تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نظرية السبب


أمينة87
2009-11-08, 23:43
نظرية السبب



بسم الله الرحمن الرحيم



من المعلوم أن للعقد بصفة عامة ثلاثة أركان هي التراضي والمحل والسبب ، بالإضافة إلى ركن الشكلية في بعض العقود ، بيد أن حديثنا سيقتصر على السبب نظرا لما له من أهمية في معرض دراسة النظرية العامة للألتزام .


فنظرية السبب من أهم النظريات الحقوقية التي كانت عرضة للنقاش والخلاف والجدل ، والتي لم يتفق فيها الفقهاء على رأي موحد وسنتناولها بشيء من الإيجاز من خلال المحاور التالية :


ـ نظيرة السبب التقليدية


ـ نقد النظرية التقليدية


ـ موقف القضاء الفرنسي منها واستحداثه لنظرية الباعث الدافع كتكملة لها



1 ) نظرية السبب التقليدية :


في كل عقد هنالك غرض مباشر يرمي المتعاقد إلى الوصول إليه من عقده وغرض أو أغراض بعيدة تدفعه إلى التعاقد ، فالغرض المباشر هو ما يسمى بالسبب القصدي والغرض البعيد هو ما يسمى بالباعث الدافع .


ففي عقد البيع مثلا نجد الغرض المباشر الذي يبغي البائع الوصول إليه من العقد والذي كان سببا لالتزامه بتسليم المبيع إلى المشتري هو الحصول على الثمن ، أما الباعث الدافع إلى التعاقد فيختلف من بائع إلى آخر ، فقد تكون الرغبة في بيع المنزل مثلا هو الاتجار بثمنه أو أنفاقه على القمار أو غير ذلك .


والنظرية التقليدية وهي التي سادت في القانون المدني الفرنسي تأخذ السبب القصدي ـ أي بالغرض المباشر الذي يقصد إليه المتعاقد ـ وتعتبر أنه هو سبب الإلتزام في العقد ، وهي تعتبر أن هذا السبب داخلي أي أنه موجود في العقد نفسه بخلاف الباعث الدافع الذي يعتبر أمرا خارجا عن العقد ( مثلا الحصول على الثمن الذي يقصد البائع الوصول إليه من عقده يتضمنه عقد البيع نفسه أما الرغبة في الاتجار بهذا الثمن أو إنفاقه على القمار أوغير ذلك فهو خارج عن نطاق العقد وموجود في نية صاحبه ) ، كما تعتبر أيضا أن هذا السبب موضوعي أي أنه واحد لا يتغير في جميع العقود التي تكون من نوع واحد ، بينما نجد أن الباعث الدافع شخصي ويتغير من شخص لآخر في النوع الواحد من العقود ( مثلا في كل عقد بيع نجد أن السبب القصدي للبائع هو الحصول على الثمن بينما يختلف الباعث الدافع من بائع لآخر ) .


وما دام السبب القصدي الذي تأخذ به النظرية التقلليدية لا يتغير في النوع الواحد من العقود وإنما يختلف من نوع إلى نوع ، فهي تحدد الأنواع التي تقسم إليها العقود بحسب اختلاف السبب فيها وتبين السبب في كل منها ، ومن أهم هذه الأنواع العقود الملزمة لجانبين والعقود الملزمة لجانب واحد كعقود التبرع .


ففي العقود الملزمة للجانبين تعتبر النظرية التقليدية أن سبب التزام كل متعاقد هو التزام المتعاقد الآخر . ففي عقد البيع مثلا سبب التزام البائع بإعطاء المبيع هو التزام المشتري بدفع الثمن ، وسبب التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بإعطاء المبيع ، وهكذا .


وفي عقود التبرع سبب التزام المتبرع ـ بحسب النظرية التقليدية ـ هو نية التبرع كما في الهبة ( سبب التزام الواهب هو نية التبرع للموهوب له ) ، أو نية إسداء خدمة كما في عقد الوكالة بغير أجر ( سبب التزام الوكيل هو رغبته في إسداء خدمة للموكل ) .


