مشاهدة النسخة كاملة : [~ ...تعريفات... ~] ..........((موضوع متجدد))
العضوالجزائري
2016-11-16, 16:51
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و لا حول لنا و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
هذا موضوع لذكر تعريفات لكلمات و مصطلحات مهمة ترد في القرآن و السنة أو في كلام الصحابة و اصطلاح العلماء
.......///////////////////////.......
الفطرة
فَطَر الله الخلق؛ أي: خلقهم وابتدأ صنعة الأشياء، وهو فاطر السموات والأرض.
قال تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) الروم
في تفسير الطبري: (فِطرةَ اللهِ التي فَطَر النَّاسَ عَلَيْهَا) يقول: صنعة الله التي خلق الناس عليها
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَر النَّاسَ عَلَيْها) قال: الإسلام مُذ خلقهم الله من آدم جميعا، يقرّون بذلك، وقرأ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا قال: فهذا قول الله: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ بعد.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فِطْرَةَ اللهِ) قال: الإسلام.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن أبي صالح، عن يزيد بن أبي مريم، قال: مرّ عمر بمُعاذ بن جبل، فقال: ما قوام هذه الأمة؟ قال معاذ: ثلاث، وهنّ المنجيات: الإخلاص، وهو الفطرة (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها)، والصلاة: وهي الملة، والطاعة: وهي العصمة. فقال عمر: صدقت.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء " ؟ ثم يقول : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) . رواه مسلم
وقال : " كل نسمة تولد على الفطرة ، حتى يعرب عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو ينصرانها " . أحمد و النسائي
وعن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته : " إن ربي - عز وجل - أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا ، كل مال نحلته عبادي حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم....إلى آخر الحديث الذي رواه الإمام أحمد
وقيل: الفطرة هي الإسلام. قال ابن عبدالبر: وهو المعروف عند عامة السلف من أهل العلم بالتأويل [1]. ونسبه ابن عبدالبر والقرطبي إلى أبي هريرة، وابن شهاب وغيرهما[2].
وقيل: الفطرة المقصود بها ما أخذ الله من ذرية آدم من الميثاق قبل أن يخرجوا إلى الدنيا يوم استخرج ذرية آدم من ظهره، فخاطبهم: ï´؟ ألست بربكم قالوا بلى ï´¾، فأقروا له جميعًا بالربوبية عن معرفةٍ منهم، ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم مخلوقين مطبوعين على تلك المعرفة، وذلك الإقرار. قالوا: وليست تلك المعرفة بإيمان، ولا ذلك الإقرار بإيمان، ولكنه إقرار من الطبيعة للرب، فطرة ألزمها قلوبهم، ثم أرسل إليهم الرسل، فدَعَوهم إلى الاعتراف له بالربوبية، فمنهم من أنكر بعد المعرفة؛ لأنه لم يكن الله - عزَّ وجلَّ - ليدعو خلقه إلى الإيمان به، وهو لم يعرفهم نفسه[4].
من قال الفطرة: الخلقة
وأصحاب هذا القول أنكروا أن يفطر المولود على كفر وإيمان، أو معرفة أو إنكار، قالوا: وإنما يولد المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعًا، وبنية ليس معها إيمان ولا كفر، ولا إنكار ولا معرفة، ثم يعتقدون الكفر أو الإيمان بعد البلوغ إذا ميزوا، واحتجوا بقوله في الحديث: ((كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء - يعني: سالمة - هل تحسون فيها من جدعاء؟ - يعني: مقطوعة الأذن -))، فمثلوا قلوب بني آدم بالبهائم؛ لأنها تولد كاملة الخلق، ليس فيها نقصان، ثم تقطع آذانها بعدُ وأنوفها، فيقال: هذه بحائر، وهذه سوائب. فكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفر حينئذٍ ولا إيمان، ولا معرفة ولا إنكار، كالبهائم السالمة، فلما بلغوا استهوتْهم الشياطين، فكفر أكثرهم، وعصم الله أقلهم، ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء على الكفر أو الإيمان في أولية أمرهم، ما انتقلوا عنه أبدًا، ومحال أن يعقل الطفل حال ولادته كفرًا أو إيمانًا، والله - سبحانه وتعالى - يقول: ï´؟ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا ï´¾، فمن لا يعلم شيئًا، استحال منه كفر وإيمان، أو معرفة أو إنكار.
*
قال ابن عبدالبر: هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها، والله أعلم؛ وذلك أن الفطرة السلامة والاستقامة؛ بدليل حديث عياض بن حمار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حاكيًا عن ربه - عزَّ وجلَّ -: ((إني خلقت عبادي حنفاء))؛ يعني: على استقامة وسلامة، والحنيف في كلام العرب: المستقيم السالم. وإنما قيل للأعرج: أحنف؛ على جهة الفأل، كما قيل للقفر: مفازة.
*
----------------------
1 التمهيد (18/72).
2 التمهيد (18/76)، والجامع لأحكام القرآن (14/25).
3 طرح التثريب (7/227، 228).
بعضه منقول من الألوكة
*
العضوالجزائري
2016-11-16, 17:19
*
الحجة
يقال الحجة أو البرهان أو الدليل
البرهان في اللغة: الحجة[1]،
يرى ابن حزم أن البرهان مختص بالقطعي، في حين يشمل "الدليل" القطعي والظني على حد سواء، وبالتالي فإن كل برهان دليل، وليس كل دليل برهان، قال رحمه الله:«والبرهان كل قضية أو قضايا دلت على حقيقة حكم الشيء.
والدليل قد يكون برهانا، وقد يكون اسما يعرف به المسمى، وعبارة يتبين بها المراد»[7].
وقيل: الحجة ما دوفع بها الخصم.
وجمعها حُجج وحجاج، وحَاجه مُحاجة وحجاجا: نازعه الحجة، حاججت فلانا فحججته أي: غلبته بالحجة. انظر لسان العرب 2/228، ومقاييس اللغة 2/30.
أما في الاصطلاح فقد عرفت بعدة تعريفات، فقد عرفها الجرجاني بقوله: “ما دل على صحة الدعوى وقيل: الحجة والدليل واحد” التعريفات 112.
وقال ابن القيم رحمه الله: “الحجج هي الأدلة العلمية التي يعقلها القلب وتُسمع بالآذان” مفتاح دار السعادة 1/144.
أما “إقامة الحجة” فتطلق عند أهل العلم ويراد بها معاني مختلفة ومتداخلة ويعرف ذلك بحسب السياق.
فتطلق ويراد بها: “سرد الحجة، وإسماع الآخر الحجة”.
أو: “بيان الحجة بمعنى إيضاح دلالة هذه الحجة باللسان الذي يتكلم به المخاطَب” والمراد من هذا الإطلاق أن تكون الحجة في ذاتها تدل على المعنى بوضوح بغض النظر عن وضوحها عند الموجهة إليه، فتنبه.
أو يقصد بها: “إزالة الشبهة إن كان عند المتلقي شبهة”.
والإطلاق الرابع تطلق على: “فهم الحجة بحسب اللسان” انظر رسالة “منهج أئمة الدعوة في الدعوة إلى الله” للشيخ صالح بن عبد العزيز الصفحة 81.
فبناء على ما ذكر وما مر معنا من معنى الحجة لغة واصطلاحا يمكن صياغة تعريف نحسبه جامعا مانعا لمعنى إقامة الحجة فيما نحن بصدده وهو: “بيان الأدلة والبراهين التي تبين الحق وتوضحه ولا تترك للمجادل حجة راجحة يتمسك بها ولا شبهة يستدل بها على باطله” (أثر العلم في الدعوة إلى الله، مرزوق بن سليم اليوبي 65.)
هذا الفصل منقول
------------------------
[1] *- القاموس المحيط 4/201.
[7] *- الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/39. وانظر العدة للفراء 1/133 حيث نقل القولين معا، لكنه وافق القول الأول وحكى الثاني بصيغة التمريض للدلالة على ضعفها.
العضوالجزائري
2016-11-16, 17:25
*
إقامة الحجة
قوله تعالى: “وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً”.
قال الذهبي رحمه الله: “فلا يأثم أحد إلا بعد العلم وبعد قيام الحجة عليه، والله لطيف رؤوف بهم قال تعالى: “وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً”، وقد كان سادة الصحابة بالحبشة ينزل الواجب والتحريم على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يبلغهم إلا بعد أشهر فهم في تلك الأمور معذورون بالجهل حتى يبلغهم النص، وكذا يعذر بالجهل من لم يعلم حتى يسمع النص والله أعلم” الكبائر 12.
وقال تعالى: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا”.
وقال سبحانه: “لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ”.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “الكتاب والسنة قد دلا على أن الله لا يعذب أحدا إلا بعد إبلاغ الرسالة، فمن لم تبلغه جملة لم يعذبه رأسا، ومن بلغه جملة (2) دون بعض التفصيل لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية.
وذلك مثل قوله تعالى: “لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ” ..وقوله: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا”..
فمن قد آمن بالله ورسوله ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول فلم يؤمن به تفصيلا إما أنه لم يسمعه أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله وبرسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها” الفتاوي 12/493-494.
قال الناظم:
وأنه لا يجب التكليف مع *** جهل بذا النصوص جاءت تتبع
كقوله (معذبين حتى) **** و(حجة بعد الرسل) خذ بحتا
وقوله (في أمها رسولا *** يتلوا عليهم) فاتلها مقبولا
التحفة المرضية 629 مع المنحة الرضية للإثيوبي
لا تكليف إلا بعد ورود الشرع
وعليه فلا تكليف إلا بشرع، ولا عقاب إلا بعد إنذار وهو أمر متفق عليه بين أهل السنة والجماعة، انظر الجامع لأحكام القرآن 10/231، وتفسير القرآن لابن كثير 3/27، وأضواء البيان 2/201.
ولأجل هذا قرر علماء الأصول “أن حكم الخطاب لا يثبت في حق المكلف إلا إذا بلغه وكان معلوما له، لأن المقصود من التكليف الامتثال ولا امتثال مع عدم العلم” روضة الناظر لابن قدامة 1/549.
وقال الإمام النووي رحمه الله في معرض ذلك: “وهذا جار على ما تقرر في الأصول، لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح” شرح مسلم 1/369.
ولذا فـ”الأصل في الأعمال قبل ورود الشرع سقوط التكليف” الموافقات 4/291.
ومن ثم فلا تقوم الحجة بمجرد العقل(3) ولا الفطرة والميثاق(4) عند أهل السنة والحديث خلافا للمعتزلة والماتوردية ومن وافقهما(5) على تباين في حقيقة ذلك عندهم ليس هذا محل بسطه. انظر مدارج السالكين 1/134، وأحكام أهل الذمة 2/525-256 كلاهما لابن القيم رحمه الله في آخرين.
وننبه إلى أن لثبوت الحجة ركنا آخر إضافة إلى الشرع وهو المكلف، فلا بد من ثبوت الشرع وبلوغه، ولا بد من وجود المكلف الخالي من الموانع الشرعية التي يسقط بها عنه التكليف.
قال ابن القيم رحمه الله: “وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل” طريق الهجرتين 611.
--------------
1- أي: يعذر بجهله -ذاك- وهذا في حكم الدنيا أما في الآخرة فأمره إلى الله تعالى، فقد سئل الشيخ العثيمين رحمه الله عن حكم الجاهل المخالف في المسائل العملية والاعتقادية خاصة مسألة الشرك عند علماء المسلمين؟
فكان جوابه رحمه الله: “الصواب أن من لم تقم عليه الحجة فهو معذور في حكم الدنيا أما في الآخرة فأمره إلى الله تعالى..” نقلا عن سعة رحمة رب العالمين 83.
2- وفي هذا الكلام رد على من لا يعذر بالجهل مطلقا باعتبار بلوغ الحجة العامة المجملة للناس عموما مع أن المسألة المنظور فيها تفصيلية تحتاج هي بذاتها إلى قيام حجة خاصة فتأمل.
3- وهي المسألة المشهورة في كتب العقيدة والأصول بمسألة التحسين والتقبيح العقليين.
4- هذا على القول بالتسوية بين الفطرة والميثاق وإلا فبعض العلماء يفرق بينهما، انظر تفسير ابن كثير 2/264 ومعارج القبول للحكمي 1/48 في آخرين.
5- ويترتب على هذا الخلاف خلاف في أهل الفترة (وهم: “كل من كان بين رسولين ولم يكن الأول مرسلا إليهم ولا أدركوا الثاني” جمع الجوامع للمحلي 1/89)، ومن في حكمهم، وفي الجهال عند خلو الزمان عن مجتهد على قول لأهل العلم وإلا فالمسألة محل خلاف مع أن إقحام هذه القضية الأخيرة في هذا المجال محل نظر.
هذا مع التنبه على أن مسألة أهل الفترة هي غير مسألة جهال المسلمين، فالبعض يخلط بينهما ليمهد بذلك عدم العذر لجهال المسلمين فتنبه، فوجه التفريق أن أهل الفترة كفار في حكم الدنيا، بخلاف جهال المسلمين كما هو واضح. انظر سعة رحمة رب العالمين 29 حاشية، والجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه 211.
منقول
العضوالجزائري
2016-11-17, 17:58
*
السنة
ليس المراد بالسُّنة هنا المرادف للمندوب والمستحب، المقابل للمكروه فحسب.
وليس المراد كذلك المقابل للقرآن، كما يقولون: «الدليل من الكتاب كذا ومن السُّنة كذا».
ولكن المراد بالسُّنة هنا: الطريق والهدي، أي هدي النبي* صلى الله عليه وسلم* وطريقته.
فهو عام يشمل الواجب والمستحب، ويشمل العقائد والعبادات والمعاملات والسلوك.
قال علماء السلف: «السُّنة» هي العمل بالكتاب والسُّنة، والاقتداء بصالح السلف، واتِّباع الأثر([1]).
وقال أبو القاسم الأصبهاني:
قال أهل اللغة: «السُّنة» السيرة والطريقة، قولهم «فلان على السُّنة»، و«من أهل السُّنة»، أي هو موافق للتنـزيل والأثر في الفعل والقول، ولأنَّ السُّنة لا تكون مع مخالفة الله ومخالفة رسوله* صلى الله عليه وسلم ([2).
قال ابن رجب:
و«السُّنة» هي الطريق المسلوك؛ فيشمل ذلك التمسُّك بما كان عليه صلَّى الله عليه وسلَّم هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السُّنة الكاملة، ولهذا كان السلف قديمًا لا يُطلقون اسم السُّنة إلا على ما يشمل ذلك كلَّه.
ورُوي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي والفضيل بن عياض([3]).
*
===
فصل
في تعظيم السُّنة
قال الله جل وعلا: ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[ [الأحزاب : 36].
]مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ[ [النساء : 80].
]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[ [الأحزاب : 21].
]وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ[ [النور : 54].
]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ [النور : 63].
]أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ[ [التوبة : 63].
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ[ [الحجرات : 2].
قال ابن القيم تعليقًا على هذه الآية: فحذَّر المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله* صلى الله عليه وسلم* كما يجهر بعضهم لبعض.
وليس هذا برِدَّة، بل معصية تحبط العمل، وصاحبها لا يشعر بها([4]) فما الظن بمن قدَّم على قول رسول الله* صلى الله عليه وسلم* وهديه وطريقه قول غيره وهديه وطريقه؟!
أليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر؟ اهـ([5]).
وعن العرباض بن سارية* رضي الله عنه* قال: وعظنا رسول الله* صلى الله عليه وسلم* موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودِّع، فأوصنا.
قال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»([6]).
قال أبو بكر الصديق* رضي الله عنه : «لست تاركًا شيئًا كان رسول الله* صلى الله عليه وسلم* يعمل به، إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ».
علَّق ابن بطة على هذا بقوله: هذا يا أخواني الصدِّيق الأكبر يتخوَّف على نفسه من الزيغ إن هو خالف شيئًا من أمر نبيه* صلى الله عليه وسلم ، فماذا عسى أن يكون من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وبأوامره، ويتباهون بمخالفته ويسخرون بسنته؟!.. نسأل الله عصمة من الزلل، ونجاة من سوء العمل([7]).
*
قال عمر بن عبد العزيز* رضي الله عنه : «لا رأي لأحد مع سُنة سنَّها رسول الله* صلى الله عليه وسلم »([8]).
*
وعن أبي قلابة قال: إذا حدَّثت الرجل بالسُّنة فقال «دعنا من هذا وهات كتاب الله» فاعلم أنه ضال([9]).
علَّق الذهبي على هذا بقوله:
وإذا رأيت المتكلِّم المبتدع يقول «دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات العقل» فاعلم أنه أبو جهل، وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول «دعنا من النقل ومن العقل وهات الذوق والوجد» فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر أو قد حلَّ فيه، فإن جبنت منه فاهرب، وإلاَّ فاصرعه، وابرك على صدره، واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه([10]).
*
قال الشافعي:
أخبرني أبو حنيفة بن سمَّاك بن الفضل الشهابي قال: حدَّثني ابن أبي ذئب عن المقري عن أبي شريح الكعبي أنَّ النبي* صلى الله عليه وسلم* قال عام الفتح: «من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين؛ إن أحبَّ أخذ العقل، وإن أحب فله قود».
قال أبو حنيفة:
فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ فضرب صدري، وصاح علي صياحًا كثيرًا ونال مني وقال: أحدِّثك عن رسول الله* صلى الله عليه وسلم* وتقول: تأخذ به؟!.. نعم، آخذ به، وذلك الفرض عليّ وعلى من سمعه، إنَّ الله اختار محمدًا من الناس فهداهم به وعلى يديه، واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتَّبعوه طائعين أو داخرين، لا مخرج لمسلم من ذلك.
قال: وما سكتَ حتى تمنيتُ أن يسكت ([11]).
قال الشافعي:
أجمع المسلمون على أنَّ من استبان له سُنة رسول الله* صلى الله عليه وسلم* لم يحلّ له أن يدعها لقول أحد([12]).
قال الحميدي:
رَوى الشافعي يومًا حديثًا فقلت: أتأخذ به؟
فقال: رأيتني خرجت من كنيسة أو علي زنار حتى إذا سمعت عن رسول الله حديثًا لا أقول به؟!([13])
وسُئل الشافعي عن مسألة فقال: رُويَ فيها كذا وكذا عن النبي* صلى الله عليه وسلم ، فقال السائل: يا أبا عبد الله، تقول به؟
فارتعد الشافعي وانتفض وقال: يا هذا، أيُّ أرضٍ تقلُّني، وأيُّ سماءٍ تظلُّني إذا رويت عن رسول الله* صلى الله عليه وسلم* حديثًا فلم أقل به؟ نعم، عليّ السمع والبصر([14]).
قال أحمد بن حنبل: من رد حديث النبي* صلى الله عليه وسلم* فهو على شفا هلكة([15]).
قال البربهاري: وإذا سمعت الرجل يطعن في الآثار أو يريد الآثار، فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع([16]).
وقال أبو القاسم الأصبهاني:
قال أهل السُّنة من السلف: إذا طعن الرجل على الآثار، ينبغي أن يُتهم على الإسلام([17]).
قال محمد بن يحيى الذهلي:
سمعت يحيى بن يحيى – يعني أبا زكريا التميمي النيسابوري – يقول: الذّبُّ عن السُّنة أفضل من الجهاد في سبيل الله.
قال محمد: قلت ليحيى: الرجل يُنفق ماله، ويتعب نفسه ويجاهد، فهذا أفضل منه؟! قال: نعم، بكثير([18]).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: المتَّبِع لِلسُّنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله([19]).
قال الحميدي: والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردُّون حديث رسول الله* صلى الله عليه وسلم* أحبّ إليّ من أغزو عدَّتهم من الأتراك([20]).
قال مالك بن أنس: السُّنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق([21]).
--------------------
([1]) الحجة في بيان المحجة (2/428).
(2]) المصدر نفسه (2/384).
([3]) جامع العلوم والحكم (ح28).
([4]) قال ابن القيم: فإن قيل: كيف تحبط الأعمال بغير الردة؟
قيل: نعم قد دل القرآن والسنة والمنقول عن الصحابة أن السيئات تحبط الحسنات، كما أن الحسنات يذهبن السيئات.
قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى[ [البقرة: 264].
وقال: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ[ [الحجرات: 2].
وقالت عائشة لأم زيد بن أرقم: أخبري زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله* صلى الله عليه وسلم* إلا أن يتوب – لما بايع بالعينة.
وقد نص الإمام أحمد على هذا، فقال: ينبغي للعبد في هذا الزمان أن يستدين ويتزوج، لئلا ينظر إلى ما لا يحل له فيحبط عمله.
وآيات الموازنة في القرآن تدل على هذا، فكما أن السيئة تذهب بحسنة أكبر منها، فالحسنة يحبط أجرها بسيئة أكبر منها.اهـ .
([5]) الوابل الصيب (ص24). ط دار ابن الجوزي.
([6]) أخرجه أبو داود (ح4607) والترمذي (ح2676) وابن ماجه (ح44).
([7]) الإبانة (1/246).
([8]) إعلام الموقعين (2/282).
([9]) طبقات ابن سعد (7/184).
([10]) سير أعلام النبلاء (4/472).
([11]) الرسالة للشافعي (ص450) رقم (1234)ن وانظر الحجة في بيان المحجة للأصبهاني (2/302).
([12]) إعلام الموقعين (2/282).
([13]) حلية الأولياء (9/106)، وسير أعلام النبلاء (10/34).
([14]) الفقيه والمتفقه (1/150)، وصفة الصفوة (2/256).
([15]) طبقات الحنابلة (2/15)، والإبانة (1/260).
([16]) شرح السنة (ص51).
([17]) الحجة في بيان المحجة (2/428).
([18]) ذم الكلام وأهله (4/253-254) رقم (1089) ومجموع الفتاوى (4/13) وسير أعلام النبلاء (10/518) ووقع في السير يحيى بن معين وهو تصحيف.
([19]) تاريخ بغداد (12/410) وطبقات الحنابلة (1/262).
([20]) سير أعلام النبلاء (10/619).
([21]) ذم الكلام وأهله (5/81). ط. مكتبة دار العلوم والحكم.
*
كتبه عبدالقيوم بن محمد السحيباني
العضوالجزائري
2016-12-06, 17:18
بسم الله الرحمن الرحيم
الإيمان
الإيمان لغة: التصديق واصطلاحاً: قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان وهو الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه وأنه الخالق الرازق المحي المميت وإنه المستحق لأن يفرد بالعبادة والذل والخضوع وجميع أنواع العبادة وأنه المتصف بصفات الكمال المنزه عن كل عيب ونقص.
وأركانه ستة حينما يأتي مقروناً بالإسلام وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره كما في حديث عمر لما سأل جبريل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره» وسأله عن الإسلام وعن الإحسان.
وحينما يأتي مفرداً فإنه شامل للقول باللسان والاعتقاد بالجنان والعمل بالجوارح.
* * *
س/ هل الإيمان يزيد وينقص وبم يحصل ذلك؟
الجواب: نعم يزيد وينقص فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما قال ـ تعالى ـ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} وقوله ـ تعالى ـ: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} وقال ـ تعالى ـ: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} وقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة ... الحديث».
* * *
س/ ما أسباب زيادة الإيمان ونقصانه؟
الجواب: سبب الزيادة فعل الخير والطاعة، وسبب النقصان فعل المعاصي.
من كتاب الأسئلة والأجوبة في العقيدة للشيخ صالح الأطرم رحمه الله
* * *
------------------------------------------------------
بعض أقوال السلف في الإيمان
كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يقول لأصحابه: (هلموا نزدد إيماناً) فيذكرون الله تعالى( ).
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
(الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، من لا صبر له لا إيمان له) ( ).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
(اللهم زدنا إيماناً، ويقينا، وفقها) ( ).
وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه :
(تعالوا نؤمن ساعة؛ تعالوا فلنذكر الله ونزدد إيماناً؛ لعله يذكرنا بمغفرته) ( ).
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه :
(اجلس بنا نؤمن ساعة) ( ).
وقال جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه :
(كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة؛ فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن؛ ثم تعلمنا القرآن؛ فازددنا به إيماناً) ( ).
وكان عبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وأبو الدرداء – رضي الله عنهم – يقولون: (الإيمان يزيد وينقص) ( ).
وقال عمير بن حبيب الخطمي رضي الله عنه : (الإيمان يزيد وينقص، قيل: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبحناه فتلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا فذلك نقصانه) ( ).
وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه :
(ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار) ( ).
وقال الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
(فإن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً؛ فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان) ( ).
وقال التابعي الإمام مجاهد بن جبر رحمه الله:
(الإيمان: قول وعمل؛ يزيد وينقص) ( ).
وقال الإمام الحسن البصري رحمه الله (ت 110هـ) :
(ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال) ( ).
وقال الوليد بن مسلم القرشي: سمعت الأوزاعي، ومالك بن أنس، وسعيد بن عبد العزيز؛ ينكرون قول من يقول: إن الإيمان قول بلا عمل، ويقولون: (لا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بإيمان) ( ).
وقال شيخ الإسلام الإمام الأوزاعي رحمه الله (ت 157هـ) :
(لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة؛ فكان من مضى ممن سلف لا يفرقون بين الإيمان، والعمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها وتصديقه العمل؛ فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق ذلك بعمله فذلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه، وكان في الآخرة من الخاسرين)( ).
وقال الإمام الحافظ سفيان الثوري رحمه الله (ت 161هـ):
(الإيمان: يزيد وينقص)( ).
وقال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله (ت 181هـ):
(الإيمان: قول وعمل، والإيمان يتفاضل)( ).
وقال الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله (ت 186هـ):
(الإيمان عندنا داخله وخارجه الإقرار باللسان والقول بالقلب، والعمل به)( ).
وقال الإمام أبو الثور البغدادي رحمه الله (ت 240هـ):
(الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح)( ).
وقال الإمام وكيل بن الجراح رحمه الله (ت 179هـ):
(أهل السنة يقولون: الإيمان: قول وعمل)( ).
وقال الإمام يحيى بن سعيد القطان رحمه الله (ت 198هـ):
(كل من أدركت من الأئمة كانوا يقولون: الإيمان: قول وعمل؛ يزيد وينقص، ويقدمون أبا بكر وعمر في الفضيلة والخلافة )( ).
وقال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله (ت 198هـ):
(الإيمان: قول وعمل؛ يزيد وينقص)( ).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله (ت 204هـ):
(الإيمان: قول وعمل؛ يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ثم تلا قوله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}( ).
وقال: (كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم: أن الإيمان: قول وعمل ونية، ولا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر) ( ).
وقال الإمام عبد الرزاق الصنعاني رحمه الله (ت 211هـ):
(سمعت معمراً، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن جريح، وسفيان بن عيينة، يقولون: الإيمان: قول وعمل؛ يزيد وينقص)( ).
وقال الإمام عبد الله الحميدي رحمه الله (ت 219هـ):
(الإيمان: قول وعمل؛ يزيد وينقص، لا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل ولا قول إلا بنية، ولا قول وعمل بنية إلا بسنة)( ).
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (ت 241هـ):
(أجمع تسعون رجلاً من التابعين وأئمة السنة، وأئمة السلف، وفقهاء الأمصار على أن السنة التي توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. – فذكر أموراً منها - : الإيمان: قول وعمل؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية) ( ). وقال: (الإيمان: يزيد وينقص؛ فزيادته بالعمل، ونقصانه بترك العمل)( ).
وقال الإمام البخاري رحمه الله (ت 256هـ):
(كتبت عن ألف من العلماء وزيادة، ولم أكتب إلا عمن قال: الإيمان: قول وعمل ولم أكتب عن من قال: الإيمان: قول) ( ).
وقال: (لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً يختلف في أن الإيمان: قول وعمل؛ يزيد وينقص) ( ).
أقول السلف منقولة من منتديات أهل الحديث
>>أثر الفراشة~~
2016-12-12, 22:26
موضوع مفيد
جزاكم الله خيراً
العضوالجزائري
2016-12-13, 16:43
شكرا.... وإياكم
العضوالجزائري
2017-01-09, 21:45
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام
للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
الإسلام وعلاقته بالإيمان
الإسلام وعلاقته بالإيمان، ثم بعد ذلك أن يعلم أن الإسلام معناه غير الإيمان، فالإسلام اسم ومعناه الملة، والإيمان اسم ومعناه التصديق، قال الله -عز وجل-: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا يريد "بمصدق لنا"، والآي في صحة ما قلناه كثير، ومنه: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله، أو برد فريضة من فرائض الله -عز وجل- جاحدا بها، فإن تركها تهاونا وكسلا كان في مشيئة الله -عز وجل-، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له .
----------------------------------------------------------
هذه المسألة هي المسألة الثانية من مسائل التوحيد، المسألة الأولى: مسألة الإيمان، المسألة، الثانية: الإسلام وعلاقته بالإيمان، أيضا هذه المسألة تحتاج إلى كلام.
الإسلام وعلاقته بالإيمان: هل الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام، أو الإسلام شيء، والإيمان شيء آخر؟
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فيها ثلاثة أقوال، بل أربعة:
القول الأول: إن الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام، لا فرق بينهما، فهما مترادفان، فمسمى الإسلام يعني: أعمال القلوب وأعمال الجوارح، كلها تسمى إسلاما، وتسمى إيمانا، وهذا ذهب إليه طائفتان: طائفة من أهل البدع، وطائفة من أهل السنة ذهب إلى هذا القول الخوارج والمعتزلة من أهل البدع، قالوا: الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام، وذهب إليه طائفة من أهل السنة وعلى رأسهم الإمام البخاري في صحيحه، فإنه قر في "صحيحه" في كتاب الإيمان: أن الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام.
واحتجوا بقول الله -تعالى-، في قصة قوم لوط في سورة "الذاريات": فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قالوا: هذا بيت واحد، ما فيه إلا بيت واحد، بيت واحد وهو لوط وابنتاه، ما فيه مسلمون غيرهم: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بيت واحد وصفهم بالإيمان، ووصفهم بالإسلام، فدل على أن الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام.
ولكن أجاب الجمهور بأن أهل هذا البيت اتصفوا بالإسلام، واتصفوا بالإيمان، وكون هذا البيت اتصف بالإسلام واتصف بالإيمان، لا يدل على أن كل البيوت هكذا، هذا البيت اتصف بالإسلام، فوصف به، واتصف بالإيمان، لكن بيوت أخرى تتصف بالإسلام، ولا تتصف بالإيمان.
والطائفة الثانية قالوا: الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل، الإسلام هو الكلمة، يعني: الشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والإيمان هو العمل، وعلى رأس هؤلاء الإمام الزهري يقول: الإسلام هو الكلمة، يعني: النطق بالشهادتين، ولكن الإمام الزهري -رحمه الله- مراده بالإسلام هو الكلمة، أن الكافر إذا نطق بالشهادتين تميز عن اليهود والنصارى فحكم بالإسلام، وليس المراد أنه لا يجب عليه إلا هذه الكلمة، وأن الإسلام هو خاص بهذه الكلمة.
ولهذا الإمام أحمد -رحمه الله- امتنع في أحد جوابيه عن القول بأن الإسلام هو الكلمة؛ خشية أن يظن أن الإسلام خاص بالكلمة، والإمام الزهري أجل من أن يخفى عليه ذلك، وكأن هؤلاء استدلوا بقول الله -تعالى-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ قالوا: فالظالم لنفسه هو المسلم، والمقتصد هو المؤمن، والسابق بالخيرات هو المحسن.
وأجيب بأن الآية ليس فيها دليل على أن الإسلام هو مجرد الكلمة، إنما المسلم هو الذي خضع وانقاد لله عز وجل.
والطائفة الثالثة قالوا: إن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة، واستدلوا بحديث جبريل لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام فسره بالأعمال الظاهرة، فقال: الإسلام الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والإيمان فسره بالأعمال الباطنة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره .
وهذا الحديث فيه رد على الذين قالوا: إن الإسلام والإيمان مترادفان، لكن قالوا: أجاب الذين قالوا: إن الإسلام والإيمان مترادفان، قالوا: المراد: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، هذا على حذف والتقدير: شعائر الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، لكن أجيب بأن الأصل عدم التقدير.
والصواب أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، ما معنى إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا؟ هذا هو الصواب الذي عليه المحققون، والذي تدل عليه النصوص: أن الإسلام إذا أطلق وحده دخل فيه الإيمان، والإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الإسلام، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة، فيقال لهما: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
إذا اجتمع الإسلام والإيمان افترقا، صار لكل واحد منهما معنى، صار الإسلام الأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة، وإذا افترقا -جاء الإسلام وحده- دخل فيه الأعمال الباطنة والظاهرة، وإذا جاء الإيمان وحده دخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، الدليل حديث جبريل حديث جبريل جمع بين الإسلام والإيمان، لما جمع بينهما فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وَفُسِّر الإيمان بأي شيء؟ بالأعمال الباطنة: تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر لأنهما اجتمعا.
ولكن إذا افترقا -جاء الإسلام وحده-: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ الإسلام يشمل الأعمال الباطنة والظاهرة، إذا قلت: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " المؤمنون " جعل الإيمان بدون الإسلام، يدخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة.
والدليل على هذا أدلة كثيرة، لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث في الصحيحين، الحديث: الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان فَأَدْخَلَ في مسمى الإيمان الأعمال كلها.
وفي حديث وفد عبد القيس في الصحيحين، قال: آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم .
ففسر الإيمان بالأعمال؛ لأن الإيمان جاء وحده، فإذا جاء الإيمان وحده دخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا جاء الإسلام وحده دخل فيه الأعمال الباطنة والظاهرة، وإذا اجتمع الإيمان والإسلام افترقا، صار لكل واحد منهم معنى، صار الإسلام الأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة.
ولهذا له نظائر مثل الفقير والمسكين، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، إذا جاء الفقير وحده دخل فيه المسكين، وإذا جاء المسكين وحده دخل فيه الفقير، وإذا اجتمعا صار لكل واحد منهما معنى، مثال افتراقهما قول الله -تعالى-: لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يشمل الفقير والمسكين: ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان يشمل الفقير والمسكين، إذا اجتمعا كقوله -تعالى-: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ صار لكل واحد منهما معنى.
فالفقير أشد حاجة؛ لأن الله بدأ به، هو الذي لا يجد شيئا، أو يجد أقل من نصف الكفاية، من كفاية سنة نفقة وكسوة وسكنى، والمسكين: الذي يجد نصف الكفاية، ولكنه لا يجد تمام الكفاية، فيكون المسكين أحسن حالا منه.
ومثله الكفر والنفاق إذا اجتمعا، إذا وجد الكفر دخل فيه النفاق، وإذا أطلق النفاق دخل فيه الكفر، وإذا اجتمعا صار الكفر كفر الظاهر، والنفاق الكفر في الباطن، وهكذا.
هذا عام، ويدل على الفرق بين الإسلام والإيمان، ما جاء في الحديث: الإسلام علانية، والإيمان في القلب .
وكذلك أيضا المعنى اللغوي؛ فإن الإسلام معناه الاستسلام والانقياد، انقياد وذل وخضوع، ينقاد الإنسان فيؤدي الأعمال، وأما الإيمان فأصله التصديق، تصديق في القلب، والذين قالوا: إن الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام قالوا: الإيمان هو التصديق، ثم قالوا: الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو التصديق، ومعنى ذلك أن الإسلام هو التصديق، وهذا لا يقوله أحد من أهل اللغة.
في اللغة العربية الآن فرق بين الإسلام والإيمان: الإسلام من الاستسلام والانقياد والخضوع والذل، يقال: أسلمت قيادي لهذا لشخص: خضعت وذللت له، وكذلك أيضا مما يدل على الفرق بينهما قول الله -تعالى-: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ فرق الله بين الإيمان والإسلام: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا .
إذن العاصي يسمى مسلما، ولا يسمى مؤمنا، والمطيع يسمى مؤمنا، لكن البخاري وجماعة -رحمهم الله- قالوا: إن هذه الآية في المنافقين قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا أي: استسلمنا وانقدنا للإسلام ظاهرا نفاقا، ولكن الصواب الذي عليه الجمهور ووافقه شيخ الإسلام ابن تيمية -بأنها ليست في المنافقين بل هي في ضعفاء الإيمان، بدليل ما قبل الآية وما بعدها؛ لأن الآية فيها: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ .
ثم قال: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا لا ينقصكم من ثوابه، ولو كانوا منافقين لما صار لهم ثواب، ثم قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ في إيمانهم، هؤلاء المؤمنون الكمل، وأنتم ضعفاء الإيمان، فالصواب أنها في ضعفاء الإيمان.
فالمقصود أن المسألة: هل الإسلام هو الإيمان، أو الإيمان هو الإسلام؟ فيها أقوال: قيل: الإسلام هو الكلمة، والإيمان العمل، وقيل: الإسلام والإيمان مترادفان، وقيل: الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة.
والصواب: هو أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، إذا أطلق أحدهما دخل فيه الآخر، إذا أطلق الإسلام دخل فيه الإيمان، وإذا أطلق الإيمان دخل فيه الإسلام، إذا انفرد أحدهما دخل فيه الآخر، إذا انفرد الإسلام دخل فيه الإيمان، وإذا انفرد الإيمان دخل فيه الإسلام، وإذا اجتمعا صار لكل واحد منهما معنى، صار الإسلام الأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة، وقد دلت على هذا نصوص كثيرة.
المعلم سمير
2017-01-10, 10:51
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا
العريي مروة
2017-01-16, 10:24
شكرا على الموضوع
عبد الحميد 2
2017-01-18, 13:14
جزاكم الله خيرا
العضوالجزائري
2017-01-27, 15:58
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
الرسالة و النبوة
كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
المؤلف: نخبة من العلماء
الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية
المبحث الأول: حكم الإيمان بالرسل وأدلته الإيمان برسل الله تعالى واجب من واجبات هذا الدين وركن عظيم من أركان الإيمان. وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة.
قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: 285] (البقرة: 285) . فذكر الله تعالى الإيمان بالرسل في جملة ما آمن به الرسول والمؤمنون، من أركان الإيمان. وبين أنهم في إيمانهم بالرسل لا يفرقون بينهم فيؤمنوا ببعضهم دون بعض، بل يصدقون بهم جميعًا.
وقد بين الله في كتابه حكم من ترك الإيمان بالرسل. فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا - أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: 150 - 151] (النساء: 150، 151) . فأطلق الكفر على من كذب بالرسل أو فرق بينهم بالإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم. ثم قرر أن هؤلاء هم الكافرون حقًّا أي الذين تحقق كفرهم وتقرر صراحة.
كما بين الله في مقابل ذلك في السياق نفسه ما عليه أهل الإيمان من ذلك فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 152] (النساء: 152) . فوصفهم بالإيمان بالله ورسله كلهم من غير تفريق بين الرسل في الإيمان ببعضهم دون بعض وإنما يعتقدون أنهم مرسلون من الله تعالى.
وأما السنة فدلت كذلك على ما دل عليه الكتاب من أن الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان وقد دَلّ على ذلك حديث جبريل المتقدم بنصه في مبحث " الإيمان بالملائكة " وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب لما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر» . . .) (1) الحديث. فذكر الإيمان بالرسل مع بقية أركان الإيمان الأخرى الواجب على المسلم تحقيقها واعتقادها.
وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في التهجد عند قيام الليل أنه كان يقول: «اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق» . . .) (2) .
فشهادة النبي صلى الله عليه وسلم أن النبيين حق ضمن ما ذكر من أصول الإيمان العظيمة كالإيمان بالله وبوجود الجنة والنار وقيام الساعة وتقديمه ذلك بين يدي دعائه وقيامه دليل على أهمية الإيمان بالرسل والأنبياء ومكانته في الدين.
فتقرر وجوب الإيمان بالرسل وأنه من أعظم دعائم هذا الدين ومن أكبر خصال الإيمان وأن من كذب بالرسل أو بأحد منهم فإنه كافر بالله العظيم كفرًا صريحًا بجحده هذا الركن العظيم من أركان الإيمان.
_________
(1) تقدم ص113.
(2) صحيح البخاري برقم (7499) .
ثمرات الإيمان بالرسل: إذا تحقق الإيمان بالرسل ترك آثاره الطيبة وثماره اليانعة على المؤمن فمن ذلك:
1 - العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه حيث أرسل إليهم أولئك الرسل الكرام للهداية والإرشاد.
2 - شكر الله على هذه النعمة الكبرى.
3 - محبة الرسل وتوقيرهم والثناء عليهم بما يليق بهم لأنهم رسل الله تعالى وخلاصة عبيده، ولما قاموا به من تبليغ رسالة الله لخلقه وكمال نصحهم لأقوامهم وصبرهم على أذاهم.
[المبحث الثاني تعريف النبي والرسول والفرق بينهما]
المبحث الثاني: تعريف النبي والرسول والفرق بينهما النبي في اللغة: مشتق من النبأ وهو الخبر ذو الفائدة العظيمة. قال تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ - عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ: 1 - 2] (النبأ: 1، 2) . وسمي النبي نبيًّا لأنه مُخبرٌ من الله، ويُخْبِرُ عن الله فهو مُخبَر ومُخبِر.
وقيل النبي مشتق من النباوة: وهي الشيء المرتفع.
وسمي النبي نبيًّا على هذا المعنى: لرفعة محله على سائر الناس. قال تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57] (مريم: 57) .
والرسول في اللغة: مشتق من الإرسال وهو التوجيه. قال تعالى مخبرًا عن ملكة سبأ: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35] (النمل: 35) .
وقد اختلف العلماء في تعريف كل من النبي والرسول في الشرع على أقوال أرجحها:
أن النبي: هو من أوحى الله إليه بما يفعله ويأمر به المؤمنين.
والرسول: هو من أوحى الله إليه وأرسله إلى من خالف أمر الله ليبلغ رسالة الله.
والفرق بينهما: أن النبي هو من نبأه الله بأمره ونهيه ليخاطب المؤمنين ويأمرهم بذلك ولا يخاطب الكفار ولا يرسل إليهم.
وأما الرسول فهو من أرسل إلى الكفار والمؤمنين ليبلغهم رسالة الله ويدعوهم إلى عبادته.
وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة فقد كان يوسف على ملة إبراهيم، وداود وسليمان كانا على شريعة التوراة وكلهم رسل. قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} [غافر: 34] (غافر: 34) . وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا - وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 163 - 164] (النساء: 163، 164) .
وقد يطلق على النبي أنه رسول كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] (الحج: 52) فذكر الله عز وجل أنه يرسل النبي والرسول. وبيان ذلك أن الله تعالى إذا أمر النبي بدعوة المؤمنين إلى أمر فهو مرسل من الله إليهم لكن هذا الإرسال مقيد. وأما الإرسال المطلق فهو بإرسال الرسل إلى عامة الخلق من الكفار والمؤمنين.
[المبحث الثالث كيفية الإيمان بالرسل]
المبحث الثالث: كيفية الإيمان بالرسل الإيمان بالرسل هو اعتقاد ما أخبر الله به عنهم في كتابه وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في سنته إجمالا وتفصيلا.
فالإيمان المجمل: هو التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دون الله. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] (النحل: 36) . وبأنهم جميعهم صادقون، بارون، راشدون، كرام بررة، أتقياء أمناء، هداة مهتدون. قال تعالى: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52] (يس: 52) . وقال تعالى بعد أن ذكر طائفة كبيرة من الأنبياء والرسل: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأنعام: 87 - 88] (الأنعام: 87، 88) .
وبأنهم كلهم كانوا على الحق المبين، والهدى المستبين جاءوا بالبينات من ربهم إلى أقوامهم. قال تعالى حكاية عن أهل الجنة: {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 43] (الأعراف: 43) . وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25] (الحديد: 25) .
وبأن أصل دعوتهم واحدة وهي الدعوة إلى توحيد الله وأما شرائعهم
فمختلفة. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] (الأنبياء: 25) . وقال عز وجل: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] (المائدة: 48) .
وبأنهم قد بلغوا جميع ما أرسلوا به البلاغ المبين، فقامت بذلك الحجة على الخلق. قال تعالى: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] (الجن: 28) . وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] (النساء: 165) .
ويجب الإيمان بأن الرسل بشر مخلوقون، ليس لهم من خصائص الربوبية شيء. وإنما هم عباد أكرمهم الله بالرسالة. قال تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11] (إبراهيم: 11) . وقال تعالى عن نوح: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} [هود: 31] (هود: 31) . وقال عز وجل آمرًا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50] (الأنعام: 50) .
ومما يجب اعتقاده أيضًا في حق الرسل أنهم منصورون مؤيدون من الله، وأن العاقبة لهم ولأتباعهم. قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] (غافر: 51) . كما يجب اعتقاد تفاضل الرسل على ما أخبر عز وجل في قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] (البقرة: 253) .
فيجب الإيمان بكل هذا وبكل ما جاء في الكتاب والسنة عن الرسل على وجه العموم إيمانًا مجملًا.
وأما الإيمان المفصل: فيكون بالإيمان بمن سمى الله تعالى في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته منهم، إيمانًا مفصلًا على نحو ما جاءت به النصوص من ذكر أسمائهم وأخبارهم وفضائلهم وخصائصهم.
والمذكورون في القرآن من الأنبياء والرسل خمسة وعشرون. ورد ذكر ثمانية عشر منهم في قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ - وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ - وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 83 - 86] (الأنعام: 83-86) . وورد ذكر الباقين في مواضع أخرى من القرآن. قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] (الأعراف: 65) .
وقال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73] (الأًعراف: 73) . وقال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85] (الأعراف: 85) . وقال: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا} [آل عمران: 33] (آل عمران: 33) . وقال: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الأنبياء: 85] (الأنبياء: 85) . وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] (الفتح: 29) . فيجب الإيمان بهؤلاء الأنبياء والمرسلين إيمانًا مفصلًا، والإقرار لكل واحد منهم بالنبوة أو الرسالة على ما أخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنهم.
كما يجب اعتقاد صحة ما جاءت به النصوص من ذكر فضائلهم وخصائصهم وأخبارهم، كاتخاذ الله إبراهيمَ ومحمدًا صلى الله عليهما وسلم
خليلين لقوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] (النساء: 125) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا» أخرجه مسلم (1) . وكتكليم الله تعالى لموسى لقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] (النساء: 164) . وكذلك تسخير الجبال والطير لداود يسبحن بتسبيحه، قال تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 79] (الأنبياء: 79) . وإلانة الحديد لداود كما قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10] (سبأ: 10) . وتسخير الرياح لسليمان تسير بأمره، وتسخير الجن له يعملون بين يديه ما يشاء، قال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [سبأ: 12] (سبأ: 12) . وتعليم سليمان منطق الطير، قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 16] (النمل: 16) .
كما يجب الإيمان على وجه التفصيل بما قص الله عز وجل في كتابه من أخبار الرسل مع أقوامهم، وما جرى بينهم من الخصومة، ونصر الله لرسله وأتباعهم. كقصة موسى مع فرعون، وإبراهيم مع قومه، وقصص نوح وهود وصالح وشعيب ولوط مع أقوامهم. وما قص الله علينا في شأن يوسف مع إخوته وأهل مصر، وقصة يونس مع قومه، إلى آخر ما جاء في كتاب الله من أخبار الأنبياء والرسل، وكذلك ما جاء في السنة فيجب الإيمان به إيمانًا مفصلًا بحسب ما جاءت به النصوص.
وبذلك يتحقق الإيمان بالرسل بقسميه المجمل والمفصل. والله تعالى أعلم.
_________
(1) صحيح مسلم برقم (532) .
[المبحث الرابع ما يجب علينا نحو الرسل]
المبحث الرابع: ما يجب علينا نحو الرسل يجب على الأمة تجاه الرسل حقوق عظيمة بحسب ما أنزلهم الله من المنازل الرفيعة في الدين، وما رفعهم الله إليه من الدرجات السامية الجليلة عنده، وما شرفهم به من المهمات النبيلة وما اصطفاهم به من تبليغ وحيه وشرعه لعامة خلقه. ومن هذه الحقوق:
1 - تصديقهم جميعًا فيما جاءوا به، وأنهم مرسلون من ربهم، مبلغون عن الله ما أمرهم الله بتبليغه لمن أرسلوا إليهم وعدم التفريق بينهم في ذلك. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64] (النساء: 64) . وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92] (المائًدة: 92) . وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا - أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: 150 - 151] (النساء: 150، 151) . فيجب تصديق الرسل فيما جاءوا به من الرسالات وهذا مقتضى الإيمان بهم.
ومما يجب معرفته أنه لا يجوز لأحد من الثقلين متابعة أحدٍ من الرسل السابقين بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث للناس كافة، إذْ أن شريعته جاءت ناسخة لجميع شرائع الأنبياء قبله فلا دين إلا ما بعثه الله به ولا متابعة إلا لهذا النبي الكريم. قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] (آل عمران: 85) .
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28] (سبأ: 28) . وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] (الأعراف: 158) .
2 - موالاتهم جميعًا ومحبتهم والحذر من بغضهم وعداوتهم.
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56] (المائدة: 56) . وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] (التوبة: 71) . فتضمنت الآية وصف المؤمنين بموالاة بعضهم لبعض فدخل في ذلك رسل الله الذين هم أكمل المؤمنين إيمانًا وعليه فإن موالاتهم ومحبتهم في قلوب المؤمنين هي أعظم من موالاة غيرهم من الخلق لعلو مكانتهم في الدين ورفعة درجاتهم في الإيمان. ولذا حذر الله من معاداة رسله وعطفها في الذكر على معاداة الله وملائكته وقرن بينهما في العقوبة والجزاء. فقال عز من قائل: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98] (البقرة: 98) .
3 - اعتقاد فضلهم على غيرهم من الناس، وأنه لا يبلغ منزلتهم أحد من الخلق مهما بلغ من الصلاح والتقوى إذ الرسالة اصطفاء من الله يختص الله بها من يشاء من خلقه ولا تنال بالاجتهاد والعمل. قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75] (الحج: 75) . وقال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83] (الأنعام: 83) . إلى أن قال بعد ذكر طائفة كبيرة من الأنبياء والمرسلين: {وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 86] (الأنعام: 86) . وقد تقدم نقل هذا السياق في المبحث الأول من هذا الفصل.
كما دلت السنة أيضًا على أن منزلة الرسل لا يبلغها أحد من الخلق لما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى» (1) وفي رواية للبخاري: «من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب» (2) . قال بعض شراح الحديث: " إنه صلى الله عليه وسلم قال هذا زجرًا أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئًا من حط مرتبة يونس صلى الله عليه وسلم من أجل ما في القرآن العزيز من قصته ". وبيّن العلماء: " أن ما جرى ليونس صلى الله عليه وسلم لم يحطه من النبوة مثقال ذرة وخص يونس بالذكر لما ذكر الله من قصته في القرآن الكريم كقوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87 - 88] (الأنبياء: 87، 88) . وقوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 139] الآيات (الصافات: 139-148) ".
4 - اعتقاد تفاضلهم فيما بينهم وأنهم ليسوا في درجة واحدة بل فضل الله بعضهم على بعض. قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253] (البقَرة: 253) . قال الطبري في تفسير الآية: " يقول تعالى ذكره: هؤلاء رسلي فضلت بعضهم على بعض، فكلمت بعضهم كموسى صلى الله عليه وسلم ورفعت بعضهم درجات على بعض بالكرامة ورفعة المنزلة ". فإنزال كل واحد منهم منزلته في الفضل والرفعة بحسب دلالات النصوص من جملة حقوقهم على الأمة.
_________
(1) صحيح البخاري برقم (3416) ، ومسلم برقم (2376) ، واللفظ للبخاري.
(2) صحيح البخاري برقم (4604) .
5 - الصلاة والسلام عليهم فقد أمر الله الناس بذلك وأخبر الله بإبقائه الثناء الحسن على رسله وتسليم الأمم عليهم من بعدهم. قال تعالى عن نوح: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ - سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [الصافات: 78 - 79] (الصافات: 78، 79) . وقال عن إبراهيم: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ - سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 108 - 109] (الصافات: 108، 109) . وقال عن موسى وهارون: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ - سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [الصافات: 119 - 120] (الصافات: 119، 120) .
وقال تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 181] (الصافات: 181) . قال ابن كثير: " قوله تعالى {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [الصافات: 79] (الصافات: 79) مفسرًا لما أبقى عليه من الذكر الجميل والثناء الحسن أنه يسلم عليه جميع الطوائف ". وقد نقل الإمام النووي إجماع العلماء على جواز الصلاة على سائر الأنبياء واستحبابها. قال: " أجمعوا على الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وكذلك أجمع من يعتد به على جوازها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالا وأما غير الأنبياء فالجمهور على أنه لا يصلى عليهم ابتداء ".
فهذه طائفة مما يجب للرسل من حقوق على هذه الأمة مما دلت عليه النصوص وقرره أهل العلم. والله تعالى أعلم.
[/font][/SIZE][/FONT]
samirnoor
2017-01-27, 21:11
جزاك الله خيرا
أمين تواتي
2017-01-31, 01:06
شكررررراراااااااااااااا
العضوالجزائري
2017-02-02, 17:56
جزاك الله خيرا
و إياك
شكررررراراااااااااااااا
عفوا
العضوالجزائري
2017-03-19, 16:27
بسم الله الرحمن الرحيم
الفرق بين التوحيد و الإيمان
التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، والإيمان هو الإيمان بأنه مستحق للعبادة، والإيمان بكل ما أخبر به سبحانه، فهو أشمل من كلمة التوحيد، التي هي مصدر وحد يوحد، يعني أفرد الله بالعبادة وخصه بها؛ لإيمانه بأنه سبحانه هو المستحق لها؛ لأنه الخلاق؛ لأنه الرزاق؛ ولأنه الكامل في أسمائه وصفاته وأفعاله؛ ولأنه مدبر الأمور والمتصرف فيها، فهو المستحق للعبادة، فالتوحيد هو إفراده بالعبادة ونفيها عما سواه، والإيمان أوسع من ذلك يدخل فيه توحيده والإخلاص له، ويدخل فيه تصديقه في كل ما أخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام،
من موقع الشيخ عبد العزيز بن باز
********************
التوحيد
توحيد الألوهية ( توحيد العبادة )
المطلب الأول: أدلّتُه.
لقد تظافرت النصوص وتظاهرت الأدلة علـى وجـوب إفـراد الله بالألوهية، وتنوعت في دلالتها على ذلك:
1 - تارة بالأمر به، كما في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقـرة:21] ، وقولـه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:36]، وقوله: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23]، ونحوها من الآيات.
2 - وتارة ببيان أنه الأساس لوجود الخليقة والمقصود من إيجاد الثقلين، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
3 - وتارة ببيان أنه المقصود من بعثة الرسل كمـا في قولـه تعـالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [النحـل:36]، وقوله: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25].
4 - وتارة ببيان أنه المقصود من إنـزال الكتب الإلـهية، كمـا في قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ } [النحل: 2].
5 - وتـارة ببيان عظيم ثواب أهله وما أعد لهم من أجور عظيمـة ونعم كريمة في الدنيـا والآخرة، كما قال الله تعـالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأنعام:82].
6- وتارة بالتحذير من ضده، وبيان خطورة مناقضته، وذكر ما أعـد سبحانه من عقاب أليم لمن تركه، كقوله تعالى: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } [المائدة:72]، وقوله تعالى: { وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا } [الإسراء:39].
إلى غير ذلك من أنواع الأدلة المشتملة على تقرير التوحيد والدعوة إليـه والتنويه بفضله وبيان ثواب أهله وعظم خطورة مخالفته.
والسنة النبوية كذلك مليئة بالأدلة على هذا التوحيد وأهميته، من ذلك:
1 - ما رواه البخاري في صحيحه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ » قال: الله ورسوله أعلم. قـال: « أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ » قال: الله ورسـوله أعلم. قال: « أن لا يعذبهم » (صحيح البخاري 7373).
2 - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا نحو اليمن قال لـه: « إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكـن أول مـا تدعوهـم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فـرض عليـهم خمـس صلوات.... الحديث » (رواه البخاري صحيح البخاري 7372).
3 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قـال: «من مـات وهـو يـدعو من دون الله نـدًّا دخل النار» (صحيح البخاري 4497).
4 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شـيئا دخـل النـار» (رواه مسلم صحيح مسلم 93).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
بيان أهميته وأنه أساس دعوة الرسل.
لا ريب أن توحيد الألوهية هو أعظم الأصول على الإطلاق وأكملـها وأفضلها وألزمها لصلاح الإنسانية، وهو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله، وخلق المخلوقات وشرع الشرائع لقيامه، وبوجوده يكون الصلاح، وبفقـده يكون الشر والفساد، ولذا كان هذا التوحيد زبدة دعـوة الرسـل وغايـة رسالتهم وأساس دعوتهم، يقول الله تبارك وتعالى{ : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [النحـل:36]، وقـال: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25].
وقد دل القرآن الكريم في مواطن عديدة أن توحيد الألوهية هو مفتـاح دعوة الرسل، وأن كل رسول يبعثه الله يكون أول ما يدعو قومه إليه توحيد الله وإخلاص العبادة له، قال الله تعالى: { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65]، وقال تعـالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [الأعـراف:73]، وقال تعالى: { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [الأعراف:85].
وجوب إفراد الله بالعبادة، وتحته مطالب:
المطلب الأول: معنى العبادة والأصول التي تُبنى عليها.
العبادة في اللغة: الذل والخضوع، يقال: بعير معبد، أي: مذلل، وطريـق معبد: إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام.
وشرعا: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمـال الظاهرة والباطنة.
وسيأتي ما يوضح ذلك عند ذكر بعض أنواع العبادة.
وهي تبنى على ثلاثة أركان:
الأول: كمال الحب للمعبود سبحانه، كما قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } [البقرة:165].
الثاني: كمال الرجاء، كما قال تعالى: { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } [الإسراء:57].
الثالث: كمال الخوف من الله سبحانه، كما قـال تعـالى: { وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } [الإسراء:57].
وقد جمع الله سبحانه بين هذه الأركان الثلاثة العظيمة في فاتحة الكتـاب في قوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } فالآية الأولى فيها المحبة، فإن الله منعم، والمنعم يُحبُّ علـى قـدر إنعامه، والآية الثانية فيها الرجاء، فالمتصف بالرحمة ترجى رحمتـه، والآية الثالثة فيها الخوف، فمالك الجزاء والحساب يخاف عذابه.
ولهذا قال تعالى عقب ذلك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي: أعبدك يا رب هـذه الثلاث: بمحبتك التي دل عليها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ورجائك الـذي دل عليه: { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } وخوفـك الـذي دل عليـه: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }.
والعبادة لا تقبل إلا بشرطين:
1 - الإخلاص فيها للمعبود، فإن الله لا يقبل من العمل إلا الخـالص لوجهه سبحانه، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]، وقَال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } [الزمر:3]، وقال تعـالى: { قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي } [الزمر:14].
2 - المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله لا يقبل من العمل إلا الموافق لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقَال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء:65].
وقوله صلى الله عليه وسلم: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فـهو رد» (صحيح البخاري برقم 2697). أي مردود عليه.
فلا عبرة بالعمل ما لم يكـن خالصا لله صوابا على سنة رسـول الله صلى الله عليه وسلم، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعـالى: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } [الملك:2]: "أخلصه وأصوبه"، قيل: يا أبا علي، وما أخلصـه وأصوبه ؟ قال: "إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبـل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص مـا كان لله، والصواب ما كان على السنة " حلية الأولياء: 8 /95.
ومن الآيات الجامعة لهذين الشرطين قوله تعالى في آخر سورة الكهف: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110].
ذكر بعض أنواع العبادة:
العبادة أنواعها كثيرة، فكل عمل صالح يحبه الله ويرضاه قولي أو فعلـي ظاهر أو باطن فهو نوع من أنواعها وفرد من أفرادها، وفيما يلي ذكر بعـض الأمثلة على ذلك:
1 - فمن أنواع العبادة: الدعاء،
بنوعيه دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
قـال الله تعـالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [غافر:14]، وقال تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18]، وقال تعـالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [الأحقاف:5- 6].
فمن دعا غير الله عز وجل بشيء لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كـافر سـواء كان المدعو حيا أو ميتا، ومن دعا حيا. بما يقدر عليه مثل أن يقـول: يا فلان أطعمني، أو يا فلان اسقني، ونحو ذلك فلا شيء عليه، ومن دعا ميتا أو غائبا بمثل هذا فإنه مشرك، لأن الميت والغائب لا يمكن أن يقوم بمثل هذا.
والدعاء نوعان: دعاء المسألة ودعاء العبادة.
فدعاء المسألة، هو سؤال الله من خيري الدنيا والآخرة، ودعاء العبـادة يدخل فيه كل القربات الظاهرة والباطنة، لأن المتعبد لله طالب بلسان مقالـه ولسان حاله من ربه قبول تلك العبادة والإثابة عليها.
وكل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعـاء غـير الله والثناء على الداعين يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة.
ومن أنواع العبادة: المحبة والخوف والرجاء، وقد تقـدم الكلام عليها وبيان أنها أركان للعبادة.
ومن أنواعها: التوكل، وهو الاعتماد على الشيء.
والتوكل على الله: هو صدق تفويض الأمر إلى الله تعالى اعتمادا عليـه وثقة به مع مباشرة ما شرع وأباح من الأسباب لتحصيـل المنـافع ودفـع المضار، قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].
ومن أنواع العبادة: الرغبة والرهبة والخشوع.
فأما الرغبة: فمحبة الوصول إلى الشيء المحبوب، والرهبة: الخوف المثمـر للهرب من المخوف، والخشوع: الذل والخضوع لعظمة الله بحيث يستسـلم لقضائه الكوني والشرعي، قال الله تعالى في ذكر هذه الأنواع الثلاثة مـن العبادة: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90].
ومن أنواعها: الخشية، وهي الخوف المبني على العلم بعظمة مـن يخشاه وكمال سـلطانه، قـال الله تعـالى: { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة:150].
{فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } [المائدة:3].
ومنها الإنابة، وهي الرجوع إلى الله تعـالى بالقيـام بطاعتـه واجتناب معصيته، قال الله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمـر:54].
ومنها: الاستعانة، وهي طلب العون من الله في تحقيـق أمـور الدين والدنيا، قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وقـال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس: «إذا استعنت فاستعن بالله » (سنن الترمذي 2516، ومسند أحمد 1 / 307، وقد حسن الحديث الترمذي وصححه الحاكم).
ومنها: الاستعاذة، وهي طلب الإعاذة والحماية من المكـروه، قال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} وقال تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ }
ومنها الاستغاثة، وهو طلب الغوث، وهو الإنقاذ من الشـدة والهلاك، قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9].
14 - ومنها الذبح، وهو إزهاق الروح بإراقـة الـدم علـى وجـه الخصوص تقربا إلى الله، قال الله تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام:162]، وقال تعـالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر:2].
15 - ومنها النذر، وهو إلزام المرء نفسه بشيء ما، أو طاعة لله غـير واجبة، قال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:7].
فهذه بعض الأمثلة على أنواع العبادة، وجميع ذلك حق لله وحـده لا يجوز صرف شيء منه لغير الله.
والعبادة بحسب ما تقوم به من الأعضاء على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عبادات القلب، كالمحبـة والخوف والرجـاء والإنابـة والخشية والرهبة والتوكل ونحو ذلك.
القسم الثاني: عبادات اللسان، كالحمد والتهليل والتسبيح والاسـتغفار وتلاوة القرآن والدعاء ونحو ذلك.
القسم الثالث: عبادات الجوارح، كالصلاة والصيام والزكاة والحـج والصدقة والجهاد، ونحو ذلك.
حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد:
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا أشد الحرص على أمته، لتكون عزيزة منيعـة محققة لتوحيد الله عز وجل، مجانبة لكل الوسائل والأسباب المفضية لما يضاده ويناقضه، قال الله تعالى: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].
وقد أكثر صلى الله عليه وسلم في النهي عن الشرك وحذر وأنذر وأبدأ وأعاد وخص وعم في حماية الحنيفية السمحة ملة إبراهيم التي بعث بها من كل مـا قـد يشوبها من الأقوال والأعمال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقص، وهـذا كثير في السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فأقام الحجة، وأزال الشبهة، وقطع المعـذرة، وأبان السبيل.
وفي المطالب التالية عرض يتبين من خلاله حماية المصطفـى صلى الله عليه وسلم حمـى التوحيد وسده كل طريق يفضي إلى الشرك والباطل.
المطلب الأول: الرقى.
أ- تعريفها: الـرقى جمـع رقية، وهي القراءة والنفث طلبا للشفاء والعافية، سواء كانت من القرآن الكريم أو من الأدعية النبوية المأثورة.
ب- حكمها: الجواز، ومن الأدلة على ذلك ما يلي:
فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: « اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكـن فيه شرك» (صحيح مسلم برقم 2200).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رخص « رسـول الله صلى الله عليه وسلم في الرقيـة مـن العين والحمة والنملة »، ''العين'' إصابة العائن غيره بعينه بقدر الله، "النملة" بفتح النون وإسكان الميم: قروح تخرج من الجنب. (رواه مسلم صحيح مسلم برقم 2196).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مـن استطاع أن ينفع أخاه فليفعل » (صحيح مسلم برقم 2199).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منـا إنسان مسحه بيمينه ثم قال: أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما » (صحيح البخاري برقم 5743، وصحيح مسلم برقم 2191).
ج- شروطها: ولجوازها وصحتها شروط ثلاثة:
الأول: أن لا يعتقد أنها تنفع لذاتها دون الله، فإن اعتقد أنها تنفع بذاتهـا من دون الله فهو محرم، بل هو شرك، بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله.
الثاني: أن لا تكون بما يخالف الشرع كما إذا كانت متضمنة دعاء غير الله أو استغاثة بالجن وما أشبه ذلك، فإنها محرمة، بل شرك.
الثالث: أن تكون مفهومة معلومة، فإن كانت من جنـس الطلاسـم والشعوذة فإنها لا تجوز.
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله: أيرقي الرجل ويسترقي؟ فقـال: "لا بأس بذلك، بالكلام الطيب".
د- الرقية الممنوعة: كل رقية لم تتوفر فيها الشروط المتقدمة فإنها محرمة ممنوعة، كأن يعتقد الراقي أو المرقي أنها تنفع وتؤثر بذاتها، أو تكـون مشتملة على ألفاظ شركية وتوسلات كفرية وألفاظ بدعية، ونحو ذلـك، أو تكون بألفاظ غير مفهومة كالطلاسم ونحوها.
التمائم:
أ- تعريفها: التمـائم جمع تميمة، وهي ما يعلق على العنق وغـيره من تعويـذات أو خرزات أو عظام أو نحوها لجلب نفع أو دفع ضـر، وكان العرب في الجاهلية يعلقونها على أولادهم يتقون بها العـين بزعمـهم الباطل.
ب- حكمها: التحريم
بل هي نوع من أنواع الشرك، لما فيها من التعلق بغير الله، إذ لا دافـع إلا الله، ولا يطلب دفع المؤذيات إلا بالله وأسمائه وصفاته.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقـول: «إن الرقـى والتمائم والتولة شرك » (رواه أبو داود والحاكم سنن أبي داود برقم 3883، ومستدرك 4 / 241 وصححه الحاكم ووافقه الذهبي).
وعن عبد الله بن عكيم رضي الله عنه مرفوعا: « من تعلق شيئا وكل إليـه » (سنن الترمذي برقم 2072، ومستدرك الحـاكم 4 / 241 وصححـه الحاكم).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: « من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومـن تعلق ودعة فلا ودع الله له » (رواه أحمد والحاكم مسند أحمد 4 / 154، ومستدرك الحاكم 4 / 240، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من علق تميمة فقـد أشرك»، (رواه أحمد مسند أحمد 4 / 156، وصححه الحاكم 4 / 244 وقال عبد الرحمن بن حسن ورواته ثقات).. فهذه النصوص وما في معناها في التحذير من الرقـى الشركية التي كـانت هي غالب رقى العرب فنهي عنها لما فيها من الشـرك والتعلق بغير الله تعالى.
ج- وإذا كان المعلق من القرآن الكريم، فهذه المسألة اختلف فيها أهـل العلم، فذهب بعضهم إلى جواز ذلك، ومنهم من منع ذلك، وقال لا يجـوز تعليق القرآن للاستشفاء، وهو الصواب لوجوه أربعة:
1- عموم النهي عن تعليق التمائم، ولا مخصص للعموم.
2- سدا للذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس من القرآن.
3- أنه إذا علق فلا بد أن يمتهن المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجـة والاستنجاء، ونحو ذلك.
4- أن الاستشفاء بالقرآن ورد على صفة معينة، وهي القراءة بـه علـى المريض فلا تتجاوز.
لبس الحلقة والخيط ونحوها:
أ- الحلقة قطعة مستديرة من حديد أو ذهب أو فضة أو نحاس أو نحـو ذلك، والخيط معروف، وقد يجعل من الصوف أو الكتان أو نحوه، وكـانت العرب في الجاهلية تعلق هذا ومثله لدفع الضر أو جلب النفع أو اتقاء العـين، والله تعالى يقول: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:38]، ويقول تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } [الإسراء:56].
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة مـن صفر فقال: « ما هذه؟ » قال: من الواهنة، فقال: « انـزعها، فإنها لا تزيـدك إلا وهنا، انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك مـا أفلحـت أبـدا »، (رواه أحمد المسند 4 / 445، وقال البوصيري إسناده حسن وقال الهيثمي رجاله ثقات).
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمـى فقطعه وتلا قوله تعـالى: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [يوسف:106] تفسير ابن أبي حاتم 7 / 2207.
ب- حكم لبس الحلقة والخيط ونحو ذلك، محرم فإن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله فهو مشرك شركا أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد وجود خالق مدبر مع الله تعالى الله عما يشركون.
وإن اعتقد أن الأمر لله وحده وأنها مجرد سبب، ولكنه ليس مؤثرا فـهو مشرك شركا أصغر لأنه جعل ما ليس سببا سببا والتفت إلى غير ذلك بقلبه، وفعله هذا ذريعة للانتقال للشرك الأكبر إذا تعلق قلبه بها ورجا منها جلـب النعماء أو دفـع البلاء.
التبرك بالأشجار والأحجار ونحوها:
التبرك هو طلب البركة، وطلب البركة لا يخلو من أمرين:
1 - أن يكون التبرك بأمر شرعي معلوم، مثل القرآن، قال الله تعـالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } [الأنعام:92، 155]، فمـن بركتـه هدايتـه للقلوب وشفاؤه للصدور وإصلاحه للنفوس وتهذيبه للأخلاق، إلى غير ذلـك من بركاته الكثيرة.
2 - أن يكون التبرك بأمر غير مشروع، كالتبرك بالأشجار والأحجـار والقبور والقباب والبقاع ونحو ذلك، فهذا كله من الشرك.
فعن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحـن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة (السدرة: شجرة ذات شوك). يعكفون عندها وينوطـون بهـا أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يـا رسـول الله صلى الله عليه وسلم اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الله أكـبر، إنها السـنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنـو إسـرائيل لموسـى: { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعـراف:138]، لتركبن سنـن مـن كـان قبلكـم» (رواه التـرمـذي وصـححه سنن الترمذي برقم 2180).
فقد دل هذا الحديـث على أن ما يفعله من يعتقد في الأشجار والقبـور والأحجار ونحوها من التبرك بها والعكوف عندها والذبح لها هو الشـرك، ولهذا أخبر في الحديث أن طلبهم كطلب بني إسرائيل لمـا قـالوا لموسى: { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [الأعـراف:138] فهؤلاء طلبوا سدرة يتبركون بهـا كمـا يتبرك المشركون، وأولئك طلبوا إلـها كما لهم آلهة، فيكون في كلا الطلبين منافاة للتوحيد، لأن التبرك بالشجر نوع من الشرك، واتخاذ إلـه غـير الله شرك واضح.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: « لتركبن سنن من كان قبلكـم » إشـارة إلى أن شيئا من ذلك سيقع في أمته صلى الله عليه وسلم، وقد قال ذلك عليه الصلاة والسلام ناهيـا ومحذرا.
النهي عن أعمال تتعلق بالقبور:
لقد كان الأمر في صدر الإسلام على منع زيارة القبور لقرب عـهدهم بالجاهلية حماية لحمى التوحيد وصيانة لجنابه، ولما حسن الإيمان وعظم شـأنه في الناس ورسخ في القلوب واتضحت براهين التوحيد وانكشـفت شـبهة الشرك جاءت مشروعية زيارة القبور محددة أهدافها موضحة مقاصدها.
فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها » (رواه مسلم صحيح مسلم برقم 977).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « زوروا القبور فإنـها تذكـر الموت » (صحيح مسلم برقم 975).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني نهيتكـم عن زيـارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة» (مسند أحمد 3 / 38، ومستدرك الحاكم 1 / 531).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عـن زيارة القبور ألا فزوروها، فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجرا » (مستدرك الحاكم 1 / 532).
وعن بريدة رضي الله عنه قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكـم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنـا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية » (رواه مسلم صحيح مسلم برقم 975).
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أن مشروعية زيارة القبـور بعد المنع من ذلك إنما كانت لهدفين عظيمين وغايتين جليلتين:
الأولى: التزهيد في الدنيا بتذكر الآخرة والموت والبلى، والاعتبار بـأهل القبور مما يزيد في إيمان الشخص ويقوي يقينه ويعظم صلته بالله، ويذهـب عنه الإعراض والغفلة.
الثانية: الإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم والترحم عليهم وطلب المغفـرة لهم وسؤال الله العفو عنهم.
هذا الذي دل عليه الدليل، ومن ادعى غير ذلـك طولـب بالحجـة والبرهان.
ثم إن السنة قد جاءت بالنهي عن أمور عديدة متعلقة بالقبور وزيارتها، صيانة للتوحيد وحماية لجنابه، يجب على كل مسلم تعلمها ليكون في أمنـة من الباطل وسلامة من الضلال، ومن ذلك:
1 - النهي عن قول الهجر عند زيارة القبور.
وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم ولا تقولوا هجرا، والمراد بالهجر كل أمر محظـور شرعا، ويأتي في مقدمة ذلك الشرك بالله بدعاء المقبورين وسؤالهم مـن دون الله والاستغاثة بهم وطلب المدد والعافية منهم، فكل ذلك من الشرك البـواح والكفر الصراح، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة صريحة في المنع مـن ذلك والنهي عنه ولعن فاعله، ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبـد الله رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: « ألا إن من كـان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إنِّي أنهاكم عن ذلك» (صحيح مسلم برقم 532). فدعاء الأمـوات وسـؤالهم الحاجـات وصرف شيء من العبادة لهم شرك أكبر، أما العكوف عند القبور وتحـري إجابة الدعاء عندها ومثله الصلاة في المساجد التي فيها القبور فهو من البـدع المنكرة.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الـذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (صحيح البخاري برقم 1330، وصحيح مسلم برقم 531).
2 - الذبح والنحر عند القبور:
فإن كان ذلك تقربا إلى المقبورين ليقضوا حاجة للشخص فهو شـرك أكبر وإن كان لغير ذلك فهو من البدع الخطيرة التي هي من أعظم وسـائل الشرك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا عقر في الإسلام » (أبو داود الجنائز 3222، أحمد 3/197). قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة سنن أبي داود لرقم 3222.
3، 4، 5، 6، 7- رفعها زيادة على التراب الخارج منـها، وتجصيصها، والكتابة عليها، والبناء عليها، والقعود عليها.
فكل ذلك من البدع التي ضلت بها اليهود والنصارى وكانت من أعظم ذرائع الشرك، فعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القـبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه، وأن يزاد عليه، أو يكتب عليه. رواه مسلم، وأبو داود، والحاكم صحيح مسلم برقم 970، وسنن أبي داود برقم 3225، ورقم 3226، ومسـتدرك الحـاكم 1 / 525.
8 - الصلاة إلى القبور وعندها:
فعن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها » (رواه مسلم صحيح مسلم برقم 972).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلـها مسجد، إلا المقبرة والحمام » (رواه أبو داود والترمذي سنن أبي داود برقم 492، وسنن الترمذي برقم 317، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي).
9 - بناء المساجد عليها:
وهو بدعة من ضلالات اليهود والنصارى وتقدم حديث عائشة: « لعـن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
10 - اتخاذها عيدا.
وهو من البدع التي جاء النهي الصريح عنها لعظم ضررها، فعـن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تتخذوا قبري عيدا ولا تجعلـوا بيوتكم قبورا، وحيثما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني» (رواه أبـو داود وأحمد سنن أبي داود برقم 2042، ومسند أحمد 2 / 367).
11 - شد الرحال إليها.
وهو أمر منهي عنه لأنه من وسائل الشرك فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحـرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى» (رواه البخاري ومسلم صحيح البخاري برقم 1189، وصحيح مسلم 1397).
إعداد مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
كتاب شرح أصول الإيمان
Mohammed bein
2017-03-19, 17:10
لك جزيل الشكر
العضوالجزائري
2017-03-21, 13:06
لك جزيل الشكر
شكرا لك
.........................
العضوالجزائري
2017-03-21, 13:09
الحمد لله و به نستعين
ومما يندرج ضمن العبادة
التوسل.
أ- تعريفه: التوسـل مأخوذ في اللغة من الوسيلة، والوسـيلة والوصيلة معناهما متقارب، فالتوسـل هو التوصل إلى المراد والسعي في تحقيقه.
وفي الشرع يراد به التوصل إلى رضوان الله والجنة، بفعل ما شرعه وترك ما نهي عنه.
ب- معنى الوسيلة في القرآن الكريم:
وردت لفظة " الوسيلة " في القرآن الكريم في موطنين:
1 - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 35].
2 - قوله تعالى: أُولَئِكَ { الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:57].
والمراد بالوسيلة في الآيتين، أي: القربة إلى الله بالعمل بما يرضيه، فقد نقل الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية الأولى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى الوسيلة فيها القربة، ونقل مثل ذلك عن مجاهد وأبي وائـل والحسن البصري وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد تفسير ابن كثير 2 / 50.
وأما الآية الثانية فقد بين الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مناسبة نزولها التي توضح معناها فقال: " نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجنيون، والإنس الذين يعبدونهم لا يشعرون" صحيح مسلم برقم 3030. وصحيح البخاري رقم 4714.
وهذا صريح في أن المراد بالوسيلة ما يتقرب به إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة والعبادات الجليلة، ولذلك قال: { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } أي يطلبون ما يتقربون به إلى الله وينالون به مرضاته من الأعمال الصالحة المقربة إليه.
ج- أقسام التوسل:
ينقسم التوسل إلى قسمين: توسل مشروع، وتوسل ممنوع.
1 - التوسل المشروع: هو التوسل إلى الله بالوسيلة الصحيحـة المشروعة، والطريق الصحيح لمعرفة ذلك هو الرجوع إلى الكتاب والسنة ومعرفة ما ورد فيهما عنها، فما دل الكتاب والسنة على أنه وسيلة مشروعة فهو من التوسل المشروع، وما سوى ذلك فإنه توسل ممنوع.
والتوسل المشروع يندرج تحته ثلاثة أنواع:
الأول: التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى أو صفة من صفاته العظيمة، كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم أن تعافيني، أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي وترحمني، ونحو ذلك.
ودليل مشروعية هذا التوسل قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180].
الثاني: التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به العبد، كأن يقول: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك اغفر لي، أو يقول: اللهم إنـي أسألك بحبي لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم وإيماني به أن تفرج عني، أو أن يذكر الداعي عملا صالحا ذا بال قام به فيتوسل به إلى ربه، كما في قصة أصحاب الغـار الثلاثة التي سيرد ذكرها.
ويدل على مشروعيته قوله تعالى: { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:16]، وقوله تعـالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } [آل عمران:53].
ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار الثلاثة كما يرويها عبـد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه، فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنـه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز فذهب وتركه، وأني عمـدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أني اشتريـت منه بقرا، وأنه أتاني يطلـب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنما لي عندك فـرق من أرز، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنها من الفرق، فساقها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساخت فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه، كما في حديث سالم. عنهم الصخـرة، فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنـت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عليهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشـيتك ففـرج عنـا، فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء، فقال الآخر: اللـهم إن كنت تعلم أنه كانت لي ابنة عم من أحب الناس إلي، وإني راودتـها عـن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت بين رجليها فقالت: اتق الله ولا تفـض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركـت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلـك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا » (رواه البخاري صحيح البخاري برقم 3465).
الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابة دعائـه، كأن يذهب المسلم إلى رجل يرى فيه الصلاح والتقوى والمحافظة على طاعـة الله، فيطلب منه أن يدعو له ربه ليفرج كربته وييسر أمره.
ويدل على مشروعية هذا النوع أن الصحابة رضي الله عنـهم كـانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم بدعاء عام ودعاء خاص.
ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلا دخل يـوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاسـتقبل رسول صلى الله عليه وسلم قائما فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: « اللهم اسقنا، اللهم اسـقنا، اللهم اسقنا»، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعـة سحاب متفرق. ولا شيئا، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت مـن ورائـه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس ستا، ثم دخل رجل من ذلك البـاب في الجمعـة المقبلـة- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب- فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله، هلكـت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها، قال: فرفع رسـول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: « اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والظـراب ومنابت الشجر »، قال: فانقطعت، وخرجنا نمشي في الشمس. قال شـريك: فسألت أنسا: أهو الرجل الأول؟ قَال: لا أدري (صحيح البخاري برقم 1013، وصحيح مسلم رقم 897).
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن في أمته سبعين ألفـا يدخلـون الجنة بغير حساب ولا عذاب وقال: « هم الذي لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون » قام عكاشة بن محصن فقال: يا رسـول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «أنت منهم» (صحيح البخاري برقم 5705، وصحيح مسلم برقم 218). ومن ذلك حديـث ذكـر النبي صلى الله عليه وسلم أويسا القرني وفيه قال: « فاسألوه أن يستغفر لكـم ».
وهذا النوع من التوسل إنما يكون في حياة من يطلب منه الدعاء، أمـا بعد موته فلا يجوز، لأنه لا عمل له.
2 - التوسل الممنوع: هو التوسل إلى الله تعالى بما لم يثبت في الشريعة أنه وسيلة، وهو أنواع بعضها أشد خطورة من بعض، منها:
1 - التوسل إلى الله تعالى بدعاء الموتى والغـائبين والاسـتغاثة بهـم وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات ونحو ذلك، فهذا مـن الشـرك الأكبر الناقل من الملة.
2 - التوسل إلى الله بفعل العبادات عند القبور والأضرحة بدعـاء الله عندها، والبناء عليها، ووضع القناديل والستور ونحو ذلك، وهذا من الشـرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد، وهو ذريعة مفضية إلى الشرك الأكبر.
3 - التوسل إلى الله بجاه الأنبياء والصـالحين ومكانتهم ومنـزلتهم عند الله، وهذا محرم، بل هو من البدع المحدثة، لأنه توسل لم يشـرعه الله ولم يأذن به. قال تعالى: { آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } [يونـس:59] ولأن جـاه الصـالحين ومكانتهم عند الله إنما تنفعهم هم، كما قال الله تعالى: { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } [النجم:39]، ولذا لم يكن هذا التوسل معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد نص على المنع منه وتحريمه غير واحد من أهل العلم:
قال أبو حنيفة رحمه الله: "يكره أن يقول الداعي أسألك بحق فـلان أو بحق أوليائك ورسلك أو بحق البيت الحرام والمشعر الحرام".
د- شبهات وردها في باب التوسل.
قد يورد المخالفون لأهل السنة والجماعة بعض الشبهات والاعتراضـات في باب التوسل، ليتوصلوا بها إلى دعم تقريراتهم الخاطئة، وليوهمـوا عـوام المسلمين بصحة ما ذهبوا إليه، ولا تخرج شبهات هؤلاء عن أحد أمرين:
الأول: إما أحاديث ضعيفة أو موضوعة يستدل بها هؤلاء علـى مـا ذهبوا إليه، وهذه يفرغ من أمرها بمعرفة عدم صحتها وثبوتها، ومن ذلك:
1 - حديث: توسـلوا بجاهي فإن جاهي عنـد الله عظيـم، أو إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم، وهو حديث بـاطل يـروه أحـد مـن أهل العلم، ولا هو في شـيء من كتـب الحديـث.
2 - حديث: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور، أو فاسـتغيثوا بأهل القبور، وهو حديث مكذوب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق العلماء.
3 - حديث: لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه، وهو حديث بـاطل مناقـض لدين الإسلام، وضعه بعض المشركين.
4 - حديث: "لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لمـا غفرت لي، فقال: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لمـا خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيـت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمـك إلا أحـب الخلـق إليـك، فقـال: غفـرت لـك ولـولا محمـد مـا خلقتك" (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ج 1 / 88 ح 25. وهو حديث باطل لا أصل له، ومثله حديث: لولاك ما خلقـت الأفلاك).
فمثل هذه الأحاديث المكذوبة والروايات المختلقة الملفقة لا يجوز لمسـلم أن يلتفت إليها فضلا عن أن يحتج بها ويعتمدها في دينه.
الثاني: أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم يسـيء هـؤلاء فهمـها ويحرفونا عن مرادها ومدلولها، ومن ذلك:
1 - ما ثبت في الصحيح: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطـوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينـا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون (صحيح البخاري برقم 1010).
ففهمـوا مـن هـذا الـحديـث أن تـوسـل عمر رضي الله عنه إنما كان بجـاه العبـاس رضي الله عنه ومكانته عند الله عز وجل، وأن المراد بقولـه: كنـا نتوسل إليك بنبينا [أي بجاهه] فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينـا [أي بجاهه].
وهذا ولا ريبِ فهم خاطئ وتأويل بعيد لا يدل عليه سياق النص لا من قريب ولا من بعيد، إذ لم يكن معروفا لدى الصحابة التوسل إلى الله بـذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه، وإنما كانوا يتوسلون إلى الله بدعائه حال حياتـه كمـا تقدم بعض هذا المعنى، وعمر رضي الله عنه لم يرد بقوله: إنا نتوسل إليك بعم نبينا أي ذاته أو جاهه، وإنما أراد دعاءه، ولو كان التوسل بـالذات أو الجاه معروفا عندهم لما عدل عمر عن التوسل بـالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسـل بالعباس رضي الله عنه، بل ولقال له الصحابة إذ ذاك كيف نتوسـل بمثـل العباس ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق، فلما لم يقـل ذلك أحد منهم، وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه، وبعد مماتـه توسـلوا بدعاء غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعـاء المتوسـل لا بذاته.
وبهذا يتبين أن الحديث ليس فيه متمسك لمن يقول بجـواز التوسـل بالذات أو الجاه.
2 - حديث عثمان بن حنيف: أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: « إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك»، قال: فادعه، قال:« فأمره أن يتوضأ فيحسن وضـوءه ويدعـو بهـذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في » (رواه الـترمذي وأحمد وقال البيهقي إسناده صحيح سنن الترمذي برقم 3578، ومسند أحمد 4 / 138).
ففهموا من الحديث أنه يدل على جواز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غـيره من الصالحين، وليس في الحديث ما يشهد لذلك، فإن الأعمى قد طلب مـن النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بأن يرد الله عليه بصره، فقال له: إن شئت صبرت وإن شئت دعوت، فقال: فادعه، إلى غير ذلك من الألفاظ الواردة في الحديـث المصرحة بأن هذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا بذاته أو جاهه، ولذا ذكر أهـل العلم هذا الحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، فإنه صلى الله عليه وسلم ببركـة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره ولهـذا أورده البيـهقي في دلائـل النبوة دلائل النبوة للبيهقي 6 / 167..
وأما الآن وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن مثل هذا لا يمكن أن يكون لتعـذر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بعد
الموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا مات الإنسان انقطـع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو لـه » (رواه مسلم صحيح مسلم برقم 1631).
والدعاء من الأعمال الصالحة التي تنقطع بالموت.
وعلى كل فإن جميع ما يتعلق به هؤلاء لا حجة فيه، إما لعدم صحته، أو لعدم دلالته على ما ذهبوا إليه.
إعداد مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
كتاب شرح أصول الإيمان
*
kkrim184
2017-03-24, 19:47
الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي
hocine11
2017-04-11, 18:56
بارك الله فيك
العضوالجزائري
2017-04-11, 23:07
بارك الله فيكم
العضوالجزائري
2017-06-04, 19:28
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيد المرسلين
توحيد الربوبية
كتاب :عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر والتعطيل والبدع وغير ذلك للشيخ صالح الفوزان حفظه الله
الباب الثاني
في بيان معنى التوحيد وأنواعه
التوحيدُ: هو إفرادُ الله بالخلق والتدبر، وإخلاصُ العبادة له، وترك عبادة ما سواه، وإثبات ما لَهُ من الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وتنزيهه عن النقص والعيب؛ فهو بهذا التعريف يشملُ أنواع التوحيد الثلاثة، وبيانها كالتالي:
1 - توحيد الربوبية
ويتضمن الفصول التالية:
الفصل الأول: في بيان معنى توحيد الربوبية، وفطريته وإقرار المشركين به.
الفصل الثاني: في بيان مفهوم كلمة الرب في القرآن والسنة، وتصورات الأمم الضّالَّة في باب الربوبية، والرد عليها.
الفصل الثالث: في بيان خضوع الكون في الانقياد والطاعة لله.
الفصل الرابع: في بيان منهج القرآن في إثبات وحدانية الله في الخلق والرزق وغير ذلك.
الفصل الخامس: في بيان استلزام توحيد الربوبية لتوحيد الألوهية.
الفصل الأول
في بيان معنى توحيد الربوبية وإقرار المشركين به
التوحيد: بمعناه العام هو اعتقادُ تفرُّدِ الله تعالى بالربوبية، وإخلاص العبادة له، وإثبات ما له من الأسماء والصفات، فهو ثلاثة أنواع:
توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وكل نوع له معنى لا بد من بيانه؛ ليتحدد الفرق بين هذه الأنواع:
1 - فتوحيد الربوبية
هو إفرادُ الله تعالى بأفعاله؛ بأن يُعتقَدَ أنه وحده الخالق لجميع المخلوقات: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] .
وأنه الرزاق لجميع الدواب والآدميين وغيرهم: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] .
وأنه مالكُ الملك، والمدبّرُ لشؤون العالم كله؛ يُولِّي ويعزل، ويُعزُّ ويُذل، قادرٌ على كل شيء، يُصَرِّفُ الليل والنهار، ويُحيي ويُميت: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 26، 27] .
وقد نفى الله سبحانه أن يكون له شريكٌ في الملك أو معين، كما نفى
سُبحانه أن يكونَ له شريكٌ في الخلق والرِّزق، قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11] .
وقال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} [الملك: 21] .
كما أعلن انفراده بالربوبية على جميع خلقه فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ، وقال: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] .
وقد فَطَرَ الله جميعَ الخلق على الإقرار بربوبيته؛ حتى إن المشركين الذين جعلوا له شريكًا في العبادة يقرون بتفرده بالربوبية، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 86- 89] .
فهذا التوحيدُ لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم؛ بل القلوب مفطورة على الإقرار به؛ أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات؛ كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10] .
وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الرب فرعون، وقد كان مستيقنًا به في الباطن كما قال له موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102] .
وقال عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] .
وكذلك من يُنكرُ الربَّ اليومَ من الشيوعيين؛ إنما ينكرونه في الظاهر مكابرة؛ وإلا فهم في الباطن لا بد أن يعترفوا أنه ما من موجود إلا وله موجد، وما من مخلوق إلا وله خالق وما من أثر إلا وله مؤثر، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 35- 36] .
تأمل العالم كله، علويه وسفليه، بجميع أجزائه؛ تجده شاهدًا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه. فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العلم وجحده، لا فرق بينهما وما تتبجح به الشيوعية اليوم من إنكار وجود الرب؛ إنما هو من باب المكابرة، ومصادرة نتائج العقول والأفكار الصحيحة، ومن كان بهذه المثابة فقد ألغى عقله ودعا الناس للسخرية منه.
قال الشاعر:
كيف يعصى الإله ... ويجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
الفصل الثاني
مفهومُ كلمةِ الربِّ في القرآن والسُّنَّة وتصوُّرات الأمم الضّالَّة
1 - مفهوم كلمة الرّبِّ في الكتاب والسنة
الرّبُّ في الأصل: مصدرُ ربَّ يَرُبُّ، بمعنى: نشَّأ الشيءَ من حال إلى حال التمام، يُقالُ: ربَّه وربَّاه وربَّبَهُ، فلفظ (رب) مصدر مستعار للفاعل، ولا يُقالُ: (الرَّبُّ) بالإطلاق إلا لله تعالى المتكفل بما يصلح الموجودات، نحو قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ، {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 26] .
ولا يقال لغيره إلا مضافًا محدودًا، كما يقال: رب الدار؛ وربُّ الفرس. يعني صاحبُها، ومنه قولُه تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: 42] . وقوله تعالى: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50] . {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يوسف: 41] .
وقال - صلى الله عليه وسلم - في ضالة الإبل: «حتى يجدها ربها» .
فتبين بهذا: أن الرب يطلق على الله معرفًا ومضافًا، فيقال: الرب، أو رب العالمين، أو رب الناس، ولا تُطلق كلمة الرّبِّ على غير الله
إلا مضافة، مثل: رب الدار، ورب المنزل، ورب الإبل.
ومعنى (رب العالمين) أي: خالقهم ومالكهم، ومصلحهم ومربهيم بنعمه، وبإرسال رسله، وإنزال كتبه، ومجازيهم على أعمالهم. قال العلامة ابن القيم - رحمه الله -: (فإنَّ الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم، وجزاء مُحسنهم بإحسانه، ومُسيئهم بإساءته) .
هذه حقيقة الربوبية.
2 - مفهوم كلمة الرب في تصورات الأمم الضالة:
خلق الله الخلق مفطورين على التوحيد، ومعرفة الرب الخالق سبحانه، كما قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] .
وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172] .
فالإقرارُ بربوبية الله والتوجه إليه أمر فطري، والشرك حادث طارئ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه» فلو خُلِّيَ العبد وفطرته لاتجه إلى التوحيد وقَبِل دعوة الرسل؛ الذي جاءت به الرسل، ونزلت به
الكتب، ودلّت عليه الآيات الكونية، ولكن التربية المنحرفة والبيئة الملحدة هما اللتان تغيران اتجاه المولود، ومن ثَمَّ يقلد الأولاد آباءهم في الضلالة والانحراف.
يقولُ الله تعالى في الحديث القدسي: «خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين» أي: صَرَفَتْهُم إلى عبادة الأصنام، واتخاذها أربابًا من دون الله؛ فوقعوا في الضلال والضياع، والتفرق والاختلاف؛ كل يتخذ له ربًّا يعبده غير رب الآخر؛ لأنهم لما تركوا الرب الحق، ابتُلُوا باتخاذ الأرباب الباطلة، كما قال تعالى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32] والضلال ليس له حدّ ونهاية، وهو لازم لكل من أعرضَ عن ربه الحق، قال الله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف: 39، 40] .
والشّركُ في الربوبية باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال ممتنع، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن معبوداتهم تملك بعض التصرفات في الكون، وقد تلاعب بهم الشيطان في عبادة هذه المعبودات، فتلاعَبَ بكل قوم على قدر عقولهم، فطائفة دعاهم إلى
عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم، كقوم نوح، وطائفةٌ اتخذت الأصنام على صورة الكواكب التي زعموا أنها تؤثر على العالم، فجعلوا لها بيوتًا وسدنة.
واختلفوا في عبادتهم لهذه الكواكب: فمنهم من عبد الشمس، ومنهم من عبد القمر، ومنهم من يعبدُ غيرهما من الكواكب الأخرى؛ حتى بنوا لها هياكل، لكل كوكب منها هيكل يخصه، ومنهم من يعبدُ النار، وهم المجوس، ومنهم من يعبد البقر، كما في الهند، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم من يعبدُ القبور والأضرحة، وكل هذا بسبب أن هؤلاء تصوروا في هذه الأشياء شيئًا من خصائص الربوبية.
فمنهم من يزعم أن هذه الأصنام تمثل أشياء غائبة، قال ابن القيم: (وضع الصنم إنما كان في الأصل على شكل معبود غائب، فجعلوا الصنم على شكله وهيئته وصورته؛ ليكون نائبًا منابه، وقائمًا مقامه. وإلا فمن المعلوم أن عاقلًا لا ينحت خشبة أو حجرًا بيده، ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده ... ) . انتهى.
كما أن عُبَّاد القبورِ قديمًا وحديثًا يزعمون أن هؤلاء الأموات يشفعون لهم، ويتوسطون لهم عند الله في قضاء حوائجهم ويقولون:
{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ، {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] .
كما أن بعض مشركي العرب والنصارى تصوروا في معبوداتهم أنها ولد الله، فمشركو العرب عبدوا الملائكة على أنها بنات الله، والنصارى عبدوا المسيح - عليه السلام - على أنه ابن الله.
3 - الرد على هذه التصورات الباطلة:
قد رد الله على هذه التصورات الباطلة جميعًا بما يأتي:
أ - ردّ على عبدة الأصنام بقوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19، 20] ومعنى الآية كما قال القرطبي: أفرأيتم هذه الآلهة! أنفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله تعالى؟ وهل دفعت عن نفسها حينما حطمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - وهدموها.
وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 69- 74] .
فقد وافقوا على أنَّ هذه الأصنامَ لا تسمعُ الدعاءَ ولا تنفعُ ولا تضر، وإنَّما عبدوها تقليدًا لآبائهم، والتقليد حجة باطلة.
ب - ورد على من عبد الكواكب والشمس والقمر بقوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} [الأعراف: 54] ، وبقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] .
ج - ورد على من عبد الملائكة والمسيح - عليهم السلام - على أنهم ولد الله بقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 91] ، وبقوله: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: 101] ، وبقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 3، 4] .
الفصل الثالث
الكونُ وفطرتُهُ في الخُضُوعِ والطَّاعةِ لله
إنَّ جميع الكون بسمائه وأرضه وأفلاكه وكواكبه، ودوابه وشجره ومدره وبره وبحره، وملائكته وجنه وإنسه؛ كله خاضع لله، مطيع لأمره الكوني، قال تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83] ، وقال تعالى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116] ، {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49] ، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18] ، {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15] .
فكُلُّ هذه الكائنات والعوالم مُنقادة لله، خاضعة لسلطانه؛ تجري وفق إرادته وطوع أمره، لا يستعصي عليه منها شيء؛ تقوم بوظائفها، وتؤدي نتائجها بنظام دقيق، وتنزه خالقها عن النقص والعجز والعيب، قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] .
فهذه المخلوقات صامتها وناطقها، وحيها وميتها، كلها مُطيعةٌ لله،
مُنقادة لأمره الكوني، وكُلُّها تنزه الله عن النقائص والعيوب بلسان الحال، ولسان المقال. فكلما تدبّر العاقل هذه المخلوقات؛ علم أنها خُلقت بالحق وللحق، وأنها مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء عن أمر مدبرها؛ فالجميع مُقِرُّون بالخالق بفطرتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (وهم خاضعون مُستسلمون، قانتون مضطرون، من وجوه:
منها: علمهم بحاجتهم وضرورتهم إليه.
ومنها: خضوعُهُم واستسلامهم لما يجري عليهم من أقداره ومشيئته.
ومنها: دعاؤهم إياهُ عندَ الاضطرار.
والمؤمن يخضع لأمر ربه طوعًا؛ وكذلك لما يقدره عليه من المصائب، فإنه يفعلُ عندها ما أمر به من الصبر وغيره طوعًا؛ فهو مسلم لله طوعًا، خاضع له طوعًا. والكافرُ يخضع لأمر ربه الكوني، وسجود الكائنات المقصود به الخضوعُ، وسجود كل شيء بحَسَبِه، سُجودٌ يناسبه ويتضمَّنُ الخضوع للرب، وتسبيح كل شيء بحسبه حقيقةً لا مجازًا) .
وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83] .
قال: (فذكر سبحانه إسلام الكائنات طوعًا وكرهًا؛ لأن المخلوقات جميعها متعبدة له التعبد التام؛ سواء أقر المقر بذلك أو أنكره؛ وهم مَدينون له مُدَبَّرون؛ فهمُ مسلمون له طوعًا وكرهًا، وليس لأحد من المخلوقات خروج عمَّا شاءه وقدَّره وقضاه، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو رب العالمين ومليكُهُم، يصرفهم كيف يشاء، وهو خالقهم كلهم، وبارئهم ومصورهم، وكل ما سواه فهو مربوب مصنوع، مفطور فقير محتاج مُتعبدٌ مقهور؛ وهو سبحانه الواحد القهار الخالق البارئ المصور) .
الفصل الرابع
في بيانِ منهج القرآن في إثبات وُجُودِ الخالقِ ووحدانيَّته
منهجُ القرآن في إثبات وجود الخالق ووحدانيته هو المنهج الذي يتمشّى مع الفطر المستقيمة، والعقول السليمة، وذلك بإقامة البراهين الصحيحة، التي تقتنع بها العقول، وتسلم بها الخصوم، ومن ذلك:
1 - من المعلوم بالضرورة أن الحادث لا بد له من محدث:
هذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة؛ حتى للصبيان؛ فإنَّ الصَّبيَّ لو ضربَهُ ضاربٌ، وهو غافلٌ لا يُبصره، لقال: من ضربني؟ فلو قيل له: لم يضربكَ أحدٌ؛ لم يقبل عقلُهُ أن تكونَ الضَّربةُ حدثت من غير محدث؛ فإذا قيل: فلان ضربَكَ، بكى حتى يُضرَبَ ضاربُهُ؛ ولهذا قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] .
وهذا تقسيم حاصر، ذكره الله بصيغة استفهام إنكاري؛ ليبيّن أنَّ هذه المقدمات معلومة بالضرورة، لا يمكن جحدها، يقول: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} أي: من غير خالق خلقهم، أم هم خَلَقوا أنفسهم؟ وكلا الأمرين باطلٌ؛ فتعين أن لهم خالقًا خلقهم، وهو الله سبحانه، ليسَ هُناك خالق غيره، قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11] .
{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} [الأحقاف: 4] .
{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16] ،
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: 73] .
{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل: 20] .
{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17] .
ومع هذا التحدي المتكرِّر لم يدَّع أحدٌ أنه خلقَ شيئًا، ولا مجرد دعوى - فضلًا عن إثبات ذلك - فتعيَّنَ أن الله سُبحانه هو الخالقُ وحدَهُ لا شريك له.
2 - انتظام أمر العالم كله وإحكامه:
أدلُّ دليل على أنَّ مدبره إلهٌ واحد، وربٌّ واحدٌ لا شريك له ولا مُنازع.
قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] .
فالإله الحق لا بد أن يكون خالقًا فاعلًا، فلو كان معه سبحانه إله آخر، يُشاركه في مُلكه - تعالى الله عن ذلك - لكان له خلق وفعل، وحينئذٍ فلا يرضى شِركَةَ الإله الآخر معه؛ بل إن قدر على قهر شريكه وتفرَّد بالملك والإلهية دونَهُ فعل. وإن لم يقدر على ذلك انفرد بنصيبه في الملك والخلق؛ كما ينفرد ملوكُ الدنيا بعضهم عن بعض بملكه، فيحصل الانقسام. فلا بُدَّ من أحد ثلاثة أمور:
أ - إما أن يقهر أحدهما الآخر وينفردَ بالملك دونه.
ب - وإما أن ينفردَ كُلُّ واحد منهما عن الآخر بملكه وخلقه؛ فيحصل الانقسام.
ج - وإما أن يكونا تحت مَلِكٍ واحدٍ يتصرّفُ فيهما كيف يشاء؛ فيكون هو الإله الحق وهم عَبيدُه.
وهذا هو الواقعُ، فإنه لم يحصل في العالم انقسام ولا خلل؛ مما يَدُلُّ على أنَّ مدبره واحدٌ، لا منازع له، وأن مالكه واحد لا شريك له.
3 - تسخيرُ المخلوقاتِ لأداء وظائفها، والقيام بخصائصها:
فليسَ هُناك مخلوق يستعصي ويمتنع عن أداء مهمته في هذا الكون، وهذا ما استدل به موسى - عليه السلام - حين سأله فرعون: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى} [طه: 49] أجاب موسى بجواب شافٍ كافٍ فقال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به؛ من كبر الجسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته، ثم هدى كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهدايةُ هي هداية الدلالة والإلهام، وهي الهدايةُ الكاملةُ المشاهدَةُ في جميع المخلوقات، فكلُّ مخلوق تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضَارِّ عنه، حتى إنَّ الله أعطى الحيوان البهيم من الإدراك ما يتمكن به من فعل ما ينفعه، ودفع ما يضره، وما به يؤدي مهمته في الحياة، وهذا كقوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] .
فالذي خلق جميعَ المخلوقات، وأعطاها خلقَها الحسنَ - الذي لا تقترح العقول فوق حسنه - وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكارُهُ إنكارٌ لأعظم الأشياء وجودًا، وهو مكابرة ومُجاهرة بالكذب، فالله أعطَى الخلق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا، ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به، ولا شك أنه أعطى كل صنف شكلَه وصورتَهُ المناسبة له، وأعطى كل ذكر وأنثى الشّكلَ المناسبَ له من جنسه، في المناكحة والألفة والاجتماع، وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به، وفي هذا براهين قاطعة على أنه جل وعلا رَبُّ كُلِّ شيء، وهو المستحقُّ للعبادةِ دون سواه ...
وفي كُلِّ شيءٍ لَهُ آيةٌ ... تَدلُّ على أنّه الواحدُ
ومما لا شك فيه أنَّ المقصودَ من إثبات ربوبيته - سبحانه - لخلقه وانفراده لذلك: هو الاستدلال به على وجوب عبادته وحده لا شريك له؛ الذي هو توحيد الألوهية، فلو أن الإنسان أقر بتوحيد الربوبية ولم يقر بتوحيد الألوهية أو لم يَقُمْ به على الوجه الصحيح لم يكن مسلمًا، ولا موحدًا؛ بل يكون كافرًا جاحدًا، وهذا ما سنتحدَّث عنه في الفصل التالي - إن شاء الله تعالى.
الفصل الخامس
بيانُ استلزامِ توحيدِ الرُّبوبيَّةِ لتوحيد الأُلوهيَّة
ومعنى ذلك أنَّ من أقرَّ بتوحيد الربوبية لله، فاعترف بأنه لا خالق ولا رازق ولا مدبِّر للكون إلا الله - عز وجل - لزمه أن يُقرَّ بأنه لا يستحق العبادة بجميع أنواعها إلا الله سبحانه، وهذا هو توحيد الألوهية، فإنَّ الألوهية هي العبادة؛ فالإله معناه: المعبود، فلا يُدعى إلا الله، ولا يُستغاثُ إلا به، ولا يُتوَكَّلُ إلا عليه، ولا تذبح القرابين وتُنذر النذورُ ولا تُصرفُ جميعُ أنواع العبادة إلا له؛ فتوحيدُ الربوبية دليلٌ لوجوب توحيد الألوهية؛ ولهذا كثيرًا ما يحتجُّ الله - سُبحانه - على المنكرين لتوحيد الألوهية بما أقروا به من توحيد الربوبية، مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21، 22] .
فأمرهم بتوحيد الألوهية، وهو عبادتهُ، واحتجَّ عليهم بتوحيد الرُّبوبية الذي هو خلقُ الناس الأولين والآخرين، وخلقُ السماءِ والأرضِ وما فيهما، وتسخير الرياح وإنزالُ المطر، وإنباتُ النبات، وإخراج الثمرات التي هي رزق العباد، فلا يليق بهم أن يُشركوا معه
غيره؛ ممَّنْ يعلمون أنه لم يفعل شيئًا من ذلك، ولا من غيره، فالطريق الفطري لإثبات توحيد الألوهية: الاستدلال عليه بتوحيد الربوبية؛ فإن الإنسان يتعلق أولًا بمصدر خلقه، ومنشأ نفعه وضره؛ ثم ينتقل بعد ذلك إلى الوسائل التي تقرّبه إليه، وترضيه عنه، وتوثق الصلة بينه وبينه، فتوحيد الربوبية بابٌ لتوحيد الألوهية؛ من أجل ذلك احتجَّ الله على المشركين بهذه الطريقة، وأمر رسوله أن يحتجَّ بها عليهم، فقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84- 89] .
وقال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} [الأنعام: 102] .
فقد احتج بتفرُّدِه بالربوبية على استحقاقه للعبادة، وتوحيد الألوهية: هو الذي خلق الخلق من أجله، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
ومعنى (يعبدون) : يُفردوني بالعبادة، ولا يكون العبدُ موحدًا بمجرد اعترافه بتوحيد الربوبية؛ حتى يُقرَّ بتوحيد الألوهية، ويقومَ
به، وإلا فإنَّ المشركين كانوا مُقرِّينَ بتوحيدِ الربوبية، ولم يُدخلهم في الإسلام، وقاتلهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يُقرُّون بأن الله هو الخالق الرازق، المحيي المميت، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] ، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9] ، {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس: 31] .
وهذا كثيرٌ في القرآن، فمن زعمَ أنَّ التوحيدَ هو الإقرارُ بوجود الله، أو الإقرار بأن الله هو الخالق المتصرف في الكون، واقتصر على هذا النوع؛ لم يكن عارفًا لحقيقة التوحيد الذي دعَتْ إليه الرسل؛ لأنه وقفَ عندَ الملزوم وترك اللازم، أو وقف عند الدليل وترك المدلول عليه.
ومن خصائص الألوهية: الكمالُ المطلقُ من جميع الوجوه؛ الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم والإجلال، والخشية والدعاء، والرجاء، والإنابة، والتوكل والاستغاثة، وغاية الذّلِّ مع غاية الحب، كل ذلك يجب عقلًا وشرعًا وفطرةً أن يكون لله وحده، ويمتنع عقلًا وشرعًا وفطرةً أن يكون لغيره.
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir