الحرف الأسمر
2016-07-04, 00:02
ااحذروا ! " التلاميذ ليس كلهم ملائكة "
و أنا أشاهد حصة في احدى القنوات التلفزية الفرنسية ، تعالج الأسباب النفسية و الاجتماعية و الثقافية المتحكمة في سلوكيات تلميذ المدرسة تجاه مُدَرِّسه ، حَملت الحصة كمًّا هائلا من الشواهد البصرية التي وثَّقت العنف داخل الأقسام و في ساحات المدارس و حتى أحيانا في الشوارع .
الحصة حاولت الالتزام بالموضوعية و الحيادية بحكم المهنية ،بحيث أنها أفردت لكل الأطراف المعنية فسحة من ابداء الرأي و تقديم الشرح و التعليل و الافاضة فيهما : تحدث المدرّس و عرض وصفا مفصلا لسلوكيات تلامذته في اطار ما كان يحصل له داخل القسم أو خارجه ، و كانت عدسة الكاميرا تنقلنا من مدرسة إلى أخرى ، و من مدرس إلى آخر، و من جغرافية إلى أخرى : فسردت حكايات التلميذ الأمريكي ، و الأوروبي ، و حتى الياباني : ( ما عدا تلاميذ العالم الثالث) . الحصة عٌزِّزت بأراء علماء النفس و علماء الاجتماع و حتى ببعض البداغوجيين : مجمل آرائههم برّأت المدرس إلاّ القليل القليل منها ما أشار إلى المدرس باعتبار الحداثة في المهنة و نقصان الخبرة ، أما أعظم التفسيرات العلمية راحت تجرّم البيئة الاجتماعية و تأثيرات عوامل أوجدتها التكنولوجيا لم تكن موجودة من قبل . و لم تشذ أراء مديري هذه المؤسسات عن محاور بقية الآراء إلا في كونها رفضت أن تمنح المدرس البراءة التامة رغم أنها كادت تمنحها كاملة للتلميذ رغم وضوح عدوانيته : ( لاعتبارات أجهلها شخصيا ).
هذه الحصة ذكرتني بحادثتين وقعتا لي في القسم مع تلميذين حيث كاد الأمر أن يوصلني إلى س و ج أو رّبما تعرضت إلى عقوبات إدارية قد تنجم عنها عواقب وخيمة لولا لطفا من الله الدي رزقني أثناءهما الحكمة و الرزانة و حسن التصرف و اليكم القصتين على التوالي .
ذات صباح و عقرب الساعة لم يكن إلا على بعد عشرين دقيقة من الثانية عشرة موعد انتهاء حصة اختبار الإنجليزية ، كنت حارسا وقتها لتلاميذ ليسوا تلاميذي . من الطاولة الثالثة في الصف الأوسط تناهى إلى مسمعي صوت وئيد متردد : أستاذ ! أستاذ ! أريد ورقة اختبار جديدة : (لأن الاجابة ترسم على نفس ورقة الاختبار) .
نظرت إلى مكتبي ، و في احدى زواياه أبصرت ثلاث أوراق ، امتدت يدي إلى احداها و ذهبت بها مهرولا الى التلميذة صاحبة الطلب ، وقفت بجانب طاولتها ثم قلت لها : هل يسعفك الوقت على إعادة كتابة كل هذا؟ و أنا أنظر إلى الورقة التي تريد تغييرها ، كانت ورقة يمكن أن نسميها بأي اسم إلا بورقة احتبار كانت مخضبة ببقع حبر تجمعت فيه كل الألوان و تداخلت بفرط التشطيبات غابت فيه معظم معالم الحروف و الكلمات فكانت أقرب إلى وصفها بمنديل أو منشفة .
تركت لها الوقت الكافي لأن تنقل ما يمكن نقله إلى ورقتها الجديدة ، حينما انتهت ، قمت فأخت الورقة ( المخضبة) ،هممت برميها في السلة ... ثم تراجعت و كأن أحدهم منعني من فعل ذلك .
وضعتها في احدى زوايا المكتب ، شرع بعض ممن انهوا العمل من التلاميذ يخرجون ، بعد أن يضعوا أوراق الإجابة على المكتب ، الى أن بقى عدد قليل من التلاميذ ، رحت أجمع منهم اجابتهم لأن دقات الجرس أجبرني على و كانت من بينهم تلميذتنا " الموقرة ".
صففت أوراق الاختبار وفق تسلسل القائمة ، ووضعتها في ملفها ثم وضعت ورقتي الاختبار العذراوين مع ورقة التلميذة المخضبة ببقع الحبر المستبدلة في محفظفتي و غادرت الحجرة في اتجاه قاعة الأساتذة .
أيام الاختبارات انتهت ، تبعتها أشغال التصحيح ثم رد الأوراق مصححة تطلب الأمر بعض الأيام .
ذات يوم و أنا في قاعة الأساتذة منهمك في ملء كشوفات أحد الأقسام ، وقف أستاذ الانجليزية في فم باب القاعة ، ثم ناداني بصوت فيه سيء من الحزم و القلق : أستاذ نورالدين ! تعال !
لي معك كلام .
و أنا أتجه نحوه فإذ بي أرى بجانبه التلميذة صاحبة الورقة المخضبة ، قلت في نفسي لعله خير إن شاء الله .
قلت له خير إن شاء الله ! أدار وجهه إليها فانطلقتْ تتكلم : أستاذ ! أنا أخذت ستة ( 06) في الإنجليزية و أنا لست متعودة على ذلك ! عملي يستحق ست عشرة 16 أو أكثر !، النقطة التي تحصلت عليها كانت بسببك ،.بسببي أنا !؟ قلت لها ، و أنا يكاد يغمى علي من فرط الحيرة .
أدرت وجهي إلى أستاذ الإنجليزية و قلت له : إشرح لي ماذا يحصل فأنا و الله لم أفهم شيئا !
أستاذ نورالدين ! أنت تعلم أنني جديد في هذه المؤسسة و التلاميذ لا أعلم عن مستواهم إلا الشيء القليل ، و يجب عليّ أن أتحرى مزاعم هذه الفتاة و إلاّ وصل الأمر إلى والديها و حينذاك يتعقد المشكل .
هذه الفتاة تتهمك بأنك استبدلت ورقتها الجديدة التي تحوي الإجابات الصحيحة بالورقة الأولى التي كانت تحوي الإجابات الخاطئة . قلت له : لماذا أفعل هذا ؟ فالتفتُ إليها و قلت : متأكدة بنيتي مما تصرحين ؟
نعم أستاذ ! فلولاك ما أخذت نقطة متدنية . نظرت إليها و أنا أزداد حيرة من جرأتها على الكذب .
تذكرت أن ورقتها لم أرمها بل كنت قد وضعتها في خزانتي مع عدة أوراق لم تكن حملة النظافة التي أقوم بها آخر كل فصل قد وصلتها . اتجهت بثبات نحو الخزانة تحت نظرات الحيرة التي كانت ترتسم على عيني الفتاة الجريئة و أستاذها كلما دنوت من الخزانة .
هذه هي الورقة ذات الست عشرة أو أكثر التي كنت تتحدثين عنها !؟ ، نظرت إلى أستاذ الإنجليزية و قلت له : أطالبك و هذا من حقي ، أن تقوم بتقييم هذه الورقة بحضوري و حضور هذه الفتاة الجريئة ، إن حصلت على أكثر من عشرة ، فالطفلة صادقة و أنا الكاذب ، اخترنا زاوية من زوايا القاعة و راح أستاذ الإنجليزية يقيّيم على مهله في استغراق طويل ، التفتَ إلى الفتاة وقال بصوت أقرب إلى العتاب : لماذا فعلت هذا ؟ أتقدِّرين فداحة خطئك ؟ ، قاطعتُه قائلا : أستاذ بكم قيّمت هذه الورقة ؟
أربع فاصل خمس( 04،5) على أكثر تقدير ! أستاذ ! هل تيقنت الآن من جرأة هذه الفتاة ؟.
أخذ الأستاذ يمطرها بوابل من الشتائم ، و أنا أمامهما و اقف ساكن لا أفكر إلاّ في شيئين فقط لا غير : ماذا كان سيحصل لو أنني لم أحتفظ بورقة الاختبار الأولى التي لولاها ما نجوت من كيد هذه التلميذة (الجريئة ) و الشيء الثاني أن أضربها بركلة ألصقها بباب قاعة الأساتذة ثم أضع استقالتي و أمضي في حالي .
يتبع ...
و أنا أشاهد حصة في احدى القنوات التلفزية الفرنسية ، تعالج الأسباب النفسية و الاجتماعية و الثقافية المتحكمة في سلوكيات تلميذ المدرسة تجاه مُدَرِّسه ، حَملت الحصة كمًّا هائلا من الشواهد البصرية التي وثَّقت العنف داخل الأقسام و في ساحات المدارس و حتى أحيانا في الشوارع .
الحصة حاولت الالتزام بالموضوعية و الحيادية بحكم المهنية ،بحيث أنها أفردت لكل الأطراف المعنية فسحة من ابداء الرأي و تقديم الشرح و التعليل و الافاضة فيهما : تحدث المدرّس و عرض وصفا مفصلا لسلوكيات تلامذته في اطار ما كان يحصل له داخل القسم أو خارجه ، و كانت عدسة الكاميرا تنقلنا من مدرسة إلى أخرى ، و من مدرس إلى آخر، و من جغرافية إلى أخرى : فسردت حكايات التلميذ الأمريكي ، و الأوروبي ، و حتى الياباني : ( ما عدا تلاميذ العالم الثالث) . الحصة عٌزِّزت بأراء علماء النفس و علماء الاجتماع و حتى ببعض البداغوجيين : مجمل آرائههم برّأت المدرس إلاّ القليل القليل منها ما أشار إلى المدرس باعتبار الحداثة في المهنة و نقصان الخبرة ، أما أعظم التفسيرات العلمية راحت تجرّم البيئة الاجتماعية و تأثيرات عوامل أوجدتها التكنولوجيا لم تكن موجودة من قبل . و لم تشذ أراء مديري هذه المؤسسات عن محاور بقية الآراء إلا في كونها رفضت أن تمنح المدرس البراءة التامة رغم أنها كادت تمنحها كاملة للتلميذ رغم وضوح عدوانيته : ( لاعتبارات أجهلها شخصيا ).
هذه الحصة ذكرتني بحادثتين وقعتا لي في القسم مع تلميذين حيث كاد الأمر أن يوصلني إلى س و ج أو رّبما تعرضت إلى عقوبات إدارية قد تنجم عنها عواقب وخيمة لولا لطفا من الله الدي رزقني أثناءهما الحكمة و الرزانة و حسن التصرف و اليكم القصتين على التوالي .
ذات صباح و عقرب الساعة لم يكن إلا على بعد عشرين دقيقة من الثانية عشرة موعد انتهاء حصة اختبار الإنجليزية ، كنت حارسا وقتها لتلاميذ ليسوا تلاميذي . من الطاولة الثالثة في الصف الأوسط تناهى إلى مسمعي صوت وئيد متردد : أستاذ ! أستاذ ! أريد ورقة اختبار جديدة : (لأن الاجابة ترسم على نفس ورقة الاختبار) .
نظرت إلى مكتبي ، و في احدى زواياه أبصرت ثلاث أوراق ، امتدت يدي إلى احداها و ذهبت بها مهرولا الى التلميذة صاحبة الطلب ، وقفت بجانب طاولتها ثم قلت لها : هل يسعفك الوقت على إعادة كتابة كل هذا؟ و أنا أنظر إلى الورقة التي تريد تغييرها ، كانت ورقة يمكن أن نسميها بأي اسم إلا بورقة احتبار كانت مخضبة ببقع حبر تجمعت فيه كل الألوان و تداخلت بفرط التشطيبات غابت فيه معظم معالم الحروف و الكلمات فكانت أقرب إلى وصفها بمنديل أو منشفة .
تركت لها الوقت الكافي لأن تنقل ما يمكن نقله إلى ورقتها الجديدة ، حينما انتهت ، قمت فأخت الورقة ( المخضبة) ،هممت برميها في السلة ... ثم تراجعت و كأن أحدهم منعني من فعل ذلك .
وضعتها في احدى زوايا المكتب ، شرع بعض ممن انهوا العمل من التلاميذ يخرجون ، بعد أن يضعوا أوراق الإجابة على المكتب ، الى أن بقى عدد قليل من التلاميذ ، رحت أجمع منهم اجابتهم لأن دقات الجرس أجبرني على و كانت من بينهم تلميذتنا " الموقرة ".
صففت أوراق الاختبار وفق تسلسل القائمة ، ووضعتها في ملفها ثم وضعت ورقتي الاختبار العذراوين مع ورقة التلميذة المخضبة ببقع الحبر المستبدلة في محفظفتي و غادرت الحجرة في اتجاه قاعة الأساتذة .
أيام الاختبارات انتهت ، تبعتها أشغال التصحيح ثم رد الأوراق مصححة تطلب الأمر بعض الأيام .
ذات يوم و أنا في قاعة الأساتذة منهمك في ملء كشوفات أحد الأقسام ، وقف أستاذ الانجليزية في فم باب القاعة ، ثم ناداني بصوت فيه سيء من الحزم و القلق : أستاذ نورالدين ! تعال !
لي معك كلام .
و أنا أتجه نحوه فإذ بي أرى بجانبه التلميذة صاحبة الورقة المخضبة ، قلت في نفسي لعله خير إن شاء الله .
قلت له خير إن شاء الله ! أدار وجهه إليها فانطلقتْ تتكلم : أستاذ ! أنا أخذت ستة ( 06) في الإنجليزية و أنا لست متعودة على ذلك ! عملي يستحق ست عشرة 16 أو أكثر !، النقطة التي تحصلت عليها كانت بسببك ،.بسببي أنا !؟ قلت لها ، و أنا يكاد يغمى علي من فرط الحيرة .
أدرت وجهي إلى أستاذ الإنجليزية و قلت له : إشرح لي ماذا يحصل فأنا و الله لم أفهم شيئا !
أستاذ نورالدين ! أنت تعلم أنني جديد في هذه المؤسسة و التلاميذ لا أعلم عن مستواهم إلا الشيء القليل ، و يجب عليّ أن أتحرى مزاعم هذه الفتاة و إلاّ وصل الأمر إلى والديها و حينذاك يتعقد المشكل .
هذه الفتاة تتهمك بأنك استبدلت ورقتها الجديدة التي تحوي الإجابات الصحيحة بالورقة الأولى التي كانت تحوي الإجابات الخاطئة . قلت له : لماذا أفعل هذا ؟ فالتفتُ إليها و قلت : متأكدة بنيتي مما تصرحين ؟
نعم أستاذ ! فلولاك ما أخذت نقطة متدنية . نظرت إليها و أنا أزداد حيرة من جرأتها على الكذب .
تذكرت أن ورقتها لم أرمها بل كنت قد وضعتها في خزانتي مع عدة أوراق لم تكن حملة النظافة التي أقوم بها آخر كل فصل قد وصلتها . اتجهت بثبات نحو الخزانة تحت نظرات الحيرة التي كانت ترتسم على عيني الفتاة الجريئة و أستاذها كلما دنوت من الخزانة .
هذه هي الورقة ذات الست عشرة أو أكثر التي كنت تتحدثين عنها !؟ ، نظرت إلى أستاذ الإنجليزية و قلت له : أطالبك و هذا من حقي ، أن تقوم بتقييم هذه الورقة بحضوري و حضور هذه الفتاة الجريئة ، إن حصلت على أكثر من عشرة ، فالطفلة صادقة و أنا الكاذب ، اخترنا زاوية من زوايا القاعة و راح أستاذ الإنجليزية يقيّيم على مهله في استغراق طويل ، التفتَ إلى الفتاة وقال بصوت أقرب إلى العتاب : لماذا فعلت هذا ؟ أتقدِّرين فداحة خطئك ؟ ، قاطعتُه قائلا : أستاذ بكم قيّمت هذه الورقة ؟
أربع فاصل خمس( 04،5) على أكثر تقدير ! أستاذ ! هل تيقنت الآن من جرأة هذه الفتاة ؟.
أخذ الأستاذ يمطرها بوابل من الشتائم ، و أنا أمامهما و اقف ساكن لا أفكر إلاّ في شيئين فقط لا غير : ماذا كان سيحصل لو أنني لم أحتفظ بورقة الاختبار الأولى التي لولاها ما نجوت من كيد هذه التلميذة (الجريئة ) و الشيء الثاني أن أضربها بركلة ألصقها بباب قاعة الأساتذة ثم أضع استقالتي و أمضي في حالي .
يتبع ...