والإلتزام ـ بحسب نظرية السبب التقليدية ـ يكون باطلا إذا لم يكن له سبب لأن السبب ركن في الالتزام لا يقوم بدونه ، أو إذا كان سببا غير مشروع لآن السبب غير المشروع لا اعتبار له في نظر القانون .


وتأتي نظرية الإلتزام بأمثلة عديدة عن الالتزام الذي يكون باطلا لعدم وجود سبب له ، من أبرزها أن يتصالح وارث مثلا مع الموصى له عن الوصية لقاء مبلغ من المال ثم يظهر أن هذه الوصية قد عدل عنها الموصي وألغاها قبل وفاته ، فالتزام الوارث بأداء مبلغ من المال إلى هذا الشخص الذي تعاقد معه يكون باطلا في هذه الحالة لعدم وجود سبب له .


كما تاتي النظرية التقليدية ايضا بعدد من الأمثلة عن الالتزام الذي يكون باطلا لأن السبب فيه غير مشروع من أبرزها : أن يتعاقد شخص مع آخر على اراتكاب جريمة لقاء مبلغ من المال ، فهي تعتبر أن التزام من يتعهد بارتكاب الجريمة باطل لأن محله غير مشروع ( ارتكاب الجريمة ) أما من يتعهد بدفع المال فمحل التزامه مشروع ( دفع مبلغ من المال ) ولكن التزامه باطل مع ذلك لآن سببه وهو التزام الطرف الآخر بارتكاب الجريمة سبب غير مشروع .


هذه لمحة سريعة عن نظرية السبب التقليدية في خطوطها العريضة ، ويلاحظ مما تقدم أن هذه النظرية لا تحفل ابدا بالباعث الدافع إلى التعاقد و لاتهتم بمشروعيته لأنها تعتبره أمرا خارجا عن نطاق العقد وموجود فقط في نية صاحبه ، وهي لا تريد أن تتغلغل في نفو س المتعاقدين وتبحث عن نواياهم وأغراضهم البعيدة حرصا منها على استقرار العقود والمعاملات .



2 ) نقد نظرية السبب التقليدية :


هوجمت هذه النظرية هجوما عنيفا ووجهت إليها انتقادات هامة من قبل عدد من كبار الفقهاء أطلق عليهم اسم " اللاسببيين " كما أن أنصارها الذين أطلق عليهم اسم " السببيين " قاموا بمحاولات للدفاع عنها والرد على الانتقادات التي وجهت إليها ، ولكن محاولاتهم هذه لم تستطع في كثير من المواضع الصمود أمام قوة تلك الانتقادات .


ومن هذه الانتقادات أن نظرية السبب التقليدية تبدو في بعض مظاهرها نظرية فاسدة أو خاطئة ، فقد حاول اللاسببيون أن يظهروا أن مفهوم السبب الذي تأخذ به هذه النظرية في كل نوع من أنواع العقود مفهوم مضطرب ومصطنع .


ونذكر على سبيل المثال انتقادهم لمفهوم السبب في عقود التبرع حيث تعتبر النظرية التقليدية ، كما سبق ذكره ، أنه نية التبرع ( أو نية إسداء الخدمة ) ، بينما يرى اللاسببيون أن نية التبرع ما هي في الواقع سوى عنصر في التراضي الذي يؤدي إلى إنشاء العقد ، فعقد التبرع الذي لا تتوافر فيه نية التبرع يكون باطلا لانعدام التراضي الذي يبنى عليه لا لانعدام سببه ، وهكذا يبدو من هذا المثال أن ركن السبب ـ بحسب النظرية التقليدية ـ يختلط بالنسبة لعقود التبرع مع ركن التراضي .


