محمد عقله
2017-12-01, 21:24
إعداد
الدكتورة ردينا إبراهيم الرفاعي
أستاذ مساعد، قسم الفقه وأصوله، كلية الشريعة، الجامعة الأردنية
الدكتورة جميلة عبد القادر الرفاعي
أستاذ مساعد، قسم الفقه وأصوله، كلية الشريعة ، الجامعة الأردنية
اشتراط إذن الزوج لعمل المرأة وما يترتب عليه من أحكام دراسة فقهية مقارنة
الملخص
تناولت الدراسة موضوع اشتراط إذن الزوج لعمل المرأة، وبينا فيه حق الزوج في منع زوجته من العمل، وحق المرأة العاملة في النفقة ،وهل يعتبر العمل سببا ً مسقطا ً لهذا الحق ؟ وهل للزوج الحق في راتب المرأة، أو في جزء منه بحيث تكلف بالمشاركة معه بالإنفاق على أسرتها ؟مع بيان آراء الفقهاء ومناقشة أدلتهم في كل المسائل وبيان الراجح منها.
الـمـقـدمـة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى اله وأصحابه أجمعين ومن سار على نهجه إلى يوم الدين،وبعد:
فإن الإسلام قد حرص أشد الحرص على بقاء العلاقات بين أفراد المجتمع سليمة وقوية وبخاصة في دائرة الأسرة ، فشرع من الأحكام ما يكفل ذلك ، ومنها بيان الحقوق والواجبات لكل من الرجل والمرأة، وبيان الأحكام المتعلقة بعمل المرأة بما في ذلك الشروط الواجبة له.
ولما كانت المرأة راعية في بيتها وهي مسؤولة عن رعيتها، والرجل مسؤول عن المرأة وعن شؤون البيت وتلبية حاجاته، ومكلف شرعاًًً وقانوناً بحفظ مصالحها وتوفير السعادة لها، وكان عمل المرأة خيره يعود لها، وأضراره تعود عليهما، سواءأ كانت هذه الأضرار مادية أم معنوية ، كان لابد من البحث في مسألة اشتراط إذن الزوج لعمل المرأة .
وبعد الاطلاع على هذه المسألة يتبين لنا أن فيها خلاف،وترتب على هذا الخلاف الاختلاف في استحقاقها للنفقة،أو إنفاقها من راتبها على بيتها،كل ذلك دفعنا إلى دراسة هذا الموضوع لتوضيح حكمه، وذلك من خلال الرجوع إلى النصوص، والبحث فيها بعمق ، ودراسة مذاهب الفقهاء وأدلتهم .
وتكمن أهمية الموضوع في كونه يعالج قضية اجتماعية مهمة أصبحت من الأمور التي تؤدي إلى هدم كيان الأسرة ،والمحاكم الشرعية تنظر في مئات القضايا المتعلقة بهذه المسألة,وهذا يستدعي بيان الأحكام الشرعية فيها مما يقلص من دائرة النزاع بين الأزواج ،وبالتالي يوفر الاستقرار والاستمرار للأسرة المسلمة.
وجاءت خطة البحث على النحو الآتي:
أولاً: مصطلحات تهم البحث
ثانياً: عمل المرأة داخل البيت من أجل رعاية الأسرة
ثالثاً: عمل المرأة داخل البيت من أجل الاكتساب .
رابعاً: اشتراط إذن الزوج لعمل المرأة داخل البيت
خامساً :حكم عمل المرأة خارج البيت .
سادساً : إذن الزوج شرط لجواز خروج المرأة للعمل
سابعاً : اشتراط العمل في عقد الزواج .
ثامناً : نفقة المرأة العاملة .
ا_ خروج المرأة للعمل بموافقة الزوج .
ب_ خروج المرأة للعمل دون موافقة الزوج
تاسعاً : حكم مشاركة المرأة العاملة في النفقة على بيتها .
الخاتمة وفيها أهم النتائج والتوصيات .
نسأل الله أن نكون قد وفقنا إلى الصواب ،وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، مع اعترافنا بأن الجهد البشري لا يخلو من خلل أو نقص،لذا فإن أصبنا فمن الله وإن أخطانا فمن أنفسنا ، والحمد لله رب العالمين .
أولاً: مصطلحات تهم البحث
المسألة الأولى: تعريف الشرط
الشرط في اللغة:بالتحريك العلامة،والجمع أشراط ،ويطلق على الإلزام بالشيء(1).
الشرط في الاصطلاح:ما يتوقف وجود الشيء على وجوده وكان خارجا عن حقيقته ولا يلزم من وجوده وجود الشيء ولكن يلزم من عدمه العدم(2).
المسألة الثانية: تعريف الإذن
الإذن في اللغة:نقول أذن بالشيء إذناً بمعنى علم ،والأذان الإعلام ،وأذن له في الشيء بمعنى أباحه له وسمح له(3) .
الإذن في الاصطلاح :-هو إباحة ما كان ممنوعاً من فعل أو قول(4).
المسألة الثالثة:تعريف العمل
العمل في اللغة :هو المهنة والفعل ،والجمع أعمال، والعامل هو الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه وعمله 5).
العمل في الاصطلاح : " وهو الجهد الذي يبذله الإنسان سواء أكان عقلياً أم عضلياً من أجل تحقيق منفعة"(6).وعرف بأنه: "كل فعل كان بقصد وفكر سواء أكان من أعمال القلب كالنية أم من أفعال الجوارح "(7).
المسألة الرابعة: تعريف المهنة
المهنة في اللغة: الحذق بالعمل(8) .
المهنة في الاصطلاح بأنها :ـ "الحرفة التي يتخذها الشخص لكسب العيش"(9) .
المسألة الخامسة:تعريف الخدمة
الخدمة في اللغة: مرادفه للمهنة (10).
غير أنها خصصت في الاصطلاح بالقيام بالأعمال الخاصة لشخص أو أشخاص أو القيام بأعمال معينه في مكان معين (11), وعلية فالمهنة أخص من الخدمة لاشتراط المهارة فيها كما وأنها تكون بقصد الكسب .
ثانياً: عمل المرأة داخل البيت من أجل رعاية الأسرة
ذكرنا سابقا أن المهنة والخدمة بينهما عموم وخصوص فالمهنة أخص من الخدمة، لأن من يقوم بالمهنة يكون حاذقا ً وماهراً في عمله، وبناء على التفريق السابق، فإن خدمة المرأة في بيتها تعني: القيام بالأعمال الخاصة المتعلقة بإدارة المنزل والقيام على رعاية من فيه.
أما عمل المرأة داخل البيت فهو كل فعل تقصد فيه الاكتساب وزيادة الدخل كالنسيج، وحضانة أطفال الغير بالأجرة، وكصناعة الأطعمة، والأشربة، وتربية الطيور والحيوانات وغيرها0
وحكم خدمة المرأة في منزلها والقيام على رعاية أسرتها أمر مندوب إليه ومن خير ما تتقرب به المرأة إلى الله تعالى، فبيت الزوجية هو المكان الذي يوفر للمرأة الاستقرار والسكن، فهي عندما ترعى بيتها وتوفر أسباب السعادة لزوجها وأبنائها تطبيقاً لقوله تعالى :ـ" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ"(سورة التحريم:6).فهي تعينهم على المعروف وتنهاهم عن المنكر فتكون بذلك نالت رضا الله تعالى متى أخلصت النية ، ورضيت وسعدت بنجاحها وتميزها المتمثل في نجاح أسرتها .
