تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مختصر رسالة ابن شيخ الحزّامين ( اعدادي)


عبد الباسط آل القاضي
2016-08-03, 20:52
مختصر رسالة العلامة ابن شيخ الحزامين
إلى تلامذة شيخ الإسلام
المسماة
التذكرة والاعتبار والانتصار للأبرار
للعلامة أحمد بن إبراهيم الواسطي المعروف بابن شيخ الحزامين (711)


إعداد العبد الفقيـر إلى عفو ربه ورحمته
عبد الباسط بن عبد الرحمان آل القاضي









بــــــــــسم الله الرحمـــــــن الرحيــــــــــــــــــــــــــــــــــــم
الحمد لله وسبحان الله وبحمده تقدَّس في علوّه وجلاله وتعالى في صفات كماله جلَّ أن يمثّل بشيء من مخلوقاته أو يحاط به بل هو المحيط بمبتدعاته ، لا تصوّره الأوهام ولا يعقل كنه ذاته البصائر والأفهام .
الحمد لله مؤّيد الحق وناصره ودافع الباطل وكاسره ومعزّ الطائع وجابره ومذّل الباغي وداثره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الذي شهدت بوحدانيته الفطر ، وأسلم لربوبيته ذوو العقل والنظر وأشهد أنّ محمد عبده ورسوله الذي شهدت بنبوته الهواتف والأحبار فكان قبل ظهوره ينتظر صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الخشية والحذر والعلم المنور ، فهم قدوة التابع للأثر .
وبعد :
فهذه رسالة سطّرها العبد الضعيف الراجي رحمة ربّه وغفرانه : أحمد بن إبراهيم الواسطيّ ، عامله الله بما هو أهله فإنّه أهل التقوّى وأهل المغفرة . إلى إخوانه في الله السَّادة العلماء والأئمة الأتقيّاء ، ذوي العلم النافع ، والقلب الخاشع ، والنور الساطع الذين كساهم الله كسوة الاتباع وارجو من كرمه أن يحققهم بحقائق الانتفاع :
السيّد الأجل العالم تقيّ الدّين أبي حفص عمر بن عبد الله بن عبد الأحد بن شقير
والشيخ الأجل العالم شمس الدّين محمد بن عبد الأحد الآمدي
والسيّد الأخ العالم شرف الدين محمد ابن المنّجّى
والسيّد الأخ الفقيه عبد الرحمن بن محمد بن عبيدان البلعبكي
والسيّد الأخ العالم نور الدين محمّد بن محمد بن محمد بن الصائغ
وأخيه السيّد الأخ فخر الدّين محمّد
والأخ العزيز الصالح شرف الدّين محمّدبن سعد الّدين سعد الله ابن بُخيخ.
وغيرهم من اللائذين بحضرة شيخهم ، وشيخنا السيّد الإمام الأمة الهمام محيي السنّة وقامع البدعة ناصر الحديث ومفتي الفرق والفاتق عن الحقائق وموصلها بالأصول الشرعية للطالب الذائق ، أنموذج الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، الذين غابت عن القلوب سيّرهم ونُسيت الأمة حذوهم وسبلهم فذكّرهم بها الشيخ فكان في دارس نهجهم سالكا ولموات حذوهم محييا ولأعنّة قواعدهم مالكا :
الشيخ الإمام تقيّ الدّين أبو العباس ، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السّلام ابن تيميّة ، أعاد الله علينا بركته ، ورفع إلى مدارج العلى درجته .