كما انتقدت النظرية التقليدية أيضا من حيث أنها غير مفيدة ومن الممكن الاستغناء عنها ، فبينما يرى السببيون أن كثيرا من النتائج الحقوقية والأحكام المقررة في نظرية الالتزام العامة لا يمكن تعليلها بالاستناد إلى فكرة السبب بالمعنى الذي تأخذ به النظرية التقليدية ، يحاول اللاسببيون أن يثبتوا عكس ذلك و أن من الممكن تعليل تلك النتائج و الأحكام مع الاستغناء عن هذه النظرية .


فالبنسبة لعقود ةالتبرع مثلا لاحاجة لنظرية السبب التقليدية ، بل يغني عنها ركن التراضي كما سبقت الإشارة إليه .


وبالنسبة للعقود الملزمة لجانبين لا حاجة أيضا لهذه النظرية إذ أن انهيار أحد الالتزامين بانهيار الالتزام الآخر المقابل له يمكن أن يبنى على فكرة الترابط بين هذين الالتزامين بحيث لا يمكن أن يظل أحدهما قائما مع زوال الآخر ، ويرد السبيون على ذلك بأن فكرة الترابط نفسها مبنية على نظرية السبب التقليدية فهي لا توجد إلا لأن كلا من هذين الالتزامين المتقابلين هو سبب للالتزام الآخر ، ولكن اللاسببيين يجيبونهم بأن فكرة الترابط بين الالتزامات المتقابلة يمكن تصورها دون اللجوء إلى افتراض نظرية السبب التقليدية إذ أنها تستند إلى العقد مباشرة ، فالعقد الملزم لجانبين حين ينشئء التزامات متقابلة بربط بينها في نفس الوقت .


ويحاول اللاسببيون أن يفندوا الأمثلة العديدة التي يأتي بها أنصار النظرية التقليدية وأن يثبتوا أنه من الممكن الوصول إلى نفس النتائج التي يصل إلبها السببيون دون الاستناد إلى نظريتهم هذه ، ونكتفي من ذلك بالمثال التالي :


ـ راينا أن النظرية التقليدية تعتبر بالنسبة للتعاقد على ارتكاب جريمة لقاء مبلغ من المال أن التزام من يتعهد بارتكاب الجريمة باطل لعدم مشروعية محله ، وأن التزام من يتعهد بمبلغ من المال باطل أيضا لعدم مشروعية سببه الذي هو التزام الطرف الآخر بارتكاب الجريمة .


أما خصوم هذه النظرية أي اللاسببيون فيفسرون الأمر تفسيرا آخر إذ يعتبرون أن التزام من يتعهد بارتكاب الجريمة باطل لعدم مشروعية محله طبعا ، وبما أن أن المحل غير مشروع فالعقد نفسه باطل ( لأن العقد ـ كما هو معلوم ـ يكون باطلا إذا كان محله غير مشروع ) ، وبطلان العقد بالتالي يؤدي إلى بطلان التزام من يتعهد بدفع المال ( لآن هذا الالتزام ليس مستقلا وإنما يستند إلى العقد الذي أنشأه و لا يمكن أن يستمر ويظل قائما إذا زال هذا العقد ) ، وبذلك يستغني اللاسببيون عن مفهوم السبب الذي تأخذ به النظرية التقليدية لتعليل بطلان الالتزام بدفع المال في هذا المثال .


هذا ولعل أهم انتقاد وجه إلى النظرية التقليدية هو أن هذه النظرية عاجزة عن إيجاد رقابة فعالة على العقود التي تمس النظام العام ( أو الآداب ) بما تهدف إليه من غايات غير مشروعة ، وهذا الانتقاد هو الذي دفع القضاء الفرنسي إلى أخذ الباعث الدافع بعين الاعتبار بالإضافة إلى السبب القصدي الذي تأخذ به النظرية التقليدية .



