مشاهدة النسخة كاملة : الزواج المدني 1
محمد عقله
2017-12-01, 21:06
الملخص
تناولت هذه الدراسة موضوع فقه الأقليات المسلمة في مسائل الأحوال الشخصية (الزواج المدني)، وقد هدفت الدراسة إلى الحديث عن أبرز مسائل الأحوال الشخصية الموجودة في مجتمع الأقليات المسلمة في واقع الدول الغربية، وذلك وفق المنهج الفقهي الاستقرائي التحليلي في دراسة مسائل الفروع الفقهية مع مراعاة خصوصية واقع الأقليات المسلمة والظروف المحيطة بأفرادها.
وقد تناولت في هذا المبحث المطالب التالية:
المطلب الأول: الصيغة في عقد الزواج المدني.
المطلب الثاني: الاستشهاد في عقد الزواج المدني.
المطلب الثالث: الولي في عقد الزواج المدني.
المطلب الرابع: المهر في عقد الزواج المدني.
المطلب الخامس: القول المحتار.
وفي النهاية أقول إن أخطأت فمن نفسي، وإن أصبت فمنه سبحانه.
Abstract
This study dealt with the legal ruling, which concern the Muslim minorities in the personal status issues with the aim to studying the most important cases existing in the society of Muslim minorities in the Western countries, in accordance with the analytical juristic, inductive methodology in studying juristic disciplines issues taking into consideration the true state of affairs of Muslim minorities and the circumstances involving its individuals and consequently, perceive it within its special framework with in the general jurisprudence domain for the sake of achieving the aims of legislation represented in preponderances and judgments it reaches.
الزواج المدني
تمهيد:
يقصد بعقد الزواج المدني: ذلك العقد الذي يتم إجراؤه عند الجهات الحكومية المختصة في الدولة –وفي الغالب البلدية- ليخضع بطريقة إجرائه وشروطه وآثاره للقانون المدني المعمول به"(1).
ومعلوم أن الدول الغربية تشترط على مواطنيها ممن يحملون الجنسية إجراء عقود زواجهم بالطريقة المدنية وتسجيلها وتوثيقها عند الجهات المختصة حتى يتم الاعتراف بها سواء سبقه أو تبعه عقد زواج في دولة أخرى، أم في مركز إسلامي"(2) ، إلا أنه في النهاية يتعين إذا كان أحد الزوجين أو كلاهما ممن يحملون الجنسية أن يتم إجراء عقد زواج مدني، ولا يمتنع أيضاً إجراء عقد زواج مدني للمقيمين إقامة قانونية في الدولة" (3).
وبالتالي نستطيع – من خلال واقع الأقليات المسلمة في الغرب ومن خلال وجود شريحة منها ممن هم مواطنون أصليون أو ممن تجنسوا بجنسية هذه البلاد- إدراك أنهم ملزمون حسب القانون بإجراء عقد زواج مدني يضمن حقوق طرفي العقد ويحفظها من أثر عدم التوثيق والاعتراف بها.
ويعنينا بالبحث فيه – كأمر بدهي- ما كان منه بين مسلم ومسلمة أو بين مسلم وكتابية، كأحد أنواع عقود الزواج الرئيسة الموجودة في أوساط الأقليات المسلمة في الغرب.
ولدراسة هذا العقد ومعرفة حكمه من الصحة أو البطلان، نحتاج لمعرفة الكيفية التي يتم بها، وتلمس ما احتواه أو فقده من مقومات عقد الزواج الشرعي".
إن السلطة المدنية المختصة بعقد الزواج المدني تتبع إجراءات قانونية وإدارية هي في كثير منها إجراءات شكلية تصاحب إجراء أي عقد آخر، وليس فقط عقد الزواج وهذه قد تتشابه أو تتباين من دولة لأخرى، إلا أنها في مجموعها تطلب من المتعاقدين الأوراق الثبوتية، وإثبات مكان الإقامة وشهادة عزوبية، والأوراق الخاصة بمستوى الدخل وما شابه من الإجراءات الشكلية.
وبعد التأكد من صحة هذه الأوراق واعتمادها، يتم تحديد موعد لإجراء عقد الزواج المدني.
وفي مجلس العقد (4) يحضر طرفاه: الرجل والمرأة، مع شاهدين اثنين قد يكون أحدهما من طرف الزوج والآخر من طرف الزوجة، ولا يشترط أن يكون الشاهدان من معارف طرفي العقد.
ويقوم الموظف المسؤول بالتأكد من الأوراق الثبوتية للجميع، ومخاطبة الرجل والمرأة، والتأكد من حضورهما برغبة الإقدام على هذا العقد, ثم يقرأ عليهما القوانين التي تتعلق بحقوق الزوجين وواجباتهما تجاه بعضهما وتجاه أبنائهما، وما يلزمهما من إجراءات قانونية بالنسبة لسكن أسرتهما.
ثم يوجه سؤاله للرجل: هل ترغب بالزواج من ... (ويسمي المرأة) فيجيب بـ: نعم، وقد يقول: نعم أوافق على الزواج منها.
ثم يوجه سؤاله للمرأة: هل ترغبين بالزواج من ... (ويسمي الرجل) فتجيب بـ: نعم، وقد تقول: نعم أوافق على الزواج منه.
فيعلنهما زوجاً وزوجة وفق القانون المدني المعمول به، ويسجل ويوثق هذا العقد.
وبعد هذا العرض المبسط لكيفية إجراء عقد الزواج المدني أشرع في دراسته في المطالب الخمسة التالية:
المطلب الأول: الصيغة في عقد الزواج المدني.
المطلب الثاني: الإشهاد في عقد الزواج المدني.
المطلب الثالث: الولي في عقد الزواج المدني.
المطلب الرابع: المهر في عقد الزواج المدني.
المطلب الخامس: القول المختار في حكم عقد الزواج المدني
والله ولي التوفيق
المطلب الأول: الصيغة في عقد الزواج المدني:
وأتناولها بالبحث في مسألتين: المسألة الأولى: الصيغة إذا جاءت بغير العربية. المسألة الثانية: الصيغة إذا جاءت استفهامية.
الفرع الأول: الصيغة إذا جاءت بغير اللغة العربية:
ذهب جمهور الفقهاء إلى انعقاد الزواج بغير العربية، إذا كان أحد المتعاقدين أو كلاهما لا يفهم العربية (5) ، فيصح ممن لا يحسن العربية عقد الزواج بلسانه، لاعتبار عجزه عن اللغة العربية حين العقد من جهة، ولإمكانية إتيانه بالمعنى الذي يدل عليه اللفظ العربي من جهة أخرى(6).
أما إذا كان العاقد يفهم اللغة العربية ويستطيع العقد بها، ففي المسألة قولان رئيسان:
القول الأول: انعقاد النكاح بغير العربية:
وهو مذهب الجمهور من الحنفية (7) ، والمعتمد عند الشافعية (8) ، واختيار ابن تيمية من الحنابلة(9).
ودليل هذا القول أنه قد أتى بلفظ خاص بالزواج وإن كان بغير العربية، إلا انه كمعناه، فيقوم مقامه، وينعقد الزواج به.
القول الثاني: عدم انعقاد النكاح بغير العربية.
وهو الصحيح في مذهب الحنابلة(10) ، وأحد الأقوال عند الشافعية(11).
ودليل القول الثاني أنه عدول عن اللفظ الخاص بالزواج الوارد في القرآن الكريم الدال على انعقاده، مع القدرة عليه، فلا يقبل منه كما لا يقبل التكبير في الصلاة إلا باللغة العربية(12).
مناقشة القولين وبيان القول المختار:
إن قياس ألفاظ الزواج على ألفاظ التكبير في الصلاة غير متجه، ذلك أن الثاني يقصد منه العبادة، فاختص بألفاظ معينة بلغة واحدة هي اللغة العربية، بخلاف الألفاظ الدالة على عقد الزواج، فهي وإن وردت في القرآن الكريم كلفظ الزواج والإنكاح، لكن لم يكن القصد منها في العقد الإعجاز الذي يختص به القرآن الكريم – بل قصد منها التعبير عن إرادة هذا العقد والرضا به، بمعنى يصح به الدلالة على عقد الزواج- وهذا تستوي فيه العربية وغيرها، إضافة إلى أن إرادة التعبد بألفاظ عقد الزواج، بحاجة إلى دليل شرعي، ومعلوم أن عقد الزواج كغيره من العقود لا تعبد فيه من جهة اللفظ، بدليل صحته من الكافر وغيره(13).
