المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا لم أشتري الثوب الأحمر ؟


ملائك ايران
2007-10-03, 17:38
لماذا لم أشتري الثوب الأحمر ؟









روح التدين تجتاح المجتمع المصري ، فالدين هو الحصن الأخير الذي يلوذ به الناس ، كما أنه لم يعد هناك ما يمكن الوثوق به والانتماء إليه إلا الدين ، ولكن الأمر في بعض الأحيان يتخذ شكلا مظهريا ويسبب الدهشة والحرج حتي للمتدين نفسه .
دخلت محلا لشراء ثوبا منزليا ، وجاءت البائعة الصغيرة ذات الوجه البرئ والإسدال البني الذي يشبه الشادور الإيراني والمنتشر بشده هذه الأيام ، أحضرت ثوبا لونه أحمر فقلت لها ( لا أريد هذا اللون ) فنظرت لي باهتمام شخصي وهي تسأل ( لماذا ؟ هل هو حرام ؟) أدهشني السؤال ( ليس هناك حلال وحرام في الأمر ، ولكني اشتري تبعا لذوقي الخاص وما أراه ملائما ) ظهر الإحباط علي وجهها ، كانت تريد الظفر بمعلومة دينية جديدة تنقلها لزميلاتها أثناء الراحة .
ذهبت للخياطة لاستلام ملابس متأخرة يوما عن موعدي معها ، قالت لي ( رأيتك بالأمس من الشرفة وأنت تمرين تحت البيت ولم تصعدي ، لابد أنك كنت نسيت أن تأخذي الإذن من زوجك ) قلت ( بل كنت أريد اللحاق بموعد هام وأجلت مشوارك لليوم ، وأنا لا أستأذن زوجي في تلك التفاصيل ) قالت بما يشبه التحدي ( يجب علي الزوجة الاستئذان دائما ، سمعت هذا في التلفزيون )
قابلت جارتي في الطريق وسألتها عن أحوالها والكلية التي التحق بها ابنها فقالت بإشفاق ( اعلم أن زوجك يمنعك من الاختلاط بالجيران ) قلت ( هذا ليس صحيحا ، ولكني مشغولة ، ولا أحب جلسات المسامرة والدردشة والتي تتحول لنميمة وتضييع وقت ) قالت بكياسة ( أنت ست أصيلة ) وانصرفت ، فهي لم تقتنع وتعتقد أنني أحاول تجميل صورة زوجي الذي يمنعني عن جيراني !!
كنت في ضيافة صديقة وعرضت علي نوعين من المشروبات فاخترت الأول لأنني أفضل مذاقه ، فابتسمت وهي سعيدة ( كنت متأكدة من اختيارك ، المشروب الآخر فيه شبهه ) لم أجد كلاما فسكت .
في الحقيقة الدين ينظم الحياة وييسرها ولا يعقدها ويملأها بالقيود كما يراه البعض ، ومساحة المباحات التي يختار فيها المسلم بحرية وفقا لتفضيلاته وظروفه واسعة جدا ،والعلاقة الزوجية لا تشبه علاقة جندي الأمن المركزي برئيس وحدته أو كتيبته ، بحيث لا يمكن للزوجة أن تتنفس إلا بأمر زوجها ، بل هي علاقة شراكة ومحبة أساسها كما قال المولي عز وجل المودة والرحمة ، بالطبع لا يمكنني اتخاذ قرار مفاجئ بالسفر لأختي في الأسكندرية وقضاء بضعة أيام دون علم زوجي وإذنه ، وهو أيضا يفعل ذلك يخبرني بوجهته ولا يثير قلقي ، ولكن عندما أخرج لقضاء حوائجي أفعل ما أراه مناسبا وبعد العودة للبيت أخبره بخط سيري وتفاصيل يومي ، وهو أيضا يفعل ذلك .
وعندما عّرف الرسول المسلم لم يقل هو من يلبس كذا أو يشرب كذا ، ولكنه صلي الله عليه وسلم قال ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) وقال ( لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) وقال ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي )
فجوهر الدين هو الفعل والسلوك دون أن يقلل ذلك من أهمية المظهر المحترم واتباع آداب السلوك الظاهري ، ولكن هناك فارقا حقيقيا بين من يملأ الإيمان قلبه ويصبح ملاذا لكل من حوله ، ومن يكتفي باتخاذ السلوك الظاهري وهو يثير الزوابع والكدر أينما حل .
أتمني أن تكون تلك الفتاة البريئة بعينيها المتطلعة للخير قد فهمت لماذا لم أشتري الثوب الأحمر .