3 ) موقف القضاء الفرنسي من نظرية السبب التقليدية وتكملته إياها بنظرية الباعث :


من العسير ، لا شك ، بحسب النظرية التقليدية ـ التي تأخذ بمفهوم السبب القصدي و لاتهتم بمفهوم الباعث الدافع إلى التعاقد ولو كان غير مشروع ، الحكم ببطلان الكثير من العقود التي تمس النظام العام أو الآداب .


فلو استأجر شخص مثلا دارا ليتخذها ناديا للقمار أو مقرا لعصابة إجرامية ، فإن عقده هذا يكون معتبرا في رأي النظرية التقليدية ، إذ أن التزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة والتزام المستأجر بدفع الأجرة الذين يعتبر كل منهما سببا للالتزام الآخر هما التزامان مشروعان ، أما غير المشروع فهو الباعث الدافع للمستأجر إلى التعاقد ، وهذا لاتهتم به النظرية التقليدية .


وكذلك لوتبرع شخص لخليلته بمبلغ من المال يغية الاستمرار معها في علاقاته غير المشروعة فإن عقده يكون معتبرا أيضا لآن نية التبرع التي تعتبرها النظرية التقليدية سببا لالتزامه هي نية مشروعة ، ولا يهم بعد ذلك بالنسبة لهذه النظرية أن يكون الباعث الدافع إلى التعاقد غير مشروع .


وقد شعر القضاء في فرنسا بضرورة الحكم ببظلان مثل هذه العقود التي تمس النظام العام والاداب بصورة مباشرة ، كما شعر بعدم كفاية النظرية التقليدية لتحقيق هذا الغرض ، فأضاف إلى السبب القصدي الذي تأخذ به النظرية التقليدية مفهوم الباعث الدافع ، وقضى بأن العقود يجب أن تعتبر باطلة إذا كان الباعث الدافع إليها غير مشروع .


وهكذا توسع القضاء الفرنسي في معنى السبب ، فحافظ على مفهوم السبب القصدي الذي تأخذ به النظرية التقليدية والذي ينسجم مع اتجاه القانون المدني الفرنسي ، وأضاف إلى هذا السبب القصدي مفهوم الباعث الدافع الذي ترفض النظرية التقليدية الأخذ به واعتباره ، فمعنى السبب إذن بالنسبة للقضاء الفرنسي هو تارة السبب القصدي وتارة الباعث الدافع .


والباعث الدافع الذي ينظر إليه لدى المتعاقد هو الباعث الرئيسي من بين بواعثه وأغراضه المختلفة التي يرمي إليها من عقده والذي يدفعه للتعاقد ، أما بقية بواعثه التي لم تكن هي الدافعة له إلى التعاقد فلا عبرة بها .


كما أن هذا الباعث الدافع حين يكون غير مشروع لدى أحد المتعاقدين ، لا يمكن أن يؤدي إلى الحكم ببطلان العقد إلا إذا كان المتعاقد الآخر على علم به .


أما إذا كان هذا المتعاقد الآخر لا يعلم بالباعث غير المشروع الذي دفع زميله إلى التعاقد فلا يبطل العقد حرصا على استقرار العقود والمعاملات .


ويلاحظ أن الباعث الدافع لا يبحث عن وجوده أو عدمه في العقد ، وإنما يبحث فقط عن مشروعيته أو عدمها ، فالباعث الدافع موجود دوما لأن الانسان لا يقدم على التعاقد بدون باعث يدفعه إليه ، ولكن هذا الباعث الدافع قد يكون مشروعا وقد يكون غير مشروع ، وهذا هو الأمر الذي ينظر إليه فيه فقط ، وذلك بخلاف السبب القصدي الذي يبحث عن وجوده وعن مشروعيته معا كما رأينا ، فإذا كان غير موجود أو غير مشروع اعتبر العقد باطلا .




منقول للفائدة



الدكتور هشام القاسم << محاضرات في القانون المدني >> .

abbes8
2009-11-09, 12:54
بوركت جهودك اختي امينة