تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حقوق الإنسان في النظرية الإسلامية


عزالدين
2007-10-05, 22:14
حقوق الإنسان.. بون شاسع بين الطرحين الغربي والإسلامي
إشكاليات مفهوم "حقوق الإنسان"

حقوق الإنسان… حقيقة أم وهم؟

حقوق الإنسان في النظرية الإسلامية

دكتور إبراهيم البيومي غانم



• الشمول والعالمية

•مداخل التأسيس الإسلامي

• الصياغات الإسلامية

• عصمة الآدمي.. نقطة البدء

يتجه الجدل الدائر حول حقوق الإنسان في النظرية الإسلامية في هذه الأيام اتجاهات شتى منها ما يؤكد الخصوصية والفرادة التي تميز الرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان بمعنى يحصرها في صنف معين من البشر، وربما في مناطق جغرافية دون غيرها من العالم، ومنها ما يؤكد تطابقها تمام الانطباق مع النظرية الأوربية السائدة باعتبارها نظرية عالمية، ومن ثم يرفض أنصار هذا الاتجاه وجود خصوصية لنظرية حقوق الإنسان الإسلامية.

الشمول والعالمية

وفي رأينا أن الخصوصية الكبرى لمفهوم حقوق الإنسان في الرؤية الإسلامية تتمثل في "الشمول والعالمية"؛ فقد جاءت الشريعة بتقرير كل أنواع الحقوق المدنية والدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، الجماعية منها والفردية من جهة، وجاء الخطاب من جهة أخرى باحترام هذه الحقوق وحمايتها وضمانها شاملاً لكل بني آدم، أو لكل إنسان بوصفه إنساناً، وبوصفه إنساناً فقط لا أكثر من ذلك ولا أقل.

بعبارة أخرى يمكن القول: إن خصوصية حقوق الإنسان في النظرية الإسلامية هي في "عالميتها"؛ إذ إن خطاب التكليف بها وبحمايتها موجه للآدمي بموجب كونه إنساناً، وليس ثمة حق واحد دينيًّا كان أو مدنيًّا، سياسيًّا أو اجتماعيًّا مقرر لمسلم وحده ومحظور على غيره، وهذه الخصوصية أيضاً هي في شمولها لكل أنواع الحقوق التي عرفتها المواثيق والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان في صيغها الحديثة والمعاصرة.

ويشير مصطلح حقوق الإنسان ـ المستعمل في الخطاب المعاصر ـ إلى مجموعة الحقوق والمطالب الواجب الوفاء بها لكل البشر على قدم المساواة دونما تمييز فيما بينهم لأي سبب كان. ولكن هذا التعريف العام ليس مسلماً به لدى المجتمعات المختلفة؛ ذلك لأن نوع هذه الحقوق يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتصور الأساسي عن الإنسان ذاته، فإذا كان الإنسان فرداً حرًّا ذا كرامة وقيمة ويمتلك العقل والضمير، ويمتلك القدرة على الاختيار الأخلاقي والتصرف السليم، ويملك أيضاً الحكم الصائب على ما هو في مصلحته، فإن حقوق هذا الإنسان سوف تنبني على أساس هذا التصور.

والواقع يشهد بوجود كثير من صور التمييز الفعلي بين بني البشر، إضافة إلى انتهاك أبسط حقوقهم، وليس ذلك إلا نتيجة من نتائج الثقافات الاستبدادية والعنصرية كتلك التي ظهر فيها من يقول إنه "شعب الله المختار"، أو إن شعبا من الشعوب فوق الجميع، أو إنه يحمل عبئاً تجاه الأجناس الأخرى البدائية المتخلفة باعتباره جنساً أرقى، وكلها نزعات ظهرت وترعرت في الثقافة الأوربية، وتركت آثارها على علاقاتها مع أصحاب الثقافات الأخرى، وفي مقدمتها الثقافة العربية الإسلامية.

مداخل التأسيس الإسلامي

وإذا نظرنا إلى جملة حقوق الإنسان التي قررتها الشريعة على أي مستوى من مستويات التأصيل النظري سنجد أنها تؤكد على صفتي العالمية والشمول كما ذكرنا.

فالتأسيس المعرفي الفلسفي يبدأ بإسناد جميع الحقوق المقررة للإنسان إلى الله خالق الإنسان، ويجعلها واجباً مقدساً مفارقاً لأي سلطة وضعية، كما يضفي عليها قوة إلزامية يتحمل مسئولية حمايتها كل فرد، فهي تسمو إلى مرتبة الواجب الديني، وبما أن هذه الحقوق مقررة من خالق الإنسان إذاً فهي لا تعترف بالفروق الجنسية، أو الجغرافية، أو العقائدية.

