مشاهدة النسخة كاملة : فتاوي وأحكام مع الدكتور العلامة يوسف القرضاوي ..
السلام عليكم
أكبر ما يشغل عامة المسلمين هو مدى ارتباط سلوكاتهم ومستجدات حياتهم اليومية بما جاءت به تعاليم ديننا السمح من أحكام ..ولاشك أن حاضر أمتنا يختلف حتما عن ماضيها ومااستجد في حياة المسلم اليوم لم يكن حادثا في ماضيه .فانبرى ثلة من العلماء وعلى رأسهم الشيخ الدكتور العلامة يوسف القرضاوي .يتصدون لهذا الزخم من المستجدات ..مبرزين أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان وأن اسلامنا لم يُصب بالوهن والكلل مثلما حدث لأديان أخرى في مواجهة سيل مستجدات العصر والحداثة ..فليس لحادثة منأى من أن يصيبها سهم حكم من أحكام الشريعة ولالنازلة الا وأن تكون صيدا لرأي أهل العلم والفقه .فحمدا لله على ما انعم به علينا من نعمة الإسلام ..
أنتقي لكم أيها الأحبة ما تطاله اليد من أسئلة وأجوبة عليها في رحاب فيض علم الشيخ الدكتور العلامة القرضاوي حفظه الله ..وبارك الله في متابعتكم الطيبة ..ويتبع مع المشاركة اللاحقة في هذا الموضوع .
مفاتيح الرزق
السؤال
ما نصيحتكم لمن ضُيِّق عليه في الرزق؟
جواب فضيلة الشيخ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فنصيحتي لك أخي الحبيب، وجميع المسلمين مطلوبة طلب وجوب، حيث جعلها الرسول الكريم خلاصة الدين، كما رواه عنه صاحبه تميم الداري، في الحديث الذي رواه مسلم، وهو من أحاديث الأربعين النووية: "الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"، وهذه النصيحة تتمثل في عدة أمور، مأخوذة من الكتاب والسنة.
وقبل أن أذكر لك نصيحتي بتفاصيلها أود أن تعلم: أن الضيق والسعة في الرزق مسألة نسبية، فكم من أناس يحسبون أنهم في ضيق، ولكن البركة تجعل ضيقهم واسعا، والقناعة بما رزق الله يكفيهم، والرضا بما قسم الله يغنيهم، والشاعر يقول:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
وفي الحديث: "ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس".
ويقول الشاعر:
إذا كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء!
فهذه أول ما أنصحك ونفسي به، فقد تملك الكثير، ولكنه لا يقنعك ولا يغنيك، لأنك أبدا تقول: هل من مزيد.
وعلى كل حال، أبدأ ببيان الأسباب التي يوسع الله بها على الإنسان في رزقه الحلال، وهي كما يلي:
أولا: تقوى الله تبارك وتعالى:
وهذه أول أسباب سعة الرزق وبركته، فقد وعد سبحانه المتقين بذلك، فقال في كتابه الكريم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق:2-3]، وقال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف:96]، وقال تعالى عن أهل الكتاب: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}[المائدة:66] .
وتقوى الله تكون بفعل ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
ثانيًا: التوبة والاستغفار:
فمن طبيعة الإنسان أنه ضعيف، كما قال الله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء:28]، لا ينفك عن التقصير والعصيان، والمخالفات، في ترك المأمور، وارتكاب المحظور، وإن من مخاطر الذنوب أنها سبب من أسباب حرمان الرزق والبركة فيه، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ" رواه أحمد وحسنه مخرجوه لغيره.
وما حُرم اليهود من الطيبات إلا بسبب ظلمهم ومعاصيهم، قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[النساء:160-161] .
ولكي ينجو الإنسان من هذه التبعات، ويحفظ عليه رزقه، ولا تضره المعصية، كان من الواجب عليه أن يلجأ سريعًا إلى ربه، تائبًا مستغفرًا نادمًا على ما وقع منه من ذنوب وخطايا، فالاستغفار يهدم الذنوب، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها، كما أنهما سبب من أسباب الرزق، قال تعالى على لسان نبيه هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}[هود:52] .
يقول ابن كثير: (أمر هود عليه السلام قومه بالاستغفار، الذي فيه تكفير الذنوب السالفة، وبالتوبة عما يستقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة يسَّر الله عليه رزقه، وسهَّل عليه أمره، وحفظ شأنه) أهـ.
وقال سبحانه على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح:10-12]. يقول القرطبي رحمه الله: (في هذه الآية والتي في هود دليلٌ على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار) أهـ.
ويقول ابن كثير رحمه الله: (أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخلَّلها بالأنهار الجارية بينها)أهـ.
وقد روى مطرف عن الشعبي أن أمير المؤمنين عمر خرج يستسقي بالناس، فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فقيل له: ما سمعناك استسقيت. فقال: طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر – أي المطر – ثم قرأ: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً".
وشكا رجل إلى الحسن البصري الجدب، فقال له: (استغفر الله)، وشكا آخر الفقر، فقال له: (استغفر الله). وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: (استغفر الله). وشكا إليه رجلٌ جفاف بستانه، فقال له: (استغفر الله). فقالوا له في ذلك: أتاك رجال يشكون أنواعاً، فأمرتَهم كلهم بالاستغفار. فقال: (ما قلتُ من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} .
ثالثا: بر الوالدين وصلة الرحم:
وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة، منها:
ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله يقول: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". وما رواه البخاري أيضًا من حديث أنس بن مالك أن رسول الله قال: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" رواه البخاري. وقد عنون البخاري رحمه الله على هذين الحديثين بقوله: (باب من بُسط له في الرزق بصلة الرحم) .
وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي أهْلهِ، مَثْرَاةٌ فِي مَالِه، مَنْسَأَةٌ فِي أَثَرِهِ" وقال مخرجو المسند: إسناده حسن. وصححه الألباني.
وروى الإمام أحمد أيضًا من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" وقال مخرجو المسند: إسناده قوي، وفي الأدب المفرد: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (مَنِ اتقى ربه، ووصل رحمه، نُسّىءَ في أجله -وفي لفظ: أُنسيء لَهُ فِي عُمُرهِ- وَثَرَى مَالُهُ، وأحبَّه أهله) .
فهذه جملة من الأحاديث، يتبين للمتأمل فيها، قيمة صلة الرحم، وثمراتها، والتي من أهمها: البسط في الرزق، والزيادة في العمر، ودفع ميتة السوء، ومحبة الأهل، وأولى الناس بصلتهم هم الوالدان وذوو القربى، ثم الأدنى فالأدنى.
وتكون الصلة بأشياء كثيرة، منها: الإحسان إليهم، وزيارتهم، ومودتهم، والسؤال عنهم، وتفقد أحوالهم، وإعانة فقيرهم، واحترام كبيرهم، ومواساتهم في أحزانهم، ومشاركتهم في أفراحهم، كما تكون بالدعاء لهم بظهر الغيب، وحسن الظن بهم، وسلامة الصدر نحوهم، وإجابة دعوتهم، ودعوتهم إلى الهدى، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. كما تكون أيضاً بالمال، وبالمساعدة والمساندة في الحاجات والضرورات.. ونحو ذلك.
رابعا: الإنفاق في سبيل الله:
وهذه من أهم أسباب سعة الرزق، وكثير من الناس فرط فيه، بدعوى الخوف من الفقر والفاقة، مع كثرة النصوص الواردة في الحض والحث على الانفاق في سبيل الله من الكتاب والسنة، ومن ذلك:
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ:39]، يقول ابن كثير رحمه الله: (أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به، وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب) .
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:267-268] .
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم، أنفق أنفق عليك" رواه مسلم، وقوله: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا" رواه الشيخان.
فكل هذه الأحاديث تحثُّ على الإنفاق في وجوه الخير، وتبشِّر بالخلف من فضل الله تعالى على من أنفق، وترفع من شأن المنفق في القلوب.
خامسا: الإحسان إلى الضعفاء:
فهي من الأسباب التي يرزق الله بها العباد وينصرهم، وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث مصعب بن سعد رضي الله عنه، حيث رأى سعد أن له فضلاً على من دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" رواه البخاري. وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ابغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم" رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني. وفي قصة أصحاب الجنة الذين قصَّ الله خبرهم في سورة القلم العبرة والعظة.
سادسا: استحضار القلب في العبادات:
ومن الأسباب التي يستجلب بها الرزق: تفريغ القلب للعبادة عند أدائها، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملاً صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك"، رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقاً. يا بن آدم، لا تباعدني فأملأ قلبك فقرا، وأملأ يديك شغلاً" رواه الحاكم، وصححه الألباني.
ففي هذين الحديثين وعد الله تعالى مَنْ تفرغ لعبادته بشيئين هما: ملء قلبه بالغنى، ويديه بالرزق.
وليس في الحديث ما يدعو إلى البطالة وترك العمل، والانقطاع عن طلب الرزق، وإنما المراد أن يكون القلب حاضرًا أثناء العبادة، مفرغًا من الشواغل والهموم، التي تشغل العبد عن ربه تعالى، وحينها يستشعر القلب أنه يناجي مالك الأرض والسماء، فيستغني به عمن سواه، فيسعد القلب بالطاعة، وتكثر الحياة بالأرزاق.
سابعا: شكر الله على النعم الموجودة:
ومن أسباب زيادة الرزق، هو شكر الله على النعم السابغة، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم:7]، فالشكر يقيد النعم الموجودة، ويجلب النعم المفقودة، وفي ذلك يقول عمر بن عبد العزيز: (قيَّدوا نعم الله بشكر الله، فالشكر قيد النعم، وسبب المزيد). ويكون شكر الله بإقرار القلب بالنعمة، والثناء باللسان على الله، واستعمال هذه النعمة فيما يرضي الله سبحانه.
ثامنا: الزواج:
يقول الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور:32]، ويقول عمر بن الخطاب: عجباً لمن لم يلتمس الغنى في النكاح، والله يقول: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} .
ومن الأشياء التي جعلها الإسلام سببًا لنفي الفقر وسعة الرزق: المتابعة بين الحج والعمرة، ففي الحديث عن
تاسعا: المتابعة بين الحج والعمرة:ابن عباس مرفوعا: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة" والحديث رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني.
والمتابعة بين الحج والعمرة لها معنيان عند العلماء: الأول: المتابعة بين الحج والعمرة بتكرارهما مرات لمن يستطيع ذلك. والثاني: أن يجعل أحدهما تابعًا للآخر واقعًا على عقبه، فإذا حج اعتمر، وإذا اعتمر حج.
عاشرا: الأخذ بأسباب الكسب:
ولا يكفي ما سبق دون الأخذ بأسباب الكسب، فقد جرت سنة الله ألا ينال رزقه إلا بكدح وسعي، فمن جد وجد، ومن زرع حصد. يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك:15]. فمن مشى في مناكب الأرض الذَّلول، أكل من رزق الله، ومن قعد وتقاعس - بلا عذر- كان جديرا ألا يأكل، إلا أخذًا من حق غيره من المشاة العاملين.
ولهذا دعا الإسلام إلى السعي والعمل، وحذر من البطالة والكسل. {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[الجمعة:10]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده" رواه البخاري. وينفر من سؤال الناس تنفيراً كبيراً فيقول: "ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم".
وجماع ذلك كله ما ذكرناه في البداية من تقوى الله بعمل الطاعات واجتناب المعاصي، فما استجلبت نعم الله بمثل الطاعة، وما محقت بركتها بمثل المعصية.
وأسأل الله عز وجل أن يمن عليك وعلى المسلمين برزق حلال طيب مبارك فيه. والحمد لله رب العالمين.
أبوياسين
2017-10-26, 17:24
ولما هذا السب والشتم المسلم ليس لعانا ولا الفاحش و أي علماء تقصد في هذا الزمن
بوركت يا أستاذ ابا ياسين فالمسلم ليس بالشتام السباب ..نقول بألسنتنا أننا على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن فعالنا تخالف أقوالنا هدى الله الجميع ..
السؤال: هل تعلم اللغات أمر واجب على المسلمين، وخاصة في ظل الأوضاع الحالية، وتشويه صورة الإسلام ؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين،وبعد:
من فروض الكفاية الواجبة على مجموع الأمة : تعلُّم لغات الآخرين عند الحاجة إليها، وخصوصًا إذا كان عندهم ما ليس عند المسلمين، من علم يؤخذ أو حكمة تُقتبس، فلا سبيل إلى الانتفاع بما عند غيرك إذا جهلت لغته، ولم يمنع الإسلام من تعلُّم لغات الآخرين، بل دعا إليها باعتبارها وسيلة للتفاهم بين البشر، كما أنها وسيلة لنشر دعوته في العالم، فهي هنا فرض كفاية.
وذلك أن رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسالة عالمية، فهو ـ وإن كان عربيًّا، والكتاب المُنزَّل عليه عربي، وقد أرسله الله بلسان قومه ليبين لهم ـ قد بُعث للناس كافة (ليكونَ للعالمين نذيرًا) (الفرقان: 19). (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين) (الأنبياء: 107) (قلْ يا أيُّها الناسُ إني رسولُ اللهِ إليكم جميعًا) (الأعراف: 158).
فلابد من ترجمة بينه وبين أرباب اللغات الأخرى، حتى يمكنه تبليغ الدعوة إليهم، وتلقِّي الإجابة منهم. وقد كان عنده ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أصحابه من يعرف الفارسية والرومية والحبشية، ويكفيه هم الترجمة منها وإليها، ولكن لم يكن عنده من يعرف اللغة السريانية التي يكتب بها يهود، فأمر بذلك كاتب وحيه الأنصاري النابغة: ـ زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ ليتقنها قراءة وكتابة، ويستغني بها عن الوسطاء من اليهود في ذلك، وبخاصة أنهم غير مأمونين.
قال زيد : أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتعلمتُ له كتاب يهود بالسريانية وقال: إني والله ما آمن يهود على كتابي، فما مر لي نصف شهر حتى تعلمته وحذقته، فكنت أكتب له إليهم، واقرأ له كتبهم. (رواه البخاري، وأبو داود والترمذي) ولعله كان على شيء من المعرفة بها من قبل (لمجاورة الأنصار لليهود) حتى أمكنه أن يحذقها في هذه المدة القصيرة.
ومن هنا حرص كثير من المسلمين ـ في عصور ازدهار حضارتهم ـ على معرفة اللغات، فترجموا منها وإليها، وقال في ذلك الشاعر :
بقدر لغات المرء يكثر نفعه ** فتلك له عند الملمَّات أعوان
فأقبل على درس اللغات وحفظها ** فكل لسان في الحقيقة إنسان! .
والله أعلم
قعود القادر عن العمل حرام
فتوى للكتور العلامة فقيه العصر والزمان . يوسف القرضاوي
لا يحل للمسلم أن يكسل عن طلب رزقه، باسم التفرغ للعبادة، أو التوكل على الله، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة. كما لا يحل له أن يعتمد على صدقة يمنحها، وهو يملك من أسباب القوة ما يسعى به على نفسه، ويغني به أهله ومن يعول. وفي ذلك يقول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة (أي قوة) سوي".
ومن أشد ما قاومه النبي عليه الصلاة والسلام، وحرمه على المسلم، أن يلجأ إلى سؤال الناس، فيريق ماء وجهه، ويخدش مروءته وكرامته من غير ضرورة تلجئه إلى السؤال. قال عليه السلام: "الذي يسأل من غير حاجة كمثل الذي يلتقط الجمر". وقال: "من سأل الناس ليثري به مال كان خموشا في وجهه يوم القيامة، ورضفا يأكله من جهنم، فمن شاء فليقلل، ومن شاء فليكثر". والرضف هو: الحجارة المحماة.
وقال: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليست في وجهه مزعة لحم". بمثل هذه القوارع الشديدة صان النبي صلى الله عليه وسلم للمسلم كرامته، وعوده التعفف، والاعتماد على النفس، والبعد عن تكفف الناس.
متى تباح المسألة؟
ولكن الرسول صلوات الله عليه يقدر للضرورة والحاجة قدرها، فمن اضطر تحت ضغط الحاجة إلى السؤال وطلب المعونة من الحكومة أو الأفراد فلا جناح عليه قال: "إنما المسائل كدوح يكدح الرجل بها وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدا".
روى مسلم في (صحيحه) عن أبي بشر قبيصة بن المخارق رضي الله عنه قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة؛ رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش. ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة! فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش… فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا".(1)
الكرامة في العمل
وينفي النبي صلى الله عليه وسلم فكرة احتقار بعض الناس لبعض المهن والأعمال، ويعلم أصحابه أن الكرامة كل الكرامة في العمل أي عمل، وأن الهوان والضعة في الاعتماد على معونة الناس يقول: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها. فيكف الله بها وجهه خير من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه".
فللمسلم أن يكتسب عن طريق الزراعة أو التجارة أو الصناعة أو في أي حرفة من الحرف أو وظيفة من الوظائف، ما دامت لا تقوم على حرام، أو تعين على حرام، أو تقترن بحرام.
.....................
* من كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" لفضيلة الشيخ.
(1) الحمالة: ما يتحمله المصلح بين فئتين في ماله ليرتفع بينهم القتال ونحوه .
الجائحة: الآفة تصيب الإنسان في ماله.
القوام: ما يقوم به حال الإنسان من مال غيره.
الحجا: العقل والرأي.
السؤال: يعتمد الكتاب الإسلاميون في حديثهم عن الطلاق وموقف الإسلام منه على الحديث المشهور (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ولكني قرأت لبعض العلماء المشتغلين بعلم الحديث، ما يفيد تضعيف الحديث المذكور. فهل لديكم أسانيد أخرى لتنفير الإسلام من الطلاق، وخصوصا أنكم استندتم في بعض كتبكم إلى هذا الحديث أيضا؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
ما أثاره الأخ السائل يتضمن عدة نقاط:
1. تصحيح الحديث المذكور ثبوتا ودلالة.
2. بيان ما يعضده من أدلة أخرى من الكتاب والسنة تنفر من الطلاق.
3. بيان ما يؤيده من قواعد الشرع.
أولا: حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)
رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم من حديث محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعا. ورواه أبو داود والبيهقي مرسلا -ليس فيه ابن عمر- ورجح أبو حاتم والدارقطني في العلل والبيهقي المرسل. وأورده ابن الجوزي في "العلل المتناهية" بإسناد ابن ماجه، وضعفه بعبيد الله بن الوليد الوصافي وهو ضعيف.
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: ولكنه لم ينفرد به، فقد تابعه معروف بن واصل، إلا أن المنفرد عنه بوصله محمد بن خالد الوهبي.أهـ أقول: ومحمد بن خالد: قال الآجري عن أبي داود لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني: ثقة. كذا في تهذيب التهذيب جـ9، ص143. وأخرجه الحاكم من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة موصولا بلفظ: (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) ثم قال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وزاد بأنه على شرط مسلم (المستدرك وتلخيصه جـ2، ص196).
قال ابن التركماني: فهذا يقتضي ترجيح الوصل، لأنه زيادة، وقد جاء من وجوه (ولهذا رمز السيوطي في الجامع الصغير إلى الحديث بالصحة، واعترضه المناوي في "الفيض" بما ذكره ابن حجر) (الجوهر النقي مع السنن الكبرى جـ7، ص222، 223). ولكن إن نزل الحديث عن درجة الصحة، فلن ينزل عن درجة الحسن.
ومن الناس من ضعف هذا الحديث من جهة معناه، فقد قال: كيف يكون حلالا ومبغوضا عند الله؟ فهذا تناقض يدل على ضعف الحديث. وأجاب بعضهم: بأن الحديث يدل على أن الحلال ينقسم إلى ما هو محبوب ومبغوض بحسب ما يعرض له، فليس كل حلال محبوبا. وقال الخطابي في معالم السنن: معنى الكراهية فيه ينصرف إلى السبب الجالب للطلاق، وهو سوء العشرة، وقلة الموافقة الداعية إلى الطلاق، لا إلى نفس الطلاق. وقد يقال: الطلاق حلال لذاته، والأبغضية لما يترتب عليه من انجرار إلى المعصية.
ثانيا: إن القرآن الكريم رغب في إمساك الزوجة المكروهة من زوجها، والصبر عليها، إبقاء على الأسرة، وحرصا على استمرارها. قال تعالى: "وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا" (النساء:19).
فأما الزوجة المطيعة الموافقة، فلا وجه لإيذائها بالفرقة، وإيحاشها بالطلاق، مع عدم الحاجة إليه، إلا أن يكون ضربا من البغي عليها، ولا سيما إذا كانت ذات أولاد منه. وقد قال تعالى في شأن الناشزات من الزوجات: "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا" (النساء:34)، فإذا كان البغي منهيا عنه، ولو على المرأة الناشز مادامت قد عادت إلى حظيرة الطاعة والموافقة، فكيف بالنساء الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله؟!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
إن الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة كما ثبت في الصحيح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس ينصب عرشه على البحر، ويبعث سراياه، فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة، فيأتيه الشيطان فيقول: مازلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: أنت أنت! ويلتزمه!".
