبريل يوم ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم نزل من السماء ومعه ثلاثة أعلام ، فركز علما على الكعبة ، وعلما على بيت المقدس ، وعلما على بيت آمنة ؟ وما درجة الحديث ؟

الجواب:

الحمد لله

هذا كلام باطل لا أصل له ، ولا نعلم أحدا من أهل العلم ذكره ، فضلا عن رواية أهل الحديث له ، فلا يجوز أن ينسب إلى جبريل عليه السلام ذلك ؛ لأنه لا يتنزل إلا بأمر ربه سبحانه ، فمن نسب إليه ذلك بغير علم فقد تقول على الله ، وهذا من كبائر الذنوب .

والله أعلم

الشيخ محمد صالح المنجد
.

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 05:11
السؤال:

هل بالإمكان جمع أحاديث طريقة مشي النًّبي صلَّى الله عليه وسلَّم وشرحها ؟

وبيان متى كان يُسرِعُ أو يمشي بِبُطءٍ؟ وشرح كيفية مشيه صلَّى الله عليه وسلَّم عمليًّا ؟

فقد قرأت عنها ، ولكن لا أعلم كيفية ذلك عمليًّا.

الجواب :

الحمد لله

كان النبي صلى الله عليه وسلم معتدلا في مشيته ، فلم يكن متماوتا ، ولا مهرولا مضطربا ، ولكن يمشي مشيا قويا ، يسرع فيه إسراعا لا يذهب بوقاره .

روى الترمذي (3637) عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " كاَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا ؛ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ"

وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

قال القاري رحمه الله :

" الْمَعْنَى: يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا سَرِيعًا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الصَّبَبُ الْحُدُورُ، وَهُوَ مَا يَنْحَدِرُ مِنَ الْأَرْضِ، يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا ".

انتهى من " مرقاة المفاتيح " (9/ 3704) .

وروى البغوي في " شرح السنة " (12/ 320) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى، مَشَى مَشْيًا مُجْتَمِعًا، يُعْرَفُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْيِ عَاجِزٍ وَلا كَسْلانَ "
.
وحسنه الألباني في " الصحيحة " (2140) .

قال المناوي رحمه الله :

" ومع سرعة مشيه : كان على غاية من الهَوْن والتأني وعدم العجلة ، فكان يمشي على هينته ، ويقطع ما يُقطع بالجهد ؛ بغير جهد " انتهى من " فيض القدير " (5/ 248) .

وروى الترمذي (3648) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا ؛ وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ "
وإسناده ضعيف ، ضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي " .

وروى الترمذي أيضا (3638) عن علي رضي الله عنه قال : "كان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ ، كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ " .

وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي " .

وقال البغوي رحمه الله :

" قَوله: (تقلع) أَي: كَانَ قوي المشية، يرفع رجلَيْهِ مِن الأَرْض رفعا بَائِنا بِقُوَّة ، لَا كمن
يمشي اختيالا، وَيُقَارب خطاه تنعما "

انتهى من " شرح السنة " (12/ 320) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، وَكَانَ أَسْرَعَ النَّاسِ مِشْيَةً، وَأَحْسَنَهَا وَأَسْكَنَهَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، وَإِنَّا لَنُجْهِدَ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ ) وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ) وَقَالَ مَرَّةً: ( إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ ) .

قُلْتُ: وَالتَّقَلُّعُ : الِارْتِفَاعُ مِنَ الْأَرْضِ بِجُمْلَتِهِ ، كَحَالِ الْمُنْحَطِّ مِنَ الصَّبَبِ، وَهِيَ مِشْيَةُ أُولِي الْعَزْمِ وَالْهِمَّةِ وَالشَّجَاعَةِ ، وَهِيَ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ وَأَرْوَحُهَا لِلْأَعْضَاءِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ مِشْيَةِ الْهَوَجِ وَالْمَهَانَةِ وَالتَّمَاوُتِ ، فَإِنَّ الْمَاشِيَ إِمَّا أَنْ يَتَمَاوَتَ فِي مَشْيِهِ وَيَمْشِيَ قِطْعَةً وَاحِدَةً كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ مَحْمُولَةٌ، وَهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ قَبِيحَةٌ، وَإِمَّا أَنْ يَمْشِيَ بِانْزِعَاجٍ وَاضْطِرَابٍ مَشْيَ الْجَمَلِ الْأَهْوَجِ، وَهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى خِفَّةِ عَقْلِ صَاحِبِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ حَالَ مَشْيِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَإِمَّا أَنْ يَمْشِيَ هَوْنًا، وَهِيَ مِشْيَةُ عِبَادِ الرَّحْمَنِ كَمَا وَصَفَهُمْ بِهَا فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) الفرقان/ 63 . قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ وَلَا تَمَاوُتٍ ، وَهِيَ مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ مَعَ هَذِهِ الْمِشْيَةِ : كَانَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَكَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، حَتَّى كَانَ الْمَاشِي مَعَهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ .

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ:

أَنَّ مِشْيَتَهُ لَمْ تَكُنْ مِشْيَةً بِتَمَاوُتٍ وَلَا بِمَهَانَةٍ ، بَلْ مِشْيَةٌ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ.

وَالْمِشْيَاتُ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْهَا، وَالرَّابِعُ: السَّعْيُ، وَالْخَامِسُ: الرَّمَلُ، وَهُوَ أَسْرَعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَيُسَمَّى: الْخَبَبَ، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( خَبَّ فِي طَوَافِهِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ) .
السَّادِسُ: النَّسَلَانُ، وَهُوَ الْعَدْوُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَا يُزْعِجُ الْمَاشِيَ وَلَا يُكْرِثُهُ. وَفِي بَعْضِ الْمَسَانِيدِ أَنَّ الْمُشَاةَ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَشْيِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: ( اسْتَعِينُوا بِالنَّسَلَانِ ) [ رواه الحاكم (1619)، وصححه الألباني في الصحيحة (465) ] .

وَالسَّابِعُ: الْخَوْزَلَى، وَهِيَ مِشْيَةُ التَّمَايُلِ، وَهِيَ مِشْيَةٌ يُقَالُ: إِنَّ فِيهَا تَكَسُّرًا وَتَخَنُّثًا.

وَالثَّامِنُ: الْقَهْقَرَى، وَهِيَ الْمِشْيَةُ إِلَى وَرَاءٍ.

وَالتَّاسِعُ: الْجَمَزَى، وَهِيَ مِشْيَةٌ يَثِبُ فِيهَا الْمَاشِي وَثْبًا.

وَالْعَاشِرُ: مِشْيَةُ التَّبَخْتُرِ، وَهِيَ مِشْيَةُ أُولِي الْعُجْبِ وَالتَّكَبُّرِ، وَهِيَ الَّتِي خَسَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِصَاحِبِهَا لَمَّا نَظَرَ فِي عِطْفَيْهِ ، وَأَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَأَعْدَلُ هَذِهِ الْمِشْيَاتِ : مِشْيَةُ الْهَوْنِ وَالتَّكَفُّؤِ.

وَأَمَّا مَشْيُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ: فَكَانُوا يَمْشُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَهُوَ خَلْفَهُمْ ، وَيَقُولُ: (دَعُوا ظَهْرِي لِلْمَلَائِكَةِ) رواه ابن ماجة (246)، وصححه الألباني .

وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : وَكَانَ يَسُوقُ أَصْحَابَهُ . وَكَانَ يَمْشِي حَافِيًا وَمُنْتَعِلًا، وَكَانَ يُمَاشِي أَصْحَابَهُ فُرَادَى وَجَمَاعَةً.
وَمَشَى فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ مَرَّةً ، فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ ، وَسَالَ مِنْهَا الدَّمُ فَقَالَ:
هَلْ أَنْتَ إِلَّا أُصْبُعٌ دَمِيَتِ ** وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
متفق عليه .

وَكَانَ فِي السَّفَرِ سَاقَةَ أَصْحَابِه ، يُزْجِي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُهُ ، وَيَدْعُو لَهُمْ . ذَكَرَهُ أبو داود (2639) (وصححه الألباني في صحيح أبي داود) " انتهى من "زاد المعاد" (1/ 161-163) .

"ساقة أصحابه" أي : آخرهم .

و"يزجي" أي : يسوق .

فهذه جملة ما ورد في وصف مشيه صلى الله عليه وسلم .
وكلها تدل على أن مشيته : كانت مِشية اعتدال ونشاط ، لا تذهب بالسكينة والوقار .


والله تعالى أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 05:15
السؤال :

كنت أقرأ مؤخراً وصفاً للصفات البدنية للنبي صلي الله عليه وسلم ، وكونت صورة في ذهني ثم رأيت في منامي رجلاً يشبه الصورة التي كونتها في ذهني . ولا أتذكر بوضوح ما قال ، غير أنني أخشى أنه ربما قال أن بعض الأخوة المسلمين الذين أحبهم سوف يرون مناماً وأنا فيه . وقد ارتكبت إثماً في بيتهم من قبل ، وقبل ذلك المنام، وكنت أخشى دائماً أنهم ربما يكتشفون الأمر عن طريق رؤية في منامهم . كيف لي أن أتأكد أنني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المنام ؟

فهذا الأمر يقلقني كثيراً .

وقد رأيت أيضاً مناماً قريباً ، وأظن أنه كان النبي صلي الله عليه وسلم مرة أخرى خلال تلاوته القرآن على جبريل عليه السلام في رمضان . وكان هناك أيضاً زيد رضي الله عنه ، وكذلك حمزة رضي الله عنه . وأنا أعلم أن حمزة رضي الله عنه لم يكن هناك حقيقة لأنه استشهد في أحد . فهل كان هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي رأيته في هذا المنام ؟

وكيف يمكن أن نتأكد من ذلك ؟

الجواب:

الحمد لله

سنذكر لك فيما يلي أيها الأخ المسلم طائفة من الأحاديث المشتملة على صفة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان ما رأيته في منامك مطابقا لها فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّا لأنّه عليه الصلاة والسلام قد قال : مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي .

" رواه البخاري 5729 .

روى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ ( معتدل الطّول ) لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ ( أي شديد البياض ) وَلا آدَمَ ( أي الأسمر ) لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ ( الشعر الذي فيه التواء وانقباض ) وَلا سَبْطٍ رَجِلٍ ( الشعر المسترسل ) أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ
البخاري 3283

وعن البراء بن عازب قال : " كان رسول الله صلى الله علية وسلم .. بعيد ما بين المنكبين ، عظيم الجُمّة ( وهي ما سقط من شعر الرأس ووصل إلى المنكبين ) إلى شحمة أذنيه ، عليه حلة حمراء ( الحلة : إزار ورداء ) ما رأيت شيئا قط أحسن منه " رواه مسلم : كتاب الفضائل / باب : صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلم رقم 2338

وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ( أي غليظ الأصابع والراحة ) ضَخْمَ الرَّأْسِ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ ( وهي رؤوس العظام ) طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ ( الشعر الدقيق الذي يبدأ من الصدر وينتهي بالسرة ) إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا ( مال إلى الأمام ) كَأَنَّمَا انْحَطَّ مِنْ صَبَبٍ ( ما انحدر من الأرض ) لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مثله . رواه الترمذي 3570 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

وعن جابر بن سمرة قال : " كان رسول الله صلى الله علية وسلم ضليع الفم ، أشكل العين ، منهوس العقب " . قال شعبة : قلت لمالك : ما "ضليع الفم " ؟ قال : عظيم الفم . قلت : ما " أشكل العين " ؟ قال : طويل شق العين . قلت ما " منهوس العقب " قال : قليل لحم العقب . صحيح مسلم : كتاب الفضائل 2339

أمّا بالنسبة للمعصية التي فعلتها في بيت إخوانك فتب إلى الله منها ، وإن كنت أخذت شيئا من حقوقهم فردّه إليهم والله غفور رحيم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 05:20
السؤال :

هل يمكن أن تذكروا لي بعض الأحاديث التي تدل على علاقة
الصداقة والمحبة بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؟

فقد وجدت حديث سودة عندما أعطت ليلتها لعائشة رضي الله عنهن ’، ولكن
قرأت أحاديث أخرى تتحدث عن غيرتهن ؟

الحمد لله تزوج زوجي امرأة أخرى قبل 6 أشهر ، وهي عزيزة على قلبي ، ولكن عائلتها التي تتبع العادات والتقاليد أكثر من الشرع جعلت ضرتي تشعر بالسوء ؛ لأنهم يحاولون إقناعها بأنني غير سعيدة بوجودها كزوجة ثانية ، وأنني أغار منها ، وقد حاولت الحديث مع عائلتها للتخفيف من شدة الموقف ، فلا شيء مما يدعونه صحيح ـ بفضل الله ـ

بل وقد سمعت منهم أن نساء النبي كانوا يتنازعن كما تفعل النساء اليوم ، ـ استغفر الله ـ ولكنهم يريدون أحاديث تثبت حسن العلاقة بين الزوجات ، وهم يقولون : إنّ حديث سودة لا ينطبق علينا ؛ لأنني أصغر من ضرتي ، فهلا ذكرتم بعض الأحاديث ، مع العلم أنني من المسلمات الجدد ، ولغتي العربية ضعيفة .

الجواب :

الحمد لله

لا شك أن الرباط الذي كان ينظم العلاقة بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : هو رباط الأخوة الإيمانية ، والمحبة في الله ، وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن يجمع المؤمنين عامة ؛ ثم يزيد على ذلك : قربهم من نور النبوة ، ومهبط الوحي والرسالة ؛ ولذلك : كان الورع وتقوى الله هو العاصم من الفتن ، والحكم في مواطن الزلزلة ، والاختبارات الصعبة .
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الضرائر أخوات ، فروى مسلم (1408) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِح ْ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللهُ لَهَا ) .
فكيف بالأخوة التي كانت بين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ؟!

لقد كان الورع وتقوى الله ، هو القاعدة الصلبة التي تنكسر عندها : رغبات النساء الطبيعية، وغيرتهن ، وتنافسهن في الزوج الواحد ؛ فلم يكن الشيطان يطمع أن يظفر من بيت النبوة، بمكيدة توقع في بلية ، وحاشاهن من ذلك كله ، وهن الطاهرات المطهرات .

قالت عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي ، فَقَالَ : (يَا زَيْنَبُ، مَا عَلِمْتِ ؟ مَا رَأَيْتِ ؟ ) ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا " قَالَتْ عائشة: " وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالوَرَعِ ".

رواه البخاري (2661) ، ومسلم (2770) .

قال النووي رحمه الله :

" قَوْلُهَا: " أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي" أَيْ: أَصُونُ سَمْعِي وَبَصَرِي مِنْ أَنْ أَقُولَ سَمِعْتُ وَلَمْ أَسْمَعْ ، وَأَبْصَرْتُ وَلَمْ أُبْصِرْ. قَوْلُهَا: "وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي" أَيْ تُفَاخِرُنِي وَتُضَاهِينِي بِجَمَالِهَا وَمَكَانِهَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ السُّمُوِّ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ " .

انتهى من " شرح النووي على مسلم " (17/ 113) ,.

وقال الحافظ رحمه الله :

" فِيهِ ذَبُّ الْمُسْلِمُ عَنِ الْمُسْلِمِ، خُصُوصًا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ ، وَرَدْعِ مَنْ يُؤْذِيهِمْ وَلَوْ كَانَ مِنْهُمْ بِسَبِيلٍ "

انتهى من " فتح الباري " (8/ 479) .

وروى البخاري (2581) ، ومسلم (2442) عن عَائِشَةُ قَالَتْ: " أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَب َ. وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً ، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى ، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا، تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ " .

فلم تمنعها مساماتها من حسن الثناء عليها بما هي أهله .

ولا يمنع ذلك كله أن يحدث بينهن ، رضوان الله عليهن جميعا ، ما يحدث بين النساء البعيدات من الغيرة الطبيعية ، فكيف بمن كن ضرائر عند رجل واحد ؛ فكيف إذا كان الرجل الذي يجمعهن : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أشرف الخلق قاطبة ؟!

عن عروة بن الزبير : " أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا ، قَالَتْ فَغِرْتُ عَلَيْهِ ، فَجَاءَ ، فَرَأَى مَا أَصْنَعُ ، فَقَالَ : ( مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ ؛ أَغِرْتِ ؟ ) .

فَقُلْتُ : وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ ؟!

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ ؟ )

قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ ؟

قَالَ : ( نَعَمْ ) .

قُلْتُ : وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ ؟

قَالَ : ( نَعَمْ ) .

قُلْتُ : وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

قَالَ : ( نَعَمْ ؛ وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ ) .

روى مسلم في صحيحه (2815) .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 05:24
قال السندي رحمه الله :

" قَوْله ( فَقَالَ قَدْ جَاءَك شَيْطَانك ) أَيْ فَأَوْقَعَ عَلَيْك أَنِّي قَدْ ذَهَبْت إِلَى بَعْض أَزْوَاجِي فَأَنْتِ لِذَلِكَ مُتَحَيِّرَة مُتَفَتِّشَة عَنِّي " انتهى من "حاشية السندي على النسائي" .

إن من ينفي وقوع الغيرة بين التقيات من الضرائر ، لم يعرف طبيعة النساء ، وما جبلهن الله عليه ؛ لكن المقصد : أن الورع ، وتقوى الله ، يمنع غائلة ذلك ، ويعصمهن عن البغي والفساد.

وروى أبو داود (3931) ، وأحمد (26365) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ : " وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ، أَوِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً مُلَّاحَةً تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ ، قَالَتْ: عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : فَجَاءَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابَتِهَا ، فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ ، فَرَأَيْتُهَا : كَرِهْتُ مَكَانَهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ .

فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ ، وَإِنِّي وَقَعْتُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ، وَإِنِّي كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِي ، فَجِئْتُكَ أَسْأَلُكَ فِي كِتَابَتِي .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَهَلْ لَكِ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ؟ ) .

قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: ( أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ ) ؟

قَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ .

قَالَتْ: فَتَسَامَعَ - تَعْنِي النَّاسَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ ، فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ السَّبْيِ ، فَأَعْتَقُوهُمْ ، وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !!

فَمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا ، أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ " .
حسنه الألباني ، وكذا حسنه محققو المسند .

فمع كونها غارت منها أول ما رأتها ، وصفتها بالبركة على قومها .

ولقد كانت سياسة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة لنسائه ، عاملا زائدا ، من عوامل القرب بينهن ، والإلطاف لسائرهن ، فلا يبعد عن الواحدة ، حتى تأتي نوبتها ، بما يوحشها ، ويزيد الغيرة في نفسها ، بل كان يجتمع بهن جميعا ، كل ليلة :

روى مسلم (1462) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ، لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا ".

وقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها : " قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا ، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا ".

رواه أبو داود (2135) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال القرطبي رحمه الله في " المفهم " (13/90) :

" وإنما كانَ يفعَلُ ذلكَ تأنيسًا لهُنَّ ، وتطييبًا لقلوبهِنَّ ؛ حتى ينفصِلَ عنهُنَّ إلى التي هو في يومِها ، ويتركَها طيِّبةَ القلْبِ " انتهى .

قال النووي رحمه الله :

" فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من حُسْنِ الْخُلُقِ وَمُلَاطَفَةِ الْجَمِيعِ "

انتهى من " شرح النووي على مسلم " (10/ 48) .

وروى البخاري (4793) ، ومسلم (87) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: " بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ ، قَالَ : ( ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ ) وَبَقِيَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي البَيْتِ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ: ( السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ) ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ ؟ فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ .

( تَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ ) أَيْ : تَتَبَّعَ الْحُجُرَات وَاحِدَة وَاحِدَة

ولفظ مسلم : " ... فَجَعَلَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ ، فَيُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ: ( سَلَامٌ عَلَيْكُم ْ، كَيْفَ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟) فَيَقُولُونَ: بِخَيْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ فَيَقُولُ: (بِخَيْرٍ) " .

قال القرطبي في " المفهم " (13/15) ـ ترقيم الشاملة ـ :

" فدورانُه على حُجَرِ نسائه تفَقُّدٌ لأحوالِهنَّ ، وجَبْرٌ لقلوبِهِنَّ ، واستدعاءٌ لما عندهنَّ من أحوالِ قلوبِهن ؛ لأجل تزويجِه ؛ ولذلك استلطَفْنَهُ بقولهِنَّ له : كيف وجدْتَ أهلَك يا رسول الله ؟

وصدورُ مثلِ هذا الكلامِ عنهُنَّ في حالِ ابتداءِ اختصاصِ الضَّرَّةِ الداخلةِ به ؛ يدلُّ على قوةِ عقولِهِنَّ ، وصبرهِنَّ ، وحُسن معاشرتهنَّ ، وإلاَّ فهذا موضعُ الطيشِ ، والخِفَّةِ للضرائرِ ، لكنَّهنَّ طيِّبَاتٌ لطيِّبٍ " انتهى .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، ربما يقع عنده الأمر من ذلك ، والبادرة من تلك البوادر ، فيذهب سورتها وحدتها ، بحكمته ، وعدله ، وقسطه ، صلى الله عليه وسلم :

روى البخاري (5225) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِه ِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَة ِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ ، وَيَقُولُ: (غَارَتْ أُمُّكُمْ ) ، ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ ".

وكان صلى الله عليه وسلم ، ربما مزج بذلك القسط ، شيئا من اللَّطَف ، والفكاهة ، فحال الأمر إلى طيب وبشر ، بعد ما كاد يكون حِدة ، أو منافرة :

روى أبو يعلى في مسنده (4476) عن عَائِشَةَ قَالَتْ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَزِيرَةٍ قَدْ طَبَخْتُهَا لَهُ ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ ـ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ـ : كُلِي، فَأَبَتْ ، فَقُلْتُ: لَتَأْكُلِنَّ أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ ، فَأَبَتْ ، فَوَضَعْتُ يَدِي فِي الْخَزِيرَةِ ، فَطَلَيْتُ وَجْهَهَا ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَضَعَ بِيَدِهِ لَهَا، وَقَالَ لَهَا: ( الْطَخِي وَجْهَهَا ) ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا ، فَمَرَّ عُمَرُ ، فَقَالَ: ( يَا عَبْدَ اللَّهِ ، يَا عَبْدَ اللَّهِ )، فَظَنَّ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ، فَقَالَ: (قُومَا فَاغْسِلَا وُجُوهَكُمَا) " .

قال الحافظ العراقي رحمه الله في "تخريج الإحياء" (3/160) : " إسناده جيد" ، وحسنه الألباني في " الصحيحة "(3131) .

ثم إن بقي في النفوس شيء من ذلك ، شأن نفوس البشر ، فهو إن شاء الله : في محل العفو والمسامحة منهن :
وروى ابن سعد في " الطبقات " (8/ 79) ، وابن عساكر في تاريخه (69/ 152) عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ : " دَعَتْنِي أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَوْتِهَا ، فَقَالَتْ : قَدْ كَانَ يَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الضَّرَائِرِ، فَغَفَرَ اللَّهُ لي ولك مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكِ ذَلِكَ كُلَّهُ ، وَتَجَاوَزَ ، وَحَلَّلَكِ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَتْ: سَرَرْتِنِي سَرَّكِ اللَّهُ . وَأَرْسَلَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ ".

وحاصل ذلك كله :

أن المطلوب من المؤمن ، والمؤمنة في مثل ذلك ، وفي الأمر كله : ألا ينساق وراء طبائع النفوس ، أو أهوائها ، بل يجعل تقوى الله هو العاصم له من البغي والعدوان ، ويجعل الرباط بينه وبين عباد الله المؤمنين : الأخوة في الله ؛ والله جل جلاله لم يمدح عباده المؤمنين بالعصمة عن دواعي الهوى ، بل مدحهم بمخالفة أهوائهم ، ومجاهدة نفوسهم في ذات الله ؛ قال الله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) النازعات/37-41 .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 05:27
السؤال:

ما حكم من قال : إنه كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم مشاكل زوجية ؟

وهو لا يقصد في ذلك التنقص من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريد
بذلك أنه وهو سيد الخلق لم يسلم من هذه المشاكل ، فكيف بمن دونه

وهل في ذلك انتقاص من قدر أمهات المؤمنين رضي الله عنهم ؟

وهل هذا الكلام ردة ؟

وكيف تكون التوبة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

ينبغي أن يُعلم أن بيته عليه الصلاة والسلام هو أفضل البيوت وأزكاها ، فهو عليه الصلاة والسلام أحسن الناس معاشرة لأهله ، وأكملهم خلقاً وتعاملاً مع زوجاته عليه الصلاة والسلام .

فقد روى الترمذي (3895) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن الترمذي " .

قال ابن كثير رحمه الله : " وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العِشْرَة دائم البِشْرِ ، يداعب أهله ، ويَتَلَطَّفُ بهم ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك ، قالت : سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم ، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني ،

فقال : " هذِهِ بتلْك " ، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها ، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (2/242) .

ثانياً :

ما يحدث بين الزوجين من مغاضبات ، أو خلاف حول شيء من أمور البيت والمعيشة ، أو نحو ذلك : أمر طبيعي ، وسنة من سنن الحياة الزوجية ، وهو من شأن هذه الحياة الدنيا التي لا تخلو من كدر ، أو تعب ، أو تكدير ؛ وعلى ذلك بُنيت .

وبيت النبوة ربما كان يحدث فيه المرة بعد المرة شيء من ذلك التعب والتكدير ؛ وكان بين نسائه من التغاير ما يحدث مثله ، أو شبيهه بين النساء ؛ وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما ، فنساؤه رضوان الله عليهن ، وإن كن خير النساء ؛ فلم يكُنَّ معصومات ؛ قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) سورة الأحزاب / 28 - 29 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : " لما اجتمع نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الغيرة ، وطلبن منه النفقة والكسوة ، طلبن منه أمرًا لا يقدر عليه في كل وقت ، ولم يزلن في طلبهن متفقات ، في مرادهن متعنتات ، شَقَّ ذلك على الرسول ، حتى وصلت به الحال إلى أنه آلى منهن شهرًا " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/662) .

وروى البخاري (5225) عن أنس رضي الله عنه : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ» ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ " .

وروى البخاري (2468) عن ابن عباس رضي الله عنهما - في قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته – يرويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والحديث طويل ، وفيه : ( ... وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي ، فَرَاجَعَتْنِي ، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي ، فَقَالَتْ وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ ؟! فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُرَاجِعْنَهُ ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ ... ) .

فالقول بأن بيته عليه الصلاة والسلام لم يخل من بعض ذلك الأمر ، إذا لم يكن على وجه التنقص للنبي صلى الله عليه وسلم ، معاذ الله ، ولا لأهل بيته ، رضوان الله عليهم جميعا : لا حرج فيه ، وربما كان فيه منفعة لبعض من ابتلي في بيته : أن يتسلى بذلك الأمر من شأن الدنيا ؛ ويأتسي به عليه الصلاة السلام في طريقة تعامله مع تلك المشكلة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 05:31
السؤال :

لماذا تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم مجموعة من النساء؟

الجواب:

الحمد لله

"لله الحكمة البالغة، ومن حكمته: أنه سبحانه أباح للرجال في الشرائع السابقة وفي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يجمع في عصمته أكثر من زوجة، فلم يكن تعدد الزوجات خاصا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان ليعقوب عليه الصلاة والسلام زوجتان، وجمع سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام بين مائة امرأة إلا واحدة، وطاف عليهن في ليلة واحدة؛ رجاء أن يرزقه الله من كل واحدة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله.

وليس هذا بدعا في التشريع، ولا مخالفا للعقل، ولا لمقتضى الفطرة، بل هو مقتضى الحكمة، فإن النساء أكثر من الرجال حسب ما دل عليه الإحصاء المستمر، وإن الرجل قد يكون لديه من القوة ما يدعوه إلى أن يتزوج أكثر من واحدة لقضاء وطره في الحلال بدلا من قضائه في الحرام، أو كبت نفسه، وقد يعتري المرأة من الأمراض أو الموانع؛ كالحيض والنفاس، ما يحول بين الرجل وبين قضاء وطره معها، فيحتاج إلى أن يكون لديه زوجة أ

خرى يقضي معها وطره بدلا من الكبت، أو ارتكاب الفاحشة، وإذا كان تعدد الزوجات مباحا ومستساغا عقلا وفطرة وشرعا، وقد وجد العمل به في الأنبياء السابقين، وقد توجبه الضرورة، أو تستدعيه الحاجة أحيانا، فلا عجب أن يقع ذلك من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وهناك حكم أخرى لجمعه بين زوجات، ذكرها العلماء،

منها: توثيق العلاقات بينه وبين بعض القبائل، وتقوية الروابط عسى أن يعود ذلك على الإسلام بالقوة، ويساعد على نشره؛ لما في المصاهرة من زيادة الألفة، وتأكيد أواصر المحبة والإخاء.

ومنها: إيواء بعض الأرامل وتعويضهن خيرا مما فقدن، فإن في ذلك تطييبا للخواطر، وجبرا للمصائب، وشرع سنة للأمة في نهج سبيل الإحسان إلى من أصيب أزواجهن في الجهاد ونحوه.

ومنها: رجاء زيادة النسل؛ مسايرة للفطرة، وتكثيرا لسواد الأمة، ودعما لها
بمن يؤمل أن ينهض بها في نصر الدين ونشره.

ومنها: تكثير المعلمات والموجهات للأمة مما تعلمنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمنه من سيرته الداخلية.
وليس الداعي إلى جمعه صلى الله عليه وسلم مجرد الشهوة؛ لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا ولا صغيرة إلا عائشة رضي الله عنها وبقية نسائه ثيبات، ولو كانت شهوته تحكمه، والغريزة الجنسية هي التي تدفعه إلى كثرة الزواج وتصرفه- لتخير الأبكار الصغيرات، لإشباع غريزته، وخاصة بعد أن هاجر وفتحت الفتوح، وقامت دولة الإسلام، وقويت شوكة المسلمين، وكثر سوادهم، ومع رغبة كل أسرة في أن يصاهرها، وحبها أن يتزوج منها، ولكنه لم يفعل، إنما كان يتزوج لمناسبات كريمة

ودواع سامية، يعرفها من تتبع ظروف زواجه بكل واحدة من نسائه.
وأيضا : لو كان شهوانيا لعرف ذلك في سيرته أيام شبابه وقوته يوم لم يكن عنده إلا زوجته الكريمة خديجة بنت خويلد وهي تكبره سنا، ولعرف عنه الانحراف والجور في قسمه بين نسائه وهن متفاوتات في السن والجمال، ولكنه لم يعرف عنه إلا كمال العفة والأمانة في عرضه وصيانته لنفسه، وحفظه لفرجه في شبابه وكبر سنه، مما يدل على كمال نزاهته، وسمو خلقه، واستقامته في جميع شؤونه، حتى عرف بذلك، واشتهر بين أعدائه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود
الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/171-173) .

*عبدالرحمن*
2018-02-18, 05:38
السؤال:

كيف نثبت للنصارى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن طالب شهوة ولا ملك ؟

الجواب :

الحمد لله

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من طلاب الدنيا ، ولا خطر حب الدنيا له على بال ؛ فقد عاش حياة الزهد والعبادة ، وانشغل بأمر الآخرة ، وسيرته وأحاديثه ناطقة بصحة ذلك :

- فروى الترمذي (2377) عن ابن مسعود قَالَ: " نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً ، فَقَالَ: ( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) .

وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".

- وروى أحمد (7120) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : ( إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ ) ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ : ( يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ قَالَ : أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُك َ، أَوْ عَبْدًا رَسُولًا ؟ قَالَ جِبْرِيلُ : تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ ، قَالَ ( بَلْ عَبْدًا رَسُولًا ) " .

صححه الألباني في "الصحيحة" (1002) .

فترك الملك ، واختار العبودية لله والرسالة .

- وروى البغوي في "شرح السنة" (5/442) عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كُلْ - جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ - مُتَّكِئًا ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ ، فَأَصْغَى بِرَأْسِهِ حَتَّى كَادَ أَنْ تُصِيبَ جَبْهَتُهُ الأَرْضَ وقَالَ : ( لا ، بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ ) .

وصححه الألباني في "الصحيحة" (544) .

- وروى الإمام أحمد (13529) عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: يَا سَيِّدَنَا، وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَيَا خَيْرَنَا، وَابْنَ خَيْرِنَا !!

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا بِقَوْلِكُمْ ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ؛ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، وَرَسُولُ اللهِ ؛ وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَا رَفَعَنِي اللهُ ) .

صححه الألباني في "الصحيحة" (1097) .

- وسئلت عَائِشَة رضي الله عنها : " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ فقَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ " .

رواه أحمد (26194) ، وصححه الألباني في "الصحيحة" (671)

وفي رواية له أيضا (24903) : " كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ "

وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4937) .

- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ ، فَقُلْتُ - أي عروة بن الزبير - : يَا خَالَةُ ! مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قَالَتِ : الأَسْوَدَانِ : التَّمْرُ ، وَالْمَاءُ "

رواه البخاري (2567) ، ومسلم (2972) .

ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم طالب دنيا أو طالب ملك ، لما كان هذا حاله ، بل توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وما ترك شيئا من الأموال لورثته من بعده .

وما كان في يده من شيء في حياته ، فإنما هو صدقة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا\
قال النبي صلى الله عليه وسلم ، عن نفسه ، وعن إخوانه الأنبياء، عليهم صلوات الله وسلامه:
( لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ )

رواه البخاري (6727) ، ومسلم (1758) .

أما الشهوة :

فالشهوة المباحة : حلال طيب ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيب منها ، دون أن تعطله عن أمر دينه ومصالح المسلمين ، وقد روى البخاري (5063) ، ومسلم (1401) عنه صلى الله عليه وسلم قال : ( أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) .

وليس هذا خاصا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، بل جميع الأنبياء قبله كانوا كذلك ، قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) الرعد/38 .

وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم ، عن نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام ، أنه قال : ( لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ ، أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ كُلُّهُنَّ ، يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) !!

بل إن "العهد القديم" يذكر عن سليمان بن داود عليهما السلام ، أنه كان له ألف امرأة .

" سفر الملوك الأول " (11 :3) .

فما بال أهل الكتاب يؤمنون بذلك كله ، وهو في كتبهم لا ينكرونه ، ثم ينكرون أن يتزوج نبينا صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع من النساء ؟!

وأما زواجه صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع من النساء: فذلك لحكم بالغة ، لا يطلع على شيء منها الغوي الذي تستهويه شهواته ، ويتسلط عليه شيطانه

والله أعلم .


و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و ولنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 05:14
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال:

سمعت شخصا فى التلفاز يقول : إن المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في الآية (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، ليس الأقصى الذى في فلسطين ، ولكن في الطريق من مكة إلى الطائف كان هناك مسجدان ؛ المسجد الأدنى ، والمسجد الأقصى ، وأنه في ذلك الوقت لم يكن بنيت مساجد في فلسطين ، وأن الذى ألف حكاية المسجد الأقصى هم الدولة الأموية لأسباب سياسية ، وكان يتكلم عن الإسراء والمعراج ، وقال : إن سورة الإسراء وسورة النجم سور مكية والصلاة فرضت فى المدينة أريد تفصيلا حول هذا الموضوع .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

قال الله تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء/ 1

والمسجد الحرام هو مسجد مكة ، والمسجد الأقصى هو بيت المقدس ، بلا خلاف بين المسلمين ، قال ابن كثير رحمه الله :
" (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ (إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى) وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ الَّذِي هُوَ إِيلِيَاءُ ، مَعْدِنُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ لَدُنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ ؛ وَلِهَذَا جُمِعُوا لَهُ هُنَالِكَ كُلُّهُمْ ، فَأمّهم فِي مَحِلّتهم "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (5/ 5) .

وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية ، فمن ذلك :

- أن قوله تعالى : ( إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) محمول بالضرورة على ذلك المسجد المعروف بهذا الاسم ، في نصوص الكتاب والسنة ، ولا يختلف أحد أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس .

- روى مسلم (162) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ ) ، قَالَ: ( فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ) ، قَالَ : ( فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ ) ، قَالَ ( ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ..
.)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: " وَفِي هَذَا السِّيَاقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ " .

قال ابن كثير :

" وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ " .

انتهى من " تفسير ابن كثير " (5/ 9).

- وروى البخاري (4710) ، ومسلم (170) عن جَابِرَ بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ)
.
- وروى أحمد (23285) عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : " أَتَيْتُ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: ( فَانْطَلَقْتُ ـ أَوْ انْطَلَقْنَا ـ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ) وحسنه محققو المسند .

- وروى أحمد أيضا (3546) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ ، وَبِعَلَامَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبِعِيرِهِمْ ... ) وصححه محققو المسند .

- وروى البخاري (1197) ، ومسلم (827) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) .

وروى مسلم (1397) عن أبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ ) .

قال النووي رحمه الله :

" إِيلِيَاءُ هُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ... وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " .

انتهى من " شرح النووي على مسلم " (9/ 168) .

فلا يطلق المسجد الأقصى في الشرع إلا على مسجد إيلياء، وهو بيت المقدس ، وهذا باتفاق المسلمين .

فمن قال : إن هذا ليس الأقصى الذى فى فلسطين ، ولكن فى الطريق من مكة إلى الطائف كان هناك مسجدان: المسجد الأدنى والمسجد الأقصى، فهو هذا : فقد ضل سواء السبيل ، وخالف الكتاب والسنة وإجماع الامة ، وافترى على الله كذبا .

ومن جهله وضلاله قوله : "وأنه في ذلك الوقت لم يكن بنيت مساجد في فلسطين ".

فيقال : فأين كان المسجد الأقصى المذكور في حديث أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: (المَسْجِدُ الحَرَامُ) ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ (المَسْجِدُ الأَقْصَى) ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ ، قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً) " رواه البخاري (3366) ، ومسلم (520) .

وهل كانت هناك مساجد بين مكة والطائف في ذلك الوقت ، ولم تكن الصلوات الخمس قد فرضت بعد ؟
وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى هذا المسجد المزعوم أولا ، ثم لما حولت القبلة توجه إلى البيت الحرام ؟!

لا شك أن من يقول مثل هذا الكلام : إما جاهل لا يدري ما يخرج من فيه ، أو ضال غوي مبين ، يريد أن يضل الناس عن دينهم ، ويلبس عليهم أمرهم .

قال تعالى : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) البقرة/ 144 .
روى البخاري (399) ، ومسلم (525) عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ ، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الكَعْبَة ِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) ، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ " .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 05:17
ثانيا :

أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس إنما فرضت ليلة الإسراء ، وأصل الصلاة
كان واجبا قبل ذلك ، قال ابن كثير رحمه الله :

" أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئا "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 / 164) .

وكان أول فرض الصلوات الخمس ركعتان ، ثم بعد الهجرة أقرت في السفر ، وزيدت في الحضر ركعتين ، إلا المغرب فعلى حالها . فروى البخاري (3935) ، ومسلم (685) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا ، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأُولَى " .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (27 / 52-53) :

" أَصْل وُجُوبِ الصَّلاَةِ كَانَ فِي مَكَّةَ فِي أَوَّل الإْسْلاَمِ ؛ لِوُجُودِ الآْيَاتِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ تَحُثُّ عَلَيْهَا ، وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ لَيْلَةَ الإْسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ " انتهى .

وقول هذا الجاهل : " إن سورة الإسراء وسورة النجم مكيتان ، وفرضت الصلاة فى المدينة " دليل على تهافت قوله وتناقضه :

فالصلاة فرضت أولا قبل الهجرة ، ثم فرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء والمعراج - كما تقدم بيانه آنفا ، وقد كان ذلك في مكة أيضا .

ثم إذا كان يعتقد أن فرض الصلاة كان بالمدينة ، وسورة الإسراء وسورة النجم مكيتان ، فكيف يزعم أنه كان هناك مسجدان في طريق مكة والطائف؟ ومن كان يصلي فيهما؟

فعلى المسلم ألا يصغ لمثل هذه الأقوال المتهافة وألا يعول في دينه إلا على أهل العلم ، فلا يغتر بكل من يتكلم في الدين، حتى يتبين له أنه من أهل العلم .

والحاصل :

أن هذا الكلام متهافت ، يدل بنفسه على جهل صاحبه ، وضلاله ، ولولا أن مثل هذه الأكاذيب والضلالات ، قد أذيعت في الناس ، لما كان ينبغي للعاقل أن يقف عندها ، ولا أن يلتفت إليها أصلا .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 05:19
السؤال:

هل كانوا يصلون قبل الإسراء والمعراج ، وما هي العبادات التي كانوا
يعبدون الله بها المسلمون قبل أن تفرض الصلاة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس إنما فرضت ، على ما نعرفه الآن ، ليلة الإسراء .

ينظر : التمهيد ، لابن عبد البر (8/35) ، "فتح الباري" لابن رجب (2 / 104) .

ودلت النصوص المتظاهرة على أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون منذ أول الرسالة ، قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء .

روى مسلم (746) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ " .

وفي حديث هرقل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مضمون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقال له : ( مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ ) .

فأجابه أبو سفيان ، وهو في شركه : ( قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ؛ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ ) .

رواه البخاري (7) ومسلم (1773) .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" وهو يدل على أن النبي كان أهم ما يأمر به أمته الصلاة ، كما يأمرهم بالصدق والعفاف ، ، واشتُهر ذلك حتى شاع بين الملل المخالفين له في دينه ، فإن أبا سفيان كان حين قال ذلك مشركا ، وكان هرقل نصرانيا . ولم يزل منذ بُعث يأمر بالصدق والعفاف ، ولم يزل يصلي أيضا قبل أن تفرض الصلاة " انتهى .

"فتح الباري" ، لابن رجب (2/101) .

وظاهر الحديث أن ذلك الأمر بالصلاة ، في أول الإسلام ، كان على الوجوب ، وإن اختلفت التفاصيل عما استقر عليه الأمر بعد الإسراء ، وهو ـ أيضا ـ ظاهر الأمر بقيام الليل في سورة المزمل ، التي هي من أول ما نزل من القرآن .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

" سَمِعْت من أَثِقُ بِخَبَرِهِ وَعِلْمِهِ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرْضًا في الصَّلَاةِ ، ثُمَّ نَسَخَهُ بِفَرْضٍ غَيْرِهِ ، ثُمَّ نَسَخَ الثَّانِيَ بِالْفَرْضِ في الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قال [ الشافعي ] : كَأَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أو اُنْقُصْ منه قَلِيلًا } الْآيَةَ ، ثُمَّ نَسَخَهَا في السُّورَةِ معه بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى من ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ } إلَى قَوْلِهِ :

{ فَاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ } ، فَنَسَخَ قِيَامَ اللَّيْلِ أو نِصْفَهُ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ بِمَا تَيَسَّرَ . وما أَشْبَهَ ما قال بِمَا قال " . انتهى .

"الأم" (1/68) ، وينظر أيضا : "الموسوعة الفقهية" (27 / 52-53) ، "الذخيرة" للقرافي (2 / 8) .

وقد قيل إن أول ذلك الفرض : ركعتان بالغداة ، وركعتان بالعشي .

قال قتادة رحمه الله : " كان بدءُ الصيام أمِروا بثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتين غدوة ، وركعتين عشية " . "تفسير الطبري" (3 / 501) .

وقال ابن كثير في قوله تعالى : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) ق/39: " وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ، وهذه الآية مكية " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (3 / 538) ، وينظر : "البحر الرائق" ، لابن نجيم (1 / 257) .

وأنكر جماعة من أهل العلم قول قتادة ومن وافقه على ذلك ، وإن أثبتوا فرض مطلق الصلاة قبل الإسراء . ينظر : التمهيد لابن عبد البر (8/35) .

ثانيا :

دل حديث هرقل السابق على أن الصحابة كانوا قد أمروا بعبادات أخرى في أول البعثة ، سوى التوحيد والصلاة ؛ ففيه أمرهم بالزكاة والصدق والعفاف والصلة .

قال ابن كثير رحمه الله :
" كان في ابتداء الإسلام يصومون من كل شهر ثلاثة أيام ، ثم نسخ ذلك بصوم شهر رمضان . وقد رُوي أن الصيام كان أولا كما كان عليه الأمم قبلنا ، من كل شهر ثلاثة أيام ، عن معاذ ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعطاء ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم . وزاد : لم يزل هذا مشروعًا من زمان نوح إلى أن نَسَخ الله ذلك بصيام شهر رمضان " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (1 / 497)

وقال أيضا :

" لا يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأمورا به في ابتداء البعثة ، كقوله تعالى : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) الأنعام/ 141 ، فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بَيَّن أمرها بالمدينة ، كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئا " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (7 / 164) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 05:23
السؤال:

هل صحيح أن الصلاة كانت مفروضة قبل ليلة الإسراء؟

وهل كان الرسول يصليهاعلى هيئتها كما
نصليها الآن و بنفس عدد الركعات؟

ومتى فرضت الصلاة بالأوقات و الهيئة التي نصليها الآن؟

الجواب:

الحمد لله

روى البخاري (349) ومسلم (162) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه حديث الإسراء المشهور ، وفيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً . قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ ... قَالَ : فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً ) .

وقد أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس لم تفرض إلا في هذه الليلة . ينظر جواب السؤال رقم ( 143111 ) .

راجع : "فتح الباري" لابن رجب (2 / 104)

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك ، شيئا فشيئا " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (7 / 164)

- ثم نزل جبريل عليه السلام وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة :

فروى البخاري (522) ومسلم (611) عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ : مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ ؟ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : ( بِهَذَا أُمِرْت ) فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ : انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ يَا عُرْوَةُ ؟ أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ : كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ .

وروى النسائي (526) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ : قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الظُّهْرَ حِينَ مَالَتْ الشَّمْسُ . ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ جَاءَهُ لِلْعَصْرِ فَقَالَ : قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الْعَصْرَ . ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ جَاءَهُ فَقَالَ : قُمْ فَصَلِّ الْمَغْرِبَ . فَقَامَ فَصَلَّاهَا حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ سَوَاءً ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ الشَّفَقُ جَاءَهُ فَقَالَ : قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ . فَقَامَ فَصَلَّاهَا ... الحديث ، وفيه : فَقَالَ – يعني جبريل - : ( مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ كُلُّهُ ) .

وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .

وروى عبد الرزاق في "مصنفه" ( 1773) وابن إسحاق في سيرته ، كما في فتح الباري (2 / 285 ) أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة .

قال القرطبي رحمه الله :

ولم يختلفوا في أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة ليلة الإسراء عند الزوال فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها " انتهى ملخصا .

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

" بيان جبريل للمواقيت كان صبيحة ليلة الإسراء " انتهى .

"شرح العمدة" (4 / 148)

- وكان أول فرض الصلوات الخمس ركعتان ، ثم بعد الهجرة أقرت في السفر ، وزيدت في الحضر ركعتين ، إلا المغرب فعلى حالها . فروى البخاري (3935) ومسلم (685) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا ، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأُولَى ) .

- وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون قبل فرض الصلوات الخمس :

جاء في "الموسوعة الفقهية" (27 / 52-53) :

" أَصْل وُجُوبِ الصَّلاَةِ كَانَ فِي مَكَّةَ فِي أَوَّل الإْسْلاَمِ ؛ لِوُجُودِ الآْيَاتِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ تَحُثُّ عَلَيْهَا . وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ لَيْلَةَ الإْسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ " انتهى .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس إنما فرضت ، على ما نعرفه الآن ، ليلة الإسراء .

ينظر : التمهيد ، لابن عبد البر (8/35) ، "فتح الباري" لابن رجب (2 / 104) .

ودلت النصوص المتظاهرة على أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون منذ أول الرسالة ، قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء .

روى مسلم (746) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ " .

وفي حديث هرقل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مضمون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقال له : ( مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ ) .

فأجابه أبو سفيان ، وهو في شركه : ( قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ؛ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ ) .

رواه البخاري (7) ومسلم (1773) .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" وهو يدل على أن النبي كان أهم ما يأمر به أمته الصلاة ، كما يأمرهم بالصدق والعفاف ، ، واشتُهر ذلك حتى شاع بين الملل المخالفين له في دينه ، فإن أبا سفيان كان حين قال ذلك مشركا ، وكان هرقل نصرانيا . ولم يزل منذ بُعث يأمر بالصدق والعفاف ، ولم يزل يصلي أيضا قبل أن تفرض الصلاة " انتهى .

"فتح الباري" ، لابن رجب (2/101) .

وظاهر الحديث أن ذلك الأمر بالصلاة ، في أول الإسلام ، كان على الوجوب ، وإن اختلفت التفاصيل عما استقر عليه الأمر بعد الإسراء ، وهو ـ أيضا ـ ظاهر الأمر بقيام الليل في سورة المزمل ، التي هي من أول ما نزل من القرآن .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

" سَمِعْت من أَثِقُ بِخَبَرِهِ وَعِلْمِهِ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرْضًا في الصَّلَاةِ ، ثُمَّ نَسَخَهُ بِفَرْضٍ غَيْرِهِ ، ثُمَّ نَسَخَ الثَّانِيَ بِالْفَرْضِ في الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قال [ الشافعي ] : كَأَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أو اُنْقُصْ منه قَلِيلًا } الْآيَةَ ، ثُمَّ نَسَخَهَا في السُّورَةِ معه بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى من ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ } إلَى قَوْلِهِ :

{ فَاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ } ، فَنَسَخَ قِيَامَ اللَّيْلِ أو نِصْفَهُ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ بِمَا تَيَسَّرَ . وما أَشْبَهَ ما قال بِمَا قال " . انتهى .

"الأم" (1/68) ، وينظر أيضا : "الموسوعة الفقهية" (27 / 52-53) ، "الذخيرة" للقرافي (2 / 8) .

وقد قيل إن أول ذلك الفرض : ركعتان بالغداة ، وركعتان بالعشي .

قال قتادة رحمه الله : " كان بدءُ الصيام أمِروا بثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتين غدوة ، وركعتين عشية " . "تفسير الطبري" (3 / 501) .

وقال ابن كثير في قوله تعالى : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) ق/39: " وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ، وهذه الآية مكية " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (3 / 538) ، وينظر : "البحر الرائق" ، لابن نجيم (1 / 257) .

وأنكر جماعة من أهل العلم قول قتادة ومن وافقه على ذلك ، وإن أثبتوا فرض مطلق الصلاة قبل الإسراء . ينظر : التمهيد لابن عبد البر (8/35) .

ثانيا :

دل حديث هرقل السابق على أن الصحابة كانوا قد أمروا بعبادات أخرى في أول البعثة ، سوى التوحيد والصلاة ؛ ففيه أمرهم بالزكاة والصدق والعفاف والصلة .

قال ابن كثير رحمه الله :
" كان في ابتداء الإسلام يصومون من كل شهر ثلاثة أيام ، ثم نسخ ذلك بصوم شهر رمضان . وقد رُوي أن الصيام كان أولا كما كان عليه الأمم قبلنا ، من كل شهر ثلاثة أيام ، عن معاذ ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعطاء ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم . وزاد : لم يزل هذا مشروعًا من زمان نوح إلى أن نَسَخ الله ذلك بصيام شهر رمضان " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (1 / 497)

وقال أيضا :

" لا يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأمورا به في ابتداء البعثة ، كقوله تعالى : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) الأنعام/ 141 ، فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بَيَّن أمرها بالمدينة ، كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئا " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (7 / 164) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 05:30
السؤال:

لقد تجرأ أحد المتعالمين منا في ليبيا على حادثة الإسراء والمعراج ، فقال في مقالة نشرتها إحدى الصحف : إن حادثة المعراج هي محض خرافات ، ولا يمكن أن تحدث لبشر، واستدل بذلك بالآية الكريمة في سورة الإسراء التي يقول الله عزل وجل فيها : ( أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي

هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)الإسراء/93؛ فقال إن القرآن ينفي إمكانية رقي الرسول صلى الله عليه سلم للسماء ، وقال : إن ذلك يخالف القران بنص الآية ، وأن المعراج مجرد رؤية مناميه واستدل بالآية : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ )الإسراء/60. وفي النهاية أقول لفضيلتكم : إن هذا الموضوع أدخل علي شبهة ، ولكني مؤمن بأنها معجزة ؛ أرجو الإجابة والتوضيح ، بحيث ينتفي التعارض بين الآية التي تنفي رقي البشر ، وبين معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ علما بأنني مؤمن بأنه لا تعارض في القرءان . أفيدونا جزاكم الله خيرا .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة ، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه ، قال الله سبحانه وتعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1 .

وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف ، حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه .

وقد اختلف الناس في الإسراء والمعراج ، فمنهم من قال : إنه كان مناما ، والصحيح أنه أسري وعرج به يقظة ؛ لأدلة كثيرة يأتي ذكرها .

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة : " والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى " انتهى .

وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" رحمه الله : " اختلف الناس في الإسراء :

فقيل : كان الإسراء بروحه ولم يُفْقد جسدُه ، نقله ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما ، ونقل عن الحسن البصري نحوه . لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال كان الإسراء مناما وبين أن يقال كان بروحه دون جسده ، وبينهما فرق عظيم ، فعائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا كان مناما ، وإنما قالا :

أسري بروحه ولم يفقد جسده ، وفرق ما بين الأمرين أن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة ، فيرى كأنه قد عرج إلى السماء وذهب به إلى مكة ، وروحه لم تصعد ولم تذهب ؛ وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال ، فما أرادا أن الإسراء كان مناما ، وإنما أرادا أن الروح ذاتها أسري بها ؛ ففارقت الجسد ثم عادت إليه ، ويجعلان هذا من خصائصه فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .

وقيل : كان الإسراء مرتين : مرة يقظة ، ومرة مناما ... ، وكذلك منهم من قال : بل كان مرتين : مرة قبل الوحي ومرة بعده ، ومنهم من قال : بل ثلاث مرات : مرة قبل الوحي ومرتين بعده ؛ وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة للتوفيق ، وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث ، وإلا فالذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة قبل الهجرة بسنة ، وقيل بسنة وشهرين ، ذكره ابن عبد البر
...
وكان من حديث الإسراء أنه أسري بجسده في اليقظة على الصحيح ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، راكبا على البراق صحبة جبرائيل عليه السلام ، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما ، وربط البراق بحلقه باب المسجد ، وقد قيل : إنه نزل بيت لحم وصلى فيه ، ولا يصح عنه ذلك ألبتة .

ثم عرج به من بيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبرائيل ففتح لهما ، فرأى هناك آدم أبا البشر ، فسلم عليه فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته ، ثم عرج به إلى السماء الثانية..."

إلى أن قال رحمه الله : " ومما يدل على أن الإسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) الإسراء /1 ؛ والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح ، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ؛ هذا هو المعروف عند الإطلاق ، وهو الصحيح ؛ فيكون الإسراء بهذا المجموع ، ولا يمتنع ذلك عقلا ، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة ؛ وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر "

انتهى من "شرح الطحاوية" (1/245).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/33) : " ثم اختلف الناس : هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه ، أو بروحه فقط ؟ على قولين ، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً ، ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً ، ثم رآه بعد يقظة ، لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، والدليل على هذا قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) الاسراء/ 1، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ، ولم يكن مستعظماً ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذبيه ، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم ، وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ، وقال تعالى : ( أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) وقال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) الاسراء /60، قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، رواه البخاري [ 2888 ] ، وقال تعالى :

( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم/17 ، والبصر من آلات الذات لا الروح .

وأيضاً فإنه حمل على البراق ، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن ، لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه ، والله أعلم " انتهى .

وقال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول" (3/1067) : "

ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة ، ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم : كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس ، شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا إلى آخر تكذيبهم واستهزاءهم به صلى الله عليه وسلم لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى ؛ لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد استبعاد لرؤياه ، وإنما قص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرى حقيقة يقظة لا مناما فكذبوه واستهزؤوا به استبعاد لذالك واستعظاما له مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله عز وجل وأن الله يفعل ما يريد ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر قال : إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا وتصدقه بذلك ؟ قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرة وعشيا أو كما قال " انتهى .

وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه ( التنوير في مولد السراج المنير ) : " وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذر ومالك بن صعصعة وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس ، وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرط وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين ، وعبد الله بن عمرو وجابر وحذيفة وبريدة ، وأبي أيوب وأبي أمامة وسمرة بن جندب وأبي الحمراء ، وصهيب الرومي وأم هانىء ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ، منهم من ساقه بطوله ، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة ، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون ، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون "

انتهى نقلا عن "تفسير ابن كثير" (3/36).

ثانيا :

لا ينقضي العجب من هذا المسلك الذي سلكه الكاتب المذكور في الاستدلال ، فإنه اقتصر على ذكر مطلب واحد من مطالب الكفار ، فأوهم أن الجواب القرآني : (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) منصب على هذا المطلب ، وهو الرقي في السماء ، وأن هذا يدل على عدم إمكانه . والحق أن هذا الجواب وارد على مجموع ما طلبه المشركون تعنتا وتفننا في الجحود والإنكار ، وإليك هذه المطالب كما بينها القرآن

( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) الاسراء/90- 93 فتأمل في هذه المطالب التي لا يحسن في جوابها إلا الجواب القرآني : ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً )
.
فهل بإمكان من هو بشر أن يفجر الأرض ، والأنهار ، ويسقط السماء ، ويأتي بالله ! وبالملائكة ! ويرقى في السماء فيأتي منها بكتاب موجه إلى كل كافر ! كما جاء في التفسير عن مجاهد وغيره ، وهو موافق لقوله تعالى : ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) المدثر /52 . لا شك أن ذلك ليس من خصائص البشر ، ولا هو في إمكانهم ، فهذا الاستبعاد منصب على مجموع هذه المطالب ، لا على آحاد كل منها

وإلا ففيها مطالب مما هو ممكن عادة ، فقد ثبت أن الماء نبع من بين أصبعيه الشريفتين صلى الله عليه وسلم ، كما في صحيح البخاري (3576) ، وغيره ، فكيف بتفجير نبع من الأرض ، ولا استحالة ـ أيضا ـ في أن يكون له جنة من نخيل .. ، على نحو ما طلبوا ، إلا أن هؤلاء لم يكن له غرض في حصول هذه الأشياء حقيقة ، إنما هي من باب المبالغة في العناد ، والتعنت مع الرسول ، من أجل التمادي في طغيانهم .

قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله : " ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة [ المبالغة في الخصومة ] وعناد ، أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة ( سبحان ربي) التي تستعمل في التعجب .. ثم بالاستفهام الإنكاري ، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصرا إضافيا ، أي لست ربا متصرفا أخلق ما يطلب مني ، فكيف آتي بالله والملائكة ، وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها " . انتهى .

"التحرير والتنوير" ( 15/210-211) .

ثالثا :

احرص على قلبك يا عبد الله ، وكن على دينك أحرص منك على الدرهم والدينار ؛ فلا تدع لشياطين الإنس والجن سبيلا أن يسترقوا اليقين من قلبك ، أو يزعزعوا الإيمان فيه ؛ وما دمت لم تحصل من العلم الشرعي ، ما يحصنك ضد شبهات المشككين ، ففر من هؤلاء ، ومجالسهم ، ومنتدياتهم ، ولا تسمع لزخارف قولهم ، فإنك لا تدري إذا نزلت الشبهة في قلبك متى تخرج منه ، وإذا عرضت الفتنة ، هل أنت ناج منها أم من المفتونين .

نسأل الله تعالى لنا ولجميع عباده الموحدين الهداية والتوفيق والسداد .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 05:35
السؤال:

كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه في السفر؟

هل كانت بكتابة الأسماء ثم سحبها من آنية أم ماذا ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (2593) ، ومسلم (2770) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِه ِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ " .

وهذا من تمام عدله صلى الله عليه وسلم بين زوجاته رضي الله عنهن ، وحسن عشرته .

ثانيا :

أما صفة القرعة التي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم نقف في بيان ذلك على شيء صريح من حديث مسند ؛ لكن ذكر العلماء أنه يكتب أسماء المقترعين في ورقة أو نحوها ، ويجعلها في حجره ، أو في إناء ، ثم يأمر أحدا أن يأخذ ورقة منها ، فمن خرج اسمه كان هو المستحق.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
\
" قَوْله: (أَقرع بَين نِسَائِهِ) ، (وَكَانَت قرعَة) ، (اقتسم الْمُهَاجِرُونَ قرعَة) هِيَ رمي السِّهَام على الخطوط ، وَصفته أَن يكْتب الْأَسْمَاء فِي أَشْيَاء، ويخرجها أَجْنَبِي ؛ فَمن خرج اسْمه اسْتحق

" انتهى من "فتح الباري" (1/ 172) ، وانظر : " الحاوي " للماوردي (16/254) .

ولم يأت الشرع بتحديد طريقة معينة للقرعة ، فبأي طريقة تمت فهو جائز .

قال الزركشي رحمه الله :

" كيفما أقرع : جاز " انتهى من "شرح الزركشي على الخرقي" (7/ 455) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" أيُّ طريق أقرع به : فإنَّه جائز؛ لأنَّه ليس لها كيفيَّة شرعيَّة ، فيرجع إلى ما اصطلحا عليه

" انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 55) .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 05:40
السؤال:

هل يجوز للرجل إذا كان متزوجاً من امرأتين أن يصطحب زوجته الثانية في كل مرة يسافر فيها ، علماً بأن الزوجة الأولى لا تستطيع السفر نظراً لرعايتها لأبنائها ؟ . وما الواجب عليها إذا شعرت أن زوجها لا يريد توزيع وقته بالتساوي بينهما ؟

هل من موقع جيد على الإنترنت يتناول موضوع تعدد الزوجات ؟

الجواب:

الحمد لله

أولاً :

أمر الله بإقامة العدل في كل شيء ، فقال : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) النحل/ 90 .

قال ابن جرير الطبري رحمه الله :

إن الله يأمر في هذا الكتاب الذي أنزله إليك يا محمد بالعدل ، وهو الإنصاف .

" تفسير الطبري " ( 17 / 279 ) .

وحرَّم الله تعالى على عباده الظلم ، وتوعد الظالمين بالعقوبة في الدنيا والآخرة .

فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ، فَلَا تَظَالَمُوا ) . رواه مسلم ( 2577 ) .

وقد أمر الله تعالى بالعدل بين الزوجات ، وجاء الوعيد في ظلم بعضهن على حساب بعض .

قال الله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) النساء / 3

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

أي : مَنْ أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل ، أو ثلاثاً فليفعل ، أو أربعاً فليفعل ، ولا يزيد عليها ؛ لأن الآية سيقت لبيان الامتنان ، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى ، إجماعاً ؛ وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة ، فأبيح له واحدة بعد واحدة ، حتى يبلغ أربعاً ؛ لأن في الأربع غنية لكل أحد ، إلا ما ندر ، ومع هذا فإنما يباح له ذلك إذا أمِن على نفسه الجور والظلم ، ووثق بالقيام بحقوقهن .

فإن خاف شيئاً من هذا : فليقتصر على واحدة ، أو على ملك يمينه ، فإنه لا يجب عليه القسم في ملك اليمين .
( ذَلِك ) أي : الاقتصار على واحدة أو ما ملكت اليمين :

( أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) أي : تظلموا .

وفي هذا أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم ، وعدم القيام بالواجب - ولو كان مباحاً- أنه لا ينبغي له أن يتعرض له ، بل يلزم السعة والعافية ، فإن العافية خير ما أعطي العبد .

" تفسير السعدي " ( ص 163 ) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ ) . وفي رواية : ( أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ ) .

رواه الترمذي ( 1141 ) وأبو داود ( 2133 ) والنسائي ( 3942 ) وابن ماجه ( 1969 ) .

وصحح الألباني الروايتين في " صحيح الترغيب والترهيب " برقم ( 1949 ) .

قال الشيخ المباركفوري رحمه الله :

قال الطيبي في شرح قوله ( وشقه ساقط ) : أي : نصفه مائل ، قيل : بحيث يراه أهل العرصات ليكون هذا زيادة في التعذيب .

" تحفة الأحوذي " ( 4 / 248 ) .

ومن رأت من زوجها ميلاً للأخرى على حسابها ، أو ظلماً لها في حقها : فلتبادر لنصح زوجها بالتي هي أحسن ، ولتذكره بما أوجبه الله عليه من العدل ، وبما حرَّمه الله عليه من الظلم ، ولتبادر – كذلك – لنصح أختها لئلا تقبل بالظلم ، ولا بأخذ ما ليس لها من حق ، وعسى الله أن يهديه لإقامة العدل ، وإعطاء كل ذي حق حقَّه .

ثانياًً:

من العدل بين الزوجات : أن يقرع الزوج بينهن إذا أراد السفر بإحداهن دون الباقيات ، وهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم مع نسائه .

فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ) .

رواه البخاري (2454) ومسلم (2770) .

قال النووي رحمه الله :

فيه : أن من أراد سفراً ببعض نسائه : أقرع بينهن كذلك ، وهذا الإقراع عندنا واجب .

" شرح مسلم " ( 15 / 210 ) .

وقال ابن حزم رحمه الله :

ولا يجوز له أن يخص امرأة مِن نسائه بأن تسافر معه إلا بقرعة .

" المحلى " ( 9 / 212 ) .

ومثله قاله الشوكاني رحمه الله في " السيل الجرار " ( 2 / 304 ) .

وإذا رجع من سفره فإنه لا يحسب مدة سفره على التي سافرت معه بقرعة .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

فإذا رجع من سفره : استأنف القسمة بينهن ، ولم يحاسب التي خرجت معه بأيام سفره معها ، وكانت مشقتها في سفرها ونصبها فيه بإزاء نصيبها منه ، وكونها معه .

" التمهيد " ( 19 / 266 ) .

ثالثاً :

لو فُرض عدم استطاعة إحدى نسائه السفر معه : فمن العبث إدخالها بالقرعة ، وهي لا تستطيع السفر معه ، فتكون القرعة – والحالة هذه – بين من تساوت أحوالهن في القدرة على السفر ، فلا يقرع بين من تستطيع ومن لا تستطيع ، على أن يكون ذلك حقيقة وليس وهماً أو ظلماً لها ؛ كأن تكون مريضة ، أو عندها من الأولاد ما تعجز عن تركهم من غير رعاية ، أو أنها ممنوعة من السفر ، وما شابه ذلك من الأعذار ، وليس لحبه سفر الأخرى معه دون الأولى ، وإلا كان ظالماً .

وعليه في هذه الحالة أن يسترضي زوجتيه ، ولو بتعويض التي لم تسافر ببعض الأيام إذا رجع من السفر .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

وقال القرطبي : ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء ، وتختص مشروعية القرعة بما إذا اتفقت أحوالهن ؛ لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحاً بغير مرجح .

" فتح الباري " ( 9 / 311 ) .

وقال الدكتور أحمد الريان :

إذا تساوت ظروف الزوجات في كل النواحي التي يحرص على حفظها ورعايتها سفراً وحضراً : فالاقتراع هو المتعين ، أما إذا تفاوتت الزوجات في ذلك : فلا بأس من الاختيار مع مراعاة شرطيْ عدم الميل ، وعدم قصد الإضرار .

" تعدد الزوجات " ( ص 71 ) .

هذا ، ولا نعلم موقعاً مختصاً بمسائل تعدد الزوجات ، ويمكنك الاطلاع على موقعنا ، وعلى مواقع الفتاوى الموثوقة ففيها جملة وافرة من أحكام التعدد .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 05:45
السؤال:

-أريد أن أعرف الأماكن التي كان يوجد فيها اليهود في أرض الحجاز
في حياة النبي صلى الله عليه وسلم غير المدينة المنورة ؟

وكم كان عددهم ؟ وهل كانوا بالعشرات أم بالمئات ؟

2-أريد أيضا أن أعرف كم كان عدد اليهود في المدينة المنورة ؟

هل كانوا بالعشرات أم بالمئات أم بالآلاف ؟

3- هل كانت المدينة المنورة هي المكان الذي يوجد فيه أكبر عدد لليهود ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

كان يهود المدينة ثلاث طوائف : بني قينقاع ، وبني النضير ، وبني قريظة .

قال ابن القيم رحمه الله :

" صَالَحَ النبي صلى الله عليه وسلم يَهُودَ الْمَدِينَةِ ، وَكَتَبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابَ أَمْنٍ ، وَكَانُوا ثَلَاثَ طَوَائِفَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ : بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَبَنِي النَّضِيرِ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ ، فَحَارَبَتْهُ بَنُو قَيْنُقَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ، ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ بَنُو النَّضِيرِ ، وَأَمَّا قُرَيْظَةُ ، فَكَانَتْ أَشَدَّ الْيَهُودِ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَغْلَظَهُمْ كُفْرًا ، وَلِذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَجْرِ عَلَى إِخْوَانِهِمْ " .

انتهى باختصار من " زاد المعاد " (3/ 114-117) .

وكان عددهم بالنساء والذرية عدة آلاف ، قال ابن القيم :

" غَزَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَكَانُوا مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ ... وَكَانُوا
سَبْعَمِائَةِ مُقَاتِلٍ ، وَكَانُوا صَاغَةً وَتُجَّارًا

" انتهى من " زاد المعاد "(3/ 170) .

أما بنو قريظة : فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" اخْتَلَفَ فِي عدتهمْ: فَعِنْدَ ابن إِسْحَاقَ أَنَّهُمْ كَانُوا سِتَّمِائَةٍ ، وَعِنْدَ ابن عَائِذٍ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ .

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ الْمُكْثِرُ يَقُولُ إِنَّهُمْ مَا بَيْنَ الثَّمَانِمِائَةٍ إِلَى التِّسْعِمِائَةٍ ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيّ وابن حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَمِائَةِ مُقَاتِلٍ .

فَيحْتَمَلُ ـ فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ ـ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ البَاقِينَ كَانُوا أتباعا .

وَقد حكى ابن إِسْحَاقَ أَنَّهُ قِيلَ : إِنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ "

انتهى من " فتح الباري " (7/ 414) .

أما بنو النضير : فكانوا بالمئات أيضا ، قال ابن سعد رحمه الله :

" حملوا النساء والصبيان وتحملوا عَلَى ستمائة بعير " انتهى من " الطبقات الكبرى " (2/ 44) .

ثانيا :

كان هناك من اليهود من يسكن جزيرة العرب في غير المدينة :

فكانت منهم طائفة بـ " فدك " وهو حصن قريب من خيبر على ست ليال من المدينة ، و" تيماء " وهي قرية على ثمان مراحل من المدينة ، و" وادي القرى " وهو واد بين الشام والمدينة ، و " دُومة الجندل " وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة ، و" خيبر" وهي مدينة عظيمة ذات حصون ومزارع ، على ثمانية بُرُد من المدينة إلى جهة الشام.

انظر : " دلائل النبوة " - للبيهقي (4/ 270) ، " زاد المعاد " (3/ 314) ، " تاريخ الخميس "

(2/59) ، " الرحيق المختوم " (ص 345-347) .

وكان عددهم بالآلاف في تلك المناطق ، وخاصة في خيبر ، فإن عددهم فيها كان
كبيرا ، قيل : كانوا عشرة آلاف مقاتل .

انظر : "المغازي" للواقدى (1/373) ، "إمتاع الأسماع" للمقريزي (1/306) .

ثالثا :

كان كثير من اليهود أول الأمر بجزيرة العرب يسكنون المدينة ، وسبب ذلك أنهم كانوا يعرفون من كتبهم بقرب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يعرفون أن المدينة هي مهاجره ، وكانوا يطمعون أن يكون منهم ، وليس من العرب ، فارتحلوا من الشام وغيرها إلى المدينة
.
قال ابن إسحاق رحمه الله :

وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمر بْنِ قَتَادَةَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قريظة قال:

قَالَ لِي: " هَلْ تَدْرِي عمَّ كَانَ إسْلَامُ ثعلبة بن سَعْية وأسِيد بن سَعْية وأسد بْنِ عُبَيْدٍ نَفَرٍ مِنْ بَنِي هَدْل ، إخْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ ثُمَّ كانوا ساداتهم في الإسلام ؟

قال: قلت: لا .

قَالَ: فَإِنَّ رَجُلًا مِنْ يَهُودَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الهيَبان، قَدِم عَلَيْنَا قُبَيْل الْإِسْلَامِ بِسِنِينَ، فَحَلَّ بينَ أَظْهُرِنَا ، لَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطْ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أفضلَ مِنْهُ ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا ، فَكُنَّا إذَا قحَط عنا المطر قلنا له: اخرج يابن الهيِّبان فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا وَاَللَّهِ ، حَتَّى تُقدِّموا بَيْنَ يدَيْ مخرجِكم صَدَقَةً، فَنَقُولُ لَهُ : كَمْ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ مُدَّيْن مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: فَنُخْرِجُهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ بِنَا إلَى ظَاهِرِ حَرَّتنا، فَيَسْتَسْقِي اللَّهُ لَنَا، فَوَاَللَّهِ ما يبرح مجلسه ، حتى تمرَّ السحابةُ ونُسْقَى، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غيرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ.

قَالَ: ثُمَّ حَضَرَتْهُ الوفاةُ عندَنا، فلما عَرَف أنه ميِّت ، قال: أيا مَعْشَرَ يَهُودَ، مَا ترونَه أَخْرَجَنِي مِنْ أرضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ ؟

قَالَ: قُلْنَا: إنَّكَ أَعْلَمُ .

قَالَ: فَإِنِّي إنَّمَا قَدِمْتُ هَذِهِ الْبَلْدَةَ أتوكَّف خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أظلَّ زَمَانُهُ ، وَهَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهاجَرُه ، فكنتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعث، فَأَتَّبِعَهُ، وَقَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ ، فَلَا تُسْبَقُنَّ إلَيْهِ يَا مَعْشَرَ يَهُود َ، فَإِنَّهُ يُبعث بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَلَا يَمْنَعْكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ .

فَلَمَّا بُعث رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظة، قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَاَللَّهِ إنَّهُ لِلنَّبِيِّ الَّذِي كَانَ عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الهيِّبان ؟

قَالُوا: لَيْسَ بِهِ، قَالُوا: بَلَى وَاَللَّهِ ، إنَّهُ لَهُوَ بِصِفَّتِهِ، فَنَزَلُوا وَأَسْلَمُوا، وَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ " انتهى من " سيرة ابن هشام " (1/ 196) .

وانظر: " الطبقات الكبرى " (1/127) ، " دلائل النبوة " للبيهقي (2/80) ، " سير أعلام النبلاء " (1/197) ، " البداية والنهاية " (3/404) .
.
والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 05:51
السؤال

كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود ؟

الجواب

الحمد لله

فإن أحسن الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو أكمل الخلق وسيد الرسل ، وقد أمرنا بالتمسك بهديه ، فقال : ( عَلَيكُم بِسُنَّتِي )

رواه أبو داود ( 4607 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وقد جاء هديه وسنته بأحسن الأحوال وأقوم الأخلاق ، خاصة في تعامله صلى الله عليه وسلم مع أهل الديانات الأخرى ، ونستطيع أن نجمل هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع اليهود في المسائل التالية :

1. اتخاذ الموقع الصحيح من اليهودية وجميع الأديان ، وهذا الموقع يتمثل باعتقاد أحقية دين الإسلام والتوحيد ، وكفر وفساد كل ديانة أخرى ، وتقرير أن الله تعالى لا يقبل يوم القيامة إلا أن يكون العبد مسلما حنيفا لله تعالى ، كما قال سبحانه : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/85 .

وقد كان هذا التقرير هو المحور الذي تدور عليه صلى الله عليه وسلم دعوته صلى الله عليه وسلم ، ويتخذ المواقف تبعا له ؛ لأنه من ضرورات عقيدة المسلم التي تعرضت في العصور الأخيرة للتحريف والتشويه من دعاة " توحيد الأديان " !

2. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يحرص على دعوتهم للإسلام ، ولا يفوت فرصة يمكن أن يبلغهم فيها دين الله تعالى إلا وفعل ، حتى إنه صلى الله عليه وسلم لم يبدأ حربا معهم – بسبب غدرهم وخيانتهم – إلا ويسبقها بدعوتهم وتذكيرهم ، كما قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم فتح خيبر : ( انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ) رواه البخاري ( 2942 ) ومسلم ( 2406 ) .

3. التأكيد على أن عقد الموالاة إنما هو بين المؤمنين ، وأن البراء واجب من كل كفر مبين ، وجعل صلى الله عليه وسلم مناط الأخوة الإسلام ، فلا يجوز لمسلم أن يوالي أهل أي ملة بالمحبة والمودة ، لذلك تجده صلى الله عليه وسلم يسارع في أول قدومه المدينة في تقرير المفارقة بين الإسلام واليهودية ، فكان في نص الوثيقة " الدستور " التي أمر النبي صلى الله عليه سلم بكتابته لتنظيم العلاقات بين سكان المدينة : " المؤمنون أمة واحدة دون الناس " رواه القاسم بن سلام في " الأموال " ( 517 ) من مراسيل الزهري .

يقول الدكتور أكرم العمري :

" الروابط تقتصر على المسلمين ولا تشمل غيرهم من اليهود والحلفاء ، ولا شك أن تمييز الجماعة الدينية كان أمرا مقصودا يستهدف زيادة تماسكها واعتزازها بذاتها " انتهى .

انظر " السيرة النبوية الصحيحة " للدكتور أكرم العمري ( 1 / 272 – 291 ) فقد توسع في الحكم على الوثيقة وتحليلها .
4. ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يعترف بحقوق اليهود والنصارى ، ويخطئ من يتوهم أن التبرأ من ديانة اليهود المحرفة يلزم منه ظلمهم ومصادرة حقوقهم ، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم وجود اليهود في المدينة ، وكتب في دستور المدينة : " وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين " ، وتكفل لهم بجميع أنواع الحقوق :

أ. حق الحياة : فلم يقتل يهوديا إلا من خان وغدر .

ب. وحق اختيار الدين : حيث أقرهم على ديانتهم ولم يكره أحداً على الإسلام ، عملا بقوله سبحانه وتعالى : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) البقرة/256 ، وكتب في ميثاق المدينة : " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم " .

ج. حق التملك : فلم يصادر أملاك أحد منهم ، بل أقر النبي
صلى الله عليه وسلم المسلمين على تجارتهم معهم
.
د. حق الحماية والدفاع : فقد جاء في ميثاق المدينة : " وإن على اليهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم ، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة "

هـ. حق العدل في المعاملة ورفع الظلم : وذلك مقرر في صحيفة المدينة حيث جاء فيها : " وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم " ، وقد عدل النبي صلى الله عليه وسلم في الحكم ولو كان ذلك على حساب المسلمين ، فلما قتل أهلُ خيبر عبدَ الله بن سهل رضي الله عنه لم يقض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالدية ، ولم يعاقبهم على جريمتهم ، لعدم وجود البينة الظاهرة ضدهم ، حتى دفع النبي صلى الله عليه وسلم ديته من أموال المسلمين ، والقصة في البخاري ( 6769 ) ومسلم ( 1669 ) ، ولما اختصم الأشعث بن قيس ورجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض باليمن ولم يكن لعبد الله بيِّنة قضى فيها لليهودي بيمينه ، كما في البخاري ( 2525 ) ومسلم ( 138 ) .

و. بل منحهم النبي صلى الله عليه وسلم حق التحاكم فيما بينهم إلى قوانين دينهم ، ولم يلزمهم بقوانين المسلمين ما دام طرفا القضية من أتباعهم ، إلا إذا ترافعوا إليه صلى الله عليه وسلم ، وطلبوا منه الحكم بينهم ، فكان حينئذ يحاكمهم بشريعة الله ودين المسلمين ، يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) المائدة/42 .

5. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن معاملة جميع الناس ، ومنهم اليهود ، فقد أمر الله سبحانه بالقسط والبر وحسن الخلق وأداء الأمانة مع اليهود وغيرهم ، حيث قال سبحانه : ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة/8 .

ومن بره صلى الله عليه وسلم في معاملة اليهود :

أ. أنه كان يعود مريضهم : روى البخاري ( 1356 ) عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقَالَ : أََسلِم . فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقَالَ لَه : أَطِع أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ . فَأَسلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ : الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ ) .

ب. وكان صلى الله عليه وسلم يقبل هداياهم : فقد روى البخاري ( 2617 ) ومسلم ( 2190 ) عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أَنَّ امرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنهَا ) .

ج. كما كان صلى الله عليه وسلم يعفو عن مسيئهم : إذ لم ينه عن قتل تلك المرأة التي وضعت السم في الشاة ، ففي تكملة الحديث السابق : ( فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ : أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ ، قَالَ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ - قَالَ : أَوْ قَالَ : عَلَيَّ - قَالَ : قَالُوا : أَلَا نَقْتُلُهَا ؟ قَالَ : لَا ) ، بل وفي حديث أبي هريرة في صحيح البخاري ( 3169 ) أن ذلك كان بعلم من اليهود وأنهم اعترفوا بمحاولة القتل بالسم ، ومع ذلك لم يأمر صلى الله عليه وسلم بالانتقام لنفسه ، لكنه قتلها بعد ذلك لموت الصحابي الذي كان معه صلى الله عليه وسلم وكان أكل من الشاة المسمومة , وهو بشر بن البراء رضي الله عنه .

وكذلك لما سحره اليهودي لبيد بن الأعصم ، وعافاه الله من السحر ، لم ينتقم منه ولا أمر بقتله ، بل جاء في " سنن النسائي " ( 4080 ) وصححه الألباني عن زيد بن أرقم قال : ( فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ اليَهُودِيِّ وَلَا رَآهُ فِي وَجهِهِ قَط ) .
د. وكان صلى الله عليه وسلم يعامل اليهود بالمال ، ويفي لهم معاملتهم : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :( أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا )

رواه البخاري ( 2165 ) ومسلم ( 1551 ) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ

رواه البخاري ( 1990 ) ومسلم ( 1603 ) .

هـ. وفي أول قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة كان يحب موافقة اليهود في أعمالهم وعاداتهم ليتألف قلوبهم على الإسلام ، ولكنه لما رأى عنادهم وجحودهم ومكابرتهم أمر بمخالفتهم ، ونهى عن التشبه بهم .

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ )

رواه البخاري ( 3728 ) ومسلم ( 2336 ) .

و. ولم يكن صلى الله عليه وسلم يترفع عن محاورتهم ، بل كان يتواضع لهم ، ويجيب على أسئلتهم وإن كان مرادهم منها العنت والمجادلة بالباطل .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : ( بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَقَالُوا مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا سَلُوهُ فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنْ الرُّوحِ قَالَ فَأَسْكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ فَقُمْتُ مَكَانِي فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )

رواه البخاري ( 4444 ) ومسلم ( 2794 ) .

ز. وكان يدعو لهم بالهداية وصلاح البال : فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ )

رواه الترمذي ( 2739 ) وقال : حسن صحيح ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

6. وفي المقابل : لم يكن صلى الله عليه وسلم يرضى أن ينتهك اليهود حرمات المسلمين ، ويتمادوا في ذلك ، فكان يعاقب كل من يعتدي على المسلمين ويظلمهم ويتجاوز حدوده في ذلك ، فلما اعتدى بعض يهود بني قينقاع على امرأة مسلمة في السوق واحتالوا لكشف عورتها ، وتوعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال ، وقالوا : ( يا محمد ، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال ، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ) نقله ابن حجر في " فتح الباري " وحسَّنه ( 7 / 332 ) فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأجلاهم من المدينة ، وكان ذلك في شوال من السنة الثانية للهجرة .

ثم لما عَظُمَ أذى كعب بن الأشرف اليهودي للمسلمين ، وبدأ يخوض في أعراضهم ، ويشبب بنسائهم في شعره ، وارتحل إلى مكة يحرض زعماء قريش على المسلمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله في قصة طويلة حدثت في ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة

رواها البخاري ( 2375 ) ومسلم ( 1801 ) .


وكذلك لما تكررت محاولات بني النضير لقتل النبي صلى الله عليه وسلم في قصص مشهورة يذكرها أهل المغازي والسير ، ودسوا إلى قريش يحضونهم على غزو المدينة ، ويدلونهم على العورة ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من المدينة في السنة الرابعة من الهجرة .

انظر " المغازي " للواقدي ( 1 / 363 – 370 ) و " سيرة ابن هشام " ( 3 / 682 ) .

وأما يهود بني قريظة فقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم مقاتلتهم لما غدروا به يوم الأحزاب ، وتحالفوا مع قريش والعرب ضد المسلمين ، وخانوا العهود معهم ، وكان ذلك في العام الهجري الخامس .

انظر " سيرة ابن هشام " ( 3 / 706 ) .

وقد وردت أخبار كثيرة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعفو عن كل من أظهر الوفاء بالعهد من اليهود ، ولا يعاقب إلا من شارك في الغدر أو أقر ورضي .

انظر " السيرة النبوية الصحيحة " أكرم العمري ( 1 / 316 ) ، وقد جاء في ميثاق المدينة : " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، إلا من ظلم نفسه وأثم ، فإنه لا يوتِغ – أي : يُهلِك - إلا نفسه وأهل بيته " .

وأخيرا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم غدر اليهود وخيانتهم ، أوحى الله إليه أن يُخلِصَ جزيرة العرب لديانة التوحيد ، فلا يبقى فيها غير الدين الذي ارتضاه الله لنفسه .

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاهم في مرض موته فقال: ( أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ )

رواه البخاري ( 2888 ) ومسلم ( 1637 ) .

والله أعلم

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 05:55
السؤال

لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي ؟

ما هو رأي الإسلام في الناس من الديانات الأخرى ؟

هل جميع الناس غير المسلمين يُعتبرون مذنبين لأنهم لا يتبعون الله والإسلام ؟

هل يمكن لأي شخص غير مسلم بأن يدخل الجنة دون أن يتبع الإسلام ؟.

الجواب

الحمد لله

حكم الإسلام في الديانات الأخرى أنها كلها إما موضوعة باطلة أو منسوخة .

فالموضوع الباطل منها : كعبادة العرب الأقدمين للأصنام والأحجار .

والمنسوخ من الديانات : هي ما كان عليه الأنبياء الذين سبقوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فهي صحيحة لأن أصلها من عند الله ولكن جاء الإسلام فحل محلها ، لا في أصل المعتقد كمعرفة الله أو الملائكة والجنة والنار ، فهذا متفق عليه بين الرسل أجمعين ، ولكن الاختلاف بينهم في طرق العبادات والتقرب إلى الله تعالى من صلاة وصيام وحج وزكاة وغير ذلك , وإن كان أتباع الأنبياء قد وقع في المتأخرين منهم التحريف في الاعتقاد والوقوع في الشرك ما جاء الإسلام بتبيينه وإرجاع الناس إلى العقيدة الصحيحة التي جاء بها الأنبياء السابقون .

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتُها من أخ لي من " بني زريق " فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن زيد – الذي أُري الأذان – أَمَسَخَ الله عقلك ؟ ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً ، فسرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : ( والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالاً بعيداً أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين ) رواه أحمد/15437 .

وقال ابن حجر :

.. جميع طرق هذا الحديث ، وهي إن لم يكن فيها ما يحتج به لكن
مجموعها يقتضي أن لها أصلاً . ( فتح الباري 13/525 ) .

والدليل على ذلك قوله تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) آل عمران/85 .

قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية :

يعني بذلك جل ثناؤه : ومن يطلب ديناً غير دين الإسلام ليدين به : فلن يقبل الله منه ، " وهو في الآخرة من الخاسرين " ، يقول : من الباخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله عز وجل . ( تفسير الطبري 3/339 ) .

والإسلام لا ينظر إليهم على أنهم مذنبون فحسب بل على أنهم كافرون مخلدون في نار جهنم كما سبق في الآية السابقة .

هو خاسر في جهنم لا يخرج منها ، ولا يمكن للكافر أن يدخل الجنة إلا أن يسلم ، قال الله تعالى : ( إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين ) الأعراف/40 .

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم ، ونسأل الله تعالى أن يهدي الباحث عن الحق من أتباع الديانات الأخرى على أن يمعن النظر في دين الإسلام وكتابه القرآن عسى الله أن يهديه ويشرح صدره للدخول فيه .

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 06:02
السؤال:

شرعت في كتابة بعض الأمور المتعلقة بشهر الصوم على حسابي في الفيسبوك والتويتر، وقد واجهت مسألتين أريد التأكد منهما: سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم ندبنا إلى أكل التمر وترا عند الإفطار، فهل هذا صحيح ؟

وكم حبة تكون؟

ما هي الأطعمة والأشربة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم
عليها في السحور والإفطار في شهر رمضان ؟

فعلى حد علمي أنه كان يأكل الشعير والتمر ويشرب الماء ، وماذا أيضا ؟

أرجو ذكرها مع الدليل .

الجواب:

الحمد لله

أولا :

يستحب للصائم أن يفطر على رطب ، فإن لم يجد فعلى تمر ، فإن لم يجد فعلى ماء .

وقد ثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم .

فروى أبو داود (2356) ، والترمذي (696) عن أنس رضي الله عنه قال: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ " وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال ابن القيم رحمه الله :

" وَفِي فِطْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّوْمِ على الرطب ، أَوْ عَلَى التَّمْرِ، أَوِ الْمَاءِ تَدْبِيرٌ لَطِيفٌ جِدًّا، فَإِنَّ الصَّوْمَ يُخَلِّي الْمَعِدَةَ مِنَ الْغِذَاءِ ، فَلَا تَجِدُ الْكَبِدُ فِيهَا مَا تَجْذِبُهُ وَتُرْسِلُهُ إِلَى الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ، وَالْحُلْوُ أَسْرَعُ شَيْءٍ وُصُولًا إِلَى الْكَبِدِ ، وَأَحَبُّهُ إِلَيْهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ رُطَبًا، فَيَشْتَدُّ قَبُولُهَا لَهُ ، فَتَنْتَفِعُ بِهِ هِيَ وَالْقُوَى ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ، فَالتَّمْرُ لِحَلَاوَتِهِ وَتَغْذِيَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَحَسَوَاتُ الْمَاءِ تُطْفِئُ لَهِيبَ الْمَعِدَةِ، وَحَرَارَةَ الصَّوْمِ، فَتَتَنَبَّهُ بَعْدَهُ لِلطَّعَامِ، وَتَأْخُذُهُ بِشَهْوَةٍ " .

انتهى من "زاد المعاد" (4/ 287) .

ثانيا :

لم يثبت في السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتقصد أن يفطر على رطبات أو تمرات وترا ، فيكفي المسلم في اتباع السنة أن يفطر على الرطب أو التمر ، بغير إحصاء ولا عدّ .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ليس بواجب -بل ولا سنة- أن يفطر الإنسان على وتر: ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع، إلا يوم العيد ، عيد الفطر، فقد ثبت (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يغدو للصلاة يوم عيد الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً) وما سوى ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتقصد أن يكون أكله التمر وتراً

" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (11/ 2) بترقيم الشاملة .

أما حديث أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى ثَلَاثِ تَمَرَاتٍ ، أَوْ شَيْءٍ لَمْ تُصِبْهُ النَّارُ " فرواه أبو يعلى (3305) ، فهو حديث ضعيف لا يثبت ، انظر : "الضعيفة" للألباني (966) .

وهناك من أهل العلم من يستحب الوتر في كل شيء ، وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

هل الوتر يكون في جميع الأشياء المباحة مثل شرب القهوة وغيرها ، أم أنه في الأشياء التي ورد فيها النص ؟

فأجاب الشيخ بما ملخصه :

" جميع الأقوال والأعمال يستعمل الوتر , هذا من السنة " انتهى .

وسئل الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله :

هل يتعبد لله بالوتر في الأكل والشرب وغيره؟
فأجاب :
" نعم ، يتعبد به، فإذا أكل يأكل تمرة ، ثلاث تمرات، سبع، وتر؛ لأن الله يحب الوتر " انتهى .

https://shkhudheir.com/fatawa/874254045

وروى عبد الرزاق (5/ 498) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ) ، قَالَ أَيُّوبُ: " فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبُّ الْوِتْرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى لَيَأْكُلَ وِتْرًا " وهذا إسناد صحيح .

والأمر في هذا واسع ، إن شاء الله ، إلا أنه لم يثبت ـ فيما نعلم ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى الوتر في إفطاره على الرطب أو التمر ، وإنما قاله من قاله من العلماء اجتهادا .

ثالثا :
كان هدي النبي صلى الله عليه وسلمْ في الطعام - في الصيام أو الإفطار - هديا قصدا ، لا إسراف فيه ولا تبذير - كما أمر الله تعالى - ولم تكن همته يوما قط في الطعام ، وإنما هي أكلات يقمن صلبه .

ولم تكن له صلى الله عليه وسلم في الطعام عادة متبعة لا يتخلف عنها ، أو تفصيل معين يحافظ عليه ، وإنما الحال : إن وجد طعاما يشتهيه أكل ، وإن لم يجد سكت ، أو وجد طعاما لا يشتهيه لم يأكل ، وربما صام .
ولم يكن يعيب طعاما قط .

وكان يأكل من اللحم والخبز والزيت والعسل واللبن ، ونحو ذلك مما كان يتيسر أحيانا.
وربما مر به وبآله الشهر ، وراء الشهر ، وليس لهم إلا التمر والماء .
وربما دار بضيفه على بيوت نسائه فلا يجد إلا الماء .
إنما كانت همته صلى الله عليه وسلم ، وهمة أصحابه رضي الله عنهم ، في أمور الآخرة وأحوال الدين .

والمقصود : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل ما يجد من طعام أهله ، أو مما يهديه له أصحابه وجيرانه ، دون أن يكون له في ذلك نوع معين من الطعام ، أو هدي مخصوص ، إلا أنه كان يجعل أول فطره على رطبات أو تمرات ، فإن لم يجد أفطر على الماء ، كما سبق .

وكذلك كان سحوره صلى الله عليه وسلم ، كان لقيمات يقمن صلبه ، ولم يكن يتقصد طعاما معينا في السحور ، إلا التمر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مدحه فقال : ( نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ) رواه أبو داود (2345) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

والله تعالى أعلم .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 06:08
السؤال

رجو أن تخبرونا عن مدى صحة ما ذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في المقطع التالي ، وأرجوا أن تدللوا لنا بالأحاديث : كان النبي صلى الله عليه وسلم حينما يستيقظ من نومه ، وبعد فراغه من الصلاة وذكر الله عز وجل ، يتناول كوباً من الماء مذاباً فيه ملعقة من عسل النحل ، ويذيبها إذابة جيدة

. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( عليكم بشراب العسل ) إفطار الرسول صلى علبه عليه وسلم : بعدما يتناول النبي صلى الله عليه وسلم شراب العسل يتكئ قليلاً ، وبعد العبادة المهجورة التي كان يؤديها صلوات الله وتسليمه عليه ، وهي التفكر في طاعة الله

وبعد صلاة الضحى ، يتناول النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات مغموسة في كوب لبن ، كما روي عنه ، وحدد النبي الجرعة بسبع تمرات في حديثه الذي رواه أبو نعيم وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من تصبّح بسبع تمرات لا يصيبه في هذا اليوم سم ولا سحر ) . غداء الرسول صلى الله عليه وسلم

: بعد تناول النبي صلى الله عليه وسلم لوجبة الإفطار التي ذكرناها سابقاً ، يظل حتى يفرغ من صلاة العصر ، ثم يأخذ ملء السقاية ( تقريباً ملء ملعقة ) من زيت الزيتون ، وعليها نقطتا خل ، مع كسرة خبز شعير ، أي ما يعادل كف اليد . عشاء النبي صلى الله عليه وسلم : كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ينتهي من صلاة العشاء ، والنوافل ، والوتر ، وقبل أن يدخل في قيام الليل ، كان يتناول وجبته الثالثة في اليوم ، وهي وجبة العشاء ، وكانت تحتوي على اللبن - الروب - ، مع كسرة من خبز الشعير .

الجواب

الحمد لله

ورد في السنة كثير من الأحاديث التي تبين عادة النبي صلى الله عليه وسلم في الطعام ، وهي كلها من الهدي المعتدل الكامل بكماله صلى الله عليه وسلم ، لم يكن فيه شيء من الإسراف أو الإجحاف أو الضرر ، فقد بعث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم .

وكان مما ورد في طعامه صلى الله عليه وسلم أشياء مذكورة في السؤال :

1- العسل
:
عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ :

( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ )

رواه البخاري (5431)، ومسلم (1474) .

2- التمر :

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ ) رواه البخاري (5445) ومسلم (2047) ، وقال أيضا: ( يَا عَائِشَةُ ! بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ ، يَا عَائِشَةُ ! بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ ) رواه مسلم (2046) ، بل كان التمر غالب قوت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روت عائشة رضي الله عنها قالت : ( إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ . فَقُلْتُ – أي عروة بن الزبير

: يَا خَالَةُ ! مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قَالَتِ : الأَسْوَدَانِ : التَّمْرُ ، وَالْمَاءُ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَلْبَانِهِمْ ، فَيَسْقِينَا ) متفق عليه
.
3- الخل :

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نِعْمَ الْأُدُمُ أَوْ الْإِدَامُ الْخَلُّ ) ر

واه مسلم (2051) .

3- زيت الزيتون :

عَنْ أَبِي أَسِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ )

رواه الترمذي (رقم/1852) وصححه الألباني لشواهده في "السلسلة الصحيحة" (رقم/379) .

4- الشعير :

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ : ( مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )

رواه مسلم (2970)

5- اللبن :

أما اللبن فكان أيضا من أكثر طعامه صلى الله عليه وسلم ، وهو من الفطرة التي اختارها يوم الإسراء والمعراج ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ فَقِيلَ لِي أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ ) متفق عليه .

هذا محصل أحاديث أكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأطعمة الواردة في السؤال ، ولكن ليس في السنة التفصيل الوارد في السؤال ، وتقسيم الوجبات الثلاث : الفطور ، والغداء والعشاء ، بل لم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم تناول أكثر من وجبتين في اليوم والليلة .

عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ : ( مَا أَكَلَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَكْلَتَيْنِ فِي يَوْمٍ إِلاَّ إِحْدَاهُمَا تَمْرٌ )

رواه البخاري (6455) .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : " فيه إشارة إلى أنهم ربما لم يجدوا في اليوم
إلا أكلة واحدة ، فإن وجدوا أكلتين فإحداهما تمر "

انتهى . "فتح الباري" (11/292) .

فلا يجوز نسبة ما ورد في السؤال من تفصيل الوجبات إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الترتيب والتفصيل ، بل الواجب الاقتصار على ما ورد في الأحاديث العامة في تناول النبي صلى الله عليه وسلم من مفردات الأطعمة المذكورة .

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 06:14
السؤال

: لقد طار عقلي من البحث عبر المواقع عن أي شيء عن أولاد السيدة خديجه : هند بنت عتيق ، وهند وهالة ابنا أبي هالة ، كيف لم يذكر لهم شيء في السيرة .. ألم يدخلوا الإسلام ، أم إنهم ماتوا ، أم ماذا ؟

لم أقف على جواب شاف ، فرجاء أجبني .. مواقع الشيعة كادت تذهب عقلي!

الجواب :

الحمد لله

أولا :

تزوجت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها قبل أن تتزوج بالنبي
صلى الله عليه وسلم برجلين ، وأنجبت منهما .
\
الْأَوَّلُ : عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ مَخْزُومٍ ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةً وَهِيَ هند.

وَالثَّانِي : أَبُو هَالَةَ التَّمِيمِيُّ مالك بن النبّاش ، فَوَلَدَتْ لَهُ ثلاثة أبناء وهم ؛ هند وهالة والطاهر .

وقيل : تزوجت أولا بأبي هالة ، ثم بعده بعتيق بن عائذ .

وهؤلاء الأربعة جميعا أسلموا ونالوا شرف الصحبة، وقد ذكرهم العلماء في جملة الصحابة ، وبعضهم تولى بعض الأعمال لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

أما هند بنت عتيق : فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" هند بنت عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم ، أمّها خديجة زوج النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم . ذكرها الدّارقطنيّ في كتاب «الإخوة» ، وقال : أسلمت وتزوّجت ، ولم ترو عنه شيئا
.
وقال ابن سعد : تزوجها صيفي بن أميّة بن عائذ ، وهو ابن عمها ، فولدت له محمد بن صيفي ، فولدُ محمد يقال لهم بنو الطّاهرة لمكان خديجة

" انتهى من " الإصابة " (8/347) .

أما هند بن أبي هالة : فقال الحافظ ابن حجر :

" ربيب النّبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، أمّه خديجة زوج النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم. روى عنه الحسن بن عليّ صفة النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، أخرجه الترمذيّ، والبغويّ، والطّبراني، وغيرهم، من طرق عن الحسن بن علي .

وقال الزّبير بن بكّار: قتل هند مع علي يوم الجمل. وكذا قال الدّارقطنيّ في كتاب «الإخوة» ، وقال أبو عمر: كان فصيحا بليغا وصف النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فأحسن وأتقن " ا

نتهى ."الإصابة" (6/ 436)

أما هالة بن أبي هالة ، فقال الحافظ ابن حجر :

" قال أبو عمر: له صحبة. وقال ابن حبّان: هالة بن خديجة زوج النّبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم له صحبة "

انتهى من "الإصابة" (6/ 406)

أما الطاهر بن أبي هالة :

فقال ابن الأثير رحمه الله :

" طاهر بْن أَبِي هالة، أخو هند بْن أَبِي هالة الأسيدي التميمي، أمه خديجة بنت خويلد، رضي اللَّه عنها، زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

بعثه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاملًا عَلَى بعض اليمن "

انتهى من "أسد الغابة" (2/ 455)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" طاهر بن أبي هالة التميميّ الأسديّ، أخو هند، ربيب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم.

روى سيف في أوائل الردّة، من طريق أبي موسى، قال: بعثني النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم خامس خمسة على مخاليف اليمن ، أنا ومعاذ وطاهر بن أبي هالة، وخالد بن سعيد، وعكاشة بن ثور "

انتهى .الإصابة" (3/ 418)

وينظر :
"الطبقات الكبرى" (8/ 11)، الاستيعاب (2/ 775) ، (4/ 1544،1547)
"أسد الغابة" (2/ 455) ، (4/ 602)، "البداية والنهاية" (8/ 206) .

وبهذا يتبين أن العلماء لم يهملوا ذكر أولاد خديجة رضي الله عنهم ، بل ذكروا شيئا من سيرتهم . وأنهم أسلموا جميعا ، ونالوا شرف الصحبة .

ثانيا :

على المسلم أن يهتم بما ينفعه من أمور دينه ودنياه ، وأن يتمسك بمنهج أهل السنة والجماعة ، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، وقد حذر العلماء من سماع كلام أهل البدع وقراءته ، حتى لا يتزعزع الإيمان في قلب المسلم وتدخله الشبهات ، لاسيما إذا كان المسلم قليل العلم ، فإنه يتأكد عليه البعد عن كلام أهل البدع وعدم الدخول إلى مواقعهم ، حتى يسلم له دينه ، ويبتعد عن الشبهات التي يثيرونها .

فالنصيحة لك : أن تكفي عن الدخول على هذه المواقع الزائغة ، التي تلقي قلبك الشبهات ، وأن تكتفي بالدخول على مواقع أهل السنة والجماعة ، التي تتعلمين منها ما يفيدك وما تحتاجين إليه من الأحكام الشرعية .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 06:19
السؤال:

هل كان لخديجة أمّ المؤمنين رضي الله عنها أبناء قبل أن تتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ؟

فهناك بعض الأشخاص في الحي يقولون أن فاطمة رضي الله عنها ليست ابنة
النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ابنة خديجة من زوج سابق ، فهل هذا صحيح

الجواب :

الحمد لله

أولا :

تزوجت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها قبل أن تتزوج بالنبي صلى الله عليه وسلم برجلين ، وأنجبت منهما .

قال ابن كثير رحمه الله :

" قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَقَدْ كَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلَيْنِ ; الْأَوَّلُ مِنْهُمَا عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ مَخْزُومٍ ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةً وَهِيَ [هند] أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ ، وَالثَّانِي أَبُو هَالَةَ التَّمِيمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ هِنْدٍ . [لأنه قد قيل : إنه اسم أبي هالة (هند) ] .

وَقَدْ سَمَّاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ ، فَقَالَ : ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ هَلَاكِ عَتِيقِ بْنِ عَائِذٍ أَبُو هَالَةَ النَّبَّاشُ بْنُ زُرَارَةَ ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلًا وَامْرَأَةً ، [ وهما هند وهالة ] ثُمَّ هَلَكَ عَنْهَا ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَلَدَتْ لَهُ بَنَاتِهِ الْأَرْبَعَ ، ثُمَّ بَعْدَهُنَّ الْقَاسِمَ وَالطَّيِّبَ وَالطَّاهِرَ ، فَذَهَبَ الْغِلْمَةُ جَمِيعًا وَهُمْ يرْضَعُونَ " انتهى من " البداية والنهاية " (8/205-206) .

وقيل بالعكس ، أنها تزوجت أولا بأبي هالة ، ثم بعده بعتيق بن عائذ كما سيأتي .

فقد روى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : " وكانت خديجة قبل أن ينكحها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت عتيق بن عائذ ، فولدت له هند بنت عتيق ، ثم خلف عليها بعد عتيق أبو هالة مالك بن النباش بن زرارة التميمي الأسدي ، فولدت له هند بن أبي هالة ، وهالة بنت أبي هالة ، فهند بنت عتيق ، وهند وهالة ابنا أبي هالة كلهم إخوة أولاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خديجة " انتهى من " أسد الغابة " (7/80) .

وقال النووي رحمه الله :

" قالوا : وكانت – أي : خديجة - قبل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجة لعتيق بن عائذ المخزومى ، فمات عنها وله منها ولد ، ثم تزوجها أبو هالة مالك ، وقيل : هند بن زرارة ، وقيل : تزوجها أبو هالة قبل عتيق ، ثم تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

انتهى من " تهذيب الأسماء واللغات " (2/342) .

وقال الحافظ رحمه الله :

" هند بنت عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم ، أمّها خديجة زوج النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم . ذكرها الدّارقطنيّ في كتاب «الإخوة» ، وقال : أسلمت وتزوّجت ، ولم ترو عنه شيئا .

وقال ابن سعد في ترجمة خديجة : خلف على خديجة بعد أبي هالة عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم ، فولدت له جارية يقال لها هند ، فتزوجها صيفي بن أميّة بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم ، وهو ابن عمها ، فولدت له محمد بن صيفي ، فولد محمد يقال لهم بنو الطّاهرة لمكان خديجة " انتهى من " الإصابة " (8/347) .

ثانيا :

لا يختلف أهل الإسلام في أن فاطمة رضي الله عنها هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلبه من زوجته خديجة رضي الله عنها .

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي ) ؟

! رواه البخاري (3714) ، ومسلم (2449) .

ألم يقل صلى الله عليه وسلم في حديث المرأة المخزومية التي سرقت : ( ... وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) ؟!

رواه البخاري (3475) ، ومسلم (1688) .

ألم يقل صلى الله عليه وسلم : ( أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ ) ؟

! رواه أحمد (2668) بسند صحيح .

ألم تقل فاطمة رضي الله عنها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، مَأْوَاهْ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ) ؟!

رواه البخاري (4462) .

وهذا الأمر أوضح من أن يحتاج إلى أدلة ، وكما قيل :

وليس يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-19, 06:23
السؤال

كم بنت كان للرسول صلى الله عليه وسلم ؟

ومن أي أزواجه رضي الله عنهم ؟ .

الجواب

الحمد لله

فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم أولاد وبنات أولهم القاسم وبه كان يُكنى مات طفلاً وقيل عاش إلى أن ركب الدابة وسار على النجيبة ، ثم زينب وقيل هي أسن من القاسم ، ثم رقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة وقد قيل في كل واحدة منهن إنها أسن من أختيها وقد ذكر عن ابن عباس أن رقية أسن الثلاث وأم كلثوم أصغرهن ، ثم ولد له عبدالله ، وهل ولد بعد النبوة أو قبلها فيه اختلاف وصحح بعضهم أنه ولد بعد النبوة وهل هو الطيب والطاهر أو هما غيره على قولين ، والصحيح أنهما لقبان له والله أعلم وهؤلاء كلهم من خديجة ولم يولد له من زوجة غيرها ، ثم ولد له إبراهيم من سريته مارية القبطية سنة ثمان من الهجرة)

زاد المعاد 1/103.

فأولاد النبي وبناته كلهم من زوجه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها إلا إبراهيم فهو من سرية النبي مارية رضي الله عنها والتي أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم المقوقس ملك الإسكندرية وعظيم القبط ، وأولاده على الصحيح سبعة ثلاث ذكور وأربع إناث فالذكور:

1- القاسم .

2- عبدالله .

3- إبراهيم .

والإناث :

1- زينب.

2- رقية.

3- أم كلثوم.

4- فاطمة.

وكل أولاده صلى الله عليه وسلم مات في حياته إلا فاطمة فإنها
قبضت بعده رضي الله عنها .


و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و ولنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 05:14
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال:

بخصوص حديث الإسراء والمعراج هناك حديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
تقول فيه : ( ما فقدت جسد رسول الله ولكن أُسري بروحه ) ما صحة الحديث ؟

الجواب :

الحمد لله

هذا الأثر رواه محمد بن إسحاق قال : حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: " مَا فُقِدَ جَسَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَسْرَى بِرُوحِهِ) " كما في " السيرة النبوية " لابن هشام (2/46) .

ومن طريقة رواه ابن جرير الطبري في تفسيره : (22175) (14/445) ، وذكره القاضي عياض في "الشفا" (1/147) .

وهو أثر ضعيف لم يثبت عن عائشة رضي الله عنها ، بل حكم عليه بعض العلماء بأنه موضوع .

قال الشيخ علوي السقاف في "تخريج أحاديث الظلال" (ص229) : "ضعيف ، رواه ابن إسحاق بإسناد منقطع " انتهى .
وقد روى ابن إسحاق أيضا نحوه عن معاوية رضي الله عنه ، وضعفه الألباني كما ضعف الأثر عن عائشة فقال : "لم يصح ذلك عنهما"

انتهى من "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص246) .

وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله : " قد تجد حديثين عن عائشة ومعاوية ، يُفْهِمان أن الإسراء لم يكن بجسده الشريف ، وهما حديثان ليسا مما يحتج بمثلهما أهل العلم بالحديث ، وقد رواهما ابن إسحاق في السيرة ، قال :حدثني بعض آل أبي بكر أن عائشة كانت تقول : (ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه) .
فإنهما خبران ضعيفان ، ليس لهما إسناد صحيح ، وقد أطلت البحث عنهما فلم أجد لهما إسنادًا غير ما ذكر ابن إسحاق .
أما خبر معاوية ، فإنه منقطع ؛ لأن راويه يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، لم يدرك معاوية ، ولم يدرك أحدًا من الصحابة أصلاً ، وإنما يروى عن التابعين فقط ، ومات سنة 128 هـ، ومعاوية مات سنة 60 هـ .