أما التأسيس الشرعي الأصولي فيؤكد على أن كل شيء في الأصل مباح، وهو الأوسع دائرة، وأن الاستثناء هو التحريم، وهو الأضيق دائرة، وأساس الإباحة والتحريم هو مصلحة الإنسان نفسه. ولا تقف حدود حرية الفرد وحقوقه إلا عند حدود حرية وحقوق الآخرين، فلا يجوز أن يخل أحد بحرية أو بحق غيره "فلا ضرر ولا ضرار". ولا بد في جميع الحالات من الالتزام بفضائل الأخلاق في ممارسة الحقوق، أو في الدفاع عنها، فإن جادل فعليه أن يجادل بالحسنى، وعليه ألا يقول ما لا يفعل، وإذا حكم ألا يكون فظًّا غليظ القلب، إلى غير ذلك من الأخلاقيات التي حضت عليها آيات الكتاب والسنة النبوية.

إن البحث في مضمون خصوصية حقوق الإنسان من المنظور الإسلامي يقتضي بادئ ذي بدء الرجوع إلى نظرة الإسلام إلى الإنسان وتحديد موقعه في هذا الكون، وهنا نجد أن الإسلام قد اعترف بكيان الإنسان كما هو في حقيقته، فكل إنسان أيًّا كان عرقه أو لونه أو دينه أو حضارته، (كلكم لآدم وآدم من تراب)، وأيًّا كان المكان أو الزمان الذي يولد ويعيش فيه، هذا الإنسان في نظر الإسلام يولد على الفطرة، وهذه الفطرة هي واحدة في كل بني آدم، وهي موجودة كاملة غير منقوصة فيه منذ لحظة ميلاده، وتشمل هذه الفطرة نفخة من روح الله تعالى.

ولا يولد الإنسان على الفطرة فقط، وإنما يولد مزوداً بأدوات المعرفة الأساسية: السمع والبصر والفؤاد، وهي الأدوات التي يستطيع بها أن يخدم ما في روحه من شوق إلى معرفة الله، وإلى الحرية بأوسع معانيها، وإلى التمتع بالحياة وتحقيق الازدهار الروحي إلى جانب الازدهار المادي وترقية نوعية حياته، ومن هنا كان أهم وأول حق من حقوق الإنسان تؤكده الخصوصية الإسلامية هو حق الاعتراف به كإنسان، إن هذا الحق هو أصل كل الحقوق الأخرى، وبدون تقريره على هذا المستوى الأصولي الروحي يكون عرضة لانتقاص كثير من حقوقه الأخرى تحت دعاوى كثيرة يختلقها الطغاة والمستبدون، وتبررها السلطات التي تتحكم فيه سواء كانت سياسية، أو اجتماعية، أو دينية.

والتاريخ -القديم والوسيط والحديث والمعاصر- يقدم لنا كثيراً من الأدلة والشواهد التي تؤكد على أن عدم الاعتراف بآدمية الإنسان، أو بإنسانية الآدمي كان هو البداية الأولى لإهدار كثير من حقوقه وحرياته الأساسية، كما يمدنا التاريخ بشواهد كثيرة توضح فداحة التضحيات التي قدمتها المجتمعات حتى وصلت إلى انتزاع الاعتراف بإنسانية الآدمي وكونه أهلاً للتمتع بالحقوق وممارستها وحمايتها.

إذا انتقلنا إلى التأسيس الفقهي/القانوني لحقوق الإنسان التي جاءت بها شريعة الإسلام، سنجد أنه حاول دوماً الاقتراب من النموذج الأساسي لتلك الحقوق في "عالميتها وشمولها"، ولكننا سنلاحظ أيضاً أن الاجتهادات التي أدلى بها الفقهاء قد تباينت عبر العصور لأسباب شتى ـ ليس هنا مجال التفصيل فيها ـ فاقتربت حيناً من النموذج الأساسي الذي أرسته المصادر المعرفية/ الفلسفية، والأصولية، وابتعدت عنها حيناً آخر وعجزت عن استيعاب مضامينها الواسعة وقصرت عن الإحاطة بنزعتها الإنسانية الشاملة.

أما إذا انتقلنا إلى ما يمكن أن نطلق عليه "التأسيس العملي/التطبيقي" لتلك الحقوق، فسوف نجد أن الفجوة أضحت أوسع بين ما يجب أن يكون وما كان بالفعل عبر مراحل تاريخية مختلفة، أو ما هو كائن في واقعنا الراهن. ولهذه الفجوة أسباب كثيرة أيضا تفسرها وتشرح آليات اتساعها حيناً أو ضيقها حيناً آخر، وهذا موضوع لبحث آخر.

والأمر الجدير بالإشارة هنا هو أن الفقه الحقوقي الإسلامي المتعلق بمنظومة "حقوق الإنسان" قد تأخر كثيراً في تقديم صياغات قانونية تحدد هذه الحقوق بلغة معاصرة، وذلك بعكس ما فعل الفكر الأوربي الحديث والمعاصر الذي عني بتقنين هذه الحقوق وتحديدها بقدر كبير من الدقة، وقام بالتعبير عنها في صور متعددة مثل الإعلانات، والمواثيق، والمعاهدات الدولية التي تباينت من حيث قوتها الإلزامية، من الإلزام المعنوي أو الأخلاقي، إلى الإلزام القانوني.