فصل
السَّلام عليكم -معشر الإخوان - ورحمته وبركاته ، جعلنا الله وإياكم ممن ثبت على قرع نوائب الحق وجأشه ، واحتسب لله ما بذله من نفسه في إقامة دينه واحتذى حذو السُّبق الأولين من المهاجرين والأنصار والذين لم تأخذهم في الله لومة لائم ، فما ضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم مع قلة عددهم في أوّل الأمر ، فكانوا -مع ذلك- كلٌّ منهم مجاهد بدين الله قائم ، ونرجو من كرم الله تعالى أن يوفقنا لأعمالهم ويرزق قلوبنا قسطا من أحوالهم وينظمنا في سَلكهم تحت سَجفِهم ولوائهم مع قائدهم وإمامهم سيّد المرسلين وإمامُ المتقين محمد صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أذكّركم -رحمكم الله -بما أنتم به عالمون - عملا بقوله تعالى ( وذكّر فإنّ الذّكرى تنفعُ المؤمنين)
وأبدأ من ذلك بأن أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله وهي وصية الله إلينا وإلى الأمم من قبلنا ،كما بيّن سبحانه وتعالى ( ولقد وصّينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياّكم أنِ اتقوا الله )
وقد علمتم تفاصيل التقوى على الجوارح والقلوب : من الأقوال والأعمال والإرادات والنيّات .
وينبغي لنا جميعا أن لا نقنع من الأعمال بصوّرها حتى نطالب قلوبنا بين يدي الله تعالى بحقائقها ومع ذلك فلتكن لنا همة علوية تترامى إلى أوطان القرب فالسعيد من حظي من ذلك بنصيب ، فيكتسي العبد من ذلك ثمرة الخشية والتعظيم للعزيز العظيم ، فالحبُّ والخشيَّة ثابتان في الكتاب العزيز والسنة المأثورة قال تعالى ( يحبُّهم ويحبُّونه ) ( والذين امنوا أشدُّ حبًّا لله ) وقال تعالى ( إنَّما يخشى الله من عباده العلماء) وفي الحديث ( أسألك حُبَّك وحبَّ من أحبَّك وحبَّ عمل يقربني إلى حبِّك ) وفي الحديث ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاوّلبكيتم كثيرا وّلخرجتم إلى الصعدّات تجأرون إلى الله )
ومعلوم أنّ النّاس يتفاوتون في مقامات الحبِّ والخشيَّة فلتكن همة أحدنا من مقامات الحبِّ والخشيّة أعلاه ، فالهمم القصيرة تقنع بأيسر نصيب والهمم العليّة تعلو مع الأنفاس إلى قريب الحبيب لا يشغلناعن ذلك ما هو دونه من الفضائل والعاقل لا يقنع بأمر مفضول عن حال فاضل ولتكن الهمّة منقسمة على نيل المراتب الظاهرة وتحصيل المقامات الباطنة .
وليكن لنا جميعا بيَّن الليل والنهار ساعة نخلو فيها بربنا جل وتعالى قدسه ، نجمع بين يديه في تلك الساعة همومنا ونطرح اشغال الدنيا من قلوبنا ، فمن كان له مع ربه حال تحركت في تلك الساعة عزائمه وابتهجت بالمحبة سرائره وطارت إلى العلى زفراته وكوامنه ، وتلك الساعة انموذج لحالة العبد في قبره حين خلوه عن ماله وحبه فمن لم يخل قلبه لله ساعة من نهار لما احتوشه من الهموم الدنيوية فليبك على نفسه ولا يرضى منها إلا بنصيب من قرب ربه وأنسه .
فاذا حصلت لله تلك الساعة أمكن إيقاع الصلوات الخمس على نمطها من الحضور والخشوع والهيبة للرب العظيم في السجود والركوع
وذلك طريق لنا جميعا إن شاء الله تعالى إلى النفوذ.
فالفقيه إذا لم ينفذ في علمه حصل له الشطر الظاهر وفاته الشطر الباطن لاتصاف قلبه بالجمود وبعده في العبادة والتلاوة عن لين القلوب والجلود كما قال تعالى ( تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) وبذلك يرتقي الفقيه عن فقهاء عصرنا ويتميز به عنهم ، فالنافذ من الفقهاء له البصيرة والذوق والفراسة الصادقة والمعرفة التامة والشهادة على غيره بصحيح الأعمال وسقيمها ومن لم ينفذ لم تكن له الخصوصية وأبصر بعض الأشياء وغاب عنه بعضها .
وبعد ذلك الحظوة في هذه الدار بلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبا في غيب وسرا في سر بالعكوف على معرفة أيامه وسننه وإتباعها فتبقى البصيرة شاخصة إليه تراه عيانا في الغيب كأنها معه صلى الله عليه وسلم وفي أيامه فيجاهد على دينه ويبذل ما استطاع من نفسه في نصرته .
وكذلك من سلك في طريق النفوذ يرجى له أن يلقى ربه بقلبه غيبا في غيب وسرا في سر فيرزق القلب قسطا من المحبة والخشية والتعظيم اليقيني فيتنور العلم الذي اكتسبه العبد .فلا ينبغي لنا ان نتشاغل عن نيل هذه الموهبة السنية بشواغل الدنيا وهمومها فننقطع بالشي المفصول عن الأمر المهم الفاضل وليكن شأن احدنا اليوم : التعديل بين المصالح الدنيوية والفضائل العلمية والتوجهات القلبية ولا يقنع احدنا بأحد هذه الثلاثة عن الآخرين فيفوته المطلوب .ومتى اجتهد في التعديل فانه -ان شاء الله تعالى - بقدر ما يحصل للعبد جزء من احدهم حصل جزءا من الآخر .
هذا وان كنتم -أيدكم الله تعالى - بذلك عالمين لكن الذكرى تنفع المؤمنين.


فصل
واعلموا -أيدكم الله- أنه يجب عليكم أن تشكروا ربكم تعالى في هذا العصر ، حيث جعلكم بين جميع أهل هذا العصر كالشامة البيضاء في الحيون الأسود ولم يتعرف أحوال الناس لا يدري قدر ما هو فيه من العافية فأنتم -إن شاء الله تعالى - في حق هذه الأمة الأولى كما قال تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وكما قال تعالى ( الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )
أصبحتم إخواني تحت سنجق رسول الله صلى الله عليه وسلم -إن شاء الله تعالى - مع شيخكم وإمامكم وشيخنا وإمامنا المبدوء بذكره رضي الله عنه قد تميزتم عن جميع أهل الأرض : فقهائها وفقرائها ، وصوفيتها وعوامها بالدين الصحيح . وقد عرفتم ما أحدث الناس من الأحداث في الفقهاء والفقراء والصوفية والعوام ، فأنتم اليوم في مقابلة الجهميّة من الفقهاء ، نصرتم الله ورسوله في حفظ ما أضاعوه من دين الله ، تصلحون ما أفسدوه من تعطيل صفات الله .
وأنتم أيضا في مقابلة من لم ينفذ في علمه من الفقهاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمد على مجرد تقليد الأئمة فإنكم قد نصرتم الله ورسوله في تنفيذ العلم إلى أصوله من الكتاب والسنة واتخاذ أقوال الأئمة تأسيًّا بهم لا تقليدا لهم .
وأنتم أيضا في مقابلة ما أحدثته أنواع الفقراء من الأحمديّة والحريريّة من إظهار شعار المكاء والتّصديّة ومؤاخاة النساء والصبيان والإعراض عن دين الله إلى خرافات مذوبة عن مشايخهم واستنادهم إلى شيوخهم وتقليدهم في صائب حركاتهم وخطئها فأنتم تجاهدون هذا الصنف أيضا كما تجاهدون من سبق ، حفظتم من دين الله ما أضاعوه وعرفتم ما جهلوه تقومون من الدين ما عوجوه وتصلحون منه ما أفسدوه وأنتم أيضا في مقابلة رسمية الصوفية والفقهاء وما أحدثوه من الرسوم الوضعية والآصار الابتداعية .
فخلط هؤلاء في عبادة الله غيره وتألهوا سواه ، ففسدت قلوبهم من حيث لا يشعرون يجتمعون لغير الله بل للمعلوم ويلبسون للمعلوم وكذلك في أغلب حركاتهم يراعون ولاة المعلوم فضيعوا كثيرا من دين الله وأماتوه وحفظتم انتم ما ضيعوه وقومتم ما عوجوه.
