تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قرأننا الكريم : تأمل و اعتبر


إلياس الجزائري
2009-10-10, 01:27
بسم الله الرحمن الرحيم








الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,
عزيزي القارئ :

أضع بين يديكم هذه السلسلة من صور القرأن الكريم والذي سيكون على شكل حلقات يومية تهدف إلى الاستفادة المثلي والكاملة من قراءة القران ، وتفاعلكم ووقوفكم معنا سيساهم في إنجاح هذا المشروع القرأني

هذا العرض يعتمد بالدرجة الأولى على تقديم "في ظلال القران" ويتميز هذا التقديم بتجسيد السورة ككيان متكامل له هدف ورسالة.



أخوك المفتقر لدعائكم


إلياس الجزائري

ممنوع الرد حتى إكتمال الموضوع نهائي

إلياس الجزائري
2009-10-10, 01:29
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,


سورة البقرة :



سورة البقرة من أوائل ما نزل من السور بعد الهجرة ، وهي أطول سور القرآن على الإطلاق، وقد ورد في فضلها وفضل بعض اياتها أحاديث كثيرة، ففيها اعظم آية في كتاب الله عز وجل.

هذه السورة تضم عدة موضوعات، لكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد بخطين رئيسيين، فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة ، واستقبالهم لها ، ومواجهتهم لرسولها صلى الله عليه وسلم وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها ، وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة ، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى.

ومن الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها ; وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض ، بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها، ونقضهم لعهد الله بخصوصها، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم عليه السلام ، كما تبصر الجماعة المسلمة وتحذرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم .

تبدأ السورة بوصف تلك الطوائف التي كانت تواجه الدعوة أول العهد بالهجرة - بما في ذلك تلك الإشارة إلى "الشياطين" اليهود الذين يرد ذكرهم فيما بعد مطولا - وتلك الطوائف هي التي تواجه هذه الدعوة على مدار التاريخ بعد ذلك. ثم تمضي السورة على محورها بخطيه الأساسيين إلى نهايتها. في وحدة ملحوظة ، تمثل الشخصية الخاصة للسورة ، مع تعدد الموضوعات التي تتناولها وتنوعها .

فبعد استعراض النماذج الثلاثة الأولى: المتقين ، والكافرين ، والمنافقين. وبعد الإشارة الضمنية لليهود بالشياطين. نجد دعوة للناس جميعا إلى عبادة الله والإيمان بالكتاب المنزل على عبده، وتحدي المرتابين فيه أن يأتوا بسورة من مثله، وتهديد الكافرين بالنار وتبشير المؤمنين بالجنة، ثم نجد التعجب من أمر الذين يكفرون بالله (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ، ثم يميتكم ثم يحييكم ، ثم إليه ترجعون 28 .... البقرة).

وعند هذا المقطع الذي يشير إلى خلق ما في الأرض جميعا للناس تجيء قصة استخلاف آدم في الأرض (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ...30). وتمضي القصة تصف المعركة الخالدة بين آدم والشيطان حتى تنتهي بعهد الاستخلاف - وهو عهد الإيمان (قلنا:اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى ، فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 39).

بعد هذا يبدأ السياق جولة واسعة طويلة مع بني إسرائيل تتخللها دعوتهم للدخول في دين الله وما أنزله الله مصدقا لما معهم مع تذكيرهم بعثراتهم وخطاياهم والتوائهم وتلبيسهم منذ أيام موسى - عليه السلام - وتستغرق هذه الجولة كل هذا الجزء الأول من السورة .

ومن خلال هذه الجولة ترتسم صورة واضحة لاستقبال بني إسرائيل للإسلام ورسوله وكتابه. لقد كانوا أول كافر به. وكانوا يلبسون الحق بالباطل . وكانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم . وكانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه . وكانوا يخادعون الذين آمنوا بإظهار الإيمان وإذا خلا بعضهم إلى بعض حذر بعضهم بعضا من إطلاع المسلمين على ما يعلمونه من أمر النبي وصحة رسالته ! وكانوا يريدوا أن يردوا المسلمين كفارا . وكانوا يدعون من أجل هذا أن المهتدين هم اليهود وحدهم - كما كان النصارى يدعون هذا أيضا - وكانوا يعلنون عداءهم لجبريل - عليه السلام - بما أنه هو الذي حمل الوحي إلى محمد دونهم ! وكانوا يكرهون كل خير للمسلمين ويتربصون بهم السوء . وكانوا ينتهزون كل فرصة للتشكيك في صحة الأوامر النبوية ومجيئها من عند الله تعالى - كما فعلوا عند تحويل القبلة - وكانوا مصدر إيحاء وتوجيه للمنافقين. كما كانوا مصدر تشجيع للمشركين.

ومن ثم تتضمن السورة حملة قوية على أفاعيلهم هذه ; وتذكرهم بمواقفهم المماثلة من نبيهم موسى - عليه السلام - ومن شرائعهم وأنبيائهم على مدار أجيالهم. وتخاطبهم في هذا كأنهم جيل واحد متصل، وجبلة واحدة لا تتغير ولا تتبدل.

وتنتهي هذه الحملة بتيئيس المسلمين من الطمع في إيمانهم لهم ، وهم على هذه الجبلة الملتوية القصد ، المألوفة الطبع . كما تنتهي بفصل الخطاب في دعواهم أنهم وحدهم المهتدون، بما أنهم ورثة إبراهيم عليه السلام. وتبين أن ورثة إبراهيم الحقيقيين هم الذين يمضون على سنته ، ويتقيدون بعهده مع ربه ; وأن وراثة إبراهيم عليه السلام قد انتهت إذن إلى محمد عليه الصلاة والسلام والمؤمنين به، بعد ما انحرف اليهود وبدلوا ونكلوا عن حمل أمانة العقيدة، والخلافة في الأرض بمنهج الله ; ونهض بهذا الأمر محمد والذين معه. وأن هذا كان استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وهما يرفعان القواعد من البيت (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ، وأرنا مناسكنا ، وتب علينا ، إنك أنت التواب الرحيم . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ، إنك أنت العزيز الحكيم 129).

وعند هذا الحد يبدأ سياق السورة يتجه إلى النبي عليه الصلاة و السلام وإلى الجماعة المسلمة من حوله ; حيث يأخذ في وضع الأسس التي تقوم عليها حياة هذا الجماعة المستخلفة على دعوة الله في الأرض ، وفي تمييز هذه الجماعة بطابع خاص ، وبمنهج في التصور وفي الحياة خاص .

ويبدأ في هذا بتعيين القبلة التي تتجه إليها هذه الجماعة. وهي البيت المحرم الذي عهد الله لإبراهيم وإسماعيل أن يقيماه ويطهراه ليعبد فيه الله وحده ، هذه القبلة التي كان النبي عليه الصلاة و السلام يرغب ولا يصرح في الاتجاه إليها (قد نرى تقلب وجهك في السماء ، فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ...144).

ثم تمضي السورة في بيان المنهج الرباني لهذه الجماعة المسلمة . منهج التصور والعبادة ، ومنهج السلوك والمعاملة ، تبين لها أن الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتا بل أحياء . وأن الإصابة بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات ليس شرا يراد بها ، إنما هو ابتلاء ، ينال الصابرون عليه صلوات الله ورحمته وهداه. وأن الشيطان يعد الناس الفقر ويأمرهم بالفحشاء والله يعدهم مغفرة منه وفضلا . وأن الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات. وتبين لهم بعض الحلال والحرام في المطاعم والمشارب. وتبين لهم حقيقة البر لا مظاهره وأشكاله. وتبين لهم أحكام القصاص في القتلى. وأحكام الوصية. وأحكام الصوم. وأحكام الجهاد. وأحكام الحج. وأحكام الزواج والطلاق مع التوسع في دستور الأسرة بصفة خاصة. وأحكام الصدقة وأحكام الربا. وأحكام الدين والتجارة.

وفي مناسبات معينة يرجع السياق إلى الحديث عن بني إسرائيل من بعد موسى . وعن حلقات من قصة إبراهيم عليه الصلاة و السلام. ولكن جسم السورة - بعد الجزء الأول منها - ينصرف إلى بناء الجماعة المسلمة، وإعدادها لحمل أمانة العقيدة، والخلافة في الأرض بمنهج الله وشريعته. وتمييزها بتصورها الخاص للوجود ، وارتباطها بربها الذي اختارها لحمل هذه الأمانة الكبرى .

وفي النهاية نرى ختام السورة ينعطف على افتتاحها ، فيبين طبيعة التصور الإيماني، وإيمان الأمة المسلمة بالأنبياء كلهم ، وبالكتب كلها وبالغيب وما وراءه ، مع السمع والطاعة (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ، كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، لا نفرق بين أحد من رسله ، وقالوا:سمعنا وأطعنا ، غفرانك ربنا وإليك المصير . لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا واغفر لنا ، وارحمنا ، أنت مولانا ، فانصرنا على القوم الكافرين 286 البقرة).

ومن ثم يتناسق البدء والختام ، وتتجمع موضوعات السورة بين صفتين من صفات المؤمنين وخصائص الإيمان .


* هذا العرض مقتبس بتصرف من "في ظلال القران"

KANDYMAN
2009-10-10, 09:30
بسم الله الرحمن الحيم..
أم بعد يا أخي نرجو منك أن تتأكد من أقوال أهل العلم في هذا الكتاب.

إلياس الجزائري
2009-10-10, 21:45
بسم الله الرحمن الرحيم

آل عمران

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،،

إن معجزة القرآن البارزة تكمن في أنه نزل لمواجهة واقع معين في حياة أمة معينة، في فترة من فترات التاريخ محددة، وخاض بهذه الأمة معركة كبرى حولت تاريخها وتاريخ البشرية كله معها، ولكنه - مع هذا - يعايش ويواجه ويملك أن يوجه الحياة الحاضرة، وكأنما هو يتنزل اللحظة لمواجهة الجماعة المسلمة في شؤونها الجارية.

إن مما يساعد على الاستفادة المثلى من قراءة القران أن نعيش مع تلك الجماعة الأولى ; و نتمثلها في بشريتها الحقيقية ، وفي حياتها الواقعية ونتأمل قيادة القرآن لها قيادة مباشرة في شؤونها اليومية وفي أهدافها الكلية على السواء ; ونرى كيف يأخذ القرآن بيدها خطوة خطوة. ومن ثم نشعر أننا نحن أيضا مخاطبون بالقرآن في مثل ما خوطبت به الجماعة الأولى.

وهذه السورة "آل عمران" تمثل قطاعا حيا من حياة الجماعة المسلمة في المدينة من بعد "غزوة بدر" إلى ما بعد "غزوة أحد" والنصوص من القوة والحيوية بحيث تستحضر صورة هذه الفترة ; وصورة الحياة التي عاشتها الجماعة المسلمة.

كانت غزوة بدر الكبرى قد وقعت ; وكتب الله فيها النصر للمسلمين على قريش. وكان هذا النصر تبدو فيه رائحة المعجزة الخارقة. بذلك وجدت بذرة النفاق في المدينة للتعايش مع الواقع الجديد، وقد وجد هؤلاء المنافقون حلفاء طبيعيين لهم في اليهود، الذين كانوا يجدون في أنفسهم من الحقد على الإسلام والمسلمين، وعلى نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام مثل ما يجد المنافقون بل أشد.

وبينما كان أعداء المعسكر الإسلامي في عنفوان قوتهم وفي عنفوان حقدهم، كان الصف المسلم ما يزال في أوائل نشأته بالمدينة . غير متناسق تماما . فيه الصفوة المختارة من السابقين من المهاجرين والأنصار ; ولكن فيه كذلك نفوس وشخصيات لم تنضج بعد . الجماعة كلها على العموم لم تنل من التجارب الواقعية ما يكفي. فقد انتصروا في بدر ذلك النصر الكامل الباهر بأيسر الجهد والبذل. وكان هذا النصر في الوقعة الأولى التي يلتقي فيها جند الله بجند الشرك قدرا من قدر الله. فلعلهم قد وقع في نفوسهم - من هذا النصر - أنه الشأن الطبيعي الذي لا شأن غيره . و أنه لا بد ملازمهم على أي حال في كل مراحل الطريق !

غير أن سنة الله في النصر والهزيمة ليست بهذه الدرجة من البساطة، فلهذه السنة مقتضياتها في تكوين النفوس ، وتكوين الصفوف ، وإعداد العدة ، وإتباع المنهج، والتزام الطاعة والنظام. وهذا ما أراد الله أن يعلمهم إياه بالهزيمة في "غزوة أحد" على النحو الذي تعرضه السورة عرضا حيا مؤثرا عميقا، وتعرض أسبابه من تصرفات بعض المسلمين ; وتوجه في ظله العظات البناءة للنفس وللصف على السواء .

وحين نراجع غزوة أحد من خلال عرض السورة لها ( من أية 120 وإذ غدوت من اهلك ) نجد أن تعليم المسلمين هذا الدرس قد كلفهم أهوالا وجراحات وشهداء من أعز الشهداء وكلفهم ما هو أشق من ذلك كله على نفوسهم . كلفهم أن يروا رسولهم الحبيب تشج جبهته وتكسر سنة و تغوص حلق المغفر في وجنته عليه الصلاة والسلام، الأمر الذي لا يقوم بوزنه شيء في نفوس المسلمين !

يسبق استعراض "غزوة أحد" وأحداثها في السورة قطاع كبير تستغرقه كله توجيهات متشعبة لتصفية التصور الإسلامي من كل شائبة ; ولتقرير حقيقة التوحيد جلية ناصعة ، والرد على الشبهات التي يلقيها أهل الكتاب ، سواء منها ما هو ناشئ من انحرافاتهم هم في معتقداتهم ، وما يتعمدون إلقاءه في الصف المسلم من شبهات ماكرة لخلخلة العقيدة وخلخلة الصف من وراء خلخلة العقيدة . هذا الفصل الذي يستغرق حوالي نصف السورة يصور جانبا من جوانب الصراع بين العقيدة الإسلامية والعقائد المنحرفة في الجزيرة كلها . وهو ليس صراعا نظريا إنما هو الجانب النظري من المعركة الكبيرة الشاملة بين الجماعة المسلمة الناشئة وكل أعدائها الذين كانوا يتربصون بها ، ويتحفزون من حولها، ويستخدمون في حربها كل الأسلحة وكل الوسائل . وفي أولها زعزعة العقيدة ! و هي في صميمها المعركة التي ما تزال ناشبة إلى هذه اللحظة بين الأمة المسلمة وأعدائها.

وعلاقة قصة معركة احد بالمقطع الأول في السورة ظاهرة. فهو يتولى عملية بناء التصور الإسلامي وتجليته، كما يتولى عملية تثبيت هذه الجماعة على التكاليف المفروضة على أصحاب دعوة الحق في الأرض . مع تعليمهم سنة الله في النصر والهزيمة . ويربيهم بالتوجيهات القرآنية كما يربيهم بالأحداث الواقعية .

ونمضي إلى ختام السورة - بعد فصل غزوة أحد - فإذا هو تلخيص لموضوعاتها الأساسية ، يبدأ بإشارة موحية إلى دلالة هذا الكون [ كتاب الله المنظور ] وإيحاءاته للقلوب المؤمنة . . ويأخذ في دعاء رخي ندي من هذه القلوب، على مشهد الآيات في كتاب الكون المفتوح ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب...). وهو يمثل نصاعة التصور ووضوحه . وخشوع القلب وتقواه . ثم تجيء الاستجابة من الله - سبحانه - فيذكر فيها الهجرة والجهاد والإيذاء في سبيل الله (فاستجاب لهم ربهم ... )

ثم يذكر أهل الكتاب - الذين استغرق الحديث عنهم مقطع السورة الأول - ليقول للمسلمين إن الحق الذي بأيديهم لا يجحده أهل الكتاب كلهم . فإن منهم من يؤمن به ويشهد بأحقيته (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم ..)

وتختم السورة بدعوة المسلمين - بإيمانهم - إلى الصبر و المصابرة والمرابطة والتقوى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). . وهو ختام يناسب جو السورة وموضوعاتها جميعا. غير أن التعريف المجمل بهذه السورة لا يتم حتى نلم بثلاثة خطوط عريضة فيها ، تتناثر نقطها في السورة كلها:

الخط الأول : بيان معنى "الدين" ومعنى "الإسلام" . ويتكىء سياق السورة على هذا الخط ويوضحه في أكثر من ثلاثين موضعا من السورة بشكل ظاهر ملحوظ . نضرب له بعض الأمثلة:

(الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ، (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة) ، (إن الدين عند الله الإسلام).

الخط الثاني: تصوير حال المسلمين مع ربهم واستسلامهم له ، ونضرب له كذلك بعض الأمثلة (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) ، (الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار)

الخط الثالث: التحذير من ولاية غير المؤمنين ، والتهوين من شأن الكافرين مع هذا التحذير (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) ، (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين)

وهذه الخطوط الثلاثة العريضة متناسقة فيما بينها متكاملة، في تقرير التصور الإسلامي، وتوضيح حقيقة التوحيد ومقتضاه في حياة البشر وفي شعورهم بالله، وأثر ذلك في موقفهم من أعداء الله.

فلنمض إذن لنواجه نصوص السورة في سياقها الحي القوي الأخاذ الجميل بقراءة متأنية متأملة...


* هذا العرض مقتبس بتصرف من "في ظلال القران"

إلياس الجزائري
2009-10-12, 00:55
بسم الله الرحمن الرحيم



سورة النساء


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

سورة النساء مدنية وآياتها ست وسبعون ومائة وهي أطول سور القرآن - بعد سورة البقرة - و هذه السورة تمثل جانبا من الجهد الذي أنفقه الإسلام في بناء الجماعة المسلمة ، وإنشاء المجتمع الإسلامي ; وفي حماية تلك الجماعة. كما تصور طبيعة هذا الكائن الإنساني وتفاعله مع المنهج الرباني وهو يقود خطاه في المرتقى الصاعد ، من السفح الهابط ، إلى القمة السامقة، خطوة خطوة ، ومرحلة مرحلة.

إن السورة تعمل بجد وجهد في محو ملامح المجتمع الجاهلي - الذي منه التقطت المجموعة المسلمة - ونبذ رواسبه ; وفي تكييف ملامح المجتمع المسلم، وتطهيره من رواسب الجاهلية فيه، وجلاء شخصيته الخاصة. والتعريف بأعدائه الراصدين له من حوله - اليهود والمشركين- وأعدائه المتميعين فيه - المنافقين- وكشف وسائلهم وحيلهم ومكايدهم. مع وضع الأنظمة والتشريعات التي تنظم هذا كله وتحدده، وتصبه في القالب التنفيذي المضبوط.

وحين ندقق النظر في الرواسب التي حملها المجتمع المسلم من المجتمع الجاهلي الذي منه جاء، قد ينالنا الدهشة لعمق هذه الرواسب. والذي يدقق النظر في هذه الظاهرة الفريدة في تاريخ البشرية، يتجلى له جانب من حكمة الله في اختيار "الأميين" في الجزيرة العربية، في ذلك الحين، لهذه الرسالة العظيمة . حيث يمثلون سفح الجاهلية الكاملة، بكل مقوماتها، ليعرف فيهم أثر هذا المنهج ، وليتبين فيهم كيف تتم المعجزة الخارقة، التي لا يملك أن يأتي بها منهج آخر، في كل ما عرفت الأرض من مناهج ، وليرتسم فيهم خط هذا المنهج، بكل مراحله - من السفح إلى القمة - وبكل ظواهره، وبكل تجاربه ; ولترى البشرية - في عمرها كله - أين تجد المنهج الذي يأخذ بيدها إلى القمة السامقة، أيا كان موقفها في المرتقى الصاعد. سواء كانت في درجة من درجاته ، أم كانت في سفحة الذي التقط منه "الأميين" ! فماذا نحن واجدون - في هذه السورة - من ملامح المجتمع الجاهلي التي ظلت راسبة في الجماعة المسلمة؟

نجد مجتمع تؤكل فيه حقوق الأيتام - وبخاصة اليتيمات - في حجور الأهل والأولياء والأوصياء ، ويستبدل الخبيث منها بالطيب ، ويعمل فيها بالإسراف والطمع ، خيفة أن يكبر اليتامى فيستردوها ! وتحبس فيه الصغيرات من ذوات المال ، ليتخذهن الأولياء زوجات ، طمعا في مالهم لا رغبة فيهن !

ونجد مجتمعا يجار فيه على الصغار والضعاف والنساء ; فلا يسلم لهم فيه بنصيبهم الحقيقي من الميراث. إنما يستأثر فيه بمعظم التركة الرجال الأقوياء، القادرون على حمل السلاح ; ولا ينال الضعاف فيه إلا الفتات.

ونجد مجتمعا يضع المرأة موضعا غير كريم ، ويعاملها بالعسف والجور . في كل أدوار حياتها . يحرمها الميراث - كما قلنا - أو يحبسها لما ينالها منه ; ويورثها للرجل كما يورثه المتاع ! علاوة على اضطراب قواعد التبني والولاء، واصطدامها مع قواعد القرابة والنسب، فوق ما فيه من فوضى في العلاقات الجنسية والعائلية.

وإن كنا نقر بأنه لم يكن - قطعا - مجتمعا بلا فضائل . فقد كانت له فضائله ، التي تهيأ بها لاستقبال هذه الرسالة الكبرى. ولكن هذه الفضائل إنما استنقذها الإسلام استنقاذا ، ووجهها الوجهة البناءة . وكانت - لولا الإسلام - مضيعة تحت ركام هذه الرذائل، مفرقة غير متجمعة، وضائعة غير موجهة.

لذا نجد الهدف الأساسي هو تنظيم المجتمع المسلم على أساس التكافل والتراحم. كما نجد هدفا آخر لا يقل عنه عمقا ولا أثرا في حياة المجتمع المسلم - إن لم يكن هو الأساس الذي يقوم عليه الهدف الأول - ذلك هو تحديد معنى الدين ، وحد الإيمان ، وشرط الإسلام ، وربط كل الأنظمة والتشريعات التي تحكم حياة الفرد وحياة المجتمع بذلك المعنى المحدد للدين ، وهذا التعريف المضبوط للإيمان والإسلام .

ويتمثل على وجه التخصيص والتحديد في مثل قوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ...) (من يطع الرسول فقد أطاع الله 80). .(ومن يشاقق الرسول - من بعد ما تبين له الهدى - ويتبع غير سبيل المؤمنين ، نوله ما تولى ، ونصله جهنم وساءت مصيرا 115).

كما نجد آية الافتتاح تقرر وحدة البشرية ، وتدعو الناس إلى رعاية وشيجة الرحم ، وتعد مقدمة لسائر التنظيمات التي تلتها في السورة . تبدأ بدعوة الناس إلى تقوى ربهم الذي خلقهم من نفس واحدة (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) وتنتهي إلى تقواه، وتحذيرهم من رقابته (إن الله كان عليكم رقيبا). كما نجد الآيات التي تحض على رعاية أموال اليتامى، تنتهي بالتذكير بالله (وكفى بالله حسيبا). وتوزيع أنصبة الميراث في الأسرة يجيء وصية من الله (يوصيكم الله في أولادكم) (فريضة من الله). . وتنتهي تشريعات الإرث بهذا التعقيب (تلك حدود الله...) وهكذا ترتبط سائر التنظيمات والتشريعات بالله ، وتستمد من شريعته ، وترجع الأمور كلها إلى هذه القيادة التي لها وحدها حق الطاعة والإتباع.

ويترتب على إقرار ذلك الأصل الكبير أن يكون ولاء المؤمنين لجماعتهم المؤمنة. وإلا فهو الشرك أو النفاق ، وهو الخروج من الصف المسلم على كل حال (ومن يشاقق الرسول - من بعد ما تبين له الهدى - ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ، ونصله جهنم ، وساءت مصيرا . إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا).

ويستتبع هذا الأمر حملة ضخمة للحض على الجهاد بالنفس والمال ، والتنديد بالمعوقين والمبطئين والقاعدين . وهي حملة تستغرق قطاعا كبيرا من السورة ، يرتفع عندها نبض السورة الهادئة الأنفاس ! ويشتد إيقاعها ، وتحمى لذعاتها في التوجيه والتنديد ! وكذلك تجيء في ثنايا الحديث عن الجهاد بعض الأحكام الخاصة بالصلاة في حالة الخوف وحالة الأمن ; مع توصيات الله للمؤمنين وتحذيرهم من أعدائهم المتربصين.

ويستتبع الأمر بالجهاد كذلك حملة ضخمة على المنافقين وعلى موالاتهم لليهود في المدينة بينما هم يكيدون لدين الله، وللجماعة المسلمة، وللقيادة المسلمة كيدا شديدا (ويقولون طاعة . فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول ...). والباعث الرئيسي لهم (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة ، وآتيناهم ملكا عظيما).

كما تقرر السورة وحدة الألوهية وحقيقة العبودية، وتبين حقيقة قدر الله وعلاقته بخلقه، وحقيقة الأجل وعلاقته بقدر الله، وحدود ما يغفره الله من الذنوب، وحدود التوبة وحقيقتها وقواعد العمل والجزاء... إلى آخر هذه المقومات الاعتقادية الأصيلة.

ومما نجده جليا في هذه السورة أمر الله للأمة المسلمة بالأمانة المطلقة، وبالعدل المطلق "بين الناس" على اختلاف أجناسهم وعقائدهم، وقومياتهم وأوطانهم. فيقول لهم (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل . إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا).

ونجد الآيات ذوات العدد من القرآن تتنزل لإنصاف يهودي "فرد" من اتهام ظالم، وجهته إليه عصبة من المسلمين، ممن لم ترسخ في قلوبهم هذه المبادئ السامقة بعد ،فدفعتهم عصبية الدم والعشيرة إلى تبرئة أحدهم باتهام هذا اليهودي !

(إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ، ولا تكن للخائنين خصيما ...... ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا 105 -116) لقد تنزلت هذه الآيات كلها في حادث ذلك اليهودي.

فماذا يملك الإنسان أن يقول ؟ ألا أنه المنهج الفريد ، الذي يملك - وحده - أن يلتقط الجماعة البشرية ، من سفح الجاهلية ذاك ; فيرتقي بها في ذلك المرتقى الصاعد ; فيبلغ بها إلى تلك القمة السامقة ، في مثل هذا الزمن القصير.

* هذا العرض مقتبس بتصرف من "في ظلال القران"

ب.علي
2009-10-12, 01:03
http://img406.imageshack.us/img406/9203/twist30ur5.png

جزاك الله خيرا
جعله في ميزان حسناتك
بارك الله بك

ب.علي
2009-10-12, 01:12
http://i679.photobucket.com/albums/vv157/reema1_2009/36e41dd0.jpg

إلياس الجزائري
2009-10-12, 21:21
بسم الله الرحمن الرحيم

سورة المائدة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،،

نزل هذا القرآن الكريم على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لينشى ء به أمة ، وليقيم به دولة ، ولينظم به مجتمعا ، وليربي به ضمائر وأخلاقا وعقولا ، وليحدد به روابط ذلك المجتمع ، فيما بينه ، وروابط تلك الدولة مع سائر الدول ، وعلاقات تلك الأمة بشتى الأمم. وليربط ذلك كله برباط قوي واحد ، يجمع متفرقة ، ويؤلف أجزاءه ، ويشدها كلها إلى مصدر واحد ، وإلى سلطان واحد ، وإلى جهة واحدة وذلك هو الدين.

ومن ثم نجد في سورة المائدة - كما وجدنا في السور الثلاث الطوال قبلها- موضوعات شتى ، الرابط بينها جميعا هو هذا الهدف الأصيل الذي جاء القرآن كله لتحقيقه: إنشاء أمة ، وإقامة دولة ، وتنظيم مجتمع ، على أساس من عقيدة خاصة ، وتصور معين ، وبناء جديد. الأصل فيه إفراد الله - سبحانه - بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان ، وتلقي منهج الحياة وشريعتها ونظامها وموازينها وقيمها منه وحده بلا شريك.

وكذلك نجد بناء التصور الاعتقادي وتوضيحه وتخليصه من أساطير الوثنية ، وانحرافات أهل الكتاب وتحريفاتهم . إلى جانب تبصير الجماعة المسلمة بحقيقة ذاتها وحقيقة دورها ، وطبيعة طريقها. إلى جانب أحكام الشعائر التعبدية التي تطهر روح الفرد المسلم وروح الجماعة المسلمة ، وتربطها بربها. إلى جانب التشريعات الاجتماعية التي تنظم روابط مجتمعها ، والتشريعات الدولية التي تنظم علاقاتها بغيرها. إلى جانب التشريعات التي تحلل وتحرم ألوانا من المآكل والمشارب والمناكح ، أو ألوانا من الأعمال والمسالك. كل ذلك حزمة واحدة في السورة الواحدة يمثل معنى "الدين" كما أراده الله.

على أن السياق القرآني لا يكتفي بهذا المعنى الضمني ، إنما ينص عليه نصا ، ويؤكده تأكيدا ، ويتكئ عليه اتكاء شديدا وهو ينص على أن هذا كله هو "الدين" ، وأن الإقرار به كله هو "الإيمان"، وأن الحكم به كله هو "الإسلام" و الذين لا يحكمون بما أنزل الله هم الكافرون، الظالمون، الفاسقون. وأنهم يبتغون حكم الجاهلية. وهذا الأصل الكبير هو الذي يبرز في هذه السورة بروزا واضحا مقررا منصوصا عليه نصا . إلى جانب تصحيح التصور ألاعتقادي الذي يقوم عليه هذا الأصل الكبير.

ومن ثم تتوارد النصوص هكذا في ثنايا السورة ، في تقرير الألوهية الواحدة ، ونفي كل شرك أو تثليث أو خلط بين ذات الله - سبحانه - وبين غيره، أو بين خصائص الألوهية ، وخصائص العبودية على الإطلاق (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم).

ويتضمن سياق السورة أحكاما شرعية منوعة: منها ما يتعلق بالحلال والحرام من الذبائح ومن الصيد. ومنها ما يتعلق بالحلال والحرام في فترة الإحرام وفي المسجد الحرام. ومنها ما يتعلق بالحلال والحرام من النكاح. ومنها ما يتعلق بالطهارة والصلاة. ومنها ما يتعلق بالقضاء وإقامة العدل فيه. ومنها ما يتعلق بالحدود في السرقة وفي الخروج على الجماعة المسلمة. ومنها ما يتعلق بالخمر والميسر والأنصاب والأزلام. ومنها ما يتعلق بالكفارات في قتل الصيد مع الإحرام وفي اليمين. ومنها ما يتعلق بالوصية عند الموت. ومنها ما يتعلق بالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي من الأنعام، ومنها ما يتعلق بشريعة القصاص في التوراة مما جعله الله كذلك شريعة للمسلمين. وهكذا تلتقي الشرائع بالشعائر في سياق السورة بلا حاجز ولا فاصل!

وإلى جوار هذه الأحكام الشرعية المنوعة يجيء الأمر بالطاعة والتقيد بما شرعه الله وما أمر به ، والنهي عن التحريم والتحليل إلا بإذنه ، ويجيء النص على أن هذا هو الدين الذي ارتضاه الله للأمة المؤمنة بعد أن أكمله وأتم به نعمته (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ، ولا الشهر الحرام ) (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله) وهذا هو الدين كما أخذ الله ميثاق العباد جميعا عليه ، وكما جاء به كل الرسل من عنده.

شأن آخر يتناوله سياق السورة، ذلك هو شأن هذه الأمة المسلمة، دورها الحقيقي في هذه الأرض، وموقفها تجاه أعدائها، وكشف هؤلاء الأعداء، وكيدهم لهذه الأمة ولهذا الدين، وبيان ما هم عليه من الضلالة والانحراف في عقيدتهم، وما هم عليه كذلك من العداء للجماعة المسلمة وإجماع الكيد لها. والتي سبق الحديث عنها في السور الثلاث الطوال السابقة.

إن كتاب هذه الأمة هو كتاب الله الأخير للبشر ، وهو يصدق ما بين يديه من الكتاب في أصل الاعتقاد والتصور ، ولكنه - بما أنه هو الكتاب الأخير- يهيمن على كل ما سبقه وإليه تنتهي شريعة الله التي ارتضاها لعباده إلى يوم الدين ، فما أقره من شرائع أهل الكتاب قبله فهو من شرع الله ، وما نسخه فقد فقد صفته هذه وإن كان واردا في كتاب من الكتب المنزلة.

ومن ثم فإن دور هذه الأمة هو أن تكون الوصية على البشرية ، تقيم العدل في الأرض ، غير متأثرة بمودة أو شنآن ، وغير ناظرة في إقامة العدل إلى ما أصابها أو يصيبها من الناس فهذه هي تكاليف القوامة والوصاية والهيمنة ، ومن مقتضيات أن هذه الأمة هي وارثة الرسالات ألا تتولى من يكفرون بهذا الدين ، ومن يتخذون فرائضه وشعائره هزوا ولعبا، إنما تتولى الله.

ومع تقارب الموضوعات التي تعالجها السور الطوال الثلاث السابقة مع الموضوعات التي تعالجها هذه السورة - كما يبدو من هذا الاستعراض السريع - فإنه تبقى لكل سورة "شخصيتها" أسلوبها الخاص في معالجة هذه الموضوعات ، والطابع البارز لهذه السورة هو طابع التقرير والحسم في التعبير. سواء في ذلك الأحكام الشرعية التي تقتضي بطبيعتها التقرير والحسم في القرآن كله ، أو المبادئ ء والتوجيهات ، التي قد تتخذ في غير هذه السورة صورا أخرى ، ولكنها في هذه السورة تقرر في حسم وصرامة ، في أسلوب التقرير الدقيق ، وهو الطابع العام المميز للسورة . من بدئها إلى منتهاها.

وقبل أن ننهي هذا التقديم السريع للسورة يحسن أن نبرز الحقيقية التي تتضمنها الآية الثالثة منها. فإن قول الله سبحانه لهذه الأمة (اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا) يتضمن توحيد المصدر الذي تتلقى منه هذه الأمة منهج حياتها ونظام مجتمعها ، وشرائع ارتباطاتها ومصالحها إلى يوم القيامة ، كما يتضمن استقرار هذا الدين بكل جزئياته الاعتقادية والتعبدية والتشريعية، فلا تعديل فيها ولا تغيير ، فقد اكتمل هذا الدين وتم وانتهى أمره. وتعديل شيء فيه كإنكاره كله ، لأنه إنكار لما قرره الله من تمامه وكماله ، وهذا الإنكار هو الكفر الذي لا جدال فيه. أما العدول عنه كله إلى منهج آخر ، ونظام آخر ، وشريعة أخرى ، فلا يحتاج منا إلى وصف ، فقد وصفه الله - سبحانه- في السورة.

إن هذا المنهج الإلهي المشتمل على التصور الاعتقادي ، والشعائر التعبدية ، والشرائع المنظمة لنشاط الحياة كله ، يحكم ويصرف ويهيمن على نشاط الحياة كله ، وهو يسمح للحياة بأن تنمو في إطاره وترتقي وتتطور ، دون خروج على أصل فيه ولا فرع ، لأنه لهذا جاء ، ولهذا كان آخر رسالة للبشر أجمعين.