وأما حديث عائشة فإنه كما ترون : لا إسناد له ، لأن قول ابن إسحاق : حدثني بعض آل أبي بكر إبهام للراوي ، فلا نعرف منه من الذي حدثه ، وهل هو ثقة أو ليس بثقة ؟ وهل أدرك عائشة أو لم يدركها ؟

فكلا الحديثين منقطع الإسناد ، مجهول الراوي ، لا يحتج بمثله عند أهل العلم" .

انتهى من " مجلة المنار " (49/14) الشاملة .

وقد اختلفت نسخ الكتب في لفظ هذا الأثر ، ففي بعضها : (ما فقدت..) بتاء المتكلم ، وفي بعضها : (ما فُقِد) ؛ واللفظ الأول أدل على أنه كذب ، لأن الإسراء والمعراض كان بمكة قبل الهجرة ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بعائشة إلا في المدينة بعد الهجرة ، فكيف تقول : (ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ؟!

قال الصالحي في "سبل الهدى والرشاد" (3/101) : " كذا فيما وقفت عليه من نسخ السيرة (فُقِد) بالبناء للمفعول ، وفي الذي وقفت عليه من نسخ الشّفا للقاضي (ما فقدت) بالبناء للفاعل وإسناد الفعل إلى تاء المتكلّم." انتهى .
ثم قال (3/103): "وأما ما يعزى لعائشة رضي الله عنها، فلم يرد بسند يصلح للحجة ، بل في سنده انقطاع واروٍ مجهول كما تقدم . وقال أبو الخطاب بن دحية في التنوير: إنه حديث موضوع عليها. وقال في معراجه الصغير: «قال إمام الشافعية القاضي أبو العباس بن سريج: هذا حديث لا يصح ، وإنما وُضِعَ ردًا للحديث الصحيح" اهـ

." انتهى كلام الصالحي .

وقال ابن عبد البر رحمه الله : " وإنكار عائشة الإسراء بجسده : لا يصح عنها ، ولا يثبت قولها : (ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أسري بروحه ).

وقد قال بعضهم عنها : (ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة) ؛ وهذا من الكذب الواضح ؛ لأن عائشة لم تكن وقت الإسراء معه ، وإنما ضمها بعد ذلك بسنين كثيرة بالمدينة " انتهى من "الأجوبة المستوعبة عن المسائل المستغربة" لابن عبد البر (134-135) ط دار ابن عفان .

والله أعلم .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 05:19
السؤال:

لقد تجرأ أحد المتعالمين منا في ليبيا على حادثة الإسراء والمعراج ، فقال في مقالة نشرتها إحدى الصحف : إن حادثة المعراج هي محض خرافات ، ولا يمكن أن تحدث لبشر، واستدل بذلك بالآية الكريمة في سورة الإسراء التي يقول الله عزل وجل فيها : ( أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)الإسراء/93؛ فقال إن القرآن ينفي إمكانية رقي الرسول صلى الله عليه سلم للسماء

قال : إن ذلك يخالف القران بنص الآية ، وأن المعراج مجرد رؤية مناميه واستدل بالآية : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ )الإسراء/60. وفي النهاية أقول لفضيلتكم : إن هذا الموضوع أدخل علي شبهة ، ولكني مؤمن بأنها معجزة ؛ أرجو الإجابة والتوضيح ، بحيث ينتفي التعارض بين الآية التي تنفي رقي البشر ، وبين معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ علما بأنني مؤمن بأنه لا تعارض في القرءان . أفيدونا جزاكم الله خيرا .

الجواب
:
الحمد لله

أولا :

لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة ، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه ، قال الله سبحانه وتعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1 .

وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف ، حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه .

وقد اختلف الناس في الإسراء والمعراج ، فمنهم من قال : إنه كان مناما ، والصحيح أنه أسري وعرج به يقظة ؛ لأدلة كثيرة يأتي ذكرها .

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة : " والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى " انتهى .

وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" رحمه الله : " اختلف الناس في الإسراء :

فقيل : كان الإسراء بروحه ولم يُفْقد جسدُه ، نقله ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما ، ونقل عن الحسن البصري نحوه . لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال كان الإسراء مناما وبين أن يقال كان بروحه دون جسده ، وبينهما فرق عظيم ، فعائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا كان مناما ، وإنما قالا : أسري بروحه ولم يفقد جسده ، وفرق ما بين الأمرين أن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة ، فيرى كأنه قد عرج إلى السماء وذهب به إلى مكة

وروحه لم تصعد ولم تذهب ؛ وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال ، فما أرادا أن الإسراء كان مناما ، وإنما أرادا أن الروح ذاتها أسري بها ؛ ففارقت الجسد ثم عادت إليه ، ويجعلان هذا من خصائصه فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .

وقيل : كان الإسراء مرتين : مرة يقظة ، ومرة مناما ... ، وكذلك منهم من قال : بل كان مرتين : مرة قبل الوحي ومرة بعده ، ومنهم من قال : بل ثلاث مرات : مرة قبل الوحي ومرتين بعده ؛ وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة للتوفيق ، وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث ، وإلا فالذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة قبل الهجرة بسنة ، وقيل بسنة وشهرين ، ذكره ابن عبد البر .
..
وكان من حديث الإسراء أنه أسري بجسده في اليقظة على الصحيح ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، راكبا على البراق صحبة جبرائيل عليه السلام ، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما ، وربط البراق بحلقه باب المسجد ، وقد قيل : إنه نزل بيت لحم وصلى فيه ، ولا يصح عنه ذلك ألبتة .

ثم عرج به من بيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبرائيل ففتح لهما ، فرأى هناك آدم أبا البشر ، فسلم عليه فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته ، ثم عرج به إلى السماء الثانية..."

إلى أن قال رحمه الله : " ومما يدل على أن الإسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) الإسراء /1 ؛ والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح ، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ؛ هذا هو المعروف عند الإطلاق ، وهو الصحيح ؛ فيكون الإسراء بهذا المجموع ، ولا يمتنع ذلك عقلا ، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة ؛ وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر

" انتهى من "شرح الطحاوية" (1/245).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/33) : " ثم اختلف الناس : هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه ، أو بروحه فقط ؟ على قولين ، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً ، ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً ، ثم رآه بعد يقظة

لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، والدليل على هذا قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) الاسراء/ 1، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ، ولم يكن مستعظماً ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذبيه ، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم ، وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ، وقال تعالى : ( أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) وقال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) الاسراء /60، قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، رواه البخاري [ 2888 ] ، وقال تعالى :
( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم/17 ، والبصر من آلات الذات لا الروح .

وأيضاً فإنه حمل على البراق ، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن ، لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه ، والله أعلم " انتهى .

وقال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول" (3/1067) : " ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة ، ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم : كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس ، شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا إلى آخر تكذيبهم واستهزاءهم به صلى الله عليه وسلم لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى ؛ لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد

استبعاد لرؤياه ، وإنما قص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرى حقيقة يقظة لا مناما فكذبوه واستهزؤوا به استبعاد لذالك واستعظاما له مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله عز وجل وأن الله يفعل ما يريد ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر قال : إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا وتصدقه بذلك ؟ قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرة وعشيا أو كما قال " انتهى .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 05:21
وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه ( التنوير في مولد السراج المنير ) :

" وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذر ومالك بن صعصعة وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس ، وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرط وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين ، وعبد الله بن عمرو وجابر وحذيفة وبريدة ، وأبي أيوب وأبي أمامة وسمرة بن جندب وأبي الحمراء ، وصهيب

الرومي وأم هانىء ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ، منهم من ساقه بطوله ، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة ، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون ، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " انتهى نقلا عن "تفسير ابن كثير" (3/36).

ثانيا :

لا ينقضي العجب من هذا المسلك الذي سلكه الكاتب المذكور في الاستدلال ، فإنه اقتصر على ذكر مطلب واحد من مطالب الكفار ، فأوهم أن الجواب القرآني : (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) منصب على هذا المطلب ، وهو الرقي في السماء ، وأن هذا يدل على عدم إمكانه . والحق أن هذا الجواب وارد على مجموع ما طلبه المشركون تعنتا وتفننا في الجحود والإنكار

وإليك هذه المطالب كما بينها القرآن : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) الاسراء/90- 93 فتأمل في هذه المطالب التي لا يحسن في جوابها إلا الجواب القرآني : ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) .

فهل بإمكان من هو بشر أن يفجر الأرض ، والأنهار ، ويسقط السماء ، ويأتي بالله ! وبالملائكة ! ويرقى في السماء فيأتي منها بكتاب موجه إلى كل كافر ! كما جاء في التفسير عن مجاهد وغيره ، وهو موافق لقوله تعالى : ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) المدثر /52 . لا شك أن ذلك ليس من خصائص البشر ، ولا هو في إمكانهم ، فهذا الاستبعاد منصب على مجموع هذه المطالب ، لا على آحاد كل منها

وإلا ففيها مطالب مما هو ممكن عادة ، فقد ثبت أن الماء نبع من بين أصبعيه الشريفتين صلى الله عليه وسلم ، كما في صحيح البخاري (3576) ، وغيره ، فكيف بتفجير نبع من الأرض ، ولا استحالة ـ أيضا ـ في أن يكون له جنة من نخيل .. ، على نحو ما طلبوا ، إلا أن هؤلاء لم يكن له غرض في حصول هذه الأشياء حقيقة ، إنما هي من باب المبالغة في العناد ، والتعنت مع الرسول ، من أجل التمادي في طغيانهم .

قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله : " ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة [ المبالغة في الخصومة ] وعناد ، أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة ( سبحان ربي) التي تستعمل في التعجب .. ثم بالاستفهام الإنكاري ، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصرا إضافيا ، أي لست ربا متصرفا أخلق ما يطلب مني ، فكيف آتي بالله والملائكة ، وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها " . انتهى .

"التحرير والتنوير" ( 15/210-211) .

ثالثا :

احرص على قلبك يا عبد الله ، وكن على دينك أحرص منك على الدرهم والدينار ؛ فلا تدع لشياطين الإنس والجن سبيلا أن يسترقوا اليقين من قلبك ، أو يزعزعوا الإيمان فيه ؛ وما دمت لم تحصل من العلم الشرعي ، ما يحصنك ضد شبهات المشككين ، ففر من هؤلاء ، ومجالسهم ، ومنتدياتهم ، ولا تسمع لزخارف قولهم ، فإنك لا تدري إذا نزلت الشبهة في قلبك متى تخرج منه ، وإذا عرضت الفتنة ، هل أنت ناج منها أم من المفتونين .

نسأل الله تعالى لنا ولجميع عباده الموحدين الهداية والتوفيق والسداد .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 05:27
السؤال:

لدى صديق يقول : بأنه ينتهى نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن أنا أعرف
أن أحفاده الحسن والحسين لم ينجبا ؛ فكيف يكون حفيده ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

مما يُذكر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم : أن أولاد ابنته فاطمة رضي الله عنها ورضي عنهم ، وذريتها ، ينسبون إليه ، ولا ينسبون إلى آبائهم ، لشرف النسب النبوي ، الذي لا نسب أشرف منه ولا أعلى قدراً منه .

ثانيا :

ليس كل من زعم أن نسبه ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون صادقا في زعمه ، فكم ممن يزعم ذلك ، وهو من أبعد الناس عنه نسبا ، وهؤلاء طوائف الصوفية ، باختلاف فرقهم وجماعاتهم ، عامتهم يزعمون أن إمامهم وصاحبهم من آل البيت ، وهذا من البلاء الذي ابتلي به المسلمون ، فإنهم يخدعون بذلك العامة والبسطاء من الناس حتى يقبلوا طريقتهم .

فلا يصح تصديق كل من انتسب إلى أهل البيت ، إلا إذا كان صحيح النسبة فعلا ، معروفا أمره بين علماء النسب ، مشهورا بذلك ، بالنقل المستفيض ، خلفا عن سلف ؛ وأما مجرد الزعم بذلك : فلا يعول عليه ، ولا يؤخذ به .

ثالثا :

الحسن بن علي رضي الله عنهما ولد فى نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وتوفى بالمدينة سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: إحدى وخمسين، ودفن بالبقيع .

"تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 158) .

أما الحسين رضي الله عنه فقد ولد في شعبان سنة أربع من الهجرة ، واستشهد
يوم عاشوراء سنة إحدى وستين .
"سير

أعلام النبلاء" (4/ 348-371)

وقد أنجب الحسن والحسين بنين وبنات ، ومن أبنائهما من صار له ذرية إلى الآن ، ومنهم من انقطع نسله .
أما بنو الحسن :

فقال الذهبي رحمه الله :

" بنو الحَسَنِ هُم : الحَسَنُ ، وَزَيْدٌ ، وَطَلْحَةُ، وَالقَاسِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ -فَقُتِلُوا بِكَرْبَلاَءَ مَعَ عَمِّهِمُ الشَّهِيْدِ- وَعَمْرٌو، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالحُسَيْنُ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَعْقُوْبُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، فَهَؤُلاَءِ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلاَدِ السَّيِّدِ الحَسَنِ. وَلَمْ يُعْقِبْ مِنْهُم سِوَى الرَّجُلَيْنِ الأَوَّلَيْنِ: الحَسَنِ وَزَيْدٍ، فَلِحَسَنٍ خَمْسَةُ أَوْلاَدٍ أَعْقَبُوا، وَلزِيدٍ ابْنٌ، وَهُوَ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ، فَلاَ عَقِبَ لَهُ إلَّا مِنْهُ، وَلِي إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ وَالِدُ السِّتِّ نَفِيْسَةَ، وَالقَاسِمِ، وَإِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وزيد، وإسحاق، وعلي -رضي الله عنهم " .

انتهى من "سير أعلام النبلاء" (4/ 347)

أما بنو الحسين : فقال الذهبي رحمه الله :

" أَولاَدُ الحُسَيْنِ هُمْ: عَلِيٌّ الأَكْبَرُ الَّذِي قُتِلَ مَعَ أَبِيْهِ، وَعَلِيٌّ زِينُ العَابِديْنَ، وَذُرِّيَتُهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجَعْفَرٌ، وَعَبْدُ اللهِ ، وَلَمْ يُعْقِبَا " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (4/ 372) .

انظر: "تهذيب التهذيب" (2/345) ، "تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 163) .

فتبين بذلك أن القول بأن الحسن والحسين رضي الله عنهما لم ينجبا : غلط ظاهر ، يعرفه كل من مارس تاريخ أهل البيت ، وعرف شيئا عن أخبارهم وأنسابهم .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المهدي من عترتي [أهل بيتي] ، من ولد فاطمة ) رواه أبو داود (4284) ، وابن ماجة (4086) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

وقد ورد في بعض الأحاديث أن المهدي من ذرية الحسن ، وهذا يدل على أن ذرية الحسن ستبقى إلى آخر الزمان .

رابعا :

ينبغي أن يعلم : أن شرف النسب لا يفيد صاحبه فضيلة ولا شرفاً إلا إذا قرنه بالإيمان والعمل الصالح ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَن ْبَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)

رواه مسلم (2699) .

قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي" :

"الْمَعْنَى مَنْ أَخَّرَهُ عَمَلُهُ عَنْ بُلُوغِ دَرَجَةِ السَّعَادَةِ ( لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ " مِنْ الْإِسْرَاعِ أَيْ لَمْ يُقَدِّمْهُ نَسَبُهُ , يَعْنِي لَمْ يَجْبُرْ نَقِيصَتَهُ لِكَوْنِهِ نَسِيبًا فِي قَوْمِهِ ، إِذْ لَا يَحْصُلُ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّسَبِ بَلْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ . قَالَ تَعَالَى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) , وَشَاهِدُ ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا أَنْسَابَ لَهُمْ يُتَفَاخَرُ بِهَا , بَلْ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ مَوَالٍ , وَمَعَ ذَلِكَ هُمْ سَادَاتُ الْأُمَّةِ وَيَنَابِيعُ الرَّحْمَةِ , وَذَوُو الْأَنْسَابِ الْعَلِيَّةِ الَّذِينَ لَيْسُوا كَذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ جَهْلِهِمْ نَسْيًا مَنْسِيًّا , وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : " إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الدِّينِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ " كَذَا قَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاةِ وَقَدْ صَدَقَ الْقَارِي .

ثم ذكر المباركفوري أن ابن الصلاح روى في "مقدمته" عن الزهري أنه قدم على عبد الملك بن مروان ، فذكر له أن من يسود البلاد هم أهل الدين والعلم ، وكانوا كلهم من الموالي .

فذكر له : عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ في مكة ، وطَاوُس بْن كَيْسَانَ في اليمن ، ويَزِيد بْن أَبِي حَبِيبٍ في مصر , ومَكْحُول في الشام ، ومَيْمُون بْن مِهْرَانَ في الجزيرة ، والضَّحَّاك بْن مُزَاحِمٍ في خراسان , والحسن البصري في البصرة . ثم ذكر إبراهيم النخعي في الكوفة ، فقال عبد الملك بن مروان : "فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ الْمَوَالِي ؟ قَالَ : مِنْ الْعَرَبِ . قَالَ عبد الملك : وَيْلَك يَا زُهْرِيُّ ! فَرَّجْت عَنِّي , وَاَللَّهِ لَيَسُودَنَّ الْمَوَالِي عَلَى الْعَرَبِ حَتَّى يُخْطَبَ لَهَا عَلَى الْمَنَابِرِ وَالْعَرَبُ تَحْتَهَا . قَالَ : قُلْت : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذًا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ وَدِينُهُ , مَنْ حَفِظَهُ سَادَ وَمَنْ ضَيَّعَهُ سَقَطَ " اِنْتَهَى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"تَعْلِيقُ الشَّرَفِ فِي الدِّينِ بِمُجَرَّدِ النَّسَبِ هُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ اتَّبَعَتْهُمْ عَلَيْهِ الرَّافِضَةُ وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ

وَلَا لِعَجَمِيِّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ إلَّا بِالتَّقْوَى. النَّاسُ مِنْ آدَمَ ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ) وَلِهَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ يَمْدَحُ فِيهَا أَحَدًا بِنَسَبِهِ وَلَا يَذُمُّ أَحَدًا بِنَسَبِهِ؛ وَإِنَّمَا يَمْدَحُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ، وَيَذُمُّ بِالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: ( أَرْبَعٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي أُمَّتِي لَنْ يَدَعُوهُنَّ :الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ ، وَالنِّيَاحَةُ ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ) . فَجَعَلَ الْفَخْرَ بِالْأَحْسَابِ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ ..
.
وَالشَّرِيعَةُ إنَّمَا عَلَّقَتْ بِالنَّسَبِ أَحْكَامًا مِثْلَ كَوْنِ الْخِلَافَةِ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَوْنِ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُمْ الْخُمْسُ وَتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْفَاضِلَ مَظِنَّةُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُهُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا) .
..
فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ دِينُ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ وَعَرَفَ نَوْعَ دِينِهِ وَقَدْرَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِنَسَبِهِ الْأَحْكَامُ الدِّينِيَّةُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَبِي لَهَبٍ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ لَمَّا عَرَفَ كُفْرَهُ كَانَ أَحَقَّ بِالذَّمِّ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا جُعِلَ لِمَنْ يَأْتِي بِفَاحِشَةٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضِعْفَانِ مِنْ الْعَذَابِ كَمَا جُعِلَ لِمَنْ يَقْنُتُ مِنْهُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ أَجْرَيْنِ مِنْ الثَّوَابِ. فَذَوُو الْأَنْسَابِ الْفَاضِلَةِ إذَا أَسَاءُوا كَانَتْ إسَاءَتُهُمْ أَغْلَظَ مِنْ إسَاءَةِ غَيْرِهِمْ ، وَعُقُوبَتُهُمْ أَشَدُّ عُقُوبَةً مِنْ غَيْرِهِمْ... لِأَنَّ مَنْ أَكْرَمَهُ بِنِعْمَتِهِ وَرَفَعَ قَدْرَهُ إذَا قَابَلَ حُقُوقَهُ بِالْمَعَاصِي وَقَابَلَ نِعَمَهُ بِالْكُفْرِ كَانَ أَحَقَّ بِالْعُقُوبَةِ مِمَّنْ لَمْ يُنْعِمُ عَلَيْهِ كَمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ"
.
انتهى من " مجموع الفتاوى "(35/230-231) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 05:29
السؤال

: لقد سمعت أن الأسياد من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، من فضلك : اشرح لي كيف أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد ، وأنا أعرف أن النسب يكون من الابن وليس من البنت ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم وذريته الموجودون الآن كلهم من نسل ابنته فاطمة رضي الله عنها ، ولكون الرسول صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأشرفهم والنسبة إليه شرف بلا شك ، صارت ذريته ينتسبون إليه ، ولا ينسبون إلى آبائهم ، وقد ذكر العلماء أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم .

واستدلوا على ذلك بعدة أدلة ، منها :

قوله صلى الله عليه وسلم : (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي) رواه البخاري (3714) ومسلم (2449) .

قال الشريف السمهودي :

"معلوم أن أولادها بضعة منها ، فيكونون بواسطتها بضعة منه صلى الله عليه وسلم ، وهذا غاية الشرف لأولادها" انتهى .

نقله الألوسي في "روح المعاني" (26/165) .

ومنها : قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما : (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِين) رواه البخاري (2704) .

فسمَّاه "ابنه" وهو ابن بنته فاطمة رضي الله عنهما .

قال ابن القيم رحمه الله :

"المسلمون مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب لهم من الله الصلاة ؛ لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها ، فمن انتسب إليه صلى الله عليه وسلم من أولاد ابنته فإنما هو من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته : (إن ابني هذا سيد) فسماه ابنه ، ولما أنزل الله سبحانه آية المباهلة : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) آل عمران/61، دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وخرج للمباهلة ....

إلى أن قال :

وأما دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم والوالد الكريم ، الذي لا يدانيه أحد من العالمين ، سرى ونفذ إلى أولاد البنات لقوته وجلالته وعظيم قدره ، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسري حرمة إيلادهم وأبوتهم إلى أولاد بناتهم ، فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم ، ويكادون يضربون عن ذكر آبائهم صفحا ، فما الظن بهذا الإيلاد العظيم قدره ، الجليل خطره ؟ " انتهى باختصار.

" جلاء الأفهام " (ص/299-301) .

وجاء في "مغني المحتاج" (3/63) :

"فَائِدَةٌ : مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ ، وَهُمْ الْأَشْرَافُ الْمَوْجُودُونَ ، وَمِنْهُمْ الْهَاشِمِيُّونَ" انتهى .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/640) :

"ممّا اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون النّاس جميعاً أنّ أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إنّ ابني هذا سيّد)" انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي :

"ثم معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم : أنه يطلق عليه أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، حتى يعتبر ذلك في الكفاءة ، فلا يكافىء شريفة هاشمية غير شريف . [وهذا عند من اعتبر الكفاءة في النسب في النكاح ، فلا تتزوج شريفة بغير شريف إلا برضاها ورضا جميع أوليائها . [وقد سبق الكلام على الكفاءة في النسب في جواب السؤال رقم (65510) وبيَّنَّا أن الصحيح من أقوال العلماء أنها غير معتبرة] .

ثم قال ابن حجر : وقولهم : "إن بني هاشم والمطلب أكفاء" محله فيما عدا هذه الصورة .

وحتى يدخلوا في الوقف على أولاده والوصية لهم ، [ وهذه مسألة افتراضية ، لو أوقف الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً أو أوصى به وقال : هذا لأولادي ، دخل في أولاده صلى الله عليه وسلم أولاد فاطمة وأولاد الحسن والحسين رضي الله عنهم، وهذا من فوائد أنهم ينسبون إليه] .

وأما أولاد بنات غيره فلا تجري فيهم مع جدهم لأمهم هذه الأحكام .

نعم ، يستوي الجد للأب والأم في الانتساب إليهما من حيث تطلق الذرية والنسل والعقب عليهم . ومن فوائد ذلك أيضاً : أنه يجوز أن يقال للحسنين : أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أب لهما اتفاقا ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن : (إن ابني هذا سيد)" انتهى باختصار .

"الصواعق المرسلة" (4/462) لابن حجر الهيتمي .

وقد استدل السيوطي رحمه الله على ذلك بأحاديث أخرى في كتابه "الخصائص الكبرى" (2/381) ، غير أنها ضعيفة ، كما بَيَّن ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في "التلخيص" (3/142) ، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (801 ، 4104 ، 4324) .

ثانياً :

هذا الحكم ، وهو أن أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم ينسبون إليه ، إنما هو لأولاد بناته ، ثم أولاد الحسن والحسين ، أما أولاد بنات بناته فإنهم لا ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم ، وإنما ينسبون إلى آبائهم .

قال السيوطي رحمه الله :

"هل يشاركون – يعني أولاد زينب بنت فاطمة - أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ؟

والجواب : لا . وإن كانوا جميعاً يدخلون في "ذرية النبي صلى الله عليه وسلم" وفي "أولاده" .

وقد فَرَّق الفقهاء بين مَن يُسَمَّى ولداً للرجل ، وبين مَن ينسب إليه :

ولهذا قالوا : لو قال : وقفت على أولادي : دخل ولد البنت .

ولو قال : وقفت على مَن يُنسب إلي مِن أولادي : لم يدخل ولد البنت .

وقد ذكر الفقهاء من خصائصه صلى الله عليه وسلّم : أنه ينسب إليه أولاد بناته ، ولم يذكروا مثل ذلك في أولاد بنات بناته ، فالخصوصية للطبقة العليا فقط ، فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه ، وأولاد الحسن والحسين ينسبون إليهما فينسبون إليه ، وأولاد زينب وأم كلثوم [بنات فاطمة] ينسبون إلى أبيهم عمر وعبد الله ، لا إلى الأم ، ولا إلى أبيها صلى الله عليه وسلّم ؛ لأنهم أولاد بنت بنته ، لا أولاد بنته ، فجرى الأمر فيهم على قاعدة الشرع في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه ، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد الحديث بها ، وهو مقصور على ذرية الحسن ، والحسين ....

ولهذا جرى السلف والخلف على أن ابن الشريفة لا يكون شريفاً ، ولو كانت الخصوصية عامة في أولاد بناته وإن سفلن لكان ابن كل شريفة شريفاً تحرم عليه الصدقة وإن لم يكن أبوه كذلك كما هو معلوم .

ولهذا حكم صلى الله عليه وسلّم بذلك لفاطمة دون غيرها من بناته ، لأن أختها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم تعقب ذكراً حتى يكون كالحسن والحسين في ذلك ، وإنما أعقبت بنتاً ، وهي أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع ، فلم يحكم لها صلى الله عليه وسلّم بهذا الحكم مع وجودها في زمنه ، فدل على أن أولادها لا ينسبون إليها لأنها بنت بنته ، وأما هي فكانت تنسب إليه بناء على أن أولاد بناته ينسبون إليه ، ولو كان لزينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولدٌ ذكر لكان حكمه حكم الحسن والحسين في أن ولده ينسبون إليه صلى الله عليه وسلّم .

هذا تحرير القول في هذه المسألة" انتهى باختصار .

"الحاوي" (2/31) .

ومثل ذلك قاله الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي في "الفتاوى الحديثة" (ص 67) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 05:35
السؤال:

هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما صام رمضان لم تكن السنة الهجرية تعتمد على رؤية الهلال ، بل كانت ثابتة كما هو الحال في التاريخ الميلادي؟

الجواب
:
الحمد لله

أولا :

الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة ووقائع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن شهر رمضان كان يصام برؤية الهلال ، وينبني على هذا أنه كان يدور في فصول السنة ، ولم يكن ثابتا كما هو الحال في الأشهر الميلادية ؛ ومن الأدلة على ذلك ، الآتي :

1- أكد القرآن الكريم أن الشهور والأعوام إنما تعرف بسير القمر ومنازله . قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) يونس ( 5 ) .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى :

" ( وَقَدَّرَهُ ) أي: القمر ( وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) ، فبالشمس تعرف الأيام – أي الليل والنهار - ، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام

" انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 4 / 248 )
.
وأكد القرآن على أن عدد شهور السنة اثنا عشر شهرا . قال الله تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) التوبة ( 36 ) .

قال القرطبي رحمه الله تعالى :

" هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب

" انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " ( 10 / 196 ) .

وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى :

" والمراد بالشهور : الشهور القمرية بقرينة المقام ، لأنها المعروفة عند العرب وعند أغلب الأمم ، وهي أقدم أشهر التوقيت في البشر ، وأضبطها ؛ لأن اختلاف أحوال القمر مساعد على اتخاذ تلك الأحوال مواقيت للمواعيد ، والآجال ، وتاريخ الحوادث الماضية، بمجرد المشاهدة "

انتهى من " التحرير والتنوير " ( 10 / 180 - 181 ) .

ودلت نصوص القرآن والسنة على أن الشهر إنما يعرف دخوله وخروجه برؤية الهلال .

قال الله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) البقرة / 189 .

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: ( لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ

) رواه البخاري ( 1906 ) ومسلم ( 1080 ) .

فهذه الآية والحديث وغيرهما : تدل على أن المعتمد في دخول الشهور وانتهائها هو رؤية الهلال.

فينتج من كل ما مضى ؛ أن السنة شرعا اثنا عشر شهرا ، مقدرة بالقمر ومنازله ، وليس بالشمس ، والشهر يدخل برؤية الهلال ، فتكون السنة التي شرعها الله للنبي صلى الله عليه وسلم ليعتمدها المسلمون في مواقيت عباداتهم ومعاملاتهم : هي السنة القمرية .

والسنة القمرية تنقص عن الشمسية بحوالي أحد عشر يوما ، وهذا يجعل الشهر القمري يتنقل بين فصول السنة ، ولا يكون ثابتا أبدا .

2- إذا رجعنا إلى حوادث السيرة النبوية - التي ضبط المؤرخون تواريخها - ثم قارنا بينها سنخرج بنتيجة واحدة ؛ هي أن شهر رمضان كان متنقلا بين فصول السنة ، ومما يدل على ذلك أن غزوة بدر الكبرى كانت في 17 من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة ، الموافق 13 مارس (آذار) سنة 624 م .

وبعد ست سنوات وقع فتح مكة ، وكان في يوم 20 من رمضان في السنة الثانية من الهجرة الموافق 10 يناير (كانون الثاني) سنة 630 م .

وهذا يدل على أن شهر رمضان لم يكن شهرا ثابتا بل كان ينتقل في فصول السنة .

فبين الغزوتين (غزوة بدر الكبرى وغزوة فتح مكة) ست سنوات . فينقص التاريخ القمري عن التاريخ الشمسي في هذه السنوات الست 66 يوما تقريبا ، وهو الفرق بين تاريخ الغزوتين فعلا .

وبهذا تتفق الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة مع حوادث التاريخ والسيرة النبوية ، ويدل ذلك كله على أن شهر رمضان ، وكذلك جميع الشهور القمرية لم تكن ثابتة بل كانت تنتقل في فصول السنة .

ثانيا :

زعم بعض الباحثين أن العرب قبل الإسلام كانت تؤخر الحج كل سنة أحد عشر يوما ، حتى لا يأتي الحج في وقت غير مناسب للسفر كالحر أو البرد الشديدين .

وهذا القول – وإن كان قد قاله بعض المؤرخين- إلا أنه مجرد قول قد قيل ، وليس هناك من الروايات الصحيحة ما يثبته .
وقد بنوا على هذا القول أن حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في العام التاسع : كانت في شهر ذي القعدة ، وهذا قول قد أنكره العلماء ، إذ كيف يرسل الرسول أبا بكر والمسلمين للحج في غير ميقاته الشرعي ؟!

وقد أنزل الله تعالى قرآنا وصف فيه يوم النحر ذلك العام بأنه يوم الحج الأكبر ، وهذا لا يكون إلا إذا كان الحج في موعده .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى :

" وكيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة ، وأنى هذا ؟ وقد قال الله تعالى: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ، وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر ، فلو لم تكن في ذي الحجة ، لما قال تعالى : ( يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 4 / 152 ) .

والحاصل : أن صيام النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك حجه ، وسائر مواقيت أشهره : إنما وقع حسب الأشهر القمرية التي تنتقل في فصول السنة ، وهذا هو الحساب نفسه الذي كان يعتمده العرب في الجاهلية – فيما يظهر – إذ لم يثبت خلاف هذا .

قال العلامة المؤرخ الفلكي : محمود باشا الفلكي ، رحمه الله ، بعد بحث مطول لذلك :

" وكان العرب ، قبل الإسلام وبعده ، ينظمون شهورهم حسب سير القمر ، وكان الشهر تارة 29 يوما ، وتارة أخرى 30 يوما . والسنة كانت تتكون من 12 دورة قمرية ، ومن حين لآخر كانوا يضيفون دورة قمرية ثالثة عشر ـ كما يقول المؤرخون ـ .
..
وعلى ذلك ؛ فإني أنتهي إلى القول بأن أهالي مكة ، في خلال الخمسين سنة السابقة للهجرة ، كانوا يتخذون التقويم القمري البحت "

. انتهى، من كتابه " التقويم العربي قبل الإسلام" (46-47) .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 05:40
السؤال:

سؤالي عن السور والآيات التي كان يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم هل صحيح أنها : الإسراء ، السجدة ، الملك ، الزمر ، المسبحات ، الإخلاص المعوذتين ، الكافرون ، ومن الآيات : آية الكرسي ، وآخر آيتين من سورة البقرة ، وأواخر سورة آل عمران عند الاستيقاظ من النوم ، هل ما ذكرته صحيح ثابت ؟ وإن كان صحيحاً فأرجو أن تزودوني بالأدلة لننشرها بين المسلمين ونحيي سنته صلى الله عليه وسلم - بإذن الله - وإن كان هناك غيرها فأرجو ذكرها مع الدليل .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من تلاوة القرآن بالليل والنهار ، ويطيل الصلاة بالليل ، حتى ربما قرأ في الركعة الواحدة البقرة وآل عمران والنساء ،

كما رواه مسلم (722) .

ويحض أمته على تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه ، كما روى البخاري (4937) ، ومسلم (798) - واللفظ له - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ ) .

وروى البخاري (5027) عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) .

ثانيا :

- كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة قبل أن ينام : سورتي السجدة والملك :

فروى الترمذي (2892) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ ، وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ "

وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " .

قال في " تحفة الأحوذي " (8/191) : " أَيْ : لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ النَّوْمَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِمَا " انتهى .

- وكذا كان لا ينام حتى يقرأ سورة الإسراء وسورة الزمر :

فروى الترمذي (3405) عن عَائِشَة رضي الله عنها قالت : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الزُّمَرَ ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ " ، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " .

- وأما المعوذات :

فروى البخاري (5017) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ " .

- وأما سورة الكافرون
:
فروى أبو داود (5055) عن فروة بن نوفل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنوفل : ( اقرأ " قل يا أيها الكافرون " ثم نم على خاتمتها ، فإنها براءة من الشرك ) ، وصححه الألباني في "

صحيح سنن أبي داود " .

- وأما المسبحات :

فروى الترمذي (5057) عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ ، وَقَالَ : ( إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ ) ، وهذا حديث ضعيف ، ضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي " .

ويَعْنِي بِالْمُسَبِّحَاتِ : (الْحَدِيدَ) وَ (الْحَشْرَ) وَ (الصَّفَّ) وَ (الْجُمُعَةَ) وَ (التغابن) .

" تفسير القرطبي " (17/235) .

- وأما آية الكرسي :

فروى البخاري (3275) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ ، فَقُلْتُ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الحَدِيثَ - ، فَقَالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ ) .

- وأما الآيتان من آخر سورة البقرة :

فروى البخاري (4008) ، ومسلم (807) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ ، مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ ) .

قال النووي رحمه الله :

" قِيلَ : مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ، وَقِيلَ : مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَقِيلَ : مِنَ الْآفَاتِ ، وَيَحْتَمِلُ مِنَ الجميع " انتهى من " شرح مسلم " للنووي (6/ 92) .

- وأما أواخر آل عمران عند الاستيقاظ :

فروى البخاري (992) ، ومسلم (763) عَنْ كُرَيْبٍ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ : ( أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ : فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادَةٍ ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ - أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ - فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي ) .

- وكان صلى الله عليه وسلم يحث على قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة :

فروى النسائي في " السنن الكبرى " (9848) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ ) .

قال ابن القيم رحمه الله :

" وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ أبي أمامة ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَفِيهَا كُلِّهَا ضَعْفٌ ، وَلَكِنْ إِذَا انْضَمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، مَعَ تَبَايُنِ طُرُقِهَا وَاخْتِلَافِ مَخَارِجِهَا ، دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَهُ أَصْلٌ وَلَيْسَ بِمَوْضُوعٍ .

وَبَلَغَنِي عَنْ شَيْخِنَا أبي العباس ابن تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ أَنَّهُ قَالَ : مَا تَرَكْتُهَا عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ " انتهى من " زاد المعاد " (1/294) .

- كما كان صلى الله عليه وسلم يحث على قراءة المعوذات دبر كل صلاة :

فروى أبو داود (1523) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه ، قَالَ : " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ " ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .

- وكذا حث على قراءتها في الصباح والمساء :
فعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( قُلْ : " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " ، وَالمُعَوِّذَتَيْنِ ، حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) رواه الترمذي (3575) وصححه ، وأبو داود (5082) . وصححه النووي في " الأذكار " (ص107) ، وحسنه ابن حجر في " نتائج الأفكار " (2/345) ، والألباني في

" صحيح سنن الترمذي " .

فهذا ما تيسر جمعه مما ورد في السنة القولية أو الفعلية مما ثبتت تلاوته بالليل والنهار من سور وآي القرآن الكريم .

والله أعلم .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 05:43
السؤال

هل ورد شيء بخصوص قراءة سورة السجدة والملك بين المغرب والعشاء ؟
وكذلك قراءة ثلاث آيات من سورة الأنعام بعد صلاة الفجر مباشرة ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

قَبْلَ الإِجَابَةِ عَلَى هذا السُّؤَالِ لاَ بُدَّ مِن تَقرِيْرِ مَسْأَلَةٍ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِفَضَائِلِ السُّوَرِ .

لَقَدْ وُضِعَتْ فِي فَضَائِلِ السُّوَرِ أَحَادِيْثُ مَكْذُوْبَةٌ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِن أَشْهَرِ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ :

1- نُوْحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ الجَامِعُ ، وَالَّذِي قِيْلَ فِيْهِ : " جَمَعَ كُلَّ شَيْء إِلاَّ الصِّدْق " ، فَقَدْ أَبَاحَ – بِزَعمِهِ – الكَذِبَ فِي الحَدِيْثِ لِمَصْلَحَةِ الدِّيْنِ ، فاختلق أحاديث من عنده ونسبها إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضائل سور القرآن الكريم سورةً سورةً .

قَالَ أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ المَرْوَزِيُّ : قِيْل لأَبِي عِصْمَةَ –وهو نوح بن أبي مريم - : " مِنْ أَيْنَ لَكَ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي فَضَائِلِ القُرْآنِ سُوْرَةً سُوْرَةً ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِ عِكْرِمَةَ هَذَا ؟ " ، فَقَالَ : " إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ القُرْآنِ ، وَاشْتَغَلُوا بفقهِ أَبِي حَنِيْفَةَ وَمَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، فَوَضَعْتُ هَذَا الحَدِيْثَ حِسْبَةً " ( أي : ابتغاء الأجر )

أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ فِي " المَدْخَلِ " ( ص 54 ) وَابْنُ الجَوْزِيِّ فِي " المَوْضُوْعَاتِ " (16) ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ .

2- وَآخَرُ اسْمُهُ مَيْسَرَةُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ الفَارِسِيُّ ، قَالَ عَنْهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الْمَجْرُوحِينَ " (2/345 رقم 1038) : " وَهُو صَاحِبُ حَدِيْثِ فَضَائِلِ القُرْآنِ الطَّوِيْلِ " مَنْ قَرَأَ كَذَا فَلَهُ كَذَا " .

وَجَاءَ فِي " لِسَانِ المِيْزَانِ " (7/198) لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجرٍ : " وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي " الضُّعَفَاءِ " عَن ابْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ : قُلْتُ لِمَيْسَرَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ : " مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَذِهِ الأَحَادِيْثِ : " مَنْ قَرَأَ كَذَا فَلَهُ كَذَا " ؟ قَالَ : " وَضَعْتُهَا أُرَغِّبُ النَّاسَ َفِيْهَا " .

فهذه أمثلة لمن يجترئ ويكذب في الحديث على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمصلحة يراها ، خدعه بها إبليس .

وقد نَبَّه العُلَمَاءُ عِلى عَدَمِ ثُبُوتِ الأَحَادِيْثِ التي فيها سرد فَضَائِلِ جميع سور القُرْآنِ الكريم ، سورةً سورةً ، وَمِمَّنْ نَبَّه عِلَى ذَلِك المَوْصِلِيُّ فِي " المُغنِي عَنِ الحِفْظِ وَالكِتَابِ " (1/121) فَقَالَ : " قَدْ وَرَدَ : " مَنْ قَرَأَ كَذَا فَلَهُ أُجْرُ كَذَا ... مِنْ أَوَّلِ القُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ ؛ قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ : " أَظُنُّ الزّنَادقَةَ وَضَعَتْهَا " . قَالَ المُصَنِّفُ – أَي : المَوْصِلِيُّ - : " فَلم يَصِح فِي هَذَا شَيْءٌ ... " .

وَنَبَّه عِلَى ذَلِك أَيْضاً ابْنُ القيِّمِ فِي " المَنَارِ المُنِيفِ " ( ص 113 – 144 ) ، وَالشَّيْخُ بَكْرٌ أَبُو زَيْد فِي " التَّحدِيْث بِمَا قِيْلَ : " لا يَصِحُّ فِيْهِ حَدِيْثٌ " ( ص 122 – 123) وَأَضَافَ : " تَنْبِيْهٌ : فَضَائِلُ القُرْآنِ الكَرِيْمِ ، وَفَضَائِلُ بَعْضِ السُّوَرِ وَالآيَاتِ مَعْلُوْمَةٌ بِنُصُوْصٍ صَحِيْحَةٍ مَرْفُوْعَةٍ إِلَى َالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمُرَادُ ابْنِ المُبَارَكِ وَمَنْ بَعْدَهُ هُو تِلكُم الأَحَادِيْثُ الطِّوَالُ الَّتِي تَنْتَظِمُ سُّوَرَ القُرْآنِ سُوْرَةً سُوْرَةً ؛ كَالحَدِيْثِ المَنْسُوْبِ إِلَى أُبيِّ بنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَنَشْرُهُ بَعْضُ المفسِّرِيْنَ ؛ مِثْلُ : الثَّعْلَبِيِّ ، وَالوَاحِدِيِّ ، وَالزَّمَخشرِيِّ فِي تفَاسيرِهِم ، فَهَذِهِ مَوْضُوْعَةٌ ، وَهِي المُرَادَةُ فِي كَلاَم ابْنِ المُبَارَكِ وَغَيْرِهِ ، وَاللهُ أَعْلَمُ " .ا.هـ.

ثانياً :

وَأَمَّا الأَحَادِيْثُ الَّتِي سَأَلْتَ عَنْهَا فَالجَوَابُ :

تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ الأَوَّلِ :

عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَرَأَ : " تبَاركَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ " وَ " ألم . تنَزِيْل " السَّجْدَة ، بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ الآخِرَةِ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ " .

ذَكَرَهُ السُّيوطِيُّ فِي " الدُّرِّ المنثَوْرِ " (6/535) عِنْدَ بدَايَةِ سُوْرَةِ السَّجْدَة ، وَقَالَ : " وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْه عَنْ ابنِ عُمَرَ ... فَذَكَرَهُ " .

وَنَقَلَهُ الأَلُوسِي فِي " رَوحِ المَعَانِي " (21/116) عَنْ السُّيوطِيِّ ثُمّ قَالَ : " وَرَوَى نَحْوَهُ هُو – أَي : السُّيوطِيّ - وَالوَاحِدِيُّ مِنْ حَدِيْثِ أُبيِّ بنِ كَعْبٍ ، والثعلبي مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَتَعَقَب ذَلِك وَلِيُّ الدِّيْنِ قَائِلاً : " لَم أَقِف عَلَيْهِ ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلِّهَا مَوْضُوْعَةٌ " .اهـ بتصرف يسير .

وَالحَدِيْثُ وَرَدَ بعدَّةِ أَلْفَاظٍ مِنْهَا المُطلَقُ مِنْ غَيْرِ تَحدِيْدٍ لِوقْتِ القِرَاءةِ ، وَمِنْهَا المُقَيَّدُ بِوقْتٍ كَما فِي رِوَايَةِ ابنِ عُمَرَ ، وَوَرَدَ أَيْضاً مَرْفُوْعاً وَمَوْقُوْفاً ، ذَكَرَهَا الغَافِقِيُّ فِي " لََمَحَاتِ الأنْوَارِ " (1127 ، 1129 ، 1140 ، 1141 ، 1142 ، 1143 ، 1144 ، 1146) ، إِلاَّ رِوَايَة ابنِ عُمَرَ .

تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ الثَّانِي :

وَرَدَ مِنْ طَرِيْقَيْنِ :

1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَرْفُوْعاً قَالَ : " مَنْ قَرَأَ إِذَا صَلَّى الغَدَاةَ ثَلاَثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُوْرَةِ الأَنْعَامِ إِلَى " وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ " [ الأَنْعَامُ : 3 ] ، نَزَلَ إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ أَلْفَ مَلَك يُكْتَبُ لَه مِثلَ أَعْمَالِهِم ، وَبُعِثَ إِلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَمَعَهُ مِرْزَبَةٌ مِنْ حَدِيْدٍ ، فَإِن أَوْحَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِهِ شَيْئاً مِنَ الشَّرِّ ضَرَبَهُ حَتَّى يَكُوْنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبْعُوْنَ حِجَاباً ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ قَالَ اللهُ : " أَنَا رَبُّكَ وَ أَنْتَ عَبْدِي ، وَامْشِ فِي ظِلِّي ، وَاشْرَبْ مِنْ الكَوْثَرِ ، وَاغْتَسِلْ مِنْ السَّلْسَبِيلِ ، وَادْخُلِ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ " .

ذَكَرَهُ السُّيوطِيُّ فِي " الدُّرِّ المنثَوْرِ " (3/245 – 246) وَقَالَ : " وَأَخْرَجَ السِّلَفِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً " ، وَذَكَرَهُ الغَافِقِيُّ فِي " لََمَحَاتِ الأنْوَارِ " (941) .

2- عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ صَلَّى الفَجْرَ فِي جَمَاعِةٍ ، وَقَعَدَ فِي مُصَلاَّهُ ، وَقَرَأَ ثَلاَثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُوْرَةِ الأَنْعَامِ ، وَكَّلَ اللهُ بِهِ سَبْعِيْنَ مَلَكاً يُسَبِّحُونَ اللَّه وَيَسْتَغْفِرُوْنَ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ " .

ذَكَرَهُ السُّيوطِيُّ فِي " الدُّرِّ المنثَوْرِ " (3/246) وَعَزَاهُ لِلدَّيْلَمِيِّ ، وَالغَافِقِيُّ فِي " لََمَحَاتِ الأنْوَارِ " (935) بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ لِحَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

قَالَ الأَلُوسِي فِي " رَوحِ المَعَانِي " (7/76) بَعْدَ ذِكْرِهِ جُمْلَةً مِنْ الأَحَادِيْث وَالآثَارِ عِنْدَ سُوْرَةِ الأَنْعَامِ وَمِنْهَا حَدِيْثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُوْدٍ : " إِلَى غَيْرِ ذَلِك مِنَ الأَخْبَارِ ، وَغَالِب ما فِي هَذَا المَطْلَبِ ضَعِيْفٌ وَبَعْضَهَا مَوْضُوْعٌ ، كَما لاَ يَخْفَى " .ا.هـ.

وَسُوْرَةُ الأَنْعَامِ لم يَثْبُت شَيْءٌ من الأحاديث فِي فَضْلِهَا .

فأما سورتا السجدة وتبارك فلم يثبت شيء في قراءتهما بين المغرب والعشاء ، ولكن ثبت في فضل سورة السجدة قراءتها في صلاة الفجر يوم الجمعة .

روى البخاري (891) ومسلم (880) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ (الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ) وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ) .

وورد في فضل سورة تبارك قراءتها قبل النوم أو عموماً ، فقد روى الترمذي (2891) وأبو داود (1400) وابن ماجه (3786) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) . قَالَ الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .

و قال ابن حجر في التلخيص (1/234): "أعله البخاري في التاريخ الكبير بأن عباس الجشمي (وهو الراوي عن أبي هريرة) لا يعرف سماعه من أبي هريرة اهـ .

وحسنه الألباني في مواضع ، وصححه في مواضع . انظر : "صحيح سنن ابن ماجه" ، "صحيح سنن أبي داود" . وقبله قال المنذري : رواه أبو داود والترمذي وحسنه واللفظ له ، والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال : صحيح الإسناد .

وروى الترمذي (2892) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ . صححه الألباني في صحيح الترمذي .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 05:48
السؤال:

ما هو العام الذي عرف بعام الحزن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما الأحداث الذي جعلته كذلك ؟ وكيف كانت ردة فعل النبي صلى الله عليه وسلم تجاهها ؟ وما الدروس المستفادة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

" عام الحزن " : اشتهر عند الناس إطلاقه على العام الذي توفيت فيه خديجة رضي الله عنها ، وأبو طالب ، وذلك لما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن والهمّ بموتهما ، ولما تعرض له من أذى السفهاء ، فقد كانت زوجته وعمه يدفعان عنه الكثير من الأذى والضر .

قال ابن إسحاق رحمه الله :

" فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْأَذَى
مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ

" انتهى من "سيرة ابن هشام" (2/ 46) .

وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنين .

ثانيا :

لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدا من أصحابه ، بل ولا من التابعين ، ومتقدمي الأئمة : أنه سمى هذا العام بعام الحزن ؛ ولم يُرو ذلك مسندا من وجه ، وغاية ما في الأمر أنها تسمية من العلماء .

قال العيني رحمه الله في "عمدة القاري" (8/ 180):

" توفّي أبو طَالب هُوَ وَخَدِيجَة فِي أَيَّام ثَلَاثَة ، قَالَ صاعد فِي (كتاب الفصُوص) : فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسَمِّي ذَلِك الْعَام عَام الْحزن ، وَكَانَ ذَلِك وَقد أَتَى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَأحد عشر يَوْمًا " انتهى.

وصاعد هذا : هو صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي البغدادي اللغوي ، ولم يكن صدوقا ، قال ابن بشكوال في "الصلة" (ص233) : " كان صاعد هذا يتهم بالكذب وقلة الصدق فيما يورده عفى الله عنه " انتهى .

وقال الذهبي رحمه الله :

" جمَع الفصوص عَلَى نحو"أمالي القالي " للمنصور، فأثابه عَليْهِ خمسة آلاف دينار. وكان متَّهَمًا في النَّقل ، فلهذا هجروا كتابه ، وقد تخرَّج بِهِ جماعة مِن فُضلاء الأندلس ، لمّا ظهر كذبِه للمنصور رمى بكتابه في النّهر، ثمّ خرج مِن الأندلس في الفتنة وقصد صقلّية ، فمات بها "

انتهى من "تاريخ الإسلام" (28/ 246) .

وقال ابن سيده رحمه الله :

" عام الحزَنِ : الْعَام الَّذِي مَاتَت فِيهِ خَدِيجَة وَأَبُو طَالب ، فَسَماهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الحزَنِ ، حكى ذَلِك ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي ، قَالَ: وَمَاتَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين " .

انتهى من"المحكم" (3/ 225) .

ومات ابن الأعرابي في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، كما في "سير أعلام النبلاء" (9/ 75) ، وهو أعلى من نسب تسمية هذا العام بعام الحزن إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الشيخ الألباني رحمه الله : " فإني بعد مزيد البحث عنه لم أقف عليه " يعني مسندا .

انتهى من "دفاع عن الحديث النبوي" (ص 18) .

وقال الدكتور محمد بن عبد الله العوشن ، حفظه الله :

"عُرف العام العاشر من البعثة عند المتأخرين بعام الحزن ، ذلك أن هذا العام قد شهد وفاة أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - وأبي طالب عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان بين وفاتيهما أيام يسيرة ، وذكروا أنه - صلى الله عليه وسلم - لشدة حزنه سمى هذا العام عام الحزن ؛ فهل صح ذلك ؟

لم تَردْ هذه التسمية في شيء من الأحاديث الصحيحة ، بل ولا الضعيفة ، ولا في شيء من كتب السيرة وشروحها، كسيرة ابن إسحاق وشرحها للسهيلي ، ولم يذكر هذا اللفظ -فيما أعلم- أحد ممّن كتب في السيرة كابن القيم والذهبي وابن كثير، ولا غيرهم من شرّاح الأحاديث كالنووي وابن حجر -رحمهم الله- .
."
ثم قال :

ومن ناحية المتن فيبعد أن يسميه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من أصحابه بذلك، وقد مّر عليه - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون من المحن والشدائد الكثير، قبل الهجرة وبعدها ...

ثم ذكر طرفا من تلك الحوادث التي تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال :

" كل تلك الحوادث وقعت في أقل من ستة أشهر، واستُشهد خلالها ما يقارب من مائة وخمسين صحابيًا - رضي الله عنهم - ولم يُنقل أنه (صلى الله عليه وسلم) -على شدة حزنه- سمّاه بأي اسم يدل على الحزن أو نحوه " .

ينظر : "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية" (67-69) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 05:58
السؤال:

أنا من مدينة كيرلا في جنوب الهند ، وقد ادّعى أحد وجهاء المنطقة من المسلمين هنا أن لديه شعرة من شعر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وأنه سيبني مسجداً ويحفظها فيه ، وهذا بدوره أثار كثيراً من الجدل في أوساط المتدينين خصوصاً فيما يتعلق بمسألة التبرُك ، فأتمنى التفصيل في المسألة على ضوء الكتاب والسنة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كان معمولاً به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل ماء وضوئه ، وثوبه وطعامه وشرابه وشعره وكل شيء منه .

أما التبرك بما مس جسده عليه الصلاة والسلام من وضوء أو عرق أو شعر أو نحو ذلك ، فهذا أمر معروف وجائز عند الصحابة رضي الله عنهم ، وأتباعهم بإحسان لما في ذلك من الخير والبركة ، وهذا أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (10/ 70):

" اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّبَرُّكِ بِآثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَوْرَدَ عُلَمَاءُ السِّيرَةِ وَالشَّمَائِل وَالْحَدِيثِ أَخْبَارًا كَثِيرَةً تُمَثِّل تَبَرُّكَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِأَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ آثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى .


ثانيا :

هذا التبرك لا يجوز بغير آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز قياس غيره عليه ، فالتبرك بآثار غيره من الصالحين بدعة منكرة ، وهو وسيلة إلى الشرك .

قال ابن عثيمين رحمه الله :

" كان الصحابة يتبركون بعرق النبي صلى الله عليه وسلم ويتبركون بريقه ويتبركون بثيابه ويتبركون بشعره ، أما غيره صلى الله عليه وسلم فإنه لا يتبرك بشيء من هذا منه ، فلا يتبرك بثياب الإنسان ولا بشعره ولا بأظفاره ولا بشيء من متعلقاته إلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم

" انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/ 243) .

ثالثا :

لا يثبت وجود شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم الآن ، ومن ادعى وجود شيء من ذلك فلا دليل معه عليه ، وعلى ذلك : فلا يجوز لأحد أن يدعي أن بحوزته شيئا من آثار النبي صلى الله عليه وسلم إلا بدليل قاطع ، وأنى له ؟
قال العلامة المؤرخ : أحمد باشا تيمور :

" فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد ذلك ، فإنما وصل إليهم مما قسم بين الأصحاب رضي الله عنهم ، غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها " .

انتهى من "الآثار النبوية" ، أحمد باشا تيمور(91) .

وقال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله :

" هذا ولابد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ، ولا ننكره خلافاً لما يوهمه صنيع خصومنا .

ولكن لهذا التبرك شروطاً منها الإيمان الشرعي المقبول عند الله ، فمن لم يكن مسلماً صادق الإسلام فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا ، كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلاً على أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم ويستعمله .
ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت ، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين ، وإذا كان الأمر كذلك فإن التبرك بهذه الآثار يصبح أمراً غير ذي موضوع في زماننا هذا ويكون أمراً نظرياً محضاً، فلا ينبغي إطالة القول فيه " . انتهى من "التوسل أنواعه وأحكامه " (144) .
وينظر للفائدة : كتاب "التبرك أنواعه وأحكامه"

د. ناصر الجديع (256-260) .

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

ما حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد موته كشعر رأسه ونحوه ؟

فأجاب :

" الجواب على هذا: أنه لا يمكن إثبات أن هذا من شعر الرسول عليه الصلاة والسلام أبداً، وما ذكر من أنه في مصر في مجمع الآثار : هذا لا صحة له ، ولا يوجد .

ولا عرف أن الصحابة رضي الله عنهم يهتمون بهذا الأمر ، إلا ما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت عندها شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جلجل من فضة ، إذا مرض أحد أتى إليها وصبت عليه الماء ورجت الماء ثم شربه .

وعلى هذا: فلا يمكن أن يثبت هذا : أن هذا من شعر الرسول عليه الصلاة والسلام.

وأهم شيء آثاره المعنوية ، الآثار الشرعية ، أما الآثار الحسية فهي آثار ، والقلب يحن إليها ويحبها ويألفها، لكن المهم الآثار الشرعية " .

انتهى من "دروس للشيخ العثيمين" (2/ 64) بترقيم الشاملة .

ومن أراد البركة حقا في أمر دينه ودنياه فعليه باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا ، والاهتداء بهديه ، والانتهاء عما نهى عنه من الأقوال والأفعال والاعتقادات ، ففي ذلك كل الخير والبركة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرَكَتِهِ لَمَّا آمَنُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُ، فَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُمْ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، بَلْ كُلُّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَأَطَاعَهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ بَرَكَةِ الرَّسُولِ بِسَبَبِ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ

" انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 113) .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

" النبي صلى الله عليه وسلم وإن أقر الصحابة في غزوة الحديبية وغيرها على التبرك بآثاره والتمسح بها، وذلك لغرض مهم ، وخاصة في تلك المناسبة ، وذلك الغرض هو إرهاب كفار قريش وإظهار مدى تعلق المسلمين بنبيهم ، وحبهم له ، وتفانيهم في خدمته وتعظيم شأنه ، إلا أن الذي لا يجوز التغافل عنه ولا كتمانه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد تلك الغزوة رغّب المسلمين بأسلوب حكيم وطريقة لطيفة عن هذا التبرك ، وصرفهم عنه ، وأرشدهم إلى أعمال صالحة خير لهم منه عند الله عز وجل ، وأجدى ، وهذا ما يدل عليه الحديث الآتي
:
عن عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ يوماً، فجعل أصحابه يتمسحون بوضوئه ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ما يحملكم على هذا؟ قالوا: حب الله ورسوله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سره أن يحب الله ورسوله ، أو يحبه الله ورسوله، فليصدق حديثه إذا حدث ، وليؤد أمانته إذا اؤتمن، وليحسن جوار من جاوره ) وهو حديث ثابت له طرق وشواهد في معجمي الطبراني وغيرهما "
.
انتهى من "التوسل" (ص 145) .

والحاصل :

أن ادعاء هذا الرجل أن لديه شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ادعاء قائم على غير برهان ، وإنما هي مجرد دعوى ، لا يجوز لأحد أن يأخذ بها أو يصدقه بما يقول فيها . لا سيما وأمر كهذا ، لو كان صحيحا : لم يكن ليخفى ، بل كانت تتوافر الهمم والدواعي على نقله ، وإثبات سنده ، واشتهار أمره .

رابعا :

عزمه على بناء مسجد ، ووضع هذه الشعرة فيه ، عزم فاسد مردود ؛ وهو فيه إنما يتبع سنن أهل الكتاب ، وينحرف به عن صراط الله المستقيم .

وبلاء القوم في الغلو ، الذي يسوغ لهم مثل هذا ، ويسلك بهم سبيل البدع والضلالة.

روى البخاري (427) ، ومسلم (528) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ : " أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) .

فإذا كان هؤلاء شرار الخلق عند الله يوم القيامة ، لأجل ذلك العمل ، وقد تحققوا من جسد النبي الذي يجعلون قبره مسجدا ، فكيف بمن يلبس الشيطان عليه ، بأمر لا يعلم صحته ، ولا يدر له إسناد تقوم به حجة في دين الله ، ثم يعمل به عملا مردودا ، لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، بل نهاهم عن مثله ، وحذرهم من سبيله .

وأين كان الصحابة والتابعون عن هذا الفضل العظيم ؟! لماذا لم يحافظوا على آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتواصوا فيما بينهم بحفظها ، ويجعلوا بعضها في المساجد ؟!

والخلاصة :

أن التبرك بهذه الشعرة لا يجوز ، وهو وسيلة إلى الشرك ؛ وذلك لاستحالة ثبوت كونها من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لا يجوز بناء مسجد لأجلها وحفظها فيه ، حتى لو افترضنا جدلا أنه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ، وأن الإسناد الصحيح المتصل ، ثبت بها .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 06:04
السؤال

لقد شاهدت صوراً لسيف يسمى " البتَّار " ، ويقال إنه كان للرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنه منقوش عليه أسماء الأنبياء ، وصورة للنبي داود عليه السلام وهو يقطع رأس جالوت ، وقد شاهدت هذه الصور وقرأت هذا الكلام في الموقع :

https://www.usna.edu/Users/humss/bwheeler/swords/batar.html

وسؤالي هو :
إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم صور الأشخاص والحيوانات ، فكيف يمتلك سيفاً عليه صور ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

ورد في كتب السيرة أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم عدة أسياف ، وقد ذكر بعض العلماء أنها تسعة أسياف ، وليس يثبت من ذلك في السنة الصحيحة إلا واحد فقط ! .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

كان له – صلى الله عليه وسلم - تسعة أسياف :

" مأثور " ، وهو أول سيف ملكه ، ورثه من أبيه ، و " العضب " و " ذو الفقار " - بكسر الفاء وبفتح الفاء - وكان لا يكاد يفارقه ، وكانت قائمته ، وقبيعته ، وحلقته ، وذؤابته ، وبكراته ، ونعله من فضة ، و " القلعي " ، و " البتار " ، و " الحتف " ، و " الرسوب " ، و " المخذم " ، و " القضيب " ، وكان نعل سيفه فضة ، وما بين حلق فضة .

وكان سيفه " ذو الفقار " تنفله يوم بدر ، وهو الذي أُري فيها الرؤيا .

ودخل يوم الفتح مكة وعلى سيفه ذهب وفضة [ ضعفه الألباني في مختصر الشمائل (87) ]

" زاد المعاد " ( 1 / 130 ) . وانظر : التراتيب الإدارية ، للكتاني (1/343) .

ومما ثبت من ذلك في السنَّة الصحيحة " ذو الفقار " :

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ .

رواه الترمذي ( 1561 ) وابن ماجه ( 2808 ) وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .

وقوله : ( تنفل سيفه ) أي : أخذه زيادة عن السهم .

ورواه أحمد ( 2441 ) – وحسنه الأرناؤط - بأتم من هذا ، وفيه بيان الرؤيا :

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ : ( رَأَيْتُ فِي سَيْفِي ذِي الْفَقَارِ فَلًّا فَأَوَّلْتُهُ فَلا يَكُونُ فِيكُمْ ، وَرَأَيْتُ أَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ ، وَرَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ ) فَكَانَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وسمِّي سيف النبي صلى الله عليه وسلم " ذا الفقار " لأنه كانت فيه حفر صغار حسان ، ويقال للحفرة فقرة ، وهو أشهر سيوفه .

وأما سيفه " البتَّار " فقد جاء ذِكره عند ابن سعد في " الطبقات " ( 1 / 486 ) لكنه مرسل – وهو من أقسام الضعيف - ، وفي سنده الواقدي ، وأحاديث غير صحيحة .

قال الحافظ العراقي – رحمه الله - :

ولابن سعد في " الطبقات " من رواية مروان بن أبي سعيد ابن المعلى مرسلاً قال : أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف : سيف " قلعي " ، وسيف يدعى " بتَّارا " ، وسيف يدعى " الحتف " ، وكان عنده بعد ذلك " المخذم " ، و " رسوب " ، أصابهما من الفلْس .

وفي سنده الواقدي .

" تخريج أحاديث الإحياء " ( 2471 ) .

و" القلعي " نسبة إلى " مرج القلعة " موضع بالبادية .

وإذا كان لم يثبت في السنَّة الصحيحة وجود سيف بهذا الاسم للنبي صلى الله عليه وسلم : فكيف نصدق وجوده على تلك الصورة التي ينشرها من يزعم أنها صورة سيف النبي صلى الله عليه وسلم ؟! .

ثانياً :

قد ورد في السنة الصحيحة وصف سيف النبي صلى الله عليه " ذو الفقار " ، وليس فيه أنه يحوي صوراً لأحدٍ ، وكيف يمكن أن يقتني النبي صلى الله عليه وسلم سيفاً كهذا ، وهو الذي نهى عن الصور وأمر بطمسها ؟! .

وعندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة لم يدخل الكعبة إلا بعد أن أمر بطمس ما كان فيها من صور .

عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَمَنَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا ، فَلَمْ يَدْخُلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مُحِيَتْ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا .

رواه أبو داود ( 4156 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وقد ثبت في السنَّة أن مقبض سيفه " ذو الفقار " كان من فضة .

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ : كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ .

رواه النسائي ( 5373 ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

والسيف يباح تحليته بيسير الفضة فإن سيف النبي كان فيه فضة .

" مجموع الفتاوى " ( 25 / 64 ) .

ثالثاً :

يردُّ على ما ورد في الموقع – من وجه آخر - من زعمهم أن هذا سيف النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يثبت بقاء شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم على وجه اليقين ، فقد زُعم وجود نعل وشعر وثياب وأحجار تخص النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة في العالم ، وكل دولة تزعم أنها المحقة وغيرها ليس محقّاً ، وثبت في القديم والحديث زيف ادعاءات كثيرين بنسبة ما يملكونه للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لما في ذلك من التكسب من أموال الناس .

وقد ذكر ابن طولون في كتابه " مفاكهة الخلان في حوادث الزمان " في حوادث سنة تسع عشرة وتسعمائة أن بعضهم زعم أنه يملك قدحاً وبعض عكاز للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه " تبيَّن أنهما ليسا من الأثر النبوي ، وإنما هما من أثر الليث بن سعد " !!

وقد حافظ بعض الخلفاء والكبراء على بعض آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن ذهب كثير منها في الفتن التي تعاقبت على دولة الإسلام .

ومن ذلك : إحراق التتار عند غزوهم بغداد ( سنة 656 هـ ) بردة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي فتنة تيمورلنك في دمسق ( سنة 803 هـ ) ذهب نعلان ينسبان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .

ولذا شكك الأئمة بثبوت شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم باقٍ إلى الآن ، بل إن منهم من جزم بعدم ثبوته .

1. قال ابن كثير – رحمه الله – وهو يتحدث عن أثواب النبي صلى الله عليه وسلم - :

قلت : وهذه الأثواب الثلاثة لا يدرى ما كان من أمرها بعد هذا .

" البداية والنهاية " ( 6 / 10 ) ، و" السيرة النبوية " ( 4 / 713 ) .

2. وقال السيوطي – رحمه الله - :

وقد كانت هذه البردة عند الخلفاء يتوارثونها ويطرحونها على أكتافهم في المواكب جلوساً وركوباً ، وكانت على المقتدر حين قتل وتلوثت بالدم ، وأظن أنها فقدت في فتنة التتار ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

" تاريخ الخلفاء " ( ص 14 ) .

3. ويقول العلامة أحمد تيمور باشا - بعد أن سرد الآثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقسطنطينية في ( إسطنبول ) ـ:

لا يخفى أن بعض هذه الآثار محتمل الصحة ؛ غير أنّا لم نرَ أحداً من الثقات ذكرها بإثبات أو نفي ، فالله سبحانه أعلم بها ، وبعضها لا يسعنا أن نكتم ما يخامر النفس فيها من الريب ويتنازعها في الشكوك .

" الآثار النبوية " ( ص 78 ) .

وقال في ( ص 82 ) - بعد أن ذكر أخبار التبرك بشعرات الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه رضي الله عنهم - :

فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد بذلك : فإنما وصل إليهم مما قُسم بين الأصحاب رضي الله عنهم ، غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها . انتهى

4. وقال الشيخ الألباني – رحمه الله - :

هذا ولا بد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ولا ننكره ، خلافاً لما يوهمه صنيع خصومنا ، ولكن لهذا التبرك شروطاً ، منها :

الإيمان الشرعي المقبول عند الله ، فمن لم يكن مسلماً صادق الإسلام : فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا .

كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلاً على أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم ويستعمله .

ونحن نعلم أن آثاره من ثياب ، أو شعر ، أو فضلات : قد فقدت ، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين .

" التوسل " ( 1 / 145 ) .

5. وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – في مقال " تعقيب على ملاحظات الشيخ محمد المجذوب بن مصطفى - :

وأما ما انفصل من جسده صلى الله عليه وسلم أو لامسه : فهذا يُتَبَرَّك إذا وُجد وتحقق في حال حياته وبعد موته إذا بقي ، لكن الأغلب أن لا يبقى بعد موته ، وما يدَّعيه الآن بعض الخرافيين من وجود شيء من شعره أو غير ذلك : فهي دعوى باطلة لا دليل عليها ... .

لا وجود لهذه الآثار الآن ؛ لتطاول الزمن الذي تبلى معه هذه الآثار وتزول ؛ ولعدم الدليل على ما يُدَّعى بقاؤه منها بالفعل .

" البيان لأخطاء بعض الكتَّاب " ( ص 154 ) .

6. وتحت عنوان " هل يوجد شيء من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في العصر الحاضر " بيَّن الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع في " التبرك ، أنواعه وأحكامه " - ( ص 256 - 260 ) - أنه يشك في ثبوت نسبة ما يوجد الآن من هذه الآثار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيَّن فقدان الكثير من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم على مدى القرون والأيام بسبب الضياع ، أو الحروب والفتن . انتهى

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 06:07
السؤال:

هل الرسول صلى الله عليه وسلم رمى الجمرات أو طاف أو سعى على راحلته ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

طاف الرسول صلى الله عليه وسلم في حجته ماشيا وراكبا ، فطاف طواف القدوم ماشيا ، وطاف طواف الإفاضة راكبا .

قال ابن القيم رحمه الله :

" وَأَمَّا طَوَافُهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ قُدُومِهِ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ كَانَ عَلَى قَدَمَيْهِ، أَوْ كَانَ رَاكِبًا؟ .

فَفِي " صَحِيحِ مسلم ": عَنْ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: (طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَلَى بَعِيرِهِ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْربَ عَنْهُ النَّاسُ) .

وَفِي " سُنَنِ أبي داود ": عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) ، قَالَ أبو الطفيل: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ حَوْلَ الْبَيْتِ عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُهُ) ، رَوَاهُ مسلم دُونَ ذِكْرِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ عِنْدَ البيهقي، بِإِسْنَادِ مسلم بِذِكْرِ الْبَعِيرِ .

وَهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، فَإِنَّ جابرا حَكَى عَنْهُ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الْمَشْيِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " أَمَّا سَبْعُهُ [أي : طوفه سبعة أشواط] الَّذِي طَافَهُ لِمَقْدَمِهِ، فَعَلَى قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ جابرا حَكَى عَنْهُ فِيهِ: أَنَّهُ رَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جابر يَحْكِي عَنْهُ الطَّوَافَ مَاشِيًا وَرَاكِبًا فِي سَبْعٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ حُفِظَ أَنَّ سَبْعَهُ الَّذِي رَكِبَ فِيهِ فِي طَوَافِهِ يَوْمَ النَّحْرِ " انتهى من "زاد المعاد" (2/ 212).

ثانيا :

أما سعيه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة : فقد سعى سعيا واحدا في حجته ، ابتدأه ماشيا ، ثم أتمه راكبا ، لما كثر عليه الناس . ففي حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: (إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ . فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ، ...... ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا ) رواه مسلم (1218).

قال ابن القيم :

" وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ كَانَ مَاشِيًا، وَقَدْ رَوَى مسلم فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ أبي الزبير، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: (طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ، وَلِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ غَشُوهُ) .

وَرَوَى مسلم عَنْ أبي الزبير عَنْ جابر: (لَمْ يَطُفْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الْأَوَّلَ) .

والْجَمْعِ بَيْنَهُمَا : أَنَّهُ سَعَى مَاشِيًا أَوَّلًا، ثُمَّ أَتَمَّ سَعْيَهُ رَاكِبًا، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ، فَفِي " صَحِيحِ مسلم ": عَنْ أبي الطفيل، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قَالَ: قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ : هَذَا مُحَمَّدٌ ! هَذَا مُحَمَّدٌ ! حَتَى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ " انتهى من "زاد المعاد" (2/ 211).

ثالثا :

رمى النبي صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة يوم النحر على راحلته . فروى مسلم (1297) عن جابر قال : ( رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ).

ثم رمى النبي صلى الله عليه وسلم الأيام الثلاثة بعد النحر ماشيا . فروى الترمذي (900) من طريق ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَمَى الجِمَارَ مَشَى إِلَيْهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا ) وقال الترمذي عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرْكَبُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَمْشِي فِي الأَيَّامِ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ . وَكَأَنَّ مَنْ قَالَ هَذَا، إِنَّمَا أَرَادَ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِعْلِهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ النَّحْرِ حَيْثُ ذَهَبَ يَرْمِي الجِمَارُ، وَلَا يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ إِلَّا جَمْرَةَ العَقَبَةِ " انتهى كلام الترمذي رحمه الله .

وحديث ابن عمر هذا صححه الألباني رحمه الله أيضا في "صحيح الترمذي"

وروى أبو داود (1969) عن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"

ورواه أحمد (6222) ولفظه : " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى دَابَّتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكَانَ لَا يَأْتِي سَائِرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا مَاشِيًا ذَاهِبًا، وَرَاجِعًا، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَأْتِيهَا إِلَّا مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا "

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 06:12
السؤال :

رغم أن خطبة الوداع التي ألقاها النبي (صلي الله عليه وسلم) علي عرفات قد سمعها الآلاف من الصحابة ، إلا أنه قد ورد إلينا ثلاث روايات في تلك الخطبة:

1- الرواية الأولي: " تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وأهل بيتي " وهذه رواية مسلم والدارمي وابن حنبل

. 2-الرواية الثانية"تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا
كتاب الله وسنتي"وهذه رواية الإمام مالك في الموطأ.

3-والرواية الثالثة : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله" وهذه الرواية في صحيح مسلم وابن ماجه وأبو داود.فلماذا لا نتبع الرواية التي رواها مسلم وأبو داود؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى مسلم (1218) من طريق حَاتِم بْن إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حديث حجة الوداع ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم بعرفة وقال : (... وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ ) قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ (اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .

وهكذا رواه أبو داود (1905) وابن ماجة (3074) وابن أبي شيبة (14705) وابن حبان (1457) والبيهقي (8827) والطحاوي في "مشكل الآثار" (41) من طرق عن حاتم به ، بذكر الوصية بكتاب الله فقط .

ورواه الترمذي (3786) والطبراني في "الأوسط" (4757) من طريق زَيْد بْن الحَسَنِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ به بلفظ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ) .

وقال الطبراني عقبه :

" لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَّا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ " .

وزيد بن الحسن لا يحتج به ، قال أبو حاتم : منكر الحديث . وذكره ابن حبان في الثقات.

"تهذيب التهذيب" (3 /350).

فحديثه غير محفوظ .

ورواه الحاكم في "المستدرك" (318) من طريق إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: ( ... إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )

وقال الحاكم عقبه : " وَذِكْرُ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ غَرِيبٌ " .

وإسماعيل بن أبي أويس ، قال أحمد: لا بأس به.

وقال ابن أبى خيثمة، عن يحيى: صدوق، ضعيف العقل، ليس بذاك.

وقال أبو حاتم: محله الصدق مغفل، وقال النسائي: ضعيف.

وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح.

وقال ابن عدى: قال أحمد بن أبى يحيى: سمعت ابن معين يقول: هو وأبوه يسرقان الحديث.

وقال ابن عين أيضا : لا يساوى فلسين.

وقال الذهبي : فيه لين .

"ميزان الاعتدال" (1 /223)

وأبوه أبو أويس فيه لين أيضا :

قال أحمد، ويحيى: ضعيف الحديث.

وقال يحيى - مرة: ليس بثقة.

وقال - مرة: صدوق، وليس بحجة.

وقال ابن المدينى: كان عند أصحابنا ضعيفا.

وقال النسائي وغيره: ليس بالقوى.

"ميزان الاعتدال" (2 /450).

فحديث خطبة عرفة فيه الوصاية بكتاب الله فقط ، ليس فيه زيادة : السنة ، ولا أهل البيت ؛ هذا هو المحفوظ .

ثانيا :

الوصية بالسنة وبأهل البيت محفوظان أيضا ، ولكن ليس في خطبة عرفة .

أما الوصية بالسنة : فروى الإمام مالك (3338) بلاغا أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ )

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" وَهَذَا مَحْفُوظٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، شُهْرَةً يَكَادُ يُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ أَحَادِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ " انتهى من "التمهيد" (24/ 331)

وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2937)

وليس هذا الحديث من أحاديث خطبة عرفة ، ولا أحاديث حجة الوداع ، كما توهمه السائل .

وأما الوصية بأهل البيت : فروى مسلم (2408) عن زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: ( أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ) فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: ( وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي )

وليس هذا الحديث أيضا من أحاديث خطبة عرفة - كما توهمه السائل- وإنما هذه خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم بموضع يسمى " غدير خُمّ " بعد رجوعه من حجة الوداع .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" أَجْمَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَدِيرِ خُمٍّ كَانَ مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ " انتهى من "منهاج السنة" (7/ 44)

وقال أيضا :

" وَغَدِيرُ خُمٍّ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحَجَّةِ "

انتهى من "منهاج السنة" (7/ 314) .

والوصية بأهل البيت هنا لا تعني وجوب اتباعهم ، ولكن وجوب مراعاتهم ومحبتهم، واجتناب ما يسوؤهم، والاحتراز عما يؤذيهم ، والامتناع عن ظلمهم ، وتوفيتهم حقوقهم .

ثالثا :

لا تنافي بين الوصية بكتاب الله ، والوصية بالسنة ، والوصية بآل البيت ، بل الكل متلازم ، فالوصية بكتاب الله تتضمن الوصية بالسنة ، كما في قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) المائدة/ 92 ، وقوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) الحشر/ 7 ، ونحو ذلك من الآيات .

كما تتضمن الوصية بكتاب الله الوصية بآل البيت ، كما في قوله تعالى : ( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) الشورى/ 23

وبهذا يتضح الجواب عن سؤال السائل : " لماذا لا نتبع الرواية التي رواها مسلم وأبو داود؟ " ؛ فإنه لا تعارض بين شيء من ذلك كله ، بل أوصى بهذا مرة ، وبهذا مرة ، والواجب اتباع وصية النبي صلى الله عليه وسلم كلها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 06:17
السؤال

ما هي فضائل أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب :

الحمد لله

فضائل أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم – على وجه العموم - هي فضائل آل بيته الكرام البررة ، وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الباب ، جمعها كثير من أهل العلم في كتبهم ، ولكننا نذكر ههنا ما حكم المحدثون بصحته أو حسنه ، ونستبعد ما اتفق العلماء على ضعفه .

الحديث الأول:

عن يَزِيد بْن حَيَّانَ قَالَ:

انْطَلَقْتُ أَنَا، وَحُصَيْنُ بْنُ سَبْرَةَ، وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ، إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ، وَغَزَوْتَ مَعَهُ، وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ، لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! وَاللَّهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَقَدُمَ عَهْدِي، وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا، وَمَا لَا فَلَا تُكَلِّفُونِيهِ. ثُمَّ قَالَ:

قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا بَعْدُ! أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ! فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ:

وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ) رواه مسلم (رقم/2408)

الحديث الثاني:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ – يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي) رواه الترمذي في " الجامع الصحيح "، حديث رقم:(3786) قال الترمذي: وفي الباب عن أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

ثم رواه الترمذي في كتاب المناقب، باب مناقب أهل النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم:(3788) عن زيد بن أرقم، وزاد في آخره: ( وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ) وصحح الحديثين الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح سنن الترمذي".

الحديث الثالث:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُبْغِضُنَا ـ أَهْلَ الْبَيْتِ ـ رَجُلٌ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ )

جاء هذا الحديث من طرق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:

الطريق الأولى: من طريق هشام بن عمار، عن أسد بن موسى، عن سَلِيم بن حيان، عن أبي المتوكّل النّاجي، عنه به. رواه ابن حبان في " صحيحه "،(15/435)

وهذا إسناد حسن، من أجل هشام بن عمار، وحسنه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان .

الطريق الثانية: من طريق محمد بن بكير الحضرمي، عن محمد بن فضيل الضبي، عن أسد بن موسى، عن أبان بن جعفر بن تغلب، عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة، عنه به.

رواه الحاكم في " المستدرك " (3/162)

وهذا إسناد صحيح. قال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه ". وسكت عنه الذهبي.

وللحديث طريق ثالث ضعيف، وشواهد عن غير أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/2488)

الحديث الرابع :

عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه:

( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ )

رواه مسلم في صحيحه، حديث رقم: (2276).

الحديث الخامس :

قوله صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ سَبَبِي وَنَسَبِي )

جاء هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، ومن طرق كثيرة، رواه ابن عباس بإسناد حسن كما عند الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 /129)، وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طرق كثيرة يرويها سعيد بن منصور في " سننه " (520 -521 )، وابن سعد في " الطبقات " ( 8 / 463 )، والطبراني في " المعجم الكبير " (1/124)، والحاكم في " المستدرك" (3/142)، وكذا البيهقي (7/114)، وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه كما في " مسند أحمد "، (31/207)، وأبي سعيد الخدري في " مسند أحمد "، (17/220)، وساق محققو طبعة الرسالة في هذا الموطن جميع شواهد الحديث، وتوصلوا إلى الحكم بحسنه لكثرة طرقه وشواهده. وخرجه ابن الملقن في " البدر المنير " (7/487-490) وجمع طرقه وصححه.

الحديث السادس :

عن عائشة رضي الله عنها قالت:

( خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )

رواه مسلم في صحيحه، حديث رقم: (2424).

الحديث السابع :

عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ:

أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى فَأَهْدِهَا لِي.

فَقَالَ: ( سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟

قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ )

رواه البخاري في صحيحه، حديث رقم: (3370)، ومسلم في صحيحه، حديث رقم: (406).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-20, 06:22
السؤال:

ما هي أول وصية وصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، عند وصوله إلى المدينة ؟

الجواب :

الحمد لله

أول شيء عُرف أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم به ووصى به الناس أول مقدمه المدينة هو قوله : ( يا أيها الناس : أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ) .

فقد روى الترمذي (2485) وصححه ، وابن ماجة (1334) - واللفظ له - ، وأحمد (23784) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ ( أي : ذهبوا مسرعين إليه ) ، وَقِيلَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلَامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ )

وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " .

والله أعلم .

و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و ولنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 04:22
اخوة الاسلام

السلام عليكم و رحمه الله وبركاته

السؤال:

هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جلس على كرسيٍ ؟

الجواب :

الحمد لله

كان حال النبي صلى الله عليه وسلم على الغاية في التواضع للخلق ، والعبودية لله رب العالمين ، روى أحمد (7160) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : " جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : ( إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ ، قَبْلَ السَّاعَةِ )، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ : ( يَا مُحَمَّدُ ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ : أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ ، أَوْ عَبْدًا رَسُولًا ؟ ) ،، قَالَ جِبْرِيلُ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: ( بَلْ عَبْدًا رَسُولًا ) " .

قال محققو مسند أحمد : " إسناده صحيح على شرط الشيخين " .

وكان يجلس على الأرض ، ويأكل على الأرض .

روى الطبراني في " الكبير" (12494) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ ، وَيَأْكُلُ عَلَى الْأَرْضِ ، وَيَعْتَقِلُ الشَّاةَ ، [أي : يمسكها ليحلبها] وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى خُبْزِ الشَّعِيرِ ) وصححه الألباني في " الصحيحة " (2125) .

وروى البغوي في " شرح السنة " (11/ 287) عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كُلْ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ ، مُتَّكِئًا ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ ، فَأَصْغَى بِرَأْسِهِ حَتَّى كَادَ أَنْ تُصِيبَ جَبْهَتُهُ الأَرْضَ ، قَالَ: (لَا ، بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ ) وصححه الألباني في "الصحيحة" (544) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" كان صلى الله عليه وسلم يجلس على الأرض تارة ، وعلى الحصير تارة، وعلى البساط تارة

" انتهى من "إغاثة اللهفان" (1/ 126) .

فهذا كان غالب حاله صلى الله عليه وسلم .

وكان ربما احتاج إلى أن يُسمع الناس كلامه ، ويبلغهم جميعا ، فيدعو بكرسي فيجلس عليه ، ويعلم الناس .

روى مسلم (876) عن أبي رِفَاعَةَ قال : " انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، رَجُلٌ غَرِيبٌ ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ ، لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا ، قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فَأَتَمَّ آخِرَهَا " .

قال النووي رحمه الله :

" وَقُعُودُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُرْسِيِّ لِيَسْمَعَ الْبَاقُونَ كَلَامَهُ وَيَرَوْا شخصه الكريم " انتهى .

وقد ثبت عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم جلسوا على الكراسي والأسِرَّة :

فروى البخاري (1594) عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: " جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الكُرْسِيِّ فِي الكَعْبَةِ ، فَقَالَ: " لَقَدْ جَلَسَ هَذَا المَجْلِسَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وشيبة هو ابن عثمان بن أبي طلحة (صحابي) رضي الله عنه .

وروى أبو داود (113) عن عَبْد خَيْرٍ قال : " رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِكُرْسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ........إلخ الحديث " وصححه الألباني في "صحيح أبي داود "

وروى البخاري (7266) عَنْ أَبِي جَمْرَةَ ، قَالَ : " كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُقْعِدُنِي عَلَى سَرِيرِهِ ".

فالجلوس على الكرسي لا حرج فيه ، فإن احتاج الإنسان إلى الجلوس عليه لتعليم الناس وإسماعهم : فهو مستحب ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 04:27
السؤال:

ما اسم المركز السري الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم
يتخذ منه منطلقاً لدعوته في بادئ الأمر ؟

الجواب :

الحمد لله

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول أمره يدعو إلى الله سرا مستخفيا ، لئلا يصيبه أو يصيب أحدا ممن اتبعه وآمن به ، الشرُّ والأذى من سفاء قريش ، فيتعطل سبيل الدعوة ، حتى نزل قول الله تعالى : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) الحجر/ 94 ، فجهر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته .

روى الطبري في " تفسيره " (17/152) عن عبد الله بن عبيدة قال : " مازال النبيّ مستخفيا حتى نزلت ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) فخرج هو وأصحابه " .

وقال ابن الجوزي رحمه الله :

" كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستر النبوة ويدعو إِلَى الإسلام سرا ، وكان أَبُو بكر رضي اللَّه عنه يدعو أيضا من يثق به من قومه ممن يغشاه ، ويجلس إليه ، فلما مضت من النبوة ثلاث سنين نزل قوله عز وجل : ( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) ، فأظهر الدعوة

" انتهى من " المنتظم في تاريخ الأمم والملوك " (2/364) .

وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم هي المركز الرئيسي لانطلاق الدعوة ، واجتماع رسول الله صلى الله عليه وسم بالمؤمنين ليعلمهم الدين .

قال تعالى : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) مريم/ 73 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" (خَيْرٌ مَقَامًا وأَحْسَنُ نَدِيًّا) أَيْ : أَحْسَنُ مَنَازِلَ وَأَرْفَعُ دُوْرًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ، وَهُوَ مَجْمَعُ الرِّجَالِ لِلْحَدِيثِ ، أَيْ : نَادِيهِمْ أَعْمَرُ وَأَكْثَرُ وَارِدًا وَطَارِقًا ، يَعْنُونَ : فَكَيْفَ نَكُونُ وَنَحْنُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ عَلَى بَاطِلٍ ، وَأُولَئِكَ الَّذِينَ هُمْ مُخْتَفُونَ مُسْتَتِرُونَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ وَنَحْوِهَا مِنَ الدُّورِ عَلَى الْحَقِّ ؟ كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ) الأحقاف/11

" انتهى من " تفسير ابن كثير" (5/257) .

وكان اسم الأرقم بن أبي الأرقم : عبد مناف بن أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم ، ويكنى أبا عبد اللَّه .
" الإصابة " (1/ 196) .

وروى ابن مندة عن عبد اللَّه بن عثمان بن الأرقم عن جده - وكان بدريا ، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في داره التي عند الصفا حتى تكاملوا أربعين رجلا مسلمين ، وكان آخرهم إسلاما عمر ، فلما تكاملوا أربعين رجلا خرجوا .
" الإصابة " (1/197) .

وكان كثير من الصحابة الأوائل رضي الله عنهم قد أسلم قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم ، منهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وخباب وعامر بن فهيرة ومعمر بن الحارث وواقد بن عبد الله وعثمان بن مظعون وعبيدة بن الحارث وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم .

" سير أعلام النبلاء " (3/119) .

وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن أبيه قال : قال عمار : " لقيت صهيبا على باب دار الأرقم وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلنا ، فعرض علينا الإسلام فأسلمنا ، ثم مكثنا يوما على ذلك حتى أمسينا فخرجنا ونحن مستخفون " .

"سير أعلام النبلاء" (3/ 350).

وقال المباركفوري رحمه الله :

" كان من الحكمة تلقاء اضطهادات المشركين أن يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن إعلان إسلامهم قولا أو فعلا ، وألا يجتمع بهم إلا سرا ؛ لأنه إذا اجتمع بهم علنا فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وربما يفضي ذلك إلى مصادمة الفريقين .

ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم ، فكان من الحكمة الاختفاء ، فكان عامة الصحابة يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمع مع المسلمين سرا ؛ نظرا لصالحهم وصالح الإسلام ، وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا . وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم ، فكان أن اتخذها مركزا لدعوته ، ولاجتماعه بالمسلمين " انتهى بتصرف يسير من

" الرحيق المختوم " (ص/80) .

فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم أول مركز دعوي إسلامي ، انطلقت منه الدعوة ، واجتمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يعلمهم ويزكيهم .

ولا يحسن تسميتها بالمركز السري للدعوة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 04:34
السؤال:

قرأت على أحد المواقع أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عربي أصيل لم يخالطه دم آخر ، وأنه من بني هاشم من قريش ، وأنّ اللون الأسود كان يغلب على قريش ، وخصوصاً بني هاشم ، كما ذكر روبرت سبنسر ، وهنري لامنس ، فهل هذا صحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

أخطاء الباحثين كثيرا ما تكمن في دعاوى الأكثرية أو الأغلبية من غير تحرير ، كمثل دعوى أن أكثر القرشيين أو الهاشميين كانوا من السود ، فمثل هذه الدعاوى العريضة لا تكاد تُنصب عليها الأدلة ، ولا تقام لها البراهين ، وذلك أن شأن ألوان البشر من التنوع والتداخل والاختلاط إلى حد التعقيد الذي يتعذر معه الضبط والتحديد ، أو إجراء الإحصاء الدقيق بالأرقام ؛ لذلك حق الباحث المنصف الاعتدال في العبارة ، وتحري الموضوعية في الوصف .

وقد تأملنا في الأدلة المنقولة ، وفي العديد من كتب التاريخ والأنساب ، فوجدنا أن اللون الأسود لم يكن هو الغالب على قريش أو بني هاشم ، بل اللون الغالب يومئذ هو الغالب اليوم أيضا ، وهو لون الأدمة ، أيّ : السُّمرة . كما يقول المبرد رحمه الله تعالى : " الغالب على أولاد العرب الأدمة

" انتهى من " تهذيب اللغة " (6/40) .

وقد استخلصنا هذه النتيجة من أدلة عديدة ، منها :

الدليل الأول :

الواقع المشاهد في القبائل القرشية والهاشمية المعروفة اليوم : يدلك على أن السواد لون موجود فيهم ، لكن ليس هو اللون الغالب ، ولا هو الأكثر المشاهد ، وهذا أمر معلوم بالعين والخلطة والمشاهدة ، ولا يحتاج لدليل بحثي أو توثيق من المصادر والمراجع .

الدليل الثاني :

أن المصادر والمراجع العربية الكثيرة ، والدراسات المتخصصة في جنس العرب ووصف صفاتهم الخلقية والخلقية ، لم تنسب لون السواد للقرشيين ، فضلا عن الهاشميين ، ومن ادعى ذلك فعليه بذكر المراجع الأصلية التي تنقل مثل هذه الأوصاف . وقد راجعنا العديد منها ، ككتاب " أنساب الأشراف " للبلاذري (ت279هـ) ، وكتاب " مقاتل الطالبيين " لأبي الفرج الأصبهاني (ت356هـ) وغيرها ، فلم نجد شيئا يدل على هذا الوصف العام .

الدليل الثالث :

أن الدليل الأهم الذي يذكره المستشرقون الذين نقلت عنهم في السؤال هو كلام الجاحظ (ت255هـ) في رسالته " فخر السودان على البيضان " ، فقد قال في هذه الرسالة :

" قالوا : وكان ولد عبد المطلب العشرة السَّادة دُلْماً ضخما ، نظر إليهم عامر بن الطُّفيل يطوفون كأنهم جمالٌ جونٌ ، فقال : بهؤلاء تُمنع السَّدانة . وكان عبد الله بن عباس أدلم ضخما . وآل أبي طالبٍ أشرف الخلق ، وهم سودٌ ، وأدمٌ ، ودلْم " انتهى من " الرسائل " للجاحظ (1/209) ، تحقيق عبد السلام هارون . والأدلم : الشديد السواد .

وهذا كما ترى لا يدل على أكثرية السواد في أفراد قريش ولا في بني هاشم :

لأن ما نقله الجاحظ هنا إنما هو حجة احتج بها السودان على البيضان كما قال ، ولا يعني ذلك التسليم بصحة هذه الحجة ، ولا أخذها محل الرضا والقبول ، فقد بحثنا جاهدين عن نقل آخر في أي كتاب ، فلم نوفق لما يؤيد هذه الفكرة إطلاقا ، فهي فكرة تفرد بها هؤلاء المتعصبون للون الأسود من بني البشر ، والمتعصب لا يصدق خبره حتى يأتي بالدليل عليه .

ثم إن وصف الأبناء بالسواد لا يعني أن النسل سيكون أسود أيضا ، فالسواد أصلا طارئ في بني عبد المطلب أو بني طالب ، وحينئذ لن تكون الذرية سوداء لزوما ، بل سيكون فيهم السواد ، وفيهم الأدمة العربية المعروفة .

وقوله : " سود ، وأدم ، ودلم " يدل على أنه كان منهم الأدلم ( الشديد السواد )، ومنهم الآدم ( الأسمر في لغتنا المعاصرة ) ، ومنهم ( الأسود ) ، ولا يراد به ( الشديد السواد ) ، بل السمرة الغامقة فحسب ، كما سيأتي نقله عن العلماء . فقد كان العرب يقسمون الناس إلى قسمين : الأحمر والأسود . والأحمر يريدون به البياض ، والأسود من عدا ذلك من الآدم والأسمر والأدلم .

الدليل الرابع :

أن بعض العلماء المتقدمين صنفوا في أصحاب البشرة السوداء ، وسموهم باسم " السودان " ، كالجاحظ (ت255هـ) في رسالته " فخر السودان على البيضان " ، وابن الجوزي (ت597هـ) في كتابه " تنوير الغبش في فضل السودان والحبش " ، وحاول المؤلفان – على تفاوت عصريهما – حصر أشهر أعلام الصحابة والتابعين والعلماء الذين عرفوا بالسواد ، فلم يذكروا سوى : لقمان الحكيم ، ومن الصحابة والتابعين لم يعدوا سوى : بلالا الحبشي ، والمقداد ، وجليبيبا ، وسعيد بن جبير ، ومكحولا ، ونفرا يسيرا آخرين .

ينظر " رسائل الجاحظ " (1/179-181) .

وذكر ابن الجوزي – أيضا - منهم سالما مولى أبي حذيفة ، وأسامة بن زيد ، وأبا بكرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومغيثا زوج بريرة ، وأم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته ، ومن التابعين عطاء بن أبي رباح ، وحبيب بن أبي ثابت ، ويزيد بن أبي حبيب .

وقد استقصى في هذه الرسالة كثيرا من أخبار السودان والزنوج وحوادثهم ، وما كانوا يلاقونه من فخر الناس أو تعصبهم عليهم ، وما كانوا يفخرون به هم ، على سائر العرب ، ونحو ذلك من الأمور ، ولم يسموا من مشاهير آل البيت الكرام أو الهاشميين المطلبيين أنه كان من " السودان " إلا نفرا يسيرا .

نعم ، عقد ابن الجوزي رحمه الله بابا بعنوان : " في ذكر أبناء الحبشيات من قريش " – كما في " تنوير الغبش " (ص/246) – وذكر منهم : " نضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، نفيل بن عبد العزى العدوي ، عمرو بن ربيعة بن حبيب ، الخطاب بن نفيل العدوي ، الحارث بن أبي ربيعة المخزومي

عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى ، صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ، هشام بن عقبة بن أبي معيط ، مالك بن عبد الله بن جدعان ، عبيد الله بن عبد الله بن أبي ملكية ، المهاجر بن قنفذ بن عمرو ، مسافع بن عياض بن صخر التيمي ، عمرو بن العاص بن وائل [السهمي] ، قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف ، مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، عبد الله بن قيس بن عبد الله بن الزبير ، سمرة بن حبيب بن عبد شمس

عبد الله بن زمعة من بني عامر بن لؤي ، عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، يعلى بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، عبد الله بن عبد الله بن عامر بن كريز ، محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، جعفر بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عبيد الله بن حمزة بن موسى بن جعفر ، محمد وجعفر ابنا إبراهيم بن حسن بن حسن ، وأبوهما سليمان بن حسن من بني عقيل بن أبي طالب ، محمد بن داود بن محمد من بني الحسن بن علي ، أحمد بن عبد الملك من ولد عثمان بن عفان ، أحمد بن محمد بن صالح المخزومي ، العباس بن المعتصم

هبة الله بن إبراهيم بن المهدي ، محمد بن عبد الله بن إسحاق المهدي ، عيسى وجعفر ابنا أبي جعفر المنصور ، العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد " انتهى .

ولكن هذا الحصر والتعداد – في مختلف القبائل العربية والقرشية – يدل على أن السواد موجود في النسل العربي ، ولكنه ليس هو الأكثر الغالب ، بل محدود إلى القدر الذي يمكن حصره بالأسماء ، فضلا عن أن الأم الحبشية لا تعني بالضرورة سواد النسل منها ، كما أن السواد طارئ أصلا على الجنس العربي ، ذلك أنهم في الجاهلية كانوا يفضلون في بعض الأحيان الإنجاب من السودان والحبشة ؛ لغرض قوة النسل والفروسية ، كما ذكر ذلك الجاحظ في رسالته .

يقول الدكتور جواد علي :

" اشتهر بعض سودان العرب بالشجاعة والإقدام ، منهم أربعة عرفوا بـ " أغربة العرب " وذؤبان العرب , منهم : عنترة وخُفَاف بن نُدْبة السلمي ... وهناك قبائل غلب على لونها السواد ، حتى عبر عنها بـ " دلم ", والدلم : الرجل الشديد السواد . جاء إليها السواد ؛ لكون أصلها من إفريقيا على ما يظهر

وكانت قد استقرت بجزيرة العرب وتعربت ، حتى عدت من العرب , أما الأسر والأفراد الدلم ، فقد ظهر السواد على لونهم بالتزاوج من الملونين . فقد كان من عادة الأشراف الاتصال بالإماء السود ، فإذا ولدن منهم أولادًا نجبًا شجعانًا ألحقهم آباؤهم بهم ، ونسبوهم إليهم ، كالذي كان من أمر عنترة العبسي ، وقد مال قوم من قريش إلى التزوج بالإماء السود ، وقد ظهرت هذه النزعة بين السادات والأشراف .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 04:39
وقد ذكر " الجاحظ

" في معرض حجج السودان على البيضان ، وعلى لسان الزنج ، قولهم للعرب : " من جهلكم أنكم رأيتمونا لكم أكفاء في الجاهلية في نسائكم ، فلما جاء عدل الإسلام رأيتم ذلك فاسدًا , وما بنا الرغبة عنكم ، مع أن البادية منا ملأى ممن قد تزوج ورأس وساد ، ومنع الذمار ، وكَنَفَكم من العدو " .

وفي هذا القول إشارة إلى التزاوج الذي كان بين العرب والزنج , أي : السودان المجلوبين من إفريقيا في أيام الجاهلية ، وإلى انصراف العرب عنه في الإسلام ما خلا البادية ؛ وذلك بسبب إقبالهم على التزوج بالفارسيات والروميات وبغيرهن على ما يظهر ، بسبب الفتوح وتوسع أسواق النخاسة في هذا الوقت

وارتفاع مستوى الوضع الاقتصادي للعرب في الإسلام عنه في الجاهلية ؛ مما مكنهم من التزوج بالأجنبيات البيض الجميلات ، وتفضيلهن على السودانيات . وظهور نظرة الازدراء إلى السودان في الإسلام ؛ بسبب الأعاجم المسلمين الذين كانوا يزدرون العبيد وينظرون إليهم على أنهم دونهم في المنزلة ، فانتقلت هذه النظرة منهم إلى العرب " انتهى من " المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام " (7/311) .

الدليل الخامس :

أقوال المؤرخين ، والمستشرقين المعتدلين كلها تؤيد ما سبق تقريره أيضا ، فمن ذلك :

يقول أبو عبيد القاسم بن سلام (ت224هـ) :

" الغالب على ألوان العرب السمرة والأدمة ، والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة

" انتهى من " غريب الحديث " (3/484) .

ويقول الأزهري رحمه الله (ت370هـ) :

" قال المبرد : قيل لولد العربي من غير العربية : هجين ؛ لأن الغالب على ألوان العرب الأدمة ، وكانت العرب تسمي العجم : الحمراء لغلبة البياض على ألوانهم ، ويقولون لمن علا لونه البياض أحمر ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : يا حميراء ؛ لغلبة البياض على لونها . ( بعثت إلى الأسود والأحمر ) فأسودهم : العرب ، وأحمرهم : العجم "

انتهى من " تهذيب اللغة " (6/ 40) .

ويقول ابن عبد البر رحمه الله (463هـ) :

" الأدمة لون العرب ، وهي السمرة في الرجال " انتهى من " الاستذكار " (8/333) .

ويقول الحريري البصري (ت516هـ) :

" يقولون في الكناية عن العربي والعجمي : الأسود والأبيض . والعرب تقول فيهما : الأسود والأحمر ، تعني العرب والعجم ؛ لأن الغالب على ألوان العرب الأدمة والسمرة ، والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة ، والعرب تسمي البيضاء حمراء ، كما تسمي السوداء خضراء " انتهى من " درة الغواص في أوهام الخواص " (ص/204) .

ويقول غوستاف لوبون :

" استوقف تأثيرُ الزنوج في سكان جزيرة العرب نظر جميع السياح الذين ارتادوها ، ومن ذلك أن روى (روتا) وجود بقعة في اليمن صار سكانها من أصحاب الجلود السود على وجه التقريب ، مع أن سكان الجبال من أهل اليمن الذين قل اختلاطهم بالآخرين ظلوا بيضا ، وإن قص هذا السائح في معرض الكلام عن أسرة أحد رؤساء تلك البقعة ، أنه يوجد في أبنائها جميع الألوان التي تترجح بين الأسود والأبيض ، تبعا للعروض التي تنتسب إليها أمهاتهم

ومن ذلك أن رأى (والين) قبائل من العبيد السود في الجوف ، وأنه يوجد زنوج في نجد ، وفي بقية جزيرة العرب من غير اكتراث للون وللتوالد ، ومن ذلك أن رأى (بلغريف) مقاليد مدينة القطيف النجدية المهمة بيد زنجي ، ومما قاله بلغريف : " إنني رأيت في الرياض أناسا من الخلاسيين ، يحملون سيوفا ذات مقابض فضية ، ويخدمهم عرب خلص من أبناء إسماعيل وقحطان " .

وعجبت (ليدي بلنت) من عدم الاكتراث لأمر اللون أيضا ، وذلك في رحلتها إلى بلاد نجد في سنة (1878م) فروت أن حاكم مدينة سكاكة النجدية زنجي أسود كريه الملامح كزنوج إفريقية ، ثم قالت : إن مما لا يصدقه العقل أن يحيط بهذا الحاكم الزنجي الذي لا يزال عبدا رهط من الندماء البيض الخلاص العروبة ، يمتثلون أوامره ، ويبتسمون استحسانا لأفاكيهه التافهة

" انتهى من " حضارة العرب " (ص68) .

وهذا كلام من مستشرق متخصص في شؤون العرب والمسلمين ، يقرر فيه أن وجود اللون الأسود في العرب يستوقف بعض الناظرين ، الأمر الدال على أنه ليس هو الغالب الأكثر . وأما دعوى إطلاق السواد فلا تجدها إلا عند المتعصبين من المستشرقين ، الذين اشتهروا بتحريفهم وتزييفهم لحقائق التاريخ ، فلا تستغرب أن تكون لهم بعض المآرب في الحديث عن ألوان العرب والقرشيين والهاشميين .

يقول عبد الرحمن بدوي – في ترجمة هنري لامنس (1862-1937م) - :

" مستشرق بلجيكي ، وراهب يسوعي شديد التعصب ضد الإسلام ، يفتقر افتقارا تاما إلى النزاهة في البحث ، والأمانة في نقل النصوص وفهمها . يعد نموذجا سيئا جدا للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين

" انتهى من " موسوعة المستشرقين " (ص/503) .

وانظر : https://ar.islamway.net/article/2995/

وأخيرا فلا نقرر هذا أَنَفَةً من السواد ، أو تنقُّصا من قدر أصحاب هذه البشرة ، ولكن على سبيل البحث التاريخي الموضوعي الذي يستعمل الحياد ، ولا يميل ذات اليمين أو ذات الشمال بإذن الله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 04:43
السؤال:

إبراهيم عليه السلام هو جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي أريد أن أعرف هو هل هو جده من طرف والده أم والدته ؟

الجواب :

الحمد لله

روى مسلم (2315) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ) .

والعلماء متفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من ولد إسماعيل بن ابراهيم ، وأن إبراهيم عليه السلام هو جد النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه وأمه معا .

فأبوه هو : عَبْد اللَّه بْن عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلاَبِ . وأمه هي : آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرة بْنِ كِلَابِ ... فيجتمع نسب أبيه وأمه في جده (كلاب) .

وكلاب هو : كِلاَب بْن مُرَّةَ بْنِ كَعبِ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ .

وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام باتفاق العلماء .

قال البخاري رحمه الله في " صحيحه " (5/44) : " بَابُ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ..... وذكر بقية النسب إلى عدنان " انتهى .

وذكر ابن القيم نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدنان ثم قال :

" إِلَى هَاهُنَا مَعْلُومُ الصِّحَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّسَّابِينَ ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ الْبَتَّةَ ، وَمَا فَوْقَ " عدنان " مُخْتَلَفٌ فِيهِ . وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ أَنَّ " عدنان " مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام " انتهى من " زاد المعاد " (1/70) .

وانظر : سيرة ابن هشام (1/ 100) ، و" السيرة النبوية " لابن حبان (1/44) ، و " شرح معاني الآثار " (4/387) ، و " دلائل النبوة " للبيهقي (1/177) ، و " شعب الإيمان " (2/516) ، و " سير أعلام النبلاء " (1/143-146) ، و " فتح الباري " (6/528) ، و " أعلام النبوة " للماوردي (ص/202) ، و " المقتفى من سيرة المصطفى " (ص/26) .

وقال ابن حزم رحمه الله :

" وفى كلاب يجتمع معه : بنو زهرة ، وأمه منهم ، وهى آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة

" انتهى من " جوامع السيرة " (ص/4) .

وقال الذهبي رحمه الله :

" وأمه : آمنة بنت وهب بن عَبْدِ مَنَافٍ بنِ زُهْرَةَ بنِ كِلاَبِ ، فهي أقرب نسبا إلى كلاب من زوجها عبد الله برجل

" انتهى من " سير أعلام النبلاء " (1/146) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" قصي : أَخُو زُهْرَةَ ، كِلَاهُمَا ابْنَا كِلَابٍ

" انتهى من " البداية والنهاية " (2/254) .

والله أعلم .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 04:45
السؤال

: لماذا نصلي ونسلم على إبراهيم عليه السلام في الصلاة ، ولماذا لا يكون ذلك على الأنبياء الآخرين ، هو أحد أولي العزم الخمسة ، ولكنه ليس أولهم ولا آخرهم ، فلماذا هو ، وإذا كان الأمر لأنه قبل الخمسة فلماذا لا نسلم على عيسى ونوح وموسى أيضًا ؟

الجواب :

الحمد لله

سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام اختصه الله عز وجل بالفضائل العظيمة ، والمكارم الجليلة ، فكان الإمام ، والأمة ، والحنيف ، القانت لله عز وجل ، الذي ينتسب إليه جميع الأنبياء بعده ، ويؤمن به جميع أتباع الشرائع (المسلمون والنصارى واليهود) .

وإبراهيم عليه السلام هو أفضل الأنبياء والرسل بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولهذا أخبرنا الله تعالى أنه اتخذه خليلا (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) النساء/125 .

وجميع الأنبياء الذين جاءوا من بعده هم من نسله من طريق إسحق ويعقوب .

إلا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فهو من ولد إسماعيل بن إبراهيم .

فنبينا صلى الله عليه وسلم أخص بإبراهيم من غيره ، فإبراهيم عليه السلام هو أبو العرب ، وهو أبو النبي صلى الله عليه وسلم من جهة النسب .

وإبراهيم هو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع ملته (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) النحل/123 ، ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم ـ ونحن تبع له ـ أولى الناس بإبراهيم عليه السلام .

كما قال عز وجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) آل عمران/68 ، وقال رداً على اليهود والنصارى : (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/67 .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : لماذا خُص إبراهيم عليه السلام بدعوة التوحيد ، مع أن جميع الأنبياء دعوا إلى التوحيد ؟

فأجاب :

"كل الأنبياء جاءوا بالتوحيد ، قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25، لكن إبراهيم أبو العرب ، وأبو الإسرائيليين ، وهو يدعو إلى التوحيد الخالص ، واليهود والنصارى ادعوا أنهم أتباعه ، والمسلمون هم أتباعه ، فكان هو عليه الصلاة والسلام قد خُصَّ بأنه أبو الأنبياء ، وأنه صاحب الحنيفية ، وأمرنا باتباعه ؛ لأننا نحن أولى بإبراهيم ، كما قال عز وجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) آل عمران/68 ، وقال رداً على اليهود والنصارى : (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/67" انتهى .

"لقاء الباب المفتوح" (189/السؤال رقم 7) .

وللعلامة بدر الدين العيني الحنفي رحمه الله ملحظ آخر في توجيه سبب ذلك ، فيقول :

"فإن قيل : لم خص إبراهيم عليه السلام من بين سائر الأنبياء عليهم السلام بذكرنا إياه في الصلاة ؟

قلت : لأن النبي عليه السلام رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين ، وسلم على كل نبي ، ولم يسلم أحد منهم على أمته غير إبراهيم عليه السلام ، فأمرنا النبي عليه السلام أن نصلي عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة ، مجازاة على إحسانه .

ويقال : إن إبراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء الكعبة دعا لأمة محمد عليه السلام وقال : اللهم من حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام ، وكذلك دعا أهله وأولاده بهذه الدعوة ، فأُمرنا بذكرهم في الصلاة مُجازاة على حُسْن صنيعهم" انتهى .

"شرح سنن أبي داود" للعيني (4/260) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 04:49
السؤال:

هل كان لخديجة أمّ المؤمنين رضي الله عنها أبناء قبل أن تتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فهناك بعض الأشخاص في الحي يقولون أن فاطمة رضي الله عنها ليست ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ابنة خديجة من زوج سابق ، فهل هذا صحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

تزوجت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها قبل أن تتزوج بالنبي صلى الله عليه وسلم برجلين ، وأنجبت منهما .

قال ابن كثير رحمه الله :

" قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَقَدْ كَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلَيْنِ ; الْأَوَّلُ مِنْهُمَا عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ مَخْزُومٍ ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةً وَهِيَ [هند] أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ ، وَالثَّانِي أَبُو هَالَةَ التَّمِيمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ هِنْدٍ . [لأنه قد قيل : إنه اسم أبي هالة (هند) ] .

وَقَدْ سَمَّاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ ، فَقَالَ : ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ هَلَاكِ عَتِيقِ بْنِ عَائِذٍ أَبُو هَالَةَ النَّبَّاشُ بْنُ زُرَارَةَ ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلًا وَامْرَأَةً ، [ وهما هند وهالة ] ثُمَّ هَلَكَ عَنْهَا ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَلَدَتْ لَهُ بَنَاتِهِ الْأَرْبَعَ ، ثُمَّ بَعْدَهُنَّ الْقَاسِمَ وَالطَّيِّبَ وَالطَّاهِرَ ، فَذَهَبَ الْغِلْمَةُ جَمِيعًا وَهُمْ يرْضَعُونَ

" انتهى من " البداية والنهاية " (8/205-206) .

وقيل بالعكس ، أنها تزوجت أولا بأبي هالة ، ثم بعده بعتيق بن عائذ كما سيأتي .

فقد روى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : " وكانت خديجة قبل أن ينكحها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت عتيق بن عائذ ، فولدت له هند بنت عتيق ، ثم خلف عليها بعد عتيق أبو هالة مالك بن النباش بن زرارة التميمي الأسدي ، فولدت له هند بن أبي هالة ، وهالة بنت أبي هالة ، فهند بنت عتيق ، وهند وهالة ابنا أبي هالة كلهم إخوة أولاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خديجة

" انتهى من " أسد الغابة " (7/80) .

وقال النووي رحمه الله :

" قالوا : وكانت – أي : خديجة - قبل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجة لعتيق بن عائذ المخزومى ، فمات عنها وله منها ولد ، ثم تزوجها أبو هالة مالك ، وقيل : هند بن زرارة ، وقيل : تزوجها أبو هالة قبل عتيق ، ثم تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

" انتهى من " تهذيب الأسماء واللغات " (2/342) .

وقال الحافظ رحمه الله :

" هند بنت عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم ، أمّها خديجة زوج النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم . ذكرها الدّارقطنيّ في كتاب «الإخوة» ، وقال : أسلمت وتزوّجت ، ولم ترو عنه شيئا .

وقال ابن سعد في ترجمة خديجة : خلف على خديجة بعد أبي هالة عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم ، فولدت له جارية يقال لها هند ، فتزوجها صيفي بن أميّة بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم ، وهو ابن عمها ، فولدت له محمد بن صيفي ، فولد محمد يقال لهم بنو الطّاهرة لمكان خديجة " انتهى من " الإصابة " (8/347) .

ثانيا :

لا يختلف أهل الإسلام في أن فاطمة رضي الله عنها هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلبه من زوجته خديجة رضي الله عنها .

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي ) ؟! رواه البخاري (3714) ، ومسلم (2449) .

ألم يقل صلى الله عليه وسلم في حديث المرأة المخزومية التي سرقت : ( ... وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) ؟! رواه البخاري (3475) ، ومسلم (1688) .

ألم يقل صلى الله عليه وسلم : ( أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ ) ؟! رواه أحمد (2668) بسند صحيح .

ألم تقل فاطمة رضي الله عنها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، مَأْوَاهْ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ) ؟! رواه البخاري (4462) .

وهذا الأمر أوضح من أن يحتاج إلى أدلة ، وكما قيل :

وليس يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 04:56
السؤال :

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال " كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى ، إِلَّا فِي تِسْعٍ ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا " ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَجَاءَتْ زَيْنَبُ ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فقَالَت : هَذِهِ زَيْنَبُ ، فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَتَقَاوَلَتَا

حَتَّى اسْتَخَبَتَا وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا ، فقَالَ : اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَت عَائِشَةُ : الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ ، فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ

فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ ، فقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا ، وَقَالَ : أَتَصْنَعِينَ هَذَا " . سؤالي : ماذا قصد أبو بكر بقوله " احْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ " ؟ لماذا جاءت زينب إلى بيت عائشة ما دام أن ذلك اليوم مخصص لعائشة رضي الله عنهن ؟

لماذا مَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم يده إلى زينب ثم كفها ؟

ماذا قصد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما مد يده إلى زينب ؟

ما هو معنى الحديث بالتفصيل ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى مسلم (1462) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ ، لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَجَاءَتْ زَيْنَبُ ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ : هَذِهِ زَيْنَبُ ، فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ، فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ ، فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا ، فَقَالَ : اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللهِ إِلَى الصَّلَاةِ

وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ ، فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ ، أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا ، وَقَالَ : أَتَصْنَعِينَ هَذَا ؟! " .

هذا الحديث الصحيح يبين لنا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حسن صحبة زوجاته رضي الله عنهن ، ومعاشرتهن بالمعروف كما أمر الله تعالى .

وليس في الحديث - بحمد الله - ما يدل من قريب أو بعيد - على عدم العدل بين الزوجات ، فإن هذا الاجتماع كان برضاهن جميعا ، ثم إنه كان يتكرر في كل ليلة ، يجتمع نساؤه صلى الله عليه وسلم في بيت صاحبة الليلة ، وهذا من رفقه صلى الله عليه وسلم بهن ، لما كان عنده تسع نسوة ، اصطلح نساؤه على ذلك الأمر ، لئلا يطول العهد برسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا انتظرت ثمان ليال قبل أن تأتي ليلتها ، وإذا قدر أن صاحبة الليلة نقص شيء من حظها في ليلتها ، فهي سوف تعوضها في ليلة غيرها ، حينما تجتمع في بيتها ، كما حصل لها .

قال الشوكاني رحمه الله :

" فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ أَنْ يُفْرِدَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَةً بِحَيْثُ لَا يَجْتَمِعُ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا ، بَلْ يَجُوزُ مُجَالَسَةُ غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ وَمُحَادَثَتُهَا ، وَلِهَذَا كُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ " انتهى من " نيل الأوطار " (6/257) .

وقال النووي رحمه الله :

" وأما مد يده إلى زينب ، وقول عائشة : " هذه زينب " ، فقيل : إنه لم يكن عمدا ، بل ظنها عائشة صاحبة النوبة ؛ لأنه كان في الليل ، وليس في البيوت مصابيح ، وقيل : كان مثل هذا برضاهن " انتهى من " شرح النووي على مسلم " (10/47) .

فجائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مد يده إلى زينب يظنها عائشة ، فلما قالت عائشة : ( إنها زينب ) كف يده عنها ؛ لئلا تغار أختها وهي في بيتها .

وجائز أن يكون مد يده إليها وهو يعلم أنها زينب ، وكان ذلك برضاهن ، فلما قالت عائشة : ( إنها زينب ) علم أنها لا تحب ذلك فكف يده عنها خشية أن تغضب ، ومده صلى الله عليه وسلم يده إليها من مداعبته لها ، وهذا من تمام العشرة الطيبة والمعاملة بالمعروف .

ثانيا :

روى أبو داود (2135) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها : " يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ ، مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا ، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا ، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا ، فَيَبِيتَ عِنْدَهَا " ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .

قال الشوكاني رحمه الله :

" يَجُوزُ لِلزَّوْجِ دُخُولُ بَيْتِ غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ وَالدُّنُوُّ مِنْهَا وَاللَّمْسُ إلَّا الْجِمَاعَ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ

" انتهى من " نيل الأوطار " (6/257) .

ثالثا :

أراد أبو بكر رضي الله عنه بقول ذلك زجرهن عن الاصطخاب وفرط التغاير ، بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لئلا يتكدر خاطره الشريف ، صلى الله عليه وسلم .

قال النووي رحمه الله :

" وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( احْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ ) فَمُبَالَغَةٌ فِي زَجْرِهِنَّ وَقَطْعِ خِصَامِهِنَّ ، وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَشَفَقَتُهُ وَنَظَرُهُ فِي الْمَصَالِحِ .

وَفِيهِ إِشَارَةُ الْمَفْضُولِ عَلَى صَاحِبِهِ الْفَاضِلِ بِمَصْلَحَتِهِ

" انتهى من " شرح النووي على مسلم " (10/48) .

والمقصود من الحديث ، بيان مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من حُسْنِ الْخُلُقِ وَمُلَاطَفَةِ الْجَمِيعِ ، والعمل على زوال الوحشة من صدروهن .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 05:05
السؤال:

هناك مسألة تحيرني بخصوص زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زوجاته ، فهل تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية التالية : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3] أم أنه توقف عن الزواج بعدها ؟

وهل نزلت تلك الآية قبل أم بعد الآية الكريمة: " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا" ؟

الجواب:

الحمد لله

أولا :

من المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام توفي عن تسع نساء ، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم في النكاح ، " والحكمة من إباحة أكثر من أربع للنبي عليه الصلاة والسلام : لأنه صلى الله عليه وسلم باتصاله بهن يكون فيه شرف لهن ولقبائلهن ، ولأنه باتصاله بهن يكثر العلم لأن كل واحدة منهن عندها من العلم ما لا يكون عندها لو لم تكن زوجة له ، ولله عز وجل أن يخص من شاء من خلقه بحكم من الأحكام لسبب من الأسباب

" . انتهى من "فتاوى نور على الدرب" للعثيمين (24/ 2) بترقيم الشاملة .

ثانيا :

لا علاقة بين قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) ، وبين زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع ، فإن حكم الآية خاص بالأمة ، أما النبي صلى الله عليه وسلم : فقد أبيح له أن يتزوج بأكثر من أربع ، للحكم الشرعية العظيمة في ذلك .

والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بعد نزول هذه الآية ؛ فإن هذه الآية من أوائل آيات سورة النساء ، وسورة النساء كان نزولها بعد سورة الممتحنة ، قال الزركشي رحمه الله في "البرهان" (1/ 194):

" أَوَّلُ مَا نَزَلَ في المدينة : سُورَةُ الْبَقَرَةِ ثُمَّ الْأَنْفَالِ ثُمَّ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ الْأَحْزَابِ ثُمَّ الْمُمْتَحِنَةِ ثُمَّ النِّسَاءِ "

وانظر : "البيان" لأبي عمرو الداني (ص136) ، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (4/211) .

ونزلت الممتحنة بعد الحديبية ، كما في البخاري (2711) ، وكانت الحديبية سنة ست ، كما هو معلوم ، وانظر: "زاد المعاد" (2/ 86) ، "تفسير ابن كثير" (1/ 527)

وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها - وهي آخر من تزوج بها - بمكة بعد عمرة القضاء ، بعد أن حل منها ، كما في "زاد المعاد" (1/109).

وعمرة القضاء كانت في أواخر سنة سبع ، في ذي القعدة منها ، كما في "تفسير ابن كثير" (1/ 531) وغيره .
وكان ابتداء نزول سورة النساء أوائل سنة سبع على الراجح ، قال ابن عاشور رحمه الله :

" نزلت سُورَةُ النِّسَاءِ بَعْدَ وَقْعَةِ الْأَحْزَابِ الَّتِي هِيَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ أَوْ أَوَّلِ سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَبَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِي هُوَ فِي سَنَةِ سِتٍّ ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ آيَة َ: ( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ لَهُ يَتِيمٌ ، وَغَطَفَانُ أَسْلَمُوا بَعْدَ وَقْعَةِ الْأَحْزَابِ ، إِذْ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْزَابِ ، أَيْ بَعْدَ سَنَةِ خَمْسٍ ... وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ آلِ عِمْرَانَ ، لِأَنَّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَانْتِظَامِ أَحْوَالِهِمْ وَأَمْنِهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ. وَفِيهَا آيَةُ التَّيَمُّمِ، وَالتَّيَمُّمُ شرع يَوْم غزَاة الْمُرَيْسِيعِ سَنَةَ خَمْسٍ ، وَقِيلَ : سَنَةَ سِتٍّ. فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ نُزُولَ سُورَةِ النِّسَاءِ كَانَ فِي حُدُودِ سَنَةِ سَبْعٍ " انتهى .

فيترجح بذلك زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة رضي الله عنها بعد نزول هذه الآية .

ثالثا :

تقدم أن سورة النساء نزلت بعد الممتحنة ، ونزلت الممتحنة بعد الأحزاب ، وعلى هذا يكون نزول قوله تعالى في سورة الأحزاب : ( لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ) الأحزاب/ 52 ، نزل قبل قوله تعالى في سورة النساء : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) النساء/ 3

ومن فرق بين ما يخص النبي صلى الله عليه وسلم وبين ما يخص الأمة من أحكام ، استراح من تكلف البحث في مثل ذلك ، وخاصة أنه لا يعود عليه في أمر دينه بشيء كبير.

والله أعلم.

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 05:08
السؤال :

هل تزوج النبي صلى الله عليه وسلم لغرضين: أحدهما: مصلحة الدعوة، والثاني: التمشي مع ما فطره الله عليه من التمتع بما أحل الله له؟

الجواب:

الحمد لله

"من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم بَشَر ، أكرمه الله تعالى بالنبوة والرسالة إلى الناس كافة، وأن اتصافه بما تقتضيه الطبيعة البشرية من الحاجة إلى الأكل، والشرب، والنوم، والبول، والغائط ومدافعة البرد، والحر، والعدو، ومن التمتع بالنكاح، وأطايب المأكول والمشروب وغيرها من مقتضيات الطبيعة البشرية لا يقدح في نبوته ورسالته، بل قد قال الله له: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الأنعام/50 ، وقال هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون).

وانتفاء علم الغيب، وطرو النسيان على العلم قصور في مرتبة العلم من حيث هو علم، لكن لما كان من طبيعة البشر الذي خلقه الله ضعيفاً في جميع أموره، لم يكن ذلك قصوراً في مقام النبوة، ونقصاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا ريب أن شهوة النكاح من طبيعة الإنسان ، فكمالها فيه من كمال طبيعته، وقوتها فيه تدل على سلامة البنية واستقامة الطبيعة، ولهذا ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ( كنا نتحدث أنه ـ يعني : النبي صلى الله عليه وسلم ـ أعطي قوة ثلاثين) .

يعني على النساء، وهذا والله أعلم، ليتمكن من إدراك ما أحل الله منهن بلا حصر ولا مهر، ولا ولي، فيقوم بحقوقهن، ويحصل بكثرتهن ما حصل من المصالح العظيمة الخاصة بهن والعامة للأمة جميعاً، ولولا هذه القوة التي أمده الله بها ما كان يدرك أن يتزوج بكل هذا العدد، أو يقوم بحقهن من الإحصان والعشرة.

ولو فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة لمجرد قضاء الوطر من الشهوة والتمشي مع ما تقتضيه الفطرة بل الطبيعة لم يكن في ذلك قصور في مقام النبوة، ولا نقص في حقه صلى الله عليه وسلم ، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع: لمالها ، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين). بل قد قال الله له: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) الأحزاب/51.

لكننا لا نعلم حتى الآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة لمجرد قضاء الوطر من الشهوة، ولو كان كذلك لاختار الأبكار الباهرات جمالاً، الشابات سنّاً، كما قال لجابر رضي الله عنه حين أخبره أنه تزوج ثيباً، قال : (فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) ؟ . وفي رواية : (وتضاحكها وتضاحكك) . وفي رواية : (مالك وللعذارى ولعابها)، رواه البخاري، وإنما كان زواجه صلى الله عليه وسلم إما تأليفاً، أو تشريفاً، أو جبراً أو مكافأة، أو غير ذلك من المقاصد العظيمة. وقد أجملها في "فتح الباري" (9/115) حيث قال: "والذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النساء عشرة أوجه:

أحدها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك.

ثانيها: لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.

ثالثها: الزيادة في تألفهم لذلك.

رابعها: الزيادة في التكليف ، حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ.

خامسها: لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزداد أعوانه على من يحاربه.

سادسها: نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال، لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.

سابعها: الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة. فقد تزوج أم حبيبة وأبوها يعاديه، وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكملَ الخَلْق في خُلُقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن.

ثامنها: ما تقدم مبسوطاً من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب، وكثرة الصيام والوصال. وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته، فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم .

تاسعها وعاشرها: ما تقدم عن صاحب الشفاء من تحصينهن والقيام بحقوقهن" اهـ .

قلت (ابن عثيمين) : الثامنة حاصلة لأن الله أعطاه قوة ثلاثين رجلاً كما سبق.

وثَمَّ وجه حادي عشر: وهو إظهار كمال عدله في معاملتهن ، لتتأسى به الأمة في ذلك.

وثاني عشر: كثرة انتشار الشريعة ، فإن انتشارها من عدد أكثر من انتشارها من واحدة.

وثالث عشر: جبر قلب من فات شرفها ، كما في صفية بنت حيي وجويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق.

ورابع عشر: تقرير الحكم الشرعي وانتشال العقيدة الفاسدة التي رسخت في قلوب الناس من منع التزوج بزوجة ابن التبني، كما في قصة زينب ، فإن اقتناع الناس بالفعل أبلغ من اقتناعهم بالقول، وانظر اقتناع الناس بحلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في الحديبية ومبادرتهم بذلك حين حلق بعد أن تباطؤوا في الحلق مع أمره لهم به.

وخامس عشر: التأليف وتقوية الصلة ، كما في أمر عائشة وحفصة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شد صلته بخلفائه الأربعة عن طريق المصاهرة، مع ما لبعضهم من القرابة الخاصة، فتزوج ابنتي أبي بكر وعمر ، وزَوَّج بناته الثلاث بعثمان وعلي رضي الله عن الجميع ، فسبحان من وهب نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الحكم، وأمده بما يحققها قدراً وشرعاً، فأعطاه قوة الثلاثين رجلاً، وأحل له ما شاء من النساء يرجي من يشاء منهن، ويؤوي إليه من يشاء، وهو سبحانه الحكيم العليم.

وأما عدم تزوجه بالواهبة نفسها، فلا يدل على أنه تزوج من سواها لمجرد الشهوة، وقضاء وطر النكاح.

وأما ابنة الجون فلم يعدل عن تزوجها بل دخل عليها وخلا بها، ولكنها استعاذت بالله منه، فتركها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( لقد عذت بعظيم فالحقي بأهلك) . ولكن هل تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد جمالها وقضاء وطر النكاح أو لأمر آخر؟ إن كان لأمر آخر سقط الاستدلال به على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتزوج لمجرد قضاء الوطر، وإن كان لأجل قضاء الوطر فإن من حكمة الله تعالى أن حال بينه وبين هذه المرأة بسبب استعاذتها منه.

وأما سودة رضي الله عنها فقد خافت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم لكبر سنها فوهبت يومها لعائشة، وخوفها منه لا يلزم منه أن يكون قد هم به. وأما ما روي أنه طلقها بالفعل فضعيف لإرساله.

وأما زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب فليس لجمالها بل هو لإزالة عقيدة سائدة بين العرب، وهي امتناع الرجل من تزوج مفارقة من تبناه، فأبطل الله التبني وأبطل الأحكام المترتبة عليه عند العرب، ولما كانت تلك العقيدة السائدة راسخة في نفوس العرب كان تأثير القول في اقتلاعها بطيئاً، وتأثير الفعل فيها أسرع ، فقيض الله سبحانه بحكمته البالغة أن يقع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في تزوجه بمفارقة مولاه زيد بن حارثة الذي كان تبناه من قبل ليطمئن المسلمون إلى ذلك الحكم الإلهي، ولا يكون في قلوبهم حرج منه

وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحكمة بقوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) الأحزاب/37 . ثم تأمل قوله تعالى : (زَوَّجْنَاكَهَا). فإنه يشعر بأن تزويجها إياه لم يكن عن طلب منه، أو تشوف إليه، وإنما هو قضاء من الله لتقرير الحكم الشرعي وترسيخه وعدم الحرج منه ، وبهذا يعرف بطلان ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى زيداً ذات يوم لحاجة فرأى زينب فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال: (سبحان الله مقلب القلوب). فأخبرت زينب زيداً بذلك ففطن له فكرهها وطلقها بعد مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله:

(أمسك عليك زوجك واتق الله). فهذا الأثر باطل مناقض لما ذكر الله تعالى من الحكمة في تزويجها إياه، وقد أعرض عنه ابن كثير رحمه الله فلم يذكره، وقال: أحببنا أن نضرب عنها أي عن الآثار الواردة عن بعض السلف صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها، ويدل على بطلان هذا الأثر أنه لا يليق بحال الأنبياء فضلاً عن أفضلهم وأتقاهم لله عز وجل وما أشبه هذه القصة بتلفيق قصة داود عليه الصلاة والسلام، وتحيله علي التزوج بزوجة من ليس له إلا زوجة واحدة، على ما ذكر في بعض كتب التفسير عند قوله تعالى: (وهل أتاك نبأ الخصم) ... إلى آخر القصة فإن من علم قدر الأنبياء وبعدهم عن الظلم والعدوان والمكر والخديعة علم أن هذه القصة مكذوبة على نبي الله داود عليه الصلاة والسلام.

والحاصل : أنه وإن جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج لمجرد قضاء الوطر من النكاح وجمال المرأة وأن ذلك لا يقدح في مقامه، فإننا لا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج زواجاً استقرت به الزوجة وبقيت معه من أجل هذا الغرض. والله أعلم" انتهى .

"المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين" (3/79-86) .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 05:13
السؤال:

سمعتُ أنَّ الله قد حرَّم على النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه أخريات ، وحرَّم عليه أيضاً أن يطلقهن ، ثم بعد ذلك نسخ الحكم ، وأحل الله له أن يتزوج عليهن ، وأن يطلقهن ، فهل هذا صحيح ؟ .

الجواب:

الحمد لله

أولاً:

اختلف العلماء رحمهم الله في مسألة حكم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه التسع ، هل هو على الإباحة أن ينكح من يشاء ، أو هو ممنوع ؟ .

والذي يظهر – والعلم عند الله – أن الله تعالى منع نبيه صلى الله عليه وسلم من التزوج على نسائه رضي الله عنهن أولاً بقوله تعالى ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ) الأحزاب/ 52 ؛ إكراماً لنسائه ؛ لأنهن اخترن الله ورسله والدار الآخرة عندما خيَّرهن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نُسخ هذا الحكم المانع بحكم آخر يبيح له صلى الله عليه التزوج بغيرهن ؛ وذلك إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم .

ثم أكرم النبي صلى الله عليه وسلم نساءَه بأن لم يتزوج عليهنَّ ، فكانت المنَّة له عليهن بذلك .

ثانياً:

اختلف العلماء فيما نسخ ذلك المنع ، على ثلاثة أقوال :

1. القول الأول : أن الناسخ هو قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الأحزاب/ 50 .

ولا يشكل كون الآية الناسخة قبل المنسوخة في المصحف ؛ إذا العبرة بالنزول وليس بالتدوين والكتابة ، وثمة موضع آخر – عند الجمهور – يشبه هذا ، ولم يستنكروا كون الآية الناسخة قبل المنسوخة في ترتيب المصحف ، والآيتان هما : قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) البقرة/ 234 , وهي ناسخة – عند الجمهور - لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) البقرة/ 240 .

قال القرطبي – رحمه الله - :

ويبيِّن لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم : أن قوله عز وجل ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) منسوخة على قول أهل التأويل - لا نعلم بينهم خلافاً - بالآية التي قبلها ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) .

" تفسير القرطبي " ( 14 / 218 ، 219 ) .

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -
:
قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) , هذه الآية يظهر تعارضها مع قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) ، والجواب ظاهر ، وهو : أن الأولى ناسخة لهذه , وإن كانت قبلها في المصحف ؛ لأنها متأخرة عنها في النزول .

وليس في القرآن آية هي الأولى في المصحف وهي ناسخة لآية بعدها إلاّ في موضعين ، أحدهما : هذا الموضع , الثاني : آية ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ) هي الأولى في المصحف , وهي ناسخة لقوله : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ) الآية ؛ لأنها تقدمت في المصحف ، فهي متأخرة في النزول , وهذا على القول بالنسخ .

" دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ( ص 13 ) .

2. القول الثاني : أن الناسخ هو قوله تعالى : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً ) الأحزاب/ 51 .

وهو قول " الضحَّاك " رحمه الله ، كما في " معاني القرآن " للنَّحاس ( 5 / 368 ) ، وهو الذي رجَّحه النووي رحمه الله ، كما في " شرح مسلم " ( 10 / 50 ) ، وقال : " قال أصحابنا : الأصح : أنه صلى الله عليه وسلم ما توفي حتى أبيح له النساء مع أزواجه " انتهى .

وهو – كذلك – ترجيح الشيخ أبي بكر الجزائري حفظه الله ، كما في كتابه : " أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير " ( 4 / 284 ) .

3. القول الثالث : أن الذي نسخ المنع هو السنَّة النبوية :

عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عَنْها : " مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ " . رواه الترمذي (3216) وقال : حسن صحيح ، والنسائي (3204) .

وروي عن أم سلمة رضي الله عنها بلفظ : " لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء ، إلا ذات محرم ، وذلك قول الله عز وجل : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ) " .

لكنَّ الأثر ضعيف لا يصح ، فقد أخرجه ابن أبى حاتم في " تفسيره " ( 10 / 3145 ) ، وفيه : عمر بن أبي بكر الموصلي ، وهو متروك ، فالإسناد ضعيف جدّاً .

ورواه ابن سعد ( 8 / 194 ) من طريق الواقدي ، وهو ضعيف جدّاً .

انظر " بيان مشكل الآثار " ( 1 / 453 ) .

وقد رجح " النحَّاس " هذا القول ، ورأى أن السنَّة هي التي نسخت المنع ، وذكر كونها منسوخة بالقرآن احتمالاً ، لا ترجيحاً ، فقال رحمه الله :

وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية ، وهو وقول عائشة رضي الله عنها واحد في النسخ ، وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن .

" الناسخ والمنسوخ " ( ص 629 ) .

وهو الذي رآه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، وذكر لفتة متينة ، فقال :

قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك ) الآية ، يظهر تعارضه مع قوله : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ) الآية .
والجواب : أن قوله : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ ) منسوخ بقوله : ( إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك ) ، وقد قدمنا في " سورة البقرة " أنه أحد الموضعين اللّذين في المصحف ناسخهما قبل منسوخهما لتقدمه في ترتيب المصحف مع تأخره في النزول - على القول بذلك - ، وقيل : إن الآية الناسخة لها هي قوله تعالى : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ ) الآية .

والذي يظهر لنا : أن القول بالنسخ أرجح ، وليس المرجح لذلك عندنا أنه قول جماعة من الصحابة ومَن بعدهم ، منهم : علي ، وابن عباس ، وأنس ، وغيرهم ، ولكن المرجح له عندنا : أنه قول أعلم الناس بالمسألة ، أعني أزواجه صلى الله عليه وسلم ؛ لأن حِليَّة غيرهن من الضرات ، وعدمها : لا يوجد مَن هو أشد اهتماماً بهما منهن ، فهن صواحبات القصة ، وقد تقرر في علم الأصول أن صاحب القصة يقدَّم على غيره ، ولعل هناك تفريق بين ما إذا كان صاحب القصة راوياً ، وبين كونه مستنبطاً ، كقصة فاطمة بنت قيس في إسقاط النفقة والسكنى ، فالحجة معها ، والحديث يؤيدها ، ومع ذلك فعمَر يرد قولها ، ولذلك قدم العلماء رواية ميمونة ، وأبي رافع ( أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال ) على رواية ابن عباس المتفق عليها ( أنه تزوجها مُحْرِماً ) ؛ لأن ميمونة صاحبة القصة وأبا رافع سفير فيها .

فإذا علمت ذلك : فاعلم : أن ممن قال بالنسخ : أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : " ما مات صلى الله عليه وسلم حتى أحلَّ الله له النساء " ، وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت : " لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم " .

أما عائشة : فقد روى عنها ذلك : الإمام أحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي في سننيهما ، والحاكم وصححه ، وأبو داود في " ناسخه " ، وابن المنذر ، وغيرهم .

وأما أم سلمة : فقد رواه عنها : ابن أبي حاتم - كما نقله عنه ابن كثير - ، وغيره .

ويشهد لذلك : ما رواه جماعة عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة وجويرية رضي الله عنهما بعد نزول ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء ) ، قال الألوسي في " تفسيره " إن ذلك أخرجه عنه ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والعلم عند الله تعالى .

" دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ( ص 68 ، 69 ) .

فالخلاصة :

أن الله تعالى أباح لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من يشاء من النساء غير من عنده من التسع ، وكان هذا بعد المنع منه ، ولكنه صلى الله عليه وسلم اقتصر عليهنَّ ؛ إكراماً لهنَّ .

قال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله - في تفسير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) - :

هذه الآية من المتقدم في التلاوة المتأخر في النزول ، ونظيرها آيتي الوفاة في " البقرة " على رأي الجمهور ، إذ مضمون هذه الآية التوسعة على الرسول صلى الله عيه وسلم ؛ إكراماً له لما تحمَّله من نكاح زينب ، ثم قصره في الآيات بعد على من تحته من النساء ؛ إكراماً لهن أيضاً ، وذلك في قوله ( لا يحل لك النساء من بعد ) ، ثم لم يُقبض حتى رَفع الله عنه الحظر ؛ إكراماً ؛ وإعلاءً من شأنه ، إذ قالت عائشة : " ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء " .

" أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير " ( 4 / 281 ) ، وينظر ما قرره الإمام الطحاوي حول ذلك المعنى في كتابه

: " بيان مشكل الآثار " ( 1 / 457 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 05:18
السؤال :

ما معني قول النبي صلى الله غليه وسلم في وصية نوح عليه السلام : ( فإنها صلاة كل شيء ، وبها يرزق الخلق ) ؟ وهل يجوز أن يقال عما فعله مع الأعرابي في أول الحديث ، هل يقال هذه فراسة أم ماذا ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى الإمام أحمد (6583) ، والحاكم (154) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ، عَلَيْهِ جُبَّةُ سِيجَانٍ مَزْرُورَةٌ بِالدِّيبَاجِ ، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا قَدْ وَضَعَ كُلَّ فَارِسٍ ابْنِ فَارِسٍ !!

قَالَ: يُرِيدُ أَنْ يَضَعَ كُلَّ فَارِسٍ ابْنِ فَارِسٍ، وَيَرْفَعَ كُلَّ رَاعٍ ابْنِ رَاعٍ .

قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَجَامِعِ جُبَّتِهِ ، وَقَالَ : ( أَلَا أَرَى عَلَيْكَ لِبَاسَ مَنْ لَا يَعْقِلُ ) ؟!

ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ : إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ : آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ ، آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ ، كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً ، قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .

وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ .

وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ ) .

صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وكذا صححه الألباني في " الصحيحة " (134) وصححه أيضا محققو المسند .

ثانيا :

قوله صلى الله عليه وسلم : (وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ) في معنى قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) الإسراء/ 44 ؛ يعني : يسبح بحمده سبحانه كل شيء

قال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ : وَمَا مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ: أَيْ لَا تَفْقَهُونَ تسبيحهم أيها الناس، لأنها بخلاف لغاتكم ، وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات

" انتهى من " تفسير ابن كثير" (5/ 73) .

وقال السعدي رحمه الله :

" ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ) من حيوان ناطق وغير ناطق ومن أشجار ونبات وجامد وحي وميت إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ بلسان الحال ولسان المقال . ( وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) أي: تسبيح باقي المخلوقات التي على غير لغتكم بل يحيط بها علام الغيوب

" انتهى من " تفسير السعدي " (ص 459) .

ولذلك فإن العلماء يروون هذا الحديث عند تفسير هذه الآية .

وقوله : ( وَبِها يُرْزَقُ الخَلْقُ ) : أي : إنّ التّسبيح من مفاتيح الرزق على العباد ، وذلك باعتبارين :

الاعتبار الأول : أن التسبيح تنزيه الله أن يكون معه نظير يخلق معه الخلق أو يرزقهم ، قال تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) الروم/ 40 ، فالتسبيح شهادة من العبد أنه لا رازق إلا الله ، كما أنه لا خالق إلا هو ، ولا محيي ولا مميت إلا هو سبحانه ، وهذه الشهادة أول مفاتح الرزق .

الاعتبار الثاني : الحمد في قوله : ( سبحان الله وبحمده ) ومعلوم أن الحمد والشكر يفتح أبواب الرزق ويزيد النعمة ، كما قال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) إبراهيم/ 7

قال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ : لَئِنْ شَكَرْتُمْ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ لِأَزِيدَنَّكُمْ مِنْهَا " .

انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 479).

ثالثا :

قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابي : ( أَلَا أَرَى عَلَيْكَ لِبَاسَ مَنْ لَا يَعْقِلُ ) لأنه يرتدي جبة من سيجان ، وهو جمع ساج ، وهو الطيلسان الأخضر ، مزرورة بالديباج ، وهو من الحرير الطبيعي ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ) متفق عليه .

والطيلسان من لباس العجم ، وليس من لباس العرب ، قال في " تاج العروس " (16/ 204):

" يُقَال فِي الشَّتْمِ : يَا ابْن الطَّيْلَسَانِ، أَي إِنَّك أَعْجَمِيُّ ، لأَنَّ العَجَمَ هم الَّذين يَتَطَيْلَسُون ، نَقَله الزَّمَخْشَرِيُّ والصّاغَانِيُّ " انتهى .

وتشبه العربي بالعجمي من السفه وقلة العقل ، ولذلك قال له : ( أَلَا أَرَى عَلَيْكَ لِبَاسَ مَنْ لَا يَعْقِلُ ) .

وهذا من فطنته صلى الله عليه وسلم وفراسته ومعرفته بأحوال الناس ، بما تدل عليه أقوالهم ، وأحوالهم .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 05:23
السؤال :

لماذا النبي صلى الله عليه وسلم لم ينج من سكرات الموت ؟

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (6510) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فِيهَا مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ، وَيَقُولُ : ( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ) ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: ( فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى ) حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ "
.
وروى الحاكم (119) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ : " أنه دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَوْعُوكٌ ، عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَوَجَدَ حَرَارَتَهَا فَوْقَ الْقَطِيفَةِ ، فَقَالَ: مَا أَشَدَّ حَرَّ حُمَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ !، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ وَيُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ ) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (3403) .

فقد عانى الرسول صلى الله عليه وسلم من سكرات الموت ، وذلك حتى يصبر عليها فترتفع درجته عند الله تعالى وينال جزاء الصابرين : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . الزمر/10 ، وقد أمره الله تعالى أن يصبر فقال : ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) الأحقاف/ 35، فكان لابد من ابتلائه صلى الله عليه وسلم بالمرض وأذية أعدائه له وسائر أنواع الابتلاءات التي منها سكرات الموت ، حتى يظهر صبره صلى الله عليه وسلم ، ويكون مضرب المثل في الصبر .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" الله عز وجل يبتلي عباده بالسراء والضراء ، وبالشدة والرخاء ، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم ؛ كما يفعل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والصلحاء من عباد الله

" انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز" (4/ 370) .

فما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من سكرات الموت ، ومن الحمى الشديدة ، وغير ذلك من البلاء ، فإنما هو لرفع درجته ، ومضاعفة الأجر له ، ولتقتدي به أمته في ذلك .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 05:25
السؤال

صعوبة سكرات الموت هل تخفف من الذنوب ، وكذلك المرض هل يخفف من الذنوب نرجو الإفادة ؟

الجواب

الحمد لله

نعم كل ما يصيب الإنسان من مرض أو شدة أو همّ أو غمّ حتى الشوكة تصيبه فإنها كفارة لذنوبه ، ثم إن صبر واحتسب كان له مع التكفير أجر ذلك الصبر الذي قابل به هذه المصيبة التي لحقت به ، ولا فرق في ذلك بينما يكون عند الموت وما يكون قبله ، فالمصائب كفارات للذنوب بالنسبة للمؤمن ويدل على هذا قوله تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) الشورى/30 فإذا كان ذلك بما كسبت أيدينا دل هذا على أنها مكفرة لما عملناه منها وكسبناه وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأنه لا يصيب المؤمن هم ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها عنه .

الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 1138

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-21, 05:29
السؤال

نعرف أن المصائب تكون بسبب الذنوب ، وأنها تكفر الذنوب ، لكن ما الحكمة من المصائب التي كانت تصيب الأنبياء ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

من أسباب المصائب : الذنوب ، ولكنها ليست السبب الوحيد ، فقد يبتلي الله تعالى بعض عباده الذين لم يذنبوا ، لينالوا أجر الصابرين ، وترتفع بذلك درجاتهم ، كما قد يبتلي الله بعض الأطفال ، وهم لا ذنب لهم .

ثانياً :

أشد الناس بلاء الأنبياء

روى الترمذي (2398) عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (143) .

وقد ذكر الله تعالى في كتابه صوراً من الابتلاء الذي تعرض له الأنبياء :

قال تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) البقرة/87 .

وقال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) البقرة/91 .

وقال تعالى : ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ) آل عمران/184 .

وقال تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) الصف/5 .

وقال تعالى : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) التوبة/61 .

وابتلي إبراهيم عليه السلام بمعاداة أبيه وقومه له ، وبالإلقاء في النار .

قال الله تعالى : ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ ) الأنبياء/68-70 .

وابتلي بالأمر بذبح ابنه إسماعيل

( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) الصافات/102-107 .

قال ابن القيم في الفوائد ص (42) :

" الطريق طريقٌ تعِب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورُمي في النار الخليل ، وأُضْجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونُشر بالمنشار زكريا ، وذُبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضرَّ أيوب ... وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى .

وأُخبر نبيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالابتلاء في أول يوم من النبوة :

قال ورقة بن نوفل : ( يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا , لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ , لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ , وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ) رواه البخاري (4) .

ثالثاً :

وأما الحكمة في ابتلاء الأنبياء ؛ فقد قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (2/452) :

" فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم :

1- ليستوجبوا كمال كرامته .

2- وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم .

3- ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجل تطهير الأرض منهم .

فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم ، وله الحكمة البالغة ، والنعمة السابغة ، لا إله غيره ، ولا رب سواه " انتهى .

وقال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/299–301) :

" وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجلِّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان . . . وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم ، فصورته صورة ابتلاء وامتحان ، وباطنه فيه الرحمة والنعمة ، فكم لله مِن نعمة جسيمة ومنَّة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان .

فتأمل حال أبينا آدم صلى الله عليه وسلم وما آلت إليه محنته من الاصطفاء والاجتباء والتوبة والهداية ورفعة المنزلة . . .

وتأمل حال أبينا الثاني نوح صلى الله عليه وسلم وما آلت إليه محنته وصبره على قومه تلك القرون كلها حتى أقر الله عينه ، وأغرق أهل الأرض بدعوته ، وجعل العالم بعده من ذريته ، وجعله خامس خمسة وهم أولو العزم الذين هم أفضل الرسل , وأمَر رسولَه ونبيه محمَّداً أن يصبر كصبره ، وأثنى عليه بالشكر فقال : ( إنه كان عبداً شكوراً ) فوصفه بكمال الصبر والشكر .

ثم تأمل حال أبينا الثالث إبراهيم صلى الله عليه وسلم إمام الحنفاء وشيخ الأنبياء وعمود العالم وخليل رب العالمين من بني آدم ، وتأمل ما آلت إليه محنته وصبره وبذله نفسه لله ، وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه ونصره دينه إلى أن اتخذه الله خليلاً لنفسه . . . وضاعف الله له النسل وبارك فيه وكثر حتى ملؤوا الدنيا ، وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة ، وأخرج منهم محمَّداً صلى الله عليه وسلم وأمَره أن يتبع ملة أبيه إبراهيم . . .

ثم تأمل حال الكليم موسى عليه السلام وما آلت إليه محنته وفتونه من أول ولادته إلى منتهى أمره حتى كلَّمه الله تكليما ، وقرَّبه منه ، وكتب له التوراة بيده ، ورفعه إلى أعلى السموات ، واحتمل له ما لا يحتمل لغيره ، فإنه رمى الألواح على الأرض حتى تكسرت ، وأخذ بلحية نبي الله هارون وجرَّه إليه ، ولطم وجه ملك الموت ففقأ عينه ، وخاصم ربه ليلة الإسراء في شأن رسول الله ، وربه يحبه على ذلك كله ، ولا سقط شيء منه من عينه ، ولا سقطت منزلته عنده ، بل هو الوجيه عند الله القريب ، ولولا ما تقدم له من السوابق وتحمل الشدائد والمحن العظام في الله ومقاسات الأمر الشديد بين فرعون وقومه ثم بنى إسرائيل وما آذوه به وما صبر عليهم لله : لم يكن ذلك .

ثم تأمل حال المسيح صلى الله عليه وسلم وصبره على قومه واحتماله في الله وما تحمله منهم حتى رفعه الله إليه وطهره من الذين كفروا وانتقم من أعدائه ، وقطَّعهم في الأرض ومزَّقهم كل ممزق وسلبهم ملكهم وفخرهم إلى آخر الدهر . . .

فإذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتأملت سيرتَه مع قومه وصبره في الله ، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله ، وتلون الأحوال عليه مِن سِلْم وخوف ، وغنى وفقر ، وأمن وإقامة في وطنه وظعن عنه وتركه لله وقتل أحبابه وأوليائه بين يديه ، وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى من القول والفعل والسحر والكذب والافتراء عليه والبهتان ، وهو مع ذلك كله صابر على أمر الله يدعو إلى الله فلم يؤذ نبي ما أوذي ، ولم يحتمل في الله ما احتمله ، ولم يعط نبي ما أعطيه ، فرفع الله له ذكره وقرن اسمه باسمه ، وجعله سيد الناس كلهم ، وجعله أقرب الخلق إليه وسيلة ، وأعظمهم عنده جاهاً ، وأسمعهم عنده شفاعة ، وكانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته ، وهي مما زاده الله بها شرفا وفضلا ، وساقه بها إلى أعلى المقامات .

وهذا حال ورثته من بعده الأمثل فالأمثل كلٌّ له نصيب من المحنة ، يسوقه الله به إلى كماله بحسب متابعته له " انتهى .

والله أعلم .

و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و ولنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 03:15
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال:

هل يوجد أي دليل صحيح من القرآن والسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد من معراجه وجد ملاءة سريره مازالت دافئة ، وأن إناء من الماء قد قلبه بعد أن رحل مازال يقطر ماءً على الأرض ، وأن طرف سلسلة الباب كانت تتذبذب كما كان لحين غادر حجرته قبل الرحلة ؟

الجواب :

الحمد لله

لا نعرف لهذا الذي ذُكر في السؤال أصلا : من كون النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من معراجه وجد ملاءة السرير دافئة ، ووجد الإناء الذي قلبه قبل معراجه لا يزال يقطر ماء ، ووجد سلسلة الباب لا تزال تتذبذب ، ومثل هذا الكلام لا تجوز حكايته لما فيه من التكلف السمج الظاهر .

ولا نعرف أحدا ذكر أنه كان لسرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاءة ، وإطلاق اسم الملاءة على فَرش السرير إطلاق محدث ، والملاءة في لغة العرب هي الملحفة أو الإزار . انظر : "لسان العرب" (1/160) ، و"النهاية" (4/352).

قال الشيخ الشقيري ، رحمه الله :
" وَمَسْأَلَة ذَهَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجوعه لَيْلَة الْإِسْرَاء وَلم يبرد فرَاشه ، لم تثبت ، بل هِيَ أكذوبة من أكاذيب النَّاس " انتهى من "السنن والمبتدعات" (143) .

كما لا يعرف أنه كان لباب بيت النبي صلى الله عليه وسلم سلسلة يغلق بها ، وقد كانت عامة البيوت أول الأمر لا أبواب لها ، قال عبد الرحمن بن زيد في قوله تعالى : ( وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ) ... إلى قوله : ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) قال : إنما كان هذا في الأوّل ، لم يكن لهم أبواب ، وكانت الستور مرخاة " . انتهى من " تفسير الطبري" (19/ 221).

ومما يدل على بطلان هذا الكلام أيضا ما رواه البخاري (3342) ، ومسلم (163) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ أَبُو ذَرٍّ ، يُحَدِّثُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفَرَجَ صَدْرِي ، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ... ) فذكر الحديث .

فهذا يدل على أنه عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء مباشرة ، عن طريق فرجة في السقف لا عن طريق الباب .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 03:20
السؤال:

لقد تجرأ أحد المتعالمين منا في ليبيا على حادثة الإسراء والمعراج ، فقال في مقالة نشرتها إحدى الصحف : إن حادثة المعراج هي محض خرافات ، ولا يمكن أن تحدث لبشر، واستدل بذلك بالآية الكريمة في سورة الإسراء التي يقول الله عزل وجل فيها : ( أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)الإسراء/93؛ فقال إن القرآن ينفي إمكانية رقي الرسول صلى الله عليه سلم للسماء ،

وقال : إن ذلك يخالف القران بنص الآية ، وأن المعراج مجرد رؤية مناميه واستدل بالآية : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ )الإسراء/60. وفي النهاية أقول لفضيلتكم : إن هذا الموضوع أدخل علي شبهة ، ولكني مؤمن بأنها معجزة ؛ أرجو الإجابة والتوضيح ، بحيث ينتفي التعارض بين الآية التي تنفي رقي البشر ، وبين معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ علما بأنني مؤمن بأنه لا تعارض في القرءان . أفيدونا جزاكم الله خيرا .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة ، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه ، قال الله سبحانه وتعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1 .

وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف ، حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه .

وقد اختلف الناس في الإسراء والمعراج ، فمنهم من قال : إنه كان مناما ، والصحيح أنه أسري وعرج به يقظة ؛ لأدلة كثيرة يأتي ذكرها .

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة : " والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى " انتهى .

وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" رحمه الله : " اختلف الناس في الإسراء :

فقيل : كان الإسراء بروحه ولم يُفْقد جسدُه ، نقله ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما ، ونقل عن الحسن البصري نحوه . لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال كان الإسراء مناما وبين أن يقال كان بروحه دون جسده ، وبينهما فرق عظيم ، فعائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا كان مناما ، وإنما قالا : أسري بروحه ولم يفقد جسده ، وفرق ما بين الأمرين أن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة

فيرى كأنه قد عرج إلى السماء وذهب به إلى مكة ، وروحه لم تصعد ولم تذهب ؛ وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال ، فما أرادا أن الإسراء كان مناما ، وإنما أرادا أن الروح ذاتها أسري بها ؛ ففارقت الجسد ثم عادت إليه ، ويجعلان هذا من خصائصه فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .

وقيل : كان الإسراء مرتين : مرة يقظة ، ومرة مناما ... ، وكذلك منهم من قال : بل كان مرتين : مرة قبل الوحي ومرة بعده ، ومنهم من قال : بل ثلاث مرات : مرة قبل الوحي ومرتين بعده ؛ وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة للتوفيق ، وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث ، وإلا فالذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة قبل الهجرة بسنة ، وقيل بسنة وشهرين ، ذكره ابن عبد البر ...

وكان من حديث الإسراء أنه أسري بجسده في اليقظة على الصحيح ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، راكبا على البراق صحبة جبرائيل عليه السلام ، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما ، وربط البراق بحلقه باب المسجد ، وقد قيل : إنه نزل بيت لحم وصلى فيه ، ولا يصح عنه ذلك ألبتة .

ثم عرج به من بيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبرائيل ففتح لهما ، فرأى هناك آدم أبا البشر ، فسلم عليه فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته ، ثم عرج به إلى السماء الثانية..."

إلى أن قال رحمه الله : " ومما يدل على أن الإسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) الإسراء /1 ؛ والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح ، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ؛ هذا هو المعروف عند الإطلاق ، وهو الصحيح ؛ فيكون الإسراء بهذا المجموع ، ولا يمتنع ذلك عقلا ، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة ؛ وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر

" انتهى من "شرح الطحاوية" (1/245).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/33) : " ثم اختلف الناس : هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه ، أو بروحه فقط ؟ على قولين ، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً ، ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً ، ثم رآه بعد يقظة ، لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، والدليل على هذا قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) الاسراء/ 1، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء

ولم يكن مستعظماً ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذبيه ، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم ، وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ، وقال تعالى : ( أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) وقال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) الاسراء /60، قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، رواه البخاري [ 2888 ] ، وقال تعالى :

( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم/17 ، والبصر من آلات الذات لا الروح .

وأيضاً فإنه حمل على البراق ، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن ، لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه ، والله أعلم " انتهى .

وقال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول" (3/1067) : " ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة ، ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم : كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس ، شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا إلى آخر تكذيبهم واستهزاءهم به صلى الله عليه وسلم لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى

لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد استبعاد لرؤياه ، وإنما قص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرى حقيقة يقظة لا مناما فكذبوه واستهزؤوا به استبعاد لذالك واستعظاما له مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله عز وجل وأن الله يفعل ما يريد ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر قال : إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا وتصدقه بذلك ؟ قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرة وعشيا أو كما قال " انتهى .

وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه ( التنوير في مولد السراج المنير ) : " وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذر ومالك بن صعصعة وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس ، وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرط وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين ، وعبد الله بن عمرو وجابر وحذيفة وبريدة ، وأبي أيوب وأبي أمامة وسمرة بن جندب وأبي الحمراء

وصهيب الرومي وأم هانىء ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ، منهم من ساقه بطوله ، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة ، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون ، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " انتهى نقلا عن "تفسير ابن كثير" (3/36).

ثانيا :

لا ينقضي العجب من هذا المسلك الذي سلكه الكاتب المذكور في الاستدلال ، فإنه اقتصر على ذكر مطلب واحد من مطالب الكفار ، فأوهم أن الجواب القرآني : (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) منصب على هذا المطلب ، وهو الرقي في السماء ، وأن هذا يدل على عدم إمكانه . والحق أن هذا الجواب وارد على مجموع ما طلبه المشركون تعنتا وتفننا في الجحود والإنكار

وإليك هذه المطالب كما بينها القرآن : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) الاسراء/90- 93 فتأمل في هذه المطالب التي لا يحسن في جوابها إلا الجواب القرآني : ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) .

فهل بإمكان من هو بشر أن يفجر الأرض ، والأنهار ، ويسقط السماء ، ويأتي بالله ! وبالملائكة ! ويرقى في السماء فيأتي منها بكتاب موجه إلى كل كافر ! كما جاء في التفسير عن مجاهد وغيره ، وهو موافق لقوله تعالى : ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) المدثر /52 . لا شك أن ذلك ليس من خصائص البشر ، ولا هو في إمكانهم ، فهذا الاستبعاد منصب على مجموع هذه المطالب ، لا على آحاد كل منها

وإلا ففيها مطالب مما هو ممكن عادة ، فقد ثبت أن الماء نبع من بين أصبعيه الشريفتين صلى الله عليه وسلم ، كما في صحيح البخاري (3576) ، وغيره ، فكيف بتفجير نبع من الأرض ، ولا استحالة ـ أيضا ـ في أن يكون له جنة من نخيل .. ، على نحو ما طلبوا ، إلا أن هؤلاء لم يكن له غرض في حصول هذه الأشياء حقيقة ، إنما هي من باب المبالغة في العناد ، والتعنت مع الرسول ، من أجل التمادي في طغيانهم .

قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله : " ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة [ المبالغة في الخصومة ] وعناد ، أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة ( سبحان ربي) التي تستعمل في التعجب .. ثم بالاستفهام الإنكاري ، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصرا إضافيا ، أي لست ربا متصرفا أخلق ما يطلب مني ، فكيف آتي بالله والملائكة ، وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها " . انتهى .

"التحرير والتنوير" ( 15/210-211) .

ثالثا :

احرص على قلبك يا عبد الله ، وكن على دينك أحرص منك على الدرهم والدينار ؛ فلا تدع لشياطين الإنس والجن سبيلا أن يسترقوا اليقين من قلبك ، أو يزعزعوا الإيمان فيه ؛ وما دمت لم تحصل من العلم الشرعي ، ما يحصنك ضد شبهات المشككين ، ففر من هؤلاء ، ومجالسهم ، ومنتدياتهم ، ولا تسمع لزخارف قولهم ، فإنك لا تدري إذا نزلت الشبهة في قلبك متى تخرج منه ، وإذا عرضت الفتنة ، هل أنت ناج منها أم من المفتونين .

نسأل الله تعالى لنا ولجميع عباده الموحدين الهداية والتوفيق والسداد .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 03:26
السؤال :

عندما قال جبريل عليه السلام للنبي صلي الله عليه وسلم - وهو في غار حراء - : اقرأ ، وقال له النبي صلي الله عليه وسلم : ( ما أنا بقارئ ) ، هل كان النبي صلي الله عيه وسلم أمامه اللوح المحفوظ في ذلك الوقت ليقرأ منه ؟

أم ما معنى اقرأ؟ أما في قوله تعالى : (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت/ 48 . ذكر أحد الأشخاص شبهة أن المقصود من تلك الآية : أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ولا يكتب قبل البعثة ، أما بعد ما بُعِث : فهو الذي كتب القرآن ، بل وخطَّه بيمينه ، حتى يتأكد أنه يأتينا صحيحا ، وأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يقرأ ويكتب سوى القرآن ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

للعلماء في قول جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : ( اقرأ ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم له : ( ما أنا بقارئ ) أقوال :

- قيل : أتاه بنمط من ديباج فيه كتاب ، ثم قال له : اقرأ ، يعني اقرأ ما في هذا الكتاب .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَقع عِنْد ابن إِسْحَاقَ فِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بِنِ عُمَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (أَتَانِي جِبْرِيلُ بِنَمَطٍ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ قَالَ اقْرَأْ . قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ قَوْلَهُ ( ألم ذَلِكَ الْكتاب لَا ريب فِيهِ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ حَيْثُ قَالَ لَهُ (اقْرَأْ)

" انتهى من " فتح الباري " (8/ 718) .

وقال الحافظ ابن حجر - أيضا - :

" تَكَلَّمَ شَيْخُنَا - يعني البلقيني - عَلَى مَا كَانَ مَكْتُوبًا فِي ذَلِكَ النَّمَطِ فَقَالَ: (اقْرَأْ) أَيِ الْقَدرَ الَّذِي أَقْرَأَهُ إِيَّاهُ وَهِيَ الْآيَاتُ الْأُولَى مِنِ (اقْرَأ باسم رَبك) وَيحْتَمل أَن يكون جملَة الْقُرْآن ، وعَلى هَذَا يَكُونُ الْقُرْآنُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِاعْتِبَارٍ وَنَزَلَ مُنَجَّمًا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ

" انتهى من " فتح الباري " (12/ 357) .

أما القول بأنه كان أمامه اللوح المحفوظ ، فقول فاسد ، لأن اللوح المحفوظ في الملأ الأعلى في السماء .

- وقيل : معنى (اقرأ) ، يعني ردِّد خلفي ما أقوله ، ومعنى (ما أنا بقارئ) يعني : لم أتعلم القراءة ، كما هو المعتاد فيمن يقرأ .

قال الحافظ ابن حجر :

" قَوْلُهُ (فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ) : اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ : ( افعل ) : تَرِدُ لِلْتَنْبِيهِ ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ قَالَهُ شَيْخُنَا الْبُلْقِينِيُّ ، ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا لِطَلَبِ اَلْقِرَاءَةِ ، عَلَى مَعْنَى : أَنَّ الْإِمْكَانَ حَاصِلٌ.

قَوْلُهُ (فَقَالَ اقْرَأْ) قَالَ شَيْخُنَا الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: دَلَّتِ الْقِصَّةُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ جِبْرِيلَ بِهَذَا أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ مَا قَالَهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ (اقْرَأْ) .

ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (اقْرَأْ) إِلَى مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّمَطِ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَة ابن إِسْحَاقَ ، فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ (مَا أَنَا بِقَارِئٍ) ؛ أَيْ : أُمِّيٌّ لَا أُحْسِنُ قِرَاءَةَ الْكُتُبِ .

قَالَ : وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ . وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ( اقْرَأْ ) : التَّلَفُّظَ بِهَا " انتهى مختصرا من" فتح الباري " (12/ 357) ، وينظر : " طرح التثريب " ، للعراقي (4/ 187-188) ، " مرقاة المفاتيح " (9/ 3730) .

- وقيل : لا يلزم من أَمرِه بالقراءة أن يكون هناك مكتوب يريد منه أن يقرأه ، وإنما المعنى : اقرأ ما يتلى عليك فيما يستقبل ، ويكون معنى ( ما أنا بقارئ ) الاعتذار له عن القراءة التي لا يعرف حقيقتها في ذلك الوقت ، فهو رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب .

قال ابن عاشور رحمه الله :

" وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (اقْرَأْ) أَمْرٌ بِالْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ نُطْقٌ بِكَلَامٍ مُعَيَّنٍ مَكْتُوبٍ أَوْ مَحْفُوظٍ عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ.

وَالْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ ، مِنَ الطَّلَبِ لِتَحْصِيلِ فِعْلٍ فِي الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ، فَالْمَطْلُوبُ بِقَوْلِهِ: اقْرَأْ : أَنْ يَفْعَلَ الْقِرَاءَةَ فِي الْحَالِ أَوِ الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ مِنَ الْحَالِ، أَيْ أَنْ يَقُولَ مَا سَيُمْلَى عَلَيْهِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ بِقِرَاءَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ : أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِمْلَاءُ كَلَامٍ عَلَيْهِ مَحْفُوظٍ ، فَتُطْلَبَ مِنْهُ قِرَاءَتُهُ، وَلَا سُلِّمَتْ إِلَيْهِ صَحِيفَةٌ ، فَتُطْلَبَ مِنْهُ قِرَاءَتُهَا، فَهُوَ كَمَا يَقُولُ الْمُعَلِّمُ لِلتِّلْمِيذِ: اكْتُبْ، فَيَتَأَهَّبُ لِكِتَابَةِ مَا سَيُمْلِيهِ عَلَيْهِ

" انتهى من " التحرير والتنوير " (30/ 435) .

ثانيا :

القول بأن المقصود من قوله تعالى : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) العنكبوت/ 48 ، أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ولا يكتب قبل البعثة ، أما بعد البعثة فهو الذي كتب القرآن ، وخطه بيمينه ، وأنه لم يقرأ ولم يكتب سوى القرآن : قول باطل من وجوه :

الأول : أن الصواب المقطوع به : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، من يوم ولد إلى أن توفاه الله .

الثاني : أنه ليس في الآية ، ولا في غيرها من الآيات ، ولا فيما ثبت من السنن والآثار : أنه صلى الله عليه وسلم قرأ وكتب بعد البعثة ، وإنما فيها أنه لم يكن يكتب ولا يقرأ ، ولم يأت ما يدل على تعلمه القراءة والكتابة ، وهذا آكد في الحجة ، وأعظم في البرهان ، والقول بخلاف ذلك ، أو دعوى أنه كان يكتب الوحي بيده صلى الله عليه وسلم : دعوى باطلة في نفسها ، عاطلة عن الدليل الصحيح.

الثالث : قول هذا المدعي : كتبه بيده حتى يتأكد من وصوله إلينا صحيحا ، مِن أفسد القول ؛ لأن فيه غمزا للصحابة رضي الله عنهم ، كأنه يقول : كان لا يأمن الصحابة على كتابة القرآن فكتبه بيده ، فيقال : فكيف استأمنهم من بعد موته على نقله ونقل الشريعة إلى الأمة بأسرها ؟

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 03:29
السؤال :

نرجو شرحاً مفصلاً مصحوباً بتفسير العلماء العظام مثل ابن كثير أو الطبري أو غيرهما لقول الله عز وجل : (في لوح محفوظ) سورة البروج آية 22 .
جزاكم الله خيراً .

الجواب :

الجمد لله

1. قال ابن منظور :

اللوح : كل صفيحة عريضة من صفائح الخشب .

وقال الأزهري : اللوح صفيحة من صفائح الخشب والكتف إذا كتب عليها سميت لوحا .

واللوح الذي يكتب فيه .

و اللوح : اللوح المحفوظ ، وفي التنزيل { في لوحٍ محفوظٍ } يعني : مستودعٌ مشيئات الله تعالى .

وكل عظم عريض : لوح .

والجمع منها : ألواح .

وألاويح : جمع الجمع . " لسان العرب " ( 2 / 584 ) .

2. قال ابن كثير رحمه الله :

في لوح محفوظ أي : هو في الملإ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل . " تفسير ابن كثير " ( 4 / 497 ، 498 ) .

3. وقال ابن القيم رحمه الله :

وقوله { محفوظ } : أكثر القراء على الجر صفة للوح ، وفيه إشارة إلى أن الشياطين لا يمكنهم التنزّل به لأن محله محفوظ أن يصلوا إليه ، وهو في نفسه محفوظ أن يقْدِر الشيطان على الزيادة فيه والنقصان .

فوصفه سبحانه بأنه محفوظ في قوله { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ، ووصف محله بالحفظ في هذه السورة .

فالله سبحانه حفظ محله ، وحفظه من الزيادة والنقصان والتبديل ، وحفظ معانيه من التحريف كما حفظ ألفاظه من التبديل ، وأقام له مَن يحفظ حروفه مِن الزيادة والنقصان ، ومعانيه مِن التحريف والتغيير . " التبيان في أقسام القرآن " ( ص 62 ) .

4. أما ما جاء في بعض كتب التفسير ، أن اللوح المحفوظ في جبهة " إسرافيل " ، أو أنه مخلوق من زبرجدة خضراء ، وغير ذلك فهو مما لم يثبت ، وهو من الغيب الذي لا يقبل إلا ممن أوحي إليه منه بشيء .

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 03:32
السؤال:

هل هناك دليل على أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر على القراءة والكتابة ؟ .

الجواب:

الحمد لله

قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(157)

قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :

قوله تعالى : "الأمي" .. قال ابن عباس رضي الله عنه : كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب ; قال الله تعالى: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك " [العنكبوت: 48] .

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الأخيرة :

ثم قال تعالى "وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك" أي قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب وهكذا صفته في الكتب المتقدمة كما قال تعالى "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" الآية وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما إلى يوم الدين لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده بل كان له كُتّاب يكتبون بين يده الوحي والرسائل إلى الأقاليم . ..

قال الله تعالى "وما كنت تتلو" أي تقرأ "من قبله من كتاب" لتأكيد النفي "ولا تخطه بيمينك" تأكيد أيضا .. وقوله تعالى "إذا لارتاب المبطلون" أي لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من الناس فيقول إنما تعلم هذا من كتب قبله مأثورة عن الأنبياء مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي لا يحسن الكتابة "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا".

وقال عزّ وجلّ :

( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ(2) الجمعة

قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية :

قيل: الأميون الذين لا يكتبون . وكذلك كانت قريش . وروى منصور عن إبراهيم قال: الأمي الذي يقرأ ولا يكتب . "رسولا منهم" يعني محمدا صلى الله عليه وسلم .. وكان أميا لم يقرأ من كتاب ولم يتعلم صلى الله عليه وسلم. قال الماوردي: فإن قيل ما وجه الامتنان في أن بعث نبيا أميا ؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه : أحدها: لموافقته ما تقدمت به بشارة الأنبياء . الثاني: لمشاكلة حاله لأحوالهم , فيكون أقرب إلى موافقتهم . الثالث: لينتفي عنه سوء الظن في تعليمه ما دعا إليه من الكتب التي قرأها والحكم التي تلاها . قلت: وهذا كله دليل معجزته وصدق نبوته . انتهى ملخصا من تفسير القرطبي رحمه الله

الشيخ محمد صالح المنجد

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 03:38
السؤال :

كان النبي صلى الله عليه وسلم أمياً لا يكتب ، ولذلك كان له خاتم يلبسه ويختم به مراسلاته ، ولكن كيف يمكن التوفيق بين ذلك وبين ما جاء في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنه قال : " يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء ، فقال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال : ( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ) ، فتنازعوا ،

ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ) ، وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، ونسيت الثالثة " قال يعقوب بن محمد : سألت المغيرة بن عبد الرحمن ، عن جزيرة العرب ، فقال : " مكة والمدينة واليمامة واليمن " ،

وقال يعقوب ، والعرج : أول تهامة" (4.228) ، وكتابة الرسول صلى الله عليه وسلم لعقد زواجه على عائشة رضي الله عنها (صحيح البخاري 7.88) ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا

اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم ليس لأنه أمي لا يكتب ؛ ولكن ليختم كتبه ورسائله التي كان يرسل بها إلى ملوك الأرض ، وقد كانت عادتهم في ذلك الوقت أن لا يقبلوا كتابا إلا مختوما من صاحبه .

روى البخاري (2938) عن أنس رضي الله عنه قال : " لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ ، قِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " .

ثانيا :

كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسولا أميا ، لا يقرأ ولا يكتب ؛ كما وصفه ربه عز وجل بقوله : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف/ 158.

وقال تعالى : (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت/ 48 .

فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ كتابا أو يكتب شيئا قبل نزول الوحي .

وقد اختلف أهل العلم : هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم القراءة والكتابة بعد نزول الوحي أم لا ؟

فذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه كتب صلى الله عليه وسلم ، يوم الحديبية وغيره ؛ فقد روى البخاري (4251) في خبر الحديبية : (... فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ... ) .

وكذلك الحديث الذي رواه البخاري (3053) ، ومسلم (1637) وهو الحديث الذي ذكره السائل في سؤاله .

وأكثر العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم ما قرأ ولا كتب شيئا حتى مات .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وَهَكَذَا كَانَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَخُطُّ سَطْرًا وَلَا حَرْفًا بِيَدِهِ ، بَلْ كَانَ لَهُ كُتَّابٌ يَكْتُبُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْوَحْيَ وَالرَّسَائِلَ إِلَى الْأَقَالِيمِ ، وَمَنْ زَعَمَ مِنْ مُتَأَخَّرِي الْفُقَهَاءِ ، كَالْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَتَبَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ : "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" فَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: (ثُمَّ أَخَذَ فَكَتَبَ): وَهَذِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: ( ثُمَّ أَمَرَ فَكَتَبَ)

وَلِهَذَا اشْتَدَّ النَّكِيرُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ على من قال بقول الباجي، وتبرؤوا مِنْهُ ، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا وَخَطَبُوا بِهِ فِي مَحَافِلِهِمْ : وَإِنَّمَا أَرَادَ الرَّجُلُ -أَعْنِي الْبَاجِيَّ، فِيمَا يَظْهَرُ عَنْهُ -أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُعْجِزَةِ ، لَا أَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ ، وَمَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى تَعَلَّمَ الْكِتَابَةَ ، فَضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ

" .انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 285-286) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
\
" وَقَدْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ - يعني رواية يوم الحديبية - أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فَادَّعَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ بِيَدِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ يَكْتُبُ ، فَشَنَّعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأَنْدَلُسِ فِي زَمَانِهِ وَأَنَّ الَّذِي قَالَه مُخَالف الْقُرْآنَ ... وَذكر ابن دِحْيَةَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ وَافَقُوا الْبَاجِيَّ فِي ذَلِكَ ، وَاحْتج بَعضهم لذَلِك بأحاديث ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عنها بضعفها، وَعَنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَالْكَاتِبُ فِيهَا عَلِيٌّ ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بِأَنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي كَتَبَ ، فمعنى (كتب) أي : ( أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ ) ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .

انتهى باختصار من "فتح الباري" (7/ 503-504) .

فالراجح - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب ولم يقرأ حتى مات ، وما ورد من كونه كتب - كما في حديث الحديبية - ، فإنما معناه : أمر عليا رضي الله عنه أن يكتب .

وعلى ذلك فقوله في حديث ابن عباس : ( ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا) إنما يعني : آمر من يكتب لكم ، لا أنه صلى الله عليه وسلم كان سيكتب بنفسه ، وخاصة أنه في مرض الموت ، وقد أصابه من التعب والضعف ما أصابه ، فالمناسب - ولو كان يحسن الكتابة - أن يأمر أحدا ممن بحضرته أن يكتب .

ثالثا :

قول السائل
:
" وكتابة الرسول صلى الله عليه وسلم لعقد زواجه على عائشة رضي الله عنها " غير صحيح ؛ فلم تكن العقود تكتب وتوثق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

وكتابة عقد النكاح وتوثيقه إنما يقصد به ضمان الحقوق ، وليست كتابة العقد ركنا من أركان النكاح أو شرطا في صحته .

والله أعلم .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 03:48
السؤال

من دواعي سروري وعظيم امتناني أن أتشرف بمراسلة من أوكلوا أنفسهم لخدمة الشرع القويم ، ولمعالجة القضايا الإسلامية ، وإبعاد المسلمين عن الموبقات وشرور الفتن . لا أخفي عليكم ،

فأنا شديد القراءة والمتابعة لمختلف القضايا الدينية والفكرية والاجتماعية ،

وقد كانت قراءتي سببا لمتاهات فكرية جعلتني أحار في أغلب المواقف عن تحليلها . فأفتوني أبعدكم الله عن شرور أنفسكم . ما قولكم في هذا الحديث الوارد في صحيح مسلم -

كتاب الوصية ( باب تَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ شيء يُوصِي فِيهِ )‏ : 4319- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ - وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ - قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الاَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَوْمُ الْخَمِيسِ ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ؟! ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى ‏.

فَقُلْتُ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ؟ قَالَ : اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ ائْتُونِي اَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدِي ‏"‏ ‏.‏ فَتَنَازَعُوا وَمَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ ‏.‏ وَقَالُوا : مَا شَاْنُهُ ؟! أَهَجَرَ ؟! اسْتَفْهِمُوهُ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ ، اُوصِيكُمْ بِثَلاَثٍ : أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ،

وأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ ‏"‏ ‏.

قَالَ وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَهَا فَاُنْسِيتُهَا .

هناك لسان آخر للحديث يتبع هذا المعنى 4321- حدَّثَنَا اِسْحَاقُ بْنُ اِبْرَاهِيمَ، اَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،

أَنَّهُ قَالَ : يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ‏

ثُمَّ جَعَلَ تَسِيلُ دُمُوعُهُ حَتَّى رَاَيْتُ عَلَى خَدَّيْهِ كَاَنَّهَا نِظَامُ اللُّؤْلُؤِ ‏.‏

قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ - اَوِ اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ - اَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ اَبَدًا ‏"‏ ‏.‏

فَقَالُوا اِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهْجُرُ .

أرجو تبيان المعنى الذي تتضمنة الرواية إن صدقت : فهل يصح أن يكون هناك تعالي على مكان ومقام النبي صلى الله عليه وسلم ؟

وهل يحق لأحد أن يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من أمر هو قاضيه ، وهو المسدد ؟

وهل يحق أن نحاسب النبي صلى الله عليه وسلم كما نحاسب أنفسنا بأن يصل عقله إلى حد التخريف والعياذ بالله ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لطاعته وخدمة دينه وشرعه .

ثم نوصيك بالعناية بثوابت الدين المتمثلة بأركان الإسلام والإيمان ، وبكليات الشريعة المتمثلة بالقواعد الفقهية والمقاصد العامة ، المقررة في مئات النصوص القطعية من الكتاب والسنة ، فهي الآيات المحكمات التي جعلها الله سبحانه وتعالى عصمة للدين من التحريف والتبديل ، وعصمة لمن خشي على نفسه الفتنة والغواية .

يقول الله عز وجل : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران/7

وليست هذه العصمة في الكتاب فقط ، بل العلومُ كلُّها – بطبيعتها - مبنيةٌ على محكمات وثوابت يعرفها أهلها

والمتخصصون بها ، فلا تشكل عليهم شيء من فلتات الأحداث أو الكلمات أو المواقف التي تعارض تلك الأصول ، فالفرع المظنون لا يهدم الأصل الراسخ ، لا في منطق الشرع ولا في منطق العقل .

ولعل الغفلة عن هذه الفكرة سبب أكثر أخطاء المشتغلين بالثقافة اليوم ، سواء كانت ثقافة علمية شرعية أم علمية إنسانية ، فتجد مَن يصدر برأيه متشبثا بسياق مختلف عن السياق العام الذي يحكم ذلك الفكر ، بناء على أفرادِ نصوصٍ أو آحادِ حوادثَ يريد كسر الإطار اللغوي أو التاريخي الذي وردت فيه ، كحال بعض المستشرقين الذين يشككون في السنة النبوية كلها ، ضاربين صفحا عن مئات الآلاف من الصفحات التي سطرها المحدثون بدمائهم وأعمارهم وأموالهم لنقل السنة غضة كما هي ، بحجة فقد كتاب أو اتهام راو أو دخول بعض الوضع والكذب ، مَثَلُهم في ذلك مثل الطفل الذي لا يقيس العالم كله إلا بشخص أبويه ، فكلما رأى امرأة ناداها باسم أمه ، أو كلما رأى رجلا ظن أن أباه أقوى وأفضل منه .

ثانيا :

أما في معرض الجواب عما استشكلته ، فانظر فيه نظرة الاعتدال السابقة ، وحَكِّم في ذلك المحكمات الواردة في عشرات النصوص القرآنية التي تُثنِي على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومئات النصوص النبوية التي تبين عظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوبهم ، وانظر كتب السيرة التي مُلئت بالتضحيات التي قدموها في نصرة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قارن ذلك بالإشكال الذي وجدته في حديث ابن عباس عن يوم الخميس ، وأظنك لن تحتاج بعدها إلى جواب تفصيلي عن ذلك الإشكال ، فالقاعدة التي سبق شرحها أعلاه تقضي بالتسليم للمحكمات ونبذ المتشابهات .

يقول الشاطبي رحمه الله في "الموافقات" (3/260) :

" إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال " انتهى . ثم ذكر أدلة هذا الأصل وأمثلة عليه في كلام محكم ومفيد فليرجع إليه.

ثانيا :

ولكننا – زيادة في البيان ورغبة في بعث الاطمئنان – نقرر لك هنا بعض الأجوبة التفصيلية عن هذه المسألة ، ليزداد يقينك ، ثم ليكون لك هذا المثال ميزانا تقيس عليه كل شبهة ترد عليك ، فنقول :

إن خلاصة الحادثة أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب مِمَّن حوله من الصحابة – وهو في إعياء شديد بسبب المرض – أن يحضروا له كتابا ليأمر بكتابة أمرٍ فيه هدايةٌ للأمة من بعده ، لم يُفصح عنه صلى الله عليه وسلم .

فنظر بعض الحضور في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما هو فيه من تعب وإعياء شديدين ، فتأخروا عن إحضار الكتاب ، وظنوا أن ما في القرآن العظيم من الهداية يكفيهم عن إجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتابة ، وذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا ) البخاري (114)

ولكن آخرين أصروا على إحضار الكتاب امتثالا لرغبته صلى الله عليه وسلم .

فحصل بعض اللغط والاختلاف بين الفريقين ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، عدل عن طلبه إحضار الكتاب ، وأوصاهم مشافهة بوصية أخرى جامعة مذكورة في الرواية في السؤال .

هذا هو محصل ما في الروايات ، والقصة بذلك تفهم بسياقها السهل الطبيعي ، ولا يستشكلها أي قارئ ولا أي باحث .
إلا أن بعضهم يأبى إلا أن يقرأ فيها تعالي بعض الصحابة على مقام النبوة ، ومنعهم إياه من أداء رسالته صلى الله عليه وسلم !

ولا نرى هذه القراءة المغرضة إلا اتباعا للهوى والشيطان ، وتحريفا للكلم عن مواضعه ، لسبب يسير ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغضب لِما حصل ، ولم يُنكر على أولئك الذين تباطؤوا عن الكتاب ، ولم يفضحهم الله تعالى بآيات تتلى كما هي عادة القرآن الكريم ، بل سكت وأقرهم ، ولم يكرر صلى الله عليه وسلم طلبه بإحضار الكتاب .
يدلك ذلك على أن الأمر لا يحتمل التفسيرات الباطلة التي يبثها بعض الحاقدين

وإنما هو خلاف يسير حصل بين الصحابة كبعض الخلافات السابقة : كما حصل يوم الحديبية حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتحلل فتأخروا رجاء نزول الوحي بالمضي في العمرة ، وكما حصل من خلاف بينهم في شأن الأسرى ، ونحوها من الأمور التي كان النبي صلى الله عليه وسلم حاضرها وسكت عنها .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (6/26) :

" لو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي صلى الله عليه وسلم يُبينُه ويكتبه ، ولا يلتفت إلى قول أحد ، فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجبا ، ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ ، إذ لو وجب لفعله " انتهى باختصار .

ويقول المازري رحمه الله – كما ينقله ابن حجر في "فتح الباري" (8/134) -:

" إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب ، مع صريح أمره لهم بذلك ؛ لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب ، فكأنه ظهرت منه قرينة ، دلت على أن الأمر ليس على التحتم ، بل على الاختيار ، فاختلف اجتهادهم ، وصمم عمر على الامتناع ، لما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم ، وعزمه صلى الله عليه وسلم كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد ، وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي ، وإلا فبالاجتهاد ، وفيه حجة لمن قال بالاجتهاد في الشرعيات " انتهى .

ويقول الدكتور إبراهيم الرحيلي في "الانتصار للصحب والآل" :

" فتبين أن اختلافهم ناشئ عن اجتهاد في فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومراده ، وإذا كان علماء الأمة من بعدهم قد اختلفوا في فهم النصوص اختلافاً كبيراً في مسائل كثيرة إلى أقوال متعددة ، ولم يُذَموا بذلك لِما تضافرت به النصوص من رفع الحرج عنهم ، بل أجرهم على الاجتهاد على كل حال ، فكيف يذم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باختلافهم في مسألة جزئية ، بعد أن عذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم .

بل أخذ بقول الطائفة المانعة من كتابة الكتاب ، ورجع إلى قولها في ترك الكتابـة .

فإنه صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يكتب الكتاب ما استطاع أحد أن يمنعه ، وقد ثبت أنه عاش بعد ذلك أياماً - باتفاق السنة والرافضة - فلم يكتب شيئـــاً " انتهى .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 03:51
ثالثا :

أما أن بعض الصحابة يتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتخريف – حاشاه من ذلك – بناء على ما جاء في الرواية أنهم ( قالوا : أهجر ؟! استفهموه ) ، فهذه كذبة أخرى وافتراء على القصة والحادثة ، وبيان ذلك :

أن غاية هذه الكلمة ( أَهَجَرَ ؟ ) الشك في وقوع الهجر – وهو الكلام غير الواضح - من النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس تقريرا لذلك ، فالرواية التي جاءت بصيغة الاستفهام أصح من الروايات الأخرى باتفاق المحدثين :

القاضي عياض في "الشفا" (2/886) ، والقرطبي في "المفهم" (4/559) ، والنووي في "شرح مسلم" (11/93) ، وابن حجر في "فتح الباري" (8/133)

والاستفهام يدل على الشك ، وليس على الجزم .

ثم نقول : إنه شك ليس في محله ، ولا ينبغي أن يصدر تجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه شك جاء بشبهة ، فقد كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم شديدا ، كان يوعك كما يوعك الرجلان من الناس ، وأغمي عليه مرات كثيرة ، كل ذلك ثابت في الصحيحين ، فظن قائل هذه العبارة – وهو مبهم لا يُعرف ، ولم تُسَمِّه الروايات الصحيحة - أن المرض أثَّر عليه أثرا بالغا إلى حد الهجر ، وهو ظن خاطئ ولا شك ، لكن السياق الذي جاء فيه يثبت العذر لمن قاله .

انظر: "منهاج السنة النبوية" (6/24) .

ولذلك لا نجد – ولا في رواية - إنكارَ الحاضرين على قائل هذه العبارة ، بل كان ابن عباس – وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم – يروي هذه اللفظة من غير تحفظ على قائلها ، عذرا منهم رضي الله عنهم لقائلها الذي أخذته شدة الموقف ، حيث كانوا يرون أحب الناس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الشدة والمحنة .

كما أن ثمة احتمالا ثانيا وجيها ، وهو أن يكون قائل هذه العبارة قالها عن دهش ولحظة فجيعة باشتداد المرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يقلها بوعي ولا إدراك تام لحقيقة ما يقول ، تماما كما وقع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين مات النبي صلى الله عليه وسلم من إنكار موته وزعم رجوعه بعد الموت .

يقول القرطبي في "المفهم" (4/560) :

" ويحتمل : أن يكون هذا صدَرَ عن قائله عن دهشٍ وحيرةٍ أصابه في ذلك المقام العظيم ، والمصاب الجسيم ، كما قد أصاب عمر وغيره عند موته " انتهى .

ويقول الشيخ عثمان الخميس في كتابه "حقبة من التاريخ" (ص/318-321) :

" وطعنهم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبَل هذا الحديث يتمثل في أنهم يدعون كذبا أن عمر قال : " إن رسول الله يهجر "

وهذا كذب على عمر !! لم يقل عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر ، بل الرواية في الصحيحين وغيرهما أن عمر رضي الله عنه قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع " ، وفي ذلك الوقت كان مرض الموت على النبي صلى الله عليه وسلم شديدا . ويبين هذا حديث عائشة رضي الله عنها لما أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أفاق فقال : أصلى الناس ؟ قالت : هم في انتظارك يا رسول الله .

فقربوا إليه الماء فاغتسل ، ثم قام يريد أن يذهب إلى الصلاة فسقط معميا عليه ثم أفاق فقال : أصلى الناس ؟ قالوا : هم في انتظارك يا رسول الله . فقال : قربوا لي ماء . فأتوه بالماء فاغتسل ، ثم قام يريد أن يذهب للصلاة فسقط . فلما سقط الثالثة ثم أفاق : قال : أصلى الناس ؟ قالوا : هم في انتظارك . قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . متفق عليه .
نعم هناك من قال : أهجر . ولكنه ليس عمر .

وعن عبد الله بن مسعود أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يوعك وعكا شديدا أشفق عليه ، فقال : يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني أوعك كرجلين منكم . قال ابن مسعود : أذلك لأن لك الأجر مرتين ؟ قال : نعم . متفق عليه .

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوعك وعكا شديدا ، فلما سمع عمر النبي صلى الله عليه وسلم يقول : هلم أكتب لكم كتابا . أشفق على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن رسول الله غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله .

وهذا موافق لقوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )

والرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( والله ما تركت شيئا يقربكم إلى الله والجنة إلا وأخبرتكم به ، وما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ، وما تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا قد نهيتكم عنه ) النسائي (2719)

فما بقي شيء في الدين لم يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم .

فما هذا الكتاب الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتبه ؟

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده . قال : فخشيت أن يموت قبل أن يأتيه الكتاب ، فقلت : يا رسول الله إني أحفظ وأعي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ) البيهقي (5/17) – ومسند أحمد (1/90) -

فإذا قالوا : الصحابة عصوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأتوه بالكتاب .

فنقول : علي أول من عصى ، فإنه هو المأمور مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه بالكتاب . فلماذا لم يأته به ؟ فإذا لُمنا أصحاب النبي صلى الله علهي وسلم على هذا الأمر فعلي يُلام !!

والحق أنه لا لَوم على الجميع ، لأمور :

أولا : إن عليا رضي الله عنه في هذا الحديث نفسه قال : فخشيت أن تذهب نفسه ، فقلت : يا رسول الله إني أحفظ وأعي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم . فالنبي صلى الله عليه وسلم إذًا تلفظ بما أراد أن يكتب .

ثانيا : الذي أراد أن يكتبه النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون واجبا عليه أو مستحبا ، فإن قالوا : إنه أمر واجب وهو من أمور الشريعة الواجب تبليغها ، فقولهم هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ جميع الشرع ، وهذا طعن في النبي صلى الله عليه وسلم وطعن في الله الذي قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم )

وإن قالوا : إنه مستحب !! فنقول : هذا هو قولنا جميعا .

ثالثا : إن الصحابة امتنعوا شفقة على النبي على النبي صلى الله عليه وسلم لا من باب المعصية " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 03:59
السؤال:

قرأت على النت مقالاً جاء فيه : " كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يطبخ وينظف ويكنس . إن زوجاتكم لسن عبيداً عندكم ، وإنما هن شريكات لكم ، فكونوا كمحمد صلى الله عليه وسلم " ، فهل هذا الكلام صحيح ؟

وما الأدلة من الكتاب والسنة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

ليس الحديث الوارد في ذلك الشأن هو باللفظ المذكور في السؤال ، ولا بهذا التفصيل ، وإنما الذي يبدو أن المذكور زاد في الأمر ، ونزله تنزيلا جديدا ، ليثبت المساهمة من الزوج لزوجته ، والمشاطرة لها في كل شيء ، وكأنه عمل مشترك ، أو قسمة بين الطرفين .

وإنما الوارد في ذلك نموذج من كمال خلقه ، وكريم خصاله ، صلى الله عليه وسلم ، وتواضعه ، وعدم ترفعه عن شيء ، حتى إنه ليشارك أهل بيته في شأنهم ، ومهنتهم ، لا يترفع عن شيء منه .

فقد روى الترمذي (3895) وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن الترمذي " .

وقد سئلت عائشة رضي الله عنها : " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ فقَالَتْ : كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ "

رواه أحمد (26194) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسة الصحيحة " (671) .

وفي رواية له أيضا (24903) : " كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ " وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (4937) .

وروى البخاري (676) عن الأسود ، قال : " سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ " .

ثانيا :

الزوجات شريكات الأزواج في الحياة ، ولهن حقوق ، كما أنه عليهن حقوق ، إلا أن للزوج مزيد حق . وكما يجب على الزوجة مراعاة حق زوجها ، كذلك يجب على الزوج مراعاة حق زوجته ، قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/ 228 .

قال السعدي رحمه الله :

" للنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة .

( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) أي : رفعة ورياسة ، وزيادة حق عليها ، كما قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )

" انتهى من " تفسير السعدي " (ص/102) .

فكرّم الإسلام المرأة زوجةً ، فأوصى بها الأزواج خيرا ، وأمر بالإحسان في عشرتها ، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة ، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة ، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته .

قال علماء اللجنة للإفتاء في السعودية :

" الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم المرأة ، والرفع من شأنها ، وإحلالها المكان اللائق بها ؛ رعاية لها ، وحفظا لكرامتها ، فأوجبت على وليها وزوجها الإنفاق عليها ، وحسن كفالتها ، ورعاية أمرها ، ومعاشرتها المعاشرة الحسنة

" انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى " (17/ 6) .

ثالثا :

لا شك أن النساء لسن جواري وإماء عند أزواجهن ، يستخدموهن بالقهر والنكال ، ويعاملونهن معاملة الأسياد للعبيد والجواري ، وإنما جاءت الأصول الشرعية تقرر حسن الصحبة وطيب العشرة ، فالزوجة في الإسلام صاحبة الزوج ، وأهله وعياله ، ولم يأت في الشرع وصفها بأنها جارية خادمة عند زوجها ، ولكن : صاحبة لها حقوق ووصاية بالخير وحسن المعاشرة .

وأما ما رواه الترمذي (1163) وصححه عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ) ، وحسنه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " .

وقال الترمذي رحمه الله : " وَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ) ، يَعْنِي : أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ " .

فالمقصود الوصاية لهن بالخير ؛ كما يدل صريح الحديث ، والمعنى في وصفهن بالعواني : تشبيههن بالأسارى ، من حيث إن الأسير : ضعيف في قبضة غيره ، إن شاء أطلقه من أسره ، وإن شاء لم يطلقه ، فكذلك المرأة عند زوجها : إن شاء أبقاها وإن شاء طلقها .

وليس المعنى أنهن ذليلات مقهورات عند أزواجهن قهر المأسور عند من أسره .

قال ابن عثيمين رحمه الله :

" يعني : بمنزلة الأسرى ؛ لأن الأسير : إن شاء فكه الذي أسره ، وإن شاء أبقاه ، والمرأة عند زوجها كذلك ، إن شاء طلقها وإن شاء أبقاها ، فهي بمنزلة الأسير عنده ، فليتق الله فيها " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " .

على أن الواجب ألا ننسى أيضا أن حق الزوج على زوجته : أعظم من حقها عليه ، وأن الله جعل له درجة عليها ، وجعلها قواما راعيا لها .

قال الله تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) النساء/228 ، وقال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/34 .

ولذلك وجب على المرأة خدمة زوجها ، على أرجح القولين لأهل العلم في المسألة ، حتى قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : " الزَّوْجُ سَيِّدٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ " وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) يوسف/ 25

" ينظر : " الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (3/106) .

والله أعلم .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 04:05
السؤال :

كيف كان يقضي النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يومه " نموذج من حياته اليومية " ؟ وفي الأصل فأنا أريد أن أفهم الروتين اليومي في حياة النبي ؟ ماذا كان يفعل من بعد صلاة الفجر ؟ كيف كان يتناول إفطاره ومتى ؟ كيف كانت آدابه في الطعام ؟ وماذا كان يفعل من وقت الظهيرة إلى أن يخلد للنوم وبعد التهجد ؟ والخلاصة أنني أبغي معرفة الروتين اليومي للنبي محمد (صلى الله عليه و سلم).

الجواب :

الحمد لله

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح صلى الصبح بأصحابه في المسجد ، ثم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ، وكان أصحابه رضي الله عنهم يجالسونه ، وربما تحدثوا وذكروا من أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم .

وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى ، وكان يصليها أربع ركعات ، أو يزيد ؛ فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ " رواه مسلم (719) .

وأما في بيته الشريف صلى الله عليه وسلم ؛ فكان يكون في مهنة أهله : يحلب شاته ، ويرقع ثوبه ، ويخدم نفسه ، ويخصف نعله ، فإذا حانت الصلاة خرج إلى الصلاة وصلى بالناس ، ثم جلس إليهم فحدثهم وعلمهم ووعظهم وذكّرهم واستمع إلى شكواهم وأصلح بينهم ، ثم يعود إلى بيته .

وقد سئلت عَائِشَة رضي الله عنها : " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ فقَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ " .

رواه أحمد (26194) ، وصححه الألباني في "الصحيحة" (671) .

وفي رواية له أيضا (24903) : " كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ " وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4937).

وروى البخاري (676) عَنِ الأَسْوَدِ ، قَالَ: " سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ " .

وكان صلى الله عليه وسلم لا يعيب طعاما قط ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه .

وكان ربما دار الشهر وراء الشهر فلا يجد ما يقوته إلا التمر والماء .

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ " رواه البخاري (3563) ، ومسلم (2064) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ ، فَقُلْتُ – أي عروة بن الزبير - : يَا خَالَةُ ! مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قَالَتِ : الأَسْوَدَانِ : التَّمْرُ ، وَالْمَاءُ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَلْبَانِهِمْ ، فَيَسْقِينَا

" . رواه البخاري (2567) ، ومسلم (2972) .

وليس في السنة تفصيل وجبات الطعام التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتناولها

ولم تكن من عادة المسلمين في الزمان الأول أن يأكلوا ثلاث مرات ، كل يوم ، كما هي حال الناس اليوم ، وإنما غاية ذلك عندهم أكلتان : أكلة أول النهار ، وتُسمى الغداء ، لأنها تكون في الغدوة ، أي : أول النهار ، وأكلة بالمساء ، وتسمى العشاء.

وكان إذا أراد أن يجمع الناس لأمر ذي شأن أمر من يجمعهم له أو ينادي فيهم " الصلاة جامعة " ثم يكلمهم عما أرادهم لأجله ، فإذا أراد أن يبعث بعثا بعثه ، وإذا أراد أن يذكرهم ذكرهم ، وإذا أراد أن يخبرهم بتشريع أخبرهم ، ونحو ذلك .
وكان صلى الله عليه وسلم يقيل نصف النهار ليستعين بالقيلولة على قيام الليل ، وقال : ( قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقِيلُ ) رواه الطبراني في "الأوسط" (28) ، وحسنه الألباني في "الصحيحة" (1647) .

وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد الناس في معايشهم وفي معاملاتهم وفي أسواقهم ، ويغشاهم في مجالسهم ، ويزور مريضهم ويجيب داعيهم ، ويمشي في حاجة الضعيف والمسكين ، فكان يكون عامة يومه فيما أهمه من أمر الدين وأمور المسلمين ، من دعوة ونصح وتذكير وتشريع وجهاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإعانة محتاج وغير ذلك :

- روى مسلم (102) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: ( مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ ) ، قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ( أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) .

- وروى البيهقي (20851) عَنْ جَابِرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْبَصِيرِ الَّذِي فِي بَنِي وَاقِفٍ نَعُودُهُ ) , وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى " . صححه الألباني في "الصحيحة" (521) .

- وروى النسائي (1414) عن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى، قال: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ ". صححه الألباني في " صحيح النسائي " .

فإذا جاء الليل وصلى بالناس العشاء ، فإن كان هناك ما يهتم له من أمور المسلمين انشغل به مع كبار أصحابه ، وإلا سمر مع أهله شيئا .

روى الإمام أحمد (178) ، والترمذي (169) وحسنه ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنَا مَعَهُ " . صححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

قال ابن كثير رحمه الله

: " وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العِشْرَة دائم البِشْرِ ، يداعب أهله ، ويَتَلَطَّفُ بهم ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ... ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها ، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم

" انتهى من " تفسير ابن كثير " (2/242) .

ثم كان صلى الله عليه وسلم ينام من أول الليل ، ثم يقوم لصلاة الليل ، فيصلي ما شاء الله أن يصلي ، حتى إذا أذن بلال لصلاة الصبح صلى ركعتين ثم خرج للصلاة .

روى أبو داود (56) عَنْ عَائِشَةَ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوضَعُ لَهُ وَضُوءُهُ وَسِوَاكُهُ ، فَإِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ تَخَلَّى ثُمَّ اسْتَاكَ "
.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ، ثُمَّ رَقَدَ ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ ، قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ) ، ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ " .

رواه البخاري (4569) ومسلم (763) .

وبالجملة :

فلم تكن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم : روتينا رتيبا ، كما قد يفهم من هذه الكلمة ، بل كانت هديا قاصدا ، وعملا مباركا ، كما أمره ربه : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/ 162 .

فكان هديه صلى الله عليه وسلم ، هو التأويل الواقعي لأمر الله وشرعه ، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
روى مسلم في صحيحه (746) سَعْد بْنِ هِشَامٍ بن عَامِرٍ، أنه قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ؛ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟

قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟

قُلْتُ: بَلَى !!

قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ ".

والله اعلم

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 04:07
السؤال

ما هي حقوق المرأة في الإسلام ؟ وكيف تغيرت منذ العصر الذهبي للإسلام ( من القرن الثامن إلى الثاني عشر) إن طرأ عليها تغييرات ؟.

الجواب

الحمد لله

أولا :

لقد كرم الإسلام المرأة تكريما عظيما ، كرمها باعتبارها ( أُمّاً ) يجب برها وطاعتها والإحسان إليها ، وجعل رضاها من رضا الله تعالى ، وأخبر أن الجنة عند قدميها ، أي أن أقرب طريق إلى الجنة يكون عن طريقها ، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف ، وجعل حقها أعظم من حق الوالد ، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها ، وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن والسنة .

ومن ذلك : قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) الأحقاف/15 ، وقوله : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24 .

وروى ابن ماجه (2781) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال َ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ : قَالَ : وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : ارْجِعْ فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة . وهو عند النسائي (3104) بلفظ : ( فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا ) .

وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ .قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ ) .

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يتسع المقام لذكرها .

وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة ، ما دام قادرا مستطيعا ، ولهذا لم يعرف عن أهل الإسلام طيلة قرون عديدة أن المرأة تُترك في دور العجزة ، أو يخرجها ابنها من البيت ، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها ، أو تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب .

وكرم الإسلام المرأة زوجةً ، فأوصى بها الأزواج خيرا ، وأمر بالإحسان في عشرتها ، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة ، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة ، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته ، وحرم أخذ مالها بغير رضاها ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، وقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وكرمها بنتا ، فحث على تربيتها وتعليمها ، وجعل لتربية البنات أجرا عظيماً ، ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) رواه مسلم (2631) .

وروى ابن ماجه (3669) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

وقوله : (من جِدَته) أي من غناه .

وكرم الإسلام المرأة أختا وعمة وخالة ، فأمر بصلة الرحم ، وحث على ذلك ، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة ، منها : قوله صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ) رواه ابن ماجه (3251) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

وروى البخاري (5988) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم- : ( مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ) .

وقد تجتمع هذه الأوجه في المرأة الواحدة ، فتكون زوجة وبنتا وأما وأختا وعمة وخالة ، فينالها التكريم من هذه الأوجه مجتمعة .

وبالجملة ؛ فالإسلام رفع من شأن المرأة ، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام ، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة ، ومساوية له في جزاء الآخرة ، ولها حق التعبير ، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله ، ولها حق التملك ، تبيع وتشتري ، وترث ، وتتصدق وتهب ، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها ، ولها حق الحياة الكريمة ، لا يُعتدى عليها ، ولا تُظلم . ولها حق التعليم ، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها .

ومن قارن بين حقوق المرأة في الإسلام وما كانت عليه في الجاهلية أو في الحضارات الأخرى علم حقيقة ما قلناه ، بل نجزم بأن المرأة لم تكرم تكريما أعظم مما كرمت به في الإسلام .

ولا داعي لأن نذكر حال المرأة في مجمتع الإغريق أو الفرس أو اليهود ، لكن حتى المجتمعات النصرانية كان لها موقف سيء مع المرأة ، فقد اجتمع اللاهوتيون في "مجمع ماكون" ليبحثوا : هل المرأة جسد بحت أم جسد ذو روح ؟! وغلب على آرائهم أنها خِلْو من الروح الناجية ، ولا يستثنى من ذلك إلا مريم عليها السلام .

وعقد الفرنسيون مؤتمرا سنة 586م للبحث في شأن المرأة : هل لها روح أم لا ؟ وإذا كانت لها روح هي روح حيوانية أم روح إنسانية ؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان ! ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب .

وأصدر البرلمان الإنجليزي قرارا في عصر هنري الثامن يحظر على المرأة أن تقرأ "العهد الجديد" لأنها تعتبر نجسة .

والقانون الإنجليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته ، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات .

وفي العصر الحديث أصبحت المرأة تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة لكي تبدأ في العمل لنيل لقمة العيش ، وإذا ما رغبت في البقاء في المنزل فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها وثمن طعامها وغسيل ملابسها !

ينظر : "عودة الحجاب" (2/47- 56) .

فكيف يقارن هذا بالإسلام الذي أمر ببرها والإحسان إليها وإكرامها ، والإنفاق عليها ؟!

ثانياً :

وأما تغير هذه الحقوق عبر العصور ، فلا تغير فيها من حيث المبدأ والتأصيل النظري ، وأما من حيث التطبيق فالذي لا شك فيه أن العصر الذهبي للإسلام كان المسلمون فيه أكثر تطبيقا لشريعة ربهم ، ومن أحكام هذه الشريعة : بر الأم والإحسان إلى الزوجة والبنت والأخت والنساء بصفة عامة . وكلما ضعف التدين كلما حدث الخلل في أداء هذه الحقوق ، لكن لا تزال طائفة إلى يوم القيامة تتمسك يدينها ، وتطبق شريعة ربها ، وهؤلاء هم أولى الناس بتكريم المرأة وإيصال حقوقها إليها .

ورغم ضعف التدين عند كثير من المسلمين اليوم إلا أن المرأة تبقى لها مكانتها ومنزلتها ، أمّاً وبنتا وزوجة وأختا ، مع التسليم بوجود التقصير أو الظلم أو التهاون في حقوق المرأة عند بعض الناس ، وكل مسئول عن نفسه .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 04:15
السؤال

ما هي حقوق الزوجة على زوجها وفقا للكتاب والسنة ؟

أو بمعنى آخر، ما هي مسؤوليات الزوج تجاه زوجته وبالعكس ؟.

الجواب

الحمد لله

أوجب الإسلام على الزوج حقوقاً تجاه زوجته ، وكذا العكس ، ومن الحقوق الواجبة ما هو مشترك بين الزوجين .

وسنذكر - بحول الله - ما يتعلق بحقوق الزوجين بعضهما على بعض في الكتاب والسنة مستأنسين بشرح وأقوال أهل العلم .

أولاً :

حقوق الزوجة الخاصة بها :

للزوجة على زوجها حقوق مالية وهي : المهر ، والنفقة ، والسكنى .

وحقوق غير مالية : كالعدل في القسم بين الزوجات ، والمعاشرة بالمعروف ، وعدم الإضرار بالزوجة .

1. الحقوق الماليَّة :

أ - المهر : هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها ، وهو حق واجب للمرأة على الرجل ، قال تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } ، وفي تشريع المهر إظهار لخطر هذا العقد ومكانته ، وإعزاز للمرأة وإكراما لها .

والمهر ليس شرطا في عقد الزواج ولا ركنا عند جمهور الفقهاء ، وإنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه ، فإذا تم العقد بدون ذكر مهر صح باتفاق الجمهور لقوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } فإباحة الطلاق قبل المسيس وقبل فرض صداق يدل على جواز عدم تسمية المهر في العقد .

فإن سمِّي العقد : وجب على الزوج ، وإن لم يسمَّ : وجب عليه مهر " المِثل " - أي مثيلاتها من النساء - .

ب - النفقة : وقد أجمع علماء الإسلام على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن بشرط تمكين المرأة نفسها لزوجها ، فإن امتنعت منه أو نشزت لم تستحق النفقة .

والحكمة في وجوب النفقة لها : أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج ، ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية إلا بإذن منه للاكتساب ، فكان عليه أن ينفق عليها ، وعليه كفايتها ، وكذا هي مقابل الاستمتاع وتمكين نفسها له .

والمقصود بالنفقة : توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام ، ومسكن ، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية ، لقوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) البقرة/233 ، وقال عز وجل : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ) الطلاق/7 .

وفي السنة :

قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة - زوج أبي سفيان وقد اشتكت عدم نفقته عليها - " خذي ما يكفيكِ وولدَكِ بالمعروف " .

عن عائشة قالت : دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك . رواه البخاري ( 5049 ) ومسلم ( 1714 ) .

وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . رواه مسلم ( 1218 ) .

ج. السكنى : وهو من حقوق الزوجة ، وهو أن يهيىء لها زوجُها مسكناً على قدر سعته وقدرته ، قال الله تعالى : ( أسكنوهنَّ من حيث سكنتم مِن وُجدكم ) الطلاق/6.

2. الحقوق غير الماليَّة :

أ. العدل بين الزوجات : من حق الزوجة على زوجها العدل بالتسوية بينها وبين غيرها من زوجاته ، إن كان له زوجات ، في المبيت والنفقة والكسوة .

ب. حسن العشرة : ويجب على الزوج تحسين خلقه مع زوجته والرفق بها ، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها ، لقوله تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) النساء/19 ، وقوله : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) البقرة/228.

وفي السنَّة : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء " . رواه البخاري ( 3153 ) ومسلم ( 1468 ) .

وهذه نماذج من حسن عشرته صلى الله عليه وسلم مع نسائه - وهو القدوة والأسوة - :

1. عن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة قالت حضت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخميلة فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي فلبستها ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنفستِ ؟ قلت : نعم ، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة .

قالت : وحدثتني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ، وكنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة . رواه البخاري ( 316 ) ومسلم ( 296 ) .

2. عن عروة بن الزبير قال : قالت عائشة : والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو . رواه البخاري ( 443 ) ومسلم ( 892 ) .

3. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم يركع ثم سجد يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك فإذا قضى صلاته نظر فإن كنت يقظى تحدث معي وإن كنت نائمة اضطجع . رواه البخاري ( 1068 ) .

ج. عدم الإضرار بالزوجة : وهذا من أصول الإسلام ، وإذا كان إيقاع الضرر محرما على الأجانب فأن يكون محرما إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى .

عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى " أن لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه ( 2340 ) . والحديث : صححه الإمام أحمد والحاكم وابن الصلاح وغيرهم .

انظر : " خلاصة البدر المنير " ( 2 / 438 ) .

ومن الأشياء التي نبَّه عليها الشارع في هذه المسألة : عدم جواز الضرب المبرح .

عن جابر بن عبد الله قال : قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " .

رواه مسلم ( 1218 ) .

ثانياً :

حقوق الزوج على زوجته :

وحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق ، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ) البقرة/228.

قال الجصاص : أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا ، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه .

وقال ابن العربي : هذا نص في أنه مفضل عليها مقدم في حقوق النكاح فوقها .

ومن هذه الحقوق :

أ - وجوب الطاعة : جعل الله الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية ، كما يقوم الولاة على الرعية ، بما خصه الله به الرجل من خصائص جسمية وعقلية ، وبما أوجب عليه من واجبات مالية ، قال تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء/34 .

قال ابن كثير :

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { الرجال قوامون على النساء } يعني : أمراء عليهن ، أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله .

وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك . " تفسير ابن كثير " ( 1 / 492 ) .

ب - تمكين الزوج من الاستمتاع : مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع ، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه بالعقد إذا طلب ، وذلك أن يسلمها مهرها المعجل وتمهل مدة حسب العادة لإصلاح أمرها كاليومين والثلاثة إذا طلبت ذلك لأنه من حاجتها ، ولأن ذلك يسير جرت العادة بمثله .

وإذا امتنعت الزوجة من إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحذور وارتكبت كبيرة ، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض والمرض وما شابه ذلك .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح " رواه البخاري ( 3065 ) ومسلم ( 1436 ) .

ج - عدم الإذن لمن يكره الزوج دخوله : ومن حق الزوج على زوجته ألا تدخل بيته أحدا يكرهه .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ، ...." . رواه البخاري ( 4899 ) ومسلم ( 1026 ) .

وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال : استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوانٍ ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن .

رواه الترمذي ( 1163 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجه ( 1851 ) .

وعن جابر قال : قال صلى الله عليه وسلم : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . رواه مسلم ( 1218 ) .

د - عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج : من حق الزوج على زوجته ألا تخرج من البيت إلا بإذنه .

وقال الشافعية والحنابلة : ليس لها الخروج لعيادة أبيها المريض إلا بإذن الزوج ، وله منعها من ذلك .. ؛ لأن طاعة الزوج واجبة ، فلا يجوز ترك الواجب بما ليس بواجب .

هـ - التأديب : للزوج تأديب زوجته عند عصيانها أمره بالمعروف لا بالمعصية ؛ لأن الله تعالى أمر بتأديب النساء بالهجر والضرب عند عدم طاعتهن .

وقد ذكر الحنفية أربعة مواضع يجوز فيها للزوج تأديب زوجته بالضرب ، منها : ترك الزينة إذا أراد الزينة، ومنها : ترك الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهرة ، ومنها : ترك الصلاة ، ومنها : الخروج من البيت بغير إذنه .

ومن الأدلة على جواز التأديب :

قوله تعالى : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) النساء/34 .

وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ) التحريم/6 .

قال ابن كثير :

وقال قتادة : تأمرهم بطاعة الله ، وتنهاهم عن معصية الله ، وأن تقوم عليهم بأمر الله ، وتأمرهم به ، وتساعدهم عليه ، فإذا رأيتَ لله معصية قذعتهم عنها ( كففتهم ) ، وزجرتهم عنها .

وهكذا قال الضحاك ومقاتل : حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه .

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 392 ) .

و- خدمة الزوجة لزوجها : والأدلة في ذلك كثيرة ، وقد سبق بعضها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة .

" الفتاوى الكبرى " ( 4 / 561 ) .

ز - تسليم المرأة نفسها : إذا استوفى عقد النكاح شروطه ووقع صحيحا فإنه يجب على المرأة تسليم نفسها إلى الزوج وتمكينه من الاستمتاع بها ; لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم العوض وهو الاستمتاع بها كما تستحق المرأة العوض وهو المهر .

ح- معاشرة الزوجة لزوجها بالمعروف : وذلك لقوله تعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) البقرة/228 .

قال القرطبي :

وعنه - أي : عن ابن عباس - أيضا أي : لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن .

وقيل : إن لهن على أزواجهن ترك مضارتهن كما كان ذلك عليهن لأزواجهن قاله الطبري .

وقال ابن زيد : تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم .

والمعنى متقارب والآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية .

" تفسير القرطبي " ( 3 / 123 ، 124 ) .

والله أعلم.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 04:24
السؤال:

المشهور أن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين ، وكذلك الأسرى كانوا سبعين ، وكان عددهم في بداية المعركة بين التسعمائة والألف ، فأين ذهب البقية ؟ هل يعقل أن قرابة ثمانمائة وخمسين رجلا فروا من أرض المعركة ؟!

الجواب :

الحمد لله

روى مسلم (1763) ، وأحمد (208) عن ابن عباس قال :\

" حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثَلاثُ مِائَةٍ وَنَيِّفٌ ، وَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ ، فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ، وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ ، ثُمَّ قَالَ: ( اللهُمَّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي ؟ اللهُمَّ أَنْجِزْ مَا وَعَدْتَنِي ، اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلامِ ، فَلا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا ) ، قَالَ : فَمَا زَالَ يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيَدْعُوهُ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ

فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ ، فَرَدَّاهُ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ ، كَفاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) الأنفال/ 9 ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُئِذٍ ، وَالْتَقَوْا ، فَهَزَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُشْرِكِينَ ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا ) .

قال ابن كثير رحمه الله :

" الْمَشْهُورُ أَنَّ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ كَانُوا سَبْعِينَ ، وَالْقَتْلَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ ، كَمَا وَرَدَ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ

" انتهى من " البداية والنهاية " (5/ 172) .

وفر الباقون من الكفار هاربين ، بعد أن ألقى الله في قلوبهم الرعب .

قال تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) القمر/ 45 .

قال أبو محمد القيرواني رحمه الله في " الهداية " (11/7204):

" فصدق الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وعده ، وهزم المشركين يوم بدر وولوا هاربين .

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لما نزلت (سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر) جعلت أقول: أي جمع يهزم ؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) ، وأكثر المفسرين على أنه يوم بدر ، هزموا فيه ، وولوا الدبر " انتهى .

وروى الطبري (13/445) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : " رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: ( إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ فَلَنْ تَعْبُدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا ) ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ ) ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ تُرَابِ فَرَمَى بِهَا وُجُوهَهُمْ، فَمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمِنْخَرَيْهِ وَفَمَهُ تُرَابٌ مِنْ تِلْكِ الْقَبْضَةِ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ " .

وروى الطبراني في " الكبير " (3128) عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ :" لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنَ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَنَا بِهِ ، فَرَمَانَا بِهَا، وَقَالَ : ( شَاهَتِ الْوُجُوهُ ) ، فَانْهَزَمْنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى) " ، وحسنه الهيثمي في " المجمع " (6/84) .

وروى أيضا (11750) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ : ( نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ ) ، فَنَاوَلَهُ " ، فَرَمَى بِهِ وُجُوهَ الْقَوْمِ، فَمَا بَقِي أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحَصْبَاءِ " .

قال الهيثمي في "المجمع" (6/84) : " رجاله رجال الصحيح " .

وليس ذلك على الله بعزيز ، فقد قذف في قلوبهم الرعب ، وأمد المسلمين بمدد من عنده ، وكان حقا عليه سبحانه نصر رسوله ونصر المؤمنين ، وما وجه العجب في أن قذف الله الرعب في قلوب أعدائه حتى ولوا مدبرين ، وقد جعلها آية لنبيه : أن ينصره على عدوه بالرعب ، كما ثبت ذلك عنه ، صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 04:32
السؤال:

( اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ ، مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً ، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ، لَوْ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) رواه البخاري (6115) ، ومسلم (2610) . ( دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ ، فَلَعَنَهُمَا ، وَسَبَّهُمَا ، فَلَمَّا خَرَجَا ،

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا ، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ ، قَالَ : ( وَمَا ذَاكِ ) ، قَالَتْ : قُلْتُ : لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا ، قَالَ : ( أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي ؟ قُلْتُ : اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا ) رواه مسلم (2600) . ( لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ ) البخاري (6114) ، ومسلم (2609) . ( فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا ؟ فَقَالَا : نَعَمْ . فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ ) مسند أحمد (36/389) لا أظن لبيبا إلا ويجد تعارضا صريحا في تلك الأحاديث ،

مة إلى رواتها وناقليها . وطبعا لا تنفع بعض الاعتذارات الباردة لهذه الأحاديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ويغضب ، هذا صحيح ، لكن النبي عليه السلام هو القدوة الحسنة في الرضا والغضب ، فعندما أغضب مثلا لا يكون تثريب علي إن سببت ولعنت لأنه جاءت روايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك وقت الغضب ! وجاءت روايات أخرى تنهى عن الفحش في الكلام ، وضبط النفس وقت الغضب ، فمن المستحيل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) البقرة/44. وحديث (.. اللهم إنما أنا بشر ..) فأنا أفهمه مثل ما أفهم حديث : ( فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) رواه مسلم (2702) ، زيادة تقوى منه عليه الصلاة والسلام .

فلماذا الكثير منكم ينتصر للرواية على حساب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

لماذا ليس مهما عندكم أن يظهر الرسول بمظهر المتناقض في أقواله ، كل هذا لكي لا يقال إن في الصحيحين أحاديث باطلة ؟

الجواب :

الحمد لله

إذا كنت تؤمن معنا ببشرية الرسول عليه الصلاة والسلام ، فذلك يعني أنك تؤمن بأنه عليه الصلاة والسلام يأكل ويشرب وينام ويستيقظ ويتزوج النساء ويدخل الخلاء ، وأيضا من لوازم بشريته عليه الصلاة والسلام أنه قد ينسى ويخطئ ، وقد يتصرف على خلاف الأولى والأجدر ، بل قد قرر ذلك جمهور العلماء : أن الأنبياء غير معصومين من الصغائر ، ووردت بذلك الأدلة .

ألم تقرأ قول الله عز وجل : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى . فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى . وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى . وَهُوَ يَخْشَى . فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) عبس/1-10، فهو عتاب صريح من الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام ، نتيجة تصرفه خلاف الأولى مع ذلك الأعمى ، وقد كان الأصل أن يقبل عليه ويكرمه بما يليق به .

وكذلك ألم تقرأ قول الله سبحانه : ( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) التوبة/43. يقول العلامة السعدي في تفسيره : " أي : سامحك وغفر لك ما أجريت " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/338) ، ففيه عتاب واضح على إذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه من المنافقين بالتخلف عن القتال ، وهو واحد من أمثلة بشريته صلى الله عليه وسلم التي من مقتضاها السهو والخطأ والغضب ، وإن كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الأحيان النادرة ، بعكس من يغلب ذلك عليه ، أو يكون ديدنا له ، وينقاد لمتقضى الطبع في أمره كله ، أو في غالبه .

وتصور ما سبق يعينك على جواب سؤالك واستشكالك ، خاصة حين تسائل نفسك : لماذا لم يخطر لك الإشكال نفسه على هذه الآيات ، بأن تقول : لو جاءك أعمى يطلب منك دعوته إلى الحق ، وتعليمه الخير ، فأعرضت عنه : فلا تثريب عليك ؛ لأن ذلك حصل من النبي صلى الله عليه وسلم !!

بل نقول إن التثريب عليك واقع ، واللوم عليك حاصل أيضا ، ولا يحل لك التعلل بقصة الأعمى ، ابن أم مكتوم ، وما كان من شأنه .

وحالك تماما كحال الذي يريد أن يقع فيما نهاه الله عنه ، ويقول : إن آدم عليه السلام نهي عن الأكل من الشجرة ، فخالف وأكل ؟!!

أو كحال من يقتل النفس المحرمة ، ويتعلل بأن موسى عليه السلام وكز رجلا بعصاه فقضى عليه !!

إلى أمثال هذه التعليلات الباطلة المردودة ، حتى يعود ما قص الله علينا في كتابه وبالا على فاعل ذلك ؛ نتيجة الفهم الخاطئ لقضية بشرية الرسل والأنبياء .

ولعله ألا يكون من الأدب في حقنا تقصي مثل هذه المخالفات للرسل والأنبياء الكرام ، أو العمد إلى جمعها ، والإكثار فيها ؛ حتى قال ابن العربي رحمه الله : " لا يجوز لأحد منا اليوم أن يخبر بذلك ( أي بعصيان آدم ) إلا إذا ذكرناه في أثناء قوله تعالى عنه ، أو قول نبيه ، فأما أن يبتدئ ذلك من قبل نفسه ، فليس بجائز لنا في آبائنا الأدنين المماثلين لنا، فكيف في أبينا الأقدم الأعظم الأكرم النبي المقدم الذي عذره الله وتاب عليه وغفر له " .

انتهى من " أحكام القرآن " لابن العربي (3/259) .

فإن الله جل جلاله لم يقص ذلك في كتابه عن أنبيائه ، ليعيرهم بها ، أو ليكون ذلك موضع الأسوة والقدوة فيهم ، حتى يقول القائل : لي أن أغضب كما غضب نبي الله ، ولي .. ولي ؛ فإن محل القدوة هو في مقام الأنبياء بعد ذلك ، وعبوديتهم لربهم إثر ما ألموا به من ذلك .

قال أبو المعالي الجويني رحمه الله :

" مَذْهَبُنَا الَّذِي نَدِينُ بِهِ ، لَا تَجِبُ عِصْمَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ ، وَآيُ الْقُرْآنِ فِي أَقَاصِيصِ النَّبِيِّينَ مَشْحُونَةٌ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى هَنَاتٍ كَانَتْ مِنْهُمْ ، اسْتَوْعَبُوا أَعْمَارَهُمْ فِي الِاسْتِغْفَارِ مِنْهَا " انتهى من "غياث الأمم " (94) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَإِنَّمَا ابْتَلَى اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ بِالذُّنُوبِ : رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِمْ بِالتَّوْبَةِ ، وَتَبْلِيغًا لَهُمْ إلَى مَحَبَّتِهِ وَفَرَحِهِ بِهِمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ أَشَدَّ فَرَحٍ فَالْمَقْصُودُ كَمَالُ الْغَايَةِ لَا نَقْصُ الْبِدَايَةِ ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ لَهُ الدَّرَجَةُ لَا يَنَالُهَا إلَّا بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ الْبَلَاءِ

" انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/89) .

وحينئذ ؛ فليس غضب النبي هو محل القدوة ولا الأسوة ، بل ما يحدثه لربه من العبوديات بعد ما ألم به ، هو محل الأسوة والقدوة .

ثم إن من حِكَم ذلك : أن تتعلم منه الأمة أن الكمال المطلق لله سبحانه وتعالى .

" قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ : إِن الله تَعَالَى لم يذكر ذنُوب الْأَنْبِيَاء فِي الْقُرْآن ليعيرهم بهَا؛ وَلَكِن ذكرهَا ليبين موقع النِّعْمَة عَلَيْهِم بِالْعَفو، وَلِئَلَّا ييأس أحد من رَحمته .

وَقيل: إِنَّه ابْتَلَاهُم بِالذنُوبِ ليتفرد بِالطَّهَارَةِ والعزة ، ويلقاه جَمِيع الْخلق يَوْم الْقِيَامَة على انكسار الْمعْصِيَة

" انتهى من " تفسير السمعاني " (3/22) .

ثم لتلعم أن غضب النبي صلى الله عليه وسلم رحمة بمن غضب عليه منهم ، وأجر له ، وصدقة ، كما في الحديث المذكور آنفا في سؤالك ؛ وصدق الله العظيم : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) التوبة/128.

وحينئذ تعلم أنه لا تعارض بين هذا الغضب وبين الأحاديث النبوية الشريفة التي تحذر منه ، أو مع المواقف الغالبة للنبي صلى الله عليه وسلم التي استعمل فيها الحلم والعفو والصفح ، حتى مع أشد الأعداء قساوة وضراوة في محاربة الإسلام والمسلمين .

فهل يبقى بعد ذلك أي إشكال في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : " دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ ، فَلَعَنَهُمَا ، وَسَبَّهُمَا ، فَلَمَّا خَرَجَا ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا ، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ ، قَالَ : ( وَمَا ذَاكِ ) . قَالَتْ : قُلْتُ : لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا ، قَالَ : ( أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي ؟ قُلْتُ : اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا ) رواه مسلم (2600) .

والله أعلم .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 04:42
السؤال :

سؤالي عن الرسول صلى الله عليه وسلم. بعض المسلمين يقولون إنه بدون خطايا ، وآخرون يقولون إنه ليس بدون خطايا . أنا شخصيا لا أعتقد أنه بدون خطايا لأنه بشر . هل يمكنك أن تخبرني بالرأي الصحيح من الكتاب والسنة؟ ولكم جزيل الشكر. والله أكبر

لجواب

الحمد لله
:
أولا : استعمال كلمة خطايا في السؤال خطأ كبير ، لأن الخطايا جمع خطيئة وهذا مُحال على الرسل والأصح أن تقول أخطاء جمع خطأ لأن الخطأ قد يكون عفوياً وليس كذلك الخطيئة .

ثانياً : أما الخطيئة فاٍن الرسل ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم لم يرتكبوا شيئاً منها بقصد معصية الله تعالى بعد الرسالة وهذا بإجماع المسلمين ، فهم معصومون عن كبائر الذنوب دون الصغائر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر : هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف ... وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول . " مجموع الفتاوى " ( 4 / 319 ) .

وهذا سؤال موجه إلى اللجنة الدائمة حول الموضوع :

سؤال : بعض الناس يقولون ومنهم الملحدون : إن الأنبياء والرسل يكون في حقهم الخطأ يعني يخطئون كباقي الناس ، قالوا : إن أول خطأ ارتكبه ابن آدم قابيل هو قتل هابيل ... داود عندما جاء إليه الملكان سمع كلام الأول ولم يسمع قضية الثاني .... يونس وقصته لما التقمه الحوت ، وقصة الرسول مع زيد بن حارثة قالوا بأنه أخفى في نفسه شيئا يجب عليه أن يقوله ويظهره ، قصته مع الصحابة : انتم أدرى بأمور دنياكم ، قالوا بأنه اخطأ في هذا الجانب . قصته مع الأعمى وهي { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } فهل الأنبياء والرسل حقا يخطئون وبماذا نرد على هؤلاء الآثمين ؟

الجواب :

ج : نعم الأنبياء والرسل يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم ويعفو عن زلتهم ويقبل توبتهم فضلا منه ورحمة والله غفور رحيم كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت فيما ذكر من الموضوعات في هذا السؤال ... وأما أبناء آدم فمع انهما ليسا من الأنبياء .... بين الله سوء صنيعه بأخيه ....انتهى

عبد العزيز بن باز - عبد الرزاق عفيفي - عبد الله بن غديان - عبد الله بن قعود . " فتاوى اللجنة الدائمة " برقم 6290 ( 3 / 194 ) .

ثالثاً : أما قبل الرسالة فقد جوَّز عليهم العلماء أنه قد يصدر منهم بعض صغائر الذنوب ، وحاشاهم من الكبائر والموبقات كالزنا وشرب الخمر وغيرها فهم معصومون من هذا .

= وأما بعد الرسالة ، فإن الصحيح أنه قد يصدر منهم بعض الصغائر لكن لا يُقرون عليها .

قال شيخ الإسلام :

وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ، ولا يقرون عليها ، ولا يقولون إنها لا تقع بحال ، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً ، وأعظمهم قولاً لذلك : الرافضة ، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل . " مجموع الفتاوى " ( 4 / 320 ) .

= وهو معصومون في التبليغ عن الله تعالى .

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقا وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه . " مجموع الفتاوى " ( 18 / 7 ) .

رابعاً : أما الخطأ الذي بغير قصد فهو في سبيلين :

في أمور الدنيا فهذا يقع ووقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فيه مثل سائر البشر كأمور الزراعة ، والطب والنجارة وغيرها لأن الله تعالى لم يقل لنا إنه أرسل إلينا تاجراً أو مزارعاً أو نجاراً أو طبيباً ، فالخطأ في هذه الأمور جِبلِّيّ لا يقدح برسالته صلى الله عليه وسلم .

عن رافع بن خديج قال : " قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُأبِّرون النخل قال : ما تصنعون ؟ قالوا : كنا نصنفه قال : لعلكم لو لم تفعلوا كان أحسن فتركوه فنقصت فذكروا ذلك له فقال : إنما أنا بشر مثلكم ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه ، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر . رواه مسلم ( 2361 ) .

ومعنى التأبير : التلقيح .

نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخطأ في هذا الأمر من أمور الدنيا لأنه كسائر البشر ولكنه لا يخطئ في أمر الدين .

وأما الخطأ بأمور الدين من غير قصد :

فالراجح في ذلك من أقوال العلماء : أنه يقع من النبي مثل هذا ولكن على سبيل فعل خلاف الأولى .

فقد تعْرِض له المسألة وليس عنده في ذلك نص شرعي يستند إليه فيجتهد برأيه كما يجتهد العالِم من آحاد المسلمين فإن أصاب نال من الأجر كِفْلين وإن أخطأ نال أجراً واحداً وهذا قوله صلى الله عليه وسلم " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " . رواه البخاري ( 6919 ) ومسلم ( 1716 ) من حديث أبي هريرة .

وقد حدث هذا منه في قصة أسرى بدر.

عن أنس قال : استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال إن الله عز وجل قد أمكنكم منهم ، قال : فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم قال فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس ، قال : فقام عمر فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم ، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك ، فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله إن ترى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء ، قال : فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم قال فعفا عنهم وقبل منهم الفداء ، قال : وأنزل الله عز وجل ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) [ سورة الأنفال /67 ] . رواه أحمد ( 13143 ) .

فنلاحظ أن هذه الحادثة لم يكن عند رسول الله فيها نص صريح فاجتهد واستشار أصحابه ، فأخطأ في الترجيح .

ومثل هذا في السنّة قليل فيجب أن نعتقد العصمة للرسل والأنبياء وأن نعلم أنهم لا يعصون الله تعالى ، وأن ننتبه غاية الانتباه لقول من يُريد أن يطْعن في تبليغه للوحي من خلال كونه صلى الله عليه وسلم قد يُخْطئ في أمور الدنيا ، وشتّان ما بين هذا وهذا ، وكذلك أن ننتبه للضالين الذين يقولون إنّ بعض الأحكام الشّرعية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم هي اجتهادات شخصيّة قابلة للصواب والخطأ أين هؤلاء الضلال من قول الله تعالى . ( وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى ) ، نسأل الله أن يجنّبنا الزّيغ وأن يعصمنا من الضلالة ، والله تعالى أعلم ، والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد



https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 04:48
السؤال

أجد صعوبة في فهم حديثين، هما: الحديث الأول: صحيح البخاريكتاب الفضائل حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، حدثنا أبو علي الحنفي. حدثنا مالك (وهو ابن أنس) عن أبي الزبير المكي؛ أن أبا الطفيل عامر بن واثلة أخبره. أن معاذ بن جبل أخبره. قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك. فكان يجمع الصلاة. فصلى الظهر والعصر جميعا. والمغرب والعشاء جميعا. حتى إذا كان يوما أخر الصلاة. ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا. ثم دخل ثم خرج بعد ذلك . فصلى المغرب والعشاء جميعا.

ثم قال "إنكم ستأتون غدا، إن شاء الله، عين تبوك. وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار. فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي" فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان. والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء. قال فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل مسستما من مائها شيئا؟" قالا: نعم. فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهما ما شاء الله أن يقول. قال ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا. حتى اجتمع في شي

. قال وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ووجهه. ثم أعاده فيها. فجرت العين بماء منهمر. أو قال غزير - شك أبو علي أيهما قال - حتى استقى الناس. ثم قال "يوشك يا معاذ! إن طالت بك حياة، أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا". الحديث الثاني: صحيح البخاري كتاب البر والصلة والآداب حدثنا زهير بن حرب. حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة. قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان. فكلمها بشي

لا أدري ما هو. فأغضباه. فلعنهما وسبهما. فلما خرجا قلت: يا رسول الله! من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان. قال "وما ذاك" قالت قلت: لعنتهما وسببتهما. قال "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم! إنما أنا بشر. فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا". سؤالي هو: إن الرسول صلي الله عليه و سلم هو الذي علمنا عفة اللسان، والقرآن مليء بالآيات التي تحض علي حسن القول، وأيضا السيرة مليئة بمواقف الرسول صلي الله عليه وسلم التي فيها لين القول، حتى مع تطاول اليهود، وغضب أمنا عائشة رضي الله عنها. فكيف يستقيم هذان الحديثان مع باقي النصوص الصحيحة، مع العلم أن الحديثين أيضا صحيحان؟ جزاكم الله خيرا وجعل الإجابة في ميزان حسناتكم.

الجواب

الحمد لله

الحلم والأناة وعفة اللسان من أعظم صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، حتى إن الثناء عليه بهذه الصفات سبق في كتب الأنبياء تَنَزُّلَه في القرآن الكريم .

يقول الله عز وجل :

( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال :

( وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ...لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ )

رواه البخاري (2125)

وبهذا عُرف صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، وانتشرت سيرته في الآفاق :

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

( لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ، وَلَا لَعَّانًا ، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ - أي عند العتاب - : مَا لَهُ ! تَرِبَ جَبِينُهُ )

رواه البخاري (6031)

ولم تكن رحمته صلى الله عليه وسلم مقتصرة على المسلمين ، بل نالت رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم كثيرا من المشركين والمنافقين .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :

( قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً )

رواه مسلم (2599)

ولو رحنا نعدد صورا من تجليات قوله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ) وتطبيقات ذلك لما وسعت الأوراق الكثيرة جزءا يسيرا مما ثبت في السنة الصحيحة من ذلك .

غير أننا في الوقت نفسه نقول :

لا يلزم من كون الرحمة والشفقة هي الهدي الغالب عليه صلى الله عليه وسلم أن لا يقع منه عليه الصلاة والسلام نزر يسير في بعض المواقف التي تقتضيه ، بحكم الطباع البشرية .

وفي ذلك صور عديدة من الحكم البالغة ، منها :

1- أنه كان عليه الصلاة والسلام ولي أمر المسلمين ، والولي يحتاج إلى شيء من الشدة في بعض المواقف ، كي يستقيم حال الناس ، وتعتدل أمورهم ، ولا يغرهم حلم الوالي ، ولا صفح الحاكم ، ألا ترى معي كيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم الزاني ، مع ما في ذلك من الشدة والإغلاظ في العقوبة ، لكن إصلاح المجتمعات لا يكون إلا بإقامة العدل ، وتطبيق الشرع ، وإلا أفسد الحلم حياة الناس ، وعاد على أصله بالنقض والإبطال .

وهذا هو ما استنبطه القاضي عياض رحمه الله من حديث معاذ المذكور في السؤال ، قال :

" فيه تأديب الحاكم باللسان ، والسب غير المقزع نفسه " انتهى.

" إكمال المعلم " (7/242)

2- ولعل من أعظم الحكم أيضا هو تحقيق مقام القوة الكاملة الذي نصبه الله عز وجل في هذا الرسول الكريم ، وذلك في قوله سبحانه وتعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب/21. والشدة وإغلاظ القول إذا وقع موقعه الصحيح من الضرورات التي يلجأ إليها القادة والرعاة في هذه الأمة ، وقدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالإصلاح لا يكون إلا باجتماع جناحي الترغيب والترهيب ، والخوف والرجاء .

ولذلك نجد في السنة النبوية صورا من الشدة التي تعامل بها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف التي تقتضي ذلك .

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ :

( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا ) رواه البخاري (3560) ومسلم (2327)

ومحل الشاهد هو قول عائشة رضي الله عنها : ( إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا )

ومن ذلك أيضا الحديثان المذكوران في السؤال ؛ والذي دعا إلى هذا الإغلاظ في القول منه صلى الله عليه وسلم ما نقله المفسرون والشراح من أن الرجلين اللذين أفسدا على المسلمين عين الماء في تبوك كانا من المنافقين ، وكان ما وقع منهما على وجه القصد والعمد لأذية المسلمين وقطع الماء عنهم ، فعاقبهما النبي صلى الله عليه وسلم بأقل ما يمكن أن يعاقب به الحاكم من التعزير بالقول والإغلاظ في الكلام .

يقول الواقدي رحمه الله :

" فيما ذكر لي، سبقه إليها أربعة من المنافقين معتب بن قشير، والحارث بن يزيد الطائي، ووديعة بن ثابت، وزيد بن لصيت " انتهى.

نقلا عن " الروض الأنف " (7/384)

ويقول ابن حزم رحمه الله :

" فهذان استحقا السب من النبي صلى الله عليه وسلم لخلافهما نهيه في مس الماء " انتهى.

" الإحكام في أصول الأحكام " (3/282)

والسب ههنا إنما هو التقريع والإغلاظ في القول والمعاتبة ، أو الدعاء عليهما بما تدعو به العرب عند الغضب ، كقولهم : أخزاك الله ، وقاتلك الله ، ونحو ذلك .

قال ابن إسحاق رحمه الله :

" وكان في الطريق ماء يخرج من وشل ، وما يروي الراكب والراكبين والثلاثة ، بواد يقال له وادي المشقق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سبقنا إلى ذلك الوادي فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه .

قال : فسبقه إليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه ، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال : من سبقنا إلى هذا الماء ؟ فقيل له : يا رسول الله فلان وفلان ، فقال : أو لم أنههم أن يسقوا منه شيئا حتى أتيه ، ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم ، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ، فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ، ثم نضحه به ، ومسحه بيده ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو به ، فانخرق من الماء – كما يقول من سمعه – ما إن له حسا كحس الصواعق ، فشرب الناس ، واستقوا حاجتهم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لئن بقيتم أو من بقي منكم لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه "

" مغازي ابن إسحاق " (605-606)

الوشل : الماء القليل يتحلب من جبل أو صخرة ، يقطر منه قليلا قليلا ، لا يتصل قطره . وقيل : لا يكون ذلك إلا من أعلى الجبل . وقيل : هو ماء يخرج من بين الصخر قليلا قليلا . انظر: " لسان العرب " (11/725) .

3- النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم من الخطأ في قوله ، أو سبق اللسان ؛ وقد يظن في إنسان أنه مستحق للعن أو السب ، فيسبه بحكم ما بدا له من ظاهر أمره ، فإذا لم يكن مستحقا لهذا السب أو اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم ، في حقيقة أمره ، فقد شارط الرؤوف الرحيم ربه أن يجعل هذا في ميزان حسنات من سبه ، وأن تكون زكاة له ، وكفارة لذنبه:

روى مسلم (4706) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ : فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً ) .

وفي رواية له (4708) : ( اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ ؛ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، وَإِنِّي قَدْ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ ؛ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

قال النووي رحمه الله :

" هَذِهِ الْأَحَادِيث مُبَيِّنَة مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته , وَالِاعْتِنَاء بِمَصَالِحِهِمْ , وَالِاحْتِيَاط لَهُمْ , وَالرَّغْبَة فِي كُلّ مَا يَنْفَعهُمْ . وَهَذِهِ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة آخِرًا تُبَيِّن الْمُرَاد بِبَاقِي الرِّوَايَات الْمُطْلَقَة , وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُون دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَة وَكَفَّارَة وَزَكَاة وَنَحْو ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبّ وَاللَّعْن وَنَحْوه , وَكَانَ مُسْلِمًا , وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَة .

فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبّهُ أَوْ يَلْعَنهُ وَنَحْو ذَلِكَ ؟ فَالْجَوَاب مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاء , وَمُخْتَصَره وَجْهَانِ :

أَحَدهمَا : أَنَّ الْمُرَاد لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد اللَّه تَعَالَى , وَفِي بَاطِن الْأَمْر , وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ , فَيَظْهَر لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة , وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ , وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ , وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر.

وَالثَّانِي : أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ , بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة , كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينك , عَقْرَى حَلْقَى ... وَنَحْو ذَلِكَ ، لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء , فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة , فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة , وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا , وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِر وَالشَّاذّ مِنْ الْأَزْمَان , وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ , وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : اُدْعُ عَلَى دَوْس , فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوْسًا " وَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " انتهى .

"شرح صحيح مسلم" ، للنووي .

والله أعلم .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 04:54
السؤال:

ما صحة هذا الحديث : ( اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة ) ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

إن من أعظم الصفات التي كان نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم يتصف بها الحلم والأناة وعفة اللسان ، وصفه بذلك الله الخالق عز وجل في محكم التنزيل فقال سبحانه : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159 .

وجاء وصفه بذلك في الكتب السابقة كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه :

" وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ ... لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ " رواه البخاري (2125) .

وعرفه الصحابة رضوان الله عليهم بذلك أيضا في سيرته العطرة ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ، وَلَا لَعَّانًا ، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ – أي عند العتاب - : مَا لَهُ ! تَرِبَ جَبِينُهُ " رواه البخاري (6031) .

حتى رفض صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال أن يدعو على المشركين مع استحقاقهم ذلك اللعن : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ؟

قَالَ : (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) " رواه مسلم (2599) .

ثانيا :

الحديث المذكور حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد ورد عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

رواه البخاري (6361) واللفظ له ، ومسلم (2601) ، وقد روى نحوه الإمام أحمد في " المسند " (3/33) من حديث أبي سعيد الخدري ، وفي " المسند " أيضا (5/294) من حديث أبي السوار عن خاله . فالحديث من أصح الأحاديث .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ : أَيُّ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا ) رواه مسلم (2602) .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :

" كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ - وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ - فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَتِيمَةَ فَقَالَ : ( آنْتِ هِيَهْ ، لَقَدْ كَبِرْتِ لَا كَبِرَ سِنُّكِ ) ، فَرَجَعَتْ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ ! قَالَتْ الْجَارِيَةُ : دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي ، فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا ، فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :َ ( ما لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟! ) ، فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي ؟ ، قَالَ : ( وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟!) ، قَالَتْ : زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا ، قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : ( يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ! أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم (2603) .

ثالثا :

في هذا الحديث رد على أهل الغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد بين أنه " بشر " ، يغضب كما يغضب البشر ، وإن كان أعلم الخلق بالله ، وأتقاهم لله ، وأبعدهم عن كل سوء وخطأ ، إلا أنه ليس معصوما من الخطأ في اجتهاده ، وليس معصوما من مثل ذلك الذي يصدر منه على وجه الندرة ، بوصفه بشرا ؛ لكنه صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يقر على اجتهاد أخطأ فيه ، بل ينزل عليه الوحي بتصحيح ما أخطأ فيه . ثم إن ما صدر منه في حال غضبه ، وتعلق به حق غيره من البشر ، من مثل ذلك السب واللعن ، هذا الذي صدر منه : مأمون العاقبة ، إذا كان قد صدر في حق من ليس أهلا ، بما وعده الله في هذه الأحاديث ، أن يجعل ذلك له زكاة وأجرا وقربة من الله يوم القيامة
.
قال الشيخ الألباني رحمه الله :

" قد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء إلى إنكار مثل هذا الحديث بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتنزيهه عن النطق به ! ولا مجال إلى مثل هذا الإنكار فإن الحديث صحيح ، بل هو عندنا متواتر ، فقد رواه مسلم من حديث عائشة ، وأم سلمة كما ذكرنا ، ومن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما ، وورد من حديث سلمان ، وأنس ، وسمرة ، وأبي الطفيل ، وأبي سعيد وغيرهم ، انظر " كنز العمال " ( 2 / 124 )

وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعا إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا ، وبذلك يجتمع الإيمان به صلى الله عليه وسلم عبدا ورسولا دون إفراط ولا تفريط ، فهو صلى الله عليه وسلم بشر بشهادة الكتاب والسنة ، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث الصحيحة ، وكما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته وما حباه

الله تعالى به من الأخلاق الكريمة ، والخصال الحميدة ، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم ، وصدق الله العظيم ، إذ خاطبه بقوله الكريم : ( وإنك لعلى خلق عظيم )

" انتهى من " السلسلة الصحيحة " (رقم/84) .

رابعا :

تكلم أهل العلم في توجيه هذا الحديث ونحوه ، مع ما هو متواتر عنه ، مقطوع به من كمال خلقه ، وشفقته بأمته ، وحلمه وعلمه .

قال الإمام النووي رحمه الله :

" هَذِهِ الْأَحَادِيث مُبَيِّنَة مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته ، وَالِاعْتِنَاء بِمَصَالِحِهِمْ ، وَالِاحْتِيَاط لَهُمْ ، وَالرَّغْبَة فِي كُلّ مَا يَنْفَعهُمْ .

وَهَذِهِ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة آخِرًا تُبَيِّن الْمُرَاد بِبَاقِي الرِّوَايَات الْمُطْلَقَة ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُون دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَة وَكَفَّارَة وَزَكَاة وَنَحْو ذَلِكَ ، إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبّ وَاللَّعْن وَنَحْوه ، وَكَانَ مُسْلِمًا ، وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَة .

فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبّهُ أَوْ يَلْعَنهُ وَنَحْو ذَلِكَ ؟ فَالْجَوَاب مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاء ، وَمُخْتَصَره وَجْهَانِ :

أَحَدهمَا : أَنَّ الْمُرَاد لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد اللَّه تَعَالَى ، وَفِي بَاطِن الْأَمْر ، وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ ، فَيَظْهَر لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة ، وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ ، وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر .

وَالثَّانِي : أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ ، بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة ، كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينك ، عَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيث ( لَا كَبِرَتْ سِنّك ) وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة ( لَا أَشْبَعَ اللَّه بَطْنك ) وَنَحْو ذَلِكَ ، لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء ، فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة ، فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة ، وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا .

وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِر وَالشَّاذّ مِنْ الْأَزْمَان ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : اُدْعُ عَلَى دَوْس ، فَقَالَ : (اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوْسًا) وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) . وَاَللَّه أَعْلَم " .

انتهى من " شرح مسلم " (16/152) .

وقد تكلم ابن الأثير رحمه الله في شرحه لحديث ، فيه نحو مما هنا من الإشكال ، فقال :

" وفي هذا الدعاء من النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قولان :

أحدهما : تَعَجُّبُه من حرص السائل ومُزَاحَمَته .

والثاني : أنه لما رآه بهذا الحال من الحرص ، غلَبَه طبع البَشَرِية فدعا عليه ، وقد قال في غير هذا الحديث : ( اللّهُمَّ إنَّمَا أنا بَشَرٌ فمن دَعوتُ عليه فاجعلْ دُعائي له رَحْمَة ) " .

انتهى من " النهاية في غريب الحديث " (1/71) .

وينظر : " الآداب الشرعية " ، لابن مفلح (1/81-83، 343-344) .

والأقرب إلى ظاهر النصوص : أن ذلك اللعن ، أو السب ، أو الجلد والضرب ، المذكور في هذه النصوص : قد صدر في حق من ليس أهلا له ، إما باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ، وحكم على ظاهر الشخص ، وهو في باطن الأمر غير مستحق لذلك ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ، بما أنه بشر: لا يعلم الغيب

وإما بحكم غلبة الطباع البشرية ، فيغضب ـ في هذه الحال ـ على من لا يستحق غضبه وسبه ، ولأجل ذلك اقترنت هذه النصوص بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر ) ؛ غير أن ذلك مأمون العاقبة منه صلى الله عليه وسلم ، فلا يتحقق مقتضى اللعن والسب فيمن ليس أهلا له ، بل وعد الله نبيه أن يكون الأمر بعكس ذلك ، فيكون له كفارة وقربة من الله ، ولا يبقى لهذا الشخص مظلمة ولا حق عند النبي صلى الله عليه وسلم ، بل ربما كانت نعمة في حقه ، أن ينال تلك الدرجة والكفارة .

وينظر : " سير أعلام النبلاء " ، للذهبي (3/123-124، 14/130) .

والله أعلم .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 05:02
السؤال :

أود أن أسال عن العقيدة ، هل من عقيدتنا الإيمان بصدور الذنب عن الأنبياء وأنهم غير معصومين ؟.

الجواب

الحمد لله

الأنبياء هم صفوة البشر ، وهم أكرم الخلق على الله تعالى ، اصطفاهم الله تعالى لتبليغ الناس دعوة لا إله إلا الله ، وجعلهم الله تعالى الواسطة بينه وبين خلقه في تبليغ الشرائع ، وهم مأمورون بالتبليغ عن الله تعالى ، قال الله تعالى : " أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين " الأنعام / 89 .

والأنبياء وظيفتهم التبليغ عن الله تعالى مع كونهم بشرا ، ولذلك فهم بالنسبة للأمر المتعلق بالعصمة على حالين :

1- العصمة في تبيلغ الدين .

2- العصمة من الأخطاء البشرية .

أولاً : أما بالنسبة للأمر الأول ، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون في التبليغ عن الله تبارك وتعالى ، فلا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم ، ولا يزيدون عليه من عند أنفسهم ، قال الله تعالى لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – " يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " المائدة /67 ، وقال تعالى : " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين " الحاقة /47 - 44 .

وقال تعالى : " وما هو على الغيب بضنين " التكوير /24 ، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله – في تفسير هذه الآية " وما هو على ما أوحاه الله إليه بشحيح ، يكتم بعضه ، بل هو – صلى الله عليه وسلم – أمين أهل السماء ، وأهل الأرض ، الذي بلغ رسالات ربه ، البلاغ المبين ، فلم يشح بشيء منه ، عن غني ولا فقير ، ولا رئيس ولا مرؤوس ، ولا ذكر ولا أنثى ، ولا حضري ولا بدوي ، ولذلك بعثه الله في أمة أمية جاهلة جهلاء ، فلم يمت – صلى الله عليه وسلم – حتى كانوا علماء ربانيين ، إليهم الغاية في العلوم ... " انتهى

فالنبي في تبليغه لدين ربه وشريعته لا يخطأ في شيء البتة لا كبير ولا قليل ، بل هو معصوم دائماً من الله تعالى .

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – ( فتاوى ابن باز ج6/371 ) :

" قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام – ولاسيما محمد – صلى الله عليه وسلم – معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل ، قال تعالى : " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى " النجم /1-5 ) ، فنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريراً ، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم " انتهى .

وقد اتفقت الأمة على ‏أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة ، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم ، إلا شيئا قد ‏نسخ ، وقد تكفل الله جل وعلا لرسوله _ صلى الله عليه وسلم _ أن يقرئه فلا ينسى ، إلا شيئاً ‏أراد الله أن ينسيه إياه وتكفل له بأن يجمع له القرآن في صدره . قال تعالى . " سنقرئك فلا ‏تنسى إلا ما شاء الله " الأعلى /6-7 ، وقال تعالى : " إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع ‏قرآنه " القيامة /17-18 .

قال شيخ الإسلام رحمه الله ( مجموع الفتاوى ج18 / 7 ) :

" فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقاً وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه " انتهى .

ثانيا : بالنسبة للأنبياء كأناس يصدر منهم الخطأ ، فهو على حالات :

1- عدم الخطأ بصدور الكبائر منهم :

أما كبائر الذنوب فلا تصدر من الأنبياء أبدا وهم معصومون من الكبائر ، سواء قبل بعثتهم أم بعدها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ( مجموع الفتاوى : ج4 / 319 ) :

" إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف ... وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول " انتهى .

2- الأمور التي لا تتعلق بتبيلغ الرسالة والوحي .

وأما صغائر الذنوب فربما تقع منهم أو من بعضهم ، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم غير معصومين منها ، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يُقرون عليها بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها .

والدليل على ‏وقوع الصغائر منهم مع عدم إقرارهم عليها :‏‏ - قوله تعالى عن آدم : " وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) طه / ‏‏121-122 ، وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم – عليه الصلاة والسلام - ، وعدم إقراره عليها ، مع توبته إلى ‏الله منها .‏

‏ - قوله تعالى " قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضلٌ مبين* قال رب إني ظلمت ‏نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " القصص/15،16 . فموسى – عليه الصلاة والسلام - اعترف ‏بذنبه وطلب المغفرة من الله بعد قتله القبطي ، وقد غفر الله له ذنبه .

- قوله تعالى : ‏" فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " ‏‏ص / 23،24 ، وكانت معصية داود هي التسرع في الحكم قبل أن يسمع من الخصم ‏الثاني .

وهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يعاتبه ربه سبحانه وتعالى في أمور ‏ذكرت في القرآن ، منها :

- قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي ‏مرضات أزواجك والله غفور رحيم " التحريم /1 ، وذلك في القصة المشهورة مع بعض أزواجه – صلى الله عليه وسلم - .

- كذا عتاب الله تعالى للنبي – صلى الله عليه وسلم - في أسرى بدر :

فقد روى مسلم في صحيحه ( 4588 ) " قال ابن عباس : فلما أسروا الأسارى قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - : " ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ " فقال أبو بكر : يا نبي الله ! هم بنو العم والعشيرة , أرى أن تأخذ منهم فدية , فتكون لنا قوة على الكفار , فعسى الله أن يهديهم للإسلام ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " ما ترى يا ابن الخطاب ؟! " قال : قلت لا ، والله يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم

ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم ، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكني من فلان - نسيبا لعمر – فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها ، فهوي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر قاعدين وهما يبكيان ، قلت : يا رسول الله ! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :

" أبكي للذي عَرَضَ عليّ أصحابُك من أخذهم الفداء ، لقد عُرِض عليّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة " – شجرة قريبة من نبي الله – صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " إلى قوله : " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " الأنفال / 67–69 ، فأحل الله الغنيمة لهم .

ففي هذا الحديث اتضح أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للعفو عن الأسرى إنما كان أمرا اجتهاديا منه بعد مشاورة أصحابه ، ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نص .

- قوله تعالى : " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " عبس /1-2 ، وهذه قصة الصحابي الجليل عبد الله ابن أم مكتوم الشهيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي عاتبه الله فيها .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-22, 05:07
قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى : ج4 / 320 ) :

" وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم ( أي الأنبياء ) غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ، ولا يقرون عليها ، ولا يقولون إنها لا تقع بحال ، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً ، وأعظمهم قولاً لذلك : الرافضة ، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل " انتهى .

وقد يستعظم بعض الناس مثل هذا ويذهبون إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة ‏الدالة على هذا و يحرفونها . والدافع لهم إلى هذا القول شبهتان :

الأولى : أن الله تعالى أمر ‏باتباع الرسل والتأسي بهم ، والأمر باتباعهم يستلزم أن يكون كل ما صدر عنهم محلاً ‏للاتباع ، وأن كل فعل ، أو اعتقاد منهم طاعة ، ولو جاز أن يقع الرسول صلى الله عليه وسلم في معصية ‏لحصل التناقض ، لأن ذلك يقتضي أن يجتمع في هذه المعصية التي وقعت من الرسول ‏الأمر باتباعها وفعلها ، من حيث إننا مأمورون بالتأسي به ، والنهي عن موافقتها ، من ‏حيث كونها معصية .‏

‏وهذه الشبهة صحيحة وفي محلها لو كانت المعصية خافية غير ظاهرة بحيث تختلط ‏بالطاعة ، ولكن الله تعالى ينبه رسله ويبين لهم المخالفة ، ويوفقهم إلى التوبة منها من غير ‏تأخير .‏

الثانية : أن الذنوب تنافي الكمال وأنها نقص . وهذا صحيح إن لم يصاحبها توبة ، فإن التوبة ‏تغفر الذنب ، ولا تنافي الكمال ، ولا يتوجه إلى صاحبها اللوم ، بل إن العبد في كثير من ‏الأحيان يكون بعد توبته خيراً منه قبل وقوعه في المعصية ومعلوم أنه لم يقع ذنب من نبي إلا وقد سارع إلى التوبة والاستغفار، فالأنبياء لا يقرون ‏على ذنب ، ولا يؤخرون توبة ، فالله عصمهم من ذلك ، وهم بعد التوبة أكمل منهم ‏قبلها .‏

3- الخطأ في بعض الأمور الدنيوية – بغير قصد - :

وأما الخطأ في الأمور الدنيوية ، فيجوز عليهم الخطأ فيها مع تمام عقلهم ، وسداد رأيهم ، وقوة بصيرتهم ، وقد وقع ذلك من بعض الأنبياء ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك في مناحي الحياة المختلفة من طب وزراعة وغير ذلك .

فقد روى مسلم في صحيحه ( 6127 ) عن رافع بن خديج قَالَ: قَدِمَ نَبِيّ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم – الْمَدِينَةَ ، وَهُمْ يَأْبُرُونَ النّخْلَ . يَقُولُونَ يُلَقّحُونَ النّخْلَ . فَقَالَ : "مَا تَصْنَعُونَ ؟ " قَالُوا : كُنّا نَصْنَعُهُ. قَالَ : "لَعَلّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْراً " فَتَرَكُوهُ . فَنَفَضَتْ أَوْ قال : فَنَقَصَتْ . قَالَ : فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : " إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيي ، فَإِنّمَا أَنَا بَشَرٌ" وبهذا يكون قد علم أن أنبياء الله تعالى معصومون عن الخطأ في الوحي ، ولنحذر ممن يطعنون في تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويشككون في تشريعاته ويقولون هي اجتهادات شخصية من عنده حاشاه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " النجم /3-4 .

وسئلت اللجنة الدائمة : هل الأنبياء والرسل يخطئون ؟

فأجابت :

نعم ، يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم ، ويعفو عن زلتهم ، ويقبل توبتهم فضلاً منه ورحمة ، والله غفور رحيم ، كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت في هذا" اهـ

"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/194) .

والله اعلم .

و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر

وارجوا المعذره علي الاطاله اليوم

و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 02:47
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال

كيف كانت عادة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الأكل والحمية ؟

الجواب

الحمد لله

1. أما هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل فأكمل هدي ، وقد بيَّنه الإمام ابن القيم ، فقال :

أ. كان إذا وضع يده في الطعام قال : "بسم الله" ، ويأمر الآكل بالتسمية ، ويقول : "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره" حديث صحيح . - رواه الترمذي (1859) و أبو داود (3767)- .

والصحيح : وجوب التسمية عند الأكل ، .. وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة ولا معارض لها .

ب. وكان إذا رفع الطعام من بين يديه يقول : "الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفيٍّ ولا مودَّع ولا مستغنى عنه ربَّنا عز وجل ذكره البخاري . - البخاري ( 5142 ) - .

ج. وما عاب طعاماً قط ، بل كان إذا اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه ، وسكت . - رواه البخاري ( 3370 ) ومسلم ( 2064 ) - .

وربما قال : "أجدني أعافه إني لا أشتهيه" . - رواه البخاري ( 5076 ) ومسلم ( 1946) - .

د. وكان يمدح الطعام أحياناً ، كقوله لما سأل أهلَه الإدام ، فقالوا : ما عندنا إلا خلّ ، فدعا به فجعل يأكل منه ، ويقول : "نِعْم الأُدْم الخل" . - رواه مسلم (2052) - .

هـ. وكان يتحدث على طعامه كما تقدم في حديث الخل .

وكما قال لربيبه عمر بن أبي سلمة وهو يؤاكله : "سمِّ الله وكُلْ مما يليك" . - رواه البخاري ( 5061 ) ومسلم ( 2022) - .

و. وربما كان يكرر على أضيافه عرض الأكل عليهم مراراً ، كما يفعله أهل الكرم ، كما في حديث أبي هريرة عند البخاري في قصة شرب اللبن وقوله له مراراً : "اشرب" ، فما زال يقول : "اشرب" حتى قال : والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً . - رواه البخاري ( 6087 ) - .

ز. وكان إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم ، فدعا في منـزل عبد الله بن بسر ، فقال : "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم ، واغفر لهم ، وارحمهم" ذكره مسلم . - رواه مسلم (2042) - .

ح. وكان يأمر بالأكل باليمين وينهى عن الأكل بالشمال ، ويقول : "إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله" - رواه مسلم (2020) - ومقتضى هذا تحريم الأكل بها ، وهو الصحيح ؛ فإن الآكل بها إما شيطان ، وإما مشبه به .

وصح عنه أنه قال لرجل أكل عنده فأكل بشماله : "كل بيمينك" ، فقال لا أستطيع فقال : "لا استطعت" ، فما رفع يده إلى فيه بعدها . - رواه مسلم (2021) - فلو كان ذلك جائزاً لما دعا عليه بفعله ، وإن كان كِبره حمله على ترك امتثال الأمر : فذلك أبلغ في العصيان ، واستحقاق الدعاء عليه.

ط. وأمر من شكوا إليه أنهم لا يشبعون "أن يجتمعوا على طعامهم ، ولا يتفرقوا وأن يذكروا اسم الله عليه يبارك لهم فيه" . - رواه أبو داود (3764) وابن ماجه (3286) - .

انظر لما سبق : " زاد المعاد " ( 2/ 397 - 406 ) .

ك. وصح عنه أنه قال : "لا آكل متكئاً" . - رواه البخاري ( 5083 ) .

ل. وكان يأكل بأصابعه الثلاث وهذا أنفع ما يكون من الأكلات .

انظر : " زاد المعاد " ( 220 - 222) ، والله أعلم .

2. وأما هديه صلى الله عليه وسلم في الحمية :

أ. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما يأكل .

ب. ويأكل ما ينفع .

ج. ويجعل من قوته قياماً لصلبه لا تكثيراً لشحمه ، لذلك روى لنا ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء" . رواه البخاري ( 5081 ) ومسلم ( 2060 ) .

د. وعلَّم أمته أمراً يحتمون به مِن أمراض الطعام والشراب فقال : "ما ملأ آدمي وعاء شرّاً من بطنٍ بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسه" . رواه الترمذي (1381) وابن ماجه (3349) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2265 ) .

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 02:50
السؤال

أريد أن أعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام ؟ هل كان ينام على السرير أم على الأرض ؟

وهل كان يقرأ دعاءً معيناً إذا أراد النوم ؟.

الجواب

الحمد لله

كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام على الفراش تارة وعلى النطع تارة وعلى الحصير تارة وعلى الأرض تارة وعلى السرير تارة بين رماله وتارة على كساء أسود .

قال عباد بن تميم عن عمه : رأيت رسول الله مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى . رواه البخاري(475) ومسلم (2100) .

وكان فراشه أَدَماً حشوُه ليف ، وكان له مِسْحٌ ينام عليه يُثنى بثَنيتين .

والمقصود أنه نام على الفراش وتغطى باللحاف ، وقال لنسائه : " ما أتاني جبريل وأنا في لحاف امرأة منكن غير عائشة " . رواه البخاري (3775) .

وكانت وسادته أَدَماً حشوها ليف .

وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قال : " اللهم باسمك أحيا وأموت " رواه البخاري (7394) .

وكان يجمع كفيه ثم ينفث فيهما ، وكان يقرأ فيهما قل هو الله أحد و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات .

وكان ينام على شقة الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم يقول : " اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك وكان يقول إذا أوى إلى فراشه : " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي " ذكره مسلم وذكر أيضا أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه : " اللهم رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر " رواه مسلم (2713) .

وكان إذا انتبه من نومه قال : " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " رواه البخاري (6312) ثم يتسوك وربما قرأ العشر الآيات من آخر آل عمران من قوله تعالى : { إن في خلق السماوات والأرض .. } إلى آخرها (آل عمران 190 - 200)

وقال : " اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت " رواه البخاري (1120) .

وكان ينام أول الليل ويقوم آخره ، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين ، وكان تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكان إذا نام لم يوقظوه حتى يكون هو الذي يستيقظ .

وكان إذا عرس بليل ( أي إذا توقف للاستراحة في السفر) اضطجع على شقه الأيمن ، وإذا عرس قُبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه هكذا قال الترمذي .

وكان نومه أعدل النوم وهو أنفع ما يكون من النوم والأطباء يقولون هو ثلث الليل والنهار ثمان ساعات .

المرجع زاد المعاد (1/155).

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 02:52
السؤال

أرغب في معرفة السنَّة في التجارة , كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتاجر ، ويصف السلَع ، ويتبادلها ، ويعيدها ... الخ

الجواب

الحمد لله

يمكن تلخيص هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التجارة ، والبيع ، والشراء فيما يلي:

1. عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة قبل البعثة مع عمه أبي طالب ؛ وعمل لخديجة كذلك ، وسافر لذلك إلى بلاد الشام , وكان أيضا يتاجر في الأسواق ؛ فمجنة ، وعكاظ : كانت أسواقاً في الجاهلية ، وكان التجار يقصدونها للبيع ، والشراء .

2. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر البيع بنفسه ، كما سيأتي في حديث جمل عمر ، وجمل جابر رضي الله عنهما ، أو يُوكل ذلك إلى أحدٍ من أصحابه ، كما في عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ قَالَ : أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِينَاراً يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَةً - أَوْ شَاةً - فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ ، فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ ، فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ .

رواه الترمذي ( 1258 ) وأبو داود ( 3384 ) وابن ماجه ( 2402 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

3. كان صلى الله عليه وسلم يأمر التجار بالبرِّ ، والصدق ، والصدقة .

عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ) .

رواه البخاري ( 1973 ) ومسلم ( 1532 ) .

ب. عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى ، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ : ( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ ) ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ : ( إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً ، إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ ) .

رواه الترمذي ( 1210 ) وابن ماجه ( 2146 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1785 ) .

ج. وعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال : كان صلى الله عليه وسلم يقول : ( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ ) .

رواه الترمذي ( 1208 ) وأبو داود ( 3326 ) والنسائي ( 3797 ) وابن ماجه ( 2145 ) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

4. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالسماحة ، واليسر ، في البيع والشراء .

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى ) .

البخاري (1970)

قال ابن حجر – رحمه الله - :

وفيه الحض على السماحة في المعاملة , واستعمال معالي الأخلاق , وترك المشاحة , والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة ، وأخذ العفو منهم .

" فتح الباري " ( 4 / 307 ) .

ومن صور سماحته صلى الله عليه وسلم :

أ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ : ( بِِعْنِِيهِِ ) قَالَ : هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( بِعْنِيهِ ) فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ ) .

رواه البخاري ( 2610 ) .

ب. وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ قَالَ : فَلَحِقَنِى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قَالَ : ( بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ ) قُلْتُ : لاَ ، ثُمَّ قَالَ : ( بِعْنِيهِ ) ، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِى فَقَالَ : ( أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ ) .

رواه البخاري ( 1991 ) ومسلم ( 715 ) - واللفظ له - .

5. وكان صلى الله عليه وسلم يحسن أداء الحقوق لأهلها ، ويحث عليه .

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ : ( أَعْطُوهُ ) ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا ، فَقَالَ ( أَعْطُوهُ ) ، فَقَالَ : أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً ).

رواه البخاري ( 2182 ) ومسلم ( 1601 ) .

8. وكان صلى الله عليه وسلم يحث على إقالة النادم .

عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

رواه أبو داود ( 3460 ) وابن ماجه ( 2199 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

والإقالة : هي المسامحة ، والتراجع عن البيع ، أو الشراء ، وتدل على كرمٍ في النفس .

" وصُورَة إِقَالَة الْبَيْع : إِذَا اِشْتَرَى أَحَد شَيْئًا مِنْ رَجُل ثُمَّ نَدِمَ عَلَى اِشْتِرَائِهِ ، إِمَّا لِظُهُورِ الْغَبْن فِيهِ أَوْ لِزَوَالِ حَاجَته إِلَيْهِ ، أَوْ لِانْعِدَامِ الثَّمَن : فَرَدَّ الْمَبِيع عَلَى الْبَائِع ، وَقَبِلَ الْبَائِع رَدَّهُ : أَزَالَ اللَّه مَشَقَّته وَعَثْرَته يَوْم الْقِيَامَة ، لِأَنَّهُ إِحْسَان مِنْهُ عَلَى الْمُشْتَرِي , لِأَنَّ الْبَيْع كَانَ قَدْ بَتَّ فَلَا يَسْتَطِيع الْمُشْتَرِي فَسْخه " انتهى . من "عون المعبود" .

6. وكان صلى الله عليه وسلم يساوم في الشراء ، ولا يبخس الناس بضاعتهم ، كما مر معنا في حديث جمل جابر .

وعن سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ " هَجَرَ " فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ ، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي ، فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ ، فَبِعْنَاهُ .

رواه الترمذي ( 1305 ) وقال : حسن صحيح ، وأبو داود ( 3336 ) والنسائي (4592) وابن ماجه ( 2220 ) .

7. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر برجحان الوزن .

عن سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ : ( رأى ) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَزِنُ بِالأَجْرِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( زِنْ وَأَرْجِحْ ) .

وهو تتمة الحديث السابق .

8. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بإنظار المعسر ، والحط عنه .

عن أبي اليسر رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ) .

رواه مسلم ( 3006 ) .

9. وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التعامل بالربا ، وبيع الغرر ، وبيع العِينة ، والتجارة بالمحرمات , وعن الغش والخداع .

والأدلة على ذلك كثيرة ، ومشتهرة .

وليس عندنا تفاصيل بيعه وشرائه في كل معاملاته التجارية صلى الله عليه وسلم ؛ فقد كانت تجارته في الجاهلية ، ولم يكن نبيّاً حتى تُنقل تصرفاته من أصحابه ، وما نُقِلَ عن سنَّته صلى الله عليه وسلم كافٍ إن شاء الله .

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 02:57
السؤال :

ما هي الملابس التي اعتاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها ؟

أرجو ذكر الدليل والمصدر .

الجواب:

الحمد لله

ورد في السنة والآثار العديد من الملابس التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها ، حاصل ما جاء فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس ما يتيسر من اللباس الذي كان معروفا في قومه ، فلا يرد موجودا ، ولا يتكلف مفقودا ، ولا يتميز بلبسة دون الناس ، ولا يقتصر على لبسة واحدة ، بل يلبس من أنواع القماش كلها إلا الحرير ، ومن أنواع الثياب ما كان ساترا جميلا منها ، وقد جمع العلامة ابن القيم رحمه الله خلاصة ما ورد في الأحاديث من وصف ملابس النبي صلى الله عليه وسلم ، ننقله هنا مع شيء من الاختصار ، ولا نُطوِّلُ على القارئ الكريم بذكر الأحاديث الواردة في ذلك ، فمحلها كتب السنة ، يمكن الرجوع إليها في كتب اللباس والزينة .

يقول ابن القيم رحمه الله :

" كانت له عمامة [ وهي : ما يُلفُّ على الرأس ، كما هو اللباس الشعبي في بعض البلاد اليوم كاليمن والسودان ] تُسمى : السحاب ، كساها علياً ، وكان يلبَسُها ويلْبَسُ تحتها القَلَنسُوة ، وكان يلبَس القلنسُوة بغير عمامة ، ويلبَسُ العِمامة بغير قلنسُوة ، وكان إذا اعتمَّ أرخى عِمامته بين كتفيه ، كما رواه مسلم في " صحيحه " عن عمرو بن حريث قال : ( رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على المنبرِ وَعَلَيهِ عِمَامَة سَوْدَاءُ قَدْ أرخَى طَرفَيهَا بينَ كَتِفَيْهِ ) ، وفي مسلم أيضاً عن جابر بن عبد اللّه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ( دَخَلَ مَكَّة وَعَلَيْهِ عمَامَةٌ سَودَاء ) ، ولم يذكر في حديث جابر: ذؤابة ، فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائماً بين كتفيه . وقد يقال : إنه دخل مكة وعليه أهبةُ القتال والمِغفَرُ على رأسه ، فلبسَ في كل مَوطِنٍ ما يُناسبه .

ولبس صلى الله عليه وسلم القميص [ وهو : كالثياب المعروفة اليوم ، وفي بعض البلاد يسمى "الجلباب" أو"الجلابية"] ، وكان أحبَّ الثياب إليه ، وكان كُمُّه إلى الرُّسُغ .

ولبس الجُبَّةَ [ وهي : ثوب سابغ ، واسع الكُمَّين ، مشقوق المقدم ، يلبس فوق الثياب ، يشبه في زماننا الجبة في اللباس الأزهري المعروف

انظر " المعجم الوسيط " (1/104)] .

والفَرّوج ، وهو شبه القَباء [ وهو : ثوب يلبس فوق الثياب ، ويتمنطق عليه . انظ: " المعجم الوسيط " (2/713)] .
والفرجية [ وهي : ثوب واسع طويل الأكمام ، يتزيا به علماء الدين . انظر: " المعجم الوسيط " (2/679)] .

ولبس في السفر جُبة ضَيِّقَةَ الكُمَّين .

ولبس الإِزار والرداء [ وهو : اللباس الذي يلبسه الناس في الإحرام اليوم ] ، قال الواقدي : كان رداؤه وبرده طولَ ستة أذرع في ثلاثة وشبر ، وإزاره من نسج عُمان ، طول أربعة أذرع وشبر في عرض ذراعين وشبر .

ولبس حُلة حمراء ، والحلة : إزار ورداء ، ولا تكون الحُلة إلا اسماً للثوبين معاً ، وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتاً لا يُخالطها غيره ، وإنما الحلةُ الحمراء : بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود ، كسائر البرود اليمنية ، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر ، وإلا فالأحمر البحتُ منهي عنه أشد النهي .

ولبس الخميصة المُعْلَمَةَ والساذَجَة .
ولبس ثوباً أسود .
ولبس الفَروة المكفوفة بالسندس .

روى الإِمام أحمد وأبو داود بإسنادهما عن أنس بن مالك ( أن ملك الروم أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم مُسْتَقَةً مِنْ سُنْدُسٍ ، فلبسها ، فَكأَنِّي أنظرُ إلى يَدَيْه تَذَبْذَبانِ ) .

قال الأصمعي : المساتق فراء طوال الأكمام . قال الخطابي : يشبه أن تكون هذه المستقة مكففة بالسندس ؛ لأن نفس الفروة لا تكون سندسا .

واشترى سراويل ، والظاهر أنه إنما اشتراها ليلبَسها ، وقد روي في غير حديث أنه لبس السراويل ، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه .

ولبس الخفين ، ولبس النعل الذي يسمى التَّاسُومة .

ولبس الخاتم ، واختلفت الأحاديث هل كان في يمناه أو يُسراه ، وكلها صحيحة السند .

ولبس البيضة التي تسمى : الخوذة ، ولبس الدرع التي تسمى : الزردية ، وظاهر يومَ أُحد بين الدرعين .

وفي " صحيح مسلم " عن أسماء بنت أبي بكر قالت : هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرجت جبةَ طيالِسة كَسِروانية لها لبنةُ دِيباج ، وفرجاها مكفوفان بالديباج ، فقالت : هذِهِ كانت عند عائشة حتى قُبِضَت ، فلما قبضت قبضتُها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبَسُها ، فنحنُ نَغْسلهَا للمرضى تسْتَشفى بها .

وكان له بردان أخضران [ البردة كساء مخطط مفتوح المقدم يوضع على الكتفين كالعباء لكنه أصغر منها ، يلتحف به لابسه أو يسدله سدلا ، وقريب منه الكساء ] وكِساء أسود ، وكساء أحمر ملبَّد ، وكساء من شعر .

وكان قميصه من قطن ، وكان قصيرَ الطول ، قصيرَ الكُمَّين ، وأما هذه الأكمام الواسعة الطِّوال التي هي كالأخراج ، فلم يلبسها هو ولا أحد من أصحابه البتة ، وهي مخالفة لسنته ، وفي جوازها نظر ، فإنها من جنس الخيلاء .
وكان أحبَّ الثياب إليه القميصُ والحِبَرَةُ ، وهي ضرب من البرود فيه حمرة .

وكان أحبَّ الألوان إليه البياضُ ، وقال : ( هي مِنْ خَيْرِ ثِيَابكُمْ ، فَالبسوها ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكمْ ) وفي " الصحيح " عن عائشة أنها أخرجت كِساءً ملبَّدا وإزاراَ غليظاً فقالت : قُبِضَ روح رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في هذين .
وأما الطيلسان [ وهو : غطاء يطرح على الرأس والكتفين ، أو على الكتفين فقط ، يلبسه اليوم كثير من القساوسة وأحبار اليهود ، انظر: " المعجم الوسيط " (2/553)] ، فلم ينقل عنه أنه لبسه ، ولا أحدٌ من أصحابه ، بل قد ثبت في " صحيح مسلم " من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدَّجَّال فقال : ( يخْرُجُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنْ يَهُودِ أَصْبِهَانَ عَلَيْهِمُ الطَّيالِسَةُ ) ، ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة ، فقال : ما أشبَههُم بيهود خيبر . ومن ها هنا كره لبسها جماعة من السلف والخلف .

وكان غالبُ ما يلبس هو وأصحابُه ما نُسِجَ مِن القطن ، وربما لبسوا ما نُسِجَ من الصوف والكتَّان ، وذكر الشيخ أبو إسحاق الأصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب قال : دخل الصَّلْتُ بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جُبة صوف ، وإزارُ صوف ، وعِمامة صوف ، فاشمأزَّ منه محمد ، وقال : أظن أن أقواماً يلبسون الصوف ويقولون : قد لبسه عيسى بن مريم ، وقد حدثني من لا أتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والصوف والقطن ، وسُنَّةُ نبينا أحقُّ أن تُتَّبَعَ .

ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقواماً يرون أن لبس الصوف دائماً أفضلُ من غيره ، فيتحرَّونه ويمنعون أنفسهم من غيره ، وكذلك يتحرَون زِيًّا واحداً من الملابس ، ويتحرَّون رسوماً وأوضاعاً وهيئات يرون الخروج عنها منكراً ، وليس المنكرُ إلا التقيد بها ، والمحافظة عليها ، وترك الخروج عنها .

والصواب أن أفضل الطرق طريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنها ، وأمر بِها ، ورغَّب فيها ، وداوم عليها ، وهي أن هديَه في اللباس أن يلبس ما تيسر مِنَ اللباس ، من الصوف تارة ، والقطن تارة ، والكتان تارة ، ولبس البرود اليمانية ، والبردَ الأخضر ، ولَبسَ الجبة ، والقَباء ، والقميص ، والسراويل ، والإِزار ، والرداء ، والخف ، والنعل ، وأرخى الذؤابة من خَلْفِه تارة ، وتركها تارة ، وكان يتلحَّى بالعمامة تحت الحنك ، وكان إذا استجدَّ ثوباً سمَّاه باسمه ، وقال : اللَّهمَّ أَنتَ كَسَوتَنِي هذا القَمِيصَ أَو الرِّدَاءِ أَوِ العِمَامَةَ ، أَسْألُكَ خَيرَهُ وَخَيرَ مَا صنعَ لَهُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ ما صنعَ لَهُ .
وكان إذا لبس قميصه بدأ بميامِنه .

ولبس الشعر الأسود ، كما روى مسلم في " صحيحه " عن عائشة قالت : خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّل مِنْ شَعَر أَسْوَدَ . وفي " الصحيحين " عن قتادة قلنا لأنس : أيُّ اللباسِ كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: الحِبَرَة .

والحِبَرة : برد من برود اليمن ، فإن غالب لباسهم كان مِن نسج اليمن ؛ لأنها قريبة منهم ، وربما لبسوا ما يُجلب مِن الشَّام ومصر ، كالقباطي المنسوجة من الكتان التي كانت تنسجها القبطُ .

وفي " صحيح النسائي " عن عائشة أنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم بُردة من صوف ، فلبسها ، فلما عَرِق فوجد رِيحَ الصوف ، طرحها ، وكان يُحبُ الرّيحَ الطَّيِّب .

وفي " سنن أبي داود " عن عبد اللّه بن عباس قال : لَقَدْ رأيتُ عَلَى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الحُلَلِ .

وفي " سنن النسائي " عن أبي رِِمْثَةَ قال : رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخضَرَانِ .
والبرد الأخضر: هو الذي فيه خطوط خضر ، وهو كالحلة الحمراء سواء ، فمن فهم مِن الحُلة الحمراء الأحمر البحت ، فينبغي أن يقول : إِنَّ البرد الأخضر كان أخضرَ بحتاً ، وهذا لا يقولُه أحد " انتهى باختصار
.
" زاد المعاد " (1/135-145) .

ومن أراد الاطلاع على صور أسماء الألبسة السابقة الواردة ، فيمكنه الرجوع إلى كتاب : " اللباس والزينة من السنة المطهرة " لمحمد عبد الكريم القاضي ، كما يمكن الرجوع لمعرفة تفاصيل هيئات هذه الألبسة إلى كتاب : " المعجم العربي لأسماء الملابس " لرجب إبراهيم ، وكتاب : " المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب " للمستشرق دوزي رينهارت . وقد رجعنا إليه ونقلنا كتابيا ما يمكن أن يوضح صورة اللباس الحقيقية .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 03:02
السؤال:

ادعى بعض غير المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج سيدتنا خديجة رضوان الله تعالى عليها من أجل أموالها ، وقالوا : بأن هذه الأموال استخدمت في استئجار الصحابة لنشر الإسلام ، كما أثاروا التساؤلات حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها .

هل كل هذه الادعاءات صحيحة . وإذا كان الجواب : لا ، فأرجوكم أن تشرحوا لي المسألة بكل التفصيل ؟

الجواب :

الحمد لله

نحن نربأ بالسائل الكريم ، وبجميع الإخوة القراء أن يتعاملوا مع جميع الادعاءات بالقدر الجاد الذي يأخذ منهم الجهد والوقت ، ويشغل بالهم وفكرهم ، فلو رحنا نتابع كل دعوى ساقطة قضينا زماننا وأضعنا أعمارنا ولم نقض منها شيئا ، ويكون المدعي بذلك قد كسب لا محالة ، إن لم يكسب قوة الدعوى وتطريق الشبهة ، كسب ضياع وقتنا في ترهاته ، وشغل عمرنا في سيء فكره ومقالاته .

ولكن – بما أن السؤال قد حضر هنا – فليكن أحد الأمثلة التي نقيس عليها كل ما نسمع من سخافات هؤلاء الحاقدين ، فنقول :

أولا وقبل كل شيء :

لم يُقِم المدَّعِي على كلامه أي دليل ، بل ولا شبهة دليل ، ولم يورد مستندا سوى ما يجده في نفسه مِن حقد أسود يحجبه عن التفكير السليم ، وكل دعوى تخلو من الدليل ساقطة أصلا وموضوعا .

ثانيا :

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم هو البادئ في عرض المتاجرة بمال أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قبل زواجه بها ، بل كانت هي مَن رغب بذلك ، بعد أن سمعت عن أمانته وصدقه عليه الصلاة والسلام .

يقول محمد بن إسحاق (ت151هـ) – راوي السيرة المشهور -:

" كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ، ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها ، وتضاربهم إياه بشيء تجعل لهم منه . وكانت قريش قوما تجارا ، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته ، وكرم أخلاقه - بعثت إليه ، فعرضت أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار ، مع غلام لها يقال له ميسرة ، فقبله منها رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم " .

انتهى من " السير والمغازي " لابن إسحاق (ص/81) .

والشاهد قوله ( بعثت إليه ) فقد كانت حريصة على تجارتها ، تنتخب شركاءها فيها ، فلم تجد حرجا رضي الله عنها – وذلك قبل الإسلام – في مصارحة الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام في شأن مالها ، فكيف يقال بعد ذلك إنه عليه الصلاة والسلام هو الذي سعى في شراكتها طمعا في مالها !!

لن يتعب الحاقد في الطعن في هذه الرواية ، نحن نعلم ذلك ؛ حسنا ، فأين الرواية الصادقة الموثوق بها ، التي تؤيد ما يقول ؟!

ثالثا :

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم هو من طلب الزواج من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، ولكنه رأى فيها من الصفات الفاضلة ، والأخلاق الكريمة ، ما يجعله يقبل عرض الزواج الذي جاءت به إحدى صديقاتها
.
عن نفيسة بنت منية قالت :

" كانت خديجة امرأة حازمة جلدة شريفة ، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير ، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا ، وأعظمهم شرفا ، وأكثرهم مالا ، وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك ، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال ، فأرسلتني دسيسا إلى محمد ، بعد أن رجع في عيرها من الشام ، فقلت : يا محمد ، ما يمنعك أن تزوج ؟ فقال : ما بيدي ما أتزوج به ، قلت : فإن كفيت ذلك ، ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟ قلت : خديجة ، قال : وكيف لي بذلك ؟ قالت : قلت : عَلَي .

قال : فأنا أفعل . فذهبت ، فأخبرتها ، فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا وكذا ، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها ، فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته ، فزوجه أحدهم ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة " .

رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (1/131) قال : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، أخبرنا موسى بن شيبة ، عن عميرة بنت عبيد الله بن كعب بن مالك ، عن أم سعد بنت سعد بن الربيع (صحابية)، عن نفيسة بنت منية (واسم أبيها أمية) به .

وهذا إسناد ضعيف فيه مقال ظاهر ، فعميرة بنت عبيد الله لم نجد لها ترجمة ، وصرح غير واحد من الباحثين بعدم الوقوف على ترجمة لها .

انظر " رجال الحاكم في المستدرك " لمقبل الوادعي (2/432) .

وموسى بن شيبة : سكت عنه البخاري في " التاريخ الكبير " (7/286) ، وقال فيه أبو حاتم : صالح الحديث ، كما في " الجرح والتعديل " (8/146) ، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال فيه : أحاديثه مناكير ، ولكن علق عليه المعلمي بقوله : " أخشى أن يكون أحمد إنما قال هذا في صاحب الترجمة السابقة "

انتهى من تحقيقه لكتاب " الجرح والتعديل " ، وصاحب الترجمة السابقة اسمه أيضا موسى بن شيبة ، ولكن ليس هو المقصود هنا ، وإنما تشابهت الأسماء . ولذلك لم ينقل الذهبي في " تاريخ الإسلام " (4/986) كلام الإمام أحمد هذا ، والراوي المقصود هنا من أهل المدينة ، معروف بين النقاد ، وذكره ابن حبان في " الثقات " (9/158) .

ولكن ذلك لا يعني الحكم لحديثه بصحته ، إلا أننا نذكره هنا على سبيل الاستئناس والاعتبار في مرويات السير والتاريخ المحكية في الكتب .

وشيخ ابن سعد : محمد بن عمر ، هو الواقدي المعروف ، متروك الحديث ، مع سعة علمه وكثرة مروياته ، لا سيما في أبواب السير والتواريخ .

وعلى كل حال ، فما روي بإسناد ضعيف في مثل ذلك : أولى من الدعاوى المرسلة من غير إسناد صحيح ولا ضعيف ، فتأمل كيف تبلغ الجرأة بهم إلى إطلاق الكلام على عواهنه حتى يكثروا الشبهات على المسلمين ، فيصيبوا بذلك داء في قلوبهم .

وقد أقر المستشرقون بأن الزواج وقع بمبادرة من خديجة رضي الله عنها ، حتى الحاقدون من المستشرقين قرروا ذلك ، كما فعل ( سفاري ) الفرنسي المتوفى سنة (1788م) في كتابه " مختصر حياة محمد "، المطبوع ضمن كتاب " السيرة النبوية وكيف حرفها المستشرقون " (ص/40-41) ، ولم نجد من يلقي هذه الدعوى ، سوى بعض الحاقدين من جهلة النصارى اليوم في المنتديات الحوارية على شبكة الإنترنت .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 03:04
رابعا :

ومن الحق : أن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قد واست رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسها ، ومالها ، كما تفعل كرائم النساء مع أزواجهن ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف ذلك لها ، ويذكره ولا ينساه :

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ ، قَالَتْ : فَغِرْتُ يَوْمًا ، فَقُلْتُ : مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا ، قَالَ : ( مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ ) " .

رواه الإمام أحمد في مسنده (24864ـ ط الرسالة) ، وصححه محققو المسند .

لكن ذلك كما قلنا : هو شأن المرأة الكريمة مع زوجها الذي تزوجها من قبل أن يوحى إليه ، ومن قبل أن يعلم شيئا عن أمر النبوة والوحي والرسالة ، بخمسة عشر عاما ، ثم إنها توفيت رضي الله عنها ، في العام العاشر من بعثته الشريفة ، قبل أن يهاجر إلى المدينة بنحو من ثلاث سنين ، حيث لم يكن له ولا لأصحابه في مكة شوكة ولا منعة ، ولا كان لهم دولة ولا سلطان ، ولا جيش ولا عتاد ، وكان أمر الدعوة إلى الله قائما في مكة على جهد آحاد الناس ، ودعوتهم لذويهم ، ومن يثقون في أمرهم ، لا يحتاج شيء من ذلك إلى نفقة ، أو تفرغ لأمر الدعوة ، أو استئجار أحد ليقوم بذلك ، ولا كان لهم من الظهور والمنعة ما يسمح بتلك الصورة التي يعرضها المغرضون .

ثم ماتت رضي الله عنها ، ولا نعلم أنه قد بقي له من مالها شيء ينفق منه على أصحابه ، ولو كان شيء من ذلك ، لما أخره عن أن يشتري من أسلم من الرقيق وتعرض للظلم والعذاب ، كحال بلال بن رباح مثلا ؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمكن من تجهيز رحلته حين هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة .

خامسا :

وأي حاجة له عليه الصلاة والسلام لمال أحد من البشر وقد خيَّره رب البشر بين أن يعطيه الدنيا وزهرتها وبين أن يكون عبدا رسولا ، فاختار الثاني ، كي يحيا حياة النبوة والرسالة المقترنة بالطبيعة البشرية الضعيفة .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : ( إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ ) ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ : ( يَا مُحَمَّدُ ! أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ ، أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ ، أَوْ عَبْدًا رَسُولًا ؟ ) ، قَالَ جِبْرِيلُ : تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ ، قَالَ : بَلْ عَبْدًا رَسُولًا ) رواه أحمد في " المسند " (12/76) وقال المحققون : إسناده صحيح على شرط الشيخين .

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ : ( إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ ) رواه البخاري (3904)، ومسلم (2382) .
وعاش حياة البسطاء ، قريبا من الناس ، يجوع ويشبع ، ويغنى ويفتقر ، حتى قالت عائشة رضي الله عنها : " تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ ، إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ " متفق عليه .

فمن كان هذا قراره واختياره ، أفيطمع في مال أو ثروة أو تجارة تملكها امرأة تكبره بخمس عشرة سنة ، يتزوجها ولا يتزوج غيرها ، ويحبها حبا عظيما ، ويرى من خلالها ما يفيض عطفا ومودة وصلاحا ، ثم يقول هذا المدعي : إن زواجه بها كان لدافع مادي محض !!

ولعل هذا يكفي عن الإطالة في مناقشة شبهة باطلة كهذه ، ليس لها من الجدية والأسس العلمية ، ما يستدعي الوقوف عندها أطول من هذا .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 03:08
السؤال :

بالنسبة للمنافقين الذين كانوا زمن النبي صلى الله عليه وسلم الذين ذكروا في القرآن الكريم ، ، والذين حكم الله تعالى بكفرهم ؛ لانهم آمنوا ثم كفروا .

أردت أن أعرف : ماهي عقيدتهم بعد كفرهم ؟ هل كانت الشرك بالله أم الإلحاد؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

المنافق : هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام ، والمنافقون شر أصناف أهل الشر وأسوؤهم طوية وأعظمهم خطراً ، قال تعالى بشأنهم : ( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المنافقون/ 4 .

جاء في " الموسوعة الفقهية " (41/17) :

" النِّفَاقُ لُغَةً : مَصْدَرُ نَافَقَ ، يُقَالُ : نَافَقَ الْيَرْبُوعُ إِذَا دَخَلَ فِي نَافِقَائِهِ ، وَمِنْهُ قِيلُ : نَافَقَ الرَّجُلُ : إِذَا أَظْهَرَ الإِسْلامَ لأَهْلِهِ وَأَضْمَرَ غَيْرَ الإِسْلامِ وَأَتَاهُ مَعَ أَهْلِهِ .

وَلا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاصْطِلاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .

قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ : وَالنِّفَاقُ اسْمٌ مِنَ الأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وَضَعَهَا الشَّرْعُ ، لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِمَعْنَاهَا الاصْطِلاحِيِّ هَذَا قَبْلَ الإِسْلامِ ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتُرُ كُفْرَهُ وَيُظْهِرُ إِسْلامَهُ .

عَلَى أَنَّ النِّفَاقَ يُطْلَقُ تَجَوُّزًا عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ النِّفَاقِ الآتِي ذِكْرُهَا ، كَالْكَذِبِ وَإِخْلافِ الْوَعْدِ ، أَوْ يُقَالُ : هَذَا نِفَاقٌ عَمَلِيٌّ ، وَلَيْسَ اعْتِقَادِيًّا حَقِيقِيًّا " انتهى .

ثانياً :

لم يكن يعرف أهل جزيرة العرب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الإلحاد بمعناه اليوم ( اللادين ) ، وإنما كانوا : إما مشركين من عبدة الأوثان أو يهوداً أو نصارى ، ثم بقية من أهل الكتاب ممن بقي على التوحيد ، وهم قلة .
أما إنكار وجود الإله الخالق المدبر ، فلم يكن معروفاً في العرب إلا في قلة لا تكاد تُذكر من الدَّهريين .

قال تعالى : ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ) يونس/ 31 .

وقال تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) العنكبوت/ 61 .

ثم ظهر النفاق في بعض هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان واليهود والنصاى .

قال ابن كثير رحمه الله :

" النِّفَاقُ : هُوَ إِظْهَارُ الْخَيْرِ وَإِسْرَارُ الشَّرِّ ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ : اعْتِقَادِيٌّ ، وَهُوَ الَّذِي يَخْلُدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ ، وَعَمَلِيٌّ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : الْمُنَافِقُ يُخَالِفُ قَوْلُهُ فِعْلَهُ ، وَسِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ ، وَمَدْخَلُهُ مَخْرَجَهُ ، وَمَشْهَدُهُ مَغِيبَهُ .

وَإِنَّمَا نَزَلَتْ صِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نِفَاقٌ ، بَلْ كَانَ خِلَافُهُ ، مِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ يُظْهِرَ الْكُفْرَ مُسْتَكْرَهًا ، وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ مُؤْمِنٌ .

فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ بِهَا الْأَنْصَارُ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَكَانُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ عَلَى طَرِيقَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، وَبِهَا الْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى طَرِيقَةِ أَسْلَافِهِمْ ، وَكَانُوا ثَلَاثَ قَبَائِلَ : بَنُو قَيْنُقَاعَ حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ ، وَبَنُو النَّضِيرِ ، وَبَنُو قُرَيْظَةَ حُلَفَاءُ الْأَوْسِ ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، وَأَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ قَبِيلَتَيِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَقَلَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْيَهُودِ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ نِفَاقٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدُ شَوْكَةٌ تُخَافُ ، بَلْ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَادَعَ الْيَهُودَ وَقَبَائِلَ كَثِيرَةً مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَوَالَيِ الْمَدِينَةِ .

فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ الْعُظْمَى وَأَظْهَرَ اللَّهُ كَلِمَتَهُ ، وَأَعْلَى الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيِّ بْنِ سَلُولَ ، وَكَانَ رَأْسًا فِي الْمَدِينَةِ ، وَهُوَ مِنَ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ سَيِّدَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ ، فَجَاءَهُمُ الْخَيْرُ وَأَسْلَمُوا ، وَاشْتَغَلُوا عَنْهُ ، فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ قَالَ : هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ ، فَأَظْهَرَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَدَخَلَ مَعَهُ طَوَائِفُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَنِحْلَتِهِ ، وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَمِنْ ثَمَّ وُجِدَ النِّفَاقُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ .

فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ يُهَاجِرُ مُكْرَهًا ، بَلْ يُهَاجِرُ وَيَتْرُكُ مَالَهُ ، وَوَلَدَهُ ، وَأَرْضَهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ " .

انتهى من "تفسير القرآن العظيم "(1/177).

والحاصل :

أن الإلحاد ، بمفهومه المعاصر : لم يكن معروفاً في جزيرة العرب ، لا في المشركين صراحة ، ولا في المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، وعامة المنافققين : كانوا من الكفار أهل الأوثان ، أو من اليهود والنصارى ؛ غير أن ذلك لا يؤثر في وصف النفاق ولا حكم أهله ؛ بل المعتبر أن يبطن الكفر بالله ، والرغبة عن دين الإسلام ، ثم يظهر من الإسلام ، خلاف ما في باطنه ، ثم لا فرق في ذلك كله بين كفر وكفر ؛ فالكل سواء .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 03:12
السؤال :

رُوي عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال : " جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت يا رسول الله : أريد أن أهب نفسي لك لتتزوجني ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إليها من الأعلى إلى الأسفل ، ثم خفض رأسه وصمت..الحديث . فما السبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليها من الأعلى إلى الأسفل ، ثم يخفض رأسه ؟ ، ولماذا لم يتزوجها ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (5030) ، ومسلم (1425) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: ( هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ ) ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ

قَالَ : ( اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا ؟ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا ، قَالَ: ( انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ : مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ ؟ ) ، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: ( مَاذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ ) ، قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا - عَدَّهَا – قَالَ : ( أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ ؟ ) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ( اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ) .
وقد رواه أهل السنن الأربعة أيضا .

وإنما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه في مقام الخاطب الذي يشرع له النظر إلى المخطوبة ، فنظر إليها : فإن أعجبته تزوجها ، وإن لم تعجبه غض طرفه عنها ، وهذا ما حصل في هذه القصة .

قال النووي رحمه الله :

" أَمَّا صَعَّدَ: فَبِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ أَيْ رَفَعَ ، وَأَمَّا صَوَّبَ: فَبِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ خَفَضَ " انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْله : " فَصَعَّدَ النَّظَر إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ " دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُرِيد التَّزْوِيج لَوْ أَعْجَبَتْهُ " انتهى .

وقد استدل أهل العلم بهذا الحديث على جواز النظر إلى المخطوبة .

قال النووي رحمه الله :

" فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ النَّظَرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَتَأَمُّلِهِ إِيَّاهَا " .

انتهى من " شرح مسلم " (9/212) .

وقال بدر الدين العيني رحمه الله :

" فِيهِ: دَلِيل على جَوَاز النّظر للمتزوج وتكراره ، والتأمل فِي محاسنها ، فهم ذَلِك من
قَوْله: فَصَعدَ النّظر إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ " انتهى من "عمدة القاري" (12/ 144) .
.
ثانيا :

أما لماذا لم يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلأنه لم يرغب فيها ، ولم يُرِدْها زوجة له ، وهل يلزم كل خاطب نظر إلى مخطوبته وتأملها : أن يتزوجها ؟!

إنما جُعل هذا النظر ليقرر بعده : هل يتزوجها أم لا ؟

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" ( فصعد النظر فيها وصوبه ) أي نظر إلى وجهها وحط النظر إلى ما دونه. وهذا يدل على جواز النظر إلى المرأة التي يراد نكاحها، وإنما فعل ذلك لجواز أن يريدها، فلما لم يُرِدها ، طأطأ رأسه " انتهى من "كشف المشكل" (2/ 270) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 03:18
السؤال :

شاهدت أمي مؤخرا محاضرة لشيخ ، وادعى فيها أن صحابة النبي محمد صلي الله عليه وسلم كانوا يأخذون قلب النبي منه ، وينظفونه بماء زمزم حتى يظل طاهرا نقيا ، ويرجعونه ثانية له .

أتساءل بحرص عن صحة هذا الادعاء ، ولك أن ترجح هذا أو ترفضه . هذا الادعاء يبدو بالنسبة لي ادعاءً غير منطقي ؛ لأن النقاء والطهارة تأتى من داخل الإنسان ، لذلك لماذا تعني الصلاة وتلاوة القرآن وعمل الحسنات طهارة الداخل ؛ لأنها تنقي الإنسان وتسلمه من الداخل .

ادعاء آخر قاله الشيخ أيضا ، وهو : أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يجوع ويحرم نفسه من أجل هذه الأمة ، أعلم أنه في وقت الحرب والجهاد كان يربط النبي صلي الله عليه وسلم على بطنه حجرين - أو شيئا من هذا القبيل - حتى يذهب عنه ألم الجوع ، وكذلك كان يفعل باقي صحابته الكرام ، ولكن أن يدعي الشيخ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُجوع نفسَه لإنقاذ أو لتقديم النفع لهذه الأمة ، فهي فكرة خاطئة بجدارة ، حيث تشبه الادعاء النصراني الزائف أن المسيح عليه السلام قد مات تكفيرا عن خطايا النصارى ، وإنقاذا لهم ، لذلك أشك أيضا في هذا الادعاء أيضا .

أرجو توضيح هذه الأمور .

الجواب :

الحمد لله

من دواعي سرورنا أن نقرأ في أسئلة المسلمين قدرا عاليا من الوعي والفهم ، بحيث لا تمر بهم الأحاديث والحكايات دون أن يتثبتوا منها ويتوثقوا من أصلها ، يستعملون في ذلك ما يمليه العقل من محاولة النقد والتأمل ، ثم بعد سؤال المختصين يتوصلون إلى التصويب أو التخطئة .

وهنا نقول لك إنه لم يرد عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أنهم كانوا يغسلون قلب النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ، وأنى لهم ذلك وهم بشر كأي بشر ، لا يملكون التصرف في هذا الكون إلا بما تجيزه سنن الكون وقوانينه ، وقلب النبي صلى الله عليه وسلم أطهر القلوب وأنقاها ، لا تبلغه أيدي البشر ، بل هو محفوظ بحفظ الله سبحانه .
ولكننا ننبه هنا إلى حادثة قريبة ، قد يكون اختلط على المتحدث الذي سمعتموه أمرها ، أو قد يكون الاختلاط قد حصل من السامع نفسه ، لا من القائل ؛ وهي حادثة " شق الصدر

"، وقد وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم مرتين ، واحدة في صغره وطفولته ، والأخرى ليلة الإسراء والمعراج ، ولم تقع بأيد بشرية وإنسية ، بل بأيدي الملائكة الكرام .

والحكمة منها – كما ورد في الحديث الصحيح – نزع العلقة ( القطعة السوداء ) التي هي حظ الشيطان من الإنسان من قلبه في طفولته ، وملء القلب حكمة وإيمانا وطهرا ويقينا . وهذا كله من عالم الغيب الذي لا ندرك حقيقته ، الله سبحانه وتعالى أكرم نبيه به بأيدي الملائكة الكرام ، دون جرح ولا إيلام ، وهو عز وجل قادر على كل شيء ، وله الحكمة البالغة سبحانه ، يعلمنا دائما أن الغيب لله ، ولكنه يرتبط بحياة الإنسان ارتباطا وثيقا ، فحظ الشيطان في قلب الإنسان مركب فيه لا محالة ، والمسلم يجاهد هواه في سبيل تخليص النفس من آثار نصيب الشيطان هذا ، ليلقى الله سبحانه وتعالى قلبا تقيا نقيا سليما ، كما قال سبحانه : ( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) الشعراء/89 ، وقال عز وجل : ( وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ) ق/33 .

وإذا كان الإيمان يتحقق في القلب بالطاعة والمجاهدة ، فهو يتحقق أيضا بما يلقيه الله من أنواره وجلاله سبحانه ، وإذا كان عز وجل ( يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ) الحج/75، فمن مقتضيات الاصطفاء اصطفاء القلب وتهيئته لتلقي الوحي الذي وصفه الله عز وجل بقوله : ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) المزمل/5 .

ألا ترى أننا جميعا نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يفتح قلوبنا لنور الإيمان ، وندعوه دائما عز وجل أن يطهر قلوبنا من كل سوء ، وأن يكرمنا بما أكرم به قلوب أوليائه المؤمنين ، في قوله سبحانه : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) الفتح/ 4، وفي قوله جل وعلا : ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) الحديد/27 ، فلماذا إذن نستكثر أن يطهر الله قلب النبي صلى الله عليه وسلم بأيدي ملائكته ، في حادثة جسدية مادية تُعلم الناس أن ديننا يرتبط فيه عالم الغيب بعالم الشهادة ، وتنتظم فيه قواعد السنن الكونية والحكم الإلهية .

عَنْ أبي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفَرَجَ صَدْرِي ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا ، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ) رواه البخاري (349) ، ومسلم (163) .

وهذا لا يتعارض مع قولنا بأن التزكية تبدأ من الداخل ، وتنطلق من الذات والإرادة الحرة التي خلقها الله سبحانه وتعالى في الإنسان ، ولكن ذلك لا يعني أن البداية والنهاية لها ، بل وعد الله عز وجل عباده المتقين الذين طهروا قلوبهم ونفوسهم ، أن يزيدهم طهرا ونقاء وتصفية من عنده ، وأن يجعل ذلك كرامة لهم وإحسانا جزاء ما وقع في قلوبهم من حب الخير والإيمان ، كما قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) محمد/17 ، وقال سبحانه : ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا ) مريم/76 ، وقال جل وعلا : ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التغابن/11.

أما الشق الثاني من السؤال ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ( يجوع ليشبع غيره ، ويعطش ليروى سواه ) فذلك مما لم ترد به السنة المطهرة ، ولا كتب السيرة المشرفة ، ولا نعرفه مذكورا في كتب العلماء ، وإن كان مقبولا من حيث الفكرة ، فالكرم والإيثار من الأخلاق الفاضلة الحميدة ، التي يتحلى بها كثير من البشر ، فمن باب أولى أن يتصف بها الرسل والأنبياء ، وأولهم خير البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر/9.

وليس هناك إشكال في وقوع مثل ذلك في أي موقف اضطرار ، بحيث يقل الطعام عن حاجة القوم ولا يبقى إلا أن يؤثر الناس بعضهم بعضا ، فسيكون النبي عليه الصلاة والسلام أول من يؤثر غيره ولا شك ، لكن مثل هذا سوف يكون واقعة معينة ، تتعلق بمن حضرها ، لا بمن غاب عنها من البشر في زمانها ، فضلا عمن يأتي بعد أزمانهم من الناس ؛ ومثل ذلك كله لا علاقة له من قريب أو من بعيد ، بعقيدة الفداء التي افتراها النصارى على الله .

على أننا لم نقف على شيء من ذلك الاحتمال الممكن ، مرويا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ورد في معجزاته ، صلى الله عليه وسلم : أن يكثر الطعام بين يديه ، حتى يشبع القوم من عند آخرهم . كما ثبت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا ، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي ، فَقُلْتُ : هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا ، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي

وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَنْ مَعَهُ ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا ، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ ، فَصَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَهْلَ الخَنْدَقِ ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا ، فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ ، وَلاَ تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ . فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدُمُ النَّاسَ ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي ، فَقَالَتْ : بِكَ وَبِكَ . فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ .

فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا . وَهُمْ أَلْفٌ ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا ، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُو ) رواه البخاري (4102) ، ومسلم (2039) .

فلا يجوز أن يدفعنا كفرنا بعقيدة ( الفداء ) التي يؤمن بها النصارى إلى الجور في الأحكام والتصورات ، وإفساد طريقة التفكير السليم ، فنحن لم ننكر في عقيدة ( الفداء ) خلق الإيثار الذي هو قيمة فاضلة في نفسه ، وإنما المنكر هو أن يكون الرب الذي هو المسيح عليه السلام – في زعمهم - مضطرا إلى ( الموت ) كي يكفر خطايا بني آدم . فالباطل في هذه العقيدة أمور محددة :

1. أن المسيح عليه السلام بشر نبي مرسل ، وليس إلها ولا ابنا لله سبحانه وتعالى.

2. أن عقيدة الفداء تقوم على فكرة ميراث الذنوب والخطايا ، وأن ما أذنبه آدم عليه السلام حين أكل من الشجرة تتحمله ذريته من بعده ، وهذا ما يعارض المبدأ الإلهي العادل : ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/15، أما الإيثار في الطعام والشراب والسعادة فلا ينطوي على تحميل أحد ذنوب الآخرين ، وما اقترفت أيديهم ، بل هي تضحية وتفضل من المؤثر ، لا يلزمه به أحد ، ولا مدخل له في مسألة الذنب والمغفرة ؛ فإن أحدا لا يحمل عن أحد شيئا من ذنبه ، ولو كانت الوالدة ، ووليدها .

3. أنه ليس ثمة تفسير عقلي مقبول لاضطرار الرب أن يضحي بنفسه أو بولده – على اختلاف بين طوائف النصارى – كي يكفر خطايا بني آدم ، رغم أنه سبحانه وتعالى ( الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء ) ؛ فليكفر عنهم ـ إذا ـ وليغفر لهم ، من غير تلك الكلفة الباهظة !!

4. الحقيقة القرآنية الناصعة أن عيسى عليه السلام لم يصلب ، كما قال تعالى : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) النساء/157.

5. أنه لا دليل أصلا على عقيدة ( الفداء ) فالمسيح عليه السلام لم يتكلم بما يدل عليها ، فكل من تكلم بها إنما أحدثها بعد رفعه عليه السلام إلى السماء الدنيا ، فكلامه إنما هو رأي وتفسير من عنده لا يجوز أن يلزم الناس به ، وأن يجعله المعتقد الذي تحمل عليه البشرية جميعها .
هذا باختصار

والخلاصة :

أنه لم يصح عن الصحابة تغسيل قلب النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ، وإنما وردت حادثة شق الصدر من فعل الملائكة الكرام . كما لم يثبت في الآثار أنه عليه الصلاة والسلام كان ( يجوع ليشبع غيره ) ، وإنما صح في السنة والسيرة النبوية أنه عليه الصلاة والسلام كان يجوع ، وتمر عليه الأشهر ، ولا قوت في بيته سوى التمر والماء .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 03:23
السؤال:

أحببت استفسر عن صحه مقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهي : أنه كان يكاسر ( يماكس ) بسعر السلعة حتى يعرق جبينه أو فيما معناه .

هل هذا الفعل المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم صحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، وأسهلهم معاملة : إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ، ولم تكن الدنيا من همته صلى الله عليه وسلم ، ولا كان أمر البيع والشراء أكبر همه .

ولكنه كان يمشي في الأسواق ويبيع ويشتري ، ويعلّم الناس بالقول والفعل آداب التعامل ، وما الذي ينبغي أن يكون عليه التاجر من الصدق والعفة والأمانة والمعاملة الحسنة وحب الخير للناس .

ثانيا :

ربما ماكس النبي صلى الله عليه وسلم في الشراء - والمماكسة : المناقصة في الثمن - ولم يكن ذلك منه لمحبة التنافس على الدنيا ، ولكنه المشرع الذي يأخذ عنه الناس أمر دينهم في تجاراتهم وكافة أمورهم ، فكان يبين لهم ما أهمهم من أمرهم كله ، بالقول والفعل .

ثم إن الحفاظ على المال ، وتوفيره بأمر مباح : مما جبلت النفوس عليه ، وليس في ذلك ما يخالف أدبا ولا دينا .

وتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم ، وما صح عنه في ذلك :

روى البخاري (1991) ، ومسلم (715) - واللفظ له - عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما ، " أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ ، قَالَ: فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لِي ، وَضَرَبَهُ ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ ، قَالَ: ( بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ ) ، قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: ( بِعْنِيهِ ) ، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي ، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي ، فَقَالَ: (أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ ، خُذْ جَمَلَكَ ، وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ) .

قال في " سبل السلام" (2/ 7):

" فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ الرَّجُلِ لِسِلْعَتِهِ ، وَلَا بِالْمُمَاكَسَةِ " انتهى.

وعن سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : " جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ " هَجَرَ " فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ ، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي ، فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ ، فَبِعْنَاهُ .

رواه الترمذي ( 1305 ) وقال : حسن صحيح ، وأبو داود ( 3336 ) ، والنسائي (4592) ، وابن ماجه ( 2220 ) وصححه في "صحيح أبي داود" .

والْمُسَاوَمَةُ : المُجاذَبَة بَيْنَ البائِع وَالْمُشْتَرِي عَلَى السّلْعةِ وفَصلُ ثَمنِها. كما في "النهاية" (2/ 425) وهي المماكسة والمفاصلة .

وهذه المماكسة المعتدلة دليل رشد وعقل وعلم بسعر السوق ، ومثل هذا محمود لأن صاحبه يكون أبعد عن الغبن والغش والخديعة في البيع والشراء .

ولذلك يقول الفقهاء : يُعرف رشد الصبي ولد التاجر باختباره في البيع والشراء والمماكسة فيهما .

انظر "الموسوعة الفقهية" (22/215) .

ثالثا :

وأما ما ورد السؤال عنه من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يماكس حتى يعرق جبينه ، أو نحو ذلك : فلا نعلم له أصلا مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا هو من أخلاقه وحاله وسماحته في بيعه وشرائه ، ورفقه في أمره كله ، في شيء .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 03:28
السؤال

كيف شرح الله تعالى صدر رسوله صلى الله عليه وسلم عندما قال : ( ألم نشرح لك صدرك ) ؟

.....وهل صحيح ما قيل : إنه كان على يد سيدنا جبريل عليه السلام مرتين في عمره ؟

الجواب

الحمد للَّه

لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على أنبيائه ورسله بنعم عظيمة جليلة ، أولاها فضلا ، وأوفاها مِنَّةً ، وأعلاها قدرا نعمةُ النبوة ، حيث اصطفاهم لقربه ، واجتباهم لرحمته .

يقول الله تعالى : ( وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ) آل عمران/179

ويقول سبحانه : ( وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الأنعام/87

وقد خص الله سبحانه وتعالى نبيه وخليله محمدا صلى الله عليه وسلم بمزيد فضل ، وحباه بعظيم قدر ، حتى قال سبحانه وتعالى : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) النساء/113

ومن هذا الفضل أنه سبحانه شرح صدر الرسول الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وامتن عليه بهذه النعمة العظيمة في سورة من القرآن الكريم تتلى إلى يوم القيامة ، تسمى سورة "الشرح" .

يقول سبحانه وتعالى : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) الشرح/1

وشَرْحُ صدر النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن معاني كثيرة عظيمة :

1- شرح الله صدره للإسلام دينا وشريعة ، وهذا أعظم ما يمكن أن ينشرح له الصدر ، وهو تفسير ابن عباس ، علقه البخاري في صحيحه ( كتاب التفسير / باب سورة الشرح ، ص 982)

2- وشرح الله صدر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن ملأه حكمة وعلما وإيمانا ، كما فسره الحسن البصري ، ويذكر العلماء في تفسير ذلك حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم ، والتي تكررت مرتين في حياته صلى الله عليه وسلم :
الأولى : كانت وهو صغير في بني سعد .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً ، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ . ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ لَأَمَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ فَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ قَالَ أَنَسٌ وَقَدْ كُنْتُ أَرْئِي أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ ) رواه مسلم (162)
الثانية : كانت ليلة الإسراء .

كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ) رواه البخاري (349) ومسلم (163)

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى "فتح الباري" (7/204) :

" وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء ، وقال إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد ، ولا إنكار في ذلك ، فقد تواردت الروايات به ... وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته ، لصلاحية القدرة ، فلا يستحيل شيء من ذلك ، قال القرطبي في "المفهم" : لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء ؛ لأن رواته ثقات مشاهير " انتهى .

وقد جاءت حادثة شق الصدر أيضا في بعض الروايات في أوقات أخرى ، في عمر العشر سنوات ، وعند البعثة ، لكنها روايات ضعيفة . انظر "السيرة النبوية الصحيحة" (1/103)

يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (4/677) :

" يقول تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك ) يعني : أما شرحنا لك صدرك ، أي : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا ، كقوله : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام )

وقيل : المراد بقوله : ( ألم نشرح لك صدرك ) شرح صدره ليلة الإسراء ، ولكن لا منافاة ، فإنه من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا فالله أعلم " انتهى .

3- وجاء في "روح المعاني" (30/166) :

" وقيل : المعنى : ألم نزل همك وغمك بإطلاعك على حقائق الأمور وحقارة الدنيا ، فهان عليك احتمال المكاره في الدعاء إلى الله تعالى .

ونقل عن الجمهور أن المعنى : ألم نفسحه بالحكمة ونوسعه بتيسيرنا لك تلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك " انتهى .

4- وقال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/4850) :

" وشرح صدره كناية عن الإنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات ، وإعلامه برضى الله عنه ، وبشارته بما سيحصل للدين الذي جاء به من النصر " انتهى .

وانظر "سبل الهدى والرشاد" (2/59) .

5- ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير سورة الشرح" (ص/1) :

" وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسيًّا ، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل بنوعيه ، حكم الله الشرعي وهو الدين ، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان " انتهى باختصار .
والله أعلم .

و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*جزائرية وافتخر*
2018-02-23, 14:34
ما شاء الله يا ريت الاخرين يدركون وجودك و يضعون بصمتهم



نشاله ربي يدخلك الجنة

*عبدالرحمن*
2018-02-23, 16:40
ما شاء الله يا ريت الاخرين يدركون وجودك و يضعون بصمتهم



نشاله ربي يدخلك الجنة

جميعا باذن الله في جنه النعيم

بارك الله فيكِ
وجزاكِ الله عني كل خير

*جزائرية وافتخر*
2018-02-23, 16:43
امين
.......................

*عبدالرحمن*
2018-02-24, 05:06
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال:

ما حكم من قال : إنه كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم مشاكل زوجية ؟ وهو لا يقصد في ذلك التنقص من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريد بذلك أنه وهو سيد الخلق لم يسلم من هذه المشاكل ، فكيف بمن دونه ،.
وهل في ذلك انتقاص من قدر أمهات المؤمنين رضي الله عنهم ؟

وهل هذا الكلام ردة ؟

وكيف تكون التوبة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

ينبغي أن يُعلم أن بيته عليه الصلاة والسلام هو أفضل البيوت وأزكاها ، فهو عليه الصلاة والسلام أحسن الناس معاشرة لأهله ، وأكملهم خلقاً وتعاملاً مع زوجاته عليه الصلاة والسلام .

فقد روى الترمذي (3895) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن الترمذي " .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العِشْرَة دائم البِشْرِ ، يداعب أهله ، ويَتَلَطَّفُ بهم ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك ، قالت : سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم ، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني ، فقال : " هذِهِ بتلْك " ، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها ، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم

" انتهى من " تفسير ابن كثير " (2/242) .

ثانياً :

ما يحدث بين الزوجين من مغاضبات ، أو خلاف حول شيء من أمور البيت والمعيشة ، أو نحو ذلك : أمر طبيعي ، وسنة من سنن الحياة الزوجية ، وهو من شأن هذه الحياة الدنيا التي لا تخلو من كدر ، أو تعب ، أو تكدير ؛ وعلى ذلك بُنيت .

وبيت النبوة ربما كان يحدث فيه المرة بعد المرة شيء من ذلك التعب والتكدير ؛ وكان بين نسائه من التغاير ما يحدث مثله ، أو شبيهه بين النساء ؛ وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما ، فنساؤه رضوان الله عليهن ، وإن كن خير النساء ؛ فلم يكُنَّ معصومات ؛ قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) سورة الأحزاب / 28 - 29 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : " لما اجتمع نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الغيرة ، وطلبن منه النفقة والكسوة ، طلبن منه أمرًا لا يقدر عليه في كل وقت ، ولم يزلن في طلبهن متفقات ، في مرادهن متعنتات ، شَقَّ ذلك على الرسول ، حتى وصلت به الحال إلى أنه آلى منهن شهرًا " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/662) .

وروى البخاري (5225) عن أنس رضي الله عنه : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ» ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ " .

وروى البخاري (2468) عن ابن عباس رضي الله عنهما - في قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته – يرويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والحديث طويل ، وفيه : ( ... وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي ، فَرَاجَعَتْنِي ، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي ، فَقَالَتْ وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ ؟! فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُرَاجِعْنَهُ ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ ... ) .

فالقول بأن بيته عليه الصلاة والسلام لم يخل من بعض ذلك الأمر ، إذا لم يكن على وجه التنقص للنبي صلى الله عليه وسلم ، معاذ الله ، ولا لأهل بيته ، رضوان الله عليهم جميعا : لا حرج فيه ، وربما كان فيه منفعة لبعض من ابتلي في بيته : أن يتسلى بذلك الأمر من شأن الدنيا ؛ ويأتسي به عليه الصلاة السلام في طريقة تعامله مع تلك المشكلة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-24, 05:13
السؤال:

هل صحيح أن الرسول كان اسمه قثم قبل نزول الوحي أم هو مجرد للطعن في النبوة ؟

وهل توجد روايات تدعم هذا الزعم ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً : ضبْط ومعني اسم " قُثَم " في لغة العرب .

لو أردنا في البداية أن نعلم كيف يُنْطَق هذا الاسم ؟

سنجد أنه يُنطق بالتشكيل التالي : " قُثَمُ " بضمِّ القاف وفتح الثاء ، كما ينطق اسم : "عُمر". لسان العرب (12/461) .
ما معني هذا الاسم في لغة العرب ؟

بمطالعة معاجم اللغة سنجد أن مادة القاف والثاء والميم تدلُّ على الجمع والإعطاء .

من ذلك قولهم : رجلٌ قُثَمٌ : مِعْطاء ، والقُثَمُ والقَثوم : الجَموع للخير ، ويقال للرجل إذا كان كثير العَطاء ( قُثَمُ ) ، و ( القُثَمُ ) : المجتمع الخلق ، وقيل هو : الجامع الكامل .

انظر : " لسان العرب " (12/461) ، و" مقاييس اللغة " (5/59) .

مما سبق يتضح أن المعاني التي تدل عليها مادة ( قُثَم ) في لغة العرب معاني مدح وثناء .

ثانياً : هل كان ( قُثَم ) هو اسم النبي قبل الوحي ؟!.

هذه شبهة من الشبهات التي يحرص علي ترديدها الاستشراق المعاصر .

حيث جاءت في كتابات المستشرق الألماني تويودور نولدكه (1836/ 1930م) صاحب كتاب " تاريخ القرآن " ، وردَّدها أيضاً المستشرق النمساوي لويس سبرنجر (تـ 1893م) في كتابه عن سيرة النبي ، والمستشرق الفرنسي اليهودي هرتويغ درنبرغ ( تـ 1908م) ، والمستشرق الإيطالي الأمير ليون كايتاني في كتابه الشهير " حوليات الإسلام " .
انظر : " تاريخ العرب في الإسلام" لجواد علي (97-98) ، " هل بشَّر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم " لد. منقذ السقار (129) .

