مشاهدة النسخة كاملة : الله يخليكم عاونوني
jë suîs comçà
2017-01-25, 21:46
أهم انجازات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الله يعيشكم ساعدوني
حدّدت جمعية العلماء برنامجها في قانونها الأساسي الذي تضمّن 24 فصلا تناول فيها الخطوط العريضة لعمل الجمعية، وتظهر أهداف الجمعية من خلال قانونها الأساسي ومن خلال نشاطات أعضائها و كتاباتهم. وفي مقدمة هذه الأهداف، المحافظة على الدين الإسلامي ومحاربة الخرافات والبدع و إحياء اللغة العربية وآدابها و تمجيد التاريخ الإسلامي وآثاره ،وقد شهد لها بهذا حتى المعارضين لأفكارها فالسيد فرحات عباس أشار إلى أن أهداف الجمعية تمثلت " في تجديد الإسلام، والصراع ضد المرابطين أداة الاستعمار وتكوين إطارات الثقافة العربية".
وأوضح رئيس الجمعية أهدافها الرئيسية في مقال: دعوة جمعية العلماء المسلمينوأصولها.وأبدت الجمعية موافق واضحة في القضايا السياسية المطروحة فعارضت سياسة الإدماج التي كانت تطالب بها: فيدرالية المنتخبين الجزائريين، بزعامة الدكتور بن جلول وابن التهامي. وفرحات عباس وغيرهم، كما سجلت حضورها الفعال في المؤتمر الإسلامي سنة 1936.
واعتمدت الجمعية في نشاطها على وسائل معروفة كالمسجد، والمدارس الحرة للتعليم والتربية وتكوين الإطارات والنوادي للنشاطات الثقافية وكذا الصحافة لنشر أفكارها وخاصة صحيفتي الشهاب و البصائر.
هذا النشاط المميز للجمعية جعلها في وضع لا يحسد عليه إذ برز معارضون لنشاطاتها فإلى جانب مخططات الإدارة الفرنسية في مواجهة جمعية العلماء،وإغتيال الشيخ محمود كحول نجد معارضة النواب و رجال الزوايا والمرابطين، وكذا المبشرين ورجال الدين المسيحيين
4- مسارها السياسي
واصلت الجمعية نشاطها خلال الثلاثينات رغم المضايقات التي تعرّضت لها من طرف الإدارة الاستعمارية ومعارضة خصومها، من خلال المدارس والصحف والنوادي حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية حين امتنعت عن تأييد فرنسا فقّللت من نشاطها وأوقفت صحفها ممّا جعل السلطة الفرنسية تقوم بنفي البشير الإبراهيمي إلى آفلو، وانضمت الجمعية إلى أحباب البيان، التنظيم الذي أسسه فرحات عباس، وبعد الحرب العالمية الثانية واصلت مهمتها الإصلاحية تحت رئاسة البشير الإبراهيمي إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية أين أصدر الشيخ الإبراهيمي بيان جمعية العلماء المسلمين من القاهرة بتاريخ 14 نوفمبر 1954 يدعو فيه الشعب إلى الالتفاف حول الثورة، وسنة 1956 أصدرت السلطات الفرنسية حلّ الأحزاب السياسية ومنها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. نجم سطع ثم أفل
الشيخ عبد الحميد بن باديس
يتفق الجميع على أن الثمار لا بد لها من أشجار التي هي سبب خروجها، وأن الأشجار لا بد لها من جذور تثبتها في الأرض، وتحمل لها ماء الحياة، وكل من يعرف تاريخ الجزائر الحديث يؤمن بأن الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي كان من ثمار شجرة الثورة الجزائرية المسلحة التي بدأت في عام 1954، وأن جذر هذه الشجرة هو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ومن ثم فإن هذه الجمعية جديرة بالنظر والدراسة والتحليل، وإن كان المقام لا يتسع إلا لبضعة سطور عنها، فإن واجب شباب الإسلام أن يراجعوا تراث هذه الحركة.
بادئ ذي بدء لا بد أن نوضح ثلاثة أمور:
أولاً: وضع الجزائر في ظل الاحتلال الفرنسي.
ثانيًا: موقف التيارات الإسلامية في الجزائر.
ثالثًا: موقف مؤسسي جمعية العلماء قبيل التأسيس.
أولاً: وضع الجزائر في ظل الاحتلال الفرنسي:
كان مبدأ السياسة الاستعمارية الفرنسية ربط الدولة المحتلة بفرنسا، بروابط ثقافية واقتصادية فضلاً عن السياسية، وفي هذا الإطار تعمل على توطين فرنسيين في هذه البلاد، وتجعلهم يمسكون بمقاليد أمورها. ومن جانب آخر تعمل على تعليم أبناء هذا البلد تعليمًا يخضعهم لفرنسا شكلاً وموضوعًا. ولتحقيق هذه السياسة لا تتورع عن القيام بحرب إبادة لهذا الشعب، وهذا ما كان في الجزائر، فقد قام الاستعمار الفرنسي بالآتي (منذ عام 1830م):
...61607; إغلاق كافة المدارس الإسلامية (أُغلِقَت أكثر من ألف مدرسة).
...61607; القيام بحرب إبادة بما عرف باسم (الحرب المطلقة)، فقام بحرق الغابات والمحاصيل، والتخطيط للمجاعات، وإبادة مناطق المقاومة بشكل تام، ودفع السكان للحدود الصحراوية.
...61607; جعل اللغة العربية لغة ثانية في جميع مراحل التعليم، ومنع تدريس أي مقررات دراسية عن التاريخ الإسلامي أو الجزائري، أو جغرافية الجزائر، وجعل المقرر فقط دراسة تاريخ فرنسا، وجغرافيتها.
...61607; منع أي دروس دينية بالمساجد، وقد وافق فقط على تحفيظ القرآن في بعض المساجد -مع التضييق عليها- دون تفسير أو شرح.
...61607; العمل على الفصل بين عنصر البربر والعنصر العربي، وذلك فيما عُرف باسم سياسة (الظهير البربري)، والسعي لتنصير البربر في ظل هذه السياسة.
...61607; الاستيلاء على كافة الأوقاف المحبوسة على التعليم، وتنشيط المؤسسات التبشيرية في كافة مناطق الجزائر.
هذا قليل من كثير، وفي المراجع الفرنسية نفسها ذِكر لوقائع تعتبر كافة جرائم الحرب بجانبها شيئًا يسيرًا.
ثانيًا: موقف التيارات الإسلامية في الجزائر:
نستطيع أن نحصر هذه التيارات في ثلاثة اتجاهات:
* الصوفية المقاتلة.
* الصوفية الخاضعة.
* العلماء.
أما عن اتجاه الصوفية المقاتلة، فقد ظهر منذ قيام الأمير عبد القادر الحسيني الجزائري بحركة المقاومة للاحتلال الفرنسي لمدة عشرين عامًا، واستمر حتى بعد قيام ثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في مراكش، ونتيجة لسياسة الإبادة التي اتبعها الفرنسيون، فقد تقلص وجود هذا الاتجاه، إلا أنه عاد مرة ثانية مع بدء الثورة المسلحة.
أما الصوفية الخاضعة، فقد استغلها الفرنسيون لإظهار الإسلام بشكل يحض على التخلف والكسل والإيمان بالأساطير والخرافات، كما استغلوهم في فض الجماهير عن أي حركة فاعلة، أو دعوة للإصلاح أو المقاومة.
أما العلماء، فقد سيطر اليأس على الكثير منهم، فاتجهوا إلى بقاع أخرى، وعملوا في التدريس فيها، والقلة استقرت في الجزائر، تعمل -سرًّا- على تعليم الشباب والأطفال.
ثالثًا: موقف مؤسسي جمعية العلماء قبيل التأسيس:
توزع مؤسسو حركة جمعية العلماء على الاتجاهين السابقين، حتى ظهرت شخصية عبد الحميد بن باديس (1889-1940)، الذي قال له أبوه في صباه: "اكفني هَمَّ الآخرة أكْفِكَ هَمَّ الدنيا"، وذلك لما رأى من علامات النجابة والذكاء وحب العلم، وكانت نصائح شيوخه بين حث على الاستقرار خارج البلاد بعد استكمال عدته العلمية للتعليم، أو العودة إلى الجزائر لإنقاذ الأمة الإسلامية الجزائرية.
وكان اللقاء مع زميل كفاحه الشيخ البشير الإبراهيمي في رحاب المدينة المنورة، وكان التخطيط لإنقاذ إسلام وعروبة الجزائر، بل وعقيدتها وهويتها.
وعاد ابن باديس إلى الجزائر عام 1913، واستثمر قوة صلة والده بالسلطات الفرنسية، وبدأ في تفسير كتاب الله في المساجد، واندفعت إليه جموع الشباب والكهول، المتعلمين والجهلاء، حتى ضاقت بهم الطرقات حول المسجد، وقد كان والده عند وعده، فقام بحمايته، ودعمه، حيث لم ينشغل ابن باديس بتدبير قوته، أو تدبير نفقة بيته، أو تكاليف انتقالاته بين المدن.
وعاد البشير الإبراهيمي، وشارك في هذه الصحوة، واستنفر المشهد سائر العلماء، وكانت نواة العمل الجماعي "نادي الترقي" بالعاصمة، وكانت الخطوة التالية هي تنظيم العمل بشكل رسمي، فاجتمع أربعة نفر في "نادي الترقي"، هم: عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي، وأحمد توفيق المدني، والطيب العقبي.
واتفق المجتمعون على توجيه دعوة إلى مجموعة من العلماء العاملين في الساحة الجزائرية، ولم توضع على الدعوات أي أسماء تجنبًا لحساسيات في نفوس بعضهم منهم، بسبب مهاجمة ابن باديس والبشير للصوفية الخاضعة في عدة مقالات ودروس.
واجتمعوا، وخرجت للوجود في عام 1928، ثم أخذت شكلها القانوني وفقًا للقانون الخاص بالجمعيات في مايو 1931، وقد استطاع البشير الإبراهيمي أن يصوغ القانون الأساسي لها دون تفريط في الأساسيات المتفق عليها بين العلماء، وبما يخدم الصحوة المنشودة، وفي ذات الوقت بما يتواءم مع القانون الرسمي، وأجمع الاجتماع على اختيار عبد الحميد بن باديس رئيسًا، والبشير الإبراهيمي نائبًا، رغم غياب الأول عن الاجتماع التأسيسي.
واستطاع ابن باديس أن يمرر الجمعية في كافة المناطق الجزائرية، وقد كان في زياراته حريصًا على زيارة الحاكم الفرنسي، وإقناعه أن الجمعية ومدارسها تعمل في إطار تحسين حالة الجزائري، ليستطيع أن يتعاون مع الفرنسي في ترقية حال البلاد.
أهداف ووسائل جمعية العلماء
ووفقًا لفكر ونظام الجمعية، فقد تجنبت أنشطتها السياسة، ووجهت جهودها إلى ميدان التعليم العربي، والهدف هو إحياء اللغة العربية بإنشاء المدارس العربية، وإحياء الإسلام بتطهيره مما غشيه من ضلالات العصور المتأخرة، وتحريره من السيطرة الاستعمارية، متمثلة في رجال الدين الرسميين والطرقيين (الصوفية الخاضعة).
وتحت هذين الأصلين الكبيرين تندرج أعمال الجمعية التي ذكر الأستاذ البشير الإبراهيمي أمهاتها في هذه البنود الثمانية:
1- تنظيم حملة جارفة على البدع والخرافات والضلال في الدين، بواسطة الخطب والمحاضرات، ودروس الوعظ والإرشاد، في المساجد، والأندية، والأماكن العامة والخاصة، حتى في الأسواق، والمقالات في جرائدنا الخاصة التي أنشأناها لخدمة الفكرة الإصلاحية.
2- الشروع العاجل في التعليم العربي للصغار، فيما تصل إليه أيدينا من الأماكن، وفي بيوت الآباء، ربحًا للوقت قبل بناء المدارس.
3- تجنيد المئات من تلامذتنا المتخرجين، ودعوة الشبان المتخرجين من جامع الزيتونة للعمل في تعليم أبناء الشعب.
4- العمل على تعميم التعليم العربي للشبان، على النمط الذي بدأ به ابن باديس.
5- مطالبة الحكومة برفع يدها عن مساجدنا ومعاهدنا التي استولت عليها، لنستخدمها في تعليم الأمة دينها، وتعليم أبنائها لغتهم.
6- مطالبة الحكومة بتسليم أوقاف الإسلام التي احتجزتها ووزعتها، لتصرف في مصارفها التي وُقِفَت عليها. (وكانت من الكثرة بحيث تساوي ميزانية دولة متوسطة).
7- مطالبة الحكومة باستقلال القضاء الإسلامي، في الأحوال الشخصية مبدئيًا.
8- مطالبة الحكومة بعدم تدخلها في تعيين الموظفين الدينيين.
أما الوسائل التي جعلت الجمعية تتوسل بها لتحقيق هذه الغايات، فهي الوسائل التي اتخذها ابن باديس وصحبه، منذ نشأت الحركة، ولكن قيام الجمعية جعلها أكثر تنظيمًا، وأشد نشاطًا، وأبلغ أثرًا، وهذه الوسائل تتلخص في إنشاء المدارس، واستخدام المساجد، وبنائها، وتأسيس الأندية، وتكوين الجمعيات، وإخراج الصحف والمجلات.
أما المدارس فقد أنشأت الجمعية خلال ثلاث سنوات، مائة وخمسين مدرسة، يتعلم بها ما يقرب من خمسين ألف تلميذ، كما يقول مؤلفا كتاب الجزائر الثائرة، وبعض هذه المدارس كان يعتبر -إلى جانب الغرض التعليمي- مركزًا من مراكز النشاط الاجتماعي، بما كانت تقيمه وتدعو إليه في نهاية العام وفي المناسبات الدينية، من حفلات حافلة بالخطب والشعر، كمدرسة الشبيبة الإسلامية في مدينة الجزائر.
وفي سبيل استخدام كل وسيلة لنشر التعليم العربي، اتجهت الجمعية إلى الزوايا القديمة، داعية إلى إصلاحها بحيث تكون ملائمة لروح العصر.
الصعوبات والمعوقات
لم تغفل السلطة الفرنسية عن نشاط الجمعية، وبدأت في التضييق على أعضائها منذ عام 1933، ووضعت كافة أعضائها تحت المراقبة، ومنعت إصدار تصاريح جديدة لمدارس الجمعية.
ولما كانت الإجراءات الفرنسية ضد الجمعية بغرض تحجيم حركة الجمعية حتى يخلو الطريق للصوفية، فقد واجهت الجمعية الصوفية في المساجد وبين جموع الناس، فاستيقظت الجزائر على حقيقة الصوفية الخاضعة وتهاونها مع المحتل.
وكانت المواجهة الثانية مع المؤامرات الفرنسية على هوية الجزائر في عام 1936، وذلك من خلال مشروع فرنسي يجعل الجزائر مقاطعة فرنسية، ويتم تمثيلها في البرلمان الفرنسي، وظن البعض أن هذا المشروع قد يكون طريقًا للحصول على بعض حقوق الجزائر المهدرة، فشارك مجموعة من الجمعية على رأسهم ابن باديس في مؤتمر جزائري فرنسي في باريس لمناقشة المشروع، وكان حضورهم بشكل شخصي حتى لا يخالفوا قانون الجمعيات، واستطاع أفراد الجمعية توجيه القرارات النهائية بما يحفظ للجزائر عروبته، وإسلامه، وذاتيته، وصاغ ابن باديس رده على المشروع في قصيدة مفحمة.
كان نجاح الجمعية في إحباط هذه المؤامرة دافعًا للسلطات الفرنسية إلى أن تجد من الوسائل ما يحطم بعضًا من شخصيات الجمعية، فدفعت الطرق الصوفية العميلة إلى مهاجمة ابن باديس، حتى إنها أطلقت عليه -أي الصوفية– "ابن إبليس"! كما دبرت سلطات الاحتلال اغتيال مفتي العاصمة ابن مكحول، واتهمت الطيب العقبي بقتله، ولم تحاكم الرجل أو تقبض عليه، وتركت الاتهام معلقًا، وذلك حتى تُشَوِّهَ سمعة الرجل وجمعيته، وهو ما دفع به إلى الاستقالة عام 1938.
ومع قيام الحرب العالمية الثانية، طالبت فرنسا كافة الهيئات الجزائرية بتأييد موقف فرنسا، وكان ذلك تمهيدًا لإشراك الجزائريين في صفوف القتال الفرنسية، ورفضت الجمعية، وكانت المواجهة هذه المرة مع السلطة الفرنسية مباشرة، فأصدرت السلطات قرارًا بإلغاء الجمعية عام 1940، وتوفي ابن باديس في نفس العام، وخلفه محمد البشير الإبراهيمي في رئاسة الجمعية، ولكنه اعتقل وعُذِّب في عام 1941، ثم قامت سلطات الاحتلال بنفيه إلى الصحراء، وفي عام 1946 عادت الجمعية إلى النشاط بعد الإفراج عن رئيسها، ولكنها لم تعد كما كانت من قبل.
أفول نجم جمعية العلماء
كانت الخطوة الأولى في اتجاه أفول نجم الجمعية هي خروج الجمعية عن أهدافها السابق ذكرها، وانخراطها في العمل السياسي، مع صدور نظام الجزائر الجديد الصادر من السلطة الفرنسية عام 1947، وفيه اعترفت فرنسا بما يشبه الحكم الذاتي للجزائر، واعترفت باللغةالعربية لغة أساسية في الجزائر، ومن ثم اتجهت الجمعية إلى ممارسات سياسية ورطتها في مواقف وتحالفات وصدامات سياسية، وصرفت الجمعية عن التركيز على معاني التربية التي صنعت لها مكانتها عند الشعب الجزائري.
والخطوة الثانية هي سفر كل من رئيس الجمعية البشير الإبراهيمي، ونائبه أحمد المدني إلى مصر في عام 1951، واستقرارهما بها منذ عام 1952، وإن كان عذرهما هو حشد التأييد السياسي والمادي للثورة والقضية الجزائرية، وخشية الاعتقال عند العودة، ونجاحهما في المشاركة في تأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة، وافتتاح إذاعة صوت الجزائر من الإذاعة المصرية، وقد كان أول صوت يصدر من هذه الإذاعة صوت البشير الإبراهيمي مناديًا الثوار: "لا نسمع عنكم أنكم تراجعتم، أو تخاذلتم"، ولكن هذا الغياب المستمر أورث فراغًا في التوجيه والقيادة، لم تستطع قيادة العربي البتسي أن تقنع القدامى أو الجدد، ومن ثم بدأت صراعات خفية حول رئاسة الجمعية.
من مواقف جمعية العلماء
من خلال الأهداف التي حددتها الجمعية لنفسها، تظهر المسؤولية العظيمة التي تصدّرت للقيام بأعبائها، وفيما يلي نذكر بعضًا من مواقف الجمعية في الإصلاح الديني، بمعناه الشامل:
الجمعية والتعليم:
لقد أدركت جمعية العلماء أهمية التربية والتعليم في تحقيق مقاصدها العقيدية والفكرية، فركّزت على التعليم الإسلامي العربي، وإنشاء المدارس، وحثّ الأمة وتشجيعها على إرسال أبنائها إلى مدارسها، بغية تعليم وتثقيف أكبر عدد ممكن من أبناء المسلمين، فالتعليم هو الذي يطبع المتعلم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته.
وجّهت الجمعية اهتمامها إلى التعليم المسجدي، إدراكًا منها بأن (المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهـر الإسلام... فكما لا مسجد بدون صلاة، كذلك لا مسجد بدون تعليم).. وعليه، وضعت برامج واسعة لنشر التعليم الديني والعربي للصغار المبتدئين، وتكميل معلومات من درسوا باللسان الأجنبي، كما لم تحرم الكبار من دروس الوعظ والإرشاد ومحو الأمية، فشيّدت لذلك المدارس وفتحت النوادي لإلقاء المحاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة.
ولم يقتصر دور جمعية العلماء التربوي والتعليمي داخل الوطن فحسب، بل رافق أبناء الجزائر الذي هاجروا إلى فرنسا حيث يشكلون جالية كبيرة.
فقد تنبّهت الجمعية إلى الأخطار المحدقة بأولئك المهاجرين الـمُعَرَّضِين لخطر الذوبان في الحضارة الأوروبية، والابتعاد عن أصول دينهم، فأرسلت إليهم المعلمين والوعاظ والمرشدين، وأسست النوادي والمدارس لتعليم أبنائهم.
وقد كانت جهود الجمعية في هذا الميدان تدور على محاور ثلاثة:
1 ـ إحداث مكاتب حرّة للتعليم المكتبي للصغار.
2 ـ دروس الوعظ والإرشاد الديني في المساجد العامة.
3 ـ تنظيم محاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة، في النوادي.
الجمعية وتعليم المرأة :
كان الجمود واقفا في سبيل المرأة ومانعًا من تعليمها، فجاءت جمعية العلماء وأذابت الجمود وكسرت السدود وأخرجت المرأة من سجن الجهل إلى فضاء العلم في دائرة التربية الإسلامية والمنزلية التي وضعت المرأة فيها، والجمعية تبني أمرها على حقيقة وهي أن الأمة كالطائرة لا تطير إلا بجناحين، وجنحاها هما الرجل والمرأة، فالأمة التي تخص الذكر بالتعليم تريد أن تطير بجناح واحد، فهي واقعة لا محالة. ولجمعية العلماء جولات موفقة في هذا الميدان، فالنساء أصبحن يشهدن دروسًا خاصةً بهن في الوعظ والإرشاد ويفهمن ما للمرأة وما عليها.
وفي مدارس جمعية العلماء نحو ثلاثة عشر ألف بنت يشاركن الأولاد في السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية، ثم ينفردن ببرنامج محكم.
الجمعية والطرق الصوفية:
كما ذكرنا عند حديثنا عن نشأة جمعية العلماء، بأن مجلسها الإداري الأول لم يكن منقحًا ولا متجانس الأفكار، فقد ضمّ إلى جانب رجال الإصلاح، بعض الطرقيين ورجال الدين الرسميين، الذين أخفقوا في احتواء الجمعية وتصريفــها وفـــق مصالحهم وأهوائهم، (فما أكملوا السنة الأولى حتى فرّوا من الجمعية، وناصبوها العداء، واستعانوا عليها بالظلمة، ورموها بالعظائم... ذلك لأنهم وجدوا كثيرًا من الآفات الاجتماعية التي تحاربها الجمعية، هم مصدرها، وهي مصدر عيشهم، ووجدوا قسمًا منها مما تُغْضِبُ محاربته سادتهم ومواليهم).
وبدعم من سلطات الاحتلال، تأسست (جمعية علماء السنة) في خريف سنة 1932م، تضم الطرقيين ورجال الدين الرسميين إضافة إلى بعض العلماء المأجورين، لمناهضة جمعية العلماء، ومناصبتها العداء.. ودعّموا حملتهم بإصدار بعض الصحف، منها (المعيار) و(الرشاد)، وقد انضمت إلى هذه الحملة جريدة النجاح التي كانت في بدايتها إصلاحية.
لم يكن الموقف الحازم الذي وقفته الجمعية تجاه انحرافات الطرقيين وليد نشـأتها، بل كان امتدادًا للنهج الذي سار عليه ابن باديس والمصلحون من قبل.
ولقد علمت الجمعية بعد التروي والتثبت، ودراسة أحوال الأمة ومنشئ أمراضها، (أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام، هي سبب تفرّق المسلمين... وأنها هي السبب الأكبر في ضلالهم في الدين والدنيا).. ويوضح لنا الشيخ الإبراهيمي الدوافع وراء محاربة ضلالات الطرقيين، فيقول: (ونعلم أننا حين نقاومها، نقاوم كل شرّ، وأننا حين نقضي عليها -إن شاء الله- نقضي على كل باطل ومنكر وضلال).
الجمعية والتجنيس :
كانت سياسة فرنسا منذ وطئت أقدام جيوشها أرض الجزائر، ترمي إلى الإدماج السياسي الكامل لهذا الوطن، وتذويب شعبه في ثقافتها الغربية، تمهيدًا لفرنسته وتنصيره.
ومع تعاقب الأحقاب، ظهرت بين الجزائريين فئة تربت في مدارس الاستعمار، تدعو وترغّب في التجنّس بالجنسية الفرنسية، والتخلي عن أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، بغية الحصول على بعض الحقوق السياسية، ولم تكن جمعية العلماء لتسكت عن هذه المسألة الخطيرة، بل كانت أول من تصدى لها وحاربها في الخطب العامة، والمحاضرات وفي الصحف، موضحة حكم الإسلام في ذلك.. ولما أصرّ دعاة التجنس على توسيع دعايتهم، وعقدوا اجتماعهم العام في ربيع سنة 1934م، لمطالبة الحكومة بتسهيل التجنيس، سعيًا منهم لتكثير سوادهم، أصدرت جمعية العلماء على لسان رئيسها، الفتوى الشهيرة بتكفيــر مــن يتجنس بالجنسيــة الفرنسيــة، ويتخلـى عن أحكــام الشريعــة الإسلامية، جاء فيهـــا: (التجنـس بجنسيــة غيــر إسلاميــة يقتضـي رفض أحكام الشريعة، ومن رفض حكمًا واحدًا من أحكام الإسلام، عُدَّ مرتدًا عن الإسلام بالإجماع، فالمتجنّس مرتدّ بالإجماع).
ورغم المضايقات الشديدة من طرف الاستعمار، حققت جمعية العلماء نجاحًا كبيرًا في تصحيح عقائد الجزائريين، وتطهيرها من شوائب الشرك، والرجوع بهم إلى منابع الإســلام الأصيلــة، كتــاب الله وسنـة رسوله صلى الله عليه و سلم يستنيرون بها في دينهم ودنياهم، مقدمة لهم العلم النافع، فالتفّ حولها الشعب وآزرها وأيّدها -بإذن الله- في وقت كانت تتناثر فيه الجمعيات كحَبِّ الحَصيد. وقبل أن أختتم الكلام عن جمعية العلماء، لا يفوتني في هذا المقام أن نتعرف على أولئك الأسود الأشاوس، رجال العلم، الذين ساهموا بقوة في تأسيس هذه الجمعية المباركة، والذين شدّوا أزر الإمام ابن باديس، وأولوه شرف الثقة والإخلاص
التصدي والمقاومة لمشاريع الاستعمار وأساليبه ونهضت الحركة بمسؤولياتها التاريخية فأنشأت الجمعيات الخيرية والنوادي الثقافية والمدارس والمساجد والصحافة، فاستقطبت أبناء الوطن. وكان لشخصية الشيخ عبدالحميد بن باديس أثر عظيم في النهوض بعبء هذه المهمات وتعميق مفاهيم الحركة الإصلاحية وتوسيع رحابها وامتداداتها بين الجزائريين.
وكان تأسيس جمعية العلماء المسلمين العام 1931، برئاسة الشيخ بن باديس استجابة لجهود رجال الإصلاح التي ظهرت في الجزائر وتفاعلاً من الحركات الإصلاحية في المشرق العربي.
وبرزت "جمعية العلماء" في المؤتمر الإسلامي الأول، الذي انعقد في الجزائر العام 1936، باعتبارها قوة مهمة الى جانب ممثلي كتلة النواب ونخبة المثقفين والحزب الشيوعي ونجم شمالي أفريقيا مع قدامى المحاربين والشباب والفلاحين.
وجاء انعقاد هذا المؤتمر بعد أن شكل اليسار الفرنسي حكومة "الجبهة الشعبية".
وأخفقت حركة المؤتمر الإسلامي الثاني الذي انعقد في الجزائر في صيف العام 1937، فأكد هذا المؤتمر كسابقه على إصرار المستعمرين لإبقاء الجزائر مستعمرة فرنسية خاضعة لنفوذهم.
وكان ظهور حزب "الشعب" بقيادة معالي الحاج العام 1937، الذي أريد له أن يكون بديلاً لحزب "نجم شمالي أفريقيا" رداً إيجابياً لخيبة المؤتمرين. ويلاحظ أن الحركة الإصلاحية في الجزائر وعت في وقت مبكر لأهمية الصحافة وتأثيراتها الثقافية والاجتماعية، وأصرت على تقوية تلك المنابر وتوظيفها في نشر رسالتها على رغم المعاناة والضيق والتنكيل الذي كانت تواجهه.
فأصدرت صحيفة "الفاروق" الأسبوعية سنة 1924، وكان يديرها ويشرف عليها عمر بن قدور الجزائري. و"المنتقد" أسبوعية أصدرها عبدالحميد بن باديس سنة 1924، توقفت بعد صدور 18 عدداً منها. و"الشهاب" مجلة أسبوعية أصدرها الشيخ بن باديس أيضاً سنة 1925، ثم انتقلت سنة 1929 الى مجلة شهرية، واستمرت "الشهاب" في أداء رسالتها حتى توقفت في أيلول سبتمبر 1939، وصحيفة "الجزائر" أصدرها الشيخ محمد السعد الزاهري وعطلتها السلطات الفرنسية. و"صدى الصحراء" أصدرها الشيخ العقبي والشيخ أحمد العابد و"وادي ميزاب" أصدرها الشاعر والصحافي أبو اليقظان سنة 1926، استمرت نحو عامين ونصف العام حتى أوقفتها السلطات الفرنسية و"السنة" و"الشريعة" لجمعية العلماء.
وسعت "جمعية العلماء" لفتح عشرات المدارس وإنشاء المساجد والنوادي والجمعيات، وأدخلت أحدث الأساليب التعليمية والبرامج التربوية، فوطدت الجمعية معالم نهضة ثقافية وأدبية وفكرية من خلال النشاطات الكثيرة والمتعددة التي أنجزتها وأشرفت على أعمالها مما أكسب الجمعية مكانة مرموقة بين الشعب الجزائري.
أحدثت صحافة العلماء ومدارسهم ومعاهدهم بالإضافة الى النوادي والمساجد التي كانت تابعة لهم، انعطافاً ملموساً في نهضة الجزائر بعد أن كانت ضيقة الآفاق محدودة لا تتعدى الزوايا الدينية والكتاتيب التي كانت منتشرة في القرى والأرياف.
وعرف الشعراء: رمضان حمود وأبو اليقظان وحمزة بوكوشة ومحمد العيد وأحمد سحنون في ميدان الصحافة. فكتبوا القصائد التي تشيد بدور الصحافة في إنهاض الهمم وتوحيد الصفوف ونشر المعرفة.
ويعتبر "نادي الترقي" إحدى العلامات المضيئة في نشاط الحركة الإصلاحية، فكان تأسيسه في الجزائر العاصمة العام 1926 إسهاماً جاداً لإرساء معالم نهضة أدبية واجتماعية. وكان للكاتب المعروف أحمد توفيق المدني أحد علماء الجمعية دور في تأسيسه.
وانعقد الاجتماع التأسيسي لجمعية العلماء في "نادي الترقي" العام 1930 وشهد الكثير من المؤتمرات والملتقيات، وكان يتبارى فيه الخطباء والشعراء وانعقد به المؤتمر الإسلامي الثاني العام 1937.
ولمناسبة القرار الذي اتخذه مجلس إدارة جمعية العلماء بخروج وفودها للوعظ والإرشاد في نواحي البلاد، أقام النادي حفلة تكريمية للعلماء وللمجلس الأول الذي تكون للوعظ والإرشاد، وافتتحه رئيس الجمعية عبدالحميد بن باديس، ثم تلاه الأستاذ العربي التبسي ثم الأستاذ الطيب العقبي.
وكان لنادي "التقدم" في مدينة البليدة شأن مهم في نشر مبادئ الحركة الإصلاحية وتقوية روابطها بالحركة الأدبية والثقافية والاجتماعية.
إلى "الترقي" و"التقدم"، كانت هناك نواد أخرى، أمثال نادي "النهضة" ونادي "الرشاد" ونادي "المولودية" في الجزائر. وفي النادي الأخير، ألقى الشاعر أحمد سحنون عدداً من قصائده الاجتماعية والدينية.
ومن روافد الجمعية المهمة "الجمعيات الخيرية" التي رعت الفقراء والمحتاجين، للتخفيف عن مآسيهم الاجتماعية. وأبرز الشعراء الفوارق بين الفئات وما يصيب الفقراء من قهر واستغلال.
وكانت المعاهد والمدارس الحرة والمساجد نافذة رحبة تطل من خلالها حركة الإصلاح لتخترق قوانين المسخ والاغتراب ولتضع لبنات صلبة ومتماسكة لإرساء نهضة شاملة. فلعب معهد ابن باديس في قسنطينة و"دار الحديث" في تلمسان دوراً كبيراً في الحركة العلمية والوطنية والدينية. وألقى الشاعر مغري زكريا قصيدة "من يشتري الخلد؟ إن الله بائعه" لمناسبة تدشين دار ابن باديس للطلبة الجزائريين التابعين لجمعية العلماء في قسنطينة في 25 تشرين الأول اكتوبر 1953. ومنحت "جمعية العلماء" المدرسة أهمية استثنائية لإدراكها الواعي بوظائفها في التحرر من الجهل والتخلف. فخاض الشعراء والأدباء جولات للتعريف بالمدرسة وحض الجزائريين على التعلم والمعرفة ونشر اللغة العربية، كشكل من أشكال مقاومة الوجود الاستعماري. واقتدت الحركة الإسلامية بالسلف، فنشط رجالها لإحياء تراث الأمة برافديه الغربي والإسلامي.
ولخص الشيخ ابن باديس أهداف جمعية العلماء عام 1935 بقوله: القرآن أمامنا والسنّة سبيلنا والسلف الصلاح قدوتنا وخدمة المسلمين وإيصال الخير لجميع سكان الجزائر غايتنا.
وامتدت حركة الأدب والثقافة في الجزائر الى البلدان العربية خصوصاً "بلدان المغرب العربي" والمشرق وكذلك الدول الأفريقية والعالم، واستطاعت كسر القيود والحواجز التي وضعها المستعمرون لعزل الجزائر عن التفاعل مع العالم.
فأحدثت جولات الموفدين الى بلدان المشرق العربي والاطلاع على الحركات الثقافية والإصلاحية، انعطافاً مهماً في الحركة الشعرية والأدبية وكانت تصل الى الجزائر "المطبوعات" العربية من القاهرة وبيروت ودمشق، وتتزود الحركة الإصلاحية بالجديد فيها، ما أنعش حركة المقاومة والتصدي لمشاريع الاحتلال وأهدافه.
وكانت القضية الفلسطينية من أهم محاور "جمعية العلماء" الدينية والثقافية وأولاها الشيخ ابن باديس أهمية من خلال خطبه وما حملته صحافة الحركة المتعددة في الجزائر من وعي وموقف متطورين.
واعتبر الشعر الجزائري وحدة المغرب العربي من قضاياه الأساسية لأنه يعبر عن هموم مشتركة في التطلع الى الحرية والاستقلال الوطني والتخلص من هيمنة الاستعمار ونفوذه في المنطقة. فالدعوة لم ترم الى نزعة انفصالية أو إقليمية أو الى استحواذ بلد على آخر، وتعامل الشعر وفق رؤية عربية إسلامية تنبع من الشعور بأهمية تمتين أواصر العلاقات بين شعوب هذه البلدان وتجاوز الخلافات الهامشية، ولم يقتصر هذا الموقف على شاعر دون آخر، إنما نجد الشعراء الجزائريين، أمثال: السعيد وسحنون وضباشة والسائحي وعبدالقادر وزكريا، قد شغلتهم هذه القضية لسنوات طويلة. ويتحدث الشاعر مغري زكريا عن العلاقة التاريخية بالمغرب الأقصى وعن الصلة الشعورية بين البلدان العربية. ودعا الشاعر سحنون قادة المغرب العربي، الى بناء وحدته على أسس متينة من الحب والتعاون وتوفير أموال الشعوب وعدم تبذيرها، ولنشر المعرفة وقيم العرب وأمجادهم التاريخية، ولمكافحة الظلم والجور.
وتجاوب الشعر مع الأحداث العربية وعكس صداها كانتفاضة الشعب المصري لإلغاء معاهدة 1936 وإجلاء القوات البريطانية وصموده لرد العدوان الثلاثي على مصر العام 1956 والعدوان الفرنسي على "بنزرت" التونسية عام 1961، وإعلان استقلال تونس والمغرب الأقصى وليبيا وكذلك الثورة العراقية 1958.
وعالج الشعراء متري زكريا ومحمد صالح باويه وصالح خرفي وآخرون قضايا التحرر والحرية والاستقلال في العالم، وتشكل افريقيا أحد المحاور المهمة في الشعر الجزائري، لوقوع أقطار المغرب العربي في القارة ولصلتها الجغرافية والتاريخية بها، كما انها تعرضت لحملات الاحتلال ويطالعنا الشعر الجزائري بنماذج فيه.
فحينما أخضعت إيطاليا الحبشة لسيطرتها، كتب السعيد قصيدته "يا شرق" عام 1936، ويعقد زكريا في قصيدته "المارد الأسمر" الأمل على افريقيا في نهضتها لبناء مستقبل شعوبها، وفضح الشعر لعبة الأمم المتحدة وما يبيت للشعوب في هيئة الأمم المتحدة من مؤامرات واتفاقات دولية، كما حدث عند عرض القضية الجزائرية على المنظمة الدولية.
يلاحظ أن الأدب الجزائري الحديث خصوصاً "الشعر" والمقال الصحافي والخطبة والحوارات الثقافية، كانت تصدر في رؤية إنسانية ومواقف سياسية واجتماعية لا تخرج في الغالب عن دائرة جمعية العلماء المسلمين والحركة الإصلاحية في الجزائر من حيث الرؤية والروافد الأدبية والفكرية، لذا يمكن القول إن الحركة الأدبية تأثرت الى حد بعيد، بما كان يجري في عالم الحركة الإصلاحية، في مفرداتها وأساليبها الثقافية ورؤيتها، ولم تستطع التحرر من تأثيراتها حتى بعد الاستقلال العام 1962، وبقيت تجري في جداول "جمعية العلماء المسلمين" الإصلاحية في المحافظة على التراث العربي الإسلامي والتقيد بقوانين وتشريعات الحركة السلفية الإصلاحية في الإبقاء على "القديم"، والالتزام به، من دون المجازفة في الاقتحام والخروج على "المألوف" في الأدب والإبداع. لذلك بقيت الفنون الأدبية "أسيرة" الماضي، لما تشبعت به من أفكار ورؤى، كانت تجد طريقها المؤثر في الصحافة المتعددة، الواقعة تحت نفوذ جمعية العلماء.
وعانت "الحداثة" في الإبداع والكتابة في الجزائر للتخلص من القيود، لمدة طويلة، كانت سبباً في ركود الأدب. ولعل "السبعينات" في الجزائر كانت بداية الخروج من "الأسر" والتحرر من ضغوطه وكوابيسه.
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir