تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نار بلا دخان


زيتوني محرز
2009-11-08, 20:06
نار بلا دخان

الإهداء :

إلى ابني المراهق الذي يبني قصره العاجي على رمال الشواطئ ولكن سرعان ما تهدمه مياه المد والجزر ، أدعوه إلى التأمل في زخم الحياة والتفكر في الغد ، الذي لا بد أن يكون الأفضل والأحسن بحول الله وقدرته .

لقد رشحت لأمر لو فطنت له ..........فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل .



آه ،، أهكذا تجرني أيها القدر إلى برهة الساحة ، أواري خجلي ، أدفن ابتساماتي الحزينة وراء غضب مصطنع ،، أقدر علي أن أعيش حياتي كلها أجتر ذكرياتي ذكرى وراء ذكرى ؟.. لم أعد قادرا على مواراة خجلي إلى الأبد ، والحياة مستمرة في دورانها لا تنتظر أحدا ، ولا تمنح الفرصة لأحد ليقول كلمته فيها وفي نفسه ،، خجول أنا والجرح غائر وبيني وبين شاطئ السعادة مسافات ومسافات ، من يبعث لي زورق النجاة ؟ ،، من يقطع بي بحر الحياة الزاخر بالأهوال ؟ .

ولدت خجولا كما كانوا يرددون في كل مناسبة ، كانت طفولتي تختلف عن باقي الطفولات- ، عشتها بين أربعة جدران واسعة وأربعة أعين تحرسني أنى تحركت ، لم أشعر إلا بالخجل يكبر في نفسي ويصبح سيد الموقف ..

حملوني ذات يوم إلى المدرسة ، كما يحمل أبناء الأمراء ، هاأنا ذا ألتقي بالمجتمع لأول مرة، بأي وجه سأواجه معلمي وزملائي وقد علموني منذ الصغر أن دقات القلب يجب أن تتوقف عندما نواجه الناس ، وان الغول قابع في أعماق البشر ،، أوقفني المعلم ، سأني عن اسمي ، ماذا أقول له ؟ ، هل أصارحه باني لم أتعود أن أسأل وأجيب ، وأن كل حياتي كانت تتحكم فيها الأسرة ولا دخل لي فيها ،، نظرت إلى السقف ، ألا أسعفتني يا ربي بجواب أواري به ضعفي ؟ ، نظرت إلى وجه المعلم ، تأملت القاعة مليا ، الأطر واللوحات التي زينت الجدران ، وجوه زملائي ، حاولت التكلم ، جمعت قواي ، نطقت بالجواب بصوت أقرب للهمس بعد أن اشتد غضب المعلم وقهقهة رفاقي ..

كنت أعود في المساء فأغلق باب غرفتي الصغيرة ثم أجهش بالبكاء ، أصرخ :- لماذا تلازمني أيها الخجل ؟ ، ابتعد عني ،، ابتعد عني ،،- لم أكن أعرف سر البكاء ، كانوا من حولي يرددون كلمات جاهزة :- مسكين سكنته الجن - ..

وكان أن كبرت وكبر معي الشعور بالخجل والخوف ، وسارت حياتي ببطء بينما عجلة الحياة تنهب الأرض نهبا ، واكتشفت يوما بأني لا يمكن أن أكون ككل الناس ، أريد أن أهب قلبي للناس ولكن كيف ؟ أريد أن أزرع الابتسامة على كل وجه ولكن لا أعرف الوسيلة الموصلة إلى ذلك ؟ وأصبحت أقتات من لحمي ،، وانهش في كل يوم من كبريائي ..

كان يوم ليس ككل الأيام ، رأيتها و لا أدري كيف وعيني لا تريان أبعد من قدمي وفجأة هزني شعور خفي طغى على كل جوارحي ،وكان علي أن أرفع عيني المتسمرتين في الأرض،والتقت الأعين لفترة وجيزة ، سرعان ما نزلت أرضا ، قلبي لا يقوى على حملي وحمل خجلي ، فهل يضاف له حمل جديد ؟ ، وارتعشت ، ولأول مرة أحسست بقلبي يخرج من عقاله ، ويهفو إلى نظرات أخرى يشفي بها نهمه ، ورفعت بصري مرة أخرى ثم أخرى وتكررت التجربة ..

مرت الأيام متشابهة وأنا لا أقوى إلا على استراق النظر إليها ، وأرسم لها آلاف الصور ، وكم من مرة رسمتها بجانبي ولكن نفسي تنكر علي ذلك فأمزق الصورة ، وكلما أتذكر خجلي أبكي وما عساي أن أفعل ونفسي تريد أن تفرغ شحنتها وعيني تريد ان تبل رسوماتي ..

ومضت حياتي رتيبة في سيرها ،حاولت أن انسى الذكرى فارتميت بين الكتب ألتهما التهاما ولكن صورتها تتراقص بين ناظري ، تصاحبني في كل سطر أقرأه فأرمي الكتاب جانبا وأظل الساعات أفكر في أسلوب ناجع من الأساليب التي يستخدمها أبطال قصصي لعلي أتخطى السور العاجي الذي يحيط بمعذبتي ..

لم أتوقع أن تكون النهاية بهذه الصورة ،، قاسية ، مدمرة ، أنني أنهار ، أتهاوى ، لم أعد اقوى على حمل نفسي المكبوتة ، هاهي شرايين قلبي تتمزق شريانا بعد شريان ،وأنا أراها في صحبة شاب آخر يتبادلان الضحكات ، هل أبصق على وجهها ؟ ، ولكني كنت السبب وما أدراها أنني احترق من اجلها ،، حسبتها ملاكا ، في رسوماتي كانت رمز الفضيلة والعفاف ، لم أكن انتظر هذه الطعنة التي أضيفت إلى طعنات قديمة ،..

حملت أشلاء قلبي الممزق ، وضمدت جراحي النازفة وعلمت أن هذه هي سنة الحياة التغير والتبدل شيمتها ، ومن عاش بعيدا عن دواليبها يرمى مع القاذورات ..

رجعت إلى المنزل لأحرق كل رسوماتي ، وذرفت دموعا باردة فوق نار قلبي ، ومع كل دمعة تسقط أعلن مولدي من جديد شاكرا الله على إنها كانت نارا بلا دخان ....

سهام1
2009-11-09, 16:48
اسلوب الموضوع رائع كما ان عنوانه زاده روعة اعجبني موضوعك يا اخي واصل في ابداعك و موفق ان شاء الله

هبة الله الرحمن
2009-11-10, 14:32
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميلة سطورك التى كتبها قلمك....كلمات نقية وبوح بسيط

سلمت أخى على هذا الموضوع

تقبل مرورى وتقديرى

زيتوني محرز
2009-11-10, 19:04
شكرا على مروركما الكريم .
دمتما في خدمة الحرف العربي ، و دام نزف القلم .

يوسُف سُلطان
2009-11-12, 12:38
..لكم أتوق الى نصوصك ...ولكم افتخر بها اخي محرز ...على طريقة المحترف ..تجعلنا نلمس اسوار المشاهد في نور خافت .. جميل الدراما ...
هل تقرأ كثيرا لاحسان عبد القدوس ..؟ مجرد احساس انك من عشاقه

زيتوني محرز
2009-11-12, 18:48
أخي سلطان ..
صحيح أنا قارئ نهم لكل الادباء العرب من احسان عبد القدوس ، نجيب محفوظ ، حنامينة ، الشرقاوي ، الكيلاني ، الطاهر وطار ، وحتى بن هدوقة واحلام مستغانمي وياسمين خضرة ، وغيرهم كثير ،،
شكرا على إهتمامك ، وكم أعتز ان تكون من أصدقائي في هذا النادي الذي جمع بين قلوبنا قبل أسمائنا ووجوهنا ......... تحياتي