تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عندما يُسرُّ الأثرياء الحَسْوَ في الارُتِغَاء . (لصوص قُفّة رمضان)


أبو عاصم مصطفى السُّلمي
2017-05-31, 10:25
بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ )) [البقرة: 267].
ترصُد الدّولة ـــ وفّقها الله ـــ كلّ سنة من الأموال شيئا كثيرا ، لعون المحتاجين و المساكين في شهر رمضان ، و صون ماء وجوههم عن مدّ الكفّ للسّؤال ، في هذا الشّهر الفاضل . قُفّة فيها من الأغذية الرّئيسة ، من كلّ جنس زوجان ـــ أو أزواج ـــ و تنتظر العوائل المُعِيلة هذه المِنحة ، انتظار فرخِ العُشِّ لما تستوعبه حويصلة أمّه .
و ينتظرها الأكابر و الأثرياء ، بأشوَقَ من شوق المسغبين و الفقراء . و يتداعون إليها كما تتداعى الأكَلة إلى قصعتها ، و يلقون أقلامهم أيّهم يكفُل (القُفَّة) . و ترسو القرعة على فلان و عِلّان ، و عندها يُصغَّر اللفظُ و مدلوله فتصير (قُفَيفةً) ، و لولا أنّ المُصغّر لا يُصغّر لانتهكوه أيضا . و يعمدُ فُلان و عِلان إلى كلّ بضاعة نسجت عليها العنكبوت و طال بها العهد في حبس المخازن ، و كلِّ ما منه يتأفّفُ صاحب ذوقٍ سليم ـــ و غير سليم ـــ
فيتغيّر الحليب من (ماركة) كذا إلى (ماركة) كذا ، و يستحيل الشّاي من علامة كذا إلى علامة كذا . و هكذا بالدّور على الجميع بالاستغراق ، و لا يسلَم من تغيير الجنس و الجنسية ، إلّا ما ليس له في السُّوق نظير ، و لا يُعرف في الأوساط غيرُه . فيبتاعونه غيرَ راضين (و ذاك من حظّ الأفواه الجائعة) ، و يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، و يعدلون عن ما هو أغلى إلى الذي هو غير . و كلُّ رخيص هيّن .
ثمّ يستطير النّبأ ، أن (القُفَّة) الرّمضانية و المِنحة الحكومية ، قد دخلت حظائر البلدية ، و الموعد يوم الزّينة و أن يُحشر النّاس ضُحى .
فيعمَد العائِلُ إلى أكبر قِفافه و أوسع مقاطفه ، طمعا في جزالة الجائزة ، و قد يكتري سيّارة لظنّه بُعد الشُّقة و تحمُّل المشقّة ، في نقل النّوال من الحظيرة إلى الدّار .
و ما يكاد يصل إلى المحلِّ الخصيب ، حتّى يدُسَّ إحدى القُفّتين خشية الرّقيب . و يجد السّابقين الأوّلين من المقاولين و التّجار ، قد تبوّؤوا من الصّفوف أوّلها . فيمكث في الانتظار إلى آخر النّهار . فيُحاول بذل جهدٍ ليرفع الزّنبيل ، لظنّه الثِّقل ، فيطيشُ في السّماء من خفّته ، فيتأبّط تلك القُفيفة إلى بطونٍ جياع و أعينٍ تنتظر إطلالة الطّالع و ما حمل ، و ما علموا أنّ في انتظارهم من الدّهشة و الحسرة عِدل الزّنبيلين معا . و عند كشف المُغطّى عمّا به أُسعف المُبطّا ، يسفرُ الموجود عن أنّ مقصّ الرّقيب قد أتى القُفّة ينقصها من أطرافها ، و يجول في خلده ( أي الرّقيب ) أنّ هؤلاء قوم فقراء ، و ما أدراهم هم بجَيِّدِ الأشياء من رديئها ، و الجوع يقتضي أكل الحجر ـــ عند أهله ـــ فلا الحليب يُشرب و لا الشّايُ يستساغ له ذوق ، و لا القهوة يُشمّ لها ريح ، و السّميد و الدّقيق مستعمرات للحشرات و الدّود ... و الله المستعان .
فتصل يد المساكين و قيمتها دريهمات معدوداتٌ ، بعد ما احتُسبت للمُموّن بها ، بما يُلغِبُ العادَّ حصرُه . فهي شباك منصوبة في طريقِ أفواه الجياع . حين يطمع أصحاب الملايين في رغيف المساكين . و تجد في المقابل اللّصوص بالأصالة يجودون على أهل الرّقاع و ذوي العوائل و المسغبات ، و يرثون لحالهم ، تعلم علم اليقين أنّ الأمر منوط بشيء واقر في القلب . لا ما وقر في البنك و الرّصيد .
و هي عرف العامّة (قُفّة) و منحة ، و في عرف الخاصة شباكُ صيدِ و شَرَك مُرصد ، فيتحيّلون و يسرّون الحسو في الارتغاء* . فلا حول و لا قوة إلا بالله العظيم .
فإن كان المُنفق احتسابا نُهي عن تَيَمُّم الخبيث ،فما بالك بمن يقبض العوض بأضعاف قيمة الأمثل ـــ لا النّظير ـــ في السّوق .
ألا فليتّق الله الأكابر و التّجار فيما تصرفه الدّولة ـــ جزاها الله خيرا ـــ لإخوانهم و أهليهم
و الله لا يُضيعُ أجر المُحسنين


ــــــــــــــــــــــــــ
* و الارتغاء هو: شرب الرغوة هذا المثل يُضرب لمن أراد أن يمكر، فيظهر أمراً و يريد غيره !، و قد عُرّف هذا المثل بأنه يوهم أنه يتناول رغوة اللبن، و لكن الذي يريده هو شرب اللبن نفسه . وفي التهذيب : يضرب مثلا لمن يظهر طلب القليل وهو يسر أخذ الكثير .

فخر الغُوي
2017-06-01, 04:53
الله المستعان.

epour
2017-06-03, 05:32
مشككككككككككككككككورررررر