علي الجزائري
2007-04-28, 00:36
السلام عليكم و رحمة الله ..
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ..
و بعد ..
فلا شك أن المرء لا يدخل الإسلام حتى يشهد أن لا إله إلا الله ..
ف"لا إله إلا الله " هي كلمة التوحيد التي اتفقت عليها كلمة الرسل عليهم الصلاة و السلام بل هي خلاصة دعواتهم
و زبدة رسالاتهم و ما من رسول منهم إلا جعلها مفتتح أمره كما قال نبينا صلى الله عليه و آله و سلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على على الله عز و جل ) و دلالة هذه الكلمة على التوحيد باعتبار اشتمالها على النفي و الإثبات المقتضي للحصر و هو أبلغ من الإثبات المجرد
كما سبق فهي تدل بشطرها الأول على نفي الألوهية عما سوى الله تعالى و تدل بشطرها الآخر على إثباتها له وحده
و لابد من إضمار خبر تقديره لا معبود بحق موجود إلا الله ...
إذا تقرر هذا فنقول أن هناك كثيرا من الناس من يخطئ في أمرين
الأول منهم من يقول أن " لا إله إلا الله " معناها لا خالق ..إلا الله و هذا خطأ ظاهر قد يصدر حتى ممن له رتبة عالية في العلم ( دكتوراه ... !!!) .. فنجيب هذا الرجل أنه لو كان كذلك لما امتنع المشركون من قولها فإنهم ( كانو إذا قيل لهم
لا إله إلا الله يستكبرون ) و يقولون ( أجعل الآلهة إلها واحدا ) و إنك ( لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله)
فتبين أن معناها غير ذلك ..
الثاني : من قال " لا إله إلا الله " معناها (لا معبود إلا الله) هكذا نقول هذا كذلك خطأ لكنه أهون من الأول
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى و من هنا يتبين الجواب على الإشكال التالي و هو كيف يقال لا إله إلا الله
مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله و قد سماها الله آلهة و سماها عابدوها آلهة قال الله تبارك و تعالى ( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ) ... و الجواب على هذا الإشكال يتبين بتقدير الخبر في " لا إله إلا الله "
فنقول إن هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة لكنها باطلة ليست آلهة حقة و ليس لها من حق الألوهية شيء
و يدل لذلك قوله تعالى ( ذلك بأن الله هو الحق و أن ما يدعون من دونه هو الباطل و أن الله هو العلي الكبير )
إذن خلاصة معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله هي
لا معبود بحق إلا الله
مكانة هذه الكلمة :
إنها كلمة يعلنها المسلمون في أذانهم وإقامتهم وفي خطبهم ومحادثاتهم ، وهي كلمة قامت بها الأرض والسماوات ، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات ، وبها أرسل الله رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ، ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار ، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار ، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب ، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة ، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب ، وعليها يقع الثواب والعقاب ، وعليها نصبت القبلة ، وعليها أسست الملة ، ولأجلها جردت سيوف الجهاد ، وهي حق الله على جميع العباد ، فهي كلمة الإسلام ، ومفتاح دار السلام ، وعنها يسأل الأولون والآخرون . . فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين : (ماذا كنتم تعبدون ، وماذا أجبتم المرسلين) ، وجواب الأولى بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقرارا وعملا ، وجواب الثانية بتحقيق أن محمدا رسول الله معرفة وانقيادا وطاعة..
هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام ، وهي كلمة التقوى والعروة الوثقى ، وهي التي جعلها إبراهيم (كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، وهي التي شهد الله بها لنفسه وشهد بها ملائكته وأولو العلم من خلقه ، قال تعالى : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ).
وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ، ودعوة الحق ، وبراءة من الشرك ، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )، ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ، كما قال ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) ، وقال تعالى : ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ )..
قال ابن عينية : ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله .
وإن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا كلمة الإخلاص ، فمن قالها عصم ماله ودمه ، ومن أباها فماله ودمه هدر ، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال : لا إله إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله .
وهي أول ما يطلب من الكفار عندما يدعون إلى الإسلام ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما صحيح البخاري . بعث معاذا إلى اليمن قال له : إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله الحديث. ، وبهذا تعلم مكانتها في الدين وأهميتها في الحياة ، وأنها أول واجب على العباد لأنها الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال..
- وأما فضل هذه الكلمة :
فلها فضائل عظيمة ولها من الله مكان ، من قالها صادقا أدخله الله الجنة ، ومن قالها كاذبا حقنت دمه وأحرزت ماله وحسابه على الله عز وجل ، وهي كلمة وجيزة اللفظ قليلة الحروف خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان ، فقد روى ابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال موسى : يا رب ، علمني شيئا أذكرك وأدعوك به . قال : يا موسى ، قل : لا إله إلا الله . قال : كل عبادك يقولون هذا . قال : يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ، فالحديث يدل على أن لا إله إلا الله هي أفضل الذكر ، وفى حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : سنن الترمذي الدعوات (3585). خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، رواه- أحمد
ومما يدل على ثقلها في الميزان أيضا ما رواه الترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، عن عبد الله بن عمرو : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ، ثم يقال : أتنكر من هذا شيئا ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقال : ألك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول : لا . فيقال : بلى إن لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك . فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال : إنك لا تظلم . فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة .
ولهذه الكلمة العظيمة فضائل كثيرة
ذكر جملة منها الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة ( كلمة الإخلاص ) واستدل لكل فضيلة ، ومنها : أنها ثمن الجنة ، ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة ، وهي نجاة من النار ، وهي توجب المغفرة ، وهي أحسن الحسنات ، وهي تمحو الذنوب ، وهي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل ، وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها ، وهي أفضل ما قاله النبيون ، وهي أفضل الذكر ، وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا ، وتعدل عتق الرقاب ، وتكون حرزا من الشيطان ، وهي أمان من وحشة القبر وهول الحشر ، وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم ، ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لا بد أن يخرجوا منها ، هذه عناوين الفضائل التي ذكرها ابن رجب في رسالته واستدل لكل واحد منها كلمة الإخلاص لابن رجب ..
شروطها :
وأما شروط لا إله إلا الله : -
فإنها لا تنفع قائلها- إلا بسبعة شروط : -
الأول : العلم بمعناها نفيا وإثباتا .
• ودليل العلم قوله تعالى : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) وقوله (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ). أي بلا إله إلا الله .{ وهم يعلمون } بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.
• ومن السنـَّـة : الحديث الثابت في الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة )
الثاني : اليقين ، وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب .
ودليل اليقين : قوله تعالى { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا ، أي لم يشكوا فأما المرتاب فهو من المنافقين .
ومن السنـَّـة : الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة )
وفي رواية( لا يلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة) .
وعن أبي هريرة أيضاً من حديث طويل( من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة )
الثالث : الإخلاص المنافي للشرك .
ودليل الإخلاص : قوله تعالى ( ألا لله الدين الخالص)
وقوله سبحانه وتعالى( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء )
ومن السنـَّـة : الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه).
وفي الصحيح عن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل ]
وللنسائي في " اليوم والليلة " من حديث رجلين من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مخلصاً بها قلبه يصدق بها لسانه إلا فتق الله لها السماء فتقاً حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض ، وحق لعبد نظر الله إليه أن يعطيه سؤله )
الرابع : الصدق المانع من النفاق .
ودليل الصدق : قوله تعالى : ( ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )
وقوله تعالى : { ومن الناس من يقول أمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين أمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهــم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون )
ومن السنـَّـة : ما ثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار)..
الخامس : المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك .
ودليل المحبة : قوله تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله)
وقوله { يــا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)
ومن السـنـَّـة : ما ثبت في الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)..
السادس : الانقياد بأداء حقوقها وهي الأعمال الواجبة إخلاصا لله وطلبا لمرضاته
ودليل الانقياد : لما دلت عليه قوله تعالى ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له).
وقوله : ( ومن أحسن قولاً ممن اسلم وجهه لله وهو محسن )
وقوله : ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي بلا إله إلا الله.
وقوله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيم شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما )
ومن السنـَّـة : قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) وهذا تمام الانقياد وغـايـتــه..
. . السابع : القبول المنافي للرد.
ودليل القبول : قوله تعالى ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين )
وقوله تعالى ( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون)
ومن السنـَّـة ما ثبت عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنـبـتـت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع بها الله الناسَ فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها
طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ؛ فذلك مَثَـل من فقه في دين الها ونفعه ما بعثني الله به فعَلِمَ وعَلّم ، ومَثَـل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) ...
متى ينفع الإنسان قول لا إله إلا الله ؟ :
سبق أن قلنا أن قول لا إله إلا الله لا بد أن يكون مصحوبا بمعرفة معناها والعمل بمقتضاها ، ولكن لما كان هناك نصوص قد يتوهم منها أن مجرد التلفظ بها يكفي وقد تعلق بهذا الوهم بعض الناس ، فاقتضى الأمر إيضاح ذلك لإزالة هذا الوهم عمن يريد الحق ، قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله على حديث عتبان . . الذي فيه : صحيح البخاري (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله قال : اعلم أنه قد وردت أحاديث ظاهرها أنه من أتى بالشهادتين حرم على النار كهذا الحديث وحديث أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل ، فقال : يا معاذ . قال : لبيك رسول الله وسعديك . قال : ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار ، ولمسلم عن عبادة مرفوعا : ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله حرمه الله على النار ، ووردت أحاديث فيها أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة ، وليس فيها أن يحرم على النار ، منها حديث عبادة الذي تقدم قريبا وحديث أبي هريرة أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك الحديث وفيه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة رواه مسلم
قال : وأحسن ما قيل في معناه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره : إن هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها - كما جاءت مقيدة - وقالها خالصا من قلبه مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها ، بصدق ويقين ، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة ، فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة ؛ لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحا ، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك ، فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة وما يزن خردلة وما يزن ذرة . وتواترت بأن كثيرا ممن يقول : لا إله إلا الله ، يدخل النار ثم يخرج منها ، ، وتواترت بأن الله حرم النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم ، فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله ، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال : لا إله إلا الله ، ومن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال ، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ، ومن لا يعرف ذلك يخشى عليه أن يفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها ...
و سنتكلم عن الباقي لاحقا إن شاء الله تعالى ...
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ..
و بعد ..
فلا شك أن المرء لا يدخل الإسلام حتى يشهد أن لا إله إلا الله ..
ف"لا إله إلا الله " هي كلمة التوحيد التي اتفقت عليها كلمة الرسل عليهم الصلاة و السلام بل هي خلاصة دعواتهم
و زبدة رسالاتهم و ما من رسول منهم إلا جعلها مفتتح أمره كما قال نبينا صلى الله عليه و آله و سلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على على الله عز و جل ) و دلالة هذه الكلمة على التوحيد باعتبار اشتمالها على النفي و الإثبات المقتضي للحصر و هو أبلغ من الإثبات المجرد
كما سبق فهي تدل بشطرها الأول على نفي الألوهية عما سوى الله تعالى و تدل بشطرها الآخر على إثباتها له وحده
و لابد من إضمار خبر تقديره لا معبود بحق موجود إلا الله ...
إذا تقرر هذا فنقول أن هناك كثيرا من الناس من يخطئ في أمرين
الأول منهم من يقول أن " لا إله إلا الله " معناها لا خالق ..إلا الله و هذا خطأ ظاهر قد يصدر حتى ممن له رتبة عالية في العلم ( دكتوراه ... !!!) .. فنجيب هذا الرجل أنه لو كان كذلك لما امتنع المشركون من قولها فإنهم ( كانو إذا قيل لهم
لا إله إلا الله يستكبرون ) و يقولون ( أجعل الآلهة إلها واحدا ) و إنك ( لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله)
فتبين أن معناها غير ذلك ..
الثاني : من قال " لا إله إلا الله " معناها (لا معبود إلا الله) هكذا نقول هذا كذلك خطأ لكنه أهون من الأول
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى و من هنا يتبين الجواب على الإشكال التالي و هو كيف يقال لا إله إلا الله
مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله و قد سماها الله آلهة و سماها عابدوها آلهة قال الله تبارك و تعالى ( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ) ... و الجواب على هذا الإشكال يتبين بتقدير الخبر في " لا إله إلا الله "
فنقول إن هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة لكنها باطلة ليست آلهة حقة و ليس لها من حق الألوهية شيء
و يدل لذلك قوله تعالى ( ذلك بأن الله هو الحق و أن ما يدعون من دونه هو الباطل و أن الله هو العلي الكبير )
إذن خلاصة معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله هي
لا معبود بحق إلا الله
مكانة هذه الكلمة :
إنها كلمة يعلنها المسلمون في أذانهم وإقامتهم وفي خطبهم ومحادثاتهم ، وهي كلمة قامت بها الأرض والسماوات ، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات ، وبها أرسل الله رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ، ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار ، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار ، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب ، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة ، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب ، وعليها يقع الثواب والعقاب ، وعليها نصبت القبلة ، وعليها أسست الملة ، ولأجلها جردت سيوف الجهاد ، وهي حق الله على جميع العباد ، فهي كلمة الإسلام ، ومفتاح دار السلام ، وعنها يسأل الأولون والآخرون . . فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين : (ماذا كنتم تعبدون ، وماذا أجبتم المرسلين) ، وجواب الأولى بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقرارا وعملا ، وجواب الثانية بتحقيق أن محمدا رسول الله معرفة وانقيادا وطاعة..
هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام ، وهي كلمة التقوى والعروة الوثقى ، وهي التي جعلها إبراهيم (كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، وهي التي شهد الله بها لنفسه وشهد بها ملائكته وأولو العلم من خلقه ، قال تعالى : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ).
وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ، ودعوة الحق ، وبراءة من الشرك ، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )، ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ، كما قال ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) ، وقال تعالى : ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ )..
قال ابن عينية : ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله .
وإن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا كلمة الإخلاص ، فمن قالها عصم ماله ودمه ، ومن أباها فماله ودمه هدر ، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال : لا إله إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله .
وهي أول ما يطلب من الكفار عندما يدعون إلى الإسلام ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما صحيح البخاري . بعث معاذا إلى اليمن قال له : إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله الحديث. ، وبهذا تعلم مكانتها في الدين وأهميتها في الحياة ، وأنها أول واجب على العباد لأنها الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال..
- وأما فضل هذه الكلمة :
فلها فضائل عظيمة ولها من الله مكان ، من قالها صادقا أدخله الله الجنة ، ومن قالها كاذبا حقنت دمه وأحرزت ماله وحسابه على الله عز وجل ، وهي كلمة وجيزة اللفظ قليلة الحروف خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان ، فقد روى ابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال موسى : يا رب ، علمني شيئا أذكرك وأدعوك به . قال : يا موسى ، قل : لا إله إلا الله . قال : كل عبادك يقولون هذا . قال : يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ، فالحديث يدل على أن لا إله إلا الله هي أفضل الذكر ، وفى حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : سنن الترمذي الدعوات (3585). خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، رواه- أحمد
ومما يدل على ثقلها في الميزان أيضا ما رواه الترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، عن عبد الله بن عمرو : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ، ثم يقال : أتنكر من هذا شيئا ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقال : ألك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول : لا . فيقال : بلى إن لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك . فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال : إنك لا تظلم . فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة .
ولهذه الكلمة العظيمة فضائل كثيرة
ذكر جملة منها الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة ( كلمة الإخلاص ) واستدل لكل فضيلة ، ومنها : أنها ثمن الجنة ، ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة ، وهي نجاة من النار ، وهي توجب المغفرة ، وهي أحسن الحسنات ، وهي تمحو الذنوب ، وهي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل ، وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها ، وهي أفضل ما قاله النبيون ، وهي أفضل الذكر ، وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا ، وتعدل عتق الرقاب ، وتكون حرزا من الشيطان ، وهي أمان من وحشة القبر وهول الحشر ، وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم ، ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لا بد أن يخرجوا منها ، هذه عناوين الفضائل التي ذكرها ابن رجب في رسالته واستدل لكل واحد منها كلمة الإخلاص لابن رجب ..
شروطها :
وأما شروط لا إله إلا الله : -
فإنها لا تنفع قائلها- إلا بسبعة شروط : -
الأول : العلم بمعناها نفيا وإثباتا .
• ودليل العلم قوله تعالى : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) وقوله (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ). أي بلا إله إلا الله .{ وهم يعلمون } بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.
• ومن السنـَّـة : الحديث الثابت في الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة )
الثاني : اليقين ، وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب .
ودليل اليقين : قوله تعالى { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا ، أي لم يشكوا فأما المرتاب فهو من المنافقين .
ومن السنـَّـة : الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة )
وفي رواية( لا يلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة) .
وعن أبي هريرة أيضاً من حديث طويل( من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة )
الثالث : الإخلاص المنافي للشرك .
ودليل الإخلاص : قوله تعالى ( ألا لله الدين الخالص)
وقوله سبحانه وتعالى( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء )
ومن السنـَّـة : الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه).
وفي الصحيح عن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل ]
وللنسائي في " اليوم والليلة " من حديث رجلين من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مخلصاً بها قلبه يصدق بها لسانه إلا فتق الله لها السماء فتقاً حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض ، وحق لعبد نظر الله إليه أن يعطيه سؤله )
الرابع : الصدق المانع من النفاق .
ودليل الصدق : قوله تعالى : ( ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )
وقوله تعالى : { ومن الناس من يقول أمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين أمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهــم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون )
ومن السنـَّـة : ما ثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار)..
الخامس : المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك .
ودليل المحبة : قوله تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله)
وقوله { يــا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)
ومن السـنـَّـة : ما ثبت في الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)..
السادس : الانقياد بأداء حقوقها وهي الأعمال الواجبة إخلاصا لله وطلبا لمرضاته
ودليل الانقياد : لما دلت عليه قوله تعالى ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له).
وقوله : ( ومن أحسن قولاً ممن اسلم وجهه لله وهو محسن )
وقوله : ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي بلا إله إلا الله.
وقوله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيم شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما )
ومن السنـَّـة : قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) وهذا تمام الانقياد وغـايـتــه..
. . السابع : القبول المنافي للرد.
ودليل القبول : قوله تعالى ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين )
وقوله تعالى ( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون)
ومن السنـَّـة ما ثبت عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنـبـتـت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع بها الله الناسَ فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها
طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ؛ فذلك مَثَـل من فقه في دين الها ونفعه ما بعثني الله به فعَلِمَ وعَلّم ، ومَثَـل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) ...
متى ينفع الإنسان قول لا إله إلا الله ؟ :
سبق أن قلنا أن قول لا إله إلا الله لا بد أن يكون مصحوبا بمعرفة معناها والعمل بمقتضاها ، ولكن لما كان هناك نصوص قد يتوهم منها أن مجرد التلفظ بها يكفي وقد تعلق بهذا الوهم بعض الناس ، فاقتضى الأمر إيضاح ذلك لإزالة هذا الوهم عمن يريد الحق ، قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله على حديث عتبان . . الذي فيه : صحيح البخاري (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله قال : اعلم أنه قد وردت أحاديث ظاهرها أنه من أتى بالشهادتين حرم على النار كهذا الحديث وحديث أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل ، فقال : يا معاذ . قال : لبيك رسول الله وسعديك . قال : ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار ، ولمسلم عن عبادة مرفوعا : ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله حرمه الله على النار ، ووردت أحاديث فيها أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة ، وليس فيها أن يحرم على النار ، منها حديث عبادة الذي تقدم قريبا وحديث أبي هريرة أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك الحديث وفيه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة رواه مسلم
قال : وأحسن ما قيل في معناه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره : إن هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها - كما جاءت مقيدة - وقالها خالصا من قلبه مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها ، بصدق ويقين ، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة ، فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة ؛ لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحا ، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك ، فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة وما يزن خردلة وما يزن ذرة . وتواترت بأن كثيرا ممن يقول : لا إله إلا الله ، يدخل النار ثم يخرج منها ، ، وتواترت بأن الله حرم النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم ، فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله ، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال : لا إله إلا الله ، ومن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال ، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ، ومن لا يعرف ذلك يخشى عليه أن يفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها ...
و سنتكلم عن الباقي لاحقا إن شاء الله تعالى ...