وقد دلت جملة من النصوص على فضل وثواب خدمة المرأة في بيتها ومنها:
1. قال تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ " .( سورة البقرة:228)
وجه الاستدلال:قال ابن كثير في تفسيره: وقوله {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف،
ومن المعروف الذي تقوم به المرأة تجاه أسرتها أن تقوم على رعايتها وتوفير السعادة والاطمئنان لأفرادها.
2 . قال علية الصلاة السلام في نساء قريش المؤمنات:ـ" خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناهن على يتيم في صغره، وأرعاهن على زوج في ذات يد".(12)
وجه الاستدلال:أن هذه الرعاية تستوجب قيامها بحق زوجها وأبنائها ورعايتها لشؤون أسرتها .(13)
3.قال علية الصلاة السلام : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عن رعيتها ".(14)
4. عن أسماء بنت أبي بكر قالت: " بعد أن تزوجني الزبير بن العوام كنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤو نته وأسوسه, وأدق النوى للناضج وأعلفه وأسقيه الماء، واخرز عربه، واعجن له ولم أكن أحسن الخبز، فكان يخبزن لي جارات من الأنصار، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي وهو على ثلثي فرسخ حتى أرسل لي أبو بكر بخادم فكأنما أعتقني". (15)
5 .عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله فانتقاني فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة أم المساكين بعد أن ماتت، فإذا جرة ، فاطلعت فيها فإذا فيها شيء من شعير، وإذا رحى وبرمة ،(16) وقدر فنظرت فيها فإذا كعب من إهالة (17) قالت: فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت الكعب من الإهالة فأدمته به ،قالت: فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه.(18)
وجه الاستدلال:تحث الأحاديث السابقة على حسن رعاية المرأة لأسرتها وقد بين حديث أسماء وأم سلمة صوراً من حسن الرعاية.
هذا ولا تجبر المرأة على الخدمة في منزلها لعدم وجوب ذلك عليها (19)،بل إذا كانت المرأة لا تخدم نفسها بأن كانت ممن تخدم مثيلاتها، أو كانت مريضة فيلزم الزوج بإحضار خادمة لها، لقوله تعالى : "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ".(سورة النساء:19) ومن العشرة بالمعروف أن يقيم لها من يخدمها إذا كانت مخدومة في بيت أهلها. (20) .
ثالثاً:عمل المرأة داخل البيت من أجل الاكتساب
وهو كل فعل تقصد به المرأة اكتساب المال وزيادة الدخل ،ويكون ذلك داخل البيت ،كعملها بالصناعات الخفيفة كالنسيج, وصناعة الأطعمة والأشربة ،أو قيامها بتربية الحيوانات والطيور، ويكون ذلك داخل البيت ولا يحتاج منها إلى مغادرة البيت.
حكم عمل المرأة داخل البيت من أجل الاكتساب
اتفق الفقهاء على القول بجواز قيام المرأة بكل عمل يعود عليها بالفائدة بشرط ألا يتعارض مع واجبات الزوجية الأساسية(21) . ولا تجبر على العمل في أي حال غير حالات الضرورة التي تخشى معها على نفسها من الهلاك جاء في حاشية الدسوقي:" ليس على الزوجة القيام بأي عمل يراد منه الاكتساب،أي لا تجبر لأن هذه الأشياء ليست من أنواع الخدمة،وإنما من أنواع التكسب وليس على الزوجة أن تتكسب للزوج إلا أن تتطوع ً "(22).
رابعاً: إذن الزوج في عمل المرأة داخل البيت
إذا عملت المرأة داخل البيت بمهنة كالحياكة, أو التجارة, فهل يشترط لذلك موافقة الزوج وإذا منعها فهل تجب عليها الطاعة ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى قولين :
القول الأول:
ذهب الحنفية في قول(23)، والشافعية(24) إلى القول بجواز عمل المرأة داخل البيت بالتجارة وغيرها مما يشرع بإذن الزوج وبغير إذنه، جاء في حاشيةابن عابدين : "أما العمل الذي لا ضرر له فيه، فلا وجه لمنعها منه خصوصا ً في حال غيبته عن بيته،فإن ترك المرأة بلا عمل في بيتها يؤدي إلى وساوس النفس والشيطان"(25).
القول الثاني :
ذهب الحنفية(26) في قول والمالكية (27) إلى القول: بأن للزوج منعها من الغزل ومن كل عمل،ولو تبرعا ً لأجنبي،ولو قابلة أو مغسلة،جاء في حاشية ابن عابدين :"وله منعها من كل عمل يؤدي إلى تنقيص حقه أو ضرره أو إلى خروجها من بيته ".
أدلة أصحاب القول الأول:
استدل القائلون بأنه ليس للزوج منع زوجته من العمل داخل البيت بعدة أدلة أجملها على النحو الآتي:
1. روى عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها:"أنها كانت امرأة صناع اليد فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله".(28)
وجه الاستدلال:أفاد حديث زينب رضي الله عنها أنها كانت تعمل في بيتها ،وكانت تتكسب من ذلك ولم ينكر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ،فكان إقراراً منه عليه الصلاة والسلام
2. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "نهانا النبي صلى الله عليه وسلم " عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها وقال هكذا بأصابعه نحو الخبز ,والغزل ,والنقش(29) .
وجه الاستدلال: نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كسب الأمة إلا ما كان من قبيل الغزل والنقش فدل ذلك على جواز مثل هذه الأعمال وعلى مشروعيتها.
3.قال صلى الله عليه وسلم :"لا ضرر ولا ضرار"(30).
وجه الاستدلال: منع المرأة من العمل وهي داخل بيتها ،وقد أدت ما عليها من واجبات وبغير حق يلحق بها الضرر مادياً ونفسيا ،ً فالزوج يكون بذلك قد تعسف في استعمال حقه في منعها.
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدل القائلون بأن للزوج منع زوجته من العمل داخل البيت بعدة أدلة أوجزها على النحو الآتي:
1. ان الزوجة لا ضرورة لها للعمل لوجوب كفايتها ونفقتها على زوجها أو على أهلها لذا كان من حقه منعها.
2. إن عمل المرأة يؤدي بها إلى التعب المنقص لجمالها،والمحافظة على جمالها وحسنها واجب عليها وحق للزوج .
3.المرأة مأمورة بطاعة زوجها ومن طاعتها له أن تأتمر بأمره وتنتهي عما نهاها عنه .
المناقشة والترجيح:
أولا:رد أصحاب القول الثاني(المالكية) على أدلة الفريق الأول(الشافعية) .
1. ان القول بعدم تضرر الرجل من عمل المرأة داخل البيت فيه نظر ،لأن الضرر متفاوت بحسب العرف وبحسب الشخص نفسه،وبحسب طبيعة العمل الذي تقوم به المرأة.
2. أما الاستدلال بحديث زينب ففيه دلالة على جواز العمل داخل البيت مطلقا ولم يقم الدليل على معارضة النبي لعملها, وعمل زينب رضي الله عنها في بيتها وسكوت الرسول صلى الله عليه وسلم عنه يدل على إقراره على عملها.
وفي حالة رضا الزوج بعمل المرأة داخل البيت لا خلاف بين الفقهاء في جوازه .
ثانيا: رد أصحاب القول الأول (الشافعية) على أدلة أصحاب القول الثاني(المالكية):
1. ويرد على القول بأن خروج المرأة لا يكون إلا لضرورة يدل على أنه من المحظورات لأن الضرورات هي التي تبيح المحظورات،ففي ذلك نظر إذ لا ضرورة في خروج النساء مع الرسول صلى الله عليه وسلم للقتال والجهاد , وليس بواجب عليهن إلا أن يتطوعن.
2. ثم إن المرأة تعمل لتحقق حاجات كثيرة منها النفسية, فهي تحقق السعادة لنفسها بعملها، وقد يكون عملها لتفريغ طاقات إبداعية كامنة في نفسها.
3. والمرأة مكفولة النفقة والمؤونة وهي في الوقت ذاته تأخذ حقها كاملاً في الميراث فوجوب نفقتها على الغير لا يمنع من أن تكسب لنفسها المزيد من المال.
4 . أن الحالة النفسية والتوتر الذي يلحق بالمرأة نتيجة لعدم عملها والفراغ الذي تعيش هو أيضا ً منقص لجمالها وموهن لصحتها
ثالثاً: القول المختار
إن القول بحق الزوج في منع الزوجة من الاكتساب داخل البيت هو الأرجح لوجوب طاعة المرأة لزوجها، ولأن قيامها ببعض المهن قد يؤثر على مكانتها الاجتماعية، أو تؤذيه أو تؤثر على وضعه الاجتماعي، فما دام الزوج قد وفر لها ما تريد،وسعى لإسعادها حتى بمنعها من العمل ،ولمحافظته على صحتها وجمالها، ولأن عدم الطاعة في هذا الأمر قد يعود بالأضرار على استقرار الأسرة واطمئنان الأولاد , فللزوج منعها مادام عملها يؤدي إلى تنقيص حقه أو ضرره، أما العمل الذي لا ضرر فيه ولا تنقيص من حقه وتقوم به حال غيبته فلا مبرر لمنعه وإنما في منعه لها يكون متعسفا ً .
خامساً: حكم عمل المرأة خارج البيت
ويقصد بعمل المرأة خارج البيت: كل عمل تقوم به المرأة خارج البيت بقصد الحصول على الأجر والكسب ( الراتب ) كعملها في مجالات التربية والتعليم, وفي المستشفيات, والشركات وغيرها من مؤسسات الدولة.
أتفق الفقهاء على جواز عمل المرأة خارج البيت بالشروط والضوابط التالية: (31)
أولا:ـ أن يكون العمل مشروعا في أصله ولا تمنع المرأة من مزاولته:
فيحرم على المرأة كل عمل تستغل فيه أنوثتها وجسدها كالعمل في المقاهي الليلية، أو عارضة أزياء، أو تعمل بالتجارة بالمخدرات، وكذا كل عمل محرم شرعا أو يساعد على فعل محرم، وكذا كل عمل يتطلب سفرا يحرمه الشرع لحاجتها لرحم محرم.
ثانيا: أن لا يتنافى العمل مع طبيعة المرأة.
كأن تعمل المرأة في الأعمال البدنية الشاقة التي تحتاج إلى قوة عضلية، أو تحتاج لساعات طويلة تستنزف المرأة خلالها كل طاقاتها، وتوقع نفسها في الحرج والضيق،قال تعالى:ـ " يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " (185:البقرة)( و قال تعالى:" مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ (6:المائدة)
ثالثا:ـ إذن الولي أو الزوج:
المرأة راعية في بيتها وهي مسئولة عن رعيتها، والرجل مسئول عن المرأة وعن شؤون البيت وتلبية حاجاته، ومكلف شرعا وقانونا بحفظ مصالحها وتوفير السعادة لها.
وعمل المرأة خيره يعود لها، وأضراره تعود عليهما، سواء كانت هذه الأضرار مادية أو معنوية ،لذا كان لابد من إذنه وموافقته على عملها .
رابعا : أن تأمن المرأة الفتنة
فإن كانت لا تأمن على نفسها من ضرر الآخرين وإيذائهم لها حسيا ً أو معنويا ً، وكان الضرر أعظم من الفوائد العائدة عليها من العمل، فعليها أن تقدم درء المفاسد على جلب المصالح ،وتتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام .
خامسا : عدم الخلوة والاختلاط بالرجال
فكل عمل مختلط أو فيه خلوة بين النساء والرجال الأجانب يحرمه الإسلام، وإن كان العمل مباحا ً في أصله، فمفاسد الخلوة والإختلاط تفتك بالمجتمعات وتهدد بانهيار الأسر.
سادسا : عدم تعارض عمل المرأة مع واجباتها الأخرى.
فإذا تعارض عملها مع واجباتها الزوجية، أو واجبات الأمومة قدمت تلك الواجبات على العمل، ففقه الأولويات يقتضي تقديم الحقوق الزوجية، وحقوق الأبناء على غيرها من المباحات، فالعمل يأخذ حكمه بحسب مايفضي إليه من المصالح أو المفاسد، فإذا حقق مصلحة ودرءا مفسدة فهو مباح ،وإذا أفضي إلى جلب المفاسد فهو محرم.
سابعا: أن تلتزم هي بأحكام الإسلام في سلوكها والتي منها
أـ الالتزام باللباس الشرعي: ففي لباسها تلتزم باللباس الشرعي الذي أمر به الشارع الحكيم بقوله تعالى:" وليضربن بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ"(31:النور)"و قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59: الأحزاب)
واستدلوا على جواز عمل المرأة خارج البيت إذا طبقت الشروط الضوابط الواجب مراعاتها بأدلةٍ منها :
1. قال تعالى : وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ" .( سورة القصص:23) .
وجه الاستدلال: قال ابن كثيرفي تفسيره:ووجد من دونهم امرأتين تذودان} أي تكفكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك الرعاء لئلا يؤذيا، فلما رآهما موسى عليه السلام رق لهما ورحمهما {قال ما خطبكما ؟} أي ما خبركما لا تردان مع هؤلاء ؟ {قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء} أي لا يحصل لنا سقي إلا بعد فراغ هؤلاء {وأبونا شيخ كبير} أي فهذا الحال الملجىء لنا إلى ما ترى، فالآية تدل على جواز العمل عند الحاجة.
2.عن عائشة رضي الله عنها قالت:خرجت سودة بنت زمعة ليلا ً فرآها عمر فعرفها فقال:إنك والله سودة ما تخفين علينا,فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت ذلك له وهو في حجرتي يتعش،وإن في يده لعرقا ً, فأنزل الله تعالى عليه فرفع عنه وهو يقول : قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن"(32).
وجه الاستدلال: دل الحديث على جواز خروج المرأة لقضاء حاجاتها وإن كان ليلا ً،وقد يقال:بأن هذا الحديث خاص بحالة خاصة،يرد:بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
3.روي أن عائشة رضي الله عنها سامت بريدة ,أي أرادت شراءها من أهلها فأبوا أن يبيعوها إلا أن يشترطوا الولاء ,فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق "(33).
وجه الاستدلال: ذكر الحديث في باب البيع والشراء مع النساء فدل على أن الصفقة كانت بين عائشة وبين الرجال من قوم بريده ولما جاز للنساء الشراء جاز لهن البيع والتجارة .
4. عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: " كنا نغزو مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم فنسقى القوم، ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة".(34)
5. عن أنس رضي الله عنه أن أم سلمه اتخذت يوم حنين خنجراً فكان معها، فرآها أبو طلحه فقال يا رسول الله: هذه أم سلمه معها خنجرا، فقال رسول الله: ما هذا الخنجر ؟ فقالت: اتخذته ان دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.(35)
6. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى "(36)
7. إذن الرسول عليه السلام لخالة جابر بن عبد الله بالخروج لتجد نخلها وهي في عدتها ،فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها، فزجرها رجل أن تخرج وهي في فترة العدة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا" .(37)
وجه الاستدلال:أجاز الرسول صلى الله عليه وسلم العمل للمعتدة، فيكون ذلك لغير المعتدة من باب أولى، كما وأن الحديث لم يعلل العمل بالنفقة على نفسها (38) .
8. الأصل أن تعالج المرأة المرأة، ولا يجوز للرجال معالجة النساء إلا عند عدم وجود النساء المتخصصات القادرات على أداء الواجب، فتأهيل النساء وعملهن يسد حاجات المجتمع ويرفع الحرج عن الناس .
سادساً: إذن الزوج شرط لجواز خروج المرأة للعمل
اتفق الفقهاء(39) على وجوب طاعة الزوجة لزوجها مادام يأمرها بما يوافق الشريعة الإسلامية ويحقق المصالح العامة للأسرة ،فإذا منع الزوج زوجته من العمل فعليها الطاعة والأدلة الدالة على مشروعية إذن الزوج كثيرة منها:
1 . قوله تعالى:ـ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ " .( سورة النساء:34)
2 . قوله عليه السلام : أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة (40)
وجه الدلالة : أن النصوص السابقة تشير إلى أن طاعة الزوج واجبة على الزوجة ومن طاعتها له أن لا تخرج للعمل إلا بإذنه .
3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة من غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره " .(41)
فخروج المرأة للعمل كالصوم يفوت مصالح وحاجات للرجل لذا وجب أخذ موافقته.
4. قال عليه الصلاة والسلام :" لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها "(42)
5. قال عليه الصلاة والسلام :" إذا استأذنكم نساؤكم بالليل على المسجد فأذنوا لهن "(43)
6.قال عليه الصلاة والسلام : "ألا أن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون" .(44)
وجه الاستدلال من الأحاديث السابقة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم في الحديث الأول على المراة صوم التطوع إذا كان الزوج شاهدا ً إلا بعد موافقته، واشترط الإذن لذلك؛ لأن الصوم يعطل عليه بعض المصالح، وكذا منع المرأة من أن تعطي من مال زوجها إلا بإذنه، أو أن تخرج للصلاة في المسجد إلا بإذنه، فدل ذلك على أن اذن الزوج أمر مطلوب في أمور الأسرة كلها وفي كل ما تعود المصالح والمفاسد فيه عليهما،أو في كل ما يفوت على الزوج مصلحة .
7 . أن نفقة الزوجة وكفايتها على زوجها، فهو ملزم بتحقيق حاجاتها، وطاعتها لزوجها واجبة وعملها مباح ، والواجب يقدم على المباح ، وبخاصة إذا عُلم أن في الأخذ بالمباح في هذه المسألة إنقاص لحق الزوج وإضرار به وتضييع لأمر واجب .
8. يجب على المرأة أن توازن بين المصالح والمفاسد فمصلحة استمرار الأسرة، وصناعة الأبناء وتربيتهم في ظل الأبوين وتحقيق الراحة النفسية والجسمية لهم أولى من المصالح التي تجنيها من صناعة الأشياء.
9. استقرار الأسرة واستمرارها هدف شرع الله له من الأحكام ما يقيمه ومن ذلك طاعة الزوجة لزوجها وأن يتولى الزوج قيادة الأسرة، ومن مقتضيات ذلك أن لا تخرج للعمل إلا بإذنه وموافقته.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المرأة قد تكون عاملة منذ سنوات ولها حقوق تخسرها إذا تركت العمل، كأن تكون عاملة، ولها تقاعد أو ضمان تستحقه بعد سنوات قليلة أو بعد بضعة أشهر، ففي هذه هذه الحالة أرى أن لا يجوز للزوج منع زوجته من العمل إلا إذا عوضها عن الخسارة التي قد تترتب على تركها للعمل ،ما دام متعسفاً في منعها من عملها.
قال السرطاوي: "استقر عمل المحاكم على أنه ليس للزوج منع زوجته من العمل إذا تزوجها وهي تعمل ولا يعتبر خروجها نشوزا ً "(45) .
وجاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دبي في الفترة مابين 3 صفر /5/ربيع الأول /1426 هـ قرار رقم 2/16.:
1.لا يجوز للزوج أن يسيء استعمال الحق بمنع الزوجة من العمل أو مطالبتها بتركه إذا كان بقصد الإضرار بها أو ترتب على ذلك مفسدة وضرر يربو على المصلحة المرتجاة .
2.ينطبق على الزوجة إذا قصدت من البقاء في عملها الاضرار بالزوج أو الأسرة وترتب على عملها ضرر يربو على المصلحة المرتجاة منه.
شروط الأخذ بإذن الزوج :
يعتبر إذن الزوج مُهماً ويؤخذ به متى توفرت له الشروط التالية:
1. قيام الزوجية : إذ لا معنى للإذن إلا بقيام العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس عقد الزواج الصحيح .
2. أن يكون الزوج بالغا ً عاقلاً لقوله عليه الصلاة والسلام:" رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، عن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل"(46) ، فغير البالغ والمجنون لا عبرة بإذنه أو عدمه لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
3. أن يكون الإذن فيما أباحه الله تعالى، فليس له أن بإذن لها بالعمل فيما هو محرم، أو أن تخالف شرطاً من الشروط الشرعية الواجب مراعاتها عند خروجها للعمل.
جاء في الفتاوى الخانية : "ليس للمرأة أن تخرج بغير إذن زوجها إلا بأسباب متعددة، منها إذا كانت في منزل يخاف السقوط عليها، ومنها الخروج إلى مجلس العلم إذا وقعت لها نازلة، ولم يكن الزوج فقيهاَ،ومنها الخروج إلى الحج الفرض إذا وجدت محرما ،ً ومنها الخروج إلى زيارة الوالدين وتعزيتهما وعيادتهما"(47).
نخلص إلى القول بأن الزوج إذا تزوج المرأة وهي تعمل فلا يحق له أن يتعسف في استعمال حقه ويمنعها إلا إذا رضيت بذلك،أما إذا توظفت هي في بيت الزوجية فيحق له اذا رأى أن مصلحة أولاده وأسرته في منعها من العمل.
الدكتورة ردينا إبراهيم الرفاعي
أستاذ مساعد، قسم الفقه وأصوله، كلية الشريعة، الجامعة الأردنية
الدكتورة جميلة عبد القادر الرفاعي
أستاذ مساعد، قسم الفقه وأصوله، كلية الشريعة ، الجامعة الأردنية
اشتراط إذن الزوج لعمل المرأة وما يترتب عليه من أحكام دراسة فقهية مقارنة
الملخص
تناولت الدراسة موضوع اشتراط إذن الزوج لعمل المرأة، وبينا فيه حق الزوج في منع زوجته من العمل، وحق المرأة العاملة في النفقة ،وهل يعتبر العمل سببا ً مسقطا ً لهذا الحق ؟ وهل للزوج الحق في راتب المرأة، أو في جزء منه بحيث تكلف بالمشاركة معه بالإنفاق على أسرتها ؟مع بيان آراء الفقهاء ومناقشة أدلتهم في كل المسائل وبيان الراجح منها.
الـمـقـدمـة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى اله وأصحابه أجمعين ومن سار على نهجه إلى يوم الدين،وبعد:
فإن الإسلام قد حرص أشد الحرص على بقاء العلاقات بين أفراد المجتمع سليمة وقوية وبخاصة في دائرة الأسرة ، فشرع من الأحكام ما يكفل ذلك ، ومنها بيان الحقوق والواجبات لكل من الرجل والمرأة، وبيان الأحكام المتعلقة بعمل المرأة بما في ذلك الشروط الواجبة له.
ولما كانت المرأة راعية في بيتها وهي مسؤولة عن رعيتها، والرجل مسؤول عن المرأة وعن شؤون البيت وتلبية حاجاته، ومكلف شرعاًًً وقانوناً بحفظ مصالحها وتوفير السعادة لها، وكان عمل المرأة خيره يعود لها، وأضراره تعود عليهما، سواءأ كانت هذه الأضرار مادية أم معنوية ، كان لابد من البحث في مسألة اشتراط إذن الزوج لعمل المرأة .
وبعد الاطلاع على هذه المسألة يتبين لنا أن فيها خلاف،وترتب على هذا الخلاف الاختلاف في استحقاقها للنفقة،أو إنفاقها من راتبها على بيتها،كل ذلك دفعنا إلى دراسة هذا الموضوع لتوضيح حكمه، وذلك من خلال الرجوع إلى النصوص، والبحث فيها بعمق ، ودراسة مذاهب الفقهاء وأدلتهم .
وتكمن أهمية الموضوع في كونه يعالج قضية اجتماعية مهمة أصبحت من الأمور التي تؤدي إلى هدم كيان الأسرة ،والمحاكم الشرعية تنظر في مئات القضايا المتعلقة بهذه المسألة,وهذا يستدعي بيان الأحكام الشرعية فيها مما يقلص من دائرة النزاع بين الأزواج ،وبالتالي يوفر الاستقرار والاستمرار للأسرة المسلمة.
وجاءت خطة البحث على النحو الآتي:
أولاً: مصطلحات تهم البحث
ثانياً: عمل المرأة داخل البيت من أجل رعاية الأسرة
ثالثاً: عمل المرأة داخل البيت من أجل الاكتساب .
رابعاً: اشتراط إذن الزوج لعمل المرأة داخل البيت
خامساً :حكم عمل المرأة خارج البيت .
سادساً : إذن الزوج شرط لجواز خروج المرأة للعمل
سابعاً : اشتراط العمل في عقد الزواج .
ثامناً : نفقة المرأة العاملة .
ا_ خروج المرأة للعمل بموافقة الزوج .
ب_ خروج المرأة للعمل دون موافقة الزوج
تاسعاً : حكم مشاركة المرأة العاملة في النفقة على بيتها .
الخاتمة وفيها أهم النتائج والتوصيات .
نسأل الله أن نكون قد وفقنا إلى الصواب ،وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، مع اعترافنا بأن الجهد البشري لا يخلو من خلل أو نقص،لذا فإن أصبنا فمن الله وإن أخطانا فمن أنفسنا ، والحمد لله رب العالمين .
أولاً: مصطلحات تهم البحث
المسألة الأولى: تعريف الشرط
الشرط في اللغة:بالتحريك العلامة،والجمع أشراط ،ويطلق على الإلزام بالشيء(1).
الشرط في الاصطلاح:ما يتوقف وجود الشيء على وجوده وكان خارجا عن حقيقته ولا يلزم من وجوده وجود الشيء ولكن يلزم من عدمه العدم(2).
المسألة الثانية: تعريف الإذن
الإذن في اللغة:نقول أذن بالشيء إذناً بمعنى علم ،والأذان الإعلام ،وأذن له في الشيء بمعنى أباحه له وسمح له(3) .
الإذن في الاصطلاح :-هو إباحة ما كان ممنوعاً من فعل أو قول(4).
المسألة الثالثة:تعريف العمل
العمل في اللغة :هو المهنة والفعل ،والجمع أعمال، والعامل هو الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه وعمله 5).
العمل في الاصطلاح : " وهو الجهد الذي يبذله الإنسان سواء أكان عقلياً أم عضلياً من أجل تحقيق منفعة"(6).وعرف بأنه: "كل فعل كان بقصد وفكر سواء أكان من أعمال القلب كالنية أم من أفعال الجوارح "(7).
المسألة الرابعة: تعريف المهنة
المهنة في اللغة: الحذق بالعمل(8) .
المهنة في الاصطلاح بأنها :ـ "الحرفة التي يتخذها الشخص لكسب العيش"(9) .
المسألة الخامسة:تعريف الخدمة
الخدمة في اللغة: مرادفه للمهنة (10).
غير أنها خصصت في الاصطلاح بالقيام بالأعمال الخاصة لشخص أو أشخاص أو القيام بأعمال معينه في مكان معين (11), وعلية فالمهنة أخص من الخدمة لاشتراط المهارة فيها كما وأنها تكون بقصد الكسب .
ثانياً: عمل المرأة داخل البيت من أجل رعاية الأسرة
ذكرنا سابقا أن المهنة والخدمة بينهما عموم وخصوص فالمهنة أخص من الخدمة، لأن من يقوم بالمهنة يكون حاذقا ً وماهراً في عمله، وبناء على التفريق السابق، فإن خدمة المرأة في بيتها تعني: القيام بالأعمال الخاصة المتعلقة بإدارة المنزل والقيام على رعاية من فيه.
أما عمل المرأة داخل البيت فهو كل فعل تقصد فيه الاكتساب وزيادة الدخل كالنسيج، وحضانة أطفال الغير بالأجرة، وكصناعة الأطعمة، والأشربة، وتربية الطيور والحيوانات وغيرها0
وحكم خدمة المرأة في منزلها والقيام على رعاية أسرتها أمر مندوب إليه ومن خير ما تتقرب به المرأة إلى الله تعالى، فبيت الزوجية هو المكان الذي يوفر للمرأة الاستقرار والسكن، فهي عندما ترعى بيتها وتوفر أسباب السعادة لزوجها وأبنائها تطبيقاً لقوله تعالى :ـ" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ"(سورة التحريم:6).فهي تعينهم على المعروف وتنهاهم عن المنكر فتكون بذلك نالت رضا الله تعالى متى أخلصت النية ، ورضيت وسعدت بنجاحها وتميزها المتمثل في نجاح أسرتها .
وقد دلت جملة من النصوص على فضل وثواب خدمة المرأة في بيتها ومنها:
1. قال تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ " .( سورة البقرة:228)
وجه الاستدلال:قال ابن كثير في تفسيره: وقوله {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف،
ومن المعروف الذي تقوم به المرأة تجاه أسرتها أن تقوم على رعايتها وتوفير السعادة والاطمئنان لأفرادها.
2 . قال علية الصلاة السلام في نساء قريش المؤمنات:ـ" خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناهن على يتيم في صغره، وأرعاهن على زوج في ذات يد".(12)
وجه الاستدلال:أن هذه الرعاية تستوجب قيامها بحق زوجها وأبنائها ورعايتها لشؤون أسرتها .(13)
3.قال علية الصلاة السلام : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عن رعيتها ".(14)
4. عن أسماء بنت أبي بكر قالت: " بعد أن تزوجني الزبير بن العوام كنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤو نته وأسوسه, وأدق النوى للناضج وأعلفه وأسقيه الماء، واخرز عربه، واعجن له ولم أكن أحسن الخبز، فكان يخبزن لي جارات من الأنصار، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي وهو على ثلثي فرسخ حتى أرسل لي أبو بكر بخادم فكأنما أعتقني". (15)
5 .عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله فانتقاني فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة أم المساكين بعد أن ماتت، فإذا جرة ، فاطلعت فيها فإذا فيها شيء من شعير، وإذا رحى وبرمة ،(16) وقدر فنظرت فيها فإذا كعب من إهالة (17) قالت: فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت الكعب من الإهالة فأدمته به ،قالت: فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه.(18)
وجه الاستدلال:تحث الأحاديث السابقة على حسن رعاية المرأة لأسرتها وقد بين حديث أسماء وأم سلمة صوراً من حسن الرعاية.
هذا ولا تجبر المرأة على الخدمة في منزلها لعدم وجوب ذلك عليها (19)،بل إذا كانت المرأة لا تخدم نفسها بأن كانت ممن تخدم مثيلاتها، أو كانت مريضة فيلزم الزوج بإحضار خادمة لها، لقوله تعالى : "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ".(سورة النساء:19) ومن العشرة بالمعروف أن يقيم لها من يخدمها إذا كانت مخدومة في بيت أهلها. (20) .
ثالثاً:عمل المرأة داخل البيت من أجل الاكتساب
وهو كل فعل تقصد به المرأة اكتساب المال وزيادة الدخل ،ويكون ذلك داخل البيت ،كعملها بالصناعات الخفيفة كالنسيج, وصناعة الأطعمة والأشربة ،أو قيامها بتربية الحيوانات والطيور، ويكون ذلك داخل البيت ولا يحتاج منها إلى مغادرة البيت.
حكم عمل المرأة داخل البيت من أجل الاكتساب
اتفق الفقهاء على القول بجواز قيام المرأة بكل عمل يعود عليها بالفائدة بشرط ألا يتعارض مع واجبات الزوجية الأساسية(21) . ولا تجبر على العمل في أي حال غير حالات الضرورة التي تخشى معها على نفسها من الهلاك جاء في حاشية الدسوقي:" ليس على الزوجة القيام بأي عمل يراد منه الاكتساب،أي لا تجبر لأن هذه الأشياء ليست من أنواع الخدمة،وإنما من أنواع التكسب وليس على الزوجة أن تتكسب للزوج إلا أن تتطوع ً "(22).
رابعاً: إذن الزوج في عمل المرأة داخل البيت
إذا عملت المرأة داخل البيت بمهنة كالحياكة, أو التجارة, فهل يشترط لذلك موافقة الزوج وإذا منعها فهل تجب عليها الطاعة ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى قولين :
القول الأول:
ذهب الحنفية في قول(23)، والشافعية(24) إلى القول بجواز عمل المرأة داخل البيت بالتجارة وغيرها مما يشرع بإذن الزوج وبغير إذنه، جاء في حاشيةابن عابدين : "أما العمل الذي لا ضرر له فيه، فلا وجه لمنعها منه خصوصا ً في حال غيبته عن بيته،فإن ترك المرأة بلا عمل في بيتها يؤدي إلى وساوس النفس والشيطان"(25).
القول الثاني :
ذهب الحنفية(26) في قول والمالكية (27) إلى القول: بأن للزوج منعها من الغزل ومن كل عمل،ولو تبرعا ً لأجنبي،ولو قابلة أو مغسلة،جاء في حاشية ابن عابدين :"وله منعها من كل عمل يؤدي إلى تنقيص حقه أو ضرره أو إلى خروجها من بيته ".
أدلة أصحاب القول الأول:
استدل القائلون بأنه ليس للزوج منع زوجته من العمل داخل البيت بعدة أدلة أجملها على النحو الآتي:
1. روى عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها:"أنها كانت امرأة صناع اليد فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله".(28)
وجه الاستدلال:أفاد حديث زينب رضي الله عنها أنها كانت تعمل في بيتها ،وكانت تتكسب من ذلك ولم ينكر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ،فكان إقراراً منه عليه الصلاة والسلام
2. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "نهانا النبي صلى الله عليه وسلم " عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها وقال هكذا بأصابعه نحو الخبز ,والغزل ,والنقش(29) .
وجه الاستدلال: نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كسب الأمة إلا ما كان من قبيل الغزل والنقش فدل ذلك على جواز مثل هذه الأعمال وعلى مشروعيتها.
3.قال صلى الله عليه وسلم :"لا ضرر ولا ضرار"(30).
وجه الاستدلال: منع المرأة من العمل وهي داخل بيتها ،وقد أدت ما عليها من واجبات وبغير حق يلحق بها الضرر مادياً ونفسيا ،ً فالزوج يكون بذلك قد تعسف في استعمال حقه في منعها.
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدل القائلون بأن للزوج منع زوجته من العمل داخل البيت بعدة أدلة أوجزها على النحو الآتي:
1. ان الزوجة لا ضرورة لها للعمل لوجوب كفايتها ونفقتها على زوجها أو على أهلها لذا كان من حقه منعها.
2. إن عمل المرأة يؤدي بها إلى التعب المنقص لجمالها،والمحافظة على جمالها وحسنها واجب عليها وحق للزوج .
3.المرأة مأمورة بطاعة زوجها ومن طاعتها له أن تأتمر بأمره وتنتهي عما نهاها عنه .
المناقشة والترجيح:
أولا:رد أصحاب القول الثاني(المالكية) على أدلة الفريق الأول(الشافعية) .
1. ان القول بعدم تضرر الرجل من عمل المرأة داخل البيت فيه نظر ،لأن الضرر متفاوت بحسب العرف وبحسب الشخص نفسه،وبحسب طبيعة العمل الذي تقوم به المرأة.
2. أما الاستدلال بحديث زينب ففيه دلالة على جواز العمل داخل البيت مطلقا ولم يقم الدليل على معارضة النبي لعملها, وعمل زينب رضي الله عنها في بيتها وسكوت الرسول صلى الله عليه وسلم عنه يدل على إقراره على عملها.
وفي حالة رضا الزوج بعمل المرأة داخل البيت لا خلاف بين الفقهاء في جوازه .
ثانيا: رد أصحاب القول الأول (الشافعية) على أدلة أصحاب القول الثاني(المالكية):
1. ويرد على القول بأن خروج المرأة لا يكون إلا لضرورة يدل على أنه من المحظورات لأن الضرورات هي التي تبيح المحظورات،ففي ذلك نظر إذ لا ضرورة في خروج النساء مع الرسول صلى الله عليه وسلم للقتال والجهاد , وليس بواجب عليهن إلا أن يتطوعن.
2. ثم إن المرأة تعمل لتحقق حاجات كثيرة منها النفسية, فهي تحقق السعادة لنفسها بعملها، وقد يكون عملها لتفريغ طاقات إبداعية كامنة في نفسها.
3. والمرأة مكفولة النفقة والمؤونة وهي في الوقت ذاته تأخذ حقها كاملاً في الميراث فوجوب نفقتها على الغير لا يمنع من أن تكسب لنفسها المزيد من المال.
4 . أن الحالة النفسية والتوتر الذي يلحق بالمرأة نتيجة لعدم عملها والفراغ الذي تعيش هو أيضا ً منقص لجمالها وموهن لصحتها
ثالثاً: القول المختار
إن القول بحق الزوج في منع الزوجة من الاكتساب داخل البيت هو الأرجح لوجوب طاعة المرأة لزوجها، ولأن قيامها ببعض المهن قد يؤثر على مكانتها الاجتماعية، أو تؤذيه أو تؤثر على وضعه الاجتماعي، فما دام الزوج قد وفر لها ما تريد،وسعى لإسعادها حتى بمنعها من العمل ،ولمحافظته على صحتها وجمالها، ولأن عدم الطاعة في هذا الأمر قد يعود بالأضرار على استقرار الأسرة واطمئنان الأولاد , فللزوج منعها مادام عملها يؤدي إلى تنقيص حقه أو ضرره، أما العمل الذي لا ضرر فيه ولا تنقيص من حقه وتقوم به حال غيبته فلا مبرر لمنعه وإنما في منعه لها يكون متعسفا ً .
خامساً: حكم عمل المرأة خارج البيت
ويقصد بعمل المرأة خارج البيت: كل عمل تقوم به المرأة خارج البيت بقصد الحصول على الأجر والكسب ( الراتب ) كعملها في مجالات التربية والتعليم, وفي المستشفيات, والشركات وغيرها من مؤسسات الدولة.
أتفق الفقهاء على جواز عمل المرأة خارج البيت بالشروط والضوابط التالية: (31)
أولا:ـ أن يكون العمل مشروعا في أصله ولا تمنع المرأة من مزاولته:
فيحرم على المرأة كل عمل تستغل فيه أنوثتها وجسدها كالعمل في المقاهي الليلية، أو عارضة أزياء، أو تعمل بالتجارة بالمخدرات، وكذا كل عمل محرم شرعا أو يساعد على فعل محرم، وكذا كل عمل يتطلب سفرا يحرمه الشرع لحاجتها لرحم محرم.
ثانيا: أن لا يتنافى العمل مع طبيعة المرأة.
كأن تعمل المرأة في الأعمال البدنية الشاقة التي تحتاج إلى قوة عضلية، أو تحتاج لساعات طويلة تستنزف المرأة خلالها كل طاقاتها، وتوقع نفسها في الحرج والضيق،قال تعالى:ـ " يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " (185:البقرة)( و قال تعالى:" مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ (6:المائدة)
ثالثا:ـ إذن الولي أو الزوج:
المرأة راعية في بيتها وهي مسئولة عن رعيتها، والرجل مسئول عن المرأة وعن شؤون البيت وتلبية حاجاته، ومكلف شرعا وقانونا بحفظ مصالحها وتوفير السعادة لها.
وعمل المرأة خيره يعود لها، وأضراره تعود عليهما، سواء كانت هذه الأضرار مادية أو معنوية ،لذا كان لابد من إذنه وموافقته على عملها .
رابعا : أن تأمن المرأة الفتنة
فإن كانت لا تأمن على نفسها من ضرر الآخرين وإيذائهم لها حسيا ً أو معنويا ً، وكان الضرر أعظم من الفوائد العائدة عليها من العمل، فعليها أن تقدم درء المفاسد على جلب المصالح ،وتتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام .
خامسا : عدم الخلوة والاختلاط بالرجال
فكل عمل مختلط أو فيه خلوة بين النساء والرجال الأجانب يحرمه الإسلام، وإن كان العمل مباحا ً في أصله، فمفاسد الخلوة والإختلاط تفتك بالمجتمعات وتهدد بانهيار الأسر.
سادسا : عدم تعارض عمل المرأة مع واجباتها الأخرى.
فإذا تعارض عملها مع واجباتها الزوجية، أو واجبات الأمومة قدمت تلك الواجبات على العمل، ففقه الأولويات يقتضي تقديم الحقوق الزوجية، وحقوق الأبناء على غيرها من المباحات، فالعمل يأخذ حكمه بحسب مايفضي إليه من المصالح أو المفاسد، فإذا حقق مصلحة ودرءا مفسدة فهو مباح ،وإذا أفضي إلى جلب المفاسد فهو محرم.
سابعا: أن تلتزم هي بأحكام الإسلام في سلوكها والتي منها
أـ الالتزام باللباس الشرعي: ففي لباسها تلتزم باللباس الشرعي الذي أمر به الشارع الحكيم بقوله تعالى:" وليضربن بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ"(31:النور)"و قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59: الأحزاب)
واستدلوا على جواز عمل المرأة خارج البيت إذا طبقت الشروط الضوابط الواجب مراعاتها بأدلةٍ منها :
1. قال تعالى : وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ" .( سورة القصص:23) .
وجه الاستدلال: قال ابن كثيرفي تفسيره:ووجد من دونهم امرأتين تذودان} أي تكفكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك الرعاء لئلا يؤذيا، فلما رآهما موسى عليه السلام رق لهما ورحمهما {قال ما خطبكما ؟} أي ما خبركما لا تردان مع هؤلاء ؟ {قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء} أي لا يحصل لنا سقي إلا بعد فراغ هؤلاء {وأبونا شيخ كبير} أي فهذا الحال الملجىء لنا إلى ما ترى، فالآية تدل على جواز العمل عند الحاجة.
2.عن عائشة رضي الله عنها قالت:خرجت سودة بنت زمعة ليلا ً فرآها عمر فعرفها فقال:إنك والله سودة ما تخفين علينا,فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت ذلك له وهو في حجرتي يتعش،وإن في يده لعرقا ً, فأنزل الله تعالى عليه فرفع عنه وهو يقول : قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن"(32).
وجه الاستدلال: دل الحديث على جواز خروج المرأة لقضاء حاجاتها وإن كان ليلا ً،وقد يقال:بأن هذا الحديث خاص بحالة خاصة،يرد:بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
3.روي أن عائشة رضي الله عنها سامت بريدة ,أي أرادت شراءها من أهلها فأبوا أن يبيعوها إلا أن يشترطوا الولاء ,فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق "(33).
وجه الاستدلال: ذكر الحديث في باب البيع والشراء مع النساء فدل على أن الصفقة كانت بين عائشة وبين الرجال من قوم بريده ولما جاز للنساء الشراء جاز لهن البيع والتجارة .
4. عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: " كنا نغزو مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم فنسقى القوم، ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة".(34)
5. عن أنس رضي الله عنه أن أم سلمه اتخذت يوم حنين خنجراً فكان معها، فرآها أبو طلحه فقال يا رسول الله: هذه أم سلمه معها خنجرا، فقال رسول الله: ما هذا الخنجر ؟ فقالت: اتخذته ان دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.(35)
6. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى "(36)
7. إذن الرسول عليه السلام لخالة جابر بن عبد الله بالخروج لتجد نخلها وهي في عدتها ،فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها، فزجرها رجل أن تخرج وهي في فترة العدة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا" .(37)
وجه الاستدلال:أجاز الرسول صلى الله عليه وسلم العمل للمعتدة، فيكون ذلك لغير المعتدة من باب أولى، كما وأن الحديث لم يعلل العمل بالنفقة على نفسها (38) .
8. الأصل أن تعالج المرأة المرأة، ولا يجوز للرجال معالجة النساء إلا عند عدم وجود النساء المتخصصات القادرات على أداء الواجب، فتأهيل النساء وعملهن يسد حاجات المجتمع ويرفع الحرج عن الناس .
سادساً: إذن الزوج شرط لجواز خروج المرأة للعمل
اتفق الفقهاء(39) على وجوب طاعة الزوجة لزوجها مادام يأمرها بما يوافق الشريعة الإسلامية ويحقق المصالح العامة للأسرة ،فإذا منع الزوج زوجته من العمل فعليها الطاعة والأدلة الدالة على مشروعية إذن الزوج كثيرة منها:
1 . قوله تعالى:ـ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ " .( سورة النساء:34)
2 . قوله عليه السلام : أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة (40)
وجه الدلالة : أن النصوص السابقة تشير إلى أن طاعة الزوج واجبة على الزوجة ومن طاعتها له أن لا تخرج للعمل إلا بإذنه .
3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة من غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره " .(41)
فخروج المرأة للعمل كالصوم يفوت مصالح وحاجات للرجل لذا وجب أخذ موافقته.
4. قال عليه الصلاة والسلام :" لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها "(42)
5. قال عليه الصلاة والسلام :" إذا استأذنكم نساؤكم بالليل على المسجد فأذنوا لهن "(43)
6.قال عليه الصلاة والسلام : "ألا أن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون" .(44)
وجه الاستدلال من الأحاديث السابقة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم في الحديث الأول على المراة صوم التطوع إذا كان الزوج شاهدا ً إلا بعد موافقته، واشترط الإذن لذلك؛ لأن الصوم يعطل عليه بعض المصالح، وكذا منع المرأة من أن تعطي من مال زوجها إلا بإذنه، أو أن تخرج للصلاة في المسجد إلا بإذنه، فدل ذلك على أن اذن الزوج أمر مطلوب في أمور الأسرة كلها وفي كل ما تعود المصالح والمفاسد فيه عليهما،أو في كل ما يفوت على الزوج مصلحة .
7 . أن نفقة الزوجة وكفايتها على زوجها، فهو ملزم بتحقيق حاجاتها، وطاعتها لزوجها واجبة وعملها مباح ، والواجب يقدم على المباح ، وبخاصة إذا عُلم أن في الأخذ بالمباح في هذه المسألة إنقاص لحق الزوج وإضرار به وتضييع لأمر واجب .
8. يجب على المرأة أن توازن بين المصالح والمفاسد فمصلحة استمرار الأسرة، وصناعة الأبناء وتربيتهم في ظل الأبوين وتحقيق الراحة النفسية والجسمية لهم أولى من المصالح التي تجنيها من صناعة الأشياء.
9. استقرار الأسرة واستمرارها هدف شرع الله له من الأحكام ما يقيمه ومن ذلك طاعة الزوجة لزوجها وأن يتولى الزوج قيادة الأسرة، ومن مقتضيات ذلك أن لا تخرج للعمل إلا بإذنه وموافقته.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المرأة قد تكون عاملة منذ سنوات ولها حقوق تخسرها إذا تركت العمل، كأن تكون عاملة، ولها تقاعد أو ضمان تستحقه بعد سنوات قليلة أو بعد بضعة أشهر، ففي هذه هذه الحالة أرى أن لا يجوز للزوج منع زوجته من العمل إلا إذا عوضها عن الخسارة التي قد تترتب على تركها للعمل ،ما دام متعسفاً في منعها من عملها.
قال السرطاوي: "استقر عمل المحاكم على أنه ليس للزوج منع زوجته من العمل إذا تزوجها وهي تعمل ولا يعتبر خروجها نشوزا ً "(45) .
وجاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دبي في الفترة مابين 3 صفر /5/ربيع الأول /1426 هـ قرار رقم 2/16.:
1.لا يجوز للزوج أن يسيء استعمال الحق بمنع الزوجة من العمل أو مطالبتها بتركه إذا كان بقصد الإضرار بها أو ترتب على ذلك مفسدة وضرر يربو على المصلحة المرتجاة .
2.ينطبق على الزوجة إذا قصدت من البقاء في عملها الاضرار بالزوج أو الأسرة وترتب على عملها ضرر يربو على المصلحة المرتجاة منه.
شروط الأخذ بإذن الزوج :
يعتبر إذن الزوج مُهماً ويؤخذ به متى توفرت له الشروط التالية:
1. قيام الزوجية : إذ لا معنى للإذن إلا بقيام العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس عقد الزواج الصحيح .
2. أن يكون الزوج بالغا ً عاقلاً لقوله عليه الصلاة والسلام:" رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، عن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل"(46) ، فغير البالغ والمجنون لا عبرة بإذنه أو عدمه لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
3. أن يكون الإذن فيما أباحه الله تعالى، فليس له أن بإذن لها بالعمل فيما هو محرم، أو أن تخالف شرطاً من الشروط الشرعية الواجب مراعاتها عند خروجها للعمل.
جاء في الفتاوى الخانية : "ليس للمرأة أن تخرج بغير إذن زوجها إلا بأسباب متعددة، منها إذا كانت في منزل يخاف السقوط عليها، ومنها الخروج إلى مجلس العلم إذا وقعت لها نازلة، ولم يكن الزوج فقيهاَ،ومنها الخروج إلى الحج الفرض إذا وجدت محرما ،ً ومنها الخروج إلى زيارة الوالدين وتعزيتهما وعيادتهما"(47).
نخلص إلى القول بأن الزوج إذا تزوج المرأة وهي تعمل فلا يحق له أن يتعسف في استعمال حقه ويمنعها إلا إذا رضيت بذلك،أما إذا توظفت هي في بيت الزوجية فيحق له اذا رأى أن مصلحة أولاده وأسرته في منعها من العمل.