تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مقالات الشيخ محمد الغزالي ..


رَكان
2017-01-26, 19:44
السلام عليكم .
لايغيب عن مسلم معرفة ذلك الجبل الذي كان قد قُدّ من علم ومعرفة دينية ودنيوية..إنه الشيه محمد الغزالي رحمة الله وقبل إفادتكم تباعا بماقالاته ..سأترككم مع هذه المقدمة النفيسة للتعرف على شيء من أمره ..

يُعد فضيلة الشيخ/ محمد الغزالى من أبرز علماء الأمة الإسلامية ومفكريها بالقرن العشرين الذين أثروا الحياة الدينية والفكرية بآرائهم المتجددة فى سبيل تنوير وتبصير المجتمع المسلم بأمور دينه. وقد كان لآرائه وأفكاره الدينية المتوازنة بين إصلاح الإنسان وإعمار الدنيا وإعمار الآخرة أثره البالغ فى إحياء وبعث الروح الدينية الصحيحة فى نفوس العديد من المسلمين ليس فقط بمصر أو العالم العربى وإنما على نطاق العالم الإسلامى بأثره. وقد كان أهم ما يتميز به فضيلة الشيخ المجدد/ محمد الغزالى جرأته فى الحق حتى أصبح رائدا لمنهج يعتمد على الفهم الصحيح للنصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة وسيرة السلف الصالح والمصلحة العامة للمسلمين ومتطلبات العصر. ولهذا فقد اتفق من اتفق معه واختلف البعض حول آرائه وفتاواه العصرية ولكن من المؤكد أن الجميع قد انجذب لسحر بيانه ووضوح حجته. ومن خلال ذلك الزخم الهائل من تراث فضيلة الشيخ/ محمد الغزالى قام الأستاذ/ عبد الحميد حسانين محمد بجهد طيب فى جمع المقالات غير الدورية والتى قام الشيخ بنشرها فى كبرى المجلات والدوريات بأنحاء العالم الإسلامى عسى أن ينتفع المسلمون بآرائه وأفكاره. وقد عنيت دار نهضة مصر بنشر هذه المقالات فى أجزائها الثلاثة رغبة فى الحفاظ على تراث الشيخ الجليل.
يتبع

رَكان
2017-01-26, 19:44
المقالةالأولى
التربية الدينية أولا.. فى صدر تاريخنا، وعلى امتداده مع الزمن، كان العالم الإسلامى يعرف بحبه للجهاد، وارتضائه لأشق التضحيات كى يحق الحق ويبطل الباطل. كان هذا العالم الرحب عارم القوى الأدبية والمادية حتى يئس المعتدون من طول الاشتباك معه فقد كبح جماحهم، وقلم أظافرهم، ورد فلولهم مذعورة من حيث جاءت، أو ألحق بهم من المغارم والآلام ما يظل بينهم عبرة متوارثة وتأديبا مرهوبا... ويرجع ذلك إلى أمور عدة، أولها أن الحقائق الدينية عندنا لاتنفك أبدا عن أسباب صيانتها ودواعى حمايتها، فهى مغلفة بغطاء صلب يكسر أنياب الوحوش إذا حاولت قضمها وذلك هو السر فى بقاء عقائدنا سليمة برغم المحاولات المتكررة لاستباحتها، تلك المحاولات التى نجحت فى اجتياح عقائد أخرى أو الانحراف بها عن أصلها.. ثم إن الإسلام جعل حراسة الحق أرفع العبادات أجرا، أجل فلولا يقظة أولئك الحراس وتفانيهم ما بقى للإيمان منار، ولاسرى له شعاع "قيل يارسول الله: ما يعدل الجهاد فى سبيل الله؟ قال: لا تستطيعونه! فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول: لا تستطيعونه! ثم قال: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام... حتى يرجع المجاهد فى سبيل الله". وإذا كان فقدان الحياة أمرا مقلقا لبعض الناس، فإن ترك الدنيا بالنسبة إلى المجاهدين بداية تكريم إلهى مرموق الجلال شهى المنال حتى إن النبى - صلى الله عليه وسلم - حلف يرجو هذا المصير "والذى نفس محمد بيده لوددت أن أغزو فى سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل" فأى إغراء بالاستماتة فى إعلاء كلمة الله ونصرة الدين أعظم من هذا الإغراء؟ لقد كانت صيحة الجهاد المقدس قديما تجتذب الشباب والشيب، وتستهوى الجماهير من كل لون، فإذا سيل لا آخر له من أولى الفداء والنجدة يصب في الميدان المشتعل، فما تضع الحرب أوزارها إلا بعد أن تكوى أعداء الله، وتلقنهم درسا لاينسى..
هل أصبحت هذه الخصائص الإسلامية ذكريات مضت، أم إنها محفورة فى عقلنا الباطن تحتاج إلى من يزيل عنها الغبار وحسب؟!! إن الاستعمار الذى زحف على العالم الإسلامى خلال كبوته الأخيرة بذل جهودا هائلة لشغل المسلمين عن هذه المعاني، أو لقتل هذه الخصائص النفسية فى حياتهم العامة، وذلك ليضمن فرض ظلماته ومظالمه دون أية مقاومة!! وقد توسل إلى ذلك بتكثير الشهوات أمام العيون الجائعة، وتوهين العقائد والفضائل التى تعصم عن الدنايا، وإبعاد الإسلام شكلا وموضوعا عن كل مجال جاد، وتضخيم كل نزعة محلية أو شخصية تمزق الأخوة الجامعة، وتوهى الرباط العام بين أشتات المسلمين.. وقد أصاب خلال القرن الأخير نجاحا ملحوظا فى سبيل غايته تلك. ومن ثم لم تنجح محاولات تجميع المسلمين لصد العدو الذى جثم على أرضهم، واستباح مقدساتهم.. وما قيمة هذا التجميع إذا كان الذين ندعوهم قد تحللوا من الإيمان وفرائضه، والقرآن وأحكامه؟ إن تجميع الأصفار لا ينتج عددا له قيمة!!وإن الجهد الأول المعقول يكمن في رد المسلمين إلى دينهم، وتصحيح معالمه ومطالبه في شئونهم، ما ظهر منها وما بطن... عندئذ يدعون فيستجيبون، ويكافحون فينتصرون، ويحتشدون فى معارك الشرف، فيبتسم لهم النصر القريب، وتتفتح لهم جنات الرضوان... إن الرجل ذا العقيدة عندما يقاتل لا يقف دونه شيء، أعجبتنى هذه القصة الرمزية الوجيزة، أسوقها هنا لما تنضح به من دلالة رائعة: حكوا أنهم فيما مضى كانوا يعبدون شجرة من دون الله، فخرج رجل مؤمن من صومعته وأخذ معه فأسا ليقطع بها تلك الشجرة، غيرة لله وحمية لدينه!! فتمثل له إبليس فى صورة رجل وقال له: إلى أين أنت ذاهب؟ قال: أقطع تلك الشجرة التى تعبد من دون الله، فقال له: اتركها وأنا أعطيك درهمين كل يوم، تجدهما تحت وسادتك إذا استيقظت كل صباح! فطمع الرجل فى المال، وانثنى عن غرضه، فلما أصبح لم يجد تحت وسادته شيئا، وظل كذلك ثلاثة أيام، فخرج مغضبا ومعه الفأس ليقطع الشجرة . فاستقبله إبليس قائلا: إلى أين أنت ذاهب؟ قال أقطع تلك الشجرة! قال: ارجع فلو دنوت منها قطعت عنقك. ص _007
لقد خرجت فى المرة الأولى غاضبا لله فما كان أحد يقدر على منعك!! أما هذه المرة فقد أتيت غاضبا للدنيا التى فاتتك، فما لك مهابة، ولا تستطيع بلوغ أربك فارجع عاجزا مخذولا.. إن الغزو الثقافى للعالم الإسلامى استمات فى محو الإيمان الخالص وبواعثه المجردة، استمات فى تعليق الأجيال الجديدة بعرض الدنيا ولذة الحياة، استمات فى إرخاص المثل الرفيعة وترجيح المنافع العاجلة.. ويوم تكثر النماذج المعلولة من عبيد الحياة ومدمنى الشهوات فإن العدوان يشق طريقه كالسكين فى الزبد، لايلقى عائقا ولا عنتا... وهذا هو السبب فى جؤارنا الدائم بضرورة بناء المجتمع على الدين وفضائله، فإن ذلك ليس استجابة للحق فقط، بل هو السياج الذى يحمينا فى الدنيا كما ينقذنا فى الآخرة... إن ترك صلاة ما قد يكون إضاعة فريضة مهمة، وإشباع نزوة خاصة قد يكون ارتكاب جريمة مخلة، لكن هذا وذاك يمثلان فى الأمة المنحرفة انهيار المقاومة المؤمنة والتمهيد لمرور العدوان الباغى دون رغبة فى جهاد أو أمل فى استشهاد، ولعل ذلك سر قوله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا). إن كلمة الجهاد المقدس إذا قيلت - قديما - كان لها صدى نفسى واجتماعى بعيد المدى، لأن التربية الدينية السائدة رفضت التثاقل إلى الأرض والتخاذل عن الواجب، وعدت ذلك طريق العار والنار وخزى الدنيا والآخرة. وهذه التربية المغالية بدين الله، المؤثرة لرضاه أبدا هى التى تفتقر إليها أمتنا الإسلامية الكبرى فى شرق العالم وغربه. وكل مؤتمر إسلامى لا يسبقه هذا التمهيد الحتم فلن يكون إلا طبلا أجوف!! والتربية الدينية التى ننشدها ليست ازورارا عن مباهج الحياة التى تهفو إليها نفوس البشر، ولكنها تربية تستهدف إدارة الحياة على محور من الشرف والاستقامة، وجعل الإنسان مستعدا فى كل وقت لتطليق متعه إذا اعترضت طريق الواجب.
كنت أقرأ مقالا مترجما فى أدب النفس فاستغربت للتلاقى الجميل بين معانيه وبين مواريثنا الإسلامية المعروفة، التى يجهلها للأسف كثير من الناس. تأمل معى هذه العبارة "يقول جوته الشاعر الألماني: من كان غنيا فى دخيلة نفسه فقلما يفتقر إلى شيء من خارجها! أليس ذلك ترجمة أمينة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس"! عن أبى ذر رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ترى كثرة المال هو الغني؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: فترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب". واسمع هذه العبارة من المقال المذكور: النفس هى موطن العلل المضنية، وهى الجديرة بالعناية والتعهد، فإذا طلبت منها أن تسوس بدنك سياسة صالحة، فاحرص على أن تعطيها من القوت ما تقوى به وتصح، هذا القوت شيء آخر غير الأخبار المثيرة والملاهى المغرية والأحاديث التافهة والملذات البراقة الفارغة، ثم انظر إليها كيف تقوى بعد وتشتد، إن التافه الخسيس مفسد للنفس!! واعلم أن كل فكرة تفسح لها مكانا فى عقلك، وكل عاطفة تتسلل إلى فؤادك تترك فيك أثرها، وتسلك بك أحد طريقين إما أن تعجزك عن مزاولة الحياة وإما أن تزيدك اقتدارا وأملا.. أليس هذا الكلام المترجم شرحا دقيقا لقول البوصيرى. وإذا حلت الهداية نفسا نشطت للعبادة الأعضاء! وتمهيدا حسنا لقول ابن الرومي: أمامك فانظر أى نهجيك تنهج طريقان شتي، مستقيم وأعوج واقرأ هذه الكلمة أيضا من المقال المترجم: رب رجل وقع من الحياة فى مثل الأرض الموحلة فكادت تبتلعه، ولكنه ظل يجاهد للنجاة مستيئسا، وبينما هو كذلك انهارت قواه، وشق عليه الجهاد، وأسرعوا به إلى الطبيب... إن الطبيب لم يجد بجسده علة ظاهرة. كل ما يحتاج إليه الرجل من أول أمره، ناصح يعلمه كيف ينازل الحياة وجها لوجه لا تثنيه عقبة ولا رهبة!
إن هذا الكلام ذكرنى بما روى عن جعفر الصادق: من طلب ما لم يخلق تعب ولم يرزق! قيل وما ذاك؟ قال: الراحة فى الدنيا. وأنشدوا: يطلب الراحة فى دار الفنا خاب من يطلب شيئا لا يكون! إن التربية التى ننشدها نحن المسلمين ليست بدعا من التفكير الإنسانى الراشد إنها صياغة الأجيال فى قوالب تجعلها صالحة لخدمة الحق، وأداء ضرائبه، واحتقار الدنيا يوم يكون الاستمساك بها مضيعة للإيمان، ومغاضبة للرحمن... والاستعمار يوم وضع يده على العالم الإسلامى من مائة سنة صب الأجيال الناشئة فى قوالب أخري، نمت بعدها وهى تبحث عن الشهوات، وتخلد إلى الأرض، فلما ختلها عن دينها بهذه التربية الدنيئة استمكن من دنياها، فأمست جسدا ونفسا لا تملك أمرها، ولا تحكم يومها ولا غدها... بل إنها فى تقليدها للعالم الأقوى تقع فى تفاوت مثير عندما تنقل المباذل، ومظاهر التفسخ فى الحضارة الأوروبية تنقلها بسرعة الصوت أما عندما تنقل علما نافعا، وخيرا يسيرا، فإن ذلك يتم بسرعة السلحفاة، وكثير من الشعوب الإسلامية تبيع ثرواتها المعدنية والزراعية بأكوام من المواد المستهلكة، وأدوات الزينة والترف مع فقرها المدقع إلى ما يدفع عنها جشع العدو ونياته السود فى اغتيالها وإبادتها..!! وظاهر أن هذا السلوك استجابة طبيعية لأسلوب التربية الذى أخذت به من الصفر، وأثر محتوم لاتخاذ القرآن مهجورا، ونبذ تعاليمه وقيمه، وهل ينتج ذلك إلا طفولة تفرح باللعب المصنوعة، والطرف الجديدة، والملابس المزركشة، والمظاهر الفارغة؟ ولا بأس بعد توفير هذا كله من استصحاب بعض الآثار الدينية السهلة! ولتكن هذه الآثار الاحتفال بذكرى قديمة أو زيارة قبر شهير!! ثم يسمى هذا السلوك التافه تدينا!! لقد جرب المسلمون الانسلاخ عن دينهم، وإطراح آدابه، وترك جهاده فماذا جر عليهم ذلك؟ حصد خضراءهم فى الأندلس فصفرت منهم بلاد طالما ازدانت بهم وعنت لهم، ومازال يرن فى أذنى قول الشاعر: قلت يوما لدار قوم تفانوا أين سكانك العزاز علينا؟ فأجابت هنا أقاموا قليلا ثم ساروا ولست أعلم أينا!!
أسمعت هذا النغم الحزين يروى فى اقتضاب عقبى اللهو واللعب، عقبى إضاعة الصلاة واتباع الشهوات.. إن عرب الأندلس لم يتحولوا عن دارهم طائعين، ولكنهم أخرجوا مطرودين. أفلا يرعوى الأحفاد مما أصاب الأجداد..؟ لقد قرأت أنباء مؤتمرات عربية وإسلامية كثيرة اجتمعت لعلاج مشكلة فلسطين فكنت أترك الصحف جانبا ثم أهمس إلى نفسي: هناك خطوة تسبق هذا كله، خطوة لا غنى عنها أبدا. هى أن يدخل المسلمون فى الإسلام.. إننى ألمح فى كل ناحية استهانة بالفرائض، وتطلعا إلى الشهوات، وزهادة فى المخاطرة والتعب، وإيثارا للسطوح عن الأعماق والأشكال عن الحقائق، وهذه الخلال تهدم البناء القائم، فكيف تعيد مجدا تهدم، أو ترد عدوا توغل..؟!! ما أحرانا أن نعقل التحذير النبوى الكريم: "إنما أخشى عليكم شهوات الغى فى بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى ". فإذا أصغينا إلى هذا النذير ابتعدنا عن منحدر ليست وراءه إلا هاوية لا قرار لها، ثوى فيها - من قبلنا - المفرطون والجاحدون.!!

taleblalmi
2017-01-26, 21:27
خاب من يطلب شيئا لا يكون
الله أكبر رحم الله الشيخ و جزاه عن الاسلام خير الجزاء

الأنامل الخضراء
2017-01-27, 08:42
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

رحم الله الشيخ الثائر و الغيور كان يقول كلاما كانه عصارة الم تخرج من
قلبه المهتم بالعالم باسره ثم يتخصص بالامة الاسلامية

في عبارته: لقد قرأت أنباء مؤتمرات عربية وإسلامية كثيرة اجتمعت لعلاج
مشكلة فلسطين فكنت أترك الصحف جانبا ثم أهمس إلى نفسي: هناك خطوة
تسبق هذا كله، خطوة لا غنى عنها أبدا. هى أن يدخل المسلمون فى الإسلام..

و كاني به يريد لحافا جديدا من الاسلام لكن على ان يكون متقنا اشد الاتقان
اتصور انه مات سعيدا بلقاء ربه حزينا على ما وراءه
ما قلت هذا الا اني يوم ان غادرنا رايته فيما يرى النائم
في رواق بيتنا القديم جالسا في وسطه مطاطأ الرأس يبدو الحزن على
وجهه ممسكا بالعود
لن تذبل كتبه و عباراته لان الذي يهتم لشؤون الاسلام و المسلمين
كانه اب مربى يرفض ان تضيع منه الامانه

شكر الله لكم هذا النقل الرائع و الهمنا الاخذ به و وفقنا للسير
على خطى رجال ابوا الا ان يكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر باسلوب راق
غفل عنه الكثير

ابو يوسف الصديق
2017-01-27, 13:13
جزاك الله الف خير

رَكان
2017-01-27, 20:54
السلام عليكم
أولا بارك الله في تواجدكم كلكم .الذي أخبر عن حس لديكم عال في تلقي الطيب وما يتلقاه سوى الطيبون ..
وقبل الإسترسال في مزيد من المقالات للشيخ .رحمة الله عليه ..مررت على شيء من مآثر الشيخ وتمثل في محاورة له مع أحد الملحدين ..فكانت المحاورة شيقه عظيمة الفائدة ..حتى لمن لم يكن من هؤلاء المنحرفين ..فرجوت ماقاسمتكم ما سرني وأفادمي الإطلاه عليه وقبله أستسمح الفاضلة الأنامل الخضراء لأن ما سأنسخه هنا هو جهد لها معروض في موضع قد لاينتبه له الآخرون ولم أستأذنها في ذلك ظنا مني انه لاحرج فيه فإن لم يكن كذلك فإني سأعيد اخفاءه والسلام ..
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هذه فطوف من ما كتبه الشيخ محمد الغزالي ردا على جهل الملاحدة
في كتابه القيم قذائف الحق
و الحوار علم في كيفية الرد على الملحدين لمن اراد ان يتعلم ذلك



دار بينى وبين أحد الملاحدة جدال طويل، ملكت فيه نفسى وأطلت صبرى حتى ألقف آخر ما فى جعبته من إفك، وأدمغ بالحجة الساطعة ما يوردون من شبهات ..
قال : إذا كان الله قد خلق العالم فمن خلق الله ؟
قلت له : كأنك بهذا السؤال أو بهذا الاعتراض تؤكد أنه لا بد لكل شىء من خالق !!
قال : لا تلقنى فى متاهات، أجب عن سؤالى .
قلت له : لا لف ولا دوران، إنك ترى أن العالم ليس له خالق، أى أن وجوده من ذاته دون حاجة إلى موجد، فلماذا تقبل القول بأن هذا العالم موجود من ذاته أزلاً وتستغرب من أهل الدين أن يقولوا : إن الله الذى خلق العالم ليس لوجوده أول ؟
إنها قضية واحدة، فلماذا تصدق نفسك حين تقررها وتكذب غيرك حين يقررها، وإذا كنت ترى أن إلهاً ليس له خالق خرافة، فعالم ليس له خالق خرافة كذلك، وفق المنطق الذى تسير عليه .. !!
قال : إننا نعيش فى هذا العالم ونحس بوجوده فلا نستطيع أن ننكره !
قلت له : ومن طالبك بإنكار وجود العالم ؟
إننا عندما نركب عربة أو باخرة أو طائرة تنطلق بنا فى طريق رهيب، فتساؤلنا ليس فى وجود العربة، وإنما
هو : هل تسير وحدها أم يسيرها قائد بصير !!
ومن ثم فإننى أعود إلى سؤالك الأول لأقول لك : إنه مردود عليك، فأنا وأنت معترفان بوجود قائم، لا مجال لإنكاره، تزعم أنه لا أول له بالنسبة إلى المادة، وأرى أنه لا أول لها بالنسبة إلى خالقها .
فإذا أردت أن تسخر من وجود لا أول له، فاسخر من نفسك قبل أن تسخر من المتدينين ..
قال : تعنى أن الافتراض العقلى واحد بالنسبة إلى الفريقين ؟
قلت : إننى أسترسل معك لأكشف الفراغ والادعاء الذين يعتمد عليهما الإلحاد وحسب، أما الافتراض العقلى فليس سواء بين المؤمنين والكافرين ..
إننى ـ أنا وأنت ـ ننظر إلى قصر قائم، فأرى بعد نظرة خبيرة أن مهندساً أقامه، وترى أنت أن خشبة وحديدة وحجرة وطلاءة قد انتظمت فى مواضعها وتهيأت لساكنيها من تلقاء أنفسها ..
الفارق بين نظرتينا إلى الأمور أننى وجدت قمراً صناعياً يدور فى الفضاء، فقلت أنت : " انطلق وحده دونما إشراف أو توجيه " وقلت أنا : بل أطلقه عقل مشرف مدبر ..
إن الافتراض العقلى ليس سواء، إنه بالنسبة إلىّ الحق الذى لا محيص عنه، وبالنسبة إليك الباطل الذى لا شك فيه، وإن كل كفار عصرنا مهرة فى شتمنا نحن المؤمنين ورمينا بكل نقيصة فى الوقت الذى يصفون أنفسهم فيه بالذكاء والتقدم والعبقرية ..
إننا نعيش فوق أرض مفروشة، وتحت سماء مبنية، ونملك عقلاً نستطيع به البحث والحكم، وبهذا العقل ننظر ونستنتج ونناقش ونعتقد .
وبهذا العقل نرفض التقليد الغبى كما نرفض الدعاوى الفارغة، وإذا كان الناس يهزءون بالرجعيين عبيد الماضى ويتندرون بتحجرهم الفكرى، فلا عليهم أن يهزءوا كذلك بمن يميتون العقل باسم العقل، ويدوسون منطق العلم باسم العلم، وهم للأسف جمهرة الملاحدة .. !!
لكننا نحن المسلمين نبنى إيماننا بالله على اليقظة العقلية والحركة الذهنية، ونستقرئ آيات الوجود الأعلى من جولان الفكر الإنسانى فى نواحى الكون كله .
فى صفحة واحدة من سورة واحدة من سور القرآن الكريم وجدت تنويهاً بوظيفة العقل اتخذ ثلاث صور متتابعة فى سلم الصعود، هذه السورة هى سورة الزمر، وأول صورة تطالعك هى إعلاء شأن العلم والغض من أقدار الجاهلين : " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب " .
ثم تجىء الصورة الثانية لتبين أن المسلم ليس عبد فكرة ثابتة أو عادة حاكمة بل هو إنسان يزن ما يعرض عليه ويتخير الأوثق والأزكى " فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب " ( الزمر : 9 )
ثم يطرد ذكر أولى الألباب للمرة الثالثة فى ذات السياق على أنهم أهل النظر فى ملكوت الله الذين يدرسون قصة الحياة فى مجاليها المختلفة لينتقلوا من المخلوق إلى الخالق " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب "
( الزمر : 21 )
وظاهر من الصور الثلاث فى تلك الصفحة من الوحى الخاتم أن الإيمان لمبتوت الصلة بالتقليد الأعمى أو النظر القاصر أو الفكر البليد .
إنه يلحظ إبداع الخالق فى الزروع والزهور والثمار، وكيف ينفلق الحمأ المسنون عن ألوان زاهية أو شاحبة توزعت على أوراق وأكمام حافلة بالروح والريحان، ثم كيف يحصد ذلك كله ليكون أكسية وأغذية للناس والحيوان، ثم كيف يعود الحطام والقمام مرة أخرى زرعاً جديد الجمال والمذاق تهتز به الحقول والحدائق، من صنع ذلك كله ؟
قال صاحبى وكأنه سكران يهذى : الأرض صنعت ذلك !!
قلت : الأرض أمرت السماء أن تهمى والشمس أن تشع وورق الشجر أن يختزن الكربون ويطرد الأوكسجين والحبوب أن تمتلئ بالدهن والسكر والعطر والنشا ؟؟
قال : أقصد الطبيعة كلها فى الأرض والسماء !
قلت : إن طبق الأرز فى غذائك أو عشائك تعاونت الأرض والسماء وما بينهما على صنع كل حبة فيه، فما دور كل عنصر فى هذا الخلق ؟ ومن المسئول عن جعل التفاح حلواً والفلفل حريفاً أهو تراب الأرض أم ماء
السماء ؟
قال : لا أعرف ولا قيمة لهذه المعرفة !!
قلت : ألا تعرف أن ذلك يحتاج إلى عقل مدبر ومشيئة تصنف ؟
فأين ترى العقل الذى أنشأ والإرادة التى نوعت فى أكوام السباخ أو فى حزم الأشعة ؟؟
قال : إن العالم وجد وتطور على سنة النشوء والارتقاء ولا نعرف الأصل ولا التفاصيل !!
قلت له : أشرح لكم ما تقولون ! تقولون : إنه كان فى قديم الزمان وسالف العصر والأوان مجموعة من العناصر العمياء، تضطرب فى أجواز الفضاء، ثم مع طول المدة وكثرة التلاقى سنحت فرصة فريدة لن تتكرر أبد الدهر، فنشأت الخلية الحية فى شكلها البدائى ثم شرعت تتكاثر وتنمو حتى بلغت ما نرى !! هذا هو الجهل الذى أسميتموه علماً ولم تستحوا من مكابرة الدنيا به !!
أعمال حسابية معقدة تقولون : إنها حلت تلقائياً، وكائنات دقيقة وجليلة تزعمون أنها ظفرت بالحياة فى فرصة سنحت ولن تعود !! وذلك كله فراراً من الإيمان بالله الكبير !!
قال وهو ساخط : أفلو كان هناك إله كما تقول كانت الدنيا تحفل بهذه المآسى والآلام، ونرى ثراء يمرح فيه الأغبياء وضيقاً يحتبس فيه الأذكياء، وأطفالاً يمرضون ويموتون، ومشوهين يحيون منغصين ..
قلت : لقد صدق فيكم ظنى، إن إلحادكم يرجع إلى مشكلات نفسية واجتماعية أكثر مما يعود إلى قضايا عقلية مهمة !!
ويوجد منذ عهد بعيد من يؤمنون ويكفرون وفق ما يصيبهم من عسر ويسر " ومن الناس من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة " ( الحج : 11 )
قال : لسنا أنانيين كما تصف نغضب لأنفسنا أو نرضى لأنفسنا، إننا نستعرض أحوال البشر كافة ثم نصدر حكمنا الذى ترفضه ..
قلت : آفتكم أنكم لا تعرفون طبيعة هذه الحياة الدنيا ووظيفة البشر فيها، إنها معبر مؤقت إلى مستقر دائم، ولكى يجوز الإنسان هذا المعبر إلى إحدى خاتمتيه لا بد أن يبتلى بما يصقل معدنه ويهذب طباعه، وهذا الابتلاء فنون شتى، وعندما ينجح المؤمنون فى التغلب على العقبات التى ملأت طريقهم وتبقى صلتهم بالله واضحة مهما ترادفت البأساء والضراء فإنهم يعودون إلى الله بعد تلك الرحلة الشاقة ليقول لهم : " يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون " ( الزخرف : 68 )
قال : وما ضرورة هذا الابتلاء ؟
قلت : إن المرء يسهر الليالى فى تحصيل العلم، ويتصبب جبينه عرقاً ليحصل على الراحة، وما يسند منصب كبير إلا لمن تمرس بالتجارب وتعرض للمتاعب، فإن كان ذلك هو القانون السائد فى الحياة القصيرة التى نحياها على ظهر الأرض فأى غرابة أن يكون ذلك هو الجهاد الصحيح للخلود المرتقب ؟
قال ـ مستهزئاً ـ : أهذه فلسفتكم فى تسويغ المآسى التى تخالط حياة الخلق وتصبير الجماهير عليها ؟
قلت : سأعلمك ـ بتفصيل أوضح ـ حقيقة ما تشكو من شرور، إن هذه الآلام قسمان : قسم من قدر الله فى هذه الدنيا، لا تقوم الحياة إلا به، ولا تنضج رسالة الإنسان إلا فى حره، فالأمر كما يقول الأستاذ العقاد : " تكافل بين أجزاء الوجود، فلا معنى للشجاعة بغير الخطر، ولا معنى للكرم بغير الحاجة، ولا معنى للصبر بغير الشدة، ولا معنى لفضيلة من الفضائل بغير نقيصة تقابلها وترجح عليها ..
" وقد يطرد هذا القول فى لذاتنا المحسوسة كما يطرد فى فضائلنا النفسية ومطالبنا العقلية، إذ نحن لا نعرف لذة الشبع بغير ألم الجوع، ولا نستمتع بالرى ما لم نشعر قبله بلهفة الظمأ، ولا يطيب لنا منظر جميل ما لم يكن من طبيعتنا أن يسوءنا المنظر القبيح .. "
وهذا التفسير لطبيعة الحياة العامة ينضم إليه أن الله جل شأنه يختبر كل امرئ بما يناسب جبلته، ويوائم نفسه وبيئته، وما أبعد الفروق بين إنسان وإنسان، وقد يصرخ إنسان بما لا يكترث به آخر ولله فى خلقه شئون، والمهم أن أحداث الحياة الخاصة والعامة محكومة بإطار شامل من العدالة الإلهية التى لا ريب فيها .
إلا أن هذه العدالة كما يقول الأستاذ العقاد : " لا تحيط بها النظرة الواحدة إلى حالة واحدة، ولا مناص من التعميم والإحاطة بحالات كثيرة قبل استيعاب وجوه العدل فى تصريف الإرادة الإلهية . إن البقعة السوداء قد تكون فى الصورة كلها لوناً من ألوانها التى لا غنى عنها، أو التى تضيف إلى جمال الصورة ولا يتحقق لها جمال بغيرها، ونحن فى حياتنا القريبة قد نبكى لحادث يعجبنا ثم نعود فنضحك أو نغتبط بما كسبناه منه بعد فواته " .
تلك هى النظرة الصحيحة إلى المتاعب غير الإرادية التى يتعرض لها الخلق .
أما القسم الثانى من الشرور التى تشكو منها يا صاحبى فمحوره خطؤك أنت وأشباهك من المنحرفين .
قال مستنكراً : أنا وأشباهى لا علاقة لنا بما يسود العالم من فوضى ؟ فكيف تتهمنا ؟
قلت : بل أنتم مسئولون، فإن الله وضع للعالم نظاماً جيداً يكفل له سعادته، ويجعل قويه عوناً لضعيفه وغنيه براً بفقيره، وحذر من اتباع الأهواء واقتراف المظالم واعتداء الحدود .
ووعد على ذلك خير الدنيا والآخرة " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن لنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " .
فإذا جاء الناس فقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وتعاونوا على العدوان بدل أن يتعاونوا على التقوى فكيف يشكون ربهم إذا حصدوا المر من آثامهم ؟
إن أغلب ما أحدق بالعالم من شرور يرجع إلى شروده عن الصراط المستقيم، وفى هذا يقول الله جل شأنه : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " ( الشورى : 20 )
إن الصديق رضى الله عنه جرد جيشاً لقتال مانعى الزكاة، وبهذا المسلك الراشد أقر الحقوق وكبح الأثرة ونفذ الإسلام، فإذا تولى غيره فلم يتأس به فى صنيعه كان الواجب على النقاد أن يلوموا الأقدار التى ملأت الحياة
بالبؤس ؟!
قال : ماذا تعنى ؟
قلت : أعنى أن شرائع الله كافية لإراحة الجماهير، ولكنكم بدل أن تلوموا من عطلها تجرأتم على الله واتهمتم دينه وفعله !!
ومن خسة بعض الناس أن يلعن السماء إذا فسدت الأرض، وبدلاً من أن يقوم بواجبه فى تغيير الفوضى وإقامة الحق يثرثر بكلام طويل عن الدين ورب الدين .. !!
إنكم معشر الماديين مرضى تحتاج ضمائركم وأفكاركم إلى علاج بعد علاج


نفعنا الله بما اورثه لنا من علم من اسلافنا الصالحين
و اثابهم عنا كل خير و اسكنهم جميعا جنة الفردوس

samirnoor
2017-01-27, 21:09
جزاك الله خيرا

رَكان
2017-01-30, 09:07
تابع المقالة الأولى

محنة الضمير الدينى هناك.. هذه سياحة سريعة داخل أقطار الفكر الدينى الغربى ستفاجئنا فيها أحكام ينقصها السداد، ومؤامرات يحكيها الغدر، وضغائن لا تزال عميقة على طول العهد وامتداد الزمان. ومن حقنا نحن المسلمين وقد لفحتنا حرب بقاء أو فناء أن ندرس الجبهة التى مسنا عدوانها وأن نزن ببصر جديد طبيعة العواطف الدينية التى تكمن أو تبرز خلف أحداث لا تبدو لها نهاية قريبة. ولنبدأ بمقال نشرته مجلة كاثوليكية تطوعت بإسداء نصائحها الغالية لإسرائيل، وليست هذه النصائح الغالية أن يعترف اليهود بحق العرب وأن يعودوا من حيث جاءوا تاركين البلاد لأصحابها.. لا !! إن الضمير الدينى عند الصحيفة المتدينة جعلتها تسدى نصحا من لون آخر لقد قالت لليهود: إننا احتللنا فلسطين قبلكم، وبقينا فيها سنين عددا.. ثم استطاع المسلمون إخراجنا وتهديم المملكة التى أقمناها ببيت المقدس وذلك لأغلاط ارتكبناها وها نحن أولا نشرح لكم تلك الأغلاط القديمة حتى لاتقعوا فيها مثلنا. استفيدوا من التجربة الفاشلة كى تبقى لكم فلسطين أبدا ويشرد سكانها الأصلاء فلا يخامرهم أمل فى عودة...!! وشرعت الصحيفة التقية تشرح: لماذا انهزم الصليبيون الأقدمون، وتوصى حكام "إسرائيل" بأمور ذات بال، وتحرضهم فى نذالة نادرة أن يوسعوا الرقعة التى احتلوها، وأن يستقدموا أفواجا أكثر من يهود العالم، وأن يحكموا خطتهم فى ضرب العرب، ومحو قراهم، وإبادة خضرائهم، وبذلك يستقر ملك إسرائيل، ويندحر الإسلام والمسلمون... وهاك أيها القارئ عبارات المقال الذى نشرته مجلة "تابلت" الإنكليزية الكاثوليكية للكاتب (ف. س. أندرسون). يقول الكاتب المذكور: "إن نظرة واحدة إلى خارطة حدود إسرائيل الحالية تعيد إلى الذاكرة للفور أوجه الشبه القوية بين تلك الحدود وحدود مملكة الصليبيين التى قامت عقب احتلال القدس سنة 1099م.
ونظرا إلى الأعمال العدائية بين إسرائيل وجيرانها نرى من المفيد أن نقارن بين الحالة العسكرية الراهنة وبين مثيلتها أيام الصليبيين القدامى علنا نرى ما إذا كان سيقيض لإسرائيل حظ أوفر مما كان للصليبيين أم سيلقون مصيرهم؟ إن مملكة الصليبيين لم يكتب لها البقاء إلا أمدا قصيرا، فقد مكثت ثمانية وثمانين عاما فقط، ثم استرد المسلمون القدس! ومع أن المسيحيين نجحوا فى الاحتفاظ بقطاع صغير شرقى البحر المتوسط مدة مائة عام أخرى إلا أنهم فشلوا فى الدفاع عن عكا أخيرا وأخذوا يغادرون هذه البلاد تحت جنح الظلام عائدين إلى أوروبا... إن سقوط تلك المملكة كان يعود إلى بضع نقائص ظاهرة فإذا أريد لإسرائيل أن تعيش مدة أطول، فما عليها إلا أن تحتاط ضد هذه النقائص.. لقد دخل الصليبيون فلسطين فى ظروف ملائمة جدا لهم، تميزت بوقوع الفرقة بين المسلمين، وعجزهم عن إقامة جبهة مقاومة موحدة! وهكذا استطاع المهاجمون أن يهزموا المسلمين بسهولة، دويلة بعد دويلة، وأن يمكنوا لأنفسهم فى الأقطار التى فتحوها. غير أنه لم يمض وقت طويل حتى ظهر زعيم عسكرى مسلم استطاع أن يوحد المسلمين أمام خصومهم بسرعة، ثم حشد قواهم فى معركة حطين، وأصاب الصليبيين بهزيمة ساحقة، تقرر على أثرها مصير القدس، بل انحسر بعدها المد الصليبى جملة، ودخل صلاح الدين الأيوبى مدينة القدس، التى عجز أعداؤه عن استبقائها أو استعادتها فتركوها يائسين". يقول الكاتب الكاثوليكى "كان الصليبيون يستطيعون البقاء مدة أطول فى تلك البلاد لو لم يعانوا نقصا شديدا متواصلا فى الرجال، ولو أنهم وسعوا حدود مملكتهم وفق ما تمليه الضرورات العسكرية الماسة، لماذا لم يحتلوا دمشق؟ لقد كان احتلال دمشق مفتاح مشكلتهم وضمان بقائهم! وسيظل عدم تقديرهم لهذه الحقيقة لغزا لنا! نعم إنهم بذلوا جهودا واهية لاحتلال تلك المدينة، بيد أن محاولاتهم كانت من الضعف بحيث كتب عليها الفشل" وبدلا من أن يتابعوا جهودهم
لاحتلال دمشق اتجهوا جنوبا واحتلوا العقبة وشرعوا يوجهون حملاتهم إلى مصر، مع أن الإشراف على النيل هدف عسير التحقيق!! ص _013
وعندما أصبحت للمسلمين اليد العليا فى ذلك العهد استطاعوا إجلاء الصليبيين عن العقبة وعن سائر حصونهم فى الجنوب، إلا أن الكارثة الكبرى من الشرق، فإن معركة حطين وقعت بالقرب من بحيرة طبرية عند الولاية الشمالية الشرقية لمملكة الصليبيين... ولما كانت دمشق والأرض الممتدة بين الأردن والصحراء السورية ملكا للمسلمين فقد استطاعوا أن يتحركوا بحرية على ثلاث جبهات حول المملكة الصليبية التى أضحت شبه محصورة... وذلك ما أعجزها عن المقاومة!" يقول الكاتب الحزين لما أصاب أسلافه: "ولو أن الصليبيين اندفعوا قدما وقطعوا الممر الذى يؤدى إلى الشرق من دمشق لاستطاعوا منع مرور الجيوش والقوات بين سورية ومصر، ولكانت حدودهم الشرقية المستندة إلى الصحراء أكثر أمانا، ولأمكنهم الانتفاع من أساطيلهم البحرية" ثم يستأنف الكاتب الحاقد كلامه فيقول: "لقد أقيمت إسرائيل فى وقت كان العرب فى الدول المجاورة عاجزين عن القيام بعمل موحد، ثم بقدر كبير من الجهد والشجاعة استطاع اليهود أن يبلغوا حدودهم الحالية، لكن هذه الحدود تطابق حدود المملكة القديمة للصليبيين وقد عرفنا مآلها فما العمل؟". يقول الكاتب محرضا اليهود على مزيد من العدوان: "مرة أخرى، ما لم تتحرك إسرائيل فى الاندفاع نحو دمشق فستبقى للعرب تلك الحرية الخطرة فى تنقيل قواهم حول ثلاث جهات من إسرائيل، وفى ذلك ما فيه". ويستطرد: "قد يكون من العسير سياسيا أن تتحرك إسرائيل لغزو سوريا واحتلال دمشق، لكن الاتجاهات السياسية السورية قد تساعد على تسويغ ذلك، وإن مثل هذه النزهة الحربية(!) ستنطوى على فائدة دائمة لإسرائيل أعظم من الفائدة التى تجنيها من التغلغل فى صحراء سيناء". ويختم الكاتب نصائحه لأصدقائه اليهود فيقول: "إن إسرائيل لن تنقصها القوى البشرية، فلديها جيش

كبير، بالإضافة إلى هجرة منظمة من جميع أنحاء العالم تمدها بكل ما تفتقر إليه من طاقات، ويجب أن تظل قادرة على وضع جيش قوى فى الميدان يكون دائما على أهبة الاستعداد". ص _014
لو أن كاتب هذا الكلام يهودى قح ما استغرب المرء حرفا منه! إن وجه العجب فى هذا التوجيه المشحون بالود لإسرائيل، والبغض للعرب والمسلمين، أن الكاتب رجل مسيحى ينشر رأيه فى مجلة كاثوليكية. وهو يفكر ويقارن ويقترح كأن القضاء على العروبة والإسلام جزء من عقله الباطن والظاهر، ثم هو لا يشعر بذرة من حياء فى إعلان سخائمه! إن مشاعر البغضاء المضطرمة فى جوفه تغريه بالاسترسال والمجازفة دون أى تهيب. ويحزننا أن هذا الكلام ليس إبداء لوجهة نظر خاصة، فإن الكاثوليك فى أرجاء الأرض انتهزوا فترة الضعف التى يمر بها الإسلام كيما يحولوها إلى هزيمة طاحنة وفناء أخير. والروح الذى أملى بكتابة هذا المقال هو نفس الروح الذى كمن فى مقررات المجمع المسكونى الذى عقده بابا روما وصالح فيه اليهود، وأمر الكنائس بعده ألا تلعنهم فى صلواتها. وهو الروح الذى جعل البابا بولس يزور القدس ، ويدخل الأرض المحتلة ويتعامل مع سلطات إسرائيل، وهو تصرف لم يفعله أحد البابوات من مئات السنين!! وللقارئ المسلم أن يسأل: أذلك موقف الكاثوليك وحدهم؟ أم أن أصابع الاستعمار الغربى قد أفسدت التفكير الدينى لدى كثير من المفكرين الغربيين؟ قرأت كتابا وجيزا للمؤلف المصرى المنصف الدكتور وليم سليمان وردت به هذه الحقائق نذكرها مع تعليق سريع لابد من إيراده.. قال: "فى ديسمبر سنة 1961 عقد مجلس الكنائس العالمى مؤتمره الثالث فى نيودلهي، وأصدر قرارا حدد فيه موقفه من اليهود جاء فيه... لابد من تهيئة التعليم الدينى المسيحى وتقريبه للأذهان على وجه يبرئ اليهود من تبعات الأحداث التاريخية التى أدت الى صلب المسيح إذ أن هذه التبعات تقع على عاتق الإنسانية كلها(!) وقد صرح الراعى البروتستانتى الأمريكى ل.ج. بنيت الأستاذ بمعهد اللاهوت بنيويورك قائلا: إن الكنائس مسئولة بوجه خاص عن العداء للسامية فقد ظلت تعاليم المسيحية موجهة عدة قرون ضد اليهود وهو عداء يعد من مخالفات الأحقاد الدينية القديمة". نقول نحن: وما ذنب المسلمين فى هذا؟ وهل عرب فلسطين يدفعون ثمن هذا الخطأ الكنسى من وطنهم وكرامتهم وحاضرهم ومستقبلهم؟ ص _015
ذلك ما يريده مجلس الكنائس العالمى الموقر!! فإن هذا المجلس عقد مؤتمرا فى بيروت وزار أعضاؤه مخيمات اللاجئين ثم قرر أنه ليس هناك حل دائم لمشكلة الفلسطينيين إلى أن يبت فى القضية الخاصة بالخلاف بين العرب وإسرائيل. وقال المؤتمر الطيب القلب: إن ذلك سيشمل خطة عامة لتعويض اللاجئين سواء عادوا إلى وطنهم أم لم يعودوا وأن هناك صدقات سوف يأخذها أصحاب الأرض والمطرودون..!! وفى سنة 1964 عقد مجلس الكنائس العالمى فصله الدراسى الثالث عشر "بجنيف" وافتتح الجلسة عميد الكلية اللاهوتية بجامعتها فقال لا فض فوه "حين تثور مشكلة اليهود فإن الكنيسة لا تستطيع أن تتجاهل ثقل مسئوليتها العظيمة عن آلامهم، وضياعهم طول تاريخهم، ولذلك فإن أول مايصدر عنها نحوهم هو طلب المغفرة.."!! يجب على الكنيسة أن تطلب المغفرة من اليهود!! بهذه العبارة الضارعة الذليلة يفتتح مجلس الكنائس العالمى الجلسة التى يحدد فيها موقفه من دولة إسرائيل.. ونتساءل نحن مرة أخرى إذا أجرم غيرنا وجب علينا نحن القصاص؟! ( أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ). لقد فكرت فى هذا الأمر مليا! إن حقنا ليس غامضا حتى يلتمس عذر لمستبيحه! هل المال اليهودى من وراء هذه الذمم الخربة مهما كانت مناصبها الدينية؟ ربما أم أن الضغائن العمياء على الإسلام وأمته سيرت الخطب والمقالات فى هذا المجال الفوضوى المكابر الوقح؟ ربما. لكن الدكتور وليم سليمان فى كتابه "الكنيسة المصرية تواجه الاستعمار والصهيوني". يذكر لنا كلاما آخر يستحق الدرس
والتأمل. إنه ينقل عن مؤرخ الإرساليات "ستيفن نيل" هذه العبارات من تقرير له: "لقد تيقن الرجل الغربى أن سجله الاستعمارى حافل بالعار، وأصبح أقل ثقة مما كان فى وحدانية الإنجيل المسيحى ونهائيته، وفى حقه - أى حق الرجل الغربى - أن يفرض على ورثة الأديان العظيمة الأخرى شيئا قد يثبت فى النهاية أنه ليس أكثر من خرافة غربية. وبدا فى أوساط رجال اللاهوت هجوم صريح على الألوهية بكل مظاهرها فى المسيحية! وانتشر تيار فكرى يجعل نقطة بدايته "موت الإله"(!) وينادى بمسيحية لا دين فيها! وينادى بهذه الأفكار " بنهوفر ويلثمان" والأسقف الإنجليزي "جون روبنسون" ويخيل للمراقب من بعيد أن القوم يثورون على الإله لأنه يتخلى عنهم. ويستطرد الدكتور وليم سليمان فيقول عن الغربيين: " الدين فى نظرهم لم تعد له قيمة فى ذاته، إنه شيء يمكن الاستفادة منه لتحقيق الأهداف الدنيوية التى ينشدها الغرب فى شتى أنحاء العالم..". وخلاصة هذا الكلام أن المسيحية انتحرت فى أوروبا! فأى تدين هذا الذى ينخلع ابتداء عن الإيمان بالحى القيوم؟ ويعتبر التعامل معه منتهيا لأنه تلاشى ومات..؟! إن ذلك هو التفسير الحقيقى لانضواء رجال الكهنوت تحت راية الاستعمار وركضهم الخسيس فى خدمة قضاياه.. وعندما تتسابق شتى الكنائس الغربية لإرضاء إسرائيل وتملق اليهود فهل يدل ذلك إلا على شيء واحد... أن رجال الدين باعوا ضمائرهم للشيطان...؟ إن العرب يتعرضون لإبادة عامة، والمتفجرات تنسف منازلهم، وقد محيت قرى بأكملها من الوجود، والدفاع عن النفس يوصف بأنه إجرام وتمرد! ووسط هذه الحريق المستعرة، يبارك ساسة إسرائيل، ويقول رجال الدين والدنيا: خلقت إسرائيل لتبقى !! فأين منطق الإيمان بالله واليوم الآخر فى تلك المداهنة وهذا الاستخذاء. ظاهر أن القوم قد تحولوا إلى سماسرة وعملاء للاستعمار العالمي.. واعتقادى أن هذه المحنة الرهيبة ستوقظ الإسلام النائم، وإن كان غيرى يرى أن المادية المتربصة هى الكاسبة من خيانة الغرب لدينه ومثله. ولا شك أن المستقبل محفوف بأخطار شداد، بيد أننا لن نفقد توازننا ولا ثقتنا فى أصالتنا الدينية ولا آمالنا فى جنب الله. واعتقادى كذلك أن الاستعمار سيفشل فى محاولاته الدائبة لجر الكنائس الشرقية إلى جانبه، وإشراكها فى مآسيه، وإذا كان قد ضلل البعض فإن الجمهرة الغالبة ستبقى على وفائها لتعاليمها ومواطنيها وتاريخها الصبور


يتبع

ebo85
2017-02-01, 00:57
شكرا وبارك الله فيك

أبوطه الجزائري
2017-02-02, 22:33
إن عرب الأندلس لم يتحولوا عن دارهم طائعين، ولكنهم أخرجوا مطرودين.

أفلا يرعوى الأحفاد مما أصاب الأجداد..؟ لقد قرأت أنباء مؤتمرات عربية

وإسلامية كثيرة اجتمعت لعلاج مشكلة فلسطين فكنت أترك الصحف جانبا ثم

أهمس إلى نفسي: هناك خطوة تسبق هذا كله، خطوة لا غنى عنها أبدا.

هى أن يدخل المسلمون فى الإسلام.. إننى ألمح فى كل ناحية استهانة

بالفرائض، وتطلعا إلى الشهوات، وزهادة فى المخاطرة والتعب، وإيثارا للسطوح

عن الأعماق والأشكال عن الحقائق، وهذه الخلال تهدم البناء القائم،

فكيف تعيد مجدا تهدم، أو ترد عدوا توغل.......

رحم الله الشيخ الغزالي ..............

mourad0303
2017-02-03, 22:45
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .

رَكان
2017-02-12, 13:15
ونظرا إلى الأعمال العدائية بين إسرائيل وجيرانها نرى من المفيد أن نقارن بين الحالة العسكرية الراهنة وبين مثيلتها أيام الصليبيين القدامى علنا نرى ما إذا كان سيقيض لإسرائيل حظ أوفر مما كان للصليبيين أم سيلقون مصيرهم؟ إن مملكة الصليبيين لم يكتب لها البقاء إلا أمدا قصيرا، فقد مكثت ثمانية وثمانين عاما فقط، ثم استرد المسلمون القدس! ومع أن المسيحيين نجحوا فى الاحتفاظ بقطاع صغير شرقى البحر المتوسط مدة مائة عام أخرى إلا أنهم فشلوا فى الدفاع عن عكا أخيرا وأخذوا يغادرون هذه البلاد تحت جنح الظلام عائدين إلى أوروبا... إن سقوط تلك المملكة كان يعود إلى بضع نقائص ظاهرة فإذا أريد لإسرائيل أن تعيش مدة أطول، فما عليها إلا أن تحتاط ضد هذه النقائص.. لقد دخل الصليبيون فلسطين فى ظروف ملائمة جدا لهم، تميزت بوقوع الفرقة بين المسلمين، وعجزهم عن إقامة جبهة مقاومة موحدة! وهكذا استطاع المهاجمون أن يهزموا المسلمين بسهولة، دويلة بعد دويلة، وأن يمكنوا لأنفسهم فى الأقطار التى فتحوها. غير أنه لم يمض وقت طويل حتى ظهر زعيم عسكرى مسلم استطاع أن يوحد المسلمين أمام خصومهم بسرعة، ثم حشد قواهم فى معركة حطين، وأصاب الصليبيين بهزيمة ساحقة، تقرر على أثرها مصير القدس، بل انحسر بعدها المد الصليبى جملة، ودخل صلاح الدين الأيوبى مدينة القدس، التى عجز أعداؤه عن استبقائها أو استعادتها فتركوها يائسين". يقول الكاتب الكاثوليكى "كان الصليبيون يستطيعون البقاء مدة أطول فى تلك البلاد لو لم يعانوا نقصا شديدا متواصلا فى الرجال، ولو أنهم وسعوا حدود مملكتهم وفق ما تمليه الضرورات العسكرية الماسة، لماذا لم يحتلوا دمشق؟ لقد كان احتلال دمشق مفتاح مشكلتهم وضمان بقائهم! وسيظل عدم تقديرهم لهذه الحقيقة لغزا لنا! نعم إنهم بذلوا جهودا واهية لاحتلال تلك المدينة، بيد أن محاولاتهم كانت من الضعف بحيث كتب عليها الفشل" وبدلا من أن يتابعوا جهودهم..لاحتلال دمشق اتجهوا جنوبا واحتلوا العقبة وشرعوا يوجهون حملاتهم إلى مصر، مع أن الإشراف على النيل هدف عسير التحقيق!! ص _013
وعندما أصبحت للمسلمين اليد العليا فى ذلك العهد استطاعوا إجلاء الصليبيين عن العقبة وعن سائر حصونهم فى الجنوب، إلا أن الكارثة الكبرى من الشرق، فإن معركة حطين وقعت بالقرب من بحيرة طبرية عند الولاية الشمالية الشرقية لمملكة الصليبيين... ولما كانت دمشق والأرض الممتدة بين الأردن والصحراء السورية ملكا للمسلمين فقد استطاعوا أن يتحركوا بحرية على ثلاث جبهات حول المملكة الصليبية التى أضحت شبه محصورة... وذلك ما أعجزها عن المقاومة!" يقول الكاتب الحزين لما أصاب أسلافه: "ولو أن الصليبيين اندفعوا قدما وقطعوا الممر الذى يؤدى إلى الشرق من دمشق لاستطاعوا منع مرور الجيوش والقوات بين سورية ومصر، ولكانت حدودهم الشرقية المستندة إلى الصحراء أكثر أمانا، ولأمكنهم الانتفاع من أساطيلهم البحرية" ثم يستأنف الكاتب الحاقد كلامه فيقول: "لقد أقيمت إسرائيل فى وقت كان العرب فى الدول المجاورة عاجزين عن القيام بعمل موحد، ثم بقدر كبير من الجهد والشجاعة استطاع اليهود أن يبلغوا حدودهم الحالية، لكن هذه الحدود تطابق حدود المملكة القديمة للصليبيين وقد عرفنا مآلها فما العمل؟". يقول الكاتب محرضا اليهود على مزيد من العدوان: "مرة أخرى، ما لم تتحرك إسرائيل فى الاندفاع نحو دمشق فستبقى للعرب تلك الحرية الخطرة فى تنقيل قواهم حول ثلاث جهات من إسرائيل، وفى ذلك ما فيه". ويستطرد: "قد يكون من العسير سياسيا أن تتحرك إسرائيل لغزو سوريا واحتلال دمشق، لكن الاتجاهات السياسية السورية قد تساعد على تسويغ ذلك، وإن مثل هذه النزهة الحربية(!) ستنطوى على فائدة دائمة لإسرائيل أعظم من الفائدة التى تجنيها من التغلغل فى صحراء سيناء". ويختم الكاتب نصائحه لأصدقائه اليهود فيقول: "إن إسرائيل لن تنقصها القوى البشرية، فلديها جيش كبير، بالإضافة إلى هجرة منظمة من جميع أنحاء العالم تمدها بكل ما تفتقر إليه من طاقات، ويجب أن تظل قادرة على وضع جيش قوى فى الميدان يكون دائما على أهبة الاستعداد". ص _014
لو أن كاتب هذا الكلام يهودى قح ما استغرب المرء حرفا منه! إن وجه العجب فى هذا التوجيه المشحون بالود لإسرائيل، والبغض للعرب والمسلمين، أن الكاتب رجل مسيحى ينشر رأيه فى مجلة كاثوليكية. وهو يفكر ويقارن ويقترح كأن القضاء على العروبة والإسلام جزء من عقله الباطن والظاهر، ثم هو لا يشعر بذرة من حياء فى إعلان سخائمه! إن مشاعر البغضاء المضطرمة فى جوفه تغريه بالاسترسال والمجازفة دون أى تهيب. ويحزننا أن هذا الكلام ليس إبداء لوجهة نظر خاصة، فإن الكاثوليك فى أرجاء الأرض انتهزوا فترة الضعف التى يمر بها الإسلام كيما يحولوها إلى هزيمة طاحنة وفناء أخير. والروح الذى أملى بكتابة هذا المقال هو نفس الروح الذى كمن فى مقررات المجمع المسكونى الذى عقده بابا روما وصالح فيه اليهود، وأمر الكنائس بعده ألا تلعنهم فى صلواتها. وهو الروح الذى جعل البابا بولس يزور القدس ، ويدخل الأرض المحتلة ويتعامل مع سلطات إسرائيل، وهو تصرف لم يفعله أحد البابوات من مئات السنين!! وللقارئ المسلم أن يسأل: أذلك موقف الكاثوليك وحدهم؟ أم أن أصابع الاستعمار الغربى قد أفسدت التفكير الدينى لدى كثير من المفكرين الغربيين؟ قرأت كتابا وجيزا للمؤلف المصرى المنصف الدكتور وليم سليمان وردت به هذه الحقائق نذكرها مع تعليق سريع لابد من إيراده.. قال: "فى ديسمبر سنة 1961 عقد مجلس الكنائس العالمى مؤتمره الثالث فى نيودلهي، وأصدر قرارا حدد فيه موقفه من اليهود جاء فيه... لابد من تهيئة التعليم الدينى المسيحى وتقريبه للأذهان على وجه يبرئ اليهود من تبعات الأحداث التاريخية التى أدت الى صلب المسيح إذ أن هذه التبعات تقع على عاتق الإنسانية كلها(!) وقد صرح الراعى البروتستانتى الأمريكى ل.ج. بنيت الأستاذ بمعهد اللاهوت بنيويورك قائلا: إن الكنائس مسئولة بوجه خاص عن العداء للسامية فقد ظلت تعاليم المسيحية موجهة عدة قرون ضد اليهود وهو عداء يعد من مخالفات الأحقاد الدينية القديمة". نقول نحن: وما ذنب المسلمين فى هذا؟ وهل عرب فلسطين يدفعون ثمن هذا الخطأ الكنسى من وطنهم وكرامتهم وحاضرهم ومستقبلهم؟ ص _015
ذلك ما يريده مجلس الكنائس العالمى الموقر!! فإن هذا المجلس عقد مؤتمرا فى بيروت وزار أعضاؤه مخيمات اللاجئين ثم قرر أنه ليس هناك حل دائم لمشكلة الفلسطينيين إلى أن يبت فى القضية الخاصة بالخلاف بين العرب وإسرائيل. وقال المؤتمر الطيب القلب: إن ذلك سيشمل خطة عامة لتعويض اللاجئين سواء عادوا إلى وطنهم أم لم يعودوا وأن هناك صدقات سوف يأخذها أصحاب الأرض والمطرودون..!! وفى سنة 1964 عقد مجلس الكنائس العالمى فصله الدراسى الثالث عشر "بجنيف" وافتتح الجلسة عميد الكلية اللاهوتية بجامعتها فقال لا فض فوه "حين تثور مشكلة اليهود فإن الكنيسة لا تستطيع أن تتجاهل ثقل مسئوليتها العظيمة عن آلامهم، وضياعهم طول تاريخهم، ولذلك فإن أول مايصدر عنها نحوهم هو طلب المغفرة.."!! يجب على الكنيسة أن تطلب المغفرة من اليهود!! بهذه العبارة الضارعة الذليلة يفتتح مجلس الكنائس العالمى الجلسة التى يحدد فيها موقفه من دولة إسرائيل.. ونتساءل نحن مرة أخرى إذا أجرم غيرنا وجب علينا نحن القصاص؟! ( أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ). لقد فكرت فى هذا الأمر مليا! إن حقنا ليس غامضا حتى يلتمس عذر لمستبيحه! هل المال اليهودى من وراء هذه الذمم الخربة مهما كانت مناصبها الدينية؟ ربما أم أن الضغائن العمياء على الإسلام وأمته سيرت الخطب والمقالات فى هذا المجال الفوضوى المكابر الوقح؟ ربما. لكن الدكتور وليم سليمان فى كتابه "الكنيسة المصرية تواجه الاستعمار والصهيوني". يذكر لنا كلاما آخر يستحق الدرس
يتبع

عباس عرفان
2017-02-13, 18:56
بارك الله فيك

رَكان
2017-02-14, 19:35
تستحق الدرس والتأمل. إنه ينقل عن مؤرخ الإرساليات "ستيفن نيل" هذه العبارات من تقرير له: "لقد تيقن الرجل الغربى أن سجله الاستعمارى حافل بالعار، وأصبح أقل ثقة مما كان فى وحدانية الإنجيل المسيحى ونهائيته، وفى حقه - أى حق الرجل الغربى - أن يفرض على ورثة الأديان العظيمة الأخرى شيئا قد يثبت فى النهاية أنه ليس أكثر من خرافة غربية. وبدا فى أوساط رجال اللاهوت هجوم صريح على الألوهية بكل مظاهرها فى المسيحية! وانتشر تيار فكرى يجعل نقطة بدايته "موت الإله"(!) وينادى بمسيحية لا دين فيها! وينادى بهذه الأفكار " بنهوفر ويلثمان" والأسقف الإنجليزي "جون روبنسون" ويخيل للمراقب من بعيد أن القوم يثورون على الإله لأنه يتخلى عنهم. ويستطرد الدكتور وليم سليمان فيقول عن الغربيين: " الدين فى نظرهم لم تعد له قيمة فى ذاته، إنه شيء يمكن الاستفادة منه لتحقيق الأهداف الدنيوية التى ينشدها الغرب فى شتى أنحاء العالم..". وخلاصة هذا الكلام أن المسيحية انتحرت فى أوروبا! فأى تدين هذا الذى ينخلع ابتداء عن الإيمان بالحى القيوم؟ ويعتبر التعامل معه منتهيا لأنه تلاشى ومات..؟! إن ذلك هو التفسير الحقيقى لانضواء رجال الكهنوت تحت راية الاستعمار وركضهم الخسيس فى خدمة قضاياه.. وعندما تتسابق شتى الكنائس الغربية لإرضاء إسرائيل وتملق اليهود فهل يدل ذلك إلا على شيء واحد... أن رجال الدين باعوا ضمائرهم للشيطان...؟ إن العرب يتعرضون لإبادة عامة، والمتفجرات تنسف منازلهم، وقد محيت قرى بأكملها من الوجود، والدفاع عن النفس يوصف بأنه إجرام وتمرد! ووسط هذه الحريق المستعرة، يبارك ساسة إسرائيل، ويقول رجال الدين والدنيا: خلقت إسرائيل لتبقى !! فأين منطق الإيمان بالله واليوم الآخر فى تلك المداهنة وهذا الاستخذاء. ظاهر أن القوم قد تحولوا إلى سماسرة وعملاء للاستعمار العالمي.. واعتقادى أن هذه المحنة الرهيبة ستوقظ الإسلام النائم، وإن كان غيرى يرى أن المادية المتربصة هى الكاسبة من خيانة الغرب لدينه ومثله. ولا شك أن المستقبل محفوف بأخطار شداد، بيد أننا لن نفقد توازننا ولا ثقتنا فى أصالتنا الدينية ولا آمالنا فى جنب الله. واعتقادى كذلك أن الاستعمار سيفشل فى محاولاته الدائبة لجر الكنائس الشرقية إلى جانبه، وإشراكها فى مآسيه، وإذا كان قد ضلل البعض فإن الجمهرة الغالبة ستبقى على وفائها لتعاليمها ومواطنيها وتاريخها الصبور..
يتبع

hammi330
2017-02-18, 22:32
بارك الله فيك

رَكان
2017-02-23, 16:23
حوار..! بينى وبين ملحد دار بينى وبين أحد الملاحدة جدال طويل، ملكت فيه نفسى وأطلت صبرى حتى ألقف آخر ما فى جعبته من إفك، وأدمغ بالحجة الساطعة كل ما يورد من شبهات.. قال: إذا كان الله قد خلق العالم فمن خلق الله؟ قلت له: كأنك بهذا السؤال، أو بهذا الاعتراض تؤكد أنه لابد لكل شيء من خالق!! قال: لا تلفنى فى متاهات، أجب عن سؤالي! قلت له: لا لف ولا دوران إنك ترى أن العالم ليس له خالق، أى أن وجوده من ذاته دون حاجة إلى موجد، فلماذا تقبل القول بأن هذا العالم موجود من ذاته أزلا، وتستغرب من أهل الدين أن يقولوا: إن الله الذى خلق العالم ليس لوجوده أول؟ إنها قضية واحدة، فلم تصدق نفسك حين تقررها؟ وتكذب غيرك حين يقررها؟ وإذا كنت ترى أن إلها ليس له خالق خرافة، فعالم ليس له خالق خرافة كذلك، وفق المنطق الذى تسير عليه..! قال: إننا نعيش فى هذا العالم ونحس وجوده فلا نستطيع أن ننكره! قلت له: ومن طالبك بإنكار وجود العالم؟ إننا عندما نركب عربة أو باخرة أو طائرة تنطلق بنا في طريق رهيب، فتساؤلنا ليس في وجود العربة، وإنما هو: هل تسير وحدها أم يسيرها قائد بصير؟! ومن ثم فإننى أعود إلى سؤالك الأول لأقول لك: إنه مردود عليك، فأنا وأنت معترفون بوجود قائم، لا مجال لإنكاره، تزعم أنت أنه لا أول له بالنسبة إلى المادة، وأرى أنا أنه لا أول له بالنسبة إلى خالقها، فإذا أردت أن تسخر من وجود لا أول له، فاسخر من نفسك قبل أن تسخر من المتدينين...!!! قال: تعنى أن الافتراض العقلى واحد بالنسبة إلى الفريقين؟ قلت: إننى أسترسل لأكشف الفراغ والادعاء اللذين يعتمد عليهما الإلحاد وحسب، أما الافتراض العقلى فليس سواء بين المؤمنين والكافرين.. إننى - أنا وأنت - ننظر إلى قصر قائم، فأرى - بعد نظرة خبيرة - أن مهندسا أقامه، وترى أنت أن خشبه وحديده وحجره وطلاءه قد انتظمت فى مواضعها وتهيأت لساكنيها من تلقاء نفسها..! ص _018

رَكان
2017-02-23, 16:24
الفارق بين نظرتينا إلى الأمور أننى وجدت قمرا صناعيا يدور فى الفضاء، فقلت أنت: انطلق وحده دونما إشراف أو توجيه، وقلت أنا: بل أطلقه عقل مشرف مدبر..! إن الافتراض العقلى ليس سواء، إنه بالنسبة إلى الحق الذى لا محيص عنه، وبالنسبة إليك الباطل الذى لا شك فيه، وإن كان كفار عصرنا مهرة فى شتمنا نحن المؤمنين ورمينا بكل نقيصة، فى الوقت الذى يصفون أنفسهم بالذكاء والتقدم والعبقرية .. إننا نعيش فوق أرض مفروشة، وتحت سماء مبنية، ونملك عقلا نستطيع به البحث والحكم، وبهذا العقل ننظر، ونستنتج، ونناقش، ونعتقد. وبهذا العقل نرفض التقليد الغبى كما نرفض الدعاوى الفارغة. وإذا كان الناس يهزءون بالرجعيين عبيد الماضى ويتندرون بتحجرهم الفكري، فلا عليهم أن يهزءوا كذلك بمن يميتون العقل باسم العقل، ويدوسون منطق العلم باسم العلم وهم للأسف جمهرة الملاحدة...!! لكنا نحن المسلمين نبنى إيماننا بالله على اليقظة العقلية والحركة الذهنية، ونستقرئ آيات الوجود الأعلى من جولان الفكر الإنسانى فى نواحى الكون كله. فى صفحة واحدة من سورة واحدة من سور القرآن الكريم وجدت تنويها بوظيفة العقل اتخذ ثلاث صور متتابعة فى سلم الصعود. هذه السورة هى سورة الزمر، وأول صورة تطالعك هى إعلاء شأن العلم، والغض من أقدار الجاهلين ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ). ثم تجيء الصورة الثانية لتبين أن المسلم ليس عبد فكرة ثابتة، أو عادة حاكمة بل هو إنسان يزن ما يعرض عليه ويتخير الأوثق والأزكى ( فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ). ثم يطرد ذكر أولى الألباب للمرة الثالثة فى ذات السياق على أنهم أهل النظر فى ملكوت الله، الذين يدرسون قصة الحياة فى مجاليها المختلفة لينتقلوا من المخلوق إلى ص _019

رَكان
2017-02-23, 16:25
الخالق ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ). وظاهر من الصور الثلاث فى تلك الصفحة من الوحى الخاتم أن الإيمان مبتوت الصلة بالتقليد الأعمى أو النظر القاصر أو الفكر البليد. إنه يلحظ إبداع الخالق فى الزروع والزهور والثمار، وكيف ينفلق الحمأ المسنون عن ألوان زاهية أو شاحبة توزعت على أوراق وأكمام حافلة بالروح والريحان ثم كيف يحصد ذلك كله ليكون أكسية وأغذية للناس والحيوان، ثم كيف يعود الحطام والقمام مرة أخرى زرعا جديد الجمال والمذاق تهتز به الحقوق والحدائق! من صنع ذلك كله؟ قال صاحبى - وكأنه سكران يهذى - الأرض صنعت ذلك!! قلت: الأرض أمرت السحاب أن يهمي، والشمس أن تشع، وورق الشجر أن يختزن الكربون ويطرد الأوكسجين، والحبوب أن تمتلئ بالدهن والسكر والعطر والنشا؟ قال: أقصد الطبيعة كلها فى الأرض والسماء! قلت: إن طبق الأرز فى غدائك أو عشائك تعاونت الأرض والسماء وما بينهما على صنع كل حبة فيه، فما دور كل عنصر فى هذا الخلق؟ ومن المسئول عن جعل التفاح حلوا والفلفل حريفا أهو تراب الأرض أم ماء السماء؟ قال: لا أعرف ولا قيمة لهذه المعرفة!! قلت: ألا تعرف أن ذلك يحتاج إلى عقل مدبر، ومشيئة تصنف؟ فأين ترى العقل الذى أنشأ، والإرادة التى نوعت، فى أكوام السباخ أو فى حزم الأشعة؟؟ قال: إن العالم وجد وتطور على سنة النشوء والارتقاء، ولا نعرف الأصل ولا التفاصيل!! قلت له: أشرح لكم ما تقولون: تقولون: أنه كان فى قديم الزمان وسالف العصر والأوان مجموعة من العناصر العمياء تضطرب فى أجواز الفضاء، ثم مع طول المدة وكثرة التلاقى سنحت فرصة فريدة لن تتكرر أبد الدهر، فنشأت الخلية الحية فى شكلها البدائى ثم شرعت تتكاثر وتنمو حتى بلغت ما نرى!! ص _020

رَكان
2017-02-26, 09:26
هذا هو الجهل الذى أسميتموه علما، ولم تستحوا من مكابرة الدنيا به!! أعمال حسابية معقدة تقولون: إنها حلت تلقائيا، وكائنات دقيقة وجليلة تزعمون أنها ظفرت بالحياة فى فرصة سنحت ولن تعود!! وذلك كله فرارا من الإيمان بالله الكبير!! قال : - وهو ساخط - أفلو كان هناك الله كما تقول كانت ا لدنيا تحفل بهذه المآسى والآلام، ونرى ثراء يمرح فيه الأغبياء وضيقا يحتبس فيه الأذكياء، وأطفالا لا يمرضون ويموتون، ومشوهين يحيون منغصين.. الخ. قلت: لقد صدق فيكم ظني، إن إلحادكم يرجع إلى مشكلات نفسية واجتماعية أكثر مما يعود إلى قضايا عقلية مهمة!! ويوجد منذ عهد بعيد من يؤمنون ويكفرون وفق ما يصيبهم من عسر ويسر (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين). قال: لسنا أنانيين كما تصف نغضب لأنفسنا أو نرضى لأنفسنا، إننا نستعرض أحوال البشر كافة ثم نصدر حكمنا الذى ترفضه.. قلت: آفتكم أنكم لا تعرفون طبيعة الحياة الدنيا ووظيفة البشر فيها أنها معبر مؤقت إلى مستقر دائم، ولكى يجوز الإنسان هذا المعبر إلى إحدى خاتمتيه لابد أن يبتلى بما يصقل معدنه ويهذب طباعه، وهذا الابتلاء فنون شتي، وعندما ينجح المؤمنون فى التغلب على العقبات التى ملأت طريقهم، وتبقى صلتهم بالله واضحة مهما ترادفت البأساء والضراء فإنهم يعودون إلى الله بعد تلك الرحلة الشاقة ليقول لهم ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون). قال: وما ضرورة هذا الابتلاء؟ قلت: إن المرء يسهر الليالى في تحصيل العلم، ويتصبب جبينه عرقا ليحصل على الراحة، وما يسند منصب كبير إلا لمن تمرس بالتجارب وتعرض للمتاعب، فإن كان ذلك هو القانون السائد فى الحياة القصيرة التى نحياها على ظهر الأرض فأى غرابة أن يكون ذلك هو المهاد الصحيح للخلود المرتقب؟ قال: مستهزئا - أهذه فلسفتكم فى تسويغ المآسى التى تخالط حياة
قلت: سأعلمك بتفصيل أوضح حقيقة ما تشكو من شرور، إن هذه الآلام قسمان: قسم من قدر الله فى هذه الدنيا، لا تقوم الحياة إلا به، ولا تنضج رسالة الإنسان إلا على حره، فالأمر كما يقول الأستاذ العقاد "تكافل بين أجزاء الوجود، فلا معنى للشجاعة بغير الخطر، ولا معنى للكرم بغير الحاجة، ولا معنى للصبر بغير الشدة، ولا معنى لفضيلة من الفضائل بغير نقيصة تقابلها وترجح عليها. وقد يطرد هذا القول فى لذاتنا المحسوسة كما يطرد فى فضائلنا النفسية ومطالبنا العقلية إذ نحن لا نعرف لذة الشبع بغير ألم الجوع، ولا نستمتع بالرى ما لم نشعر قبله بلهفة الظمأ، ولا يطيب لنا منظر جميل ما لم يكن من طبيعتنا أن يسوءنا المنظر القبيح..". وهذا التفسير لطبيعة الحياة العامة ينضم إليه أن الله جل شأنه يختبر كل امرئ بما يناسب جبلته ويوائم نفسه وبيئته، وما أبعد الفروق بين إنسان وإنسان، وقد يصرخ إنسان مما لا يكترث به آخر، ولله فى خلقه شئون، والمهم أن أحداث الحياة الخاصة والعامة محكومة بإطار شامل من العدالة الإلهية التى لا ريب فيها إلا أن هذه العدالة كما يقول الأستاذ العقاد "لا تحيط بها النظرة الواحدة إلى حالة واحدة، ولا مناص من التعميم والإحاطة بحالات كثيرة قبل استيعاب وجوه العدل فى تصريف الإرادة الإلهية، إن البقعة السوداء فى الصورة الجميلة وصمة قبيحة إذا حجبنا الصورة ونظرنا إلى تلك البقعة بمعزل عنها، ولكن هذه البقعة السوداء قد تكون فى الصورة كلها لونا من ألوانها التى لا غنى عنها أو التى تضيف مزيدا إلى جمال الصورة ولا يتحقق لها جمال بغيرها، ونحن فى حياتنا القريبة قد نبكى لحادث يصيبنا ثم نعود فنضحك أو نغتبط بما كسبناه منه بعد فواته". تلك هى النظرة الصحيحة إلى المتاعب غير الإرادية التى يتعرض لها الخلق. أما القسم الثانى من الشرور التى تشكو منها يا صاحبى فمحوره خطؤك أنت وأشباهك من المنحرفين.

رَكان
2017-03-01, 21:51
قال مستنكرا: أنا وأشباهى لا علاقة لنا بما يسود العالم من فوضي! فكيف تتهمنا؟ قلت: بل أنتم مسئولون، فإن الله وضع للعالم نظاما جيدا يكفل له سعادته، ويجعل قويه عونا لضعيفه وغنيه برا بفقيره، وحذر من اتباع الأهواء واقتراف المظالم واعتداء الحدود. ووعد على ذلك خير الدنيا والآخرة ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ). ص _022
" فإذا جاء الناس فقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وتعاونوا على العدوان بدل أن يتعاونوا على التقوى فكيف يشكون ربهم إذا حصدوا المر من آثامهم؟ إن أغلب ما أحدق بالعالم من شرور يرجع إلى شروده عن الصراط المستقيم، وفى هذا يقول الله جل شأنه ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ). إن الصديق رضى الله عنه جرد جيشا لقتال مانعى الزكاة، وبهذا المسلك الراشد أقر الحقوق وكبح الأثرة ونفذ الإسلام فإذا تولى غيره فلم يتأس به فى صنيعه كان الواجب على النقاد أن يلوموه لا أن يلوموا الأقدار التى ملأت الحياة بالبؤس! قال: ماذا تعني؟ قلت: أعنى أن شرائع الله كافية لإراحة الجماهير، ولكنكم بدل أن تلوموا من عطلها تجرأتم على الله واتهمتم دينه وفعله!! ومن خسة بعض الناس أن يلعن السماء إذا فسدت الأرض!! وبدلا من أن يقوم بواجبه فى تغيير الفوضى وإقامة الحق يثرثر بكلام طويل عن الدين ورب الدين...!! إنكم معشر الماديين مرضي، تحتاج ضمائركم وأفكاركم إلى علاج بعد علاج.. وعدت إلى نفسى بعد هذا الحوار الجاد أسألها: إن الأمراض توشك أن تتحول إلى وباء، فهل لدينا من يأسو الجراح ويشفى السقام؟!! أو أن الأزمة فى الدعاة المسلمين ستظل خانقة؟!!

رَكان
2017-03-01, 21:52
ضوء على بعض المشكلات قرأت مقالا عن الانفجار السكانى وإمكانات التحكم فيه نشرته صحيفة الأهرام يوم الجمعة 2/1/1970 ولا أكون مغاليا إذا وصفت هذا المقال بأنه صائب الفكرة عميق النظرة مملوء بالحقائق الجديرة بالاحترام. ولقد لفت عددا من الدعاة المسلمين وعلماء الدين إلى هذا المقال لأنه يصور فى نظرى عودة إلى أفكار سبق أن كتبتها ووقفت عندها ورأى جمهور المسلمين أنها التعبير الحق عن أحكام دينهم ونهج حياتهم وإن كان البعض قد مارى فيها مراء يعلم الله بواعثه والكاتب بعد مقدمات جيدة حول مشكلة النسل يقول إن تفسير الزيادة السكانية بغير التخلف الاقتصادى أورد هذه الزيادة إلى عوامل أخرى مثل غلبة الغريزة الجنسية أو وجود الأديان المحبذة للتناسل أو عدم المبالاة بالرقي. يدخل تحت باب التضليل العلمي..! وقد استخلص هذه النتيجة الصادقة من جملة ملاحظات علمية واجتماعية جديرة بالتأييد الحار... ويعجبنى أنه استهجن صيحات التشاؤم المفتعلة التى تخصص فى إرسالها بين الحين والحين نفر من مقلدى الأساليب الممجوجة فى الإحصاء الجزئى والحكم العام، وهى أساليب تخدم سياسة معينة ولاتخدم حقيقة مجردة. يقول الكاتب: "فى أواخر الستينيات تدفق سيل جارف من البيانات والبلاغات التى يتبرع بها نفر من نجوم الرأى الأمريكيين يزعمون فيها أن العالم قد بلغ فى مسيرته نحو الكارثة نقطة (اللاعودة) بسبب الزيادة المفرطة فى سكانه، تلك الزيادة التى نشأت من أن أقطار العالم الثالث - الذى يضم عشرات من الدول النامية أو بتعبير آخر عشرات من الدول المتخلفة - لم تكبح جماح شهواتها الجنسية، ولم تستجب لدعوة المندوب الأمريكى إلى (تخطيط الأسرة) أو تحديد النسل الذى رأى سيادته أنه الطريق الوحيد لحسم المشكلة السكانية". بل لم يستح نفر من قادة الرأى فى أرقى الدول أن ينادوا جهرة بضرورة استخدام القسر فى الحد من هذا التفوق العددى للمراتب السفلى من البشر(!) بالقدر الذى

رَكان
2017-03-01, 21:53
يمنع دفع المراتب الأعلى إلى الخلف.. ص _024
هذا، ولما كانت نسبة الأولاد تكاد تكون ثابتة من عشرات السنين فإن الزيادة المحذورة نشأت للأسف من قلة الوفيات بسبب ارتفاع المستوى الصحى فى أرجاء العالم..!! والحل؟ إنه عند أرباب الثقافة الغربية الرفيعة عدم مقاومة العلل بين شعوب لاتجد الأكل، وترك الأمراض تفتك بهذه الأجيال الوافدة، فإن إقحام طوفان من الأطفال الجياع على اقتصاد مضطرب أمر يهدد بكارثة..!! لكن كيف يوصف هذا التصرف؟ إنه تصرف إنسانى عادي!! لأنه يساعد الطبيعة على انتخاب الأصلح وإبقاء الأقوى..!! بل إن هذا التصرف يتفق مع أرقى ثمرات الفكر الإنساني، ألم يقل أفلاطون في جمهوريته الفاضلة: (إنه يجب قتل كل طفل يزيد عن العدد الضروري؟ ونحن قد وصلنا بالفعل إلى ما يزيد عن هذا العدد الضروري!!! ويستتبع الفكر الغربى أحكامه على الأمور فيقول الدكتور (هوايت ستيفنز) - أحد خبراء علم الاجتماع - إن يوم القيامة سيوافق 13/11/2026 لأن المجاعة العالمية فى هذا اليوم ستقضى على الجميع هكذا يقول الدكتور الألمعى بعد حساب وفق قواعد علم الاجتماع لا قواعد علم التنجيم!! وبناء على ذلك الهوس الإحصائى يدعو الأمريكيون المتشائمون إلى التعقيم الإجباري، وإلى فرض نظام صارم لتحديد النسل، وإلى دعوة الأمم المتحدة إلى إجراء ما كى ينخفض عدد الأولاد بين العرب والزنوج والهنود وأشباههم، وهم سواد العالم الثالث... ويلاحظ الأستاذ كمال السيد - كاتب المقال - أمورا ذات بال، منها أن الولايات المتحدة مثلا تنفق سبعين ألف مليون دولار على معدات القتال. وأن شركاتها الكبرى تعامل شعوب العالم الثالث بنهم مستغرب لا مكان معه للرحمة بهؤلاء الجياع المساكين. يقول: "وهناك صيغة شائعة فى أمريكا الجنوبية فحواها: أن خمسة من سكانها يموتون جوعا كل دقيقة، فى حين أن الشركات المستغلة العاملة بها تكسب خمسة آلاف دولار كل دقيقة، أى ألف دولار من كل ميت"..! ومع...
يتبع

رَكان
2017-03-07, 21:27
خاب من يطلب شيئا لا يكون
الله أكبر رحم الله الشيخ و جزاه عن الاسلام خير الجزاءصدقت يا طالب العلم .
بارك الل هفي حضورك الطيب ..

Rachad Amine
2017-03-10, 10:19
قد أجهد الناس هذا الحق وحال بينهم وبين شهواتهم وما صبر عليه إلّا عارف لفضله.

و ربي ايصبرنا على فراق معلمينا و مشايخنا

رَكان
2017-03-10, 21:56
شعورنا باتجاه الكاتب إلا أننا نعرف أن المساعدات الاستعمارية مغشوشة النية، سيئة الهدف، قد توزع على الأطفال مقادير من الألبان والجبن، ولكنها تفرض على بيئتهم قيود الفقر الأبدى إلى هذا النوع من المساعدات.. ص _025
هذه البرامج توزع المواد الاستهلاكية وحسب، على الأمم المتخلفة، وتمتنع امتناعا غريبا عن تصنيع البيئة، وإعانتها على أن تخدم نفسها بنفسها، وتستغل مواردها الوطنية بقدراتها الخاصة!! كأن شعوب هذا العالم الثالث - كما تسمى - ينبغى أن تظل مشلولة المواهب مكشوفة العجز، لا تستطيع ارتفاق ما لديها من خيرات... وعليها - بعد - أن تسمع الحكم بأن القيامة بعد كذا من السنين!! ويتلقى هذا الكلام بعض قصار العقل فيطيرون به هنا وهناك ينذروننا بالويل والثبور وعظائم الأمور فإذا حاولنا التفاهم معهم قالوا: إنكم رجعيون تائهون عن مقررات علم الاجتماع، وأخطار يوم القيامة الذى سيجيء حتما مع زيادة السكان!! ولنتناول الآن صميم المشكلة: هل حق أن بلاد العالم الثالث لا تكفى حاجات أهلها، وبالتالى لا تتسع لمزيد من الأفواه التى تطلب القوت، والأجساد التى تطلب الكسوة؟ تلك هى الأكذوبة الكبرى التى يضخم الاستعمار صداها ويزعج الدنيا بطنينها!! إن أقطار العالم الثالث مشحونة بخيرات تكفى أضعاف سكانه، بيد أن هذه الخيرات تتطلب العقول البصيرة والأيدى القديرة. ولو رزقت هذه الأقطار المتخلفة نهضة إنسانية نزيهة، تستهدف إيقاظ الملكات الغافية، والحواس المخدرة، وتطارد الخمول والوهن، وتجند القدرات والخبرات، وتمنع التظالم والترف، وتضرب سياجا منيعا حول مصالح الشعوب يرد عنها غوائل الاستعمار بجميع أنواعه، لكانت هذه الشعوب تحيا فى رغد من العيش تحسدها أقطار الغرب عليه! ليست المشكلة اقتصادية كما يزعم الخبثاء من المستعمرين، ومقلدوهم من الصياحين الذين يهرفون بما لا يعرفون... الفقر فقر أخلاق ومواهب لا فقر أرزاق وإمكانات!! لماذا يكون المولود القادم أكالا لا شغالا، مستهلكا لا منتجا، عبئا على الحياة لا عونا على الحياة؟؟!! لماذا تهون الإنسانية فى هذه الأجيال الوافدة فيكون وجودها مبعث قلق لا مثار استبشار؟؟ ص _026
إن الجهود المادية والمعنوية التي يبذلها المتشائمون لقتل هذه الأنفس أو للحيلولة دون وجودها لو بذلت فى تصحيح الأخطاء الاجتماعية، وتقويم الانحرافات العقلية لكانت أقرب إلى الرشد وأدنى إلى الغاية!! ولكن الاستعمار الأنانى الشره يريد التهام كل شيء لنفسه وحده، بل الأنكى من ذلك أنه يعترض طريق كل نهضة تصحح الأوضاع، لماذا؟ كى تبقى الأمور كما هي، ويبقى منطقه السقيم فى علاج الأمور!! على أن تخلف العالم الثالث ليس علة أزلية ولا أبدية، فقد كان الأوروبيون والأمريكيون أسوأ حالا منذ قرون تعد على الأصابع، وكانت الخرافة تفتك بعقولهم فتك الأدران والعلل بأبدانهم، فإذا صعدوا فى سلم الترقي، وهبط غيرهم بعد رفعة أو بدأ لأول مرة يخطو على درب المدنية فلا معنى للاختيال عليه والتشفى منه!! ( كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم). والأمر لا يستدعى أكثر من تغيير الظروف المؤثرة فى أحوال المجتمعات فهناك مكان ينبت العز - كما يقول المتنبى - ومكان ينبت الذل - وهناك آخر يوقظ العقل أو ينيمه..!! والمعتوهون الذين يصرخون جزعين: قفوا نسل الأرانب حتى لا تقوم الساعة أو حتى ترقى الأمة. لا يعلمون أن العالم الثالث لن يرقى ولو فقد تسعة أعشار عدده ما بقيت ظروفه النفسية والفكرية جامدة على أوضاعها الحالية.. ونعود مع كاتب الأهرام لنبصر الواقع حيث يقول: "إن موارد العالم، خصوصا موارد البلاد المتخلفة مازالت تفوق كثيرا زيادة أعداد السكان، فالفائض الاقتصادى المحتمل يمكن تحويله إلى ضروب من النشاط المنتج بدلا من أن يذهب إلى جيوب المرابين والوسطاء وملاك الأرض، أو يتبدد فى وجوه السرف المختلفة، وهذا الفائض هو ما يعرفه الاقتصاديون بأنه الفرق بين الإنتاج فى ظروفه الطبيعية،
وبين ما يعد استهلاكه ضروريا للجماعة المنتجة، ويقدر هذا الفرق بنحو 20% من الإنتاج القومي، وهو يكفل عند استثماره زيادة سنوية فى الدخل تبلغ 8% وهذه الزيادة تكفى بل تفيض عن متطلبات الزيادة السكانية.."! الفقر الواقع أو المتوقع لا يعود إذن إلى علل طبيعية، بل إلى سوء تصرف واضطراب إدارة..!! ص _027
أو كما يقول الاقتصادى الأمريكى المشهور (يول باران): "إننا يجب أن ندق ناقوس الخطر لا لأن القوانين الأبدية فى الطبيعة قد جعلت من المستحيل إطعام سكان الأرض، بل لأن النظام الاقتصادى الاستعمارى يحكم على جموع كثيفة من الناس، لم يسمع بضخامتها من قبل، أن تعيش فى كنف الفاقة والتدهور والموت قبل الأوان.!! ثم أنهى الكاتب كلمته مؤكدا أنه لا حل لمشكلات التخلف، ومن بينها ضغط السكان على الموارد إلا بتنمية بلدان العالم الثالث لثرواتها، ومضاعفة اعتمادها على نفسها.. على القدر الميسور من المعونات الأجنبية المنزهة..". لقد قررت هذه الأحكام تقريبا فى كتابى (من هنا نعلم) المطبوع من ربع قرن، ولذلك فقد انشرح صدرى عندما قرأت هذه الأيام ما يزيد الحق وضوحا.. وما يبدد ضبابا كثيرا نشره فى أفق الحياة العامة أقوام قصار الباع طوال الألسنة. وإنى - إذ أؤكد المعانى الآنفة - أوجه كلمة إلى نفر من المتحدثين باسم الإسلام أساءوا إلى حقائقه مرارا وهزموه فى مواطن كثيرة. إن الإسلام ليس هو بالدين المحلى لأهل قطر من الأقطار.. إنه دين القارات الخمس! وداره الرحبة الخصبة تمزج بين أجناس أمته فى أخوة جامعة لاتعرف الحدود الضيقة المفتعلة التى صنعها الاستعمار!! فكيف يعالجون مشكلة السكان وهم لايدركون هذا الأساس المبين؟ ثم إن هذا الدين يتعرض لحرب إبادة فى هذه الأيام من تحالف الصهيونية والاستعمار، فكيف تصدر الأوامر من رؤساء الأديان الأخرى بتكثير الأتباع، ومباركة النسل، ويفتون هم بالتعقيم والتقليل؟ إننى لا أدرى علة هذا الزيغ؟ أهى قلة العلم أو ليونة الضمير؟؟ وتحذير آخر إلى هؤلاء: إن أحدهم يقع على الكلمة تخدم غرضه منسوبة إلي عمرو بن العاص أو غيره من الرجال فيطير بها غير آبه بقيمة سندها ولا مكترث بأنها ملتقطة من كتب تجمع الجد والهزل والخطأ والصواب... ولو فرضنا جدلا صحة نسبتها إلى عمرو، فما كلام عمرو بالنسبة إلى كلام الله ورسوله؟ وإلى طبائع الأشياء وفق منطق الفطرة وحالة الدين وأوضاع المسلمين؟؟ أرجو بعد كلمة الأهرام التى لخصتها فى مقالى أن تنتهى هذه المأساة. فوضى الحلال والحرام فى غياب التشريع الحق الأمة الإسلامية اليوم تمثل جماهير كثيفة من الشعوب المتخلفة.. والفروق بين الشعوب المتخلفة والشعوب المتقدمة كثيرة ومنوعة، ويمكن ردها إجمالا إلى خلل حقيقى فى المواهب الإنسانية الرفيعة، خلل عاق هذه المواهب عن أداء وظائفها باقتدار وإجادة !! وليس بصعب على من يرقب الأمم المتأخرة أن يلحظ كسلها العقلى في ميدان المعرفة، وكسلها العقلى فى ميدان الإنتاج، وضعف الأخلاق التى تحكم أقوالها وأحوالها، وكثرة التقاليد التى تمثل طبائع الرياء والأثرة والملق والضياع الفردى والاجتماعي. إن هناك انهيارا حقيقيا فى البناء الإنسانى للشعوب المتخلفة، والإصلاح الجاد يستهدف إعادة هذا البناء، ودعمه خلقيا، واقتصاديا، وسياسيا.. ونحن - المشتغلين بالدعوة الإسلامية - نعالج هذا العمل الشاق، ونزيح العقبات التاريخية والطارئة التى تعترض طريقنا وما أكثرها.. وهناك ناس يعملون لهذا الهدف هدف بناء أمة جديدة، ولكنهم - بمؤثرات شتى - لا يرتبطون بالإسلام ولا يستشيرونه فى حل مشكلة أو شفاء علة. وظاهر أن هؤلاء الناس هم الذين نشأوا فى ظل الاستعمار الأوروبي، وآذاهم أن تكون بلادهم محقورة الشأن، زرية الظاهر والباطن، فأرادوا أن تلتحق بالركب المتقدم عن طريق التشبه به والاقتباس منه. ولما كان علم هؤلاء بالإسلام قليلا، فإنهم لم يحاولوا الإفادة منه أو الارتباط به، بل مضوا فى طريق التقليد للشعوب المنتصرة فى ظاهر أمرها وباطنه، وعذرهم - أمام أنفسهم على الأقل - أنهم يبغون النهوض بأمتهم. ولست الآن بصدد نقد هؤلاء، بل سأتناول باللوم والإنكار مواقف بعض المتدينين القاصرين الذين يسيئون إلى الإسلام من حيث ينشدون خدمته.. إن تبذل النساء فى هذا العصر بلغ حد السفه وهبط إلى درك سحيق من الحيوانية المنكورة.. وصيحات الوعاظ لوقف هذا التيار تذهب بددا..لماذا؟ لأن تناولهم لقضايا المرأة مشوب بالغموض أو الجهالة، متسم بالسلبية والعجز، محكوم بتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان.. وأغلبهم لو أمكنته الفرص لرد المرأة إلى البيت، وغلق عليها الأبواب، وحرمها مختلف الحقوق المادية والأدبية، وجعلها القدم العرجاء للإنسانية السائرة أو الجناح المكسورة للأمم الصاعدة.. والمسلمون فى العصر الماضى خالفوا الإسلام مخالفة مستغربة فى الطريقة التى تحيا بها المرأة.. فهم حرموها حق العبادة.. بتعبير العصر الحديث - وحظروا عليها دخول المساجد، ويوجد فى أنحاء مصر نحو سبعة عشر ألف مسجد لا ترحب بدخول المرأة، ولم يبن فى أحدها باب مخصص للنساء، كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجده بالمدينة المنورة.. وقد بذلنا بعض الجهود لتغيير هذه الحال، ولم ننجح إلا فى حدود تافهة..!! مع أن صفوف النساء فى بيوت الله كانت إحدى معالم المجتمع الإسلامى الأول. وهم حرموها حق العلم - بتعبير العصر الحديث - فلم تفتتح المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والعالية للمرأة إلا بعد محاولات ومجادلات مضنية، ولم تدخل الأزهر إلا بعد تطوره الحديث. مع أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل طلب العلم فريضة على الرجال والنساء، ومع أنه أمر بإخراج النساء وهن حوائض ليشهدن الخير ويعرفن دعوة الإسلام. وهم رفضوا أن يكون لها دور فى إحقاق الحق وإبطال الباطل، وصيانة الأمة بنشر المعروف، وسحق المنكر مع أن الله قال فى كتابه ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...). إن الفكرة التى سيطرت على أدمغة نفر من المتدينين هى عزل المرأة عن الدين والدنيا معا، واجتياح كيانها الشخصى والمعنوي.. ولا تزال هذه الفكرة أملا يحركهم ويحملهم على ترويج أحاديث موضوعة أو واهية، وتكذيب أحاديث صحيحة أو حسنة، وعلى تفسير القرآن الكريم بآراء لم يعرفها أئمته، ولا قام عليها مجتمع الأصحاب والتابعين!!

lilia88
2017-03-10, 23:09
جزاك الله خيرا

ضد الاستغفال
2017-03-12, 19:42
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتك فقد كان بليغَ الكلامِ، فصيحَ اللِّسان، يُعبِّر عن المعاني العظيمة الجليلة، بالألفاظ القصيرة القليلة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((بُعثتُ بجَوامعِ الكَلِم))
فمن حكمه عليه الصلاة والسلام :

((احفَظِ اللهَ يحفَظك، احفظ الله تجدْه تجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنت فاستعِن بالله، واعلَم أن الأمة لو اجتمعَت على أن ينفَعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتَمعوا على أن يَضرُّوكَ بشيءٍ، لم يضرُّوكَ إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعَت الأقلامُ وجفَّت الصحُف))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((كل الناس يَغدو، فبائعٌ نفسَه فمُعتقها أو موبقها))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أمسِكْ عليك لسانك، ولْيَسَعْك بيتُك، وابْكِ على خطيئتك))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((البِرُّ حُسن الخلُق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهتَ أن يطَّلع عليه الناس))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الرفقَ لا يكون في شيء إلا زانَه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك؛ فإنَّ الصدقَ طُمأنينةٌ، وإن الكذب ريبةٌ))





«اللهمَّ صلِّ على محمَّد وأزواجه وذُريَّته، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمَّد وأزواجه وذُريَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم؛ إنَّك حميدٌ مجيد»

رَكان
2017-03-12, 19:57
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتك فقد كان بليغَ الكلامِ، فصيحَ اللِّسان، يُعبِّر عن المعاني العظيمة الجليلة، بالألفاظ القصيرة القليلة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((بُعثتُ بجَوامعِ الكَلِم))
فمن حكمه عليه الصلاة والسلام :

((احفَظِ اللهَ يحفَظك، احفظ الله تجدْه تجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنت فاستعِن بالله، واعلَم أن الأمة لو اجتمعَت على أن ينفَعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتَمعوا على أن يَضرُّوكَ بشيءٍ، لم يضرُّوكَ إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعَت الأقلامُ وجفَّت الصحُف))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((كل الناس يَغدو، فبائعٌ نفسَه فمُعتقها أو موبقها))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أمسِكْ عليك لسانك، ولْيَسَعْك بيتُك، وابْكِ على خطيئتك))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((البِرُّ حُسن الخلُق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهتَ أن يطَّلع عليه الناس))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الرفقَ لا يكون في شيء إلا زانَه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه))

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك؛ فإنَّ الصدقَ طُمأنينةٌ، وإن الكذب ريبةٌ))





«اللهمَّ صلِّ على محمَّد وأزواجه وذُريَّته، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمَّد وأزواجه وذُريَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم؛ إنَّك حميدٌ مجيد»



صلى الله عليه وعلى آله وسلم ..وبأبي هو وأمي ..
أنت ضد الإستغفال ؟؟؟؟
هناك شيء اسمه المقالة .هل علمت ؟؟؟
ثم أآمر أنت أم ناصح ؟؟؟ ؟؟
الأولى ..لانصيب لك منها ..الثانية ..أوردتها مشتملا..
بالتوفيق ..لك في تحصيل ماأبلغتك .وليتك تثقفه وتعمل به جيدا ..شكرا..




بل أستطيع القول: إن الجاهلية التى دفعت إليها المرأة الإسلامية بهذا الفكر القاصر جعلتها دون المرأة فى الجاهلية الأولى.. فإن المرأة العربية ظهرت فى بيعة العقبة الكبرى كما ظهرت مبايعة بعد فتح مكة، وقارب عدد النساء المبايعات ستمائة امرأة..!! وجهلة المتدينين تستكثر على المرأة المسلمة هذه المكانة الكبيرة، وقد نتج عن هذا التفكير فى قضية المرأة، وعن التفكير المماثل له فى قضايا أخرى كثيرة، إن ظلم الإسلام ظلما شديدا وإن أساء به الظن من لم يحط به خبرا، ومن لم يحسن له فقها. وعندى أن إفلات النهضة النسائية من قيود الإسلام الحقيقية يرجع إلى هذا العجز والغباء. وقد لاحظت أن بعض المصلحين الذين اشتغلوا بتحرير المرأة قد جرأهم هذا الموقف على ارتكاب حماقات سيئة.. فهم لما قاوموا بنجاح أخطاء بعض المتدينين اندفعوا فى طريقهم مغالين فخطأوا الدين نفسه حيث لا مجال لتخطئة ولا مكان لتصويب.. وإنه لمن المحزن أن يسيء الدعاة عرض دينهم فى ميدان ما فترفع الثقة بهم فى كل ميدان، ثم ينفتح الباب على مصراعيه ليتناول من شاء أحكام الإسلام بالمحو والإثبات. يقبل منها ما يعجبه، ويرد منها ما ينبو عنه مزاجه اللطيف. أكتب ذلك وبين يدى كتاب مطالعة للمدارس الثانوية ألف على عهد وزارة المعارف، وراجعه الدكتور طه حسين بك وآخرون. فى الفصل الثالث من هذا الكتاب حديث عن قاسم أمين، وردت فيه هذه العبارات وصفا له ولمذهبه فى الحياة العامة يوم كان يلى منصب القضاء ".. ولم يتقيد فى قضائه بآراء الفقهاء أو أحكام المحاكم مما يعتبره أكثر القضاة حجة لا محيد عنها، بل لم يتقيد بنص القانون إذا لم يصادف هذا النص مكان الاقتناع منه. وهذا مما جعله ميالا للرأفة فى قضائه نافرا أشد النفور من حكم الإعدام!! فقد كان يرى "أن العفو هو الوسيلة الوحيدة التى ربما تنفع لإصلاح المذنب" وأن "معاقبة الشر بالشر إضافة شر إلى شر" وأن "التسامح والعفو عن كل شيء وعن كل شخص هما أحسن ما يعالج به السوء ويفيد فى إصلاح فاعله" وأن "الخطيئة هى الشيء المعتاد الذى لا محل لاستغرابه والحال الطبيعية اللازمة لغريزة الإنسان". فإذا كانت الجماعة لم توفق بعد إلى إدراك هذه الأفكار، وكانت قوانينها التى وكل إلى تطبيقها - هكذا يتحدث قاسم أمين القاضى عن نفسه!! – ما تزال تجرى على ص _031
سنة القصاص والانتقام، وماتزال دموية متوحشة فلا أقل من أن يتحاشى الإعدام وهو أشد ما فيها وحشية، وهو العقوبة الوحيدة التى لاسبيل لعلاجها إذا ظهر خطأ القاضي، أو ثابت الجماعة إلى رشدها ورأت تعديل عقوبتها بجعل العقوبة للإصلاح لا للقصاص، أو أخذت بمذهب العفو والتسامح. والقارئ الذى يطالع هذه الجمل العمياء يحس أن صاحبها يصطدم بالوحي الإلهى اصطداما مباشرا، وينكر شريعة القصاص، ويصفها بالوحشية!! ويكذب أن فى القصاص حياة ويوغل مع الخيال فيظن العفو العام في كل حال وعن كل شخص قاعدة الإصلاح الاجتماعى الصحيح!! والكلام كله لغو قبيح بل مجون يعزل صاحبه لا عن منصب القضاء وحسب بل عن الفتيا في مشكلات الناس، ودعك من أن قائل هذا الكلام مجرد تجردا تاما من كل احترام لنصوص الكتاب والسنة.. ومع ذلك فإن طلاب المدارس الثانوية أيام وزارة المعارف - يقرؤون عقب هذا الكلام الغث تلك العبارات: كانت روح قاسم روح أديب، وكانت الروح العصبية الحساسة الثائرة التى لا تعرف الطمأنينة ولا تستريح إلى السكون، وكانت الروح المشوقة التى لا تعرف الانزواء فى كن، بل تظل متمحضة للبحث والتنقيب حتى تنسى نفسها، وتستبدل بكنها مافي الكون من نشاط وجمال.. وفى ظننا أن الدعوة إلى تحرير المرأة من رق الجهل ورق الحجاب لم تكن كل برنامج قاسم أمين الاجتماعي، وإنما كانت حلقة منه هى أعسر حلقاته وأعقدها".

khaled belk
2017-04-25, 16:35
بارك الله فيك.

رَكان
2017-04-26, 13:17
الإسلام كل لا يتجزأ أصاب جهاز (التليفزيون) عندى عطل مبهم فلم تظهر الصورة المرتقبة، ونظرت إلى الجهاز الجاثم فى مكانه لا يؤدى عمله نظرة استغراب ! وتحسسته بيدى فخيل إلى أنه لا ينقص شيئا من آلاته الجلية والخفية... وأخيرا جاء العامل المتخصص فى إصلاحه، واستبدل بجزء تالف منه جزءا صالحا، واستأنف الجهاز عمله، وشرع يحقق الفائدة المرجوة منه !! وقلت فى نفسي: إن الجهاز كله توقف عن أداء رسالته حتى تعاونت أجزاؤه الصغار والكبار على تحقيق وظائفها المنوطة بها !! ولا عجب فقد تتوقف الدبابة عن السير والقتال لقطعة تنقصها فى مقدمتها أو مؤخرتها... وقد يتعطل مصنع عن الإنتاج تكلف إنشاؤه الألوف المؤلفة من الجنيهات، لأنه يفتقر إلى تكملة لا تساوى مائة جنيه.. وهكذا شئون الحياة المادية والأدبية، قد يصيبها عطب فادح، لأن شطرها أو أغلبها موجود، وبقيتها الأخرى مفقودة عن خطأ أو تعمد. ومن ثم قد ترى أمامك أشياء صالحة، ولكنها قليلة الجدوى، لأنها مبتورة، وما تتم قيمتها وتبرز ثمرتها إلا إذا دارت الحياة فيها وفيما يكملها، وعندئذ ينطلق التيار فى دائرته المغلقة فيسطع النور.. إن تعاليم الإسلام كذلك لا تصلح الحياة وتقيم المجتمعات إلا على النحو الذى شرحنا.. وعناصر الوحى تشبه عقاقير الأدوية لا يتم الشفاء بها إلا إذا أخذناها كما جاءت. أما إذا طرحنا عقارا، وتناولنا آخر فلن يذهب لنا سقام.. وقد وجدت أن كثيرا من علل المسلمين الفكرية والنفسية، بل عللهم الاقتصادية والسياسية ترجع إلى أنهم يجدون مع بعض النصوص، ويهزلون مع بعضها الآخر، فلا يحصدون من هذا التناقض إلا ضياع النصوص كلها

k.aman
2017-04-27, 04:38
موضوع مُفيد ، جزاك الله خيرًا

رَكان
2017-04-27, 19:53
موضوع مُفيد ، جزاك الله خيرًا

موضوع مميز جدا

بارك الله فيكما ..

رَكان
2017-04-28, 00:11
ولا يفيدون من النصوص التى عملوا بها - فيما يزعمون - شيئا طائلا ! لأن وجودها المنقوص فى المجتمع كوجود جهاز (التليفزيون) الذى سقت لك خبر عطله. تأمل معى هذا الحكم الشرعى فى فرع من فروع الفقه الإسلامي... يقول الله تعالى : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا). إلى هنا يمكن تقرير الحكم العملى فى شأن يتصل بكيان الأسرة، وربما لا يشغل العلماء أنفسهم عند تقرير الحكم بأبعد من ذلك عند إيراد النص... أفهذا ما فعل القرآن الكريم ؟ لا، لقد أعقب ذلك بخمس جمل تتضمن فنونا من النصح والتأديب والتربية يضيع المجتمع إن أضاعها، فقال جل شأنه: 1 - ( ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه). 2 - ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا). 3 - ( واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به). 4 - ( واتقوا الله) . 5 - ( واعلموا أن الله بكل شيء عليم ). وعندما توجد فى بلادنا أحكام الطلاق ولا توجد معها بقية المعانى التى صاحبتها فى هذه الآية فسوف يلعب بكتاب الله، ولن تزيد الأمة إلا خبالا... !! خذ مثلا آخر، لقد نهى الإسلام عن السرقة، وأمر بقطع يد السارق، بيد أن هذا الحد من حدود الإسلام يكون خيرا وبركة مع إحياء أوامر الله كلها، وإقامة شعب الإيمان الكثيرة، التى تسد يقينا كل ثغرة، وتمنع أى غبن، وتطارد آفات البطالة والجوع عند البعض، وآفات النهب والحيف والسرف عند البعض الآخر. أما مع رفع كل رقابة عن طرق الاكتساب، وإتاحة الثراء من شتى الوجوه الحرام، وإيقاع الضعاف فى عقابيل البأساء والضراء، فالأمر يحتاج إلى تبصر فى التطبيق