تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من الصوارف عن الحق : حبُّ الجاه و الرئاسة


أبو أنس ياسين
2016-07-18, 11:34
من الصوارف عن الحق : حبُّ الجاه و الرئاسة

قال الشيخ حمد بن ابراهيم العثمان حفظه الله :
" النفسُ لا شكّ أنّ لها إرادات مذمومة؛ مِن حُبِّ الدنيا، و طلب العُلوّ، و مُنافسة الخلق، و طلب الجاه إلى غير ذلك مِمّا يُذمُّ شرعًا.
و طبيعة الإنسان : الظلمُ و البَغيُ " إنّه كان ظلومًا جَهُولاً " الأحزاب 72، و قد تقع أسبابٌ تُهيِّجُ هذه المَكامِن، فيَظهرُ خَبْءُ هذه النُّفوس الذي كان كامنًا بسبب الهوى فيَرُدُّ العبدُ الحقَّ مع عِلمه به اتّباعًا للهوى، و طلبًا لبقاء جاهِه، أو تحصيلاً لِعَرَضٍ من الدنيا.
فتجدُ أمثال هؤلاء يُخالفون الحقَّ مع عِلمِهِم به، طلبًا لِعَرَض الدنيا، ثمّ هُم مع هذا يُظهرون أنّهم ينتصرون للحق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" و طالبُ الرئاسةِ و لو بالباطلِ تُرضيه الكلمةُ التي فيها تَعظيمُهُ، و إنْ كانت باطلاً، و تُغضِبُه الكلمة التي فيها ذَمُّهُ و إن كانت حقًّا.
و المؤمن تُرضيه كلمة الحقّ له و عليه، و تُغضِبُه كلمة الباطلِ له و عليه، لأنّ الله تعالى يُحبُّ الحقَّ و الصدقَ و العدلَ، و يُبغضُ الكذبَ و الظلمَ ". أنظر مجموع الفتاوى (10/600).
و قال العلاّمة عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله في أصناف المُعارِضين عن الحقّ :
" الصنف الثاني : الرؤساء أهل الأموال، الذين فَتَنَتهُم دُنياهُم و شهواتُهُم؛ لأنّهم يَعلمون أنّ الحقَّ يمنعُهُم مِن كثيرٍ ممّا أحَبُّوه و ألِفُوهُ مِن شهوات الغَيِّ، فلَمْ يعبَئوا بِداعي الحقّ، و لم يقبلوا منه ". أنظر عُيون الرسائل (2/650).
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله :
" (و لا تشترُوا بآياتي ثمنًا قليلاً) البقرة 41، ذلك أنّ عُلماءهم و أحبارهم (يقصد اليهود) كانت لهم مأكلةٌ على أغنيائِهم و جُهّالِهِم، فخَافُوا أن تذهبَ مأكلتُهم إن آمنوا بمحمد صلى الله عليه و سلم، فغَيَّرُوا نَعْتَه، و كَتَمُوا اسمَه، فهذا معنى بيع الآيات بالثمن القليل " أنظر تفسير القرآن (1/72).
قال المسور بن مخرمة رضي الله عنه لأبي جهل – و كان خالُه – : أي خال ! هل كُنتُم تتّهمون محمّدًا بالكذب قبل أن يقول مقالتَه التي قاله؟
قال أبو جهل – لعنه الله تعالى – : يا ابن أخي ! و الله لقد كان مُحمّد فينا – و هو شابّ – يُدعى الأمين ما جَرَّبْنا عليه كذِبًا قطّ، فلمّا خطّهُ الشِّيبُ لم يكُنْ لِيكذِبَ على الله.
قال : يا خال ! فَلِمَ لا تتّبِعُونه؟ قال : يا ابن أخي ! تَنازعنا نحن و بنو هاشم الشرفَ : فأطعَمُوا و أطعمنا، و سَقُوا و سَقَيْنا، و أجارُوا و أجَرْنا، فلمّا تَجاثَيْنا على الرَّكْبِ و كُنّا كَفَرَسَيْ رِهانٍ، قالوا : منّا نبيٌّ، فَمَتى تُدرَكُ هذه؟ !. أنظر مفتاح دار السعادة (1/93).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" و أبو طالب، و إنْ كانَ عالمًا بأنَّ مُحمّدًا رسولُ الله، و هو مُحبٌّ له، فلم تكُنْ مَحبَّتُه له لِمَحبَّتِه لله؛ بل كانَ يُحبُّه لأنّه ابنُ أخيهِ، فيُحبُّه للقرابة، و إذا أحبَّ ظُهُورَه فَلِمَا يَحصُل له بذلك من الشّرف و الرِّئاسة، فأصلُ مَحبُوبِه هو الرئاسة، فلِهذا لمّا عرَضَ عليه الشهادتين عند الموت رأى أنّ بالإقرار بهما زوال دينه الذي يُحِبُّه فكان دينُه أحبَّ إليهِ مِن ابن أخيه فلمْ يُقرَّ بهما ". أنظر الفتاوى الكبرى (6/244).
و قال ابن القيم رحمه الله :
" و لقدْ ناظرتُ بعض علماء النصارى مُعظم يومٍ، فلمّا تبيَّنَ له الحقُّ بَهتَ، فقلتُ له – و أنا و هو خَالِيَيْنِ – ما يمنعُك الآن مِن اتّباع الحق؟ فقال لي : إذا قدِمْتُ على هؤلاء الحَمير – هكذا لفظُهُ – فَرشُوا لنا الشقاق تحت حوافِرِ دابّتي، و حَكَّمُوني في أموالهم، و نسائِهِمْ، و لمْ يَعصُوني فيما آمُرُهُم به، و أنا لا أعرِفُ صنعةً، و لا أحفظ قرآنًا، و لا نحوًا، و لا فِقهًا، فلوْ أسلمتُ لَدُرتُ في الأسواقِ أتكفّفُ الناسَ، فمَن الذي يَطيبُ نفسًا بهذا؟ !.
فقلتُ : هذا لا يكون، و كيف تظنّ بالله أنّكَ آثرْتَ رِضاهُ على هَواكَ يُخزيكَ، و يُذلُّكَ و يُحوجُك؟ !.
و لو فرضْنَا أنّ ذلك أصابك فَمَا ظفرْتَ به من الحقّ و النجاة من النار، و مِن سَخَط الله و غَضَبه فيه أتمُّ العِوَضِ عمّا فاتَك، فقال : حتّى يأذنَ اللهُ، فقلتُ : القدرُ لا يُحتجُّ به، و لو كان القدرُ حُجّةً لكان حُجَّةً لليهود على تكذيب المسيح، و حُجّةً للمشركين على تكذيب الرسل، و لا سِيَما أنتُمْ تُكذّبُون بالقدَرِ، فكيف تَحتجُّ به؟ !.
فقال : دَعنَا من هذا، و أمسكَ". أنظر هداية الحيارى في أجوبة اليهود و النصارى ص121.
نقلا من كتاب الصوارف عن الحق ص 26 – 29 بتصرف.