وكذلك أنتم في مقابلة ما أحدثته الزنادقة من الفقراء والصوفية من قولهم بالحلول والاتحاد وتأله المخلوقات كاليونسيّة والعربيّة والصّدريّة والسبعينيّة والتّلمسانيّة فكل هؤلاء بدلوا دين الله تعالى وقلبوه واعرضوا عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فاليونسيّة يأتلهون شيخهم ، ويجعلونه مظهرا للحق ويستهينون بالعبادات لما وقر في بواطنهم من الخيالات الفاسدة ورسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن المجيد عنهم بمعزل يؤمنون به بألسنتهم ويكفرون به بأفعالهم .
وكذلك الاتحاديّة ، يجعلون الوجود مظهرا للحق باعتبار أنّ لا متحرك في الكون سواه ولا ناطق في الأشخاص غيره ، وفيهم من لا يفرِّق بين الظاهر والمظهر فيجعل الأمر كموج البحر فلا يفرِّق بين عين الموجة وعين البحر .
فأنتم بحمد الله قائمون في وجه هؤلاء أيضا تنصرون الله ورسوله وتذبون عن دينه وتعملون على إصلاح ما أفسدوا وعلى تقويم ما عوجوا فإن هؤلاء محوا رسم الدين ، وقلعوا أثره فلا يقال : أفسدوا ولا عوّجوا بل بالغوا في هدم الدين ومحو أثرهِ ولا قربة خير من القيام بجهاد هؤلاء بمهما أمكن ، وتبين مذاهبهم للخاص والعام ، وكذلك جهاد كل من ألحد في دين الله وزاغ عن حدوده وشريعته كائنا في ذلك ما كان من فتنة وقول كما قيل :
إذا رضي الحبيبُ فلا أبالي أقام الحيُّ أم جدَّ الرحيل
وكذلك أنتم بحمد الله قائمون في وجوه العامة مما أحدثوا من تعظيم الميلاد والقلندس ، وخميس البيض ، والشّعانين ، وتقبيل القبور والأحجار والتوسّل عندها.
ومعلوم أنّ ذلك كله من شعائر اليهود والنصارى والجاهلية ، وإنّما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوّحد الله ويُعبَد وحده ، ولايؤَلهَ معه شيء من مخلوقاته بعثه الله تعالى ناسخا لجميع الشرائع والأديان والأعيان ، فأنتم بحمد الله قائمون بإصلاح ما أفسد الناس من ذلك .
وقائمون في وجوه من ينصر هذه البدع من مارقي الفقهاء ، أهل الكيد والضّرار لأولياء الله أهل المقاصد الفاسدة ، والقلوب التي هي عن نصر الحق حائدة
فصل
وإنما أعرض هذا الضعيف - أي الشانئ لشيخ الإسلام - عن ذكر قيامكم في وجوه التّتر، والنّصارى، واليّهود، والرافضة، والمعتزلة، والقدريّة ،وأصناف أهل البدع والضّلالات ، لأنّ النّاس متفقون على ذّمهم ، يزعمون أنهم قائمون بردِّ بدعتهم ، ولا يقومون بتوفية حقّ الرّد عليهم كما تقومون ، بل يعلمون ويجبُنون عن اللِّقاء فلا يجاهدون وتأخذهم في الله اللائمة لحفظ مناصبهم وإبقاء على إغراضهم .
سافرنا في البلاد فلم نر من يقوم بدين الله في وجوه مثل هؤلاء -أي أهل الأهواء -حق القيّام سواكم ، فأنتم القائمون في وجوه هؤلاء إن شاء الله بقيامكم بنصرة شيخكم وشيخنا- أيّده الله- حقَّ القيّام ،خلاف من ادّعى من النّاس أنّهم يقومون بذلك.
فصبرا يا إخواني على ما أقامكم الله فيه ، من نصرة دينه وتقويم اعوجاجه وخذلان أعدائه واستعينوا بالله ، ولا تأخذكم فيه لومة لائم وإنما هي أيام قلائل والدين منصور ، قد تولى الله إقامته ونصره ونصرة من قام به من أوليائه إن شاء ظاهرا وباطنا.
وابذلوا فيما أقمتم فيه ما أمكنكم من الأنفس والأموال ، والأفعال ، والأقوال عسى أن تلحقوا بذلك بسلفكم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد عرفتم ما لقوا في ذات الله كما قال خبيب ٌ حين صُلب على الجذع :
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ...يبارك على أوصال شلوٍّ ممزع.
وقد عرفتم ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الضرّ والفاقة في شعب بني هاشم وما لقي الأوّلون من التعذيب والهجرة إلى الحبشة وما لقي المهاجرون والأنصار في أحد وبئر معونة وقتال أهل الرّدة .
وانظروا كيف بذلوا نفوسهم وأموالهم حبا لله وحبا له ، وشوقا إليه فكذلك أنتم ، رحمكم الله كل منكم على قدر إمكانه واستطاعته بفعله وبقوله وبخطه وبقلبه وبدعائه كل ذلك جهاد.
ثم اعرفوا إخواني ما أنعم الله عليكم من قيامكم بذلك واعرفوا طريقكم إلى ذلك ، واشكروا الله تعالى عليها ، وهو أن أقام لكم ولنا في هذا العصر مثل سيّدنا الشيخ- يعني شيخ الإسلام- الذي فتح الله به أقفال القلوب وكشف به عن البصائر عمى الشّبهات وحيرة الضلالات ، حيث تاه العقل بين هذه الفرق ولم يهتد إلى حقيقة دين الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن العجب أن كلاًّ منهم يدعي أنّه على دين الرسول حتى كشف الله لنا ولكم بواسطة هذا الرجل عن حقيقة دينه الذي أنزله من السماء وارتضاه واعلموا أنّ في آفاق الدنيا أقواما يعيشون أعمارهم بين هذه الفرق يعتقدون أن تلك البدع حقيقة الإسلام فلا يعرفون الإسلام إلا هكذا .
ثم إذا علمتم ذلك ، فاعرفوا حق هذا الرجل الذي هو بين أظهركم وقدره ولا يعرف حقه وقدره إلا من عرف دين الرسول صلى الله عليه وسلم وحقه وقدره فمن وقع دين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قلبه بموقع يستحقه ، عرف حقَّ ما قام به هذا الرجل بين أظهر عباد الله ، يقوِّم معوَّجهم ويصلح فاسدهم ويلمُّ شعثهم ، جهد إمكانه في الزمان المظلم الذي انحرف فيه الدين وجهلت السنن ، وعهدت البدع ، وصارا المعروف منكرا والمنكر معروفا والقابض على دينه كالقابض على الجمر ـ فإن أجر من قام بإظهار هذا النّور في هذه الظلمات لا يوصف وخطره لا يعرف .
فالله الله في حفظ الأدب معه والانفعال لأوامره ، وحفظ حرماته في الغيّب والشّهادة ، وحبِّ من أحبّه ومجانبة من أبغضه وتنقّصه ، وردّغيبته والانتصار له في الحق .
واعلموا رحمكم الله أن هنا -يعني نفسه- من سافر إلى الأقاليم وعرف الناس وأذواقهم وأشرف على غالب أحوالهم فوالله ثم والله ثم والله لم يُر تحت أديم السَّماء مثل شيخكم : علما وعملا وحالا وخلقا وإتباعا وكرما وحلما في حق نفسه ، وقيّاما في حق الله عند انتهاك حرماته ، أصدق النّاس عقدا ، وأصححهم علما وعزما ، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همّة ، وأسخاهم كفا ، وأكملهم إتباعا لنبيّه صلى الله عليه وسلم .
وبعد ذلك كلّه فقول الحق فريضة ، فلا ندّعي فيه العصمة عن الخطأ ، ولا ندعي إكماله لغايات الخصائص المطلوبة ، فقد يكون في بعض النّاقصين خصوصية مقصودة مطلوبة ، لا يتّم الكمال إلا بهاتيكَ الخصوصيّة ، وهذا القدر لا يجهله منصف عارف ، ولولا أنّ قول الحق فريضة ، والتعصب للإنسان هوى ، لأعرضت عن ذكر هذا -لكن يجب قول الحق إن ساء أو سرّ-والله المستعان .
وإذا عرفتم قدر دين الله تعالى الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وعرفتم حقائق الدّين الذي يعبر عنه بالنّفوذ إلى الله تعالى والحظوّة بقربة ثم عرفتم اجتماع الأمرين في شخص معين ثم عرفتم انحراف الأمة عن الصراط المستقيم وقيّام الرجل المعيّن الجامع للظاهر والباطن في وجوه المنحرفين ينصر الله تعالى ودينه ثم سمعتم بعد ذلك طعنَ طاعن عليه من أصحابه أو من غيرهم فإنّه لا يخفى عنكم محقٌّ هوَ ، أو مبطل ؟ إن شاء الله
وبرهان ذلك : أن المحق طالبَ الهدى والحق يعرض عند من أنكر عليه ذلك الفعل الذي أنكره ؛ إما بصيغة السؤال أو الاستفهام بالتّلطف عن ذلك النقص الذي رآه فيه ، أو بلغه عنه فإن وجد هناك اجتهادا أو رأيا أو حجة ، قنع بذلك وأمسك ولم يفشِ ذلك إلى غيره إلا مع إقامة ما بيّنه من الاجتهاد أو الرأيِّ أو الحجَّة ليسدَّ الخلل بذلك . فمثل هذا يكون طالب هدى ، محبًّا ، ناصحا يطلب الحق ويروم تقويم أستاذه عن انحرافه بتعريفه وتفويضه كما يروم أستاذه تقويمه كما قال بعض الخلفاء الراشدين -ولا يحضرني اسمه -:( إذا اعوججتُ فقوِّموني)
فهذا حق واجبٌ بين الأستاذ والطالب ؛ فإن الأستاذ يطلب إقامة الحق على نفسه ليقوم به ، ويتّهم نفسه أحيانا ، ويتعرف أحواله من غيره ، مما عنده من النَّصفةِ وطلب الحق ، والحذر من الباطل وإصلاح الفاسد من الأعمال والأقوال .
ومن براهين المحِقِّ : أن يكون عادلا في مدحه ، عدلا في ذمه ، لا يحمله الهوى -عند وجود المراد- على الإفراط في المدح ، ولا يحمله الهوى -عند تعذر المقصود- على نسيان الفضائل والمناقب وتعديد المساوىء والمثالب .
وأمّا من عمل كرّاسة في عدِّ مثالب هذا الرجل القائم - أي شيخ الإسلام- بهذه الصِّفات الكاملة بين أصناف هذا العالم المنحرف ، في هذا الزّمان المظلم ، ثم ذكر مع ذلك شيئا من فضائله ويعلم أنه ليس المقصود ذكر الفضائل بل المقصود تلك المثالب ، ثم أخذ الكرّاسة يقرؤها على أصحابه واحدا واحدا في خلوة ، يوقف بذلك همّهم عن شيخهم ، ويريهم قدحا فيه فإني أستخير الله تعالى واجتهد رأي في مثل هذا الرجل ، وأقول انتصارا لمن ينصر دين الله ، بين أعداء الله في رأس السبع مئة ، فان نصرة مثل هذا الرجل واجبة على كل مؤمن ، كما قال ورقة بن نوفل (لئن أدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا) ثم أسأل الله تعالى العصمة فيما أقول عن تعددي الحدود و الإخلاد إلى الهوى .
اقول مثل هذا -ولا اعين الشخص المذكور بعينه - لا يخلو من أمور :
المفسدة الأولى : ان يكون ذا سنٍّ تغير رأيه لسنِّه ، لا بمعنى أنه اضطرب بل بمعنى أن السنَّ إذا كبر يجتهد صاحبه للحقِّ ،ثم يضعه في غير موضعه ، مثلا يجتهد أن إنكار المنكر واجب ، وهذا منكر ، وصاحبه قد راج على النّاس فيجب عليَّ تعريف الناس ما راج عليهم ، وتغيب عليه المفاسد في ذلك
فمنها : تخذيل الطلبة وهم مضطرّون إلى محبّة شيخهم ، ليأخذوا عنه ، فمتى تغيرت قلوبهم عليه ورأوا فيه نقصا حُرموا فوائده الظاهرة والباطنة ، وخيف عليهم المقت من الله أولا ثم من الشيّخ ثانيا .
المفسدة الثانية : إذا شعر أهل البدع الذين نحن وشيخنا قائمون الليل والنّهار بالجهاد والتوجه في وجوههم لنصرة الحق أنّ في أصحابنا من ثلب رئيس القوم بمثل هذا ، فإنّهم يتطرقون بذلك إلى الإشتفاء من أهل الحق ويجعلونه حجة لهم .
المفسدة الثالثة : تعديد المثالب في مقابلة ما يستغرقها ويزيد عليها بأضعاف كثيرة من المناقب فإن ذلك ظلم وجهل .
والأمر الثاني من الأمور الموجبة لذلك : تغير حاله وقلبه وفساد سلوكه بحسد كان كامنا فيه وكان يكتمه برهة من الزمان فظهر ذلك الكمين في قالب صورته حق ومعناه باطل.
وفي الجملة -أيّدكم الله -إذا رأيتم طاعنا على صاحبكم فافتقدوه في عقله أولا ثم في فهمه ، ثم في صدقه ، ثم في سنه فاذا وجدتم الاضطراب في عقله دلكم على جهله بصاحبكم وما يقول فيه وعنه ومثله قلّة الفهم ومثله عدم الصدّق ، أو قصوره ، لأن نقصان الفهم يؤدي إلى نقصان الصدق بحسب ما غاب عقله عنه ، ومثله العلو في السنّ فإنه يشيخ فيه الرأيُّ والعقل كما تشيخ فيه القوى الظاهرة الحسيّة ، فاتهموا مثل هذا الشخص واحذروه ، واعرضوا عنه إعراض مدارةٍ بلا جدل ولا خصومة
وصفة الامتحان بصحة إدراك الشخص وعقله وفهمه : أن تسألوه عن مسألة سلوكيّة أو علميّة ، فإذا أجاب عنها أوردوا على الجواب إشكالا متوجّها بتوجيه صحيح ، فإذا رأيتم الرّجل يروح يمينا وشمالا ويخرج عن ذلك المعنى إلى معان خارجة وحكايات ليست في المعنى حتى ينسى ربُّ المسألة سؤاله ، حيث توَّهَهُ عنه بكلام لا فائدة فيه فمثل هذا لا تعتمدوا على طعنه ولا على مدحه ، فإنّه ناقص الفطرة كثير الخيال ، لا يثبت على تحري المدارك العلمية ، ولا تنكروا مثل إنكار هذا ، فانه اشتهر قيام ذي الخويصرة التَّميمي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقوله ( اعدل -فانّك لم تعدل - إنَّ هذه قسمة لم يرد بها وجه الله تعالى ) او نحو ذلك
فوقوع هذا وأمثاله من بعض معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم فانه قال ( لتركبنَّ سَنَنَ من كان قبلكم حذوَّ القُذَّة القُذَّة ) وان كان ذلك في اليهود والنصارى ، لكن لـمّا كانوا منحرفين عن نهج الصوَّاب ، فكذلك يكون في هذه الأمة من يحذو حذو كلَّ منحرف وُجد في العالم ، متقدِّما كان أو متأخرا حذو القُذَّة القُذَّة حتى لو دخلوا جحر ضبِّ لدخلوه .
يا سبحان الله العظيم ؟ أين عقول هؤلاء ؟ أعَميَت أبصارهم وبصائرهم ؟ أفلا يرون ما النّاس فيه من العمى والحيرة في الزّمان المظلم المدلهم ، الذي قد ملكت فيه الكفار معظم الدنيا ؟ وقد بقيت هذه الخطّة الضيّقة ، يشمُّ المؤمنون فيها رائحة الإسلام ؟ وفي هذه الخطّة الضيّقة من الظلمات من علماء السوء والدّعاة إلى الباطل وإقامته ، ودحض الحق وأهله ما لا يحصر في كتاب ، ثمّ إنَّ الله تعالى قد رحم هذه الأمة بإقامة رجل قوي الهمّة ، ضعيفُ التـركيب ، قد فرق نفسه وهمه في مصالح ، وإصلاح فسادهم ، والقيّام بمهماتهم وحوائجهم ، ضمن ما هو قائم بصدِّ البِّدع والضّلالات ؛ وتحصيل مواد العلم النبوي الذي يصلح به فساد العالم ، ويردهم إلى الدّين الأوَّل العتيق جهد إمكانه ؟ وإلا فأين حقيقة الدين العتيق ؟
فهو مع هذا كلِّه قائم بجملة ذلك وحده ، وهو منفرد بين أهل زمانه ، قليل ناصره ، كثير خاذله ، وحاسده ، والشامت فيه .
فمثل هذا الرّجل في هذا الزّمان ، وقيامه بهذا الأمر العظيم الخطير فيه ، أيقال له : لم يرد على الأحمدية ؟ لم لا تعدل في القسمة ؟ لم تدخل على الأمراء ؟ لم تقرب زيدا وعمرا؟
أفلا يستحي العبد من الله ؟ يذكر مثل هذه الجزئيات في مقابلة هذا العبء الثقيل ؟ ولو حُوقِقَ الرجل على هذه الجزئيات وجد عنده نصوص صحيحة ومقاصد صحيحة ونيّات صحيحة ؟؟ تغيب عن الضعفاء العقول بل عن الكُمَّل منهم حتى يسمعوها .
أما رده على الطائفة الفلانيَّة أيها المفرط التائه ، الذي لا يدري ما يقول ، أفيقوم دين محمد بن عبد الله الذي أُنزل من السَّماء إلا بالطعن على هؤلاء ؟ وكيف يظهر الحق إن لم يخذل الباطل ؟ لا يقول مثل هذا إلا تائه أو مسنٌ أو حاسد .
لا يذكر مثل هذا في كرَّاسة ويعدِّدها ثم يدور بها على واحد واحد ، كأنّه يقول شيئا إلا رجل نسأل الله العافية في عقله ، وخاتمة الخير على عمله وأن يردّه عن انحرافه إلى نهج الصواب ، بحيث لا يبقى مَعْشَرُهُ يَعيبُه بعلمه وتصنيفه ، من أولى العقول والأحلام
ونستغفر الله العظيم من الخطأ والزلل في القول والعمل والحمد الله وحده وصلى الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
-------
قال الحافظ ابن عبد الهادي بعد أن اورد هذه الرسالة في العقود الدرية (ص 321): ( هذا آخر الرسالة التي سماها مؤلفها ( التذكرة والاعتبار والانتصار للابرار) فرحم الله ن قام بحمل الاصرار وتصحيح التوبة بالاستغفار إلى عالم الاسرار نفع الله من وقف عليها واصغى إلى ما يفتح منها ولديها .آمين )

إيزابيل
2016-08-04, 18:54
بارك الله فيك وجعل عملك خالصا لوجهه الكريم

khirogtd
2016-08-04, 21:19
بارك الله فيك اخي جزاك الله خيرا

gulf-up.com
2016-08-05, 06:38
بارك الله فيك وجزاك الله كل خير

عبد الباسط آل القاضي
2016-08-09, 19:43
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم