تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من صفات المُجتمع الإسلامي


سعيد هرماس
2016-10-02, 19:27
من صفات المُجتمع الإسلامي


أحمد الله ربّي حمدا كثيرا طيّبا مُباركا فيه، و أُصلّي و أُسلّم على المبعوث رحمة للعالمين صاحب الخُلق العظيم سيّدنا مُحمّد، و على آله و صحبه الغُرّ الميامين، و من تبعهم بخير إلى يوم الدّين، و بعد:


إنّ قوّة أيّ أمّة تتمثّل في وحدتها، و بخاصّة في جانب حفاظها على ثوابتها السّامية، و لا شكّ أنّ الأمّة الإسلاميّة تشتكي ذلك اليوم، و نحن نراها مُقسّمة و مُشتّتة، و لم يصل الأمر إلى ذلك، بل تجاوز إلى أوساط المجتمع الإسلامي؛ في علاقة الفرد بالآخرين، سواء كانت عامّة أو خاصّة، و لمّا رأيت الخُطورة بمكان قُمت بجمع الأحاديث الصّحيحة و شيء من فقهها، مُبيّنا أحكام و صفات المُجتمع الإسلامي القويم، و قد وجدت في ذلك أدلّة قطعيّة على لسان سيّد المُرسلين (صلّى الله عليه و سلّم)،و من هاته الأدلّة ما يلي:

01 - إفشاء السّلام:
قال (صلّى الله عليه و سلّم): (و الّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تُؤمنوا و لا تُؤمنوا حتّى تحابّوا ألا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السّلام بينكم). (أخرجه مُسلم و أبو داود و التّرمذي).
و عن أبي ذرّ (رضي الله عنه) أنّ رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم) قال: (لا تحقرن من المعروف شيئا و لو أن تلقى أخاك بوجه طلق. أي بالبشر و الابتسام). (رواه مُسلم).
و قال عليه الصّلاة و السّلام: (لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصدّ هذا و يصدّ هذا و خيرهما الّذي يبدأ السّلام). (مُتفق عليه من حديث أبي أيّوب).
و روى أبو داود عن البراء (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم): ( ما من مُسلمين يلتقيان فيتصافحان إلّا غُفر لهما قبل أن يفترقا). ( أنظر صحيح الجامع الصّغير للعلّامة الألباني. الحديث رقم 5653).

من فقه هذه الأحاديث:
أفشوا السّلام: السّلام معناه الأمان، فإذا ابتدأ به المُسلم أخاه فلم يُجبه يتوهم منه الشّرّ فيجب عليه أن يدفع ذلك الوهم... و ردّ السّلام واجب على من تعرف و على من لا تعرف (و خيرهما الّذي يبدأ بالسّلام).
قال الحافظ ابن عبد البرّ: (أجمعوا على أنّه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلّا لمن خاف من مُكالمته ما يُفسد عليه دينه، أو يدخل منه على نفسه أو دُنياه مضرّة، فإن كان ذلك جاز و ربّ هجر جميل خيرٌ من مُخالطة مُؤذية.) اهـ . و قال الإمام الطّبري: (قصّة كعب بن مالك أصلٌ في هُجران أهل المعاصي، و قد استشكل كون هُجران الفاسق أو المُبتدع مشروعا، و لا يُشرع هُجران الكافر، و هو أشدّ جرمًا منهما لكونهما من أهل التّوحيد في الجملة.) اهــ.
و الهجْرة بكسر الهاء و سُكون الجيم: أي ترك الشّخص مُكالمة الآخر إذا تلاقيا، و ليس المُراد بها مُفارقة الوطن. و عُمومها الّذي ورد في الحديث مخصوص بمن هجر أخاه فوق ثلاث ليال.
قال الحافظ النّووي: (قال العُلماء: تُحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنّصّ، و تُباح في الثّلاث بالمفهوم، و إنّما عُفي عنه في ذلك لأنّ الآدمي مجبول على الغضب، فسومح بذلك القدر ليرجع و يزول ذلك العارض.) اهـ.
و قال الحافظ ابن حجر: (المُعتمد أنّ المُرخّص فيه ثلاثة أيّام بلياليها فحيث أطلقت اللّيالي أُريد بأيّامها، و حيث أطلقت الأيام أُريد بلياليها.) اهـ.
و قال أهل العلم يُكره هجر المُسلم لأخيه المُسلم فوق ثلاث إلّا أن يكون من أهل الأهواء و البدع و الفُسّاق المُدمنين على ذلك، و يزول الهجر المحرم بالسّلام (1).

02 - النّهي عن النّجوى:
عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنّ النّبيّ (صلّى الله عليه و سلّم) قال: (إذا كُنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثّالث فإنّ ذلك يُحزنه.). (أخرجه مالك و رواه البُخاري و مُسلم و التّرمذي و ابن ماجة و الدّارمي).
و الشّاهد هُنا قوله (صلّى الله عليه و سلّم): (فإنّ ذلك يُحزنه) ؛ لأنّه قد يتوهّم أنّ نجواهما إنّما هي لسُّوء رأيهما فيه أو لدسيسة غائلة له.
و عن مالك (رضي الله عنه) قال: (لا يتناجى ثلاثة دُون واحد، و لا عشرة ؛ لأنّه نهى أن يترك وحده، و هذا من حُسن الأدب، حتّى لا تقع قطيعة أو تباغض بين المسلمين، و لا يجوز لأحد أن يدخل على المُتناجيين في حال تناجيهما.(2)) اهـ.

03 - الكبر:
قال رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم): (لا يدخل الجّنة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر، و عرّف (صلّى الله عليه و سلّم) الكبر، بأنّه بطر الحقّ، و غمط النّاس ؛ أي احتقارهم.). (رواه مُسلم) . قال ابن الأثير: البطر: الطّغيان عند النّعمة و طُول الغنى . و الشّاهد هنا: عُقوبة الله لمن يتكبّر على إخوانه المُسلمين و يحتقرهم و يتعالى عليهم، و الأصل محبتهم و إدخال السّرور عليهم.

04 - إصلاح ذات البين:
قال (صلّى الله عليه و سلّم): (ألا أُخبركم بأفضل من درجة الصّيام و الصّلاة و الصّدقة ؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة.). (أخرجه التّرمذي و قال: هذا حديث صحيح . و يُروى عن النّبي (صلّى الله عليه و سلّم) أنّه قال: (هي الحالقة لا أقول تحلق الشّعر ، و لكن تحلق الدّين.).

05 - المحبّة:
قال (صلّى الله عليه و سلّم)( و الّذي نفسي بيده لا يُؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه). (أخرجه البُخاري و مُسلم).
و الشّاهد هُنا ارتباط الإيمان بمحبّة المُسلم لأخيه المُسلم، و مرّ معنا من قبل في حديث صحيح، أنّ من شُروط دُخول الجنّة أيضا محبّة المُسلم لأخيه المُسلم ؛ فالمحبّة مطلب بين المسلمين، و من أجل تحقيق هذا المطلب تُستخدم جميع الوسائل الشّرعيّة، و منها الهدية. روى أبو يعلى عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنّ رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم) قال: (تهادوا تحابّوا) (صحّحه العلّامة الألباني في الجامع الصغير، الحديث رقم 3001).

06 - أخبر أخاك بأنّك تُحبّه:
عن أنس (رضي الله عنه) أنّ رجلا كان عند النّبيّ (صلّى الله عليه و سلّم) فمرّ رجلٌ به، فقال: يا رسول الله إنّي لأحبّ هذا، فقال له النّبيّ (صلّى الله عليه و سلّم): أأعلمْتهُ ؟ قال: لا، قال: أعلمه، فلحقه فقال: إنّي أُحبّك في الله، فقال: أحبّك الله الّذي أحببتني له. (رواه أبو داود بإسناد صحيح، و صحّحه ابن حبّان). و قال (صلّى الله عليه و سلّم) لمُعاذ (رضي الله عنه)، و قد أخذه بيده: ( يا مُعاذ و الله إنّي لأحبّك.). (رواه أبو داود و النّسائي بإسناد صحيح و صحّحه ابن حبّان).

07- حقّ المُسلم على المُسلم:
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنّ رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم) قال: (حقّ المُسلم على المُسلم خمسٌ: ردّ السّلام، عيادة المريض، اتّباع الجنائز، إجابة الدّعوة، تشميت العاطس.). (مُتفق عليه).
و في حديث آخر قال (صلّى الله عليه و سلّم): (حقّ المُسلم على المُسلم ستٌّ: إذا لقيته فسلّم عليه، و إذا دعاك فأجبه، و إذا استنصحك فانصح له، و إذا عطس فحمد الله فشمّته، و إذا مرض فعده، و إذا مات فاتّبعه.). (رواه مسلم).
و في الاجتماع و عدم التّفرقة نقل الإمام القاسمي صاحب التّفسير عن القاشاني قوله في تفسير قوله تعالى: (و لا تكونوا كالّذين تفرّقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات و أُولائك لهم عذاب عظيم) (آل عمران / 105): (يعني الحُجج العقليّة و الشّرعّية المُوجبة لاتحاد الوجهة، و اتّفاق الكلمة، فإنّ للنّاس طبائع و غرائز مُختلفة، و أهواء مُتفرّقة، و عادات و سيرّا مُتفاوتة، مُستفادة من أمزجتهم و أهويتهم، و يترتّب على ذلك فُهوم مُتباينة، و أخلاق مُتعادية، فإن لم يكن لهم مُقتدى و إمام، تتّحد عقائدهم و سيرهم و آراؤهم بمتابعته، و تتفق كلماتهم و عاداتهم و أهواؤهم بمحبّته و طاعته، كانوا مُهملين مُتفرّقين، فرائس للشّيطان، كشريدة الغنم، تكون للذّئب، و لهذا يُروى عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنّه قال: (لابد للنّاس من إمام، برّ أو فاجر.) اهـ.

و لم يرسل نبيّ الله (صلّى الله عليه و سلّم) رجلين فصاعدا لشأن إلّا و أمَّر أحدهما على الآخر، و أمّر الآخر بطاعته و مُتابعته، ليتّحد الأمر و ينتظم، و إلا وقع الهرج و المرج، و اضطرب أمر الدّين و الدّنيا، و اختل نظام المعاش و المعاد.)(3) اهـ.


و في الأخير فإنّ الالتزام بهذه الآداب النّبويّة الرّفيعة يحلّ أخطر المشكلات المُعاصرة على مُستوى الدّعاة، و أيّ حُلول تتجاهل هذه الآداب ـــ في اعتقادي ــ لن يكتب لها النجاح، و لن تلقى تجاوبًا... فلنُطهّر قُلوبنا من الضّغائن و الأهواء و الأحقاد، و نسعى لإشاعة المحّبة بين إخواننا المُسلمين، و نحذر من الغيبة و النّميمة و العصبية.

و الله وليّ التّوفيق. و صلّى الله و سلّم على سيّدنا مُحمّد و على آله و صحبه



هوامش
1 ـ انظر فتح الباري بشرح البخاري ( 13 / 108 ) ، والآداب الشّرعيّة و المنح المرعيّة لابنمفلح ( 1 / 202 )، و رياض الصّالحين .
2 ـ ( أنظر فتح الباري ، كتاب الاستئذان ، باب لا يتناجى اثنان دون الثّالث ) .
3 ـ تفسير القاسمي ( 04 / 924 ) .





كتبه سعيد هرماس

عبد العزيز 07
2016-10-21, 16:21
بارك الله فيك

رَكان
2016-10-26, 00:50
ما أبعدنا في سولكاتنا عن تعاليم ديننا السمحاء ..فافتقدنا لكير من أوصاف المجتمع الإسلامي ..
الله يبارك فيك على ماتفضلت به من طيب المقال ..

ISRAA D
2016-10-26, 10:51
بارك الله فيك واكثر من امثالك

hassy
2016-10-27, 21:25
بارك الله فيكم

hamza ziani
2016-10-27, 23:47
والله نحن في حاجة جد ماسة لهذه الأخلاق لنرقى بأمتنا الإسلامية

عباس عرفان
2016-10-28, 11:59
بارك الله فيك