وبالتالي فإن الألفاظ الواردة في صيغة عقد الزواج المدني وإن كانت ألفاظاً غير عربية إلا أن من شأنها أن ينعقد الزواج بها لأنها تدل بمعناها على ما يدل عليه اللفظ العربي من الإنكاح أو التزويج، وتعبر عما في نفس المتعاقدين من إرادة هذا الزواج والرضا به(15).
وهو ما يتفق مع قول الجمهور بانعقاد الزواج بغير اللغة العربية خاصة مع عدم وجود نص من الكتاب أو السنة على اشتراط اللغة العربية في انعقاد الزواج.
ولا بد من التنبيه في هذا المقام، على ضرورة فهم كل من العاقدين كلام نفسه وكلام الطرف الآخر، سواء عقد الزواج بالعربية أم بغيرها(16) حتى يقع الرضا والاتفاق بين الطرفين حول إرادة هذا العقد، وبالتالي تحقق الركن الأول فيه وهو الرضا من المتعاقدين المعبر عنه بالصيغة، لذلك وجدنا من الفقهاء من يقول بضرورة وجود مترجم بين العاقدين حين العقد إذا لم يفهم أحدهما لغة الآخر(17).
الفرع الثاني: الصيغة إذا جاءت استفهامية:
يظهر في عقد الزواج المدني – كما تمت الإشارة إليه مسبقاً- أن صيغته استفهامية، وذلك عندما يوجه الموظف المسؤول السؤال لكلا الطرفين: هل ترغب بالزواج من فلان (فلانة)؟ فيجيب بـ:نعم، فهل هذا يخالف اشتراط دلالة الإيجاب والقبول على إنشاء العقد إذ إنّ الصيغة إنما هي تعبير عن الإرادة الكامنة في نفس كل من المتعاقدين. ولذلك اختيرت صيغة الماضي لإفادة إنشاء العقد، لدلالتها على ثبوت إرادة العقد وتحققها عند كل من المتعاقدين قبل الإخبار بذلك، فتكون أدل على الوجود لإخبارها عن دخول المعنى المراد وتحققه بشكل تندفع به الحاجة عن إرادة سواه أو ما يخالفه(18).
فقول الولي للخاطب: زوجتك ابنتي، ورده عليه بـ: قبلت أو رضيت أو نحو ذلك(19) كلتاهما بصيغة الماضي، تدل دلالة واضحة على تحقق إرادتهما للعقد وثبوتها عندهما بشكل تندفع به الحاجة عن إرادة معنى آخر، وبذلك تكون صيغة الماضي دالة على إنشاء العقد.
وورد خلاف بين الفقهاء حول انعقاد الزواج بالصيغة الاستفهامية على النحو التالي:
القول الأول:
انعقاد الزواج بالصيغة إذا جاءت استفهامية، كأن يقول الخاطب للولي: أزوجت؟، فقال: نعم، وقال للزوج: أقبلت؟ قال: نعم، فقد انعقد النكاح إذا حضره شاهدان. وهو مذهب الحنفية(20) والحنابلة(21).
القول الثاني:
عدم انعقاد الزواج بهذه الصيغة حتى يقول معه: زوجتك ابنتي(22) ، ويقول الزوج: قبلت، هذا التزويج وهو المذهب عند الشافعية(22).
أدلة القول الأول:
استدل من قال بانعقاد الزواج بهذه الصيغة بعدة أدلة:
1. قالوا: إن "نعم" جواب لقوله: أزوجت؟ وأقبلت فالسؤال يكون مضمراً في الجواب معاداً فيه، فيكون نعم (من الولي) زوجت ابنتي، ومعنى "نعم" من المتزوج: قبلت هذا التزويج ولا احتمال فيه، فيجب أن ينعقد به(23).
2. اعتبار فهم الحال بما تقتضيه طبيعة المجلس، فإن صيغة الاستفهام السابقة الذكر إن كانت في مجلس للوعد، فهو وعد، وإن كان المجلس للعقد فهو عقد زواج(24).
3. إن المعنى المراد من صيغة عقد الزواج هو إرادة إنشاء هذا العقد واندفاع شبهة إرادة المساومة أو الوعد، فهو حكم معلل وليس تعبدياً(25) ، وهذه العلة قد تتحقق بأصل وضع اللفظ كما هو الأمر في صيغة الماضي، وقد يكون بما اقترن من القرائن ودلالة الحالة باللفظ المشار إليها في الدليل السابق- من الجلوس في مجلس العقد ونحوه، إذ إن الغالب والمعتاد أن المتعاقدين لا يجلسان في مجلس عقد الزواج إلا بعد الاتفاق مسبقاً على تفاصيل الزواج.
دليل القول الثاني:
- اعتبر أصحاب هذا القول أن على العاقدين الالتزام بصيغة الإيجاب والقبول من قول الولي للخاطب: زوجتك ابنتي، وقول الخاطب: قبلت أو وافقت، وما وافقها من صيغ في عقد الزواج- لأن هذه الألفاظ خاصة بالإيجاب والقبول اللذين يمثلان ركني العقد الذي لا ينعقد بدونهما(26).
القول المختار:
من خلال التأمل في الأدلة السابقة، وبالنظر في صيغة عقد الزواج المدني، عندما يوجه كاتب الأحوال المدنية، السؤال لكل من الرجل والمرأة، بقوله: هل توافق على الزواج من فلانة؟ فيجيب بـ: نعم، وهل توافقين على الزواج من فلان؟ فتجيب بـ: نعم، ندرك أنه يمكن القول بدلالتها على إنشاء العقد من أكثر من وجه.
أما الأول: فلأن قول كل من المتعاقدين نعم، إنما هو جواب لصيغة استفهامية وردت تلقيناً من الموظف المختص لإجراء عقد الزواج في مجلس ومكان مخصصين لهذا الأمر، فهذه الصيغة، وإن كانت بأصل وضعها لا تستخدم لإنشاء العقد إلاّ أن القصد من استعمالها هنا إثبات رضا الطرفين وإرادتهما لعقد الزواج في مجلس مختص بهذا الأمر، فيندفع بذلك احتمال إرادة غير الإنشاء، وتقوم قرينة الحالة بالدلالة على إرادة الإنشاء، وهذا هو المراد.
يقول ابن الهمام –رحمه الله تعالى: "… ثم لما علمنا أن الملاحظ من جهة الشرع في ثبوت الانعقاد ولزوم حكمه جانب الرضا كما نص عليه في قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (سورة النساء، 29)، عددنا ثبوت الانعقاد ولزوم حكم العقد إلى كل لفظ يفيد ذلك بلا احتمال مساوياً للطرف الآخر… لا باعتبار وضعه للإنشاء بل باعتبار استعماله في غرض تحقيقه واستفادة الرضا منه، حتى قلنا لو صرح بالاستفهام، اعتبر فهم الحال في شرح الطحاوي، لو قال: هل أعطيتنيها؟ فقال: أعطيت، إن كان المجلس للوعد، فوعد، وإن كان للعقد فنكاح"(27).
والوجه الثاني: أن الجواب بنعم يضمر فيه صيغة السؤال معادة ومجاباً عليها. فكأنه يقول: نعم أوافق على الزواج من فلانة، وهي تقول: نعم أوافق على الزواج من فلان وقريب منه ما جاء في قوله تعالى: فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ (الأعراف: 44)، كان إقراراً منهم بوجدان ذلك لأنهم قد وجدوا فعلاً ما وعدهم ربهم(28) ، فهذا يدل بلا احتمال على الرضا وإرادة إنشاء العقد.
الوجه الثالث: إن الملاحظ أن الموظف المتولي لإجراء عقد الزواج المدني، يوجه السؤال لكلا الطرفين لاستنطاقهما حتى يأتيا بصيغة تدل على رضاهما وإرادتهما لإنشاء العقد، وليس ليكون هو طرفاً في عقد الزواج، فجواب كل من المتعاقدين بـ: نعم، لا يمتنع الإضافة إليه من كل من المتعاقدين: رضيت، أو وافقت على الزواج من فلان أو فلانة... فيكون جمع إلى قوله نعم، صيغة الماضي الدالة على إنشاء العقد، بلا خلاف.
ومن كل ما تقدم ندرك أن علة الحكم على الصيغة من تحقيقها لإرادة إنشاء العقد وإثبات رضا كلا الطرفين بهذا الأمر، قد وجدت هنا في صيغة عقد الزواج المدني مع انتفاء احتمال غيرها، مما يعني إمكانية القول بانعقاد الزواج بها، والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني: الإشهاد في عقد الزواج:
يظهر من خلال الكيفية التي يتم بها إجراء عقد الزواج المدني ضرورة وجود شاهدين اثنين على العقد(29) فما موقع الإشهاد على عقد الزواج في الشريعة الإسلامية، وما هي الشروط الواجب توافرها في الشهود؟
محمد عقله
2017-12-01, 21:07
تباع للبحث
وأبحث هذا في مسألتين اثنتين:
الفرع الأول: حكم اشتراط الشهود في عقد الزواج:
القول الأول:
اشتراط الإشهاد لصحة عقد الزواج، فلا ينعقد النكاح إلا بحضور شاهدين وإلا كان فاسداً. وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية(30) والشافعية(31) وفي المشهور عن الإمام
أحمد(32)، وروي ذلك عن عدد من الصحابة الكرام منهم عمر بن الخطاب وعلي، وهو قول ابن
عباس ïپ¹، وسعيد بن المسيب(33) والنخعي والثوري(34) وغيرهم(35).
القول الثاني:
عدم اشتراط الإشهاد كأحد شروط صحة عقد الزواج، وإن كان يندب عنده، إلا أنه يجب عند الدخول باعتباره واجباً مستقلاً وهو مذهب المالكية(36).
فإن تزوج ولم يشهد فنكاحه صحيح عند المالكية، ويشهد على العقد فيما يستقبل، لكن إن قصدا الاستسرار بالعقد فلا يصح(37) مما يعني اشتراطهم عدم الاستسرار بالعقد، حتى مع قولهم بعدم اشتراط الإشهاد كشرط صحة العقد.
وعلى ذلك "إن حصل الإشهاد عند العقد فقد حصل الواجب والمندوب، وإن لم يحصل عند العقد كان واجباً عند البناء"(38).
القول الثالث:
عدم اشتراط الإشهاد كشرط صحة (39) لعقد الزواج، لا شرط تمام، والاكتفاء بالإعلان لإخراج الزواج من حيز الاستسرار، وهو رواية عن الإمام أحمد وقول أبي ثور (40) من الشافعية(41).
أدلة الجمهور:
استدل جمهور العلماء على اشتراط الإشهاد لصحة عقد الزواج بعدد من الأحاديث النبوية الشريفة ومن المعقول.
1- ما روي عن رسول ïپ¥ قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"(42).
ووجه الدلالة من: أن نفي الصحة يستلزم كون الإشهاد شرطاً لصحة عقد الزواج، كما هو ظاهر من عبارة الحديث.
2- واستدلوا أيضاً بحديث عائشة – رضي الله عنها- عن رسول الله ïپ¥: "لا بد في النكاح من أربعة: الولي والزوج والشاهدين"(43).
ووجه الدلالة منه ظاهر بإثبات الشاهدين مع الولي والزوج من ضمن ما يستلزمه عقد النكاح، مما يدل على اشتراطهما لصحته.
3- وحديث ابن عباس ïپ´ أن النبي ïپ¥ قال: "البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة"(44).
ووجه الدلالة: الوصف القبيح الدال على الوقوع في المعصية لمن تنكح نفسها بغير بينة التي هي بمعنى الإشهاد، مما يدل على أن هذا الفعل قد حمل معه معصية تعود بالتأثير على عقد الزواج وتخرجه عن الصحة، فاستلزم ذلك وجود البينة للخروج من المعصية ولإثبات صحة عقد الزواج.
ومع ما جاء في أسانيد هذه الأحاديث من قول(45) ، إلا أن حديث عائشة –رضي الله عنها- المرفوع إلى النبي ïپ¥: "لا نكاح إلاّ بولي وشاهدي عدل…" قد أخرجه ابن حبانفي صحيحه(46) وقال فيه: "… ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر"(47) ، وبنحوه قال ابن حزم: "… لا يصح في هذا الباب شيء غير هذا السند"(48).
ومن المعقول:
استدل الجمهور لاشتراط الإشهاد بما ارتبط به من تحقيق مقصد حفظ الحقوق المترتبة على عقد الزواج، وقدموا بالذكر حفظ حق الولد، فاشتراط الإشهاد على عقد الزواج يحول دون إسقاط حقه بحفظ نسبه وإثباته(49).
يعضده الاحتياط في الشرع في أمور النكاح خاصة لما فيها من إخراج من التحريم إلى الإباحة(50) ، ولا يخفى ما في الإشهاد من احتياط لصيانة عقد الزواج وحفظه، مما جعل جماهير المسلمين من لدن الصحابة الكرام حتى أيامنا هذه يحرصون على إجراء عقود الزوج بوجود الشهود(51).
أدلة القول: بعدم اشتراط الإشهاد لصحة إنشاء العقد، وإنما يكفي الإعلان عنه:
منها ما جاء في الصحيحين من قصة زواج النبي ïپ¥ بصفية بنت حيي – رضي الله عنها- عندما أعتقها وتزوجها، ففي رواية القصة يقول أنس بن مالك، رضي الله عنه: "… قال: وقال الناس، لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد، قالوا: إن حجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أم ولد، فلما أراد أن يركب حجبها، فقعدت على عجز البعير، فعرفوا أنه قد تزوجها…"(52).
ووجه الدلالة من الحديث أن النبي ïپ¥ لو كان عقد عليها مع الإشهاد على العقد لما احتاج الناس إلى تعليق معرفتهم لكونها زوجة أم غير ذلك من حجبه ïپ¥، ولعرفوا من الشهود، فدل ذلك على أنه عليه الصلاة والسلام قد تزوجها من غير إشهاد. وفي هذا دلالة على عدم اشتراط الإشهاد لصحة عقد الزواج، لأنه لو كان كذلك لفعله ïپ¥.
إلا أنه لا يبعد أن يكون زواجه ïپ¥ من غير شهود خصوصية من خصوصياته ïپ¥، وعندها لا يسلم لهم هذا الاستدلال(53).
إضافة إلى أن القصة ليس فيها تصريح بعقد النكاح من غير شهود، فتأخر معرفة عامة الناس لزواجه ïپ¥ من صفية –رضي الله عنها- حتى حجبه ïپ¥ لها، لا يعني بالضرورة عدم الإشهاد على نكاحه منها، هذا إن سلمنا أنها ليست من خصوصياته ïپ¥.
1- واستدلوا أيضاً بحديث عائشة – رضي الله عنها-: قال ïپ¥: "أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالغربال"(54).
ووجه الدلالة من الحديث: أن الأمر جاء بإعلان النكاح، مما يعني وجوب مطلق الإعلان في النكاح من غير تعيين الإشهاد طريقاً له، وبالتالي إن تم الإعلان فقد تم الواجب وصح عقد النكاح، من غير ضرورة القول بوجوب الإشهاد لصحته.
إلا أن الحديث الشريف في غير موضع الخلاف إذ لا خلاف في ضرورة إخراج النكاح من حيز السرية والكتمان بالإعلان والإشهار، وإنما الخلاف – فيما يظهر- حول طريقة الإشهار المحققة للإعلان المطلوب، والله تعالى أعلم.
الرأي المختار:
بعد العرض السابق لما ورد من خلاف حول مسألة اشتراط الإشهاد في عقد الزواج نستطيع إدراك ما يلي:
1- إن جميع الأقوال الواردة لا تختلف على ضرورة الإعلان لعقد الزواج، وعلى بطلانه إذا خلا من الإعلان مطلقاً، إلا أن الذي يبدو هو اختلافها في طريقته: هل يتعين بالإشهاد على العقد أم بمطلق الإعلان، وفي وقته: هل يشترط عند العقد أم يجوز بعد العقد، ويتعين قبل الدخول.
يقول ابن الهمام"-رحمه الله تعالى- : "… فالتحقيق أنه لا خلاف في اشتراط الإعلان، وإنما الخلاف بعد ذلك في أن الإعلان المشترط هل يحصل بالإشهاد حتى لا يضر بعده توصية للشهود بالكتمان، إذ لا يضر بعد الإعلان التوصية بالكتمان، أو لا يحصل بمجرد الإشهاد حتى يضر…""(55).
2- إن المقصد من اشتراط الإشهاد أو الإعلان هو ما يلي:
الأول: صيانة عقود الزواج عند الجحود والإنكار، فيحفظ حقوق كلٍ من الزوج والزوجة"(56).
الثاني: حفظ حق غير المتعاقدين وهو الولد، لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه"(57) .
الثالث: دفع تهمة الزنا، وإلى هذا أشار حديث رسول الله ïپ¥: "فصل بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح"(58).
1- في ظل الأحاديث النبوية التي استدل بها الجمهور لاشتراط الإشهاد كأحد شروط صحة عقد الزواج، ودلالتها على فساد هذا العقد وبطلانه من غير الإشهاد عليه، نلحظ أنه إن تم الإشهاد، فقد صح العقد وصح ترتب الآثار عليه معاً، بناءً على مذهب الجمهور، بينما على مذهب الإمام مالك –رحمه الله تعالى- فقد اشترط الإعلان عند العقد للحكم عليه بالصحة، واشترط الإشهاد عند الدخول، لصحة ترتب أثر العقد عليه، فهو أكثر تشدداً في موضوع إخراج عقد النكاح عن حدود السرية إلى حيز الإشهار و الإعلان، عند العقد وعند الدخول"(59).
2- بالنظر إلى المقاصد المراد تحصيلها من إشهار الزواج وإعلانه- سواء أكان عن طريق الإشهاد أم مطلق الإعلان والإشهار –من حفظ حقوق الزوجين وأولادهما، وتمايز النكاح عن السفاح، وإخراجه بصورة العقد الشرعي الصحيح لارتباط الرجل بالمرأة"(60)، بالنظر إلى الحرص على تحقيق هذه المقاصد، يمكن القول –ولو بوجه- إن الإشهاد على عقد الزواج، وتسجيل هذا الإشهاد وتوثيقه عند الجهات المختصة في نظام الدولة يصون العقد من الإنكار والجحود، ويكفل إخراجه من حيز السرية والكتمان، مما يعني تحقيق الإشهاد والإعلان معاً، لما يعنيه تسجيله في مكاتب التوثيق وسجلات الأحوال المدنية من معنى الإثبات والبينة.
ولاستكمال النظر في تحقق هذا الأمر في عقد الزواج المدني لا بد من دراسة صفات الشهود اللازمة: وهذا ما سأبحثه في المسألة التالية:
الفرع الثاني: الشروط الواجب توافرها في الشهود ذات الأثر في الزواج المدني:
اشترط العلماء عدة شروط في الشهود على عقد الزواج، اتفقوا على بعضها واختلفوا في البعض الآخر. فالشروط التي اتفق العلماء على اشتراطها في الشهود: البلوغ، والعقل، والإسلام، إذا كان الزوجان مسلمين. واختلفوا في اشتراط الذكورة، والعدالة، والحرية، والقرابة، واشتراط الإسلام إذا كان الزوج مسلماً، والزوجة كتابية"(61).
ومن معاينة واقع الأقليات المسلمة، ندرك الحاجة لتناول شرطين اثنين في البحث(62): الأول: الذكورة، والثاني: الإسلام إذا كان الزوج مسلماً والزوجة كتابية(63).
أولاً: اشتراط الذكورة:
اختلف الفقهاء في اشتراط الذكورة في الشاهدين على قولين:
القـول الأول:
اشتراط الذكورة في الشاهدين وهو قول عند الإمام الشافعي(64) وأحمد والإمام النخعي، والأوزاعي(65) ، فلا تصح الشهادة عندهم على عقد الزواج إلا بشاهدين ذكرين، فلا ينعقد بشهادة النساء ولا برجل وامرأتين.
ودليلهم: ما رواه الإمام الزهري: "مضت السنة من رسول الله ïپ¥ والخليفتين من بعده أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق"(66) ، فقالوا: لا يثبت عقد النكاح بشهادتهن"(67).
القول الثاني: أن الشهادة على عقد الزواج تكون برجلين أو برجل وامرأتين.
وهو مذهب الحنفية(68) ورواية عن الإمام أحمد، وهو القول عند إسحاق(69) والظاهرية(70).
أدلة هذا القول:
1- الاستدلال بالآية:
عموم الآية الكريمة الدالة على قبول شهادتهن في الأموال، قال سبحانه وتعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى  (سورة البقرة: 282).
ووجه الدلالة من الآية الكريمة:
أن الله تعالى قد جعل الشهادة لرجل وامرأتين شهادة على الإطلاق، فقد جعلهم الباري سبحانه من الشهداء، والشاهد المطلق من تكون له شهادة على الإطلاق، أي في سائر الأمور إلا ما قيد بدليل(71).
ولا يصح عندهم قول الزهري لتقييد عموم الآية الكريمة، فهو بالإضافة إلى كونه مرسلاً، ففي إسناده ضعف، والثابت من الرواية من قول الزهري ليس فيه زيادة: "ولا في النكاح ولا في الطلاق"(72).
2- الاستدلال بالقياس:
إذ قالوا بقبول شهادتهن في عقد الزواج قياساً على قبولها في الأموال، مستبعدين قياس الفريق الآخر، لشهادة النساء في الزواج على شهادتهن في الحدود(73).
إذ إن الحدود تدرأ بالشبهات وشهادة المرأة لا تخلو من شبهة النسيان ونحوه، أما في عقد الزواج، فالغرض من الإشهاد هو تحقق الإشهار وهذا يتحقق بالرجال والنساء معاً(74).
مدى تحقق شرط الذكورة في عقد الزواج المدني:
إن القانون المطبق في عقد الزواج المدني في الغرب لا يشترط الذكورة في الشاهد.
وبالتالي يجوز أن يكون الشاهدان امرأتين فقط، أو رجلاً وامرأة، وتقبل هذه الشهادة وفق القانون المدني المعمول به، وهذا خلاف الصورة التي اشترطها العلماء والتي تنحصر في كون الشاهدين إما رجلين أو رجلٍ وامرأتين، استناداً إلى الأدلة الشرعية المذكورة، إذ المعلوم أن شهادة النساء وحدهن لا تكفي عند الجمهور إلاّ في مسائل استثنائية(75) ليست هذه من ضمنها، فلا سبيل للقول بصحة الإشهاد في هاتين الحالتين لمخالفتها لصورة الشهادة المنصوص عليها في القرآن والسنة، ولعدم تحقيقها مقصد الإعلان على الوجه المطلوب، إذ لا بد أن يكون بأوساط الرجال والنساء معاً، وبالتالي الاقتصار فيه على النساء لا يحقق المطلوب، والله أعلم(76).
ثانياً: اشتراط إسلام الشاهدين:
اتفق العلماء على اشتراط إسلام الشاهدين، إذا كان عقد الزواج بين مسلم ومسلمة(77) إذ لا شهادة للكافر على المسلم؛ لأن الشهادة فيها معنى الولاية وهو تنفيذ القول على الغير ولا ولاية للكافر على المسلم، فلا شهادة له عليه(78).
ووقع خلاف في اشتراط إسلام الشاهدين إذا كان عقد الزواج بين مسلم وكتابية على الوجه التالي:
القول الأول: قبول شهادة كتابيين في عقد زواج مسلم بكتابية:
وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف – رحمهما الله تعالى- ودليلهم: أن شهادة الكتابي هنا إنما هي على الزوجة الكتابية، وليست على الزوج المسلم، وشهادة الكتابي على مثله جائزة ومقبولة، إذ جاء في بيان وجه الدليل عندهما: "… ولهما أن الشهادة شرطت في النكاح على اعتبار إثبات الملك لوروده على محل ذي خطر لا على اعتبار وجوب المهر، إذ لا شهادة تشترط في لزوم المال، وهما شاهدان عليها…"(79).
القول الثاني: اشتراط إسلام الشاهدين في هذه الحالة أيضاً فلا ينعقد الزواج بكون الشاهدين: مسلماً وكتابياً أو كتابيين.
وإليه ذهب محمد وزفر من الحنفية(80) ، وهو القول فيما يظهر عند المالكية(81) ومذهب الإمام الشافعي(82) والإمام أحمد(83).
أدلة هذا القول:
1- النصوص الشرعية الدالة على اشتراط العدالة في الشاهدين(84). ومن ذلك قوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ (الطلاق: 2)، ومنه أيضاً حديث: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"(85).
ومعلوم أن العدالة فرع من الإسلام، فالكافر ليس من أهل العدالة، فلا تقبل شهادته من باب أولى.
2- من المعقول: قالوا: إن العقد يتعلق بالزوج والزوجة معاً، فإذا أجزنا شهادة الكافر على العقد، نكون قد أجزنا شهادة الكافر على المسلم، وهو الزوج في هذه الحالة، ومعلوم أنه لا شهادة للكافر على المسلم باعتبار أن الشهادة نوع من الولاية(86).
كما أن العبرة من الإشهاد شيوع أمر الزواج بين المسلمين، لأنه زواج مسلم وهذا لا يتحقق بإشهاد الكافر على العقد(87).