وقد تابع المستشرقين في ترديد هذه الشبهة بعض تلامذتهم من المسلمين ، ممن لا ينبغي للبال أن ينشغل بأسمائهم .
والهدف من إثارة هذه الشبهة يتمثَّل فيما يلي :

أ- إشاعة الشك عند المسلم في كل شيء ، حتى يشك المسلم في كل أمور دينه ولا يطمئن إلى أيٍّ منها ، وهذه خطة قديمة جرى عليها كثير من المستشرقين والمبشرين وأذنابهم من المسلمين من بين أَظْهُرنا ومن بنى جلدتنا .

ب- فرار أحبار اليهود والنصارى من الإشارة إلى بشارة التوراة والإنجيل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وورود اسمه الصريح فيهما .

وبعد بيان مصدر هذه الشبهة وهدفها نذكر الرد الشرعي والتاريخي والعقلي والمنطقي علي هذه الشبهة في النقاط التالية :

النقطة الأولي : لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم معروفاً باسم ( محمد ) منذ طفولته ، والأدلة علي ذلك كثيرة ومتواترة شرعاً وعرفاً وتاريخاً ، ونكتفي منها بما يلي .

جاء الصبيان الصغار أثناء فترة رضاعة النبي إلي مرضعته ( حليمة ) ، وأخبروها بما حدث للنبي عند شقِّ صدره ، وأخبروا عنه باسم ( محمد ) .

حيث جاء في الرواية الصحيحة الواردة في معجزه شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه ، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة ، فقال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ، ثم أعاده في مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ( يعني مرضعته ) ، فقالوا : إن محمداً قد قُتِل ، فاستقبلوه وهو منتقع اللون ، قال أنس : وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره " . صحيح مسلم " باب : الإسراء برسول الله " رقم : (162) .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه عن كثرة أسمائه ، فعن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد وأنا الماحي الذى يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب ) .

أخرجه الإمام البخاري في كتاب المناقب ، باب : ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رقم : (3339) ، والإمام مسلم فى كتاب الفضائل ، باب : فى أسمائه صلى الله عليه وسلم ، رقم : (2354) .

النقطة الثانية : إذا كان اسم الرسول الأصلى هو " قُثَم " فلماذا غيَّره النبي ، بالرغم من أنه اسم يدل على الكرم وكثرة العطاء ، ومن ثمَّ فهو مدح وليس ذمّا ؟!.

النقطة الثالثة : إذا كان اسم ( قُثَم ) هو اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأربعين عاماً ولم يحمل اسماً غيره ؛ فكيف خفي ذلك على أعدائه من كفار قريش في مكة ، ثم من اليهود والمنافقين في المدينة ، ثم من سائر المرتدين في الجزيرة العربيّة ، ثم من أعداء الإسلام على مرِّ القرون ، كيف خفي ذلك علي كل هؤلاء ولم يتخذوه مطعناً علي النبي ، بالرغم من شدة عدائهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبحثهم عن أيّ مطعن في النبي ولو خَفِي ودقَّ ؟!.

فهذا هو أبو سفيان عندما وقف أمام هرقل وقت ورود رسالة النبي لهرقل التي دعاه فيها إلي الإسلام ، لم يتحدث عن شيء من ذلك ؛ رغم أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كانت تبدأ بجملة : " من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم... " ، فلو كان الاسم الأصلي للنبي هو " قُثَم " لاستغل ذلك أبو سفيان الذي كانت بينه وبين الرسول في ذلك الوقت ثارات وحروب .

وكان بإمكان أبي سفيان – لو كانت هذه الدعوي صحيحة – أن يقول لهرقل : إنه لا يُدْعَى " محمد " بل اسمه " قُثَم " ، ولكانت تلك ـ حقاً ـ القاصمة ، والفاصلة أيضا ؛ إلا أن ذلك لم يحدث .

ينظر : " صحيح البخاري " - كتاب بدء الوحي - ، " باب : كيف كان بدء الوحي إلي رسول الله " رقم : (7) .

وإذا كان أبو سفيان ، وصناديد قريش ، وهم أهل النبي صلى الله عليه وسلم ، وعشيرته ، والعارفون به وبسيرته ونسبه ، وأصله وفصله ؛ إذا كانوا قد سكتوا عن ذلك ، أو بالأحرى : لم يعلموا بوجوده أصلا ؛ فكذلك فعل أحبار أهل الكتاب في زمان النبي ، ولا عجب ، فلم ينطق أحد منهم في ذلك ، ومن الممتنع أن يكون عندهم خبر منه ، ثم لا يشنعون عليه ، ولا يطعنون في صدقه ونبوته به .

لقد قرَّر القرآن الكريم ، والسنة النبويّة المطهرة ، وكتب التاريخ والسير والأدب وأشعار العرب أنّ اسمه صلى الله عليه وسلم محمدٌ ، وأنّ النبي خاطب الناس بهذا الاسم ، واستخدمه في العهود والمواثيق والمبايعات والرسائل إلى الملوك ، ولم يناقشه أو يعترض عليه أحد من معاصريه وأعدائه في ذلك .

فهل يُترك كل هذا ويُلتفت إلى عدة نصوص ضعيفة أو مجهولة السند في كتب السير والتاريخ ؟!.

إنَّ للنبي أسماءاً جاء بيانها في القرآن والسنة ؛ منها : محمد ، وأحمد ، والمتوكل ، والماحي ، والحاشر ، والعاقب ، والمقفي ، ونبي التوبة ، ونبي الرحمة ، ونبي الملحمة ، والفاتح ، والأمين . انظر : " زاد المعاد " للإمام ابن القيم (1/85-86) .

وليس اسم ( قُثَم ) من هذه الأسماء التي أخبر بها النبي عن نفسه ، ولم تَرد التسمية به في الروايات أو الآثار الصحيحة الثابتة في كتب السنة النبوية .

ثالثاً : الروايات التي ورد فيها اسم ( قُثَم ) ، وبيان درجتها .

أ- روايات كتب الحديث :

روى ابن عدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لي عند ربي عشرة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي ، وأنا الحاشر الذي يحشر الخلائق معي على قدمي ، وأنا رسول الرحمة ، ورسول التوبة ، ورسول الملاحم ، وأنا المقفي قفيت النبيين ، وأنا قثم " .
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (7/64) .

درجة الحديث :

هذا الحديث رواه ابن عدي بسنده في الكامل وفيه أبو البختري ، قال ابن عدي بعد أن ساق الحديث : " وهذه الأحاديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بواطيل ، وأبو البخترى جسور من جملة الكذابين الذين يضعون الحديث ، وكان يجمع في كل حديث يريد أن يرويه أسانيد من جسارته على الكذب ووضْعه على الثقات

" . انتهي من " الكامل في الضعفاء " لابن عدي (7/65) .

قال الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين (2/383) : " أخرجه ابن عدي من حديث علي وجابر وأسامة بن زيد وابن عباس وعائشة بإسناد ضعيف .

وله ولأبي نعيم في الدلائل من حديث أبي الطفيل : " لي عند ربي عشرة أسماء ، قال أبو الطفيل : حفظت منها ثمانية فذكرها بزيادة ونقص ، وذكر سيف بن وهب أن أبا جعفر قال : إن الاسمين طه ويس ، وإسناده ضعيف " . انتهي
وقال تاج الدين السبكي في " طبقات الشافعية " (6/287) : ( وهذا فصل جمعت فيه جميع ما في كتاب الإحياء من الأحاديث التي لم أجد لها إسناداً ) . انتهي

وذكر منها حديث ( وأنا قثم ) . انتهي من " طبقات الشافعية " (6/330)

مما سبق يتبين أن هذه الرواية ورد في سندها أبو البختري الكذاب الوضَّاع ، وذكرها أئمة الحديث في الضعيف والمردود وما لا إسناد له من روايات الحديث .

ب- روايات كتب السيرة وغيرها :

ورد ذكْر هذا الاسم في عدة مواضع في كتب السيرة وغيرها ، فقد ذكر القاضي عياض في كتابه " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (1/231- 232) : ( ... وذكر غيره لي عشرة أسماء فذكر الخمسة التى في الحديث الأول ، قال : وأنا رسول الرحمة ورسول الراحة ورسول الملاحم وأنا المقفى قفيت النبيين وأنا قيم والقيم الجامع الكامل كذا وجدته ولم أروه وأرى أن صوابه قثم بالثاء ... ). انتهي

وورد هذا الاسم كذلك في : " خلاصة سير سيد البشر "(72–73) ، " سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد " (1/244) ، " السيرة الحلبية " (1/131) ، " صفة الصفوة " (1/55) ، " المواهب اللدنية بالمنح المحمدية " (1/473) ، " النهاية في غريب الأثر " (4/27) .

الاعتبار الذي أورد به كتَّاب السِّيَر اسم ( قُثَم ) في كتبهم :

لقد أورد عدد من كُتَّاب السِّير اسم ( قُثَم ) في مواضع من كتبهم عند حديثهم عن أسماء النبي ، إلا أنهم أوردوه علي اعتبار أنه لقب من الألقاب أو صفة من الصفات التي وصلتهم عن النبي ، ولم يذكر واحد منهم أن هذا الاسم كان هو الاسم الأصلي أو الأول للنبي ، وفيما يلي طرف من النقولات التي توضِّح ذلك .

قال الإمام المحب الطبري في " خلاصة سير سيد البشر " (72) : ( وقد ذكر له أسماء كثيرة اقتصرنا على المشهور منها ، منها المتوكل والفاتح والخاتم والضحوك والقتال والأمين والمصطفى والرسول والنبي الأمين والقثم ، ومعلوم أن أكثر هذه الأسماء صفات ) . انتهي

وقال الإمام القسطلاني في " المواهب اللدنية بالمنح المحمدية " (1/445) : ( ورأيت فى كتاب " أحكام القرآن " للقاضى أبى بكر بن العربى : قال بعض الصوفية : لله تعالى ألف اسم ، وللنبى صلى الله عليه وسلم ألف اسم . انتهى

والمراد الأوصاف : فكل الأسماء التى وردت أوصاف مدح ، وإذا كان كذلك ، فله صلى الله عليه وسلم من كل وصف اسم ، ثم إن منها ما هو مختص به أو الغالب عليه ، ومنها ما هو مشترك ، وكل ذلك بيِّن بالمشاهدة لا يخفى ، وإذا جعلنا له من كل وصف من أوصافه اسماً بلغت أوصافه ما ذُكر ، بل أكثر ) . انتهي

بان مما سبق أن كل ما ورد في كتب السِّيَر تحت عنوان ( أسماء النبي ) ما هي إلا ألقاب أو صفات ما عدا ( محمد وأحمد ) ، وقد نصَّت روايات السنة الصحيحة على عددٍ قليلٍ جداً من هذه الألقاب والصفات ، ثم أضاف المسلمون إليها الكثير مما لم يُسْمَع من النبى ومما لم يرد به إسناد ، حتى لقد بلغ بعضهم بهذه الصفات والألقاب النبوية ألفاً
.
رابعا : لا يعتمد على روايات المؤرخين فيما له تعلق بحكم شرعي أو عقدي :

من المعلوم أنه قد اشتهر من علماء الإسلام طائفة ممن لهم عناية واهتمام بالتواريخ والسير والمغازي وأخبار الإسلام ، وهم المعروفون بأئمة المغازي أو الأخباريين .

ولا يخفي علي الباحثين أن منهج النقد الذي وضعه المحدثون لم يكن له حضور عند أكثر من كتب في السيرة النبوية وتاريخ الإسلام ، حيث كانوا يسوقون الأخبار والروايات من غير نقد ولا تمحيص ، ولهذا بقي المحدِّثون يتتبعون أخبار السيرة النبوية بالنقد والتمحيص ليتميَّز الصحيح فيها من الضعيف .

لذا ؛ فينبغي أن يُعلَم أنه ليس كل ما أورده أهل السِّيَر والتاريخ يكون صحيحاً ، فقد مُلِئت كتب تلك الفنون بالباطل والمنكر ، فالخبر المجرد الذي ليس فيه نكارة ، ولا يُستنبط منه حكم شرعي ولا تؤخذ منه فائدة عقدية ؛ يمكن التساهل في نقله .

أما حين يكون في متنه نكارة ، أو يكون فيه دلالة على حكم شرعي : فهنا يجب مراعاة قواعد أهل الحديث ، ومن هنا قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله : " لولا الإسناد لقال مَن شاء ما شاء " . " صحيح الإمام مسلم " - باب في أن الإسناد من الدين - رقم : (32) .

وقد اختص الله تعالى هذه الأمة المباركة بالإسناد ، فحفظت به قرآنها وسنَّة نبيها صلى الله عليه وسلم .

قال الشيخ الألباني – رحمه الله - : ( وقد يظن بعضهم أن كلَّ ما يُروى في كتب التاريخ والسيرة أن ذلك صار جزءاً لا يتجزأ من التاريخ الإسلامي لا يجوز إنكار شيء منه ! ، وهذا جهل فاضح ، وتنكُّر بالغ للتاريخ الإسلامي الرائع الذي يتميز عن تواريخ الأمم الأخرى بأنه هو وحده الذي يملك الوسيلة العلمية لتمييز ما صح منه مما لم يصح ، وهي نفس الوسيلة التي يميز بها الحديث الصحيح من الضعيف ، ألا وهو الإسناد الذي قال فيه بعض السلف :

" لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " ، ولذلك لما فقدت الأمم الأخرى هذه الوسيلة العظمى امتلأ تأريخها بالسخافات والخرافات ، ولا نذهب بالقراء بعيداً فهذه كتبهم التي يسمونها بـ " الكتب المقدسة " اختلط فيها الحابل بالنابل ، فلا يستطيعون تمييز الصحيح من الضعيف مما فيها من الشرائع المنزلة على أنبيائهم ، ولا معرفة شيء من تاريخ حياتهم أبد الدهر ، فهم لا يزالون في ضلالهم يعمهون ، وفي دياجير الظلام يتيهون !، فهل يريد منَّا أولئك الناس أن نستسلم لكل ما يقال إنه من " التاريخ الإسلامي " ولو أنكره العلماء ) . انتهي من " السلسلة الصحيحة " (5/331) .

فلا تُقبل رواية عند المسلمين بلا سند ، والسند يبين صحة الرواية أو ضعفها ، ولهذا قيل " من أسند فقد أحال " .
للاستزادة انظر : " مصادر السيرة النبوية وتقويمها " د. فاروق حمادة (104) ، " السيرة النبوية الصحيحة" د. أكرم ضياء العمري (1/39-40) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-24, 05:17
السؤال :

هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرفّه عن نفسه ؟

أم كانت حياته كلها طاعات وعبادات ؟

الجواب :

الحمد لله

نعم ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفّه عن نفسه ، وهو مع ذلك كانت حياته كلها لله رب العالمين ؛ كما قال الله عز وجل : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام/ 162 .

فكانت حياته الكريمة صلى الله عليه وسلم كلها لله ، أما العبادة فوجه كونها لله ظاهر معلوم .

أما غير العبادة : فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسابق عائشة رضي الله عنها ، وكان يضاحك أهله ويلاطفهن ويسامرهن .

وروى مسلم (670) وأبو داود (1294) والنسائي (1358) عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : " أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وينشِدُون الشّعْر فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ " .

وروى الترمذي (1990) وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا ، قَالَ : ( إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا ) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الأدب المفرد " برقم : (265) .

وروى ابن ماجة (144) عن يَعْلَى بْن مُرَّةَ : " أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ ، فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي السِّكَّةِ قَالَ : فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَ الْقَوْمِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَفِرُّ هَا هُنَا وَهَا هُنَا ، وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَهُ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَالْأُخْرَى فِي فَأْسِ رَأْسِهِ فَقَبَّلَهُ " .
وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ - يُقال لَهُ: زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ - كَانَ يُهدِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ , فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إن زاهِراً بَادِيَنا , وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ ) , قَالَ : فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ , فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ -وَالرَّجُلُ لَا يُبصره -؛ فَقَالَ : أَرْسِلْنِي , مَن هَذَا ؟! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ , فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟ ) , فَقَالَ زَاهِرٌ: تجدُني يَا رَسُولَ اللَّهِ! كاسِداً , قَالَ: (لَكِنَّكَ - عِنْدَ اللَّهِ - لَسْتَ بِكَاسِدٍ) , أَوْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (بَلْ أَنْتَ - عند الله - غَالٍ) .

رواه أحمد في المسند (12468ـ ط الرسالة ) وابن حبان (5790) والترمذي في الشمائل (239) وصححه الألباني .
وروى أحمد (24334) عن عَائِشَةَ قَالَتْ : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ – يعني يوم أن لعب الحبشة في المسجد : ( لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ )" وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3219) .
والأخبار في ذلك كثيرة .

وقد عقد الإمام الترمذي رحمه الله في كتابه النافع الماتع " شمائل النبي صلى الله عليه وسلم " ، بابين مفيدين في ذلك : أحدهما : " باب ما جاء في ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، والآخر : " باب ما جاء في صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

والمرء قد ينام وقد يلعب وقد يلاعب أهله ، فإذا أحسن في ذلك النية أثيب عليه ،
وقد روى البخاري (4345) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ : " أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ ، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي " ؛ فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-24, 05:22
السؤال :

يخرج أناس علينا بهذا الحديث في محاولة لدحض الحق : الحديث في البخاري الجزء السابع كتاب 72 رقم (787) ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ ، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ ، وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وحديث آخر عن ابن عباس: " بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ، يُوحَى إِلَيْهِ ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ"


فما قولكم في الفرق بين الحديثين ؟ ، وكيف يجمع بينهما ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

المشهور الذي عليه جمهور أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة قبل النبوة أربعين سنة ، وأقام بها بعد النبوة ثلاث عشرة سنة ، وأقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين ، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة – صلى الله عليه وسلم .

قال النووي رحمه الله :

" وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَعْد الْهِجْرَة عَشْر سِنِينَ , وَبِمَكَّة قَبْل النُّبُوَّة أَرْبَعِينَ سَنَة , وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي قَدْر إِقَامَته بِمَكَّة بَعْد النُّبُوَّة , وَقبلَ الْهِجْرَة ، وَالصَّحِيح أَنَّهَا ثَلَاث عَشْرَة , فَيَكُون عُمْره ثَلَاثًا وَسِتِّينَ , وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْس أَرْبَعِينَ سَنَة هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاء " انتهى .
وهذا هو منطوق ما رواه البخاري (3902) ومسلم (2351) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ " .

وأما ما رواه البخاري (3547) ومسلم (2347) ـ أيضا ـ عن أَنَس بْن مَالِكٍ ، يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ ).

فللعلماء في الجمع بين الحديثين طرق:

الأولى : إلغاء الكسر في حديث أنس ، وإثباته في حديث ابن عباس ؛ فيكون حديث ابن عباس قد دقق في عد السنوات ، وأما حديث أنس فقد اهتم بذكر العشرة ( العقد ) ، ولم يعتن بنقل الكسر الزائد عليها ، وهي طريقة للعرب ، حيث كانت أمة أمية .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْله : ( فَلَبِثَ بِمَكَّة عَشْر سِنِينَ يَنْزِل عَلَيْهِ ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ سَنَة , وَأَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَنَس " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ " وَهُوَ مُوَافِق لِحَدِيثِ عَائِشَة الْمَاضِي قَرِيبًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُور , وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : لَا بُدّ أَنْ يَكُون الصَّحِيح أَحَدهمَا , وَجَمَعَ غَيْره بِإِلْغَاءِ الْكَسْر

" انتهى من " فتح الباري " (6/570) .

وقال النووي :

" اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ أَصَحّ الرّوايَات ثَلَاث وَسِتُّونَ ... وَرِوَايَة سِتِّينَ اِقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى الْعُقُود وَتَرْك الْكَسْر

" انتهى من " شرح مسلم " (15/99) .

وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر الاختلاف :

" وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرًا مَا تَحْذِفُ الْكَسْرَ " انتهى .

"البداية والنهاية" (5/ 257) .

والذي يدل عليه أن كل من رُوى عنه من الصحابة ما يخالف المشهور جاء عنه رواية تضبط العدد ، على حسب القول الآخر المشهور .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْله : ( لَبِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة عَشْر سِنِينَ يَنْزِل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَبِالْمَدِينَةِ عَشْر سِنِينَ ) وَهَذَا ظَاهِره أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ سِتِّينَ سَنَة ، إِذَا اِنْضَمَّ إِلَى الْمَشْهُور أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْس الْأَرْبَعِينَ , لَكِنْ يُمْكِن أَنْ يَكُون الرَّاوِي أَلْغَى الْكَسْر كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْوَفَاة النَّبَوِيَّة , فَإِنَّ كُلّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ أَوْ أَكْثَر مِنْ ثَلَاث وَسِتِّينَ ، جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ .

فَالْمُعْتَمَد أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ , وَمَا يُخَالِف ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يُحْمَل عَلَى إِلْغَاء الْكَسْر فِي السِّنِينَ , وَإِمَّا عَلَى جَبْر الْكَسْر فِي الشُّهُور " انتهى من " فتح الباري " (9/4) .

الطريقة الثانية : أن يحمل قول مَن قال : مكث ثلاث عشرة سنة ، على أنه عدّ ذلك من أول نزول الوحي ، وأما من قال : مكث عشرا ، فقد عدّ من بعد فترة الوحي ؛ فإن الوحي فَتَر زمنا ، ثم حمي وتتابع .

قال ابن كثير رحمه الله :

" قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَقُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلُ ثَلَاثَ سِنِينَ ، فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ ، وَلَمْ يَنْزِلِ الْقُرْآنُ ، فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلُ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ عِشْرِينَ سَنَةً عَشْرًا بِمَكَّةَ وَعَشْرًا بِالْمَدِينَةِ ، فَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.

قال ابن كثير : فَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى الشَّعْبِيِّ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ إِسْرَافِيلَ قُرِنَ مَعَهُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ " انتهى من "البداية والنهاية" (3/ 4) .

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/151):

" وَقَدْ جَمَعَ السُّهَيْلِيُّ بَيْن الْقَوْلَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ بِوَجْهٍ آخَر , وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَالَ : مَكَثَ ثَلَاث عَشْرَة عَدَّ مِنْ أَوَّل مَا جَاءَهُ الْمَلَك بِالنُّبُوَّةِ , وَمَنْ قَالَ : مَكَثَ عَشْرًا أَخَذَ مَا بَعْد فَتْرَة الْوَحْي وَمَجِيء الْمَلَك بِيَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر " انتهى .

وقال أيضا في الفتح (9/4):

" أَوْ أَنَّهُ عَلَى رَأْس الْأَرْبَعِينَ قُرِنَ بِهِ مِيكَائِيل أَوْ إِسْرَافِيل ، فَكَانَ يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَة أَوْ الشَّيْء مُدَّة ثَلَاث سِنِينَ ، كَمَا جَاءَ مِنْ وَجْه مُرْسَل , ثُمَّ قُرِنَ بِهِ جِبْرِيل فَكَانَ يَنْزِل عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ مُدَّة عَشْر سِنِينَ بِمَكَّة " انتهى .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-25, 02:17
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال :

أريد أن أعرف حجم منبر النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أهدي لمسجدنا منبر ضخم جدا وبه أكثر من ثلاث درجات ، وبما أنني عضو في الإدارة نريد أن نعيد تعديله ونجعله ثلاث درجات فقط ، لذلك نريد أن نعرف حجم المنبر الطبيعي الذي اعتاد النبي صلي الله عليه وسلم أن يعتليه ، ويفضل لو كانت إجابتكم مدعمة بالأحاديث وآراء العلماء .

الجواب :

الحمد لله

روى البخاري (917) ومسلم (544) عن أَبِي حَازِمٍ : " أَنَّ نَفَرًا جَاءُوا إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَدْ تَمَارَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ ؟ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ وَمَنْ عَمِلَهُ وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ فَحَدِّثْنَا قَالَ : أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى امْرَأَةٍ من الأنْصَار : ( انْظُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أُكَلِّمُ النَّاسَ عَلَيْهَا ) ، فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوُضِعَتْ هَذَا الْمَوْضِعَ ، فَهِيَ مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ " .

( طُرَفَاء الْغَابَة ) وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ ( مِنْ أَثْل الْغَابَة ) وهو شجر لا شوك له ، وَالْغَابَة مَوْضِع مَعْرُوف مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَة " . والمقصود أنه مصنوع من الخشب .

وروى أحمد (2415) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : َ" كَانَ مِنْبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصِيرًا ، إِنَّمَا هُوَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ " . وإسناده حسن . وقال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح
"مجمع الزوائد" (2 /386) .

وروى مسلم (1017) من حديث جرير : " فَصَلَّى الظُّهْرَ – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ صَعِدَ مِنْبَرًا صَغِيرًا " .

روى الدارمي (41) عن أَنَس بْن مَالِكٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى جِذْعٍ مَنْصُوبٍ فِي الْمَسْجِدِ فَيَخْطُبُ النَّاسَ ، فَجَاءَهُ رُومِيٌّ فَقَالَ : أَلَا أَصْنَعُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ وَكَأَنَّكَ قَائِمٌ ؟ فَصَنَعَ لَهُ مِنْبَرًا لَهُ دَرَجَتَانِ وَيَقْعُدُ عَلَى الثَّالِثَةِ ، فَلَمَّا قَعَدَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْبَرِ خَارَ الْجِذْعُ كَخُوَارِ الثَّوْرِ حَتَّى ارْتَجَّ الْمَسْجِدُ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمِنْبَرِ فَالْتَزَمَهُ وَهُوَ يَخُورُ ، فَلَمَّا الْتَزَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَنَ ثُمَّ قَالَ : ( أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ لَمَا زَالَ هَكَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .

ورواه أحمد (21252) والدارمي (36) من حديث أبي بن كعب .
قال الألباني في "الصحيحة" (5/173) : "إسناده جيد ، وهو على شرط مسلم " .

وروى أبو داود (1082) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ : " كَانَ بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْحَائِطِ كَقَدْرِ مَمَرِّ الشَّاةِ " . وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" والصحيح : أن المنبر كانَ ثلاث مراق ، ولم يزل على ذَلِكَ في عهد خلفائه الراشدين .

وقد عد طائفةٌ من العلماء : تطويل المنابر من البدع المحدثة ، منهم: ابن بطة من أصحابنا وغيره ، وكره بعض الشافعية المنبر الكبير جداً، إذا كانَ يضيق به المسجد

" انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (8/ 242) .

وقال ابن حجر رحمه الله :

" وَلَمْ يَزَلِ الْمِنْبَرُ عَلَى حَالِهِ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ حَتَّى زَادَهُ مَرْوَانُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سِتَّ دَرَجَاتٍ مِنْ أَسْفَلِهِ " انتهى .

"فتح الباري" لابن حجر (2/ 399) .

وقال النووي رحمه الله :

" قَالَ الْعُلَمَاء : كَانَ الْمِنْبَر الْكَرِيم ثَلَاث دَرَجَات , كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُسْلِم فِي رِوَايَته " .

فعُلم بما تقدم من الأحاديث الصحيحة أن منبر النبي صلى الله عليه وسلم كان صغيرا قصيرا متواضعا ، مصنوعا من الخشب ، يتكون من ثلاث درجات ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على الثانية ويجلس على الثالثة ، وكان بين منبره وبين الحائط قدر ممر شاة ، فلم يكن يقطع صفا ، ولم يكن يؤذي أحدا ، إنما هي خشبات متواضعة ركبت ثلاث درجات ، ولا زخارف ولا نقوش ولا إنفاق زائد على الحد ، وعلى نحو ذلك ينبغي أن تكون منابر مساجد المسلمين .

ولقد أحسنتم في رغبتكم في تعديل هذا المنبر الكبير وجعله ثلاث درجات ، نسأل الله لكم التوفيق والعمل بالسنة .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-25, 02:21
السؤال:

ما صحة قصة المرأة التي كانت ترى النور في وجه أبي النبي عبد الله قبل أن تحمل آمنة بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب :

الحمد لله

هذه القصة والتي مفادها أن امرأة رأت نور النبوة في وجه عبد الله بن عبد المطلب أبي النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعته إلى نفسها ، فحال الله بينها وبين حصول ذلك :

هي قصة مشهورة مروية في عامة كتب السيرة ودلائل النبوة ، ولها طرق وأسانيد متعددة ، ولكن عامة أسانيدها واهية ، وإليك البيان :

- روى أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص131) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (3/404) والخرائطي كما في "البداية والنهاية" (2 /308) من طريق مُحَمَّد بْن عُمَارَةَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَمَّا خَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِابْنِهِ لِيُزَوِّجَهُ ، مَرَّ بِهِ عَلَى كَاهِنَةٍ مِنْ أَهْلِ تُبَالَةَ مُتَهَوِّدَةٍ ، قَدْ قَرَأَتِ الْكُتُبَ يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُرٍّ الْخَثْعَمِيَّةُ، فَرَأَتْ نُورَ النُّبُوَّةِ فِي وَجْهِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَتْ : يَا فَتَى، هَلْ لَكَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ الْآنَ ، وَأُعْطِيَكَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ :

أَمَّا الْحَرَامُ فَالْمَمَاتُ دُونَهْ * وَالْحِلُّ لَا حَلّ فَأَسْتَبِينَهْ * فَكَيْفَ لِي الْأَمْرُ الَّذِي تَبْغِينَهْ

ثُمَّ مَضَى مَعَ أَبِيهِ، فَزَوَّجَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، فَأَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ نَفْسَهُ دَعَتْهُ إِلَى مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ الْخَثْعَمِيَّةُ ، فَأَتَاهَا، فَقَالَتْ : يَا فَتَى، مَا صَنَعْتَ بَعْدِي؟ قَالَ: زَوَّجَنِي أَبِي آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، قَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا بِصَاحِبَةِ رِيبَةٍ ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ فِيَ وَجْهِكَ نُورًا ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ فِيَّ ، وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُصَيِّرَهُ حَيْثُ أَحَبَّ .

وهذا إسناد ضعيف لا تقوم به الحجة :
مسلم بن خالد قال ابن المديني ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث ، وقال أبو حاتم لا يحتج به ، وضعفه أبو داود . ينظر : "ميزان الاعتدال" (4/102) .

وابن جريج مدلس وقد عنعنه ، وقال الدارقطني: تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس ، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح . ينظر : "تهذيب التهذيب" (6 /359) .

- ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" (1/107) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَة بْن عَلْقَمَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بمعناه .

ومسلمة بن علقة قال الإمام أحمد وزكريا الساجي : حدث عن داود بن أبي هند أحاديث مناكير ، وقال العقيلي : له عن داود مناكير وما لا يتابع عليه من حديثه كثير . وذكر له ابن عدي أحاديث وقال وله غير ما ذكرت مما لا يتابع عليه .ينظر : "تهذيب التهذيب" (10 /132) .

وهذا من روايته عن داود كما ترى فهو من مناكيره .
وعبد الوارث بن إبراهيم لم نعثر له على ترجمة .

وابن قانع كان قد اختلط ، راجع : "لسان الميزان" (3 /383) .

- ورواه ابن سعد في "الطبقات" (1/ 78) أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ. أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ خَثْعَمٍ فَرَأَتْ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورًا سَاطِعًا إِلَى السَّمَاءِ ... فذكر معناه .

وهذا إسناد صحيح ، لكنه مرسل .

- وله شاهد يرويه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص: 130) من طريق أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ ، به .

وهذا إسناد واه ، محمد بن عبد العزيز قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال الدارقطني: ضعيف. ينظر : "ميزان الاعتدال" (3 /628) .

- ورواه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص: 131) من طريق يَعْقُوب بْن مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ به .
ويعقوب بن محمد الزهري تالف ، قال أحمد ليس يسوي شيئا ، وقال أبو زرعة واهي الحديث ، وقال ابن معين أحاديثه تشبه أحاديث الواقدي – والواقدي متهم - وقال الساجي منكر الحديث
"تهذيب التهذيب" (11 /348) .

- ورواه ابن سعد في "الطبقات (1/77 ) أخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي عَرَضَتْ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَا عَرَضَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ، وَهِيَ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ.

قَالَ ابن سعد : وَأَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي الْفَيَّاضِ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ: مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِامْرَأَةٍ مِنْ خَثْعَمٍ يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُرٍّ. وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ وَأَشَبِّهِ وَأَعَفِّهِ. وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْكُتُبَ. وَكَانَ شَبَابُ قُرَيْشٍ يَتَحَدَّثُونَ إِلَيْهَا. فَرَأَتْ نُورَ النُّبُوَّةِ فِي وَجْهِ عَبْدِ اللَّهِ .

وهشام بن محمد وأبوه متهمان . راجع "ميزان الاعتدال" (3/556) ، "لسان الميزان" (6/196) .

- ورواه ابن سعد أيضا (1/77) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ .

قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِيهِ.

وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَالُوا جَمِيعًا: هِيَ قُتَيْلَةُ بِنْتُ نَوْفَلٍ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَكَانَتْ تَنْظُرُ وَتَعْتَافُ ، فَمَرَّ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَدَعَتْهُ يَسْتَبْضِعُ مِنْهَا وَلَزِمَتْ طَرَفَ ثَوْبِهِ ، فَأَبَى وَقَالَ : حَتَّى آتِيَكِ ، وَخَرَجَ سَرِيعًا حَتَّى دَخَلَ عَلَى آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى الْمَرْأَةِ فَوَجَدَهَا تَنْظُرُهُ .، فَقَالَ: هَلْ لَكِ في الذي عرضت علي؟ فقالت: لا ، مَرَرْتَ وَفِي وَجْهِكَ نُورٌ سَاطِعٌ ثُمَّ رَجَعْتَ وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ النُّورُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَتْ مَرَرْتَ وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ غُرَّةٌ مِثْلُ غُرَّةِ الْفَرَسِ وَرَجَعْتَ وَلَيْسَ هِيَ فِي وَجْهِكَ.

ومحمد بن عمر هو الواقدي ، كذبه الشافعي وأحمد والنسائي وغيرهم ، وقال إسحاق بن راهويه : هو عندي ممن يضع الحديث . ينظر : "تهذيب التهذيب" (9 /326) .

- ورواه البيهقي في "الدلائل" (1/105) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّهُ ... ؛ فذكره بنحو مما سبق . وهذا مرسل .

- ورواه أبو نعيم في "الدلائل" (ص133) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، عَنْ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ: " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَحْسَنَ رَجُلٍ رُؤِيَ قَطُّ ، خَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَيَّتُكُنَّ تَتَزَوَّجُ بِهَذَا الْفَتَى ، فَتَصْطَبُّ النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِنِّي أَرَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورًا ، فَتَزَوَّجَتْهُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ فَجْأَةً ، فَحَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

وهذا مرسل أيضا ، ولعل في هذه النسخة المطبوعة تصحيفا ، وأن الصواب : ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب ؛ فإن ذلك هو المعروف ، ولا نعرف في شيوخ ابن وهب من اسمه أحمد بن يونس .

والخلاصة :

أن هذا الحديث ضعيف من جميع طرقه ، وأن عامتها واهية لا يستشهد بها فضلا عن أن يحتج بها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-25, 02:25
السؤال:

هل بول النبي صلى الله عليه وسلم طاهر ؟

وهل ورد وصح أن إحدى الصحابيات قامت بشربه ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

ورد شرب بول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثين لامرأتين :

الحديث الأول : في شرب " أم أيمن " لبول النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء الحديث من طريق أبي مالك النخعي عن الأسود بن قيس عن نُبيح العَنَزي عن أُمِّ أَيْمَنَ قالت : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ إلى فَخَّارَةٍ في جَانِبِ الْبَيْتِ فَبَالَ فيها ، فَقُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ وأنا عَطْشَانَةُ فَشَرِبْتُ ما فيها وأنا لا أَشْعُرُ فلما أَصْبَحَ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يا أُمَّ أَيْمَنَ قَوْمِي فَأَهْرِيقِي ما في تِلْكَ الْفَخَّارَةِ ) قلت : قد وَالله شَرِبْتُ ما فيها ، قالت : فَضَحِكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قال ( أما إنك لا تَتَّجِعِينَ بَطْنَكِ أبدًا ) .

رواه الحاكم في " مستدركه " ( 4 / 70 ) وأبو نعيم في " الحلية " ( 2 / 67 ) والطبراني في " الكبير " ( 25 / 89 ، 90 ) .
وإسناد الحديث ضعيف ، فيه علتان : العلة الأولى : الانقطاع بين نبيح العنزي وأم أيمن ، والعلة الثانية : أبو مالك النخعي واسمه عبد الملك بن حسين ، وهو متفق على ضعفه ، قال عنه النسائي : متروك ، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، وقال عمرو بن علي : ضعيف منكر الحديث .

انظر " الضعفاء والمتروكين " للنسائي و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم و " تهذيب التهذيب " لابن حجر .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " وأبو مالك ضعيف ، ونُبيح لم يلحق أم أيمن

" انتهى من " التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير " ( 1 / 171 ) .

ورواه أبو مالك النخعي من طريق آخر عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن أم أيمن .
قال الدارقطني – رحمه الله - : " وأبو مالك ضعيف ، والاضطراب فيه من جهته

" انتهى من " العلل " للدارقطني " ( 15 / 415 ) .

الحديث الثاني : في شرب " بَرَكة أم يوسف " لبول النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء الحديث من طريق ابن جُرَيْجٍ قال حَدَّثَتْنِي حُكَيْمَةُ بنتُ أُمَيْمَةَ بنتِ رُقَيْقَةَ عن أُمِّهَا أنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يَبُولُ في قَدَحِ عِيدَانٍ ثُمَّ يَرْفَعُ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَبَالَ فيه ثُمَّ جاء فَأَرَادَهُ فإذا الْقَدَحُ ليس فيه شَيْءٌ فقال لامْرَأَةٍ يُقَالُ لها " بَرَكَةُ " كانت تَخْدُمُ أُمَّ حَبِيبَةَ جَاءَتْ بها من أَرْضِ الْحَبَشَةِ ( أَيْنَ الْبَوْلُ الذي كان في الْقَدَحِ ؟ ) قالت : شَرِبَتُهُ ، فقال ( لَقَدِ احْتَظَرْتِ مِنَ النَّارِ بِحِظَارٍ ) .

رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 7 / 67 ) والطبراني في " الكبير " ( 24 / 189 ) .

وهو حديث ضعيف ؛ لجهالة حُكيمة بنت أميمة .

قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " ( 1 / 587 ) : " غير معروفة " انتهى .

وقال ابن حجر في " تقريب التهذيب " ( ص 745 ) : " حُكَيمة بنت أميمة لا تعرف " انتهى .

ومع علة الجهالة فإن متن الحديث مضطرب اضطراباً كبيراً .

ثانياً:

أما حكم " بول النبي صلى الله عليه وسلم " : فالأصل فيه أنه كباقي بول البشر ، وليس ثمة استثناء في كونه طاهراً ، وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يستنجي بعد انتهائه من بوله وقضاء حاجته ، ولم يصحَّ أن أحداً شرب بولَه صلى الله عليه وسلم ، والأحاديث السابقة في هذا الباب ضعيفة كلها ، ولو صحَّ شيء منها ، لم يكن فيه حجة ، لأن شرب البول قد وقع فيها مصادفة ، من غير تعمد لشربه .

والأصل في خَلْق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كباقي البشر ؛ لقوله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) الكهف/ 110 ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي ) رواه البخاري ( 392 ) ومسلم ( 572 ) " ولقوله : ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ

فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم ( 2603 )
.
إلا أن يَنصَّ هو على خلاف ذلك فيما أكرمه الله تعالى به وخصَّه به من دون الناس ، كقوله فيما رواه البخاري ( 1096 ) ومسلم ( 738 ) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي ) ، وكما جاء عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي ) رواه البخاري ( 686 ) ومسلم ( 425 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-02-25, 02:32
السؤال :

أتمنى أن يصلكم سؤالي هذا وأنتم في خير صحة وعافية . سؤالي هو لقد لاحظت أنه حين يسأل أي شخص غير مسلم عن عمر الإسلام بعد عصر النبوة ، فنحن كمسلمين نجيب فقط بالسنين بعد الهجرة ،

وسؤالي هو ؛ لماذا نترك ثلاث عشرة سنة من النبوة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ؟

أعلم أن السنة التي هاجر فيها كانت سنة عظيمة ، ولكن نعلم جميعاً أن النبوة بدأت قبل الهجرة بثلاث عشرة سنة ، لذا فحين نجيب على السؤال عن عمر الإسلام ، فنحن نجيب 1433 بعد الهجرة ، فلماذا لا نقول 1446 بعد النبوة ، ونضيف تلك الثلاث عشرة سنة ؟

تستطيعون إن شاء الله توضيح الأمر لي .

الجواب :

الحمد لله

لاشك أن سني الدعوة التي قضاها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة يدعو إلى سبيل ربه ، ويتحمل الأذى ، ويصبر على مقولة السفهاء ، لا شك أنها محسوبة من عمر الإسلام ، بل هي من أعظم سني الإسلام ، لما كان عليه حال النبي صلى الله عليه وسلم من تمام التوكل على ربه وحسن الظن به والصبر على الأذى في سبيله .

وهذا أمر لا يشك فيه عاقل ، ولا ينكره أحد على الإطلاق ، سواء من المسلمين أو من غيرهم .

ولكن الذي حدا بالناس أن يعتمدوا تاريخ الهجرة عند التقويم أو عند ذكر سنة وقوع الحدث ، وهو الذي يقع غالبا في كلامهم ، أن هذا التاريخ هو ما اتفق عليه الصحابة أن يؤرخوا به زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وذلك لأنه التاريخ الحقيقي لقيام الدولة الإسلامية ، بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبنزوله المدينة ، واجتماع الناس حوله ، ونصرتهم له ، وبناء المسجد ، وغير ذلك مما ترتب على الهجرة ، فبدأت معالم الدولة الإسلامية تظهر وتتضح جغرافيا واجتماعيا وعسكريا وسياسيا ، وأما قبل ذلك فلم يكن للمسلمين دولة ، ولم يكن لهم نظام جامع .

وقد اتفق الصحابة رضي الله عنهم في سنة ست عشرة - وقيل سنة سبع عشرة ، أو ثماني عشرة - في الدولة العمرية على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة ، وذلك أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه صك - أي حجة - لرجل على آخر وفيه ، أنه يحل عليه في شعبان .

فقال عمر: أي شعبان ؟ أشعبان هذه السنة التي نحن فيها أو السنة الماضية ، أو الآتية ؟ ثم جمع الصحابة فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرفون به حلول الديون وغير ذلك .

فقال قائل : أرخوا كتاريخ الفرس فكره ذلك ، وقال قائل: أرخوا بتاريخ الروم ، فكره ذلك .

وقال آخرون : أرخوا بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال آخرون بل بمبعثه ، وقال آخرون بل بهجرته ، وقال آخرون بل بوفاته عليه السلام .

فمال عمر رضي الله عنه إلى التاريخ بالهجرة لظهوره واشتهاره ، واتفقوا معه على ذلك .

والمقصود أنهم جعلوا ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة ، وجعلوا أولها من المحرم فيما اشتهر عنهم ، وهذا هو قول جمهور الأئمة ، لئلا يختلط النظام .

انظر : "البداية والنهاية" (3 /251-253) .

وقد روى البخاري في صحيحه (3934) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : ( مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَقَدْ أَبْدَى بَعْضهمْ لِلْبُدَاءَةِ بِالْهِجْرَةِ مُنَاسَبَة فَقَالَ : كَانَتْ الْقَضَايَا الَّتِي اتّفقَتْ لَهُ وَيُمْكِن أَنْ يُؤَرَّخ بِهَا أَرْبَعَة : مَوْلِده وَمَبْعَثه وَهِجْرَته وَوَفَاته , فَرَجَحَ عِنْدهمْ جَعْلهَا مِنْ الْهِجْرَة ، لِأَنَّ الْمَوْلِد وَالْمَبْعَث لَا يَخْلُو وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ النِّزَاع فِي تَعْيِين السَّنَة , وَأَمَّا وَقْت الْوَفَاة فَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِمَا تُوُقِّعَ بِذِكْرِهِ مِنْ الْأَسَف عَلَيْهِ , فَانْحَصَرَ فِي الْهِجْرَة , وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ مِنْ رَبِيع الْأَوَّل إِلَى الْمُحَرَّم لِأَنَّ اِبْتِدَاء الْعَزْم عَلَى الْهِجْرَة كَانَ فِي الْمُحَرَّم , إِذْ الْبَيْعَة وَقَعَتْ فِي أَثْنَاء ذِي الْحِجَّة وَهِيَ مُقَدِّمَة الْهِجْرَة , فَكَانَ أَوَّل هِلَال اِسْتَهَلَّ بَعْد الْبَيْعَة وَالْعَزْم عَلَى الْهِجْرَة هِلَال الْمُحَرَّم ، فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَل مُبْتَدَأ , وَهَذَا أَقْوَى مَا وَفَقْت عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَة الِابْتِدَاء بِالْمُحَرَّمِ .

وَرَوَى الْحَاكِم عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ " جَمَعَ عُمَر النَّاس فَسَأَلَهُمْ عَنْ أَوَّل يَوْم يَكْتُب التَّارِيخ , فَقَالَ عَلِيّ : مِنْ يَوْم هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَك أَرْض الشِّرْك , فَفَعَلَهُ عُمَر ... " انتهى ملخصا .

فالذي يعتبر أن عمر الإسلام إنما يبدأ بالهجرة ، إنما يقصد التاريخ والتقويم وما اتفق الناس عليه من توحيد النظام لمعرفة الأيام والأحداث ، وتصحيح المواقيت للناس في العقود والوفود ونحو ذلك : فهذا أمر اتفق الناس عليه من خلافة عمر رضي الله عنه إلى يومنا هذا ، والذي يحدد بهذا التاريخ إنما يقصد عمر تكوين وإنشاء الدولة ، وهذا إنما ابتدأ بالهجرة .

وأما بدء أمر الإسلام ، ومعرفة الناس به : فلا يحتاج إلى تنبيه أنه قبل ذلك ، بل الإسلام بمعناه العام : يشمل الدين الذي ارتضاه الله لعباده ، وأرسل به أنبياءه ورسله ، وهذا غير مراد في هذا المقام .

ولا نعتقد أن أحدا يتصور أن بداية الإسلام الحقيقية إنما هو من الهجرة ، ويلغي سنين الدعوة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بمكة قبل الهجرة ، هذا لا يقوله أحد .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 02:03
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال :

هناك عامل وزميل غير مسلم ، وحين أحاول دعوته وإخباره بان الدين الإسلامي دين عظيم ، وكيف أن النبي محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أعظم البشر ، وأعظم من وطئت قدمه الأرض ، وأنه رحمة للعالمين ؛ بل ولكل المخلوقات ، فيظل يرد علي بتلك الردود : كيف يكون محمد رحمة للبشر ؟

و قد قطع أيدي الناس وأرجلهم وصلبهم ، بل ورماهم في الصحراء ليموتوا ... ( صحيح البخاري ) ، وقد قتل اليهود أمام نسائهم ثم اغتصبهن . أعتقد أن كلمة رحمة والرأفة لابد أن تحذف من أي ترجمة ، ولا تجعلني أبدا في الاعتقاد في الله الذي يحرق الناس حتى يذهب جلدهم ثم يبدلهم بجلد آخر ليحرقهم ويكرر ذلك إلى الأبد ، وهذا في القرآن ، هل هذه هي الرحمة والرأفة في عقلكم ؟

،أرجو التوضيح ، فأحاول أن أقول له أن هذا ليس حقيقي ، وأن هذه الأمور ليست صحيحة ، ولكنه يأتي لي بالأحاديث التي تؤيد كلامه ، وكيف أن النبي قطع رؤوس سبعمائة يهودي 700 يهودي في سوق المدينة في يوم واحد ، ثم أخذ نسائهم و أطفالهم عبيد و سبايا ؟!! لا أعرف كيف أرد عليه و أشعر بالضيق الشديد . أرجو المساعدة !

الجواب :

الحمد لله

نعم لقد بعث الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين كما قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء/ 107 .

وروى الحاكم في "المستدرك" (100) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2345) .

ثم إن من الخلق من قَبِل هذه الرحمة ، ومنهم من ردها .

قال السعدي رحمه الله :

" فهو رحمته المهداة لعباده ، فالمؤمنون به قبلوا هذه الرحمة وشكروها وقاموا بها ، وغيرهم كفرها ، وبدلوا نعمة الله كفرا ، وأبوا رحمة الله ونعمته

" انتهى من "تفسير السعدي" (ص 532) .

ولذلك قال الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) التوبة/ 128

فهو رحمة للمؤمنين ، ورأفة للصالحين ، وهو نقمة على الكافرين وعذاب على المفسدين ،
فإذا رفض العبد الرحمة لم يكن من أهلها ، وهذا معلوم مستقر في الأذهان شرعا وعقلا ،

فإذا لم يكن من أهل الرحمة ، كان من أهل العذاب ، وهكذا جاءت أحكام الشريعة يوافقها العقل ، ويؤيدها النظر الصحيح .

وهؤلاء الذين قطع النبي صلى الله عليه وسلم أيديهم وأرجلهم ونبذهم بالعراء لم يقبلوا رحمة الله ، وعثوا في الأرض فسادا ، فسفكوا الدم الحرام ، وآذوا عباد الله ، فلم يكن بُدّ من استئصالهم ، وإراحة البلاد والعباد منهم ، فإن مثل هؤلاء يفسدون وينشرون الفساد ، وإذا لم يمنعهم مانع قاهر لم يمتنعوا من الإفساد في الأرض ، فصاروا كالعضو الفاسد من الجسد إذا أصابه السوء والبلاء وجعل يستشري فيه شيئا فشيئا لم يكن بد من قطعه واستئصاله ، وإذا لم يستأصل وتُرك على حاله هلك بسببه البدن كله .

روى البخاري (6390) ومسلم (3163) عن أَنَس : ( أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ وَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا ؟ فَقَالُوا بَلَى . فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَصَحُّوا فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَطَرَدُوا الْإِبِلَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُدْرِكُوا فَجِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِرَ أَعْيُنُهُمْ )

قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : " فَهَؤُلَاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ " رواه البخاري (226) .

فهؤلاء أهل فساد ، هم في المجتمع كالعضو الفاسد في البدن ، لا بد من استئصاله ، وهذا من تمام الحكمة والرحمة التي بها يحصل الأمن للمجتمعات ، ويعتبر أهل الفساد بما حصل لهؤلاء فيتوبوا أو ينكفّوا . أما تركهم بغير رادع يردعهم وأمثالهم من المفسدين في الأرض فهو من إعانتهم على فسادهم ، وتحريض لذويهم للإفساد ، فتخرب البلاد ولا يأمن العباد على أنفسهم ولا على أعراضهم ولا على أولادهم ولا على أموالهم ، ومن استقرأ التاريخ ، ونظر في ذلك وجده حقا لا شك فيه .

وعلى ذلك : فحد الحرابة الذي شرعه الله تعالى بقوله : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة/ 33 .

من تمام العدل والحكمة والرحمة ، والذي يدل على ذلك قوله بعد ذلك مباشرة : ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المائدة/ 34 .

فحض الله على التوبة ، ومنع استشراء الفساد ، وعاقب المفسدين ونكل بهم ليرتدع أمثالهم عن أذية العباد ، أليس هذا من تمام الحكمة والرحمة ؟

وهؤلاء المعترضون على دين الله وشرعه وحكمه أهمهم شأن تلك الأيدي والأرجل المقطعة بسبب فساد أصحابها ، ولم يلتفتوا إلى هذا الفساد الذي يلحق الناس في أنفسهم وأهليهم وأموالهم بسبب هؤلاء الظالمين .

أما قتل يهود بني قريظة : فإنهم نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت اجتمع عليه فيه الأحزاب من كل مكان ، ورمت العرب المسلمين عن قوس واحدة ، وجاءهم العدو من فوقهم ومن أسفل منهم ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ) الأحزاب/ 9 – 11 .

نقض اليهود عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا استئصال المسلمين ، والقضاء عليهم تماما ، فتحالفوا مع حزب الشيطان على ذلك ، وصارت كلمتهم واحدة ، ووجهتهم واحدة ، وأمرهم واحد : القضاء على الإسلام وأهله .
ولو كان هؤلاء تمكنوا مما أرادوا مما حال الله بينه وبينهم برحمته لذهب الإسلام ، ولذهب أهله ، ولبقي الناس إلى يوم الدين في ضلالات الكفر .

فكان هذا الذي فعله هؤلاء اليهود من نقض العهد ومحالفة المشركين على حرب المسلمين من أعظم الفساد في الأرض ، ومما يدل على أنهم لا عهد لهم ولا ذمة ، وهذا معروف عنهم على مر العصور والأزمان .

ولما نصر الله عز وجل نبيه وعباده المسلمين أتِي بهؤلاء الخونة ، ونزلوا على حكم سعد بن معاذ باختيارهم ورضاهم ، فحكم فيهم بحكم الله ، أن يقتل مقاتلتهم وتسبى نساؤهم وذريتهم ، كما في البخاري (2816) ومسلم (3314) .

وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ( وَكَانُوا أَرْبَعَ مِائَةٍ ) رواه الترمذي (1508) وصححه ، وصححه الألباني .
لكن السؤال الآن : لماذا رضيت صفية بنت حيي رضي الله عنها بالزواج من النبي صلى الله عليه وسلم وقد قتل أباها – أحد سادات اليهود – وقتل زوجها وعمها ؟!

كيف تم ذلك ؟ وكيف وافقت عليه ؟

فسيقولون : وافقت خوفا منه !

فلماذا لم ترتد بعد موته صلى الله عليه وسلم ؟ لماذا لم تهرب ؟

لماذا عاشت وماتت على الإيمان به وطاعته ومحبته ، وقد فعل بها وبأهلها ما فعل ؟!

إن أحدا من هؤلاء المعترضين المخذولين لا يجرؤ أن يسأل هذا السؤال ؟

وقد روى الطبراني في "المعجم الكبير" (177) عن ابن عمر قال : كان بعيني صفية خضرة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه الخضرة بعينيك ؟ فقالت : قلت لزوجي إني رأيت فيما يرى النائم قمرا وقع في حجري فلطمني وقال : أتريدين ملك يثرب ؟ قالت : وما كان أبغض إليّ من رسول الله قتل أبي وزوجي ، فما زال يعتذر إليّ فقال : ( يا صفية إن أباك ألّب علي العرب ، وفعل ، وفعل ) حتى ذهب ذاك من نفسي
.
وصححه الألباني في "الصحيحة" (2793)

أما قول هذا المعترض : " قتل اليهود أمام نسائهم ثم اغتصبهن " فقول باطل وكذب وزور .

وقد كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل النساء والصبيان والأجراء في الحروب ، فروى أبو داود (2295) عَنْ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ : انْظُرْ عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ ، فَجَاءَ فَقَالَ عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ ، فَقَالَ : مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ . قَالَ : وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ : ( قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

والذين أخذهم النبي صلى الله عليه وسلم في السبي من اليهود كثير منهم من الله عليه بالإسلام . فكان ذلك من رحمة الله بهم .

روى النسائي (3376) عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ : " كُنْتُ يَوْمَ حُكْمِ سَعْدٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ غُلَامًا فَشَكُّوا فِيَّ فَلَمْ يَجِدُونِي أَنْبَتُّ فَاسْتُبْقِيتُ ، فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ " . صححه الألباني في "صحيح النسائي" .

يعني أنه كان صغيرا فلم يقتل فأبقوا عليه ، ثم منّ الله عليه بالإسلام ، يقول هذا الكلام تحدثا بنعمة الله عليه .
وقضية صنيع هؤلاء المكذبين أنهم يتبعون : إما الكذب ، وإما الجهل أو الفهم الخاطئ ، ويؤتون من قِبل كفرهم وإعراضهم ورغبتهم أن يكون ما سمعوه من إفك حقا ، فلا تلتفت إليهم .

أما قول الله تعالى عن الكافرين في النار : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) النساء/ 56 .

فيخبر تعالى عن الذين جحدوا بآيات الله وكذبوا رسوله أنه سوف يصليهم نارا ، ينضجهم ويشويهم فيها ، كلما انشوت جلودهم واحترقت أبدلهم جلودا غيرها ؛ ليذوقوا العذاب .

راجع : "تفسير الطبري" (8 /484) .

فمن أخبر هؤلاء أن أهل الكفر والشر والفساد سوف يرحمهم الله ؟

أم من أخبرهم أن العذاب المهين الذي أعده الله للكافرين يوم الدين من الرحمة والرأفة ؟

أفيعقل أن يرحم الله من لا يستحق الرحمة ؟

أيجعل الله المسلمين كالمجرمين ؟ أم يجعل المتقين كالفجار ؟

أيجعل أهل الفساد والتدمير والتخريب كأهل الصلاح والإصلاح ؟!

إن رحمة الله لا تكون إلا للمحسنين من عباده المؤمنين به وبكتبه ورسله ، أما الجاحدون المكذبون المعاندون فأولئك لا يرحمهم الله ، ولهم عذاب أليم .

قال تعالى : ( إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف/ 56 .

وقال تعالى : ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/ 156 .

وقال تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ) التوبة/ 71 .

وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النحل/ 104 .

وقال تعالى : ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ) الحجر /49-50 .

وقد أنذر الله وأعذر ، فأرسل الرسل وأنزل الكتب وأظهر الآيات ، وأقام الحجج البينات ، وبشر المؤمنين ، وتوعد الكافرين ، فمن رضي لنفسه بالكفر واختاره على الإيمان فدخل النار فلا يلومن إلا نفسه ، وهو بذلك أشد الناس لها ظلما ، وأعظمهم في حقها جرما .

ولو أن هؤلاء في قلوبهم من الخوف مثقال ذرة لقادهم الخوف إلى الإيمان والتسليم ، ولو فزعا وفرقا أن يصيبهم هذا التهديد والوعيد الشديد ، ولكنهم أبدا لا يؤمنون ولا يستسلمون ، فإنما يجادلون ويتواقحون لإطفاء نور الله .
فاثبت أيها المسلم على دينك ، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون .

ولو قيل للرجل العاقل : لا تشرب هذا السم ، إنك إن شربته مت ، فشربه وهو عاقل مدرك لما يفعل ، على من يقع اللوم ؟ : على الله الذي خلق السم وقدر به الموت ؟ أم على الحية التي استخرج السم منها ؟ أم على هذا الذي شربه برضاه ؟
فكما أننا نسلم بالقدر ولا نعترض عليه ، فكذلك لا بد أن نسلم بالشرع ولا نعترض عليه .

وعليك أن لا تغرق في الجدل مع هؤلاء ، وردهم إلى معالم الخير والصلاح في دين الله ، وكيف أن الإسلام انتشر في الأرض ، وكيف أن الناس يتوافدون في الدخول فيه أفواجا ، والذين كانوا أعداء له من قبل صاروا من جنده وحزبه .
لماذا أسلم عكرمة بن أبي جهل وقد قتل محمد أباه ؟

لماذا أسلمت أم حبيبة بنت أبي سفيان وتزوجت بالنبي صلى الله عليه وسلم في وقت كان أبوها ألد أعدائه وأشد خصمائه ؟

لماذا أسلمت هند بن عتبة وقد قتل محمد أباها وعمها وأخاها في حصدة واحدة ؟

فاعلم أن دين الله حق ، وأن الله لا يخلف وعده ، وأنه أرحم الراحمين ، وأنه بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين .

ولينظر هؤلاء في قادة العصر الحديث المتحضر ماذا فعلوا ويفعلون بالبشر ممن خالفهم ؟

ماذا يقولون عن أمريكا وما تفعله بشعوب الأرض بدعوى نشر الديمقراطية والقيم ؟

والمخالف إن كان من أهل اليهودية والنصرانية فلينظر في كتابه المقدس ليرى كيف كان أنبياء بني إسرائيل يقاتلون من خالفهم لا يتركون رجلاً أو امرأة أو شيخاً .

وإن كان شيوعياً فلينظر ماذا فعل استالين ورجاله .

وإن كان لا من هؤلاء ولا هؤلاء ويرى الحق في القتال لتحرير الشعوب وإزالة الأنظمة الجائرة فهذا حجة عليه .
والحاصل : أن الرحمة لها أهل ، والعذاب والنكال له أهل ، والنبي صلى الله عليه وسلم مبعوث بالرحمة ، كما هو مبعوث بالجهاد والقتال لأعدائه ، وهو رحمة للعالمين مطلقاً ، من وافقه ومن خالفه ، أما من وافقه فواضح ، وأما من خالفه : فإنه بلّغهم رسالة ربهم وأقام عليهم الحجة ، ولم يعاجلهم بالعقوبة .

وإن من الرحمة إزالة - الفئة الجائرة المتحكمة في نفوس وعقول من حولها – بعد إنذارها لتنعم الأغلبية بالأمن والحرية ، وهذه فلسفة الجهاد المشروع في الإسلام .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 02:06
السؤال:

هل هناك حديث صحيح يقضي بضرورة إجراء عقد النكاح في المسجد؟

أعلم أن هناك حديثاً في الترمذي ولكنه ضعيف ، فهل هناك حديث صحيح بهذا الشأن؟ وأين عقد النبي صلى الله عليه وسلم عقد نكاح بناته؟

الجواب :

الحمد لله

لا يوجد حديث صحيح في استحباب عقد النكاح في المسجد ، بل اعتقاد استحباب عقد في المسجد لا دليل عليه

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" استحباب عقد النكاح في المسجد لا أعلم له أصلا ولا دليلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا صادف أن الزوج والولي موجودان في المسجد وعقدا فلا بأس ، أما استحباب ذلك بحيث نقول: اخرجوا من البيت إلى المسجد ، أو تواعدوا في المسجد ليعقد فيه ، فهذا يحتاج إلى دليل ، ولا أعلم لذلك دليلا

" انتهى ."لقاء الباب المفتوح" (167 /17)

وإنما استحب بعض الفقهاء عقد النكاح في المسجد لأجل البركة بالمكان ، ولأجل حصول الإشهار به ، وبعضهم بنى ذلك أيضا على الحديث الضعيف الوارد فيه .

ينظر : "الموسوعة الفقهية" (37 /214) ، (41/221) .

وكذا استحبه كثير من الناس اليوم ، لأنه إذا عقد في المسجد لم يحصل كثير من تلك المخالفات الشرعية التي تحصل عادة لو عقد في غير المسجد ، من الاختلاط المحرم ، وشرب الدخان وسماع الموسيقى والغناء إلى غير ذلك من المحرمات .

وأما السؤال : أين عقد النبي صلى الله عليه وسلم لبناته ؛ فهذا ما لا نعلم له أصلا في الرواية ، ولا يبدو أن مكان ذلك كان له عند الناس في هذا الزمان من الأهمية ما يدعوهم إلى تتبع معرفته ، ونقله إلينا ، وإنما كان يحصل ذلك - فيما يبدو - في مجالسهم المعتادة ، أو بيوتهم ، أو حيثما اتفق ؛ ولم نقف على شيء مخصوص لذلك في شيء من الروايات .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 02:12
السؤال:

من المعلوم أن من إكرام الميت التعجيل بدفنه ، فبم تفسرون دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يومين ؟

الجواب :

الحمد لله

ليس في تأخير دفن جسد النبي صلى الله عليه وسلم الطاهر أي مخالفة لإكرام الميت ، وبيان ذلك من وجوه عدة :

أولا :

جسد النبي صلى الله عليه وسلم الطاهر في حياته وموته ليس كأجساد بقية البشر ، لا يغيره الموت ولا تصيبه الآفات ، بل هو محفوظ بحفظ الله عز وجل ، جسد شريف طيب طاهر في حياته وفي مماته ، والدليل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله في " صحيحه " (رقم/3667) عن عائشة رضي الله عنها في قصة موت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ( فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ ، قَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا....إلى آخر الحديث )

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لَمَّا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِغَسْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِلا أَهْلُهُ : عَمُّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، وَصَالِحٌ مَوْلاهُ....وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَصَالِحٌ مَوْلاهُمَا يَصُبَّانِ الْمَاءَ ، وَجَعَلَ عَلِيٌّ يَغْسِلُهُ ، وَلَمْ يُرَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلم شَيْءٌ مِمَّا يُرَاهُ مِنَ المَيِّتِ ، وَهُوَ يَقُولُ : بِأَبِي وَأُمِّي ، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا...إلى آخر الحديث ) رواه أحمد في " المسند " (4/187) وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة : حسن لغيره . انظر: " الخصائص الكبرى " للسيوطي (2/469-492)

ولهذا فقد أمِنَ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على جسده الشريف أن يتغير بسبب الموت ، وكراهة تأخير الدفن معللة بخوف تغير الميت ، أما إذا انتفت العلة فأُمِنَ التغير ، كما في جسده صلى الله عليه وسلم ، فلا كراهة حينئذ ، إذا وجدت حاجة لمثل ذلك التأخير .

ثانيا :

ومن الحاجات التي ربما تكون قد دعت إلى ذلك التأخير ، حرص جميع الصحابة رضوان الله عليهم على الصلاة عليه ، فقد صلى عليه جميع الناس ، الرجال والنساء والصبيان ، صلوا أرسالا - أي جماعات متفرقين -، لم يؤمهم إمام واحد ، وإنما كان يدخل الجمع منهم حجرته الشريفة عليه الصلاة والسلام فيصلون عليه فرادى ، وهذا لا بد أن يستغرق كثيرا من الوقت كي يدرك الجميع هذه الفضيلة .

جاء في " موطأ مالك " (1/231) :

" أنه بلغه أنه صلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد " انتهى.

وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " (7/430) عن سعيد بن المسيب قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع على سريره , فكان الناس يدخلون زمرا زمرا يصلون عليه ويخرجون ولم يؤمهم أحد .

وقد كان اختلافهم في شأن غسله صلى الله عليه وسلم ، ومن يغسله ، وأين يدفن ، كل ذلك مما يستغرق شيئا من الوقت ، ويدعو إلى بعض التأخر .

بل قبل ذلك ، كان وقع هذه الفاجعة على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم عظيما ، فلم تكد عقولهم وقلوبهم تطيق ثقل المصيبة ، حتى أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ، وكان من الصحابة من أصمت ، ومنهم من أقعد إلى الأرض فلم يستطع حراكا ، وهكذا لم يصب الصحابة بمصاب أعظم من ذلك اليوم .
حتى قال حسان بن ثابت رضي الله عنه :
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة ... عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم ... وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه ... ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك ... رزية يوم مات فيه محمد

انظر: " الروض الأنف " (7/584، 602) .

ثالثا :

لقد اشتغل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بما يحفظ على الأمة أمرها وشأنها ، فدارت بينهم بعض الحوارات والاجتماعات لتحديد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كي يوحدوا راية الأمة ، ويقطعوا على الشيطان سبيل التفرقة بين الناس ، وكي لا يخلو الناس من إمام يقيم فيهم الحق ، ويخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشؤون العظام ، وهذا أيضا استغرق بعض الوقت .

وقد كان ذلك هو أهم وأعظم أمر دعاهم إلى التأخر في دفنه هذه الأيام .

قال الزرقاني رحمه الله :

" إنما أخروا دفنه لاختلافهم في موته أو في محل دفنه ، أو لاشتغالهم في أمر البيعة بالخلافة حتى استقر الأمر على الصديق ، ولدهشتهم من ذلك الأمر الهائل الذي ما وقع قبله ولا بعده مثله ، فصار بعضهم كجسد بلا روح ، وبعضهم عاجزا عن النطق ، وبعضهم عن المشي ، أو لخوف هجوم عدو ، أو لصلاة جم غفير عليه

" انتهى من " شرح الموطأ " (2/94)

رابعا :

ومع هذه الأسباب والأحداث المتنوعة التي ذكرناها ؛ فإن الأمر كله يستغرق سوى شيئا من نهار الاثنين ، وليلة الثلاثاء ونهاره ، ثم دفن عليه الصلاة والسلام وسط ليلة الأربعاء ، أي إن الأمر كله لم يستغرق أكثر من (48) ساعة في أعلى تقدير ، وهذا وقت ليس بالطويل ، ولا يكاد يكفي لتحقيق جميع الأسباب السابقة

. انظر " السيرة النبوية الصحيحة " (2/553-556)

فكيف إذا علمنا أن كثيرا من المحدثين قالوا إنه عليه الصلاة والسلام توفي يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء ، وليس ليلة الأربعاء .

فقد اختلف المحدثون والمؤرخون في اليوم الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك على قولين :
القول الأول : أنه دفن ليلة الأربعاء ، وهو الذي عليه الأكثرون ، واستدلوا لذلك بما روي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ )

رواه أحمد في " المسند " (41/300) وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة : إسناده محتمل للتحسين . وذكروا متابعاته التي يحسن لأجلها .

قال ابن كثير رحمه الله – بعد أن ذكر القول الثاني في دفنه عليه الصلاة والسلام يوم الثلاثاء - : " هو قول غريب ، والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه عليه الصلاة والسلام توفي يوم الاثنين ، ودفن ليلة الأربعاء

" انتهى من " البداية والنهاية " (5/292)

القول الثاني : أنه دفن يوم الثلاثاء ، وقد وردت بذلك مجموعة من الأدلة والآثار ، حتى قال ابن عبد البر رحمه الله : " أكثر الآثار على أنه دفن يوم الثلاثاء ، وهو قول أكثر أهل الأخبار

" انتهى من " الاستذكار " (3/56)

جاء في " موطأ مالك " (1/231) :

" أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ، ودفن يوم الثلاثاء ، وصلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد " انتهى.

وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " (7/430) عن سعيد بن المسيب قال :

" لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع على سريره , فكان الناس يدخلون زمرا زمرا يصلون عليه ويخرجون ولم يؤمهم أحد , وتوفي يوم الإثنين , ودفن يوم الثلاثاء " انتهى.

وروى الترمذي في " الشمائل المحمدية " (ص/336) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ :

" تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ

" انتهى.

وفي " شرح السنة " للبغوي (14/49):

" قال عروة : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، ودفن في آخر الليل من ليلة الثلاثاء ، أو مع الصبح ، وقال عكرمة : دفن ليلة الأربعاء " انتهى.

وروى البيهقي في " دلائل النبوة " (7/ 256) عن الأوزاعي قال :

" توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين في شهر ربيع الأول قبل أن ينتصف النهار ، ودفن يوم الثلاثاء " انتهى.

وروى البيهقي أيضا في " دلائل النبوة " (7/256) عن ابن جريج قال : أُخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم مات في الضحى يوم الاثنين ، ودفن الغد في الضحى .

وأما يوم وفاته فكان عندما اشتد الضحى من يوم الاثنين باتفاق المحدثين ، ورد في ذلك النص الصريح الصحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لابنته عائشة رضي الله عنها :

( فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ) رواه البخاري في " صحيحه " (رقم/1387)

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 02:17
السؤال

جبل من الجنة ، هناك بعض الأشياء عن جبل أحد ، تقول إنه مكتوب به اسم محمد عليه الصلاة والسلام ، فهل هذا صحيح ما يقال ؟ فأردت الاستفسار لكي يعلم المسلمون بذلك . أفيدونا جزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

جاء في فضل جبل أحد حديث مشهور عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنه : ( هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ) رواه البخاري (2889) ومسلم (1365)

أما ما ذكر في السؤال ، وهو أن هيئة الجبل للناظر من الفضاء على رسم اسم النبي ( محمد ) صلى الله عليه وسلم ، فلم نجد مصداقه في السنة النبوية ، كما لم نجد مصداقه في الصور الواقعية ، فقد نظرنا في الجبل عبر البرامج التي تصور بالأقمار الصناعية مناطق الكرة الأرضية ، فلم نجد هيئة واضحة لهذا الرسم ( محمد ) ، ولم نجد سوى سلسلة متصلة وغير مرتبة من الجبال ، ولا تبدو بعد التأمل البالغ على أي شكل خاص

ولا ندري على أي شيء يعتمد من يقرر ما جاء في السؤال ، فإن كان مستنده الصورة الموجودة على الرابط المذكور في السؤال ، فهي صورة مختصرة من الحقيقة ، أعني أن هناك هضابا وجبالا ملتصقة بالجبل مختفية من هذه الصورة ، لذلك تبدو كأنها موافقة لرسم ( محمد ) ، فكأن من يزعم هذا الأمر حذف عمدا هذه التضاريس الجبلية التي تشوش عليه ما اقتنع به من فكرة ، كي يُظهر الصورة على الرسم الذي يريد .

فالحاصل أنه لا يجوز الاعتماد على الصورة الموجودة في الرابط لما فيها من حذف واختصار ، ومن أراد النظر إلى صورة فضائية لسلسلة جبال أحد فليبحث عبر البرامج المتخصصة في ذلك ، وليحكم بنفسه ، وسيصل إلى النتيجة التي وصلنا إليها إن شاء الله تعالى، وقد سبق في موقعنا التحذير من القصص الكثيرة عما يسمى بـ " معجزات الطبيعة " ، وبيان خطأ سلوك الناس هذه المسالك التي لا تعتمد على برهان شرعي ولا عقلي .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 02:23
السؤال:

ورد في " صحيح مسلم " في الكتاب الرابع ، حديث رقم : (2127) من حديث محمد بن قيس أن عائشة رضي الله عنها ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم لهدها على صدرها لهدة أوجعتها ، ثم قال : ( أتظنين أن يحيف الله عليك ورسوله ). فعلى حد علمي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يده قط على أحد ليضربه ، فهل بالإمكان أن تشرحوا لي ما سبب ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة كما ذَكَرَت في هذا الحديث ، فهناك الكثير من المغرضين والحاقدين على الإسلام يستخدمون هذا الحديث للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب :

الحمد لله

الحديث المقصود في السؤال هو ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت :

( لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِي ، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَاضْطَجَعَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا ، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا ، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا ، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي ، وَاخْتَمَرْتُ ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ

فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ ، فَأَحْضَرَ – أي ركض - فَأَحْضَرْتُ ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ ، فَدَخَلَ ، فَقَالَ : مَا لَكِ يَا عَائِشُ ، حَشْيَا رَابِيَةً ؟ - الحشا : التهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه بسبب ارتفاع النفس ، رابية : مرتفعة البطن - قَالَتْ : قُلْتُ : لَا شَيْءَ . قَالَ : لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .

قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، فَأَخْبَرْتُهُ . قَالَ : فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ، ثُمَّ قَالَ : أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ؟ - أي : هل ظننت أني أظلمك بالذهاب إلى زوجاتي الأخرى في ليلتك - قَالَتْ : مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ ، نَعَمْ

قَالَ : فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ ، فَنَادَانِي ، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ ، فَأَجَبْتُهُ ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي ، فَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ . قَالَتْ : قُلْتُ : كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : قُولِي : السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ ) رواه مسلم (974)

وتوضيح الشبهة المثارة في السؤال من وجوه عدة :

أولا :

قول عائشة رضي الله عنها : ( فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ) يدل على الفعل الذي صدر منه صلى الله عليه وسلم ، وهو مجرد " اللهد "، الذي هو الدفع في الصدر ، أو اللكز ، وهو لا يرقى أن يكون في درجة الضرب الحقيقي الذي يراد به الإيجاع والتحقير ، بل ذكر في " لسان العرب " (3/393) أن من معاني " اللهد " : الغمز ، وفي " تاج العروس " (9/145) أن من معاني " اللهد " : الضغط .

يقول أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله :

" لَهَدتُّ الرجل ألهده لهدا : إذا لكزته " ا

نتهى من " غريب الحديث " (4/260)

ويقول ابن فارس رحمه الله :

" لهدت الرجل : دفعته "

انتهى من " مجمل اللغة " (ص/796)

ويقول ابن الأثير رحمه الله :

" اللهد : الدفع الشديد في الصدر "

انتهى من " النهاية " (4/281)

وكلها مترادفات تدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يضربها بالمعنى الذي يريده الطاعنون ، وإنما غمزها أو دفعها في صدرها دفعة وجدت بسببها وجعا ، ولكنه وجع يسير غير مقصود ، بل المقصود التنبيه والتعليم .

ثانيا :

لو تأمل قارئ هذا الحديث لعرف أنه دليل من أدلة عظمة خُلق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن رجلا يعيش مع زوجته سنين عديدة ، وتصدر منها تصرفات كثيرة بسبب الغيرة التي جبلت عليها النساء ، ثم لا يُعرف أنه عليه الصلاة والسلام تسبب لها بالأذى القولي أو الفعلي سوى ما يزعم وجوده في هذا الحديث ، رغم كثرة الرواة ونقلهم جميع تفاصيل حياته صلى الله عليه وسلم : كل ذلك دليل على كماله عليه الصلاة والسلام .

أما الحاقدون الطاعنون فيتمنون لو يجدون أنه عليه الصلاة والسلام ضرب زوجته ضربا مبرحا ، أو على الأقل ضربا مؤذيا على سبيل التعنيف والإهانة ، ولكنهم خابوا وخسروا ، فغاية ما في هذا الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت : ( فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي )، ومن يريد الضرب والإهانة لا يقتصر على " اللهد " في الصدر ، وإنما يفرغ قوته في جوانب الجسم أو الوجه ، ويترك أثرا مهينا في نفس المضروب ، ولم نجد من ذلك شيئا في حديث عائشة رضي الله عنها .

ثالثا :

هذا الحديث دليل على كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم ، ورحمته ، ورقة قلبه عليه الصلاة والسلام ، حيث لم يعنف ولم يضرب ولم يوبخ ، وإنما عاتب عتابا لطيفا أراد به تعليم عائشة رضي الله عنها والأمة من بعدها ، أن الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام لا يظلمان أحدا ، وأنه لا يجوز لأحد أن يسيء\

الظن بالله ورسوله ، بل الواجب إحسان الظن بالله ، والرضا بما قسمه الله عز وجل ، فكانت تلك " اللهدة " أسلوبا من أساليب التعليم والتربية ، والتنبيه إلى أمر مهم عظيم ، لا يليق بها أن تنساه أو تغفل عنه ، مهما كانت غيرتها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومحبتها له ، فليس نبي الله صلى الله عليه وسلم بالمحل الذي يظن به أن يظلم امرأة لأجل أخرى من نسائه ، حاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم .

رابعا :

مما يدل على أن هذه " اللهدة " لم تكن على سبيل الضرب والإيجاع ، إنما على سبيل التعليم والتنبيه : استكمال الحوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عائشة رضي الله عنه ، فقد كان حوارا نافعا هادئا تجلت فيه رحمة المعلم المربي عليه الصلاة والسلام ، حيث اعتذر إليها ببيان سبب خروجه من المنزل تلك الساعة المتأخرة ، وتلطف عليه الصلاة والسلام في إيجاف الباب والخروج من البيت بدون صوت كي لا يقطع عليها نومتها ، ومثل هذا الاعتذار لا يصدر عن غضب ولا عن قصد إيجاع ، إنما يصدر من زوج كريم رؤوف رحيم ، يحترم زوجته ، ويشرح لها عذره ، ويبين لها تفاصيل ما حدث معه ، لتشاركه قصته ، فتبعث في نفسها روح الثقة بالزوج المخلص الصادق .

( قَالَتْ عائشة : مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ ، نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ ، فَنَادَانِي ، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ ، فَأَجَبْتُهُ ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي ، فَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ . قَالَتْ : قُلْتُ : كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : قُولِي : السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ) .

فليتأمل الصادق المخلص في طلب الحق : حال زوج جاءه أمر مهم ، وهو نائم في فراش زوجته بالليل ؛ فأراد أن يخرج من عندها ، لكنه كره أن يوقظها فيزعجها عن منامها ، وكره أيضا أن تستيقظ فتستوحش وتقلق وتخاف من فقدانها لزوجها الذي كان بجانبها ، فجأة !!

خامسا :

لو رحنا نسوق الأحاديث الدالة على حلمه عليه الصلاة والسلام على أزواجه لطال بنا المقام ، فقد كان حليما رحيما في مواقف يمكن أن تخرج الزوج العادي عن هدوئه ، غير أن صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم تحلى بالصبر ، وتزين بالحلم ، بل منع كل أذى يمكن أن يصل إلى زوجته .

ومن ذلك ما روته أم سلمة رضي الله عنها :

( أَنَّهَا أَتَتْ بِطَعَامٍ فِي صَحْفَةٍ لَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، فَجَاءَتْ عَائِشَةُ مُتَّزِرَةً بِكِسَاءٍ ، وَمَعَهَا فِهْرٌ – وهو حجر ملء الكف -، فَفَلَقَتْ بِهِ الصَّحْفَةَ ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ فِلْقَتَيْ الصَّحْفَةِ ، وَيَقُولُ : كُلُوا ، غَارَتْ أُمُّكُمْ . مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحْفَةَ عَائِشَةَ ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، وَأَعْطَى صَحْفَةَ أُمِّ سَلَمَةَ عَائِشَةَ )

رواه النسائي في " السنن " (3956) وصححه الألباني في " صحيح النسائي "

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال :

( جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ ، فَقَالَ : يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا ، أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟

قَالَ : فَحَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، قَالَ : فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا : أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ .

قَالَ : ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا ، قَالَ : فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا ، كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا )

رواه أحمد في " المسند " (30/341-342) وقال المحققون : إسناده صحيح على شرط مسلم.

فليتأمل هؤلاء الحاقدون كم كانت رحمته صلى الله عليه وسلم بزوجته عائشة رضي الله عنها ، وكم كان يحبها حتى في المواقف الشديدة أمام ضيوفه الذين كسرت صحفة الطعام بين أيديهم ، فكان يبحث لها عن عذر فقال : ( غارت أمكم )
أفليست الغيرة هي السبب نفسه الذي دفع عائشة رضي الله عنها إلى الخروج وراء النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة من بيتها ، حيث ظنت أنه سيخرج إلى بعض زوجاته الأخريات ، ولم يكن ذلك سببا لتعنيفه صلى الله عليه وسلم بالضرب الموجع الذي يحصل عند كثير من الأزواج.

سادسا :

لو كانت هذه " اللهدة " ضربة حقيقية عنيفة لكانت عائشة رضي الله عنها بكت كما تبكي النساء الحديثات السن ، ولأظهرت ألمها واعتراضها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنها لم تفعل ذلك ، بل بادرت إلى استكمال الحوار مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وملاطفته بالسؤال المؤدب عن الذكر المستحب عند زيارة القبور ، فدل ذلك على أن " اللهدة " لم تكن إلا على سبيل التنبيه والتعليم ، وأن عائشة رضي الله عنها لم يقع في نفسها أدنى قدر من الأذى الذي يبحث عنه الحاقدون على نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام .

سابعا :

ثم نقول أيضا : إن ضرب الزوج زوجته - إذا كان ضربا يسيرا من غير إهانة ولا تحقير ، ووجدت الحاجة الماسة إليه - : هو أمر جائز أجازه القرآن الكريم ، حيث يقول الله تعالى :

( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء/34.

وقد أخطأت عائشة رضي الله عنها بخروجها من منزلها بغير إذن زوجها عليه الصلاة والسلام ، ولكنَّ عذرَها أنها لحقته ، وأنها في طمأنينة بقربها منها ، وإدراكه لها إذا لزم الأمر ، ولكنه – على كل حال – تصرف خاطئ ، ومع ذلك لم يستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أجازه القرآن الكريم من ضرب يسير ، ولو فعل لما كان في ذلك حرج ، فمن حقه أن يعاقب على الإساءة ، كما أخذ نبي الله موسى عليه السلام برأس أخيه يجره إليه ، وإنما استعمل نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم " الغمز " في الصدر مع التخويف بالله عز وجل ، وذلك من كمال خلقه عليه الصلاة والسلام .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 02:26
السؤال:

أريد أن أعرف من هم الطائفة التي أهمّتهم أنفسهم ، يظنّون بالله غير الحق ظن الجاهلية ، ونحن نعلم من خلال التفاسير أن رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول لا يريد أن يقاتل مع المؤمنين في معركة أُحد ، فرجع هو وثلث الجيش معه إلى المدينة ، وتابع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ومعه المؤمنون إلى المكان ، حيث جرت معركة أحد مع الكفّار ، ولهذا أستبعد أن تكون الطائفة التي أهمّتهم أنفسهم يظنّون بالله غير الحق ظن الجاهلية هم من المنافقين ، علماً بأن المنافقين لم يشاركوا في القتال مع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، ولقد رجعوا من منتصف الطريق إلى المدينة بأمر من عبد الله بن أبي بن سلول ، هل يعقل أن هذه الطائفة كانت مؤمنة من ثم اتسمت بالمنافقين ؟ من فضلكم أرجو الإيضاح ، وجزاكم الله خيراً .

الجواب :

الحمد لله

نعم ، رجع عبد الله بن أبي سلول بثلث الجيش ، ولم يشاركوا في القتال في غزوة أحد ، ولكن هذا لا يمنع أن يكون بعض المنافقين بقوا مع المسلمين ولم يرجعوا مع عبد الله بي أبي ، وهذا هو الذي تدل عليه الآيات ، قال الله تعالى : ( ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) آل عمران/154.

قال ابن كثير رحمه الله :

" - روى البيهقي بإسناده - عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ؛ أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه ، قال : والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم ، أجبن قوم وأرعنه ، وأخذله للحق ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) كذبة، أهل شك وريب في الله عز وجل .

هكذا رواه بهذه الزيادة ، وكأنها من كلام قتادة رحمه الله ، وهو كما قال ؛ فإن الله عز وجل يقول : ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ) يعني : أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل الصادق ، وهم الجازمون بأن الله سينصر رسوله وينجز له مأموله .

ولهذا قال : ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ) يعني : لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) كما قال في الآية الأخرى : ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ) الفتح/12، وهكذا هؤلاء ، اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة ، وأن الإسلام قد باد وأهله ، هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة .

ثم أخبر تعالى عنهم أنهم يقولون في تلك الحال : ( هل لنا من الأمر من شيء ) قال الله تعالى : ( قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ) ثم فسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله : ( يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) أي : يسرون هذه المقالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال محمد بن إسحاق بن يسار : فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال الزبير : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا ، أرسل الله علينا النوم ، فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، قال : فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ، ما أسمعه إلا كالحلم ، يقول : ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) فحفظتها منه ، وفي ذلك أنزل الله تعالى : ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) لقول معتب. رواه ابن أبي حاتم "

انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (2/145-146)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 02:31
السؤال:

بعض الناس يربط بين أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يقتل إلا رجلاً واحداً في حياته و بين الآية الكريمة : ( و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ... فهل هناك وجه لهذا الربط ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ، وقد اختلف أهل العلم في " العالمين " الذي أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رحمة لهم .

قال ابن جرير رحمه الله :

" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أرسلناك يا محمد إلى خلقنا إلا رحمة لمن أرسلناك إليه من خلقي .

ثم اختلف أهل التأويل في معنى هذه الآية ، أجميع العالم الذي أرسل إليهم محمد أريد بها مؤمنهم وكافرهم ؟ أم أريد بها أهل الإيمان خاصة دون أهل الكفر ؟

فقال بعضهم : عني بها جميع العالم المؤمن والكافر .

فعن ابن عباس قال : من آمن بالله واليوم الآخر كُتب له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف .

وقال آخرون : بل أريد بها أهل الإيمان دون أهل الكفر .

وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي رُوي عن ابن عباس ، وهو أن الله أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم ، مؤمنهم وكافرهم . فأما مؤمنهم فإن الله هداه به ، وأدخله بالإيمان به ، وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة . وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله ".انتهى باختصارمن

"تفسير الطبري" (18 / 551-552) ، وينظر : "تفسير ابن كثير" (5 / 385) ، "تفسير السعدي" (ص 532) .

وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" ففي إرساله صلى الله عليه وسلم رحمة حتى على أعدائه من حيث عدم معاجلتهم بالعقوبة ". انتهى من "فتاوى الحديثية" (ص 34) .

ومما يبين هذه الرحمة العامة بإرسال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قول الله تعالى : ( وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الأنفال/32-33 .

قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :

" وَمَا كَانَ مِنْ شَأْنِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّتِهِ ، وَلَا مِنْ مُقْتَضَى رَحْمَتِهِ وَلَا حِكْمَتِهِ ، أَنْ يُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِيهِمْ ، وَهُوَ إِنَّمَا أَرْسَلَكَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وَنِعْمَةً لَا عَذَابًا وَنِقْمَةً ، بَلْ لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ أَيْضًا أَنْ يُعَذِّبَ أَمْثَالَهُمْ مِنْ مُكَذِّبِي الرُّسُلِ وَهُمْ فِيهِمْ ، بَلْ كَانَ يُخْرِجُهُمْ مِنْهُمْ أَوَّلًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " ا

نتهى من "تفسير المنار" (9/545) .

وتأمل ذلك الموقف البديع ، لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ، وقد كذبه أهل الطائف ، وآذوه أذى بالغا ، وهو إنما كان يدعوهم إلى أن يوحدوا الله ، ولا يريد منهم شيئا سواه :

روى البخاري (3231) ومسلم (1795) أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟

قَالَ : ( لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ !! وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ ، فَنَادَانِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ !!

فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ؛ فَمَا شِئْتَ ؛ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ !!

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) .

ثانياً :

ذكر غير واحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل بيده إلا أبي بن خلف ، قتله يوم أحد
.
قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" والنبي صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس في هذه الشجاعة التي هي المقصودة في أئمة الحرب ، ولم يقتل بيده إلا أبي بن خلف ، قتله يوم أحد ، ولم يقتل بيده أحدا لا قبلها ولا بعدها"

.انتهى من "منهاج السنة النبوية" (8 / 57) .

ولعل الله تعالى أراد لهذا الشقي أشد العذاب ، فقدّر عليه أن يُقتل بيد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان من أشد الناس عداوة له ولدينه ؛ فقد روى البخاري (4076) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : ( اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ ، وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .

وروى أحمد (3858) عن ابن مسعود رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ وَمُمَثِّلٌ مِنْ الْمُمَثِّلِينَ )
وحسنه الألباني في "الصحيحة" (281)

ثالثا :

لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – وإن لم يقتل بيده الشريفة إلا هذا الشقي - هو الذي شرع الجهاد وأمر به وحرض المؤمنين عليه ، ولا منافاة بين أن يشرع الجهاد ويأمر به ، ويقتل هذا الشقي أو غيره ، لا منافاة بين ذلك كله ، وبين قوله تعلى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ؛ فإن الله تعالى إنما أرسله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ويهديهم إلى صراطه المستقيم ، وشرع له الجهاد في سبيله وقتال أعدائه الذين يريدون إطفاء نور الله ويسعون في الأرض فساداً ويبغونها عوجاً .

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) التوبة / 73 . وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) الأنفال/ 65 .

فكان الجهاد في سبيل الله وقتال أعداء الله من أعظم أسباب نشر الدين وإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، وهذه أعظم رحمة نالت العباد : أن ينجيهم الله من الكفر إلى الإيمان ، ومن الظلمات إلى النور .
ولأجل عظم قدر هذه الرحمة ، من حيث لا يشعر العباد ولا يظنون ، فقد عجب منها رب العالمين :

عن أبي هُرَيْرَةَ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ ) . رواه البخاري (3010) .

وفي تفسير قول الله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) ، قَالَ أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ ؛ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ ) .
رواه البخاري (4557) .

وتأمل ذلك برحمة أرحم الراحمين ، الذي لا يبلغ الواصفون وصف رحمته ، ولا يبلغ العالمون كنهها ومداها ، سبحانه ، لا يحيط به العباد علماً ؛ أرحم بعباده من الوالدة بولدها ، كما أخبر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك : يبتليهم بالمصائب والمحن ، لحكمة بالغة ، ويعذب أعداءه بالنكال والهوان في الدنيا ، والخلود في جهنم يوم القيامة ، ولا ينافي ذلك كله كمال رحمته بعباده ، سبحانه .

*عبدالرحمن*
2018-02-28, 02:34
السؤال:

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم زاهداً
وما هي الأدلة من القرآن والسنة ؟

الجواب :

الحمد لله

كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد النَّاس في الدنيا ، وكان زهده صلى الله عليه وسلم اختيارياً ، فلو شاء لجعل الله له الجبال ذهباً ، وقد فتح الله تعالى له البلاد ، وجعل له خمس الغنائم حقاً له ، وكان له نصف مزارع خيبر ، ومع ذلك .. كان يتصدق بكل ما يأتيه من الأموال ، ويبقى ينام على الأرض ، ولا يجد شيئاً يأكله .

ولما تكلم بعض الناس على تقسيم الغنائم قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنْ هَذَا الْفَيْءِ شَيْءٌ، إِلَّا الْخُمُسَ ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) رواه أبو داود (2694) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .أي أن الخمس الذي كان حقاً له من الغنائم لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذه لنفسه ، بل كان يتصدق به على المسلمين .
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول : ( اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ) مسلم (1055) .

فيسأل الله تعالى أن يرزقه حد الكفاية ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يطلب أكثر من ذلك .

وهذه بعض الأحاديث التي تصف زهد النبي صلى الله عليه وسلم :

عن عَائِشَة رضي الله عَنْهَا قالت : (مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ) رواه البخاري (5374) ومسلم (2970) .

وقالت أيضا رضي الله عنها : (إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ ، فسئلت : فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ ؟ قَالَتْ : الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ) رواه البخاري (2567) ومسلم (2972) .

وعنها رضي الله عنها قالت : (تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ) رواه البخاري (3097) ومسلم (2973) .

وقالت رضي الله عنها : (لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ) مسلم (2974) .

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : (ذَكَرَ عُمَرُ مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنْ الدُّنْيَا فَقَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ دَقَلًا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ) الدقل : رديء التمر . رواه مسلم (2978) .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : (مَا أَكَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم خُبْزًا مُرَقَّقًا ، وَلاَ شَاةً مَسْمُوطَةً حَتَّى لَقِىَ اللَّهَ) – مسموطة : أي : مشوية - رواه البخاري (5385).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُ اللَّيَالِي الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا ، وَأَهْلُهُ لاَ يَجِدُونَ عَشَاءً ، وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ) رواه الترمذي (2360) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يربط على بطنه الحجر من الغرث – يعني الجوع -) رواه ابن الأعرابي في "المعجم" (21) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1615) .

وقال عمرو بن الحارث رضي الله عنه : (مَا تَرَكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ سِلاَحَهُ وَبَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ ، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً) رواه البخاري (3098) .

وعن عَبْد اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : (نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً ؟ فَقَالَ : مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) رواه الترمذي (2377) وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (438)

وأحاديث زهده صلى الله عليه وسلم في الدنيا أكثر من أن تحصر ، لكن فيما ذكرناه كفاية .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

walidsisou
2018-03-03, 19:00
الشكر لكل واحد

*عبدالرحمن*
2018-03-04, 05:34
الشكر لكل واحد

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات

بارك الله فيك
وجزاك الله عنا كل خير

*عبدالرحمن*
2018-03-04, 05:37
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال :

عندما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في الإسراء كيف عرف الصلاة؟

الجواب :

الحمد لله

صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ليلة الإسراء إماماً ثابتة بالأحاديث الصحيحة .

ففي صحيح مسلم (172) : (وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ... فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ...) .

وفي رواية عند ابن جرير الطبري في " تفسيره"(17 / 332) : (ثُمَّ انْطَلَقْنا حتى أتَيْنَا إلى بَيْتِ المَقْدِسِ ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ بالنَّبِيينَ والمُرْسَلِينَ إماماً ). وينظر : "الإسراء والمعراج" للألباني صـ13.

قال ابن كثير : " والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السماوات ، ثم نزل إلى بيت المقدس ثانياً وهم معه ، وصلى بهم فيه ، ثم إنه ركب البراق وكرَّ راجعاً إلى مكة " . انتهى " تفسير القرآن العظيم " (5 / 31) .

ولا وجه لاستشكال كيفية معرفة النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة حين صلى بالأنبياء ؛ لأن الصلاة كانت مفروضة على المسلمين من ابتداء الإسلام ، ولذلك لما سأل هرقلُ أبا سفيان مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟.

قال: ( يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّدْقِ ، وَالْعَفَافِ ، وَالصِّلَةِ ) رواه البخاري (7) .

قال ابن رجب : " وفيه دليل على أن الصلاة شُرعت من ابتداء النبوة ، لكن الصلوات الخمس لم تفُرض قبل الإسراء بغير خلاف ". انتهى " فتح الباري " (2/103)

وقال : " والأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة قبل الإسراء كثيرة ". انتهى " فتح الباري " (2 / 102) .

وقال ابن حجر العسقلاني : " فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الإسراء يصلي قطعاً ، وكذلك أصحابه ". انتهى " فتح الباري " (8 / 671) .

ويدل على ذلك حديث زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام أَتَاهُ فِي أَوَّلِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ ). رواه الإمام أحمد في مسنده (17026) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (841) .

قال النووي : " ثبت أنّ نبينا صلى الله عليه وسلم صلّى بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ليلة الإسراء ببيت المقدس ، ثم يَحتمل أنه كانت الصلاة قبل صعوده إلى السماء ، ويحتمل أنها بعد نزوله منها .

واختلف العلماء في هذه الصلاة :

فقيل : إنها الصلاة اللغوية ، وهي الدعاء والذكر.

وقيل هي الصلاة المعروفة ، وهذا أصح ؛ لأنّ اللفظ يُحمل على حقيقته الشرعية قبل اللغوية ، وإنما نحمله على اللغوية إذا تعذر حمله على الشرعية ، ولم يتعذر هنا ، فوجب الحمل على الصلاة الشرعية .

وكانت الصلاة واجبة قبل ليلة الإسراء ، وكان الواجب قيام بعض الليل كما نص الله سبحانه وتعالى عليه في سورة المزمّل ". انتهى من " المسائل المنثورة " صـ 26 .

والله أعلم .

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-03-04, 05:40
السؤال:

هل صحيح أن الصلاة كانت مفروضة قبل ليلة الإسراء؟

وهل كان الرسول يصليها على هيئتها كما نصليها الآن و بنفس عدد الركعات؟

ومتى فرضت الصلاة بالأوقات و الهيئة التي نصليها الآن؟

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (349) ومسلم (162) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه حديث الإسراء المشهور ، وفيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً . قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ ... قَالَ : فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً ) .

وقد أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس لم تفرض إلا في هذه الليلة . ينظر جواب السؤال رقم ( 143111 ) .

راجع : "فتح الباري" لابن رجب (2 / 104)

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك ، شيئا فشيئا " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (7 / 164)

- ثم نزل جبريل عليه السلام وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة :

فروى البخاري (522) ومسلم (611) عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ : مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ ؟ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : ( بِهَذَا أُمِرْت ) فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ : انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ يَا عُرْوَةُ ؟ أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ : كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ .

وروى النسائي (526) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ : قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الظُّهْرَ حِينَ مَالَتْ الشَّمْسُ . ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ جَاءَهُ لِلْعَصْرِ فَقَالَ : قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الْعَصْرَ . ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ جَاءَهُ فَقَالَ : قُمْ فَصَلِّ الْمَغْرِبَ . فَقَامَ فَصَلَّاهَا حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ سَوَاءً ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ الشَّفَقُ جَاءَهُ فَقَالَ : قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ . فَقَامَ فَصَلَّاهَا ... الحديث ، وفيه : فَقَالَ – يعني جبريل - : ( مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ كُلُّهُ ) .

وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .

وروى عبد الرزاق في "مصنفه" ( 1773) وابن إسحاق في سيرته ، كما في فتح الباري (2 / 285 ) أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة .

قال القرطبي رحمه الله :

ولم يختلفوا في أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة ليلة الإسراء عند الزوال فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها " انتهى ملخصا .

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

" بيان جبريل للمواقيت كان صبيحة ليلة الإسراء " انتهى .

"شرح العمدة" (4 / 148)

- وكان أول فرض الصلوات الخمس ركعتان ، ثم بعد الهجرة أقرت في السفر ، وزيدت في الحضر ركعتين ، إلا المغرب فعلى حالها . فروى البخاري (3935) ومسلم (685) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا ، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأُولَى ) .

- وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون قبل فرض الصلوات الخمس :

جاء في "الموسوعة الفقهية" (27 / 52-53) :

" أَصْل وُجُوبِ الصَّلاَةِ كَانَ فِي مَكَّةَ فِي أَوَّل الإْسْلاَمِ ؛ لِوُجُودِ الآْيَاتِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ تَحُثُّ عَلَيْهَا . وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ لَيْلَةَ الإْسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ " انتهى .

- وذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاة كانت مفروضة أول الأمر ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي .

قال الحافظ رحمه الله في الفتح :

" ذَهَبَ جَمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْل الْإِسْرَاء صَلَاة مَفْرُوضَة إِلَّا مَا كَانَ وَقَعَ الْأَمْر بِهِ مِنْ صَلَاة اللَّيْل مِنْ غَيْر تَحْدِيد , وَذَهَبَ الْحَرْبِيُّ إِلَى أَنَّ الصَّلَاة كَانَتْ مَفْرُوضَة رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ , وَذَكَرَ الشَّافِعِيّ عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ صَلَاة اللَّيْل كَانَتْ مَفْرُوضَة ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ) فَصَارَ الْفَرْض قِيَام بَعْض اللَّيْل , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْس " انتهى .

وقال أيضا :

" كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الْإِسْرَاء يُصَلِّي قَطْعًا , وَكَذَلِكَ أَصْحَابه لَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ اُفْتُرِضَ قَبْل الْخَمْس شَيْء مِنْ الصَّلَاة أَمْ لَا ؟ فقيل : إِنَّ الْفَرْض أَوَّلًا كَانَ صَلَاة قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَصَلَاة قَبْل غُرُوبهَا , وَالْحُجَّة فِيهِ قَوْله تَعَالَى ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ) وَنَحْوهَا مِنْ الْآيَات " انتهى بتصرف يسير .

وينظر أيضاً : "تفسير ابن عطية" (1/204) ، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (24/75) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-04, 05:43
السؤال:

هل كانوا يصلون قبل الإسراء والمعراج ، وما هي العبادات التي كانوا يعبدون الله بها المسلمون قبل أن تفرض الصلاة ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس إنما فرضت ، على ما نعرفه الآن ، ليلة الإسراء .

ينظر : التمهيد ، لابن عبد البر (8/35) ، "فتح الباري" لابن رجب (2 / 104) .

ودلت النصوص المتظاهرة على أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون منذ أول الرسالة ، قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء .

روى مسلم (746) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ " .

وفي حديث هرقل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مضمون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقال له : ( مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ ) .

فأجابه أبو سفيان ، وهو في شركه : ( قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ؛ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ ) .

رواه البخاري (7) ومسلم (1773) .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" وهو يدل على أن النبي كان أهم ما يأمر به أمته الصلاة ، كما يأمرهم بالصدق والعفاف ، ، واشتُهر ذلك حتى شاع بين الملل المخالفين له في دينه ، فإن أبا سفيان كان حين قال ذلك مشركا ، وكان هرقل نصرانيا . ولم يزل منذ بُعث يأمر بالصدق والعفاف ، ولم يزل يصلي أيضا قبل أن تفرض الصلاة " انتهى .

"فتح الباري" ، لابن رجب (2/101) .

وظاهر الحديث أن ذلك الأمر بالصلاة ، في أول الإسلام ، كان على الوجوب ، وإن اختلفت التفاصيل عما استقر عليه الأمر بعد الإسراء ، وهو ـ أيضا ـ ظاهر الأمر بقيام الليل في سورة المزمل ، التي هي من أول ما نزل من القرآن .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

" سَمِعْت من أَثِقُ بِخَبَرِهِ وَعِلْمِهِ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرْضًا في الصَّلَاةِ ، ثُمَّ نَسَخَهُ بِفَرْضٍ غَيْرِهِ ، ثُمَّ نَسَخَ الثَّانِيَ بِالْفَرْضِ في الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قال [ الشافعي ] : كَأَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أو اُنْقُصْ منه قَلِيلًا } الْآيَةَ ، ثُمَّ نَسَخَهَا في السُّورَةِ معه بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى من ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ } إلَى قَوْلِهِ :

{ فَاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ } ، فَنَسَخَ قِيَامَ اللَّيْلِ أو نِصْفَهُ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ بِمَا تَيَسَّرَ . وما أَشْبَهَ ما قال بِمَا قال " . انتهى .

"الأم" (1/68) ، وينظر أيضا : "الموسوعة الفقهية" (27 / 52-53) ، "الذخيرة" للقرافي (2 / 8) .

وقد قيل إن أول ذلك الفرض : ركعتان بالغداة ، وركعتان بالعشي .

قال قتادة رحمه الله : " كان بدءُ الصيام أمِروا بثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتين غدوة ، وركعتين عشية " . "تفسير الطبري" (3 / 501) .

وقال ابن كثير في قوله تعالى : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) ق/39: " وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ، وهذه الآية مكية " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (3 / 538) ، وينظر : "البحر الرائق" ، لابن نجيم (1 / 257) .

وأنكر جماعة من أهل العلم قول قتادة ومن وافقه على ذلك ، وإن أثبتوا فرض مطلق الصلاة قبل الإسراء . ينظر : التمهيد لابن عبد البر (8/35) .

ثانيا :

دل حديث هرقل السابق على أن الصحابة كانوا قد أمروا بعبادات أخرى في أول البعثة ، سوى التوحيد والصلاة ؛ ففيه أمرهم بالزكاة والصدق والعفاف والصلة .

قال ابن كثير رحمه الله :
" كان في ابتداء الإسلام يصومون من كل شهر ثلاثة أيام ، ثم نسخ ذلك بصوم شهر رمضان . وقد رُوي أن الصيام كان أولا كما كان عليه الأمم قبلنا ، من كل شهر ثلاثة أيام ، عن معاذ ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعطاء ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم . وزاد : لم يزل هذا مشروعًا من زمان نوح إلى أن نَسَخ الله ذلك بصيام شهر رمضان " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (1 / 497)

وقال أيضا :

" لا يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأمورا به في ابتداء البعثة ، كقوله تعالى : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) الأنعام/ 141 ، فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بَيَّن أمرها بالمدينة ، كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئا " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (7 / 164) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-04, 05:45
السؤال :

يقولون : إن أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات الخمس هي صلاة الظهر ، فهل هذا صحيح؟

الجواب :

الحمد لله

نعم ، أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلوات الخمس : هي صلاة الظهر.

وفي "المصنف" لعبد الرزاق (1 / 453) عن الحسن قال : " كانت أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم : الظهر ".

ولذلك تسمى : الصلاة الأولى .

قال أبو برزة الأسلمي لمن سأله عن مواقيت النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة : ( كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ وَهِيَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ [ أَيْ تَزُولُ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ ]...).

رواه البخاري (599) .

قال ابن رجب : " في هذه الرواية : أن لصلاة الظهر اسمين آخرين :

أحدهما : الهجير ؛ لأنها تصلى بالهاجرة . [ وهُوَ وَقْتُ شِدَّةِ الْحَرِّ ]

والثاني : الأولى .

وقيل : سميت بذلك لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي عند البيت ، في أول ما فرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء ".

انتهى " فتح الباري " (3 / 81) .

وقال ابن دقيق العيد : " وإنما قيل لصلاة الظهر الأولى ؛ لأنها أول صلاة أقامها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم على ما جاء في حديث إمامة جبريل عليه السلام ".

انتهى "إحكام الأحكام" (1/ 167) .

وقال ابن عبد الهادي : " أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس مطلقاً : الظهر بمكة ، باتفاق "

. انتهى " سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد " (3 / 113) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-04, 05:49
السؤال :

ما هي المحن والصعوبات التي واجهت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما بدأ في دعوة أهل قريش لرسالة التوحيد ؟

الجواب :

الحمد لله

المحن والصعوبات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت بسبب ما واجهه به كفار قريش من وسائل وأساليب متنوعة في محاربة دعوته ، " إذ عندما رأت قريش أن أثر دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن محدوداً كما كان الحال مع من دعا إلى نبذ الأصنام قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، أمثال زيد بن عمرو بن نفيل وورقة ، قامت في وجه محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه ، وأخذت تمارس شتى أساليب ووسائل الترغيب والترهيب لصدهم عن هذا الطريق الذي هدد مصالحهم التي يجنونها من وجود الحرم في أرضهم ، وحط من تكبرهم على غيرهم ، ووقف أمام شهواتهم في السيطرة واقتراف السيئات والموبقات ، ومن أبرز تلك الأساليب :

الأسلوب الأول :

كان أول أسلوب لجؤوا إليه هو محاولة التأثير على عمه أبي طالب حتى يكفه عن الدعوة ، أو تجريده من جواره – أي حمايته -، فقد ذهبت مجموعة من أشرافهم إلى عمه أبي طالب وقالوا له : إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا...فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه ، فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً وردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه .

نقل ذلك ابن هشام (1/328) من رواية ابن إسحاق .

الأسلوب الثاني : التهديد بمنازلة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمه أبي طالب .

ولما مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه ، يظهر دين الله ويدعو إليه ، غضبت منه قريش وعادوه وحقدوا عليه ، فمشوا إلى عمه مرة أخرى فقالوا له : يا أبا طالب ! إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وأقسموا بأنهم لن يصبروا على أفعاله حتى يكفه عنهم أو ينازلوه وإياه في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين . عند هذا عظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ، ولم يطب نفساً بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه ، ولذا أبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم بالذي قالوه ، وطلب منه أن يبقي عليه وعلى نفسه ، ولا يحمله من الأمر ما لا يطيق .

" سيرة ابن إسحاق " (ص/145)

الأسلوب الثالث : الاتهامات الباطلة لصد الناس عنه .

ومن تلك الاتهامات :

1- اتهموه بالجنون : وفي ذلك نزل قول الله تعالى : (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) الحجر/6 .

2- اتهموه بالسحر ، وفي ذلك نزل قوله تعالى : (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) ص/4 .

3- واتهموه بالكذب ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا) الفرقان/4 .

4- واتهموه بالإتيان بالأساطير ، قال تعالى : (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) الفرقان/5 .
5- وقالوا إن القرآن ليس من عند الله وإنما هو من عند البشر : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل/103 .

6- واتهموا المؤمنين بالضلالة ... (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ) المطففين/32 .

الأسلوب الرابع : السخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي على المؤمنين .

يقول الله تعالى عن سخريتهم من الذين آمنوا : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الأنعام/53.

وروى البخاري أن أبا جهل قال مستهزئاً : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم )، فنزلت: ( وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الأنفال/32-33.

الأسلوب الخامس : التشويش .

كان المشركون يتواصون بينهم بافتعال ضجة عالية وصياح منكر عندما يقرأ القرآن ، حتى لا يصل إلى سمع أحد وقلبه فيؤثر فيه ، وفي ذلك قال الله عز وجل : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فصلت/26 .

الأسلوب السادس : طلبهم أن تكون للرسول معجزات ومزايا ليست عند البشر العاديين .

من ذلك قولهم : ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا . أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا . انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) الفرقان/7-9.

وقولهم : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا . أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا . أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ) الإسراء/90-93.

الأسلوب السابع : المساومات .

لقد حاولت قريش من خلال هذا الأسلوب أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق ، وذلك بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه ، ويترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما هو عليه ، قال تعالى : ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) القلم/9.

وعندما قالوا له : اعبد آلهتنا يوماً ، ونعبد إلهك يوماً ، أنزل الله تعالى سورة "الكافرون" : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) وحسم هذه المساومة الهزلية .

الأسلوب الثامن : سب القرآن ومنزله ومن جاء به .

روى البخاري ومسلم وغيرهم في قوله تعالى : ( وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ) الإسراء/110، أن ابن عباس قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة ، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( ولا تجهر بصلاتك ) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن : ( ولا تخافت بها ) عن أصحابك فلا تسمعهم ، ( وابتغ بين ذلك سبيلاً ).

الأسلوب التاسع : الاتصال باليهود للإتيان منهم بأسئلة تعجيزية للرسول صلى الله عليه وسلم .

أوفدت قريش نفراً منهم إلى المدينة ، على رأسهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ليأتوا من اليهود بأسئلة تعجيزية فيطرحوها على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقالت لهم يهود : سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين والروح ، ولكن الله أبطل كيدهم عندما أنزل قرآنا في شأن الإجابة عن أسئلتهم .

الأسلوب العاشر : الترغيب .

أرادت قريش أن تجرب أسلوب الترغيب ، فأرسلت عتبة بن ربيعة الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم : ( يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من المكان في النسب ، وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم ، فاسمع مني أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها : إن كنت تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد شرفاً سوَّدناك – أي جعلناك سيداً - علينا فلا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد ملكاً ملَّكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً – من الجن - تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ .

فلما فرغ من قوله تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر سورة " فصلت " إلى قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) .

الأسلوب الحادي عشر : الترهيب .

كان أبو جهل إذا سمع عن رجل قد أسلم وله شرف ومنعة أنَّبه وأخزاه ، وقال له : تركت دين أبيك وهو خير منك ! لنسفهن حلمك ولنضعفن رأيك ولنضعن شرفك . وإن كان تاجراً قال له : لنكسدن تجارتك ، ولنهلكن مالك . وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به .

"سيرة ابن هشام " (1/395) .

الأسلوب الثاني عشر : الاعتداء الجسدي .

عندما لم تثمر كل الأساليب السابقة في صد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن دينهم ، لجأت قريش إلى أسلوب الاعتداء الجسدي والتصفية الجسدية .

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ أَبُو جَهْلٍ : هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ قَالَ : فَقِيلَ : نَعَمْ . فَقَالَ : وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ . قَالَ : فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ . قَالَ : فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ . قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : مَا لَكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا نَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ شَيْءٌ بَلَغَهُ : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى . إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى . أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى . عَبْدًا إِذَا صَلَّى . أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى . أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى . أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى . كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ . نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ . فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ . سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ . كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) .

وروى البخاري بسنده إلى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ : ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) .

وروى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال :

بينما النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض : أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ ، فَجَاءَ بِهِ ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ ، قَالَ : فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ ، فَرَفَع رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .

ونال أبا بكر رضي الله عنه نصيبه من الأذى حتى فكر في الهجرة إلى الحبشة فراراً بدينه .

وكان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود ، على الرغم من تحذير المسلمين من عدوان المشركين وخشيتهم عليه ، فعندما فعل ذلك ضربوه على وجهه حتى أثروا فيه .

الأسلوب الثالث عشر : ملاحقة المسلمين خارج مكة والتحريض عليهم .

فعندما هاجر بعض المسلمين إلى النجاشي أرسلوا خلفهم من حاول اللحاق بهم قبل العبور إلى الحبشة ، وعندما استقروا بالحبشة وكثر عددهم أرسلوا في طلبهم ، واستخدموا في ذلك الرشوة والحيلة للوقيعة بين المسلمين والنجاشي ، ولكنهم فشلوا في ذلك .

الأسلوب الرابع عشر : المقاطعة العامة – وذلك في شعب أبي طالب -.

الأسلوب الخامس عشر : محاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم شن الحرب عليه.

إن أعداء الإسلام في كل زمان ومكان لم يكفوا ولن يكفوا عن استخدام كافة الوسائل والأساليب لإطفاء نور الإسلام ومحاربة دعاته ، وربما تتجدد الأساليب والوسائل ، ولكنها لا تخرج في مضمونها عن تلك الأساليب التي مارسها كفار قريش ضد المسلمين المستضعفين بمكة"

انتهى باختصار من كتاب " السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية " للدكتور مهدي رزق الله (ص/165-194).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-04, 05:53
السؤال :

لقد سمعت أن الأسياد من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، من فضلك : اشرح لي كيف أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد ، وأنا أعرف أن النسب يكون من الابن وليس من البنت ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم وذريته الموجودون الآن كلهم من نسل ابنته فاطمة رضي الله عنها ، ولكون الرسول صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأشرفهم والنسبة إليه شرف بلا شك ، صارت ذريته ينتسبون إليه ، ولا ينسبون إلى آبائهم ، وقد ذكر العلماء أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم .

واستدلوا على ذلك بعدة أدلة ، منها :

قوله صلى الله عليه وسلم : (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي) رواه البخاري (3714) ومسلم (2449) .

قال الشريف السمهودي :

"معلوم أن أولادها بضعة منها ، فيكونون بواسطتها بضعة منه صلى الله عليه وسلم ، وهذا غاية الشرف لأولادها" انتهى .

نقله الألوسي في "روح المعاني" (26/165) .

ومنها : قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما : (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِين) رواه البخاري (2704) .

فسمَّاه "ابنه" وهو ابن بنته فاطمة رضي الله عنهما .

قال ابن القيم رحمه الله :

"المسلمون مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب لهم من الله الصلاة ؛ لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها ، فمن انتسب إليه صلى الله عليه وسلم من أولاد ابنته فإنما هو من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته : (إن ابني هذا سيد) فسماه ابنه ، ولما أنزل الله سبحانه آية المباهلة : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) آل عمران/61، دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وخرج للمباهلة ....

إلى أن قال :

وأما دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم والوالد الكريم ، الذي لا يدانيه أحد من العالمين ، سرى ونفذ إلى أولاد البنات لقوته وجلالته وعظيم قدره ، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسري حرمة إيلادهم وأبوتهم إلى أولاد بناتهم ، فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم ، ويكادون يضربون عن ذكر آبائهم صفحا ، فما الظن بهذا الإيلاد العظيم قدره ، الجليل خطره ؟ " انتهى باختصار.

" جلاء الأفهام " (ص/299-301) .

وجاء في "مغني المحتاج" (3/63) :

"فَائِدَةٌ : مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ ، وَهُمْ الْأَشْرَافُ الْمَوْجُودُونَ ، وَمِنْهُمْ الْهَاشِمِيُّونَ" انتهى .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/640) :

"ممّا اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون النّاس جميعاً أنّ أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إنّ ابني هذا سيّد)" انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي :

"ثم معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم : أنه يطلق عليه أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، حتى يعتبر ذلك في الكفاءة ، فلا يكافىء شريفة هاشمية غير شريف . [وهذا عند من اعتبر الكفاءة في النسب في النكاح ، فلا تتزوج شريفة بغير شريف إلا برضاها ورضا جميع أوليائها . [وقد سبق الكلام على الكفاءة في النسب في جواب السؤال رقم (65510) وبيَّنَّا أن الصحيح من أقوال العلماء أنها غير معتبرة] .

ثم قال ابن حجر : وقولهم : "إن بني هاشم والمطلب أكفاء" محله فيما عدا هذه الصورة .

وحتى يدخلوا في الوقف على أولاده والوصية لهم ، [ وهذه مسألة افتراضية ، لو أوقف الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً أو أوصى به وقال : هذا لأولادي ، دخل في أولاده صلى الله عليه وسلم أولاد فاطمة وأولاد الحسن والحسين رضي الله عنهم، وهذا من فوائد أنهم ينسبون إليه] .

وأما أولاد بنات غيره فلا تجري فيهم مع جدهم لأمهم هذه الأحكام .

نعم ، يستوي الجد للأب والأم في الانتساب إليهما من حيث تطلق الذرية والنسل والعقب عليهم . ومن فوائد ذلك أيضاً : أنه يجوز أن يقال للحسنين : أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أب لهما اتفاقا ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن : (إن ابني هذا سيد)" انتهى باختصار .

"الصواعق المرسلة" (4/462) لابن حجر الهيتمي .

وقد استدل السيوطي رحمه الله على ذلك بأحاديث أخرى في كتابه "الخصائص الكبرى" (2/381) ، غير أنها ضعيفة ، كما بَيَّن ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في "التلخيص" (3/142) ، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (801 ، 4104 ، 4324) .

ثانياً :

هذا الحكم ، وهو أن أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم ينسبون إليه ، إنما هو لأولاد بناته ، ثم أولاد الحسن والحسين ، أما أولاد بنات بناته فإنهم لا ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم ، وإنما ينسبون إلى آبائهم .

قال السيوطي رحمه الله :

"هل يشاركون – يعني أولاد زينب بنت فاطمة - أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ؟

والجواب : لا . وإن كانوا جميعاً يدخلون في "ذرية النبي صلى الله عليه وسلم" وفي "أولاده" .

وقد فَرَّق الفقهاء بين مَن يُسَمَّى ولداً للرجل ، وبين مَن ينسب إليه :

ولهذا قالوا : لو قال : وقفت على أولادي : دخل ولد البنت .

ولو قال : وقفت على مَن يُنسب إلي مِن أولادي : لم يدخل ولد البنت .

وقد ذكر الفقهاء من خصائصه صلى الله عليه وسلّم : أنه ينسب إليه أولاد بناته ، ولم يذكروا مثل ذلك في أولاد بنات بناته ، فالخصوصية للطبقة العليا فقط ، فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه ، وأولاد الحسن والحسين ينسبون إليهما فينسبون إليه ، وأولاد زينب وأم كلثوم [بنات فاطمة] ينسبون إلى أبيهم عمر وعبد الله ، لا إلى الأم ، ولا إلى أبيها صلى الله عليه وسلّم ؛ لأنهم أولاد بنت بنته ، لا أولاد بنته ، فجرى الأمر فيهم على قاعدة الشرع في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه ، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد الحديث بها ، وهو مقصور على ذرية الحسن ، والحسين ....

ولهذا جرى السلف والخلف على أن ابن الشريفة لا يكون شريفاً ، ولو كانت الخصوصية عامة في أولاد بناته وإن سفلن لكان ابن كل شريفة شريفاً تحرم عليه الصدقة وإن لم يكن أبوه كذلك كما هو معلوم .

ولهذا حكم صلى الله عليه وسلّم بذلك لفاطمة دون غيرها من بناته ، لأن أختها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم تعقب ذكراً حتى يكون كالحسن والحسين في ذلك ، وإنما أعقبت بنتاً ، وهي أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع ، فلم يحكم لها صلى الله عليه وسلّم بهذا الحكم مع وجودها في زمنه ، فدل على أن أولادها لا ينسبون إليها لأنها بنت بنته ، وأما هي فكانت تنسب إليه بناء على أن أولاد بناته ينسبون إليه ، ولو كان لزينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولدٌ ذكر لكان حكمه حكم الحسن والحسين في أن ولده ينسبون إليه صلى الله عليه وسلّم .

هذا تحرير القول في هذه المسألة" انتهى باختصار .

"الحاوي" (2/31) .

ومثل ذلك قاله الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي في "الفتاوى الحديثة" (ص 67) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-04, 05:57
السؤال:

سؤالي عن صلح الحديبية ، من الذي نقض العهد في هذا الصلح ؟ لأنه دار بيني وبين أحد النصارى نقاش حول ذلك ، فقال إن الذي نقض العهد هم المسلمون ، حيث يقول إن المسلمين كانوا على تعاهد مع القبائل الوثنية آنذاك ، وأن قريشا أتت لحرب بعض هؤلاء القبائل فقام المسلمون بمساعدة هؤلاء القبائل ، فخرقوا بذلك المعاهدة التي كانت بينهم وبين قريش ، فهل هذا صحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

ملخص ما حدث : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة ومعه ألف وأربعمائة ، متوجهًا إلى مكة يريد العمرة ، فلما كان بذي الحُلَيفة ـ ميقات أهل المدينة ـ قَلَّد الهَدْي وأشْعره ، وأحرم بالعمرة ، وبعث عينًا له من خُزاعة يخبره عن قريش ، فلما كان بعُسْفان أتاه عينه وأخبره أن قريشًا قد جمعوا له جموعًا ، وأنهم مقاتلوه وصادوه عن البيت .

وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت راحلته ، فقال الناس : خلأت القصواء ، خلأت القصواء [ أي : حرنت وأبت السير ] ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ) ثم قال : ( والذي نفسي بيده ، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا عطيتهم إياها ) ثم زجرها فوثبت به ، فعدل بها حتى نزل بأقصى الحديبية على حوض قليل الماء ، فلم يلبث الناس أن نزحوه ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش ، فتمضمض في ماء ومج فيه ، وألقى فيه سهمًا من كنانته ، فلم يزل يجيش لهم بالرِّي حتى صدروا عنه .

وفزعت قريش لنزوله عليهم ، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلاً من أصحابه ، فدعا عثمان بن عفان ، فأرسله إلى قريش ، وقال : ( أخبرهم أنا لم نأتِ لقتال ، وإنما جئنا عمّارًا ، وادعهم إلى الإسلام ) ، وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان ، فانطلق عثمان ، فمر على قريش ، فبلّغ الرسالة ، وقد أجاره أحد بني عمه ، وحمله على فرس حتى دخل مكة .

ثم إنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل ، فدعا إلى البيعة على أن لا يفروا ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال : ( هذه عن عثمان ) ، ولما تمت البيعة رجع عثمان إلى المسلمين .

وسارت الرسل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين لأجل الصلح ، حتى جاء سهيل بن عمرو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد سهل لكم من أمركم .

ثم عرض سهيل الشروط التي تريدها قريش ، وهي ::

. - وضع الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنوات

. - من جاء المسلمين من قريش يردّونه، ومن جاء قريشًا من المسلمين لا يلزمون بردّه

- أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم من غير عمرة هذا العام ، ثم يأتي العام المقبل فيدخلها بأصحابه بعد أن تخرج منها قريش ، فيقيم بها ثلاثة أيام ليس مع أصحابه من السلاح إلا السيف في القراب والقوس .

- من أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه ، ومن أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه .

ودخلت قبيلة خُزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل بنو بكر في عهد قريش.

وقد كانت الحروب والعداوات بين خزاعة – التي دخلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين بني بكر – التي دخلت في عهد قريش - منذ غابر الأزمان , فأضحت كل واحدة في أمن من الأخرى , ولكن حصل غدر من بني بكر , فخرج نوفل بن معاوية في جماعة معه في شهر شعبان للسنة الثامنة من الهجرة فأغاروا على خزاعة ليلاً , وهم على ماء يقال له الوتير , فأصابوا منهم رجالاً , وتناوشوا واقتتلوا , وأعانت قريش بني بكر بالسلاح , بل وقاتل رجال منهم مع بني بكر مستترين بظلمة الليل , حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فقالت بنو بكر : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك ! إلهك ! فقال : لا إله اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأركم , فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم , أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟!

وانطلق عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله في المدينة مستغيثًا ومستنجدًا فقال له عليه السلام : ( نصرت يا عمرو بن سالم ) .

وسرعان ما أحست قريش بخطئها وغدرها , فخافت من عواقبه الوخيمة , فبعثت قائدها أبا سفيان ليجدد الصلح , لكنه لم يفلح , فعاد أدراجه إلى مكة .

ثم تجهز النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الصحابة بالجهاز , وأعلمهم أنه سائر إلى مكة , ثم تم بعد ذلك الفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .

والشاهد من هذا كله : أن قريشا لما أعانت بني بكر بالسلاح ، وقاتلت معهم خزاعة التي كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان ذلك نقضا للصلح الذي أبرمته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية . وقد علمت قريش ذلك ، ومن ثَمّ جاء أبو سفيان ليجدد الصلح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من واجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصر المتحالفين معه من خزاعة ، كما أن قريشا نصرت ، بل وحاربت مع حلفائها من بني بكر .

فهم الغادرون الناقضون العهد ، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبعد خلق الله عن تلك النقيصة ، وهذه سيرته ، وهذه سنته حاضرة بين أيدينا لمن أراد أن يعرف ذلك عنه .

راجع :

- تفسير الطبري (22/239-250)

- تفسير ابن كثير (7/344-360)

- صحيح البخاري (2734)

- سنن أبي داود (2765)

- مسند الإمام أحمد (18449)

- فتح الباري (5/334-350)

- البداية والنهاية (4/317-325)

- سيرة ابن هشام (2/389-397)

- عيون الأثر (2/181-190)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-04, 05:59
السؤال :

أرغب في معرفة كيفية اكتساب النبي صلى الله عليه وسلم قُوته ؟ .

الجواب :

الحمد لله

كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل من عمل يده ، فقد اشتغل برعي الأغنام في أول عمره .

فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ) ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ : وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ : (نَعَمْ ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) .

رواه البخاري ( 2143 ) .

والقراريط : جزء من الدينار ، أو الدرهم .

وكذلك عمل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالتجارة مع عمِّه أبي طالب , وكذلك عمل لخديجة رضي الله عنها ، كما هو مشهور في السيرة .

ثم كفاه الله بعد ذلك بما أحل له من الفيء ، والغنيمة ، وهو أشرف المكاسب .

والفيء : ما أُخذ من الكفار بدون قتال .

والغنيمة : ما أخذ من الكفار بقتال .

فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي)

رواه أحمد (9/126) وصححه العراقي في "

تخريج إحياء علوم الدين " ( 2 / 352 )

وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 5142 ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وفي الحديث إشارة إلى فضل الرمح ، وإلى حل الغنائم لهذه الأمة ، وإلى أن رزق النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها لا في غيرها من المكاسب ، ولهذا قال بعض العلماء : إنها أفضل المكاسب" انتهى .

" فتح الباري " ( 6 / 98 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-04, 06:06
السؤال :

هل يمكن من فضلك أن تعلق لي على هذا الحديث وعلى إسناده ؟

هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش إنه جاءهم ليذبحهم ؟

وكيف لنا أن نفهم هذا الحديث ؟ وما هو معنى الحديث ؟

أرجو منكم أن تشرحوا لأنني أجد الحديث محيراً جداً بالنسبة إلي . ونص الحديث يقول : ( لقد جئتكم بالذبح ) وقد ترجم الحديث من قبل الشيخ : عبد السلام الشامي : ‏قال ‏يعقوب ، ‏حدثنا ‏أبي ، ‏عن ‏ابن إسحاق ، ‏قال : وحدثني ‏‏يحيى بن عروة بن الزبير ،‏ عن أبيه عروة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص

قال : قلت له : ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله فيما كانت تظهر من عداوته ؟ قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر ، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،‏ فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط ‏، سفَّه‏ أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا ، لقد صرنا منه على أمر عظيم ، أو كما قالوا . ‏قال : فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله ‏‏صلى الله عليه وسلم

‏فأقبل يمشي حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفاً ‏بالبيت ، ‏فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول ، قال : فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مضى ، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها ، فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مضى ، ثم مر بهم الثالثة ، فغمزوه بمثلها ، فقال : تسمعون يا معشر‏ ‏قريش ، ‏أما والذي نفس‏ ‏محمد ‏ ‏بيده‏ ‏لقد جئتكم بالذبح

فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأن على رأسه طائر واقع ، حتى إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول ؛ حتى إنه ليقول : انصرف يا أبا القاسم ، فوالله ما كنت جهولاً . فانصرف صلى الله عليه وسلم‏ ، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في ‏ ‏الحجر‏ ‏وأنا معهم ، فقال بعضهم لبعض : ذكرتم ما بلغ منكم

وما بلغكم عنه ، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه ، فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله‏ ‏صلى الله عليه وسلم ، ‏فوثبوا ‏إليه ‏وثبة ‏رجل واحد فأحاطوا به يقولون له : أنت الذي تقول كذا وكذا - لِما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم – قال : فيقول رسول الله ‏‏صلى الله عليه وسلم : ‏نعم أنا الذي أقول ذلك .

قال : فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه . قال : وقام‏ ‏أبو بكر الصديق‏ ‏رضي الله تعالى عنه ‏دونه يقول - وهو يبكي - : ‏أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله . ثم انصرفوا عنه ، فإن ذلك لأشد ما رأيت ‏قريشاً بلغت منه قط . رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده .

الجواب :

الحمد لله

هذا الحديث رواه أحمد في " المسند " (11/609) طبعة مؤسسة الرسالة من رواية الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، وحسنه المحققون ، والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند أيضا ، وحسنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6/19) ، وكذا الشيخ الألباني في " صحيح الموارد " (1403) .

وجاء في رواية الإمام البخاري (3678) لأصل القصة أن عروة بن الزبير رحمه الله قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قَالَ : رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا . فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) .

وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم : (أما والله لا تنتهوا حتى يحل بكم عقابه عاجلاً . – وبعد ذلك قال لأصحابه صلى الله عليه وسلم - : أبشروا فإن الله عز وجل مظهر دينه ، ومتم كلمته ، وناصر نبيه ، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح الله بأيديكم عاجلاً) .

عزاه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (7/168) للزبير بن بكار ، والدارقطني في " الأفراد " وأشار إلى ضعف هذه الرواية .

وانظر "فتح الباري" (7/166-170) للوقوف على روايات الحديث .

وهذا اللفظ : ( جئتكم بالذبح ) له معنى صحيح بلا شك ، ولا ينبغي أن يثير الحيرة في نفس السائل ولا في نفس أي عاقل ، فالمقصود بالذبح هم أشخاص معينون محدودون ، وهم أولئك الذين يصرون على الكفر بالله ، وعلى حرب الإسلام وأهله ، واضطهاد المستضعفين ، والتسلط على النساء والشيوخ من المؤمنين ، لفتنتهم عن دينهم ، وفرض مبادئهم وأفكارهم بالدم والتعذيب والتنكيل ، هؤلاء هم الذين قتلوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شر تقتيل ، طعنوا سمية زوجة ياسر في عفتها ، وقتلوا ياسر في شيخوخته ، وعذبوا بلالاً بالرمضاء

وهموا بقتل خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يتركوا أسلوباً من أساليب التعذيب والظلم إلا مارسوه على هذه الفئة المؤمنة ، حتى اضطروهم إلى الهجرة إلى الحبشة ، مكفكفين جراحهم ، ومتحملين آلامهم ، لعلهم يجدون لدى ملك الحبشة طعم الراحة والأمان .

هذا بعض ما فعلته هذه الفئة من مجرمي كفار قريش مع المؤمنين ، أما عن تطاولهم على رب العباد فذلك شأن آخر ، حكاه الله عنهم في عشرات الآيات في القرآن الكريم . ألا يستحق هؤلاء – بعدئذ - القتل دفعا لشرهم ، وتخليصا للعباد من آذاهم .

أليس من الحكمة والعقل مجابهتهم – في بعض الأحيان – بالقوة والتهديد والوعيد ، وذلك حين يطفح الكيل من مكرهم وظلمهم ؟

لماذا يحتار العاقل في قبول تهديد النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالعقوبة العاجلة من الله عز وجل ، وهم أجدر بها ، وأحق بها من قوم عاد وثمود وسائر الأنبياء الذين عرفنا عدوانهم على الأنبياء والمؤمنين في القرآن الكريم ؟!

ألهذا الحد ينسى العاقل ما فعله هؤلاء المجرمون بالمؤمنين المستعضفين ، وينسى أيام العذاب والهوان التي ذاقوها مما يتقطع له قلب كل إنسان وهو يقرأ صفحاتها ، ثم يتعاطف مع الجلادين – وهم صناديد كفار قريش – لأن النبي صلى الله عليه وسلم هددهم بالقتل والذبح مرة من المرات .

أهكذا تقاس الأمور في موازين العقول ؟!

وإذا لبَّس الحاقدون على الناس ، فاجتزؤوا هذه الكلمة من سياقها ، وأرادوا أن يظهروا النبي صلى الله عليه وسلم سفاكاً للدماء ، محباً للموت والقتل ، فلا يجوز أن ينطلي ذلك على العقلاء من المسلمين ومن غير المسلمين ، بل الواجب التعامل مع هذه الحادثة ، وكذلك كل حادثة بمقياسين مهمين رئيسيين :

1- السياق الذي جاءت به ، ونوع المخاطبين بها ، والحادثة التي تفسرها وتبين المقصود منها .

2- النظر في جميع النصوص المتعلقة بالموضوع ، والتي من خلالها يمكن الوصول إلى فهم نظرة الإسلام إلى المسألة ، وليس من خلال نص واحد فقط .

ومن لم يفعل ذلك ضلَّ وتاه ، وباع عقله وفكره لكل ناعق بشبهة ، ولكل من يحسن الوسوسة بالشر والفساد .

ونقول أيضاً :

كيف تُصَدَّقُ دعوى مَن يدَّعي أن الإسلام جاء بقتل من لم يتبعه مطلقاً ، وقد علم الناس جميعاً علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أهل مكة بعد أذاهم الشديد له فجاءه ملك الجبال ليطبق عليهم الأخشبين (جبلان بمكة) ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) رواه البخاري (3231) ومسلم (1795)، وعفا أيضاً صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش الذين ظلموا المؤمنين وأكلوا أموالهم بعد فتح مكة ، بل وأكرم بعض كبرائهم رجاء حسن إسلامهم ، وذلك حين قال – يوم فتح مكة - : ( مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ )

رواه مسلم (331)؟!

كيف تُصدَّق هذه الدعوى وقد شرع الله تعالى لنا قبول الجزية من أهل الأديان الأخرى ، والموافقة على بقائهم في حماية دولة الإسلام وكفالتها؟!

كيف تُصدَّق هذه الدعوى وقد علمنا يقيناً كيف قبل النبي صلى الله عليه وسلم الصلح مع يهود المدينة ، وتعايش معهم رجاء أن يحفظوا العهد ولا يخونوا ، ولم يقاتل أحداً منهم حتى كانوا هم البادئين بالغدر والخيانة ؟!!

ألم يقل رب العزة شارحاً مقاصد البعثة والرسالة في كلمة واحدة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء/107. ؟!!

بل قال عز وجل أيضاً : ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) الأنعام/147.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

"يقول تعالى : فإن كذّبك - يا محمد - مخالفوك من المشركين واليهود ومن شابههم ، فقل : (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ) ، وهذا ترغيب لهم في ابتغاء رحمة الله الواسعة واتباع رسوله ، (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ترهيب لهم من مخالفتهم الرسول خاتم النبيين " انتهى .

" تفسير القرآن العظيم " (3/357)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ! قَالَ : ( إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً )

رواه مسلم (2599) .

نرجو أن يكون في هذه الكلمات ذكرى نافعة يزيل الله بها عن الأخ السائل حيرته في معنى هذا الحديث .

والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 14:20
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم
في حياته ولم يروه يسمون "المخضرمون"

السؤال:

ماذا يُسَمَّى الناس الذين كانوا أحياء في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وأسلموا لكنهم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب:

الحمد لله

من لم يتشرف بلقيا النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة فليس من الصحابة ، ولذلك فقد عد المحدثون جميع من أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يروه من التابعين ، وأطلقوا عليهم اسم " المخضرمون من التابعين ". لأنهم أدركوا الجاهلية والإسلام .

قال أبو عبد الله الحاكم رحمه الله :

" فأما المخضرمون من التابعين ـ هم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست لهم صحبة ـ فهم : أبو رجاء العطاردي ، وأبو وائل الأسدي ، وسويد بن غَفَلَة ، وعثمان النهدي ، وغيرهم من التابعين " انتهى .

" معرفة علوم الحديث " (ص/44) .

وقال الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله :



" المخضرمون من التابعين : هم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولا صحبة لهم . واحدهم مخضرَم - بفتح الراء - كأنه خُضْرِم : أي قُطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها . وذكرهم ( مسلم ) فبلغ بهم عشرين نفسا منهم :

أبو عمرو الشيباني ، وسويد بن غفلة الكندي ، وعمرو بن ميمون الأودي ، وعبد خير بن يزيد الخَيْوَانِي ، وأبو عثمان النهدي ، وعبد الرحمن بن مل ، وأبو الحَلَال العَتَكي ربيعة بن زرارة " انتهى.

" المقدمة " (179)

والمخضرم مأخوذ من الشيء المتردد بين أمرين .

قال الحافظ العراقي رحمه الله :

" المخضرم متردد بين الصحابة لإدراكه زمن الجاهلية والإسلام ، وبين التابعين لعدم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو متردد بين أمرين " انتهى باختصار.

" التقييد والإيضاح " (ص/323)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 14:23
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام

السؤال :

جاء في سورة النجم أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم قد رأى سيدنا جبريل مرتين ، فما هي المرتان ؟

وهل كانت المرة الأولى في الأفق الأعلى في أول نزول الوحي ، والثانية في سدرة المنتهى ؟

وإذا كان وقعت رؤية الروح الأمين مرتين ، فكيف نفسر سورة المدثر ، بأنه رأى الروح الأمين جالسا على كرسي بين السماء والأرض ؟

لعلها لم تكن هذه الهيئة هي هيئة سيدنا جبريل الحقيقية ! والصورة التي تصورها الآيات من 5 إلى 12 في سورة النجم تصور سيدنا جبريل بأنه جالس ويملأ الأفق ، ثم يقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم . فهل فهمي للآية هكذا صحيح ؟

أم أن المرة الأولى حين نزل الوحي كانت قبل بلوغ الأفق الأعلى . أنا طالب لعلم التفسير ، وأريد ردا على هذا السؤال .

الجواب :

الحمد لله

الذي تقرره الأدلة الصريحة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام على صورته التي خلقه الله عليها مرتين اثنتين فقط ، وقد عد السيوطي رحمه الله هذا الأمر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كما في " الخصائص الكبرى " (1/197)، وهاتان الرؤيتان هما :

الرؤية الأولى : كانت في الأرض في بداية الوحي ، ونزلت عليه بعدها سورة المدثر .

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ – أي انقطاع - الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ : (فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ ، فَقُلْتُ : زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي ، فَدَثَّرُونِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – إلى – والرجز فَاهْجُر) رواه البخاري (4641) ومسلم (161) .

وهذه الرؤية هي التي قال الله سبحانه وتعالى فيها : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ) التكوير/23 .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

"يعني : ولقد رأى محمدٌ جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح ، (بِالأفُقِ الْمُبِينِ) أي : البين ، وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء (موضع بمكة) ، وهي المذكورة في قوله : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إَلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) النجم/5 –10 ، كما تقدم تفسيرُ ذلك وتقريره ، والدليلُ أن المرادَ بذلك جبريل عليه السلام .

والظاهر- والله أعلم - أن هذه السورة – يعني سورة التكوير - نزلت قبل ليلة الإسراء ؛ لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤية ، وهي الأولى .

وأما الثانية وهي المذكورة في قوله : ( وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ) النجم: 13 -16، فتلك إنما ذكرت في سورة " النجم " ، وقد نزلت بعد سورة الإسراء " انتهى .

" تفسير القرآن العظيم " (8/339) .

والرؤية الثانية : كانت في السماء ، ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى .

وقد نصت الآية في سورة النجم على الرؤية الثانية ، وأشارت إلى الرؤية الأولى ، وذلك في قوله سبحانه وتعالى : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ) النجم/13-14.

قال ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير هذه الآية : رأى جبريل له ستمائة جناح .

رواه البخاري (3232) ومسلم (174) .

قال النووي رحمه الله :

"وهكذا قاله أيضا أكثر العلماء ، قال الواحدي : قال أكثر العلماء : المراد رأى جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى عليها" انتهى .

"شرح النووي على مسلم" (3/7) .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

"هذه الرؤية – يعني الأولى - لجبريل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الأرض ، فهبط عليه جبريل عليه السلام وتدلى إليه ، فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه الله عليها ، له ستمائة جناح .

ثم رآه بعد ذلك نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، يعني ليلة الإسراء" انتهى .

"تفسير القرآن العظيم" (7/445) .

ولم يثبت وقوع رؤية ثالثة حقيقية لجبريل عليه السلام ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها :

( وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ ) رواه البخاري (4855) ، وهو عند الإمام مسلم (177) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 14:26
الأسباب الواردة في هبة سودة ليلتها
لعائشة وبيان الراجح منها

السؤال

ذُكر أن النبي صلى الله عليه عرض على " سودة بنت زمعة " الطلاق عندما كبرت في العمر ، ولكنها رفضت ، ومن ثَمَّ أعطت يومها لعائشة رضي الله عنها . يبدو لي أن هذا الفعل على إطلاقه هكذا لا يمكن أن يكون صدر من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ أنه لا بد من أن يكون هناك خلفية لهذه القصة ، وهو الأمر الذي أريد أن تشرحوه لي .

الجواب:

الحمد لله

ثبت في الصحيحين أن أم المؤمنين " سودة بنت زمعة " رضي الله عنها وهبت ليلتها لعائشة رضي الله ، وهذا المقدار لا شك فيه من حيث الثبوت ، ولكن ما هو سبب هذا الفعل من أم المؤمنين سودة رضي الله ؟ جاء ذلك على وجوه متعددة :

1. قيل : إن ذلك كان بعد تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لها .

2. وقيل : إنه صلى الله عليه وسلم همَّ بتطليقها .

3. وقيل : إنها ظنَّت أنه سيطلقها ، ولذا تنازلت عن ليلتها لعائشة ؛ لتبقى في عصمته صلى الله عليه وسلم في الدنيا ، وتكون زوجة له في الآخرة ، فقبل منها ذلك صلى الله عليه وسلم .

4. وقيل : إنها أرادات بتلك الهبة رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كانت تعلم محبته لعائشة رضي الله عنها ، وهذان السببان هما أصح ما ورد من الأسباب لذلك الفعل منها رضي الله عنها .

أ. أما ما ورد أنها رضي الله عنها وهبت ليلتها لعائشة بعد أن طلقها النبي صلى الله عليه وسلم : فهي رواية ضعيفة .

قال ابن الملقِّن – رحمه الله - :

وَهَذِه رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه : " أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طلَّق سودةَ ، فلمَّا خرج إِلَى الصَّلَاة أمسكتْهُ بِثَوْبِهِ ، فقالتْ : مَا لي فِي الرِّجال حَاجَة ، وَلَكِنِّي أُرِيد أَن أُحْشَرَ فِي أَزوَاجك ، قَالَ : فراجَعَهَا ، وَجعل يَوْمهَا لعَائِشَة ، فَكَانَ يِقَسْم لَهَا بيومها ، وَيَوْم سَوْدَة " .

وَهَذَا مَعَ إرْسَاله : فِيهِ أَحْمد العطاردي ، وَهُوَ مِمَّن اخْتلف فِيهِ ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : لَا بَأْس بِهِ ، وَقَالَ ابْن عدي : رَأَيْتهمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضعفه ، وَقَالَ مُطيَّن : كَانَ يكذب .

" البدر المنير " ( 8 / 48 ) .

وكذبه رحمه الله ليس في الحديث ، وإلا كان حديثه موضوعاً ، وقد بيَّنه الإمام الذهبي رحمه الله فقال إنه كذب في لهجته ، لا في روايته .

قال رحمه الله :

قُلْت : يَعنِي فِي لَهْجَتِهِ ، لاَ أَنَّه يَكْذِبُ في الحَديثِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُوجَد مِنهُ ، وَلاَ تَفَرَّدَ بِشَيْءٍ ، وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّهُ صَدوقٌ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ : أَنَّه رَوَى أَوْرَاقاً مِنَ " المَغَازِي " بِنُزُولٍ ، عَن أَبِيهِ ، عَن يُونُسَ بنِ بُكَيْرٍ ، وَقَد أَثنَى عَلَيهِ الخَطِيبُ ، وَقَوَّاهُ ، وَاحتَجَّ بِهِ البَيْهَقِيُّ فِي تَصَانِيْفِهِ .

" سير أعلام النبلاء " ( 25 / 55 ) .

وثمة رواية أخرى نحوها قال عنها الحافظ ابن كثير في " التفسير " ( 2 / 427 ) : غريب ، مرسل .

ب. وأما القول بأن سودة وهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنهما لما همّ النبي صلى الله عليه وسلم بطلاق سودة : فلم نره في حديث ، بل كان فهماً من بعض المفسرين، والعلماء ، ومن ذلك:

قال الماوردي – رحمه الله – في بيان سبب نزول قوله تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً ) - :

أحدهما : أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين همَّ بطلاق سودة بنت زمعة ، فجعلت يومها لعائشة على ألا يطلقها ، فنزلت هذه الآية فيها ، وهذا قول السدِّي .

" تفسير الماوردى " ( 1 / 533 ) .

ج. وأما ما ورد أنها رضي الله عنها خشيت من تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لها فقد ثبت في أحاديث صحيحة :

عَنْ عروة بن الزبير قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ أَسَنَّتْ ، وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي لِعَائِشَةَ ، فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ، قَالَتْ : نَقُولُ : فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي أَشْبَاهِهَا - أُرَاهُ قَالَ - : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً ) .

رواه أبو داود ( 2135 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : " لَا تُطَلِّقْنِي ، وَأَمْسِكْنِي ، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ ، فَفَعَلَ ، فَنَزَلَتْ : ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) .

رواه الترمذي ( 3040 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

د. وأما ما ورد أن سودة وهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنها ساعية لرضا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت ـ أيضا ـ عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا ، لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم تَبْتَغِى بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري ( 2453 ) .

هذه الآثار واضحة من كلام عائشة رضي الله عنها أن " سودة " إنما خافت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم بسبب كبر سنِّها ، وليس أنه باشر طلاقها فعلاً ، وما ورد أنه فعل ذلك : مرسل ضعيف لا يصح ، ولم يرد أنه همَّ بطلاقها لأجل كبر سنِّها .

وأمر آخر : أن النبي صلى الله عليه لم يتزوجها أصلاً من أجل صغر سنِّها ، ولا من أجل الشهوة ، فقد كانت كبيرةً في السنِّ حين تزوجها ، وكل نسائه لمَّا تزوجهن كنَّ ثيبات ، وذوات أولاد ، إلا عائشة رضي الله عنها ، فلم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم صاحب شهوة يبحث عن أبكار وصغيرات ليتزوجهن ، ثم إن كبرن طلَّقهن ، وكل من علم شيئا من سيرته وحاله : قطع بذلك ، ونزهه عن إفك الأفاكين .

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : ( إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْنَاهُ وَأَهْدَاهُ وَأَتْقَاهُ ) .

رواه ابن ماجة في مقدمة سننه (20) ، وقال البوصيري : "هذا إسناد صحيح ، ورجاله محتج بهم في الصحيحين".

انتهى . "مصباح الزجاجة" (1/47) .

وروي ذلك ـ أيضا ـ عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه .

قال السندي رحمه الله : " أَيْ الَّذِي هُوَ أَوْفَق بِهِ مِنْ غَيْره ، وَأَهْدَى وَأَلْيَق بِكَمَالِ هُدَاهُ ، وَأَتْقَاهُ : أَيْ وَأَنْسَب بِكَمَالِ تَقْوَاهُ " انتهى .

و الله اعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 14:29
هل كان لحليمة السعدية خصوصية معينة؟

السؤال :

هل كان للسيدة حليمة خصوصية معينة لأنها كانت ترضع النبي صلى الله عليه وسلم وهل أسلمت حليمة بعد ذلك ؟

الجواب :

الحمد لله

حليمة السعدية مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم اختلف العلماء في إسلامها ، وكأن ابن القيم رحمه الله توقف في ذلك ، فقد قال في "زاد المعاد" (1/81) " واختلف في إسلام أبويه [يعني : النبي صلى الله عليه وسلم] من الرضاعة ، فالله أعلم " انتهى .

ولكن جزم كثير من الحفاظ بإسلامها وعدوها من الصحابة ، فقد ذكرها الحافظ في "الإصابة" (7/584) وابن عبد البر في "الاستيعاب" (2/85) ، وقال ابن عبد البر :

" روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنها عبد الله بن جعفر " انتهى .

قال الألباني :

" يستبعد جدا أن يدرك عبد الله بن جعفر حليمة مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان عبد الله ابن عشر سنين ، وهي وإن لم يذكروا لها وفاة فمن المفروض عادة أنها توفيت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم . والله أعلم " انتهى

"دفاع عن الحديث النبوي" (ص/39) .

وفي "الأعلام" للزركلي (2 / 271) :

" وقدمت مع زوجها بعد النبوة فأسلما " انتهى .

وقال ابن الجوزي :

" قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت ، وأسلم زوجها الحارث بن عبد العزى " انتهى .

"صفة الصفوة" (1 / 62) .

وأما قول السائلة : هل كان للسيدة حليمة خصوصية معينة لأنها كانت ترضع النبي صلى الله عليه وسلم ؟

فلا شك أن إرضاعها النبي صلى الله عليه وسلم من تفضُّل الله عليها وهي منقبة عظيمة لها ، وقد حصل لها من الخير والبركة بمقدمه صلى الله عليه وسلم عليها ما هو مشهور معلوم .

وقال ابن كثير :

" والمقصود أن بركته عليه الصلاة والسلام حلّت على حليمة السعدية وأهلها وهو صغير ، ثم عادت على هوازن بكمالهم فواضلُه حين أسرهم بعد وقعتهم ، وذلك بعد فتح مكة بشهر .

فمنّوا إليه برضاعه فأعتقهم وتحنن عليهم وأحسن إليهم " انتهى .

"السيرة النبوية" (1/233) .

روى البيهقي (18536) بسند حسن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحُنَيْنٍ ، فَلَمَّا أَصَابَ مِنْ هَوَازِنَ مَا أَصَابَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَسَبَايَاهُمْ أَدْرَكَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بِالْجِعْرَانَةِ وَقَدْ أَسْلَمُوا فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَنَا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ ، وَقَدْ أَصَابَنَا مِنَ الْبَلاَءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ .

وَقَامَ خَطِيبُهُمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا فِى الْحَظَائِرِ مِنَ السَّبَايَا خَالاَتُكَ وَعَمَّاتُكَ وَحَوَاضِنُكَ اللاَّتِى كُنَّ يَكْفُلْنَكَ وَذَكَرَ كَلاَمًا وَأَبْيَاتًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَمَّا مَا كَانَ لِى وَلِبَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ ، وَإِذَا أَنَا صَلَّيْتُ بِالنَّاسِ فَقُومُوا وَقُولُوا : إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِالْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فِي أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا سَأُعْطِيكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَسْأَلُ لَكُمْ ) . فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ الظُّهْرَ قَامُوا فَقَالُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ ) . وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ : وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَتِ الأَنْصَارُ : وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .

راجع : "صحيح السيرة" للألباني (ص/22) .

وقال ابن كثير في "السيرة النبوية" (1/234) :

" وسيأتي أنه عليه الصلاة والسلام أطلق لهم الذرية ، وكانت ستة آلاف ما بين صبي وامرأة ، وأعطاهم أنعاما وأناسي كثيرا ، حتى قال أبو الحسين بن فارس : فكان قيمة ما أطلق لهم يومئذ : خمسمائة ألف ألف درهم .

فهذا كله من بركته العاجلة في الدنيا ، فكيف ببركته على من اتبعه في الدار الآخرة ؟ "

انتهى .

فهذه الخصوصية ، وهذه البركة ، إنما هي بسبب رضاعه وحضانته صلى الله عليه وسلم .

ولكن .. لا نعلم من الأحاديث شيئاً خاصاً يدل على فضلها ومنقبتها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 14:32
الرد على فرية زواج النبي صلى الله
عليه وسلم بعائشة ولها 18 سنة

السؤال:

قرأت بإحدى الصحف مقالاً بعنوان "صحفي شــاب يصحح للأئمــة الأعــلام خطـأ ألـف عـام" ويتلخص ما ورد بالمقال في النقاط الآتية : 1. قضية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج بأم المؤمنين عائشة في سن السادسة وبني بها في سن التاسعة بناءً علي ما جاء في البخاري هو خطأ والخطأ في تحديد عمر السيدة عائشة رضي الله عنها آنذاك . 2. أنه من خلال بحث المصادر التاريخية (بحسب قول كاتب المقال) تبين أن العمر الحقيقي للسيدة عائشة رضي الله عنها حين بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان 18 سنة وليس 9 سنين . 3. وأن هذا الخطأ قد فات على جميع علماء الأمة ولم يكتشفه إلا هذا الصحفي . أرجو من فضيلتكم توضيح هذا الأمر لعامة المسلمين وتقديم الرد الشرعي في هذا الشأن .

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

جاءت الأحاديث الصحيحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم عقد على عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين ، ودخل بها وهي تسع سنين ، ومن ذلك :

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ [أي : أصابتها حمى] ... فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي ، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي ، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي ، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي ، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ : عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ . فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ) رواه البخاري (3894) ومسلم (1422) .

وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ [أي : يتخفين] مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي) رواه البخاري (7130) ومسلم (2440) .

وروى أبو داود (4932) عَنْها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ فَقَالَ :مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ؟ قَالَتْ : بَنَاتِي . وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ فَقَالَ :

مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ ؟ قَالَتْ : فَرَسٌ قَالَ : وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ ؟ قَالَتْ : جَنَاحَانِ . قَالَ : فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ ؟! قَالَتْ : أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ ؟ قَالَتْ : فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ) وصححه الألباني في "آداب الزفاف" (ص203) .

قال الحافظ :

"قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَإِنَّمَا أَرْخَصَ لِعَائِشَة فِيهَا [أي : اللعب] لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ كَانَتْ غَيْر بَالِغ . قُلْت : وَفِي الْجَزْم بِهِ نَظَرٌ لَكِنَّهُ مُحْتَمَل ; لِأَنَّ عَائِشَة كَانَتْ فِي غَزْوَة خَيْبَر بِنْت أَرْبَع عَشْرَة سَنَة إِمَّا أَكْمَلْتهَا أَوْ جَاوَزْتهَا أَوْ قَارَبْتهَا . وَأَمَّا فِي غَزْوَة تَبُوك فَكَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ قَطْعًا فَيَتَرَجَّح رِوَايَة مَنْ قَالَ فِي خَيْبَر" انتهى ، وخيبر كانت سنة سبع .

وروى مسلم (1422) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ) .

قال النووي :

"الْمُرَاد هَذِهِ اللُّعَب الْمُسَمَّاة بِالْبَنَاتِ [العرائس] الَّتِي تَلْعَب بِهَا الْجَوَارِي الصِّغَار , وَمَعْنَاهُ التَّنْبِيه عَلَى صِغَر سِنّهَا" انتهى .

وفي هذه الرواية قالت: (وأنا بنت سبع سنين) وفي أكثر الروايات: (بنت ست) والجمع بينهما: أنها كان لها ست وكسر ، فمرة اقتصرت على السنين ، ومرة عَدَّت السنة التي دخلت فيها . أفاده النووي في شرح مسلم .

وقد نقل ابن كثير رحمه الله أن هذا أمر متفق عليه بين العلماء ، ولم يُذكر عن أحد منهم خلافه ، فقال رحمه الله :

"قوله : (تزوجها وهي ابنة ست سنين ، وبنى بها وهي ابنة تسع) مما لا خلاف فيه بين الناس - وقد ثبت في الصحاح وغيرها - وكان بناؤه بها عليه السلام في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة" انتهى من "البداية والنهاية" (3 / 161).

ومن المعلوم أن الإجماع معصوم من الخطأ ؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة ، فقد روى الترمذي (2167) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1848) .

ثانياً :

كاتب المقال المذكور أوقعه جهله وتعصبه لقوله الباطل في كثير من الكذب والتدليس ، يريد بذلك أن ينصر باطله .

فمن ذلك مثلا : ما ذكره عن ابن كثير في البداية والنهاية أنه قال عن الذين سبقوا بإسلامهم : "ومن النساء : أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين"

ولم نقف على هذا الكلام في "البداية والنهاية" ، وإنما قال ابن كثير (3/25) : "فكان أول من بادر إلى التصديق من الرجال الأحرار: أبو بكر الصديق. ومن الغلمان : علي بن أبي طالب. ومن النساء : خديجة بنت خويلد" انتهى . ولم يذكر أسماء ولا عائشة رضي الله عنهما .

وعائشة رضي الله عنها إنما ولدت بعد النبوة بنحو أربع سنين .

ومن ذلك أيضاً قوله :

" وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها - يعني أسماء - أكبر من عائشة بـ10 سنوات " .

والأمر ليس كذلك ، فقد ذكر الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/522) : "أن أسماء كانت أسن من عائشة ببضع عشر سنة" انتهى .

والبضع في العدد ما بين ثلاثة والعشر .

ثالثا :

ليس في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي تسع سنوات شيء يستنكر ، فمن المعلوم أن سن بلوغ المرأة يختلف حسب العرق وحسب المناخ ، ففي المناطق الحارة تبلغ الجارية مبكرا ، بينما في المناطق القطبية الباردة قد يتأخر البلوغ حتى سن 21 سنة .

قال الترمذي : قالت عائشة : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة .

"سنن الترمذي" (2/409).

وقال الإمام الشافعي : " رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيرا " .

"سير أعلام النبلاء" (10 / 91).

وروى البيهقي (1588) عَنِ الشَّافِعِىِّ قَالَ : " أَعْجَلُ مَنْ سَمِعْتُ بِهِ مِنَ النِّسَاءِ يَحِضْنَ نِسَاءٌ بِتِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ " .

وقَالَ الشَّافِعِىُّ أيضا : " رَأَيْتُ بِصَنْعَاءَ جَدَّةً بِنْتَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً ، حَاضَتْ ابْنَةَ تِسْعٍ وَوَلَدَتْ ابْنَةَ عَشْرٍ ، وَحَاضَتِ الْبِنْتُ ابْنَةَ تِسْعٍ وَوَلَدَتْ ابْنَةَ عَشْرٍ " .

"السنن الكبرى للبيهقي" (1 / 319).

فعلى هذا ؛ فقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي بالغة أو قد قاربت البلوغ .

ولمزيد الفائدة راجع السؤال رقم (44990)

والواجب على من يتكلم في علم من العلوم أن يكون كلامه بعلم وإنصاف ، بعيداً عن الجهل والتعصب واتباع الهوى .

وحسب امرئ من الشر أن يخترع قولا لم يقل به أحد من العلماء على مدار مئات السنين ، وهذا دليل على خطأ هذا القول ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "فكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين ولم يسبقه إليه أحد منهم فإنه يكون خطأ ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام" انتهى .

"مجموع الفتاوى" (21/291) .

نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 14:35
تغسيل النبي صلى الله عليه وسلم
وتكفينه والصلاة عليه

السؤال :

كيف غُسل النبي صلى الله عليه وسلم؟

وكيف كان تكفينه والصلاة عليه ودفنه؟

الجواب :

الحمد لله

"الرسول صلى الله عليه وسلم غُسل في ثيابه ، فإن الصحابة رضي الله عنهم لما اختلفوا هل يجردونه أم لا ؟ سمعوا منادياً من داخل البيت يقول : غسلوا النبي صلى الله عليه وسلم في ثيابه ، فصبوا الماء عليه وغسلوه في ثيابه عليه الصلاة والسلام ، ثم كفنوه في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ـ يعني من قطن

ليس فيها قميص ولا عمامة ، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها ، ثم صلى عليه الناس عليه الصلاة والسلام فرادى ، وما أمَّهم عليه إمام ، بل صلى عليه الناس ، الكل يدخل ويصلي عليه في المسجد عليه الصلاة والسلام" انتهى .

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

"فتاوى نور على الدرب" (1/350) .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 14:49
تحقيق في عمر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
عندما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال :

بينما أتصفح بعض المنتديات قرأت موضوعا عجيباً وغريباً أريد من له علم في السيرة أن يوضح لي هذا الأمر ، وبارك الله فيكم . وخلاصة هذا الموضوع أن بعض الصحفيين انتهى في بحث له إلى الطعن فيما ورد في صحيح البخاري من أن سن عائشة ، حين عقد عليها النبي صلى الله عليه وسلم كان ست سنين ، وأنه بنى بها وهي بنت تسع سنين . ولم يقنع الباحث بأن يفند ذلك بمنطق الأرقام ومراجعة التواريخ ، ولكنه أيضًا نقد سند الروايات التي روي بها أشهر الأحاديث الذي جاء في البخاري ومسلم ، وأثبت في الحالتين ذكاءً ، وأصاب نجاحًا .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

تحديد سن عائشة رضي الله عنها حين عقد النبي صلى الله عليه وسلم عليها بـ (ست سنين) ، وحين بنى بها بـ (تسع سنين) لم يكن اجتهاداً للعلماء حتى ينظر في صوابه من خطئه ، وإنما هو نقل تاريخي ثبت بما يؤكد صحته وضرورة التسليم به ، وذلك من أوجه :

1- ورد من قول صاحبة الشأن نفسها عائشة رضي الله عنها ، وليس من كلام أحد عنها ، ولا من وصف مؤرخ أو محدث ، بل في سياق حديثها عن نفسها رضي الله عنها حيث قالت:

( تَزَوَّجَنِى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً ، فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي ، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لاَ أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي ، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ ، وَإِنِّي لأَنْهَجُ ، حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي ، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي ، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ ، فَقُلْنَ : عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ . فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ )

رواه البخاري (3894) ومسلم (1422) .

2- هذه الرواية عن عائشة رضي الله عنها وردت في أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى ، وهما صحيحا البخاري ومسلم .

3- وقد جاءت عن عائشة رضي الله عنها من طرق عدة ، وليس من طريق واحدة فقط كما يدعي بعض الجاهلين :
- فالطريق المشهورة هي من رواية هشام بن عروة بن الزبير ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها ، وهي من أصح الروايات ، فعروة بن الزبير من أعرف الناس بعائشة ، لأنها خالته رحمه الله .
- وطريق أخرى من رواية الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة عند مسلم (1422) .

- وطريق أخرى من رواية الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : ( تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست ، وبنى بها وهي بنت تسع ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة ) رواه مسلم (1422) .
- وطريق أخرى عن محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة رضي الله عنها. رواه أبو داود (4937) .

وقد جمع فضيلة الشيخ أبو إسحاق الحويني أسماء المتابعين لعروة بن الزبير ، وهم : الأسود بن يزيد ، والقاسم بن عبد الرحمن ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب .
كما جمع أسماء المتابعين لهشام بن عروة في رواية هذا الحديث ، وهم : ابن شهاب الزهري ، وأبو حمزة ميمون مولى عروة .

ثم سمى الرواة عن هشام بن عروة من أهل المدينة ، ليعلم القارئ أن هذا الحديث مما حدث به هشام في المدينة أيضا ، وهم : أبو الزناد عبد الله بن ذكوان ، وابنه عبد الرحمن بن أبي الزناد ، وعبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة .
ومن أهل مكة سفيان بن عيينة .
وجرير بن عبد الحميد الضبي من أهل الري .
ومن أهل البصرة : حماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، ووهيب بن خالد وغيرهم .

يقول الذهبي رحمه الله :

" هشام بن عروة ، أحد الأعلام ، حجة إمام ، لكن في الكبر تناقص حفظه ، ولم يختلط أبداً ، ولا عبرة بما قاله أبو الحسن بن القطان من أنه وسهيل بن أبى صالح اختلطا ، وتغيرا ، نعم الرجل تغير قليلا ولم يبق حفظه كهو في حال الشبيبة ، فنسى بعض محفوظه أو وهم ، فكان ماذا ! أهو معصوم من النسيان ! ولما قدم العراق في آخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم ، في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجودها ، ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الثقات ، فدع عنك الخبط ، وذر خلط الأئمة الأثبات بالضعفاء والمخلطين ، فهشام شيخ الإسلام ، ولكن أحسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطان ، وكذا قول عبد الرحمن بن خراش : كان مالك لا يرضاه ، نقم عليه حديثه لأهل العراق "

انتهى ." ميزان الاعتدال " (4/301-302) .

4- كما روى قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة وهي بنت تسع سنين غيرُ عائشة رضي الله عنها ، ممن أدركوها وكانوا أعرف بها من غيرهم :

فقد روى الإمام أحمد في " المسند " (6/211) عن محمد بن بشر ، قال حدثنا محمد بن عمرو ، قال ثنا أبو سلمة ويحيى قالا : ( لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون ، قالت : يا رسول الله ! ألا تزوج . قال : مَن ؟ قالت : إن شئت بكراً ، وإن شئت ثيباً . قال : فمَن البكر ؟ قالت : ابنة أحب خلق الله عز وجل إليك : عائشة بنت أبي بكر....) وذكر تفاصيل القصة ، وفيها أنها كانت بنت ست سنين عند العقد ، ثم بنت تسع عند البناء .

5- وهذا الذي تحكيه عائشة عن نفسها ، ويحكيه الرواة عنها ، هو ما أطبقت عليه المصادر التاريخية التي ترجمت لعائشة رضي الله عنها ، ليس بينها اختلاف في ذلك ، ولم يكن الأمر فيها محل اجتهاد ، فليس بعد كلام المرء عن نفسه اجتهاد لأحد .

6- وقد اتفقت المصادر التاريخية أيضا أن عائشة رضي الله عنها ولدت في الإسلام ، بعد المبعث بأربع سنين أو خمس سنين .
يقول الإمام البيهقي رحمه الله – في تعليقه على حديث : ( لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين )- :
" وعائشة رضي الله عنها وُلدت على الإسلام ؛ لأن أباها أسلم في ابتداء المبعث ، وثابت عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي ابنة ست ، وبنى بها وهي ابنة تسع ، ومات عنها وهي ابنة ثمان عشرة ، لكن أسماء بنت أبي بكر ولدت في الجاهلية ثم أسلمت بإسلام أبيها... وفيما ذكر أبو عبد الله بن منده حكاية عن ابن أبي الزناد أن أسماء بنت أبي بكر كانت أكبر من عائشة بعشر سنين ، وإسلام أم أسماء تأخر ، قالت أسماء رضي الله عنها : قدمت عليَّ أمي وهي مشركة . في حديث ذكرته ، وهي قتيلة ، مِن بني مالك بن حسل ، وليست بأم عائشة ، فإن إسلام أسماء بإسلام أبيها دون أمها ، وأما عبد الرحمن بن أبي بكر فكأنه كان بالغا حين أسلم أبواه ، فلم يتبعهما في الإسلام حتى أسلم بعد مدة طويلة ، وكان أسن أولاد أبي بكر " انتهى باختصار .
" السنن الكبرى " (6/203) .

ويقول الذهبي رحمه الله :

" عائشة ممن ولد في الإسلام ، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين ، وكانت تقول : لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين " انتهى .
" سير أعلام النبلاء " (2/139) .
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" ولدت – يعني عائشة – بعد المبعث بأربع سنين أو خمس " انتهى .
" الإصابة " (8/16) .
وعليه يكون عمرها عام الهجرة ثماني سنين أو تسع سنين ، وهذا ما يتفق مع حديثها السابق عن نفسها .

7- وقد اتفقت المصادر التاريخية أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وعائشة عمرها (18) سنة ، فتكون في أول الهجرة لها (9) سنوات .

8- كما تروي كتب السيرة والتاريخ والتراجم أن عائشة رضي الله عنها ماتت وعمرها (63) سنة ، وذلك عام (57هـ) ، فيكون عمرها قبل الهجرة (6) سنوات ، فإذا جبرت الكسور – كما هي عادة العرب في حساب السنين - أنهم يجبرون كسور السنة الأولى والأخيرة ، فيكون عمرها عام الهجرة (8) سنوات ، ويكون عمرها عند زواج النبي صلى الله عليه وسلم منها بعد الهجرة بثمانية أشهر (9) سنوات .

9- وما سبق يتوافق أيضا مع ما ينقله العلماء عن الفرق بين عمر أسماء بنت أبي بكر ، وعائشة رضي الله عنها ، فقد قال الذهبي رحمه الله : " وكانت – يعني أسماء - أسن من عائشة ببضع عشرة سنة " انتهى . " سير أعلام النبلاء " (2/188) .

وعائشة ولدت بعد المبعث بأربع أو خمس سنين ، وقد قال أبو نعيم في " معجم الصحابة " عن أسماء أنها ولدت : " قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين " انتهى .

فيكون الفرق بين عمر عائشة وأسماء أربع عشرة أو خمس عشرة سنة . وهو قول الذهبي السابق : " كانت – يعني أسماء – أسن من عائشة ببضع عشرة سنة " .

10- ونحن وإن كنا ننقل هذه الأرقام المثبتة في كتب السيرة والتاريخ والتراجم ، غير أن اعتمادنا في الأساس على ما ينقل بالسند الصحيح ، وليس ما نجده في الكتب منقولاً من غير سند ، ولكن هذه النقول كلها جاءت متوافقة مع ما ذكرناه في بداية الجواب من أحاديث بأسانيد صحيحة كالشمس ، ولذلك أوردنا ما يؤيدها من كتب التاريخ .

ثانياً :

أما الجواب عن استدلال كاتب المقال المتعدي بما ورد في بعض المراجع أن الفرق بين سن أسماء وعائشة عشر سنين فنقول :
إن ذلك لم يثبت من حيث السند ، ولو ثبت سنده فيمكن فهمه بما يتوافق مع الأدلة القطعية السابقة .

أما من حيث السند ، فقد ورد ذلك عن عبد الرحمن بن أبي الزناد أنه قال : ( كانت أسماء بنت أبي بكر أكبر من عائشة بعشر سنين ) .

وردت هذه الرواية من طريقين عن الأصمعي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد :

الطريق الأول : رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (69/10) قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المالكي ، أنا أحمد بن عبد الواحد السلمي ، أنا جدي أبو بكر ، أنا أبو محمد بن زبر ، نا أحمد بن سعد بن إبراهيم الزهري ، نا محمد بن أبي صفوان ، نا الأصمعي ، عن ابن أبي الزناد قال : فذكره .

والطريق الثاني : رواه ابن عبد البر في " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " (2/616) قال : أخبرنا أحمد بن قاسم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا إبراهيم بن موسى بن جميل ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا نصر بن علي ، حدثنا الأصمعي قال : حدثنا ابن أبي الزناد ، قال : قالت أسماء بنت أبي بكر ، وكانت أكبر من عائشة بعشر سنين أو نحوها .

وإذا تأمل الباحث المنصف في هذا الأثر ظهر له أن الأخذ بظاهره وهدم جميع ما ثبت من أدلة بخلافه جناية على العلم والتحقيق ، وذلك لما يلي :

1- انفراد عبد الرحمن بن أبي الزناد (100هـ - 174هـ) بتحديد الفرق بين عمري أسماء وعائشة رضي الله عنهما بعشر سنين ، وأما الأدلة السابقة فهي أدلة كثيرة جاءت عن غير واحد من التابعين ، ومعلوم أن الكثرة تقدم على القلة .

2- تضعيف أكثر أهل العلم لعبد الرحمن بن أبي الزناد نفسه : فقد جاء في ترجمته في " تهذيب التهذيب " (6/172) قول الإمام أحمد فيه : مضطرب الحديث . وقول ابن معين : ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث . وقول علي بن المديني : ما حدث بالمدينة فهو صحيح ، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون ، ورأيت عبد الرحمن - يعنى ابن مهدى - خطط على أحاديث عبد الرحمن بن أبى الزناد ، وكان يقول فى حديثه عن مشيختهم ، ولقنه البغداديون عن فقهائهم ، عدهم ، فلان وفلان وفلان . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال النسائي : لا يحتج بحديثه . وقال أبو أحمد بن عدى : وبعض ما يرويه ، لا يتابع عليه .

أما توثيق الترمذي له في سننه تحت حديث رقم : (1755) فهو معارض بالجرح المفسر السابق ، وهو مقدم على التعديل ، خاصة حين ينفرد عبد الرحمن بن أبي الزناد بكلمة يخالف فيها المعروف في كتب السنة والتاريخ .

3- قوله في رواية ابن عبد البر : ( وكانت أكبر من عائشة بعشر سنين أو نحوها )، وهذه الرواية أصح من رواية ابن عساكر ، لأن نصر بن علي الراوي عن الأصمعي في سند ابن عبد البر ثقة حافظ كما في " تهذيب التهذيب " (10/431) ، أما محمد بن أبي صفوان الراوي عن الأصمعي في سند ابن عساكر لم يوثقه أحد .

فقوله في رواية ابن عبد البر ( أو نحوها ) دليل على أنه لم يضبط التحديد بعشر سنوات ، وهذا يضعف روايته ، ولا يجيز للباحث المنصف رد الأدلة السابقة لأجل هذا الشك .

4- ثم إن من الممكن التوفيق بين هذه الرواية وباقي الروايات بأن يقال : إن مولد أسماء كان قبل البعثة بست سنوات أو خمس سنوات ، وعائشة بعد البعثة بأربع سنوات أو خمس سنوات ، ولما توفيت أسماء عام (73هـ) كان عمرها إحدى وتسعين سنة أو اثنتين وتسعين سنة ، وهو ما ذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (3/380) : " قال ابن أبي الزناد : كانت أكبر من عائشة بعشر سنين . قلت – أي الذهبي - : فعلى هذا يكون عمرها إحدى وتسعين سنة ، وأما هشام بن عروة فقال : عاشت مائة سنة ولم يسقط لها سن" انتهى .

5- كما يحتمل أن يقال إن أسماء ولدت قبل البعثة بنحو أربع عشرة سنة – وذلك ما يقرره الكاتب نفسه في مقاله السابق - وكان عمرها عام الهجرة سبعة وعشرين عاما، وعمرها عند وفاتها عام (73هـ) مائة سنة ، ليتفق ذلك مع ما اتفقت عليه المصادر التاريخية بالنسبة لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، أن وفاتها في العام الذي قتل فيه ابنها عبد الله بن الزبير (73هـ) ، وأنها توفيت وعمرها مائة عام : قال هشام بن عروة عن أبيه : بلغت أسماء مائة سنة لم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل .

وهذه أسماء المراجع التي ذكرت ذلك : " حلية الأولياء " (2/56) ، و" معجم الصحابة " لأبي نعيم الأصبهاني ، " الاستيعاب " لابن عبد البر (4/1783)، " تاريخ دمشق " لابن عساكر (69/8)، " أسد الغابة " لابن الأثير (7/12) ، " الإصابة " لابن حجر (7/487)، " تهذيب الكمال " (35/125)

أما كونها ولدت قبل البعثة بعشر سنين فهذا إنما قاله أبو نعيم الأصبهاني، بعبارة يقول فيها :

" كانت – يعني أسماء - أخت عائشة لأبيها ، وكانت أسن من عائشة ، ولدت قبل التأريخ بسبع وعشرين سنة ، وقبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين ، وولدت ولأبيها الصديق يوم ولدت أحد وعشرون سنة ، توفيت أسماء سنة ثلاث وسبعين بمكة بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير بأيام ، ولها مائة سنة وقد ذهب بصرها " انتهى .

فكأن أبا نعيم يقصد أن مدة الفترة المكية بلغت (17) عاما ، وهذا قول بعض أهل السيرة ، وهو قول ضعيف ، ولكن ينبغي التنبه له عند محاولة فهم كلام أبي نعيم .

وانظر في حكمة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رغم فارق السن جواب رقم : (44990) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 14:53
لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم
لمجرد التمتع بما أحل الله له

السؤال :

هل تزوج النبي صلى الله عليه وسلم لغرضين: أحدهما: مصلحة الدعوة، والثاني: التمشي مع ما فطره الله عليه من التمتع بما أحل الله له؟

الجواب:

الحمد لله

"من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم بَشَر ، أكرمه الله تعالى بالنبوة والرسالة إلى الناس كافة، وأن اتصافه بما تقتضيه الطبيعة البشرية من الحاجة إلى الأكل، والشرب، والنوم، والبول، والغائط ومدافعة البرد، والحر، والعدو، ومن التمتع بالنكاح، وأطايب المأكول والمشروب وغيرها من مقتضيات الطبيعة البشرية لا يقدح في نبوته ورسالته، بل قد قال الله له: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الأنعام/50 ، وقال هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون).

وانتفاء علم الغيب، وطرو النسيان على العلم قصور في مرتبة العلم من حيث هو علم، لكن لما كان من طبيعة البشر الذي خلقه الله ضعيفاً في جميع أموره، لم يكن ذلك قصوراً في مقام النبوة، ونقصاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا ريب أن شهوة النكاح من طبيعة الإنسان ، فكمالها فيه من كمال طبيعته، وقوتها فيه تدل على سلامة البنية واستقامة الطبيعة، ولهذا ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ( كنا نتحدث أنه ـ يعني : النبي صلى الله عليه وسلم ـ أعطي قوة ثلاثين) .

يعني على النساء، وهذا والله أعلم، ليتمكن من إدراك ما أحل الله منهن بلا حصر ولا مهر، ولا ولي، فيقوم بحقوقهن، ويحصل بكثرتهن ما حصل من المصالح العظيمة الخاصة بهن والعامة للأمة جميعاً، ولولا هذه القوة التي أمده الله بها ما كان يدرك أن يتزوج بكل هذا العدد، أو يقوم بحقهن من الإحصان والعشرة.

ولو فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة لمجرد قضاء الوطر من الشهوة والتمشي مع ما تقتضيه الفطرة بل الطبيعة لم يكن في ذلك قصور في مقام النبوة، ولا نقص في حقه صلى الله عليه وسلم ، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع: لمالها ، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين). بل قد قال الله له: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) الأحزاب/51.

لكننا لا نعلم حتى الآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة لمجرد قضاء الوطر من الشهوة، ولو كان كذلك لاختار الأبكار الباهرات جمالاً، الشابات سنّاً، كما قال لجابر رضي الله عنه حين أخبره أنه تزوج ثيباً، قال : (فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) ؟ . وفي رواية : (وتضاحكها وتضاحكك) . وفي رواية : (مالك وللعذارى ولعابها)، رواه البخاري، وإنما كان زواجه صلى الله عليه وسلم إما تأليفاً، أو تشريفاً، أو جبراً أو مكافأة، أو غير ذلك من المقاصد العظيمة. وقد أجملها في "فتح الباري" (9/115) حيث قال: "والذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النساء عشرة أوجه:

أحدها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك.

ثانيها: لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.

ثالثها: الزيادة في تألفهم لذلك.

رابعها: الزيادة في التكليف ، حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ.

خامسها: لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزداد أعوانه على من يحاربه.

سادسها: نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال، لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.

سابعها: الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة. فقد تزوج أم حبيبة وأبوها يعاديه، وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكملَ الخَلْق في خُلُقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن.

ثامنها: ما تقدم مبسوطاً من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب، وكثرة الصيام والوصال. وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته، فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم .

تاسعها وعاشرها: ما تقدم عن صاحب الشفاء من تحصينهن والقيام بحقوقهن" اهـ .

قلت (ابن عثيمين) : الثامنة حاصلة لأن الله أعطاه قوة ثلاثين رجلاً كما سبق.

وثَمَّ وجه حادي عشر: وهو إظهار كمال عدله في معاملتهن ، لتتأسى به الأمة في ذلك.

وثاني عشر: كثرة انتشار الشريعة ، فإن انتشارها من عدد أكثر من انتشارها من واحدة.

وثالث عشر: جبر قلب من فات شرفها ، كما في صفية بنت حيي وجويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق.

ورابع عشر: تقرير الحكم الشرعي وانتشال العقيدة الفاسدة التي رسخت في قلوب الناس من منع التزوج بزوجة ابن التبني، كما في قصة زينب ، فإن اقتناع الناس بالفعل أبلغ من اقتناعهم بالقول، وانظر اقتناع الناس بحلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في الحديبية ومبادرتهم بذلك حين حلق بعد أن تباطؤوا في الحلق مع أمره لهم به.

وخامس عشر: التأليف وتقوية الصلة ، كما في أمر عائشة وحفصة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شد صلته بخلفائه الأربعة عن طريق المصاهرة، مع ما لبعضهم من القرابة الخاصة، فتزوج ابنتي أبي بكر وعمر ، وزَوَّج بناته الثلاث بعثمان وعلي رضي الله عن الجميع ، فسبحان من وهب نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الحكم، وأمده بما يحققها قدراً وشرعاً، فأعطاه قوة الثلاثين رجلاً، وأحل له ما شاء من النساء يرجي من يشاء منهن، ويؤوي إليه من يشاء، وهو سبحانه الحكيم العليم.

وأما عدم تزوجه بالواهبة نفسها، فلا يدل على أنه تزوج من سواها لمجرد الشهوة، وقضاء وطر النكاح.

وأما ابنة الجون فلم يعدل عن تزوجها بل دخل عليها وخلا بها، ولكنها استعاذت بالله منه، فتركها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( لقد عذت بعظيم فالحقي بأهلك) . ولكن هل تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد جمالها وقضاء وطر النكاح أو لأمر آخر؟ إن كان لأمر آخر سقط الاستدلال به على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتزوج لمجرد قضاء الوطر، وإن كان لأجل قضاء الوطر فإن من حكمة الله تعالى أن حال بينه وبين هذه المرأة بسبب استعاذتها منه.

وأما سودة رضي الله عنها فقد خافت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم لكبر سنها فوهبت يومها لعائشة، وخوفها منه لا يلزم منه أن يكون قد هم به. وأما ما روي أنه طلقها بالفعل فضعيف لإرساله.

وأما زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب فليس لجمالها بل هو لإزالة عقيدة سائدة بين العرب، وهي امتناع الرجل من تزوج مفارقة من تبناه، فأبطل الله التبني وأبطل الأحكام المترتبة عليه عند العرب، ولما كانت تلك العقيدة السائدة راسخة في نفوس العرب كان تأثير القول في اقتلاعها بطيئاً، وتأثير الفعل فيها أسرع

فقيض الله سبحانه بحكمته البالغة أن يقع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في تزوجه بمفارقة مولاه زيد بن حارثة الذي كان تبناه من قبل ليطمئن المسلمون إلى ذلك الحكم الإلهي، ولا يكون في قلوبهم حرج منه، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحكمة بقوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) الأحزاب/37

ثم تأمل قوله تعالى : (زَوَّجْنَاكَهَا). فإنه يشعر بأن تزويجها إياه لم يكن عن طلب منه، أو تشوف إليه، وإنما هو قضاء من الله لتقرير الحكم الشرعي وترسيخه وعدم الحرج منه ، وبهذا يعرف بطلان ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى زيداً ذات يوم لحاجة فرأى زينب فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال: (سبحان الله مقلب القلوب). فأخبرت زينب زيداً بذلك ففطن له فكرهها وطلقها بعد مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (أمسك عليك زوجك واتق الله). فهذا الأثر باطل مناقض لما ذكر الله تعالى

من الحكمة في تزويجها إياه، وقد أعرض عنه ابن كثير رحمه الله فلم يذكره، وقال: أحببنا أن نضرب عنها أي عن الآثار الواردة عن بعض السلف صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها، ويدل على بطلان هذا الأثر أنه لا يليق بحال الأنبياء فضلاً عن أفضلهم وأتقاهم لله عز وجل وما أشبه هذه القصة بتلفيق قصة داود عليه الصلاة والسلام، وتحيله علي التزوج بزوجة من ليس له إلا زوجة واحدة، على ما ذكر في بعض كتب التفسير عند قوله تعالى: (وهل أتاك نبأ الخصم) ... إلى آخر القصة فإن من علم قدر الأنبياء وبعدهم عن الظلم والعدوان والمكر والخديعة علم أن هذه القصة مكذوبة على نبي الله داود عليه الصلاة والسلام.

والحاصل : أنه وإن جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج لمجرد قضاء الوطر من النكاح وجمال المرأة وأن ذلك لا يقدح في مقامه، فإننا لا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج زواجاً استقرت به الزوجة وبقيت معه من أجل هذا الغرض. والله أعلم" انتهى .

"المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين" (3/79-86) .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 14:56
حكم جعل مدح النبي صلى الله عليه وسلم تجارة

السؤال :

ما حكم جعل مدح النبي صلى الله عليه وسلم تجارة ؟

الجواب:

الحمد لله

"حكم هذا محرم، ويجب أن يعلم بأن المديح للنبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى قسمين :

أحدهما : أن يكون مدحاً فيما يستحقه صلى الله عليه وسلم بدون أن يصل إلى درجة الغلو ، فهذا لا بأس به ، أي : لا بأس أن يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو أهله ، من الأوصاف الحميدة الكاملة في خلقه وهديه صلى الله عليه وسلم.

والقسم الثاني: من مديح الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يخرج بالمادح إلى الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله) . فمن مدح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه غياث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وأنه مالك الدنيا والآخرة، وأنه يعلم الغيب وما شابه ذلك من ألفاظ المديح فإن هذا القسم محرم ، بل قد يصل إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة، فلا يجوز أن يمدح الرسول، عليه الصلاة والسلام، بما يصل إلى درجة الغلو لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

ثم نرجع إلى اتخاذ المديح الجائز حرفة يكتسب بها الإنسان فنقول أيضاً : إن هذا حرام ولا يجوز ، لأن مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بما يستحق وبما هو أهل له صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق والصفات الحميدة ، والهدي المستقيم مدحه بذلك من العبادة التي يتقرب بها إلى الله ، وما كان عبادة فإنه لا يجوز أن يتخذ وسيلة إلى الدنيا ، لقول الله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هود/15، 16. والله الهادي إلى سواء الصراط" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/258) .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 14:59
الحكمة من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم
بأكثر من أربع نساء

السؤال :

لماذا تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم مجموعة من النساء؟

الجواب:

الحمد لله

"لله الحكمة البالغة، ومن حكمته: أنه سبحانه أباح للرجال في الشرائع السابقة وفي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يجمع في عصمته أكثر من زوجة، فلم يكن تعدد الزوجات خاصا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان ليعقوب عليه الصلاة والسلام زوجتان، وجمع سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام بين مائة امرأة إلا واحدة، وطاف عليهن في ليلة واحدة؛ رجاء أن يرزقه الله من كل واحدة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله.

وليس هذا بدعا في التشريع، ولا مخالفا للعقل، ولا لمقتضى الفطرة، بل هو مقتضى الحكمة، فإن النساء أكثر من الرجال حسب ما دل عليه الإحصاء المستمر، وإن الرجل قد يكون لديه من القوة ما يدعوه إلى أن يتزوج أكثر من واحدة لقضاء وطره في الحلال بدلا من قضائه في الحرام، أو كبت نفسه

وقد يعتري المرأة من الأمراض أو الموانع؛ كالحيض والنفاس، ما يحول بين الرجل وبين قضاء وطره معها، فيحتاج إلى أن يكون لديه زوجة أخرى يقضي معها وطره بدلا من الكبت، أو ارتكاب الفاحشة، وإذا كان تعدد الزوجات مباحا ومستساغا عقلا وفطرة وشرعا، وقد وجد العمل به في الأنبياء السابقين، وقد توجبه الضرورة، أو تستدعيه الحاجة أحيانا، فلا عجب أن يقع ذلك من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وهناك حكم أخرى لجمعه بين زوجات، ذكرها العلماء

منها: توثيق العلاقات بينه وبين بعض القبائل، وتقوية الروابط عسى أن يعود ذلك على الإسلام بالقوة، ويساعد على نشره؛ لما في المصاهرة من زيادة الألفة، وتأكيد أواصر المحبة والإخاء.

ومنها: إيواء بعض الأرامل وتعويضهن خيرا مما فقدن، فإن في ذلك تطييبا للخواطر، وجبرا للمصائب، وشرع سنة للأمة في نهج سبيل الإحسان إلى من أصيب أزواجهن في الجهاد ونحوه.

ومنها: رجاء زيادة النسل؛ مسايرة للفطرة، وتكثيرا لسواد الأمة، ودعما لها بمن يؤمل أن ينهض بها في نصر الدين ونشره.

ومنها: تكثير المعلمات والموجهات للأمة مما تعلمنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمنه من سيرته الداخلية.
وليس الداعي إلى جمعه صلى الله عليه وسلم مجرد الشهوة؛ لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا ولا صغيرة إلا عائشة رضي الله عنها وبقية نسائه ثيبات، ولو كانت شهوته تحكمه، والغريزة الجنسية هي التي تدفعه إلى كثرة الزواج وتصرفه- لتخير الأبكار الصغيرات، لإشباع غريزته، وخاصة بعد أن هاجر وفتحت الفتوح، وقامت دولة الإسلام، وقويت شوكة المسلمين، وكثر سوادهم، ومع رغبة كل أسرة في أن يصاهرها

وحبها أن يتزوج منها، ولكنه لم يفعل، إنما كان يتزوج لمناسبات كريمة، ودواع سامية، يعرفها من تتبع ظروف زواجه بكل واحدة من نسائه.

وأيضا : لو كان شهوانيا لعرف ذلك في سيرته أيام شبابه وقوته يوم لم يكن عنده إلا زوجته الكريمة خديجة بنت خويلد وهي تكبره سنا، ولعرف عنه الانحراف والجور في قسمه بين نسائه وهن متفاوتات في السن والجمال، ولكنه لم يعرف عنه إلا كمال العفة والأمانة في عرضه وصيانته لنفسه، وحفظه لفرجه في شبابه وكبر سنه، مما يدل على كمال نزاهته، وسمو خلقه، واستقامته في جميع شؤونه، حتى عرف بذلك، واشتهر بين أعدائه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود ، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/171-173) .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 15:02
حديث المرأة التي رغبت عن اقتراب
رسول الله صلى الله عليه وسلم منها

السؤال

لدي استفسار بخصوص حديث من أحاديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام : لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة الجون ، ودنا منها ، قالت : أعوذ بالله منك . فقال : لقد عذت بعظيم , الحقي بأهلك . فما صحة هذا الحديث ؟ وما سبب تعوذها من الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تعلم بأنه رسول الله ؟

وهل الرسول صلى الله عليه وسلم طلقها مِن تعوذها فقط ، أم هناك حكم أخرى ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

هذه القصة صحيحة ، وردت في أحاديث عدة وسياقات يكمل بعضها بعضا :

فروى البخاري رحمه الله في صحيحه (5254) عن الإمام الأوزاعي قَالَ : سَأَلْتُ الزُّهْرِي أَي أَزْوَاجِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ ؟

قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : ( أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ . فَقَالَ لَهَا : لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ ، الْحَقِى بِأَهْلِكِ ) .

وروى البخاري أيضا في صحيحه (5255) عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ رضى الله عنه قَالَ :

( خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ الشَّوْطُ ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ ، فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اجْلِسُوا هَا هُنَا . وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِىَ بِالْجَوْنِيَّةِ ، فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتٍ أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ ، وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : هَبِي نَفْسَكِ لِي .

قَالَتْ : وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ . قَالَ : فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ . فَقَالَتْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ . فَقَالَ : قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ . ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : يَا أَبَا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا )

وروى أيضا رحمه الله (رقم/5256) عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِى أُسَيْدٍ قَالاَ : ( تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ ) ثياب من كتان بيض طوال.

وروى أيضا رحمه الله (رقم/5637) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضى الله عنه قَالَ :

( ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ، فَقَدِمَتْ فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَهَا ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا ، فَلَمَّا كَلَّمَهَا النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ. فَقَالَ : قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّى . فَقَالُوا لَهَا : أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَتْ : لاَ . قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ لِيَخْطُبَكِ . قَالَتْ : كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ . فَأَقْبَلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، ثُمَّ قَالَ : اسْقِنَا يَا سَهْلُ . فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا الْقَدَحِ فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ ، فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ . قَالَ : ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ ) ورواه مسلم أيضا (2007)، الأجم : الحصون .

ثانيا :

اختلف العلماء في اسم هذه المرأة على أقوال سبعة ، ولكن الراجح منها عند أكثرهم هو : " أميمة بنت النعمان بن شراحيل " كما تصرح رواية حديث أبي أسيد . وقيل اسمها أسماء .

ثالثا :

لماذا استعاذت المرأة الجونية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

يمكن توجيه ذلك ببعض الأجوبة الآتية :

1- قد يقال إنها لم تكن تَعرِفُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، بدليل الرواية الأخيرة من الروايات المذكورة أعلاه ، وفيها : (. فَقَالُوا لَهَا : أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَتْ : لاَ . قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ لِيَخْطُبَكِ . قَالَتْ : كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ )

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وقال غيره : يحتمل أنها لم تعرفه صلى الله عليه وسلم ، فخاطبته بذلك .

وسياق القصة من مجموع طرقها يأبى هذا الاحتمال .

نعم سيأتي في أواخر الأشربة من طريق أبي حازم ، عن سهل بن سعد – فذكر الرواية الأخيرة ، ثم قال : –

فإن كانت القصة واحدة فلا يكون قوله في حديث الباب : ( ألحقها بأهلها ) ، ولا قوله في حديث عائشة : ( الحقي بأهلك ) تطليقا ، ويتعين أنها لم تعرفه .

وإن كانت القصة متعددة – ولا مانع من ذلك – فلعل هذه المرأة هي الكلابية التي وقع فيها الاضطراب " انتهى.

"فتح الباري" (9/358)

2- ويذكر بعض أهل العلم أن سبب استعاذتها من النبي صلى الله عليه وسلم ما غرها به بعض أزواجه صلى الله عليه وسلم ، حيث أوهموها أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب هذه الكلمة ، فقالتها رغبة في التقرب إليه ، وهي لا تدري أن النبي صلى الله عليه وسلم سيعيذها من نفسه بالفراق إن سمعها منه .

جاء ذلك من طرق ثلاثة :

الطريق الأولى :

يرويها ابن سعد في "الطبقات" (8/143-148)، والحاكم في "المستدرك" (4/39)، من طريق محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف في الحديث .

والطريق الثانية :

يرويها ابن سعد في الطبقات (8/144) بسنده عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: (الجونية استعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لها : هو أحظى لك عنده . ولم تستعذ منه امرأة غيرها ، وإنما خدعت لما رؤي من جمالها وهيئتها ، ولقد ذكر لرسول الله من حملها على ما قالت لرسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهن صواحب يوسف ).

الطريق الثالثة :

رواها ابن سعد أيضا في "الطبقات" (8م145) قال : أخبرنا هشام بن محمد بن السائب ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن بن عباس قال : ( تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان ، وكانت من أجمل أهل زمانها وأشبهم ، قال فلما جعل رسول الله يتزوج الغرائب قالت عائشة : قد وضع يده في الغرائب يوشكن أن يصرفن وجهه عنا . وكان خطبها حين وفدت كندة عليه إلى أبيها ، فلما رآها نساء النبي صلى الله عليه وسلم حسدنها ، فقلن لها : إن أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه إذا دخل عليك . فلما دخل وألقى الستر مد يده إليها ، فقالت : أعوذ بالله منك . فقال: أمن عائذ الله ! الحقي بأهلك )

وروى أيضا قال : أخبرنا هشام بن محمد ، حدثني ابن الغسيل ، عن حمزة بن أبي أسيد الساعدي ، عن أبيه - وكان بدريا – قال : ( تزوج رسول الله أسماء بنت النعمان الجونية ، فأرسلني فجئت بها ، فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة : اخضبيها أنت وأنا أمشطها ، ففعلن ، ثم قالت لها إحداهما : إن النبي، صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول أعوذ بالله منك . فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها فقالت : أعوذ بالله منك .فقال بكمه على وجهه فاستتر به وقال : عذت معاذا ، ثلاث مرات . قال أبو أسيد ثم خرج علي فقال : يا أبا أسيد ألحقها بأهلها ومتعها برازقيتين ، يعني كرباستين ، فكانت تقول : دعوني الشقية ) .

وهذه الطرق قد يعضد بعضها بعضا ويستشهد بمجموعها على أن لذلك أصلا .

3- وذكر آخرون من أهل العلم أن سبب استعاذتها هو تكبرها ، حيث كانت جميلة وفي بيت من بيوت ملوك العرب ، وكانت ترغب عن الزواج بمن ليس بِمَلِك ، وهذا يؤيده ما جاء في الرواية المذكورة أعلاه ، وفيها : ( فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : هَبِي نَفْسَكِ لِي . قَالَتْ : وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ . قَالَ : فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ . فَقَالَتْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ . فَقَالَ : قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ . ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : يَا أَبَا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا )

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" ( السُّوقة ) قيل لهم ذلك لأن الملك يسوقهم فيساقون إليه ، ويصرفهم على مراده ، وأما أهل السوق فالواحد منهم سوقي . قال ابن المنير : هذا من بقية ما كان فيها من الجاهلية ، والسوقة عندهم من ليس بملك كائنا من كان ، فكأنها استبعدت أن يتزوج الملكة من ليس بملك ، وكان صلى الله عليه وسلم قد خير أن يكون ملكا نبيا ، فاختار أن يكون عبدا نبيا ، تواضعا منه صلى الله عليه وسلم لربه ، ولم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بكلامها ، معذرة لها لقرب عهدها بجاهليتها " انتهى.

"فتح الباري" (9/358)

هذا ما تحصَّل ذكرُه من أسباب جاءت بها الروايات وكلام أهل العلم ، وكله يدل على كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، حيث لم يكن يرضى أن يتزوج مَن يشعر أنها لا ترغبه ، وكان يأبى صلى الله عليه وسلم أن يصيب أحدا من المسلمين بأذى في نفسه أو ماله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 15:07
نشيد : " طلع البدر علينا "

السؤال :

ما صحة النشيد المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم " طلع البدر علينا " ، وهل يجوز ترديده ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

ورد إنشاد هذه الأبيات - ذات المعاني الصادقة – في كتب السيرة ، وفي بعض كتب الأثر .
أما المأثور من ذلك فهو ما يرويه عبيد الله بن محمد بن عائشة رحمه الله (228هـ) قال :
"لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن :

طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ** ما دعا لله داع "

رواه أبو الحسن الخلعي في "الفوائد" (2/59) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (رقم/752 ، 2019) ، وعزاه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (7/261) لأبي سعيد في "شرف المصطفى" : جميعهم من طريق العلامة الأخباري الثقة أبو خليفة الفضل بن الحباب (ت 305هـ) ، انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (14/7) ، عن ابن عائشة به .

وهذا إسناد ضعيف ، فيه انقطاع كبير ؛ فإن ابن عائشة متأخر الوفاة ، وهو من شيوخ الإمام أحمد وأبي داود ، فكيف يروي حدثا من أحداث السيرة النبوية من غير إسناد .
ولهذا قال الحافظ العراقي رحمه الله : " معضل " انتهى .

"تخريج الإحياء" (1/571) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "

وهو سند معضل " انتهى .

"فتح الباري" (7/262) .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله

: " وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات ، لكنه معضل ، سقط من إسناده ثلاثة رواة أو أكثر ، فإن ابن عائشة هذا من شيوخ أحمد وقد أرسله... فالقصة برمتها غير ثابتة " انتهى باختصار .

"السلسلة الضعيفة" (2/63) .

وقد أعل العلامة ابنُ القيم أصل القصة التي تروي أن ذلك كان عند مقدمه من مكة إلى المدينة ، فقال : " هو وهم ظاهر ؛ لأن " ثنيات الوادع " إنما هي من ناحية الشام ، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة ، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام " انتهى .

"زاد المعاد" (3/551) .

ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك " انتهى .

"فتح الباري" (7/262) .

غير أن هذه العلة غير مسلمة ، فقد اشتهر عند رواة هذه القصة أنها حصلت حين مقدم النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ، كما قال الإمام البيهقي رحمه الله : " هذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة ، لا أنه لما قدم المدينة من ثنية الوداع عند مقدمه من تبوك " انتهى .

"دلائل النبوة" .

وقد ذكر كثير من المؤرخين أن ثنية الوداع من جهة مكة ، وأنها قد تكون هناك ثنية أخرى من جهة الشام بالاسم نفسه .
كما ذكر آخرون أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة مر بدور الانصار ، حتى مر ببني ساعدة ، ودارهم شامي المدينة قرب ثنية الوداع ، فلم يدخل باطن المدينة إلا من تلك الناحية حتى أتى منزله بها .

انظر: "معجم البلدان" ياقوت الحموي (2/86) ، "طرح التثريب" للعراقي (7/239-240) ، "سبل الهدى والرشاد" للصالحي الشامي (3/277) ، و"الأثر المقتفى لقصة هجرة المصطفى" أبو تراب الظاهري (ص/155-162) .

ثانيا :

ضعف سند هذه الأبيات لا يعني عدم جواز ذكرها أو حكايتها أو إنشادها ، فمعانيها صحيحة حسنة ، وشهرتها بين المسلمين شهرة ذائعة واسعة ، وليس فيها شيء منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يُتشدد في إسنادها ، إنما هي من كلام الصحابة رضوان الله عليهم .

وقد ذهب عامة أهل العلم إلى التساهل والتخفيف في مرويات السيرة ، والقصص ، وأقوال الصحابة والتابعين التي لا ينبني عليها عقيدة أو شريعة ، جاء في "شرح علل الترمذي" (1/372) للحافظ ابن رجب رحمه الله : " يقول سفيان الثوري رحمه الله :

لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ .

وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي نا عبدة قال :

قيل لابن المبارك - وروى عن رجل حديثاً - فقيل : هذا رجل ضعيف ! فقال : يحتمل أن يروي عنه هذا القدر أو مثل هذه الأشياء .

قلت لعبدة : مثل أي شئ كان ؟ قال : في أدب في موعظة في زهد .
وقال ابن معين في موسى بن عيينة : يُكتب من حديثه الرقاق .

وقال ابن عيينة : لا تسمعوا من بقية – اسم واحد من الرواة - ما كان في سُنَّة ، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره .
وقال أحمد في ابن إسحاق : يكتب عنه المغازي وشبهها .

وقال ابن معين في زيادٍ البكائي : لا بأس في المغازي ، وأما في غيرها فلا " انتهى .

ولا شك أن هذه الأبيات مِن أَوْلى ما يستحق التسمح في حكايته وروايته .

يقول الدكتور أكرم ضياء العمري :

" أما اشتراط الصحة الحديثية في قبول الأخبار التاريخية التي لا تمس العقيدة والشريعة ففيه تعسف كثير ، والخطر الناجم عنه كبير ؛ لأن الروايات التاريخية التي دونها أسلافنا المؤرخون لم تُعامل معاملة الأحاديث ، بل تم التساهل فيها ، وإذا رفضنا منهجهم فإن الحلقات الفارغة في تاريخنا ستمثل هوّة سحيقة بيننا وبين ماضينا مما يولد الحيرة والضياع والتمزق والانقطاع .. لكن ذلك لا يعني التخلي عن منهج المحدثين في نقد أسانيد الروايات التاريخية

فهي وسيلتنا إلى الترجيح بين الروايات المتعارضة ، كما أنها خير معين في قبول أو رفض بعض المتون المضطربة أو الشاذة عن الإطار العام لتاريخ أمتنا ، ولكن الإفادة منها ينبغي أن تتم بمرونة ، آخذين بعين الاعتبار أن الأحاديث غير الروايات التاريخية ، وأن الأولى نالت من العناية ما يمكنها من الصمود أمام قواعد النقد الصارمة " انتهى .

"دراسات تاريخية" (ص/27) .

فالخلاصة أنه لا حرج في إنشاد هذه الأبيات ، والاستئناس بها ، وحفظها ، وتعليمها الأولاد الصغار ، وإن لم تثبت بالأسانيد الصحيحة ، فإن مثل هذه الأحداث تكفي روايتها وشهرتها بين أهل العلم ، ثم إن القصة لم تتضمن نسبة هذه الأبيات إلى معين من الصحابة ، وإنما تنسبها للنساء والصبيان والولائد [ يعني : الجواري الصغار ] ؛ فهذا أسهل لشأنها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 15:12
استشكل تزويج النبي صلى الله عليه وسلم
ابنتيه لابني أبي لهب وهو عدو الله !

السؤال :

ما الحكمة في أن الرسول صلى الله عليه وسلم زوَّج ابنتيه أبناء عدو الله أبي لهب ؟

ألم يكن أبو لهب عدواً للإسلام والمسلمين ؟

ألم يكن ابناه كافرين ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

بنات الرسول صلى الله عليه وسلم هنَّ : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، رضي الله عنهنَّ ، وهكذا هو ترتيبهنَّ .
قال أبو عمر بن عبد البر – رحمه الله - :

" والذي تسكن إليه النفس على ما تواترت به الأخبار ترتيب بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن زينب الأولى ، ثم الثانية رقية ، ثم الثالثة أم كلثوم ، ثم الرابعة فاطمة الزهراء " انتهى .

" الاستيعاب " ( ص 612 ) .

فأمَّا " رقية " : فقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد زوَّجها من " عتبة بن أبي لهب " .

وأما " أم كلثوم " - وهي أصغر من رقية - : فقد زوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم من " عتيبة بن أبي لهب " .

والذي جاء في " السير " أنهما طلقا بنتي النبي صلى الله عليه وسلم قبل دخولهما عليهما ، وذلك بأمرٍ من عدو الله أبي لهب ، وكان ذلك بعد نزول سورة " المسد " .

قال ابن عبد البر – رحمه الله - : " وقال مصعب وغيره من أهل النسب : كانت رقية تحت عتبة بن أبي لهب ، وكانت أختها أم كلثوم تحت عتبة بن أبي لهب ، فلما نزلت: ( تبت يدا أبي لهب ) : قال لهما أبوهما أبو لهب وأمهما حمالة الحطب : فارقا ابنتي محمد ، وقال أبو لهب : رأسي من رأسيكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد ، ففارقاهما " ا

نتهى ." الاستيعاب في معرفة الأصحاب " ( ص 594 ) .

ثم إن " عثمان بن عفان " تزوج " رقية " بمكة ، وهاجرت معه إلى الحبشة ، وولدت له هناك ولدًا فسماه‏ :‏ ‏"‏ عبد اللَّه‏ "‏ ، وكان عثمان يُكنى به .

ولما سار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى " بدر " في السنة الأولى للهجرة : كانت ابنته " رقية " مريضة بالحصبة ، فتخلَّف عليها عثمان بأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، ثم إنها ماتت بسببها في العام نفسه .

ثم زوَّج النبي صلى اللَّه عليه وسلم عثمان رضي الله عنه " أم كلثوم " ، وكان نكاحه إياها في ربيع الأول من سنة ثلاث ، وبنى بها في جمادى الآخرة من السنة ، ولم تلد منه ولداً ، وتوفيت سنة تسع ، وصلَّى عليها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم .

ثانياً :

أما استشكال تزوج ابني أبي لهب من بنات النبي صلى الله عليه وسلم : فليس له وجه ؛ وذلك أن تزوج المسلم بكافرة ، وتزويج المسلم لكافر : لم يكن محرما أول الأمر ، وإنما نزل تحريم ذلك متأخراً ، ولما أنزل الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الممتحنة/ 10 ، فارق المسلمون نساءهم الكافرات .

وتأصل المنع من ابتداء نكاح الكافرات في قوله تعالى ( وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ ) البقرة/ 221 ، ولم يُبح لهم من الكافرات ، إلا نساء أهل الكتاب من اليهوديات والنصرانيات فقط ، وقد وردت تلك الإباحة فيما بعد ، في قوله تعالى ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ

وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) المائدة/ 5 .

قال القرطبي – رحمه الله - :

" وكان الكفار يتزوجون المسلمات ، والمسلمون يتزوجون المشركات ، ثم نسخ ذلك في هذه الآية ، فطلق عمرُ بن الخطاب حينئذ امرأتين له بمكة مشركتين :

قريبة بنت أبي أمية ، فتزوجها معاوية بن أبي سفيان ، وهما على شركهما بمكة .
وأم كلثوم بنت عمرو الخزاعية - أم عبد الله بن المغيرة - ؛ فتزوجها أبو جهم بن حذافة وهما على شركهما "

انتهى ." تفسير القرطبي " ( 18 / 65 ) .

فالخلاصة :

1. كان زواج المسلم بالكافرة ، والمسلمة بالكافر مباحاً في أول الأمر .

2. كان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم لابني أبي لهب في أول الدعوة .

3. لمَّا أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة : اغتاظ أبو لهب فأساء للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعلن العداوة له ، فأنزل الله في حقه وحق زوجته سورة ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) ، فطلب أبو لهب وأم جميل من ابنيهما تطليق بنتي النبي صلى الله عليه وسلم .

4. كان الطلاق قبل الدخول ؛ غيظاً لأبي لهب ؛ وإكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم
.
5. كانت " زينب " ابنة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي العاص ، وفرَّق بينهما النبي صلى الله عليه وسلم بسبب كفره ، ثم لما أسلم : أرجع له النبي صلى الله عليه وسلم زوجته .

6. كان التزوج من كافرات ، وتزويج الكفار أمراً عامّاً ، فليس ثمة نص يمنع أحداً منه ، فلم يكن مجال لاستشكال الأمر عند من يعلم هذا .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 15:17
الرد على من زعم أن الإسراء والمعراج خرافة

السؤال

: لقد تجرأ أحد المتعالمين منا في ليبيا على حادثة الإسراء والمعراج ، فقال في مقالة نشرتها إحدى الصحف : إن حادثة المعراج هي محض خرافات ، ولا يمكن أن تحدث لبشر، واستدل بذلك بالآية الكريمة في سورة الإسراء التي يقول الله عزل وجل فيها : ( أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)الإسراء/93؛ فقال إن القرآن ينفي إمكانية رقي الرسول صلى الله عليه سلم للسماء

وقال : إن ذلك يخالف القران بنص الآية ، وأن المعراج مجرد رؤية مناميه واستدل بالآية : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ )الإسراء/60. وفي النهاية أقول لفضيلتكم : إن هذا الموضوع أدخل علي شبهة ، ولكني مؤمن بأنها معجزة ؛ أرجو الإجابة والتوضيح ، بحيث ينتفي التعارض بين الآية التي تنفي رقي البشر ، وبين معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ علما بأنني مؤمن بأنه لا تعارض في القرءان . أفيدونا جزاكم الله خيرا .

الجواب :

الحمد لله

أولا :

لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة ، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه ، قال الله سبحانه وتعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1 .

وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف ، حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه .

وقد اختلف الناس في الإسراء والمعراج ، فمنهم من قال : إنه كان مناما ، والصحيح أنه أسري وعرج به يقظة ؛ لأدلة كثيرة يأتي ذكرها .

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة : " والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى " انتهى .

وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" رحمه الله : " اختلف الناس في الإسراء :

فقيل : كان الإسراء بروحه ولم يُفْقد جسدُه ، نقله ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما ، ونقل عن الحسن البصري نحوه . لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال كان الإسراء مناما وبين أن يقال كان بروحه دون جسده ، وبينهما فرق عظيم ، فعائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا كان مناما ، وإنما قالا : أسري بروحه ولم يفقد جسده ، وفرق ما بين الأمرين أن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة ، فيرى كأنه قد عرج إلى السماء وذهب به إلى مكة

وروحه لم تصعد ولم تذهب ؛ وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال ، فما أرادا أن الإسراء كان مناما ، وإنما أرادا أن الروح ذاتها أسري بها ؛ ففارقت الجسد ثم عادت إليه ، ويجعلان هذا من خصائصه فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .

وقيل : كان الإسراء مرتين : مرة يقظة ، ومرة مناما ... ، وكذلك منهم من قال : بل كان مرتين : مرة قبل الوحي ومرة بعده ، ومنهم من قال : بل ثلاث مرات : مرة قبل الوحي ومرتين بعده ؛ وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة للتوفيق ، وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث ، وإلا فالذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة قبل الهجرة بسنة ، وقيل بسنة وشهرين ، ذكره ابن عبد البر ..
.
وكان من حديث الإسراء أنه أسري بجسده في اليقظة على الصحيح ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، راكبا على البراق صحبة جبرائيل عليه السلام ، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما ، وربط البراق بحلقه باب المسجد ، وقد قيل : إنه نزل بيت لحم وصلى فيه ، ولا يصح عنه ذلك ألبتة .

ثم عرج به من بيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبرائيل ففتح لهما ، فرأى هناك آدم أبا البشر ، فسلم عليه فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته ، ثم عرج به إلى السماء الثانية..."

إلى أن قال رحمه الله :

" ومما يدل على أن الإسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) الإسراء /1 ؛ والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح ، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ؛ هذا هو المعروف عند الإطلاق ، وهو الصحيح ؛ فيكون الإسراء بهذا المجموع ، ولا يمتنع ذلك عقلا ، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة ؛ وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر "

انتهى من "شرح الطحاوية" (1/245).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/33) :

" ثم اختلف الناس : هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه ، أو بروحه فقط ؟ على قولين ، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً ، ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً ، ثم رآه بعد يقظة ، لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، والدليل على هذا قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) الاسراء/ 1، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء

ولم يكن مستعظماً ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذبيه ، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم ، وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ، وقال تعالى : ( أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) وقال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) الاسراء /60، قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، رواه البخاري [ 2888 ] ، وقال تعالى :

( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم/17 ، والبصر من آلات الذات لا الروح .

وأيضاً فإنه حمل على البراق ، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن ، لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه ، والله أعلم " انتهى .

وقال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول" (3/1067) :

" ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة ، ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم : كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس ، شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا إلى آخر تكذيبهم واستهزاءهم به صلى الله عليه وسلم لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى ؛ لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد استبعاد لرؤياه

وإنما قص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرى حقيقة يقظة لا مناما فكذبوه واستهزؤوا به استبعاد لذالك واستعظاما له مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله عز وجل وأن الله يفعل ما يريد ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر قال : إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا وتصدقه بذلك ؟ قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرة وعشيا أو كما قال " انتهى .

وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه ( التنوير في مولد السراج المنير ) :

" وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذر ومالك بن صعصعة وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس ، وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرط وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين ، وعبد الله بن عمرو وجابر وحذيفة وبريدة ، وأبي أيوب وأبي أمامة وسمرة بن جندب وأبي الحمراء ، وصهيب الرومي وأم هانىء ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين

منهم من ساقه بطوله ، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة ، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون ، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " انتهى نقلا عن "تفسير ابن كثير" (3/36).

https://c.top4top.net/p_770amx871.gif (https://up.top4top.net/)

*عبدالرحمن*
2018-03-05, 15:19
ثانيا :

لا ينقضي العجب من هذا المسلك الذي سلكه الكاتب المذكور في الاستدلال ، فإنه اقتصر على ذكر مطلب واحد من مطالب الكفار ، فأوهم أن الجواب القرآني : (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) منصب على هذا المطلب

وهو الرقي في السماء ، وأن هذا يدل على عدم إمكانه . والحق أن هذا الجواب وارد على مجموع ما طلبه المشركون تعنتا وتفننا في الجحود والإنكار ، وإليك هذه المطالب كما بينها القرآن : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً *

أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) الاسراء/90- 93 فتأمل في هذه المطالب التي لا يحسن في جوابها إلا الجواب القرآني : ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً )
.
فهل بإمكان من هو بشر أن يفجر الأرض ، والأنهار ، ويسقط السماء ، ويأتي بالله ! وبالملائكة ! ويرقى في السماء فيأتي منها بكتاب موجه إلى كل كافر ! كما جاء في التفسير عن مجاهد وغيره ، وهو موافق لقوله تعالى : ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) المدثر /52 .

لا شك أن ذلك ليس من خصائص البشر ، ولا هو في إمكانهم ، فهذا الاستبعاد منصب على مجموع هذه المطالب ، لا على آحاد كل منها ، وإلا ففيها مطالب مما هو ممكن عادة ، فقد ثبت أن الماء نبع من بين أصبعيه الشريفتين صلى الله عليه وسلم ، كما في صحيح البخاري (3576) ، وغيره ، فكيف بتفجير نبع من الأرض ، ولا استحالة ـ

أيضا ـ في أن يكون له جنة من نخيل .. ، على نحو ما طلبوا ، إلا أن هؤلاء لم يكن له غرض في حصول هذه الأشياء حقيقة ، إنما هي من باب المبالغة في العناد ، والتعنت مع الرسول ، من أجل التمادي في طغيانهم .

قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

" ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة [ المبالغة في الخصومة ] وعناد ، أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة ( سبحان ربي) التي تستعمل في التعجب .. ثم بالاستفهام الإنكاري ، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصرا إضافيا ، أي لست ربا متصرفا أخلق ما يطلب مني ، فكيف آتي بالله والملائكة ، وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها " . انتهى .

"التحرير والتنوير" ( 15/210-211) .

ثالثا :

احرص على قلبك يا عبد الله ، وكن على دينك أحرص منك على الدرهم والدينار ؛ فلا تدع لشياطين الإنس والجن سبيلا أن يسترقوا اليقين من قلبك ، أو يزعزعوا الإيمان فيه ؛ وما دمت لم تحصل من العلم الشرعي ، ما يحصنك ضد شبهات المشككين ، ففر من هؤلاء ، ومجالسهم ، ومنتدياتهم ، ولا تسمع لزخارف قولهم ، فإنك لا تدري إذا نزلت الشبهة في قلبك متى تخرج منه ، وإذا عرضت الفتنة ، هل أنت ناج منها أم من المفتونين .

نسأل الله تعالى لنا ولجميع عباده الموحدين الهداية والتوفيق والسداد .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 02:44
اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

رعاية النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته
ببناته في حياتهن إلى بعد موتهن

السؤال

كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعامل بناته في الفترة قبل بلوغهن سن 17 ؟

الحمد لله

أولاً :

يصعب جداً معرفة كيفية معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لبناته في هذه الفترة من أعمارهن ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة رضي الله عنها وكان عمره 25 سنة ، وأوحي إليه وعمره أربعون سنة ، ثم ماتت خديجة رضي الله عنها بعد عشر سنوات من النبوة تقريباً .

وبنات النبي كلهن من خديجة رضي الله عنها [زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن] ، ومعنى ذلك أن أكثرهن بلغ هذه السن (أي : 17 سنة) في مكة ، ففاطمة رضي الله عنها وهي أصغرهن – على ما اختاره ابن عبد البر رحمه الله في "الاستيعاب" (4/178) – ولدت قبل المبعث بقليل ، وقد كان المسلمون في مكة قلة مضطهدين معذبين ، فلم يمكنهم في ذلك الوقت نقل أشياء تفصيلية عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، لا سيما ولم يكن متزوجاً في ذلك الوقت إلا بخديجة رضي الله عنها فقط ، وقد توفيت قبل الهجرة بسنوات .

ولكن يمكننا أن نتكلم عن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لبناته على سبيل العموم في هذه الفترة من أعمارهن وغيرها .

ثانياً :

مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة للمسلمين ، وحياته صلى الله عليه وسلم فيها نماذج عالية لكيفية تعامل الحكام مع شعوبهم ، وتعامل الأزواج مع زوجاتهم ، والآباء مع أولادهم وأحفادهم ، والدعاة مع المدعوين ، والعلماء مع طلاب العلم ، وتعامل القادة مع جنودهم ، وهكذا في جميع جوانب الدين ، والدنيا ، وقد قال الله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب/ 21 .

قال ابن كثير رحمه الله :

هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، في أقواله ، وأفعاله ، وأحواله ، ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ، في صبره ، ومصابرته ، ومرابطته ، ومجاهدته ، وانتظاره الفرج من ربه عز وجل ، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين .

" تفسير القرآن العظيم " ( 6 / 391 ) .

وأما بخصوص معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لبناته فقد كانت غاية في الرحمة والحكمة ، وقد كان له من البنات أربع ، وكلهن من خديجة رضي الله عنها ، وهنَّ : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، وكلهن أدركن الإسلام ، وأسلمن ، وكلهن توفين قبله إلا فاطمة ، فإنها تأخرت بعده بستة أشهر .

وتتمثل جوانب الرحمة والحكمة في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لهن في صور متعددة ، وأمثلة متنوعة ، منها :
1. دعوته لهنَّ للإسلام بالحسنى ، رحمةً بهن .

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قَالَ : (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ ، لاَ أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِى عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِى عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مالِي لاَ أُغْنِى عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) .

رواه البخاري ( 2602 ) ومسلم ( 206 ) .

قال ابن إسحاق :

وأما بناته : فكلهن أدركن الإسلام ، فأسلمن ، وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم .

" الروض الأنف " السهيلي ( 2 / 157 ) .

2. عنايته صلى الله عليه وسلم بهن في مرضهن حتى في أشد الأوقات .

فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج لبدر أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يبقى عند زوجته رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها كانت مريضة .

فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال : وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ – أي : عثمان بن عفان - عَنْ بَدْرٍ ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – وهي : رقية - وَكَانَتْ مَرِيضَةً ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ )

رواه البخاري ( 3495 ) .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 02:46
3. حسن الاستقبال والترحيب .

4. ائتمانهن على أسراره صلى الله عليه وسلم .

5. إدخال السرور على قلوبهن .

ويجمع ذلك كلَّه حديث صحيح :

عن عَائِشَة أُمِّ الْمُؤْمِنِيِنَ رضي الله عنها قَالَتْ : إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ جَمِيعًا لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام تَمْشِي ، لَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ : (مَرْحَبًا بِابْنَتِي) ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ، ثُمَّ سَارَّهَا ، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا ، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا : سَارَّهَا الثَّانِيَةَ ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ ، فَقُلْتُ لَهَا أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ : خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا ، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ

قَالَتْ : مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا : عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ الْحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي قَالَتْ : أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ ، فَأَخْبَرَتْنِي قَالَتْ : أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ (جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدْ اقْتَرَبَ فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ) قَالَتْ : فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ ، قَالَ : (يَا فَاطِمَةُ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ)

رواه البخاري (5928) ومسلم (2450) .

7. ومن عظيم عنايته وتربيته صلى الله عليه وسلم لبناته أن سارع بتزويجهن لمن رأى فيه رجاحة عقل ، أو دين متين ، فزوَّج زينبَ رضي الله عنها من أبي العاص بن الربِيع القرشي رضي الله عنه ، وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد .

وزوَّج النبي صلى الله عليه وسلم رقيةَ من عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فلما توفيت رقيةُ رضي الله عنها زوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم بأختها أم كلثوم .

وزوَّج فاطمةَ رضي الله عنها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

8. أمرهن بالحجاب والستر في اللباس .

وذلك استجابةً لأمر الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/ 59 .

9. حل مشكلاتهن بينهن وبين أزواجهن ، والتدخل للإصلاح .

فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ : (أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟) قَالَتْ : كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ شَيْءٌ ، فَغَاضَبَنِي ، فَخَرَجَ ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي [القيلولة هي النوم وسط النهار]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لإِنْسَانٍ : (انْظُرْ أَيْنَ هُوَ) ، فَجَاءَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُضْطَجِعٌ ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ : (قُمْ أَبَا تُرَابٍ ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ)

رواه البخاري (430) ومسلم (2409) .

10. رقة النبي صلى الله عليه وسلم لابنته الغائبة عنه ، والشفاعة في إطلاق زوجها المأسور عند المسلمين ، والاشتراط عليه إرسالها للمدينة .

وكل ذلك يدل على عطف النبي صلى الله عليه وسلم على بناته ، وشدة تعلقه بهن ، وهو مع هذا يريد لهن الخير والنجاة من بيئة الكفر خشية الافتتان ، ويحب لبناته ما يحببن لأنفسهن من الخير ، وخاصة إن تعلق الأمر بزوج لها ، أو ولد .

وكل ما سبق يجمعه حديث واحد صحيح :

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ ، قَالَتْ : فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً ، وَقَالَ : إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا ، فَقَالُوا : نَعَمْ

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ [موضع على مشارف مكة] حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا .

رواه أبو داود ( 2629 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله :

(رقَّ لها) أي : لزينب ، يعني : لغربتها ، ووحدتها ، وتذكر عهد خديجة ، وصحبتها ، فإن القلادة كانت لها ، وفي عنقها .

" عون المعبود العظيم " (7 / 254) .

11. المشاركة في عقيقة أولاده من بناته .

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا . رواه أبو داود (2841) ، وفي رواية النسائي (كبشين كبشين) وقال الشيخ الألباني عنها : إنها الأصح .

12. متابعة بناته رضي الله عنهن عند أزواجهن ، والتوجيه نحو عدم الركون لمتاع الدنيا .

عنْ علي رضي الله عنْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنْها شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ

فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْتُ لِأَقُومَ فَقَالَ : (عَلَى مَكَانِكُمَا) فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ : (أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ)

رواه البخاري (3502) ومسلم (2727) .

13. وتستمر عناية النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته ببناته حتى بعد وفاتهن ، وتمثل ذلك في :

أ. الاهتمام بغسلهن ووضع شيء من ثيابه مع إحداهن .

فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ ، فَقَالَ : (اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا ، أَوْ خَمْسًا ، أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكَ ، إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا ، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي) ، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ – أي : إزاره - فَقَالَ : (أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ)

رواه البخاري (1195) ومسلم (939) .

(أشعرنها) : هو من الإشعار ، وهو إلباس الثوب الذي يلي بشرة الإنسان ، ويسمَّى شعاراً لأنه يلامس شعر الجسد .
وابنته هي : زينب ، كما جاء مصرحاً به في رواية مسلم .

ب. شهود جنازتهن ، ودفنهن .

ولو أردنا الوقوف عند كل موقف لنبينا صلى الله عليه وسلم من المواقف السابقة لطال بنا المقام ، ولعلَّ السائل يرجع لكتب السيرة ، وشروح الأحاديث ، ويقف بنفسه على فوائد تلك المواقف ، وأهميتها في حياة المسلم أن يأتسي بها ، ويقتدي بهديها .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 02:52
كيف تكون العزة للمؤمنين ؟

السؤال

كيف تكون العزة للمؤمنين وهم الآن ضعفاء في العالم الذي فسد جوانبه وأوسطه ، والنصارى واليهود هم الذين يسيطرون في العالم كيف يشاؤون؟

الجواب

الحمد لله

"لا تحصل العزة للمؤمنين والنصر على الأعداء والتمكين في الأرض إلا بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والعمل بالإسلام والإيمان ظاهراً وباطناً ، وقد جاء في القرآن والسنة وعن السلف الصالح من الآثار ما فيه عظة وادِّكار ، قال الله تعالى : (بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) النساء/138، 139 وقال سبحانه : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج/40 ، 41

وقال جل وعلا : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) النور/55

وقال جل جلاله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7

إلى غيرها من الآيات الكريمات التي بينت ووضحت : أن تمكين المؤمنين وعزهم في هذه الحياة مشروط بقيامهم بما أوجب الله عليهم ، من توحيده وتعظيمه وإجلاله ، والعمل بكتابه واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ومحبة أولياء الله المؤمنين ، وبغض أعدائه من المنافقين والكافرين ، ومجاهدتهم ؛ لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا هي السفلى ، وغير ذلك من لوازم الإيمان .

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر أنه قال : ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن كل من خالف أمره فله نصيب من الذلة والصغار بحسب مخالفته ومعصيته ، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث : "ومن أعظم ما حصل به الذل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم : ترك ما كان عليه من جهاد أعداء الله

فمن سلك سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد عَزَّ ، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذَلَّ ، وقد سبق حديث : ( إذا تبايعتم بالعينة ، واتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ـ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه من رقابكم حتى تراجعوا دينكم ) .

فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة –حصل له الذل ، فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرمة ؟" انتهى كلامه رحمه الله .

ولقد عرف السلف الصالح من الصحابة ، ومن بعدهم هذه الحقيقة ، وهي : أن العزة في التمسك بالإسلام ، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، والاجتهاد في طاعة الله ورسوله ، والحذر من معصية الله ورسوله ، فصدرت منهم كلمات ، منها : ما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة من دونه أذلنا الله) ، وثبت عن أبي الدرداء رضي الله عنه

أنه لما فتح المسلمون قبرص وبكى أهلها وأظهروا من الحزن والذل ما أظهروا ، جلس أبو الدرداء رضي الله عنه يبكي ، فقال له جبير بن نفير : يا أبا الدرداء ، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال رضي الله عنه : (ويحك يا جبير ، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره ، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى) .

والحاصل :

أن على كل مسلم مسئولية تحقيق العزة للمؤمنين بحسب قدرته ، واستطاعته فيكون بنفسه قائماً بأمر الله تعالى ، عاملاً بالإسلام والإيمان ، ظاهراً وباطناً ناصحاً لإخوانه المسلمين ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، حتى تصلح أحوال المسلمين ، أو يلقى الله على تلك الحال ، وقد اتقاه حسب وسعه والله المستعان" انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/46) .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 02:54
تأثر النبي صلى الله عليه وسلم بالشاة
المسمومة التي أكلها في خيبر

السؤال

هناك شك عند البعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يكون مات مسموماً ، أو من أثر السم الذي قدمته له اليهودية ، فهل هذا صحيح ؟

الجواب

الحمد لله

"ثبت عند أهل العلم بأيام النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله وسيره أنه أكل من شاة مسمومة لامرأة من يهود خيبر ، ثم نطقت الذراع وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة ، فامتنع من الاستمرار في أكلها ، ولما كان في المرض الذي مات فيه كان يقول عليه الصلاة والسلام : ( يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر

فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم ) رواه البخاري في صحيحه ، فلا وجه للتشكيك في تأثير ذلك السم في جسده صلى الله عليه وسلم بعد ثبوته في الصحيح وغيره .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .

"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/36) .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 03:05
الجمع بين آية ( والله يعصمك من الناس )
وموته صلى الله عليه وسلم بالسم

السؤال

كيف نوفق بين الآية ( والله يعصمك من الناس ) أي : من القتل ، وبين الحديث الذي ترويه عائشة في صحيح البخاري ( يا عائشة ، ما أزال أجد الم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم ) ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

نص الآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) المائدة/ 67 .

نص الحديث :

قالت عَائِشَةُ رضى الله عنها : كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ : يَا عَائِشَةُ ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِى أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِى مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ .

رواه البخاري ( 4165 ) .

" الطعام " : هو الشاة المسمومة .

" أوان " : وقت ، وحين .

" أبهَري " : عرق مرتبط بالقلب ، إذا انقطع مات الإنسان .

وأصل القصة :

عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ : أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ ، قَالَ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ .

رواه البخاري ( 2474 ) ومسلم ( 2190 ) .

ثانياً:

يجب أن يَعلم المسلم أنه ليس ثمة تعارض بين نصوص الوحي ، وما يظنه بعض الناس من وجود تعارض بين نصوص الوحي بعضها مع بعض : فهو تعارض في ظاهر الأمر بالنسبة له ، وليس تعارضاً في واقع الأمر ، ولذا فإن علماء الإسلام

الراسخين لا يعجزهم – بفضل الله وتوفيقه – من بيان أوجه التوفيق بين ما ظاهره التعارض بالنسبة لمن يرى ذلك ممن يخفى عليه وجه الجمع بين تلك النصوص .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

لا يجوز أن يوجد في الشرع خبران متعارضان من جميع الوجوه ، وليس مع أحدهما ترجيح يقدم به .

" المسودة " ( 306 ) .

وقال ابن القيم - رحمه الله - :

وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه ليس أحدهما ناسخاً للآخر : فهذا لا يوجد أصلاً ، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق .

" زاد المعاد " ( 4 / 149 ) .

وقال ابن القيم - رحمه الله – أيضاً - :

فصلوات الله وسلامه على مَن يصدّق كلامُه بعضه بعضاً ، ويشهد بعضه لبعض ، فالاختلاف ، والإشكال ، والاشتباه إنما هو في الأفهام ، لا فيما خرج من بين شفتيه من الكلام ، والواجب على كل مؤمن أن يَكِلَ ما أشكل عليه إلى أصدق قائل ، ويعلم أن فوق كل ذي علم عليم .

" مفتاح دار السعادة " ( 3 / 383 ) .

وقال الشاطبي – رحمه الله - :

كل مَن تحقق بأصول الشريعة : فأدلتها عنده لا تكاد تتعارض ، كما أن كل مَن حقق مناط المسائل : فلا يكاد يقف في متشابه ؛ لأن الشريعة لا تعارض فيها البتة ، فالمتحقق بها متحقق بما في الأمر ، فيلزم أن لا يكون عنده تعارض ، ولذلك لا تجد ألبتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما بحيث وجب عليهم الوقوف ، لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ : أمكن التعارض بين الأدلة عندهم .

" الموافقات " ( 4 / 294 ) .

وقد برز طوائف من العلماء يتحدون من يزعم وجود تعارض بين نصوص الوحي ؛ ومنهم الإمام ابن خزيمة رحمه الله حيث كان يقول – كما في " تدريب الراوي " ( 2 / 176 ) - : " لا أعرف حديثين متضادين ، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما " .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 03:05
ثالثاً:

ما ذكره الأخ السائل مما ظاهره التعارض بين قوله تعالى ( والله يعصمك من الناس ) مع قوله صلى الله عليه وسلم ( وهذا أوان انقطاع أبهري ) وأنه مات بالسم الذي وضعه له اليهود : فليس بينهما تعارض – بتوفيق الله - ؛ لأن " العصمة " في الآية هي : العصمة من الفتنة ، ومن الضلال ، ومن القتل قبل تبليغ الرسالة ، وكل ذلك قد تحقق له صلى الله عليه وسلم ، وقد عصمه ربه تعالى من كل ذلك

ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أبلغ رسالة ربه تعالى ، وقد قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) المائدة/ من الآية 3 ، وقد ذكر بعض العلماء معنى لطيفاً ها هنا ، وهو أن الله تعالى أبى إلا أن يجمع لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة .

وقد عصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من كفار قريش عندما أرادوا قتله في مكة ، وعصمه ربه من القتل في المدينة فيما حضره من غزوات ، بل وحتى محاولة اليهود قتله بالسم : فإن الله تعالى قد عصمه منها ، فأخبرته الشاة أنها مسمومة ، ومات الصحابي الذي كان معه

وأكل منها – وهو بِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور - ولم يمت صلى الله عليه وسلم ، ولا يخالف هذا وجوده أثر ذلك السم ، واعتقاده أنه سيموت بسببه ، وما قاله صلى الله عليه وسلم ليس فيه أن السم هو سبب موته ، بل فيه أنه يشعر به ، وأنه قد يكون هذا هو الموافق لانتهاء أجله .

وبكل حال : فإن العصمة من القتل هي فيما كان قبل تبليغ رسالة ربه ، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد أبلغها على أكمل وجه ، وسياق الآية يدل على ذلك ، حيث أمره ربه تعالى بتبليغ الرسالة ، وأخبره أنه يعصمه من الناس .
ومما يدل على ذلك أيضاً : قوله صلى الله عليه وسلم لليهودية ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ ) بعد أن أخبرته أنها أرادت قتله ، وهو نص إما في عصمته من القتل بالسم حتى فارق الدنيا

أو هو نص في ذلك قبل تبليغ الرسالة .

وخلاصة الكلام : أنه إما أن يُقال بأن النبي صلى الله عليه سلم عُصم من القتل بالسم – كما سيأتي في كلام ابن كثير والنووي وغيرهما - ، وقد أوحى الله بوجود السم فيها ، وهذا من عصمته له ، أو يقال : إن العصمة هي في أثناء التبليغ لرسالة الإسلام ، ولا ينافي ذلك وقوع القتل بعد التبليغ لها – كما سيأتي في كلام القرطبي وابن حجر والعثيمين - ، وأن الله تعالى جمع بذلك القتل لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة ، وجعل ذلك تذكيراً لنا على الدوام بعداوة اليهود لنا ولديننا .

وهذه بعض أقوال علماء الأمة فيما ذكرناه ، وهو يوضح المقصود إن شاء الله .

1. قال ابن كثير – رحمه الله - :

ومِن عصمة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم : حفْظُه له من أهل مكة ، وصناديدها ، وحسَّادها ، ومُعَانديها ، ومترفيها ، مع شدة العداوة ، والبِغْضة ، ونصب المحاربة له ليلاً ، ونهاراً ، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقَدَره ، وحكمته العظيمة ، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب ، إذ كان رئيساً مطاعاً كبيراً في قريش ، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا شرعيَّة

ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها ، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر ، هابوه ، واحترموه ، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيراً ، ثم قيض الله عز وجل له الأنصار ، فبايعوه على الإسلام ، وعلى أن يتحول إلى دارهم - وهي المدينة - ، فلما صار إليها حَمَوه من الأحمر والأسود

فكلما همَّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء : كاده الله ، ورد كيده عليه ، لما كاده اليهود بالسحر : حماه الله منهم ، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء ، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر : أعلمه الله به ، وحماه الله منه ؛ ولهذا أشباه كثيرة جدّاً ، يطول ذِكْرها .

" تفسير ابن كثير " ( 3 / 154 ) .

2. وقال النووي – في شرحه لحديث الشاة المسمومة - :

فيه بيان عصمته صلى الله عليه و سلم من الناس كلهم ، كما قال الله : ( والله يعصمك من الناس ) وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته مِن السم المهلك لغيره ، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة ، وكلام عضو منه له ، فقد جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الذراع تخبرني أنها مسمومة ) .

" شرح مسلم " ( 14 / ص 179 ) .

3. وقال ابن الجوزي – رحمه الله – :

قوله تعالى : ( والله يعصمك من الناس ) قال ابن قتيبة : أي : يمنعك منهم ، وعصمة الله : منعه للعبد من المعاصي ، ويقال : طعام لا يعصم ، أي : لا يمنع من الجوع .

فان قيل : فأين ضمان العصمة وقد شُجَّ جبينه ، وكسِرت رَباعيته ، وبولغ في أذاه ؟ : فعنه جوابان :
أحدهما : أنه عصمه من القتل ، والأسرِ ، وتلفِ الجملة ، فأمّا عوارض الأذى : فلا تمنع عصمة الجملة .
والثاني : أن هذه الآية نزلت بعدما جرى عليه ذلك ؛ لأن " المائدة " من أواخر ما نزل .

" زاد المسير " ( 2 / 397 ) .

4. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء : فإنه لم يُعصم منه عليه الصلاة والسلام , بل أصابه شيء من ذلك , فقد جُرح يوم أحد , وكُسرت البيضة على رأسه , ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر , وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك , وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقاً شديداً , فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل , ومما كتبه الله عليه ,

ورفع الله به درجاته , وأعلى به مقامه , وضاعف به حسناته , ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله ، ولا منعه من تبليغ الرسالة , ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ ، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم .

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / ص 150 ) .

5. وقال القرطبي - رحمه الله - :

ليس في الآية ما ينافي الحراسة ، كما أن إعلام الله نصر دينه وإظهاره ، ما يمنع الأمر بالقتال ، وإعداد العدد .
" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 6 / 280 ) .

6. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله - بعد أن ساق كلام القرطبي هذا - :

وعلى هذا فالمراد : العصمة من الفتنة ، والإِضلال ، أو إزهاق الروح ، والله أعلم .

" فتح الباري " ( 6 / 82 ) .

رابعاً:

من الشواهد العملية على عصمته صلى الله عليه وسلم من القتل قبل تبليغ الرسالة :

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا ، قَالَ : وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ رَجُلاً أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَلَمْ أَشْعُرْ إِلا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ ، فَقَالَ لِي : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ ، قَالَ : فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

رواه البخاري ( 2753 ) ومسلم ( 843 ) .

وفي رواية : فقال : يا محمد من يمنعك مني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله يمنعني منك ، ضع السيف ، فوضعه .

قال النووي:

ففيه بيان توكل النبي صلى الله عليه وسلم على الله ، وعصمة الله تعالى له من الناس ، كما قال الله تعالى ( والله يعصمك من الناس ) .

" شرح مسلم " ( 15 / 44 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 03:20
قصة الغرانيق

السؤال

قصة الغرانيق المذكورة في تفسير سورة الحج هل ثبت منها شيء ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

أصل هذه القصة حادثة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة في بداية الدعوة ، أنه حين أوحيت إليه سورة النجم قرأها على جمعٍ من المسلمين والمشركين ، فلما بلغ آخرَها حيث يقول الله تعالى : ( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ .

وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ . وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ . فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ) النجم/59-62 سجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وسجد معه جميعُ مَن حضر من المسلمين والمشركين ، إلا رجلين اثنين : أمية بن خلف ، والمطلب بن وداعة .

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ )

رواه البخاري (1071)

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ ( وَالنَّجْمِ ) قَالَ : فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ ، إِلاَّ رَجُلاً رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا ، وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَف )

رواه البخاري (3972) وأيضا برقم (4863) ورواه مسلم (576)

ثانيا :

جاءت بعض الروايات تفسِّرُ سبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وسببَ استجابتهم لأمر الله تعالى ، حاصلُها أن الشيطان ألقى في أثناء قراءته كلماتٍ على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فيها الثناء على آلهتهم ، وإثبات الشفاعة لها عند الله ، وهذه الكلمات هي: " تلك الغرانيق العُلى ، وإن شفاعتهن لَتُرتَجَى " وأن المشركين لما سمعوا ذلك فرحوا واطمأنوا وسجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم .

والغرانيق : جمع غرنوق : وهو طير أبيض طويل العنق . قال ابن الأنباري : " الغرانيق : الذكور من الطير ، واحدها غِرْنَوْق وغِرْنَيْق ، سمي به لبياضه ، وقيل هو الكُرْكيّ ، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقرّبهم من الله عز وجل ، وتشفع لهم إليه ، فشبهت بالطيور التي تعلو وترتفع في السماء "

انتهى . لسان العرب (10/286)

قالوا : فكانت هذه القصة سبب نزول قوله سبحانه وتعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الحج/52

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا القول في "منهاج السنة النبوية" (2/243) :

" على المشهور عند السلف والخلف مِن أن ذلك جرى على لسانه ثم نسخه الله وأبطله " انتهى

وبعد تتبع الآثار الواردة في هذه القصة ، تبين أن مجموع السلف الذين يُحكى عنهم هذا القول يبلغ نحو ثلاثة عشر ، وتبين أنه لم يثبت بالسند الصحيح إلا عن خمسةٍ منهم ، وهم : سعيد بن جبير ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وأبو العالية ، وقتادة ، والزهري .

أما الباقون فلا تصح نسبته إليهم ، لما في الأسانيد إليهم من ضعف ونكارة ، وهم : ابن عباس ، وعروة بن الزبير ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومحمد بن قيس ، وأبو صالح ، والضحاك ، ومحمد بن فضالة ، والمطلب بن حنطب .
انظر تخريج هذه الآثار والحكم عليها في رسالة الشيخ الألباني "نصب المجانيق" (10-34)

ثانيا :

إلا أن طائفة كبيرة من المحققين من أهل العلم ، نفوا وقوع هذه القصة ، ولم يأخذوا بإثبات مَن ذكرها من السلف ، واستدلوا على ذلك بأن قالوا : مَن ذكرها مِن السلف لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكروا مصادرهم للحادثة ، فدخل الشك فيها ، وساعد عليه ما في ظاهرها من طعن في النبوة ، إذ كيف يُدخل الشيطان في الوحي كلماتِه الباطلة ، مع أن الله تعالى حفظ وحيَه من التحريف والتبديل والزيادة ، وعَصَمَه من الخطأ والزلل .

يقول القاضي عياض في "الشفا" (2/126) :

" فأما من جهة المعنى : فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة ، إمَّا مِن تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو كفر ، أو أن يتسوَّرَ عليه الشيطان ويشبِّهَ عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه ، ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل عليه السلام ، وذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم .

أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدا - وذلك كفر - ، أو سهوا وهو معصوم من هذا كله ، وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته صلى الله عليه وسلم من جريان

الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا ، أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقى الشيطان ، أو يكون للشيطان عليه سبيل ، أو أن يتقول على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه ، وقد قال الله تعالى : ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل ) الآية ، وقال تعالى ( إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ) الآية " انتهى باختصار .

وقد عد الشيخ الألباني في رسالته "نصب المجانيق" (46-48) أسماء عشرة من العلماء المتقدمين والمتأخرين في نفي صحة هذه الحادثة ، أكثرها يؤكد نفي وجود السند المتصل المرفوع بها ، ومنافاتها لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم
.
ثالثا :

والمسألة فيها نوع اشتباه ، يصعب الجزم فيها بأمر ، ولكن يمكننا القول بأن الجزم بنفي هذه الحادثة فيه نظر ، وأن اعتبارها منافية لأصول العقيدة ومهمات الدين فيه نظر ، أيضا ، فقد صحت القصة من طريق جماعة من السلف مِن قولهم ، وهي وإن كانت مرسلة ، فكثرتها تبعث على الاطمئنان بوقوعها ، ولو كان فيها شيء مناقض لعصمة الوحي لَما نطق بها كبار أئمة التابعين كسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم .

يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/439) في تخريجه لهذه القصة :

" كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا ... - ثم نقل تضعيف ابن العربي والقاضي عياض القصة ثم قال - : وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد ، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا ، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح ، وهي مراسيل يَحتجُّ بمثلها مَن يحتجُّ بالمرسل ، وكذا من لا يحتج به ، لاعتضاد بعضها ببعض " انتهى .

وليس في القصة أي طعن في عصمة التبليغ والرسالة ، لأن النسخ والتصحيح جاء بوحي من الله ، وسواء كان الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم أو بإيهام الشيطان على أسماع المشركين ، فإن المآل واحد ، هو وقوع الحق وزهوق الباطل ، والإخلال بمقتضى الرسالة لا يكون إلا باستمرار الباطل واختلاطه بكلام الله تعالى ، وذلك ما لم يكن ولن يكون
.
يقول شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (10/290) :

" وهذه العصمة الثابته للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة... فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين .
ولكن هل يصدر ما يستدركه الله فينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته ؟ هذا فيه قولان : والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك .

والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله : " تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى " وقالوا : إن هذا لم يثبت .

ومن علم أنه ثبت قال : هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم ولم يلفظ به الرسول .
ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضا ، وقالوا في قوله : ( إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) هو حديث النفس .
وأما الذين قرروا ما نقل عن السلف فقالوا : هذا منقول نقلا ثابتا لا يمكن القدح فيه ، والقرآن يدل عليه بقوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) الحج/52-54

فقالوا : الآثار في تفسير هذه الآية معروفة ثابتة في كتب التفسير والحديث ، والقرآن يوافق ذلك ، فإن نسخ الله لما يُلقي الشيطان ، وإحكامه آياته ، إنما يكون لرفع ما وقع في آياته ، وتمييز الحق من الباطل حتى لا تختلط آياته بغيرها ، وجعل ما ألقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ، إنما يكون إذا كان ذلك ظاهرا يسمعه الناس لا باطنا في النفس ، والفتنة التي تحصل بهذا النوع من النسخ ، من جنس الفتنة التي تحصل بالنوع الآخر من النسخ ، وهذا النوع أدل على صدق الرسول وبعده عن الهوى من ذلك النوع ، فإنه إذا كان يأمر بأمر ثم يأمر بخلافه -

وكلاهما من عند الله وهو مصدق في ذلك - فإذا قال عن نفسه إن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ ، وإن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك ، كان أدل على اعتماده للصدق ، وقوله الحق ، وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( لو كان محمد كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية : ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) .

ألا ترى أن الذي يُعَظِّمُ نفسَه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ ، فبيان الرسول أن الله أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان ، هو أدل على تحريه للصدق وبراءته من الكذب ، وهذا هو المقصود بالرسالة ، فإنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، ولهذا كان تكذيبه كفرا محضا بلا ريب " انتهى .

والخلاصة أن إثبات أصل القصة قول متجه ، وهو أقرب إلى التحقيق العلمي إن شاء الله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 03:24
كتب في السيرة النبوية

السؤال

هل يمكن أن تعطيني أسماء الكتب التي تتحدث عن السيرة الذاتية للنبي صلى الله عليه وسلم ، كيف كان يتعامل في حياته ، مع أهله وزوجاته وأصحابه رضي الله عن الجميع ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الكلام عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته الدعوية والجهادية والعائلية مما يستهوي الأفئدة ؛ وذلك لأن حياته عليه الصلاة والسلام كانت مليئة بالجوانب المشرقة والأخلاق الكاملة التي يعجز أن يسطرها قلم ، أو ينطق بها لسان ، ولكن حسبنا ما قاله الله تعالى فيه ممتدحاً : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم /4 ، فهو عليه الصلاة والسلام عظيم الخلق مع أهله ، وأصحابه حتى مع أعدائه .

ثانياً :

قد ألف العلماء رحمهم الله تعالى في القديم والحديث كتباً في بيان السيرة العطرة له عليه الصلاة والسلام ، وذكروا فيها سيرته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ، ومع أهله وزوجاته ، ومع جيرانه ، ومع أعدائه ، وغزواته التي غزاها ، ووفاته عليه الصلاة والسلام .

ومن تلك المؤلفات :

1- سيرة ابن هشام رحمه الله .
2- زاد المعاد لابن القيم الجوزية رحمه الله .
3- الرحيق المختوم للمباركفوري رحمه الله .
4- مختصر السيرة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
5- هذا الحبيب يا محب لأبي بكر الجزائري حفظه الله .
6- السيرة النبوية دروس وعبر للسباعي رحمه الله .
7- السيرة النبوية الصحيحة لأكرم ضياء العمري حفظه الله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 03:29
حديث طويل مكذوب في سياق قصة
موت النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال

أفيدونا عن صحة الحديث المروي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" عن جابر في قوله ‏:‏ ( ‏إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً‏ )‏ قال ‏:‏ لما نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم قال‏ :‏ ‏" ‏يا جبريل نفسي قد نعيت‏ " ‏‏.‏ قال جبريل عليه السلام ‏:‏ ( ‏وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى‏ )

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي بـ ( الصلاة جامعة ) ، فاجتمع المهاجرون والأنصار ، ثم صلى بهم عليه الصلاة والسلام ، ثم صعد المنبر ، فحمد الله عز وجل ، وأثنى عليه ، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب ، وبكت منها العيون ، ثم قال ‏:‏ ‏‏أيها الناس ! أي نبي كنت لكم‏ ؟‏‏ قالوا ‏:‏ جزاك الله من نبي خيراً ، كنت لنا كالأب الرحيم ، وكالأخ الناصح الشفيق ، أديت رسالات الله عز وجل ، وأبلغتنا وحيه ، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبياً عن أمته‏ ..... ، فذكر الحديث بطوله ) .‏

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث الطويل يرويه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" (3/58) وعنه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/74) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/295)

قال : حدثنا محمد بن أحمد بن البراء ثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه : عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما به .

قال الهيثمي بعد إيراده هذا الحديث (8/605) :

" رواه الطبراني ، وفيه عبد المنعم بن إدريس : وهو كذاب وضاع " انتهى .

وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/301) :

" هذا حديث موضوع محال ، كافأ الله من وضعه ، وقبَّح من يشين الشريعة بمثل هذا التخليط البارد ، والكلام الذى لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالصحابة .

والمتهم به عبد المنعم بن إدريس : قال أحمد بن حنبل : كان يكذب على وهب . وقال يحيى : كذاب خبيث . وقال ابن المدينى وأبو داود : ليس بثقة . وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به . وقال الدارقطني : هو وأبوه متروكان ." انتهى .
وكذا ذكره في الموضوعات السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/257) وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/330) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (324)

وقد احتوى هذا الحديث المكذوب جملا من الأمور :

1- فيه ذكر قصة وفاته صلى الله عليه وسلم واستئذان ملك الموت عليه ، وذكر تفاصيل غير ثابتة في تلك الحادثة العظيمة ، ومن المعلوم لدى أهل العلم أن قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر المواضيع التي كذب فيها الكذابون ، وتناقل الناس فيها أشياء لا تثبت .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله "البداية والنهاية" (5/256) :

" وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارًا كثيرةً فيها نكارات وغرابة شديدة ، أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها ، ونكارة متونها ، ولا سِيَّما ما يورده كثير من القُصَّاص المتأخرين وغيرهم ، فكثير منه موضوع لا محالة ، وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غُنيةٌ عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده ، والله أعلم " انتهى .

ولم يصح في استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم لقبض روحه أي حديث وأي خبر ، وكل ما ورد في ذلك إما منكر أو موضوع ، وانظر جواب السؤال رقم (71400)

2- أما قصة طلب عكاشة القصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء ما يشبهها من طريق صحيح ؛ لكن فيها أن الذي طلب القصاص هو أسيد بن حضير رضي الله عنه ، فقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ :
( بَيْنَمَا هُوَ – يعني أسيد بن حضير - يُحَدِّثُ الْقَوْمَ - وَكَانَ فِيهِ مِزَاحٌ - بَيْنَا يُضْحِكُهُمْ ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ . فَقَالَ : أَصْبِرْنِي . فَقَالَ : اصْطَبِرْ . قَالَ : إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ . فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَمِيصِهِ ، فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ ، قَالَ : إِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ )

رواه أبو داود (5224) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/102) ، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/205) والحاكم في "المستدرك" (3/327) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/76) .

وهذا الحديث سنده صحيح ، صححه الحاكم وكذا الذهبي ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
جاء في "عون المعبود" (14/90) :

" ( فطعنه النبي صلى الله عليه و سلم ) أي ضربه على سبيل المزاح ( فقال ) أي أسيد ( أصبرني ) أي : أقدرني ومكني من استيفاء القصاص حتى أطعن في خاصرتك كما طعنت في خاصرتي . ( اصطبر ) أي : استوف القصاص .
( فاحتضنه ) أي اعتنقه وأخذه في حضنه وهو ما دون الإبط إلى الكشح .

( وجعل يقبل كشحه ) هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الأقصر من أضلاع الجنب .

( قال إنما أردت هذا ) أي : ما أردت بقولي أصبرني إلا هذا التقبيل ، وما أردت حقيقة القصاص " انتهى .

3- وفي الحديث جمل منكرة شنيعة :

منها : ( فإن أول من يصلي علي الرب عز وجل من فوق عرشه ) وهل يصلي الله على الناس صلاة الجنازة ؟! هذا من شنيع كذب الوضاعين .

ومنها قوله : ( فلما بلغ الروح الركبتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوه . فلما بلغ الروح السرة نادى النبي صلى الله عليه وسلم : واكرباه . فلما بلغ الروح إلى الثندؤة نادى النبي صلى الله عليه وسلم : يا جبريل ! ما أشد مرارة الموت )

ووجه النكارة أن فيه إشعارا بتسخط النبي صلى الله عليه وسلم وجزعه عند الموت ، وحاشاه من ذلك .
ومنها قوله : ( فكبرنا بتكبير جبريل عليه السلام ، وصلينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة جبريل عليه السلام ) ولا يعرف أن الملائكة تؤم المسلمين وتصلي بهم ، إنما هذا من منكر ما يرويه الرواة المتهمون .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 03:39
هل الرسول صلى الله عليه وسلم أول رائد فضاء ؟!

السؤال

طرح لنا أحد الأساتذة سؤالا وقال فيه: من هو أول رائد للفضاء؟ فأجبنا على سؤاله بأنه سوفيتي الجنسية. وقال لنا الأستاذ : الإجابة خطأ. وقال : إن أول رائد للفضاء هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما عرج به إلى السماوات، وكانت مركبته البراق. فهل هذا صحيح؟

الجواب

الحمد لله

لا نعلم أحدا عرج به إلى السماء وفرضت عليه صلوات خمس سوى نبينا عليه الصلاة والسلام ، فإنه عرج به إلى السماء السابعة حتى كان فوقها، وحتى سمع كلام الرب عز وجل. فإذا عبر عنه بأنه رائد فضاء فهذا له بعض الوجاهة، لكن ليس بصحيح أنه رائد فضاء، بل إنما عرج به إلى السماء، إلى ربه عز وجل ليفيض عليه بما يشا

سبحانه وتعالى، وليس المقصود من هذه الرحلة أن يجوب الفضاء، وأن ينظر في الفضاء، بل المقصود من هذه الرحلة مع الملك جبرائيل عليه الصلاة والسلام أن يرتفع إلى الله، ويجوب السماوات حتى يصل إلى ما فوق السماء السابعة، وحتى يسمع كلام ربه، وليس المقصود أن يجوب الفضاء.

وهذا الكلام الذي قاله هذا المجيب له بعض الوجاهة من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم شق الفضاء كله حتى جاوز السبع الطباق، فله وجه من هذه الحقيقة، لكن ليس هو المعنى المقصود عند الدول الموجودة اليوم أمريكا والسوفيت وغيرهم؛ فإن مقصودهم هو اختبار الفضاء

واختبار ما فيه من العجائب وهو ما دون السماء الدنيا، وليس المقصود هذا المعنى الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم . فالمجيب الذي قال السوفيتي له وجه ، وكلام الأستاذ أيضاً له وجه ، ولكن ليس منطبقا على مراد الناس اليوم ، وعلى مقصود الناس اليوم ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرتحل ليجوب الفضاء

وإنما ارتحل بأمر ربه، ليتصل بالله عز وجل فوق السماء السابعة، وليسمع كلامه سبحانه وتعالى، وليمتثل أمره جل وعلا، فالرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يرتحل هذه الرحلة العظيمة، ويسمع كلام ربه، وليفرض الله عليه هذه الصلوات العظيمة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والله ولي التوفيق.

فتاوى نور على الدرب للشيخ عمر بن عبد العزيز (1/116) .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 03:49
هل دعا الرسول صلى الله عليه وسلم
للمسلمين الذين لم يروه ؟

السؤال

هل دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لإخوانه الذين يأتون بعده بدعوةٍ تخصهم بالخير ؟

الجواب

الحمد للَّه

أولا :

لقد كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أرحم الناس وأرقَّهم ، يحب الخير لهم ، ويحرص على سعادتهم ونجاتهم ، ولن نجد أصدق من كلمات الله تعالى دليلا على ذلك :

يقول الله عز وجل :

( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة/128

وكان يحب أمته كثيرا ، يحمل هَمَّ نجاتها يوم القيامة ، ويرجو أن يكرمها الله سبحانه وتعالى بجنته ، حتى كان يبكي من شدة خوفه عليهم ورحمته بهم .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه :

( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي . وَبَكَى . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ ! اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ - وَرَبُّكَ أَعْلَمُ - فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ . فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ . فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ )

رواه مسلم (202)

يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (3/78-79) :

" هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها : بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، واعتنائه بمصالحهم ، واهتمامه بأمرهم ، ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة - زادها الله تعالى شرفا - بما وعدها الله تعالى بقوله ( سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك ) وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها " انتهى .

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لجميع أمته ، ويستغيث الله تعالى أن يجعلها أمةً مكرَّمةً مرحومةً ، حتى استجاب اللَّه له فجعل شطر أهل الجنة من أمته ، أو يزيد ، ورزقهم شفاعته يوم القيامة .

ثانيا :

من رحمته صلى الله عليه وسلم وحبه لأمته أنه خص مَن آمن به واتبعه ولم يره بمزيد فضل وخير :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( طُوبَى لِمَن آمَنَ بِي وَرَآنِي مَرَّةً ، وُطُوبَى لِمَن آمَنَ بِي وَلَم يَرَنِي سَبعَ مِرَارٍ )

رواه أحمد في "المسند" (3/155)

وقال المحققون : حسن لغيره . وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1241) ، وقد جاء نحو هذا الحديث عن جماعة من الصحابة .

يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (2/176) :

" وأما معنى طوبى : فاختلف المفسرون فى معنى قوله تعالى : ( طوبى لهم وحسن مآب ) فروي عن ابن عباس رضى الله عنهما أن معناه : فرح وقرة عين . وقال عكرمة : نِعم ما لهم . وقال الضحاك : غبطةٌ لهم . وقال قتادة : حسنى لهم . وعن قتادة أيضا : معناه أصابوا خيرا . وقال إبراهيم : خير لهم وكرامة . وقال ابن عجلان : دوام الخير . وقيل : الجنة . وقيل : شجرة فى الجنة . وكل هذه الأقوال محتملة فى الحديث والله اعلم " انتهى .

ثم بشر صلى الله عليه وسلم المؤمنين بعده ممن لم يره بأنه ينتظرهم عند الحوض الشريف :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ :

( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانِي الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ بُهْمٍ دُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ )

( أنا فرطهم ) أي أنا أتقدمهم على الحوض ، ( دهم ) سود . "شرح النووي" (3/139)

رواه مسلم (249) والنسائي (150) واللفظ له ، وانظر "السلسلة الصحيحة" (2888)

فمن أراد أن يحصل هذه الفضائل فعليه أن يلتزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يتمسك بسنته ، حتى يفوز بصحبته في الجنة .

نسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بذلك من فضله ، إنه جواد كريم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 03:59
كيف شرح الله صدر رسوله الكريم
محمد صلى الله عليه وسلم

السؤال

كيف شرح الله تعالى صدر رسوله صلى الله عليه وسلم عندما قال : ( ألم نشرح لك صدرك ) ؟..

...وهل صحيح ما قيل : إنه كان على يد سيدنا جبريل عليه السلام مرتين في عمره ؟

الجواب

الحمد للَّه

لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على أنبيائه ورسله بنعم عظيمة جليلة ، أولاها فضلا ، وأوفاها مِنَّةً ، وأعلاها قدرا نعمةُ النبوة ، حيث اصطفاهم لقربه ، واجتباهم لرحمته .

يقول الله تعالى : ( وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ) آل عمران/179

ويقول سبحانه : ( وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الأنعام/87

وقد خص الله سبحانه وتعالى نبيه وخليله محمدا صلى الله عليه وسلم بمزيد فضل ، وحباه بعظيم قدر ، حتى قال سبحانه وتعالى : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) النساء/113

ومن هذا الفضل أنه سبحانه شرح صدر الرسول الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وامتن عليه بهذه النعمة العظيمة في سورة من القرآن الكريم تتلى إلى يوم القيامة ، تسمى سورة "الشرح" .

يقول سبحانه وتعالى : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) الشرح/1

وشَرْحُ صدر النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن معاني كثيرة عظيمة :

1- شرح الله صدره للإسلام دينا وشريعة ، وهذا أعظم ما يمكن أن ينشرح له الصدر ، وهو تفسير ابن عباس ، علقه البخاري في صحيحه ( كتاب التفسير / باب سورة الشرح ، ص 982)

2- وشرح الله صدر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن ملأه حكمة وعلما وإيمانا ، كما فسره الحسن البصري ، ويذكر العلماء في تفسير ذلك حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم ، والتي تكررت مرتين في حياته صلى الله عليه وسلم :
الأولى : كانت وهو صغير في بني سعد .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً ، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ . ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ لَأَمَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ فَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ قَالَ أَنَسٌ وَقَدْ كُنْتُ أَرْئِي أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ ) رواه مسلم (162)
الثانية : كانت ليلة الإسراء .

كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ) رواه البخاري (349) ومسلم (163)

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى "فتح الباري" (7/204) :

" وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء ، وقال إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد ، ولا إنكار في ذلك ، فقد تواردت الروايات به ... وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته ، لصلاحية القدرة ، فلا يستحيل شيء من ذلك ، قال القرطبي في "المفهم" : لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء ؛ لأن رواته ثقات مشاهير " انتهى .

وقد جاءت حادثة شق الصدر أيضا في بعض الروايات في أوقات أخرى ، في عمر العشر سنوات ، وعند البعثة ، لكنها روايات ضعيفة .

انظر "السيرة النبوية الصحيحة" (1/103)

يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (4/677) :

" يقول تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك ) يعني : أما شرحنا لك صدرك ، أي : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا ، كقوله : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام )

وقيل : المراد بقوله : ( ألم نشرح لك صدرك ) شرح صدره ليلة الإسراء ، ولكن لا منافاة ، فإنه من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا فالله أعلم " انتهى .

3- وجاء في "روح المعاني" (30/166) :

" وقيل : المعنى : ألم نزل همك وغمك بإطلاعك على حقائق الأمور وحقارة الدنيا ، فهان عليك احتمال المكاره في الدعاء إلى الله تعالى .

ونقل عن الجمهور أن المعنى : ألم نفسحه بالحكمة ونوسعه بتيسيرنا لك تلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك " انتهى .

4- وقال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/4850) :

" وشرح صدره كناية عن الإنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات ، وإعلامه برضى الله عنه ، وبشارته بما سيحصل للدين الذي جاء به من النصر " انتهى .

وانظر "سبل الهدى والرشاد" (2/59) .

5- ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير سورة الشرح" (ص/1) :

" وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسيًّا ، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل بنوعيه ، حكم الله الشرعي وهو الدين ، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان " انتهى باختصار .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 04:27
الحاشر " من أسماء الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وليس من أسماء الله

السؤال

من أسماء الرسول صلى الله عليه و سلم الحاشر لان الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( أنا الحاشر تحشر الناس على قدمي )أو كما قال صلى الله عليه و سلم. نرجو شرح هذا الحديث من فضلكم فانا اعلم أن الله تعالى يسمى الحاشر و هو الذي يحشر الناس للحساب يوم القيامة فنرجو منكم التوضيح و جزاكم الله خيرا و جعل هذا في ميزان حسناتكم.

الجواب

الحمد لله :

حديث ( أنا الحاشر تحشر الناس على قدمي ) هو مما اتفق عليه الشيخان ، ولفظ كامل الحديث أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( إِنَّ لِي أَسْمَاءً أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ )

رواه البخاري (4896) ومسلم (2354)

فأما قوله : (( أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي )) فمعناه على أثري أي أنه يحشر قبل الناس ، وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى : (( يُحشر الناس على عقبي )) .

ويحتمل أن يكون المراد بالقدم الزمان ، أي وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر ، إشارة إلى أنه ليس بعده نبي . هذا مجمل ما ذكره الحافظ في الفتح ( 6 / 557 ) .

وقال ابن القيم في زاد المعاد ( 1 / 94 ) فكأنه بعث ليحشر الناس .

ثانياً : قولك : إن الله يسمى "بالحاشر" غير صحيح ؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية ، لا مجال للعقل فيها ، والواجب الوقوف على ما ورد في الكتاب والسنة ، فلا يزاد فيها ولا ينقص :

1. لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (الإسراء:36) وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) (لأعراف:33)

2. ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه ، أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى ، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص .

3. صفات الله سبحانه وتعالى أوسع من أسماءه ؛ لأن كل اسم متضمن لصفة .

مثال : من أسماء الله "السميع " هذا الاسم يتضمن إثبات السميع اسما لله تعالى ، واثبات صفة السمع لله .

وأما صفات الله الفعلية فلا تتضمن أسماء الله ؛ لأنها متعلقة بأفعال الله تعالى ، وأفعاله لا منتهى لها مثال : من صفات الله المجيء ، والإتيان والأخذ والإمساك والبطش ، قال تعالى : ( وجاء ربك ) ، (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) ، ( فأخذهم الله بذنوبهم ) ، ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) , ( إن بطش ربك لشديد ) ...
فَنَصِفُ الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد ، ولا نسميه بها فلا نقول إن من أسمائه ( الجائي ) و( الآتي ) و( الآخذ ) و( الممسك ) و( الباطش ) .. وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به .

انظر رسالة القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (2/283) من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 04:31
تخريج حديث استئذان ملك الموت
على النبي صلى الله عليه وسلم ليقبض روحه

السؤال

ما صحة هذا الحديث : ( دخل الملك جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ملك الموت بالباب ، ويستأذن أن يدخل عليك ، وما استأذن من أحد قبلك ، فقال له : ائذن له يا جبريل . ودخل ملك الموت وقال : السلام عليك يا رسول الله ، أرسلني الله أخيرك بين البقاء في الدنيا وبين أن تلحق بالله ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بل الرفيق الأعلى ، بل الرفيق الأعلى . فوقف ملك الموت عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم ( كما سيقف عند رأس كل واحد منا ) وقال : أيتها الروح الطيبة ، روح محمد بن عبد الله ، اخرجي إلى رضى من الله ورضوان ورب راضٍ غير غضبان ).

الجواب

الحمد لله

في قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أحداثٌ كثيرةٌ ، روى فيها الرواةُ الشيءَ الكثير ، ولكن خُلِطَ الصحيح فيه بالمكذوب ، وتساهل الكثيرون في ذكر ما ليس له أصل ، وما لم يأت إلا من طريق منكر متروك ، والذي يبتغي السلامة في هذا الباب عليه بالأحاديث الصحيحة ، إذ فيها الغنية والكفاية ، وفيها من وصف أحداث وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه العبرة والعظة والحكمة .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله "البداية والنهاية" (5/256) :

" وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارًا كثيرةً فيها نكارات وغرابة شديدة ، أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها ، ونكارة متونها ، ولا سِيَّما ما يورده كثير من القُصَّاص المتأخرين وغيرهم ، فكثير منه موضوع لا محالة ، وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غُنيةٌ عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده ، والله أعلم " انتهى .

وبعد البحث في مرويات قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم نقف على الحديث الذي ذكره السائل بهذا اللفظ لكن رويت أحاديث في استئذان ملك الموت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظ قريب مما ذكره السائل ، ولكنها أحاديث ضعيفة حكم عليها العلماء بالنكارة والوضع ، فمن ذلك :

حديث يرويه علي بن الحسين عن أبيه في قصة طويلة فيها ذكر استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ومخاطبته له .

وهذه قصة رواها الطبراني في المعجم الكبير (3/129) وفي كتاب الدعاء (1/367) .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/35) : فيه عبد الله بن ميمون القداح ، وهو ذاهب الحديث .

وكذلك حكم عليه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (4/560) والحافظ ابن حجر في "أجوبة بعض تلامذته" (1/87) وابن كثير في البداية والنهاية (5/290) وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5384) : موضوع .

وحديث آخر يرويه ابن عباس رضي الله عنها ، وفيه ذكر استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه .

رواه الطبراني في المعجم الكبير (12/141) .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/36) : وفيه المختار بن نافع وهو ضعيف .

وقال العراقي في تخريج الإحياء (4/560) : وفيه المختار بن نافع منكر الحديث .

وأما تخييره صلى الله عليه وسلم بين الموت والبقاء في الدنيا ، وكذلك قوله : ( بل الرفيق الأعلى ) فهذا ثابت عنه في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين بالنسبة لقصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكرت بعض كتب التاريخ أن ملك الموت أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه على شكل أعرابي ، ما صحة هذا الكلام ؟

فأجاب رحمه الله :

" هذا غير صحيح ...لم يأته ملك الموت ولم يستأذن منه ، بل خطب – صلى الله عليه وسلم – في آخر حياته خطبة وقال : ( إن عبدا خيَّره الله تعالى بين الخلد في الدنيا ما شاء الله ، وبين لقاء ربه ، فاختار لقاء ربه ) هكذا قال في آخر حياته ، فبكى أبو بكر ، فتعجب الناس كيف يبكي أبو بكر من هذه الكلمات ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو المُخيَّر ، وكان أبو بكر أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا الذي ورد ، أما أن ملك الموت جاء يستأذنه فهذا غير صحيح " انتهى . "لقاء الباب المفتوح" (2/340)

ومن أراد المزيد من الأحاديث الصحيحة في قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع إلى كتاب "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير (5/248) باب احتضاره ووفاته عليه الصلاة والسلام ، وكذلك كتاب "صحيح السيرة النبوية" تأليف إبراهيم العلي ، الباب السادس : مرض الرسول – صلى الله عليه وسلم – ووفاته .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-03-07, 04:33
أصهار النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال

من هم أصهار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذين تزوجوا من بناته ؟.

الجواب

الحمد لله

بنات النبي صلى الله عليه وسلم أربعة ، كلهن من خديجة رضي الله عنها :

1- زينب رضي الله عنها ، وهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم ، وقد تزوجت من أبي العاص بن الربيع رضي الله عنه ، وولدت له عليا وأمامة ، وتوفيت سنة ثمان من الهجرة .

2- رقية رضي الله عنها ، وقد تزوجها أولا ابن عمها عتبة بن أبي لهب ، ثم طلقها قبل الدخول بها ، حين أنزل الله تعالى : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) ، فتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وهاجرت معه إلى الحبشة ثم إلى المدينة ، وقد مرضت في وقت خروج النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة بدر ، فأمر عثمانَ رضي الله عنه أن يقيم معها ، وضرب له بسهمه من الغنائم ، وأجره على الغزوة كأنه شهدها ، ولما أن جاء البشير بنصر المسلمين في بدر ، وجدهم قد فرغوا من دفنها رضي الله عنها ، وقد ولدت لعثمان رضي الله عنه عبد الله ، مات وله ست سنوات .

3- أم كلثوم رضي الله عنها ، تزوجت أولا من عُتَيْبة بن أبي لهب ، وطلقها قبل الدخول كما فعل أخوه عتبة برقية رضي الله عنها . ولما توفيت رقية ، زَوَّجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أم كلثوم لعثمان رضي الله عنه ، وماتت عنده سنة تسع من الهجرة ، ولم تلد له .

4- فاطمة رضي الله عنها ، وهي أصغر بناته صلى الله عليه وسلم ، تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفر سنة اثنتين من الهجرة ، وولدت له الحسن والحسين ، وأم كلثوم وزينب . وتوفيت فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ، فهي أول أهله لحوقا به ، كما أخبر صلى الله عليه وسلم .

ينظر : "البداية والنهاية" لابن كثير (5/321) ، "زاد المعاد" لابن القيم (1/100) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-04-15, 06:56
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

لا ينتقض وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بالنوم

السؤال

ما الدليل على أن النوم يبطل الوضوء ؟ وكيف يفسر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر بعد نومه بدون وضوء في حديث قيام الليل مع ابن عباس رضي الله عنه ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

أما الدليل على أن النوم ناقض للوضوء ، فقد ثبت في ذلك حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ ) رواه الترمذي (89) وحسنه الألباني , فذكر النوم من نواقض الوضوء .

وقد سبق بيان اختلاف العلماء في نقض الوضوء بالنوم ، وبيان أن الراجح : أن النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً ، أما النوم اليسير فلا ينقض الوضوء .

ثانياً :

وأما حديث ابن عباس الذي أشار إليه السائل فقد رواه البخاري (698) ومسلم (763) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي ، فَقُمْتُ عَلَى يَسَارِهِ ، فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ، فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ .

فقد نام النبي صلى الله عليه وسلم ، وقام يصلي ولم يتوضأ ، وذكر أهل العلم أن هذا الحكم ( عدم نقض الوضوء بالنوم ) خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تنام عينه ولا ينام قلبه ، فإذا حدث لشعر بذلك .

قال النووي :

"قَوْله : ( ثُمَّ اِضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ ) هَذَا مِنْ خَصَائِصه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَوْمه مُضْطَجِعًا لا يَنْقُض الْوُضُوء ; لأَنَّ عَيْنَيْهِ تَنَامَانِ وَلا يَنَام قَلْبه , فَلَوْ خَرَجَ حَدَث لأَحَسَّ بِهِ ، بِخِلافِ غَيْره مِنْ النَّاس " انتهى .

وقال الحافظ :

" قَوْله : ( فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ ) كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَام عَيْنه وَلا يَنَام قَلْبه فَلَوْ أَحْدَثَ لَعَلِمَ بِذَلِكَ , وَلِهَذَا كَانَ رُبَّمَا تَوَضَّأَ إِذَا قَامَ مِنْ النَّوْم وَرُبَّمَا لَمْ يَتَوَضَّأ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَإِنَّمَا مُنِعَ قَلْبه النَّوْم لِيَعِيَ الْوَحْي الَّذِي يَأْتِيه فِي مَنَامه " انتهى .

وروى البخاري (3569) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تَنَامُ عَيْنِي ، وَلا يَنَامُ قَلْبِي ) . ورواه أحمد (7369) عن أبي هريرة رضي الله عنه .

وانظر : "سلسلة الأحاديث الصحيحة" للألباني (696) .

وروى ابن ماجه (474) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلا يَتَوَضَّأُ . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

قال السندي في "حاشية ابن ماجه" :

" قَوْله ( حَتَّى يَنْفُخ ) هو الصوت الذي يُسْمَع مِنْ النَّائِم .

قَوْله ( فَيُصَلِّي وَلا يَتَوَضَّأ ) لأَنَّهُ تَنَام عَيْنه وَلا يَنَام قَلْبه ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا فِي الصِّحَاح ، فَنَوْمه غَيْر نَاقِض ، لأَنَّ النَّوْم إِنَّمَا يَنْقَضِ الْوُضُوء لَمَّا خِيفَ عَلَى صَاحِبه مِنْ خُرُوج شَيْء مِنْهُ وَهُوَ لا يَعْقِل ، وَلا يَتَحَقَّق ذَلِكَ فِيمَنْ لا يَنَام قَلْبه ، ثم قال : فلا يَنْبَغِي ذِكْر أَحَادِيث نَوْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَاب أَصْلا ( يعني باب نقض الوضوء بالنوم ) إِلا مَعَ بَيَان أَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِهَذَا الْحُكْم ، فَلْيُتَأَمَّلْ " انتهى باختصار .

*عبدالرحمن*
2018-04-15, 06:58
أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بركوع

السؤال

أنا أول مرة أدخل الموقع ، وبعد التصفح في الموقع اعتبرته رائعا ومفيدا من المعلومات والأجوبة .
وسؤالي : ما أول صلاة ركع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

أولا :

يسعدنا زيارتك للموقع ، واستفادتك منه ، ونرجو أن يستمر ذلك .

ثانيا :

ذكر بعض أهل العلم أن أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بركوع ، هي صلاة العصر بعد الإسراء والمعراج .

قال الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (1/496) :

" الركوع وهو من خصائص هذه الأمة ، وأول صلاة ركع فيها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر صبيحة الإسراء . واستدل السيوطي لذلك بأنه ثبت أنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر صبيحتها بلا ركوع , وأنه قبل ذلك كان يصلي صلاة الليل كذلك , فلو لم يكن الركوع من خصوصيات هذه الأمة لفعله فيما كان يفعله قبل الإسراء وفي ظهر صبيحتها " انتهى .

وقد رُوِي في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، غير أن فيه ضعفاً .

أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قال : أَوَّلُ صَلاةٍ رَكَعْنَا فِيها الْعَصْرُ . فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا هَذَا ؟ قَالَ : بِهَذَا أُمِرْت .

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/293) .

" رواه البزار والطبراني في "الأوسط" وفيه أبو عبد الرحيم ، فإن كان هو خالد بن يزيد فهو ثقة من رجال الصحيح ، ولم أجد أبو عبد الرحيم في رجال الكتب غيره ، ولم أجد أبو عبد الرحيم في الميزان ، وهو مجهول "

انتهى . والحديث ذكره في كنز العمال (21779) وأشار إلى ضعفه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-15, 07:01
: هل " مارية القبطية " من أمهات المؤمنين ؟

السؤال

إنه مما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بنى بمارية القبطية والتي كانت ملك يمينه ، وأنجبت له ولده إبراهيم ، فهل يطلق على مارية القبطية لقب " أم المؤمنين " أم لا ؟.

الجواب

الحمد لله

لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية ، بل كانت أمَة له ، وكان قد أهداها له المقوقس صاحب مصر ، وذلك بعد صلح الحديبية ، وقد كانت مارية القبطيَّة نصرانيَّة ثم أسلمت رضي الله عنها .

قال ابن سعد :

فأنزلها – يعني مارية القبطية - رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأختها على أم سليم بنت ملحان فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام فأسلمتا فوطئَ مارية بالملك وحولها إلى مال له بالعالية … وكانت حسنة الدِّين .

" الطبقات الكبرى " ( 1 / 134 – 135 ) .

وقال ابن عبد البر :

وتوفيت مارية في خلافة عمر بن الخطاب ، وذلك في المحرم من سنة ست عشرة ، وكان عمر يحشر النَّاس بنفسه لشهود جنازتها ، وصلى عليها عمر ، ودفنت بالبقيع . " الاستيعاب " ( 4 / 1912 ) .

ومارية رضي الله عنها من إمائه صلَّى الله عليه وسلَّم ، لا من أزواجه وأمهات المؤمنين هن أزوج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال الله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) الأحزاب/6 .

وقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أربع إماء ، منهم مارية .

قال ابن القيم :

قال أبو عبيدة : كان له أربع : مارية وهي أم ولده إبراهيم ، وريحانة ، وجارية أخرى جميلة أصابها في بعض السبي ، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش .

" زاد المعاد " ( 1 / 114 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-15, 07:04
هل أعطى النبي صلى الله عليه وسلم
وقفاً لتميم الداري في فلسطين ؟

السؤال

سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى الخليل في فلسطين وقف لبني تميم وكتب لهم عقدا" بهذا وكان من الشهود عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأنهم ما يزالون يعيشون بالخليل ويتمسكون بحقهم في الوقف ، فهل هذا صحيح ؟ مع أن فلسطين لم تكن للمسلمين في ذلك الوقت ؟.

الجواب

الحمد لله

جاء في عدة روايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع تميماً الداري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " بيت حبرون " وهي " الخليل " الآن .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

تميم بن أوس بن خارجة أبو رقية الداري .

انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان ونزل بيت المقدس وكان إسلامه سنة تسع .

قال يعقوب بن سفيان : لم يكن له ذَكَر ، وإنما كانت له ابنة تسمى رقية .

وجاء من وجوه عديدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه بيت حبرون .

" تهذيب التهذيب " ( 1 / 449 ) مختصراً .

وجاء في معجم البلدان (2/212) :

" حَبْرُون اسم القرية التي فيها قبر إبراهيم الخليل عليه السلام بالبيت المقدس ، وقد غلب على اسمها الخليل .

وقدم على النبي تميم الداري في قومه وسأله أن يقطعه حبرون فأجابه وكتب له كتابا نسخته :

بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أعطى محمد رسول الله لتميم الداري وأصحابه : إني أعطيتكم بيت عينون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم بذمتهم وجميع ما فيهم ، عطية بت ، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم بعدهم ، أبد الآبدين ، فمن آذاهم فيه آذى الله ، شهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب " اهـ باختصار .

ولم تكن " فلسطين " يومئذٍ بأيدي المسلمين ، بل كانت بأيدي الروم ، فأقطعهم الرسول صلى الله عليه وسلم إياها بعد أن يفتحها الله عليه . فيكون هذا كالبشارة من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفتحها .

ولما فتحت في عهد عمر وفّى بوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأوقفها تميم على ذريته وعلى خيرات حددها ، فهو أول وقف في الإسلام في أرض فلسطين ، وقد ذكر المقدسي في كتابه " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم " : " ... وجود دار ضيافة دائمة مع خباز وطباخ وخدام يقدمون العدس بالزيت لكل حاجّ أو زائر يمر بمدينة الخليل ، وهذه الضيافة والإطعام من وقف تميم الداري رضي الله عنه " .

وقال القلقشندي :

قال الحمداني‏:‏ وبلد الخليل عليه السلام معمور من بني تميم الداري رضي الله عنه وبيد بني تميم هؤلاء الرقعة التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم لتميم وإخوته بإقطاعهم بيت حبرون التي هي بلد الخليل عليه السلام وبعض بلادها .

" صبح الأعشى " ( 1 / 47 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-15, 07:06
أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أمهات المؤمنين رضي الله عنهن

السؤال

كم عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وما أسماؤهن؟

أرجو الجواب بدليل واضح مع ذكر رقم الحديث واسم الكتاب ورقم الصفحة .

حيث يوجد كثير من الخلط في هذا الموضوع

الجواب

الحمد لله

تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما يلي :

1- خديجة بنت خويلد رَضِيَ اللَّهُ عَنْها :

وهي أول أزواجه عليه الصلاة والسلام ، وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة ، ولم يتزوج عليها حتى ماتت ، وأولاده كلهم منها إلا إبراهيم .

عقد البخاري رحمه الله باباً في صحيحه فقال : بَاب تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ وَفَضْلِهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وروى فيه حديثا عن عائشة رضي الله قَالَتْ : ( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، هَلَكَتْ ( أي : ماتت ) قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا ) رواه البخاري ( 3815 ) .

2- سودة بنت زمعة بن قيس :

تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر من النبوة ، طبقات ابن سعد من طريق الواقدي 8/52-53 ، وابن كثير في البداية والنهاية 3/149 .

3- عائشة بنت أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما :

عقد عليها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال من السنة العاشرة من النبوة . ابن سعد 8/58-59 . قالت هي نفسها : ( تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ ، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين ) . رواه البخاري ( 3894 ) ومسلم ( 1422 ) . وروى البخاري ( 5077 ) أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا .

4- حفصة بنت عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما :

عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ ( أي : مات زوجها خنيس ) وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ ، قَالَ عُمَرُ : فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ ، فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، قَالَ : سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ، فَقَالَ : قَدْ بَدَا لِي أَنْ لا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا . قَالَ عُمَرُ : فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ ، فَقُلْتُ : إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا ، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا . رواه البخاري ( 4005 ) .

5- زينب بنت خزيمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها :

تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان على رأس واحد وثلاثين شهرا من الهجرة . طبقات ابن سعد 8/115 .

6- أم سلمة بنت أبي أمية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها :

روى مسلم (918) عن أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي ، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، إِلا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ) . قَالَتْ : فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وفي رواية : ( فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ : مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا ، قَالَتْ : فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .

7-جويرية بنت الحارث رضي الله عنها :

وقعت أسيرة في أيدي المسلمين في غزوة بني المصطلق ، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب منه أن يعينها في مكاتبتها لعتق رقبتها ، فعرض عليها قضاء كتابتها وزواجه بها فقبلت . فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقها صداقها . فلما علم الناس بذلك أعتقوا مَنْ بأيديهم من السبي ( الأسرى ) إكراما لأصهار الرسول صلى الله عليه وسلم . فما كانت امرأة أعظم على قومها بركة منها . رواه ابن إسحاق بإسناد حسن ، سيرة ابن هشام 3/408-409 .

8- زينب بنت جحش رَضِيَ اللَّهُ عَنْها .

وفيها نزل قول الله تعالى : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) الأحزاب/37 .

وبهذا كانت تفتخر على نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وتقول : ( زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ) رواه البخاري (7420) .

9- أم حبيبة بنت أبي سفيان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما :

روى أبو داود ( 2107 ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ ، فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلافٍ ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ . صححه الألباني .

10- ميمونة بنت الحارث رَضِيَ اللَّهُ عَنْها :

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ . رواه البخاري (1837) ومسلم (1410) .

وقوله : (وهو محرم) وهم ، والصواب أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها بعد أن تحلل من عمرة القضاء .

انظر : "زاد العاد" (1/113) ، "فتح الباري" حديث رقم (5114) .

11- صفية بنت حيي بن أخطب رَضِيَ اللَّهُ عَنْها :

أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها بعد غزوة خيبر . رواه البخاري (371) .

فهؤلاء أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي دخل بهن ، وتوفيت منهن اثنتان في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهما : خديجة ، وزينب بنت خزيمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ، وتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التسع البواقي من غير خلاف بين أهل العلم .

وانظر : "زاد المعاد" (1/105-114) .

وقيل : ومن أزواجه ريحانة بنت عمرو النضرية ، وقيل : القرظية ، سبيت يوم غزوة بني قريظة ، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فأعتقها وتزوجها ، ثم طلقها تطليقة ثم راجعها . طبقات ابن سعد عن الواقدي 8/130 .

وقيل : بل كانت أمَتَه ، وكان يطؤها بملك اليمين . ورجحه ابن القيم في "زاد المعاد" .

*عبدالرحمن*
2018-04-15, 07:10
هل كانت زوجاته صلَّى الله عليه وسلَّم
تسع أم إحدى عشرة

السؤال

في كتاب " الرحيق المختوم " لصفي الرحمن المباركفوري يقول المؤلف في باب " بيت النبوة" أنه صلي الله عليه وسلم كان عنده إحدى عشرة زوجة وهناك أيضا اثنتان لم يدخل بهما بالإضافة إلي أربع مما ملكت يمينه فهل هذه المعلومات صحيحة ؟.

الجواب

الحمد لله

اختلف أهل العلم في عدد نسائه صلى الله عليه وسلم ، وقد ذهب الجمهور منهم – وهو الصواب – أنهنَّ إحدى عشر امرأة دخل بهن صلى الله عليه وسلم ، وقد مات عن تسعٍ منهن ، وماتت خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة – رضي الله عنهما – قبله صلى الله عليه وسلَّم .

وهو قول أصحابه كما رواه عنهم الأئمة في كتبهم الصحيحة :

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة ، وله تسع نسوة . رواه البخاري 280 .

وقد تفرد معاذ بن هشام عن أبيه في رواية عند البخاري ( 265 ) أنهن " إحدى عشر " وهو وهم ، والصواب أنه كان يطوف على تسع نسوة .

قال ابن حجر :

قال ابن خزيمة : تفرد بذلك معاذ بن هشام عن أبيه ، ورواه سعيد بن أبي عروبة وغيره عن قتادة فقالوا " تسع نسوة " ، انتهى ، وقد أشار البخاري إلى رواية سعيد بن أبي عروبة فعلقها هنا ، ووصلها بعد اثني عشر باباً بلفظ " كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ، وله يومئذ تسع نسوة " . "

فتح الباري " 1/377

وعن عطاء قال : حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف فقال ابن عباس : هذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة .

رواه البخاري ( 4780 ) ومسلم ( 1465 )

والتي كان لا يقسم لها هي : سودة بنت زمعة حيث تنازلت عن ليلتها لعائشة – رضي الله عنها - .

قال ابن القيم :

ولا خلاف أنه توفي عن تسع وكان يقسم منهن لثمان عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم سلمة وصفية وأم حبيبة وميمونة وسودة وجويرية وأول نسائه لُحُوقا به بعد وفاته زينب بنت جحش سنة عشرين وآخرهن موتا أم سلمة سنة اثنتين وستين في خلافة يزيد . "

زاد المعاد " ( 1 / 114 )

وأما إماؤه فقد كان له صلى الله عليه وسلم أربع إماء .

قال ابن القيم :

قال أبو عبيدة : كان له أربع : مارية وهي أم ولده إبراهيم ، وريحانة ، وجارية أخرى جميلة أصابها في بعض السبي ، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش . "

زاد المعاد " ( 1 / 114 ) .

*عبدالرحمن*
2018-04-15, 07:13
آخر كلام تكلم به الرسول صلى الله عليه وسلم

السؤال

ما هو آخر حديث نطق به الرسول صلي الله عليه وسلم قبل أن يودع عليه الصلاة والسلام الدنيا ؟.

الجواب

الحمد لله

آخر ما نطق به النبي صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يودع الدنيا : ( اللهم الرفيق الأعلى ) وعلى ذلك بوب البخاري في كتاب المغازي من صحيحه ، باب : آخر ما تكلم به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وساق حديث عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرَ فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى فَقُلْتُ إِذًا لا يَخْتَارُنَا وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَتْ فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى ٌ)

رواه البخاري (4463) ومسلم (2444)

وأما ما رواه أحمد (1691) من حديث أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَاعْلَمُوا أَنَّ شِرَارَ النَّاسِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ، صححه الألباني في الصحيحة برقم (1132) وما رواه أبو داود (5156) وابن ماجه (2698)

من حديث عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ آخِرُ كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ الصَّلاةَ اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم ) صححه الألباني في صحيح أبي داود ، ونحو ذلك من الأحاديث فالمراد بها أن ذلك من آخر ما تكلم به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أو أن ذلك آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم ـ من الذي كان يوصي به أهله وأصحابه وولاة الأمور من بعده . فهذه الأحاديث آخريتها نسبية ، وأما حديث عائشة فآخريته مطلقة .

انظر فيض القدرير للمناوي (5/250-251).

فائدة : قال السهيلي : الحكمة من اختتام كلام المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الكلمة ( اللهم الرفيق الأعلى ) كونها تتضمن التوحيد والذكر بالقلب ، حتى يستفاد منه الرخصة لغيره أنه لا يشترط أن يكون الذكر باللسان ، لأن بعض الناس قد يمنعه من النطق مانع ، فلا يضره ، إذا كان قلبه عامرا بالذكر .

نقله الحافظ في الفتح (8/138) .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-04-16, 02:03
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


حكمة زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بعائشة رُغم فارق السنّ

السؤال

سألني زميل لي نصراني عن حكمة زواج الرسول صلي الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين وقد كان قارب الستين . وهل عاشرها معاشرة الأزواج وهي في هذه السن أم ماذا ؟؟ وللحقيقة .. أنا لا أعرف الرد عن ذلك .

الجواب

الحمد لله

إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بعد زواجه من سودة بنت زمعة رضي الله عنها ، وهي – أي عائشة - البكر الوحيدة التي تزوجها صلى الله عليه وسلم . وقد دخل بها وهي بنت تسع سنين .

وكان من فضائلها رضي الله عنها أنه ما نزل الوحي في لحاف امرأة غيرها ، وكانت من أحب الخلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ونزلت براءتها من فوق سبع سماوات ، وكانت من أفقه نسائه وأعلمهن ، بل أفقه نساء الأمة وأعلمهن على الإطلاق ، وكان الأكابر من أصحاب النبي يرجعون إلى قولها ويستفتونها .

أما قصة زواجها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حزن على وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، إذ كانت تؤويه وتنصره ، وتعينه وتقف إلى جنبه ، حتى سمي ذلك العام الذي توفيت فيه بعام الحزن ، ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعدها سودة ، وكانت مسنة ، ولم تكن ذات جمال ، وإنما تزوجها مواساة لها ، حيث توفي زوجها ، وبقيت بين قوم مشركين ، وبعد أربع سنوات تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ، وكان عمره صلى الله عليه وسلم فوق الخمسين ، ولعل من الحكم في زواجه ما يلي :

أولا : أنه رأى رؤيا في زواجه صلى الله عليه وسلم منها ، فقد ثبت في البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( أُريتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقال : هذه امرأتك ، فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه ) رواه البخاري برقم 3682 ، وهل هي رؤيا نبوة على ظاهرها ، أم لها تأويل ، فيه خلاف بين العلماء ذكره الحافظ في فتح الباري ( 9/181 )

ثانيا : ما رآه صلى الله عليه وسلم في عائشة رضي الله عنها من أمارات ومقدمات الذكاء والفطنة في صغرها ، فأحب الزواج بها لتكون أقدر من غيرها على نقل أحواله صلى الله عليه وسلم وأقواله ، وبالفعل فقد كانت رضي الله عنها – كما سبق – مرجعا للصحابة رضي الله عنهم في شؤونهم وأحكامهم .

ثالثا : محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها أبي بكر رضي الله عنه ، وما ناله رضي الله عنه في سبيل دعوة الحق من الأذى الذي صبر عليه ، فكان أقوى الناس إيمانا ، وأصدقهم يقينا على الإطلاق بعد الأنبياء .

ويلاحظ في مجموع زواجه صلى الله عليه وسلم أن من بين زوجاته الصغيرة ، والمسنة ، وابنة عدو لدود ، وابنة صديق حميم ، ومنهن من كانت تشغل نفسها بتربية الأيتام ، ومنهن من تميزت على غيرها بكثيرة الصيام والقيام .... إنهن نماذج لأفراد الإنسانية ، ومن خلالهن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين تشريعا فريدا في كيفية التعامل السليم مع كل نموذج من هذه النماذج البشرية . انظر السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ص711

أما مسألة صغر سنها رضي الله عنها ، واستشكالك لهذا ، فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ في بلاد حارة وهي أرض الجزيرة ، وغالب البلاد الحارة يكون فيها البلوغ مبكرا ، ويكون الزواج المبكر ، وهكذا كان الناس في أرض الجزيرة إلى عهد قريب ، كما أن النساء يختلفن من حيث البنية والاستعداد الجسمي لهذا الأمر وبينهن تفاوت كبير في ذلك .

وإذا تأمّلت ـ رعاك الله ـ في أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتزوّج بكراً غير عائشة رضي الله عنها ، وكلّ زوجاته سبق لهنّ الزواج قبله زال عنك ما يشيعه أكثر الطاعنين من أن زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبعثه الأساسي هو الشهوة والتنعّم بالنساء ، إذ من كان هذا مقصده فإنّه لا يتخيّر في كلّ زوجاته أو معظمهن من توفرت فيها صفات الجمال والترغيب من كونها بكراً فائقة الجمال ، ونحو ذلك من المعايير الحسية الزائلة .

ومثل هذه المطاعن في نبي الرحمة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكفّار ونحوهم تدلّ على تمام عجزهم من أن يطعنوا في الشرع والدين الذي جاء به من عند الله تعالى ، فحاولوا أن يبحثوا عن مطاعن لهم في أمور خارجة ، ولكن يأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون .

وبالله التوفيق

للمزيد انظر ( زاد المعاد 1 / 106 ).

*عبدالرحمن*
2018-04-16, 02:07
كم رمضان صام الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

السؤال

كم رمضان صام الرسول صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

أجمع العلماء على أن صوم شهر رمضان فرض في شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صام تسع رمضانات ، لأنه صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة .

قال في "الإنصاف" :

فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إجْمَاعًا , فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ إجْمَاعًا اهـ .

وقال النووي في المجموع :

صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ تِسْعَ سِنِينَ ; لأَنَّهُ فُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ , وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ اهـ .

وانظر أيضاً "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/20) .

*عبدالرحمن*
2018-04-16, 02:09
السؤال

من الذي اعتنى بالنبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بعدما مات أبواه ؟.

الجواب

الحمد لله

الذي اعتنى به هو جده عبد المطلب ثم بعد وفاة جده اعتنى به عمّه أبو طالب ، وكلاهما مات كافراً ، أما عبد المطلب فمات قبل النبوة ، وأما أبو طالب فمات بعد النبوة بنحو عشر سنين بعد أن أبى الدخول في الإسلام .

قال ابن كثير : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وكان يجلس على فراشه وكان عبد المطلب لا يأكل طعاما إلا يقول علي بابني فيؤتى به إليه فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقال ابن إسحاق فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين هلك جده عبد المطلب بن هاشم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده عبد المطلب مع عمه أبي طالب لوصية عبد المطلب له به ولأنه كان شقيق أبيه عبد الله أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم

قال فكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو طالب لا مال له وكان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده وكان لا ينام إلا إلى جنبه ويخرج فيخرج معه وكان يخصه بالطعام .

البداية والنهاية ج/ 2 ص/ 282 .

*عبدالرحمن*
2018-04-16, 02:12
نظرة واقعية للزواج من الكتابيات

السؤال

هل يحق للرجل المسلم الزواج من امرأة نصرانية أو يهودية كما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية ؟.

الجواب

الحمد لله

لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية ، بل كانت أمَة له ، وكان قد أهداها له المقوقس صاحب مصر ، وذلك بعد صلح الحديبية .

والأمة يجوز الاستمتاع بها ومعاشرتها حتى لو لم تكن مسلمة لأنها من ملك اليمين والله تعالى أباح ملك اليمين من غير شرط الإسلام قال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون* إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) سورة المؤمنون/5-6

أما الزواج من نصرانية أو يهودية فهو جائز بنص القرآن بقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) المائدة / 5 .

قال ابن القيم :

ويجوز نكاح الكتابية بنص القرآن ، قال تعالى : { والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } ، والمحصنات هنا هن العفائف ، وأما المحصنات المحرمات في سورة النساء فهن المزوجات ، وقيل : المحصنات اللاتي أُبحن هن الحرائر ، ولهذا لم تحل إماء أهل الكتاب ، والصحيح : الأول لوجوه – وذكرها - .

والمقصود : أن الله سبحانه أباح لنا المحصنات من أهل الكتاب ، وفعله أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، فتزوج عثمان نصرانية ، وتزوج طلحة بن عبيد الله نصرانية ، وتزوج حذيفة يهودية .

قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن المسلم يتزوج النصرانية أو اليهودية ، فقال : ما أحب أن يفعل ذلك ، فإن فعل فقد فعل ذلك بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

" أحكام أهل الذمة " ( 2 / 794 ، 795 ) .

ونحن وإن قلنا بالجواز ، ولا نشك بذلك للنص الواضح فيه ، إلا أننا لا نرى أن يتزوج المسلم كتابية ، وذلك لأمور :

الأول : أن من شروط التزوج من الكتابية أن تكون عفيفة ، وقلَّ أن يوجد في تلك البيئات من هن عفيفات .

والثاني : أن من شروط التزوج من الكتابية أن تكون الولاية للمسلم ، والحاصل في هذا الزمان أن من يتزوج من بلد كافر فإنه يتزوجهن وفق قوانينها ، فيطبقون عليه نصوص قوانينهم وفيها من الظلم والجور الشيء الكثير ، ولا يعترفون بولاية المسلم على زوجته وأولاده ، وإذا ما غضبت المرأة من زوجها هدمت بيته وأخذت أولادها بقوة قانون بلدها ، وبإعانة سفاراتها في كافة البلاد ، ولا يخفى الضعف والعجز في مواجهة تلك البلاد وسفاراتها في بلدان المسلمين .

والثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم رغَّبنا بذات الدين من المسلمات ، فلو كانت مسلمة توحد الله لكنها ليست ذات دين وخلق فإنه لا يرغب بزواجها ، لأن الزواج ليس هو الاستمتاع بالجماع فقط ، بل هو رعاية لحق الله وحق الزوج ، وحفظ لبيته وعرضه وماله ، وتربية لأولاده ، فكيف يأمن من يتزوج كتابية على تربية أبنائه وبناته على الدين والطاعة ، وهو تارك لهم بين يدي تلك الأم التي تكفر بالله تعالى وتشرك معه آلهة ؟ .

لذا وإن قلنا بجواز التزوج من كتابية إلا أنه غير محبَّذٍ ولا يُنصح به ، لما يترتب عليه من عواقب ، فعلى الإنسان المسلم العاقل أن يتخيّر لنطفته أين يضعها . وأن ينظر نظراً مستقبلياً لحال أولاده ودينهم ، وألا يعميه عن النظر الواعي شهوة جارفة ، أو مصلحة دنيوية عاجلة أو جمال ظاهري خادع ، فإنما الجمال جمال الدين والأخلاق .

وليعلم أنه إن ترك مثل هذه الزيجات ابتغاء الأفضل لدينه ودين أبنائه فإن الله تعالى يعوِّضه خيراً ، إذ أن " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " كما أخبر بذلك الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-16, 02:14
من هي الكتابية التي يجوز للمسلم الزواج بها

السؤال :

أود أن اعرف ما تعنيه بعبارة ( تزوج العفيفات ) من أهل الكتاب المسيحيات أو اليهوديات ؟

فهل اللمس والتقبيل يحول دون الزواج من الكتابية ؟

لقد قرأت في إجابتك أن المسلم يجب أن يتزوج المرأة العفيفة فهل ينطبق ذلك فقط على المرأة الكتابية أم يشمل أيضا الفتاة المسلمة ؟

وهل اللمس والتقبيل يدخل ضمن تعريف كلمة العفاف ؟

وما هي النصيحة التي يمكنك تقديمها إلى شاب مسلم يعتقد بأن اللمس ضروري قبل الزواج ؟

الجواب:

الحمد لله

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في " جامع البيان عن تأويل آي القرآن "(8/165) في تعريف المُحصنة :

حَصُنت هي فهي تَحصُن حَصَانة إذا عفَّت ، وهي حاصنٌ من النساء عفيفة … ويقال أيضا ، إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور : " قد أحصنت فرجها فهي محصنة كما قال جل ثناؤه " ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها " بمعنى حفظته من الرِّيبة ، ومنعته من الفجور . ثم ذكر الأقوال في تأويل قوله تعالى ( والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكـم … ) ومما ذكره :

وقال آخرون إنما عنى الله بقوله { والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } العفائف من الفريقين إماء كن أو حرائر فأجاز قائل هذه المقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الآية وحرموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب . " ثم ذكر رحمه الله الآثار على هذا القول .

وقال أيضا : " ثم اختلف أهل التأويل في حكم قوله " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " أعام أم خاص ؟ فقال بعضهم : هو عام في العفائف منهن لأن المحصنات العفائف وللمسلم أن يتزوج كل حرة وأمة كتابية ، حربية كانت أو ذمية . واعتلوا في ذلك بظاهر قوله تعالى " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، وأن المعنىَّ بهن العفائف ، كائنة من كانت منهن . وهذا قول من قال : عنى بـ "المحصنات " في هذا الموضع : العفائف ..

وقال آخرون : بل ذلك معنيّ به نساء أهل الكتاب الذين لهم من المسلمين ذمة وعهد . فأما أهل الحرب ، فإنَّ نساءهم حرام على المسلمين .

وذكر رحمه الله شرطا مهما لنكاح الكتابية ينبغي أن يتمعّن فيه ويقف عنده كلّ مسلم يريد أن يتزوج منهن في بلاد الكفر وهذا الشّرط هو : " أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يُجبر على الكفر " .ا.هـ ومن أوضح تطبيقات هذا الكلام في واقعنا أن لا يكون في بلاد الكفر ما يُجبر المسلم على تنشئة ولده على دين أهل الكفر بحيث يُدرّس الولد إجباريا شيئا من دين النصارى مثلا أو يُؤخذ إلى الكنيسة يوم الأحد أو يكون القانون في صفّ المرأة الكافرة بحيث تأخذ الولد إذا شاءت فتربيه على دين قومها ونحو ذلك نسأل الله العافية ونعوذ به من الخذلان .

وقال الشيخ السعدي في تفسيره (1/458) :

{و} أحل لكم { المحصنات } أي : الحرائر العفيفات { من المؤمنات } ، { والمحصنات} الحرائر العفيفات { من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } أي : من اليهود والنصارى وهذا مُخصِّص لقوله تعالى :{ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } .
.. وأما الفاجرات ، غير العفيفات عن الزنا ، فلا يباح نكاحهن ، سواء كن مسلمات ، أو كتابيات ، حتى يتبن لقوله تعالى : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) الآية .

والله تعالى أعلم

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-16, 02:19
هل أسلم والدا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

السؤال

هل كان جد النبي صلى الله عليه وسلم ووالده ووالدته مؤمنين بالله وبجميع الرسل الذين كانوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

الكلام في جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرع عن الكلام في حكم أهل الفترة ، والفترة معناها كما قال ابن كثير : هي ما بين كل نبيين كانقطاع الرسالة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ( تفسير القرآن العظيم 2 / 35 ، وانظر : جمع الجوامع للسبكي 1 / 63 وروح المعاني للآلوسي 6 / 103 ) .

وقد قسّمهم أهل العلم إلى قسمين :

القسم الأول من بلغته الدعوة ، والقسم الثاني من لم تبلغه الدعوة وبقي على حين غفلة ، ويشمل القسم الأول نوعين :

1- من بلغته الدعوة ووحّد ولم يشرك كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل ( انظر : البداية والنهاية 2 / 230 وفتح الباري 7 / 147 )

2- من بلغته الدعوة ولكنه غيّر وأشرك كعمرو بن لحي الذي غيّر دين إبراهيم ، والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجرّ قصبه في النار )

رواه البخاري (3521) ومسلم (2856)

وقد جاء النص عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن والديه في النار ، روى مسلم (203) أن رجلاً قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : في النار ، فلما قضى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار )

وفي شأن أمه قال عليه الصلاة والسلام : ( استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي )

رواه مسلم (976) .

يقول النووي رحمه الله – شارحاً الحديث الأول - : " فيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار ، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم "

( شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .

هذا وقد حاول بعض أهل العلم الدفاع عن والدي النبي صلى الله عليه وسلم والحكم بنجاتهما ، وأن الله تعالى أحياهما بعد موتهما ، فأسلما وآمنا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ماتا على ذلك ، واستدل على هذا بأحاديث موضوعة وضعيفة جداً لا يصح الاستدلال بها .

( انظر : الحاوي للفتاوى 2 / 202 )

وقد ردّ العلماء ذلك .

قال العظيم آبادي : " كل ما ورد بإحياء والديه صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ونجاتهما أكثره موضوع مكذوب مفترى ، وبعضه ضعيف جداً لا يصح بحالٍ ، لاتفاق أئمة الحديث على وضعه وضعفه كالدارقطني والجوزقاني وابن شاهين والخطيب وابن عساكر وابن ناصر وابن الجوزي والسهيلي والقرطبي وجماعة " (

عون المعبود12/494 باختصار، وانظر: مجموع الفتاوى4/324) .

و يجب علينا أن ندرك أن النسب لا ينجي الإنسان من عذاب الله تعالى ، يقول النووي رحمه الله : " من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين "

(شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .

ولم يكن حكم والدي النبي صلى الله عليه وسلم وجده بدعاً في ذلك ، فقد أصرّ والد إبراهيم عليه السلام على الكفر حتى مات على ذلك فتبرأ منه إبراهيم عليه السلام ، كما قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) التوبة / 114 ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرّر هذا الأمر بجلاء ، وذلك حين نزلت عليه الآية الكريمة ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) الشعراء / 214

قال : ( يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً )

رواه البخاري (2753) ومسلم (206)

وينبغي على كل مسلم أن لا يحكّم عاطفته في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته دونما حجةٍ وبينةٍ من علم فيبوء بالخسارة في الدنيا والآخرة

والله المستعان .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-04-17, 05:08
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

مراسلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للملوك

السؤال

أريد أن أعرف أسماء أشهر الملوك والرؤساء الذين أسلموا بعد أن دعاهم للإسلام الرسول صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

أُمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبلغ الدين للناس كافة ، قال الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ ) سـبأ /28 .

فصدع رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أمر به ، ودعا قومه ومَنْ حوله أولاً ، وعندما استتب له الأمر ، ودخل العرب في دين الله أفواجاً قام بدعوة غيرهم وأرسل الرسل وبعث البعوث للملوك والأمراء .

روى مسلم (1774) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى . وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قال الحافظ في الفتح :

وَكَاتَبَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيّ الَّذِي أَسْلَمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ لَمَّا مَاتَ , ثُمَّ كَاتَبَ النَّجَاشِيّ الَّذِي وَلِيَ بَعْده وَكَانَ كَافِرًا اهـ .

فَبَعَثَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة إِلَى كِسْرَى , , وَدِحْيَة إِلَى قَيْصَر ملك الروم ، وَسَلِيط بْن عَمْرو إِلَى هَوْذَة بْن عَلِيّ بِالْيَمَامَةِ , وَالْعَلاء بْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْمُنْذِر بْن سَاوَى بِهَجَر , وَعَمْرو بْن الْعَاصِ إِلَى جَيْفَر وَعَبَّاد اِبْنَيْ الْجَلَنْدِيّ بِعَمَّان, وَشُجَاع بْن وَهْب إِلَى اِبْن أَبِي شَمِر الْغَسَّانِيّ , وَحَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِس . وكتب إِلَى النَّجَاشِيّ فأسلم ، ولما مات صلى عليه ، ثم كتب إِلَى النَّجَاشِيّ الذي تملك بعده وبعث إليه عَمْرو بْن أُمَيَّة .

فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وإلى عبادة الله وحده .

وانظر : "زاد المعاد" لابن القيم (3/688-697) فقد ذكر نصوص كتب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما رد به أولئك الملوك .

وكان نص كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هرقل ملك الروم : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ . سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى . أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ (أي أتباعه ورعاياه الذين يتابعونه على الكفر) . وَ [ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ] ) . رواه البخاري (7) ومسلم (1773) .

ولم يؤمن من هؤلاء الملوك إلا النجاشي ملك الحبشة الأول ، وملك عمان وأخوه .

وكاد هرقل أن يسلم ، لولا أنه خاف على نفسه من قومه ، وخاف على ذهاب ملكه ، وهكذا فعل الآخرون آثروا الحياة الدنيا على الآخرة ، فخابوا وخسروا .

فقد ثبت في البخاري ومسلم في الحديث السابق أن هرقل لما سأل أبا سفيان عن صفات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يدعو إليه عرف أنه رسول الله حقا ، وقال : ( فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ ، وسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ ) .

(لَتَجَشَّمْت) أَيْ : تَكَلَّفْت الْوُصُول إِلَيْهِ .

وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَحَقَّق أَنَّهُ لا يَسْلَم مِنْ الْقَتْل إِنْ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ورُوي عنه أنه قال : ( أَعْرِف أَنَّهُ كَذَلِكَ , وَلَكِنْ لا أَسْتَطِيع أَنْ أَفْعَل , إِنْ فَعَلْت ذَهَبَ مُلْكِي وَقَتَلَنِي الرُّوم ) ورُوي عنه أيضاً : ( وَاَللَّه إِنِّي لأَعْلَم أَنَّهُ نَبِيّ مُرْسَل , وَلَكِنِّي أَخَاف الرُّوم عَلَى نَفْسِي , وَلَوْلا ذَلِكَ لاتَّبَعْتُهُ ) .

وذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (3/694) أن هرقل لما بلغه إسلام النجاشي قال : والله لولا الضَنُّ بملكي (أي لولا التمسك به) لصنعتُ كما صنع .

فمنعه خوفه على نفسه وملكه من الإسلام والهجرة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

لَكِنْ لَوْ تَفَطَّنَ هِرَقْل لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَاب الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهِ ( أَسْلِمْ تَسْلَم ) وَحَمَلَ ذلك عَلَى عُمُومه فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة لَسَلِمَ لَوْ أَسْلَمَ مِنْ كُلّ مَا يَخَافهُ . وَلَكِنَّ التَّوْفِيق بِيَدِ اللَّه تَعَالَى . وقد أسلم النجاشي ملك الحبشة ولم يزل ملكه عنه .

انظر "فتح الباري" شرح حديث رقم (7) . شرح مسلم للنووي حديث رقم (1773) .

*عبدالرحمن*
2018-04-17, 05:15
مبيت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأبي بكر في غار ثور

السؤال

أبحث عن الحديث الذي روى قصة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر لمكة واختبأ في الكهف وكانت الملائكة تغطي بأجنحتها على مدخل الكهف حتى لا يراه من كان يبحث عنه من الكفار .

ما يعرفه أغلب الناس أن عنكبوتاً بنى بيته على مدخل الكهف ولكنني وجدت أن هذه الرواية ضعيفة أو ملفقة وأن الرواية التي تخبر أن الملائكة غطت بأجنحتها مدخل الكهف هي الرواية الصحيحة .

هل يمكن أن تخبرني باسم الراوي وفي أي كتاب حديث أو سيرة أجد هذه الرواية ؟ .

الجواب

الحمد لله

ذكر مبيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله في الغار في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليك بيانها :

أولاً : من كتاب الله ..

ورد في كتاب الله قصة المبيت في الغار قال تعالى : " إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " المائدة / 40 .

فالآية نص واضح على ائتمار المشركين على قتله صلى الله عليه وسلم ، وأنهما باتا في الغار .

ثانياً : السنة ..

أما ما صح من السنة النبوية في قصة المبيت في الغار :

1 - ‏‏عَنْ عَائِشَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ،‏ ‏زَوْجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏قَالَتْ : ... ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏وَأَبُو بَكْرٍ ‏‏بِغَارٍ فِي ‏‏جَبَلِ ثَوْرٍ ،‏‏ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ،‏ ‏وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ ( أي حاذق سريع الفهم ) ،‏ ‏فَيُدْلِجُ ‏‏مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ ( أي يخرج من عندهما آخر الليل ) فَيُصْبِحُ مَعَ ‏‏قُرَيْشٍ ‏ ‏بِمَكَّةَ ‏‏كَبَائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا ‏‏يُكْتَادَانِ ‏بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ ... الحديث .

رواه البخاري (3905) في قصة طويلة بوب عليها : هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة .

2 - ‏عَنْ ‏‏أَبِي بَكْرٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ :‏ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَأَنَا فِي الْغَارِ : لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا . فَقَالَ ‏‏: مَا ظَنُّكَ يَا ‏‏ أَبَا بَكْرٍ ‏‏بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا . رواه البخاري (3653) .

وأما قصة نسج العنكبوت فقد رواها الإمام أحمد (3241) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ) قَالَ : تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ اقْتُلُوهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ أَخْرِجُوهُ . فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ

وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ ، فَقَالُوا : أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي . فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ خُلِّطَ عَلَيْهِمْ ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ ، فَقَالُوا : لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ .

وقد اختلف العلماء في هذا الحديث ، فحسن إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" وابن كثير في "البداية والنهاية" (3/222) . وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند (3251) : في إسناده نظر اهـ . وقال محققو المسند (3251) : إسناده ضعيف اهـ . والله أعلم .

وأما قصة الحمامتين فقد ذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية" (3/223) وقال رواها ابن عساكر ثم قال : هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه اهـ وضعفها كذلك محققو المسند في الموضع المشار إليه سابقاً .

وقال الألباني في " السلسلة الضعيفة " (3/339) : واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين على كثرة ما يذكر ذلك في بعض الكتب والمحاضرات التي تلقى بمناسبة هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فكن من ذلك على علم اهـ .

وأما ستر الملائكة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر فقد رواه الطبراني في "الكبير" (24/106-108) من حديث أسماء بنت أبي بكر . وهو حديث طويل وفيه : (فقال أبو بكر لرجل يراه مواجه الغار : يا رسول الله إنه ليرانا ، فقال : كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها ... الحديث) .

وهذا الحديث في سنده يعقوب بن حُمَيْد بن كاسِب المدني ، وقد اختلف فيه أهل العلم . انظر : "تهذيب الكمال" للمزي (32/318-323) .

فضعفه ابن معين ، وأبو حاتم ، والنسائي ، ووهَّاه أبو زرعة الرازي .

وقال أبو داود السجستاني رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها ، فطالبناه بالأصول ، فدافعنا ، ثم أخرجها بعد ، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري ، كانت مراسيل ، فأسندها وزاد فيها .

وقال ابن عدي : لا بأس به وبرواياته ، وهو كثير الحديث ، كثير الغرائب .

وقال الذهبي : كان من علماء الحديث لكنه له مناكير وغرائب .

ووثقه ابن حبان . وقال عنه الحافظ ابن حجر : صدوق له أوهام .

والألباني رحمه الله يحسن حديثه غير أنه توقف في تحسين هذا الحديث ،

قال رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (3/263) :

المتقرر في يعقوب هذا أنه حسن الحديث . . . فإن لم يكن في الإسناد علة أخرى فهو حسن . . . ثم قال : وشيخ الطبراني أحمد بن عمرو الخلال المكي لم أقف له على ترجمة ، وقد أخرج له في "المعجم الأوسط" نحو 16 حديثا ، مما يدل على أنه من شيوخه المشهورين ، فإن عرف أو توبع فالحديث حسن اهـ .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-17, 05:18
صفة خاتم النبوة

السؤال

لقد رأيت ورقة مرسوماً عليها شكل خاتم النبوة حيث يدعى بأن هذا الشكل هو ما كان موجودا بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومكتوب عليه عبارات باللغة العربية مثل لفظ الجلالة واسم سيدنا محمد وعبارات أخرى . أرجو توضيح ذلك ، وإعطاء الوصف الصحيح للخاتم ، وتنبيه المسلمين لذلك.

الجواب

الحمد لله

من الصفات التي وصف بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكتب المتقدمة أنه بين كتفيه خاتم النبوة ، فكان ذلك علامة على صدقه ، وأَنَّهُ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وقد وردت صفة خاتم النبوة في السنة الصحيحة أنه كان بارزاً في حجم بيضة الحمامة ، بين كتفي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . حوله خِيلان [ جمع خال : نقطة تضرب إلى السواد وتسمى شامة ] ، وعليه شعرات مجتمعات .

قَالَ الْقُرْطُبِيّ :

اتَّفَقَتْ الأَحَادِيث الثَّابِتَة عَلَى أَنَّ خَاتَم النُّبُوَّة كَانَ شَيْئًا بَارِزًا عِنْد كَتِفه الأَيْسَر ، قَدْره قَدْر بَيْضَة الْحَمَامَة اهـ . بتصرف .

ولم يثبت أن الخاتم كان مكتوباً عليه لفظ الجلالة أو (محمد) أو غير ذلك من الكلمات .

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/650) :

وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ كَأَثَرِ مِحْجَم , أَوْ كَالشَّامَةِ السَّوْدَاء أَوْ الْخَضْرَاء , أَوْ مَكْتُوب عَلَيْهَا "مُحَمَّد رَسُول اللَّه" أَوْ "سِرْ فَأَنْتَ الْمَنْصُور" أَوْ نَحْو ذَلِكَ , فَلَمْ يَثْبُت مِنْهَا شَيْء . . . وَلا تَغْتَرّ بِمَا وَقَعَ مِنْهَا فِي صَحِيح اِبْن حِبَّانَ فَإِنَّهُ غَفَلَ حَيْثُ صَحَّحَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ

وهذه بعض الأحاديث الواردة في خاتم النبوة :

1- روى مسلم (2344) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : "رأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده ".أَيْ : يُشْبِهُ لَوْنُهُ لَوْنَ سَائِرِ أَعْضَائِهِ .

2- وروى مسلم أيضاً ( 2346 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا أَوْ قَالَ ثَرِيدًا . . . قَالَ : ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى جُمْعًا عَلَيْهِ خِيلانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ .

( نَاغِض كَتِفه ) هو أَعْلَى الْكَتِف , وَقِيلَ : هُوَ الْعَظْمُ الرَّقِيقُ الَّذِي أَعْلَى طَرَفه .

( جُمْعًا ) مَعْنَاهُ : عَلَى هَيْئَة جَمْع الْكَفّ أي بعد أَنْ تَجْمَعَ الأَصَابِع وَتَضُمَّهَا , لَكِنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهُ فِي قَدْر بَيْضَة الْحَمَامَة .

( الْخِيلَان ) جَمْع ( خَال ) , وَهُوَ الشَّامَة فِي الْجَسَد . انظر شرح مسلم للنووي .

(الثآليل ) : قال ابن الأثير في "النهاية" :

جَمْع ثُؤلُول، وهُو هذه الحبَّة التي تَظْهر في الجِلد كالحِمَّصَة فما دُونها اهـ .

3- وروى الترمذي في الشمائل عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري قال : فمسحت ظهره ، فوقعت أصابعي على الخاتم . وسئل : ما الخاتم ؟ قال : شعرات مجتمعات . صححه الألباني في "مختصر الشمائل " ص 31 .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-17, 05:21
أم حرام وأم سليم من محارم
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

السؤال

ما هي قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم لأم سليم وأم حرام ؟

اعتاد الرسول صلى الله عليه وسلم الذهاب لبيوتهم ويستريح عندهم، هل كانتا صحابيات من محارم الرسول ؟

وما صلة القرابة ؟.

الجواب

الحمد لله

أم سليم هي سهلة أو رميلة أو مليكة بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية رضي الله عنها ، وهي أم أنس بن مالك رضي الله عنه ، مشهورة بكنيتها ، واختلف في اسمها . الإصابة 8/227

وأم حرام : هي بنت ملحان رضي الله عنها ، وهي أخت أم سليم . قال ابن عبد البر: لا أقف لها على اسم صحيح .

وهما من محارم النبي صلى الله عليه وسلم .

روى البخاري (2789) ومسلم (1912) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ شَكَّ إِسْحَاقُ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ

كَمَا قَالَ فِي الأَوَّلِ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أَنْتِ مِنْ الأَوَّلِينَ فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ .

وروى مسلم (2331) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا وَلَيْسَتْ فِيهِ قَالَ فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا فَأُتِيَتْ فَقِيلَ لَهَا هَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ قَالَ فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا فَفَزِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا قَالَ أَصَبْتِ .

قال النووي رحمه الله :

قال رحمه الله : ( اتفق العلماء على أن أم حرام كانت محرما له صلى الله عليه وسلم. واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره : كانت إحدى خالاته من الرضاعة. وقال آخرون : بل كانت خالة لأبيه أو لجده لأن عبد المطلب كانت أمه من بنى النجار ) اهـ .

وقال أيضاً :

أُمّ حَرَام أُخْت أُمّ سُلَيْمٍ ، وقد كَانَتَا خَالَتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْرَمَيْنِ إِمَّا مِنْ الرَّضَاع , وَإِمَّا مِنْ النَّسَب, فَتَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَة بِهِمَا , وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً , لا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرهمَا مِنْ النِّسَاء إِلا أَزْوَاجه اهـ .

*عبدالرحمن*
2018-04-17, 05:24
حِجر إسماعيل ، تسمية لا أصل لها

السؤال

هل دفنَ إسماعيل عليه السلام والدته هاجر في "حِجْرِ إسماعيل" ؟

فقد سمعت ذلك من أحد شيوخنا .

الجواب

الحمد لله

ننبه أولا إلى أن تسمية الناس للحِجر بحِجر إسماعيل تسمية لا أصل لها

ولا علم لإسماعيل عليه السلام بهذا الحجر ، فقد بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة بناء كاملا مشتملا على هذا الحجر ، ثم إن جدران الكعبة تصدعت من أثر حريق وسيل جارف حدث قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهدمت قريش ما بقي من جدرانها ، ثم أعادت بناءها ، فقصرت بها النفقة الطيبة عن إتمام البنا

على قواعد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، فأخرجوا منها الحِجر ، وبنوا عليه جدارا قصيرا دلالة على أنه منها ، وكانوا قد شرطوا على أنفسهم ألا يدخلوا في بنائها إلا نفقة طيبة ، لا يدخلها مهر بغي ولا بيع ربا ، ولا مظلمة لأحد.

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجَدْر أمن البيت هو ؟ قال نعم . قلت : فما بالهم لم يدخلوه في البيت ؟ قال إن قومك قصرت بهم النفقة "

رواه البخاري 1584 ومسلم 1333 .

والجَدر : لغة في الجدار ، والمراد به الحِجر .

فالصواب أن يقال : الحجر ، دون أن ينسب إلى إسماعيل عليه السلام .

ولم يثبت في حديث مرفوع أن هذا الحجر دفن فيه إسماعيل عليه السلام ، أو دفنت فيه هاجر . لكن وردت آثار موقوفة بأسانيد واهية تفيد أن قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر .

وانظر في ذلك : تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للشيخ اللأباني رحمه الله ص 75 ، 76

وكون إسماعيل عليه السلام يدفن أمه داخل الكعبة ، أو يدفنه أبناؤه فيها أمر مستبعد غاية الاستبعاد ، والقول به فرع عن ثبوته ، ولم يثبت شيء من ذلك ولله الحمد .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-17, 05:27
محاولات اليهود لقتل
النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال

سمعت الآتي : حاول اليهود قتل الرسول 3 مرات, آخر مرة كانت قبل وفاة الرسول ب 6 سنوات بشاة مسمومة. مضغ منها الرسول مضغتين ثم أنطق الله الشاة لتخبر الرسول أنها مسمومة. و عند وفاة الرسول قال إنه : كأنه يشعر بطعم الشاه فهل هذا صحيح؟ لو صح هذا فمعناه أن لنا ثأُُُُُرا شديدا عندهم .

الجواب

الحمد لله

أما بعد : فقد أراد اليهود قتل الرسول صلى الله عليه وسلم مرات عدة ، منها :

1- ما كان في صغره ، فقد روى ابن سعد في الطبقات بالسند إلى إسحاق بن عبد الله أن أم النبي صلى الله عليه وسلم لما دفعته إلى السعدية التي أرضعته ، قالت لها : احفظي ابني وأخبرتها بما رأت . فمرت باليهود فقالت : ألا تحدثوني عن ابني هذا ، فإني حملته كذا ووضعته كذا ورأيت كذا ، كما وصفت أمه . قال : فقال بعضهم لبعض اقتلوه . فقالوا : أيتيم هو ؟ فقالت : لا ، هذا أبوه وأنا أمه . فقالوا : لو كان يتيما لقتلناه . قال : فذهبت به حليمة وقالت : كدت أخرب أمانتي .

وهذا مرسل ، ورجاله ثقات .