وقد قال تعالى في ذم السحر: "فيتعلمون منها ما يفرقون به بين المرء وزوجه" (البقرة:102). وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المختلعات هن المنافقات". وفي السنن أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة"؛ ولهذا لم يبح إلا ثلاث مرات، وحرمت عليه المرأة بعد الثالثة، حتى تنكح زوجا غيره. "إذا كان إنما أبيح للحاجة، فالحاجة تندفع بواحدة، فما زاد فهو باق على الحظر"(مجموع فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج33 ص81).
ثالثا: ومن ناحية الأصول والقواعد الشرعية:
1. نجد أن الطلاق، كما قال صاحب "الهداية" من الحنفية: قاطع للنكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية (أنظر: رد المختار ج2 ص572 ط.استانبول.).
2. وأنه - كما نقل صاحب "المغنى" من الحنابلة - ضرر بالزوج وبالزوجة، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما، من غير حاجة إليه، فكان حراما كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)(المغني لابن قدامة ج7 ص77 والحديث رواه ابن ماجة والدارقطني، وهو صحيح بمجموع طرقه.).
3. إنه كما ذكر ابن عابدين من متأخري الحنفية -إذا كان بلا سبب أصلا، لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقا وسفاهة رأي، ومجرد كفران بالنعمة، وإخلاص الإيذاء بها (بالمرأة) وبأهلها وأولادها… فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعا، يبقى على أصله من الحظر. ولهذا قال تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) أي لا تطلبوا الفراق(رد المختار السابق).
وبهذا يتضح لنا: أن الحديث صالح للاستدلال به، تعضده الأدلة من القرآن والسنة، كما تؤيده أصول الشرع وقواعده. والله أعلم.
حكم بيع الأشياء المحرمة
نشر بتاريخ 31 Oct 2017 الزيارات 1
د. يوسف القرضاوي
خلق الله الناس على حالة يحتاج فيها بعضهم إلى بعض، فليس يملك كل فرد كل ما يهمه ويكفيه، بل يملك هذا بعض ما يستغني عنه، ويحتاج إلى بعض ما يستغني عنه الآخرون، فألهمهم الله أن يتبادلوا السلع والمنافع بالبيع والشراء وسائر هذه المعاملات حتى تستقيم الحياة، ويسير دولابها بالخير والإنتاج.
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وللعرب أنواع من البيع والشراء والمبادلات، فأقرهم على بعضها، مما لا يتنافى ومبادئ الشريعة التي جاء بها. ونهاهم عن البعض الآخر مما لا يتفق وأهدافها وتوجيهاتها. وهذا النهي يدور على معان منها: الإعانة على المعصية والغرر والاستغلال، والظلم لأحد المتعاقدين، ونحو ذلك.
فما جرت العادة بأن يقتنى لمعصية حظرها الإسلام، أو يكون الانتفاع المقصود به عند الناس نوعا من المعصية، فبيعه والاتجار به حرام، كالخنزير والخمر والأطعمة والأشربة المحرمة بعامة، والأصنام والصلبان والتماثيل ونحوها، ذلك أن في إجازة بيعها والاتجار فيها تنويها بتلك المعاصي، وحملا للناس عليها أو تسهيلا لهم في اتخاذها، وتقريبا لهم منا.
وفي تحريم بيعها واقتنائها إهمال لها وإخمال لذكرها، وإبعاد للناس عن مباشرتها. ولذا قال عليه السلام: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه".
...................
* من كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" لفضيلة العلامة.الدكتور الشيخ القرضاوي حفظه الله
السؤال:
هل يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته الألمانية المسلمة من زيارة والديها النصرانيين منعا مطلقا، أو يسمح لها بزيارتهما نادرا، وهل يحبذ الإسلام لمن دخل فيه أن يجفوا أهله ويقطع رحمه؟
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد...
لا يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته المسلمة من زيارة والديها النصرانيين لأنها بمقتضى إسلامها مأمورة ببرهما ومصاحبتهما بالمعروف، بل هذا أمر جعله الإسلام بعد توحيد الله تبارك وتعالى {قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} (الإسراء:23) ؛ وذلك أن أعظم حقوق العباد بعد حق الله سبحانه وتعالى هو حق الوالدين.
حتى الوالدان المشركان لم يمنع الإسلام من برهما مع شركهما، بل لم يمنع من ذلك وإن جاهدا ولدهما على الخروج من الإسلام، والدخول في الشرك، وحاولا ذلك محاولة جاهدة عبر عنها القرآن بالجهاد كما قال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن، وفصاله في عامين: أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير، وإن جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفا} (لقمان:14 – 15) فأمر الله تعالى بعصيانهما في الدعوة إلى الشرك كما امر بمصاحبتهما بالمعروف.
وقد جاءت أسماء بنت أبي بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية، تستفتيه وتقول له: يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي مشركة، أفأصلها؟ (أي أحسن إليها وأعطيها بعض المال) قال:"نعم، صلي أمك". قالوا: وفي مثل هذا نزل قوله تعالى في سورة الممتحنة: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة:81) .
والإسلام قد فرض الوصية للوالدين غير المسلمين كما هو ظاهر قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} (البقرة:180) ومن المعروف أن الوالدين المسلمين لا يجوز لهما الوصية، لأنهما وارثان، ولا وصية لوارث.
وإنما المقصود هنا الوالدان غير المسلمين والأقربون غير المسلمين، فإن عدم إسلامهما لم يلغ مالهما من حقوق الوالدية، وكذلك عدم إسلام الأقربين لم يلغ مالهم من حقوق الرحم، وقد قال الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} (النساء:11) ، والإسلام اعتبر المصاهرة إحدى رابطتين طبيعيتين تربط بين البشر، والرابطة الأخرى هي النسب، قال تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا} (الفرقان:54) .
فلا يجوز إنكار هذه الرابطة الفطرية ولا إهمالها، وينبغي للزوج أن يحسن علاقته بأحمائه، وأقارب زوجته وخصوصا أبويها، وأن يتودد لهم، ويحسن إليهم، حتى يحببهم إلى الإسلام. وإنما انتشر الإسلام في العالم بحسن أخلاق المسلمين، وحسن تعاملهم ومعاشرتهم للآخرين.
ولا يجوز للمسلم أن يمنع زوجته من بر والديها، ينبغي أن يحرضها على ذلك، ويذهب معها إلى زيارتهما، ويدعوهما إلى زيارته في بيته، فهذا مقتضى المصاهرة التي شرعها الله تعالى، فهؤلاء أجداد أطفاله وجداتهم، وإخوانها أخوالهم، وأخواتها خالاتهم، ولهم جميعا حقوق ذوي الأرحام وأولي القربى.
وقد حكى لي بعض الإخوة الفضلاء الذين يعيشون في أوربا أن أصهارهم دخلوا في الإسلام بسبب حسن معاشرتهم لهم ولزوجاتهم، وحدثني آخرون أن أصهارهم على وشك الدخول في الإسلام، ولكنهم ـ وإن لم يدخلوا ـ أصبحوا ألسنة صدق في الثناء على الإسلام وأخلاق المسلمين.
وعرفت من بعض الإخوة أنه كان هناك رجلٌ سيء العشرة، شديد القسوة على امرأته، حتى إنه كان يسبها ويضربها بعنف، حتى إن أولاده منها كرهوه غاية الكره، حتى قال بعضهم لأمه: لأن كبرتُ لأقتلنَ أبي هذا، لأنه يهينك ويؤذيك بغير حق، ولأنتقمنّ منه، ثم فارقت هذا الرجل الظالم بعد أن دفعت له ما دفعت، وعوضها الله برجل مسلم حقيقي، عاملها أكرم معامله، واعتبر أولادها كأولاده، وأظهر من الحب والود ما جعل الأولاد يتعلقون به، ويحبون الإسلام من خلاله، وكذلك أهلها.
وعرفت وأنا في اليابان منذ أشهر، أن رجلا من هؤلاء المسلمين الأجلاف الغلاظ منع زوجته من زيارة أبيها، وكان مريضا، ثم اشتد عليه المرض، فكررت الطلب، وكرر الرفض، ولما يئست من ذلك الزوج أعلنت ردتها عن الإسلام، والعياذ بالله!
إن حسن المعاملة يحبب الإسلام إلى الناس ويدخلهم فيه أفواجا، وإن سوء المعاملة ينفر الناس من الإسلام ويخرجهم منه بعد دخولهم فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
divanojake
2017-11-09, 18:48
جزاك الله خيرا
كيف أرد ما أخذته من مال الدولة؟
السؤال: كنت وأنا صغير في المدرسة أقوم بأخذ الكراسات وبعض الكتب من المخزن سرًّا وخفية, وكنت أعتقد أن هذه أموال حكومية ولا يلحقني في ذلك شيء, وكنت أعطي هذه الكراسات والكتب لأخي, الذي كان يعمل تاجرا, ليبيعها، وأقول له: المدرسة قد سلمت لي هذه الأشياء. وأنا الآن لا أعرف عددها, ولا قيمتها التي باعها بها أخي, وسؤالي هو: كيف يصحِّح الإنسان هذا الأمر؟ ويتخلص من أثر هذا الحرام؟ وأنا الآن نادم أشد الندم على هذا الشيء الذي حصل.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
شيء طيب أن ضمير هذا الأخ استيقظ, والتوبة ممكنة من أي ذنب, لا يمكن أن يسد الشرع باب التوبة, الذي عليه الآن أن ينظر هذه الأشياء كم تساوي بالتقريب, ويتصدق بها على الفقراء في دولته، لأنه لن يستطيع أن يعيدها للدولة, وأسأل ربنا أن يغفر للأخ السائل له ما مضى إن شاء الله.
وأحب هنا أن أنبه إلى أن الإسلام حذر أشد التحذير من أخذ المال العام بغير حق؛ لأن لكل واحد من أبناء الشعب فيه حقًّا، فإذا اختلس شيئًا أو انتهبه دونهم، فقد ظلمهم جميعًا. وأمسوا كلهم خصماءه يوم القيامة.
السؤال: ما الحكم في أنواع التأمين المختلفة؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أولا أحب أن أقول: لا يوجد فقيه واحد أباح التأمين إباحة مطلقة؛ فلم يفتح أي فقيه الباب على مصراعيه، أعظم من قال بإباحة التأمين وأشهرهم وأبلغهم هو الفقيه العلامة الشيخ مصطفى الزرقا حفظه الله، هو أول من نادى بذلك بقوة، وكتب فيه كتابا، وكان ذلك في المؤتمر الذي عقده المجلس الأعلى للآداب والفنون أيام الوحدة بين مصر وسوريا وقدم هذا، ثم قدمه للمؤتمر الاقتصادي الذي عقد سنة 1976م في مكة المكرمة وطوره وأصبح له كتاب كبير في هذا، هو لم يقل بإباحة التأمين الحالي بعُجَرِه وبُجَرِه لا.. هو يقول: لا بد أن نخلصه من الشوائب.
الفقهاء الذين تحدثوا في قضية التأمين:
الشيخ الزرقا، ومثله الشيخ الخفيف رحمه الله، ومثله الشيخ عبد الله بن زيد المحمود هنا في قطر له رسالة في أحكام التأمين، وهؤلاء طبعا الذين أجازوا التأمين من حيث هو عقد؛ يعني قالوا: التأمين كعقد لا غبار عليه، إنما الذي لم يجزه التأمين من حيث التطبيق الحالي، فإذا استطعنا أن نزيل الربا فمن الممكن أن يدخل فيه الربا، وممكن الشركة نفسها تتعامل بالربا، نزيل الشروط الفاسدة، إذا كان هناك غرر فاحش نحاول أن نقلل من هذا الغرر..
بعض شركات التأمين تستغل حاجة الناس إلى هذا التأمين؛ فترفع من قيمة التأمين، وتأخذ أشياء كثيرة جدا وتربح أرباحا هائلة، ليس فقط بقدر التكلفة وتربح ربحا مقبولا، لا بل تربح ربحا كبيرا جدا والناس مضطرون؛ فالذين أجازوا هذا قالوا: لا بد لكي يكون التأمين حلالا، وهم يرون أن العقد لا حرج فيه في حد ذاته، يقولون لك: لا بد أن نخلصه من شوائبه هذه حتى يكون حلالا.
هناك من يمنعون التأمين التجاري والتأمين عن الحياة، وأكثر الفقهاء يمنعونه وأنا منهم، إنما التأمين على الأشياء على الأموال على الممتلكات أقرب إلى الحِل، حتى إننا كنا في سنة 1972م في ندوة في ليبيا دعت إليها الجامعة الليبية وكلية الشريعة والدراسات الإسلامية والعربية هناك، وكان من ضمن الموضوعات التي بحثت في هذه الندوة كان موضوع التأمين، والجميع قالوا: لا داعي للتأمين على الحياة، إنما التأمين على الممتلكات يجوز في عصرنا، إلى أن يوجد البديل الإسلامي الخالص،
وهنا المفروض أن تكون محاولاتنا في البديل الإسلامي، والبديل الإسلامي هو التأمين الذي يطلق عليه "التأمين التعاوني" الذي لا يكون القصد فيه الاسترباح؛ فشركات التأمين هي شركات تحاول أن تربح، تربح من حاجات الناس إلى الأمن فهي تربح وتربح أرباحا فاحشة؛ فالفقهاء في عصرنا حاولوا أن يوجدوا البديل، وهذه مهمة الفقه؛ فبدل أن يقول للناس هذا حرام، قالوا البنوك الربوية حرام؛ فماذا نفعل؟ هاتوا بديلا.
وكانوا يقولون: مستحيل أن يوجد بديل، فلا تحلموا باقتصاد بغير بنوك ولا بنوك بغير فوائد، ولكن أمكن عمل بنوك بغير فوائد، وقام البديل عن البنوك الربوية، يبقى أيضا إيجاد البديل عن شركات التأمين الربوية التي هي جزء من النظام الرأسمالي الذي ورثناه -فيما ورثناه- عن الاستعمار؛ فنحن لم ننشئ هذه الأشياء، نحن ورثنا هذه الأشياء، كان الاستعمار في بلادنا وأنشأ هذه الأشياء، وورثنا هذه الأشياء من تراث الاستعمار، البديل هو التأمين التعاوني.
والله أعلم.
حكم سداد الديْن عن الميت
السؤال: رجل تُوُفِّيَ وعنده ابن وبنت وزوجة, وله راتب بعد وفاته, ثمانمائة ريال, هل يصح أن يؤخذ من الراتب أربعمائة ريال ليسد بها دينه, وأربعمائة ريال لأولاده وزوجته؟ مع العلم أن عليه من الديون عشرين ألف ريال.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
الأَوْلى أن نريحه في قبره بأداء هذا الدين, حتى لا يُعذَّب بسبب دينه؛ لأن الإنسان إذا مات وهو مدين يعذب على هذا الدين, خصوصًا إذا كان قادرًا في وقت من الأوقات أن يسدِّد ولم يسدِّد, يقول أبو هريرة: كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّيْن، فيسأل: "هل ترك لدينه من قضاء؟ ". فإن حُدِّث أنه ترك وفاء صلَّى عليه، وإلا قال: "صلًّوا على صاحبكم". فلما فتح الله عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوُفِّي وعليه دين فعليَّ قضاؤه"(1).
لا يصلي النبي صلى الله عليه وسلم على المدين زجرًا للناس أن يستدينوا ويموتوا ولم يقضوا ديونهم؛ لأن حقوق العباد مشدَّد فيها, ولا تُبنى على المسامحة, وإنما تبنى على المشاحَّة. بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يُغفَر للشهيد كلُّ ذنبٍ إلا الدَّيْن" (2).
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إنْ قُتلتُ في سبيل الله، صابرًا محتسبًا، مقبلًا غير مدبِر، أيكفِّرُ الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". فلما أدبر الرجل، ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر به فنودي له. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف قُلْتَ؟ ". فأعاد عليه قوله. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "نعم، إلا الدين. كذاك قال لي جبريل" (3).
فالديون فيها تشديد, فإذا كان هذا الأخ توفي وعليه عشرون ألف ريال, وله معاش يُصرف نحو ثمانمائة ريال فلا مانع أن يأخذ أهله أربعمائة ريال, والأربعمائة ريال الأخرى يسدد بها دينه على مدى خمسة وعشرين شهرًا, وإن كانوا من أهل اليسار والغنى فليسسدوا عنه دينه، فإذا كانوا يحبون هذا الشخص المدين ويريدون أن يخففوا عنه هذا العذاب يسدِّدوا هذا الدين, فعن جابر قال: تُوُفِّي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه. فخطا خُطًى، ثم قال: "أعليه دين؟ ". قلنا: دينارين. فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال: أبو قتادة الدينارين عليَّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحَقُّ الغريمِ وبرئ منهما الميت؟ " قال: نعم. فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: "ما فعل الديناران؟ " فقال: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتُهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن بَرَّدْتَ عليه جِلْدَه"(4).
..................
(1) رواه مسلم في الفرائض (1619).
(2) رواه مسلم في الإمارة (1886) ، وأحمد (7051) ، والحاكم في الجهاد (2554) ، عن عبد الله بن عمرو.
(3) رواه مسلم في الإمارة (1885) ، وأحمد (22585) ، والترمذي (1712) ، والنسائي (3157) ، كلاهما في الجهاد، عن أبي قتادة.
(4) رواه أحمد (22/405) ح(14536) ، وقال مخرجوه: إسناده حسن، والحاكم في البيوع (2/ 58) ، وصحح إسناده، ووافقه الذهبي.
علي المنتصر بالله
2017-11-22, 15:49
شكرا على الطرح اخي بوركتم
الاحتفال بمولد النبي والمناسبات الإسلامية
السؤال:
ما حكم الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من المناسبات الإسلامية مثل مقدم العام الهجري وذكرى الإسراء والمعراج؟
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ...
هناك من المسلمين من يعتبرون أي احتفاء أو أي اهتمام أو أي حديث بالذكريات الإسلامية، أو بالهجرة النبوية، أو بالإسراء والمعراج، أو بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغزوة بدر الكبرى، أو بفتح مكة، أو بأي حدث من أحداث سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، أو أي حديث عن هذه الموضوعات؛ يعتبرونه بدعة في الدين، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وهذا ليس بصحيح على إطلاقه، إنما الذي ننكره في هذه الأشياء الاحتفالات التي تخالطها المنكرات، وتخالطها مخالفات شرعية وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، كما يحدث في بعض البلاد في المولد النبوي وفي الموالد التي يقيمونها للأولياء والصالحين، ولكن إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة ؟!
إننا حينما نتحدث عن هذه الأحداث نذكر الناس بنعمة عظيمة، والتذكير بالنعم مشروع ومحمود ومطلوب، والله تعالى أمرنا بذلك في كتابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب:9-10) ، يذكر بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب، حينما غزت قريش وغطفان وأحابيشهما النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين في عقر دارهم، وأحاطوا بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، وأرادوا إبادة خضراء المسلمين واستئصال شأفتهم، وأنقذهم الله من هذه الورطة، وأرسل عليهم ريحاً وجنوداً لم يرها الناس من الملائكة..
يذكرهم الله بهذا، اذكروا لا تنسوا هذه الأشياء، معناها أنه يجب علينا أن نذكر هذه النعم ولا ننساها، وفي آية أخرى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المائدة:11) يذكرهم بما كان يهود بني قينقاع قد عزموا عليه أن يغتالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكروا مكرهم وكادوا كيدهم وكان مكر الله أقوى منهم وأسرع، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30) .
ذكر النعمة مطلوب إذن، نتذكر نعم الله في هذا، ونذكر المسلمين بهذه الأحداث وما فيها من عبر وما يستخلص منها من دروس، أيعاب هذا ؟ أيكون هذا بدعة وضلالة.
والله أعلم
بارك الله فيكم ..ويتبع ..
السؤال: هل المخاطب بالتكاليف الفرد أو الجماعة؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
التكاليف يخاطب بها الفرد والجماعة معًا, كل فرد مسؤول عن نفسه, مثلًا الزكاة أنا مطالب بها, {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]. فأنا مطالب بأن أقيم الصلاة وأن أؤدي الزكاة, هذا خطاب لكل فرد, والجماعة مسؤولة أيضًا مسؤولية تضامنية عن هذه الأمور, الجماعة مسؤولة عن إخراج الزكاة وعن إقامة الصلاة, فالفرد مسؤول ومكلف بالواجبات، والأمة مسؤؤلة مسؤولية تضامنية؛ لأن الله فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفرض النصيحة في الدين, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" (1). وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر, فريضة على الأمة، وكل مسلم مطالب بأن يوصي غيره بالحق, وأن يدعوه إلى الخير, وأن يأمره بالمعروف, وأن ينهاه عن المنكر.
لو أن أحد الأغنياء لم يعط الزكاة المفروضة، فعلى من حوله من أقاربه، ومن جيرانه، ومن يعرف حاله: أن يأمره بإيتاء الزكاة, ويبين له أنها حق الله, وحق الفقراء, وحق المجتمع, ويحذره من عقاب الله في الدنيا وعقابه في الآخرة, وأن الله يمحق ماله ويمحق بركته إن لم يخرج زكاته، وأنه تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35].
فمسؤولية المجتمع والدولة والأمة مسؤولية تضامنية، مع المسؤولية الفردية العينية التكليفية, ومن أجل هذا وجدنا القرآن يخاطب بالأحكام الجماعة المؤمنة, فمثلا يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]. ولم يقل: يا أيها المؤمن. لأن المؤمنين مسؤولون مسؤولية تضامنية عن إقامة الصيام, بحيث لو ضاع رمضان الجماعة مسؤولة عمن لم يصم. والإسلام لا يتصوَّر الإنسان وحده، إنما يتصوَّره في مجتمع، ولهذا توجهت التكاليف إليه بصيغة الجماعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، ولم يجئ في القرآن: (يا أيها المؤمن). وذلك أن تكاليف الإسلام تحتاج إلى التكاتف والتضامن في حملها والقيام بأعبائها، يستوي في ذلك العبادات والمعاملات.
فإذا نظرنا إلى فريضة كالصلاة، وجدنا أنها لا يمكن أن تقام كما يريد الإسلام، إلا بمسجد يتعاون الجميع على بنائه، ومؤذن يُعْلِم الناس بمواقيت الصلاة، وإمام يؤمُّهم، وخطيب يخطبهم، ومعلِّم يعلِّمهم، وهذا كلُّه لا يقوم به الفرد، وإنما ينظِّمه المجتمع. وقد جعل القرآن أول أعمال الدولة المسلمة إذا مُكِّن لها في الأرض: أن تقيم الصلاة. كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ... } [الحج:41]. ومثل ذلك يقال في فريضة الصوم، وضرورة ترتيب أمور الحياة في رمضان ترتيبًا يُعين على الصيام والقيام والسحور .. وغيرها.
ومن باب أولى: الزكاة، فالأصل فيها أنها تنظيم اجتماعي، تُشرف عليه الدولة، بواسطة (العاملين عليها)، الذين نصَّ عليهم القرآن. وكذلك كل شعائر الإسلام وأركانه. أما الأخلاق والمعاملات فلا يُتصوَّر أن تقوم- كما ينشدها الإسلام- إلا في ظلال مجتمع ملتزم بالإسلام، يتعبَّد لله بإقامة حياته على أساس الإسلام.
وهناك تكليفات شرعية هي في الأصل مسؤولية الدولة, وهي الحدود، مثلا قول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَاخُذْكُمْ بِهِمَا رَافَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2]. أو قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].
الأمة مخاطبة بهذه التكاليف والأحكام, ولكن هل الأمة هي التي تقطع يد السارق؟ أو هل هي التي تجلد الزاني؟ لا, هذا عمل الحكومة, ولكن الأمة مسؤولة عن الحكومة, فلو قصرت الحكومة، فالأمة مسؤولة أن تأمرها بالمعروف وتنهاها عن المنكر, وأن تضغط عليها حتى تنفذ أوامر الله, وتحكِّم شرعه، وأن تعمل على أن تأتي بحكومة تقيم أوامر الله ونواهيه.
فالتكاليف الشرعية هي مسؤولية الفرد, ومسؤولية الجماعة معًا.
.................
(1) رواه مسلم في الإيمان (55) , وأحمد (16947) , والترمذي في البر والصلة (1926) , عن تميم الداري.
السؤال: ما حكم عمل المرأة شرعًا؟ أعني عملها خارج البيت، كما يعمل الرجل، هل يجوز لها أن تعمل وتسهم بنصيب في الإنتاج والتنمية والنشاط في المجتمع؟ أم المفروض فيها أو المفروض عليها أن تظل حبيسة البيت لا تعمل إلا بين جدرانه الأربعة ؟ لطالما سمعنا أن ديننا الإسلامي كرم المرأة، ومنحها حقوقها الإنسانية قبل أن يعرف ذلك الغرب بجملة قرون، أفلا يعتبر العمل من حقوقها التي تصون به ماء وجهها أن يراق، وتحفظ به عرضها أن يصبح سلعة للمساومة ترخصها الحاجة، وتبتذلها الـضرورة ؟.
ولماذا لا تخوض المرأة معترك الحياة كما خاضته المرأة الغربية، فـتصقل شخصيتها وتكسب حقها، وتستقل بأمر نفسها، وتسهم في ترقية مجتمعها ؟.
إننا نريد أن نعرف الحدود الشرعية للعمل المباح للمرأة المسلمة، التي تعمل لدنياها دون أن تخسر دينهـا، بعيدًا عن تزمت المتشـددين الذين لا يريدون للمرأة أن تتعلـم، ولا أن تعمل، ولا أن تخرج من بيتها ولو إلى المسجد ! وبعيدًا أيـضًا عن الذين يريدون للمسلمة أن تتحلل من كل قيد، وأن تعرض بـضاعة رخيصة في الأسواق.
كل ما نريده هو حكم الشرع الصحيح الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
مسلمة متعلمة
جواب فضيلة الشيخ القرضاوي:
المرأة إنسان، كالرجل، هي منه وهو منها كما قال القرآن: {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} (آل عمران: 195) والإنسان كائن حي من طبيعته أن يفكر ويعمل، وإلا لم يكن إنسانًا
والله تعالى إنما خلق الناس ليعملوا، بل ما خلقهم إلا ليبلوهم أيهم أحسن عملاً فالمرأة مكلفة كالرجل بالعمل، وبالعمل الأحسن على وجه الخصوص، وهي مثابة عليه كالرجل من الله عز وجل، كما قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} (آل عمران 195)، وهي مثـابة على عملها الحسن في الآخرة ومكافأة عليه في الدنيا أيضا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}. (النحل: 97).
والمرأة أيضًا كما يقال دائمًا نصف المجتمع الإنساني، ولا يتصور من الإسلام أن يعطل نصف مجتمعه، ويحكم عليه بالجمود أو الشلل، فيأخذ من الحياة ولا يعطيها، ويستهلك من طيباتها، ولا ينتج لها شيئًا.
على أن عمل المرأة الأول والأعظم الذي لا ينازعها فيه منازع، ولا ينافسها فيه منافس، هو تربية الأجيال، الذي هيأها الله له بدنيا، ونفسيا، ويجب ألا يشغلها عن هذه الرسالة الجليلة شاغل مادي أو أدبي مهما كان ؛ فإن أحدًا لا يستطيع أن يقوم مقام المرأة في هذا العمل الكبير، الذي عليه يتوقف مستقبل الأمة، وبه تتكون أعظم ثرواتها، وهي الثروة البشرية.
ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال:
الأم مدرسـة إذا أعددتها أعددت شـعبًا طيب الأعراق.
ومثل ذلك عملها في رعاية بيتها ؛ وإسعاد زوجها، وتكوين أسرة سعيدة، قائمة على السكون والمودة والرحمة، وقد ورد: إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعد جهادًا في سبيل الله.
وهذا لا يعني أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعًا فليس لأحد أن يحرم بغير نص شرعي صحيح الثبوت، صريح الدلالة، والأصل في الأشياء والتصرفات العادية الإباحة كما هو معلوم.
وعلى هذا الأساس نقول: إن عمل المرأة في ذاته جائز، وقد يكون مطلوبًا طلب استحباب، أو طلب وجوب، إذا احتاجت إليه: كأن تكون أرملة أو مطلقة ولا مورد لها ولا عائل، وهي قادرة على نوع من الكسب يكفيها ذل السؤال أو المنة.
وقد تكون الأسرة هي التي تحتاج إلى عملها كأن تعاون زوجها، أو تربي أولادها أو أخوتها الصغار، أو تساعد أباها في شيخوخته، كما في قصة ابنتي الشيخ الكبير التي ذكرها القرآن الكريم في سورة القصص وكانتا تقومان على غنم أبيهما: {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} (القصص: 23).
وكما ورد أن أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين كانت تساعد زوجها الزبير بن العوام في سياسة فرسه، ودق النوى لناضحه، حتى إنها لتحمله على رأسها من حائط له أي بستان على مسافة من المدينة. وقد يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عمل المرأة كما في تطبيب النساء وتمريضهن، وتعليم البنات، ونحو ذلك من كل ما يختص بالمرأة.. فالأولى أن تتعامل المرأة مع امرأة مثلها، لا مع رجل. وقبول الرجل في بعض الأحوال يكون مـن بـاب الضرورة التي ينبغي أن تقدر بقدرها، ولا تصبح قاعدة ثابتة.
وإذا أجزنا عمل المرأة، فالواجب أن يكون مقيدًا بعدة شروط:
1- أن يكون العمل في ذاته مشروعًا، بمعنى ألا يكون عملها حرامًا في نفسه أو مفضيًا إلى ارتكاب حرام، كالتي تعمل خادمة لرجل عزب، أو سكرتيرة خاصة لمدير تقتضي وظيفتها أن يخلو بها وتخلو به، أو راقصة تثير الشهوات والغرائز الدنيا، أو عاملة في "بار" تقدم الخمر التي لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساقيها وحاملها وبائعها، أو مضيفة في طائرة يوجب عليها عملها تقديم المسكرات، والسفر البعيد بغير محـرم، بما يلزمه من المبيت وحدها في بلاد الغربة، أو غير ذلك من الأعمال التي حرمها الإسلام على النساء خاصة أو على الرجال والنساء جميعا.
2ـ أن تلتزم أدب المرأة المسـلمة إذا خرجت من بيتها في الزي والمشـي والكـلام والحركة: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور: 31). { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} (النور: 31). {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا}. (الأحزاب :32).
3ـ ألا يكون عملها على حساب واجبات أخرى لا يجوز لها إهمالها، كواجبها نحو زوجها وأولادها وهو واجبها الأول وعملها الأساسي.
وبالله التوفيق.
السؤال: من هو الخضر؟ وهل هو نبي أو ولي ؟ وهل هو حي إلى اليوم كما يقول كثير من الناس وإن بعض الصالحين قد رآه أو اجتمع به؟ وإذا كان حيًا فأين يقيم؟ ولماذا لا يظهر ويفيد الناس بعلمه وخاصة في هذا الزمان؟ أرجو البيان الشافي.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد :
الخضر هو العبد الصالح الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف حيث رافقه سيدنا موسى عليه السلام وتعلم منه. اشترط عليه أن يصبر، فأجابه إلى ذلك، فقال له: وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا، وظل معه، وهو عبد آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علمًا، ومشى معه في الطريق ورآه قد خرق السفينة فقال: أخرقتها لتغرق أهلها ؟ ... إلى آخر ما ذكره الله عنه في سورة الكهف. وكان موسى يتعجب من فعله، حتى فسّر له أسباب هذه الأمور وقال له في آخر الكلام: (وما فعلته عن أمري، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا) (الكهف: 82) يعني ما فعلت ذلك عن أمري، وإنما عن أمر الله تعالى.
بعض الناس يقولون عن الخضر: إنه عاش بعد موسى إلى زمن عيسى ثم زمن محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين وأنه عائش الآن وسيعيش إلى يوم القيامة . وتنسج حوله القصص والروايات والأساطير بأنه قابل فلانًا، وألبس فلانًا خرقة، وأعطى فلانًا عهدًا ... إلى آخر ما يقصون وينسجون من أقاويل ما أنزل الله بها من سلطان. ليس هناك دليل قط على أن الخضر حي أو موجود - كما يزعم الزاعمون - بل على العكس، هناك أدلة من القرآن والسنة والمعقول وإجماع المحققين من الأمة على أن الخضر ليس حيًا.
وأكتفي بأن أنقل فقرات من كتاب " المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف " للمحقق ابن القيم. يذكر في هذا الكتاب رحمه الله ضوابط للحديث الموضوع الذي لا يقبل في الدين، ومن هذه الضوابط " الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، وكلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد . فحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في المسجد، فسمع كلامًا من ورائه، فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر.
وحديث: يلتقي الخضر والياس كل عام وحديث: يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر. وسئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق، فقل: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان. وسئل الإمام البخاري عن الخضر والياس هل هما أحياء ؟ فقال: كيف يكون هذا ؟ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " (رواه الشيخان) . وسئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا - مستدلين بالقرآن -: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإن مت فهم الخالدون) ؟ (الأنبياء: 34) .
وسئل عنه شيخ السلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ، فقال:"لو كان الخضر حيًا لوجب عليه أن يأتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويجاهد بين يديه ويتعلم منه، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم،فأين كان الخضر حينئذ؟ فالقرآن ،والسنة، وكلام المحققين من علماء الأمة ينفي حياة الخضر كما يقولون.
القرآن يقول: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون) فالخضر إن كان بشرًا فلن يكون خالدًا، حيث ينفي ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة؛فإنه لو كان موجودًا لجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد قال عليه الصلاة والسلام:"والله لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني" (رواه أحمد عن جابر بن عبد الله) فإن كان الخضر نبيًا، فليس هو بأفضل من موسى، وإن كان وليًا فليس أفضل من أبي بكر.
وما الحكمة في أن يبقى طيلة هذه المدة - كما يزعم الزاعمون - في الفلوات والقفار والجبال ؟ ما الفائدة من هذا ؟ ليس هناك فائدة شرعية ولا عقلية من وراء هذا . إنما يميل الناس دائمًا إلى الغرائب والعجائب والقصص والأساطير، ويصورونها تصويرًا من عند أنفسهم ومن صنع خيالهم، ثم يضفون عليها ثوبًا دينيًا، ويروج هذا بين بعض السذج، ويزعمون هذا من دينهم، ولكن ليس هذا من الدين في شيء ... والحكايات التي تحكي عن الخضر إنما هي مخترعات ما أنزل الله بها من سلطان.
أما السؤال حول: هل هو نبي أو ولي؟ فالعلماء قد اختلفوا في ذلك، ولعل الأظهر أنه نبي - كما يبدو من الآية الكريمة التي تلوناها من سورة الكهف ... (وما فعلته عن أمري) فهي دليل على أنه فعل ذلك عن أمر الله، ومن وحيه لا من عند نفسه . فالأرجح أنه نبي وليس مجرد ولي.
والله أعلم
الداعي الى الحق
2017-12-04, 14:44
بوركت يا أستاذ ابا ياسين فالمسلم ليس بالشتام السباب ..نقول بألسنتنا أننا على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن فعالنا تخالف أقوالنا هدى الله الجميع ..
القرضاوي اراه معتدلا في احكامه ليس مثل الاخرين
فعلا المسلمين اقوالهم تناقض افعالهم وياريت المسؤولين ينشاون مدار خاصة اجبارية لكل المواطنين يعلمون فيها الاخلاق والقيم الانسانية فقط والله ياريت لو يعملون بهده الخطوة لانه مستحيل ان يكون شخص متدين وهو لا يتحلى بالاخلاق ومستحيل ان يؤمن شخص اد لم يكن يخاف الله ومستحيل ان يكون يكون شخص يعمل شر حتى لو كان صغير مادام هو يخاف الله بل من سبع المستحيلات ومجاتمعاتنا يركزون على المظاهر دون البواطن رغم ان البواطن تظهر اثناء المعاملات الانسانية فكما قال جبران خليل جبران من حسنات ناس ان سيائتهم تظهر بسرعة . مهما خبا الانسان سيائته الانها تظهر مهما طال زمن او قصر . ولدلك ليقول البواطن لا يعلمها الا الله . فهو يفتقر للوعي لان البواطن هده مع الوقت تظهر والاقوال مهما قال الانسان ففي الاول يكل يصدقه لكن عندما يرون الافعال غير الاقوال فاكيد الكل يدرك حقيقته. وهدل ما ترك ناس تنفر من الاسلام.
رسوال كان يجدب ناس اليه باخلاقه لا بمظهره والان طلعوا لنا بموضة السلف صالح وطبعا سلف صالح عندهم تقليد رسول في لباس وليس في الاخلاق
اعطني برك واحد يقلد الرسول فالاخلاق حتى واحد. رسول ماامرناش اننا نقلده بلباس دياله انما باخلاقه
السؤال: شيخنا الكريم.. متى يجوز لي الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء؟ حفظكم الله.
جواب فضيلة الشيخ:
الصلاة فريضة لها مواقيتها المحددة، كما قال تعالى: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً"(النساء:103) فكل صلاة من الصلوات الخمس لها وقتها المعين، الذي لا يجوز أداؤها قبله بحال، ولا يجوز تأخرها عنه إلا لعذر، وإلا كان من أخرها آثماً.
ومنها: الجمع للحاجة والعذر، في غير سفر ولا خوف ولا مطر، بل لرفع الحرج والمشقة عن الأمة، كما في حديث ابن عباس الآتي بعد. ومن إعجاز هذا الدين: أن يجد المسلم في نصوصه ما يتسع لحوادث الأزمنة، ومستجدات العصور، التي لم يكن يعرفها الناس ولا يتوقعونها في أزمانهم. وفي رواية: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، بالمدينة، من غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته.
والحديث واضح صريح على مشروعية الجمع للحاجة، وقد رواه أيضاً أبو داوود والنسائي والترمذي في سننهم. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي في (معالم السنن): هذا الحديث لا يقول به أكثر الفقهاء... وكان ابن المنذر يقول: ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث، وسمعت أبا بكر القفال يحكيه عن أبي إسحاق المروزي. قال ابن المنذر: ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار، لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه، وهو قوله: "أراد ألا تحرج أمته".
وعلى كل حال عندنا حديث صحيح لا مطعن في صحته، رواه ابن عباس وأقره عليه أبو هريرة، وطبقه ابن عباس عملياً، واستشهد به في الرد على من أنكروا عليه تأخير صلاة المغرب، وقد علله بما علله به، وهذا كله يفيدنا في الجواب عن السؤال المعروض علينا، وهو جواز الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في أوروبا في فترة الصيف حين يشتد تأخر وقت العشاء إلى منتصف الليل أو بعده، والناس يطالبون بالذهاب إلى أعمالهم في الصباح الباكر، فكيف نكلفهم السهر لأداء العشاء في وقتها، وفي ذلك حرج وتضييق عليهم، وهو مرفوع عن الأمة بنص القرآن، وبما قاله راوي حديث الجمع بين الصلاتين في الحضر: ابن عباس - رضي الله عنهما - بل يجوز الجمع في تلك البلاد في فصل الشتاء أيضاً، لقصر النهار جداً، وصعوبة أداء كل صلاة في وقتها للعاملين في مؤسساتهم، إلا بمشقة وحرج، وهو مرفوع عن الأمة.
السؤال: سمعت بعض المتحدثين يشكك في قيمة السنة التقريرية، ويقول: إنها لا تكاد توجد والمعول عيه هو السنة القولية والعملية. واذكر أننا حين درسنا السنة وإنها: قول وفعل وتقرير، ذكروا لنا من أمثلة التقرير: أن الضب: أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأكل هو منه .. وقد سألت أحد العلماء عن هذه السنة، وهل لها أمثلة أخرى، فذكر لي: المضاربة، فقد كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، متوارثة من أيام الجاهلية، فاقرها عليه الصلاة والسلام، ولم يثبت فيها سنة قوليه ولا عملية.
أرجو من فضيلتكم أن تلقوا لنا الضوء على هذا الموضوع بما يبين أهمية هذه السنة ووقوعها بالفعل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، مع ذكر عدد من الأمثلة تطمئن به لقلوب، وتشفي الصدور.
حفظكم الله لأمة الإسلام ..
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد..
السنة كما عرفها العلماء، وبخاصة علماء الأصول: هي: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وأضاف إليها علماء الحديث: أو وصف أو سيرة. ليدخل فيها الصفات الخلفية والخلقية، وأحداث السيرة من الميلاد إلى الوفاة، وان لم تشتمل على سنة تتبع.
والسنة القوليه معروفة، وأمثلتها كثيرة، وعليها مدار كتب الحديث، أمثال:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى""أن الحلال بين وان الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات""من أحدث في امرنا ما ليس منه فهو رد"الخ وجمهور السنة هي القولين، وعليها المعول في بيان القرآن، واستنباط الأحكام.
والسنة الفعلية أو العملية: تشمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات، كما قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"وقال في حجة الوداع:"خذ عني مناسككم"ومثل إنه كان يقبل نساءه وهو صائم، وكذلك في العبادات والمعاملات.
والسنة التقريرية: هي ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فأقره، أو علم به فسكت عليه، لأنه لا يسكت على باطل، ولا يقر إلا حقا. ولذا قال جابر:"كنا نعزل والقرآن ينزل"وفي رواية: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينهما".
ومثال أكل الضب على مائدة النبي عليه الصلاة والسلام، اجتمعت فيه السنة التقريرية والسنة القولية، فقد ورد أنه أكل على مائدته وامتنع هو من أكله، فسئل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال:"لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجد نفسي "فالتمثيل به للسنة التقريرية ليس مسلما.
وأما التمثيل بالمضاربة فهو صحيح، وفي موضوعه. وقد ذكر بعض الكاتبين أن المضاربة لم تثبت بقرآن ولا سنة، وغفل هذا الكاتب بأنها تثبت بالسنة التقريرية، وهي النوع الثالث من أنواع السنن. ولابن القيم كلام جيد ذكره في (إعلام الموقعين) عن السنة التقريرية ضرب فيه أمثلة وفيرة لها، على نهج ابن القيم في البيان والإسهاب، يحسن بنا أن نذكره هنا على طوله، ليستبين القارئ أهمية هذه السنة وكثرتها في التشريع، وأنها ليست قليلة ولا نادرة، كما توهم.
من ذلك إقراره لهم على تلقيح النخل، وعلى تجاراتهم التي كانوا يتجرونها، وهي على ثلاثة أنواع: تجارة الضرب في الأرض، وتجارة الإدارة، وتجارة السلم، فلم ينكر عليهم منها تجارة واحدة، وإنما حرم عليهم فيها الربا الصريح ووسائلة المغضية إليه أو التوسل بتلك المتاجر إلى الحرام كبيع السلاح لمن يقاتل به المسلم وبيع العصير لمن يعصره خمرا وبيع الحرير لمن يلبسه من الرجال ونحو ذلك مما هو معاونة على الإثم والعدوان.
وكإقرارهم على صنائعهم المختلفة من تجارة وخياطة وصياغة وفلاحة، وإنما حرم عليهم فيها الغش والتوسل بها إلى المحرمات، وكإقرارهم على إنشاد الأشعار المباحة وذكر أيام الجاهلية والمسابقة على الأقدام، وكإقرارهم علي المهادنة في السفر، وكإقرارهم على الخيلاء في الحرب ولبس الحرير فيه وإعلام الشجاع منهم بعينه بعلامة من ريشة أو غيرها.
وكإقرارهم على لبس ما نسجه الكفار من الثياب، وعلى إنفاق ما ضربوه من الدراهم، وربما كان عليها صور ملوكهم، ولم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه مدة حياتهم دينارًا ولا درهما، وإنما كانوا يتعاملون بضرب الكفار. وكإقراره لهم بحضرته على المزاح المباح، وعلى الشبع في الأكل، وعلى النوم في المسجد، وعلى شركة الأبدان، وهذا كثير من أنواع السنن احتج به الصحابة وأئمة الإسلام كلهم.
وقد احتج به جابر في تقرير الرب في زمن الوحي كقوله:"كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن"وهذا من كمال فقه الصحابة وعلمهم، واستيلائهم على معرفة طرق الأحكام ومداركها، وهو يدل على أمرين؛ أحدهما: أن أصل الأفعال الإباحية، ولا يحرم منها إلا ما حرمه الله على لسان رسوله، الثاني: أن علم الرب تعالى بما يفعلون في زمن شرع الشرائع ونزول الوحي وإقراره لهم عليه على عفوه عنه، والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أنه في الوجه الأول يكون معفوا عنه استصحابا، وفي الثاني يكون العفو عنه تقريرا لحكم الاستصحاب..
ومن هذا النوع تقريره لهم على أكل الزروع التي تداس بالبقر، من غير أمر لهم بغسلها، وقد علم صلى الله عيه وسلم أنها لا بد أن تبول وقت الدياس، ومن ذلك تقريره لهم على الوقود في بيوتهم وعلى أطعمتهم بارواث الإبل وأخثاء البقر وابعار الغنم، وقد علم أن دخانها ورمادها يصيب ثيابهم وأوانيهم، ولم يأمرهم باجتناب ذلك، وهو دليل على أحد أمرين ولا بد: طهارة ذلك، او أن دخان النجاسة ورمادها ليس بنجس.
ومن ذلك تقريرهم على سجود أحدهم على ثوبه إذا اشتد الحر، ولا يقال في ذلك إنه ربما لم يعلمه؛ لأن الله قد علمه وأقرهم عليه ولم يأمر رسوله بإنكاره عليهم، فتأمل هذا الموضع. ومن ذلك تقريرهم على النكحة التي عقدوها في حال الشرك ولم يتعرض لكيفية وقوعها، وغنما أنكر منها ما لا مساغ له في الإسلام حين الدخول فيه.
ومن ذلك تقريرهم على ما بأيديهم من الأموال التي اكتسبوها قبل الإسلام بربًا أو غيره، ولم يأمر بردها بل جعل لهم بالتوبة ما سلف من ذلك؛ ومنه تقرير الحبشة باللعب في المسجد بالحراب، وتقريره عائشة على النظر إليهم، وهو كتقريره النساء على الخروج والمشي في الطرقات وحضور المساجد وسماع الخطب التي كان ينادى بالاجتماع لها، وتقريره الرجال على استخدامهن في الطحن والغسل والطبخ والعجن وعلف الفرس والقيام بمصالح البيت، ولم يقل للرجال قط: لا يحل لكم ذلك إلا بمعاوضتهن أو استرضائهن حتى يتركن الأجرة..
وتقريره لهم على الإنفاق عليهم بالمعروف من غير تقدير فرض ولا حب ولا خبز، ولم يقل لهم: لا تبرأ ذممكم من الإنفاق الواجب إلا بمعاوضة الزوجات من ذلك على الحب الواجب لهن مع فساد المعاوضة من وجوه عديدة أو بإسقاط الزوجات حقهن من الجب، بل أقرهم على ما كانوا يعتادون نفقته قبل الإسلام وبعده، وقرر وجوبه بالمعروف، وجعله نظير نفقة الرقيق في ذلك ومنه تقريرهم على التطوع بين أذان النغرب والصلاة وهو يراهم ولا ينهاهم.
ومنه تقريرهم على بقاء الوضوء وقد خفقت رؤوسهم من النوم في انتظار الصلاة ولم يأمرهم بإعادته، وتطرق احتمال كونه لم يعلم ذلك مردود بعلم الله به، وبأن القوم اجل وأعرف بالله ورسوله أن لا يخبروه بذلك، وبأن خفاء مثل ذلك على رسول الله صلى الله عيه وسلم وهو يراهم ويشاهدهم خارجًا إلى الصلاة ممتنع. ومنه تقريرهم على جلوسهم في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤا.
ومنه تقريرهم على مبايعة عميانهم على مبايعتهم وشرائهم بأنفسهم من غير نهى لهم عن ذلك يوما ما، وهو يعلم أن حاجة الأعمى إلى ذلك كحاجة البصير. ومنه تقريرهم على قبول الهدية التي يخبرهم بها الصبي والعبد والأمة، وتقريرهم على الدخول بالمرأة التي يخبرهم بها النساء أنها امرأته، بل الاكتفاء بمجرد الإهداء من غير إخبار. ومنه تقريرهم على قول الشعر وإن تغزل أحدهم فيه بمحبوبته وإن قال فيه ما لو أقربه في غيره لأخذ به كتغزل كعب بن زهير بسعاد، وتغزل حسان في شعره وقوله فيه:
كأن خبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء
ثم ذكر وصف الشراب، إلى أن قال:
ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا لا ينهنهنا اللقاء
فأقرهم على قول ذلك وسماعه؛ لعلمه ببر قلوبهم ونزاهتهم وبعدهم عن كل دنس وعيب، وأن هذا إذا وقع مقدمة بين يدي ما يحبه الله ورسوله من مدح الإسلام وأهله وذم الشرك وأهله والتحريض على الجهاد والكرم والشجاعة فمفسدته مغمورة جدا في جنب هذه المصلحة، مع ما فيه من مصلحة هز النفوس واستمالة إصغائها وإقبالها على المقصود بعده، وعلى هذا جرت عادة الشعراء بالتغزل بين يدي الأغراض التي يريدونها بالقصيد. ومنه تقريرهم على رفع الصوت بالذكر بعد السلام، بحيث كان من هو خارج المسجد يعرف انقضاء الصلاة بذلك، ولا ينكره عليهم. *
....................
* إعلام الموقعين لابن القيم ج 2/ 367 ـ 370 بتحقيق بمحمد محيي الدين عبدالحميد، طبع مطبعة السعادة بمصر.
السؤال: أرجو تفسير الآيات الكريمة من سورة الإسراء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ..} إلى قوله تعالى:{..وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (الإسراء: 36 – 37).
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
هاتان الآيتان الكريمتان ذكرهما الله تعالى في الوصايا الحكيمة التي وصّى بها عباده في سورة الإسراء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا * وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (آية: 36، 37).
في الآية الأولى، يعمل القرآن على تربية العقلية العلمية في المسلم، فهناك نوعان من العقليات:
1 - عقلية خرافية، تصدق الأوهام، وتجرى وراء الأباطيل، وتسمع كل ما يقال لها، وتتبع كل ناعق، وهذه عقلية يرفضها الإسلام.
2 - والعقلية الأخرى وهي التي يريدها الإسلام العقلية التي تتبع الدليل وتخضع للمنطق في العقليات، وتمشي وراء الملاحظة والتجربة في الماديات وتستعمل الأدوات التي وهبها الله إياها: السمع والبصر والفؤاد.. فهذه أدوات المعرفة كما قال تعالى: {وَالله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: 78).
فمن هنا يجب أن يستعمل الإنسان سمعه، فبه تنتقل المعلومات من الناس بعضهم إلى بعض بطريق الرواية. والبصر، به تكون الملاحظة والتجربة، وعليهما قام صرح العلوم الكونية ، والفؤاد -أي العقل- به يستعمل الإنسان المنطق، ويستنتج النتائج من المقدمات.
وهذه الأدوات، هي النوافذ التي يطل منها الإنسان على أمور هذه الحياة، والكون، والشرع، وعلى خلق الله تعالى، وعلى نهيه وأمره؛ فلا يجوز إذن أن يعطلها ويهملها، ويتبع الظنون والأوهام أو يتبع الإشاعات والأباطيل.
ولهذا جاء في آيات كثيرة من القرآن مثل هذا التذييل والتعقيب: (أفلا تسمعون؟) ، (أفلا تبصرون) ، (أفلا تعقلون) ، وفرق ما بين المؤمنين المهتدين، وبين الكافرين الضالين، إن الآخرين عطلوا أدوات المعرفة والهداية التي منحوها، فلم تعد تقوم بوظيفتها: (لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام، بل هم أضل، أولئك هم الغافلون).
لهذا حذرت الآية من إهمال هذه القوى، فقال تعالى مخاطبًا الإنسان: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي لا تتبع ما ليس لك به علم، فتجرى وراء الظنون، أو وراء الأوهام والخرافات.. استعمل سمعك وبصرك وفؤادك. فإن الله سائلك عن هذه الأدوات {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} هذا معنى الآية الأولى بإجمال (1).
أما الآية الثانية، وهي {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} فمعناها: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} أي مشية الاختيال والتبختر، مشية العجب والاستكبار.. فإن هذا لا ينبغي للمؤمن وهو ليس مشي عباد الرحمن، فالله قد وصف عباد الرحمن بأنهم {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (الفرقان:63).
لماذا تمشي متبخترًا؟ هل تستطيع أن تخرق الأرض؟ مهما دببت برجلك فلن تستطيع ذلك.. ومهما تطاولت وتمطيت بعنقك فلن تبلغ الجبال طولاً؛ فأولى بك أن تمشي مشية التواضع والهون، والسكينة واللين.
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعًا / فكم تحتها قوم هُمُو منك أرفع! / وإن كنت في عز وجاه ومنعة/ فكم مات من قوم همو منك أمنع!. فالمطلوب من الإنسان أن يمشي على الأرض متواضعًا، سواء كان يمشي على قدميه، أم في سيارة.
هناك أناس يودون أن ينهبوا الأرض نهبًا بسياراتهم مختالين، لأن أحدهم يركب سيارة ضخمة فخمة، فلا يحترم آداب المرور، ولا قواعد السير، وكأنه يريد أن يحطم ما يواجهه في الطريق، أو يطير عن الأرض بلا جناحين.. من فعل ذلك فهو ممن يمشون في الأرض مرحًا، ولا يمشون هونًا، ومعظم الحوادث التي تحدث في الطرقات – للأسف؛ من أولئك، الذين يمشون في الأرض مرحًا.
فعلى المسلم الذي يتأدب بأدب القرآن أن يراعي هذا، وأن يمشي في الأرض هونًا، ولا يمشي فيها اختيالاً ولا تبخترًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان" (2).
هذه الآية جاءت هنا، ووردت في وصايا لقمان لابنه في قوله {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ الله لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18).
................
(1) للاطلاع على مزيد حول تفسير الآية: تفسير الطبري جامع البيان تحقيق الشيخ أحمد شاكر (17/ 446)، تفسير الرازي مفاتيح الغيب (20/ 338).
(2) رواه أحمد (5995) وقال مخرجوه: إسناده صحيح، والبخاري في الأدب المفرد (549)، وصححه الألباني في الصحيحة (543)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
السؤال: نرجو من فضيلتكم إلقاء بعض الضوء على تفسير الآيات التي وردت في أوائل سورة الإسراء عن بني إسرائيل، وإفسادهم في الأرض مرتين، وعقاب الله تعالى لهما على كل مرة بتسليط من شاء من عباده عليهم.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،
المقصود بالآيات الكريمة من سورة الإسراء، هي قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا. وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا. إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا. عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا...} (الإسراء:4-8) .
وقد اختلف علماء العصر في بيان معاني هذه الآيات والمقصود منها، فمنهم من قال: إن مرّتي الإفساد قد وقعتا، قبل الإسلام، وعوقب بنو إسرائيل أو اليهود عليهما من الله سبحانه وتعالى، وإن اختلفوا في نوع الإفساد الذي وقع منهم وفي زمنه. والغالب أنه: استحلالهم المحرمات، ونقضهم العهود، وانتهاكهم للحرمات بين بعضهم وبعض، وإيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم ببعض، وتمردهم على أنبيائهم، إلى حد القتل، كما قال تعالى: { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (البقرة:87) وقد قتلوا زكريا ويحيى، وتآمروا على المسيح عليهم السلام، إلى آخر ما سجله القرآن عليهم من تجاوزات وانحرافات خطيره في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن.
كما اختلف المفسرون في حقيقة العقوبة التي نزلت عليهم، ومن هم الذين سلطوا عليهم. جزاء ما صنعت أيديهم؟ وأكثر الأقوال أن أولى العقوبتين كانت تسليط البابلين عليهم، فهزموهم شر هزيمة، وأزالوا دولتهم، وخربوا ديارهم، وحرفوا توراتهم، وأخذوهم أسرى إلى بابل، فعاشوا في النفي المذل، والغربة الأليمة سبعين عاما.
وأما العقوبة الثانية، فكانت ضربة الرومان لهم، التي أنهت الوجود الإسرائيلي أو اليهودي من فلسطين، وفرقتهم في أنحاء الأرض، فلم تقم لهم قائمة بعدها، حتى جاءت الصهيونية الحديثة. ومنهم من قال: إنما وقعت مرة واحدة من المرتين، عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وعاهد بني إسرائيل في المدينة، ثم غدروا به وعادوه وحاربوه، فكانت هذه هي مرة الإفساد الأولى، وقد عاقبهم الله عليها بتسليط عباد له أولي بأس شديد عليهم، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة معه، فحاربوهم وانتصروا عليهم.
والمرة الثانية هي ما وقع من اليهود اليوم في فلسطين من تشريد أهل فلسطين وتذبيحهم، وتقتيلهم، وهتك حرماتهم، وتخريب ديارهم، التي أخرجوا منها بغير حق، وفرض وجودهم العدواني الدخيل بالحديد والدم والرصاص، وننتظر اليوم عقوبة الله تعالى لهم، بتسليط المسلمين مرة أخرى عليهم، كما سلط عليهم الصحابة أول مرة.
وهذا ما ذهب إليه بعض علماء العصر مثل الشيخ الشعراوي والشيخ عبد المعز عبد الستار وغيرهما، مبينين أن المرة الأولى في إفساد بني إسرائيل كانت في عصر النبوة بعد البعثة المحمدية، وهي ما قام به بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، وأهل خيبر، من كيد وبغى على الرسول وأصحابه، وقد نصرهم الله عليهم. وكان العباد المسلطون عليهم هم النبي والصحابة. بدليل مدح هؤلاء بإضافتهم إلى الله بقوله: {عبادًا لنا} .
أما إفسادتهم الثانية فهي ما يقومون به اليوم من علو كبير وطغيان عظيم، وانتهاك للحرمات، وإهدار للحقوق، وسفك للدماء، وغيرها، حتى أصبحوا أكثر أهل الأرض نفيرا، بما يملكون من وسائل الإعلام والتاثير في العالم.
وسيتحقق وعد الله تعالى بتأديبهم وعقوبتهم وتسليط المسلمين عليهم كما سلطوا من قبل.
تفنيدنا لهذا الرأي وأدلة ذلك:
ورأييى أن هذا التفسير ضعيف لعدة أوجه:
أولاً: أن قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} أي أنهينا إليهم وأعلمناهم في الكتاب، والمراد به: التوراة، كما قال قبلها: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} وما جاء في الكتاب أي أسفار التوراة يدل على أن هاتين المرتين قد وقعتا، كما في سفر تثنية الاشتراع.
ثانيًا: أن قبائل بني قينقاع والنضير وقريظة لا تمثل بني إسرائيل في قوتهم وملكهم، إنما هم شرائح صغيرة من بني إسرائيل بعد أن قطعوا في الأرض أمما.
ثالثًا: أن الرسول والصحابة لم يجوسوا خلال ديار بني إسرائيل ـ كما أشارات الآية الكريمة ـ إذ لم تكن لهم ديار، وإنما هي ديار العرب في أرض العرب.
رابعًا: أن قوله تعالى: {عبادًا لنا} لا يعني أنهم من عباده الصالحين، فقد أضاف الله تعالى الكفار العصاة إلى ذاته المقدسة، كما في قوله تعالى: { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} (الفرقان:17) . وقوله: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (الزمر:53) .
خامسًا: أن قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} (الإسراء:6) . يتضمن امتنان الله تعالى عليهم بذلك، والله تعالى لا يمتن على بني إسرائيل المفسدين بإعطائهم الكرة على المسلمين.
سادسًا: أن الله تعالى إنما رد الكرة لبني إسرائيل على أعدائهم بعد أن عاقبهم في المرة الأولى، لأنهم أحسنوا وأصلحوا، كما قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ} (الإسراء:7) ، واليهود ـ كما عرفناهم وشاهدناهم ـ لم يحسنوا ولم يصلحوا قط، ولذا سلط الله عليهم هتلر وغيره. كما يبتلي ظالما بظالم. وهم منذ نحو مائة سنة يمكرون بنا ويتآمرون علينا، ليسرقوا أرضنا، فمتى أحسنوا حتى يرد الله لهم الكرة علينا؟
سابعًا: أن الله تعالى قال في المرة الآخرة: { وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} (الإسراء:7) . والمسلمون لم يدخلوا مسجدهم قبل ذلك بالسيف والقهر، ولم يتبروا ما علوا تتبيرا، بل لم يكن شأن المسلمين أبدًا التتبير والتدمير في حروبهم وفتوحهم. إنما هو شأن البابليين والرومان الذين سلطوا على الإسرائيليين.
ثامنًا: أن ما أجمع عليه المفسرون القدامى أن مرتي الإفساد قد وقعتا، وأن الله تعالى عاقبهم على كل واحدة منهما، وليس هناك عقوبة أشد وأنكى عليهم من الهزيمة والأسر والهوان والتدمير على أيدي البابليين، الذين محوا دولتهم من الوجود، وأحرقوا كتابهم المقدس، ودمروا هيكلهم تدميرًا، وكذلك ضربة الرومان القاصمة التي قضت على وجودهم في فلسطين قضاء مبرما، وشردتهم في الأرض شذر مذر، كما قال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ} (الأعراف:168) .
والواضح أنهم اليوم يقعون تحت القانون الإلهي المتمثل في قوله تعالى: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} (الإسراء:8) ، وها هم قد عادوا إلى الإفساد والعلو والطغيان، وسنة الله تعالى أن يعود عليهم بالعقوبة التي تردعهم وتؤدبهم، وتعرفهم قدر أنفسهم، كما قال الشاعر: إن عادت العقرب عدنا لها ... بالنعل، والنعل لها حاضرة!
يؤكد ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} (الأعراف:167) .
السؤال: كيف يصلي الأسير أو السجين في فترة التحقيق معه، وهو مقيد اليدين والرجلين، ومثّبت بالحائط، ورأسه مغطى بكيس، وعلى غير طهارة من الحدثين، بل ربما حرم من قضاء الحاجة بالطريقة المعتادة عدة أيام، وهو على هذه الحالة.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله. ونسأل الله تعالى لإخواننا الأسارى والمسجونين أن يفك بفضله أسرهم، ويجبر برحمته كسرهم، ويتولى بعنايته أمرهم، ونقول جوابا عن السؤال:
الصلاة واجبة على المسلم في كل حال: في الصحة والمرض، في العافية والبلاء، في الحضر والسفر، في السلم والحرب، ولا عذر لترك الصلاة بحال من الأحوال ما دام واعيا. قال تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين. فان خفتم فرجالا أو ركبانا، فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون} (البقرة:238) فأشارت الآية أن المسلم يصلى ـ في حالة الخوف أي عند اصطلاء الحرب وقيام القتال بالفعل ـ راجلا (ماشيا) أو راكبا، كيف استطاع. أي يصلي في مصفحته أو دبابته أو طائرته حسب استطاعته.
وقال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين:"صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب"(1) ، وقال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن:16) ، وقال الرسول الكريم:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(2) ، وقال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة:236) .
ومن المقرر المعلوم في دائرة الفقه الإسلامي: أن الشروط المطلوبة لصحة الصلاة، مثل الطهارة من الحدث والطهارة من الخبث، واستقبال القبلة، وستر العورة وغيرها من شروط الصحة، تسقط عند العجز. ومثلها الأركان مثل: القيام والركوع والسجود وغيرها، فمن فقد الطهارة بالماء وقدر على التيمم صلى بالتيمم وأغناه عن الوضوء وعن الغسل جميعا، ومن كان لا يستطيع التيمم كما في الحالة المسؤول عنها، سماه الفقهاء (فاقد الطهورين) أي الماء والتيمم، فهو يصلي بدونهما ولا حرج. قال العلامة ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) معلقا على حديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم":فيه دليل على أن من عجز عن فعل المأمور به كله، وقدر على بعضه، فإنه يأتي بما أمكنه منه. وهذا مطرد في مسائل ... " (3)
ومن عجز عن استقبال القبلة، مثل هذا السجين المثبت بالحائط، ولا يستطيع التوجه إلى القبلة، صلى كيف استطاع. ومن عجز عن الصلاة قائما أو قاعدا، بركوع وسجود، صلى بالإيماء، مشيرا برأسه أو بحاجبه كيف استطاع، وهذا فرضه، ولا يكلفه الله غيره. قال تعالى: {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج:78) .
فينبغي للمسلم ـ وهو في كربه هذا ـ أن يعتصم بالله، ويستعين بالصلاة، كما يستعين بالصبر، فهما عدته في معركته مع أعداء الله، كما قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين} (البقرة:153) .
ولا عذر لترك الصلاة إلا في حالة (الغيبوبة) التي يفقد الإنسان فيها الوعي، ويسقط عنه التكليف، ويرفع عنه القلم. والله أعلم.
..........................
(1) رواه البخاري عن عمران بن حصين (1117) .
(2) متفق عليه عن أبي هريرة، رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
(3) جامع العلوم والحكم (1/ 256) طبعة الرسالة.
السؤال: ما الحكم في أنواع التأمين المختلفة؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أولا أحب أن أقول: لا يوجد فقيه واحد أباح التأمين إباحة مطلقة؛ فلم يفتح أي فقيه الباب على مصراعيه، أعظم من قال بإباحة التأمين وأشهرهم وأبلغهم هو الفقيه العلامة الشيخ مصطفى الزرقا حفظه الله، هو أول من نادى بذلك بقوة، وكتب فيه كتابا، وكان ذلك في المؤتمر الذي عقده المجلس الأعلى للآداب والفنون أيام الوحدة بين مصر وسوريا وقدم هذا، ثم قدمه للمؤتمر الاقتصادي الذي عقد سنة 1976م في مكة المكرمة وطوره وأصبح له كتاب كبير في هذا، هو لم يقل بإباحة التأمين الحالي بعُجَرِه وبُجَرِه لا.. هو يقول: لا بد أن نخلصه من الشوائب.
الفقهاء الذين تحدثوا في قضية التأمين:
الشيخ الزرقا، ومثله الشيخ الخفيف رحمه الله، ومثله الشيخ عبد الله بن زيد المحمود هنا في قطر له رسالة في أحكام التأمين، وهؤلاء طبعا الذين أجازوا التأمين من حيث هو عقد؛ يعني قالوا: التأمين كعقد لا غبار عليه، إنما الذي لم يجزه التأمين من حيث التطبيق الحالي، فإذا استطعنا أن نزيل الربا فمن الممكن أن يدخل فيه الربا، وممكن الشركة نفسها تتعامل بالربا، نزيل الشروط الفاسدة، إذا كان هناك غرر فاحش نحاول أن نقلل من هذا الغرر..
بعض شركات التأمين تستغل حاجة الناس إلى هذا التأمين؛ فترفع من قيمة التأمين، وتأخذ أشياء كثيرة جدا وتربح أرباحا هائلة، ليس فقط بقدر التكلفة وتربح ربحا مقبولا، لا بل تربح ربحا كبيرا جدا والناس مضطرون؛ فالذين أجازوا هذا قالوا: لا بد لكي يكون التأمين حلالا، وهم يرون أن العقد لا حرج فيه في حد ذاته، يقولون لك: لا بد أن نخلصه من شوائبه هذه حتى يكون حلالا.
هناك من يمنعون التأمين التجاري والتأمين عن الحياة، وأكثر الفقهاء يمنعونه وأنا منهم، إنما التأمين على الأشياء على الأموال على الممتلكات أقرب إلى الحِل، حتى إننا كنا في سنة 1972م في ندوة في ليبيا دعت إليها الجامعة الليبية وكلية الشريعة والدراسات الإسلامية والعربية هناك، وكان من ضمن الموضوعات التي بحثت في هذه الندوة كان موضوع التأمين، والجميع قالوا: لا داعي للتأمين على الحياة، إنما التأمين على الممتلكات يجوز في عصرنا، إلى أن يوجد البديل الإسلامي الخالص،
وهنا المفروض أن تكون محاولاتنا في البديل الإسلامي، والبديل الإسلامي هو التأمين الذي يطلق عليه "التأمين التعاوني" الذي لا يكون القصد فيه الاسترباح؛ فشركات التأمين هي شركات تحاول أن تربح، تربح من حاجات الناس إلى الأمن فهي تربح وتربح أرباحا فاحشة؛ فالفقهاء في عصرنا حاولوا أن يوجدوا البديل، وهذه مهمة الفقه؛ فبدل أن يقول للناس هذا حرام، قالوا البنوك الربوية حرام؛ فماذا نفعل؟ هاتوا بديلا.
وكانوا يقولون: مستحيل أن يوجد بديل، فلا تحلموا باقتصاد بغير بنوك ولا بنوك بغير فوائد، ولكن أمكن عمل بنوك بغير فوائد، وقام البديل عن البنوك الربوية، يبقى أيضا إيجاد البديل عن شركات التأمين الربوية التي هي جزء من النظام الرأسمالي الذي ورثناه -فيما ورثناه- عن الاستعمار؛ فنحن لم ننشئ هذه الأشياء، نحن ورثنا هذه الأشياء، كان الاستعمار في بلادنا وأنشأ هذه الأشياء، وورثنا هذه الأشياء من تراث الاستعمار، البديل هو التأمين التعاوني.
والله أعلم.
السؤال: أرجو تفسير الآيات الكريمة من سورة الإسراء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ..} إلى قوله تعالى:{..وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (الإسراء: 36 – 37).
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
هاتان الآيتان الكريمتان ذكرهما الله تعالى في الوصايا الحكيمة التي وصّى بها عباده في سورة الإسراء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا * وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (آية: 36، 37).
في الآية الأولى، يعمل القرآن على تربية العقلية العلمية في المسلم، فهناك نوعان من العقليات:
1 - عقلية خرافية، تصدق الأوهام، وتجرى وراء الأباطيل، وتسمع كل ما يقال لها، وتتبع كل ناعق، وهذه عقلية يرفضها الإسلام.
2 - والعقلية الأخرى وهي التي يريدها الإسلام العقلية التي تتبع الدليل وتخضع للمنطق في العقليات، وتمشي وراء الملاحظة والتجربة في الماديات وتستعمل الأدوات التي وهبها الله إياها: السمع والبصر والفؤاد.. فهذه أدوات المعرفة كما قال تعالى: {وَالله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: 78).
فمن هنا يجب أن يستعمل الإنسان سمعه، فبه تنتقل المعلومات من الناس بعضهم إلى بعض بطريق الرواية. والبصر، به تكون الملاحظة والتجربة، وعليهما قام صرح العلوم الكونية ، والفؤاد -أي العقل- به يستعمل الإنسان المنطق، ويستنتج النتائج من المقدمات.
وهذه الأدوات، هي النوافذ التي يطل منها الإنسان على أمور هذه الحياة، والكون، والشرع، وعلى خلق الله تعالى، وعلى نهيه وأمره؛ فلا يجوز إذن أن يعطلها ويهملها، ويتبع الظنون والأوهام أو يتبع الإشاعات والأباطيل.
ولهذا جاء في آيات كثيرة من القرآن مثل هذا التذييل والتعقيب: (أفلا تسمعون؟) ، (أفلا تبصرون) ، (أفلا تعقلون) ، وفرق ما بين المؤمنين المهتدين، وبين الكافرين الضالين، إن الآخرين عطلوا أدوات المعرفة والهداية التي منحوها، فلم تعد تقوم بوظيفتها: (لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام، بل هم أضل، أولئك هم الغافلون).
لهذا حذرت الآية من إهمال هذه القوى، فقال تعالى مخاطبًا الإنسان: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي لا تتبع ما ليس لك به علم، فتجرى وراء الظنون، أو وراء الأوهام والخرافات.. استعمل سمعك وبصرك وفؤادك. فإن الله سائلك عن هذه الأدوات {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} هذا معنى الآية الأولى بإجمال (1).
أما الآية الثانية، وهي {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} فمعناها: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} أي مشية الاختيال والتبختر، مشية العجب والاستكبار.. فإن هذا لا ينبغي للمؤمن وهو ليس مشي عباد الرحمن، فالله قد وصف عباد الرحمن بأنهم {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (الفرقان:63).
لماذا تمشي متبخترًا؟ هل تستطيع أن تخرق الأرض؟ مهما دببت برجلك فلن تستطيع ذلك.. ومهما تطاولت وتمطيت بعنقك فلن تبلغ الجبال طولاً؛ فأولى بك أن تمشي مشية التواضع والهون، والسكينة واللين.
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعًا / فكم تحتها قوم هُمُو منك أرفع! / وإن كنت في عز وجاه ومنعة/ فكم مات من قوم همو منك أمنع!. فالمطلوب من الإنسان أن يمشي على الأرض متواضعًا، سواء كان يمشي على قدميه، أم في سيارة.
هناك أناس يودون أن ينهبوا الأرض نهبًا بسياراتهم مختالين، لأن أحدهم يركب سيارة ضخمة فخمة، فلا يحترم آداب المرور، ولا قواعد السير، وكأنه يريد أن يحطم ما يواجهه في الطريق، أو يطير عن الأرض بلا جناحين.. من فعل ذلك فهو ممن يمشون في الأرض مرحًا، ولا يمشون هونًا، ومعظم الحوادث التي تحدث في الطرقات – للأسف؛ من أولئك، الذين يمشون في الأرض مرحًا.
فعلى المسلم الذي يتأدب بأدب القرآن أن يراعي هذا، وأن يمشي في الأرض هونًا، ولا يمشي فيها اختيالاً ولا تبخترًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان" (2).
هذه الآية جاءت هنا، ووردت في وصايا لقمان لابنه في قوله {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ الله لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18).
................
(1) للاطلاع على مزيد حول تفسير الآية: تفسير الطبري جامع البيان تحقيق الشيخ أحمد شاكر (17/ 446)، تفسير الرازي مفاتيح الغيب (20/ 338).
(2) رواه أحمد (5995) وقال مخرجوه: إسناده صحيح، والبخاري في الأدب المفرد (549)، وصححه الألباني في الصحيحة (543)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
السؤال: ما الحاجة لدراسة مستقبل الأمة وهي اليوم في ذيل القائمة ومتخلفة؟ وماذا عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أنس رضي الله عنه أنه "لا يأتي زمان على الناس إلا والذي بعده أشد منه"؟
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأمة صحيح متخلفة ؛ إنما هل هذا التخلف أبديّ أم هو مرحلة من المراحل؟ هل نحن متخلفون لأننا يجب أن نكون متخلفين؟
لا.. بدليل أننا كنا متقدمين؛ كنا سادة العالم ؛ كنا قادة الأمم كنا نحن الذين نملك أزِمَّة الحضارة، فالحضارة الإسلامية ظلت هي الحضارة الأولى والسائدة في العالم حوالي ثمانية أو عشر قرون، والكتب الإسلامية والمراجع العلمية الإسلامية كانت مراجع العالم في أوروبا وغيرها، علماء المسلمين كانت أسماؤهم أشهر الأسماء في العالم، اللغة العربية كانت لغة العلم، كُتِب فيها الطب وكُتِب فيها التشريح، وكُتِب فيها الفلك وكُتِب فيها الكيمياء وكُتِب فيها الفيزياء، وكُتِب فيها كل علوم الأرض باللغة العربية والآن للأسف نجد الجامعات تتجه إلى اللغات الأخرى، كنا نحن هكذا..
إذن هذا التخلف الذي نعانيه ليس ذاتياً فينا، وليس أبدياً ؛ فيجب أن نضع خطة للخروج من سجن التخلف، ويجب أن نفترض أن أول أسباب تخلفنا انتشار الأمية في بلادنا العربية والإسلامية وهذا أمر لا يليق، نحن أمة الكتاب وأول آية نزلت في كتابنا "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" "وكُررت مرتين "اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ" والقراءة مفتاح العلم ، "الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ" والقلم هو أداة نقل العلم من فرد إلى فرد ومن أمة إلى أمة ومن جيل إلى جيل، والقرآن أقسم بالقلم. قال تعالى " ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ".
أحاديث الفتن وآخر الزمان
أما الحديث المذكور فرواه الإمام البخاري في جامعه الصحيح، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ وهو حديث صحيح من ناحية سنده، ولكن الآفة تأتي هنا من فهمه فهمًا يُخالف سُنَن الله، أو حقائق العلم، أو ثوابت الواقع، ولا يمكن أن يأتي الدين بما يخالف ذلك؛ لأن الدين حق، وهذه الأشياء المذكورة حق، والحق لا يتناقض، فإمَّا أن يكون لهذه الأشياء تفسير غير ما يبدو لنا، أو يكون للنص الديني تأويل غير الظاهر المتبادر منه...
(أحاديث الفتن) وما يتعلَّق بما يُسمَّى آخر الزمان ( أو ) أشراط الساعة يَكثُر فيها سوء الفهم، ولِذا ينبغي التأمل الطويل في معانيها، حتى لا يتَّخذُها الناس وسيلة لقتل كل بِذرة للأمل، ووَأْد كل محاولة للإصلاح والتغيير. والحديث المذكور نموذج لهذا النوع من الأحاديث . فقد روى البخاري بسنده إلى الزبير بن عدي، قال : أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجَّاج، فقال: "اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقَوْا ربكم" سمعته من نبيكم، صلى الله عليه وسلم.
يَتخذ بعض الناس من هذا الحديث تُكَأَةً للقعود عن العمل، ومحاولة الإصلاح والإنقاذ، مُدَّعيًا أن الحديث يدل على أن الأمور في تدهور دائم، وسقوط مستمر وهوى متتابع، من درْك إلى درك أسفل منه، فهي لا تنتقل من سيء إلا إلى أسوأ، ولا من أسوأ إلا إلى الأسوأ منه. حتى تقوم الساعة على شرار الناس ويلقى الناس ربهم.
وآخرون توقفوا في قبول الحديث، وربما تعجل بعضهم فرده؛ لأنه في ظنه يدعو:
أولاً : إلى اليأس والقنوط.
وثانيًـا: إلى السلبية في مواجهة الطغاة من الحكام المنحرفين.
وثالثًـا: يُعارض فكرة "التطور" التي قام عليها نظام الكون والحياة.
ورابعًـا: يُنافي الواقع التاريخي للمسلمين.
فهم السلف للحديث
ومن الحق علينا أن نقول: إن السابقين من علمائنا قد وقفوا عند هذا الحديث مستشكلين (الإطلاق) فيه. يَعنون بالإطلاق ما فهم من الحديث: أن كل زمن شر من الذي قبله، مع أن بعض الأزمنة تكون في الشر دون التي قبلها، وقد اشتهر الخير الذي كان في زمن عمر بن عبد العزيز، بل لو قيل: إن الشر اضمحل في زمانه، لمَّا كان بعيدًا، فضلاً عن أن يكون شرًّا من الذي قبلَه.. وقد أجابوا عن هذا بعدة أجوبة :
فالإمام الحسن البصري حمَل الحديث على الأكثر الأغلب، فقد سُئل عن عمر بن عبد العزيز بعدَ الحجاج، فقال: لا بد للناس من تنفيس!
وجاء عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في قوله ( لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله: أَمَا إني لا أعنى أميرًا خيرًا من أمير، ولا عامًا خيرًا من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون، ثم لا تَجِدون منهم خلَفا، ويَجيء قوم يُفتَون برأيهم) وفي لفظ عنه: ( فيَثْلِمون الإسلام ويَهدِمونه) ورجَّح الحافظ في (الفتح) تفسير ابن مسعود لمعنى الخيرية والشَّرِّيَّة هنا، قائلاً : وهو أَولَى بالإتباع.
ولكنه في الواقع لا ينفي الاستشكال من أساسه، فالنصوص تدل على أن في الغيب أدوارًا للإسلام ترتفع فيها رايته وتعلو كلمته، ولو لم يكن إلا زمن المهدي والمسيح في آخر الزمان لكفى. والتاريخ يُثبت أنه جاءت فترات ركود وجمود في العالم أعقبتها أزمنة حركة وتجديد، ويكفي أن نذكر مثلاً من ظهر في القرن الثامن من العلماء والمجدِّدين ـ بعد سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد، وتدهْوُر الأوضاع في القرن السابع، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وسائر تلاميذه في الشام، والشاطبي في الأندلس، وابن خلدون في المغرب، وغيرهم ممن تَرجم لهم ابن حجر في كتابه ( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) .
ليس الحديث على عمومه
وهذا ما جعل الإمام ابن حبان في صحيحه يرى أن حديث أنس ليس على عمومه، مستدلاً بالأحاديث الواردة في المهدي، وأنه يَملأ الأرض عدلاً، بعد أن مُلِئت جوراً (فتح الباري: ج16، ص228ـ ط الحلبي) . ولهذا أرى أن أرجح التفسيرات لهذا الحديث ما ذكره الحافظ في (الفتح) بقوله : ويُحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة، بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك، فيختص بهم، فأمَّا من بعدهم فلم يقصد في الخبر المذكور، لكن الصحابي فهم التعميم ـ فلذلك أجاب من شكا إليه من الحجَّاج بذلك وأمرهم بالصبر، وهم ـ أو جُلُّهُم ـ من التابعين أ.هـ
السكوت على الظلم
وأمَّا زعم من زعم أن الحديث يتضمَّن دعوة إلى السكوت على الظلم والصبر على التسلط والجبروت، والرضا بالمنكر والفساد، ويُؤيِّد السلبية في مواجهة الطغاة المتجبرين في الأرض..
فالرد على ذلك من عِدَّة أوجه:
أولاً: إن القائل (اصبروا ) هو أنس - رضي الله عنه - فليس هو من الحديث المرفوع، وإنما استنبطه منه، وكل واحد يُؤخذ من كلامه ويُترك ما عدا المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيًا : إن أنسًا لم يأمرهم بـ (الرضا) بالظلم والفساد، وإنما أمرهم بـ (الصبر) وفرق كبير بين الأمرين، فإن الرضى بالكفر كفر، وبالمنكر منكر، أمَّا الصبر فقلَّما يستغني عنه أحد، وقد يصبر المرء على الشيء، وهو كارهٌ له، ساعٍ في تغييره.
ثالثًا : إن من لم يملك القدرة على مقاومة الظلم والجبروت، ليس له إلا أن يَعتصم بالصبر والأَناة، مجتهدًا أن يُعِدَّ العُدَّة، ويتخذ الأسباب، معْتضِدًا بكل من يَحمل فكرته، منتهزًا الفرصة المواتية، ليُواجه قوة الباطل بقوة الحق، وأنصار الظلم بأنصار العدل، وجند الطاغوت بجند الله
وقد صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة عشر عامًا في مكة على الأصنام وعبادها، فيصلي بالمسجد الحرام، ويطوف بالكعبة وفيها وحولها ثلاثمائة وستون صنمًا، بل طاف في السنة السابعة من الهجرة مع أصحابه في عمرة القضاء، وهو يراها ولا يَمَسها، حتى أتي الوقت المناسب يوم الفتح فحطَّمها.
ولهذا قرَّر علماؤنا : أن إزالة المنكر إذا ترتب عليه منكر أكبر منه وجب السكوت عنه حتى تتغير الأحوال.
وعلى هذا لا ينبغي أن يفهم من الوصية بالصبر الاستسلام للظلم والطغيان بل الانتظار والترقب حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين.
والله أعلم
السؤال: كنت وأنا صغير في المدرسة أقوم بأخذ الكراسات وبعض الكتب من المخزن سرًّا وخفية, وكنت أعتقد أن هذه أموال حكومية ولا يلحقني في ذلك شيء, وكنت أعطي هذه الكراسات والكتب لأخي, الذي كان يعمل تاجرا, ليبيعها، وأقول له: المدرسة قد سلمت لي هذه الأشياء. وأنا الآن لا أعرف عددها, ولا قيمتها التي باعها بها أخي, وسؤالي هو: كيف يصحِّح الإنسان هذا الأمر؟ ويتخلص من أثر هذا الحرام؟ وأنا الآن نادم أشد الندم على هذا الشيء الذي حصل.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
شيء طيب أن ضمير هذا الأخ استيقظ, والتوبة ممكنة من أي ذنب, لا يمكن أن يسد الشرع باب التوبة, الذي عليه الآن أن ينظر هذه الأشياء كم تساوي بالتقريب, ويتصدق بها على الفقراء في دولته، لأنه لن يستطيع أن يعيدها للدولة, وأسأل ربنا أن يغفر للأخ السائل له ما مضى إن شاء الله.
وأحب هنا أن أنبه إلى أن الإسلام حذر أشد التحذير من أخذ المال العام بغير حق؛ لأن لكل واحد من أبناء الشعب فيه حقًّا، فإذا اختلس شيئًا أو انتهبه دونهم، فقد ظلمهم جميعًا. وأمسوا كلهم خصماءه يوم القيامة.
السؤال: هل المخاطب بالتكاليف الفرد أو الجماعة؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
التكاليف يخاطب بها الفرد والجماعة معًا, كل فرد مسؤول عن نفسه, مثلًا الزكاة أنا مطالب بها, {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]. فأنا مطالب بأن أقيم الصلاة وأن أؤدي الزكاة, هذا خطاب لكل فرد, والجماعة مسؤولة أيضًا مسؤولية تضامنية عن هذه الأمور, الجماعة مسؤولة عن إخراج الزكاة وعن إقامة الصلاة, فالفرد مسؤول ومكلف بالواجبات، والأمة مسؤؤلة مسؤولية تضامنية؛ لأن الله فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفرض النصيحة في الدين, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" (1). وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر, فريضة على الأمة، وكل مسلم مطالب بأن يوصي غيره بالحق, وأن يدعوه إلى الخير, وأن يأمره بالمعروف, وأن ينهاه عن المنكر.
لو أن أحد الأغنياء لم يعط الزكاة المفروضة، فعلى من حوله من أقاربه، ومن جيرانه، ومن يعرف حاله: أن يأمره بإيتاء الزكاة, ويبين له أنها حق الله, وحق الفقراء, وحق المجتمع, ويحذره من عقاب الله في الدنيا وعقابه في الآخرة, وأن الله يمحق ماله ويمحق بركته إن لم يخرج زكاته، وأنه تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35].
فمسؤولية المجتمع والدولة والأمة مسؤولية تضامنية، مع المسؤولية الفردية العينية التكليفية, ومن أجل هذا وجدنا القرآن يخاطب بالأحكام الجماعة المؤمنة, فمثلا يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]. ولم يقل: يا أيها المؤمن. لأن المؤمنين مسؤولون مسؤولية تضامنية عن إقامة الصيام, بحيث لو ضاع رمضان الجماعة مسؤولة عمن لم يصم. والإسلام لا يتصوَّر الإنسان وحده، إنما يتصوَّره في مجتمع، ولهذا توجهت التكاليف إليه بصيغة الجماعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، ولم يجئ في القرآن: (يا أيها المؤمن). وذلك أن تكاليف الإسلام تحتاج إلى التكاتف والتضامن في حملها والقيام بأعبائها، يستوي في ذلك العبادات والمعاملات.
فإذا نظرنا إلى فريضة كالصلاة، وجدنا أنها لا يمكن أن تقام كما يريد الإسلام، إلا بمسجد يتعاون الجميع على بنائه، ومؤذن يُعْلِم الناس بمواقيت الصلاة، وإمام يؤمُّهم، وخطيب يخطبهم، ومعلِّم يعلِّمهم، وهذا كلُّه لا يقوم به الفرد، وإنما ينظِّمه المجتمع. وقد جعل القرآن أول أعمال الدولة المسلمة إذا مُكِّن لها في الأرض: أن تقيم الصلاة. كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ... } [الحج:41]. ومثل ذلك يقال في فريضة الصوم، وضرورة ترتيب أمور الحياة في رمضان ترتيبًا يُعين على الصيام والقيام والسحور .. وغيرها.
ومن باب أولى: الزكاة، فالأصل فيها أنها تنظيم اجتماعي، تُشرف عليه الدولة، بواسطة (العاملين عليها)، الذين نصَّ عليهم القرآن. وكذلك كل شعائر الإسلام وأركانه. أما الأخلاق والمعاملات فلا يُتصوَّر أن تقوم- كما ينشدها الإسلام- إلا في ظلال مجتمع ملتزم بالإسلام، يتعبَّد لله بإقامة حياته على أساس الإسلام.
وهناك تكليفات شرعية هي في الأصل مسؤولية الدولة, وهي الحدود، مثلا قول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَاخُذْكُمْ بِهِمَا رَافَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2]. أو قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].
الأمة مخاطبة بهذه التكاليف والأحكام, ولكن هل الأمة هي التي تقطع يد السارق؟ أو هل هي التي تجلد الزاني؟ لا, هذا عمل الحكومة, ولكن الأمة مسؤولة عن الحكومة, فلو قصرت الحكومة، فالأمة مسؤولة أن تأمرها بالمعروف وتنهاها عن المنكر, وأن تضغط عليها حتى تنفذ أوامر الله, وتحكِّم شرعه، وأن تعمل على أن تأتي بحكومة تقيم أوامر الله ونواهيه.
فالتكاليف الشرعية هي مسؤولية الفرد, ومسؤولية الجماعة معًا.
.................
(1) رواه مسلم في الإيمان (55) , وأحمد (16947) , والترمذي في البر والصلة (1926) , عن تميم الداري.
القرضاوي اراه معتدلا في احكامه ليس مثل الاخرين
بارك الله فيك
السؤال: سمعت بعض المتحدثين يشكك في قيمة السنة التقريرية، ويقول: إنها لا تكاد توجد والمعول عيه هو السنة القولية والعملية. واذكر أننا حين درسنا السنة وإنها: قول وفعل وتقرير، ذكروا لنا من أمثلة التقرير: أن الضب: أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأكل هو منه .. وقد سألت أحد العلماء عن هذه السنة، وهل لها أمثلة أخرى، فذكر لي: المضاربة، فقد كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، متوارثة من أيام الجاهلية، فاقرها عليه الصلاة والسلام، ولم يثبت فيها سنة قوليه ولا عملية.
أرجو من فضيلتكم أن تلقوا لنا الضوء على هذا الموضوع بما يبين أهمية هذه السنة ووقوعها بالفعل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، مع ذكر عدد من الأمثلة تطمئن به لقلوب، وتشفي الصدور.
حفظكم الله لأمة الإسلام ..
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد..
السنة كما عرفها العلماء، وبخاصة علماء الأصول: هي: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وأضاف إليها علماء الحديث: أو وصف أو سيرة. ليدخل فيها الصفات الخلفية والخلقية، وأحداث السيرة من الميلاد إلى الوفاة، وان لم تشتمل على سنة تتبع.
والسنة القوليه معروفة، وأمثلتها كثيرة، وعليها مدار كتب الحديث، أمثال:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى""أن الحلال بين وان الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات""من أحدث في امرنا ما ليس منه فهو رد"الخ وجمهور السنة هي القولين، وعليها المعول في بيان القرآن، واستنباط الأحكام.
والسنة الفعلية أو العملية: تشمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات، كما قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"وقال في حجة الوداع:"خذ عني مناسككم"ومثل إنه كان يقبل نساءه وهو صائم، وكذلك في العبادات والمعاملات.
والسنة التقريرية: هي ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فأقره، أو علم به فسكت عليه، لأنه لا يسكت على باطل، ولا يقر إلا حقا. ولذا قال جابر:"كنا نعزل والقرآن ينزل"وفي رواية: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينهما".
ومثال أكل الضب على مائدة النبي عليه الصلاة والسلام، اجتمعت فيه السنة التقريرية والسنة القولية، فقد ورد أنه أكل على مائدته وامتنع هو من أكله، فسئل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال:"لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجد نفسي "فالتمثيل به للسنة التقريرية ليس مسلما.
وأما التمثيل بالمضاربة فهو صحيح، وفي موضوعه. وقد ذكر بعض الكاتبين أن المضاربة لم تثبت بقرآن ولا سنة، وغفل هذا الكاتب بأنها تثبت بالسنة التقريرية، وهي النوع الثالث من أنواع السنن. ولابن القيم كلام جيد ذكره في (إعلام الموقعين) عن السنة التقريرية ضرب فيه أمثلة وفيرة لها، على نهج ابن القيم في البيان والإسهاب، يحسن بنا أن نذكره هنا على طوله، ليستبين القارئ أهمية هذه السنة وكثرتها في التشريع، وأنها ليست قليلة ولا نادرة، كما توهم.
من ذلك إقراره لهم على تلقيح النخل، وعلى تجاراتهم التي كانوا يتجرونها، وهي على ثلاثة أنواع: تجارة الضرب في الأرض، وتجارة الإدارة، وتجارة السلم، فلم ينكر عليهم منها تجارة واحدة، وإنما حرم عليهم فيها الربا الصريح ووسائلة المغضية إليه أو التوسل بتلك المتاجر إلى الحرام كبيع السلاح لمن يقاتل به المسلم وبيع العصير لمن يعصره خمرا وبيع الحرير لمن يلبسه من الرجال ونحو ذلك مما هو معاونة على الإثم والعدوان.
وكإقرارهم على صنائعهم المختلفة من تجارة وخياطة وصياغة وفلاحة، وإنما حرم عليهم فيها الغش والتوسل بها إلى المحرمات، وكإقرارهم على إنشاد الأشعار المباحة وذكر أيام الجاهلية والمسابقة على الأقدام، وكإقرارهم علي المهادنة في السفر، وكإقرارهم على الخيلاء في الحرب ولبس الحرير فيه وإعلام الشجاع منهم بعينه بعلامة من ريشة أو غيرها.
وكإقرارهم على لبس ما نسجه الكفار من الثياب، وعلى إنفاق ما ضربوه من الدراهم، وربما كان عليها صور ملوكهم، ولم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه مدة حياتهم دينارًا ولا درهما، وإنما كانوا يتعاملون بضرب الكفار. وكإقراره لهم بحضرته على المزاح المباح، وعلى الشبع في الأكل، وعلى النوم في المسجد، وعلى شركة الأبدان، وهذا كثير من أنواع السنن احتج به الصحابة وأئمة الإسلام كلهم.
وقد احتج به جابر في تقرير الرب في زمن الوحي كقوله:"كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن"وهذا من كمال فقه الصحابة وعلمهم، واستيلائهم على معرفة طرق الأحكام ومداركها، وهو يدل على أمرين؛ أحدهما: أن أصل الأفعال الإباحية، ولا يحرم منها إلا ما حرمه الله على لسان رسوله، الثاني: أن علم الرب تعالى بما يفعلون في زمن شرع الشرائع ونزول الوحي وإقراره لهم عليه على عفوه عنه، والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أنه في الوجه الأول يكون معفوا عنه استصحابا، وفي الثاني يكون العفو عنه تقريرا لحكم الاستصحاب..
ومن هذا النوع تقريره لهم على أكل الزروع التي تداس بالبقر، من غير أمر لهم بغسلها، وقد علم صلى الله عيه وسلم أنها لا بد أن تبول وقت الدياس، ومن ذلك تقريره لهم على الوقود في بيوتهم وعلى أطعمتهم بارواث الإبل وأخثاء البقر وابعار الغنم، وقد علم أن دخانها ورمادها يصيب ثيابهم وأوانيهم، ولم يأمرهم باجتناب ذلك، وهو دليل على أحد أمرين ولا بد: طهارة ذلك، او أن دخان النجاسة ورمادها ليس بنجس.
ومن ذلك تقريرهم على سجود أحدهم على ثوبه إذا اشتد الحر، ولا يقال في ذلك إنه ربما لم يعلمه؛ لأن الله قد علمه وأقرهم عليه ولم يأمر رسوله بإنكاره عليهم، فتأمل هذا الموضع. ومن ذلك تقريرهم على النكحة التي عقدوها في حال الشرك ولم يتعرض لكيفية وقوعها، وغنما أنكر منها ما لا مساغ له في الإسلام حين الدخول فيه.
ومن ذلك تقريرهم على ما بأيديهم من الأموال التي اكتسبوها قبل الإسلام بربًا أو غيره، ولم يأمر بردها بل جعل لهم بالتوبة ما سلف من ذلك؛ ومنه تقرير الحبشة باللعب في المسجد بالحراب، وتقريره عائشة على النظر إليهم، وهو كتقريره النساء على الخروج والمشي في الطرقات وحضور المساجد وسماع الخطب التي كان ينادى بالاجتماع لها، وتقريره الرجال على استخدامهن في الطحن والغسل والطبخ والعجن وعلف الفرس والقيام بمصالح البيت، ولم يقل للرجال قط: لا يحل لكم ذلك إلا بمعاوضتهن أو استرضائهن حتى يتركن الأجرة..
وتقريره لهم على الإنفاق عليهم بالمعروف من غير تقدير فرض ولا حب ولا خبز، ولم يقل لهم: لا تبرأ ذممكم من الإنفاق الواجب إلا بمعاوضة الزوجات من ذلك على الحب الواجب لهن مع فساد المعاوضة من وجوه عديدة أو بإسقاط الزوجات حقهن من الجب، بل أقرهم على ما كانوا يعتادون نفقته قبل الإسلام وبعده، وقرر وجوبه بالمعروف، وجعله نظير نفقة الرقيق في ذلك ومنه تقريرهم على التطوع بين أذان النغرب والصلاة وهو يراهم ولا ينهاهم.
ومنه تقريرهم على بقاء الوضوء وقد خفقت رؤوسهم من النوم في انتظار الصلاة ولم يأمرهم بإعادته، وتطرق احتمال كونه لم يعلم ذلك مردود بعلم الله به، وبأن القوم اجل وأعرف بالله ورسوله أن لا يخبروه بذلك، وبأن خفاء مثل ذلك على رسول الله صلى الله عيه وسلم وهو يراهم ويشاهدهم خارجًا إلى الصلاة ممتنع. ومنه تقريرهم على جلوسهم في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤا.
ومنه تقريرهم على مبايعة عميانهم على مبايعتهم وشرائهم بأنفسهم من غير نهى لهم عن ذلك يوما ما، وهو يعلم أن حاجة الأعمى إلى ذلك كحاجة البصير. ومنه تقريرهم على قبول الهدية التي يخبرهم بها الصبي والعبد والأمة، وتقريرهم على الدخول بالمرأة التي يخبرهم بها النساء أنها امرأته، بل الاكتفاء بمجرد الإهداء من غير إخبار. ومنه تقريرهم على قول الشعر وإن تغزل أحدهم فيه بمحبوبته وإن قال فيه ما لو أقربه في غيره لأخذ به كتغزل كعب بن زهير بسعاد، وتغزل حسان في شعره وقوله فيه:
كأن خبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء
ثم ذكر وصف الشراب، إلى أن قال:
ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا لا ينهنهنا اللقاء
فأقرهم على قول ذلك وسماعه؛ لعلمه ببر قلوبهم ونزاهتهم وبعدهم عن كل دنس وعيب، وأن هذا إذا وقع مقدمة بين يدي ما يحبه الله ورسوله من مدح الإسلام وأهله وذم الشرك وأهله والتحريض على الجهاد والكرم والشجاعة فمفسدته مغمورة جدا في جنب هذه المصلحة، مع ما فيه من مصلحة هز النفوس واستمالة إصغائها وإقبالها على المقصود بعده، وعلى هذا جرت عادة الشعراء بالتغزل بين يدي الأغراض التي يريدونها بالقصيد. ومنه تقريرهم على رفع الصوت بالذكر بعد السلام، بحيث كان من هو خارج المسجد يعرف انقضاء الصلاة بذلك، ولا ينكره عليهم. *
....................
* إعلام الموقعين لابن القيم ج 2/ 367 ـ 370 بتحقيق بمحمد محيي الدين عبدالحميد، طبع مطبعة السعادة بمصر.
السؤال: أوصتني زوجتي قبل مرض موتها بأن أقسم حليها الذهب بين ولديها, وهي وصية كلامية غير مكتوبة, وأكدت هذه الوصية في أثناء مرض موتها، وأخبرت به أهلها, وبعد وفاتها قال لي والدها: إنهم لا يريدون شيئًا من ميراثها, وإنهم سيتركونه لأولادها, وعلى هذا الأساس عملت إعلان وراثة أن تركة زوجتي هي الوديعة البنكية التي أودعتها في البنك, ولم أذكر فيها حليها الذهبي.
ولكن بعد شهرين طالب والداها بحقهما من الميراث, وبالفعل أخذاه من الوديعة, وأنا لم أعارض؛ لأنه حقهم الشرعي, أما الذهب فلم أستطع أن أعطي منه شيئا طبقًا لوصية زوجتي, وسألت دار الإفتاء المصرية, فأفتوني بأن أقيم الذهب وأضيف قيمته للوديعة, فإذا كان ثلث ما تركته أو أقل من الثلث يأخذه الأولاد بجانب حقهم الشرعي في الوديعة, وسألت أيضًا فضيلة الشيخ عطية صقر، فقال لي: لا بد من تنفيذ الوصية, بمعنى أن الحلي الذهبي يكون للأولاد, بجانب حقهم الشرعي في التركة. وبعد نقاش طويل مع والد زوجتي أوضحت له أنني لا أستطيع مخالفة أمر الله؛ لأني أنا المسؤول عن تنفيذ الوصية, واتفقنا على أن الذهب يكون للأولاد, يعني أنا لم آخذ منه شيئًا.
وسؤالي الأول: ماذا أفعل بالذهب؟ هل أبيعه وأقسمه بين الولدين؟ علمًا بأني لم أخرج عليه زكاة؛ لأني لم أجد الوقت الكافي لتقييم الذهب, فقد وضعته في البنك، وهو بعيارات مختلفة, ومجموعه حوالي خمسمائة جرام, وقمت بتقييم مؤخر الصداق بسعر الذهب وقت عقد القران, كما سمعت ذلك من فضيلتكم في برنامج "هدي الإسلام" وأنتم تتحدثون عن الديون التي مر عليها وقت طويل، واختلفت قيمتها الشرائية عن قيمتها الآن اختلافا شاسعًا, ووزعت قيمتها على حسب الأنصبة الشرعية على جميع الأفراد المستحقين.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
أقول للأخ السائل: وصية الأم لأولادها الوارثين لا تجوز إلا بإذن بقية الورثة, فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" (1). ولا تجوز هذه الوصية إلا إذا أجازها بقية الورثة, فالمفروض أن حُلِيَّ الذهب هذا يوزع على الجميع, وكانت الأم تستطيع أن تعطي هذا للأولاد في حياتها, وتتصرف في مالها, إنما ما علَّقته من تصرفات إلى ما بعد الموت فهي وصية تُنَفَّذ, لكن بشرطين: ألا تزيد على الثلث, وألَّا تكون لوارث, الأمرين لا بد أن يتحققا جميعًا.
أما عن قسمة هذا الميراث فللزوج الربع, والأبوان لكل واحد منهما السدس, كما قال الله في آية المواريث: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:11]. الأب له السدس, والأم لها السدس, والباقي يكون للأولاد تعصيبًا للذكر مثل حظ الأنثيين, وما داما ذكرين فهما متساويان, إذا تنازل الجد والجدة لحفيديهما عن نصيبهما في الذهب فقد حُلَّت المشكلة، وحل للأولاد أن يأخذوا ذهب أمهم. أما قضية ماذا يفعل في الذهب إذا رضي الجدان عن أن يتركوه لأحفادهما, فالأولى أن يباع, وتقسم قيمته على الأولاد.
وأنا أشكر للأخ حسن تصرفه في المهر المؤخَّر, وأنه عمل بفتواي في أن الديون القديمة التي طال عليها الأمد ينبغي أن تؤدَّى قيمتُها ذهبًا, لأنه ليس من المعقول أني متزوج منذ أربعين سنة وكان الجنيه له قيمة, لو أنا عامل مؤخر الصداق مائة جنيه في ذلك الوقت, المائة جنيه تساوي الآن آلافا مؤلَّفة, ويمكن تصل إلى عشرات الآلاف, فظلم أن أعطيها المائة جنية الآن, وهي لا تساوي أكلة غداء أو عشاء الآن, فالعدل أن نقوِّم هذا بسعر الذهب في ذلك الوقت, ننظر المائة جنيه كانت في هذا الوقت تشتري كم جراما من الذهب في ذلك الوقت, إذا كانت- مثلًا- تشتري خمسين جرامًا من الذهب, أو عشرين جرامًا, ننظر كم تساوي الآن, وهكذا.
...................
(1) رواه أحمد (22294) , وقال مخرجوه: إسناده حسن, وأبو داود (2870)، والترمذي (2121) , وقال: حديث حسن صحيح, كلاهما في الوصايا, وصححه الألباني في صحيح الجامع (1789) , عن أبي أمامة الباهلي.
السؤال: من هو الخضر؟ وهل هو نبي أو ولي ؟ وهل هو حي إلى اليوم كما يقول كثير من الناس وإن بعض الصالحين قد رآه أو اجتمع به؟ وإذا كان حيًا فأين يقيم؟ ولماذا لا يظهر ويفيد الناس بعلمه وخاصة في هذا الزمان؟ أرجو البيان الشافي.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد :
الخضر هو العبد الصالح الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف حيث رافقه سيدنا موسى عليه السلام وتعلم منه. اشترط عليه أن يصبر، فأجابه إلى ذلك، فقال له: وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا، وظل معه، وهو عبد آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علمًا، ومشى معه في الطريق ورآه قد خرق السفينة فقال: أخرقتها لتغرق أهلها ؟ ... إلى آخر ما ذكره الله عنه في سورة الكهف. وكان موسى يتعجب من فعله، حتى فسّر له أسباب هذه الأمور وقال له في آخر الكلام: (وما فعلته عن أمري، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا) (الكهف: 82) يعني ما فعلت ذلك عن أمري، وإنما عن أمر الله تعالى.
بعض الناس يقولون عن الخضر: إنه عاش بعد موسى إلى زمن عيسى ثم زمن محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين وأنه عائش الآن وسيعيش إلى يوم القيامة . وتنسج حوله القصص والروايات والأساطير بأنه قابل فلانًا، وألبس فلانًا خرقة، وأعطى فلانًا عهدًا ... إلى آخر ما يقصون وينسجون من أقاويل ما أنزل الله بها من سلطان. ليس هناك دليل قط على أن الخضر حي أو موجود - كما يزعم الزاعمون - بل على العكس، هناك أدلة من القرآن والسنة والمعقول وإجماع المحققين من الأمة على أن الخضر ليس حيًا.
وأكتفي بأن أنقل فقرات من كتاب " المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف " للمحقق ابن القيم. يذكر في هذا الكتاب رحمه الله ضوابط للحديث الموضوع الذي لا يقبل في الدين، ومن هذه الضوابط " الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، وكلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد . فحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في المسجد، فسمع كلامًا من ورائه، فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر.
وحديث: يلتقي الخضر والياس كل عام وحديث: يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر. وسئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق، فقل: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان. وسئل الإمام البخاري عن الخضر والياس هل هما أحياء ؟ فقال: كيف يكون هذا ؟ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " (رواه الشيخان) . وسئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا - مستدلين بالقرآن -: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإن مت فهم الخالدون) ؟ (الأنبياء: 34) .
وسئل عنه شيخ السلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ، فقال:"لو كان الخضر حيًا لوجب عليه أن يأتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويجاهد بين يديه ويتعلم منه، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم،فأين كان الخضر حينئذ؟ فالقرآن ،والسنة، وكلام المحققين من علماء الأمة ينفي حياة الخضر كما يقولون.
القرآن يقول: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون) فالخضر إن كان بشرًا فلن يكون خالدًا، حيث ينفي ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة؛فإنه لو كان موجودًا لجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد قال عليه الصلاة والسلام:"والله لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني" (رواه أحمد عن جابر بن عبد الله) فإن كان الخضر نبيًا، فليس هو بأفضل من موسى، وإن كان وليًا فليس أفضل من أبي بكر.
وما الحكمة في أن يبقى طيلة هذه المدة - كما يزعم الزاعمون - في الفلوات والقفار والجبال ؟ ما الفائدة من هذا ؟ ليس هناك فائدة شرعية ولا عقلية من وراء هذا . إنما يميل الناس دائمًا إلى الغرائب والعجائب والقصص والأساطير، ويصورونها تصويرًا من عند أنفسهم ومن صنع خيالهم، ثم يضفون عليها ثوبًا دينيًا، ويروج هذا بين بعض السذج، ويزعمون هذا من دينهم، ولكن ليس هذا من الدين في شيء ... والحكايات التي تحكي عن الخضر إنما هي مخترعات ما أنزل الله بها من سلطان.
أما السؤال حول: هل هو نبي أو ولي؟ فالعلماء قد اختلفوا في ذلك، ولعل الأظهر أنه نبي - كما يبدو من الآية الكريمة التي تلوناها من سورة الكهف ... (وما فعلته عن أمري) فهي دليل على أنه فعل ذلك عن أمر الله، ومن وحيه لا من عند نفسه . فالأرجح أنه نبي وليس مجرد ولي.
والله أعلم
السؤال: هل يجوز لغير المسلم لمسُ كتاب تفسير للقرآن الكريم إذا كان التفسير بالإنجليزية وآيات القرآن بالعربية؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
لا حرج في ذلك؛ حتى عند من قال بمنع غير المسلم من مس المصحف؛ لأن المترجم هو تفسير معاني القرآن، وليس بقرآن، وكذا لو كان التفسير بالعربية، إذا مسه غير المسلم أو من ليس على طهارة فلا حرج، فالترجمة والتفسير ليس لهما حكم القرآن.
وأقول: كيف نوصِّل الإسلام إلى غير المسلمين؟ لا بد أن نكتب لهم ما يرغِّبهم في الإسلام, وبعض الناس مهما كتبنا لهم رسائل وكتبًا عن الإسلام بلغتهم, عندهم من النهم المعرفي ما يدفعهم إلى أن يعلموا ماذا في القرآن, ماذا في الكتاب المقدس عند المسلمين؛ لذا فلا بد أن نفسِّر معاني القرآن باللغات الأخرى, وبعض الترجمات فيها الأصل العربي, وهذا جيد, كأنك تقول هذا هو القرآن الحقيقي, القرآن هو العربي, {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (يوسف:2) . وهذه ترجمة معانيه, أو ترجمة تفسيره, فهذا هو الذي نراه ضرورة من أجل إبلاغ دعوة الله تعالى.
السؤال: فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي (حفظه الله)، أسأل الله أن يمد في عمركم، وأن يجزيكم عن الإسلام خيرا. أنا باحثة أعد رسالة دكتوراه، وأريد الاستنارة برأيكم في أحد مباحثها، وهو: هل تعدُّ عملية سرقة المعلومات المحميَّة بأرقام سرية, وعملية سرقة الأموال عبر بطاقات الائتمان، عبر شبكة المعلومات "الإنترنت": سرقة تستوجب عقوبة تعزيرية أم حَدِّية؟ وإذا كانت عقوبة هذه الجريمة تعزيرية, فما الأمور التي منعت من إقامة العقوبة الحَدِّية؟ ولكم جزيل الشكر.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومَن والاه
(وبعد)
فقد عرَّف الفقهاء السرقة التي يجب فيها الحدُّ بأنها: أخذ مال الغير خُفية, بشرط أن يبلغ المال نصابا, وألاَّ تقوم شبهة تُسقط الحدَّ.
فلا بد أذن لتحقُّق السرقة الشرعية:
1-أن يكون المسروق مالا.
2- أن يبلغ نصابا, وقد اختلفوا فيه.
3- أن يكون الأخذ خُفية, لا عن طريق المغالبة كالحرابة, ولا عن طريق الأخذ والهرب بسرعة كالاختلاس.
4-أن يخرج المسروق من حيازة مالكه, ليُدخله في حيازته.
5-ألا تكون له شبهة تؤثِّر في إسقاط الحدِّ, كأن تكون له شركة في المال, أو من الورثة، أو نحو ذلك.
وبالنظر في هذه المكوِّنات لجريمة السرقة, ننظر في السؤال المطروح, وهو في الحقيقة يتضمَّن سؤالين:
الأول: عن سرقة المعلومات المحميَّة بأرقام سرية.
والثاني: عن سرقة الأموال عبر بطاقات الائتمان, عبر شبكة المعلومات "الإنترنت".
وأودُّ أن أبادر فأوكِّد هنا: أن كلَّ هذه السرقات من "المعاصي" المحرَّمة في الإسلام, وهي تنافي حقيقة الإيمان, وفي الحديث الصحيح المتَّفق عليه: "لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن"(1) بل تعتبر السرقة من كبائر المعاصي؛ لأن الكبيرة معصية فيها حدٌّ في الدنيا، أو وعيد شديد في الآخرة، والسرقة فيها الأمران معا.
ولكن قد يوجد خلاف في تكييف هذه المعصية أو هذه الجريمة: هل ينطبق عليها تعريف (السرقة)، كما ذكره الفقهاء في حدِّ السرقة أو لا ينطبق؟
فبالنسبة لسرقة المعلومات، يظهر أن المسروق هنا ليس بمال، وإن كانت له قيمة كبيرة, فلا ينطبق عليه أنه سرقة بالمعنى الاصطلاحي، إذ السرقة هي أخذ المال خُفية.
وقد يشكِّك بعض الناس في مشروعية كتمان العلم عن الغير، ويرى أن العلم يجب أن يُتاح للجميع، حتى إن من الناس مَن ينكر حقوق التأليف والنشر، ويجيز نشر الكتب من غير إذن مؤلفيها. وهم محجوجون في ذلك، ومردود عليهم.
ومن المعلومات ما يُنفق عليها عشرات الملايين أو مئات الملايين، ومن حقِّ مَن أنفق هذه النفقات الطائلة أن ينتفع بثمار ما أنفق، وخصوصا أنها قد تكون معلومات عسكرية أو استراتيجية ونحوها..
المهم أن هذا التشكيك قد يكون شبهة تدرأ الحدَّ، لو افترضنا أن هذه المعلومات مال، أو تقدر بالمال، وهنا تجب العقوبة التعزيرية، لأنه ارتكب معصية لا حدَّ فيها ولا كفارة، فاستوجب العقوبة تعزيرا، لا حدًّا.
وبالنسبة للسؤال الثاني: سرقة المال من البنوك ونحوها عن طريق بطاقة الائتمان، ومعرفة رقم بطاقة الشخص، ومعرفة رقمها السري، وصرف المال - وقد يكون بالملايين - عن هذا الطريق، فالذي أراه هنا: أن هذه سرقة مكتملة الأركان، فالمسروق مال، ومأخوذ بطريق الخُفية، فقد أخفاه عن البنك، وأخفاه عن صاحب المال، وهو أكثر من النصاب المطلوب، وليس له أدنى شبهة في سرقته. فهذه سرقة كاملة يجب أن يُقام على السارق فيها الحدُّ، وتنفيذ قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة:38) .
والحقيقة أن هذه السرقة تتضمَّن عدَّة جرائم: ففيها جريمة الاعتداء على البنك، وجريمة الاعتداء على سريَّة البطاقات، وجريمة الاعتداء على المال، وجريمة استخدام نعم الله مثل الإنترنت في معصية الله تعالى، وإضرار عباده، فهو يستحقُّ العقوبة الحدية، وقد يستحقُّ عقوبة أخرى معها، ولا سيما إذا كان من موظفي البنك؛ لأنه مع السرقة خان الأمانة.
وبالله التوفيق.
.........................
(1) متفق عليه: رواه البخاري في الأشربة (5578)، ومسلم في الإيمان (57)، كما رواه أحمد في المسند (7318) عن أبي هريرة.
أبوطه الجزائري
2017-12-28, 09:39
روى البخاري، ومسلم عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ).
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ فَضِيلَةُ الْعِلْمِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالْحَثِّ عَلَيْهِ.
وَسَبَبُهُ : أَنَّهُ قَائِدٌ إِلَى تَقْوَى اللَّهُ تَعَالَى "
..........................
جزاكم الله خيرا
أبوطه الجزائري
2017-12-28, 21:29
بوركت يا أبا طه ..
حياكم الله ........
وفقكم الله و سدد خطاكم
السؤال: هل من حق المتهم أن يدافع عن نفسه؟ وهل يجوز منعه من ذلك؟ وما واجب المجتمع المسلم حياله ايسعه السكوت وترك الأمور تجرى في أعناقها؟ أم يقف بجواره مناصرًا.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومَن والاه
نعم من حق الفرد الذي اتهم في دينه وعرضه وسلوكا ظلما: أن يدافع عن نفسه تجاه من ظلمه، ويرفع صوته جاهزا بالحق، بل أباح الله تعالى له ما لم يبح لغيره، رعاية لظرفه، وذودا عن حرمته، حين قال الله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}(النساء:148)، ولا يجوز لأحد منع التهم من الدفاع عن نفسه، فهذا حق طبيعي وشرعي، وقد أعطى الله الحرية لإبليس اللعين ليجادل عن نفسه أمام رب العالمين، ويقول عن آدم:"أنا خير منه" كما جعل من حق كل نفس يوم القيامة أن تجادل عن نفسها.
ويجب على المجتمع المسلم أن يتيح له الفرصة، ويحفظ له حق الحرية في هذا الدفاع عن النفس بكل ما يستطيع: قولا باللسان، أو كتابه في الصحف، او حديثا إلى المذياع، أو إلى التلفزيون، ولا سيما إذا كان شخصية عامة لها وزنها وتأثيرها، فلا يجوز شرعا أن يترك لمخالب خصومه وأنيابهم تفترسه جهارا نهارا والمجتمع يتفرج، ولا يحرك ساكنا، والأبواب مغلقة على المتهم البرىء، لا يملك أن يرد عن نفسه أسلحة الخصوم الذين يملكون كل شىء، وقد جرده من كل شىء..
وأدهى من ذلك أن يشارك الناس في حملة الإفتراء بنقل كلام السوء دون إنكار كما قال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم، إذ تلقونه بإلسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}(النور:14 – 15) .
إن المجتمع المسلم مجتمع متضامن متكامل، لا يقبل أن يسقط أحد البرآء فيه ضحية لظلم مبيَّت، ومؤامرة مدمرة، وكيدٍ عظيم، وهو ساكت، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس، والله تعالى يقول: {لولا إذ سمعتموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا، وقالوا: هذا إفك مبين} (النور:12) فهذا تحريض للمجتمع على رفض الإفك، وهذا موقف المجتمع المؤمن المتضامن، والله تعالى يقول: {والمؤمنون والمؤمنان بعضهم أولياء بعض} (التوبة:71) .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه". متفق عليه، ومعنى (لا يسلمه):أي لا يتخلى عنه ولا يتركه في ساعة الشدة. وقال عليه الصلاة والسلام:"أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا: يا رسول الله، ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم، فذلك نصرَّ له" متفق عليه
فالإسلام يوجب على المجتمع المسلم أن ينصر المظلوم على الظالم مهما تكن قوته وجبروته، والحديث النبوي يقول:"إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم فقد تودع منهم "رواه أحمد والطبراني والحاكم وصححه، والواجب على كل مسلم سمع عن أخيه شرَّاً يعلم خلافه أن يذب عنه ويرد عن عرضه، كما في الحديث الشريف:"من رد عن عرض أخيه ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة" رواه احمد والترمذي.
السؤال: من هو الخضر؟ وهل هو نبي أو ولي ؟ وهل هو حي إلى اليوم كما يقول كثير من الناس وإن بعض الصالحين قد رآه أو اجتمع به؟ وإذا كان حيًا فأين يقيم؟ ولماذا لا يظهر ويفيد الناس بعلمه وخاصة في هذا الزمان؟ أرجو البيان الشافي.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد :
الخضر هو العبد الصالح الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف حيث رافقه سيدنا موسى عليه السلام وتعلم منه. اشترط عليه أن يصبر، فأجابه إلى ذلك، فقال له: وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا، وظل معه، وهو عبد آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علمًا، ومشى معه في الطريق ورآه قد خرق السفينة فقال: أخرقتها لتغرق أهلها ؟ ... إلى آخر ما ذكره الله عنه في سورة الكهف. وكان موسى يتعجب من فعله، حتى فسّر له أسباب هذه الأمور وقال له في آخر الكلام: (وما فعلته عن أمري، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا) (الكهف: 82) يعني ما فعلت ذلك عن أمري، وإنما عن أمر الله تعالى.
بعض الناس يقولون عن الخضر: إنه عاش بعد موسى إلى زمن عيسى ثم زمن محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين وأنه عائش الآن وسيعيش إلى يوم القيامة . وتنسج حوله القصص والروايات والأساطير بأنه قابل فلانًا، وألبس فلانًا خرقة، وأعطى فلانًا عهدًا ... إلى آخر ما يقصون وينسجون من أقاويل ما أنزل الله بها من سلطان. ليس هناك دليل قط على أن الخضر حي أو موجود - كما يزعم الزاعمون - بل على العكس، هناك أدلة من القرآن والسنة والمعقول وإجماع المحققين من الأمة على أن الخضر ليس حيًا.
وأكتفي بأن أنقل فقرات من كتاب " المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف " للمحقق ابن القيم. يذكر في هذا الكتاب رحمه الله ضوابط للحديث الموضوع الذي لا يقبل في الدين، ومن هذه الضوابط " الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، وكلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد . فحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في المسجد، فسمع كلامًا من ورائه، فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر.
وحديث: يلتقي الخضر والياس كل عام وحديث: يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر. وسئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق، فقل: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان. وسئل الإمام البخاري عن الخضر والياس هل هما أحياء ؟ فقال: كيف يكون هذا ؟ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " (رواه الشيخان) . وسئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا - مستدلين بالقرآن -: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإن مت فهم الخالدون) ؟ (الأنبياء: 34) .
وسئل عنه شيخ السلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ، فقال:"لو كان الخضر حيًا لوجب عليه أن يأتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويجاهد بين يديه ويتعلم منه، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم،فأين كان الخضر حينئذ؟ فالقرآن ،والسنة، وكلام المحققين من علماء الأمة ينفي حياة الخضر كما يقولون.
القرآن يقول: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون) فالخضر إن كان بشرًا فلن يكون خالدًا، حيث ينفي ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة؛فإنه لو كان موجودًا لجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد قال عليه الصلاة والسلام:"والله لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني" (رواه أحمد عن جابر بن عبد الله) فإن كان الخضر نبيًا، فليس هو بأفضل من موسى، وإن كان وليًا فليس أفضل من أبي بكر.
وما الحكمة في أن يبقى طيلة هذه المدة - كما يزعم الزاعمون - في الفلوات والقفار والجبال ؟ ما الفائدة من هذا ؟ ليس هناك فائدة شرعية ولا عقلية من وراء هذا . إنما يميل الناس دائمًا إلى الغرائب والعجائب والقصص والأساطير، ويصورونها تصويرًا من عند أنفسهم ومن صنع خيالهم، ثم يضفون عليها ثوبًا دينيًا، ويروج هذا بين بعض السذج، ويزعمون هذا من دينهم، ولكن ليس هذا من الدين في شيء ... والحكايات التي تحكي عن الخضر إنما هي مخترعات ما أنزل الله بها من سلطان.
أما السؤال حول: هل هو نبي أو ولي؟ فالعلماء قد اختلفوا في ذلك، ولعل الأظهر أنه نبي - كما يبدو من الآية الكريمة التي تلوناها من سورة الكهف ... (وما فعلته عن أمري) فهي دليل على أنه فعل ذلك عن أمر الله، ومن وحيه لا من عند نفسه . فالأرجح أنه نبي وليس مجرد ولي.
والله أعلم
السؤال: رجل تُوُفِّيَ وعنده ابن وبنت وزوجة, وله راتب بعد وفاته, ثمانمائة ريال, هل يصح أن يؤخذ من الراتب أربعمائة ريال ليسد بها دينه, وأربعمائة ريال لأولاده وزوجته؟ مع العلم أن عليه من الديون عشرين ألف ريال.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
الأَوْلى أن نريحه في قبره بأداء هذا الدين, حتى لا يُعذَّب بسبب دينه؛ لأن الإنسان إذا مات وهو مدين يعذب على هذا الدين, خصوصًا إذا كان قادرًا في وقت من الأوقات أن يسدِّد ولم يسدِّد, يقول أبو هريرة: كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّيْن، فيسأل: "هل ترك لدينه من قضاء؟ ". فإن حُدِّث أنه ترك وفاء صلَّى عليه، وإلا قال: "صلًّوا على صاحبكم". فلما فتح الله عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوُفِّي وعليه دين فعليَّ قضاؤه"(1).
لا يصلي النبي صلى الله عليه وسلم على المدين زجرًا للناس أن يستدينوا ويموتوا ولم يقضوا ديونهم؛ لأن حقوق العباد مشدَّد فيها, ولا تُبنى على المسامحة, وإنما تبنى على المشاحَّة. بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يُغفَر للشهيد كلُّ ذنبٍ إلا الدَّيْن" (2).
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إنْ قُتلتُ في سبيل الله، صابرًا محتسبًا، مقبلًا غير مدبِر، أيكفِّرُ الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". فلما أدبر الرجل، ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر به فنودي له. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف قُلْتَ؟ ". فأعاد عليه قوله. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "نعم، إلا الدين. كذاك قال لي جبريل" (3).
فالديون فيها تشديد, فإذا كان هذا الأخ توفي وعليه عشرون ألف ريال, وله معاش يُصرف نحو ثمانمائة ريال فلا مانع أن يأخذ أهله أربعمائة ريال, والأربعمائة ريال الأخرى يسدد بها دينه على مدى خمسة وعشرين شهرًا, وإن كانوا من أهل اليسار والغنى فليسسدوا عنه دينه، فإذا كانوا يحبون هذا الشخص المدين ويريدون أن يخففوا عنه هذا العذاب يسدِّدوا هذا الدين, فعن جابر قال: تُوُفِّي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه. فخطا خُطًى، ثم قال: "أعليه دين؟ ". قلنا: دينارين. فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال: أبو قتادة الدينارين عليَّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحَقُّ الغريمِ وبرئ منهما الميت؟ " قال: نعم. فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: "ما فعل الديناران؟ " فقال: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتُهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن بَرَّدْتَ عليه جِلْدَه"(4).
..................
(1) رواه مسلم في الفرائض (1619).
(2) رواه مسلم في الإمارة (1886) ، وأحمد (7051) ، والحاكم في الجهاد (2554) ، عن عبد الله بن عمرو.
(3) رواه مسلم في الإمارة (1885) ، وأحمد (22585) ، والترمذي (1712) ، والنسائي (3157) ، كلاهما في الجهاد، عن أبي قتادة.
(4) رواه أحمد (22/405) ح(14536) ، وقال مخرجوه: إسناده حسن، والحاكم في البيوع (2/ 58) ، وصحح إسناده، ووافقه الذهبي.
السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يأخذ من كل مذهب الأسهل له؟ فهل هذا جائز أو لا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
لا يجوز للإنسان أن يتبع هواه في الأخذ من المذاهب, أن ينظر ما يحلو له فيأخذه, فإذا كان يريد- مثلًا- أن يأخذ من جاره بالشفعة يقول: الشفعة للجار. وإذا كان الجار هو الذي يريد أن يأخذ منه بالشفعة يقول: لا, الشفعة ليست إلا للشريك.
يجعل الدين تبعًا لهواه, يأخذ ما يحلو له, لا, المفروض يأخذ مذهب الأقوى والأرجح, إذا كان من أهل الاجتهاد أو من أهل العلم ويستطيع ترجيح الأدلة فيرجح بين الأدلة, إذا كان من العوام غير المشتغلين بالعلم فيبحث عن العالم الذي يطمئن إليه, ويطالبه أن يفتيه بالرأي الأرجح والأقوى دليلًا, ولا يتَّبع الرخص, ولا يبحث عن الأسهل وزلات العلماء والرخص.
ومن ضوابط الأخذ بالرخص:
- أن لا يكون الأخذ بالرخصة لغرض فاسد، ومن هنا جاء منع تتبع الرخص لكف الناس عن الجري وراء الأسهل من غير دليل، والأصل أنه يجوز للعامي أن يأخذ في كل مسألة بقول مجتهد هو أخف عليه، لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب ما خفف على الناس.
- أن لا يجمع بين رخص من عدة مذاهب، ليخرج بصورة جديدة تخالف الإجماع، كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد من العلماء.
كذلك ليس من الضروري أن يبحث عن الأشد والأثقل, فبعض الناس يظن أنه لكي لا يأخذ الأسهل يبحث عن الأصعب والأشد, لا؛ لأن كثيرًا ما يكون الأرجح دليلًا هو الأيسر, وهذا بتجربتي, وجدتُ أن أيسر الآراء الأقوى في الدليل؛ لأن هذا الدين قائم على اليسر، وليس على العسر, {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]. وما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما (1) .
فأكثر الآراء تيسيرًا هي أقواها دليلًا في الجملة, فالإنسان يبحث عن الأرجح وإن كان هو الأيسر, وأحيانًا إذا كانت الأدلة متكافئة يرجِّح الإنسان الأيسر, وخصوصا عند الحاجة، فقد يُفتى بالرأي الأيسر لشدة الحاجة إليه, ولعموم البلوى, فيراعي حاجة الناس, ولذلك العلماء قالوا: ما حرُم لذاته يباح للضرورة, وما حرُم لسد الذريعة يباح للحاجة, والضرورات تبيح المحظورات, وما يشقُّ الاحتراز منه يعفى عنه, والمشقة تجلب التيسير, وإذا ضاق الأمر اتسع... إلى آخر ما قالوه من قواعد في هذا الأمر.
.....................
(1) متفق عليه: رواه البخاري في الأدب (6126) , ومسلم في الفضائل (2327) , كما رواه أحمد (24846) , عن عائشة.
السؤال: هل يجوز لغير المسلم لمسُ كتاب تفسير للقرآن الكريم إذا كان التفسير بالإنجليزية وآيات القرآن بالعربية؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
لا حرج في ذلك؛ حتى عند من قال بمنع غير المسلم من مس المصحف؛ لأن المترجم هو تفسير معاني القرآن، وليس بقرآن، وكذا لو كان التفسير بالعربية، إذا مسه غير المسلم أو من ليس على طهارة فلا حرج، فالترجمة والتفسير ليس لهما حكم القرآن.
وأقول: كيف نوصِّل الإسلام إلى غير المسلمين؟ لا بد أن نكتب لهم ما يرغِّبهم في الإسلام, وبعض الناس مهما كتبنا لهم رسائل وكتبًا عن الإسلام بلغتهم, عندهم من النهم المعرفي ما يدفعهم إلى أن يعلموا ماذا في القرآن, ماذا في الكتاب المقدس عند المسلمين؛ لذا فلا بد أن نفسِّر معاني القرآن باللغات الأخرى, وبعض الترجمات فيها الأصل العربي, وهذا جيد, كأنك تقول هذا هو القرآن الحقيقي, القرآن هو العربي, {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (يوسف:2) . وهذه ترجمة معانيه, أو ترجمة تفسيره, فهذا هو الذي نراه ضرورة من أجل إبلاغ دعوة الله تعالى.
السؤال: فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي حفظه الله ورعاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بارك الله في عمركم وصحتكم وعافيتكم، وجعلكم ذخرا للمسلمين.
طلقني زوجي وأنا حامل لشهرين، ولم يكن يعلم بحملي، فلما أخبرته بحملي وعدني بحل الموضوع، ثم شاء الله أن يتوفى في حادث بعد شهرين، ولم يكن أحد يعلم بأمر طلاقي. ثم علمتُ من بعض المشايخ أن هذا الطلاق لا يقع، لأنه لم يكن يعلم بحملي، فهل صحيح ما قالوه؟
ولفضيلتكم جزيل الشكر.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
فالطلاق السني الذي شرعه الله ورسوله: أن يطلق المرأة طاهرة من غير جماع (في طهر لم يمسها فيه) أو حاملا قد استبان حملها. فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} [الطلاق:1]. فإذا طلقها في الحيض، أو في طهر مسها فيه، ولا يدري أحملت أم لا - كما هو الحال في هذه المسألة - فهو الطلاق (البدعي) المحرَّم، الذي اختلف الفقهاء في وقوعه، برغم اتفاقهم على بدعيته، وتحريمه، وإثم فاعله. فالمذاهب الأربعة على وقوعه وإن كان محرَّما ومخالفا للسُّنَّة، ولهم أدلَّة على ذلك.
ومذهب بعض السلف، وهو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: عدم إيقاع هذا الطلاق؛ لأنه على غير ما أمر الله تعالى ورسوله، وقد صحَّ في الحديث: "مَن عمِل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ" (1)، أي مردود على صاحبه. وثبت عن ابن عمر: أنه طلَّق امرأته وهي حائض، فردَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرها شيئا (2). وقد انتصر لهذا الحديث العلاَّمة ابن القيم في كتابه (تهذيب سنن أبي داود)، وأطال النفس في الاحتجاج به، والدفاع عنه.
واجتهاد ابن تيمية وابن القيم هنا: اجتهاد له اعتباره، وهو موثَّق بالأدلَّة، وهو الموافق لمقاصد الشرع في بقاء الأسرة، وحمايتها من التصدُّع لأدنى الأسباب. وقد أخذ به بعض قوانين الأحوال الشخصية، ومنها القانون القطري، كما تبنَّاه كثير من رجال الفقه والفتوى في عصرنا.
وعلى هذا الرأي لا يعد هذا طلاقا، إذ طلقها حاملا لم يستبن حملها، وعلى الزوجة أن تحتد على زوجها المتوفى، ولها الحق في ميراثه.
والله ولي التوفيق.
...................
(1)متفق عليه: رواه البخاري في الصلح (2697)، ومسلم في الأقضية (1718)، كما رواه أحمد في المسند (26033)، وأبو داود في السنة (4606)، وابن ماجه في المقدمة (14) عن عائشة.
(2) رواه أبو داود في الطلاق (2185)، وقال: روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة، وأحاديثهم كلها على خلاف ما قال أبو الزبير، وأحمد في المسند (5524)، وقال: صحيح دون قوله: "ولم يرها شيئا" رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي الزبير، فقد روى له البخاري مقرونا، ومسلم احتجاجا، وقد صرح بالتحديث هو وابن جريج، فانتفت شبهة تدليسهما، والشافعي في المسند (939)، وعبد الرزاق (6/ 309)، والبيهقي في الكبرى (7/ 327)، كلاهما في الطلاق، عن ابن عمر.
السؤال: قال الله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:284]. ألا يتنافى ذلك مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسَها، ما لم تعمل أو تتكلم". وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن هَمَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة".
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
الله تعالى يقول: {لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:284]. هذه الآية فهم منها بعض الصحابة أن الإنسان سيحاسب على حديث النفس، فنزل القرآن يصحح لهم الفهم، ويخبرهم أن الله لن يحاسب الإنسان إلا على ما اقترفت يداه وكسبت..
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده واللفظ له والترمذي عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]، قال: دخل قلوبهم منها شيءٌ لم يدخل قلوبهم من شيءٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قولوا: سمعنا وأطعنا وسلَّمنا". قال: فألقى اللهُ الإيمانَ في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: فأنزل الله عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَانَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:285 - 286]. وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} بين لهم أن لا حرج في مثل الوسوسة وحديث النفس وخواطرها، ما لم تتحول إلى نية وعزم.
أما معنى {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فقد قال بعض المفسرين: إنها في كتم الشهادة، وأن كاتم الشهادة ومخفيها في نفسه محاسب. وهذا التفسير باعتبار سياق الآيات، فالآية التي قبلها مباشرة تنهى عن كتمان الشهادة: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة:283]. لكن (ما) الموصولة تدل على العموم، ومعنى الآية أن الله سبحانه يعلم السر والعلن، ما ظهر وما بطن، وأنه يعلم حركات النفس وما تصر عليه وما تعزمه من فعل، سواء أعلنته أم لم تعلنه، وعلمه تعالى محيط بما ظهر وبما بطن من أعمال النفوس، ويحاسب الإنسان على النيات وما تكسبه القلوب، سواء أأخفاه الشخص أم أظهره، فما تكسبه القلوب موضع مؤاخذة ومحاسبة...
ولا تعارض بين ذلك وبين العفو عن حديث النفس والخطرات؛ لأن حديث النفس ليس هو ما تكسبه النفس، ويعزمه القلب، وينويه الشخص ويصر عليه؛ وإنما هو تلك الخواطر النفسية التي تعرض للإنسان فتوجهه نحو الهوى والشهوة؛ فإن سار وراءها حتى اعتزمها وأرادها وأصر عليها، ولكن عاقه عائق عن تنفيذها، لا تكون حديث النفس، بل تكون كسب النفس، ولكل نفس ما كسبت، وعليها ما اكتسبت؛ فالمرتبة الأولى وهي تلك الخواطر، ليست موضع مؤاخذة، بل إن التغلب عليها، وكفها بعد مكافحتها موضع ثواب؛ وهذا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هَمَّ بها فعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة".
فالإنسان قد ينوي الفعل الصالح، ولكن لا يفعله لعجزه عنه، من سفر أو مرض أو غير ذلك, فالله سبحانه وتعالى يثيبه على هذا العمل, كما قال تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100]. أي: بنيته؛ لأن الإنسان يحاسب بنيته, قد يكون الإنسان ممن يصوم كل يوم اثنين وخميس, أو يقوم من الليل, ثم يصيبه مرض فيصير غير قادر على قيام الليل ولا على صيام النهار, فيكتب له ما كان يعمله صحيحًا مقيمًا, أو كان يقوم الليل ويواظب عليه، ثم في ليلة كان مجهدا ومتعبا, جاء من عمله مهدودا مكدودا, ثم نام ولم يقم إلا لصلاة الصبح, جاء في الحديث أن الله سبحانه وتعالى يكتب له ما كان ينوي أن يقومه من الليل, وكان نومه صدقة عليه من ربه, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي بالليل، فغلبته عينه حتى يصبح، كُتِب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه" (1). فهذا النوم تصدق الله به عليه, فقد أعجزه المرض أو التعب, لكنه أخذ هذا الأجر بنيته, هذا في جانب الخير.
أما في جانب الشر، فلو هم به ثم تذكر ربه، ووقوفه بين يديه، فانتهى عما هم به، كتبه الله له حسنة، أما إذا نواه وعزم عليه وصمَّم عليه يكتب عليه سيئة حتى ولو لم يفعله, ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ", قالوا: يا رسول الله هذا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: " إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ " (2) , دخل المعركة وهو يريد أن يقتل أخاه المسلم, كل واحد منهما يريد قتل الآخر, فواحد منهما سبق الآخر فقتله, فالاثنان في النار, القاتل دخل النار بفعله, والمقتول دخل النار بنيته.
خلاصة القول أن موضع التجاوز هو حديث النفس وخطراتها، وموضع الحساب هو الإصرار والنيات، والاتجاه القلبي إلى الأذى والانتقام، فالإنسان لا يحاسب على ما أضمره في نفسه إلا إذا تحول إلى نية, وإلى تصميم وعزم على الفعل, في الخير أو في الشر.
..............
(1) رواه النسائي في قيام الليل (1787) , وابن ماجه في إقامة الصلاة (1344) , والحاكم في الوتر (1170) , وصححه, وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1105) , عن أبي الدرداء.
(2) متفق عليه: رواه البخاري في (31) , ومسلم في الفتن (2888) , كما رواه أحمد (20439) , عن أبي بكرة.
السؤال:
أريد أن أتطهر من ذنوبي فماذا أفعل؟
يجيب عن هذه الفتوى مكتب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
خلق الله الإنسان ضعيفًا، لا ينفك عن الخطأ أو التقصير أو النسيان أو العصيان، ومن رحمته سبحانه وتعالى بعباده الضعفاء، أن فتح لهم باب التوبة، والإنابة إليه، {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}(الزمر:53-54)، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} (النساء:27). وحفل القرآن الكريم بذِكر التوبة والاستغفار في آيات عديدة، وسور مختلفة، فاتحًا باب الأمل أمام المذنبين، في قبول التوبة، وغفران الذنوب، بل وإبدالها حسنات؛ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الفرقان:70) .
كما أخبر سبحانه أنه يتقبل التوبة من عباده، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}(الشورى:25). ما لم تبلغ الروح الحلقوم، ففي الحديث "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"، رواه الترمذي، وقال: حسن غريب. وحسنه الألباني. أو تطلع الشمس من مغربها، لحديث: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ" رواه مسلم.
فالكبائر لا تكفرها إلا التوبة النصوح، فمتى وقعت التوبة مستكملة شروطها من: الندم على ما فات، والإقلاع عن الذنب في الحال، والعزم على عدم العود إلى الذنب. فإنها تمحو الذنب قبلها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
أما الصغائر فتكفرها الطاعات، مثل: الوضوء، والصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، وصيام رمضان وقيامه، وإيتاء الزكاة والصدقات، والحج والعمرة، وكل عمل من أعمال الخير. والأدلة على ذلك كثيرة، منها: قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود:114].
وفي صحيح مسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره"، وفي مسلم أيضًا: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات"؟ قالوا: "بلى يا رسول الله". قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط"، وفي مسلم أيضًا " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ". وفي الصحيحين: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما"، وفيهما أيضا: "من حج لله فلم يرفث ، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
وعند الترمذي : " الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" صححه الألباني. وفي مسلم: " من سبح دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبر ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون، ثم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". بل إن مجرد اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}(النساء:31).
وعلى هذا نوصيك أخي الحبيب بما يكفر الذنوب، ويطهر منها: ومن هذه المكفرات:
1- التوبة النصوح، فإنها تغسل الإنسان من الذنوب، كما يغسل الماء الدَّرَن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة:222).
2- الاستغفار، بصيغه المختلفة التي وردت في القرآن والسنة، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}(النساء:110).
3- الأعمال الصالحة: من الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، والعمرة، وبر الوالدين، والذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن، وفعل الخير، كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود:114) وقال صلى الله عليه وسلم: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".
نسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يجعلها نصوحا، وأن يكتبنا وإياك في عباده الصالحين
السؤال / ماهو حكم بيع الأشياء المحرمة ؟؟؟
جواب .د. يوسف القرضاوي
خلق الله الناس على حالة يحتاج فيها بعضهم إلى بعض، فليس يملك كل فرد كل ما يهمه ويكفيه، بل يملك هذا بعض ما يستغني عنه، ويحتاج إلى بعض ما يستغني عنه الآخرون، فألهمهم الله أن يتبادلوا السلع والمنافع بالبيع والشراء وسائر هذه المعاملات حتى تستقيم الحياة، ويسير دولابها بالخير والإنتاج.
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وللعرب أنواع من البيع والشراء والمبادلات، فأقرهم على بعضها، مما لا يتنافى ومبادئ الشريعة التي جاء بها. ونهاهم عن البعض الآخر مما لا يتفق وأهدافها وتوجيهاتها. وهذا النهي يدور على معان منها: الإعانة على المعصية والغرر والاستغلال، والظلم لأحد المتعاقدين، ونحو ذلك.
فما جرت العادة بأن يقتنى لمعصية حظرها الإسلام، أو يكون الانتفاع المقصود به عند الناس نوعا من المعصية، فبيعه والاتجار به حرام، كالخنزير والخمر والأطعمة والأشربة المحرمة بعامة، والأصنام والصلبان والتماثيل ونحوها، ذلك أن في إجازة بيعها والاتجار فيها تنويها بتلك المعاصي، وحملا للناس عليها أو تسهيلا لهم في اتخاذها، وتقريبا لهم منا.
وفي تحريم بيعها واقتنائها إهمال لها وإخمال لذكرها، وإبعاد للناس عن مباشرتها. ولذا قال عليه السلام: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه".
..................
* من كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" لفضيلة العلامة.
السؤال: هل تحتاج المرأة إذا أرادت أن تقصر شعرها إلى إذن من زوجها؟
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد...
هناك نوع من تقصير الشعر لا يحس به الرجل، إذا كان شيئا قليلا تعتاده المرأة بين الحين والحين، حتى لا يطول شعرها جدا، ويكلفها جهدا في ترجيله وتمشيطه، وهو معتاد من عامة النساء، ولا يحتاج فيه عادة إلى إذن من الرجل.
وهناك نوع آخر من التقصير الذي يغير شكل المرأة وصورتها أمام زوجها، وقد ألفها على صورة معينة مدة من الزمن، فإذا هي تفجؤه بصورة أخرى غير مألوفة له، فكأنما هي امرأة جديدة، فهذا اللون من التقصير الظاهر غير المعتاد، هو الذي يحتاج إلى تفاهم بين الزوجين قبل تنفيذه، حتى تستمر المودة والوئام بين الزوجين.
والأصل في المسلمة أنها لا تكشف شعرها في الطريق، ولا أمام الرجال الأجانب عنها، غير المحارم لها، ومن ثم يكون الزوج هو أول من يحق له الاستمتاع بجمال شعر زوجته، والنظر إليه على الصورة التي يحبها.
والزوجة العاقلة هي التي تحرص على كل سبب يبقي المحبة وحسن العشرة بينها وبين رجلها وينميها؛ فبهذا تتكون البيوت الصالحة التي هي أساس المجتمعات الصالحة.
youcefabdelouahab
2018-01-24, 12:18
baraka alah fik
السؤال: هل يجوز وضوء من يضع على أصبعه المصابة لفافة من المطاط .. وليس ينزعها عند الوضوء خشية أن يزيد المرض؟.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
هذا المطاط، إذا كان قد وضع لغرض طبي، فهو ما يعرف في الشرع باسم "الجبيرة"، وهي اللفافة التي توضع على الجرح أو على الكسر، فيجوز في هذه الحالة لواضعها أن يتوضأ ويمسح على الجبيرة.
ويكيفه هذا المسح وهناك اختلاف بين الأئمة (1)، بعضهم يشترط أن يكون وضع الجبيرة على طهارة وبعضهم لا يشترط ذلك، وبعضهم يوجب عليه أن يتيمم وبعضهم لا يوجب ذلك، ورأى أن التيسير يقتضي ألا نشترط أن يكون العضو على طهاره حينما وضعت عليه الجبيرة، ويكفي أن تمسح عليه، والله بالعباد رءوف رحيم.
_____
(1) البدائع 1/ 13، 51، والزيلعي 1/ 45، والدسوقي 1/ 164 ـ 165، والحطاب 1/ 361، والمجموع 2/ 325 ـ 326، والمغني 1/ 259 ـ 278 ـ 279، وكشاف القناع 1/ 113 ـ 114.
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir