تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نعمة الألم


زهرة المسيلة
2018-02-03, 19:46
الألمُ ليس مذموماً دائماً ، ولا مكروهاً أبداً ، فقدْ يكونُ خيراً للعبدِ أنْ يتأَلَّمَ .
إنَّ الدعاء الحارَّ يأتي مع الألمِ ، والتسبيحَ الصادقَ يصاحبُ الألَمَ ، وتألُّم الطالبِ زَمَنَ التحصيلِ وحمْله لأعباءِ الطلبِ يُثمرُ عالماً جَهْبَذاً ، لأنهُ احترق في البدايةِ فأشرق في النهايةِ. وتألُّم الشاعرِ ومعاناتُه لما يقولُ تُنتجُ أدباً مؤثراً خلاَّباً ، لأنه انقدحَ مع الألمِ من القلبِ والعصبِ والدمِ فهزَّ المشاعرَ وحرَّكَ الأفئدةَ . ومعاناة الكاتبِ تُخرجُ نِتاجاً حيّاً جذَّاباً يمورُ بالعِبرِ والصورِ والذكرياتِ .
إنَّ الطالبَ الذي عاشَ حياةَ الدَّعةِ والراحةِ ولم تلْذعْهُ الأَزَمَاتُ ، ولمْ تكْوِهِ المُلِمَّاتُ ، إنَّ هذا الطالبَ يبقى كسولاً مترهِّلاً فاتراً .
وإنَّ الشاعر الذي ما عرفَ الألمَ ولا ذاقَ المر ولا تجرَّع الغُصَصَ ، تبقى قصائدهُ رُكاماً من رخيصِ الحديثِ ، وكُتلاً من زبدِ القولِ ، لأنَّ قصائدَهُ خرجَتْ من لسانِهِ ولم تخرُجْ من وجدانِهِ ، وتلفَّظ بها فهمه ولم يعِشْها قلبُه وجوانِحُهُ .
وأسمى من هذهِ الأمثلةِ وأرفعُ : حياةُ المؤمنين الأوَّلين الذين عاشوا فجْرَ الرسالةِ ومَولِدَ الملَّةِ ، وبدايةَ البَعْثِ ، فإنهُم أعظمُ إيماناً ، وأبرُّ قلوباً ، وأصدقُ لهْجةً ، وأعْمقُ عِلمْاً ، لأنهم عاشوا الأَلَمَ والمعاناةَ : ألمَ الجوع والفَقْرِ والتشريدِ ، والأذى والطردِ والإبعادِ، وفراقَ المألوفاتِ ، وهَجْرَ المرغوباتِ ، وألمَ الجراحِ ، والقتلِ والتعذيبِ ، فكانوا بحقٍّ الصفوة الصافيةَ ، والثلَّةَ المُجْتَبَاةَ ، آياتٍ في الطهرِ ، وأعلاماً في النبل ، ورموزاً في التضحية ، ï´؟ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ .
وفي عالم الدنيا أناسٌ قدَّموا أروعَ نتِاجَهُمْ ، لأنهم تألمَّوا ، فالمتنبي وعَكَتْه الحُمَّى فأنشدَ رائعته :
وزائرتي كأنَّ بها حياءَ °°°فليسَ تزورُ إلاَّ في الظلامِ
والنابغةُ خوّفَهُ النعمانُ بنُ المنذرِ بالقتلِ ، فقدَّم للناس :
فإنكَ شمسٌ والملوكُ كواكبٌ °°°إذا طلعتْ لم يبْدُ منهنَّ كَوكبُ
وكثيرٌ أولئك الذين أَثْرَوا الحياةَ ، لأنهم تألمَّوا .
إذنْ فلا تجزعْ من الألم ولا تَخَفَ من المعاناةِ ، فربما كانتْ قوةً لك ومتاعاً إلى حين ، فإنكَ إنْ تعشْ مشبوبَ الفؤادِ محروقَ الجَوَى ملذوعَ النفسِ ؛ أرقُّ وأصفى من أن تعيشَ باردَ المشاعرِ فاترَ الهِمَّةِ خامدَ النَّفْسِ ، ï´؟ وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ï´¾
ذكرتُ بهذا شاعراً عاش المعاناةَ والأسى وألمَ الفراقِ وهو يلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ في قصيدةٍ بديعةِ الحُسْنِ ، ذائعةِ الشُّهرةِ بعيدةٍ عن التكلُّف والتزويق : إنه مالك بن الرّيب ، يَرثي نفسه :
أَلَمْ تَرَني بِعْتُ الضَّلاَلةَ بالهُدَى°°°وأصبحتُ في جيش ابنِ عفَّانَ غازيَا
فللهِ دَرِّي يومَ أُتْرَكُ طائعاً °°°بَنِيَّ بأعلى الرقمتيْن وماليا
فيا صاحِبَيْ رحلي دنا الموتُ فانزلا°°°برابيةٍ إنِّي مقيمٌ لياليا
أقيما عليَّ اليومَ أوْ بَعْضَ ليلةٍ°°°ولا تُعجِلاني قد تبيَّن ما بيا
وخُطاً بأطرافِ الأسنةِ مضجعي°°°ورُدَّا على عَيْنَيَّ فضلَ ردائيا
ولا تحسُداني بارَك اللهُ فيكما°°°مِن الأرضِ ذاتِ العَرْض أنْ تُوسِعَا ليا
إلى آخرِ ذاكَ الصوتِ المتهدِّجِ ، والعويلِ الثاكل ، والصرخةِ المفجوعةِ التي ثارتْ حمماً منْ قلبِ هذا الشاعرِ المفجوعِ بنفسهِ المصابِ في حياتهِ .
إن الوعظَ المحترقَ تَصِلُ كلماتُه إلى شِغافِ القلوبِ ، وتغوصُ في أعماقِ الرُّوحِ لأنه يعيشُ الألمَ والمعاناةَ ï´؟ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ï´¾ .
لا تعذلِ المشتاقَ في أشواقِه°°°حتى يكونَ حشاكَ في أحشائِه
لقد رأيتُ دواوينَ لشعراءَ ولكنها باردةً لا حياةَ فيها، ولا روح لأنهمْ قالوها بلا عَناء ، ونظموها في رخاء ، فجاءتْ قطعاً من الثلجِ وكتلاً من الطينِ .
ورأيتُ مصنَّفاتٍ في الوعظِ لا تهزُّ في السامعِ شعرةً ، ولا تحرِّكُ في المُنْصِتِ ذرَّةً ، لأنهم يقولونَها بلا حُرْقةٍ ولا لوعةٍ ، ولا ألمٍ ولا معاناةٍ، ï´؟يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْï´¾ .
فإذا أردتَ أن تؤثِّر بكلامِك أو بشعْرِك ، فاحترقْ به أنت قَبْلُ ، وتأثَّرْ به وذقْه وتفاعلْ مَعَهُ ، وسوفَ ترى أنك تؤثِّر في الناس ،ï´؟ فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ï´¾ .
منقول

حفياد آدم
2018-02-03, 20:02
https://www.m5zn.com/newuploads/2018/01/31/gif//m5zn_a33f4bc6318f53d.gif

الثلج الأبيض
2018-02-03, 20:15
لكن ما عاد هذا القلب يتحمل
الحمد لله على كل حاال

وسيمツ
2018-02-04, 11:22
السلام عليكم
لا نقول قد يكون جيّدًا أو سيّئًا ، بل الألم لا يربُو عن كونه مؤشّرًا
مؤشِّرٌ عن أن الأمر لا يسير في الطريق الصّحيح، الأمر سيان لكلا الجانبين الماديّ و النفسي
ان كنت تَضرب بمطرقة على رأسِ مسمارِ :'طق...طق...طق' ثم يحدث أن تُخطأ المسمار لتهوي بالمطرقة على إصبعك ، فستشعر بديهيّا بالألم
و شعورك بالألم ما هو إلا دلالة على ان الأمر لا يسير على الطرق الصحيح و ذلك ما تؤكّده عينك فقد رأيت أنك قد أصبت اصبعك بدل المسمار ..
أما نفسيّا فدلالة فهم الألم أعقد قليلا و هذا كون النفس لا مساعد لها و لا معين كالعين لتقريب الفهم ، فإن شعرت بالألم اتجاه شيئ ما ... ان خذلك صديق، ان فقدت صفقة تجاريّة ..
الشعور العادي هنا هو الحسرة، لكن ماذا ان شعرت بالألم هنا و استمر ذلك الألم ..؟ هل هذا سويّ أن هنلك علّةً مَّا تماما كضرب اصبعك بالمطرقة؟ بل و أبعد من هذا و أدهى أن
تكون جالسًا بلا أي ما من شأنه أن يسبب الألم و أنت تشعر بضيقٍ في نفسك ، حزنٍ من نوعٍ مّا ، خليطًا من السأم و الملل و بعضٍ من الكآبة ..
هذا الألم مؤشر أودعه الله في النفوس ليدلّها عليه، ليُنذرها أن ما يُؤلمها ما كان ليؤلمها لو وضعت لكل أمر وزنه و منحت كل مُستحقٍّ مستحقّه
تلك الصفقة ما كانت لتؤلمك لو لم تكن في قلبك في حين كان الله في يدك ، الصديق ما كان ابتعاده عنك رغم ما تقدمه له يؤلمك لو لم تتكل عليه
بينما الله كان في المرتبة الثانية بعد صديقك كأنك اتّكأت على غصن فانكسر بينما أنت تعلم أن الغصن الهش لم يخلق لتتكئ عليه، ذلك الحزن
الذي ينتابك مع أن كل شيئ على ما يرام ما هو إلاّ نداء خفيّ لك لتعلم أنه ليس كلّ شيئ على ما يرام كما تعتقد
تنبيهٌ لتعلم أن الله أعطاك هديّةَ "كلٌّ شيئ على ما يُرام" لا لتنشغل بالهديّة و تشتغل بفتح غلافعا و أنت تسير في وجه من أعطاك إياها ناسيًا إيّاه ...
لا يوجد شيئ في هذه الدنيا خُلق عبثًا أو خُلق لأجل أن نُعاني.