2- وحاولوا قتله صلى الله عليه وسلم بعد بدر ، فأرسل بنو النضير إليه أن اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك ، ولنخرج في ثلاثين حبرا حتى نلتقي في مكان كذا وكذا ، نِصْف بيننا وبينك ، فيسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا. ثم قالوا : كيف تفهم ونفهم ونحن ستون رجلا ؟

اخرج في ثلاثة من أصحابك ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا فليسمعوا منك ، فاشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى ابن أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فرجع ، فلما كان الغد غدا عليهم بالكتائب فحاصرهم. وتم إجلاء يهود بني النضير. وهذه القصة رواها عبد الرزاق في مصنفه

ورواها أبو داود في سننه (3004 ) من طريق عبد الرزاق ، غير أنه لم يذكر تفاصيل القصة ، بل جاء فيه " ... يسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فقص خبرهم فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحصرهم ". والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .

3- وذكر ابن إسحاق سببا آخر لإجلاء بني النضير ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني النضير ليستعين بهم على دفع دية رجلين معاهدين قتلهما خطأ عمرو بن أمية الضمري ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جدار لبني النضير فهموا بإلقاء حجر عليه وقتله ، فأخبره الوحي بذلك فانصرف عنهم مسرعا إلى المدينة ثم أمر بحصارهم.

4- ثم كانت حادثة السم ، بعد فتح خيبر ، فقد روى البخاري (2617) ومسلم (2190) عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك قال ما كان الله ليسلطك على . قالوا : ألا نقتلها ؟ قال: لا . قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

واللهوات : جمع لهاة ، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أقصى الحنك .

قال النووي : كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره .

واسم هذه المرأة : زينب بنت الحارث ، امرأة سلام ابن مشكم أحد زعماء اليهود .

وقد اختلفت الروايات في قتلها ، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتلها أولا ، فلما مات بشر بن البراء بن معرور متأثرا بهذا الطعام ، قتلها قصاصاً .

وروى البخاري (5777) عن أبي هريرة أنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود فجمعوا له فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا نعم فقال هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ فقالوا نعم فقال ما حملكم على ذلك ؟ فقالوا أردنا إن كنت كذابا نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك".

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاوده المرض من هذه الأكلة ، وكان يحتجم لذلك .

روى أحمد (2784) عن ابن عباس أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأرسل إليها فقال ما حملك على ما صنعت قالت أحببت أو أردت إن كنت نبيا فإن الله سيطلعك عليه وان لم تكن نبيا أريح الناس منك قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئا احتجم قال فسافر مرة فلما أحرم وجد من ذلك شيئا فاحتجم". وصححه محققو المسند .

وأثر ذلك عليه في وفاته ، فمات شهيدا صلى الله عليه وسلم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه :

لأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ تِسْعًا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ قَتْلا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً ، وَذَلِك بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَهُ نَبِيًّا ، وَجَعَلَهُ شَهِيدًا . رواه أحمد (3617) . وقال المحقون : إسناده صحيح على شرط مسلم اهـ

قال السندي : قوله : ( قتل قتلا ) بسُمِّ ما تناول من الذراع بأن ظهرت آثاره عند الوفاة اهـ . نقلا من حاشية المسند 6/116.

روى البخاري في صحيحه معلقا والحاكم في مستدركه موصولا عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أَبهري من ذلك السم".

والأبهر عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب ، إذا انقطع مات صاحبه.

وفتح خيبر كان في المحرم أو ربيع الأول من السنة السابعة من الهجرة ، فيكون هذا الحادث قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنوات .

وهذا يضاف إلى سجل جرائم اليهود التي لا حصر لها في القديم والحديث ، وستبقى العدواة بيننا وبينهم حتى نقاتلهم ونقتلهم في آخر الزمان كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

ينظر : اليهود في السنة المطهرة ، د. عبد الله بن ناصر الشقاري ، وزاد المعاد 3/279

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-17, 05:31
كيف تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة

السؤال

سألني الكثير من أصدقائي عن الزنى بالجنس الآخر فقلت لهم بأنه محرم في الإسلام فقالوا بأن خديجة رضي الله عنها كانت تحب الرسول صلى الله عليه وسلم وتزوجته ، قرأت الكثير من الكتب ومواقع على الإنترنت فلم أجد معلومات عن طريقة زواجهما وكل ما أعلمه أن خديجة رضي الله عنها أرسلت رسالة مع إحدى الإماء وكانت قريبة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي طالب عم الرسول بأنها وافقت على عرض الزواج وتزوجته .

الذي أريد أن أعرفه هو : هل قابل الرسول صلى الله عليه وسلم خديجة قبل الزواج ( حصل بينهما جماع ) ؟.

الجواب

الحمد لله

تشير روايات السيرة النبوية إلى أن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها كانت امرأة حازمة وذكية ، وكانت كذلك غنية ، ولها تجارات متعددة ، وكان رجال قومها يحرصون على الزواج منها ، ولم تكن تعمل في التجارة بنفسها ، وإنما كانت تستأجر رجالا يعملون لها في مالها .

ووصل إلى خديجة رضي الله عنها خبر الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم وسمعت من أخبار صدقه وأمانته الكثير ، فرغبت في أن تستأجره ليعمل لها في تجارتها ، فأرسلت له من يعرض عليه الأمر ، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .

وخرج النبي صلى الله عليه وسلم متاجرا بمال خديجة رضي الله عنها وكان معه غلام لخديجة يدعى : ميسرة ، وقد رأى ميسرة من الآيات التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم في رحلته ما بهره ، وجعله يخبر سيدته خديجة بكل ما رآه .

فمن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قدم مدينة بصرى بالشام نزل في ظل شجرة ، فقال أحد الرهبان لميسرة : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، وكان ميسرة يرى ملكين يظلان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت حرارة الشمس .

ورجع النبي صلى الله عليه وسلم من رحلته تلك ، وقد ربحت تجارة خديجة أضعاف ما كانت تربح من قبل ، فأعجبت خديجة رضي الله عنها بشخص النبي صلى الله عليه وسلم ورغبت في الزواج منه ، فأرسلت صديقتها نفيسة بنت منية تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم الأمر ، فوافق صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وتولى أمر زواج خديجة رضي الله عنها أبوها خويلد ، في أصح الروايات كما ذكر أصحاب السير .

ومما سبق يعلم أنه لم تكن هناك علاقة تخدش الحياء بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين خديجة رضي الله عنها قبل الزواج بها .

فأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وحسن سيرته وحفظ الله تعالى له قبل كل شيء منعه من كل ما يخدش الرسالة أو ينافي الحياء والمروءة .

ولو حصل هذا - وحاشاه صلى الله عليه وسلم - لما سكت عنه كفار قريش ، ولعدوا ذلك عيبا عظيما ، ولتخذوه ذريعة في رد دينه ، وتشويه سمعته صلى الله عليه وسلم ولكن شيئاً من ذلك لم يكن ، بل كانوا يلقبونه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة بـ (الصادق) و (الأمين) ولم يطعنوا في عفته صلى الله عليه وسلم قط .

هذا ؛ ولتعلم يا أخي أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام –جميع الأنبياء- هم أكمل البشر وأفضلهم فإن الله تعالى لا يختار للرسالة إلا من هو أهل لها ، قال الله تعالى : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) الأنعام/124 .

قال ابن كثير رحمه الله :

أي : هو أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه، كقوله تعالى: ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ . . . الآية )

. الزخرف/31 ، يعنون لو نزل هذا القرآن على رجل عظيم كبير جليل مبجل في أعينهم (من القريتين) أي مكة والطائف ، وذلك أنهم قبحهم اللّه كانوا يزدرون بالرسول صلوات اللّه وسلامه عليه بغياً وحسداً، وعناداً واستكباراً، كقوله تعالى مخبراً عنه : ( وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون )

وقال تعالى : ( وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي بعث اللّه رسولاً ) ، وقال تعالى : ( ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) . هذا وهم معترفون بفضله وشرفه ونسبه ، وطهارة بيته ومرباه ، ومنشئه صلى اللّهُ وملائكتُه والمؤمنون عليه

حتى إنهم يسمونه بينهم قبل أن يوحى إليه "الأمين" ، وقد اعترف بذلك رئيس الكفار (أبو سفيان) حين سأله هرقل ملك الرو م : وكيف نسبه فيكم ؟ قال : هو فينا ذو نسب ، قال : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا.. الحديث بطوله الذي استدل ملك الروم بطهارة صفاته عليه السلام على صدق نبوته وصحة ما جاء به اهـ .

وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الأنبياء معصومون من الكبائر ومن كل الذنوب التي تدل على دناءة فاعلها .

قال ابن العربي : " فهذا محمد صلى الله عليه وسلم ما عصى قط ربه ، لا في حال الجاهلية ولا بعدها، تكرمة من الله وتفضلا وجلالا ، أحله به المحل الجليل الرفيع …. وما زالت الأسباب الكريمة ، والوسائل السليمة تحيط به من جميع جوانبه " اهـ

وقال النووي رحمه الله :

اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاء اِخْتَلَفُوا فِي جَوَاز الْمَعَاصِي عَلَى الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ , وَقَدْ لَخَصَّ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى مَقَاصِد الْمَسْأَلَة فَقَالَ : . . . وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلا خِلاف أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ كُلّ كَبِيرَة . . .

وَكَذَلِكَ لا خِلاف أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الصَّغَائِر الَّتِي تُزْرِي بِفَاعِلِهَا وَتَحُطّ مَنْزِلَته وَتُسْقِط مُرُوءَته , وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوع غَيْرهَا مِنْ الصَّغَائِر مِنْهُمْ , فَذَهَبَ مُعْظَم الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف إِلَى جَوَاز وُقُوعهَا مِنْهُمْ وَحُجَّتهمْ ظَوَاهِر الْقُرْآن وَالأَخْبَار وَذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّحْقِيق وَالنَّظَر مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَئِمَّتنَا إِلَى عِصْمَتهمْ مِنْ الصَّغَائِر كَعِصْمَتِهِمْ مِنْ الْكَبَائِر

وَأَنَّ مَنْصِب النُّبُوَّة يَجِلّ عَنْ مُوَاقَعَتهَا وَعَنْ مُخَالَفَة اللَّه تَعَالَى عَمْدًا , وَتَكَلَّمُوا عَلَى الآيَات وَالأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ وَتَأَوَّلُوهَا , وَأَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مِنْهُمْ عَلَى تَأْوِيل أَوْ سَهْو أَوْ مِنْ إِذْن مِنْ اللَّه تَعَالَى فِي أَشْيَاء أَشْفَقُوا مِنْ الْمُؤَاخَذَة بِهَا وَأَشْيَاء مِنْهُمْ قَبْل النُّبُوَّة , وَهَذَا الْمَذْهَب هُوَ الْحَقّ . . . هَذَا آخِر كَلام الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَاَللَّه أَعْلَم اهـ

وإجلالاً لمنصب النبوة قال العلماء : إن من قذف نبياً من الأنبياء كفر ووجب قتله .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (35/123) :

اتفق الأئمة على أن من سب نبيا قتل اهـ والرمي بالزنى من أعظم السب . وراجع سؤال (22809) .

وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في المغني (12/405) :

أن من قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل ولو تاب ، مسلماً كان أو كافراً ، غير أنه إن تاب فتوبته مقبولة عند الله تعالى ، ولا يسقط عنه القتل بالتوبة ، لحق النبي صلى الله عليه وسلم .

ثم قال :

والحكم في قذف النبي صلى الله عليه وسلم كالحكم في قذف أمه لأن قذف أمه إنما أوجب القتل لكونه قذفاً للنبي صلى الله عليه وسلم وقدحاً في نسبه اهـ

والله أعلم

انظر : زاد المعاد (1/77) ، السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري (1/112-114) ، السيرة النبوية للدكتور مهدي رزق الله (ص 132) ، أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور محمد سليمان الأشقر (1/139-165) ، أحكام القرآن الكريم (3/576).

*عبدالرحمن*
2018-04-17, 05:36
هل قتلَ النبي صلى الله عليه
وسلم أحداً من المشركين ؟

السؤال

هل يمكن أن تخبرني هل قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أحداً من أعدائه أثناء الغزوات التي شارك بها ؟.

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (4073) ومسلم (1793) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) .

قال النووي :

قَوْله : ( فِي سَبِيل اللَّه ) اِحْتِرَاز مِمَّنْ يَقْتُلهُ فِي حَدّ أَوْ قِصَاص ; لأَنَّ مَنْ يَقْتُلهُ فِي سَبِيل اللَّه كَانَ قَاصِدًا قَتْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهـ

ولا يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل أحداً من المشركين بيده إلا أبي بن خلف .

روى ذلك ابن جرير والحاكم عن سعيد بن المسيب والزهري رحمهما الله تعالى . قال ابن كثير في التفسير (2/296) : سنده صحيح اهـ

وقال ابن القيم – في سياق غزوة أُحُد - :

وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين ، وكان أول مَن عرفه تحت المِغفر كعب بن مالك فصاح بأعلى صوته : " يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم "

فأشار إليه أن اسكت ، واجتمع إليه المسلمون ونهضوا معه إلى الشِّعب الذي نزل فيه ، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي والحارث بن الصِّمَّة الأنصاري وغيرهم ، فلما استندوا إلىالجبل أدرك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أُبَيُّ بن خلف على جواد له يقال له " العوذ " زعم عدو الله أنه يَقتل عليه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم

فلما اقترب منه تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصِّمَّة فطعنه بها ، فجاءت في تَرقوته ، فكرَّ عدوُّ الله منهزماً ، فقال له المشركون : والله ما بك من بأس ، فقال : والله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون ، وكان يعلف فرسه بمكة ويقول : أقتل عليه محمَّداً

فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : " بل أنا أقتله إن شاء الله تعالى " ، فلمَّا طعنه تذكر عدوُّ الله قوله أنا قاتله ، فأيقن بأنه مقتول من ذلك الجرح ، فمات منه في طريقه بسَرِف مرجعه إلى مكة اهـ

" زاد المعاد " ( 3 / 199 ) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

أبو عبد الرحمان 1978
2018-04-17, 10:51
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد

*عبدالرحمن*
2018-04-18, 02:24
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد

https://d.top4top.net/p_795sbakq1.gif (https://up.top4top.net/)
.

*عبدالرحمن*
2018-04-18, 02:38
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

حديث الهجرة

السؤال

أريد بعض المعلومات عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

الجواب

الحمد لله

لما اشتد الأذى من أهل مكة على المسلمين أمرهم الله تعالى أن يهاجروا ليقيموا دين الله تعالى في الأرض التي يقدرون على عبادته فيها .

فاختار الله تعالى المدينة النبويَّة داراً للهجرة ، وكان الرسول صلى الله عليه و سلم قد رأى في المنام أنه يهاجر إليها .

عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي [أي ظني] إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ . . . الحديث .

رواه البخاري (3352) ومسلم (4217) .

وروى البخاري (3906) عن عائشة قالت : . . . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ : إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ .

قال الحافظ :

وَالْحَرَّة أَرْضٌ حِجَارَتُهَا سُودٌ , وَهَذِهِ الرُّؤْيَا غَيْر الرُّؤْيَا السَّابِقَة في حَدِيث أَبِي مُوسَى الَّتِي تَرَدَّدَ فِيهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اِبْن التِّين : كَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ دَار الْهِجْرَة بِصِفَةٍ تَجْمَع الْمَدِينَة وَغَيْرهَا , ثُمَّ أُرِيَ الصِّفَة الْمُخْتَصَّة بِالْمَدِينَةِ فَتَعَيَّنَتْ اهـ

وأما عن أول من هاجر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :

فعن البراء رضي الله عنه قال : " أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء . . . " .

رواه البخاري ( 4560 ) .

وفي الحديث التالي مختصر لكثير من أحداث الهجرة النبوية :

عن عائشة قالت : . . . . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ : إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى رِسْلِكَ ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي .

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ -وَهُوَ الْخَبَطُ- أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ . . . ثم قَالَتْ عَائِشَةُ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي ، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ .

قَالَتْ : فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ : أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : الصَّحَابَةُ [أي : أريد المصاحبة] بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ

. قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِالثَّمَنِ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ .

قَالَتْ : ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ [أي : حاذق سريع الفهم] فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ [أي يخرج من عندهما آخر الليل] فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ . وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ

فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ . وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيَا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ . .

. وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ :

جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ : يَا سُرَاقَةُ ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ . قَالَ سُرَاقَةُ : فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ

فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا ، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا ، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي ، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَخَطَطْت بِزُجِّهِ الْأَرْضَ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا [المراد أنه خرج خفيةً] فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي

فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَا

مِثْلُ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنْ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ ، فَلَمْ يَرْزَآنِي [أي لم يأخذا مما معي شيئاً] وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا . فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ

فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ . ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنْ الشَّأْمِ فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا يَغْدُونَ

كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ [أي حصن] مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمْ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكْ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ

فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتْ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ [هو الموضع الذي يجفف فيه التمر] لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ : هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا

فَقَالَا : لَا ، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ :

هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ

وَيَقُولُ :

اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ فَارْحَمْ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ

فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ .

رواه البخاري (3906) .

ولكن هناك شبهة يقول بها بعض المشككين في الدين ، يقولون : تروي السيرة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم هاجر هو وأبو بكر بناقتين ودخلوا الغار ولحقتهم قريش تطلبهم فلو كان معهما ناقتان لعرف أهل قريش أن محمدا صلى الله عليه وسلم وصاحبه قد دخلا الغار ، فأين الناقتان ؟

وهؤلاء المشككين يريدون الطعن في الدين من أجل ألا يثق الناس بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحسبونها ضرباً من الخيال والكذب .

والجواب على هذه الشبهة في غاية السهولة واليسر . . فالرواية السابقة التي جهلها - أو تجاهلها – هؤلاء ترد عليهم من أن الرسول صلى الله عليه و سلم قد اتخذ هادياً يدلهم على الطريق وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما . . .

ففي هذا الحديث من الرد ما يلقمهم الحجر ، والحمد لله على الهدى بعد الضلال .

ومما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في طريقهما إلى المدينة :

عن أبي بكر رضي الله عنهم قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ـ وأنا في الغار ـ : " لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال : ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما " .

رواه البخاري ( 3380 ) ومسلم ( 4389 ) .

وهذا مختصر لأحداث الهجرة ، ومن أراد الاستزادة فليراجع كتاب البداية والنهاية لابن كثير (4/168-205) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-18, 02:41
السؤال

هل ولد الرسول صلى الله عليه وسلم مختوناً أم ختن كسائر الناس ؟.

الجواب

الحمد لله

فقد ذكر ابن القيم رحمه الله في ختان النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال ، فقال :

وقد اختلف فيه على أقوال :

أحدها : أنه ولد مختونا

والثاني : أن جبريل ختنه حين شق صدره

الثالث : أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب في ختان أولادهم .

" تحفة المولود " ( ص 201 ) .

أما الرأي الأول : فقد أورد ابن القيم في كتابه المذكور أحاديث كثيرة تدل على ذلك ولكنه حكم عليها كلها بالضعف ، ثم ذكر أن الصبي إذا ولد مختوناً : فإن هذه نقيصة وليست منقبة لصاحبها كما يظنه بعض الناس.

قال رحمه الله تعالى :

وقيل : إن قيصر ملك الروم الذي ورد عليه امرؤ القيس وُلد كذلك [يعني غير مختون] ، ودخل عليه امرؤ القيس الحمَّام فرآه كذلك فقال يهجوه :

إني حلفت يمينا غير كاذبة لأنت أغلف إلا ما جنى القمر

يعيره أنه لم يختتن ، وجعل ولادته كذلك نقصا ، وقيل : إن هذا البيت أحد الأسباب الباعثة لقيصر على أن سمَّ امرء القيس فمات .

وكانت العرب لا تعتد بصورة الختان من غير ختان وترى الفضيلة في الختان نفسه وتفخر به.

قال ابن القيم : وقد بعث الله نبيَّنا من صميم العرب ، وخصَّه بصفات الكمال من الخلق ، والنسب فكيف يجوز أن يكون ما ذكره من كونه مختوناً مما يميز به النبي ويخصص ، وقيل : إن الختان من الكلمات التي ابتلى الله بها خليله فأتمهن وأكملهن وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وقد عد النبي الختان من الفطرة ، ومن المعلوم : أن الابتلاء به مع الصبر مما يضاعف ثواب المبتلى به وأجره ، والأليق بحال النبي أن لا يسلب هذه الفضيلة وأن يكرمه الله بها كما أكرم خليله فإن خصائصه أعظم من خصائص غيره من النبيين وأعلى .

" تحفة المولود " ( 205 – 206 ) .

أما الرأي الثاني فقد قال فيه :

وحديث شق الملك قلبه قد روي من وجوه متعددة مرفوعاً إلى النبي وليس في شيء منها أن جبريل ختنه إلا في هذا الحديث فهو شاذ غريب .

" تحفة المولود " ( ص 206 ) .

وأما الرأي الثالث فقد قال فيه :

قال ابن العديم : وقد جاء في بعض الروايات أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع ، قال: وهو على ما فيه أشبه بالصواب ، وأقرب إلى الواقع .

" تحفة المولود " ( ص 206 )

وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/82) :

وقد وقعت هذه المسألة بين رجلين فاضلين صنف أحدهما مصنفا في أنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا وأجلب فيه من الأحاديث التي لا خطام لها ولا زمام ، وهو كمال الدين بن طلحة ، فنقضه عليه كمال الدين بن العديم وبين فيه أنه صلى الله عليه وسلم ختن على عادة العرب ، وكان عموم هذه السنة للعرب قاطبة مغنيا عن نقل معين فيها

والله أعلم اهـ .

*عبدالرحمن*
2018-04-18, 02:44
النبي صلى الله عليه وسلم وبناء المجتمع الإسلامي

السؤال

كيف وإلى أي حد نجح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في إنشاء مجتمع مستقر في المدينة عام 632 ميلادي .

الجواب

الحمد لله

لاشك أن المجتمع الذي أنشأه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو مثال للمجتمعات الآمنة المستقرة ، وقد ظهر ذلك جليّاً منذ أن وطىء النبي صلى الله عليه وسلم بقدمه المدينة وبدأ في تكوين الدولة ، ويرجع أمن واستقرار المجتمع هذا إلى عدة أسباب وعوامل ، منها :

أولاً :

بناؤه صلى الله عليه وسلم للمسجد في المدينة أوّل قدومه مما ساعد في إيجاد مرجع يُلجأ إليه حين النوازل ، ومكان يجتمع فيه المسلمون يسأل بعضهم عن بعض ، ويعرف بعضهم أحوال بعض ، فيعاد مريضهم ، وتتبع جنازة ميتهم ، ويعان مسكينهم ، ويزوج أعزبهم .

وهذه بعض الأحاديث في ذلك :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه : لمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أمر ببناء المسجد ، وقال : يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا ، قالوا : لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله . رواه البخاري ( 2622 ) ومسلم ( 524 ) .

عن البراء بن عازب : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } قال : نزلت فينا معشر الأنصار ، كنا أصحاب نخل ، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقِنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة – وفي رواية ابن ماجه " فقراء المهاجرين " - ليس لهم طعام

فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل ، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلقه ، فأنزل الله تبارك تعالى { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } قال : لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطاه لم يأخذه إلا على إغماض أو حياء قال : فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده .

رواه الترمذي ( 2987 ) وابن ماجه ( 1822 ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2389 ) .

القِنو : العذق الذي فيه الرطب . الشيص : النخل غير الملقح . الحَشَف : تمر يابس فاسد .

ثانياً :

إيخاؤه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرن والأنصار ، وقد قوَّى هذا الفعل بين أفراد المجتمع المدني بما لم يُسمع بمثله ، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين العجمي والعربي ، وبين الحر والمولى ، وبين القرشي ومن دونه من أهل القبائل ، فصار المجتمع لحمة واحدة ، وجسداً واحداً

فلم يستغرب بعدها أن يطلب الأنصاري من المهاجر أن يتقاسم معه ماله نصفين ، وأن يعرض الأنصاري على المهاجر إحدى نسائه ليطلقها له ويتزوجها ، وكان المهاجر يرثُ الأنصاريَّ لقوة ما بينهم من العلاقة ، ثم نسخ التوارث بينهما بآية المواريث ، ورُغِّب الأنصار أن يوصوا لهم بشيء ، فبمثل هذا المجتمع تضرب الأمثال .

وهذه بعض الأحاديث في ذلك :

1- عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : لمَّا قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع ، فقال سعد بن الربيع : إني أكثر الأنصار مالاً فأقْسِم لك نصف مالي ، وانظر أي زوجتي هويتَ نزلتُ لك عنها ، فإذا حلَّت تزوجتَها ، قال : فقال له عبد الرحمن : لا حاجة لي في ذلك

هل من سوق فيه تجارة ؟ قال : سوق قينقاع ، قال : فغدا إليه عبد الرحمن فأتى بأقط وسمن ، قال : ثم تابع الغدو فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجتَ ؟ قال : نعم ، قال : ومن ؟ قال : امرأة من الأنصار ، قال : كم سقت ؟ قال : زنة نواة من ذهب – أو نواة من ذهب - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أوْلِم ولو بشاة . رواه البخاري ( 1943 ) .

2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المهاجرون لمَّا قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت { ولكل جعلنا موالي } نسخت ثم قال { والذين عقدت أيمانكم } إلا النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له . رواه البخاري ( 2170 ) .

ثالثاً :

شرعت الزكاة في السنة الثانية للهجرة ، فصارت المواساة بين الأغنياء للفقراء مما جعل اللحمة تزداد بين المجتمع المدني ، وأواصر الأخوة في الله تقوى أكثر من ذي قبل ، بل تعدى الأمر من إيتاء الزكاة إلى صدقة التطوع .

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحب أمواله إليه " بيرحاء " ، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال أنس : فلما أُنزلت هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإن أحب أموالي إلي " بيرحاء " وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذُخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله

قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخٍ ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ، فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه . رواه البخاري ( 1392 ) ومسلم ( 998 ) .

وقد ظهرت علامات التآلف بين المسلمين في المدينة ، وعرف المهاجرون حق إخوانهم الأنصار عليهم، وفي ذلك بعض الأحاديث ومنها :

عن أنس قال : لما قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ أتاه المهاجرون ، فقالوا : يا رسول الله ، ما رأينا قوماً أبذلَ مِن كثيرٍ ولا أحسنَ مواساةً مِن قليلٍ من قومٍ نزلنا بين أظهرهم ، لقد كفونا المؤنة ، وأشركونا في المهنإ ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم . رواه الترمذي ( 2487 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2020 ) .

وقد ألّف الله بين قلوب أهل المجتمع المدني ، وكان الحب في الله تعالى من شعارات القوم ، وقد أوجبه الله عليهم ، وجعله من علامات كمال الإيمان .

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " . رواه البخاري ( 13 ) ومسلم ( 45 ) .

عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى " .

رواه البخاري ( 5665 ) ومسلم ( 2586 ) .

*عبدالرحمن*
2018-04-18, 02:51
تسريح الشعر

السؤال

كيف كان شكل شعر النبي صلى الله عليه وسلم وما هي تسريحات الشعر المحرمة ؟.

الجواب

الحمد لله

جاء وصف شَعر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة ، وفيها من الأوصاف :

1- لم يكن ملتوياً مقبوضاً ( ليس بجَعد ) ولا مسترسلاً ( ولا سَبْط ) .

عن أنس بن مالك - يصف النبي صلى الله عليه وسلم - قال : كان رَبعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمْهَق ولا آدم ليس بجَعْدٍ قَطَط ولا سَبْط رَجِل أنزل عليه وهو ابن أربعين ( يعني القرآن ) ..

. رواه البخاري ( 3354 ) ومسلم ( 2338 ) .

أمهق : شديد البياض .

آدم : السمرة الشديدة .

2- وكان شعره يبلغ شحمة أذنه .

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً بعيد ما بين المنكبين ، له شعر يبلغ شحمة أذنه رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه .

رواه البخاري ( 3358 ) ومسلم ( 2337 ) .

3- وكان يصل أحياناً إلى منكبه أو عاتقه .

عن قتادة قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجِلا ليس بالسبط ولا الجعد بين أذنيه وعاتقه

. رواه البخاري ( 5565 ) ومسلم ( 2337 ) .

وفي رواية : " كان يضرب شعرُه منكبيه " . رواه البخاري ( 5563 ) ومسلم ( 2338 ) .

وأحيانا يصل إلى أقل من ذلك ، وكل ذلك محمول على تعدد الأحوال ، وكل واحد من الصحابة حدَّث بما رأى .

4- وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يخضب شعره .

عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : دخلتُ على أم سلمة فأخرجت إلينا شَعْراً من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوباً .

رواه البخاري ( 5558 ) .

زاد أحمد ( 25328 ) : ( مخضوباً بالحناء والكتم )

الكتم : نبات يضبغ به الشعر إذا خُلط بالحناء جعل لون الشعر بين الأسود والأحمر . انظر : عون المعبود شرح حديث ( 4205 )

5- وكان يَفرق شعره .

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَسدل شعره وكان المشركون يَفرقون رؤوسَهم ، فكان أهل الكتاب يَسدلون رءوسهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسَه .

رواه البخاري ( 3365 ) ومسلم ( 2336 ) .

السدل : الإرسال على الجبين .

الفرْق : فصل الشعر بعضه عن بعض ، يميناً وشمالاً من الوسط .

وقد بحث العلماء في فقه هذا الحديث ، وخلاصة القول ما قاله الإمام النووي :

والحاصل أن الصحيح المختار جواز السدل والفرق ، وأن الفرق أفضل . "

شرح مسلم " ( 15 / 90 ) .

6- وحج صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وهو ملبد شعره

والتلبيد أن : يُلصق الشعر بعضه ببعض بصمغ أو نحوه حتى يجتمع الشعر ويكون أبعد عن الوسخ ولا يحتاج على غسل فيكون أرفق بالمحرم لاسيما فيما سبق من الزمن مع كثرة تعرض المحرم للوسخ وقلة المياه .

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبِّداً .

رواه البخاري ( 5570 ) ومسلم ( 1184 ) .

والإهلال : رفع الصوت بالتلبية .

7- وكان صلى الله عليه وسلم ربما جعل شعره ضفائر لاسيما في السفر ليكون أبعد عن الغبار .

عن أم هانئ قالت : قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وله أربع غدائر - تعني : عقائص -

. رواه الترمذي ( 1781 ) وأبو داود ( 4191 ) وابن ماجه ( 3631 ) وعند ابن ماجه : تعني : ضفائر . والحديث : حسنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 10 / 360 ) .

وأما التسريحات المحرمة : فيجمعها أمور ، منها :

1- القزع ، وهو حلق بعض الشعر وترك بعضه

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القَزَع .

رواه البخاري ( 5466 ) ومسلم ( 3959 ) .

وقد فسَّر أحد رواة الحديث القزع بأنه حلق بعض رأس الصبي وترك بعضه .

قال ابن القيم رحمه الله :

وأما كحلق بعضه وترك بعضه فهو مراتب :

أشدها : أن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما تفعل شمامسة النصارى .

ويليه : أن يحلق جوانبه ويدع وسطه كما يفعل كثير من السفلة وأسقاط الناس .

ويليه : أن يحلق مقدم رأسه ويترك مؤخره .

وهذه الصور الثلاث داخلة في القزع الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضها أقبح من بعض . "

أحكام أهل الذمة " ( 3 / 1294 )

2- التشبه بالكفار أو الفساق

وهي تسريحات كثيرة ، يدخل بعضها في " القزع " – كتسريحة " المارينز " فتمنع لسببين القزع ، والتشبه بالكفار - ، وبعضها لا قزع فيه غير أنه يختص بالكفار كنصب بعض الشعر وسبل الآخر أو ما شابه ذلك .

ويجمعها كل تسريحة تختص بالكفار أو الفساق فإنه لا يجوز للمسلم التشبه بهم فيها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم )

رواه أبو داود ( 4031 ) .

والحديث : حسَّنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 10 / 271 ) وجوَّد إسناده شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 82 ) .

قال شيخ الإسلام :

وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } . "

اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 83 ) .

التشبه بسفلة الناس

وهي تسريحات يخترعها بعض السفلة

*عبدالرحمن*
2018-04-18, 02:54
الذي يؤخذ من كلام العلماء رحمهم الله أن حلق الرأس ستة أنواع :

النوع الأول :

طاعة وقربة إلى الله تعالى يُثاب عليه الإنسان ، وهذا في أربعة مواضع فقط لا خامس لها وهي :

1- الحج

2- العمرة ، قال تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ) الفتح/27

3- حلق رأس الصبي في اليوم السابع لولادته ، ودليل ذلك ما رواه الترمذي (1439) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة ، وقال : ( يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي (1226)

وانظر : تحفة المودود لابن القيم (ص : 217)

4- الكافر إذا أسلم ، لما رواه أبو داود (356) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً كافراً أسلم بقوله : ( ألق عنك شعر الكفر واختتن ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود

وانظر : المغني 1/276 ، وشرح العمدة لشيخ الإسلام (1/350)

واتفق العلماء رحمهم الله أنه لا يستحب حلق الرأس في غير هذه المواضع الأربعة ،

انظر الاستقامة لشيخ الإسلام 1/256

النوع الثاني :

شرك ، ويكون حلق الرأس شركاً بالله عز وجل .

وهو إذا حلق رأسه تذللاً لغير الله تعالى ، قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد 4/159 : كما يحلفها المريدون لشيوخهم ، فيقول أحدهم : أنا حلقت رأسي لفلان ، وأنت حلقته لفلان ، وهذا بمنزلة أن يقول : سجدت لفلان ، فإن حلق الرأس خضوع وعبودية وذل ولهذا كان من تمام الحج ... فإنه وضع النواصي بين يدي ربها خضوعاً لعظمته وتذللاً لعزته وهو من أبلغ أنواع العبودية ولهذا كانت العرب إذا أرادت إذلال الأسير منهم وعتقه حلقوا رأسه وأطلقوه ... الخ كلامه رحمه الله .

النوع الثالث :

بدعة مكروهة ، وله صور كثيرة :

منها : حلق الرأس علي سبيل التعبد والتدين – في غير المواضع الأربعة السابقة – كما لو جُعِل حلق الرأس شعاراً للصالحين ، أو من تمام الزهد ، وهذا كما كانت الخوارج تفعل ، ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الخوارج أنه قال : ( سيماهم التحليق ) البخاري (7007) ومسلم (1763) ، قال القرطبي : ( قوله : سيماهم التحليق ) أي جعل ذلك علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا ، وشعاراً ليُعرفوا به ، وهذا منهم جهل ... وابتداع منهم في دين الله شيئاً كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وأتباعهم على خلافه )

وانظر شرح العمدة 1/231 ومجموع الفتاوى 21/118

ومنها : ما يفعله بعض الناس من أمر التائب أن يحلق رأسه ، وهذا بدعة ، لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا أحد من أئمة المسلمين .

مجموع الفتاوى 21/118

والنوع الرابع :

محرم وله عدة صور ، منها :

1- حلق الشعر عند المصيبة بموت قريب ونحوه ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة والحالقة والشاقة ) رواه مسلم (149) ، والحالقة هي التي تحلق شعرها عند المصيبة ، والصالقة التي ترفع صوتها بالويل والثبور ونحوه ، والشاقة التي تشق ثيابها . وذكر ابن حجر رحمه الله في ( الزواجر عن اقتراف الكبائر ) الكبيرة السابعة عشرة بعد المائة : حلق الشعر عن المصيبة ، قال : لأن ذلك يشعر إشعاراً ظاهراً بالسخط ، وعدم الرضا بالقضاء . اهـ

2- حلق الرأس على سبيل التشبه بالكفار أو الفساق الذين اشتهروا بحلق رؤوسهم ، وربما جعل عليه زيتاً معيناً ليظهر مثلهم ، أو خففه جداً من الجانبين وجعله طويلاً في الوسط ، فهذا كله تشبه محرم ، وميوعة وانحلال ، نسأل الله السلامة والعافية ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3401) ، قال القاري رحمه الله : أي من شبه نفسه بالكفار أو بالفساق أو الفجار ( فهو منهم ) أي : في الإثم اهـ

النوع الخامس :

مباح وهو أن يحلق رأسه لحاجة ، مثل أن يحلقه للتداوي من مرض ، أو لدفع أذى القمل ونحو ذلك ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : فهذا جائز بالكتاب والسنة والإجماع . اهـ

مجموع الفتاوى 12/117

النوع السادس :

أن يحلق رأسه من غير حاجة ولا سبب من الأسباب المتقدمة .

فهذا مما اختلف العلماء في حكمه ، فذهب بعضهم إلى كراهته وهو مالك رحمه الله ، واستدلوا بأنه من علامة أهل البدع وهم الخوارج كما سبق في الحديث ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم )

واستدل من أباحه بما رواه أبو داود (4192)

أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى آل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، بعد موت جعفر بثلاث ، ودعى بالحلاق فأمره أن يحلق رؤوس بنيه . صححه الألباني في صحيح أبي داود (3532)

بما رواه أبو داود (4195)

أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي طفلاً قد حُلِق بعض رأسه ، وتُرِك بعضه فقال : ( احلقوه كله أو اتركه كله ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (3535) ، قال النووي رحمه الله : وهذا صريح في إباحة حلق الرأس لا يحتمل تأويلاً . اهـ شرح مسلم ، ولكن الاستدلال بهذين الحديثين على إباحة حلق الرأس بدون حاجة فيه نظر :

أولاً : لأن حلق الرأس هنا لحاجة ، فيكون مباحاً ، والحاجة أن الصبيان أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالقمل لكثرة رطوبتهم والأوساخ التي تتعلق بهم .

زاد المعاد 4/159

ثانياً : أن هذا في حق الصبي الصغير ، والصبي يرخص له ما لا يُرخص للكبير . حاشية السندي على النسائي

وانظر مجموع الفتاوى (21/119) وشرح العمدة (1/230)

وهذا الخلاف في هذا القسم الخامس إنما هو : هل يكره حلق الرأس أم يباح ؟ أم الأفضل فالأفضل هو عدم حلقه ، قال القاري رحمه الله : الأفضل أن لا يحلق إلا في أحد النسكين ( يعني : الحج والعمرة ) كما كان عليه صلى الله والسلام مع أصحابه رضي الله عنهم . اهـ

من عون المعبود (11/248)

والله تعالى اعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-04-20, 02:45
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


السؤال

من هم كتبة رسائل الرسول صلى الله علية وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

قال ابن القيم :

فقد ذكر أهل السيرة أسماء الصحابة الذين كانوا يكتبون الوحي أو الرسائل للرسول صلى الله عليه وسلم وهم : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وعامر بن فهيرة ، وعمرو بن العاص ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن الأرقم ، وثابت بن قيس بن شماس ، وحنظلة بن الربيع الأسيدي ، والمغيرة بن شعبة ، وعبد الله بن رواحة ، وخالد بن الوليد ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وقيل : إنه أول من كتب له ، ومعاوية ابن أبي سفيان ، وزيد بن ثابت - وكان ألزمهم لهذا الشأن وأخصهم به – آهـ .

" زاد المعاد " ( 1 / 117 ) .

وقال ابن مفلح الحنبلي :

وقد كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة منهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت وعلي وعثمان وحنظلة الأسدي ومعاوية وعبد الله بن الأرقم ، وكان كاتبه المواظب على الرسائل والأجوبة ، وهو الذي كتب الوحي كله وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعلم كتاب السريانية ليجيب عنه من كتب إليه بها ، فتعلمها في ثمانية عشر يوما .

" الآداب الشرعية " ( 2 / 161 ) .

وقال ابن حجر :

قال القضاعي :" كان زيد بن ثابت يكتب عنه للملوك ، مع ما كان يكتب من الوحي ، وكان الزبير وجهم يكتبان أموال الصدقات ".

" التلخيص الحبير " ( 4 / 346 ، 347 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-20, 02:49
مطلوب منه بحث عن الإسلام وأثره على أوربا

السؤال

ناقش ظهور الإسلام وانتشاره بدراسة حياة محمد صلى الله عليه وسلم وأفكاره الدينية وتاريخ القرن الذي بعد وفاته. اشرح بالتفصيل أفكار محمد الدينية مقسماً إياها إلى ثلاث أقسام :

كيف انعكست هذه الأفكار على حياة محمد الشخصية، على معتقداته وخلفياته ، وعلى مجتمع القرن السابع عموماً. ثم اشرح متى وكيف انتشر الإسلام من جزيرة العرب ووصل أوروبا . ووضح أثر الإسلام على النصارى في الغرب وفي بلاد العرب والمناطق المجاورة.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

لم يأتِ نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم بأفكارٍ من عند نفسه ، بل ما جاء به إنما هو من عند الله تعالى ، وهو وحي أوحاه الله له .

ثانياً :

أما حياته صلى الله عليه وسلم :

فهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق فلنسبه من الشرف أعلى ذروة ، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم ، فأشرف القوم : قومه ، وأشرف القبائل : قبيلته ، وأشرف الأفخاذ : فخذه ، فهو : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان … بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .

بعثه الله على رأس أربعين ، وهي سن الكمال ، وأول ما بدئ به رسول الله من أمر النبوة : الرؤيا فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، قيل وكان ذلك ستة أشهر ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ، ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة فجاءه الملك وهو بغار حراء وكان يحب الخلوة فيه فأول ما أنزل عليه { اقرأ باسم ربك الذي خلق } العلق/1 .

وكان لدعوته مراتب : المرتبة الأولى : النبوة ، الثانية : إنذار عشيرته الأقربين ، الثالثة : إنذار قومه ، الرابعة : إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة ، الخامسة : إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر .

وأقام بعد ذلك ثلاث سنين يدعو إلى الله سبحانه مستخفيا ثم نزل عليه { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } الحجر/94 .

ينظر " زاد المعاد " لابن القيم ( 1 / 71 فما فوق ) ، ومنه استفدنا ما سبق .

ثالثاً :

وأما ما كان يدعو إليه نبينا صلى الله عليه وسلم ، فيكفي منه ما ورد على لسان أبي سفيان – وكان كافراً وقت قوله – قال هرقل – عظيم الروم - لأبي سفيان : فماذا يأمركم به ؟ قال : يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة ، والصدقة ، والعفاف ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة .

وقد علَّق هرقل على كلام أبي سفيان بقوله : وهذه صفة النبي ، قد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن لم أظن أنه منكم ، وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدميَّ هاتين ، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه .

رواه البخاري ( 2782 ) ومسلم ( 1773 ) .

رابعاً :

وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، فقد تولَّى أبو بكر الصدِّيق الخلافة ، وقد وقع في أيامه من الأمور الكبار : تنفيذ جيش أسامة ، وقتال أهل الردة وما نعى الزكاة ومسيلمة الكذاب ، وجمع القرآن .

ثم عمر بن الخطاب ، وهو أحد السابقين الأولين ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الخلفاء الراشدين ، وأحد أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحد كبار علماء الصحابة وزهادهم ، وكثرت الفتوح في أيامه : ففتحت دمشق والأردن والعراق وبيت المقدس ومصر وهو الذي كتب التاريخ من الهجرة بمشورة علي . واستشهد في آخر سنة ثلاث وعشرين على يد قاتله الكافر المجوسي أبي لؤلؤة .

ثم عثمان بن عفان ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وأسلم قديماً ، وهو ممن دعاه الصدِّيق أبو بكر إلى الإسلام ، وهاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة ، وتزوج رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ثم توفيت ، فتزوج أختها أم كلثوم ، وقد مكث في الخلافة ثنتي عشرة سنة ، واستشهد سنة خمس وثلاثين وله بضع وثمانون سنة .

ثم علي بن أبي طالب ، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤاخاة ، وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها ، وأحد السابقين إلى الإسلام ، وأحد العلماء الربانيين ، والشجعان المشهورين ، والزهاد المذكورين ، والخطباء المعروفين ، وأحد من جمع القرآن وعرضه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

خامساً :

وقد كان صلى الله عليه وسلم مهتديا بهدي القرآن ، بل كان خُلقه القرآن كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وما كان نبينا صلى الله عليه وسلم عليه في الإسلام هو ما كان عليه من خلق قبل الإسلام لكن الله تعالى كمَّل له أخلاقه وزينها ، وعند أول نزول الوحي قالت خديجة رضي الله عنها وهي تعدد أخلاقه :

كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصِل الرحم ، وتحمل الكلَّ – أي : الضعيف العاجز - وتُكسب المعدوم – أي : الفقير - ، وتقري – أي : تكرم - الضيف ، وتعين على نوائب الحق – كما رواه البخاري ( 4 ) ومسلم ( 160 ) - .

وقد وصفه أصحابه وأعداؤه بما هو أهل له صلى الله عليه وسلم : من الكرم والشجاعة والرحمة وحسن الكلام وكثرة العبادة والصدق والأمانة … الخ .

ويلخص ذلك كله قوله تعالى { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم/4 .

وقد كان لحسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم أكبر الأثر وأعظمه ، حتى كان ذلك سبباً في دخول بعض المشركين في الإسلام .

عن أبي هريرة قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له " ثمامة بن أثال " فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أطلقوا ثمامة ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " . رواه البخاري ( 4114 ) ومسلم ( 1764 ) .

سادساً :

أما بالنسبة لوصول الإسلام إلى أوربا فقد وصلها من عدة طرق ، منها :

1. حرص المسلمين على إيصال دعوة الحق إلى جميع الناس ، ففتحت الأندلس على يد طارق بن زياد عام 92 هـ /711 م واستمرت الفتوحات في غرب أوربا حتى وصلت انتهت إلى شرق جنوب فرنسا في عام 114 هـ .

2. القادمون من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بحثاً عن عمل وأمل .

3. استقدام الغربيين لشعوب بعض الدول مثل استقدام الألمان للأتراك للعمل في بلادهم .

4. وجود دعاة الإسلام في تلك البلاد .

5. نفوذ الدولة العثمانية في أوربا .

6. إسلام أهل أوربا الأصليين وتحولهم إلى دعاة للإسلام .

7. التواصل التجاري بين المسلمين وأوربا .

8. دخول أناس من الأوربيين في الإسلام .

9. تغير أنماط التفكير الأوربي .

10. نبذ خرافات الكنيسة المخالفة للوحي واعتماد العلم التجريبي الذي وضع أسسه وطوره المسلمون .

11. مشاركة الجاليات الإسلامية في تطوير الأبحاث والمخترعات والشركات في أوربا من خلال أصحاب الشهادات والكفاءات من المسلمين ثم زيادة عدد الجاليات الإسلامية في أوربا وما تتطلب من مساجد ومدارس ومراكز .. الخ واتسع تأثيرهم حتى خشي من ذلك أعداء الإسلام كاليهود فكتبت صحيفة " هآرتس " الإسرائيلية تقول في عددها الصادر في آخر يونيو عام 2001م : " كما هو الحال في غرب أوروبا كذلك أدت الزيادة الكبيرة في الولايات المتحدة في عدد المسلمين إلى ازدياد نفوذهم السياسي ..

. بيد أن الزيادة في عدد المسلمين وتعاظم وتزايد وعيهم السياسي وخاصة الطلاب العرب والذين يلاحظ أنهم من أكثر العرب نشاطاً وحركية من الناحية السياسية وكذلك التضاؤل في عدد اليهود نتيجة لزيجاتهم المختلطة وذوبانهم في المجتمع الأمريكي ، كل ذلك سوف يلعب مستقبلاً دوراً في ميزان القوى المتنافسة على النفوذ بواشنطن ، وقد أصبح ذلك ملموساً ومحسوساً في نشاطات جماعات الضغط العربية بالكونجرس …
1. تزايد عدد المسلمين في البلاد الأوربية ، فقبل أكثر من عشر سنوات كان عدد المسلمين في أوربا حوالي ( 12 ) مليون مسلماً .

2. انتشار المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس .

3. انتشار الحجاب واللباس الشرعي في عواصم الدول الأوربية .

4. إقامة المعارض والندوات الإسلامية ، وتأسيس شركات تعنى بالذبح الحلال ودفن الموتى على الطريقة الشرعية .

وغير ذلك كثير .

والله الهادي والموفق.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-20, 02:52
لماذا كان يوجد يهود في المدينة على العهد النبوي

السؤال

ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وكانت درعه مرهونة عند يهودي ..

السؤال هل كان هذا اليهودي في المدينة ؟

وإن كانت الإجابة نعم، فكيف يكون ذلك وقد أجلاهم عنها صلى الله عليه وسلم.

الجواب

الحمد لله

توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي ، والنبي عليه الصلاة والسلام أجلى بعض اليهود ، وأمر بل أوصى بإجلائهم في مرض موته من جزيرة العرب ، وانه لا يجتمع فيها دينان ، ثم نفّذ عمر رضي الله عنه وصية النبي عليه الصلاة والسلام .

الشيخ : عبد الكريم الخضير.

*عبدالرحمن*
2018-04-20, 02:55
هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي ؟

السؤال

ما الحكم في قوم يزعمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ، ويقولون أن الصحابة رضي الله عنهم تآمروا عليه ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا القول لا يُعرف عن أحد من طوائف المسلمين سوى طائفة الشيعة ، وهو قول باطل لا أصل له في الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما دلت الأدلة الكثيرة على أن الخليفة بعده هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعن سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

ولكنه صلى الله عليه وسلم لم ينص على ذلك نصاً صريحاً ولم يُوص به وصية قاطعة ، ولكنه أمر بما يدل على ذلك حيث أمره بأن يؤم الناس في مرضه ، ولما ذكر له من أمر الخلافة بعده ، قال عليه الصلاة والسلام : ( يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر ) ولهذا بايعه الصحابة رضي الله عنهم وأجمعوا على أن أبا بكر أفضلهم وثبت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان )

ويُقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وتواترت الآثار عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ) وكان يقول رضي الله عنه : ( لا أوتى بأحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري ) ، ولم يدِّع لنفسه أنه أفضل الأمة ، ولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة

ولم يقل أن الصحابة رضي الله عنهم ظلموه وأخذوا حقه ، ولما توفيت فاطمة رضي الله عنها ، بايع الصديق بيعة ثانية تأكيداً للبيعة الأولى وإظهاراً للناس أنه مع الجماعة وليس في نفسه شيء من بيعة أبي بكر رضي الله عنهم جميعاً ، ولما طُعن عمر وجعل الأمر شورى بين ستة من العشرة المشهود لهم بالجنة ، ومن جملتهم علي رضي الله عنه لم ينكر على عمر ذلك لا في حياته ولا بعد وفاته ، ولم يقل أنه أولى منهم جميعاً فكيف يجوز لأحد من الناس أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أنه أوصى لعلي بالخلافة

وعلي نفسه لم يدِّع ذلك ولا أدّعاه أحد من الصحابة له ، بل قد أجمعوا على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، واعترف بذلك علي رضي الله عنه ، وتعاون معهم جميعاً في الجهاد والشورى وغير ذلك ، ثم أجمع المسلمون بعد الصحابة على ما أجمع عليه الصحابة ؟

فلا يجوز بعد هذا لأي واحد من الناس ولا لأي طائفة لا الشيعة لا غيرهم أن يدّعوا أن علياً هو الوصي ، وأن الخلافة التي قبله باطلة كما لا يجوز لأي أحد من الناس أن يقول أن الصحابة ظلموا علياً وأخذوا حقه ، بل هذا من أبطل الباطل ومن سوء الظن بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملتهم علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين .

وقد نزه الله هذه الأمة المحمدية وحفظها من أن تجتمع على ضلالة ، وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الكثيرة أنه قال : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة ) فيستحيل أن تجتمع الأمة في أشرف قرونها على باطل ، وهو خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، ولا يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر ، كما لا يقوله من له أدنى بصيرة بحكم الإسلام .

من فتاوى الشيخ ابن باز في كتاب فتاوى إسلامية 1/46.

*عبدالرحمن*
2018-04-20, 03:01
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الركوب

السؤال

ما هي المراكب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يركبها ؟.

الجواب

الحمد لله

ركب النبي صلى الله عليه وسلم الخيل والإبل والبغال والحمير ، وركب الفرس مسرجةً تارة وعرياً أخرى ، وكان يُجريها في بعض الأحيان ، وكان يركب وحده وهو الأكثر وربما أردف خلفه على البعير

وربما أردف خلفه وأركب أمامه وكانوا ثلاثة على بعير ، وأردف الرجال وأردف بعض نسائه ، وكان أكثر مراكبه الخيل والإبل ، وأما البغال فالمعروف أنه كان عنده منها بغلة واحدة أهداها له بعض الملوك

ولم تكن البغال مشهورة بأرض العرب بل لما أهديت له البغلة قيل : ألا نُنزي الخيل على الحمر : فقال : " إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون " (

رواه أبو داوود (2565) صححه الألباني في صحيح أبي داوود (2236) )

زاد المعاد (1/159).

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-04-29, 05:36
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


السؤال

كم مرة اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

عن قتادة أن أنسا رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته : عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة ، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة ، وعمرة من جعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة .

رواه البخاري ( الحج/1654 ) ومسلم ( الحج / 1253 ) .

قال ابن القيم :

اعتمر بعد الهجرة أربع عمر كلهن في ذي القعدة .

الأولى : عمرة الحديبية وهي أولاهن سنة ست فصدَّه المشركون عن البيت فنحر البُدْن ( أي هديه من الإبل ) حيث صُدَّ بالحديبية وحلق هو وأصحابه رؤوسهم وحلّوا من إحرامهم ورجع من عامه إلى المدينة .

الثانية : عمرة القضية في العام المقبل دخل مكة فأقام بها ثلاثا ثم خرج بعد إكمال عمرته .

الثالثة : عمرته التي قرنها مع حجته .

الرابعة : عمرته من الجعرانة لما خرج إلى حنين ثم رجع إلى مكة فاعتمر من الجعرانة داخلا إليها ....

قال : ولا خلاف أن عُمَرَهُ لم تَزِدْ على أربع .

يراجع " زاد المعاد " ج/2 ص/90-93

وقال النووي :

قال العلماء :

وإنما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العُمَر في ذي القعدة لفضيلة هذا الشهر ولمخالفة الجاهلية في ذلك فإنهم كانوا يرونه ( أي الإعتمار في ذي القعدة ) من أفجر الفجور كما سبق ففعله صلى الله عليه وسلم مرات في هذه الأشهر ليكون أبلغ في بيان جوازه فيها وأبلغ في إبطال ما كانت الجاهلية عليه ،

والله أعلم .

" شرح مسلم " ( 8 / 235 ) .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-29, 05:38
: أول ما بدء برسول الله من الوحي

السؤال

هل تعرف بداية الإسلام (عندما ذهب للكهف ولم يستطع القراءة) إذا كنت تعلم فأرجو أن تساعدني . الرجاء الإجابة .

الجواب

الحمد لله

عن عروة بن الزبير : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :

كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم

فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح

ثم حبب إليه الخلاء

فكان يلحق بغار حراء فيتحنث فيه - والتحنث : التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك

ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثلها

حتى فجئه الحق وهو في غار حراء

فجاءه الملك فقال : اقرأ

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ

قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد

ثم أرسلني

فقال : اقرأ

قلت : ما أنا بقارئ

فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد

ثم أرسلني

فقال : اقرأ

قلت : ما أنا بقارئ

فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد

ثم أرسلني

فقال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم } الآيات إلى قوله { علَّم الإنسان ما لم يعلم }

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : زملوني ، زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع

قال لخديجة : أي خديجة ، ما لي لقد خشيت على نفسي

فأخبرها الخبر

قالت خديجة : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكلَّ وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق

فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل - وهو ابن عم خديجة أخي أبيها - وكان امرأ تنصَّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي

فقالت خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك

قال ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟

فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى

فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم ؟

قال ورقة : نعم ، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي ، وإن يدركني يومك حيّاً أنصرك نصراً مؤزراً

ثم لم ينشب ورقة أن توفي

وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال محمد بن شهاب :

فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يحدِّث عن فترة الوحي - : بينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملَك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ففرقت منه فرجعت فقلت : زملوني ، زملوني ، فدثروه ، فأنزل الله تعالى { يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر . والرجز فاهجر }

قال أبو سلمة : وهي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدون

قال : ثم تتابع الوحي .

رواه البخاري ( 4671 ) ومسلم ( 160 ) .

ما أنا بقارئ : أي : لا أُحسن القراءة

الجَهد : الشدة والمشقة

أرسلني : أطلقني

بوادره : اللحمة بين الكتف والعنق

زملوني : غطوني ولفوني

الرَّوْع : الفزع

الكلّ : العاجز الفقير

تُكسب المعدوم : تعين المعدم العاجز

جَذعاً : شابّاً فتيّاً .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-29, 05:41
فضل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

السؤال

أرجو أن تخبرنا عن شيء من أخبار فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وعن مكانتها وبعض مواقفها في التاريخ الإسلامي ...

الجواب

الحمد لله

فاطمة بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرشية الهاشمية ، وأم الحسنين .

مولدها قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل ، وتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موقعة بدر .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها ، وكانت صابرة ديِّنة خيِّرة صيِّنة قانِعة شاكِرة لله .

ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حزِنت عليه ، وبكت عليه ، وقالت : يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ، يا أبتاه ! أجاب رباً دعاه ، يا أبتاه في جنة الخلد مثواه .

وكانت فاطمة أشبه الناس بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبَّلها ورحَّب بها ، وكذلك كانت هي تصنع به .

وعاشت فاطمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ، ودفنت ليلاً . قال الواقدي : هذا أثبت الأقوال عندنا . قال : وصلى عليها العباس . ونزل في حفرتها هو وعليّ والفضل .

وكان لها من البنين ، الحسن والحسين رضي الله عنهما ، ومن البنات ، أم كلثوم ، التي تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وزينب التي تزوجها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب .

عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْحَبًا بِابْنَتِي ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَبْكِينَ ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ . فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

. حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلا أُرَاهُ إِلا حَضَرَ أَجَلِي . وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي . فَبَكَيْتُ . فَقَالَ : أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ ) رواه البخاري( المناقب/3353) .

ومن المواقف التي ظهر فيها فضلها ما ثبت في الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض : أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ . فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ . قَالَ : فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ

فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ ، قَالَ : وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ ....) رواه البخاري(233)ومسلم(3349) ، ومن فضائلها ما ثبت أيضاً في الصحيحين أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي ) رواه البخاري(3437) ومسلم(4483)

والله أعلم .

انظر نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء 1/116

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-29, 05:46
محمد صلى الله عليه وسلم

السؤال

هل لك أن تعطيني نبذة عن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

اختلف بنو إسرائيل . وحرفوا وبدلوا في عقيدتهم وشريعتهم فانطمس الحق وظهر الباطل وانتشر الظلم والفساد واحتاجت الأمة إلى دين يحق الحق ويمحق الباطل ويهدي الناس إلى الصراط المستقيم فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه : ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) النحل/64 .

أرسل الله جميع الأنبياء والرسل للدعوة إلى عبادة الله وحده , وإخراج الناس من الظلمات إلى النور فأولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) النحل/36 .

وآخر الأنبياء والرسل هو محمد صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده قال تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) الأحزاب/40 .

وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة كما قال سبحانه : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ًونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) سبأ/28 .

وقد أنزل الله على رسوله القرآن يهدي به الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم قال تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ) إبراهيم/1 .

وقد ولد الرسول محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي بمكة عام الفيل الذي جاء أصحابه لهدم الكعبة فأبادهم الله وتوفي أبوه وهو في بطن أمه ولما ولد محمد أرضعته حليمة السعدية ثم زار أخواله في المدينة مع أمه آمنة بنت وهب وفي طريق العودة إلى مكة توفيت أمه بالأبواء وعمره ست سنين ثم كفله جده عبد المطلب فمات وعمر محمد ثمان سنين ثم كفله عمه أبو طالب يرعاه ويكرمه ويدافع عنه أكثر من أربعين سنة وتوفي أبو طالب ولم يؤمن بدين محمد خشية أن تعيره قريش بترك دين آبائه .

وكان محمد في صغره يرعى الغنم لأهل مكة ثم سافر إلى الشام بتجارة لخديجة بنت خويلد وربحت التجارة وأعجبت خديجة بخلقه وصدقه وأمانته فتزوجها وعمره خمس وعشرون سنة وعمرها أربعون سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت .

وقد أنبت الله محمداً صلى الله عليه وسلم نباتاً حسناً وأدبه فأحسن تأديبه ورباه وعلمه حتى كان أحسن قومه خَلقاً وخُلقاً وأعظمهم مروءة وأوسعهم حلماً وأصدقهم حديثاً وأحفظهم أمانة حتى سماه قومه بالأمين .

ثم حُبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء الأيام والليالي يتعبد فيه ويدعو ربه وأبغض الأوثان والخمور والرذائل فلم يلتفت إليها في حياته .

ولما بلغ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة شارك قريشاً في بناء الكعبة لما جرفتها السيول فلما تنازعوا في وضع الحجر الأسود حكموه في الأمر فدعا بثوب فوضع الحجر فيه ثم أمر رؤساء القبائل أن يأخذوا بأطرافه فرفعوه جميعاً ثم أخذه محمد فوضعه في مكانه وبنى عليه فرضي الجميع وانقطع النزاع .

وكان لأهل الجاهلية صفات حميدة كالكرم والوفاء والشجاعة وفيهم بقايا من دين إبراهيم كتعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة وإهداء البدن وإلى جانب هذا كانت لهم صفات وعادات ذميمة كالزنا , وشرب الخمور وأكل الربا وقتل البنات والظلم , وعبادة الأصنام .

وأول من غير دين إبراهيم ودعا إلى عبادة الأصنام عمرو بن لحي الخزاعي فقد جلب الأصنام إلى مكة وغيرها ودعا الناس إلى عبادتها ومنها ود , وسواع , ويغوث , ويعوق, ونسرا .

ثم اتخذ العرب أصناماً أخرى ومنها صنم مناة بقديد واللات بالطائف والعزى بوادي نخلة وهبل في جوف الكعبة وأصنام حول الكعبة وأصنام في بيوتهم واحتكم الناس إلى الكهان والعرافين والسحرة .

ولما انتشر الشرك والفساد بهذه الصورة بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وعمره أربعون سنة يدعو الناس إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام فأنكرت عليه قريش ذلك وقالت : ( أجعل الآلهة ألهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ) ص/5 .

وظلت هذه الأصنام تعبد من دون الله حتى بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالتوحيد فكسرها وهدمها هو وأصحابه رضوان الله عليهم فظهر الحق وزهق الباطل : ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ) الإسراء/81 .

وأول ما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء الذي كان يتعبد فيه حيث جاءه جبريل فأمره أن يقرأ فقال الرسول ما أنا بقارئ فكرر عليه وفي الثالثة قال له : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ) العلق/1-2-3 .

فرجع الرسول , وفؤاده يرجف , ودخل على زوجته خديجة ثم أخبرها وقال لقد خشيت على نفسي فطمأنته وقالت : ( والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم , وتحمل الكل , وتقرى الضيف , وتكسب المعدوم , وتعين على نوائب الحق ) ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر فلما أخبره بشره وقال له هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى وأوصاه بالصبر إذا آذاه قومه وأخرجوه .

ثم فتر الوحي مدة فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم فبينما هو يمشي يوماً إذ رأى الملك مرة أخرى بين السماء والأرض فرجع إلى منزله وتدثر فأنزل الله عليه : ( يا أيها المدثر ، قم فأنذر ) المدثر/1-2 , ثم تتابع الوحي بعد ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم .

أقام النبي في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعوا إلى عبادة الله وحده سراً ثم جهراً حيث أمره الله أن يصدع بالحق فدعاهم بلين ولطف من غير قتال فأنذر عشيرته الأقربين ثم أنذر قومه ثم أنذر من حولهم ثم أنذر العرب قاطبة ثم أنذر العالمين . ثم قال سبحانه : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) الحجر/94 .

وقد آمن بالرسول قلة من الأغنياء والأشراف والضعفاء والفقراء والعبيد رجالاً ونساءً وأوذي الجميع في دينهم فعُذِّبَ بعضهم وقتل بعضهم , وهاجر بعضهم إلى الحبشة فراراً من أذى قريش وأوذي معهم الرسول صلى الله عليه وسلم فصبر حتى أظهر الله دينه .

ولما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم خمسين سنة ومضى عشر سنوات من بعثته مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه من أذى قريش ثم ماتت من بعده زوجته خديجة التي كانت تؤنسه فاشتد عليه البلاء من قومه وتجرؤا عليه وآذوه بصنوف الأذى وهو صابر محتسب . صلوات الله وسلامه عليه .

ولما اشتد عليه البلاء وتجرأت عليه قريش خرج إلى الطائف ودعا أهلها إلى الإسلام فلم يجيبوه , بل آذوه ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه , فرجع إلى مكة وظل يدعوا الناس إلى الإسلام في الحج وغيره .

ثم أسرى الله برسوله ليلا ًمن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكباً على البراق بصحبة جبريل , فنزل وصلى بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء الدنيا فرأى فيها آدم , وأرواح السعداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن شماله ثم عرج به إلى السماء الثانية فرأى فيها عيسى ويحيى ثم إلى الثالثة فرأى فيها يوسف ثم إلى الرابعة فرأى فيها إدريس ثم إلى الخامسة فرأى فيها هارون ثم إلى السادسة فرأى فيها موسى ثم إلى السابعة فرأى فيها إبراهيم ثم رفع إلى سدرة المنتهى ثم كلمه ربه فأكرمه وفرض عليه وعلى أمته خمسين في اليوم والليلة ثم خففها إلى خمس في العمل وخمسين في الأجر واستقرت الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة إكراماً منه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى مكة قبل الصبح فقص عليهم ما جرى له فصدقه المؤمنون وكذبه الكافرون : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) الإسراء/1 .

ثم هيأ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من ينصره فالتقى في موسم الحج برهط من المدينة من الخزرج فأسلموا ثم رجعوا إلى المدينة , ونشروا فيها الإسلام فلما كان العام المقبل صاروا بضعة عشر فالتقى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم فلما انصرفوا بعث معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن , ويعلمهم الإسلام فأسلم على يديه خلق كثير , منهم زعماء الأوس سعد بن معاذ , وأسيد بن حضير .

فلما كان العام المقبل وجاء موسم الحج خرج منهم ما يزيد على سبعين رجلاً من الأوس والخزرج فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن هجره وآذاه أهل مكة , فواعدهم الرسول في إحدى ليالي التشريق عند العقبة فلما مضى ثلث الليل خرجوا للميعاد فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس ولم يؤمن إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه فتكلم العباس ,

والرسول , والقوم بكلام حسن ثم بايعهم الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يهاجر إليهم في المدينة على أن يمنعوه , وينصروه ويدافعوا عنه , ولهم الجنة فبايعوه واحداً, واحدا ً, ثم انصرفوا ثم علمت بهم قريش فخرجوا في طلبهم , ولكن الله نجاهم منهم , وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة إلى حين : ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) الحج/40 .

ثم أمر الرسول أصحابه بالهجرة إلى المدينة فهاجروا أرسالاً إلا من حبسه المشركون ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله وأبو بكر وعلي فلما أحس المشركون بهجرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خافوا أن يلحق بهم فيشتد أمره فتآمروا على قتله فأخبر جبريل رسول الله بذلك فأمر الرسول علياً أن يبيت في فراشه ,

ويرد الودائع التي كانت عند الرسول صلى الله عليه وسلم لأهلها وبات المشركون عند باب الرسول ليقتلوه إذا خرج فخرج من بينهم وذهب إلى بيت أبي بكر بعد أن أنقذه الله من مكرهم وأنزل الله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) الأنفال/30 .

ثم عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة , فخرج هو وأبو بكر إلى غار ثور ومكثا فيه ثلاث ليال واستأجرا عبد الله بن أبي أريقط وكان مشركاً ليدلهما على الطريق , وسلماه راحلتيهما فذعرت قريش لما جرى وطلبتهما في كل مكان , ولكن الله حفظ رسوله فلما سكن الطلب عنهما ,

ارتحلا إلى المدينة فلما أيست منهما قريش بذلوا لمن يأتي بهما أو بأحدهما مائتين من الإبل فجد الناس في الطلب وفي الطريق إلى المدينة , علم بهما سراقة بن مالك وكان مشركاً فأرادهما فدعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه في الأرض فعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ممنوع , وطلب من الرسول أن يدعوا له ولا يضره فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم , فرجع سراقة , ورد الناس عنهما ثم أسلم بعد فتح مكة .

فلما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كبر المسلمون فرحاً بقدومه واستقبله الرجال والنساء والأطفال فرحين مستبشرين فنزل بقباء وبنى هو والمسلمون مسجد قباء وأقام بها بضع عشرة ليلة ثم ركب يوم الجمعة فصلاها في بني سالم بن عوف ثم ركب ناقته ودخل المدينة والناس محيطون به , آخذون بزمام ناقته لينزل عندهم , فيقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم دعوها فإنها مأمورة فسارت حتى بركت في موضع مسجده اليوم .

وهيأ الله لرسوله أن ينزل على أخواله قرب المسجد فسكن في منزل أبي أيوب الأنصاري , ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتي بأهله وبناته وأهل أبي بكر من مكة فجاءوا بهم إلى المدينة .

ثم شرع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بناء مسجده في المكان الذي بركت فيه الناقة وجعل قبلته إلى بيت المقدس وجعل عمده الجذوع وسقفه الجريد ثم حولت القبلة إلى الكعبة بعد بضعة عشر شهراً من مقدمه المدينة .

ثم آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ووادع الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود وكتب بينه وبينهم كتاباً على السلم والدفاع عن المدينة وأسلم حبر اليهود عبد الله بن سلام وأبى عامة اليهود إلا الكفر وفي تلك السنة تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها .

وفي السنة الثانية شرع الأذان وصرف الله القبلة إلى الكعبة ، وفرض صوم رمضان .

ولما استقر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وأيده الله بنصره والتف المهاجرون والأنصار حوله واجتمعت القلوب عليه عند ذلك رماه المشركون , واليهود والمنافقون عن قوس واحدة فآذوه وافتروا عليه وبارزوه بالمحاربة والله يأمره بالصبر و العفو والصفح فلما اشتد ظلمهم وتفاقم شرهم , أذن الله للمسلمين بالقتال , فنزل قوله تعالى : ( أذن للذين يُقاتِلون بأنهم ظُلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير ) الحج/39 .

ثم فرض الّله على المسلمين قتال من قاتلهم فقال : ( و قاتلوا في سبيل الّله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الّله لا يحب المعتدين ) البقرة/190 .

ثم فرض الله عليهم قتال المشركين كافة فقال : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) التوبة/36 .

فقام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله ورد كيد المعتدين ودفع الظلم عن المظلومين وأيده الله بنصره , حتى صار الدين كله لله فقاتل المشركين في بدر في السنة الثانية من الهجرة في رمضان فنصره الله عليهم وفرق جموعهم وفي السنة الثالثة غدر يهود بني قينقاع فقتلوا أحد المسلمين فأجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن المدينة إلى الشام ثم ثأرت قريش لقتلاها في بدر ,

فعسكرت حول أحد في شوال من السنة الثالثة ودارت المعركة وعصى الرماة أمر الرسول , فلم يتم النصر للمسلمين وانصرف المشركون إلى مكة ولم يدخلوا المدينة .

ثم غدر يهود بني النضير وهموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بإلقاء الحجر عليه فنجاه الله , ثم حاصرهم في السنة الرابعة وأجلاهم إلى خيبر .

وفي السنة الخامسة غزا الرسول صلى الله عليه وسلم بني المصطلق لرد عدوانهم , فانتصر عليهم وغنم الأموال والسبايا ثم سعى زعماء اليهود في تأليب الأحزاب على المسلمين للقضاء على الإسلام في عقر داره . فاجتمع حول المدينة المشركون والأحباش وغطفان اليهود ثم أحبط الله كيدهم ونصر رسوله والمؤمنين : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً ) الأحزاب/25 .

ثم حاصر الرسول صلى الله عليه وسلم يهود بني قريظة لغدرهم , ونقضهم العهد فنصره الله عليهم فقتل الرجال وسبى الذرية وغنم الأموال .

وفي السنة السادسة عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على زيارة البيت والطواف به فصده المشركون عنه ، فصالحهم في الحديبية على وقف القتال عشر سنين ، يأمن فيها الناس ويختارون ما يريدون فدخل الناس في دين الله أفواجاً .

وفي السنة السابعة غزا الرسول خيبر للقضاء على زعماء اليهود الذين آذوا المسلمين ، فحاصرهم ونصره الله عليهم وغنم الأموال والأرض وكاتب ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام .

وفي السنة الثامنة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً بقيادة زيد بن حارثه لتأديب المعتدين ولكن الروم جمعوا جيشاً عظيماً فقتلوا قواد المسلمين وأنجى الله بقية المسلمين من شرهم .

ثم غدر كفار مكة فنقضوا العهد فتوجه إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بجيش عظيم وفتح مكة ، وطهر بيته العتيق من الأصنام ، وولاية الكفار .

ثم كانت غزوة حنين في شوال من السنة الثامنة لرد عدوان ثقيف وهوازن فهزمهم الله وغنم المسلمون مغانم كثيرة ثم واصل الرسول صلى الله عليه وسلم مسيره إلى الطائف وحاصرها ، ولم يأذن الله بفتحها فدعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وانصرف ، فأسلموا فيما بعد ثم رجع ووزع الغنائم ، ثم اعتمر هو وأصحابه ثم خرجوا إلى المدينة .

وفي السنة التاسعة كانت غزوة تبوك في زمان عسرة وشدة وحر شديد فسار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تبوك لرد كيد الروم فعسكر هناك ، ولم يلق كيداً وصالح بعض القبائل ، وغنم ثم رجع إلى المدينة وهذه آخر غزوة غزاها عليه الصلاة و السلام وجاءت في تلك السنة وفود القبائل تريد الدخول في الإسلام

و منها وفد تميم ووفد طيء ووفد عبد القيس ، ووفد بني حنيفة وكلهم أسلموا ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يحج بالناس في تلك السنة وبعث معه علياً رضي الله عنه وأمره أن يقرأ على الناس سورة براءة للبراءة من المشركين وأمره أن ينادي في الناس فقال علي يوم النحر : ( يا أيها الناس لا يدخل الجنة كافر ، و لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته ) .

وفي السنة العاشرة عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على الحج , و دعا الناس إلى ذلك فحج معه من المدينة وغيرها خلقٌ كثير فأحرم من ذي الحليفة , و وصل إلى مكة في ذي الحجة وطاف وسعى وعلم الناس مناسكهم وخطب الناس بعرفات خطبة عظيمة جامعة , قرر فيها الأحكام الإسلامية العادلة فقال : ( أيها الناس اسمعوا قولي , فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا , أيها الناس إن دماءكم , وأموالكم

, وأعراضكم حرام عليكم , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا , في بلدكم هذا , ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع , ودماء الجاهلية موضوعة , وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث , كان مسترضعاً في بني سعد , فقتلته هذيل . وربا الجاهلية موضوع , وأول ربا أضع ربا عباس بن عبد المطلب , فإنه موضوع كله , فاتقوا الله في النساء , فإنكم أخذتموهن بأمان الله , واستحللتم فروجهن بكلمة الله ,

ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه , فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح , ولهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف , وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله , وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون , قالوا نشهد أنك قد بلَّغت , وأديت , ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد , اللهم اشهد ثلاث مرات ) .

ولما أكمل الله هذا الدين , وتقررت أصوله , نزل عليه وهو بعرفات : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) المائدة/3 .

وتسمى هذه الحجة حجة الوداع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ودع فيها الناس , ولم يحج بعدها ثم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من حجه إلى المدينة .

وفي السنة الحادية عشرة في شهر صفر بدأ المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم ولما اشتد عليه الوجع أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصلى بالناس وفي ربيع الأول , زاد عليه المرض فقبض صلوات الله وسلامه عليه ضحى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة فحزن المسلمون لذلك حزناً شديداً ثم غُسل وصلى عليه المسلمون يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء ودفن في بيت عائشة والرسول قد مات ودينه باق إلى يوم القيامة .

ثم اختار المسلمون صاحبه في الغار ورفيقه في الهجرة أبا بكر رضي الله عنه خليفة لهم ثم تولى الخلافة من بعده عمر ثم عثمان ثم علي وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون المهديون رضوان الله عليهم أجمعين .

وقد امتنّ الله على رسوله محمد بنعم عظيمة وأوصاه بالأخلاق الكريمة كما قال سبحانه : ( ألم يجدك يتيماً فآوى ، ووجدك ضالاً فهدى ، ووجدك عائلاً فأغنى ، فأما اليتيم فلا تقهر ، وأما السائل فلا تنهر ، وأما بنعمة ربك فحدث ) الضحى/6-11 .

وقد أكرم الله رسوله بأخلاق عظيمة لم تجتمع لأحدٍٍ غيره حتى أثنى عليه ربه بقوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) القلم/4 .

وبهذه الأخلاق الكريمة , والصفات الحميدة , استطاع عليه السلام أن يجمع النفوس ويؤلف القلوب بإذن ربه : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) آل عمران/159 .

وقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة وأنزل عليه القرآن وأمره بالدعوة إلى الله كما قال سبحانه : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ) الأحزاب/46 .

وقد فضل الله رسوله محمداً على غيره من الأنبياء بست فضائل كما قال صلى الله عليه وسلم : ( فضلت على الأنبياء بست , أعطيت جوامع الكلم , ونصرت بالرعب , وأحلت لي الغنائم , وجعلت لي الأرض طهوراً و مسجداً , وأرسلت إلى الناس كافة , وختم بي النبيون ) . رواه مسلم/523 .

فيجب على جميع الناس الإيمان به , و اتباع شرعه , ليدخلوا جنة ربهم : ( ومن يطع الله و رسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ) النساء/13 .

وقد أثنى الله على من يؤمن بالرسول من أهل الكتاب وبشرهم بالأجر مرتين كما قال سبحانه : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ، أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ) القصص/52 -54 . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه و صدقه فله أجران . الخ ) .

ومن لم يؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر , والكافر جزاؤه النار كما قال سبحانه : ( ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً ) الفتح/13 , وقال عليه الصلاة و السلام : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاَّ كان من أصحاب النار ) . رواه مسلم/154 .

و الرسول صلى الله عليه وسلم بشر لا يعلم إلا ما علمه الله ولا يعلم الغيب ولا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً كما قال سبحانه : ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلاَّ نذير وبشير لقوم يؤمنون ) الأعراف/188 .

وقد أرسله الله بالإسلام ليظهره على الدين كله : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً ) الفتح/28 .

ومهمة الرسول هي إبلاغ ما أرسل به , والهداية بيد الله : ( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ ) الشورى/48 .

ولما للرسول صلى الله عليه وسلم من فضل عظيم على البشرية , بدعوتها إلى هذا الدين وإخراجها من الظلمات إلى النور , فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر وأمرنا بالصلاة عليه في حالات كثيرة فقال سبحانه : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليماً ) الأحزاب/21 .

وقد جاهد النبي عليه الصلاة و السلام في سبيل نشر هذا الدين وجاهد أصحابه معه فعلينا الاقتداء به واتباع سنته و السير على هديه كما قال سبحانه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيراً ) الأحزاب/21 .

والإسلام دين الفطرة و العدل دين ارتضاه الله للناس كافة وهو يشتمل على أصول و فروع و آداب و أخلاق و عبادات و معاملات ولن تسعد الأمة إلا باتباعه والعمل به ولن يقبل الله من الناس غيره كما قال سبحانه : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) آل عمران/85 .

اللهم صلّ على محمد , وعلى آل محمد , كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-04-30, 04:59
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

هل آذى أحد من الصحابة
النبي صلى الله عليه وسلم؟

السؤال

يقول الشيعة بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد اعترف بأن عائشة وحفصة رضي الله عنهما قد آذتا النبي صلى الله عليه وسلم، مستدلين برواية من صحيح مسلم تقول فيه: عن عبد الله ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: (لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه قال: دخلت المسجد، فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب

. فقال عمر: فقلت: لأعلمن ذلك اليوم. قال: فدخلت على عائشة فقلت: يا بنت أبي بكر! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: ما لي وما لك يا ابن الخطاب؟ عليك بعيبتك. قال: فدخلت على حفصة بنت عمر، فقلت لها: يا حفصة! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم) [صحيح مسلم / ح 1479] فما صحة هذه الرواية؟ جزاكم الله خيرا.

الجواب :

الحمد لله

لا بد أن نعلم أولا أن الصحابة الكرام – سواء كانوا من آل البيت الكرام، أم من أمهات المؤمنين، أم من غيرهم – كلهم يجوز أن يصدر عنهم من أقوالهم أو أفعالهم ما لا يرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما يستشعر منه الأذى عليه الصلاة والسلام، ولم يدع أحد من علماء السنة لأحد من الصحابة مطلقا العصمة أو القداسة عن صدور الخطأ عنه من هذا القبيل .

ولكن الذي يقوله العلماء رحمهم الله إن ذلك لم يقع من أحد منهم – فيما وردنا في السنة والسيرة والتاريخ – على وجه تعمد الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فضلا عن أن يكون ذلك عن بغض النبي صلى الله عليه وسلم، أو الحمل عليه، أو الاستكبار عنه، أو الكراهة له، أو المحادة له ولشرعه ؛ حاشاهم من ذلك .

ولو وقع أي أذى من أي مسلم على أحد هذه الأوجه لكان له حكم آخر، ولكن ما نقلته الروايات من بعض هنات آل البيت والصحابة الكرام إنما كان من قبيل الأذى غير المقصود، الذي لا يقصد به شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما باعثه العجلة ، أو الغلط والخطأ ، الذي لا يخلو منه البشر.

وهذا ما أخبرنا عنه القرآن الكريم في بعض الآيات الكريمات، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) [الأحزاب: 53].

وأيضا قوله عز وجل: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ. إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحجرات: 2 – 5]

فقوله تعالى: (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ) : صريح في أنه من الأذى الذي وقع خطأ من بعض الصحابة الكرام، ونهاهم عنه القرآن الكريم، فاستوجب التوبة والاستغفار منهم رضي الله عنهم، ولكنه يبقى في دائرة المعصية التي لا يُعصم منها أحد من البشر.

أما الأذية التي لا تصدر إلا عن المنافقين أو الزنادقة والمرتدين، فهي التي تؤدي بالمسلم إلى الكفر والعياذ بالله، وهي التي توعد القرآن عليها بالعذاب الأبدي الأليم، كما قال تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [التوبة: 61]، وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) [الأحزاب: 57]، وسياق الآيات ظاهر وواضح في المشركين والمنافقين، ويقاس عليهم من صدر عنه مثلهم.

إذن يجب أن نفرق بين نوعين من الأذى، الأول قد يزل به بعض الصحابة وآل البيت الكرام، والثاني لا يقع فيه إلا المنافقون والمشركون.

ومن أمثلة الأول: ما وقع من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين طلب التزوج على فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ: «إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» رواه البخاري (5230) ومسلم (2449)

وأيضا ما وقع من علي رضي الله عنه من إغضاب النبي صلى الله عليه وسلم حين (طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَيْلَةً، فَقَالَ: «أَلاَ تُصَلِّيَانِ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: (وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)) رواه البخاري (1127)، ومسلم (775)

وأيضا ما وقع من بعض أمهات المؤمنين كما في "صحيح مسلم" (1479) من طريق عِكْرِمَة بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ سِمَاكٍ أَبِي زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ:

(لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى، وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ، فَقَالَ عُمَرُ، فَقُلْتُ: لَأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَا لِي وَمَا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ

قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا حَفْصَةُ، أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَاللهِ، لَقَدْ عَلِمْتِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُحِبُّكِ، وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ، فَقُلْتُ لَهَا: أَيْنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: هُوَ فِي خِزَانَتِهِ فِي الْمَشْرُبَةِ، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَاعِدًا عَلَى أُسْكُفَّةِ الْمَشْرُبَةِ، مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ

- وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْحَدِرُ - فَنَادَيْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ رَفَعْتُ صَوْتِي، فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنِّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ، وَاللهِ

لَئِنْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِ عُنُقِهَا، لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا، وَرَفَعْتُ صَوْتِي، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنِ ارْقَهْ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَجَلَسْتُ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ، قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ،

قَالَ: «مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفْوَتُهُ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟»، قُلْتُ: بَلَى.

قَالَ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ حِينَ دَخَلْتُ، وَأَنَا أَرَى فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ؟ فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ، فَإِنَّ اللهَ مَعَكَ، وَمَلَائِكَتَهُ، وَجِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَأَنَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ، وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ وَأَحْمَدُ اللهَ بِكَلَامٍ، إِلَّا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ اللهُ يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ آيَةُ التَّخْيِيرِ: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) [التحريم: 5]، (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم: 4]، وَكَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَانِ عَلَى سَائِرِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَطَلَّقْتَهُنَّ؟

قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى، يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، أَفَأَنْزِلُ، فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ، قَالَ: «نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ»، فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ، وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا، ثُمَّ نَزَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزَلْتُ، فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ،

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، قَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ»، فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي، لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83] فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ)

فما وقع من هؤلاء الكبار الأجلاء من آل البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كعلي وأمهات المؤمنين، ليس بمسقط عدالتهم، ولا هو بالتهمة لهم في دينهم؛ لأنه جرى على مقتضى الطبيعة البشرية التي قد تخطئ من حيث لا تشعر في حق الصحبة أو الزوجية .

ولكنه خطأ مغمور ومغفور بحمد الله، لأنه لم يصدر عن قصد ، ولا دخيلة سوء ، معاذ الله ؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم بغير ذلك، ولم يأمر بالعقوبة، ولم يتوعد بالنكال، ولم يجعل ذلك سببا في الجفاء بينه وبين أصحابه وزوجاته، بل عفا وتجاوز وتغافل، وهذا من شيم الكرام.

بل إن آية الأحزاب : تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحيي من مجرد تنبيههم على موضع الأدب في ذلك الأمر ، حتى أنزل الله فيه ما أنزل من القرآن :

( إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ) الأحزاب/53

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" (إِنَّ ذَلِكُمْ) أي: انتظاركم الزائد على الحاجة، (كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ) أي: يتكلف منه ويشق عليه حبسكم إياه عن شئون بيته، واشتغاله فيه (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أن يقول لكم: " اخرجوا " كما هو جاري العادة، أن الناس -وخصوصًا أهل الكرم منهم- يستحيون أن يخرجوا الناس من مساكنهم " انتهى ، من "تفسير السعدي" (670) .

وهذا يدل على أن ذلك كان من الأذى الذي يخف في أصله ، حتى لا ينتبه له كثير من الناس ، أو يتعافونه فيما بينهم ، أو ينبه بعضهم بعضها لشأنه ، وإنما منع النبي صلى الله عليه وسلم كريمُ خلقه أن يشير إليهم بما يخف عليه ، ويدفع الأذى عنه .

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"ومما ينبغي أن يُتفطن له : أن لفظ الأذى في اللغة هو لِما خفَّ أمره ، وضعف أثره من الشر والمكروه، ذكره الخطابي وغيره، وهو كما قال، واستقراء موارده يدل على ذلك، مثل قوله تعالى: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً)، وقوله: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) .

وفيما يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (القر بؤس ، والحر أذى)، وقيل لبعض النسوة العربيات: القر أشد أم الحر؟ فقالت: من يجعل البؤس كالأذى؟! والبؤس خلاف النعيم، وهو ما يُشقي البدن ويضره، بخلاف الأذى، فإنه لا يبلغ ذلك ...

والفعل إذا آذى النبي من غير أن يعلم صاحبه أنه يؤذيه، ولم يقصد صاحبه أذاه ؛ فإنه ينهى عنه، ويكون معصية، كرفع الصوت فوق صوته.

فأما إذا قصد أذاه، وكان مما يؤذيه، وصاحبه يعلم أنه يؤذيه، وأقدم عليه، مع استحضاره هذا العلم = فهذا الذي يوجب الكفر وحبوط العمل، والله سبحانه أعلم" انتهى من "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (ص57-58)

على أنه لا يبعد القول بأن ما صدر عن علي بن أبي طالب وحفصة وعائشة ليس من "الأذى" أصلا، وإنما عتب النبي صلى الله عليه وسلم عليهم لمخالفتهم ما كان ينتظره منهم من تصرف أفضل وأكمل، وهذا لا يسمى أذى، وإن كان سماه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذا الاسم، ولكن قد يقال بأنه وصفه بـ"الأذى" مبالغة منه في الغضب لغضب النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن على فرض ثبوت وصفه بـ"الأذى"، فهو مما خف من الأذى، ولم يكن عن قصد ، ولا تعمد له ؛ وعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حقه، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عن كل من علي بن أبي طالب، وعائشة، وحفصة، وعن الصحابة الكرام، بل توفي في حجر عائشة رضي الله عنها، بين سحرها ونحرها.

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-04-30, 05:02
طلب الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم
لا يناقض الإيثار المندوب إليه

السؤال :

قال رسول الله : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا علي ، وسلوا الله لي الوسيلة ، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لرجل واحد ، أرجو أن أكون أنا هو) ، فهل كان رسول الله لا يعلم أنها خاصة به ؟

وإذا كان يعلم فلماذا قال أرجو أن تكون لي ؟ وإذا كان لا يعلم فلماذا تمني الرسول أن تكون له دون باقي الأنبياء أو البشر ، فرسول الله كان يعلمنا دائما إيثار النفس ؟ فعندما قرأت الحديث شعرت أن تمني الدرجة له ليس بها إيثار

مع العلم اني أعلم أنها لا تنبغي إلا له ، ولكن يوسوس لي الشيطان أن رسول الله تمناها لنفسه ، وذلك ليس فيه إيثار كما كان يعلمنا .

الجواب :

الحمد لله

أولًا :

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ) رواه مسلم (384).

فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث معنى "الوسيلة" ، وأنها منزلة خاصة في الجنة، وخصوصيتها واسمها يشيران إلى أن صاحبها أقرب إلى الله تعالى من غيره.

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:

" ( الْوَسِيلَةَ ) هي في الأصل: ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به، وجمعها: وسائل. يقال: وسل إليه وسيلة، وتوسل. والمراد به في الحديث القرب من الله تعالى " انتهى، من "النهاية" (5 / 185).

وقال الطيبي رحمه الله تعالى:

" وإنما سميت تلك المنزلة من الجنة بها [= أي : بالوسيلة ] ؛ لأن الواصل إليها يكون قريباً من الله تعالي ، فائزاً بلقائه، مخصوصاً من بين سائر الدرجات بأنواع المكرمات " انتهى من "شرح المشكاة" (3 / 911).

والسعي إلى القرب من الله تعالى ونيل رضوانه ومكرماته : لا يشرع فيه الإيثار ، بل أمر الله تعالى بالتنافس فيه أشد التنافس، وإنما الإيثار يكون بمتاع الدنيا، وليس بمقامات الجنة ، والقرب من الله تعالى ؛ لأن الإيثار في مثل هذا يشعر أن صاحبه ليس له حرص على القرب من الله تعالى، وهذه منقصة لا تليق بذي همة عالية ؛ فكيف بالرسول صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )المطففين/22 - 26 .

وقال الله تعالى:( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) الحديد/21.

قال الزركشي رحمه الله تعالى:

" الإيثار : أن يؤثر غيره بالشيء ، مع حاجته إليه ...

والإيثار ضربان: ...

(الثاني) : في القربات ، كمن يؤثر بالصف الأول لغيره ، ويتأخر هو، أو يؤثر بقربه من الإمام في الصلاة ونحوه .
وظاهر كلام الشيخ أبي محمد السابق : أنه حرام، وكذا قال الإمام في باب التيمم: لو دخل الوقت، ومعه ما يتوضأ به ، فوهبه لغيره ليتوضأ به : لا يجوز؛ لأن الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس والمُهَج ، لا فيما يتعلق بالقُرَب والعبادات، وقال في باب زكاة الفطر: لا أعرف خلافا في أنه ليس له الإيثار.

وقال الشيخ عز الدين في "القواعد" : "لا إيثار في القربات"؛ فلا إيثار بماء المتيمم، ولا بالصف الأول، ولا بستر العورة في الصلاة؛ لأن الغرض بالعبادات التعظيم والإجلال، فمن آثر به فقد ترك إجلال الإله وتعظيمه ، فيصير بمثابة من أمره سيده بأمر ، فتركه ، وقال لغيره : قم به، فإن هذا يستقبح عند الناس بتباعده من إجلال الآمر وقربه ".

انتهى من "المنثور في القواعد" (1/210-212) .

وأما الإيثار بمتاع الدنيا، فإنه يشعر بأن صاحبه معرض عن الدنيا ، غير منافس فيها ، وهذا أمر محمود، لأن التنافس عليها يؤدي إلى الهلاك.

عن عَمْرو بْنِ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( فَوَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ) رواه البخاري (3158)،ومسلم (2961).

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" وقوله : ( رحمة الله علينا وعلى موسى ) ؛ قال الراوي : وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه. هذا إنما كان يفعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأدعية وأشباهها ، مما يعود عليه بالثواب والأجر الأخروي، حرصًا على تحصيل المنازل الرفيعة عند الله تعالى ، كما قال في الوسيلة : ( إنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ).

وحاصله : أن القرب من الله تعالى ، وثوابه : ليس مما يُؤثر الغير به ، بل تنبغي المنافسة فيه، والمسابقة إليه ، بخلاف أمور الدنيا، وحظوظها؛ فإنَّ الفضل في تركها، وإيثار الغير بما يحوز منها " انتهى من " المفهم " (6/206) .

فالحاصل .. أن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يرجو أن يكون هو أقرب الناس إلى الله تعالى ، شيء محمود بلا شك ، ويدل على شدة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل ، ولا يشرع الإيثار في شيء من ذلك أصلا .

ثانيا :

أما .. هل كان يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه المنزلة العالية له أم لم يكن يعلم ذلك ؟

فلم نقف على شيء من روايات الحديث وألفاظه تبين ذلك .

وقد ذكر العلماء الاحتمالين .

فقد ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم ذلك ، ولهذا أخبر عن رجائه أن يكون هو صاحب تلك المنزلة .

قال القرطبي رحمه الله في "المفهم" (4/100) :

"وقوله : ( وأرجو أن أكون أنا هو ) : قال هذا صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبان قوله له بأنه صاحبها ، إذ قد أخبر أنه يقوم مقامًا لا يقومه أحد غيره ، ويحمد الله بمحامد لم يُلْهمها أحد غيره .

ولكن مع ذلك فلا بد من الدعاء فيها ؛ فإن الله يزيده بكثرة دعاء أمته رفعة ، كما زاده بصلاتهم ، ثم إنه يرجع ذلك عليهم بنيل الأجور ، ووجوب شفاعته صلى الله عليه وسلم" انتهى.

وذكر آخرون أنه كان يعلم ذلك ، ولكنه أخرج الكلام في صورة الرجاء ، تواضعًا منه صلى الله عليه وسلم .

قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (2/559) :

"(وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) : قَالَهُ تَوَاضُعًا ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَفْضَلَ الْأَنَامِ، فَلِمَنْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَقَامُ غَيْرَ ذَلِكَ الْهُمَامِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ" انتهى .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-04-30, 05:05
هل يجوز القول :
إننا خدام النبي صلى الله عليه وسلم ؟

السؤال :

هل يجوز القول بأننا خدام النبي صلي الله عليه وسلم ؟

أو أن نقول إننا نخدمه ؟

أم هذا من خصائص الله تعالى ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا :

الخادم هو الذي يطوف على سيده ، ويدور حوله ، ليخدمه برفق وعناية .

قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (2/162، 163) :

" خدم : الخاء والدال والميم أصل واحد منقاس ، وهو إطافة الشيء بالشيء ..

ومن هذا الباب : الخدمة ، ومنه اشتقاق "الخادم" ؛ لأن الخام يُطيف بمخدومه" انتهى .

وفي "لسان العرب" (9/225) في قول الله عز وجل : (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ) النور/58 : "الطائف : هو الخادم الذي يخدمك برفق وعناية ..

والخادم الذي يطوف على مولاه ويدور حوله " انتهى بتصرف يسير .

ولم يرد في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية – فيما نعلم – أنه ورد إطلاق "الخدمة" على عبادة الله تعالى ، أو طاعته ، وطاعة رسوله ، ولا إطلاق "الخادم" على من أطاع الله ورسوله .

لكن .. كثر في كلام العلماء التعبير بـ "الخدمة" عن طاعة الله وتعالى وعبادته .

فقد ورد ذلك في كلام ابن القيم رحمه الله وحكاه عن بعض السلف ، كما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن غير واحد . انظر : "درء التعارض" (4/196) ، (4/352) ، (4/358) .

ولم يستنكره شيخ الإسلام ، أو يعقب عليه بشيء .

وقال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (1/72) :

" وقال يحيى بن معاذ : من سر بخدمة الله ، سرت الأشياء كلها بخدمته ....

ومن علامات صحة القلب : أن لا يفتر عن ذكر ربه ، ولا يسأم من خدمته ، ولا يأنس بغيره إلا بمن يدله عليه ، ويذكره به ، ويذاكره بهذا الأمر ...

ومن علامات صحته : أنه يشتاق إلى الخدمة كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب" انتهى .

وقد كثر استعمال ذلك في كلام الغزالي في "إحياء علوم الدين" ، وغيره من المصنفين في هذا الباب .

وكأن سبب تساهلهم في إطلاق هذا اللفظ على عبادة الله وطاعته ، أن لفظ "الخدمة" يشعر بنوع من الاعتناء بالطاعة ، والحرص على عدم المخالفة ، كما يشعر بنوع من التذلل والخضوع .

وأما إطلاق هذا اللفظ على النبي صلى الله عليه وسلم فنقول : نحن خدام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فله وجه صحيح من حيث المعنى ، إذ يكون معناه : أننا مطيعون للرسول صلى الله عليه وسلم ، متبعون لأمره ، مجتنبون لنهيه ، بعيدون عما يغضبه ، كما يفعل الخادم مع سيده .

ومع هذا .. فإننا نرى أن لا يطلق هذا اللفظ في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك لما يلي :

أنه لم يرد إطلاق هذا اللفظ بهذا المعنى في القرآن الكريم ولا في السنة لانبوية ، وكلما أمكن التعبير بالألفاظ الشرعية فهو أولى وأفضل ، فيقال : نحن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومطيعون لأمره ، ومتمسكون بهديه

.. ونحو ذلك .

أننا لم نقف على كلام لأحد العلماء الذين يقتدى بهم أنه استعمل هذا اللفظ في حق النبي صلى الله عليه وسلم .
أنه يخشى فيه من باب الدعوى الكاذبة ، أو غير المطابقة ، فلا أحد منا يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مماته ، والاتباع : قد قلنا ما فيه من المأخذ ، في إطلاق الخدمة عليه .

فإذا كان الأمر كذلك ، فالذي ينبغي هو التعبير عن المعاني الشرعية بما ورد في القرآن والسنة ، ولا معنى لاختراع ألفاظ تحتمل عدة معانٍ ، وهي في أحسن أحوالها لن تكون أفضل من الألفاظ الشرعية .

وأما العالم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، المشتغل بحديثه ، وعلوم النبوة : فإطلاق لقب "خادم السنة" ، ونحو ذلك عليه : شائع ، مشتهر ، لا نكير فيه ، ولا محذور .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-04-30, 05:07
السؤال :

ما أسم جمل الرسول صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب :

الحمد لله

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في فصل عن دواب النبي صلى الله عليه وسلم وما الذي كان له منها قال :

(ومن الإبل القصواء ، قيل وهي التي هاجر عليها، والعضباء والجدعاء .. وهل العضباء والجدعاء واحدة أو اثنتان؟ فيه خلاف ، والعضباء هي التي كانت لا تسبق ، ثم جاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن حقا على الله ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه) وغنم صلى الله عليه وسلم يوم بدر جملا مهريا لأبي جهل في أنفه برة من فضة ، فأهداه يوم الحديبية ليغيظ به المشركين)

زاد المعاد 134.

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-30, 05:10
هديه صلى الله عليه وسلم في الطّعام والحمية

السؤال

كيف كانت عادة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الأكل والحمية ؟

الجواب

الحمد لله

1. أما هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل فأكمل هدي ، وقد بيَّنه الإمام ابن القيم ، فقال :

أ. كان إذا وضع يده في الطعام قال : "بسم الله" ، ويأمر الآكل بالتسمية ، ويقول : "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره" حديث صحيح . -

رواه الترمذي (1859) و أبو داود (3767)- .

والصحيح : وجوب التسمية عند الأكل ، .. وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة ولا معارض لها .

ب. وكان إذا رفع الطعام من بين يديه يقول : "الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفيٍّ ولا مودَّع ولا مستغنى عنه ربَّنا عز وجل ذكره البخاري . -

البخاري ( 5142 ) - .

ج. وما عاب طعاماً قط ، بل كان إذا اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه ، وسكت . - رواه البخاري ( 3370 ) ومسلم ( 2064 ) - .

وربما قال : "أجدني أعافه إني لا أشتهيه" . -

رواه البخاري ( 5076 ) ومسلم ( 1946) - .

د. وكان يمدح الطعام أحياناً ، كقوله لما سأل أهلَه الإدام ، فقالوا : ما عندنا إلا خلّ ، فدعا به فجعل يأكل منه ، ويقول : "نِعْم الأُدْم الخل" . -

رواه مسلم (2052) - .

هـ. وكان يتحدث على طعامه كما تقدم في حديث الخل .

وكما قال لربيبه عمر بن أبي سلمة وهو يؤاكله : "سمِّ الله وكُلْ مما يليك" . -

رواه البخاري ( 5061 ) ومسلم ( 2022) - .

و. وربما كان يكرر على أضيافه عرض الأكل عليهم مراراً ، كما يفعله أهل الكرم ، كما في حديث أبي هريرة عند البخاري في قصة شرب اللبن وقوله له مراراً : "اشرب" ، فما زال يقول : "اشرب" حتى قال : والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً . -

رواه البخاري ( 6087 ) - .

ز. وكان إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم ، فدعا في منـزل عبد الله بن بسر ، فقال : "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم ، واغفر لهم ، وارحمهم" ذكره مسلم . -

رواه مسلم (2042) - .

ح. وكان يأمر بالأكل باليمين وينهى عن الأكل بالشمال ، ويقول : "إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله" - رواه مسلم (2020) - ومقتضى هذا تحريم الأكل بها ، وهو الصحيح ؛ فإن الآكل بها إما شيطان ، وإما مشبه به .

وصح عنه أنه قال لرجل أكل عنده فأكل بشماله : "كل بيمينك" ، فقال لا أستطيع فقال : "لا استطعت" ، فما رفع يده إلى فيه بعدها . - رواه مسلم (2021) - فلو كان ذلك جائزاً لما دعا عليه بفعله ، وإن كان كِبره حمله على ترك امتثال الأمر : فذلك أبلغ في العصيان ، واستحقاق الدعاء عليه.

ط. وأمر من شكوا إليه أنهم لا يشبعون "أن يجتمعوا على طعامهم ، ولا يتفرقوا وأن يذكروا اسم الله عليه يبارك لهم فيه" . - رواه أبو داود (3764) وابن ماجه (3286) - .

انظر لما سبق : " زاد المعاد " ( 2/ 397 - 406 ) .

ك. وصح عنه أنه قال : "لا آكل متكئاً" . -

رواه البخاري ( 5083 ) .

ل. وكان يأكل بأصابعه الثلاث وهذا أنفع ما يكون من الأكلات .

انظر : " زاد المعاد " ( 220 - 222) ، والله أعلم .

2. وأما هديه صلى الله عليه وسلم في الحمية :

أ. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما يأكل .

ب. ويأكل ما ينفع .

ج. ويجعل من قوته قياماً لصلبه لا تكثيراً لشحمه ، لذلك روى لنا ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء" .

رواه البخاري ( 5081 ) ومسلم ( 2060 ) .

د. وعلَّم أمته أمراً يحتمون به مِن أمراض الطعام والشراب فقال : "ما ملأ آدمي وعاء شرّاً من بطنٍ بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسه" .

رواه الترمذي (1381) وابن ماجه (3349) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2265 ) .

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-30, 05:15
الصفات الخَلْقية
لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ورؤيته في المنام

السؤال :

كنت أقرأ مؤخراً وصفاً للصفات البدنية للنبي صلي الله عليه وسلم ، وكونت صورة في ذهني ثم رأيت في منامي رجلاً يشبه الصورة التي كونتها في ذهني . ولا أتذكر بوضوح ما قال ، غير أنني أخشى أنه ربما قال أن بعض الأخوة المسلمين الذين أحبهم سوف يرون مناماً وأنا فيه . وقد ارتكبت إثماً في بيتهم من قبل

وقبل ذلك المنام، وكنت أخشى دائماً أنهم ربما يكتشفون الأمر عن طريق رؤية في منامهم . كيف لي أن أتأكد أنني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المنام ؟ فهذا الأمر يقلقني كثيراً . وقد رأيت أيضاً مناماً قريباً

وأظن أنه كان النبي صلي الله عليه وسلم مرة أخرى خلال تلاوته القرآن على جبريل عليه السلام في رمضان . وكان هناك أيضاً زيد رضي الله عنه ، وكذلك حمزة رضي الله عنه . وأنا أعلم أن حمزة رضي الله عنه لم يكن هناك حقيقة لأنه استشهد في أحد . فهل كان هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي رأيته في هذا المنام ؟

وكيف يمكن أن نتأكد من ذلك ؟

الجواب:

الحمد لله

سنذكر لك فيما يلي أيها الأخ المسلم طائفة من الأحاديث المشتملة على صفة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان ما رأيته في منامك مطابقا لها فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّا لأنّه عليه الصلاة والسلام قد قال : مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي . "

رواه البخاري 5729 .

روى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ ( معتدل الطّول ) لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ ( أي شديد البياض ) وَلا آدَمَ ( أي الأسمر ) لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ ( الشعر الذي فيه التواء وانقباض ) وَلا سَبْطٍ رَجِلٍ ( الشعر المسترسل ) أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ

البخاري 3283

وعن البراء بن عازب قال : " كان رسول الله صلى الله علية وسلم .. بعيد ما بين المنكبين ، عظيم الجُمّة ( وهي ما سقط من شعر الرأس ووصل إلى المنكبين ) إلى شحمة أذنيه ، عليه حلة حمراء ( الحلة : إزار ورداء ) ما رأيت شيئا قط أحسن منه "

رواه مسلم : كتاب الفضائل / باب : صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلم رقم 2338

وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ( أي غليظ الأصابع والراحة ) ضَخْمَ الرَّأْسِ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ ( وهي رؤوس العظام ) طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ ( الشعر الدقيق الذي يبدأ من الصدر وينتهي بالسرة ) إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا ( مال إلى الأمام ) كَأَنَّمَا انْحَطَّ مِنْ صَبَبٍ ( ما انحدر من الأرض ) لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مثله .

رواه الترمذي 3570 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

وعن جابر بن سمرة قال : " كان رسول الله صلى الله علية وسلم ضليع الفم ، أشكل العين ، منهوس العقب " . قال شعبة : قلت لمالك : ما "ضليع الفم " ؟ قال : عظيم الفم . قلت : ما " أشكل العين " ؟ قال : طويل شق العين . قلت ما "

منهوس العقب " قال : قليل لحم العقب . صحيح مسلم : كتاب الفضائل 2339

أمّا بالنسبة للمعصية التي فعلتها في بيت إخوانك فتب إلى الله منها ، وإن كنت أخذت شيئا من حقوقهم فردّه إليهم والله غفور رحيم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-30, 05:18
النبي الأمي

السؤال:

هل هناك دليل على أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر على القراءة والكتابة ؟ .

الجواب:

الحمد لله

قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(157)

قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :

قوله تعالى : "الأمي" .. قال ابن عباس رضي الله عنه : كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب ; قال الله تعالى: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك " [العنكبوت: 48] .

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الأخيرة :

ثم قال تعالى "وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك" أي قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب وهكذا صفته في الكتب المتقدمة كما قال تعالى "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" الآية وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما إلى يوم الدين لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده بل كان له كُتّاب يكتبون بين يده الوحي والرسائل إلى الأقاليم . .

. قال الله تعالى "وما كنت تتلو" أي تقرأ "من قبله من كتاب" لتأكيد النفي "ولا تخطه بيمينك" تأكيد أيضا .. وقوله تعالى "إذا لارتاب المبطلون" أي لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من الناس فيقول إنما تعلم هذا من كتب قبله مأثورة عن الأنبياء مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي لا يحسن الكتابة "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا".

وقال عزّ وجلّ :

( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ(2) الجمعة

قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية :

قيل: الأميون الذين لا يكتبون . وكذلك كانت قريش . وروى منصور عن إبراهيم قال: الأمي الذي يقرأ ولا يكتب . "رسولا منهم" يعني محمدا صلى الله عليه وسلم .. وكان أميا لم يقرأ من كتاب ولم يتعلم صلى الله عليه وسلم. قال الماوردي: فإن قيل ما وجه الامتنان في أن بعث نبيا أميا ؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه : أحدها: لموافقته ما تقدمت به بشارة الأنبياء . الثاني: لمشاكلة حاله لأحوالهم , فيكون أقرب إلى موافقتهم . الثالث: لينتفي عنه سوء الظن في تعليمه ما دعا إليه من الكتب التي قرأها والحكم التي تلاها . قلت: وهذا كله دليل معجزته وصدق نبوته .

انتهى ملخصا من تفسير القرطبي رحمه الله

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-04-30, 05:26
https://d.top4top.net/p_8508x1fa1.jpg (https://up.top4top.net/)
.

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

مع موضوع اخر

نتشرف بالنشر له والقراءة

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

.

ashko
2019-09-26, 13:54
شكرا لك اخي يعطيك العافية

*عبدالرحمن*
2020-11-02, 15:43
شكرا لك اخي يعطيك العافية

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

الشكر موصول لحضورك الطيب مثلك

بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2021-08-15, 13:54
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

إن معرفة النبي هي أحد الأصول الثلاثة

التي يجب على المسلم معرفتها

وسيسأل عنها في قبره عندما يقال له : من ربك ؟

وما دينك ؟ ومن نبيك ؟

فماذا تعرف أيها المسلم عن سيرة نبيك ؟

وعن أخلاقه ؟ وعن صفاته ؟

وما نوع معرفتك به ؟

أهي معرفة اتباع واقتداء ؟

DJELLAL67
2022-09-30, 11:24
بارك الله فيكم

*عبدالرحمن*
2022-09-30, 15:28
بارك الله فيكم

و بارك الله فيك