إشراقة جزائرية
2018-01-02, 11:59
يموتوا على الحديدة (قصة فاتن والمقدادي):
قريبتي "فاتن" امرأة أربعينية، فارعة الطول مثل العارضات.. وذات جمال غربي، مثل نجمات هوليود، فهي تشبه كثيرا الممثلة "أنجيلينا جولي" وكأنها احدى توائمها الأربعين في هذا العالم...
تنتمي لأسرة فقيرة من أب طاعن في السن، متزوج باثنتين، كانت أمها الزوجة الثانية..
تزوجت في سن صغيرة جدا ، من رجل يدعى "المقدادي"، كان يكبرها بعشرين سنة أو يزيد، ذميم الوجه، وأرمل من زوجتين سابقتين، الأولى توفيت بعد وضع حملها الأول فتركت له ابنا، والثانية توفيت بمرض السل وتركت له بنتا وولدا...
"فاتن" قبلت بالزواج هربا من فقر مدقع، نحو رجل ثري ثراء فاحشا يُسرِع...
اهتم بها "المقدادي" وأحبها حبا جما، فقد كانت فاتنة الجمال ، وآية من آيات السحر والخيال...
كان لها مثل أبي زرع لأم زرع، صيغها حليا فهي في أذنيها وعنقها تتدلى…
أحبها فأحبت نفسها، وعظّمها فعظمت في عين نفسها، لا يقبح لها قولا ولا يرد، بل يقبله منها ويود...
كانت عنده تتصبح، فلا يرهقها ببكور أو تحضير فطور...
ويأتيها بمن يخدمها، متى أرادت وبكل سرور...
كثيرا ما شاهدتها تحمل من المال بدل الدنانير، الملايين في محفظتها، كانت تبدي ذلك للجميع ولا تخفيه...
وكانت إلى ذلك تتقلب في النعم، وتتباهى بين النساء في الولائم والأعراس ...
كان جميع النسوة يرقبن حلولها كشمس بعد ليلة كحلاء...أو نجمة ساطعة في سماء سوداء...
بقصتها الغربية "الكوب كاسكيت"، كان تعرف بذاك النعت، إضافة إلى ملابسها الأنيقة التي دلت على حسن البخت...
مضت الأيام الجميلة ، وفاتن ليس لها في المجامع سوى سيرة " المقدادي"، وكيف تحبه وتحب من يحبه، قالت أنها تفضله على الوالدين، وأنه على قلبها أعز من الولدين-فلذات أكبادها-.
وكان لها أخ تصله وتوده، وتكرم وفادته وتبره، وساعدها زوجها فكان يكرم أخاها ويسبغ عليه من الهدايا أثمنها ، حبا في زوجته ورحمها..
دار الزمن دورته، وافتقر "المقدادي" وتلاشت ثروته...
وأضحى فقيرا من يومه، ويجتهد ليجد قوت عياله...
أدبرت عنه الدنيا والأصدقاء، ولم يجد منهم سندا ، ولا دينا أو سلفا..
شكت "فاتن" إلى أخيها سوء الحال فأجابها إجابة حسود، حطمت لها الآمال، وقال لها بكل غل وتعال:
"بغيته من لرض"!!
وتعني في القصد : تمنيته يسوَّى بالأرض"!!
تتالت الأحداث، وتعاقبت المشاكل، وزاد ضيق الحال...
وأضحت "فاتن" كمن استيقظ من حلم جميل على واقع كابوس أليم..
جاءت يوما إلى والدتي تشكو كرهها "للمقدادي"، وأنها تريد الطلاق وتطلبه، وتتعجب كيف قبلت بمثله، وأين كان عقلها، ولماذا لم تجد آنذاك من ينصحها؟!
قالت أنها باتت تراه في صورة شيطان، اذا أقبل أو أدبر..
وأنها تخاصمه أشهرا، ولا تكلمه إلا أياما في السنة...
وأنها فتشت في قلبها عن سر هذا التغير، والتبدل، فوقع تفكيرها على مكايد النساء، وأن عينا أصابتها ، أو سحرا أمَضَّها...
كانت والدتي تعرف فاتن وزوجها جيدا، فكلاهما من أقرب الأقربين...أطرقت سمعها، وأطالت انتباهها...وحين أنهت " فاتن" كلامها...وجهت لها والدتي جوابها:
- "فاتن" ليس بك عين أو سحر، أنت لم تحبي "المقدادي" يوما..
- كيف؟! سألتها فاتن وقد صعقت من الجواب.
- كيف، وأنا التي كنت أفضله على والدي، وأولادي، ونفسي التي بين جنبي؟!
- لقد أحببت أمواله، لم تحبي شخصه، وعندما اختفت الأموال، ظهر منك الجفاء والنكران...
أطرقت "فاتن" رأسها إلى الأرض، ولبثت مليا تفكر، وتستعيد ما مضى وتتذكر...
واذ بها بعد برهة ، تقر وتستغفر، وتنيب إلى ربها ، وتعود لحب زوجها، وتتعهده بالوفاء والصبر.
ولأن هذه القصة حقيقية، لا أصدق من تقول بحب زوجها الثري، إلا اذا رأيت منها ما يثبت قولها، في حال افتقر..
حدثتني صديقة سلفية عن مدى حبها لزوجها، فكانت لا تفوت مناسبة إلا وحدثتنا عنه وعن حبه وكريم خصاله وأخلاقه..
إلى أن اكتشفتُ من خلال حديثها اليومي عنه أنه فاحش الثراء..
كانت لا تفوت مناسبة لتقول "بأنها ملكة متوجة على عرش قلبه" وأنها حبيبته ومدللته..
وكانت البنات يغبطنها عليه، ويتمنين مثله زوجا مستقبليا لهن..
سألتها ذات مرة هل تصلين في المسجد؟!
قالت: لا يسمح لي فهو شديد الغيرة علي.
فقلت: فهل ترتادين مدرسة قرآنية؟!
فقالت: يا للأسف تلك فقط أمنية...وهو لا يسمح لي خشية الأذية.
قلت: فهل تحضرين دروس العلم أو المحاضرات الدينية؟!
فقالت: لا...ولكنه وعدني اذا صرت عجوزا وصارت ابنتي صبية؟!
قلت محدثة نفسي: ترى أهي ملكة متوجة أو جارية و محضية؟!
فكيف لمن كان هذا حالها، أن تنجب وتربي ابنها ليصبح أمل الأمة وفارسها؟!
ستتخلى عنه يوما اذا ما تبدلت القضية، فأضحى بعد غناه فقيرا منسيا...
وسيبدو لها رجلا ظالما وجبارا عتيا...
فهو شكاك وغيور ولا يتيح لها بعضا من الحرية...
أو أنه بدوره سيتنكر لها ولحبها، ويتزوج عليها الثانية والثالثة والرابعة ويكون ذلك حتما مقضيا...
((غير أن هذا فقط استقراء ورأي من فتاة بشرية، وكل أملي ودعواتي لها بطول الحب والود ، وأن تستمر القضية...فكل هذا وذاك مكتوب ومسطر من رب البرية))
بقلم: شمس الهمة
قريبتي "فاتن" امرأة أربعينية، فارعة الطول مثل العارضات.. وذات جمال غربي، مثل نجمات هوليود، فهي تشبه كثيرا الممثلة "أنجيلينا جولي" وكأنها احدى توائمها الأربعين في هذا العالم...
تنتمي لأسرة فقيرة من أب طاعن في السن، متزوج باثنتين، كانت أمها الزوجة الثانية..
تزوجت في سن صغيرة جدا ، من رجل يدعى "المقدادي"، كان يكبرها بعشرين سنة أو يزيد، ذميم الوجه، وأرمل من زوجتين سابقتين، الأولى توفيت بعد وضع حملها الأول فتركت له ابنا، والثانية توفيت بمرض السل وتركت له بنتا وولدا...
"فاتن" قبلت بالزواج هربا من فقر مدقع، نحو رجل ثري ثراء فاحشا يُسرِع...
اهتم بها "المقدادي" وأحبها حبا جما، فقد كانت فاتنة الجمال ، وآية من آيات السحر والخيال...
كان لها مثل أبي زرع لأم زرع، صيغها حليا فهي في أذنيها وعنقها تتدلى…
أحبها فأحبت نفسها، وعظّمها فعظمت في عين نفسها، لا يقبح لها قولا ولا يرد، بل يقبله منها ويود...
كانت عنده تتصبح، فلا يرهقها ببكور أو تحضير فطور...
ويأتيها بمن يخدمها، متى أرادت وبكل سرور...
كثيرا ما شاهدتها تحمل من المال بدل الدنانير، الملايين في محفظتها، كانت تبدي ذلك للجميع ولا تخفيه...
وكانت إلى ذلك تتقلب في النعم، وتتباهى بين النساء في الولائم والأعراس ...
كان جميع النسوة يرقبن حلولها كشمس بعد ليلة كحلاء...أو نجمة ساطعة في سماء سوداء...
بقصتها الغربية "الكوب كاسكيت"، كان تعرف بذاك النعت، إضافة إلى ملابسها الأنيقة التي دلت على حسن البخت...
مضت الأيام الجميلة ، وفاتن ليس لها في المجامع سوى سيرة " المقدادي"، وكيف تحبه وتحب من يحبه، قالت أنها تفضله على الوالدين، وأنه على قلبها أعز من الولدين-فلذات أكبادها-.
وكان لها أخ تصله وتوده، وتكرم وفادته وتبره، وساعدها زوجها فكان يكرم أخاها ويسبغ عليه من الهدايا أثمنها ، حبا في زوجته ورحمها..
دار الزمن دورته، وافتقر "المقدادي" وتلاشت ثروته...
وأضحى فقيرا من يومه، ويجتهد ليجد قوت عياله...
أدبرت عنه الدنيا والأصدقاء، ولم يجد منهم سندا ، ولا دينا أو سلفا..
شكت "فاتن" إلى أخيها سوء الحال فأجابها إجابة حسود، حطمت لها الآمال، وقال لها بكل غل وتعال:
"بغيته من لرض"!!
وتعني في القصد : تمنيته يسوَّى بالأرض"!!
تتالت الأحداث، وتعاقبت المشاكل، وزاد ضيق الحال...
وأضحت "فاتن" كمن استيقظ من حلم جميل على واقع كابوس أليم..
جاءت يوما إلى والدتي تشكو كرهها "للمقدادي"، وأنها تريد الطلاق وتطلبه، وتتعجب كيف قبلت بمثله، وأين كان عقلها، ولماذا لم تجد آنذاك من ينصحها؟!
قالت أنها باتت تراه في صورة شيطان، اذا أقبل أو أدبر..
وأنها تخاصمه أشهرا، ولا تكلمه إلا أياما في السنة...
وأنها فتشت في قلبها عن سر هذا التغير، والتبدل، فوقع تفكيرها على مكايد النساء، وأن عينا أصابتها ، أو سحرا أمَضَّها...
كانت والدتي تعرف فاتن وزوجها جيدا، فكلاهما من أقرب الأقربين...أطرقت سمعها، وأطالت انتباهها...وحين أنهت " فاتن" كلامها...وجهت لها والدتي جوابها:
- "فاتن" ليس بك عين أو سحر، أنت لم تحبي "المقدادي" يوما..
- كيف؟! سألتها فاتن وقد صعقت من الجواب.
- كيف، وأنا التي كنت أفضله على والدي، وأولادي، ونفسي التي بين جنبي؟!
- لقد أحببت أمواله، لم تحبي شخصه، وعندما اختفت الأموال، ظهر منك الجفاء والنكران...
أطرقت "فاتن" رأسها إلى الأرض، ولبثت مليا تفكر، وتستعيد ما مضى وتتذكر...
واذ بها بعد برهة ، تقر وتستغفر، وتنيب إلى ربها ، وتعود لحب زوجها، وتتعهده بالوفاء والصبر.
ولأن هذه القصة حقيقية، لا أصدق من تقول بحب زوجها الثري، إلا اذا رأيت منها ما يثبت قولها، في حال افتقر..
حدثتني صديقة سلفية عن مدى حبها لزوجها، فكانت لا تفوت مناسبة إلا وحدثتنا عنه وعن حبه وكريم خصاله وأخلاقه..
إلى أن اكتشفتُ من خلال حديثها اليومي عنه أنه فاحش الثراء..
كانت لا تفوت مناسبة لتقول "بأنها ملكة متوجة على عرش قلبه" وأنها حبيبته ومدللته..
وكانت البنات يغبطنها عليه، ويتمنين مثله زوجا مستقبليا لهن..
سألتها ذات مرة هل تصلين في المسجد؟!
قالت: لا يسمح لي فهو شديد الغيرة علي.
فقلت: فهل ترتادين مدرسة قرآنية؟!
فقالت: يا للأسف تلك فقط أمنية...وهو لا يسمح لي خشية الأذية.
قلت: فهل تحضرين دروس العلم أو المحاضرات الدينية؟!
فقالت: لا...ولكنه وعدني اذا صرت عجوزا وصارت ابنتي صبية؟!
قلت محدثة نفسي: ترى أهي ملكة متوجة أو جارية و محضية؟!
فكيف لمن كان هذا حالها، أن تنجب وتربي ابنها ليصبح أمل الأمة وفارسها؟!
ستتخلى عنه يوما اذا ما تبدلت القضية، فأضحى بعد غناه فقيرا منسيا...
وسيبدو لها رجلا ظالما وجبارا عتيا...
فهو شكاك وغيور ولا يتيح لها بعضا من الحرية...
أو أنه بدوره سيتنكر لها ولحبها، ويتزوج عليها الثانية والثالثة والرابعة ويكون ذلك حتما مقضيا...
((غير أن هذا فقط استقراء ورأي من فتاة بشرية، وكل أملي ودعواتي لها بطول الحب والود ، وأن تستمر القضية...فكل هذا وذاك مكتوب ومسطر من رب البرية))
بقلم: شمس الهمة