الرأي المختار: هو قول الجمهور بعدم قبول شهادة غير المسلم في زواج المسلم بالكتابية، بالإضافة للأدلة السابقة أرى أن الأصل في الشهادة على عقد الزواج -كما يظهر من المقاصد المرجوة من تشريعها- أن تكون شهادة على كلٍّ من الزوج والزوجة ولحفظ حقوقهما معاً، ولا يشيع أمر هذا الزواج بين أوساط المسلمين، والزوج هو الطرف الوحيد المسلم فيه، على اعتبار أن الزوجة ووليها – إن وجد- كتابيان، والشاهدين كتابيان أيضاً، وغني عن الذكر أن القانون المدني الغربي لا يشترط ديناً معيناً للشاهدين مما يعني انخرام هذا الشرط في الشاهدين على عقد الزواج وإن كان القانون لا يمنع من تحققه(88).
شروط أخرى في الشهود ذات تأثير في عقد الزواج المدني:
ومن الضروري في هذا المقام، التأكيد على ما اشترطه الكثير من الفقهاء من ضرورة فهم الشاهدين لكلام المتعاقدين للغة التي يعقدان بها العقد(89) حتى تتحقق صورة الإشهاد الفعلية من سماع الشاهدين وفهمهما للعقد الذي يريدان الشهادة عليه، وتتأكد الحاجة لهذه الصورة في ظل المجتمعات الغربية عندما تضيع كثير من الحقوق على الجاهلين بلغة البلد الرسمية وغير الناطقين بها.
وفي نهاية هذا الفرع الخاص بالإشهاد في عقد الزواج المدني، نستطيع القول: إنه حيث يشترط القانون المدني الإشهاد على العقد بشاهدين اثنين، فهذا يحقق أحد شروط صحة عقد الزواج على قول الجمهور، أما إذا أسقطه نهائياً فَقد العقد أحد شروط صحته، لكن بالنظر إلى صفات الشهود، فالعقد المدني حتى مع اشتراطه لشهادة الشهود لا يضمن تحقق الصفات المطلوبة.
لكن هذا لا يمنع من تحقق شروط الشهود، كما ذكرها الفقهاء في كثير من عقود الزواج المدنية، مما يعني عدم صواب إطلاق حكم واحد على جميع هذه العقود بالنظر إلى تحقق شرط الإشهاد فيها، والله تعالى أعلم.
المطلب الثالث: الولي في عقد الزواج المدني:
يظهر جلياً من خلال عرض الكيفية التي يتم بها عقد الزواج المدني أنه لا اعتبار لوجود الولي فيه، فالعاقدان في هذا العقد هما الرجل والمرأة: الزوج والزوجة، وليس هناك اشتراط لوجود الولي أو إذنه مادامت الزوجة عاقلة بالغة للسن القانوني الذي يسمح لها أن تتزوج وفق القانون المدني المعمول به(90).
وتتولى عندها إبرام العقد مع الزوج، بكونها طرفاً أصيلاً في عقد الزواج، سواء وافق وليها –إن وجد- أم لم يوافق(91).
وبالتالي نحتاج في دراستنا لعقد الزواج المدني البحث في صحة عقد الزواج بعبارة المرأة البالغة العاقلة بحق نفسها بدون اعتبار لموافقة الولي أو إذنه.
بيان أقوال الفقهاء الواردة:
لقد بنى الفقهاء القول في موضوع عقد الزواج بعبارة المرأة –على القول في مدى اعتبار الولي في هذا العقد، ويمكن بيان ذلك فيما يأتي:
القول الأول: صحة إنشاء عقد الزواج بعبارة المرأة البالغة العاقلة، وهو ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف في ظاهر الرواية، وهو قول زفر والشعبي والزهري(92).
وذلك بناءً على قولهم بجواز زواجها من غير اشتراط الولي كشرط لصحة العقد مع استحباب تفويض الأمر إليه، من غير اشتراط مباشرته للعقد؛ إذ رضاه بالزوج كاف(93) وقال الإمام أبو حنيفة: أن للولي حق الاعتراض على العقد إذا كان الزوج ليس بكفء لموليته – ما لم تحمل- وكذا إذا زوجت نفسها بمهر قاصر(94).
القول الثاني: عدم انعقاد النكاح بعبارة النساء، حتى لو أذن الولي بذلك، فلا بد أن يباشر العقد ولي المرأة.
وهو ما ذهب إليه الإمام مالك – رحمه الله تعالى- كما هو وارد في رواية عنه(95) والإمام الشافعي(96) وفي رواية عن الإمام أحمد، وهو القول الأصح عند الحنابلة(97).
وكذا القول في رواية عن أبي يوسف من الحنفية(98) وروي هذا القول عن عدد كبير من الصحابة الكرام منهم: عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة والسيدة عائشة –رضي الله عنهم أجمعين- ومن التابعين و تابعيهم: سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز
والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وغيرهم(99) ، وذلك تخريجاً على قولهم باشتراط الولي كشرط لصحة عقد الزواج. وإلى عدم صحة عقد الزواج بعبارة المرأة، ذهب أيضاً داوود الظاهري، إلا أنه فرّق بين البكر والثيب في اشتراط الولي، فالبكر عنده لا يزوجها إلا وليها، أما الثيّب فتولي أمرها من شاءت من المسلمين ويزوجها وليس للولي في ذلك اعتراض، أي أنه مع عدم اشتراطه الولي في زواج الثيب إلا أنه لم يجعل لها أمر عقد زواجها بنفسها، فلا بد من أن تولي أمرها لأحد من المسلمين، إن لم يكن الأمر لوليها(100).
وفي المذهب المالكي تفريق بين المرأة الشريفة العفيفة الملتزمة بدينها، والمرأة الوضيعة، وذلك باشتراط الولي في الأولى دون الثانية، فهذه تولي أمرها لمن شاءت من المسلمين(101). أي أنه حتى مع عدم اشتراط الولي في زواج المرأة الوضيعة لم يُجعل لها أمر مباشرتها للعقد بعبارتها.
القول الثالث: جواز مباشرة المرأة البالغة العاقلة لعقد نكاحها, فيقع صحيحاً موقوفاً على إجازة الولي على قول محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية(102).
وفصّل بقوله: "أما إذا كان الزوج كفؤاً، وامتنع الولي عن الإجازة، يجدد القاضي العقد، ولا يلتفت إليه"(103).
بينما يذهب أبو ثور من الشافعية إلى الجواز بشرط إذن الولي لها أن تعقد لنفسها، وإن لم يأذن لم يجز(104).
أدلة القول بصحة عقد الزواج بعبارة المرأة البالغة العاقلة:
كان أبرز ما احتج به من قال بصحة عقد الزواج بعبارة المرأة البالغة العاقلة ما يلي:
من القرآن الكريم:
1. قوله تعالى: : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالمَعْروفِ (البقرة: 234). وقوله تعالى: فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجَاً غَيْرَهُ (البقرة:230).
ووجه الدلالة في هاتين الآيتين الكريمتين: إضافة الفعل إلى المرأة: ففي الآية الأولى: "فيما فعلن في أنفسهن" والآية الثانية "حتى تنكح زوجاً غيره" بمعنى أن المرأة هي الفاعل الذي أُسند إليه فعل النكاح والزواج، مما يدل على صحة العقد بعبارتهن(105).
2. واستدلوا بقوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ (البقرة: 232).
ووجه الدلالة من الآية الكريمة: أنها نهت الأولياء عن عضل النساء أي نهتهم عن منع النساء من تزويج أنفسهن ممن يخترن من الرجال ويردن عقد نكاحهن معهم.
قال أبو بكر الجصاص في قوله تعالى: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ: "معناه: لا تمنعوهن أو لا تضيقوا عليهن في التزويج"(106) ، يقول ابن رشد: "… وليس نهيهم عن العضل مما يفهم منه اشتراط إذنهم في صحة العقد… بل قد يمكن أن يفهم منه ضد هذا وهو أن الأولياء ليس لهم سبيل على من يلونهم"(107).
من السنة النبوية:
1. ما رواه ابن عباس – رضي الله عنهما- أن النبي ïپ¥ قال: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صمتها"(108).
ووجه الدلالة: أنه قد أثبت للمرأة من الحق في تزويج نفسها أكثر مما هو ثابت لوليها، ويتجه مع هذا الحق لها، صحة تصرفها فيه دون توقف على رضا من هو أقل أحقية منها في أمر زواجها(109).
2. حديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ïپ¥: "ليس للولي مع الثيب أمر"(110) ، ودلالته واضحة في إثبات الحق للمرأة في أمر زواجها، وقد خصه الحديث الشريف هنا بالثيب دون البكر، إلا أنه يمكن القول بأنه قد أفاد صحة العقد بعبارة المرأة.
3. استدلوا أيضاً بما روي من رده ïپ¥ لأنكحة بسبب الإكراه وعدم اعتبار موافقة المرأة فيها، ومن ذلك:
- ما روته السيدة عائشة –رضي الله عنها- أن فتاة دخلت عليها، فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة، قالت: اجلسي حتى يأتي النبي ïپ¥، فجاء
رسول الله ïپ¥ فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء من الأمر شيء (111).
- وقريب منه أيضاً ما رواه ابن عباس –رضي الله عنهما- أن جارية بكراً أتت النبي ïپ¥ فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي ïپ¥ (112).
ووجه الدلالة من هاتين الروايتين:
أن رد الأنكحة لعدم اعتبار موافقة المرأة فيها ورضاها بها يفيد إثبات أحقيتها في عقد زواجها، وهذا يحتمل فيما يحتمل القول بصحة العقد بعبارتها اعتباراً لأحقيتها فيه.
من المعقول:
قالوا: إن تولي المرأة لعقد زواجها ومباشرته بنفسها يستوي قياساً مع القول بصحة العقود الأخرى التي تجريها كالإجارة والبيع ونحوه، والتي تنبني في جملتها على اعتبار أهلية المرأة الكاملة في إجراء العقود وإمضائها فيما يتعلق بخالص حقها، ولا تعارض في تقرير هذا مع إثبات حق الأولياء في أمر زواجها، إذ جعل لهم حق الاعتراض فيما إذا أسيء لهم بزواجها من غير كفءٍ أو نحوه(113).
أدلة القول بعدم انعقاد الزواج بعبارة المرأة:
استدل من قال بعدم انعقاد الزواج بعبارة المرأة بعدد من الأدلة أهمها:
- من القرآن الكريم:
استدلوا بعدد من الآيات الكريمة كان الخطاب فيها موجهاً للأولياء في شأن الزواج.
1. قال تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ( سورة النور: 32).
وقوله تعالى: وَلَا تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا (سورة البقرة: 221).
ووجه الدلالة في الآيتين الكريمتين: أنه مادام الخطاب قد وُجّه للأولياء في شأن الزواج، إذن لا ينعقد هذا الزواج إلا بعبارة الولي؛ لأن شأن الزواج والإنكاح قد أسند إليه(114).
2. قال تعالى:  وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ (سورة البقرة: 232).
ووجه الدلالة: هذا قائم على اعتبار أن نهي الأولياء عن عضل مولياتهم يتجه عندما يكون أمر زواجهن بيد أوليائهن(115).
- من السنة النبوية:
1- ما رواه أبو موسى ïپ´ أن رسول الله ïپ¥ قال: "لا نكاح إلا بولي"(116).
ووجه الدلالة: ما ورد فيه من نفي الصحة عن النكاح من غير ولي، وما كان هذا شأنه دلّ على اشتراطه لصحة عقد الزواج وإلا كان باطلاً.
- استدلوا أيضاً بما روته السيدة عائشة –رضي الله عنها-: أن رسول الله ïپ¥ قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها، فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له"(117).
ووجه الدلالة: التصريح ببطلان النكاح، وتأكيد هذا البطلان بتكرار العبارة، إذا كان بغير إذن الولي، اعتباراً أن موضع إذن الولي لتصحيح عقد النكاح يتنزل هنا منزلة مباشرته للعقد.
- ومما استدلوا به ما رواه أبو هريرة ïپ´ عن النبي ïپ¥ أنه قال: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها"(118).
ووجه الدلالة أن وصف المرأة التي تزوج نفسها بالزانية، يحمل وصف هذا الفعل بغاية القبح الدال على تحريمه والنهي عنه، فتكون مباشرة المرأة لعقد زواجها سبباً للقول ببطلان عقد النكاح هنا، دفعاً لهذه المعصية البالغة، ومنعاً للوقوع في المحرم(119).
إلا أن الدارقطني قد رجح وقف هذا الجزء من الحديث على أبي هريرة ïپ´(120).
من المعقول:
استدلال الجمهور على قولهم من المعقول قائم على ضرورة مراعاة الحياء الفطري في المرأة، وبعدها عن مجالس الرجال ومخالطتهم، وغلبة جانب العاطفة فيها، مما يجعل أمر تولي وليها لعقد زواجها من الأهمية بمكان – بحيث لا يُتنازل عنه تحقيقاً لمقاصد الزواج من منفعة وإصلاح، وبعداً به عن أي مضرة وإفساد قد يلحق بالزوجة أو بأوليائها، لتأثر كلا الطرفين بتوابع الزواج وآثاره، مما يؤكد عدم صحة انفراد المرأة بعقد زواجها، سواء للحرص على تحقيق مصلحتها فيه، أم مراعاة لحق وليها وتأثره المباشر بزواج موليته(121).
أدلة القائلين بأن العقد بعبارة المرأة موقوف على إذن الولي وإجازته:
أ- من السنة النبوية: ما روته السيدة عائشة –رضي الله تعالى عنها-: أن رسول الله ïپ¥ قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له"(122).
ووجه الدلالة من الحديث الشريف: أن الحكم فيه على عقد النكاح بالبطلان، إنما كان لأن المرأة قد تزوجت بغير إذن وليها، فيفيد بمفهومه أنها إن تزوجت بإذنه كان العقد صحيحاً، وهذا الحكم يحتمل أن تعقد زواجها بعبارتها وبإذن وليها، فيكون صحيحاً كذلك.
من المعقول:
قالوا: اعتباراً ومراعاةً لحق الولي في نكاح موليته، لا بد من وقف العقد على إجازته لما تباشره المرأة بعبارتها(123).
وبالقياس على نكاح العبد، حيث يراعى إذن المولى، فإذا أذن زال المنع(124).
القول المختار:
من خلال العرض السابق لأهم ما استدل به الفقهاء نستطيع ملاحظة ما يلي(125):
1- إن الآيات الكريمة المستدل بها، أفادت في ظاهرها إسناد النكاح إلى النساء أحياناً، وأحياناً أخرى إلى الأولياء، وليس ثمة دليل مرجح – فيما يبدو- يقطع بأن المراد إسناد مباشرة العقد إلى النساء أو إلى الأولياء بشكل خاص، أو حتى حصره بأحدهما دون الآخر، مما يعني تطرق الاحتمال إلى هذا الوجه من الاستدلال.
2- إن ما استدل به الجمهور من أحاديث شريفة – وإن كان صريحاً في دلالته على نفي صحة النكاح بغير ولي- إلا أن هذه الأحاديث الشريفة قد تطرق الضعف والإعلال إلى أسانيدها، مما يجعلها أدلة محتملة.
وفي المقابل، لم يقطع ما استدل به الحنفية من أحاديث شريفة على إسقاط الولي من عقد الزواج، فالحديث الصحيح الذي رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- يثبت أحقية المرأة في زواجها أكثر من وليها، ولا يدل على استئثارها بالعقد دونه.
أما الأحاديث الشريفة التي ثبت فيها رد النبي ïپ¥ لعدد من الأنكحة، فتؤكد ضرورة اعتبار موافقة المرأة في عقد زواجها، وليس استئثارها بالعقد دون وليها.
3- مع اتجاه قول الجمهور بضرورة مباشرة الولي لعقد زواج موليته، حرصاً على تحقق المصالح المرجوة من عقد الزواج بحق الزوجة، وبحق أوليائها معاً –إلا أنه ليس ثمة نص شرعي قطعي الثبوت والدلالة يمنع تحقق هذا الوجه من المصلحة بمباشرة المرأة للعقد بعبارتها مع موافقة وإذن وليها. فإن إنزال الولي موضع الأهمية للقول بصحة عقد النكاح لا يمنع الجمع بين إذن الولي ومباشرة المرأة للعقد، إلا إذا قيل إن الغالب في شأن عقد الزواج عندما تباشره المرأة بعبارتها أن يكون بغير إذن الولي، وإلا لباشره بنفسه.
4- إن هذا الخلاف القائم قديماً وحديثاً حول مدى اشتراط الولي في عقد الزواج وهل تتوقف على مباشرته للعقد، صحته، أم يكفي إذنه لإجرائه صحيحاً، وللمرأة مباشرة العقد بعبارتها – على الرغم من قيام هذا الخلاف الذي يورث شبهة في الحكم ببطلان النكاح لغياب الولي- نظراً لشبهة الاختلاف بين العلماء، لوجود الاحتمال في الاستدلال، لكن على الرغم من وقوع هذا الخلاف المعتبر نظراً لقيام أسبابه –لا نجد إسقاطاً كلياً للولي من ابتداء عقد الزواج وحتى الحكم بوقوعه صحيحاً نافذاً دون اعتبار موافقته، وحقه في كفاءة الزوج حتى ولو عن طريق حقه في الاعتراض على العقد، كما هو القول عند أبي حنيفة- إذ غاية ما تقطع به الأدلة عند الحنفية الحرص على رضا المرأة وموافقتها على هذا الزواج والبعد عن استئثار الولي بالعقد دون أدنى اعتبار لموليته البالغة العاقلة، دون القطع باستئثارها بالعقد دون وليها – أو عن طريق توقف صحة العقد بعبارة المرأة على إذنه أو إجازته، كما هو القول عند محمد بن الحسن الشيباني وأبي ثور من الشافعية.
5- مع التسليم بتطرق الاحتمال لأدلة الجمهور حيناً، وضعف الأسانيد في الأحاديث منها حيناً آخر، إلا أنه يصعب القول بصحة عقد الزواج المدني –الذي نحن بصدد دراسته- مع غياب الولي مطلقاً، وبعبارة المرأة، إلا من حيث ابتداء العقد تخريجاً على قول أبي حنيفة، ويمكن الحكم بوقوعه صحيحاً نافذاً على قوله أيضاً إذا كان الزوج كفؤاً فعلاً، أو لم يكن للمرأة ولي أصلاً، فيسقط حقه في الكفاءة لعدم وجوده(126).
6- إن من الأهمية بمكان ملاحظة أنه ليس في القانون المدني المعمول به –في مجال هذه الدراسة- ما يضمن حق الولي في الاعتراض أو ما شابه، لسقوط اعتباره كلياً، فحتى مع القول بأن مباشرة عقد الزواج أمر شكلي، سواء باشرته المرأة بعبارتها، أم باشره وليها بعبارته، وإنما المهم والمعتبر في تحقيق المقصد من اشتراط الولاية مراعاة مصلحة المرأة، وحق وليها في هذا العقد –حتى مع القول بشكلية الأمر، إلا أن الصورة التي نحن بصددها هنا تُسقط اعتبار الولي في المظهر والجوهر معاً.
هذا وقد جاء ضمن قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بعد دراسته لموضوع الولاية في النكاح ما نصه "… وقد ذهب المجلس بعد مداولاته إلى أن الحرص على موافقة الولي عند إجراء العقد (عقد الزواج) مطلوب دينياً واجتماعياً، لكن إن اقتضى الحال تزويج المرأة بدون ولي لظروف معينة كتعذر إذنه أو كعضله، فلا بأس من العمل بقول من لا يشترط الولي لابتداء العقد، وأما إذا تم العقد دون ولي، فإنه عقد صحيح مراعاة لقول المخالف"(127).
محمد عقله
2017-12-01, 21:08
تابع للموضوع
المطلب الرابع: المهر في عقد الزواج المدني:
يظهر جلياً أن عقد الزواج المدني يخلو تماماً من ذكر للمهر أو اشتراطٍ له، ولا يعطي أية أحقية للزوجة للمطالبة به، مع ملاحظة عدم اشتراطه نفي المهر، أو إسقاطه، فما هو المهر، وما حكمه، وهل يصح عقد الزواج دون تسمية المهر فيه، وأبحث هذا في المسألتين التاليتين:
الفرع الأول: تعريف المهر وبيان حكمه.
الفرع الثاني: حكم عقد الزواج دون تسمية المهر فيه.
الفرع الأول: تعريف المهر، وبيان حكمه:
تعريف المهر:
يعرف المهر لغةً: بالصّداق، والجمع: مهور(128).
واصطلاحاً يعرفه الفقهاء بأنه اسم للمال الواجب للمرأة على الرجل بعقد الزواج أو الدخول(129).
والمهر واجب شرعاً حقٌ للمرأة في ذمة زوجها(130) ، وعلى ذلك قامت الأدلة من القرآن الكريم، ومنها:
قوله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً (النساء: 4).
ووجه الدلالة في الآية الكريمة: أن صيغة الأمر آتُوا تدل بعبارتها على وجوب هذا المهر الذي جاء التعبير عنه في الآية الكريمة بـصَدُقَاتِهِنَّ. والمقصود بالنحلة: عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى(131).
الفرع الثانية: حكم عقد الزواج دون تسمية المهر فيه:
ذهب عامة أهل العلم إلى صحة عقد الزواج مع عدم تسمية المهر فيه(132) وإن كانت تسمية المهر في العقد هي المسنونة عن رسول الله ïپ¥ (133).
خلو عقد الزواج من تسمية المهر، لا يؤثر على صحة هذا العقد، كما لا يُسقط حق الزوجة في المهر الواجب في ذمة الزوج، على اعتبار أن المهر إنما هو أثر من آثار عقد الزواج، فهو حكم مترتب عليه، وليس شرطاً في صحته، فيثبت مهر المثل للزوجة عند عدم تسمية مهر لها في عقد الزواج(134).
وقد استدل الفقهاء على صحة عقد الزواج دون تسمية المهر فيه، بقوله تعالى: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً (سورة البقرة: 236).
ووجه الدلالة من الآية الكريمة: أن الباري سبحانه وتعالى قد أثبت الطلاق هنا مع أن الزوجة لم يكن قد فُرض لها مهر، ورفع الجناح عن هذا الطلاق الحاصل، وهو فرع عن صحة النكاح الذي سبقه، فدل على وجوب المهر حكماً للعقد ليس بمتقدم عليه"(135).
أما إثبات مهر المثل للزوجة عند عدم تسمية مهر لها في عقد الزواج فجاء استدلالاً بقصة قضائه ïپ¥ في شأن امرأة تدعى بروع بنت واشق.
فعن علقمة بن قيس أن قوماً أتوا عبد الله بن مسعود ïپ´، فقالوا له: إن رجلاً منا تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يجمعها إليه حتى مات، فقال: سأقول فيها بجهد رأيي، فإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان خطأ فمني والله ورسوله منه بريء، أرى أن أجعل لها صداقاً كصداق نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشراً، قال: وذلك يسمع أناس من أشجع، فقاموا فقالوا: نشهد إنك قضيت بمثل الذي قضى به رسول الله ïپ¥ في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق، قال: فما رؤي عبد الله فرح بشيء ما فرح يومئذ إلا بإسلامه…"(136).
وعقد الزواج المدني الذي نحن بصدده –كما تم بيانه- لا يشترط إسقاط المهر، كما لا يثبته، فيصح إلحاق حكمه بحكم عقد النكاح دون تسمية المهر فيه بالقول بصحته ووجوب مهر المثل للزوجة، كأثر وحكم تابع له(137).
لكن ينبغي التأكيد هنا أن مجرد عقد الزواج المدني لا يعطي حقاً للزوجة بالمطالبة بما ثبت وجوباً شرعياً حقاً لها في مهر المثل وحتى لو تم اتفاق طرفي عقد الزواج على مهر مسمى دون ذكره في العقد، فإن هذا الحق للزوجة في مهرها، لا يُحفظ لها ما لم تقبضه فعلاً من زوجها، مما يعني ضرورة دراسة طرق إثبات الحقوق المالية في القوانين الغربية للاستفادة منها في إثبات هذا الحق للزوجة حتى لا تضيع الحقوق على أصحابها والله المستعان.
المطلب الخامس: القول المختار في عقد الزواج المدني:
إن مما لا شك فيه أن عقد الزواج متى استكمل مقوماته وشروطه فإنه ينعقد صحيحاً، وتترتب عليه آثاره كاملة.
وبعد النظر والتأمل فيما هو عليه حال الزواج المدني، ندرك أنه بشروطه الخاصة الموضوعة من قبل القانون المدني في الدول الغربية، لا يضمن تحقق ما يشترط لصحة عقد الزواج شرعاً، فإنه على الرغم من اشتراطه لرضا المتعاقدين،و الذي يشكل ركن العقد الأساسي المعبّر عنه بالصيغة، إلا أنه أهمل أمر الولي واكتفى بإحضار شاهدين بالغين عاقلين دون اشتراط شروط أخرى فيهما، ولم يمنع في الوقت ذاته كون الشاهدين رجلين مسلمين.
ومع خلو صيغة العقد من أي ذكر للمهر، إلا أنها لا تشترط إسقاطه، مما يعني إمكانية القول بانعقاد الزواج انعقاداً صحيحاً تحت ما يسمى بالزواج المدني، وذلك بحرص المتعاقدين على استكمال ما قد يلحقه خلل في العقد، من إحضار شاهدين متصفين بالشروط الشرعية المطلوبة، واتفاق الطرفين على مهر مسمى للزوجة، ومن قبل هذا اعتبار حق الولي في زواج موليته بكفاءة الزوج وموافقته على هذا الزواج.
لكن، بما أن عقد الزواج المدني –كما سبق بيانه مفصلاً- لا يضمن تحقق الشروط الشرعية، مع إمكانية تحقيقها بحرص المعنيين بذلك، أقول: لا يمكن إعطاء حكم عام يشمل عقود الزواج المدنية في الغرب، مما يعني ضرورة النظر في كل حالة، للتأكد من استكمال العقد للأركان والشروط الشرعية، وبالتالي القول بانعقاده صحيحاً.
وبما أن الكثير من المسلمين في مجتمع الأقليات المسلمة يضطرون لإجراء عقد الزواج المدني، خاصة إذا كانوا ممن يحملون جنسية الدولة، بالإضافة لما يعنيه عقد الزواج المدني من حفظ حقوق الزوجين وأولادهما(138) باعتباره عقداً موثقاً عند سلطة لها سيادة قانونية، والإهمال في توثيقه يؤدي إلى ضياع الحقوق، أقول: بالنظر إلى هذا الواقع، فإنه لا باس بالإقدام على إجراء عقد الزواج المدني، مع ضرورة الحرص على استكمال شروطه الشرعية، ليقع عقداً صحيحاً تترتب عليه آثاره الشرعية كاملة، وهنا يجدر التنبيه إلى أن عقد الزواج المدني يخضع بطبيعة الحال، بآثاره، وما يحكم العلاقات الزوجية فيه، وتوابعه يخضع للقانون المدني المعمول به الذي لا يكترث بما يجب أن تكون عليه هذه الأمور من موافقة للشريعة الإسلامية، الأمر الذي دفع بعض العلماء والباحثين في مجال الأقليات المسلمة إلى القول بضرورة التزام طرفي العقد –ما أمكن ذلك- التزاماً رضائياً موثقاً توثيقاً قانونياُ- التزامهما بإخضاع آثار عقد الزواج، وما يحكمهما من علاقة زوجية بين حقوق وواجبات وتربية أبناء- وفق الشريعة الإسلامية، خروجاً من الوقوع في المخالفات الشرعية، ومراعاةً لضرورة إجراء عقد الزواج المدني في واقع الأقليات المسلمة(139).
لكن ينبغي التنبه –في هذا المقام- إلى أن مثل هذا الإجراء لا يرتقي لقوة القانون المدني المطبق، ويرجع أمر تطبيقه في كثير من الأحيان إلى مدى تعاون الجهات القانونية المختصة وتفهمها لمثل هذا النوع من الالتزام بين طرفي العقد(140).
مما يعني أن أثر مثل هذا النوع من الالتزام على آثار عقد الزواج يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة للنظر في الجدوى الحقيقية له، والله تعالى أعلم.
الاستاذه الدكتوره جميله الرفاعي / الجامعة الاردنيه
المراجع
- القرآن الكريم.
- البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256هـ)، صحيح البخاري، ط3، 6 أجزاء، (تحقيق: د.مصطفى ديب البغا)، دار ابن كثير، بيروت، 1407هـ-1987م.
- البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس (ت 1051 هـ)، الروض المربع، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1390هـ.
- البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس (ت 1051هـ)، كشاف القناع (تحقيق هلال مصيلحي هلال)، دار الفكر، بيروت، 1402هـ.
- ابن تيمية، أبو العباس أحمد عبد الحليم الحراني (ت 728هـ)، مجموع الفتاوى، ط2، (تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي)، مكتبة ابن تيمية.
- الجصاص، أبو بكر بن علي الرازي (ت 370هـ)، أحكام القرآن للجصاص، 5 أجزاء، (تحقيق: محمد الصادق قمحاوي)، دار إحياء التراث، بيروت، 1405هـ.
- ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597هـ)، التحقيق في أحاديث الخلاف، ط1، (تحقيق: مسعد عبد الحميد م حمد السعدني)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.
- الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري (ت 405هـ)، المستدرك على الصحيحين، ط1، 4 أجزاء، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ - 1990.
- ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت 354هـ)، صحيح ابن حبان، ط2، 18 جزء، (تحقيق: شعيب الأرناؤوط)، مؤسسة الرسالة، بيروت،
1414هـ- 1993.
- ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي (ت 852هـ)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، (تحقيق: محب الدين الخطيب)، دار المعرفة، بيروت.
- ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي (ت 852هـ)، تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، (تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني)، المدينة المنورة، 1384هـ-1964م.
- ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الظاهري (ت 456هـ)، المحلى،
(تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي)، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
- الحصيني، أبو بكر بن محمد الحسيني الدمشقي الشافعي، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، ط1، (تحقيق: علي عبد الحميد بلطجي ومحمد وهبي سليمان)، دار الخير، دمشق، 1994م.
- الحطاب، أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي (ت 954هـ)، مواهب الجليل، ط2، 6 أجزاء، دار الفكر، بيروت، 1389هـ.
- الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر البغدادي (ت 385هـ)، سنن الدار قطني، (تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني)، دار المعرفة، بيروت، 1386هـ-1966م.
- الدردير، أبو الدكات سيدي أحمد، الشرح الكبير، (تحقيق: محمد عليش)، دار الفكر، بيروت.
- الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي، (تحقيق: محمد عليش)، دار الفكر، بيروت.
- الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 784هـ)، تهذيب سير أعلام النبلاء، ط2، ثلاثة أجزاء، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1992م.
- ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي (ت 595هـ)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر، بيروت.
- الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الفكر، بيروت.
- شمس الدين الحنبلي، محمد بن أحمد بن عبد الهادي (ت 744هـ)، تنقيح تحقيق أحاديث التعليق، ط1، 3 أجزاء، (تحقيق: أيمن صالح شعبان)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998م.
- الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت 1250هـ)، السيل الجرار، ط1، 4 أجزاء، (تحقيق: محمود إبراهيم زايد)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ.
- الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت 1250هـ)، نيـل الأوطـار، دار الجيل، بيروت، 1973م.
- الشيرازي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف، المهذب، دار الفكر، بيروت.
- ابن عاشور، محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، ط2، (تحقيق: محمد الطاهر الميساوي)، دار النفائس، عمان، 2001م.
- ابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد المقدسي (ت 620هـ)، المغني، ط1، 12 جزء، دار الفكر، بيروت، 1405هـ.
- القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس، الذخيرة، (تحقيق: محمد حجي)، دار الغرب، بيروت، 1994م.
- ابن القيم، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي (ت 751هـ)، أعلام الموقعين عن رب العالمين، (تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد)، دار الجيل، بيروت، 1973م.
- الكاساني، علاء الدين (ت 587هـ)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط2، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982م.
- ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275هـ)، سنن ابن ماجه، (تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي)، دار الفكر، بيروت.
- مالك، أبو عبد الله بن أنس الأصبحي (ت 179هـ)، المدونة الكبرى، دار صادر، بيروت.
- المرداوي، أبو الحسن علي بن سليمان (ت 885هـ)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، (تحقيق: محمد حامد الفقي)، دار إحياء التراث، بيروت.
- المرغيناني، أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني (ت 593هـ)، الهداية، شرح البداية، المكتبة الإسلامية.
- مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261هـ)، صحيح مسلم، (تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي)، دار إحياء التراث، بيروت.
- ابن الملقن، عمر بن علي الأنصاري (ت 804هـ)، خلاصة البدر المنير، ط1، (تحقيق: حمدي عبد المجيد إسماعيل السلفي)، مكتبة الرشد، الرياض، 1410هـ.
- ابن نجيم، زين الدين الحنفي (ت 970هـ)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ط2، دار المعرفة، بيروت.
- النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري (ت 676هـ)، روضة الطالبين وعمدة المفتين، ط2، 12 جزء، المكتب الإسلامي، بيروت، 1405هـ.
- ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي (ت 681هـ)، شرح فتح القدير، ط2، دار الفكر، بيروت.
الكتب المعاصرة:
- الألباني، محمد ناصر الدين (2002م)، صحيح سنن أبي داود، ط1، الكويت، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع.
- الألباني، محمد ناصر الدين (1991م)، ضعيف سنن الترمذي، ط1، بيروت، المكتب الإسلامي.
- الدريني، محمد فتحي (2002م)، بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة.
- أبو زهرة، محمد، الأحوال الشخصية، القاهرة، دار الفكر العربي.
- السباعي، مصطفى (1997م)، شرح قانون الأحوال الشخصية، ط7، بيروت، المكتب الإسلامي.
- عقلة، محمد (1983م)، دراسات في الفقه المقارن، ط1، عمان، مكتبة الرسالة.
- كحالة، عمر رضا (1993م)، معجم المؤلفين، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة.
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir