محمد علي 12
2016-11-13, 21:07
يهدد مشروع مراجعة نظام التقاعد بتلغيم العلاقة بين الحكومة من جهة والمعارضة الممثلة في البرلمان والنقابات الرافضة للمشروع من جهة أخرى، في ظل تمسك كل طرف بموقفه، وتبدو المبررات المقدمة من هذه الجهة أو تلك فيها شيء من العقلانية.. فالحكومة تقول إن صندوق التقاعد مهدد بالإفلاس وتعطي للقضية بعدا تضامنيا بين الأجيال، كما قال سلال.. في حين يقول الغاضبون من العمال، إنهم يرفضون دفع ثمن أخطاء غيرهم، ويوجهون الحكومة للبحث عن حلول لهذه المعضلة بعيدا عنهم، كأن تفعّل آليات الرقابة على المتعاملين الخواص، الذين يرفض الكثير منهم التصريح بالعمال، وهو ما يحرم الصندوق موارد مالية معتبرة.. أمر يبدو فيه الكثير من الوجاهة لأن هذه الظاهرة منتشرة بقوة.. فأي الموقفين أقرب إلى العقلانية؟ وهل هناك منفذ لحل وسط يجنب أي تصعيد يقود للانسداد؟ أم أن منطق الغالب والمغلوب سينتصر في الأخير؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول الملف السياسي لهذا العدد الإجابة عليها.
البرلمان والشارع ميدان هذا الصراع
معركة بين الحكومة والنقابات .. من سينتصر؟
معركة كسر عظم تلك التي تجري هذه الأيام بين الحكومة من جهة، والنقابات ونواب المعارضة في الغرفة السفلى للبرلمان، حيث تم الشروع في مناقشة مشروع قانون التقاعد على مستوى لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والتكوين المهني والعمل.
وبينما تشهد بعض المؤسسات العمومية الكبرى، مثل الشركة الوطنية للسيارات الصناعية بالرويبة، التي تحظى بنحو 40 ألف عامل، حالة من الغليان بسبب قرار الحكومة القاضي بتثبيت سن التقاعد عند 60 سنة، كما جاء في المشروع القانوني الموجود بين أيدي النواب، خيم الانسداد على عمل اللجنة المعنية بدراسة الملف، وذلك إثر انسحاب نواب أحزاب متحفظة على المشروع، في صورة كل من "تكتل الجزائر الخضراء" وجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال، رفضا لما اعتبروه قفزا على ما سبق العمل به، مثل الاستماع للمعنيين بالملف.
ويقترب عمر هذه المعركة من نصف السنة، لكنها تأججت مباشرة بعد إعلان الوزير الأول عبد المالك سلال عن المشروع بصفة رسمية، ومنذ ذلك اليوم والبلاد تشهد حراكا نقابيا، لم تساهم في إيقافه المهلة التي أعطتها الحكومة للراغبين في الاستفادة من التقاعد حتى نهاية السنة الجارية، ما يؤشر على أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تصعيدا أكثر.
أبرز مبررات التي ساقتها الحكومة للدفاع عن قرارها، كان مبدأ التضامن بين الأجيال، غير أن العمال وممثلوهم يؤكدون أن البحث عن الحلول لا يمر بالضرورة عبر إجبار "الطبقة الكادحة" على تحمل مسؤولية تغطية تراجع موارد الصندوق الوطني للتقاعد، بل يجب البحث عنها في مكان آخر، وبالضبط عند القطاع الخاص، الذي يرفض البعض من رجاله التصريح بالعمال، أو التلاعب في عمليات التصريح، كما يقول العمال المحتجون.
وبين هذا وذاك، يبقى القرار رهينة وتيرة الاحتجاج في الشارع من قبل النقابات، وداخل قبة البرلمان عند التصويت على المسودة النهائية.. ولأن البرلمان يوجد تحت سيطرة الأغلبية الموالية للحكومة (حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وبعض الأحزاب الأخرى الصغيرة الموالية، مثل "تاج" والحركة الشعبية)، ما يعني أن هذه الورقة ليست في يد المطالبين بالإبقاء على نظام التقاعد القديم.
وانطلاقا من هذا المعطى يمكن القول إن المحتجين لم يبق أمامهم سوى استعمال ورقة الاحتجاجات، التي تتطلب موقفا تضامنيا كبيرا من قبل مختلف الفئات العمالية، التي تبدو غير متبلورة بالشكل الكافي، لأن الحكومة عرفت كيف تمتص غضب بعض الشرائح، التي قررت الاستفادة من المهلة الممتدة إلى غاية 31 ديسمبر المقبل.
عددها أربعة وأحدها فرضه صندوق النقد الدولي
هذه هي أنواع التقاعد وهذا هو المطروح للتعديل
ينقسم التقاعد في المنظومة الجزائرية إلى أربعة أقسام، أولها، التقاعد حسب السن الشرعي، وهو التقاعد العادي والشائع، وشرطه الأساسي أن يصل العامل فيه الستين سنة، كما يجب ألا يقل فيه عدد سنوات العمل عن 15 سنة، وهو النوع المراد تعديله.
وتخول هذه الصيغة للمستخدم (صاحب العمل)، أن يحيل العامل بدون إذن أو طلب من هذا الأخير، إلى التقاعد إذا توفر فيه الشرطان المذكوران، بعدما يكون قد طلب المستخدم من العامل استكمال الملف 6 أشهر من قبل، وهي المهلة التي خصصها المشرع للعامل كي يتمكن من جمع كافة الوثائق المطلوبة، كأن يكون قد عمل في مؤسسة أخرى، وهو ما يحتم عليه إضافة شهادات عمل في ملف تقاعده الخاص الموجود لدى الجهة التي يشتغل عندها.
أما الصنف الثاني من التقاعد فهو التقاعد من دون شرط السن، وهو يخص كل عامل قام بالاشتراك لدى الصندوق الوطني للتقاعد لمدة 32 سنة على الأقل، وفي هذه الحالة يمكن للعامل أن يتقدم بطلب الإحالة على التقاعد، بمعنى حتى لو كانت للعامل أقل من 60 سنة يمكنه طلب التقاعد، ولا يمكن للمستخدم في هذه الحالة أن يحيل العامل إجباريا على التقاعد ما دام لم يبلغ بعد 60 سنة.
الصنف الثالث وهو التقاعد النسبي، وفيه يمكن للعامل أن يستفيد من هذا التقاعد بطلب منه طبعا، إذا استوفى شرطين أساسيين، كأن يبلغ خمسين سنة على الأقل، وأن يكون قد اشترك في الصندوق لمدة عشرين سنة على الأقل.
أما التقاعد المسبق، وهو الصنف الرابع والأخير، ويختلف عن الأصناف السابقة في كونه لا يمس كل القطاعات بل يخص العاملين في القطاع الاقتصادي فقط، وقد تم الاستنجاد بهذا الصنف خلال عشرية التسعينيات، تماشيا والقرارات التي فرضها صندوق النقد الدولي على الحكومة الجزائرية، بعد جدولة الديون الخارجية، لأن الكثير من المؤسسات تم حلها، وأحيل عمالها على الصندوق الوطني للضمان عن البطالة.. وأهم شروطه أن يبلغ العامل المعني بهذا الإجراء 50 سنة وعمل لمدة 20 سنة أو قام بالاشتراك لمدة 10 سنوات على الأقل.
ممثل المركزية النقابية في لجنة المهن الشاقة عمار تاقجوت
المركزية النقابية لا تقف ضد مصالح العمال.. وكفانا مزايدات
من المنتظر التصويت على مشروع قانون التقاعد على مستوى البرلمان قبل نهاية الشهر الجاري، كيف تقيّم المركزية النقابية هذا القانون المثير للجدل؟
نحن ننظر للمشروع من زوايا متعددة، وليس فقط من جهة واحدة، فالاتحاد العام للعمال الجزائريين يدرس أوضاع العمال ومدى استعدادهم للعمل لسنوات إضافية بعد إلغاء التقاعد المسبق والنسبي، وكذلك نضع نصب أعيننا الوضع المالي والاقتصادي للصندوق الوطني للتقاعد الذي يعيش أزمة خانقة، ومن جهة أخرى نشرّح الإصلاحات المطروحة على طاولة الحكومة لمعالجة نظام التقاعد الذي يراوح نفسه منذ سنوات، وكيفية تعميق أواصر التضامن بين الأجيال، ولذلك فمقترحاتنا كلها تمحورت حول هذا المنحى، لتبقى الكرة في مرمى النواب، الذين ستوكل إليهم مهمة التصويت على القانون، واقتراح التعديلات التي يرونها مناسبة.
المركزية النقابية منشغلة هذه الأيام بتحضير قائمة المهن الشاقة، المستثناة من قرار إلغاء التقاعد المسبق والنسبي، أين وصلت عملية تحديد هذه المهن، وما هي المعايير المعتمدة من طرفكم؟
آخر اجتماع انعقد على مستوى المركزية النقابية كان يوم الاثنين الماضي، واتفقنا على أن تشمل قائمة المهن الشاقة أيضا الضرر المعنوي وليس فقط الضرر الجسدي، المرتبط بساعات العمل الإضافية والمواد الكيماوية وحمل الأثقال والشغل الليلي والأمراض الجسدية، وبذلك تمت إضافة بعض الفئات التي تشتغل في المكاتب.
النقابات المستقلة تصر على الإضراب، وتطالب بتراجع فوري للحكومة عن قرار إلغاء التقاعد المسبق والنسبي، ما هو الموقف النهائي للمركزية النقابية؟
ما يجب أن يفهمه الجميع هو أننا لسنا في حرب أطراف ومصالح، فالمركزية النقابية ليست ضد النقابات المستقلة، وإنما كل طرف يعمل على نقل وجهة نظره بالشكل الذي يرى أنه يخدم مصلحة العمال والطبقة الشغيلة، وهنا أنوه إلى أن النقابات المستقلة دخلت سلسلة من الإضرابات، لتصل للجلوس إلى طاولة الحوار مع الحكومة، ونحن أسلوبنا كان مختلفا عنهم، وفضلنا الأسلوب الحضاري للحوار وطرح الملفات، وأعتقد أن هذا الخلاف هو نعمة وليس نقمة، ودليل على ديمقراطية التعبير في الجزائر.
تشهد الأوضاع على مستوى المنطقة الصناعية بالرويبة انسدادا، بسبب قانون التقاعد المتواجد حاليا على طاولة البرلمان، كيف ستتعاطى المركزية النقابية مع الملف؟
أعتقد أن المشكل الأساسي المطروح على مستوى المنطقة الصناعية بالرويبة، وحتى بالنسبة لشركة السيارات الصناعية "سوناكوم" سابقا، هو عدم فتح باب الحديث مع العمال، وإقناعهم بالوضع العام الذي يعيشه صندوق التقاعد، وتقديم مبررات اتخاذ قرار إلغاء التقاعد النسبي والمسبق، فنظام التقاعد اليوم بات بحاجة لإصلاحات جديدة، والجميع يجب أن يتفهم الوضع، كما أن العامل لو أدرك أن اتخاذ بعض القرارات ستخدم مصلحته أكثر من الإضرار بها، سيتغير موقفه.
هنالك من يتحدث عن انشقاقات ببيت سيدي السعيد، ويتهم الاتحاد العام للعمال الجزائريين المرافعة عن مصالح السلطة بدل الدفاع عن العمال، كيف تقيّمون الوضع؟
لسنا ضد أو مع أي طرف على حساب طرف آخر، فما يهم المركزية النقابية هو مصلحة العمال، لذلك فنحن نشتغل بشكل يومي لإيجاد صيغ وحلول أقل ضررا، وكاتحاد عام للعمال الجزائريين نتحمل كافة مسؤولياتنا في هذا الإطار، وهدفنا دائما إحراز السلم الاجتماعي وتحقيق وحدة البلاد، كما أننا سواء كنا نقابات مستقلة أو منضوية تحت لواء المركزية النقابية، نريد مصلحة البلاد والعمال، بعيدا عن أية مزايدات، فلا يوجد شخص أحسن من الآخر، بل هناك اختلاف في الآراء ووجهات النظر، قد نتفق في مواضيع ونختلف في أخرى، ولذلك لا داعي للمبالغة وإعطاء بعض الأمور أكثر مما تستحق.
كبير نقابيي المنطقة الصناعية بالرويبة، مسعودي مقداد
إصلاح التقاعد لا يكون بسحق العمال بل بتحصيل مستحقات الخواص
أنتم تعارضون التعديلات الواردة في منظومة التقاعد، ألا ترون أن المصلحة الوطنية تقتضي ذلك؟
وهل المصلحة الوطنية نحصرها دوما في العمال الذين يريدون التقاعد؟ إن المصلحة الوطنية تقتضي أننا نرشد النفقات ونوقف التبذير ونوقف استيراد الموز والكيوي والسيارات الفخمة ونبحث عن الأموال لدى القطاع الخاص، الذي لا يقوم بالتصريح بعماله، ونخلق مناصب شغل حقيقية وليس مناصب شغل لأصحاب شاحنات "الهيربين" الذين يبيعون الخضر والفواكه على الطرقات، وأضيف أيضا أنه عندما كانت البحبوحة المالية، فإن أصحاب الحاويات "استيراد- استيراد" الذين جلبوا لنا الرمل والحجارة والخبز هم من استفادوا، ولما تأزمت الوضعية يبدأ التقشف بأضعف حلقة وهو العامل البسيط.
برأيكم هل المبررات التي قدمتها الحكومة مقنعة؟
إن الشيء الذي يخيف العمال هو التضارب في أرقام المسؤولين وهذا الذي زاد من قلق العمال وتذمرهم. وإلا كيف نفسر تصريحات الحكومة عام 2015 عندما أكدت أن الصندوق الوطني للتقاعد يتواجد في أريحية مالية لا بأس بها، ومن جهة أخرى تصرح مصالح الضمان الاجتماعي أيضا أنه من خلال قانون المالية دخلت أموال كبيرة لخزينة الدولة.
ويضاف إلى هذا التضارب وأيضا الأرقام الرسمية المنشورة بخصوص انخفاض البطالة من 11 إلى 9 بالمائة، ما يعني أن مناصب شغل كثيرة تم خلقها، أي أن عدد المشتركين في الصندوق قد زاد،لكن خلافا لكل هذا يأتي المسؤولون ويصرحون بأن الصندوق يتهدده العجز المالي، وهذا ما زاد من قلق العمال، ولذلك أؤكد أن الأرقام والمبررات غير مقبولة وهي التي أشعلت وستشعل نار الاحتجاجات أكثر.
في حال تم تمرير التعديلات المقترحة، ما هي خطوتكم المقبلة وكيف سيكون رد فعلكم؟
أجيب بكلمة واحدة وهي عبارة سبق وأن قلتها في التجمع الأخير بالرويبة "اللهم اشهد أني قد بلغت"، لأنه إذا تم تمرير القانون بالقوة دون سماع أصوات العمال، فإن نتائج ذلك ستكون وخيمة.
لكن أيضا، نحن ما زلنا نكافح كاتحاد محلي للرويبة وكنقابيين للمنطقة الصناعية الذين يتجاوز عددهم 500 نقابي، للإبقاء على الأقل على حق التقاعد بعد إتمام 32 سنة خدمة، وخاصة أن هذه الفئة عددها ليس كبيرا، لأن القليل حاليا من يبدأ العمل في سن مبكرة، وما يجب التأكيد عليه أنه "بينا ولا بلا بينا العمال لن يسكتوا".
أنتم تعارضون هذه التعديلات، لكن هل من بدائل ومقترحات تقدمونها للحكومة؟
لقد قدمنا مقترحات للحكومة يمكن أن ترضي جميع الأطراف، وأعتقد أن الدولة وعوض أن تتوجه للعامل البسيط، عليها أن تتوجه للقطاع الخاص وإجباره على التصريح بجميع عماله، ما سيرفع عدد المشتركين في صندوق التقاعد، وهؤلاء هم معروفون لدى العام الخاص.
كما على الدولة أيضا أن تتوقف عن دفع المنح العائلية للقطاع الخاص والشركات الأجنبية العاملة بالجزائر، وهذه الأموال لماذا لا تضخ في صندوق التقاعد، إضافة لكون الصندوق الوطني للبطالة يشارك فيه العمال بأموالهم، لكنهم لا يستفيدون منه بل تستفيد منه أطراف أخرى.
هناك لجنة لتحديد المهن الشاقة التي ستعفى من التعديلات، لماذا لا تنتظرون انتهاءها من عملها وبعدها يكون لكم موقف؟
بالنسبة لي وأتحمل مسؤوليتي هذه اللجنة مجرد ذر للرماد في العيون، وأذكّر الجميع أنه في قانون 83 /12 للتقاعد سنة 1983 في المادة السادسة على ما أظن، قالوا بأنهم سيحددون المناصب الشاقة لإنقاص سنوات العمل واستفادتهم من التقاعد بموجب ذلك.
لكن ما حدث أنهم وطيلة 33 سنة، لم يتمكنوا من ضبط قائمة ويقومون بذلك في ظرف 3 أشهر؟ هذا مستحيل، بل هو ذر للرماد في الأعين، خصوصا أن كل فدرالية تطالب بأن تكون المهن التابعة لها في هذه القائمة وكل طرف يقول "فولي طياب"
البرلمان والشارع ميدان هذا الصراع
معركة بين الحكومة والنقابات .. من سينتصر؟
معركة كسر عظم تلك التي تجري هذه الأيام بين الحكومة من جهة، والنقابات ونواب المعارضة في الغرفة السفلى للبرلمان، حيث تم الشروع في مناقشة مشروع قانون التقاعد على مستوى لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والتكوين المهني والعمل.
وبينما تشهد بعض المؤسسات العمومية الكبرى، مثل الشركة الوطنية للسيارات الصناعية بالرويبة، التي تحظى بنحو 40 ألف عامل، حالة من الغليان بسبب قرار الحكومة القاضي بتثبيت سن التقاعد عند 60 سنة، كما جاء في المشروع القانوني الموجود بين أيدي النواب، خيم الانسداد على عمل اللجنة المعنية بدراسة الملف، وذلك إثر انسحاب نواب أحزاب متحفظة على المشروع، في صورة كل من "تكتل الجزائر الخضراء" وجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال، رفضا لما اعتبروه قفزا على ما سبق العمل به، مثل الاستماع للمعنيين بالملف.
ويقترب عمر هذه المعركة من نصف السنة، لكنها تأججت مباشرة بعد إعلان الوزير الأول عبد المالك سلال عن المشروع بصفة رسمية، ومنذ ذلك اليوم والبلاد تشهد حراكا نقابيا، لم تساهم في إيقافه المهلة التي أعطتها الحكومة للراغبين في الاستفادة من التقاعد حتى نهاية السنة الجارية، ما يؤشر على أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تصعيدا أكثر.
أبرز مبررات التي ساقتها الحكومة للدفاع عن قرارها، كان مبدأ التضامن بين الأجيال، غير أن العمال وممثلوهم يؤكدون أن البحث عن الحلول لا يمر بالضرورة عبر إجبار "الطبقة الكادحة" على تحمل مسؤولية تغطية تراجع موارد الصندوق الوطني للتقاعد، بل يجب البحث عنها في مكان آخر، وبالضبط عند القطاع الخاص، الذي يرفض البعض من رجاله التصريح بالعمال، أو التلاعب في عمليات التصريح، كما يقول العمال المحتجون.
وبين هذا وذاك، يبقى القرار رهينة وتيرة الاحتجاج في الشارع من قبل النقابات، وداخل قبة البرلمان عند التصويت على المسودة النهائية.. ولأن البرلمان يوجد تحت سيطرة الأغلبية الموالية للحكومة (حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وبعض الأحزاب الأخرى الصغيرة الموالية، مثل "تاج" والحركة الشعبية)، ما يعني أن هذه الورقة ليست في يد المطالبين بالإبقاء على نظام التقاعد القديم.
وانطلاقا من هذا المعطى يمكن القول إن المحتجين لم يبق أمامهم سوى استعمال ورقة الاحتجاجات، التي تتطلب موقفا تضامنيا كبيرا من قبل مختلف الفئات العمالية، التي تبدو غير متبلورة بالشكل الكافي، لأن الحكومة عرفت كيف تمتص غضب بعض الشرائح، التي قررت الاستفادة من المهلة الممتدة إلى غاية 31 ديسمبر المقبل.
عددها أربعة وأحدها فرضه صندوق النقد الدولي
هذه هي أنواع التقاعد وهذا هو المطروح للتعديل
ينقسم التقاعد في المنظومة الجزائرية إلى أربعة أقسام، أولها، التقاعد حسب السن الشرعي، وهو التقاعد العادي والشائع، وشرطه الأساسي أن يصل العامل فيه الستين سنة، كما يجب ألا يقل فيه عدد سنوات العمل عن 15 سنة، وهو النوع المراد تعديله.
وتخول هذه الصيغة للمستخدم (صاحب العمل)، أن يحيل العامل بدون إذن أو طلب من هذا الأخير، إلى التقاعد إذا توفر فيه الشرطان المذكوران، بعدما يكون قد طلب المستخدم من العامل استكمال الملف 6 أشهر من قبل، وهي المهلة التي خصصها المشرع للعامل كي يتمكن من جمع كافة الوثائق المطلوبة، كأن يكون قد عمل في مؤسسة أخرى، وهو ما يحتم عليه إضافة شهادات عمل في ملف تقاعده الخاص الموجود لدى الجهة التي يشتغل عندها.
أما الصنف الثاني من التقاعد فهو التقاعد من دون شرط السن، وهو يخص كل عامل قام بالاشتراك لدى الصندوق الوطني للتقاعد لمدة 32 سنة على الأقل، وفي هذه الحالة يمكن للعامل أن يتقدم بطلب الإحالة على التقاعد، بمعنى حتى لو كانت للعامل أقل من 60 سنة يمكنه طلب التقاعد، ولا يمكن للمستخدم في هذه الحالة أن يحيل العامل إجباريا على التقاعد ما دام لم يبلغ بعد 60 سنة.
الصنف الثالث وهو التقاعد النسبي، وفيه يمكن للعامل أن يستفيد من هذا التقاعد بطلب منه طبعا، إذا استوفى شرطين أساسيين، كأن يبلغ خمسين سنة على الأقل، وأن يكون قد اشترك في الصندوق لمدة عشرين سنة على الأقل.
أما التقاعد المسبق، وهو الصنف الرابع والأخير، ويختلف عن الأصناف السابقة في كونه لا يمس كل القطاعات بل يخص العاملين في القطاع الاقتصادي فقط، وقد تم الاستنجاد بهذا الصنف خلال عشرية التسعينيات، تماشيا والقرارات التي فرضها صندوق النقد الدولي على الحكومة الجزائرية، بعد جدولة الديون الخارجية، لأن الكثير من المؤسسات تم حلها، وأحيل عمالها على الصندوق الوطني للضمان عن البطالة.. وأهم شروطه أن يبلغ العامل المعني بهذا الإجراء 50 سنة وعمل لمدة 20 سنة أو قام بالاشتراك لمدة 10 سنوات على الأقل.
ممثل المركزية النقابية في لجنة المهن الشاقة عمار تاقجوت
المركزية النقابية لا تقف ضد مصالح العمال.. وكفانا مزايدات
من المنتظر التصويت على مشروع قانون التقاعد على مستوى البرلمان قبل نهاية الشهر الجاري، كيف تقيّم المركزية النقابية هذا القانون المثير للجدل؟
نحن ننظر للمشروع من زوايا متعددة، وليس فقط من جهة واحدة، فالاتحاد العام للعمال الجزائريين يدرس أوضاع العمال ومدى استعدادهم للعمل لسنوات إضافية بعد إلغاء التقاعد المسبق والنسبي، وكذلك نضع نصب أعيننا الوضع المالي والاقتصادي للصندوق الوطني للتقاعد الذي يعيش أزمة خانقة، ومن جهة أخرى نشرّح الإصلاحات المطروحة على طاولة الحكومة لمعالجة نظام التقاعد الذي يراوح نفسه منذ سنوات، وكيفية تعميق أواصر التضامن بين الأجيال، ولذلك فمقترحاتنا كلها تمحورت حول هذا المنحى، لتبقى الكرة في مرمى النواب، الذين ستوكل إليهم مهمة التصويت على القانون، واقتراح التعديلات التي يرونها مناسبة.
المركزية النقابية منشغلة هذه الأيام بتحضير قائمة المهن الشاقة، المستثناة من قرار إلغاء التقاعد المسبق والنسبي، أين وصلت عملية تحديد هذه المهن، وما هي المعايير المعتمدة من طرفكم؟
آخر اجتماع انعقد على مستوى المركزية النقابية كان يوم الاثنين الماضي، واتفقنا على أن تشمل قائمة المهن الشاقة أيضا الضرر المعنوي وليس فقط الضرر الجسدي، المرتبط بساعات العمل الإضافية والمواد الكيماوية وحمل الأثقال والشغل الليلي والأمراض الجسدية، وبذلك تمت إضافة بعض الفئات التي تشتغل في المكاتب.
النقابات المستقلة تصر على الإضراب، وتطالب بتراجع فوري للحكومة عن قرار إلغاء التقاعد المسبق والنسبي، ما هو الموقف النهائي للمركزية النقابية؟
ما يجب أن يفهمه الجميع هو أننا لسنا في حرب أطراف ومصالح، فالمركزية النقابية ليست ضد النقابات المستقلة، وإنما كل طرف يعمل على نقل وجهة نظره بالشكل الذي يرى أنه يخدم مصلحة العمال والطبقة الشغيلة، وهنا أنوه إلى أن النقابات المستقلة دخلت سلسلة من الإضرابات، لتصل للجلوس إلى طاولة الحوار مع الحكومة، ونحن أسلوبنا كان مختلفا عنهم، وفضلنا الأسلوب الحضاري للحوار وطرح الملفات، وأعتقد أن هذا الخلاف هو نعمة وليس نقمة، ودليل على ديمقراطية التعبير في الجزائر.
تشهد الأوضاع على مستوى المنطقة الصناعية بالرويبة انسدادا، بسبب قانون التقاعد المتواجد حاليا على طاولة البرلمان، كيف ستتعاطى المركزية النقابية مع الملف؟
أعتقد أن المشكل الأساسي المطروح على مستوى المنطقة الصناعية بالرويبة، وحتى بالنسبة لشركة السيارات الصناعية "سوناكوم" سابقا، هو عدم فتح باب الحديث مع العمال، وإقناعهم بالوضع العام الذي يعيشه صندوق التقاعد، وتقديم مبررات اتخاذ قرار إلغاء التقاعد النسبي والمسبق، فنظام التقاعد اليوم بات بحاجة لإصلاحات جديدة، والجميع يجب أن يتفهم الوضع، كما أن العامل لو أدرك أن اتخاذ بعض القرارات ستخدم مصلحته أكثر من الإضرار بها، سيتغير موقفه.
هنالك من يتحدث عن انشقاقات ببيت سيدي السعيد، ويتهم الاتحاد العام للعمال الجزائريين المرافعة عن مصالح السلطة بدل الدفاع عن العمال، كيف تقيّمون الوضع؟
لسنا ضد أو مع أي طرف على حساب طرف آخر، فما يهم المركزية النقابية هو مصلحة العمال، لذلك فنحن نشتغل بشكل يومي لإيجاد صيغ وحلول أقل ضررا، وكاتحاد عام للعمال الجزائريين نتحمل كافة مسؤولياتنا في هذا الإطار، وهدفنا دائما إحراز السلم الاجتماعي وتحقيق وحدة البلاد، كما أننا سواء كنا نقابات مستقلة أو منضوية تحت لواء المركزية النقابية، نريد مصلحة البلاد والعمال، بعيدا عن أية مزايدات، فلا يوجد شخص أحسن من الآخر، بل هناك اختلاف في الآراء ووجهات النظر، قد نتفق في مواضيع ونختلف في أخرى، ولذلك لا داعي للمبالغة وإعطاء بعض الأمور أكثر مما تستحق.
كبير نقابيي المنطقة الصناعية بالرويبة، مسعودي مقداد
إصلاح التقاعد لا يكون بسحق العمال بل بتحصيل مستحقات الخواص
أنتم تعارضون التعديلات الواردة في منظومة التقاعد، ألا ترون أن المصلحة الوطنية تقتضي ذلك؟
وهل المصلحة الوطنية نحصرها دوما في العمال الذين يريدون التقاعد؟ إن المصلحة الوطنية تقتضي أننا نرشد النفقات ونوقف التبذير ونوقف استيراد الموز والكيوي والسيارات الفخمة ونبحث عن الأموال لدى القطاع الخاص، الذي لا يقوم بالتصريح بعماله، ونخلق مناصب شغل حقيقية وليس مناصب شغل لأصحاب شاحنات "الهيربين" الذين يبيعون الخضر والفواكه على الطرقات، وأضيف أيضا أنه عندما كانت البحبوحة المالية، فإن أصحاب الحاويات "استيراد- استيراد" الذين جلبوا لنا الرمل والحجارة والخبز هم من استفادوا، ولما تأزمت الوضعية يبدأ التقشف بأضعف حلقة وهو العامل البسيط.
برأيكم هل المبررات التي قدمتها الحكومة مقنعة؟
إن الشيء الذي يخيف العمال هو التضارب في أرقام المسؤولين وهذا الذي زاد من قلق العمال وتذمرهم. وإلا كيف نفسر تصريحات الحكومة عام 2015 عندما أكدت أن الصندوق الوطني للتقاعد يتواجد في أريحية مالية لا بأس بها، ومن جهة أخرى تصرح مصالح الضمان الاجتماعي أيضا أنه من خلال قانون المالية دخلت أموال كبيرة لخزينة الدولة.
ويضاف إلى هذا التضارب وأيضا الأرقام الرسمية المنشورة بخصوص انخفاض البطالة من 11 إلى 9 بالمائة، ما يعني أن مناصب شغل كثيرة تم خلقها، أي أن عدد المشتركين في الصندوق قد زاد،لكن خلافا لكل هذا يأتي المسؤولون ويصرحون بأن الصندوق يتهدده العجز المالي، وهذا ما زاد من قلق العمال، ولذلك أؤكد أن الأرقام والمبررات غير مقبولة وهي التي أشعلت وستشعل نار الاحتجاجات أكثر.
في حال تم تمرير التعديلات المقترحة، ما هي خطوتكم المقبلة وكيف سيكون رد فعلكم؟
أجيب بكلمة واحدة وهي عبارة سبق وأن قلتها في التجمع الأخير بالرويبة "اللهم اشهد أني قد بلغت"، لأنه إذا تم تمرير القانون بالقوة دون سماع أصوات العمال، فإن نتائج ذلك ستكون وخيمة.
لكن أيضا، نحن ما زلنا نكافح كاتحاد محلي للرويبة وكنقابيين للمنطقة الصناعية الذين يتجاوز عددهم 500 نقابي، للإبقاء على الأقل على حق التقاعد بعد إتمام 32 سنة خدمة، وخاصة أن هذه الفئة عددها ليس كبيرا، لأن القليل حاليا من يبدأ العمل في سن مبكرة، وما يجب التأكيد عليه أنه "بينا ولا بلا بينا العمال لن يسكتوا".
أنتم تعارضون هذه التعديلات، لكن هل من بدائل ومقترحات تقدمونها للحكومة؟
لقد قدمنا مقترحات للحكومة يمكن أن ترضي جميع الأطراف، وأعتقد أن الدولة وعوض أن تتوجه للعامل البسيط، عليها أن تتوجه للقطاع الخاص وإجباره على التصريح بجميع عماله، ما سيرفع عدد المشتركين في صندوق التقاعد، وهؤلاء هم معروفون لدى العام الخاص.
كما على الدولة أيضا أن تتوقف عن دفع المنح العائلية للقطاع الخاص والشركات الأجنبية العاملة بالجزائر، وهذه الأموال لماذا لا تضخ في صندوق التقاعد، إضافة لكون الصندوق الوطني للبطالة يشارك فيه العمال بأموالهم، لكنهم لا يستفيدون منه بل تستفيد منه أطراف أخرى.
هناك لجنة لتحديد المهن الشاقة التي ستعفى من التعديلات، لماذا لا تنتظرون انتهاءها من عملها وبعدها يكون لكم موقف؟
بالنسبة لي وأتحمل مسؤوليتي هذه اللجنة مجرد ذر للرماد في العيون، وأذكّر الجميع أنه في قانون 83 /12 للتقاعد سنة 1983 في المادة السادسة على ما أظن، قالوا بأنهم سيحددون المناصب الشاقة لإنقاص سنوات العمل واستفادتهم من التقاعد بموجب ذلك.
لكن ما حدث أنهم وطيلة 33 سنة، لم يتمكنوا من ضبط قائمة ويقومون بذلك في ظرف 3 أشهر؟ هذا مستحيل، بل هو ذر للرماد في الأعين، خصوصا أن كل فدرالية تطالب بأن تكون المهن التابعة لها في هذه القائمة وكل طرف يقول "فولي طياب"