المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبهات حول عقوبة القصاص ,,,,,,اكبادنا الذين سفكت دماؤهم من يأخذ بحقهم ؟؟؟....


الأنامل الخضراء
2016-08-08, 09:05
شبهات حول عقوبة القصاص

وبالرغم من جلال تشريع القصاص وسموه ورعايته لحق المجتمع بطريقة عادلة إلا أنه لم يسلم من إثارة الشبهات حوله و لعل أهمها أن البعض ينظر إلى أن القصاص في الشريعة يتسم بالهمجية ، ولا يتفق مع ما بلغه الفكر الإنساني من التحضر والرقي ؛ حيث إن الشريعة جعلت القصاص مبنياً على الانتقام الشخصي من الجاني ، ولم تأخذ بعين الاعتبار تهذيب الجاني وإصلاحه . ([1])
هذه مجمل الشبهة ويلحظ عليها أنها ناتجة عن فكر سقيم ونظرة طائشة سريعة للقصاص دون التعمق في المعاني والمصالح المترتبة عليه ، ويمكن الرد عليها في التالي :
أ- تصوير القصاص بأنه مبني على الانتقام ليس في محله ؛ لأن هناك مفارقة جوهرية واضحة بين كليهما تتضح في التالي :

1- القصاص مبني على أساس المساواة بين الجريمة والعقوبة ، وهي شرط أساسي لاعتباره ؛ بحيث لو تعذر تحققه وجب العدول عن القصاص إلى عقوبة أخرى . بينما المنتقم لا يضع في اعتباره تحقق هذا الشرط ، وفي الغالب يفوق الانتقام الجريمة المهيجة له .
2- عقوبة القصاص لا تتعدى إلى غير الجاني ، بينما الانتقام لا يقتصر على الجاني وحده ، بل قد يتعداه إلى غيره من أقارب الجاني .
3- القصاص لا يتأثر بقوة المقتص أو ضعفه ؛ لأنه يكون بحكم الحاكم ، وحسب ما تقتضيه قواعد الشريعة ، بينما الانتقام يختلف قوة ومقداراً باختلاف قوة المنتقم أو ضعفه .
4- يضاف إلى ذلك أن القصاص يعد مانعاً من الانتقام الشخصي ؛ لأنه مبني على العدل والمساواة بين العقوبة والجريمة . ([2])
ب- القول بأن الشريعة تعتني بالعقوبة دون الانتباه إلى تهذيب الجاني وإصلاحه يعتبر كلاماً مبنياً إما على نظرة سطحية لنهج الشريعة ، أو قصور في تصورها ، هذا في حالة سلامة النية عند من يدعي ذلك ، أو كلاماً مغرضاً لاتهام الشريعة الإسلامية بهدف إقصائها عن مسرح الحياة ؛ لأنه مما هو ملاحظ في الشريعة الإسلامية أنها تضمنت رصيداً عظيماً في التهذيب تمتاز به عن غيرها من القوانين ، والجانب الأخلاق والتهذيبي أهم ما يميز الشريعة الإسلامية عن غيرها ، بما يحسم مادة الجريمة في المجتمع لأقل درجة متوقعة ممكنة ، والناظر للتدابير الوقائية من القتل في الشريعة الإسلامية يسلم بذلك ، بل القصاص في حد ذاته يعتبر أعظم جانب تهذيبي لكل من تسول له نفسه للإقدام على جريمة القتل ، وهذا واضح قبل وقوع الجريمة ، أما بعد وقوع الجريمة ، فالأمر هنا يختلف ؛ حيث إن النفس المجرمة التي تخطت كل التدابير ، والمنهج التهذيبي الوقائي ، وارتكبت جريمتها ، تحتاج إلى عقوبة مساوية لجريمتها ، وهذا عين العدل ، ورأس الحكمة ، فالمجال هنا ليس مجال تهذيب ، إنما هو مجال ردع لحسم مادة القتل وتسلسل الجريمة في المجتمع ، واعتبار تهذيب الجاني وإصلاحه أمر نسلم به ، ولكن اعتباره هنا يتعارض مع مصالح أرجح منه بكثير ، وهي حماية المجتمع من شره ، وردع
غيره عن ارتكاب الجريمة ، فوجب تقديمها عليه .
والذي يتذرع بضرورة تهذيب الجاني لم يحقق هذه المصلحة بل على العكس كانت النتيجة الاستهانة بالدماء ، وانتشار الجريمة ، وتعريض الآمنين والأبرياء للقتل ، وإيجاد بيئة مهيجة ومهيِئة لتفريخ المجرمين ، و الواقع يشهد لذلك ، فالبلاد التي تطبق القصاص كالمملكة العربية السعودية تدنى مستوى جريمة القتل فيها إلى مستوى ستة في الألف عام 74م بينما في العراق مثلاً –وهي لا تأخذ بتشريع القصاص في أحكامها –بلغ مستوى جريمة القتل فيها إلى نسبة واحد وثمانين في الألف .([3])
و مستوى جريمة القتل في المجتمعات الغربية أعلى بكثير من ذلك ([4]) ، وهذا ما جعل الكثيرين في البلاد العربية والغربية يطالبون بتطبيق القصاص ، وإن كان بمسميات أخرى ، يقول الدكتور / أحمد خليفة رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية : « في مصر أحبذ الاحتفاظ بعقوبة الإعدام في تشريعنا الجنائي . » ([5]) وتقول الدكتورة / سعاد أبو السعود أمينة المرأة باللجنة المركزية : « يجب ألا نفكر إطلاقاً في إلغاء الإعدام ، فوجوده رادع ، وله أثره في الحد من الجرائم ، وإلغاؤه يشجع ويسهل من ارتكاب الجرائم ، وإنما يكفي الإعدام بالنسبة لجريمتي القتل العمد وخيانة الوطن . » ([6])
والأمر لم يقتصر على المطالبة بإيقاع القصاص في الدول العربية بل تعداه إلى الدول الغربية ، فقد ورد في تحقيق صحفي نشرته جريدة ( المسلمون ) أن مظاهرات صاخبة خرجت من عدة مدن فرنسية مثل : مرسيليا ونيس تطالب بإعادة عقوبة الإعدام - أي ما يوافق مضمون القصاص - وبالتالي التنازل عن فكرة تهذيب الجاني في بعض الحالات – بعد أن كثرت جرائم القتل والاغتصاب ، مما دفع البرلمان الفرنسي لمناقشة القضية ، وارتفع عدد المطالبين فيه بضرورة تطبيق عقوبة الإعدام.([7])
هذه المواقف وغيرها مما يشهد بها الواقع لتجزم بضرورة تطبيق عقوبة القصاص ، وتبرز أن اعتبار مصلحة تهذيب الجاني في حالات القتل العمد مقابل إغفال المصالح الأخرى لا ينبو إلا عن من عاند الفكر السليم ، والنظرة الكلية الصائبة لما يصلح للإنسان مما يفسده ، وعليه فإن إثارة هذه الشبهة لتعطيل تطبيق القصاص في المجتمع ليست في محلها .
د. محمد المبيض