الصياغات الإسلامية

وأيًّا كانت الأسباب التي أدت إلى تأخر الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر عن تقديم صياغات مقننة لحقوق الإنسان في صورة مواثيق أو إعلانات أو معاهدات، فقد ظهرت خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي عدة صياغات في محاولة لتدارك هذا التقصير، وتمثلت تلك الصياغات في الآتي:

1ـ "إعلان حقوق الإنسان وواجباته في الإسلام"، وقد صدر عن رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في سنة 1979.

2ـ "البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان"، وقد صدر عن المجلس الإسلامي الأوربي في لندن سنة 1980.

3ـ "مشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام" الذي صدر عن مؤتمر قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في الطائف سنة 1989.

4ـ "مشروع حقوق الإنسان في الإسلام"، الذي قدم إلى المؤتمر الخامس لحقوق الإنسان في طهران، في كانون الأول ديسمبر1989.

5ـ "إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام" سنة 1990 .

6ـ "إعلان بشأن حقوق الطفل ورعايته في الإسلام"، وقد صدر في المغرب سنة 1994.

هذا إلى جانب مبادرات وصياغات أخرى متفرقة، بعضها بجهد فردي، وبعضها بجهد جماعي مؤسسي، وجميعها لا يزال في مرحلة الإعلان والبيان والتعريف دون أن تحمل أي قوة إلزامية وخاصة في مواجهة أنظمة الحكم التي تمارس عمليات انتهاك حقوق الإنسان في كثير من بقاع العالمين العربي والإسلامي، حسبما توضح التقارير الدورية التي تصدر عن منظمات حقوق الإنسان في العالم.

عصمة الآدمي.. نقطة البدء

إن نقطة البدء في تأسيس خصوصية النظرية الإسلامية في حقوق الإنسان هي "عصمة الآدمي" في ذاته وكما خلقه الله، وهذا هو الأصل الكبير الذي يخوله الحقوق الأخرى جميعها. وليس أفضل من الدراسة المقارنة لتوضيح الفروق الجوهرية بين هذه الرؤية الإسلامية والرؤى الأخرى، وخاصة الرؤية الغربية التي عبرت عنها إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان ذائعة الصيت، وهو ما حاولنا عمله في هذا البحث من خلال مقارنة بعض الحقوق الأساسية (الحق في الحياة ـ المساواة ـ الحرية)، وبيان مكامن الاختلاف وأوجه الاتفاق بين ما تضمنته مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان الغربية، والمواثيق والإعلانات الإسلامية، مع تفسير الأساس المعرفي/ الفلسفي للاختلاف في حالة وجوده.

ولمزيد من التأكيد على الأطروحة التي نتبناها وهي أن خصوصية نظرية حقوق الإنسان في الإسلام هي في عالمية هذه النظرية نقول إن الدعامة الأساسية التي اتخذها الإسلام لكل ما شرعه من عقائد ونظم وقوانين هي "حرية الفرد"، والإقرار بقدرته على الاختيار بملء إرادته دون حاجة إلى وسيط أو وصي ـ اللهم إلا في حالات نادرة واستثناءات محددة تتعلق بفقدان الأهلية، أو تعرضها للنقص بسبب عيب من العيوب، بل إن بعض الفقهاء العظام من أمثال أبي حنيفة النعمان ذهبوا إلى أنه لا يجوز الحجر على السفيه، والسفه عيب من عيوب الأهلية كما هو معروف، وعلل أبو حنيفة ذلك بالقول بأن الحجر على السفيه إهدار لآدميته، وإلحاق له بالبهائم، وأن الضرر الإنساني الذي يلحقه من جراء هذا الإهدار يزيد كثيراً على الضرر المادي الذي يترتب على سوء تصرفه في أمواله، وأنه لا يجوز أن يدفع ضرر بضرر أعظم منه!.

وبتقرير الحرية الفردية على هذا النحو الذي ألمحنا إليه، تقررت جملة الحقوق الأساسية المرتبطة بكيان الإنسان وآدميته، وفي مقدمتها الحقوق المتعلقة بحرية التفكير والتعبير، وحرية البحث والتأمل، أو ما نطلق عليه بتعبيراتنا المعاصرة" الحرية الأكاديمية"، وهي التي تعني أن يكون لكل فرد الحق في تقرير ما يراه في صدد دراسة الظواهر الاجتماعية والطبيعية، والأخذ بما يؤدي إليه البحث من نتائج، ولا يوجد في أصول الإسلام وتعاليمه، ولا في اجتهادات الأئمة المعتبرين أي توجيه يهدف إلى فرض الأخذ بنظرية علمية بشأن أي ظاهرة من الظواهر، عكس ما عرفته بعض الممارسات في تاريخ الأديان والثقافات الأخرى، وعرفت في سياقها محاكم التفتيش.



--------------------------------------------------------------------------------

الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة - مصر