أبو عاصم مصطفى السُّلمي
2016-10-01, 13:04
بــــسم الله الرحمن الرحيــــم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لا ينفكّ المرء إذا أسبغ الله عليه نعمه في بدنه و جوارجه ، يسوِّف في الأوبةِ ، يؤمِّل في الأجل .
يُؤمِّل آمالا قد تكون الآجال دونها ، و يؤجِّل أعمالا لا يستقيم في الشرع إرجاؤها
كل ذلك لأنه في فُتُوّة الشباب ، و إقبال الدّنيا ، و وفرةٍ من العافية ، مُمَتَّعا بكل نعمة ــ إلاّ التّوفيق و الرّشاد ــ
يا عبد الله : اتّق الله ! يا عبد الله : ارجع إلى ربك ، و خف ذنوبك ! ...
فيرجع إلى نفسه ، و يُصعِّد النّظرات فيها ، و يصوِّب الفكر إليها
فيُنكِّس رأسه ، و قد وكزهُ واعظ الرحمن ، و أنذره طريقة الشيطان ، إنني لمن الضالين ...
فتنتشل خطراتُ النّفس من كنانتها ، سهمين لا يُخطئان فؤاد المحروم ، و لا يفوتهما الخاطيء و المشئوم
فسهمٌ نُقِّع في عُصارة التّسويف ، و سهمٌ نُحت من شجرة الأمل و الأماني
فيشُكّان تلك المضغة التي بها الصّلاح و الفساد ، فينسيانها ما اعتبرت به قبلُ و اعترفت
فيولد ذلك الأمر الأبتر ، و النّتاج المخدّج الخداج
لا زلتُ في مقتبل العمر ، و الحياة قُدّام بعدُ ، و بيني و بين الأجل أدهُرٌ و فترات
باب التوبة مفتوح ، و زمن الشباب مفسوح
فلتصب من اللّذات ، و لتتمتّع بالحياة ، و بعد ذلك توبة قبل الممات ، تمحو بها ما فرَط و فات
لكن أخي ...
و ما يدريك أنك في فسحة من الأجل ، و ما يدريك لعل يومك أقرب مما تؤمّل
و قال -عزَّ وجلَّ-: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النِّساء: 18]
وقال الله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 99-100]
و لقد أحسن من قال :
يا غَافِلَ القَلبَ عن ذِكْرِ المَنيَّات ***** عمَّا قليلٍ سَتَثْوي بين أمواتِ
فاذكُر مَحَلَّك من قَبلِ الحُلُول به ***** وتُبْ إلى اللهِ من لهوٍ ولذَّاتٍ
لا تطمئنَّ إلى الدُّنيا وزِينتِها ***** قد حان للمَوتِ يَا ذَا اللبِّ أَنْ يَأتِي
و قال الآخر :
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب ***** متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نشاهد ذا عين اليقين حقيقة ***** عليه مضى طفل وكهل وأشيب
نؤمل آمالا ونرجو نتاجها ***** و عل الردى مما نرجيه أقرب
ونبني القصور المشجرات في الهوا ***** وفي علمنا أنا نموت وتخرب
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا ***** وفي كل يوم واعظا لموت يندب
ولله كم غاد حبيب ورائح ***** نشيعه للقبر والدمع يسكب
فما نحن في دار المنى غير أننا ***** شغفنا بدنيا تضمحل وتذهب
فحثوا مطايا الإرتحال وشمروا ***** إلى الله والدار التي ليس تخرب
فما اقرب الاتى وأبعد ما مضى ***** وهذا غراب البين في الدار ينصب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ألا و إنّني قد جمعني سفر بأحد الإخوان ، و كان يصغرني بسنوات ، نال الشهادة الجامعية منذ أيام ، و دار بيننا حديث عن المستقبل ، فحدّثني بخططه و مشاريعه و آماله ، و أنّ ما يُنكِّد عليه صفو هذا كله هي فترة الخدمة الوطنية ، و كان شاب جسيما و سيما ممتعا بكل حواسه و جوارحه ، و كان خلوقا ، حسن العشرة ، لا يتخلّف عن صلاة الجماعة ...
و بعد أقل من شهر و في يوم من أيام رمضان قتل ــ رحمه الله تعالى ــ في حادثة دلس ( عملية انتحارية خبيثة بسيارة مفخخة عند باب مدرسة لضباط الدرك الوطني ) و كان هو في الصّف عند الباب ، و نجى صديقه الذي ذهب قبل وقت الإنفجار بثوان إلى مقهى قريب ليشتري مشروبا ...
فانظر رعاك الله ، إلى آماله ، و انظر إلى أجله ، و الذي سافر إليه مسافة تزيد عن 1300 كلم ، ليموت هناك . رحمه الله
و هذا شاهد سقته للدلالة على أن المرء لا يدري متى يحل أجله ، و ليُعلم أن التسويف مزلق و زيف ، و أن الأمل سراب كاذب
فلا تغتر يا عبد الله
و فقني الله و إياكم لصالح الأعمال ، و لتوبة نصوح ، و مغفرة سابغة قبل الموت
بقلم الفقير إلى عفو ربه و مولاه :
المهاجر إلى الله السُّلمي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لا ينفكّ المرء إذا أسبغ الله عليه نعمه في بدنه و جوارجه ، يسوِّف في الأوبةِ ، يؤمِّل في الأجل .
يُؤمِّل آمالا قد تكون الآجال دونها ، و يؤجِّل أعمالا لا يستقيم في الشرع إرجاؤها
كل ذلك لأنه في فُتُوّة الشباب ، و إقبال الدّنيا ، و وفرةٍ من العافية ، مُمَتَّعا بكل نعمة ــ إلاّ التّوفيق و الرّشاد ــ
يا عبد الله : اتّق الله ! يا عبد الله : ارجع إلى ربك ، و خف ذنوبك ! ...
فيرجع إلى نفسه ، و يُصعِّد النّظرات فيها ، و يصوِّب الفكر إليها
فيُنكِّس رأسه ، و قد وكزهُ واعظ الرحمن ، و أنذره طريقة الشيطان ، إنني لمن الضالين ...
فتنتشل خطراتُ النّفس من كنانتها ، سهمين لا يُخطئان فؤاد المحروم ، و لا يفوتهما الخاطيء و المشئوم
فسهمٌ نُقِّع في عُصارة التّسويف ، و سهمٌ نُحت من شجرة الأمل و الأماني
فيشُكّان تلك المضغة التي بها الصّلاح و الفساد ، فينسيانها ما اعتبرت به قبلُ و اعترفت
فيولد ذلك الأمر الأبتر ، و النّتاج المخدّج الخداج
لا زلتُ في مقتبل العمر ، و الحياة قُدّام بعدُ ، و بيني و بين الأجل أدهُرٌ و فترات
باب التوبة مفتوح ، و زمن الشباب مفسوح
فلتصب من اللّذات ، و لتتمتّع بالحياة ، و بعد ذلك توبة قبل الممات ، تمحو بها ما فرَط و فات
لكن أخي ...
و ما يدريك أنك في فسحة من الأجل ، و ما يدريك لعل يومك أقرب مما تؤمّل
و قال -عزَّ وجلَّ-: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النِّساء: 18]
وقال الله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 99-100]
و لقد أحسن من قال :
يا غَافِلَ القَلبَ عن ذِكْرِ المَنيَّات ***** عمَّا قليلٍ سَتَثْوي بين أمواتِ
فاذكُر مَحَلَّك من قَبلِ الحُلُول به ***** وتُبْ إلى اللهِ من لهوٍ ولذَّاتٍ
لا تطمئنَّ إلى الدُّنيا وزِينتِها ***** قد حان للمَوتِ يَا ذَا اللبِّ أَنْ يَأتِي
و قال الآخر :
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب ***** متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نشاهد ذا عين اليقين حقيقة ***** عليه مضى طفل وكهل وأشيب
نؤمل آمالا ونرجو نتاجها ***** و عل الردى مما نرجيه أقرب
ونبني القصور المشجرات في الهوا ***** وفي علمنا أنا نموت وتخرب
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا ***** وفي كل يوم واعظا لموت يندب
ولله كم غاد حبيب ورائح ***** نشيعه للقبر والدمع يسكب
فما نحن في دار المنى غير أننا ***** شغفنا بدنيا تضمحل وتذهب
فحثوا مطايا الإرتحال وشمروا ***** إلى الله والدار التي ليس تخرب
فما اقرب الاتى وأبعد ما مضى ***** وهذا غراب البين في الدار ينصب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ألا و إنّني قد جمعني سفر بأحد الإخوان ، و كان يصغرني بسنوات ، نال الشهادة الجامعية منذ أيام ، و دار بيننا حديث عن المستقبل ، فحدّثني بخططه و مشاريعه و آماله ، و أنّ ما يُنكِّد عليه صفو هذا كله هي فترة الخدمة الوطنية ، و كان شاب جسيما و سيما ممتعا بكل حواسه و جوارحه ، و كان خلوقا ، حسن العشرة ، لا يتخلّف عن صلاة الجماعة ...
و بعد أقل من شهر و في يوم من أيام رمضان قتل ــ رحمه الله تعالى ــ في حادثة دلس ( عملية انتحارية خبيثة بسيارة مفخخة عند باب مدرسة لضباط الدرك الوطني ) و كان هو في الصّف عند الباب ، و نجى صديقه الذي ذهب قبل وقت الإنفجار بثوان إلى مقهى قريب ليشتري مشروبا ...
فانظر رعاك الله ، إلى آماله ، و انظر إلى أجله ، و الذي سافر إليه مسافة تزيد عن 1300 كلم ، ليموت هناك . رحمه الله
و هذا شاهد سقته للدلالة على أن المرء لا يدري متى يحل أجله ، و ليُعلم أن التسويف مزلق و زيف ، و أن الأمل سراب كاذب
فلا تغتر يا عبد الله
و فقني الله و إياكم لصالح الأعمال ، و لتوبة نصوح ، و مغفرة سابغة قبل الموت
بقلم الفقير إلى عفو ربه و مولاه :
المهاجر إلى الله السُّلمي