Téma Jewel
2016-10-26, 16:39
السلام عليكم
أحببت أن أشارككم بقصتي الـي أرجو أن تعتبروا و تستفيدوا منها
أترككم الآن مع القصة
وأرجو أن تكملوها إلى النهاية ^^
*
*
*
تغيرت كثيرا بعد أن دخلت صفوف الثانوية ، تغيرت نظرتي للحياة و صرت شخصا مختلفا عما كنته من قبل . رسمت لنفسي أهدافا بعضها قريب المدى و أكثرها بعيد المدى ، لم أنظر إلى مستقبلي نظرة قاصرة بل وسعت من مجال رؤيتي بحيث اشتمل على معظم جوانب الحياة .
ومرت الأيام و تفكيري يزداد توسعا وتفتحا.. ووصلت إلى نهاية المرحلة الثانوية و بداية مستقبل أبدعت في رسم تفاصيله و تلوينها بأبهى الألوان و لكن في حدود المعقول _طبعا_
صرت الآن مقبلة على امتحان مهم جدا .. إنه امتحان الباكلوريا ، الحصول على شهادة هذا الامتحان هو مفتاح بوابتي نحو المستقبل .
خلال السنة الدراسية ، طرأ علي الكثير من التغيير .. صرت أكثر تعلقا بالكتب ، زادت ثقتي بنفسي حتى وصلت إلى درجات عالية لم أتوقع الوصول إليها قط . و الأهم من ذلك كله .. كانت علاقتي بربي في تحسن مستمر .. كانت روحي تعانق السماء و تنشد خالقها في كل لحظة .. كنت أنا مع الله و كان الله معي .. و كانت ثقتي بربي تزداد يوما بعد يوم …
رسمت لنفسي معدلا كان أقرب منه إلى الخيال .. لكنني كنت أؤمن بالأحلام و عالم الخيال و كنت أؤمن بأن :" المرء يشيخ حين تشيخ أحلامه و يموت حين يموت آخر حلم له " _ و هي مقولة لعبد الكريم بكار _ .. لم أكن أريد حقا أن أموت و أنا حية . لكن مع مرور الأيام ، صارالمعدل " الخيالي " واقعيا بالنسبة لعقلي و قد اعتبر هذا الأخير أن بلوغ هدفي سهل المنال . لن أنكر أنني أمضيت السنة على خير ما يرام ، بل إن المصائب لم تتفانى في التوالي علي .. وكانت نفسيتي تميل إلى الإكتئاب و مزاجي كان متعكرا . لكنني مقابل هذا كنت كثيرة التفاؤل و كان هذا الصدى : ( تفاءلوا خيرا تجدوه ) يتردد في قلبي و عقلي كل دقيقة وثانية .. وجعلت منه قاعدة ثابتة لي .وكان أيضا من قواعدي مقولة قرأتها في إحدى الكتب ( إن لم تخني ذاكرتي فقد كان ذلك في كتاب : ما لم يخبرني به أبي عن الحياة لكريم الشادلي ) ، تقول هذه المقولة : " ابدأ بالضروري ثم انتقل نحو الممكن تجد نفسك فجأة تفعل المستحيل " و اتخذت منها شعارا لي في كل خطوة أخطوها في الحياة . هذا و قد اهتديت _ من خلال تجاربي الدراسية _ إلى استراتيجيات ساعدتني لأذاكر بذكاء و ليس بجهد . و كنت أؤمن بشدة أن لجسدي حق علي ، فلم أحرمه الراحة قط ، على أنني لم أتواكل .. بل يكفيني أنني توكلت على الله و مضيت قدما . و مع كل هذا كانت تمر علي لحظات أشعر فيها بالملل أحيانا أو الحزن و التعاسة أحيانا أخرى .لكنني تجاوزتها و الفضل يعود لله .
وكانت لي صديقة لن أنسى معروفها ما حييت .. مع أننا لم نلتق قط .. إلا أن أرواحنا كانت تتعانق باستمرار .. كانت _ بكل بساطة _ صديقة الروح . هذه الأخيرة لم تبخل علي بنصائحها التي ساعدتني في تجاوز العقبات و المحن كما أنها أطلعتني على العديد من تجارب من هم أكبر منا سنا و مروا بنفس المرحلة التي نعيشها .. و قد استفدت منها كثيرا و استطعت بفضل العبر التي اقتبستها منها أن أكون لدي قناعات راسخة .
هكذا و توالت الأيام ... حتى جاء الموعد المنتظر.. إنه أسبوع الامتحان . و كنت على العكس من الكثير من أقراني محافظة على رباطة جأشي و معنوياتي المرتفعة و تفاؤلي الذي كان يلازمني . وكنت أردد في سري و علني : عملت و اجتهدت و توكلت على الله ، هو لن يخيب ظني و مصيري محفوظ في اللوح قبل أن أولد و أرى الحياة .
مر أول يوم على خير و أقبل اليوم الثاني الذي يعتبر بالنسبة لتلاميذ شعبة الرياضيات أهم يوم و أصعبه ، إذ اشتمل ذلك اليوم على امتحان مادة الرياضيات .كنت قد سطرت في ذهني مجالا اشترطت أن تكون علامتي في هذه المادة ضمنه ... ما إن وزعت علينا أوراق الامتحان حتى شرعت في ذكر الله و استحضرت وجوده إلى جانبي فلم أقلق و لم أتوتر و الحمد لله . لكن ما مضى من بقية الوقت لم يكن كسابقه .. إذ كانت صدمتي كبيرة حين وجدت الامتحان طويلا .. و هنا بدأ السواد يغشى عيني و بدأت آمالي كلها في التلاشي ... لكني ما لبثت أن تغلبت على وساوس الشيطان و أكملت الامتحان ... هذا و قد كنت متيقنة أن علامتي ستكون خارج المجال الذي وضعته لها بالتأكيد ، فشعرت باليأس و الإحباط ... لكن ثقتي في الله لا يزعزعها شيئ .. و أسرتي التي وهبني الله اياها قد أعادت لي معنوياتي المرتفعة إلى جانب مساندة صديقتي الروحية و كان ثالث يوم أفضل من سابقه بكثير .. غير أنني في ذلك اليوم سمعت إشاعة تفيد بأن المواضيع قد سربت ثم تأكدت أن الإشاعة صحيحة و شعرت بغصة في حلقي لأننا في هذه الحالة لن نفرق بين مجتهد و متواكل وسيكون الكل سواسية و هذا ليس من العدل في شيئ ... لكنني تيقنت أن الله لا يضيع عمل عامل فارتاحت نفسيتي ... و خرجت من المعركة خاسرة ... فقد تحطمت بمرور اليومين الأخيرين لأنني و جدت الأسئلة صعبة بعض الشيئ و هو ماكان العكس عند أولئك الذين اطلعوا على المواضيع قبل الامتحان .. فشعرت بخيبة كبيرة . كنت أرفض بشدة أن أعيد الامتحان لأن جهودي كانت قد نفذت تماما و لم أعد أقوى على المذاكرة خاصة في رمضان ... لكننا نختار و الله يختار الأفضل لنا ... و مرت أيام الدورة الثانية بأفضل من سابقتها ...و آمنت أن لشهر رمضان بركة خاصة به .
حين تم وضع التصحيحات النموذجية .. أخذت أقرانها بأجوبتي ، كانت النتيجة أفضل مما توقعت على أنها ابتعدت قليلا عن المعدل الذي كنت أنشده ... لكنني و لا شك كنت أؤمن أن الدعاء يرد القضاء كما لا أخفي عنكم إيماني بالمعجزات الالهية التي سبق و أن وقعت لي في مرات سابقة . كنت أدعو الله و كلي يقين على أنه سيجيب دعواتي . كانت الدقائق تمر كالسنوات وكنت أنتظر لحظة إعلان النتائج بفارغ الصبر ، تلك اللحظة التي علقت عليها كل آمالي و رسمت بعد مرورها مستقبلا مشرقا مليئا بالبسمات ... و قد صورت تلك اللحظة في خيالي .. وجه أمي تعلوه البسمة .. و عيناها تترقرقان بدموع الفرح .. ووضعت بسمات تملأ أشداق من هم حولي .. و تخيلت نفسي و أنا أسجد لله شاكرة له و قلبي يكاد ينفجر سعادة ... هذه كانت أحلامي التي تيقنت بوقوعها .. لكن الواقع كان عكس ذلك .. حين أقول العكس فأنا أعني ذلك تماما .
تلك البسمة التي كانت تعلو وجه أمي في مخيلتي عوضتها مسحة حزن و ألم .. و دموع الفرح صارت دموع كآبة و ضيق .. أما أولئك الذين كانوا حولي فقد كانوا عابسين بدل أن يكونوا فرحين ...و أما عني ، فقد كان لساني لا يتوقف عن ترديد : الحمد لله ... و قلبي كاد ينفجر حزنا و ألما ... لن أنسى تلك الأرقام الثلاثة التي هدمت كل آمالي .. ثلاثة أرقام مجردة تفعل كل هذا ؟ كيف ؟
قبل ظهور النتيجة بساعات كنت أدعو الله أن يرضيني بقضائه و قدره ... و كان ذلك القضاء الذي كان سيحزنني بعيدا كل البعد عن الواقع الذي صدمني ... كان كابوسا مرعبا ... لكم تمنيت أن أفيق من ذلك الحلم المزعج .. لكن ذلك لم يكن حلما للأسف .. لقد كان واقعا و كان علي أن أعايشه و أرضى بما كتبه الله لي . خلال الأيام التي تلت .. كنت أخفي ألم قلبي بابتسامة زائفة لم أتقن رسمها .. لكنني كنت أتعذب أكثر عندما أرى من حولي يتعذبون بسببي .
عرفت أن سبب هبوطي في المعدل كان المواد الأدبية .. لأنني سمعت كثيرا عن طريقة التصحيح المبتذلة و حالة المصححين خاصة في رمضان .. فرضيت بما كتبه الله لي .
وعندما اطلعت على كشف نقاطي .. كانت الصدمة ، تحصلت على علامات لم أتوقعها قط في المواد الأدبية ...حتى في أحلامي لم أضع تلك العلامات ... لكن الكارثة الكبرى كانت في علامتي الرياضيات و الفيزياء ... كانت كارثة بحق .. طوال سنوات دراستي لم أتحصل على مثيلاتها ... على أن لي عقل و أعرف مستواي جيدا كما أنني أتذكر ما وضعته من أجوبة ... ثم شعرت بالظلم .. كانت هذه أول مرة أجرب فيها شعور المظلوم.. و ما أصعبه من شعور ! سمعت الكثير من القصص عن تلاميذ أسقطتهم إحدى المادتين .. لكن الاثنان معا ؟ مستحيل ! ثم عاودني ذلك الشعور بأنني في حلم .. أنا أحلم بالطبع .. لكن الحلم طال .. يا الهي كن في عوني ... لم أطمع حقا في الحصول على التخصص الذي تمنيته .. لأنني بصراحة توقعت المزيد من الصدمات .. لكن بقي في نفسي ذرة من أمل .. على أن توقعاتي هذه المرة كانت في مكانها ... فقد كان ينقصني الشيئ القلييييل لأصل إلى معدل تخصصي ... كنت قد جهزت نفسي هذه المرة لكنني أعترف بضعفي ...كان ما قد بقي حيا في روحي قد مات .. تلاشيت تماما ... كرهت الحياة .. كرهت الدراسة و التعليم .. كرهت الأساتذة و رافقت أسماءهم بوابل من الشتائم و الدعوات ... كرهت نفسي .. كرهت كل من حولي .. كرهت أولئك الذين كانوا يدعون الشفقة و أولئك الذين كانوا يشفقون علي حقا و أولئك الذين كانوا يتناسون ما أنا عليه .. كرهت الجميع . أمضيت باقي أيام العطلة في النوم و التفكير و أحيانا الرسم و كنت نادرا ما أقرأ الكتب مع أني كنت قد جهزت قائمة طويلة عريضة لما سأقرأه ... صار النهار كالليل و تشابهت الأيام و صارت حياتي بلا معنى ... كنت أعيش لأجل أهدافي و هاهي قد تلاشت ... قرأت مرة في كتاب : " إن الماضي دوامة إذا تركته يسيطر على لحظتك الحالية فإنه سيجرفك و يمتصك " كنت أعي هذا جيدا .. لكنني في الواقع لم أستطع إلا المثول لذلك الماضي و تلك اللحظة بالتحديد .. كنت دائما أتذكرها مع أنني عاهدت نفسي على نسيانها تماما .. لكن المرء لا ينسى من الأشياء إلا تلك التي لا يريد نسيانها . وانتهت تلك العطلة الرهيبة ، وجدت نفسي بقايا أشلاء و راجعت إيماني الذي فقدت جزءا منه .. وجدت نفسي ضائعة .. رثيت لحالي لأني فشلت في الامتحان الأول و كذلك فعلت _ أو كدت أفعل ، العلم عند الله _ في الامتحان الثاني ... عرفت من خلالي تجربي معنى أن الإنسان خلق عجولا ... كنت أريد أن أعرف الحكمة مما جرى لي .. هل كان ذلك ابتلاء من الله ؟ أم خيرا لي لأنني ابتعدت عن تخصص لم يوجد لي ؟ أم لأن في إعادة الباكلوريا خير لي ؟ لماذا ؟ كان مجرد تفكيري في السبب يشتتني و يمزقني ..و أحيانا كنت أشعر بأنني أكفر _ و العياذ بالله _ لأنني أطرح هذه التساؤلات ثم أعود إلى الاستغفار لكني لم أملك نفسي للعدول عن التفكير في مثل هذه الأمور الغيبية برغم محاولاتي العديدة للإفلات منها .
و جاء موعد الدخول الجامعي .. وكنت قد اخترت تخصصا لا يربطني به شيئ .. ربما بناء على رغبة من هم حولي أو لا أدري لماذا ... على أن ذلك التخصص كان جيدا و مرغوبا و ميزاته و إيجابياته كثيرة .. لكنني لم أحبه قط و كانت فكرة إعادة الباكلوريا تجول في خاطري ... و ما ان استأنفت الدراسة حتى بدأت المغريات تحوم حولي .. لماذا لا أكمل في هذا التخصص ؟ و لماذا أخسر سنة من حياتي ؟ لماذا أعيد الباكلوريا مع علمي أن ما وقع لي أول مرة يمكن أن يقع لي في المرة الثانية و لو امتلكت عقلين ؟
وكان صوت آخر في داخلي يناديني . لا تدوسي على أهدافك ... قاتلي لأجل تحقيقها .. القصة لن تنتهي هنا ...
كنت تائهة بكل معنى الكلمة .. صليت كثيرا و استخرت لكن شيئا لم يتغير ... و كان منظر بعض زملائي ممن كانوا أدنى مني و هم أحسن حالا و استقرارا و يدرسون التخصص الذي بنيت عليه أهدافي يعذبني ... و عاد شعور الظلم يطوقني و عادت الحياة كما كانت بلا معنى ... و عدت إلى كره جميع الناس و كنت أعتزل بنفسي ما أمكنني كي أتجنب أسئلة البشر التافهة و المملة عن أحوالي ... لكن الوحدة كانت و لا زالت تخنقني .
الآن اتخذت قراري ... و ليس بالسهل .. قررت أن أقاتل لأجل تحقيق أهدافي على أنني لن أخرج بدون خسائر من تلك المعارك .. لكنني سأسعى جاهدة إلى النصر ..و الله كان و لازال و سيكون معي .
أحببت أن أنقل إليكم تجربتي لتستفيدوا من أخطائي و لا تقعوا فيها مثلما فعلت أنا ... فقد قيل : تعلم من أخطاء الآخرين فإنك لن تعيش من الحياة ما يكفيك لترتكبها كلها بنفسك .
نصيحتي للمقبلين على الامتحان : ثقوا بالله و ثقوا بأنفسكم و تفاءلوا خيرا تجدوه ... ولكن كونوا على استعداد لمواجهة الأسوأ .. الأسوأ الذي لا يخطر على بالكم ...
و الله ولي التوفيق .
أحببت أن أشارككم بقصتي الـي أرجو أن تعتبروا و تستفيدوا منها
أترككم الآن مع القصة
وأرجو أن تكملوها إلى النهاية ^^
*
*
*
تغيرت كثيرا بعد أن دخلت صفوف الثانوية ، تغيرت نظرتي للحياة و صرت شخصا مختلفا عما كنته من قبل . رسمت لنفسي أهدافا بعضها قريب المدى و أكثرها بعيد المدى ، لم أنظر إلى مستقبلي نظرة قاصرة بل وسعت من مجال رؤيتي بحيث اشتمل على معظم جوانب الحياة .
ومرت الأيام و تفكيري يزداد توسعا وتفتحا.. ووصلت إلى نهاية المرحلة الثانوية و بداية مستقبل أبدعت في رسم تفاصيله و تلوينها بأبهى الألوان و لكن في حدود المعقول _طبعا_
صرت الآن مقبلة على امتحان مهم جدا .. إنه امتحان الباكلوريا ، الحصول على شهادة هذا الامتحان هو مفتاح بوابتي نحو المستقبل .
خلال السنة الدراسية ، طرأ علي الكثير من التغيير .. صرت أكثر تعلقا بالكتب ، زادت ثقتي بنفسي حتى وصلت إلى درجات عالية لم أتوقع الوصول إليها قط . و الأهم من ذلك كله .. كانت علاقتي بربي في تحسن مستمر .. كانت روحي تعانق السماء و تنشد خالقها في كل لحظة .. كنت أنا مع الله و كان الله معي .. و كانت ثقتي بربي تزداد يوما بعد يوم …
رسمت لنفسي معدلا كان أقرب منه إلى الخيال .. لكنني كنت أؤمن بالأحلام و عالم الخيال و كنت أؤمن بأن :" المرء يشيخ حين تشيخ أحلامه و يموت حين يموت آخر حلم له " _ و هي مقولة لعبد الكريم بكار _ .. لم أكن أريد حقا أن أموت و أنا حية . لكن مع مرور الأيام ، صارالمعدل " الخيالي " واقعيا بالنسبة لعقلي و قد اعتبر هذا الأخير أن بلوغ هدفي سهل المنال . لن أنكر أنني أمضيت السنة على خير ما يرام ، بل إن المصائب لم تتفانى في التوالي علي .. وكانت نفسيتي تميل إلى الإكتئاب و مزاجي كان متعكرا . لكنني مقابل هذا كنت كثيرة التفاؤل و كان هذا الصدى : ( تفاءلوا خيرا تجدوه ) يتردد في قلبي و عقلي كل دقيقة وثانية .. وجعلت منه قاعدة ثابتة لي .وكان أيضا من قواعدي مقولة قرأتها في إحدى الكتب ( إن لم تخني ذاكرتي فقد كان ذلك في كتاب : ما لم يخبرني به أبي عن الحياة لكريم الشادلي ) ، تقول هذه المقولة : " ابدأ بالضروري ثم انتقل نحو الممكن تجد نفسك فجأة تفعل المستحيل " و اتخذت منها شعارا لي في كل خطوة أخطوها في الحياة . هذا و قد اهتديت _ من خلال تجاربي الدراسية _ إلى استراتيجيات ساعدتني لأذاكر بذكاء و ليس بجهد . و كنت أؤمن بشدة أن لجسدي حق علي ، فلم أحرمه الراحة قط ، على أنني لم أتواكل .. بل يكفيني أنني توكلت على الله و مضيت قدما . و مع كل هذا كانت تمر علي لحظات أشعر فيها بالملل أحيانا أو الحزن و التعاسة أحيانا أخرى .لكنني تجاوزتها و الفضل يعود لله .
وكانت لي صديقة لن أنسى معروفها ما حييت .. مع أننا لم نلتق قط .. إلا أن أرواحنا كانت تتعانق باستمرار .. كانت _ بكل بساطة _ صديقة الروح . هذه الأخيرة لم تبخل علي بنصائحها التي ساعدتني في تجاوز العقبات و المحن كما أنها أطلعتني على العديد من تجارب من هم أكبر منا سنا و مروا بنفس المرحلة التي نعيشها .. و قد استفدت منها كثيرا و استطعت بفضل العبر التي اقتبستها منها أن أكون لدي قناعات راسخة .
هكذا و توالت الأيام ... حتى جاء الموعد المنتظر.. إنه أسبوع الامتحان . و كنت على العكس من الكثير من أقراني محافظة على رباطة جأشي و معنوياتي المرتفعة و تفاؤلي الذي كان يلازمني . وكنت أردد في سري و علني : عملت و اجتهدت و توكلت على الله ، هو لن يخيب ظني و مصيري محفوظ في اللوح قبل أن أولد و أرى الحياة .
مر أول يوم على خير و أقبل اليوم الثاني الذي يعتبر بالنسبة لتلاميذ شعبة الرياضيات أهم يوم و أصعبه ، إذ اشتمل ذلك اليوم على امتحان مادة الرياضيات .كنت قد سطرت في ذهني مجالا اشترطت أن تكون علامتي في هذه المادة ضمنه ... ما إن وزعت علينا أوراق الامتحان حتى شرعت في ذكر الله و استحضرت وجوده إلى جانبي فلم أقلق و لم أتوتر و الحمد لله . لكن ما مضى من بقية الوقت لم يكن كسابقه .. إذ كانت صدمتي كبيرة حين وجدت الامتحان طويلا .. و هنا بدأ السواد يغشى عيني و بدأت آمالي كلها في التلاشي ... لكني ما لبثت أن تغلبت على وساوس الشيطان و أكملت الامتحان ... هذا و قد كنت متيقنة أن علامتي ستكون خارج المجال الذي وضعته لها بالتأكيد ، فشعرت باليأس و الإحباط ... لكن ثقتي في الله لا يزعزعها شيئ .. و أسرتي التي وهبني الله اياها قد أعادت لي معنوياتي المرتفعة إلى جانب مساندة صديقتي الروحية و كان ثالث يوم أفضل من سابقه بكثير .. غير أنني في ذلك اليوم سمعت إشاعة تفيد بأن المواضيع قد سربت ثم تأكدت أن الإشاعة صحيحة و شعرت بغصة في حلقي لأننا في هذه الحالة لن نفرق بين مجتهد و متواكل وسيكون الكل سواسية و هذا ليس من العدل في شيئ ... لكنني تيقنت أن الله لا يضيع عمل عامل فارتاحت نفسيتي ... و خرجت من المعركة خاسرة ... فقد تحطمت بمرور اليومين الأخيرين لأنني و جدت الأسئلة صعبة بعض الشيئ و هو ماكان العكس عند أولئك الذين اطلعوا على المواضيع قبل الامتحان .. فشعرت بخيبة كبيرة . كنت أرفض بشدة أن أعيد الامتحان لأن جهودي كانت قد نفذت تماما و لم أعد أقوى على المذاكرة خاصة في رمضان ... لكننا نختار و الله يختار الأفضل لنا ... و مرت أيام الدورة الثانية بأفضل من سابقتها ...و آمنت أن لشهر رمضان بركة خاصة به .
حين تم وضع التصحيحات النموذجية .. أخذت أقرانها بأجوبتي ، كانت النتيجة أفضل مما توقعت على أنها ابتعدت قليلا عن المعدل الذي كنت أنشده ... لكنني و لا شك كنت أؤمن أن الدعاء يرد القضاء كما لا أخفي عنكم إيماني بالمعجزات الالهية التي سبق و أن وقعت لي في مرات سابقة . كنت أدعو الله و كلي يقين على أنه سيجيب دعواتي . كانت الدقائق تمر كالسنوات وكنت أنتظر لحظة إعلان النتائج بفارغ الصبر ، تلك اللحظة التي علقت عليها كل آمالي و رسمت بعد مرورها مستقبلا مشرقا مليئا بالبسمات ... و قد صورت تلك اللحظة في خيالي .. وجه أمي تعلوه البسمة .. و عيناها تترقرقان بدموع الفرح .. ووضعت بسمات تملأ أشداق من هم حولي .. و تخيلت نفسي و أنا أسجد لله شاكرة له و قلبي يكاد ينفجر سعادة ... هذه كانت أحلامي التي تيقنت بوقوعها .. لكن الواقع كان عكس ذلك .. حين أقول العكس فأنا أعني ذلك تماما .
تلك البسمة التي كانت تعلو وجه أمي في مخيلتي عوضتها مسحة حزن و ألم .. و دموع الفرح صارت دموع كآبة و ضيق .. أما أولئك الذين كانوا حولي فقد كانوا عابسين بدل أن يكونوا فرحين ...و أما عني ، فقد كان لساني لا يتوقف عن ترديد : الحمد لله ... و قلبي كاد ينفجر حزنا و ألما ... لن أنسى تلك الأرقام الثلاثة التي هدمت كل آمالي .. ثلاثة أرقام مجردة تفعل كل هذا ؟ كيف ؟
قبل ظهور النتيجة بساعات كنت أدعو الله أن يرضيني بقضائه و قدره ... و كان ذلك القضاء الذي كان سيحزنني بعيدا كل البعد عن الواقع الذي صدمني ... كان كابوسا مرعبا ... لكم تمنيت أن أفيق من ذلك الحلم المزعج .. لكن ذلك لم يكن حلما للأسف .. لقد كان واقعا و كان علي أن أعايشه و أرضى بما كتبه الله لي . خلال الأيام التي تلت .. كنت أخفي ألم قلبي بابتسامة زائفة لم أتقن رسمها .. لكنني كنت أتعذب أكثر عندما أرى من حولي يتعذبون بسببي .
عرفت أن سبب هبوطي في المعدل كان المواد الأدبية .. لأنني سمعت كثيرا عن طريقة التصحيح المبتذلة و حالة المصححين خاصة في رمضان .. فرضيت بما كتبه الله لي .
وعندما اطلعت على كشف نقاطي .. كانت الصدمة ، تحصلت على علامات لم أتوقعها قط في المواد الأدبية ...حتى في أحلامي لم أضع تلك العلامات ... لكن الكارثة الكبرى كانت في علامتي الرياضيات و الفيزياء ... كانت كارثة بحق .. طوال سنوات دراستي لم أتحصل على مثيلاتها ... على أن لي عقل و أعرف مستواي جيدا كما أنني أتذكر ما وضعته من أجوبة ... ثم شعرت بالظلم .. كانت هذه أول مرة أجرب فيها شعور المظلوم.. و ما أصعبه من شعور ! سمعت الكثير من القصص عن تلاميذ أسقطتهم إحدى المادتين .. لكن الاثنان معا ؟ مستحيل ! ثم عاودني ذلك الشعور بأنني في حلم .. أنا أحلم بالطبع .. لكن الحلم طال .. يا الهي كن في عوني ... لم أطمع حقا في الحصول على التخصص الذي تمنيته .. لأنني بصراحة توقعت المزيد من الصدمات .. لكن بقي في نفسي ذرة من أمل .. على أن توقعاتي هذه المرة كانت في مكانها ... فقد كان ينقصني الشيئ القلييييل لأصل إلى معدل تخصصي ... كنت قد جهزت نفسي هذه المرة لكنني أعترف بضعفي ...كان ما قد بقي حيا في روحي قد مات .. تلاشيت تماما ... كرهت الحياة .. كرهت الدراسة و التعليم .. كرهت الأساتذة و رافقت أسماءهم بوابل من الشتائم و الدعوات ... كرهت نفسي .. كرهت كل من حولي .. كرهت أولئك الذين كانوا يدعون الشفقة و أولئك الذين كانوا يشفقون علي حقا و أولئك الذين كانوا يتناسون ما أنا عليه .. كرهت الجميع . أمضيت باقي أيام العطلة في النوم و التفكير و أحيانا الرسم و كنت نادرا ما أقرأ الكتب مع أني كنت قد جهزت قائمة طويلة عريضة لما سأقرأه ... صار النهار كالليل و تشابهت الأيام و صارت حياتي بلا معنى ... كنت أعيش لأجل أهدافي و هاهي قد تلاشت ... قرأت مرة في كتاب : " إن الماضي دوامة إذا تركته يسيطر على لحظتك الحالية فإنه سيجرفك و يمتصك " كنت أعي هذا جيدا .. لكنني في الواقع لم أستطع إلا المثول لذلك الماضي و تلك اللحظة بالتحديد .. كنت دائما أتذكرها مع أنني عاهدت نفسي على نسيانها تماما .. لكن المرء لا ينسى من الأشياء إلا تلك التي لا يريد نسيانها . وانتهت تلك العطلة الرهيبة ، وجدت نفسي بقايا أشلاء و راجعت إيماني الذي فقدت جزءا منه .. وجدت نفسي ضائعة .. رثيت لحالي لأني فشلت في الامتحان الأول و كذلك فعلت _ أو كدت أفعل ، العلم عند الله _ في الامتحان الثاني ... عرفت من خلالي تجربي معنى أن الإنسان خلق عجولا ... كنت أريد أن أعرف الحكمة مما جرى لي .. هل كان ذلك ابتلاء من الله ؟ أم خيرا لي لأنني ابتعدت عن تخصص لم يوجد لي ؟ أم لأن في إعادة الباكلوريا خير لي ؟ لماذا ؟ كان مجرد تفكيري في السبب يشتتني و يمزقني ..و أحيانا كنت أشعر بأنني أكفر _ و العياذ بالله _ لأنني أطرح هذه التساؤلات ثم أعود إلى الاستغفار لكني لم أملك نفسي للعدول عن التفكير في مثل هذه الأمور الغيبية برغم محاولاتي العديدة للإفلات منها .
و جاء موعد الدخول الجامعي .. وكنت قد اخترت تخصصا لا يربطني به شيئ .. ربما بناء على رغبة من هم حولي أو لا أدري لماذا ... على أن ذلك التخصص كان جيدا و مرغوبا و ميزاته و إيجابياته كثيرة .. لكنني لم أحبه قط و كانت فكرة إعادة الباكلوريا تجول في خاطري ... و ما ان استأنفت الدراسة حتى بدأت المغريات تحوم حولي .. لماذا لا أكمل في هذا التخصص ؟ و لماذا أخسر سنة من حياتي ؟ لماذا أعيد الباكلوريا مع علمي أن ما وقع لي أول مرة يمكن أن يقع لي في المرة الثانية و لو امتلكت عقلين ؟
وكان صوت آخر في داخلي يناديني . لا تدوسي على أهدافك ... قاتلي لأجل تحقيقها .. القصة لن تنتهي هنا ...
كنت تائهة بكل معنى الكلمة .. صليت كثيرا و استخرت لكن شيئا لم يتغير ... و كان منظر بعض زملائي ممن كانوا أدنى مني و هم أحسن حالا و استقرارا و يدرسون التخصص الذي بنيت عليه أهدافي يعذبني ... و عاد شعور الظلم يطوقني و عادت الحياة كما كانت بلا معنى ... و عدت إلى كره جميع الناس و كنت أعتزل بنفسي ما أمكنني كي أتجنب أسئلة البشر التافهة و المملة عن أحوالي ... لكن الوحدة كانت و لا زالت تخنقني .
الآن اتخذت قراري ... و ليس بالسهل .. قررت أن أقاتل لأجل تحقيق أهدافي على أنني لن أخرج بدون خسائر من تلك المعارك .. لكنني سأسعى جاهدة إلى النصر ..و الله كان و لازال و سيكون معي .
أحببت أن أنقل إليكم تجربتي لتستفيدوا من أخطائي و لا تقعوا فيها مثلما فعلت أنا ... فقد قيل : تعلم من أخطاء الآخرين فإنك لن تعيش من الحياة ما يكفيك لترتكبها كلها بنفسك .
نصيحتي للمقبلين على الامتحان : ثقوا بالله و ثقوا بأنفسكم و تفاءلوا خيرا تجدوه ... ولكن كونوا على استعداد لمواجهة الأسوأ .. الأسوأ الذي لا يخطر على بالكم ...
و الله ولي التوفيق .