تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حرمـــــة مكـــــــة


ابو اكرام فتحون
2016-10-28, 15:24
بسم الله الرحمن الرحيم

- 1 -
حرمــــة مكــــــة
للشيخ مقبل الوادعي رحمه الله

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود * وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا ءامنا وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير﴾(1).

وقال تعالى: ﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾(2).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ياأيها الذين ءامنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم * ياأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام * أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون * جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم﴾(3).

وقال تعالى: ﴿ياأيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾(4).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل﴾(5).

وقال تعالى: ﴿وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ءامنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام*? رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم*? ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون﴾(6).

وقال تعالى: ﴿أولم نمكن لهم حرما ءامنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾(7).

وقال تعالى: ﴿وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون * وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾(8).

وقال تعالى: ﴿أولم يروا أنا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون﴾(9).

وقال تعالى: ﴿هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما﴾(10).

وقال تعالى: ﴿إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم﴾(11).

وقال تعالى: ﴿ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه﴾(12).

وقال تعالى: ﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾(13).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿لا أقسم بهذا البلد * وأنت حل بهذا البلد﴾(14) أي: مكة.

وقال سبحانه وتعالى: ﴿والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين﴾(15). أي: مكة.

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف مأكول﴾(16).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف﴾(17).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين﴾(18).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ياأيها الذين ءامنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا ءامين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا﴾(19).

* * *


قال البخاري -رحمه الله- (ج4 ص41): باب لا يعضد شجر الحرم.

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- عن -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا يعضد شوكه».

حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للغد من يوم الفتح، فسمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به، إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقولوا له: إن الله أذن لرسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب»، فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيا، ولا فارا بدم، ولا فارا بخربة، خربة بلية.

ثم قال -رحمه الله- ص (46): باب لا ينفر صيد الحرم.

حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبدالوهاب، حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف». وقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا؟ فقال: «إلا الإذخر».

ثم قال -رحمه الله-: باب لا يحل القتال بمكة. وقال أبوشريح -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا يسفك بها دما».

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم افتتح مكة: «لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا، فإن هذا بلد حرم الله يوم خلق السموات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته، إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها» قال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر، فإنه لقينهم ولبيوتهم؟ قال: قال: «إلا الإذخر».

قال البخاري -رحمه الله- (ج4 ص20): باب قول الله تعالى: (فلا رفث).

حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه».

باب قول الله عز وجل: ﴿ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾.

حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه».

قال الإمام البخاري -رحمه الله- (ج12 ص210): حدثنا أبواليمان، أخبرنا شعيب، عن عبدالله بن أبي حسين، حدثنا نافع بن جبير، عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه».

وأنت إذا نظرت إلى هذه الثلاث الخصال، وإلى أعمال إمام الضلالة الخميني وجدتها تتناوله. والله أعلم.

قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- (ج2 ص136): حدثنا محمد بن كناسة، حدثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه. قال: أتى عبدالله بن عمر عبدالله ابن الزبير فقال: يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم الله تبارك وتعالى، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «إنه سيلحد فيه رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت» قال: فانظر لا تكونه.

هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، إلا محمد بن كناسة وهو محمد بن عبدالله بن عبدالأعلى المعروف بابن كناسة، وقد وثقه ابن معين وأبوداود والعجلي كما في «تهذيب التهذيب».

وقال الإمام أحمد -رحمه الله- (ج2 ص196): حدثنا أبوالنضر، حدثني إسحاق بن سعيد، حدثنا سعيد بن عمرو، عن عبدالله بن عمرو قال: أشهد بالله لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «يحلها ويحل به رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها».

وقال -رحمه الله- (ج2 ص219): حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق يعني ابن سعيد، حدثنا سعيد بن عمرو قال: أتى عبدالله بن عمرو ابن الزبير وهو جالس في الحجر فقال: يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم الله فإني أشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «يحلها ويحل به رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها» قال: «فانظر أن لا تكون هو يا ابن عمرو فإنك قد قرأت الكتب وصحبت الرسول» -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: فإني أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهدا.

هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، قد اختلف فيه على سعيد بن عمرو، فتارة يرويه عن عبدالله بن عمر وتارة، عن عبدالله بن عمرو، ولعله سمعه منهما. والله أعلم.

قال البخاري -رحمه الله- (ج3 ص573): حدثنا علي بن عبدالله، حدثني يحيى بن سعيد، حدثنا فضيل بن غزوان، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خطب الناس يوم النحر فقال: «يا أيها الناس أي يوم هذا»؟ قالوا: يوم حرام. قال: «فأي بلد هذا»؟ قالوا: بلد حرام. قال: «فأي شهر هذا»؟ قالوا: شهر حرام. قال: «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»، فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال: «اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت» قال ابن عباس -رضي الله عنهما- فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته، «فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض».

حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة. قال: أخبرني عمرو. قال: سمعت جابر بن زيد. قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يخطب بعرفات. تابعه ابن عيينة عن عمرو.

ثم قال -رحمه الله-: حدثني عبدالله بن محمد، حدثنا أبوعامر، حدثنا قرة، عن محمد بن سيرين. قال: أخبرني عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبدالرحمن، حميد بن عبدالرحمن، عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: خطبنا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم النحر قال: «أتدرون أي يوم هذا»؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: «أليس يوم النحر»؟ قلنا: بلى. قال: «أي شهر هذا»؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال: «أليس ذو الحجة»؟ قلنا: بلى. قال: «أي بلد هذا»؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: «أليست بالبلدة الحرام»؟ قلنا: بلى. قال: «فإن دماءكم، وأموالكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت»؟ قالوا: نعم. قال: «اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض».

حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عاصم بن محمد ابن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بمنى: «أتدرون أي يوم هذا»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: «فإن هذا يوم حرام، أفتدرون أي بلد هذا»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «بلد حرام، أفتدرون أي شهر هذا»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «شهر حرام، قال: فإن الله حرم عليكم دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا».

وقال هشام بن الغاز: أخبرني نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- وقف النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا وقال: «هذا يوم الحج الأكبر» فطفق النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «اللهم اشهد»، وودع الناس. فقالوا: هذه حجة الوداع.

قال البخاري -رحمه الله- (ج5 ص329): حدثني عبدالله بن محمد، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر. قال: أخبرني الزهري. قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين»، فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حل، حل، فألحت. فقالوا: خلأت القصواء. فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها»، ثم زجرها فوثبت. قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكي إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- العطش، فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من أهل تهامة فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة، ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره» فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. قال: فانطلق حتى أتى قريشا قال: إنا جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آته. قالوا: ائته، فأتاه فجعل يكلم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نحوا من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن الأخرى فإني والله لأرى وجوها وإني لأرى أوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك. فقال له أبوبكر الصديق: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه. فقال: من ذا؟ قالوا: أبوبكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فكلما تكلم كلمة أخذ بلحيته والمغيرة ابن شعبة قائم على رأس النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ضرب يده بنعل السيف وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر ألست أسعى في غدرتك؟! وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم. فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء» ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعينيه. قال: فوالله ما تنخم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه؟ فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له» فبعثت له واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له: مكرز بن حفص فقال: دعوني آتيه. فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هذا مكرز وهو رجل فاجر، فجعل يكلم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو -قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «قد سهل لكم من أمركم» -قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا، فدعا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الكاتب فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: « ?». قال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم، كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا: ?. قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «اكتب: باسمك اللهم» ثم قال: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله». فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبدالله. فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبدالله» قال الزهري: وذلك لقوله: «لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها». فقال له النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به» فقال سهيل: «والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل» فكتب. فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك، إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين، وقد جاء مسلما، فبينما هم كذلك إذ دخل أبوجندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: هذا يا محمد أول منا أقاضيك عليه، أن ترده إلي. فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنا لم نقض الكتاب بعد» قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «فأجزه لي» قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: «بلى فافعل» قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبوجندل: أي معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما قد لقيت، وكان قد عذب عذابا شديدا في الله. قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقلت: ألست نبي الله حقا؟ قال: «بلى» قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: «بلى» قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: «إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري» قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام»؟ قال: قلت: لا. قال: «فإنك آتيه ومطوف به» قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق. قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به.

قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأصحابه: «قوموا فانحروا، ثم احلقوا» قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن﴾ حتى بلغ: ﴿بعصم الكوافر﴾(20) فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى المدينة، فجاءه أبوبصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبوبصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر، فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت. فقال أبوبصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرا» فلما انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبوبصير، فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم. قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد» فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وينفلت منهم أبوجندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تناشده الله والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إليهم فأنزل الله تعالى: ﴿وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم﴾ حتى بلغ: ﴿الحمية حمية الجاهلية﴾(21) وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت، قال أبوعبدالله: معرة العر: الجرب، تزيلوا: اتمازوا، وحميت القوم: منعتهم حماية وأحميت الحمى جعلته حمى لا يدخل وأحميت الحديد وأحميت الرجل إذا أغضبته إحماء.

وقال عقيل عن الزهري: قال عروة: فأخبرتني عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يمتحنهن، وبلغنا أنه لما أنزل الله تعالى أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعصم الكوافر أن عمر طلق امرأتين قريبة بنت أبي أمية، وابنة جرول الخزاعي، فتزوج قريبة معاوية، وتزوج الأخرى أبوجهم، فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم أنزل الله تعالى: ﴿وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم﴾(22) والعقب ما يؤدي المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار، فأمر أن يعطى من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللائي هاجرن، وما نعلم أحدا من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها، وبلغنا أن أبا بصير بن أسيد الثقفي قدم على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مؤمنا مهاجرا في المدة فكتب الأخنس بن شريق إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يسأله أبا بصير فذكر الحديث. اهـ

قال الإمام أحمد -رحمه الله- (15 ص35): حدثنا يزيد، أخبرنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان. قال: سمعت أبا هريرة يخبر أبا قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «يبايع لرجل ما بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا يسأل عن هلكة العرب، ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا، وهم الذين يستخرجون كنزه».

وقال الإمام أحمد -رحمه الله- (245): حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثني سعيد بن سمعان، وسعيد قد وثقه النسائي والدارقطني. وضعفه الأزدي ولكن الأزدي يسرف في التجريح، ثم هو متكلم فيه كما في ترجمته من «الميزان»، وهو أبوالفتح محمد بن الحسين الأزدي.

وأخرجه الطيالسي ص (78).

قال الإمام أحمد -رحمه الله- (ج11 ص36): حدثنا أبوكامل، حدثنا حماد يعني ابن سلمة، أخبرني حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إن أعتى الناس على الله عز وجل من قتل في حرم الله، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهلية».

وقال الإمام أحمد -رحمه الله- (ج10 ص158) حدثنا يحيى، عن حسين، عن عمرو بن شعيب به.

_______________________

(1) سورة البقرة، الآية: 125-126.
(2) سورة آل عمران، الآية: 96-97.
(3) سورة المائدة، الآية: 94-97.
(4) سورة التوبة، الآية: 28.
(5) سورة البقرة، الآية: 217.
(6) سورة إبراهيم، الآية: 35-37.
(7) سورة القصص، الآية: 57.
(8) سورة الأنفال، الآية:. 34-35.
(9) سورة العنكبوت، الآية: 67.
(10) سورة الفتح، الآية: 25.
(11) سورةالحج، الآية: 25.
(12) سورة الحج، الآية: 30.
(13) سورة الحج، الآية: 32.
(14) سورة البلد، الآية: 1-2.
(15) سورة التين، الآية: 1-3.
(16) سورة الفيل.
(17) سورة قريش.
(18) سورة النمل، الآية: 91.
(19) سورة المائدة، الآية: 2.
(20) سورة الممتحنة، الآية: 10.
(21) سورة الفتح، الآية: 25-26.
(22) سورة الممتحنة، الآية: 10.


المصدر:
موقع صفحات الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله

ابو اكرام فتحون
2016-10-28, 16:09
بسم الله الرحمن الرحيم

- 2-
بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق
وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث وآثار
للشيخ بن باز رحمه الله.


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد[1]:
فإني أشكر الله عز وجل على ما منَّ به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأبناء أعزاء للتواصي بالحق والتذكير به والدعوة إليه، والنصح لله ولعباده. أسأل الله أن يصلح قلوبنا جميعاً، وأعمالنا وأن يمنحنا جميعاً وجميع المسلمين الفقه في الدين، والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يوفق حكام المسلمين جميعاً للتمسك بشريعته، والحكم بها، وإلزام الشعوب بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم أشكر إخواني القائمين على هذا النادي، وعلى رأسهم الأخ الكريم صاحب الفضيلة الدكتور راشد الراجح مدير جامعة أم القرى ورئيس النادي، على دعوتهم لي لهذه المحاضرة وعنوانها: حرمة مكة المكرمة ومكانة البيت العتيق، وما ورد في ذلك من الآثار.

أيها الأخوة في الله: لا يخفى على كل من له أدنى علم، وأدنى بصيرة حرمة مكة، ومكانة البيت العتيق، لأن ذلك أمر قد أوضحه الله في كتابه العظيم في آيات كثيرة، وبينه رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة، وبينه أهل العلم في كتبهم ومناسكهم، وفي كتب التفسير. والأمر بحمد الله واضح ولكن لا مانع من التذكير بذلك والتواصي بما أوجبه الله من حرمتها والعناية بهذه الحرمة، ومنع كل ما يضاد ذلك ويخالفه، يقول الله عز وجل في كتابه المبين: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[2]، أوضح الله سبحانه في هذه الآيات أن البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس وأنه مبارك، وأنه هدى للعالمين، وهذه تشريفات عظيمة، ورفع لمقام هذا البيت، وتنويه بذلك. وقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صل الله عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس، فقال عليه الصلاة والسلام: ((المسجد الحرام)) قلت: ثم أي؟ قال: ((المسجد الأقصى)) قلت: كم بينهما؟ قال: ((أربعون عاماً)) قلت: ثم أي؟ قال: ((حيثما أدركتك الصلاة فصل، فإن ذلك مسجد))[3]، ويبين هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً...))[4] الحديث. هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس للعبادة والطاعة، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن أول بيت وضع للناس ليعبد الله فيه، ويطاف به، هو هذا البيت، وأول من بناه هو خليل الله إبراهيم عليه السلام، وساعده في ذلك ابنه إسماعيل. أما ما روي أن أول من عمره هو آدم فهو ضعيف، والمحفوظ والمعروف عند أهل العلم أن أول من عمره هو خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأول بيت وضع بعده للعبادة هو المسجد الأقصى على يد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وكان بينهما أربعون سنة، ثم عمره بعد ذلك بسنين طويلة سليمان نبي الله عليه الصلاة والسلام، وهذا البيت العتيق هو أفضل بيت، وأول بيت وضع للناس للعبادة، وهو بيت مبارك لما جعل الله فيه من الخير العظيم بالصلاة فيه، والطواف به، والصلاة حوله والعبادة، كل ذلك من أسباب تكفير الذنوب، وغفران الخطايا، قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[5].


فالله سبحانه قد جعل هذا البيت مثابة للناس يثوبون إليه، ولا يشبعون من المجيء إليه، بل كلما صدروا أحبوا الرجوع إليه، والمثابة إليه، لما جعل الله في قلوب المؤمنين من المحبة له والشوق إلى المجيء إليه، لما يجدون في ذلك من الخير العظيم، ورفيع الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، ثم جعله آمناً يأمن فيه العباد، وجعله آمناً للصيد الذي فيه، فهو حرم آمن، يأمن فيه الصيد الذي أباح الله للمسلمين أكله خارج الحرم، يأمن فيه حال وجوده به، حتى يخرج لا ينفر ولا يقتل. ويقول سبحانه: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[6] يعني وجب أن يؤمن، وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد، ولا قتل، بل ذلك قد يقع، وإنما المقصود أن الواجب تأمين من دخله، وعدم التعرض له بسوء. وكانت الجاهلية تعرف ذلك، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج، فهذا البيت العتيق، وهذا الحرم العظيم، جعله الله مثابة للناس وأمناً، وأوجب على نبيه إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود أي المصلين، وقال في الآية الأخرى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[7]. والقائم هنا هو المقيم وهو العاكف، والطائف معروف، والركعالسجود هم المصلون. فالله جلت قدرته أمر نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يطهرا هذا البيت، وهكذا جميع ولاة الأمور، يجب عليهم ذلك، ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يوم فتح مكة، وأخبر أنه حرم آمن، وأن الله حرمه يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمه الناس، وقال: لا ينفر صيده، ولا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه، ولا يسفك فيه دم، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف، ويعني عليه الصلاة والسلام بهذا حرمة هذا البيت، فيجب على المسلمين، وعلى ولاة الأمور، كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يحترموه ويعظموه، وأن يحذروا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين، والظلم لهم، والتعدي عليهم حجاجاً أو عماراً أو غيرهم. فالعاكف: المقيم، والطائف: معروف، والركع السجود: هم المصلون. فالواجب تطهير هذا البيت للمقيمين فيه، والمتعبدين فيه، وإذا وجب على الناس أن يحترموه، وان يدفعوا عنه الأذى، فالواجب عليهم أيضاً أن يطهروا هذا البيت، وأن يحذروا معاصي الله فيه، وأن يتقوا غضبه وعقابه، وأن لا يؤذي بعضهم بعضاً، ولا أن يقاتل بعضهم بعضاً، فهو بلد آمن محترم يجب على أهله أن يعظموه وأن يحترموه، وأن يحذروا معصية الله فيه، وأن لا يظلم بعضهم بعضاً، ولا يؤذي بعضهم بعضاً، لأن السيئة فيه عظيمة كما أن الحسنات فيه مضاعفة. والسيئات عند أهل العلم والتحقيق تضاعف لا من جهة العدد، فإن من جاء بالسيئة فإنما يجزى مثلها، ولكنها مضاعفة بالكيفية.


فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه، بل هي أعظم وأكبر، حتى قال الله في ذلك: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[8] ومن يرد فيه أي يهم فيه ويقصد. فضمَّن يُرِدْ معنى يَهُمُّ ولهذا عدَّاه بالباء، بقوله: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم}، أي من يهم فيه بإلحاد بظلم. فإذا كان من همَّ بالإلحاد أو أراده استحق العذاب الأليم، فكيف بمن فعله؟ إذا كان من يهمُّ ومن يريد متوعداً بالعذاب الأليم، فالذي يفعل الجريمة، ويتعدى الحدود فيه من باب أولى في استحقاقه العقاب، والعذاب الأليم. ويقول جل وعلا في صدر هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} وهذا يبين لنا أنه محرم، وأنه لا فرق فيه بين العاكف وهو المقيم، والباد وهو الوارد والوافد إليه من حاج ومعتمر وغيرهما. وهذا هو أول الآية في قوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم}، وبين جل وعلا عظمة هذا المكان، وأن الله جعله آمناً وجعله حرماً، ليس لأحد من المقيمين فيه ولا من الواردين إليه، أن يتعدى حدود الله فيه، أو أن يؤذي الناس فيه. ومن ذلك يعلم أن التعدي على الناس وإيذائهم في هذا الحرم الآمن بقول أو فعل من أشد المحرمات المتوعد عليها بالعذاب الأليم، بل من الكبائر. ولما فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام، خطب الناس وقال: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمه الناس، وإن الله جل وعلا لم يحله لي إلا ساعة من نهار، وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس، فليبلغ منكم الشاهد الغائب))[9]، وقال: ((إنه لا يحل لأحد أن يسفك فيه دماً، أو يعضد فيه شجرة، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد))[10] أي معرف. فإذا كان الصيد والشجر محترمين فيه، فكيف بحال المسلم؟ فمن باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشد وأعظم فليس لأحد أن يحدث في الحرم شيئاً مما يؤذي الناس لا بقول ولا بفعل، بل يجب أن يحترمه، وأن يكون منقاداً لشرع الله فيه، وأن يعظم حرمات الله أشد من أن يعظمها في غيره، وأن يكون سلماً لإخوانه يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ويعينهم على الخير وعلى ترك الشر ولا يؤذي أحداً لا بكلام ولا بفعل، ثم قال جل وعلا في سورة آل عمران: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ}[11]. فالله جعل فيه آيات بينات، وهي التي فسرها العلماء بمقام إبراهيم، أي مقامات إبراهيم، لأن كلمة مقام لفظ مفرد مضاف إلى معرفة فيعم جميع مقامات إبراهيم، فالحرم كله مقام إبراهيم تعبَّد فيه، ومن ذلك المشاعر عرفات والمزدلفة ومنى، كل ذلك من مقام إبراهيم، ومن ذلك الحجر الذي كان يقوم عليه وقت البناء، والذي يصلي إليه الناس الآن كلهم من مقامات إبراهيم. ففي ذلك ذكرى لأولياء الله المؤمنين، ليتأسوا بنبي الله إبراهيم، كما أمر الله نبينا محمداً بذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}[12] فأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم الخليل أبي الأنبياء جميعاً. ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل جميعاً، وأكملهم بلاغاً ونفعاً للناس، وتوجيهاً لهم إلى الخير، وإرشاداً لهم إلى الهدى، وأسباب السعادة. فالواجب على كل مسلم من هذه الأمة أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم في أداء الواجبات، وترك المحرمات، وكف الأذى عن الناس، وإيصال الخير إليهم. فمن الواجب على ولاة الأمور من العلماء أن يبينوا وأن يرشدوا، والواجب على ولاة الأمور من الأمراء والمسؤولين أن ينفذوا حكم الله، وينصحوا، وأن يمنعوا كل من أراد إيذاء المسلمين في مكة من الحجاج والعمار وغيرهم كائناً من كان من الحجاج أو من غير الحجاج، من السكان أو من غير السكان، من جميع أجناس الناس.


يجب على ولاة الأمور تجاه هذا الحرم الشريف، أن يصونوه وأن يحفظوه، وأن يحموه من كل أذى كما أوجب الله ذلك، وأوجبه نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك يعلم أن ما حدث في العام الماضي عام 1407هـ من بعض حجاج إيران من الأذى، أمر منكر، وأمر شنيع لا تقره شريعة ولا يقره ذو عقل سليم، بل شريعة الله تحرم ذلك، وكتاب الله يحرم ذلك وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تحرم ذلك. وهذا ما بينه أهل العلم وأجمعوا عليه من وجوب احترام هذا البيت وتطهيره من كل أذى، وحمايته من كل معصية، ومن كل ظلم، ووجوب تسهيل أمر الحجيج والعمار وإعانتهم على الخير، وكف الأذى عنهم، وأنه لا يجوز لأحد أبداً لا من إيران ولا من غير إيران أن يؤذوا أحداً من الناس، لا بكلام ولا بفعال ولا بمظاهرات ولا بمسيرات جماعية تؤذي الناس، وتصدهم عن مناسك حجهم وعمرتهم، بل يجب على الحاج أن يكون كإخوانه المسلمين في العناية بالهدوء والإحسان إلى إخوانه الحجاج وغيرهم، والرفق بهم وإعانتهم على الخير والبعد عن كل أذى.


هكذا يجب على الحجيج من كل جنس، ومن كل مكان طاعة لله عز وجل، وتعظيماً لبيته العتيق، وإظهاراً لحرمة هذا المكان العظيم: مكة المكرمة وتنفيذاً لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وسيراً على منهج رسوله، ومنهج أصحابه رضي الله عنهم. هذا هو الواجب على الجميع، وهذا الأمر بحمد الله واضح لا يخفى على أحد، وإنما يؤذي الناس في هذا البيت العتيق من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، أو من كان يجهل أحكام الله أو يقصد ظلم العباد، فيكون عليه من الوزر ما يستحق بسبب إيذائه وظلمه. وأما من آمن بالله واليوم الآخر، إيماناً صحيحاً، فإن إيمانه يردعه عن كل ما حرم الله في هذا المكان وغيره. فإن الإيمان يردع أهله عن التعدي على حدود الله، وارتكاب محارمه سبحانه، وإنما يقدم العبد على المعصية لضعف إيمانه. والواجب على ولاة الأمور إزاء المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة: العناية بحمايتهما ودفع الأذى عنهما وعن سكانهما، وعمن يقصدهما من العمار والحجاج والزوار طاعة لله، ولرسوله، وتعظيماً لأمر الله عز وجل، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعوناً للجميع على طاعة الله ورسوله وتأميناً لقلوبهم حتى لا يذهلوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم، أو يقعوا في شيء مما حرمه الله عليهم، والله يقول سبحانه وتعالى:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[13]، ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[14] فلابد من التواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى في هذا المكان وغيره، بل إن هذا المكان أعظم من غيره، وأفضل من غيره، فإن مكة المكرمة هي أفضل البقاع، وهي أحب البلاد إلى الله، وأفضل مكان وأعظم مكان، ثم يليها المدينة المنورة، والمسجد الأقصى، هذه المساجد الثلاثة التي خصها الله بمزيد التشريف على غيرها، هي أعظم مساجد الله، وأفضل مساجد الله، وأولى مساجد الله بالاحترام والعناية. وأعظم ذلك هذا البيت العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً. وواجب على أهله والوافدين إليه أن يعرفوا قدره، وأن يعرفوا فضله، حتى لا يقعوا فيما حرم الله.


وهذا واجب الجميع من المقيم والوارد، ويجب على المقيمين فيه والساكنين فيه أن يعرفوا قدره وأن يعظموه وأن يحذروا ما حرم الله. فإذا كان المريد فيه بذنب له عذاب أليم فكيف بالفاعل، وليس الوارد إليه هو المخاطب بهذا الأمر إذ المقيم أولى وأولى، لأنه دائم فيه. والواجب عليه أن يعلم ما حرم الله، وأن يبتعد عن معصية الله، وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله وأن يكون عوناً لإخوانه في مكة وإخوانه الوافدين إليها في حج وعمرة، وأن يكون مرشداً لهم في الخير. وهكذا على سكان مكة أن يعينوهم ويوجهوهم إلى الخير، ويرشدوهم إلى أسباب النجاة، وأن يحذروا إيذاءهم بأي أذى من قول أو فعل، وأن يكونوا دعاة للحق. هكذا يجب في هذين المسجدين، وفي هاتين البلدتين، ويجب على المسلم في كل زمان ومكان أن يتقي الله وأن يعظم حرماته، وأن يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، وأن يبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل، ويجب على ولاة الأمور الضرب بيد من حديد على كل من خالف أمر الله، أو أراد أن يتعدى حدوده، أو يؤذي عباده، طاعة لله سبحانه وتعالى، وطاعة لرسوله عليه الصلاة والسلام، وحماية للمسلمين من الحجاج والعمار والزوار وغيرهم، واحتراماً لهذا البلد العظيم، وهذا البلد الأمين، أن تنتهك فيه حرمات الله، أو يتعدى فيه على حدود الله، أو يؤمن فيه من لا يخاف الله ويراقبه، على إيذاء عباده وتعكير صفو حجهم وأمنهم بفعل سيئ أو بقول سيئ.

ونسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يوفق المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يرزقهم أداء حقه، والبعد عن محارمه أينما كانوا، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يعينهم على أداء الواجب، وعلى حماية بيته العتيق، ومدينة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام من كل أذى، ومن كل سوء، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا، وأن يشغلهم بأنفسهم عن إيذاء عباده، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم أينما كانوا، وأن يكفي المسلمين شرهم، إنه جل وعلا جواد كريم وسميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] محاضرة ألقاها سماحته في النادي الأدبي في مكة مساء الأحد 26/11/1408هـ
[2] سورة آل عمران، الآيتان 96، 97
[3] رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء) باب قول الله تعالى: "ووهبنا لداود سليمان " برقم 3425، ومسلم في (المساجد مواضع الصلاة) أول الكتاب، باب برقم 520
[4] رواه البخاري في (التيمم) باب قول الله تعالى: "فلم تجدوا ماء " برقم 335
[5] سورة البقرة، الآية 125
[6] سورة آل عمران، الآية 97
[7] سورة الحج، الآية 26
[8] سورة الحج، الآية 25
[9] رواه البخاري في (العلم) باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب برقم 104، ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها برقم 1354
[10] رواه البخاري في (الجزية) باب إثم الغادر للبر والفاجر برقم 3189، ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها برقم 1353
[11] سورة آل عمران، الآية 97
[12] سورة النحل، الآية 123
[13] سورة المائدة، الآية 2
[14] سورة العصر، الآيات 1- 3

ابو اكرام فتحون
2016-10-28, 19:02
- 3 -
حرمة مكة 1
للشيخ : عبدالرحمن بن عبدالله العجلان حفظه الله.
http://www.subulsalam.com/site/audio...ilMakka/01.mp3 (http://www.subulsalam.com/site/audios/AbderahmanAjlan/FadhailMakka/01.mp3)

حرمة مكة 2
للشيخ : عبدالرحمن بن عبدالله العجلان حفظه الله.
http://www.subulsalam.com/site/audio...ilMakka/02.mp3 (http://www.subulsalam.com/site/audios/AbderahmanAjlan/FadhailMakka/02.mp3)

أم سمية الأثرية
2016-10-29, 18:42
مكة المكرمة لها حرمة الدم وحرمة المسلم وحرمة الحرم ولها مكانة خاصة في قلوب المسلمين

في لقاء مع إذاعة الرياض.. فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله

الرياض - واس
أجرت اذاعة الرياض لقاء مع فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء تحدث فيه عن المكانة الخاصة لمكة المكرمة في قلوب المسلمين وخصوصيتها ومكانتها.

ووجهت الاذاعة في بداية اللقاء سؤالا لفضيلة الشيخ يقول:ما واجبنا نحن كمسلمين تجاه الأمن وكيف نحافظ عليه وما حكم هذه الاعمال الاجرامية؟ فقال فضيلته: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد فان هذه الحرمات العظيمة لا ينتهكها من في قلبه ايمان وهذه الحرمات أولا حرمة المسلمين فان المسلمين لهم حرمة قال صلى الله عليه وسلم (ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) ومكة أيضا لها حرمة الدم وحرمة المسلم وحرمة الحرم.

وقال سبحانه وتعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما). وحرمة مكة 00 مكة حرام.. جميع الحرم منذ خلق الله السماوات والارض الى أن تقوم الساعة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله سبحانه وتعالى عن الحرم (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم).

وكذلك حرمة شهر رمضان المبارك الذي فرض الله صيامه وشرع للامة صيامه والاكثار من العبادة فيه بأنه شهر عظيم شهر مبارك شهر ميزه الله على سائر الشهور بالخيرات والبركات فهذه حرمات عظيمة وهؤلاء الطغمة ينتهكون هذه الحرمات ولا شك أن الله سبحانه وتعالى ليس بغافل عنهم حيث انتهكوا حرمات الله عز وجل والله عزيز ذو انتقام والله جل وعلا بالمرصاد (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار) وهؤلاء الطغمة الذين تجرأوا على هذه الحرمات حرمة المسلمين وحرمة شهر رمضان وحرمة البلد الحرام لا شك أنهم أقدموا على جريمة بل على جرائم لم يأتها الكفار من قبل فان الكفار كانوا يعظمون الحرم وكانوا لا يعادون فيه أحدا حتى أن أحدهم يلقى قاتل أبيه أو ابنه أو قريبه فلا يتعرض له حتى يخرج من الحرم هذا وهم كفار انهم يخشون العقوبة من الله سبحانه وتعالى فكيف بهؤلاء الذين يدعون ويدعون الجهاد.

الجهاد قتل المسلمين هل الجهاد الاعتداء على حرمات الله عز وجل؟ هل الجهاد الاعتداء على حرمة الحرم الشريف؟ لكن اذا تذكرنا سلفهم الذين خرجوا في عهد الصحابة وكفروا الصحابة وقتلوا الخلفاء الراشدين قتلوا عثمان رضي الله عنه وقتلوا علي رضي الله عنه وحاولوا قتل معاوية بن أبي سفيان وقتل عمرو بن العاص وقتل المغيرة بن شعبة فاذا عرفنا موقعهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم لا يحترمون الصحابة الذين هم خير القرون فاحلوا دمهم وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الطغمة بأنهم يقاتلون أهل الايمان ويدعون أهل الاوثان فاذا كانوا بزعمهم يجاهدون في سبيل الله فهل الجهاد في سبيل الله انتهاك حرمات الله عز وجل.. ان هذا جهاد في سبيل الشيطان (الذين امنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفا).

لاشك أنهم ارتكبوا حرمات متعددة.. اذا كان الحرم بالذات لا يؤيد الصيد فيه ولا الطيور ولا الوحوش التي لا تؤذي الناس ولا يقطع شجره ولا يختلي خلاه تعظيما لحرمات الله فكيف ببيت فيه القتل والتخريب وتجمع فيه القوة والذخائر لأجل قتل المسلمين وتدمير ممتلكات المسلمين وترويع المسلمين لا شك أن هذه طغمة فاسدة تلقت مذهبها من شياطين الانس والجن وجاءوا يريدون انتهاك حرمات المسلمين.

لماذا يأتون الى مكة المكرمة والى المملكة العربية السعودية التي هي الدولة الوحيدة التي تحكم شرع الله عز وجل والتي تحمي حمى الحرمين الشريفين والتي هي مضرب المثل في التمسك بالاسلام. هل يريدون أن يقضوا على الاسلام؟! انهم لا يريدون الجهاد في سبيل الله وان تسموا بهذا وانما يريدون القضاء على الاسلام والمسلمين هذه مهمتهم وقد لقنوا هذا الشىء من أعداء الله من الكفرة فهم الذين لقنوهم هذه الافكار وهم الذين شربوهم هذه الجرائم وأرسلوهم في نحور المسلمين ولكن الله عز وجل لهم بالمرصاد والله يمهل ولا يهمل وبحمد الله أن الله يمكن ولاة الامور من القبض عليهم ومن ابطال كيدهم وهذا من فضل الله ومن حوله وقوته فانهم لا يدبرون مكيدة الا والله جل وعلا يكشفها عما قريب فهم مخذولون بحول الله0

ودعوات المسلمين في المسجد الحرام في مكة وفي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في الحرم الشريف ودعوات المسلمين في هذا الشهر المبارك ودعوات المسلمين في كل مكان سوف تحيط بهم باذن الله فان الله سبحانه وتعالى لهم بالمرصاد والله قريب مجيب.

واننا نذكر من في قلبه بقية من الايمان أو ذرة من ايمان من هؤلاء أن يتوبوا الى الله عز وجل وأن يرجعوا الى رشدهم ويثوبوا الى صوابهم ولا يغتروا بأقوال الاعداء والكفار فانهم لم يفلح سلفهم فما ظهر لهم قرن في أي زمان الا ويقطعه الله عز وجل فعليهم أن يعتبروا بسلفهم وأن يتوبوا الى الله سبحانه وتعالى ولا نستغرب اقدامهم على انتهاك الحرم وسلفهم الذين دخلوا المسجد الحرام وقتلوا الحجاج فيه والقوا جثثهم في بئر زمزم وذهبوا الى عرفة في يوم عرفة وقتلوا الحجاج في عرفة لا نستغرب من تلاميذهم أن يفعلوا مثل أفعالهم أو يحاولوا ولكنهم بحول الله مخذولون وبحول الله أنهم مقهورون ولايبؤون الا بالخيبة والفشل وأن جميع المسلمين على وجه الارض يمقتونهم بل حتى الكفار يشمتون منهم فان هؤلاء الكفار الذين غرروا بهم لاشك أنهم يشمتون بهم وكما قال الشيطان إذ زين لهم يوم بدر ( واذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال اني برىء منكم اني أرى ما لا ترون اني أخاف الله والله شديد العقاب) هذا الشيطان يقول كذا فهؤلاء الكفار الذين لقنوا هؤلاء الاغرار سيكون موقفهم اذا أوقعهم الله بأيدي المسلمين سيكون موقفهم منهم مثل موقف الشيطان من الكفار في بدر فعليهم أن يتقوا الله ان كانت فيهم بقية من ايمان وأن يتوبوا الى الله وأن يتخلوا عن هذه الافكار الخبيثة 0 كيف يغزون المسلمين كيف يغزون اباءهم واخوانهم وجيرانهم في بلاد الاسلام يروعونهم ويقتلونهم ويدمرون بيوتهم أين الانسانية أين الشهامة أين الدين ان كان فيهم دين فعليهم أن يتقوا الله عز وجل على بقيتهم 0

وأما من أوقعهم الله في قبضة المسلمين فسيلقون جزاءهم الرادع بحول الله ولكن على بقيتهم أن يتوبوا الى الله وأن يلقوا السلاح الذي بأيديهم ومن تاب تاب الله عليه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وان يعودوا فقد مضت سنة الاولين) فعليهم أن يتوبوا الى الله ويعلموا أنهم لا يعجزون الله سبحانه وتعالى فان الله محيط بهم وقادر عليهم والله جل وعلا ينتصر لاوليائه قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل ان الله قال من عادي لي وليا فقد اذنته بالحرب فمن اذى عباد الله واذى المسلمين فانه قد حارب الله عز وجل ومن حارب الله فانه مخذول لان الله يسلط عليه جنود السماوات والارض (ولله جنود السموات والارض وكان الله عزيزا حكيما).

فعلى من بقى منهم أن يتوبوا الى الله وأن يرجعوا الى رشدهم وأن يدخلوا فى صف المسلمين وأن يضعوا أيديهم فى أيدى المسلمين ما دامت التوبة لها مجال وما دام أنهم يتمكنون من التوبة.

أما اذا ألقي القبض عليهم فانهم سيطبق فيهم حكم الله ورسوله الرادع الذى يردعهم ويردع غيرهم. والله سبحانه وتعالى لما ذكر عقوبة الذين يسعون فى الارض فسادا قال جل وعلا (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم).

فعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله قبل أن يقعوا في قبضة المسلمين ويوقع بهم حكم الله ورسوله 0 عليهم أن يتوبوا ويرجعوا الى رشدهم فان الله يتوب على من تاب وان المسلمين يفرحون بتوبتهم لانهم أبناؤهم واخوانهم فاذا تابوا الى الله فان هذا يسر المسلمين ومن تاب تاب الله عليه. نسأل الله لنا ولهم الهداية والرجوع الى الحق وأن يعيذنا من نزغات الشيطان ومن أفكار الشيطان وأعوان الشيطان إنه قريب مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

منقول من سحاب